الكتاب: مبادئ الوصول
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء:
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق: إخراج وتعليق وتحقيق : عبد الحسين محمد علي البقال
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: رمضان ١٤٠٤
المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي
الناشر: مركز النشر - مكتب الإعلام الإسلامي
ردمك:
ملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم
مبادئ الوصول إلى علم الأصول
1

مركز النشر - مكتب الاعلام الاسلامي
اسم الكتاب: مبادئ الوصول إلى علم الأصول
الكاتب: العلامة الحلي
اخراج وتعليق وتحقيق: عبد الحسين محمد علي البقال
الناشر: مركز النشر - مكتب الاعلام الاسلامي
طباعة وتصحيف: مطبعة مكتب الاعلام الاسلامي
تاريخ النشر: رمضان 1404
طبع منه: 3000 نسخة
حقوق النشر محفوظة للناشر
مراكز التوزيع:
قم شارع ارم - مكتبة مكتب الاعلام الاسلامي - هاتف: 23426
طهران - شارع ناصر خسرو - زقاق حاج نايب - سوق خاتمي هاتف: 539175
2

مبادئ الوصول
1 - في: أولياته
2 - في: علم الأصول
3 - في: فهارسه العامة
اخراج
وتعليق وتحقيق
عبد الحسين محمد على البقال
بكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الاسلامية
3

القسم الأول
أوليات الكتاب
كلمة حول الكتاب
بين يدي الكتاب
الإهداء
رجال على الطريق
المترجم له في سطور
المبادئ لدى الظهور
5

كلمة حول الكتاب
بقلم
الحجة الشيخ
مرتضى آل ياسين
6

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله كثيرا والصلاة على أحق عباده بالصلاة محمد وآله السادة
الهداة.
وبعد فهذه جهود تتابعت وتلاحقت واستمرت ليالي وأياما
طوالا حتى انبثقت عن ابراز هذا الجهود المحمود المتمثل بما علقه
على هذا الكتاب قلم الكاتب الألمعي الأستاذ البقال حفظه الله
الذي أصاب بعمله هذا حظا من التوفيق الإلهي حين شاء له
السبق في هذا المضمار في وسط يزخر بالعلماء والأدباء.
وليست الغبطة في اخراجه هذا الكتاب إلى النور فقد سبقه
إلى ذلك آخرون وانما الغبطة في إخراجه له بهذه الحلة القشيبة
التي لم يسبق له ان اكتسى بمثلها قبل اليوم ولا شك في أن
قراءه سوف لا يبخسون حقه من الشكر والتقدير ولعل فيهم من
سيقول وما الفائدة من نشر هذا الكتاب في عصر تطور فيه
علم الأصول تطورا قفز به عن مستوى الكتاب إلى أبعد الحدود
حتى لقد أصبح في شاكلة تكاد لا يشدها بشاكلته الأولى الا
الاسم والاسم فقط.
وانها لقولة لا تعدو منطق الصواب لو كان الهدف عن نشر
7

الكتاب توفير مناهج الدراسة على المشتغلين بدراسة هذا العلم
في الوقت الذي يتوفر لديهم من مناهجه ما يبلغ بهم حد التخمة
غير أن هذا ليس من أهداف ناشره في شئ وانما هدفه الأول
والأخير هو الكشف لمعاصريه من أبناء هذا العلم عن ركيزة موجزة
من ركائزه الأولى التي قامت على أسسها صروحه الشامخة فيما
تلتها من عصور لكي يعرف الألباء من القراء كيف البذرة تكون
شجره وكيف الشجرة تؤتي الثمرة إذا ما تعاهدتها العقول النيرة
والأدمغة المفكرة فشكرا والف شكر منى ومن كل من استساغ
جرعة من معين العلم لذلك العلم العيلم علامة الزمن الذي مهد
ووطد وأسس وبنى وعانى في سبيل العلم ما عانى ثم ترك
من ورائه تراثا علميا من أضخم التراث ما تزال الأجيال تستضيئ
بنوره والأجواء تتعطر بعبيره ولسوف يبقى هكذا منارا قائما
مشعا ما بقى للاسلام اسمه وللدين رسمه إن شاء الله تعالى
والله خير حافظا وهو ارحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
7 / 6 / 1390 ه‍ مرتضى آل ياسين.
8

بين يدي الكتاب
الانسانية بحاجة إلى خبز!! سمعتهم يهتفون: فهتفت:
بل هي بحاجة إلى حب.
قالوا: هي بحاجة إلى تشريع!! قلت: بل إلى الجميع وغيره
إلى العقيدة والتربية والعلوم والآداب.
قالوا هيا إلى النضال إذن!! قلت، أتريت
قال أحدهم: إنما تتعب نفسك!! قلت: ألا تسائلني السبب؟!!
قالوا: لم؟ وعلام؟ قلت: دونكم الحياة أناشدكم أحداثها؟
قالوا: هي في تجدد وتنوع وتكثر!! قلت ما السبيل إلى حلها؟؟
قالوا: إليك السؤال نحيله
قلت لابد من رصيد. تتمثل فيه الكليات المستنطقة، من
خطوط النظام العريضة. كي تكون،، العدة،، لمستقبلنا،
و " المعارج " " لمعالم " مصيرنا...
قالوا: نراك تسير بنا إلى معرفة " أصول الاستنباط "
قلت: بدراسة علم الأصول.
قالوا: نمضي معك!! قلت: إني معكم...
قالوا: بم نبدأ قلت: لدي
،، مبادئ الوصول،،...
المخرج
9

الاهداء
إلى الذين يشمرون عن سواعد الجد لخدمة أمتهم
وجيلهم وأجيالهم القادمة.
إلى الذين عقدوا العزم لرفع كاهل البؤس الروحي
والشقاء الفكري عن واقع انسانيتنا المعذبة.
إليهم في كل زمان ومكان، نقدم هذه الدراسة الموجزة
عن شخصية فذة، لعبت دورا مهما في تأريخ المعرفة يومها ولا تزال.
ونيسر هذا النتاج الفكري لعقل مبدع لا زالت بحوثه
تحتل الصدارة، في ميادين العلم وسماء العلماء
سائلا من القدير، أن يوفقنا لان تسهم الذكرى،
لهذه الشخصية ونتاجها، في توضيح بعض معالم الطريق، كي
يكون لنا فيها عظة وعبرة.
وكي نتأكد: بأن عاقبة المخلصين، ليست في حياتهم
الأولى وإنما كما قالوا قديما:
الذكرى للانسان حياة ثانية.
المعلق
10

رجال على الطريق
لا يسعني
لا يسعني!! وانا أقدم هذا التراث إلى القراء الكرام، الا وان أنوه
بمساعي السادة الأفاضل التالية جهودهم:
1 - مولانا الحجة، الشيخ مرتضى آل ياسين، لملاحظته الكتاب،
وتفضله بقول كلمته فيه.
2 - مولانا الفاضل الشيخ كاظم شمشاد، أستاذ أصول الفقه في
كلية الفقه، لمراجعته الكتاب.
3 - الأخ الفاضل الشيخ عبد الهادي الفضلي، أستاذ اللغة العربية في
كلية الفقه، لمراجعته الكتاب ونقده.
4 - الأخ الفاضل السيد احمد محمد علي الموسوي، لمراجعته الكتاب
ونقده، في التحقيق والتعليق والاخراج.
5 - أسرة: مكتبة السيد الحكيم العامة، ومكتبة أمير المؤمنين - ع -
العامة، ومكتبة الحسينية الشوشترية، لتيسيرهم الاستفادة من النسخ الخطية
والمصورة، الواردة في متن وهوامش الكتاب.
6 - وأخيرا إلى ذلك الذي كان الكتاب كتابه، والمجهود مجهوده،
في تبنيه ورعايته ونشره، أخي الشيخ عباس محمد علي البقال.
فإليهم جميعا شكري وتقديري
11

المترجم له
في سطور
يحق لمثل هؤلاء الابطال: الذين نذروا أنفسهم
لخدمة أخطر جانب حياتي، هو ميدانها الثقافي،
والتشريعي منه على وجه الخصوص
يحق لمثل هؤلاء!! ومنهم عيلمنا هذا، أن
تدون حياتهم وتترجم شخصيتهم، ترجمة تليق
بمكانتهم متسعة جميع أبعادها. شاملة مختلف مجالاتها.
ونحن أزاء هذا الحق و. انطلاقا من تلك
المكانة، نجد لزاما علينا، أن نسطر خطوطها
على الوجه التالي:
المحقق
12

موجز حياته
تسميته ونسبته
هو: " جمال الدين، أبو منصور، الحسن بن سديد الدين يوسف،
ابن زين الدين علي، بن المطهر الحلي... " (1)
ولادته
قال سديد الدين: " ولد ولدي المبارك، أبو منصور، الحسن بن
يوسف بن المطهر، ليلة الجمعة، في الثلث الأخير من الليل، 27 رمضان
من سنة 648 ه‍ " (2).
عصره
المناسب!! أن يكنى العصر الذي ولد فيه المترجم له، بعصر ما بعد
الزحف المغولي، الذي أخذت فيه الحياة الطبيعة، تعود إلى مجاريها من
حياة الأمة من جديد، بعد الشقاء الذي عانت منه الامرين.
نعم، عقب انحسار المد التتري، الذي اجتاح العالم الانساني القائم
آنذاك، والعالم الاسلامي منه على وجه الخصوص.

(1) مستدرك الوسائل: 3 / 459 - 460.
(2) رياض العلماء: ق 2 ص 90 " بتصرف ".
13

ذلك المد!! الذي كان لوالده سديد الدين ورفاقه في المسؤولية،
الدور الكبير في إيقافه عند حده، بفضل الحنكة الرعائية والزعامة الاجتماعية
والمكانة الأسرية التي كان يتمتع بها.
الامر الذي كانت نتيجة حفظ القطر العراقي عامة، والعاصمة
بغداد بصورة خاصة، وعلى الأخص مدينته الحلة الفيحاء، من الهتك
والسلب والنهب، والدماء والدمار (1).
من كبار مشايخه
وفق الحسن بن المطهر، لان يحضى بشرف الدراسة، على عهدة
ثلة من الأساتذة المعروفين بتقاهم، المبرزين في علومهم، المرموقين بأدبهم
الذين هم على سبيل المثال:
1 - والده الشيخ سديد الدين يوسف، الذي كانت عليه عماد
تربيته، وأساسيات دراساته في العلوم العربية والشرعية.
2 - خاله المحقق الحلي، الذي طال اختلافه عليه في تحصيل المعارف
والمعالي، وتردده لديه في تعلم أفانين الشرع والأدب. وكان تلمذه عليه
في الظاهر، أكثر منه على غيره من الأساتيذ الكبراء الماجدين.
3 - الشيخ نجيب الدين يحيى، ابن عم والدته، صاحب الجامع.
4 - السيدان الجليلان، جمال الدين احمد ورضي الدين علي،
ابنا طاووس.

(1) لزيادة الاطلاع: يراجع المستدرك: 3 / 439 - 461، وكشف
اليقين: ص 18، وعمدة الطالب: ص 190، وغيرها من المصادر،
التي تصدت للحديث عن تلك الفترة، ودونت مختلف أحداثها.
14

5 - الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني.
6 - الشيخ الخواجة نصير الملة والدين الطوسي.
7 - الشيخ النبيل المولى نجم الدين، علي بن عمر الكاتبي القزويني، الشافعي.
8 - الشيخ برهان الدين النسفي، المصنف في الجدل.
9 - الشيخ جمال الدين الحسين بن أبان النحوي، المصنف في الأدب.
10 - الشيخ المفسر عز الدين أحمد بن عبد الله الفاروقي الواسطي.
11 - الشيخ تقي الدين عبد الله بن جعفر بن علي الصباغ الحنفي.
12 - الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الكشي، المتكلم الفقيه (1).
من أفاضل تلامذته
فاز العلامة مما فاز به، بنخبة من المشتغلين على يديه، كانوا في
قابل سنيهم وعلى مر الزمن، الذخيرة الحية التي خلفها لخدمة أمته وشعبه،
والذين منهم على سبيل الاختصار:
1 - ولده فخر المحققين، الذي ألف لأجله الكثير من الكتب،
كما وله من والده وصية خاصة، ختم بها كتاب قواعده، تشتمل على محاسن
الأخلاق ومعالي الأمور. يروي عن أبيه ويروي عنه جمع، أظهرهم الشيخ
الشهيد الأول، والشيخ ابن المتوج البحراني، والشيخ ظهير الدين النيلي
والشيخ نظام الدين النيلي، والسيد بهاء الدين النيلي، ومجد الدين
الفيروز آبادي صاحب القاموس، وغيرهم...

(1) ذكرت هذه الأسماء، كمشايخ للعلامة، بعضا أو كلا، في
مجموعة من المصادر، منها: أمل الآمل 2 / 350، وروضات الجنات 2 / 175
والبحار 1 / 211 و 25 / 22.
15

2 - الشيخ تقي الدين، إبراهيم بن محمد بن محمد البصري، وهو الذي التمس
أستاذه العلامة، فكتب له مبادئ الوصول إلى علم الأصول.
3 - الشيخ علي بن الحسن الامامي، الذي شرح من مصنفات
أستاذه، مبادئ الوصول إلى علم الأصول، وسماه خلاصة الأصول،
وفرغ من الشرح في سنة 706 ه‍، وتوجد منه نسخة بخط الشيخ حيدر
ابن إبراهيم الطبري، تاريخ نسخها سنة 732 ه‍ في الخزانة الرضوية.
4 - الشيخ محمد بن علي بن محمد الجرجاني الغروي، الذي شرح من
مصنفات أستاذه، مبادئ الوصول إلى علم الأصول، وسماه غاية البادي
في شرح المبادي (1).
أقوال الرعيل في حقه
قالوا: " شيخ الطائفة، وعلامة وقته، صاحب التحقيق والتدقيق
كثير التصانيف، إنتهت رياسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول " (2).
" وكفاه فخرا على من سبقه ولحقه، مقامه المحمود في اليوم المشهود
الذي ناظر فيه علماء المخالفين فأفحمهم، وصار سببا لتشيع السلطان محمد،
الملقب شاه خدابنده " (3).

(1) ذكر هذه الأسماء مستفاد باختصار، من موضوع " مدرسته
العلمية وثمارها الجنية "، الوارد في مقدمة كتاب " الألفين " ص 24 - 34
طبع ونشر المطبعة الحيدرية، بقلم العلامة السيد محمد مهدي السيد حسن
الموسوي الخرسان.
(2) رجال ابن داود: عمود 119 - 120.
(3) الكنى والألقاب: 2 / 422، والمناظرة مذكورة كاملة في مستدرك
الوسائل: 3 / 440 - 462.
16

وقال الأفندي: " له حقوق عظيمة على زمرة الامامية،
لسانا وبيانا، وتدريسا وتأليفا، وقد كان جامعا لأنواع العلوم، مصنفا
في أقسامها، حكيما متكلما فقيها محدثا أصوليا، أديبا شاعرا ماهرا، وأفاد
وأجاد، على كثير من فضلاء دهره، من الخاصة بل من العامة أيضا،
كما يظهر من إجازات علماء الفريقين.
كان من أزهد الناس وأتقاهم، ومن زهده ما حكاه السيد حسين
المجتهد، في رسالة النفحات القدسية عنه، أنه قدس سره أوصى بجميع
صلاته وصيامه مدة عمره، وبالحج عنه مع أنه كان قد حج " (1).
كما وروي: " أنه لما حج، اجتمع بابن تيمية في المسجد الحرام
فتذاكرا، فأعجب ابن تيمية بكلامه، فقال له: من تكون يا هذا؟ قال
الذي تسميه ابن المنجس، يريد بذلك التعريض بابن تيمية، حيث سماه
في منهاج السنة بابن المنجس، فحصل بينهما انس ومباسطة " (2).
وقال الصفدي: " كان ريض الأخلاق حليما، قايما بالعلوم حكيما
طار ذكره في الأقطار، واقتحم الناس إليه المخاوف والأخطار، وتخرج
به أقوام، وتقدم في آخر أيام خدابندا تقدما زاد حده، وفاض على
الفرات مده " (3).
كما وقال أبو محمد الحسن الصدر: " لم يتفق في الدنيا مثله، لا في
المتقدمين ولا في المتأخرين، وخرج من عالي مجلس تدريسه خمسماية مجتهد " (4).

(1) رياض العلماء: م 2 ص 90 " باختصار ".
(2) الدرر الكامنة: 2 / 72، وورود في الهامش: هكذا وجد بخط
السخاوي عن شيخه.
(3) أعيان العصر: الفيلم 1809.
(4) تأسيس الشيعة: ص 270.
17

نهاية المطاف
نعم، كانت نهاية مطاف حياته رحمه الله، أن انتقل إلى جوار ربه
ليلة السبت، حادي عشر المحرم، سنة ست وعشرين وسبعمائة هجرية.
ودفن: بالمشهد المقدس الغروي، على ساكنه من الصلوات أفضلها
ومن التحيات أكملها " (1).

(1) نقد الرجال: ص 99 - 100.
18

العلامة المرجع
كلام في الشخصية
الشخصية: درجة من النضوج، تكسب صاحبها بفعل الخبرة الطويلة
صلاحية النطق باسمها أو أكثر الجهات من جوانبها، حين تغدو خاصة
لازمة له تشده إلى مقوماتها وشرائطها.
من مصاديق الشخصية
ثم هي بعد ذلك: مفهوم سلوكي له ميادينه المتشعبة الأطراف، كما
وهي تتسع لمصاديق تتكثر تكثر المذاهب والمعارف والفنون، التي تتوزع
دنيا الناس.
فمثلا: هذه شخصية سياسية، وتلك عسكرية، وثالثة ثقافية،
ورابعة تربوية، وخامسة اقتصادية، وهكذا...
الشخصية المرجعية ومقوماتها
إلا أن من مصاديقها أيضا نوعا آخر، قد عرفته الحياة الاسلامية
تلك هي " المرجعية ".
وهي فيما يبدو محصلة نشاطات ثلاثة.
الأولى: المقومات التقوية في مقامي الرعاية والسلوك.
الثانية: المقومات الاجتهادية في مقامي الأصول والفقه.
الثالثة: المقومات القيادية في مقامي الإدارة والتوجيه.
19

المرجعية حاجة مصيرية
هذا اللون من الشخصية، هو الذي يعد بحق أهم مكسب مصيري
ينشده المتدينون في حياتهم المستقبلية، من بين جوانب شخصيتهم.
هذا!! إذا لم نقل إنها تمثل الركيزة الام، التي تندك عندها جميع
الجوانب، وتنتظم في خدمتها مختلف الطاقات والقابليات، وتتضاءل
عند وجودها جميع المكاسب والامتيازات.
وهو الوحيد الذي يصلح لان يكون المقياس الصحيح، الذي تقوم
على أساس منه شخصية العاملين في الحقل الاسلامي، وبالخصوص مراجعهم
ومنهم العلامة، على طول المسيرة الحياتية في ماضيها وحاضرها
ومستقبلها.
وما ذاك!! إلا لان المرجعية هي البديل الأفضل، بل الوحيد لحفظ
مفهوم " النيابة العامة عن الامام ".
لذا!! فليس من الغريب، إذا وجدنا فقهاءنا يؤكدون بما لديهم
من أدلة، على وجوب وجودها، في شخصية المجتهد العادل، سواء أكان
ذلك الوجوب يتحقق كفائيا أم عينيا.
المرجعية هدف أساسي
نعم، هي هدف أساسي.
ذلك لان!! الإماميين بواقعهم، يعون المشكلة الأساسية التي تلازم
الانسانية في مسيرتها، منذ مولدها وحتى آخر لحظة من عمرها، تلك
المشكلة التي تتجسد في حاجة البشرية إلى النظام الأصلح، وإلى من يصلح لقيادتها.
صحيح أن الآداب، من قصص وخطب ومقالات وقصائد وملاحم
هي أوليات لا يمكن التفريط بها.
20

ولا شك أن العلوم الطبيعة، من كيمياء وفيزياء وهندسة ونبات
وحيوان، هي ضروريات لا يمكن الاستغناء عنها.
كما لا نقاش في أن العلوم الانسانية، من نفس وتربية وصحة، هي
لا بديات لا يحق لنا التقليل من شأنها.
لكن الذي نتوخى التنبيه عليه هنا، هو تحديد العنصر الأهم من بين
مهم عناصر حياتها، عل أن تؤخذ تلك جميعا بنظر اعتبارها.
وما العنصر الأهم من بين تلك جميعا، إلا النظام الأصلح من جهة (1)
والا العلوم الشرعية ذات الصلة، لغة وفقها وأصولا وتفسيرا وغيرها من
جهة أخرى.
فإذا النظام في دنيا البشرية هو هدفها، والحاجة الأساسية لها، كان
ولا يزال.
وإن المسلمين كانوا ولا زالوا يرون في الشرعية الاسلامية، النموذج
الواقعي الفريد، الذي يتوافر على ذلك النوع الأصلح منه.
إذا كان الامر كذلك، ففي هذا الحالة تكمن الأهمية، في دراسة
مقومات النخبة المؤمنة المحنكة، التي تتولى مهمة الاشراف على ذلك النظام
من فهم ووعي وتنفيذ.
وبالتعبير الحوزوي الدقيق: الركائز الأساسية للشخصية المرجعية،
المفتية والمنفذة، من ورع واجتهاد وحنكة وأعلمية...

(1) للتوسع!! يراجع " الانسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية "
للحجة السيد محمد باقر الصدر.
21

المرجعية في مهامها
هي تلك التي تعيش هموم الأمة كل الأمة، متجاوبة مع مشاكلها، متبنية
لقضاياها، منافحة عن حقوقها، عاملة على تحقيق عزتها وكرامتها، جاهدة
في توحيد صفوفها.
هي: التي تستلهم الحنكة والوعي وبعد النظر ومراعاة العواطف،
مستفيدة من التأريخ الحضاري المدروس، والانفتاح الحذر الموجه، عدة
لمواقفها، وقاعدة لكل ما يمر بها من أحداث، محلية ودولية وعالمية، إسلامية
ولا إسلامية، ثقافية وتربوية، اقتصادية وسياسية وغيرها، على المدى
القريب أو البعيد، فتتخذ المواقف المناسبة لها، بعد التأكيد من شرعيتها
وصلاحيتها، وبعد الإحاطة التامة بمتطلبات تلك المواقف من حيث تهيئة
مقدماتها، وبالتالي كيفية تسيير دفتها، إلى شاطئ أمنها وأمانها.
هذا هو الخط العريض لتقويم الشخصية وبيان مرتكزاتها، ولكن...!!
ولكن!! وبالنسبة للحلي، ترى ما المناسبة التي كانت سببا في وضعه
على خط هذه المرجعية، فسهلت له أسباب تسلم زعامتها.
المرجعية في بزوعها
تلك نقطة مهمة في البحث: أن يبرز الرجالي مفتاح المرجعية وسر
بزوغها، لدى المرجع الذي يقوم على دراسة حياته، إن في مجاله الخاص أو العام.
ومعنى ذلك: التعرف على الحادثة أو المناسبة، التي جعلت من أبي
منصور، شخصية مرجعية، تظهر وتفرض وجودها في عالم المرجعيات.
22

وبالنسبة لابن المطهر: إنما يتحقق ذلك، إذا وقفنا على سر تسميته
بالعلامة، حتى عاد هذا اللقب اسما له، يعززه من بين الاعلام التأريخية
المعاصرة أو اللاحقة له، الامر الذي إذا ذكر، تبادر الذهن إليه دون سواه.
نعم، تلك نقطة مهمة...
ولكن للأسف!! وبحدود اطلاعي، لم أعثر على مصدر يقودني،
للوقوف على وجه هذه التسمية.
إنما كل الذي وجدته، هو أنه اشتهر بهذا اللقب، كما نص على
ذلك الأفندي في رياضه (1).
هذا!! ويبدو لي، أنه حصل عليه، عقب مناظرته - وما أكثر
مناظراته!! - الفريدة في مجلس خدابنده، التي كشفت عن سعة ودقة
علمه، والذي منح له على سبيل الارتجال في بداية الامر، ثم لازمه
بدافع الشهرة في نهاية المطاف.
خلاصة القول
هذه هي المرجعية في خلاصتها، وما علينا إلى المباشرة في تفاصيلها.
هذه هي الصورة الأكمل من الشخصية، التي يجدر بنا دراسة علامتنا
على ضوئها.
ولكن!! وحيث إن دراسة المترجم له هنا، تعتبر شيئا ثانويا، إذا
ما قيست بالنسبة لكتابه المحقق.
فعلى هذا!! سنقتصر الحديث في هذه الحالة - مرجئين الجوانب
الأخرى ومتعلقاتها - على الجانب الاجتهادي من الوجهة العلمية لابن
المطهر كمؤلف، والجهة الفكرية له كأصولي،...
وهي كما يلي:

(1) رياض العلماء: ق 2 ص 90.
23

العلامة المؤلف
فكرة عن مؤلفاته
لان كان النقل يكشف عن بعض الصورة...
وأن المباشرة بالسؤال تتعرض لجوانب مهمة فيها...
فان النتاج الثقافي بالأخير، هو خير ما يتعرف به، على الصورة
الكاملة لعلمية المرجع وحدود أعلمية.
على هذا!! فإن المتتبع لكتب العلامة، يجدها من الكثرة درجة،
الامر الذي جعله حيالها في مصاف القلة من المؤلفين، الذين جادت بهم
إنسانيتنا في تأريخها الطويل.
بل!! ومن ناحية ثانية: فإنها تتصف بالتنوع، باعتبار تعدد العلوم
التي تطرقت إلى بيان مضامينها.
هذا!! إذا لم نقل من ناحية ثالثة: إنها على كثرتها وتنوعها،
تمتاز بالدقة العلمية الرصينة، وتختص بالمنهجية الهيكلية المنظمة، كما تتسم بالرشاقة
الأسلوبية الممتازة، وتنفرد بتعدد المستويات التدريجية المتعددة.
لذا!! فمن الطبيعي إذا وجدنا صاحب الكنى يصرح: " درجاته
في العلوم، ومؤلفاته فيها، قد ملأت الصحف، وضاق عنها الدفتر،
وكلما أتعب نفسي. فحالي كناقل التمر إلى هجر... " (1)

(1) الكنى والألقاب: 2 / 242.
24

وجودها الفعلي
بعد مراجعة معظم المصادر التي تصدت لعرض مختلف مؤلفاته من
جهة، وملاحظة ما هو موجود منها فعلا من جهة ثانية، نراها تنقسم إلى:
أولا: كتب لا زالت مخطوطة، كرسالته في " آداب البحث "،
وموسوعته " استقصاء الاعتبار " وغيرهما.
ثانيا: كتب خرجت إلى حيز الطبع، وهي كثيرة، ومنها كتابنا هذا.
ثالثا: كتب مفقودة، لم يحفظ منها سوى الاسم، من قبيل كتابه
" نهج العرفان في علم الميزان ".
رابعا: كتب مشكوكة النسبة، له ولغيره، ككتاب " الكشكول
فيما جرى على آل الرسول " (1).
مجمل تقويمها
إن المقومين لمؤلفات من نترجم له، بعض قوم الكم والكيف مرة
واحدة، وبعض ثان تطرق إلى الكيف دون الكم، وبعض ثالث اتجه في
تثمينه إلى الكم دون الكيف.
علما!! بأن المقومين لها كيفا، سلكوا سبلا ثلاثة: فمنهم من
تناول المجموع، ومنهم من تعرض لكل جانب من مؤلفاته على حدة،
وآخرون - وهو منهم - اختص تقويمه بكل كتاب بمفرده.
في حين أن المقومين لها كما، نهجوا طريقين اثنين: ففريق كان

(1) أعيان الشيعة: 24 / 327.
25

تثمينه على أساس من مجموعها في مقام الكثرة، والفريق الاخر كان تثمينه
على أساس من مجموعها في مقام الشمول، أي استيعابها لأكبر عدد ممكن
من العلوم والمعارف التي ألفت فيها.
التقويم الكمكيفي
ففي هذا المقام قال التفريشي: " ويخطر ببالي أن لا أصفه، إذ
لا يسع كتابي هذا، ذكر علومه وتصانيفه وفضائله ومحامده، وإن كل
ما يوصف به الناس من جميل وفضل فهو فوقه، له أزيد من سبعين
كتابا في الأصول والفروع والطبيعي والإلاهي وغيرها " (1).
تقويم الكيفي
وفي مقام التقويم الكيفي، فقد تكلم المعنيون فيه إلى:
أولا: في صدد المجموع
وهنا قال البحراني: " نقل بعض متأخري أصحابنا: أنه ذكر ذلك
عند شيخنا المجلسي رحمه الله، فقال، ونحن بحمد الله لو عدت تصانيفنا
على أيامنا لكانت كذلك، فقال بعض الحاضرين: إن تصانيف مولانا
الآخوند مقصورة على النقل، وتصانيف العلامة مشتملة على التحقيق والبحث

(1) نقد الرجال: ص 99.
26

بالعقل، فسلم رحمه الله ذلك، حيث كان الامر كذلك " (1).
ثانيا: في صدد النوع
فقد ذكر السيد بحر العلوم: " صنف في كل علم كتبا، وأتاه الله
من كل شئ سببا. أما الفقه: فهو أبو عذره، وخواض بحره، وله
فيه اثنا عشر كتابا، هي مرجع العلماء وملجأ الفقهاء.
وأما الأصول والرجال: فإليه فيهما تشد الرحال، وبه تبلغ الآمال
وهو ابن بجدتها ومالك أزمتها.
وله قدس سره في التفسير والحديث وفنون العربية كتب كثيرة،
ذكرها في " الكتابين "، ولكن لم يكتحل بشئ منهما ناظر العين... " (2).
ثالثا: في صدد الفرد
حيث قوم العلامة نفسه كتبه واحدا واحدا بقوله:
" كتاب منتهى المطلب في تحقيق المذهب ": لم يعمل مثله، ذكرنا
فيه جميع مذاهب المسلمين في الفقه. ورجحنا ما نعتقده، بعد ابطال حجج
من خالفنا فيه.
" كتاب مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ": ذكرنا فيه خلاف علمائنا
خاصة، وحجة كل شخص، والترجيح لما نصير إليه.

(1) لؤلؤة البحرين: ص 226.
(2) رجال بحر العلوم: 2 / 257 - 286 " باختصار ".
27

ككتاب " إستقصاء الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار ": ذكرنا فيه كل
حديث وصل إلينا، وبحثنا في كل حديث منه على صحة السند وإبطاله،
وكون متنه محكما أو متشابها، وما اشتمل عليه المتن من المباحث الأصولية
والأدبية، وما يستنبط من المتن من الأحكام الشرعية وغيرها.
كتاب " نهج الايمان في تفسير القرآن ": ذكرنا فيه ملخص الكشاف
والتبيان وغيرهما... " (1).
التقويم الكمي
وفي مقام التقويم الكمي: فقد تكلم عنها أصحاب التراجم في ناحيتين:
أولا: في مقام الكثرة
فقد أورد الطريحي: " له كثير من التصانيف.
وعن بعض الأفاضل: وجد بخطه خمسمائة مجلد من مصنفاته، غير
خط غيره من تصانيفه.
قال الشيخ البهائي: من جملة كتبه قدس سره، كتاب شرح الإشارات "
ولم يذكره في عداد الكتب المذكورة هنا، يعني في الخلاصة، قال: هو
موجود عندي بخطه " (2).

(1) رجال العلامة: ص 43 - 44 " باختصار ".
(2) مجمع البحرين: 6 / 123.
28

ثانيا: في مقام الشمول
- 1 -
قال المحسن الأمين العاملي: " سبق في فقه الشريعة، وألف فيه
المؤلفات المتنوعة، من مطولات ومتوسطات ومختصرات، فكانت محط
أنظار العلماء، من عصره إلى اليوم، تدريسا وشرحا وتعليقا.
فألف من المطولات ثلاثة كتب، لا يشبه واحد منها الاخر، وهي
المختلف: ذكر فيه أقوال علماء الشيعة وخلافاتهم وحججهم، والتذكرة:
ذكر فيها خلاف علماء غير الشيعة وأقوالهم واحتجاجهم، ومنتهى المطلب:
ذكر فيه جميع مذاهب المسلمين.
وألف من المتوسطات كتابين، لا يشبه أحدهما الاخر، وهما:
القواعد: فكانت شغل العلماء في تدريسها وشرحها، من عصره إلى اليوم
وشرحت عدة شروح، والتحرير: جمع أربعين ألف مسألة.
وألف من المختصرات ثلاثة كتب، لا يشبه أحدها الاخر، وهي:
إرشاد الأذهان، تداولته الشروح والحواشي أخصر. وإيضاح الاحكام،
أخصر منه، والتبصرة لتعلم المبتدئين، أخصر منهما.
- 2 -
وفاق في علم أصول الفقه، وألف فيه أيضا المؤلفات المتنوعة، من
مطولات ومتوسطات ومختصرات، كانت كلها ككتبه الفقهية، محط أنظار
العلماء في التدريس وغيره.
فألف من المطولات: النهاية، في مجلدين كبيرين.
ومن المتوسطات: التهذيب، وشرح مختصر ابن الحاجب.
29

ومن المختصرات: مبادئ الوصول إلى علم الأصول.
- 3 -
وبرع في الحكمة العقلية، حتى أنه باحث الحكماء السابقين في مؤلفاته
وأورده عليهم، وحاكم بين شراح الإشارات لابن سينا، وناقش النصير
الطوسي، وباحث الرئيس ابن سينا وخطأه.
- 4 -
وألف في: علم أصول الدين، وفن المناظرة، والجدل.
وعلم الكلام: من الطبيعيات، والإلاهيات، والحكمة العقلية خاصة
ومباحثة ابن سينا، والمنطق.
وغير ذلك من المؤلفات النافعة، المشتهرة في الأقطار.
وألف في الرد على الخصوم والاحتجاج المؤلفات الكثيرة " (1).
المنهجية في مؤلفاته
المنهجية لدي العلامة عنصر ضروري، قد توفرت عليه جميع مؤلفاته
وهذا ما نلمسه جليا عند مطالعة مختلف كتبه، ومراجعة جميع فهارس
بحوثه، الامر الذي جعله أزاءها من الرواد الأوائل، الذين أسهموا في
إعطاء هذا الفن حقه من الأهمية.
وهي تتضح في كتابه هذا بالخصوص على الشكل التالي:
أولا: في هيكله العام
وذلك يعني رسم صورة كاملة عن الكتاب في خطوطه العريضة،

(1) أعيان الشيعة: 24 / 279 - 280 " باختصار ".
30

والتي انتظمت كما يلي:
أولا: تقسيم الكتاب برمته إلى اثني عشر فصلا، كل فصل منه
خاص بمعالجة جانب معين من عديد جوانبه.
ثانيا: ثم تقسيم الفصل الواحد بدوره إلى مجموعة من البحوث،
تقل وتكثر حسب أهميتها، كل بحث فيه مختص بدراسة موضوع واحد
من مختلف مواضيعه.
ثالثا: وبالتالي تقسيم البحث الواحد هو الآخر، إلى مجموعة من
الفقرات تتسع كثر مسائله، التي تقصر وتكبر وتتعدد، بحسب مكانة
الفكرة التي يتعرض لشرحها، ثم مدى المعلومات المتوفرة لديه عنها.
ثانيا في هيكله الخاص
وهذا مختص ببيان القاعدة التي سار عليها المؤلف في بحوثه وهي:
أولا: تحديد الفكرة المبحوث عنها.
ثانيا: عرض أهم الآراء المنقولة فيها مع سرد أهم أدلتها.
ثالثا: مناقشة تلك الأدلة، مع عليها من ردود مختلفة، نقضا وإبراما.
رابعا: الكشف عن رأيه إن كان له رأي، سواء أكان مقابلا أو
مطابقا أو منفردا، عن آراء الآخرين اللذين تعرض لأقوالهم، وسواء
أكانوا من رواد مدرسته، أو من أقطاب المدارس الأخرى.
هذه!! هي القاعدة العامة لديه، وقد يتصرف فيها أحيانا، تقديما
أو تأخيرا لبنودها، بأن يعرض رأيه أولا، ثم آراء الآخرين، أو بالعكس
أو أن يكون رأيه واضحا جليا، أو أن يكتفي بغيره بالسكوت عنه.
31

العلامة الأصولي
من تاريخه الأصولي
بعد أن كانت دراسة الأصول الفقهية - لوجود الإمام (ع) - شيئا
مسكوتا عنه، إذا ما قيس بالنسبة لمشاغلهم الأخرى، من فقه وحديث
وتفسير وغيرها.
لكنهم بعد ذلك!! أخذوا يعطون هذا الجانب من مهم حياتهم كل
ما يليق به، من حدب وجهد وشوق، متخذين من الاحتياطي التشريعي
قرآنا وسنة، لاستنباطهم ذريعة، ومن التلاقح الفكري بين روادهم
وأولئك الفطاحل من غيرهم، لقواعدهم عدة،...
فكان أن بات الأصول من الفقه، يتخذ لنفسه طابعا جديا من التخصص
في مواضيعه من جهة، والتوسع في فصوله من جهة ثانية، والتعمق في
بحوثه من جهة ثالثة.
إلا أن هذا التقدم توقف برهة، وهو لما يزل في بداية أشواطه،
بعد ما خيم على ربوعه الدمار التتري، فكاد العلم منه أن يلفظ أنفاسه،
حين مني بخسارة فادحة، بحرق وضياع تراثه.
هنا!! وعلى أعقاب ذلك الزحف المغولي، برز علامتنا الحلي والنخبة
المؤمنة من رفقته، جنود العلم ورواده، فواصلوا المسيرة لمرحلة ما بعد
الزحف، حيث عملوا جاهدين، على إعادة بناء ذلك الوليد الأصولي،
فالصعود به شابا على أسس متينة من البحث والتتبع والاستقصاء.
فكانوا بذلك: الامتداد الطبيعي للخط الامامي في عرض هذا العلم
32

بعد ما فتح أبوابه أبو عبد الله والمرتضى والطوسي وأقرانهم... (1)
عدته الأصولية
أما الذي مكنه من البروز في هذا الميدان تدريسا وتأليفا فجهات هي:
أولا: تربيته الأسرية، فقد عرف عنه، أنه عاش في بيت اجتهادي
فأبوه سديد الدين، وخاله المحقق، وابن عم والدته الشيخ نجيب الدين،
وغيرهم من فطاحل العلم والمعرفة.
ثانيا: أخذه المعارف الأصولية، إمامية وغيرها، من مصادرها
الأساسية، وذلك بقراءته وسماعه، فترة لا يستهان بها، على خيرة أساتذتها.
ثالثا: ثقافته الموسوعية في بقية نواحي العلوم الحياتية الأخرى، حتى
أنه ألف كتبا عدة في الكثير من فنونها، فمكنه من استيعاب كل ما
له صلة بموضوعه من بحوثها.
رابعا: احتكاكه المباشر بوسط، يضم مختلف المدارس الفكرية،
وما لها من أنصار ونفوذ، إمامية وغيرها، خاصة في مدينته الحلة، وفي
يومه ذاك.
خامسا: سفراته المتعددة: وبالأخص تلك التي أملت عليه، أن
يكون على علم تام، بمعارف المذاهب المناظرة له، خاصة وأنه موفد في
مهمة خطيرة، ذات أهمية مصيرية، قد يتوقف عليها مستقبله ومستقبل
من ينتسب إليهم، ألا وهي المناظرة والمحاججة في مجلس رئيس دولة،
نقل عنه أنه سئم المذاهب، وأمام مجموعة لها مكانتها بين فطاحل العلم،
المختلفين في مذاهبهم، المتفقين على غير ما يدعو إليه.

(1) وللتوسع!! يراجع " المعالم الجديدة " للحجة الصدر: ص 51 - 76
بحث: " الحاجة إلى علم الأصول تأريخية ".
33

سادسا: وأخيرا إقبال الدنيا عليه، حيث منحته مكانة تليق بشأنه،
ومدرسة سيارة ماثلة في خدمته، وأمهات المصادر لكل ماله صلة بموضوعه
تحت متناول يده، وجمع عظيم من كبار العلماء والكتاب للدرس والتشاور
حاضرون بمعيته.
خدماته الأصولية
وتتمثل هذه في:
أولا: العمل على تهيئة مستويات دراسية متعددة، يراعى فيها العمر
الزمني والعقلي للدارسين، كما في كتبه - على سبيل المثال - بالتناوب،
مبادئ الوصول فالتهذيب فالنهاية.
ثانيا: العمل على تطبيق فكرة المقارنة بين مختلف الآراء الأصولية
في بحوثه، سواء للمدرسة الواحدة، أو لمختلف المدارس المتعددة الأخرى،
كما في البحث الثالث والربع من الفصل الثالث، في الأوامر والنواهي على
سبيل المثال.
ثالثا: المثابرة على سبر الآراء على اختلاف مشاربها، ثم الاجتهاد
في تبني ما يعضده الدليل لديه، إن كما هو، أو بعد اجراء بعض التعديلات
من إنقاص أو إضافة بعض القيود، كما في تعريف الحقيقة والمجاز مثلا،
أو موافقته لما ذهب إليه أبو حنيفة في البحث الخامس من الفصل الرابع،
في العموم والخصوص، من أن الاستثناء على خلاف الأصل، وغير هذا
وذاك كثير، تجده مفصلا بين ثنايا الكتاب.
34

* * نحن ومبادئ العلامة
وقفة مع المبادئ
والحديث عنها يتحدد بالبيانات التالية:
أولا: مبادئ الوصول
وهو كما سبق ذكره: كتاب مختصر، على غرار " منهاج الوصول
في معرفة علم الأصول "، لقاضي القضاة، ناصر الدين البيضاوي، المتوفى
عام 685 ه‍، والمطبوع أخيرا في القاهرة، عام 1389 ه‍ - 1969 م.
على أن مبادئ وصول العلامة: " مشتمل على ما لابد منه، من
مسائل أصول الفقه، ومرتب على فصول، وكل فصل على مباحث، ألفه
بالتماس تقي الدين، إبراهيم بن محمد البصري " (1)، أحد تلامذة
المصنف المرموقين.
ثانيا: طبعات الكتاب
صدرت له طبعة حجرية واحدة، في طهران عام 1310 ه‍، منظما إلى
كتاب آخر: هو " المعارج "، للمحقق الحلي، في قطع صغير، خال من الاخراج
والتعليق، وفيه شئ من السقط بين جمله وكلماته، بقياس: 17 سم * 11 سم

(1) الذريعة: 19 / 44.
35

ومعدل 18 سطرا، عدا الرقم للصفحة الواحدة، ومجموع 57 صفحة خاصة
بالمبادئ، مصححة من قبل حبيب الله الجيلاني الإشكوري.
ثالثا: نسخة الخطية
توجد له نسخ خطية عديدة، لعل أقدمها وأكثرها أهمية، هذه
النسخة التي اعتمدنا صورتها في مقابلة النص، المسجلة حاليا في مكتبة
أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف، برقم 2431 / 9، والمأخوذة عن
النسخة الام، الموجودة فعلا في مكتبة السيد أبو المعالي شهاب الدين المرعشي،
ب‍ " قم " من مدن " إيران " وهذه النسخة مكتوبة بخط تلميذ العلامة احمد الآوي، عام 703 ه‍،
ومقروءة على العلامة نفسه عام 705 ه‍، وعلى ولده فخر المحققين من
نفس العام.
رابعا: شروحه المتوفرة
طبعا!! المتوفرة في عالم المخطوطات، حيث أن أيا منها لم يوفق بعد للظهور
إلى دنيا الطبع.
وهي مذكورة مع وصف موجز لكل واحد منها، في موسوعة الذريعة
ج 14، ص 52 - 54.
أما الذي اعتمدنا عليه منها هنا، لدى التعليق على هذا الكتاب، فهو:
أولا: غاية البادي
إن هذا الكتاب المسمى ب‍ " غاية البادي في شرح المبادئ "، من
36

أهم الشروح المعروفة لمبادئ العلامة، والذي ألفه تلميذه ركن الدين
الجرجاني، خدمة لمعاصرة الجليل السيد عميد الدين ابن أخت العلامة.
وهو الشرح الذي اعتمد عليه، ورجع إليه في المهم من بحوثه "
الشيخ الأنصاري في رسائله.
توجد له نسخ خطية متعددة، منها تلك التي اعتمدنا عليها، والتي
هي موجودة فعلا في مكتبة السيد الحكيم العامة.
وهي منسوخة بقلم زين العابدين القشقائي، عام 834 ه‍، في 179
ورقة، حسب ترقيم المكتبة لها، بقياس 10 سم * 17 سم تقريبا، ومعدل
17 سطرا للصفحة الواحدة، والمسجلة لديها برقم 1094.
على أن هذا المصنف، كثيرا ما أشتبه بمصنف آخر، أطلق عليه
" نهاية البادي في شرح المبادي "، وعرف بأنه من مصنفات السيد
عميد الدين ابن أخت العلامة لا
أما الاشتباه في بدايته، فقد وقع فيما يبدو، للحجة الراحل المغفور
له، الشيخ " أغا بزرك الطهراني " في ذريعته، كما في ج 14 ص 52.
ثم استمر بعد ذلك، لمن نقل عنه، كما في سجلي - قبل التصحيح -
مكتبة الحكيم العامة ومكتبة الحسينية الشوشترية.
ولكن لدى التحقيق: بمقابلة ما يسمى بنهاية البادي، الموصوفة
" بقال دام ظله وأقول "، لما يسمى بغاية البادى، خاصة تلك المحفوظة
في مكتبة السيد الحكيم ومكتبة الحسينية الشوشترية، ثبت أن مدونات
التسميتين كلمات متفقة واحدة.
كما وأن مراجعة المصادر، التي ترجمت للسيد عميد الدين، لم نجد
فيها أي ذكر لمثل هذا المصنف - سواء في اسمه الصحيح أو المشتبه به -
يحمل مثل هذا الاسم من بين مصنفاته.
37

كذلك!! فإن مراجعة أمهات الفهارس، للكتب الخطية والمطبوعة
تؤكد عدم وجود مثل هذا الكتاب، بمثل هذا الاسم، كشرح للمبادئ
سواء للجرجاني أو عميد الدين، عدا ما ذكر في الذريعة، وما نقل عنه.
وأخيرا!! فالذي يبدو، أن الشرح واحد، وأن التعدد في عنوانه
اشتباه، وأن منشأه في القراءة، بفعل عدم وضوح الخط أولا، فعدم
التثبت منه ثانيا.
ذلك لان النسخة الموجودة في مكتبة الحسينية الشوشترية، المكتبة
التي اطلع عليها الحجة الطهراني في حياته ونقل عنها كثيرا، نسخة
سقيمة الخط.
الامر الذي جعله - والجواد يكبو - يشتبه في قراءة الجملة " وسميته
بغاية البادي "، الواردة في مقدمة الكتاب، فيقرأها " وسميته بنهاية
البادي "، حيث أن حرف الغين حسب ما رأيته، يوحي بقراءته هاء وسطية.
ثانيا: هوامش المسلماوي
كما وقد اعتمدنا في التعليق أيضا، هوامش نسخة خطية أخرى،
محفوظة في مكتبة الحسينية الشوشترية، الكائنة في قضاء النجف الأشرف
من محافظة كربلاء.
وهي موقوفة من قبل نعمة الله الطبيب، ومكتوبة عام 1026 ه‍،
بقلم " إبراهيم بن عبد الله المسلماوي الخنجراوي في البلدة المعمورة، المسماة
بالحلة ".
كذلك!! فهي بقياس 21 سم * 15 سم، ومجموع 82 صفحة، ومعدل
- 10 إلى 15 سطرا، لكل صفحة واحدة من صفحاته، حسب عدنا لها،
حيث أن النسخة أصلا غير مرقمة.
38

هذا مع العلم بأنا رمزنا لها عند الاخذ منها ب‍ " هوامش المسلماوي "
وأنها مسجلة لدى المكتبة برقم 610 / 115.
الخطة في العمل
إن القاعدة التي التزمنا بها، في جهدنا المبذول على هذا الكتاب
بالذات، بعد الفراغ من كتابه ترجمة ملخصة عن مؤلفه،...
قد تمثلت ملخصا: بإجراء مسح عام له، وذلك في متابعة نصوصه
حتى نهايتها، إن تعليقا أو إخراجا، فهرسة أو تحقيقا، كل منها في مجال
اختصاصه، وبالحدود المناسبة له، كما هو موضح في الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: في التحقيق
التحقيق فيما نفهم: السير بالنص من أوله وحتى آخره، وذلك
بمقابلته على النسخ أو النسخة الخطية المعتبرة، للتأكد من سلامة بنائه،
مع بيان أوجه الاختلاف بينها إن وجدت، والإشارة إلى ذلك كله في
الهامش، سواء أكان تحريفا أو سقطا، زيادة أو نقصا.
وحيث أن نسخة السيد المرعشي المشار إليها فيما سبق، تملك من
المرجحات الشئ الكثير، التي لم نعثر عليها - وبحدود اطلاعنا - في سواها.
من جهة: قدمها أولا، ووضوح كتابتها ثانيا، وتعدد بلاغتها ثالثا،
ووجود خطي المؤلف وولده في أولها وآخرها رابعا، وقراءتها عليهما من
قبل التلميذ الآوي العارف بأصولها خامسا.
لكل هذه الأهمية فيها، فقد اعتمدنا مقابلة كتابنا هذه عليها،
والحديث عنها بالتفصيل كما يلي:
39

الأول: مصدر الاقتناء
أما مصدر اقتناء النسخة الأصل: فهي مكتبة السيد أبو المعالي شهاب الدين
المرعشي العامة في " قم "، من مدن " إيران ".
وأما مصدر اقتناء النسخة المصورة: فهي مكتبة أميرا المؤمنين العامة
في " قضاء النجف الأشرف "، من " محافظة كربلاء المقدسة "، في
القطر العراقي.
وأما تأريخ الاقتناء ورقمه: فهو 2832، في 20 شوال، عام 1386 ه‍
كما مدون على ختم المكتبة، الموجود على أول صفحة من المصورة، وفي
أماكن أخرى منها.
وأما رقم المصورة لدى المكتبة: فهو 2431 / 9، كما ذكرناه عند
الحديث عن مبادئه.
الثاني: قياسات الكتاب
أما في مساحته الكلية: فطوله 21 سم، وعرضه 16 سم.
وأما في مساحته المكتوبة: فطوله 18 سم، وعرضه 10 سم، كما
في صفحة 15 منه، على أن الصفحات الباقية، تقاربها في الطولين.
وأما عدد صفحاته: فهي تسع وخمسون صفحة، وأن عدد الأسطر
هي 17 سطرا مع الرقم، كما في صفحة 10، وأن عدد الكلمات في السطر
12، التي هي 9 كلمات، وهي " الاشتراك، على، خلاف، الأصل،
فوجب، جعله، حقيقة، في، القدر ".
هذا مع العلم: أن الرقمين 9 و 10 متتاليا في ترتيبهما، لكنهما مكرران
في نصهما، كلمات وجملا وغيرهما.
40

وأن الصفحة رقم 46 من المصورة، متروكة فراغا لم يدون فيها أي
شئ، ويظهر أنها سقطت عند التصوير.
الثالث: نسخها وقراءتها
أما الفراغ من تأريخ النسخ: فقد وقع " ظهيرة يوم الحادي والعشرين
من شهر الله المبارك رمضان "، كما هو مذكور في الصفحة الأخيرة
من الكتاب.
وأما الناسخ له: فهو " أحمد بن أبي عبد الله بلكو بن أبي طالب
الآوي "، كما جاء ذلك في آخر صفحة من الكتاب.
وأما قراءتها: فقد قرأت على مؤلفها، العلامة الحلي نفسه، من
قبل ناسخها الآوي، في " شهر رجب من سنة خمس وسبعمائة "، كما
وقرأت أيضا، من قبل ناسخها ابن بلكو، على والد الحسن فخر المحققين
" في مجالس آخرها الحادي والعشرون من رجب سنة خمس وسبعمائة "،
وهذا ما جاء ذكره بخط العلامة ذاته، على الصفحة الأولى من الكتاب،
وبخط فخر المحققين عينه، على الصفحة الأخيرة من الكتاب نفسه.
الرابع: بلاغاتها وتعليقاتها
تحتوي هذه النسخة على مجموعة من البلاغات، كما هي مدونة في
صفحة 3 و 4 و 12 و 26، وغيرها من بقية الصفحات.
كذلك تضم مجموعة من التعليقات تتفاوت في وجودها، فهي كثيرة
كما في صفحة 6 و 27، وقليلة كما في 16 و 30.
الخامس: تجليدها
وأخيرا!! تمتاز هذه المصورة، بأنها مجلدة تجليدا عصريا مذهبا،
41

بكعب جلده اسود، وغلاف كتابه أسود، مزخرف بمكعبات من نفس
اللون، موزعة على مساحة متموجة في أسطحها بضلالها، علما بأن
التجليد حديث عهد، وهو من أعمال نفس المكتبة المقتنية.
السادس: نموذج من صفحاتها
هذا!! وأخيرا: فأدناه صورتان من هذه الكتاب المحقق، المصور
عن النسخة الأصل، بقياسه الطبيعي، تجد الأولى منهما مأخوذة من أوله
مدون عليها اسم الكتاب، وشئ من خط العلامة، وتأريخ القراءة عليه
وبعض التملكات، بالإضافة إلى اسم المصدر المقتني، ورقم وتاريخ الاقتناء.
والثانية منهما: مأخوذة عن آخره، مكتوب عليها اسم الناسخ، وتاريخ
النسخ، وشئ من خط ولد المؤلف، وتاريخ القراءة عليه، بالإضافة
إلى المصدر المقتني، ورقم وتأريخ الاقتناء.
42

الخطوة الثانية: في التعليق
التعليق لدينا يعني: مواكبة متن الكتاب لدراسته، على ضوء
المصادر المعتمدة قدر الامكان، من بدايته وحتى آخر كلمة فيه، سواء
أكان ذلك إرجاعا لقائلي آرائه، أم تعريفا للمصطلح من مفرداته، أم...
وهذا ما تم في هامش المتن - بعد وضع خط فاصل بينهما - على
النحو التالي:
أولا: نسبة الآراء
فقد عملنا جاهدين على نسبة كل رأي ورد في الكتاب، أصوليا
كان أو غير أصولي، إلى صاحبه الشرعي، كي يسهل علينا بعد ذلك، التعرف
على تلك الآراء في تأريخها، فعلى طبيعة الوضع الاجتماعي - إن أمكن -
لها في حينها، وأخيرا الملابسات الخفية التي كانت وراء تعددها في نشوءها.
كما وقد عمدنا حسب المستطاع، إلى إرجاع بعض النصوص لقائليها،
كما في بعض التعاريف المنقولة عن أبي الحسين البصري، في العام والتخصيص
وغيرهما، وذلك وفاء منا لأصحابها بذكرهم، وتأكيدا لأجيالنا المتعاقبة
على أن المعرفة حلقات متواصلة، يسعف حديثها قديمها بفضلهم.
ثانيا: تعريف بالمفردات
كثيرا ما ترد في متن الكتاب مفردات متعددة المشارب، فنعمد إلى
بيانها باختصار كما يلي:
أولا: اللغوية، كما في لفظة العين، وغيرها.
45

ثانيا: القرآنية، كما في لفظة اللسان واللغات.
ثالثا: الاصطلاحية، كما في لفظة التوقيفية والمحكم والمتشابه وغيرها.
رابعا: العقائدية، كما في لفظة الاعتزال والحنفية والأشاعرة.
خامسا: المكانية، كما في لفظة الصفا والمروة.
ثالثا: شرح العبارات
فنعمل على توضيح العبارات المغلقة في المتون، مع مراعاة الدقة
والوضوح والاستيعاب والاختصار عند التعليقة الواحدة، وأن تكون أية
واحدة منها مأخوذة من مصادرها المعنية الموثوقة المعترف بها.
فمثلا!! التعليقة النحوية نرجع بها إلى كتب النحو، والبلاغية إلى
كتب البلاغة، والأصولية إلى كتب الأصول، وهكذا...
رابعا: تخريج الآيات والأحاديث
وذلك بالعمل على تخريج ما موجود: من آيات قرآنية، وأحاديث
نبوية أو صحابية، ونصوص توراتية، من مظانها من المصادر المعتمدة
في هذا المجال، مع ذكر أسمائها وأجزائها وأرقام صفحاتها، بالإضافة إلى
ما موجود من اختلافات في ألفاظها وجملها.
خامسا: ضرب الأمثلة
بأن تكون مطابقة وواضحة، وأحيانا متعددة، لمعظم ما يرد في
الكتاب من قواعد أصولية.
كي تكون الفائدة أتم، وسهلة التناول لدى الغالبية من المعنيين
بالدراسات الأصولية، وكل في حدود استعداداته الذهنية.
46

سادسا: ترجمة الاعلام
وذلك باعطاء صورة مختصرة عن حياة كل منهم، من حيث أزمانهم
ونوع المدارس الفقهية أو الكلامية التي ينتسبون إليها، مع ذكر أهم
أعمالهم والنتاج الثقافي لديهم، خاصة ما يتعلق منه بعلم الأصول، الذي
نحن بصدد التعليق عليه.
سابعا: توضيح الوقائع التأريخية
وذلك بالعودة إلى تلك التي حدثت في صدر الاسلام منها خاصة،
والتي استدل المؤلف وغيره، عن طريقها، على نوعية الاحكام الفقهية.
ثم كيفية الاستفادة منها بعد ذلك، في انتزاع الأفكار الأصولية،
أو التأكيد على آرائه، ومدى شرعيتها في بحوث وفصول مبادئه الوصولية.
الخطوة الثالثة: في الاخراج
وهي تتلخص في نقاط ثلاث:
أولا: في توزيع النص
- 1 -
وهو يعني: ملازمة النص الكتابي، لتوزيعه بحسب عناوينه ومعنوناته
أولا، ثم إلى فقراته وجمله ثانيا، مع مراعاة فنية الترقيم والتنقيط خلاله ثالثا.
علما بأن ما يصحب مثل هذا السير من تصرفات، كالزيادة المحصورة
بين قوسين مركنين، هي تصرفات مشروعة تقتضيها فنية التوزيع، لكن
لمن هو مختص بمثل إجراء هذا النوع من التحقيقات.
47

- 2 -
أما العناوين: فقد وزعت إلى:
أولا: الرئيسة منها، وهي الفصول بالنسبة إلى هذا الكتاب
ثانيا: الثانوية، وهي البحوث المتفرعة عن فصولها.
ثالثا: الثالثية، وهي المدلولات للبحوث وخلاصاتها، مع مراعاة
انتزاع ما لم يوجد منها في بحوثها، وحصر الواحد منها بين نجمتين،
للإشارة إلى كون ما في الأصل عدم وجودها.
- 3 -
وأما موضوعاتها: فقد وزع كل واحد منها، إلى مجموعة الفقرات
التي يتركب عندها، على إعتبار أن كل واحدة منها تحمل فكرة معينة
خاصة بها، تتحدد هي الأخرى بالجملة أو مجموعة المجل، التي تنتظم
في عقدها.
- 4 -
وأما التنقيط: فهو يعني باختصار، استعمال الأدوات الخاصة به،
على حسب ما يناسبه من مواضع، من فوارز ونقط وعلامات استفهام
وتعجب وأقواس وأرقام وغيرها.
ثانيا: في استعمال الفراغات
إن توفير الفراغات في الكتاب - أي كتاب -، ضرورة يمليها نفس
تبويب موضوعاته، باعتبار عناوينها من جهة، وتوزيع الفقرات بحسب
مضامينها من جهة ثانية، ومبررات الشد الفكري المرجو نتيجة ذلك من جهة ثالثة.
48

لكنها في الوقت نفسه، لابد أن تكون في حدود المألوف الذي يلم
الكتاب، لا الكثيرة التي تبعث على تفككه، ولا الهزيلة التي توجب تشوشه.
الامر الذي يتسنى معه، أن يحضى القارئ بفرص من الراحة،
ولحظات من التأمل، وتطلعات من الشوق، تمكنه من المتابعة، فنتمكن
بالتالي من إطلاعه على المطلوب من المهام، على أحسن صورة وعلى خير
ما يرام.
وعلى ما مر!! التزمنا في فراغاتنا أزاء أقسام الكتاب الثلاثة بما يلي:
الأول: الخاص بأوليات الكتاب!! فقد أقمنا الصفحة الأولى على
مجرد ذكر اسم الكتاب الأصل، متبوعة بثانية تحمل رقم الطبعة واسم
المطبعة ومكانها وزمانها، فثالثة مختصة بفهرست اجمالي عن الكتاب ككل،
مشفوعة بصفحة فراغ تام، فخامسة متصدية لفهرسة أوليات الكتاب اجمالا،
تعقبها صفحة تحمل اسم قائل الكلمة حول الكتاب، فسابعة وما بعدها،
هي كلمة المرتضى عنها، فتاسعة لتعريف مقدم بين يدي الكتاب، فاهداء
مباشر لها، فحادية عشرة موقوفة لشكر الرجال الذين كانوا معنا على
الطريق، فتالية تأتي بعدها معنية ببيان خلاصة عن الابطال الذين واحدهم
المترجم له، ثم أخيرا تتوالى فقرات الترجمة على وجه التفصيل، يشد بعضها
البعض، مع تمييز لإحداها عن الأخرى، بالفراغات الجانبية والبينية،
فالبياضات الأولية والنهائية، التي يستلزمها توزيع تلك الفقرات.
الثاني: الخاص بأصل الكتاب!! حيث أفردنا صفحة مستقلة تحمل
اسم الكتاب ومؤلفه، متبوعة كذلك بفراغ تام، ثم ثالثة حاوية للبسملة
فرابعة قائمة بالحمدلة، ثم بعد ذلك إيقاف صفحة واحدة لكل فصل
من فصول الكتاب، مركنة برقمه وموضوعه، وأخيرا تتوالى بحوث
الفصول وفقراتها، مميزة إحداها عن الأخرى، بالفراغات الجانبية والبينية
49

فالبياضات الأولية والنهاية، التي يستلزمها توزيع تلك الفقرات ضمن بحوثها.
الثالث: الخاص بمجموعة الفهارس!! كذلك أوقفنا صفحة على
ذكر الفهرست الاجمالي لها، تليها صفحة بفراغ تام، ثم تتتابع فهارس
الكتاب على وجه التفصيل، سالكين معها نفس الخط الذي سلكناه في
توزيع فراغات الأوليات من جهة، والفصول من جهة ثانية.
ثالثا: في طباعة الكتاب
وطريقتنا هنا تتلخص بالنقاط التالية:
أولا: أن تكون العناوين الأساسية والثانوية، مخطوطة بخط جميل
يتناسب في تنويعه ويتعدد، تعدد تشكيلاتها الحروفية، وقد راعينا في كتابات
أهمها، أن تكون لمعلم الجيل، الأستاذ الخطاط الشهير هاشم محمد البغدادي.
ثانيا: أن تكون الحروف الطباعية، من النوع المسبوك سبكا جيدا
وبأحجام عديدة، تتنوع بحسب موقعها من الكتاب، فالمتن الأصل بحرف
ذي حجم 20 عادي، والهامش بحرف ذي حجم 18 عادي، ومدلولات
البحوث بحرف ذي حجم 12 أسود.
ثالثا: أن يكون الورق المستعمل في طباعة الكتاب، من النوع
الجيد، كالمعروف بزنة 80 أو 70 غراما، ومن القطع المصطلح عليه
طباعيا ب‍ " الوزيري " بقياس 17 سم * 23 سم تقريبا.
رابعا: أن يجلد الكتاب، بعد انهائه طباعيا، تجليدا نظيفا،
يمتاز غلافه بالمتانة والتذهيب واللون المناسب.
50

الخطوة الرابعة: في الفهرسة
لم يعد هناك أدنى شك، خصوصا يومنا هذا، أن الفهرسة تعتبر
في حياة الباحثين، شيئا ضروريا، ذلك لأنها تمثل الدليل الذي يسترشدون
به إلى ضالتهم المنشودة، في استكناه ما موجود من أرصدة علمية لموضوعهم
المبحوث عنه، من مصادره الموسوعية، وعلى الأخص القديم منها،
وبحسب مواضعها من أرقام صفحاتها. فيمكنهم بالتالي الإحاطة بما يرومون
دراسته، بأدق المعلومات، وأجمع مواردها، وأخصر طريق، وأدنى جهد.
هذا فضلا عن أنها كشاف حي، للتعرف على تأريخ الأفكار،
وحدود المنجز وما لم ينجز منها.
ونحن بموجب تلك الضرورة، التزمنا بوضع مجموعة من الفهارس
في نهاية الكتاب، تمثل عرضا موجزا بمعظم الجوانب المهمة من جوانب
صفحاته، على أننا لاحظنا في ترتيب معظمها أن تكون على الطريقة الابتثية.
هذا هو!! قارئي العزيز، جهدنا الذي حق لنا أن نقضي فراغنا فيه.
وها هو إليك - تنقل فيه - كما يلي:
51

القسم الثاني
مبادئ الوصول
إلى علم الأصول
العلامة الحلي
أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف
648 ه‍ - 726 ه‍
53

بسم الله الرحمن الرحيم
55

الحمد لله المتفرد بالأزلية والدوام، المتوحد بالجلال
والاكرام، المتفضل بسوابغ الانعام، المتقدس عن مشابهة
الاعراض والأجسام.
وصلى الله على سيد الأنام، محمد المصطفى وعترته
الأماجد الكرام.
أما بعد.
فهذا: كتاب مبادئ الوصول إلى علم الأصول، قد
اشتمل من علم أصول الفقه على ما لابد منه، واحتوى
على ما لا نستغني عنه.
نرجو بوضعه: التقرب إلى الله تعالى، وهو حسبنا
ونعم الوكيل.
ورتبته
على
فصول:
56

الفصل الأول
في: اللغات
وفيه: مباحث
57

الأول
في: أحكام كلية
ذهب جماعة (1): إلى أن اللغات توقيفية (2):
لقوله تعالى: " وعلم آدم الأسماء كلها " [2 / 32]، وقوله
تعالى: " واختلاف ألسنتكم " [30 / 23]، والمراد به اللغات (3).
وقال أبو هاشم (4): إنها اصطلاحية (5)، لقوله تعالى:

(1) منهم: أبو الحسن الأشعري، وابن فورك.
" المزهر: 1 / 16 بتصرف ".
(2) بمعنى أن الله عز وجل: وقف آدم (ع) على ما شاء أن يعلمه
إياه، مما احتاج إلى علمه في زمانه، وانتشر من ذلك ما شاء الله، ثم
علم بعد آدم من الأنبياء - صلوات الله عليهم - نبيا نبيا، ما شاء أن
يعلمه، حتى انتهى الامر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله، فآتاه الله من ذلك، ما لم
يؤته أحدا قبله، تماما على ما أحسنه من اللغة المتقدمة، ثم قر الامر قراره
فلا نعلم لغة من بعده حدثت. " المزهر: 1 / 9 "
(3) كما في: المزهر 1 / 16، وتفسير الطبري: 21 / 32، وتفسير
التبيان: 8 / 239.
(4) هو: عبد السلام بن عبد الوهاب الجبائي (247 - 321 ه‍)
أحد أعلام معتزلة البصرة، تبعته فرقة سميت فرقة البهشمية، نسبة إلى كنيته
أبي هاشم. أعلام الزركلي: 4 / 130 - 131، والملل والنحل: 1 / 103
- 112، والمعتزلة: 1 / 153 - 156.
(5) وذلك: بأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدا، فيحتاجوا
إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات، فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظا،
إذا ذكر عرف به ما مسماه. ليمتاز عن غيره، وليغني بذكره عن إحضاره
إلى مرآة العين، فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل، من تكلف احضاره
لبلوغ الغرض في إبانة حاله. " المزهر: 1 / 12 "
58

" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " [14 / 5].
ولا يجب أن يكون لكل معنى لفظ (1)، وإلا لزم عدم
تناهي الألفاظ، بل الواجب وضع اللفظ لما تكثر الحاجة إلى
التعبير عنه.
والعلم باللغة: واجب، لوجوب معرفة الشرع المتوقف عليها.
والكلام عند المعتزلة (2): هو المنتظم من الحروف المسموعة
المتميزة، المتواضع عليها. إذا صدرت عن قادر واحد.

(1) لعدم تناهي المعاني. " غاية البادي في شرح المبادي: ص 8 "
(2) الاعتزال: مذهب كلامي في أصول الدين، مؤسسة واصل
ابن عطاء، في مطلع القرن الثاني الهجري، ومن جملة مبادئه: أن الله
تعالى قديم، وأن الحكيم لا يفعل إلا الصلاح والخير، وأن العبد قادر، خالق لأفعاله.
وهو ذو مدارس متعددة، لكل منها عناصر خاصة بها، وإن
كانت جميعها تلتقي في عناصر مشتركة بينها.
هذا!! ومن جملة مدارسه: الهذيلية أصحاب أبي الهذيل محمد بن الهذيل،
والجبائية جماعة أبي علي محمد بن عبد الوهاب وابنه أبي هاشم عبد السلام.
الملل والنحل: 1 / 57 - 112، والمعتزلة: 1 / 1 - 267، وأمالي
المرتضى: 1 / 163 - 169.
59

ويطلق على الجملة المفيدة (1).
البحث الثاني
في: تقسيم الألفاظ
وهو من وجوه:
أحدها: أن اللفظ إن دل على الزمان المعين بصيغته (2)
فهو الفعل، وإلا فهو الاسم إن استقل بالدلالة، وإلا فهو الحرف،
الثاني: اللفظ إما مفرد وإما مركب، فالأول ما لا يدل
جزوه على جزو معناه حين هو جزؤه كزيد (3)

(1) اعلم: أن الكلام عند الأصوليين، أعم من الكلام عند النحويين
فإنهم أخذوه بحيث يشمل الكلمة والجملة المفيدة، فمفهوم الكلام عندهم
هو القدر المشترك بينهما، أي بين تعريف المعتزلة وتعريف النحويين.
" غاية البادي: ص 9، جمعا بين المتن والهامش "
(2) إنما قال بصيغته: لان الكلمة إذا دلت على زمان معين لا بصيغتها
لا تكون فعلا بل اسما، كالمتقدم والمتأخر والماضي والمستقبل، ما أشبه
ذلك من الأسماء التي تدل بموادها على أزمنة بأعيانها.
" غاية البادي: ص 11 ".
(3) وعبد الله وعبد الحسين، وهذان الأخيران، إذا كانا اسمين
لشخصين، فأنت لا تقصد بجزء اللفظ " عبد " و " الله " و " الحسين "
معنى أصلا، حينما تجعل مجموع الجزئين دالا على ذات الشخص.
وما مثل هذا الجزء إلا كحرف " م‍ " من محمد وحرف " ق‍ "
من قرأ، وحرف " ي‍ " من زيد.
نعم، في موضع آخر، قد تقول " عبد الله "، وتعني بعبد معناه
المضاف إلى الله تعالى، كما تقول " محمد عبد الله ورسوله "، وحينئذ يكون
نعتا لا اسما، ومركبا لا مفردا. أما لو قلت " محمد بن عبد الله " فعبد الله
مفرد، هو اسم أب محمد " منطق المظفر: 1 / 43 ".
60

والثاني ما يدل (1).
الثالث: اللفظ والمعنى إن اتحدا (2)!! فان منع تصور
المعنى من الشركة فهو العلم والمضمر، وإلا فهو المتواطئ إن
تساوت أفراده (3) والمشكك إن اختلفت (4).

(1) ويسمى القول أيضا: مثل " الخمر مضر "، فالجزءان " الخمر "
و " مضر "، يدل كل منهما على جزء معنى المركب.
" منطق المظفر: 1 / 44 بتصرف ".
(2) كلفظة الله، فإنها واحدة، ومدلولها واحد، يسمى هذا
بالمفرد، لانفراد لفظه بمعناه " المزهر: 1 / 368 ".
(3) مثل الانسان!! فإنك لا تجد تفاوتا بين الافراد في نفس صدق
المفهوم عليه، فزيد وعمر وخالد، إلى آخر أفراد الانسان، من ناحية
الانسانية سواء، من دون أن تكون إنسانية أحدهم، أولى من إنسانية
الآخر، ولا أشد ولا أكثر، ولا أي تفاوت آخر في هذه الناحية. وإذا
كانوا متفاوتين، ففي نواح أخرى غير الانسانية، كالتفاوت بالطول
واللون والقوة والصحة والأخلاق وحسن التفكير، وما إلى ذلك.
" منطق المظفر: 1 / 53 "
(4) مثل مفهوم البياض والعدد والوجود، فإنك إذا طبقت كل
واحد منها على أفراده، تجد - على العكس من النوع السابق - تفاوتا بين
الافراد، في صدق المفهوم عليها، بالاشتداد أو الكثرة أو الأولوية أو
التقدم. فنرى بياض الثلج أشد بياضا من بياض القرطاس، وكل منهما بياض،
وعدد الألف أكثر من عدد المائة، وكل منهما عدد، ووجود الخالق أولى
من وجود المخلوق، ووجود العلة متقدم على وجود المعلول، بنفس وجوده
لا بشئ آخر، وكل منهما وجود " منطق المظفر: 1 / 53 ".
61

وإن تكثرا!! فهي الألفاظ المتباينة (1).
وإن تكثر اللفظ خاصة!! فهو المترادفة (2).
وإن تكثر المعنى خاصة!! فإن كان قد وضع أولا لمعنى،
ثم استعمل في الثاني، فهو المرتجل إن نقل لا لمناسبة (3). وإن
نقل لمناسبة!! فهو المنقول اللغوي (4)، أو العرفي (5)،

(1) مثل: كتاب، قلم، سماء، أرض، حيوان، جماد، سيف
صارم. والتباين هنا بين الألفاظ، باعتبار تعدد معناها، وإن كانت
المعاني تلتقي في بعض أفرادها أو جميعها، فإن السيف يباين الصارم،
لان المراد من الصارم خصوص القاطع من السيوف، فهما متباينان معنى
وإن كانا يلتقيان في الافراد، إذ أن كل صارم سيف " المنطق: 1 / 36 ".
(2) حيث يكون أحد الألفاظ، رديفا للآخر على معنى واحد
مثل: أسد وسبع وليث، هرة وقطة، إنسان وبشر.
" منطق المظفر: 1 / 36 بتصرف "
(3) ومنه أكثر الاعلام الشخصية. " منطق المظفر: 1 / 34 "
(4) ومنه معظم المفردات التي نصت عليها كتب اللغة.
(5) كلفظ السيارة والطائرة. " منطق المظفر: 1 / 33 "
62

أو الشرعي إن غلب المنقول إليه (1).
وإلا!! فهو حقيقة بالنسبة إلى الأول (2)، ومجاز بالنسبة
إلى الثاني. وإن وضع لهما معا (3)، فهو المشترك بالنسبة إليهما
معا، والمجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما (4).
الرابع: اللفظ المفيد (5).

(1) مثل: لفظ " الصلاة "، الموضوع أولا للدعاء ثم نقل في
الشرع الاسلامي، لهذه الأفعال المخصوصة، من قيام وركوع وسجود
ونحوها، لمناسبتها للمعنى الأول.
ومثل: لفظ " الحج "، الموضوع أولا للقصد مطلقا، ثم نقل
لقصد مكة المكرمة، بالافعال المخصوصة والوقت المعين.
" منطق المظفر: 1 / 33 "
(2) أي: وإلا يغلب المنقول إليه المنقول منه، ومن دون أن يبلغ
حد الوضع في المعنى الثاني، فذلك هو الحقيقة بالنسبة للأول، والمجاز بالنسبة
للثاني، من قبيل لفظ الأسد، الذي هو حقيقة في الحيوان المفترس، ومجاز
في الانسان الشجاع.
(3) من دون أن يسبق وضعه لأحدهما، على وضعه للآخر، مثل:
" الجون " الموضوع للأسود والأبيض. " منطق المظفر: 1 / 33 بتصرف "
(4) المجمل: ما ازدحمت فيه المعاني، واشتبه المراد اشتباها لا يدرك
بنفس العبارة، بل بالرجوع إلى الاستفسار، ثم الطلب والتأمل. فالصلاة:
كان الامر فيها مجملا، وبينته السنة بالقول والعمل، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله:
" صلوا كما رأيتموني أصلي ". " أصول الفقه الاسلامي: ص 131 "
(5) ينقسم اللفظ باعتبار ظهور دلالته على معناه وخفائها إلى نوعين:
واضح وخفي.
والواضح الدلالة: ليس على درجة واحدة في الوضوح، بل بعضه
أوضح دلالة من بعض، كما أن الخفي: ليس على درجة واحدة في الخفاء
بل بعضه أخفى دلالة من بعض.
وعلى هذا الأساس: قسم علماء الأصول من الحنفية، اللفظ من
حيث ظهوره المعنى منه، إلى ظاهر ونص ومفسر ومحكم.
وقسموه من حيث الخفاء، إلى خفي ومشكل ومجمل ومتشابه
" أصول الفقه الاسلامي: ص 292 باختصار "
63

إن لم يحتمل غير ما فهم عنه، فهو النص (1).

(1) مثاله من القرآن: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ".
ففي هذه الآية الكريمة يستفاد من كلمة " أبدا "، حرمة قبول
شهادة الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء حرمة مؤبدة،
وذلك لانحصار كلمة " أبدا " في الدلالة على التأبيد والاستمرار، لأنها
نص في معنى التأبيد.
ومثاله من الحديث: " المحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم
تحل له أبدا ".
ففي هذه الرواية الشريفة أيضا، ينتهي إلى استمرار عدم حلية المرأة
على المحرم الذي تزوجها في حالة إحرامه، وهو يعلم أن الزواج حالة الاحرام
حرام عليه، وذلك لان كلمة " أبدا " نص في الاستمرار والتأبيد كما تقدم.
" جمعا بين مبادئ أصول الفقه: ص 38 - 39، ومستمسك العروة
الوثقى: 12 / 136 بتصرف "
64

وإن احتمل: فإن تساويا فالمجمل، وإلا فالراجح ظاهر (1)
والمرجوح مأول (2).
والمشترك بين النص والظاهر هو المحكم (3)، وبين المجمل

(1) الظاهر: هو ما دل على معناه دلالة واضحة، بحيث لا يتوقف
فهم معناه على قرينة خارجية، ولم يكن معناه هو المقصود الأصلي من
سياق الكلام، كقوله تعالى " وأحل الله البيع وحرم الربا "، فإنه ظاهر
في إحلال البيع وتحريم الربا.
لان هذا المعنى، يتبادر فهمه، من كلمتي " أحل وحرم "، من
غير حاجة إلى قرينة خارجية.
وهو غير مقصود بطريق الأصالة من سياق الآية، بل المقصود
الأصلي منهما، الدلالة على التفرقة بين البيع والربا، ردا على الذين سووا
بينهما، وقالوا " انما البيع مثل الربا ".
" أصول الفقه الاسلامي: ص 292 - 293 "
(2) التأويل: هو إخراج اللفظ عن ظاهر معناه، إلى معنى آخر
يحتمله، وليس هو الظاهر فيه. كتأويل اليد بمعنى السلطان، في قوله تعالى
" يد الله فوق أيديهم "، وبمعنى السخاء والجود، في قوله تعالى " بل
يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ".
ومثل تفسير الاستواء بالاستيلاء، في قوله تعالى " الرحمان على
العرش استوى ".
" أصول الفقه الاسلامي: ص 135 - 136 باختصار ".
(3) المحكم: هو اللفظ، الذي ظهرت دلالته على معناه، ولم يحتمل
تأويلا ولا تخصيصا، ولا نسخا في حياة الرسول صلى الله عليه وآله ولا بعد وفاته.
وذلك كالنصوص الدلالة على حكم أساسي من قواعد الدين، كالايمان
بالله تعالى وحده، والايمان بملائكته ورسله واليوم الآخر. أو على حكم
جزئي قام الدليل على تأبيده ودوامه: كما في قوله تعالى " وما كان لكم
أن تؤذوا رسول الله، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا "، وقول
الرسول صلى الله عليه وآله " الجهاد ماض منذ بعثني الله، إلى أن يقاتل آخر أمتي
الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ".
" أصول الفقه الاسلامي: ص 295 - 296 "
65

والمأول هو المتشابه (1).
الخامس: الاسم إن دل على الذات، فهو اسم العين (2).
وإلا!! فهو المشتق (3).

(1) المتشابه: هو اللفظ الذي يخفى معناه، ولا سبيل لان تدركه
عقول العلماء، كما أنه لم يوجد ما يفسره تفسيرا قاطعا أو ضنيا، من
الكتاب أو السنة. ومنه: الحروف المقطعة في أوايل السور، والآية الكريمة
" والسماوات مطويات بيمينه ".
" جمعا بين هامش المصورة: ص 4، وأصول الفقه الاسلامي:
ص 135 - 136 بتصرف "
(2) من قبيل: الرجل والسقف والخشب والبيت، وهو الذي يدرك
مدلوله بذكره مجردا، غير مستعين بكلمة أخرى.
فلو قيل لك: بيت، ليتبادر إلى ذهنك، هذا الشكل المجسم، الذي
اصطلح الناس على تسمية بهذا الاسم، واستخدموه للسكنى.
" قواعد اللغة العربية: 3 / 4 بتصرف "
(3) من قبيل: العادل والواجب والصادق، المشتقة من العدل
والوجوب والصدق.
هذا!! ويعد المصدر، المعبر عنه باسم المعنى قبال اسم الذات
- على رأي - أصل المشتقات. والتي هي: اسم الفاعل، واسم المفعول،
والصفة المشبهة، واسم التفضيل، واسم المكان والزمان، واسم الآلة.
هذا!! ولمن أراد التوسع: فعليه بمراجعة كتاب " الاشتقاق "،
لعبد الله أمين، الطبعة الأولى، سنة 1376 ه‍ - 1956 م، 464 ص،
وكتاب " قواعد اللغة العربية "، تأليف عبد القادر حسن أمين ويحيى
كاظم الثعالبي، ج 3، الطبعة الأولى، سنة 1385 ه‍ - 1965 م، 184 ص.
66

ولابد في الاشتقاق: من اتحاد بين اللفظين (1)، وتناسب
في المعنى والتركيب (2).
ولا يشترط بقاء المعنى في صدقه (3).

(1) أي ولابد في الاشتقاق، من اتحاد بين المشتق والمشتق منه،
في مادة اللفظ لا في صيغته " غاية البادي: ص 22 بتصرف ".
(2) قال ابن دحية في شرح التسهيل: الاشتقاق، أخذ صيغة من
أخرى، مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية وهيأة تركيب لهما، ليدل بالثانية
على معنى الأصل، بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفا أو هيئة، كضارب
من ضرب... " المزهر: 1 / 346 "
(3) اختلف الأصوليون: في أنه هل يشترط بقاء المعنى المشتق منه
للذات في إطلاق الاسم المشتق عليها أم لا؟ فقال قوم: نعم، وقال
قوم: لا، وقال آخرون: إن أمكن بقاؤه فنعم وإلا فلا.
فلنوضح ذلك بالمثال ونقول: إن زيدا إذا صدر عنه الضرب وانقضى
هل يصح إطلاق اسم الضارب عليه حقيقة أم لا؟ بعد وقوع الاتفاق
على الجواز مجازا. فقال المشترطون لبقاء المعنى: لم يصح، وقال النافون
يصح، واختار المصنف هاهنا المذهب الثاني.
والدليل عليه: صدق العالم والمؤمن على النائم، وإن لم يكن العلم
والايمان حاصلين له حالة النوم، واجماع أهل العربية على صدق قولنا:
زيد ضارب أمس " غاية البادي: 23 - 24 "
67

البحث الثالث
في: المشترك (1)
ذهب قوم (2): إلى امتناعه، وهو خطأ (3)، لا مكانه
في الحكمة (4).

(1) وقد حده أهل الأصول: بأنه اللفظ الواحد، الدال على معنين
مختلفين فأكثر، دلالة على السواء، عند أهل تلك اللغة.
" المزهر: 1 / 369 ".
(2) كما نسب إلى تغلب الأبهري والبلخي ونظرائهم.
" الأصول الحديثة في مباحث الألفاظ: ص 36 "
(3) احتج القائلون بالامتناع: بأن وضع المشترك ينافي غرض الواضع
فكان ممتنعا لكونه حكيما.
بيانه: أن الغرض من الواضع استفادة المعنى من اللفظ، واللفظ
المشترك لا يستفاد منه شئ.
والجواب أنه يستفاد بالقرائن. " غاية البادي: ص 27 "
(4) وذلك!! أولا: أن الغرض من إطلاق اللفظ، قد يكون
فائدة إجمالية، وقد يكون فائدة تفصيلية، والألفاظ المشتركة وأسماء
الأجناس وإن لم تفد الفوائد التفصيلية، لكنها تفيد الفوائد الاجمالية
فلذلك وقعت.
وثانيا: أن الوجود يطلق على الواجب والممكن بطريق الحقيقة.
إذ لو كان مجازا فيهما أو في أحدهما، لصح نفيه عنهما. لأنه من خواص
المجاز، ووجود كل شئ عين ماهيته، كما ثبت في علم الكلام. وإذا كان
كذلك، فيكون وجود كل شئ مخالفا لوجود الآخر كالماهيات، فيكون
الوجود مقولا عليها باشتراك لفظي
" شرح المنهاج: ص 74 بتصرف "
68

ووجوده في اللغة (1). نعم، هو على خلاف الأصل (2)، والا لما حصل التفاهم
حالة التخاطب من دون القرينة، ولما استفيد من السمعيات
شئ أصلا (3).
ويعلم الاشتراك: بنص أهل اللغة (4)، وبعلامات الحقيقة

(1) ومن أمثلة ذلك: لفظة العين، حيث يضرب لعين الماء، وعين
الركبة، وعين الشمس، والدينار، والمال الناض... الخ.
" الصحاح: 6 / 2170 بتصرف "
(2) كما في المزهر: 1 / 370.
(3) لان الاشتراك لو كان أصلا، لوجب على المخاطب أن يحمل
اللفظ الوارد عليه على الاشتراك، وحينئذ يتردد ذهنه في معانيه، ولا يتعين
أحدهما إلا بالقرينة. وحينئذ لا يستفاد من السمعيات شئ أصلا، ومعلوم
أنه ليس كذلك. " غاية البادي: ص 28 "
(4) كما في: الصحاح للجوهري: 6 / 2170 " لفظة العين "،
والقاموس للفيروز آبادي: 2 / 335 " لفظة أرض "، وأساس البلاغة
للزمخشري: ص 377 - 378 " لفظة رؤبة " والأجناس للهروي
البغدادي: ص 4 " لفظة الصدى "، ومفردات الراغب: ص 544
" لفظة الهلال ".
69

في كلا المعنيين (1).
والأقرب: أنه لا يجوز استعمال اللفظ المشترك، في كلا
معنييه، إلا على سبيل المجاز، لأنه غير موضوع للمجموع، من
حيث هو مجموع (2).
البحث الرابع
في: الحقيقة والمجاز
الحقيقة: استعمال اللفظ فيما وضع له، في الاصطلاح الذي
وقع به التخاطب (3).

(1) وهي: سبق الفهم، والعري عن القرينة.
" منهاج الوصول: ص 21 بتصرف "
(2) مثاله: " إن الله وملائكته يصلون على النبي "، والضمير
لله تعالى وللملائكة، فالصلاة بالنسبة إلى الملائكة الدعاء، وبالنسبة إلى
الله تعالى الثناء، فالصلاة الله غير صلاة الملائكة، فثبت المشترك
" هامش المصورة: ص 4 "
(3) هذا التعريف!! أجود التعريفات المنقولة عن القوم، لشموله
أنواع الحقيقة، وهو منقول عن أبي الحسين البصري.
وكذا أبو الحسين: حد المجاز، لكنه لم يذكره القيد الأخير، وهو
قيد العلاقة، ولابد منه، لأنه لولا العلاقة، لكان وضعا جديدا.
" غاية البادي: ص 30 بتصرف "
70

والمجاز: استعماله في غير ما وضع له، في أصل تلك
المواضعة، للعلاقة.
والحقيقة: لغوية، وعرفية، وشرعية (1).
والحق!! أن الشرعية مجاز لغوي، وإلا لخرج القرآن عن
كونه عربيا (2).

(1) فاللغوية: كالأسد والانسان في ظاهرهما.
والعرفية: كالدابة لذوات الأربع خاصة، بعد كونها لما دب.
والشرعية: كالصلاة والزكاة والحج، لهذه العبادات، بعد كونها
للدعاء والنماء والقصد. " منتهى الوصول: ص 14 بتصرف "
(2) اختلف الأصوليون في الحقيقة الشرعية: فنفاها القاضي أبو
بكر مطلقا، وأثبتها المعتزلة مطلقا.
فما كان اسما للفعل كالصلاة والزكاة سموه شرعية، وما كان اسما
للذات كالمؤمن والفاسق والكافر سموه دينية.
واستدل القاضي: بأنها لو كانت واقعة، لما كان القرآن كله عربيا
والتالي باطل فالمقدم مثله.
بيان الشرطية: أن القرآن يشتمل على الأسماء المتنازع فيها، والفرض
أنها غير عربية. وبيان بطلان التالي: قوله تعالى " انا أنزلناه قرآنا عربيا "
والضمير للقرآن كله.
احتجت المعتزلة: بأن الشارع استعمل الفاظا لمعان لم يخطر ببال أهل
اللغة، ووجدت علامات الحقيقة فيها، كمبادرة الذهن وكذب النفي،
فتكون حقائق. لأنا لا نريد بالحقيقة إلا ذلك، كالصلاة فإنها في اللغة
للدعاء، واستعملها الشارع في الأركان المخصوصة...
واعلم!! أنه يمكن الجمع بين الدليلين، إذ لا منافاة بين كون هذه
الأسماء حقائق عند أهل الشرع ومجازات لغوية.
وحينئذ لا يلزم، من كون القرآن كله عربيا، انتفاء الحقايق الشرعية
لأنها مجازات لغوية.
ولذلك قال المصنف: والحق!! أن الشرعية مجاز لغوي.
" غاية البادي: 31 - 32 "
71

واعلم: أن النقل على خلاف الأصل، وإلا لما حصل
التفاهم حالة التخاطب، قبل البحث عن التعيين.
ولتوقفه: على الوضع الأول ونسخه والوضع الثاني، فيكون
مرجوحا بالنسبة إلى ما يتوقف على الأول خاصة (1).

(1) يعنى إذا صدر لفظ من أهل اللغة أو أهل الشرع لمعنى، يجب
أن يحمل على أنه موضوع لذلك المعنى، من غير نقل من معنى آخر إليه.
لأنه لو لم يكن كذلك، لم يحصل التفاهم حالة التخاطب، إلا
بعد البحث في أنه منقول أو غير منقول.
وليس كذلك، لأنا نفهم المعاني حالة التخاطب، وإن لم يبحث في النقل.
وأيضا النقل يتوقف على ثلاثة أشياء: الوضع الأول، ونسخه،
والوضع للثاني. وغير المنقول يتوقف على شئ واحد، وهو الوضع.
فيكون النقل مرجوحا، فلا يصار إليه إلا لأجل دليل.
" غاية البادي: ص 34 بتصرف "
72

وكذلك المجاز: على خلاف الأصل، فيجب الحمل على
الحقيقة، ما لم يدل دليل على عدم إرادتها (1).
لان الواضع إنما وضع اللفظ، ليكتفي به في الدلالة على
ما وضعه له. وإنما يتم ذلك: بإرادة المعنى الموضوع له اللفظ،
عند التجرد عن المعارض.
ولأن المجاز لو ساوى الحقيقة، لما حصل التفاهم عند
المخاطبة، كما قلناه أولا.
واعلم: أن المجاز واقع، في القرآن (2) والسنة (3).

(1) وعليه فالمجاز دائما يحتاج إلى قرينة، تصرف اللفظ عن المعنى
الحقيقي، وتعين المعنى المجازي، من بين المعاني المجازية.
" منطق المظفر: 1 / 33 بتصرف "
(2) خلافا لابن داود وابن إسحاق. كما في قوله تعالى: " وأما الذين
ابيضت وجوههم ففي رحمة الله "، أي في الجنة التي تحل فيها الرحمة،
من باب تسمية الشئ باسم حاله، أي ما يحل في ذلك الشئ.
" جمعا بين هامش المصورة ص 5، ومختصر المعاني: ص 157 بتصرف "
(3) كما في قوله (ع): " إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبته
ما استطعتم... ".
فشبه النبي صلى الله عليه وآله، ما يكتسبه الانسان من خير القرآن
ونفعه وعائدته عليه إذا قرأه وحفظه، بما يناله المدعو من طعام الداعي
وانتفاعه به. " أمالي المرتضى: 1 / 354 بتصرف واختصار "
73

وقد يكون: بالزيادة والنقصان، وبالنقل (1).
ويعلم كون اللفظ حقيقة ومجازا (2): بالنص من أهل اللغة (3)
ومبادرة المعنى إلى الذهن في الحقيقة (4)، واستغنائه عن القرينة
وبضد ذلك في المجاز، وبتعلقه بما يستحيل تعلقه عليه (5).
وقد يكثر استعمال المجاز وتقل الحقيقة، فتصير الحقيقة،
مجازا عرفيا، والمجاز حقيقة عرفية، فيحمل على أحدهما بالقرينة.

(1) المجاز الذي دخلته الزيادة: نحو قوله تعالى: " ليس كمثله
شئ "، لان معناه: ليس مثله شئ، فالكاف زايدة.
والمجاز بالنقصان: نحو قوله " واسأل القرية "، " واسأل العير "،
لان معناه: واسأل أهل القرية وأهل العير، فحذف اختصارا ومجازا...
والمجاز الثالث: نحو قوله تعالى " فاضلهم السامري "، فنسبه إليه
من حيث دعاهم، وإن كانوا هم ضلوا في الحقيقة، لا أنه فعل فيهم
الضلال " العدة: 1 / 12 ".
(2) هذا!! ومن أراد التوسيع: فعليه بمراجعة كتاب " أصول
المظفر: 1 / 23 - 27 "، والقوانين المحكمة: 1 / 13 - 29، و " المزهر:
1 / 363 "، و " معارج المحقق: 1 / 6 "، و " عدة الطوسي: 1 / 15 "،
و " منهاج الوصول للبيضاوي: ص 21 "
(3) وهو المعبر عنه لدى الأصوليين المتأخرين ب‍ " التنصيص ".
(4) وهو المعبر عنه لدى المتأخرين ب‍ " التبادر ".
(5) كقوله تعالى: " واسأل القرية... "، فإن القرية مما يستحيل
أن تسأل " غاية البادي: ص 40 "
74

البحث الخامس
في: تعارض أحوال الألفاظ (1)
النقل: أولى من الاشتراك (2)، لاتحاد المعنى في النقل
دائما، فيحصل الفهم بخلاف المشترك (3).
والمجاز: أولى من الاشتراك، لان اللفظ إن تجرد عن
القرينة، حمل على الحقيقة، وإلا فعلى المجاز (4).
والاضمار: أولى من الاشتراك، لان صحته مشروطة بالعلم
بتعيينه (5)، بخلاف المشترك.

(1) ذكر هذا البحث في " منهاج الوصول في معرفة علم الأصول:
ص 21 - 22 "، ولكن بأدلة مختلفة غالبا عما هنا، عند الترجيح.
(2) أي: إذا دار اللفظ بين النقل والاشتراك، فالنقل أولى منه.
" منهاج الوصول: ص 21 بتصرف "
(3) لان معناه متعدد دائما، وتعدد المعنى يستلزم اختلال الفهم.
" غاية البادي: ص 41 "
(4) إذا وقع التعارض بين المجاز والاشتراك، فالمجاز أولى، لان
اللفظ المجاز إذا لم يتجرد عن القرينة حمل على المجاز وإلا فعلى الحقيقة،
فلا يحصل الاختلال في الحالين. بخلاف المشترك لأنه لا يستلزم اختلال
الفهم عند فقد القرينة. " غاية البادي ص 41 - 42 "
(5) أي: بتعين المضمر المدلول عليه بالاضمار، كقوله تعالى:
" واسأل القرية... "، فإنه لولا أن يعلم كل واحد، أن المضمر هو
" أهل القرية "، لم يجز الاضمار. كما لم يجز في قولك: " ضربت زيدا "
وأنت تريد " غلام زيد ". " غاية البادي: ص 42 بتصرف "
75

والتخصيص: أولى من الاشتراك، لأنه خير من المجاز (1).
والمجاز: أولى من النقل، لافتقار النقل إلى الاتفاق عليه بين
أهل اللغة (2).
والاضمار: أولى منه، لما تقدم (3).
والتخصيص: أولى من النقل، لأنه (4) خير من المجاز (5).
والمجاز: أولى من الاضمار لكثرته (6).

(1) لان التخصيص خير من المجاز كما سيأتي، والمجاز خير من
الاشتراك كما تقدم.
فالخير، من الخير من الشئ، خير من ذلك الشئ لا محالة.
" غاية البادي: ص 42 "
(2) وذلك متعذر أو متعسر، والمجاز يحتاج إلى قرينة وذلك متيسر.
" غاية البادي: ص 42 "
(3) إذا وقع التعارض بين النقل والاضمار، فالاضمار أولى لعين ما تقدم،
من أن المجاز خير من النقل. " غاية البادي: ص 42 - 43 "
(4) مرجع الضمير: التخصيص " كما في هامش المصورة: ص 6 "
(5) على ما يأتي، والمجاز خير من النقل على ما تقدم.
" غاية البادي: ص 42 - 43 "
(6) والكثرة امارة الرجحان " المصدر السابق نفسه "
76

والتخصيص: أولى من المجاز لاستعمال اللفظ مع التخصيص
في بعض موارده (1)، ومن الاضمار لأنه أدون من المجاز (2).
البحث السادس
في: تفسير حروف يحتاج إليها (3)
الواو: للجمع مطلقا (4).

(1) لان اللفظ العام إذا تجرد عن قرينة التخصيص، يحمل على
ما وضع له، فيحصل مراد المتكلم وزيادة، بخلاف المجاز فإنه إذا تجرد
عن القرينة، يحمل على الحقيقة، فيحصل غير مراده.
" غاية البادي: ص 43 "
(2) لان التخصيص خير من المجاز، والمجاز إما خير من الاضمار أو
مساويه، وعلى التقديرين يلزم أن يكون التخصيص خيرا من الاضمار.
" غاية البادي: ص 43 - 44 "
(3) لأنها حين تدخل على الجمل، تغير معانيها، وتحدث فيها فوائد
لم تكن فيها قبل ذلك. " عدة الأصول: 1 / 13 بتصرف "
(4) أي: أن الواو العاطفة معناها مطلق الجمع.
فتعطف الشئ على مصاحبه، نحو " فأنجيناه وأصحاب السفينة "
وعلى سابقه نحو " ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم "، وعلى لاحقه نحو " كذلك
يوحى إليك وإلى الذين من قبلك ".
فعلى هذا!! إذا قيل: قام زيد وعمرو، احتمل ثلاثة معان.
وقول بعضهم: إن معناها الجمع المطلق غير سديد، لتقييد الجمع
بقيد الاطلاق، وإنما هي للجمع لا بقيد.
" مغني اللبيب: 2 / 354 بتصرف واختصار "
77

لعدم التناقض (1)!! في مثل: رأيت زيدا وعمرا قبله،
وللتكرار (2) لو قيل: بعده.
ولسؤال الصحابة (3)؟! عن البداءة بالصفا والمروة (4).

(1) اعلم!! أن الواو العاطفة للجمع المطلق ولم تفد الترتيب. قال
أبو علي الفارسي: أجمع نحاة الكوفة والبصرة عليه، وكفى إجماعهم دليلا
على المدعى.
ولكن!! لو أردنا الاستظهار بالدليل نقول: إنها لو كانت للترتيب
للزم التكرار في قول القايل: رأيت زيدا وعمرا بعده، والتناقض في قوله
قبله، في حين أن صدق الملازمة وبطلان التالي معلومان.
" غاية البادي: ص 44 بتصرف "
(2) أي: لعدم التكرار.
" هامش المصورة: ص 6 "
(3) لما أرادوا السعي بين الصفا والمروة، قالوا: بم نبدأ يا رسول الله؟!
قال: " إبدأوا بما بدأ الله به ".
فلو كانت الواو مفيدة للترتيب، لما اشتبه على أهل اللسان، ولما
احتاجوا إلى السؤال، لأنه حينئذ معلوم من قوله تعالى: " إن الصفا
والمروة من شعاير الله ". " غاية البادي: ص 44 بتصرف "
(4) وهما جبلان، بين بطحاء مكة والمسجد.
أما الصفا: فمكان مرتفع من جبل أبى قبيس، ومن وقف على
الصفا، كان بحذاء الحجر الأسود.
" معجم البلدان للحموي: 3 / 411 باختصار "
78

ولأن أهل اللغة قالوا: إنها كواو الجمع (1).
وقيل: للترتيب (2)، للحاجة إلى التعبير عنه (3)، وهو
معارض بمطلق الجمع (4)، مع أولوية ما قلناه.

(1) إن أهل اللغة أجمعوا على: أن الواو العاطفة في المختلفات،
بمنزلة واو الجمع في المتفقات.
ومعنى ذلك: أن العرب، إذا أرادوا جمع الأسماء في حكم، فإن
كانت متفقة، كمسلم ومسلم ومسلم مثلا، أتوا بواو الجمع، فقالوا: جاء
المسلمون.
وإن كانت مختلفة: كزيد وعمرو وبكر، أتوا بالواو العاطفة،
فقالوا: جاء زيد وعمرو وبكر.
فكما أن واو الجمع لم تفد الترتيب، فكذا واو العطف.
" غاية البادي: ص 45 "
(2) والقائل به: قطرب، والربعي، والفراء، وثعلب، وأبو
عمرو الزاهد، وهشام، والشافعي. " مغني اللبيب: 2 / 354 بتصرف "
(3) مرجع الضمير: الترتيب الذي تفيده واو العطف.
(4) أي: أن الجمع المطلق أيضا معنى معقول، فيحتاج إلى التعبير
عنه، وليس شئ يصلح لذلك إلا الواو. " غاية البادي ص 46 "
79

والفاء: للتعقيب، على حسب ما يمكن (1).
وفي: للظرفية (2)، تحقيقا أو تقديرا (3).
ومن: لابتداء الغاية (4)، وللتبعيض (5)، والتبين (6)،

(1) ترد الفاء على ثلاثة أوجه: العاطفة منها تفيد ثلاثة أمور،
أحدها التعقيب.
وهو في كل شئ بحسبه، ومنه - على قول قوي - قوله تعالى " ثم
خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا
العظام لحما ".
" مغني اللبيب: 1 / 161 - 162 بتصرف "
(2) وهي: إما مكانية أو زمانية، وقد اجتمعتا في قوله تعالى
" ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع
سنين ". " مغني البيب: 1 / 168 "
(3) التحقيق: كما مر أعلاه.
والتقدير: أي المجاز، نحو قوله تعالى: " ولكم في القصاص حياة ".
" مغني اللبيب: 1 / 168 بتصرف "
(4) تقع لهذا المعنى في غير الزمان، نحو " من المسجد الحرام "،
" إنه من سليمان "، وفي الزمان أيضا، بدليل " من أول يوم ". وفي
الحديث " فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة ".
" مغني البيب: 1 / 318 - 319 "
(5) نحو: " منهم من كلم الله "، وعلامتها إمكان سد " بعض " مسدها.
" مغني اللبيب: 1 / 319 "
(6) أي: بيان الجنس، نحو قوله تعالى " فاجتنبوا الرجس من الأوثان "
معناه: اجتنبوا الرجس هو الأوثان.
" جمعا بين المغني: 1 / 319، والعدة: 1 / 14 بتصرف واختصار "
80

وصلة (1).
والباء: قيل للتبعيض (2)، فيما يتعدى بنفسه (3).

(1) أي: الزيادة، كقولك: ما جاءني من أحد.
وشرط زيادتها: تنكير مجرورها، وكونه فاعلا أو مفعولا به
أو مبتدأ، وتقدم نفي أو نهي أو استفهام بهل.
نحو: " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها "، " ما ترى في خلق
الرحمان من تفاوت "، " فارجع البصر هل ترى من فطور؟ ".
" جمعا بين غاية البادي: ص 47 - 48، والمغني: 1 / 323 "
(2) أثبت ذلك: الأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك، قيل:
والكوفيين... " المغني: 1 / 105 "
(3) أي: مع الفعل الذي يتعدى بنفسه، كما في قوله تعالى " وامسحوا
برؤسكم "، أي بعض رؤوسكم، كما في المغني: 1 / 105.
والذي يؤكد كون الفعل " مسح " مما يتعدى بنفسه، هو ما نص
عليه الراغب الأصفهاني - بالمثال - في مفرداته: ص 467.
كما والذي يؤيد كون الباء تبعيضية، الرواية المنقولة عن زرارة عن
الصادق " ع ": " لما قال له: من أين علمت أن المسح ببعض الرأس؟
قال " ع ": لمكان الباء "، وهي مذكورة بالتفصيل في الوسائل: 1 / 291.
81

وإنما: للحصر بالنقل (1).

(1) نقل عن أهل اللغة أن إنما موضوعة للحصر، أي لاثبات المذكور
ونفي ما عداه، وهذا مما يؤكده قول الفرزدق:
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
وذلك!! أولا: إذ لو لم تكن للحصر، لوجب إجراء الكلام
على ظاهره، وهو غلط، إذ لا يقال: يدافع أنا، بل يقال: أدافع.
وأما إذا كان للحصر، فيستقيم الكلام، لان التقدير حينئذ، ما يدافع
إلا أنا، وبطلان اللازم ظاهر لكونه من فحول الفصحاء.
ثانيا: إن مقصود الشاعر من هذا البيت الافتخار والافتخار لا يحصل إلا على
تقدير، أن تحصل المدافعة منه ومن مثله لا من غيرهما، وهو معنى الحصر
" غاية البادي: ص 48 - 49 بتصرف واختصار "
82

الفصل الثاني
في: الاحكام
وفيه: مباحث
83

الأول
في: الفعل
الفعل: إما أن يكون على صفة، لأجلها يستحق فاعله
الذم، وهو القبيح.. أو!! لا: وهو الحسن.
والقبيح: حرام، ويقال: محضور (1).
والحسن: إما أن يذم تاركه شرعا، وهو الواجب،
ويسمى أيضا الفرض.. أو لا يذم.
فإن كان فعله راجحا في الشرع: فهو المستحب، والمندوب
والنفل، والتطوع، والسنة.
وإن كان مرجوحا: فهو مكروه.
وإن تساويا: فمباح، وحلال، وطلق.
فالاحكام: هذه الخمسة لا غير (2).

(1) هكذا في المصورة: ص 7، والظاهر أنه اشتباه، والصحيح:
محظور، بالظاء أخت الطاء.
(2) أقول: هذه هي الأحكام الشرعية، وهي خمسة، بدليل الحصر
العقلي، الذي ذكره المصنف. " غاية البادي: ص 49 "
84

الثاني
في: الحكم
الحكم: قد يكون صحيحا، وهو في العبادات: ما وافق الشريعة
وفي المعاملات: ما يترتب عليه أثره.
وقد يكون فاسدا: وهو ما يقابلها.
ويطلق عليه الباطل (1).

(1) أقول: أما في العبادات، فأريد بالصحيح ما وافق الشرع،
وبالفاسد خلافه، هذا عند المتكلمين.
وأما الفقهاء: فإنهم يريدون بالصحيح ما أسقط القضاء وبالفاسد
ما لم يسقطه.
وفائدة الخلاف: تظهر في صورة صلاة ضان الطهارة، فإنها صحيحة
عند المتكلمين، وفاسدة عند الفقهاء، لأنها لم تسقط القضاء.
وفي المعاملات: أريد بالصحيح ما يترتب عليه أثره، وبالفاسد خلافه.
ولا فرق بين الفاسد والباطل، خلافا للحنفية، فإنهم جعلوا الفاسد
واسطة بين الصحيح والباطل، وقالوا: إنه الذي يكون منعقدا بأصله
لكن لا يكون مشروعا بسبب وصفه، كعقد الربا مثلا، فإنه مشروع
من حيث أنه بيع، وممنوع من حيث أنه مشتمل على الزيادة.
" غاية البادي. ص 51 - 52 "
85

الثالث
في: العبادات
الاجزاء في العبادات: ما أسقط الامر.
والأداء: ما فعل في وقته (1).
والإعادة: ما فعل ثانيا، لوقوع خلل في الأول.
والقضاء: هو فعل الفائت في غير وقته المحدود.
الرابع
في: الحسن والقبح
الحكم بالحسن والقبح: قد يكون ضروريا، كحسن الصدق
النافع، وقبح الكذب الضار. ونظريا: كحسن الصدق الضار،
وقبح الكذب النافع، وسمعيا،: كحسن صوم رمضان، وقبح
صوم العيد.
لأنا نعلم بالضرورة: حسن الصدق وقبح الكذب، مع
تساويهما في المنافع.
وللفرق بين الصادق والكاذب في مدعي النبوة.
وللوثوق بوعده تعالى ووعيده.

(1) سواء كان مضيقا أو موسعا. " غاية البادي: ص 52 "
86

ومن جعل ذلك شرعيا، أبطل هذه الأحكام، ولزم بطلان
الشريعة.
الخامس
في: شكر المنعم
شكر المنعم واجب عقلا (1)، والضرورة قاضية به.
السادس
في: الأشياء
الأشياء قبل ورود الشرع على الإباحة، لأنها نافعة
خالية عن أمارة المفسدة، ولا ضرر على المالك في تناولها (2)
فكانت مباحة.

(1) لامن العقاب، أو زوال النعمة بتركه وهو الفائدة، أو استحقاق
المدح، أو الزيادة، أو هو لنفسه. " زبدة الأصول: ص 42 - 43 "
(2) فلان المالك هو الله تعالى، وهو لا يتضرر بشئ.
" غاية البادي: ص 58 "
87

الفصل الثالث
في: الأوامر والنواهي
وفيه: مباحث
89

الأول
في: الامر
الامر: هو اللفظ الدال على طلب الفعل، على جهة
الاستعلاء (1).
وهو: حقيقة في القول، مجاز في الفعل، وإلا لزم الاشتراك،
والطلب: هو إرادة المأمور به.
والامر: اسم للصيغة الدالة على الترجيح، لا لنفس الترجيح
لأنهم قالوا: الامر من الضرب إضرب.
ودلالة الصيغة على الطلب، لا يتوقف على الإرادة، لأنها

(1) قوله: " اللفظ "، بمنزلة الجنس البعيد للامر، لكونه شاملا
لجميع الألفاظ حتى المهملات.
وقوله: " الدال على طلب الفعل "، كالفصل، لأنه يخرج عن
التعريف جميع المهملات، وجميع ما دل على غير الطلب من الاخبارات
والانشاءات والكلمات.
وقوله: " على جهة الاستعلاء "، كفصل ثان. لأنه يخرج اللفظ
الدال على الطلب، على سبيل التضرع، كقولنا: " اللهم إغفر لنا "
أو لا على سبيل التضرع، كقول القائل لنظيره: إعطني الشئ الفلاني،
فان الأول دعاء والثاني التماس.
" غاية البادي: ص 59 بتصرف "
90

موضوعة له، كغيرها من الألفاظ، خلافا للجبائيين (1).
البحث الثاني
في: أن صيغة إفعل للوجوب
ذهب الأكثر: إلى أن صيغة إفعل للوجوب (2).
لقوله تعالى: " ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك... ".
[7 / 13] (3)، ولولا أنه للوجوب لما ذمه.

(1) وهما البصريان: أبو علي محمد، وابنه أبو هاشم عبد السلام.
وقد ذهبا: إلى أن دلالة الصيغة على الطلب، تتوقف على الإرادة
" جمعا بين هوامش المسلماوي: ص 11 والملل والنحل: 1 / 103 بتصرف "
(2) وهو مذهب: أكثر الفقهاء والمتكلمين وأبو الحسين والشافعية.
ويتحقق الامر!! بكل تعبير يعطي معناه.
أمثال: فعل الامر نحو اقرأ صل.. والفعل المضارع المقترن بلام الامر
نحو لتقرأ لتصم.. واسم فعل الامر، نحو صه عليك مكانك.. والفعل
المضارع المقصود به الانشاء، نحو يقرأ يعيد صلاته، أطلب منك أن
تكتب.. والجملة الاسمية المقصود بها الانشاء، نحو الصلاة مطلوبة منك
زكاة الفطرة عليك.. والمصدر النائب عن فعل الامر، نحو إعادة للفعل صياما.
" جمعا بين غاية البادي: ص 66، ومبادئ أصول الفقه: ص 41 - 42 بتصرف "
(3) هكذا في القرآن العزيز.
وفي المصورة ص 10، " ما منعك أن تسجد " باحلال " أن "
محل " ألا ".
وهو اشتباه، الظاهر أن سببه إما النسخ وإما ملاحظة المعنى المطلوب
حيث المعنى هو " ما منعك أن تسجد "، كما في مجمع البيان: 3 / 401.
91

وكذا قوله تعالى: " وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون "
[77 / 49] (1).
ولقوله عليه السلام: " لولا أن أشق على أمتي لامرتهم
بالسواك " (2)، مع ثبوت الندبية.
ولأن تارك المأمور به عاص (3) والعاصي يستحق العقاب
لقوله تعالى: " ومن يعص الله ورسوله... ". [72 / 24].
وقال آخرون: إنه للقدر المشترك، بين الوجوب والندب (4)

(1) فإنه سبحانه ذمهم على مخالفتهم الامر، ولولا أنه للوجوب
لم يتوجه الذم. " معالم الدين: ص 43 ".
(2) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 80، ومصادر أخر مذكورة في
مفتاح كنوز السنة: ص 247.
(3) لقوله تعالى: " لا يعصون الله ما أمرهم ".
" هامش المصورة: ص 10 "
(4) احتج القائلون: بأن صيغة إفعل، في القدر المشترك، وهو
رجحان الفعل على الترك، بأن الصيغة لما استعملت في الوجوب والندب
لورودها في الندب تارة وفي الوجوب أخرى، نحو " أقيموا الصلاة "
و " كاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ".
فلو كانت حقيقة في كل منهما لزم الاشتراك، أو أحدهما فقط لزم المجاز
وهما على خلاف الأصل، فلا يكون حقيقة في كل منهما ولا في أحدهما
فيكون حقيقة في القدر المشترك، وهو المطلوب فبطل القول الأول الذاهب
إلى الوجوب " هوامش المسلماوي: ص 13.
92

لأنه قد استعمل فيهما (1)، والمجاز والاشتراك على خلاف
الأصل، وهو جيد.
إذا عرفت هذا!! فالامر الوارد بعد الحظر، كالأمر
المبتدأ عند المحققين (2).

(1) فاما أن يكون حقيقة فيهما، أو في أحدهما، أو لا في هذا
ولا في ذاك.
والأول: يستلزم الاشتراك، والثاني: المجاز، وهما منفيان بالأصل.
فبقي الثالث: وهو أن يكون حقيقة للقدر المشترك بينهما، وهو
مطلق الترجيح.
لان ذلك القدر معلوم، وأما قيد جواز الترك وعدم جوازه، فلا إشعار
للصيغة بهما البتة. " غاية البادي: ص 69 - 70 "
(2) والدليل عليه: أن المقتضي للوجوب، السالم عن المعارض باق
وكلما كان كذلك يكون الوجوب باقيا.
أما أن المقتضي باق فظاهر، لان المقتضي هو الامر، وهو باق.
وأما أنه سالم عن المعارض، فلان المعارض ليس إلا كونه عقيب
الحظر، وذلك لا يمنع من الوجوب.
لأنه كما جاز الانتقال من الحظر إلى الإباحة، كذلك جاز الانتقال
من الحظر إلى الوجوب ضرورة.
وذلك!! من قبيل القول للحائض والنفساء، بعد أن تطهر،
صلي وصومي. وقول الرجل لابنه، بعد أن أوجب عليه الحبس، اخرج
إلى المكتب.
فان هذه الأوامر واردة عقيب الحظر، مع أنها مفيدة للوجوب.
" غاية البادي ص 70 - 71 بتصرف واختصار "
93

البحث الثالث
في: أن الامر لا يقتضي التكرار
الحق!! أن الامر المطلق، لا يقتضي الوحدة ولا التكرار (1)
خلافا لقوم فيهما (2).
لان الصيغة وردت فيهما، والمجاز والاشتراك على خلاف

(1) لان المتبادر من الامر، طلب إيجاد حقيقة الفعل، والمرة
والتكرار خارجان عن حقيقته، كالزمان والمكان ونحوهما.
فكما أن قول القائل: " اضرب "، غير متناول لمكان ولا زمان
ولا آلة يقع بها الضرب، كذلك غير متناول في كثرة ولا قلة.
" معالم الدين: ص 49 "
(2) اختلف الأصوليون في الامر العري عن القراين، المفيدة
للتكرار والوحدة.
فذهب أبو إسحاق وجماعة من الفقهاء والمتكلمين، إلى أنه للتكرار
مدة العمر مع الامكان.
وقال آخرون: أنه للمرة الواحدة، ويحتمل التكرار، ومنهم من
نفى احتمال التكرار، وهو اختيار أبي الحسين البصري وإمام الحرمين.
ومنهم من توقف، إما لكونه مشتركا أو لعدم الحكم.
" غاية البادي: ص 71 - 72 "
94

الأصل، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك (1)، وهو مطلق
طلب الماهية (2). ولقبوله التقييد بكل واحد منهما (3).

(1) احتج المصنف على ما اختاره بوجوه: أحدها: أن الامر
استعمل في كل واحد من القسمين، الواحدة والتكرار شرعا وعرفا، ومتى كان
كذلك، كان حقيقة في القدر المشترك بينهما...
أما الشرع: فلان الحج والعمرة للوحدة، والامر بالصلاة
والزكاة للتكرار.
وأما عرفا: فلان السيد إذا أمر عبده بدخول السوق أو شري اللحم،
فكرر ذلك مرارا عدة، لامه العقلاء وذمه على ذلك.
ولو أمر السيد عبده بحفظ الدابة مثلا، فحفظها لحظة ثم ترك
حفظها، ذمه العقلاء، لأنه في الأول يفهم الوحدة، وفي الثاني يفهم
التكرار. " هوامش المسلماوي: ص 13 "
(2) الماهية: حقيقة الشئ، التي تقع جوابا، عن السؤال عنه،
بما هو؟ أو ما هي؟ قيل: منسوب إلى ما، والأصل المائية، قلبت
الهمزة هاء، لئلا يشتبه بالمصدر، المأخوذ من لفظ ماء، والأظهر أنه
نسبه إلى ما هو؟ جعلت الكلمتان ككلمة واحدة منحوتة، إذ تقع جوابا
عن هذا السؤال.
" جمعا بين: مجلة النجف، العدد 7، السنة 2، ص 12، محاضرات
في الفلسفة للشيخ المظفر، والتعريفات للجرجاني: ص 171 "
(3) إن الامر: يصح تقييده بالواحد تارة، لأنه يصح أن يقول
السيد لعبده، إفعل الفعل الفلاني مرة.
وبالتكرار أخرى، لأنه يصح أن يقول له افعله دائما.
وليس في أحد هذين النوعين تكرار ولا نقص. فلو كان موضوعا
لأحدهما، لزم إما النقص أو التكرار. " هامش المسلماوي: ص 13 "
95

ولأنه لو دل على التكرار: فإما دائما فهو باطل بالاجماع،
أو بحسب وقت معين (1)، وهو باطل لانتفاء دلالة اللفظ عليه
أو غير معين وهو تكليف ما لا يطاق.
البحث الرابع
في: أن الامر لا يقتضي الفور ولا التراخي
الحق!! أن الامر المطلق، لا يقتضي الفور ولا التراخي (2)

(1) لان التكرار يقتضي استيعاب الأوقات، فإنه لا أولوية لبعضها
بالفعل دون باقيها، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، فتخصيصه
بوقت دون وقت، يكون ترجيحا من غير مرجح، وانه محال.
" هوامش المسلماوي: ص 13 "
(2) والدليل عليه: أن صيغة إفعل، إنما تدل على النسبة الطلبية
كما أن المادة لم توضع إلا لنفس الحدث، غير الملحوظة معه شئ من
خصوصياته الوجودية.
وعليه!! فلا دلالة لها - لا بهيئتها ولا بمادتها - على الفور أو التراخي
بل لابد من دال آخر على شئ منهما، فإن تجردت عن الدال الآخر،
فان ذلك يقتضي جواز الاتيان بالمأمور به، على الفور أو التراخي.
" أصول الفقه للمظفر: 1 / 78 "
96

خلافا لقوم فيهما (1).
لان الامر ورد بالمعنيين، فيكون حقيقة في القدر المشترك (2)
دفعا للمجاز والاشتراك.
ولأنه قابل للتقييد بهما.
احتجوا بقوله تعالى: " وما منعك ألا (3) تسجد إذ
أمرتك " (4).
ولأن التأخير: إن كان دائما، انتفى الوجوب.
وإن كان إلى وقت معين وجب وجود ما يدل عليه في اللفظ.

(1) فقد ذهب كثير منهم: إلى أن الامر المطلق يقتضي الفور
والتعجيل، فلو أخر المكلف عصى، وهو المحكي عن الشيخ وأبي
الحسن الكرخي.
وذهب آخرون: إلى أنه على التراخي، وهو المحكي عن أبي علي
وأبي هاشم.
وذهب قوم منهم السيد المرتضى: إلى أنه مشترك بين الفور والتراخي
فيتوقف في تعيين المراد منه، على دلالة تدل على ذلك.
" جمعا بين العدة: 1 / 85 - 86، ومعالم الدين: ص 52 - 53 " (2) بنفس التقرير الذي سبق ذكره، في بحث المرة والتكرار
تعليقة " 1 " من صفحة " 95 ".
(3) هكذا في القرآن الكريم، وفي المصورة: ص 11، " أن
لا تسجد " بفك الادغام، وهو اشتباه، الظاهر سببه النسخ.
(4) ولو لم يكن الامر للفور، لم يتوجه عليه الذم، ولكان له أن
يقول: إنك لم تأمرني بالبدار، وسوف أسجد " معالم الدين ص 53 ".
97

وإن كان إلى غير معين، لزم تكليف ما لا يطاق.
والجواب عن الأول: أنه حكاية حال، فلعل أمره كان
مقرونا بما يدل على الفور، ولأن إبليس ترك السجود لا بعزم
الفعل، فاستحق الذم، لا من حيث التأخير.
وعن الثاني: أنه منقوض (1)، بقوله: أوجبت عليك
الفعل، في أي وقت شئت.
ثم التحقيق: أن التأخير، يجوز إلى وقت معين، وهو
حصول ظن الموت بعد وقت الفعل بلا فصل.
البحث الخامس
في: أن الامر المشروط عدم عند عدم الشرط (2)
لان قضية الشرط ذلك، ولعدم الاستلزام وجودا.

(1) مما لو صرح بجواز التأخير، إذ لا نزاع في إمكانه، مع أن
الدليل على عدم شرع التأخير جار فيه بعينه، وهذا نقض إجمالي.
" معالم الدين: ص 53 جمعا بين المتن والهامش "
(2) أي: " أن يكون متوقفا وجوبه على ذلك الشئ. وهو
- أي الشئ - مأخوذ في وجوب الواجب على نحو الشرطية، لوجوب
الحج بالقياس إلى الاستطاعة.
وهذا!! هو المسمى (بالواجب المشروط)، لاشتراط وجوبه
بحصول ذلك الشئ الخارج.
ولذا!! لا يجب الحج عند حصول الاستطاعة.
" أصول الفقه للمظفر: 1 / 87 "
98

فلو لا التلازم عدما، لكان كل شئ شرطا لغيره (1)،
ولأنه مفهوم منه.
ولهذا سأل يعلى بن أمية (2)، عن سبب القصر مع الامن (3)
ولا يلزم تكرر الامر المعلق عليه، ولا على الصفة

(1) يعني: أنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط قطعا،
فان لم يلزم من عدم الشرط عدم المشروط، كان كل شئ شرطا لكل
شئ، والتالي باطل فالمقدم مثله، والشرطية ظاهرة.
" هوامش المسلماوي: ص 15 "
(2) ابن همام التميمي الحنظلي: أول من أرخ الكتب، وهو صحابي
كان حليفا لقريش، وأسلم بعد الفتح، وشهد الطائف وحنينا وتبوك مع
النبي " ص "، واستعمله أبو بكر على " حلوان " في الردة، ثم استعمله
عمر على " نجران "، واستعمله عثمان على اليمن. ولما قتل عثمان، انضم
يعلى إلى الزبير وعايشة. ثم صار من أصحاب علي، وقتل في " صفين ".
" الاعلام: 9 / 269 باختصار "
(3) روي أن يعلى ابن أمية، سأل عمر بن الخطاب، قال: ما بالنا
نقصر من الصلاة وقد أمنا؟ فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت
رسول الله، فقال: تلك صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته.
ولولا كون المشروط - وهو هنا قصر الصلاة - عدم عند عدم الشرط - وهو
هنا الامن - لما أقره النبي " ع " على ذلك.
" جمعا بين هوامش المسلماوي: ص 15، وغاية البادي: ص 79 "
99

بتكريرهما (1).
لعدم التكرر في قول السيد لعبده: إن دخلت السوق
فاشتر اللحم (2)، ولأن مطلق التعليق أعم منه مع قيد التكرار
ولا دلالة للعام على الخاص.
البحث السادس
في: أن الامر المقيد بالصفة لا يعدم بعدمها (3)
لأنه: لو دل تقييد الحكم بالوصف على نفيه عما عداه،

(1) يريد أن الامر إذا كان معلقا على الشرط، كقوله " إذا زالت
الشمس فصلوا "، " وإن كان زانيا فارجمه "، أو على صفة كقوله
تعالى: " السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " لا يتكرر الشرط والصفة.
هذا!! وقد اختلف الناس في الامر المعلق على شرط أو صفة
هل يتكرر بتكررهما أم لا؟ فمنع منه السيد المرتضى وجماعة من الفقهاء
وقال آخرون: انه يتكرر بتكرر الشرط والصفة، والحق الأول.
" جمعا بين هوامش المسلماوي: ص 15، وغاية البادي: ص 80 - 81 "
(2) للزوم الذم " هوامش المسلماوي: ص 15 "
(3) اختلف الأصوليون في أن تقييد الحكم بالصفة، كقوله " ص ":
" في سائمة الغنم زكاة "، هل يدل على عدم الحكم عند عدم الصفة أم لا؟
فقال الشافعي واحمد والأشعري وامام الحرمين: يدل.
وقال أبو حنيفة والقاضي أبو بكر والمعتزلة والغزالي: لا يدل، وهو
اختيار المصنف. " غاية البادي: ص 82 "
100

لدل التخصيص بالاسم، على نفيه عما عداه، والتالي باطل اتفاقا
فكذا المقدم.
بيان الشرطية: أن المقتضي للنفي هناك (1) إنما هو ثبوت
غرض في التخصيص (2)، وانتفاء الاغراض سوى النفي،
وهذا ثابت في الاسم (3).
ولأن التقييد (4): قد وجد من دون التخصيص، كما في

(1) أي في صورة الصفة " هوامش المسلماوي: ص 16 "
(2) بالذكر، ولا غرض سوى نفي الحكم عن غيره.
" هوامش المسلماوي: ص 16 "
(3) بيان الملازمة: إن وجه الدلالة عند الخصم، هو أن التخصيص
يستدعي أن يكون لغرض، وليس ما يصلح أن يكون غرضا إلا نفي الحكم
عما عدا الموصوف، وهذا المعنى بعينه حاصل في تقييد الحكم بالاسم،
فوجب أيضا أن يدل على نفي الحكم عمن ليس له ذلك الاسم.
" غاية البادي: ص 83 "
(4) إن هذا التقييد تارة ورد مع عدم الحكم عن غير الموصوف وهو
ظاهر، وتارة ورد مع ثبوت الحكم لغير الموصوف.
كقوله تعالى: " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق "، فإن الله تعالى
خصص الحكم الذي هو تحريم قتل الأولاد لصفة خشية الاملاق، مع
أن الحكم ثابت وإن لم تكن تلك الصفة.
وكقوله تعالى في قتل الصيد: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل
ما قتل من النعم " فان الجزاء خصصه تعالى بتعمد القتل مع ثبوته
عند عدمه. " غاية البادي: ص 83 "
101

قوله تعالى: " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " [17 / 32]،
" ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " [5 / 96]
البحث السابع
في: الواجب المخير (1)
الامر بالأشياء على سبيل التخيير (2)، يقتضي وصف
كل واحد منها بالوجوب.
وعلى معنى: أن المكلف لا يحل له الاخلال بالجميع
ولا يجب عليه الاتيان بالجميع.
وأيها فعل كان واجبا بالأصالة، والتعيين موكول
إلى اختياره.
وإن فعل الجميع، استحق الثواب على فعل أمور، كل
واحد منها واجب مخير.

(1) الواجب التخييري: ما كان له عدل وبديل في عرضه، ولم
يتعلق به الطلب بخصوصه، بل كان المطلوب هو أو غيره، يتخير بينهما
المكلف.
وهو: كالصوم الواجب في كفارة إفطار شهر رمضان عمدا، فإنه
واجب، ولكن يجوز تركه وتبديله، بعتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا
" أصول المظفر: 1 / 91 "
(2) وهو المحكي عن أبي علي وأبي هاشم، وإليه ذهب أصحابنا.
" عمدة الأصول: 1 / 84 "
102

وأما ما يقال (1): من أن الواجب منها واحد، غير معين
عندنا، وهو معين عند الله، فهو باطل.
لان التعيين: يقتضي إيجاب ذلك المعين، وعدم جواز
تركه. وقد وقع الاتفاق على التخيير، ومعناه جواز ترك كل
واحد بشرط الاتيان بالآخر. وذلك تناقض.
البحث الثامن
في: الواجب الموسع
اعلم: أنه لا يجوز أن يكون وقت العبادة يقصر عن فعلها
إلا أن يكون المقصود منه القضاء، ويجوز أن يساويه اجماعا (2).
والحق!! أنه يجوز أن يكون الوقت يفضل منه، وهو
الواجب الموسع (3)، وهو ثابت لقوله تعالى: " أقم الصلاة
لدلوك الشمس إلى غسق الليل " [17 / 79].

(1) هذا المذهب ينقله كل واحد من الفريقين الأشاعرة والمعتزلة عن
الآخر ويبطلونه والله أعلم بقائله " غاية البادي ص 86 بتصرف "
(2) كالصوم، كما في هامش المصورة: ص 13.
(3) لان فيه توسعة على المكلف، في أول الوقت وفي أثنائه
وآخره، كالصلاة اليومية وصلاة الآيات.
فإنه لا يجوز تركه في جميع الوقت، ويكتفي بفعله مرة واحدة،
في ضمن الوقت المحدد له. " أصول المظفر: 1 / 95 "
103

وتخصيص آخر الوقت بالوجوب أو أوله - كما ذهب إليهما
من لا تحقيق له (1) - ترجيح من غير مرجح.
واعلم: أن هذا الواجب في الحقيقة، يرجع إلى الواجب
المخير، فكأن الشارع قال له: افعل إما في أول الوقت أو وسطه
أو آخره.
وإذا لم يبق من الوقت إلا قدر فعله، تعين عليه لا محالة،
وحرم تركه.
واعلم: أن السيد المرتضى (2) - ره -: أوجب العزم (3)

(1) بل: والكل وقت للأول، لا أوله وبعده قضاء، كبعض الشافعية.
ولا آخره، وقبله نفل، كبعض الحنفية.
ولا هو مراعى، كالكرخي.
" زبدة الأصول ص: 46 - 47 بتصرف "
(2) علي بن الحسين الموسوي: الملقب ذا المجدين علم الهدى، ينتهي
نسبه من جهة أبيه بالامام موسى بن جعفر " ع "، ومن جهة أمه بالامام
زين العابدين. كان أوحد أهل زمانه فضلا وعلما وكلاما وحديثا وشعرا
وخطابة وجاها وكرما. ولد في رجب سنة 355 ه‍. له مصنفات كثيرة
منها الذريعة في الأصول. وكانت وفاته قدس الله روحه: لخمس بقين
من شهر ربيع الأول، سنة 436 ه‍.
" روضات الجنات 374 - 375 بتصرف واختصار "
(3) بمعنى أنه: " يجب عليه الفعل في أول الوقت، فمتى لم يفعل
وجب عليه العزم على فعله في آخره.
والقول بالعزم: من رأي " الشيخ والمرتضى رضي الله عنهما، ووافقهما
ابن زهرة وابن البراج "، وهو " مذهب القاضي الباقلاني من العامة "،
خلافا " للمحقق والعلامة واتباعهما ".
" جمعا بين عدة الأصول: 1 / 88، وزبدة الأصول - هامشا ومتنا -: ص 47 - 48 "
104

لينفصل من المندوب (1).
وعلى الوجه الذي لخصناه - من أنه راجع إلى الواجب
المخير -، انفصل عن المندوب، ولا حاجة إلى العزم.
البحث التاسع
في: الواجب على الكفاية
إذا تعلق غرض الشارع: بتحصيل الفعل من الجماعة،
لا على سبيل الجمع، كان واجبا على كل واحد، ويسقط عنه
بفعل غيره (2).

(1) احتج المرتضى: بأنه لولا العزم، لم يبق فرق بينه وبين المندوب
لاشتراكهما في الترك.
والجواب: كما ذكره المصنف نفسه. " هوامش المسلماوي: ص 9 بتصرف "
(2) يقول المظفر: " إن الواجب العيني: ما يتعلق بكل مكلف
ولا يسقط بفعل الغير ".
ويقابله الواجب الكفائي، وهو: المطلوب فيه وجوب الفعل من أي
مكلف كان، فهو يجب على جميع المكلفين، ولكن يكتفى بفعل بعضهم،
فيسقط عن الآخرين، ولا يستحق العقاب بتركه.
نعم. إذا تركوه جميعا، من دون أن يقوم به واحد، فالجميع
منهم يستحقون العقاب.
كما يستحق الثواب، كل من اشترك في فعله.
وأمثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشريعة: منها تجهيز الميت والصلاة
عليه، ومنها إنقاذ الغريق ونحوه من التهلكة، ومنها إزالة النجاسة عن
المسجد، ومنها الحرف والمهن والصناعات التي بها نظام معايش الناس.
ومنها طلب الاجتهاد، ومنها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
" أصول المظفر: 1 / 93 "
105

فإن ظن جماعة فعل غيرهم له، سقط عنهم، وإلا فلا.
ولو ظن كل طائفة قيام غيرهم به، يسقط عن الجميع.
البحث العاشر
في: وجوب ما يتوقف عليه الواجب المطلق
الواجب: قسمان (1)، مطلق: كالصلاة، ومقيد: كالزكاة.
فالثاني: لا يستلزم وجوب ما يتوقف عليه من القيد.
والأول: يستلزم وجوب ما لا يتم إلا به، إذا كان مقدورا

(1) أحدهما: ما يكون وجوبه مشروطا بأمر زائد على الأمور المعتبرة
في التكليف، كالزكاة المتوقف وجوبها على حصول المال، والحج المتوقف
وجوبه على الاستطاعة.
وثانيهما: ما لا يكون كذلك، وهو الواجب المطلق، كالصلاة
الواجبة في حال الطهارة والحدث، إلا أن وقوعها مشروط بالطهارة.
" هوامش المسلماوي: ص 20 "
106

لان الامر ورد مطلقا، فلو لم تجب المقدمة، لكان الفعل
واجبا، حال عدمها (1)، وهو تكليف ما لا يطاق.
البحث الحادي عشر
في: أن الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده
قد بينا: أن الامر يستلزم الوجوب، ولا بد في الوجوب
من المنع من الترك.
فالامر: يستلزم النهي عن الترك، وليس هو نفسه، كما
ذهب إليه من لا تحصيل له (2).

(1) مرجع الضمير: المقدمة.
(2) وهو القاضي أبو بكر في أحد قوليه.
قال القاضي أبو بكر في قوله الآخر: إن الامر بالشئ عين النهي
عن ضده، لان طلب السكون، عين طلب ترك الحركة.
فهو طلب واحد، بالنسبة إلى السكون أمر، وبالنسبة إلى ترك
الحركة نهي.
وأجيب عنه: بالمنع من الاتحاد. لان الحركة والسكون شيئان وجوديان
وعدم أحدهما ليس هو وجود الآخر. " هوامش المسلماوي: ص 20 "
107

البحث الثاني عشر
في: أنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز
والدليل عليه: أن الوجوب ماهية مركبة، من الاذن في
الفعل، والمنع من الترك.
ورفع المركب، لا يستلزم رفع جزئيه معا، بل أحدهما
لا بعينه.
وإنما قلنا: ببقاء الجواز، لوجود اللفظ الدال عليه،
وهو الامر.
البحث الثالث عشر
في: امتناع التكليف بالمحال
تكليف ما لا يطاق: قبيح بالضرورة (2)، والله تعالى
لا يفعل لحكمته، فاستحال منه وقوع التكليف بالمحال.

(1) لان العقل يحكم: بأن القبيح إنما يفعل لاحد الشيئين، إما للجهل
أو لأجل الاحتياج إليه، والله تعالى منزه عنها. لكونه عالما بالذات غنيا
بالاطلاق. " غاية البادي: ص 98 "
108

ونزاع الأشعرية (1) في ذلك: باطل، وقد بيناه في كتبنا
الكلامية.
ومن هذا الباب: تكليف المكره، إن بلغ الاكراه إلى حد
الالجاء (2) وإلا كان جائزا.
البحث الرابع عشر
في: أن التكليف بالفروع لا يتوقف على الايمان
ذهبت الحنفية (3) إلى أن الكفار غير مخاطبين بفروع

(1) الأشاعرة والأشعرية: نسبة تمثل رواد مذهب كلامي، في
أصول الدين مؤسسة: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، في أواخر
القرن الرابع الهجري. ومن جملة مبادئه: أن الباري عالم بعلم، قادر
بقدرة، حي بحياة، مريد بإرادة، متكلم بكلام، سميع بسمع، بصير
ببصر. ومن أبرز أقطابه: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني،
وأبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد
الأسفراييني، وأبو الحسن مقاتل بن سليمان الخراساني.
الملل والنحل: 1 / 127 - 145، والإبانة عن أصول الدين: 1 / 1 - 17
ومقالات الاسلاميين: 1 / 1 - 688.
(2) وهو الذي لا يبقى معه قدرة واختيار للشخص.
" هوامش المسلماوي: ص 21 "
(3) الحنفية: نسبة تمثل رواد مدرسة فقهية، في فروع الدين،
تعتمد الرأي في استنباط أحكامها مؤسسها أبو حنيفة في مطلع النصف الثاني
من القرن الثاني الهجري. ومن جملة أعلامها: أبو يوسف، والشيباني
كما وشاع مذهبهم خاصة: في الشرق الأدنى، وفي آسيا الوسطى، والهند
روضات الجنات: ص 732، المنجد: ص 168 وغيرهما من المصادر
109

العبادات (1).
وهو خطأ: لقيام المقتضي (2)، وهو الامر مع انتفاء
المانع، إذ المانع عندهم هو الكفر لا غير، وهو لا يصلح للمانعية.
لان الكافر: يتمكن من الايمان (3)، حتى يتمكن من
الاتيان بالفروع.
ولأنه تعالى يعاقبهم على ذلك لقوله تعالى: " ما سلككم
في سقر، قالوا لم نك من المصلين " [74 / 42].
احتجوا (4): بأنه حال الكفر لا يصح منه، وبعده يسقط

(1) كالصلاة والزكاة سواء كان مأمورا به، أو منهيا عنه.
وانما قيده بفروع العبادات، لان الكفار مخاطبون بأصول العبادات
كالايمان بلا خلاف.
وإنما قلنا: سواء كان مأمورا به أو منهيا عنه، لان بعضهم ذهب
إلى أنهم مكلفون بالنواهي دون الأوامر، بخلاف الحنفية، فإنهم يقولون
أنهم غير مكلفين مطلقا. " هوامش المسلماوي: ص 21 "
(2) لوجوب هذه العبادات. " هوامش المسلماوي: ص 22 "
(3) أي من إزالة المانع باختيار الايمان، كالمحدث: فإنه يتمكن
من الصلاة بإزالة المانع، وهو الحدث. " هوامش المسلماوي: ص 22 "
(4) أي الحنفية: على أن الكفار غير مخاطبين...
" هوامش المسلماوي: ص 22 "
110

عنه (1).
والجواب: أن المراد بالوجوب هنا (2)، مؤاخذتهم على
تركها في الآخرة، مع استمرار كفرهم (3).
البحث الخامس عشر
في: أن الامر يقتضي الاجزاء
الحق!! ذلك.
والمراد بالاجزاء: خروجه عن عهدة التكليف، بفعل
المأمور به على وجهه.
لأنه لولا ذلك: لكان الامر إما أن يتناول عين ما فعل
فيلزم تحصيل الحاصل، أو غيره، فلا يكون المأتي به تمام ما
أمر به، والتقدير خلافه.
وذهب أبو هاشم: إلى أنه لا يقتضيه (4)، لان الحج الفاسد

(1) أي عن الكافر: جميع التكاليف السابقة، بالاجماع.
" هوامش المسلماوي: ص 22 "
(2) أي في قولنا: أن الفروع واجبة على الكفار.
" هوامش المسلماوي: ص 22 "
(3) وعدم صحة الامتثال حال كفرهم، لا ينافي الوجوب بالمعنى المذكور.
" هوامش المسلماوي: ص 22 بتصرف "
(4) مرجع الضمير: الاجزاء.
111

مأمور به، ولا يجزئ.
والجواب عنه: أنه مجز بالنسبة إلى الامر الوارد به (1).
وغير مجز بالنسبة إلى الامر الأول.
البحث السادس عشر
في: أن الاخلال هل يقتضي وجوب القضاء
الحق!! إن الامر إن كان مقيدا بوقت ولم يفعل فيه، لا يقتضي
وجوب القضاء، وإنما يجب القضاء بأمر جديد (2).

(1) مرجع الضمير: ثانيا، كما في هامش المصورة: ص 16.
(2) والذي يدل على ذلك: هو أن الامر، إذا كان معلقا بوقت
دل على أن ايقاعه في ذلك الوقت مصلحة.
فمتى لم يفعل في ذلك الوقت، فمن أين يعلم أنه مصلحة في وقت
آخر؟ ويحتاج في العلم بذلك إلى دليل آخر؟ وعلى هذا قلنا: أن القضاء فرض ثان يحتاج إلى دليل آخر، غير
الدليل الذي دل على وجوب المقتضي.
وليس لاحد أن يقول: أن الامر يدل على وجوب المأمور به،
وأنه مصلحة، وليس للأوقات تأثير في ذلك، فينبغي أن يكون ايقاعه
مصلحة أي وقت شاء.
وذلك: أنه لا يمتنع أن يكون للأوقات تأثير في كون الفعل مصلحة
فيه، حتى إذا فعل في غيره كان مفسدة.
والذي يكشف عن ذلك: أن صلاة الجمعة لا خلاف أنها مصلحة،
وواجبة في وقت معين، ومن لم يفعلها فإنها تسقط عنه، لا يجوز له فعلها
في وقت آخر. " عدة الأصول: 1 / 81 "
112

لان الامر الأول: لا يتناول ما عدا وقته، فلا يدل عليه
ولأن أوامر الشرع: تارة يستعقب القضاء، وتارة
لا يستعقبه (1).
فدل على أن مجرد الامر الأول، غير كاف في القضاء.
البحث السابع عشر
الامر بالامر بالشئ ليس أمرا بذلك الشئ
لان قوله " عليه السلام ": " مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع " (2)
لا يقتضي الوجوب.
والامر بالماهية الكلية، ليس أمرا بشئ من جزئياتها،
لان الكلي مغاير للجزئي، وغير مستلزم له.

(1) كصلاة الجنازة، كما في هامش المصورة: ص 17.
(2) سنن ابن داود: ك 2 ب 26 ص 115، ومصادر أخر مذكورة
في الوسائل: 1 / 171.
113

البحث الثامن عشر
في: أن المعدوم غير مأمور
الأشاعرة: خالفت سائر العقلاء في ذلك.
والدليل عليه: أن الامر من غير مأمور عبث.
وهو قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح.
والنبي " عليه السلام ": غير آمر لنا حقيقة، بل هو مخبر عن
الله تعالى، بأنه يأمر كل واحد بما جاء به، حال وجوده.
وكذلك الغافل غير مأمور: لان تكليف من لا يعلم الخطاب
- حال التكليف -، تكليف بما لا يطاق.
ولقوله عليه السلام: " رفع القلم عن ثلاث... " (1)،
الحديث.
البحث التاسع عشر
في: ما يجب على المأمور
يجب على المأمور قصد الطاعة: لقوله تعالى: " وما أمروا
إلا ليعبدوا الله مخلصين " [98 / 6].

(1) الجامع الصغير: 2 / 24، وكشف الخفاء: 1 / 434.
114

ولقوله عليه السلام: " إنما الأعمال بالنيات... " (1).
وهذا حكم واجب في كل عبادة، سوى شيئين: النظر
المعرف للوجوب، وإرادة الطاعة (2).
البحث العشرون
في: وقت تعلق الامر
المأمور: يصير مأمورا قبل الفعل، لان القدرة شرط الامر
وهي إنما تتحقق قبل الفعل، لان الفعل حال وجوده واجب،
فلا قدرة عليه، فلا يتعلق به أمر.
وعند الأشاعرة: أنه مأمور حال الفعل، لأنه (3) حال
القدرة. وقد بينا فساده في علم الكلام.

(1) صحيح البخاري: ك 1 ب 1 ص 4، ومصادر أخر مذكورة في
مفتاح كنوز السنة: ص 512.
(2) فإن إيقاعه على وجه الطاعة غير ممكن، لان فاعله لا يعرف
وجوبه عليه، ولا كونه مأمورا به، إلا بعد اتيانه به.
وهذا يأتي على رأي الأشاعرة، القائلين بوجوبه شرعا.
أما نحن والمعتزلة فلا، لان وجوب النظر عندنا عقلي، غير مستفاد
من الامر. " هوامش المسلماوي: ص 25 "
(3) مرجع الضمير: حال الفعل، كما في هامش المصورة: ص 18.
115

البحث الحادي والعشرون
في: النهي
الخلاف في أن النهي يقتضي التحريم، كالخلاف في أن
الامر يقتضي الوجوب.
والحق!! أنه يقتضيه (1).
لقوله تعالى: " وما نهاكم عنه فانتهوا "، [59 / 8]
ووجوب الانتهاء يستدعي تحريم المنهي عنه، وفي اقتضائه التكرار
كما قلنا في الامر.
وهل يجوز أن يكون الشئ الواحد: مأمورا به منهيا عنه؟
كالصلاة في الدار المغصوبة.
الوجه: عدم الجواز، لان كونه مأمورا به يستلزم نفي
الحرج، وكونه منهيا عنه يستلزم ثبوت الحرج.
والجمع بينهما محال: فإن شغل الحيز، جزء من ماهية
الصلاة، وهو منهي عنه.
والامر بالصلاة أمر بأجزائها.
فيلزم الامر بذلك: الشغل والنهي عنه، وهو محال.

(1) مرجع الضمير: التحريم.
116

البحث الثاني والعشرون
في: أن النهي هل يقتضي الفساد
الحق!! أنه يقتضي الفساد، في العبادات لا في المعاملات
أما الأول: فلانه لم يأت بالمأمور به، فيبقى في عهدة التكليف
وأما الثاني: فلامكان النهي عن البيع (1)، مع وقوع
الملك به، كما في وقت النداء (2).
ولا ينتقض بالعبادات: لان الفساد هناك معناه عدم
الاجزاء (3)،

(1) والدليل على أن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات: إن
الدلالة اما لفظية وإما معنوية، وكلتاهما منتفيتان، أما الأولى: فلان
النهي لا يدل من حيث اللفظ، إلا على المنع من الفعل، منعا مانعا من
النقيض، وهذا المفهوم غير مفهوم الفساد، وأما الثانية: فلان المراد
من الدلالة أن يكون لمسمى اللفظ لازم، يلزم من فهمه فهم ذلك اللازم
وليس مفهوم الفساد لازما لمسمى النهي.
" غاية البادي: ص 120 - 121 "
(2) أي وقت نداء الجمعة: فإن البيع هذا الوقت منهي عنه،
لقوله تعالى: " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله
وذروا البيع " " هوامش المسلماوي: ص 26 "
(3) أي عدم موافقتها لأمر الشارع. " المصدر السابق نفسه "
117

وهنا!! معناه عدم ترتب حكمه (1) عليه (2)، ومع
اختلاف التفسير لا يتم النقض:
واعلم: أن النهي كما لا يدل على الفساد في التصرفات،
كذا لا يدل على الصحة (3).

(1) مرجع الضمير: الفساد، كما في هامش المصورة ص 19.
(2) ومن أحكام الفساد: انه لا يجوز التصرف في المبيع بالبيع الفاسد
" هامش المصورة: ص 19 "
(3) اعلم: أن النهي كما لا يدل على الفساد في المعاملات، كذلك
لا يدل على الصحة، بعين المذكورة، وإن استفيد الصحة، استفيد من
دليل خارجي. " غاية البادي: ص 121 "
118

الفصل الرابع
في: العموم والخصوص
وفيه: مباحث
119

الأول
في: العام والخاص
العام: هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له (1)، بحسب
وضع واحد (2).
والمطلق: هو اللفظ الدال على الحقيقة، من حيث هي هي
من غير أن يكون فيه دلالة، على شئ من القيود (3).
وصيغ العموم: كل (4).. وأي (5)؟..

(1) كما قال أبو الحسين، نقلا عن منتهى الوصول: ص 74.
(2) احترز عن المشتركة: فإنه بحسب الوضع الواحد، لا يكون
مستغرقا لمفهوماته، فلا يكون عاما " هوامش المسلماوي: ص 27 "
(3) من الوحدة والتكرار. " المصدر السابق نفسه "
(4) لفظ كل: إذا دخلت في الكلام، فإنها تفيد الاستغراق،
سواء دخلت للتأكيد أم لغير ذلك.
أما ما يدخل للتأكيد، نحو قول القائل: رأيت الرجال كلهم،
فإن ذلك يفيد الاستغراق.
وما يدخل لغير التأكيد، نحو قول القائل: كل رجل جاءني أكرمته،
وكل عبد لي فهو حر.
وعلى هذا قوله تعالى: " كل ما القي فيها فوج سألهم خزنتها... "
" العدة: 1 / 105 بتصرف "
(5) فإنها تستغرق ما يعقل وما لا يعقل، وهي أعم من اللفظتين معا.
ولأجل هذا!! إذا قال: أي شئ عندك؟ يحسن أن يجاب بما
يعقل وما لا يعقل.
إلا أنها لا تفيد الاستغراق، كما تفيد من وما، إلا أن يدل دليل
على ذلك، فيحكم له بحكم الاستغراق. " العدة: 1 / 104 "
120

وما (1)؟ ومن؟ (2) ومتى (3)؟ وأين؟ (4)؟ في المجازاة (5)

(1) فيما لا يعقل، إذا وقعت الموقع الذي ذكرناه، من المجازاة
والاستفهام.
ومتى كانت معرفة، لم تكن مستغرقة كما قلناه في سواء.
ومن الناس من قال: إن " ما " يعم ما يعقل وما لا يعقل، وهي
أعم من من، وذلك محكي عن قوم من النحويين.
" العدة: 1 / 104 "
(2) في جميع العقلاء، إذا كانت نكرة، في المجازاة والاستفهام.
ومتى وقعت معرفة، لم تكن للعموم، وكانت بمعنى الذي، وهي
خاصة بلا خلاف. " العدة: 1 / 103 "
(3) في الأوقات: لأنها تجري في تناول جميع الأوقات، مجرى
من في تناولها لجميع العقلاء.
وذلك!! نحو أن يقول القائل: متى جئتني جئتك؟ فإن ذلك،
لا يختص وقتا دون وقت، بل يتناول جميع الأوقات.
" العدة: 1 / 104 "
(4) في المكان، نحو قول القائل: أين زيد؟ يحسن أن يجيبه
بذكر كل مكان، فعلم أنه متناول له. " العدة: 1 / 104 "
(5) المجازاة بضم الميم: مصدر يراد باصطلاحه أدوات الشرط
الجازمة لفعلين - الشرط وجزاؤه - وهو كثيرا ما استعمل في لسان القدماء.
121

والاستفهام.. والنكرة في سياق النفي (1)، والجمع المعرف
باللام الجنسية (2) والمضاف (3).
لان قولنا: جاءني كل رجل، يناقض قولنا ما جاءني
كل رجل.

(1) نحو قول القائل: ما رأيت أحدا، وما جاءني من أحد،
فإن ذلك يفيد الاستغراق.
ومثله: وقوعها في سياق النهي، نحو لا تشتم أحدا.
" جمعا بين العدة: 1 / 104 ومبادئ أصول الفقه: ص 60 "
(2) ومنها: أسماء الأجناس، إذا دخلها الألف واللام، ولم يرد
بهما التعريف.
نحو قوله: " والعصر إن الانسان لفي خسر "، ونحو قولهم:
" أهلك الناس الدينار والدرهم "، لان ذلك يفيد الجنس كله.
ومتى كان للتعريف، كان مختصا بما عرف به، نحو قول القائل:
رأيت الانسان، يشير به إلى إنسان معهود متقدم.
فأما ما كان خاليا من الألف واللام، فإنه يفيد واحدا لا بعينه،
نحو قول القائل: رأيت رجلا وإنسانا، وما يجري مجراه.
وهذا يسميه أهل اللغة: النكرة لأنه لا يخصص واحدا من غيره.
" العدة: 1 / 104 "
(3) الجمع المضاف كقولك: عبيدي، وعبيد زيد، للاستغراق.
والحجة عليه: جواز الاستثناء، نحو قول القائل: عبيد زيد
صلحاء إلا خالدا. " معارج الأصول: ص 35 بتصرف "
122

والثاني: ما (1) يفيد العموم، فوجب كون الأول مفيدا
للعموم. لان السلب الجزئي إنما يناقضه الايجاب الكلي.
وكذا في ال‍ " جميع ".
وأما ألفاظ المجازاة والاستفهام: فلأنها لو لم تفد العموم!!..
لكانت: إما مفيدة للخصوص، وهو باطل، لحسن الجواب
بذكر كل العقلاء.
وإما للعموم والخصوص معا: وهو باطل، وإلا لما حسن
الجواب إلا بعد الاستفهام عن جميع الاحتمالات الممكنة.
أو لا لواحد منهما: وهو باطل بالاجماع.
وأيضا: فإنه يصح استثناء أي عدد كان منها.
والاستثناء: إخراج ما لولاه لدخل، وهو دليل عام
في جميع ما ادعينا عمومه.
وأما النكرة المنفية: فإنها نقيض المثبتة، وهي غير عامة
في الاثبات، فتعم في النفي.
وأما الجمع المعرف: فإنه يؤكد بما يفيد العموم، والتأكيد
تقوية ما يفيده المؤكد (2).

(1) هنا!! ما: نافية بمعنى لا.
(2) الجمع المعرف باللام: مشتقا كان أو غير مشتق.
إن كان معهودا، انصرف إليه، وإلا!! فهو للاستغراق، خلافا
لأبي هاشم.
لنا: أنه يؤكد بما يقتضي العموم في ذلك، نحو: قام القوم كلهم
ورأيت المشركين كلهم.
فلو لم يكن الأول للاستغراق، لما كان الثاني تأكيدا.
" معارج الأصول: ص 34 بتصرف "
123

وأما المضاف فللاستثناء (1).
البحث الثاني
في: ما ألحق بالعموم وليس منه
وهو ستة:
الأول:
الواحد المعرف بلام الجنس لا يفيد العموم، لعموم إفادته
في مثل: لبست الثوب وشربت الماء، ولامتناع تأكيده (2)
ووصفه بما يفيده (3).

(1) راجع التعليقة 3 في صفحة 122.
(2) بمؤكدات الاستغراق: نحو كل وجميع.
لأنك لا تقول: رأيت الانسان كلهم، ولا جاءني الكريم أجمعون.
" المعارج: ص 35 "
(3) أي: بما يفيد العموم، فإنك لا تقول: جاءني الرجل
القضاة، ولا العالم الفقهاء. " المعارج: ص 36 بتصرف "
124

الثاني:
الجمع المنكر لا يفيد العموم، لأنه يوصف بالأقل (1)،
نحو جاءني رجال ثلاثة وأربعة وخمسة، والمفهوم قابل للتقسيم
إلى هذه المراتب (2)، ومورد التقسيم مغاير لأقسامه وغير
مستلزم لها (3).
إذا عرفت هذا!! فنقول: أقل الجمع ثلاثة،
وقيل (4): اثنان.

(1) لأنه يفسر بالقلة والكثرة: فيجب أن لا يحمل على أحدهما
إلا لدلالة.
لكن أقل الجمع من ضروريات محتملاته، فيجب أن يقتصر عليه،
إلا لدلالة زائدة. " المعارج: ص 36 "
(2) أي مفهوم الجمع المنكر: قابل للتقسيم، إلى مراتب الاعداد،
أقلها وأكثرها. " هوامش المسلماوي: ص 29 بتصرف "
(3) يعني: أن مورد التقسيم مشترك بين أقسامه، ومغاير لكل
واحد منها، وغير مستلزم لها، كاللفظ الدال على ذلك المورد، ولا
إشعار له بشئ منها البتة. " المصدر السابق نفسه "
(4) والقائل: القاضي أبو بكر، وإمام الحرمين، وأبو يوسف.
واحتجوا بقوله تعالى: " وكنا لحكمهم شاهدين "، أراد داود وسليمان،
ولقول النبي " عليه السلام ": الاثنان فما فوقهما جماعة.
" هوامش المسلماوي: ص 29 بتصرف "
125

لنا: أن أهل اللغة فرقوا بين الصيغتين وبين ضميريهما (1)
ولعدم قبوله (2) الوصف بالاثنين (3).
الثالث:
قوله تعالى: " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة "
[59 / 21]، لا يقتضي نفي الاستواء في جميع الأمور (4)، لان
نفي الاستواء: أعم من نفيه من كل وجه، ومن نفيه من
وجه دون وجه، ولا دلالة للعام على الخاص (5).

(1) إن أهل اللغة: فرقوا بين التثنية والجمع، وخصوا كل
واحد منها بأمر لا يشركه فيه الآخر. فقالوا: التثنية تكون بالألف
والنون والياء والنون، والجمع يكون: بالواو والنون والياء والنون،
ويدل على ذلك أيضا: أنهم يقولون للاثنين افعلا - إذا أمروهما -،
والجماعة افعلوا. " العدة: 1 / 116 - 117 بتصرف "
(2) مرجع الضمير: الجمع، كما في هامش المصورة: ص 21.
(3) فإن السامع: إذا سمع المتكلم يقول: رأيت رجالا، لا يفهم
من ذلك ولا يسبق إلى قلبه إلا ثلاثة، ولا يسبق إلى قلبه اثنان أصلا.
" العدة: 1 / 117 "
(4) خلافا لبعض الشافعية، لان المساواة تفيد الاستواء في جميع
الصفات، فنفي المساواة نفي لذلك المجموع، ونفي المجموع من حيث هو
كذلك، يحصل بنفي بعضه، فلا يلزم نفي المساواة من كل وجه.
" المعارج: ص 37 - 38 "
(5) بإحدى الدلالات الثلاث. " غاية البادي: ص 136 "
126

الرابع:
خطاب الرسول " عليه السلام " (1): في مثل قوله تعالى:
" يا أيها النبي... " (2)، لا يتناول الأمة (3)، وقيل (4): يتناولهم
وهؤلاء!! إن زعموا أنه مستفاد من هذا اللفظ فهو خطأ
فاحش، وإن زعموا استفادته من دليل آخر فهو خروج عن
هذه المسألة (5).

(1) أي: في الخطاب الوارد من الله، المتوجه إلى النبي - ع -.
" هوامش المسلماوي: ص 29 "
(2) هذه الجملة وردت مطلعا لآيات عدة: منها الأنفال 8 / 65،
والتوبة 9 / 74.
(3) إلا بدليل منفصل، وهو مذهب الشافعية، وهو الحق.
" هوامش المسلماوي: ص 29 "
(4) والقائل: أبو حنيفة، وأحمد بن حنبل، وأصحابهما.
" المصدر السابق نفسه "
(5) قال المصنف: إن أرادوا: دخول الأمة في الخطاب مستفاد
من اللفظ، فهو خطأ.
لان دلالة اللفظ على المعنى: إما أن يكون ذلك اللفظ موضوعا
لذلك المعنى، أو بأن يكون داخلا فيه، أو يكون خارجا عنه لازما له.
وهذه الدلالات منفية.
أما الأولى: فظاهر، لان الفرض أن اللفظ يختص به.
وكذا الثاني والثالث: لان خطاب الأمة ليس بداخل في مسمى
اللفظ ولا بلازم له.
فإن أرادوا: أن ذلك مستفاد من دليل آخر، كقوله تعالى:
" وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "، وأمثال ذلك.
فهو خروج عن المسألة، لان الحكم حينئذ وجب بذلك الدليل
المنفصل، لا بالخطاب الموجبة إلى النبي " ص ".
" غاية البادي: ص 137 "
127

الخامس:
الصيغة المتناولة للذكور والإناث عامة فيهما، إن لم يظهر
فيه علامة، كمن وأي.
للاجماع على عتق جميع الذكور والإناث من مماليكه،
عند قوله: من دخل داري فهو حر.
وأما إن ظهر فيه علامة - كقوله: قام، قاما، قاموا،
قامت، قامتا، قمن - فالمؤنث لا يتناول المذكر إجماعا.
وفي العكس خلاف (1)، الأقرب أنه كذلك (2)،

(1) أي: وإن لم يظهر فيه علامة خلاف، فلا يدخل نحو النساء
في نحو الرجال، ولا العكس اتفاقا، ويدخل الجميع في نحو الناس اتفاقا.
واختلف في نحو المسلمين من جمع المذكر السالم، ونحو فعلوا، مما
يغلب فيه المذكر. فالأكثر لا يدخل النساء ظاهرا. وقالت الحنابلة:
شذوذا يدخل. " منتهى الوصول: ص 84 بتصرف "
(2) فلا يتناول المؤنث.
128

لان الجمع تضعيف الواحد، والواحد لا يتناول المؤنث،
فكذا الجمع.
السادس:
حكاية الحال لا تعم.
لان قولنا: فلان فعل، يكفي في صدقه صدور الفعل
عن الفاعل، مرة.
البحث الثالث
في: التخصيص
وهو: إخراج بعض ما تناوله الخطاب عنه (1).
وهو: إما بمتصل، أو منفصل.
فالأول: الاستثناء (2)، والشرط (3)، والصفة (4)،

(1) كما قال أبو الحسين، نقلا عن منتهى الوصول: ص 87.
(2) مثل: جاء القوم إلا زيدا.
(3) وهو ضربان: مؤكد، كقوله: قم إن استطعت، ومبين: كقوله أكرمه إن فعل. " المعارج: ص 40 "
(4) كقولك: أكرم الرجال الطوال. " المعارج: ص 40 "
129

والغاية (1).
والثاني: عقلي (2) وسمعي (3).
والفرق بينه وبين النسخ: أنه لا يصح إلا في اللفظ،
والنسخ يصح فيما علم بالدليل إرادته.. ولأن نسخ الشريعة
بمثلها جائز، بخلاف التخصيص.. ولأن النسخ يجب فيه التراخي
دون التخصيص.
والحق!! إن التخصيص جنس للنسخ، والاستثناء، وغيرهما.
ويصح إطلاق العام وإرادة الخاص، في الخبر والامر،
كقوله تعالى: " الله خالق كل شئ " [13 / 17]، وقوله:
" فاقتلوا (4) المشركين " [9 / 6].

(1) كقوله تعالى: " ولا تقربوهن حتى يطهرن ".
" المعارج: ص 40 "
(2) لأنا نخرج الصبي والمجنون، من قوله تعالى: " يا أيها الناس
اعبدوا ربكم ". هذا في حال كونهما كذلك، وإن كانا عند البلوغ والعقل
مخاطبين بالعبادة بتلك العبارة. " المعارج: ص 44 "
(3) سيأتي بيانه في البحث السابع من هذا الفصل.
(4) هكذا في القرآن الكريم، وفي المصورة: ص 22، " اقتلوا "
عارية عن الفاء، الظاهر سببه النسخ أو الاختصار.
130

البحث الرابع
في: التمسك بالعام المخصوص
الحق!! أنه مجاز إن خص بمنفصل (1)، عقليا كان
أو نقليا (2).
وحقيقة: إن كان متصلا.
ويجوز التمسك به: إن لم يكن التخصيص مجملا (3)،

(1) ذهب كثير من أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة، إلى
أن العموم مع الدليل الذي خص به، حقيقة فيما عدا ما خص منه،
سواء كان ذلك الدليل، لفظا - متصلا أو منفصلا - أو غير اللفظ.
وذهب أبو عبد الله البصري: إلى أنه إن كان ذلك الدليل لفظا
متصلا، من استثناء وغيره، كان حقيقة. فأما إذا لم يكن متصلا،
فإنه يصير مجازا.
وذهب أبو علي وأبو هاشم ومن تبعهما وأكثر المتكلمين وباقي الفقهاء،
إلى أنه يصير مجازا بأي دليل خاص، وهو الصحيح.
" العدة: 1 / 120 "
(2) العقلي: كالذي مر في هامش 2 من الصحفة السابقة.
والنقلي: كتخصيص آية المواريث، بقوله " ع ": " القاتل لا يرث "
" المعارج: ص 44 - 45 بتصرف "
(3) المخصص: إما أن يكون مجملا وإما أن يكون مبينا.
فالأول: كقول القائل: أحسن إلى الناس، ويقول عقب ذلك:
لا تحسن إلى بعضهم، أو يقول هذا العام مخصوص.
والثاني: كقوله أحسن إلى الناس، ويقول: لا تحسن إلا لمن
يحسن إليك. " أصول الخضري: ص 201 "
131

وإلا فلا (1).
لان كونه حجة في بعض موارده، لا يتوقف على كونه
حجة في الأخرى، وإلا دار أو لزم الترجيح من غير مرجح
فإذا خرج عن كونه حجة في بعض الموارد، لم يزل
عنه كونه حجة في الآخرين.
ولأن أكثر العمومات مخصوصة، مع إحتجاج العلماء
كافة بها.
البحث الخامس
في: الاستثناء
وهو: إخراج بعض الجملة منها، بلفظ " إلا " أو ما يقوم
مقامها (2)، ويجب اتصالها بالمستثنى منه عادة (3).

(1) وهو من رأي المحقق أيضا، كما في المعارج ص 47، إلا أنه
قيده بالاطلاق.
(2) كما جاء في منتهى الوصول: ص 89.
(3) ولا يجوز انفصاله عنه، والذي يدل على صحة ما قلناه: أن
أهل اللغة، لا يعدون ما انفصل عن الكلام استثناء.
" عدة الأصول: 1 / 123 "
132

وهو قسمان: حقيقة، وهو الاستثناء من الجنس.. ومجاز:
وهو الاستثناء من غيره (1).
وشرطه: عدم الاستغراق، ويجوز أن يكون المستثنى أكثر
من الباقي (2).

(1) من قبيل قولهم: ما في الدار أحد إلا وتد.
وقول الشاعر: وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس. ووتد
ليس من أحد، ولا اليعافير من جملة الأنيس.
والذي يدل على ما قلناه: أنا قد بينا أن من حق الاستثناء أن
يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته، ونحن نعلم أن القائل لو قال
ما في الدار أحد ولم يستثن، لم يفهم من ذلك إلا نفي العقلاء، ولا يفهم
منه نفي الأوتاد.
فإذا قال الا وتد، فينبغي أن لا يكون استثناء حقيقة، ويكون
مجازا، لأنه لم يدخل في الكلام الأول.
فكذلك لو قال: بلدة ليس لها أنيس وسكت، لم يفهم من ذلك
إلا أنه ليس بها إنسان، ولم يفهم من ذلك أنه ليس بها بهائم.
فكذلك إذا قال إلا اليعافير وإلا العيس، يجب أن يكون مجازا.
" العدة: 1 / 124 - 125 بتصرف "
(2) الاستثناء المستغرق باطل باتفاق. والأكثرون: على جواز
المساوي والأكثر،
وقالت الحنابلة والقاضي في أحد قوليه: بمنعهما.
وقال ابن درستويه والقاضي أيضا: بمنعه في الأكثر خاصة.
وقيل: إن كان العدد صريحا، اعتبر الأكثر، وإلا لم يعتبر.
وقيل: يمتنع في العقد الصحيح، كمائة إلا عشرة. بخلاف خمسة.
" منتهى الوصول: ص 91 "
133

وإذا ورد عقيب الاثبات، أفاد النفي إجماعا.
وإذا ورد عقيب النفي، أفاد الاثبات، خلافا لأبي حنيفة (1)
لنا: لو لم يكن كذلك!! لم يكن قولنا: لا إله إلا الله،
موجبا لثبوت الإلهية (2) له تعالى، وبالاجماع دل على تمام
الاسلام به (3).
وإذا تعدد الاستثناء (4): فإن كان بحرف عطف، كان

(1) الاستثناء من الاثبات نفي بالاجماع، كقوله تعالى: " فلبثت
فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ". فيكون لبث خمسين عاما منتفيا.
وكذلك الاستثناء من النفي إثبات، كقوله تعالى: " إن عبادي ليس
لك عليهم سلطان، الا من اتبعك من الغاوين "، فيكون سلطانه على الغاوين
مثبتا، خلافا لأبي حنيفة. " غاية البادي: ص 154 - 155 "
(2) هكذا في المصورة: ص 23، ولا كن الصحيح اليوم إملائيا،
أن تكتب بهذا الشكل: " ألإلاهية ".
(3) أي: دل إجماع المسلمين على تمام إسلام من قال " لا إله
الا الله "، بعد تمام هذي اللفظة. " هوامش المسلماوي: ص 32 "
(4) أي: إذا تعدد المستثنى مع اتحاد الجملة.
" غاية البادي: ص 56 بتصرف "
134

الجميع راجعا إلى المستثنى منه (1).
وإن كان بغيره: فكذلك (2)، إن كان الثاني أكثر من
الأول (3) أو مساويا له (4). وإلا!! عاد إلى الأول (5)،
لقربه (6).

(1) نحو قولك: لفلان علي عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة.
" هوامش المسلماوي: ص 32 "
(2) أي: يعود إلى المستثنى منه، لتعذر عوده إلى المستثنى.
" هوامش المسلماوي: ص 32 "
(3) أي: إن كان المستثنى الثاني أكثر من المستثنى الأول، نحو
قولك: له علي عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة.
" هوامش المسلماوي: ص 32 بتصرف "
(4) نحو قولك: له علي عشرة الا ثلاثة الا ثلاثة
" هوامش المسلماوي: ص 32 "
(5) أي: المستثنى الأول، كما في هامش المصورة: ص 24.
(6) أي: وان لم تكن الاستثناءات متعاطفة، أو يكون الآخر أقل
من الاستثناء الأول، فالعود إلى الأول، لأنه استثناء أقرب من الاستثناء
الآخر، وللقرب رجحان، علم ذلك من استقراء كلام العرب.
اللهم الا إذا كان له قرينة، دالة على رجوعه إلى المستثنى منه.
" هوامش المسلماوي: ص 32 "
وللتوسع!! وتطبيق الحكم الفرعي على هذا المبحث، يراجع شرائع
الاسلام، كتاب الاقرار، 3 / 149 - 152، " بتحقيقنا ".
135

وإذا ورد عقيب الجمل (1): اختص بالأخيرة (2).
وقال الشافعي (3): يعود إلى الجميع.
وقال السيد المرتضى: بالاشتراك (4).
لنا: أنه على خلاف الأصل، فترك العمل به في الأخير
لدفع محذور الهذرية، وللقرب، فيبقى الباقي على الأصل (5).

(1) مثال قوله تعالى: " والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك
هم الفاسقون، الا الذين تابوا... ".
(2) كما قالت الحنفية. " منتهى الوصول: ص 92 "
(3) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي
المطلبي، أبو عبد الله أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه نسبة
الشافعية كافة.
ولد في غزة " بفلسطين "، سنة 150 ه‍، وتوفي في القاهرة سنة
204 ه‍. له تصانيف كثيرة: أشهرها كتاب " الام - ط " في الفقه
و " الرسالة - ط " في أصول الفقه.
" أعلام الزركلي: 6 / 249 - 250 بتصرف واختصار "
(4) أي: لا يتعين وضعه للجملة الأخيرة أو للكل، بل هو لهما
على سبيل الاشتراك، لأنه ورد استعماله على الوجهين، والاستعمال يدل
على الحقيقة.
والجواب: أن الأصل عدم الاشتراك، وقد مر أن المجاز أولى منه.
" جمعا بين غاية البادي: ص 57 وهوامش المسلماوي: ص 33 "
(5) اختار المصنف مذهب أبي حنيفة، واستدل عليه بأدلة ثلاثة:
وتقرير الأول: أن الاستثناء على خلاف الأصل، لان الأصل إجراء
العام على عمومه، خالفنا هذا الأصل في الجملة الأخيرة، لئلا يكون
الاستثناء هذرا، ويبقى الباقي على أصله، وخصصنا بالأخيرة، لما ثبت
في علم العربية اعتبار القرب... " غاية البادي: ص 57 - 58 "
136

ولأن الاستثناء عقيب مثله، يعود إليه دون المستثنى منه (1)
ولأن الظاهر عدم الانتقال من الجملة قبل استيفائها (2).
البحث السادس
في: الشرط والصفة والغاية
الشرط: ما يتوقف عليه تأثير المؤثر (3).
وله صيغتان: إن، ويختص بالمحتمل (4).. وإذا، ويدخل

(1) أي: أن الاستثناء عقيب الاستثناء يرجع إلى المستثنى دون
المستثنى منه، إذا كان أقل منه، كما تقدم.
فيجب أن يكون هاهنا أيضا كذلك، قياسا عليه ودفعا للاشتراك.
" غاية البادي: ص 58 بتصرف "
(2) يعنى أن الانتقال من الجملة إلى الأخرى من دون الاستثناء،
يدل على تمام الجملة الأولى، كما أن السكوت بعد الجملة يدل على تمامها.
" هوامش المسلماوي: ص 33 "
(3) كما في منتهى الوصول: ص 93.
(4) كقول القائل: أكرمه إن أكرمك.
" منتهى الوصول: ص 94 بتصرف "
137

عليه وعلى المتحقق (1).
وإذا تعقب الجمل (2): رجع إلى الجميع (3).
وقيل: يختص بالأخيرة (4).
والأولى: تقديمه لفظا، وإن جاز تأخيره (5).

(1) نحو: " فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف "،
فإن نفي الجناح عام، لأنه نكرة في سياق النفي، ولكن هذا النفي مشروط
بشرط، هو تسليم ما آتوهن بالمعروف.
" أصول الفقه للخضري: ص 195 "
(2) لا يمتنع أن يجعل الشرط الواحد شرطا في أشياء كثيرة، كما
لا يمتنع أن يكون الشئ الواحد مشروطا بشروط كثيرة.
وذلك مثل قول القائل: من دخل داري وأكل طعامي وشرب شرابي
فله درهم، فإنه يستحق الدرهم إذا دخل الدار وأكل وشرب، فأما بواحد
منها فلا يستحق ذلك.
وكذلك يصح أن يقول: إن دخلت الدار فلك خلعة ودراهم وطعام
فإنه متى دخل استحق لجميع ذلك.
فتارة يكون الشرط واحدا والمشروط أشياء، وتارة يكون الشرط
أشياء والمشروط واحدا، وكل ذلك جائز. " العدة: 1 / 128 "
(3) كما نقل عن الشافعي وأبي حنيفة.
" منتهى الوصول: ص 94 "
(4) وقال بعض الأدباء: انه يعود إلى ما يليه، حتى أنه لو قدم
يعود أيضا إلى ما يليه. " غاية البادي: ص 61 "
(5) وذهب النحويون: إلى أنه متى تأخر، فالمراد به المتقدم،
لان له صدر الكلام. " العدة: 1 / 128 "
138

وأما الصفة (1): فإن كانت عقيب جملة واحدة، عادت
إليها (2). وإن كانت عقيب أكثر: فإن تعلقت إحديهما (3)
بالأخرى عادت إليهما معا، وإلا فالأقرب عودها إلى الأخيرة
وأما الغاية: فهي نهاية الشئ.
وصيغتها: " حتى " (4) و " إلى " (5).

(1) المقصود بالصفة هنا: ما يعم النعت وغيره، فيشمل الحال
والتمييز ونحوهما، مما يصلح أن يكون قيدا لموضوع التكليف.
كما أنه يختص بما إذا كان متعمدا على موصوف، فلا يشمل ما إذا
كان الوصف نفسه موضوعا للحكم، نحو " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "
فإن مثل هذا يدخل في باب مفهوم اللقب.
والسر في ذلك: أن الدلالة على انتفاء الوصف، لابد فيها من
فرض موضوع ثابت للحكم، يقيد بالوصف مرة، ويتجرد عنه أخرى
حتى يمكن فرض نفي الحكم عنه. " أصول الفقه للمظفر: 1 / 120 "
(2) نحو: " فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات "، فالصفة:
جعلت حكم المنطوق، وهو اثبات الحل للفتيات المؤمنات.
" أصول الفقه للخضري: ص 196 "
(3) هكذا في المصورة: ص 24، وهو المألوف قديما في كتابة
مثل هاذه الكلمات، ولكن الصحيح اليوم، كتابتها بهذا الشكل " إحداهما "
(4) نحو: " كل شئ حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه ".
" أصول المظفر: 1 / 124 "
(5) نحو: " وأتموا الصيام إلى الليل ".
" أصول المظفر: 1 / 124 "
139

والحكم فيما بعدها: مخالف لحكم ما قبلها، إن كانت منفصلة
بمنفصل محسوس، وإلا فلا (1).
البحث السابع
في التخصيص بالأدلة المنفصلة
أما التخصيص بالعقل:
فكقوله تعالى: "... خالق كل شئ " [13 / 17].
وقوله: " وأوتيت من كل شئ " [27 / 24].

(1) قال المصنف: إن الغاية إن كانت منفصلة عن ذي الغاية بمنفصل
محسوس، كقوله تعالى " ثم أتموا الصيام إلى الليل "، وجب أن لا يدخل.
وإن لم تكن منفصلة كقوله تعالى: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق "، وجب أن يدخل. لأنه لما لم يكن المرفق منفصلا عن اليد
بمفصل حسي، لم يكن تعيين بعض المفاصل أولى من بعض، فوجب
دخوله لرفع التحكم. " غاية البادي: ص 62 - 63 "
هذا!! وقلنا أن المراد به أفعال نفسه، لما دل الدليل على أن
الواحد منا فاعل ومحدث.
فضلا عن أن العقل قاض ضرورة، باستحالة كون القديم الواجب
بذاته، مخلوقا ومقدورا.
" جمعا بين العدة: 1 / 133، ومنتهى الوصول: ص 94 بتصرف "
140

وأما بالنقل:
فله أقسام:
أحدها:
تخصيص الكتاب بالكتاب!! وهو جائز، خلافا للظاهرية (1)
لقوله تعالى: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء "
[2 / 229] مع قوله: " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن
حملهن " [65 / 5].
الثاني:
تخصيصه بالسنة المتواترة جائز!! خلافا لبعض الشافعية (2).
لقوله " ع ": " القاتل لا يرث " (3)، في تخصيص قوله

(1) وهي: مدرسة فقهية، أسسها في العراق داود بن علي الأصفهاني
(+ 270 ه‍)، وكانت تقوم على رفض الرأي والقياس، وقصر الاجماع
على إجماع الصحابة، والتمسك بظاهر الكتاب والسنة تمسكا شديدا، وهم
بذلك يعاكسون كل حركة ترمي إلى تحكيم الرأي، وتلجأ إلى التأويل،
كحركة الاعتزال. " المعتزلة: 253 - 254 بتصرف "
(2) الشافعية: نسبة تمثل رواد مدرسة فقهية، في فروع الدين،
تعتمد الحديث في استنباط الاحكام، مؤسسها محمد بن إدريس المعروف
بالشافعي، في أواخر القرن الثاني الهجري، وبداية القرن الثالث منه.
" المنجد: ص 283، وغيره من المصادر "
(3) وسائل الحر العاملي: 17 / 388 - 390 " بالمضمون " ومسند
أحمد بن حنبل: ص 46 " بالنص "، ومصادر أخر مذكورة في مفتاح
كنوز السنة: ص 521
141

تعال: " يوصيكم الله في أولادكم " [4 / 12] (1) وكتخصيص
آية الجلد (2)، برجم المحصن (3).
الثالث:
تخصيصه بالاجماع!! وهو جائز.
للاجماع على تخصيص العبد، من آية الميراث ومن آية
الجلد (4).

(1) وهذه الآية تسمى بآية المواريث، كما في الناسخ والمنسوخ لابن
العتائفي: ص 30 بتحقيق عبد الهادي الفضلي.
(2) وهي قوله تعالى في سورة النور، الآية 3: " الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة... "
(3) كما في قول الصادق " عليه السلام ": " الحر والحرة إذا زنيا
جلد كل واحد منهما مأة جلدة، فأما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم "،
كما في التذهيب: 10 / 3.
علما بأن هذا الحكم ورد في كثير من المصادر الأخرى، من قبيل:
اللمعة الدمشقية 9 / 85، والكافي 7 / 177. والتبيان 7 / 405،
ومجمع البيان 7 / 124، والصافي 2 / 152 والخلاف 2 / 438.
(4) أما تخصيص الكتاب بالاجماع، فيصح أيضا بمثل ما قدمناه
من الأدلة.
وقد وقع أيضا في مواضع كثيرة: نحو اتفاقهم على أن العبد لا يرث
فخص بذلك آية المواريث، ونحو إجماعهم على أن العبد كالأمة في
تنصيف الحد، فخص به قوله تعالى: " الزانية والزاني... " وغير ذلك.
" العدة: 1 / 135 "
142

الرابع:
تخصيصه بفعله " عليه السلام " (1)!! إن كان حكم العام متناولا
له، وثبت أن حكم غيره مثل حكمه.
وإن كان غير متناول له، كان مخصوصا في حق غيره
إن ثبت أن حكم غيره حكمه
وإلا فلا (2).
الخامس:
تخصيصه بخبر الواحد جائز (3)!! لأنهما دليلان تعارضا،

(1) لان الدليل قد دل: على أن فعله كقوله، في وجوب الرجوع
إليه في معرفة الاحكام.
فإذا ورد الكتاب بتحريم أشياء، ثم وجدناه " ع " فاعلا لبعضها،
علمنا بفعله خصوص الكتاب.
ولذلك خص قوله تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما
ماءة جلدة "، برجمه " ع " ماعزا. وتخصيص قوله " ع " بفعله،
صحيح أيضا بمثل ما قلناه. " العدة: 1 / 135 "
(2) أي: " وإن لم يثبت لم يكن ذلك الفعل مخصصا البتة.
" غاية البادي: ص 66 "
(3) والأئمة الأربعة على الجواز كذلك.
وقال ابن أبان: يجوز إن كان قد خص بدليل قطعي، وإلا فلا.
وقال الكرخي: إن كان قد خص بدليل منفصل.
وقال القاضي: بالوقف. " منتهى الوصول: ص 96 بتصرف "
143

فقدم الأخص، جمعا بين الدليلين.
وقد وقع كما في تخصيص: " فاقتلوا (1) المشركين "
[9 / 6]، بقوله: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (2).
والسيد المرتضى منع من ذلك، لان خبر الواحد ليس
بحجة عنده.
السادس:
لا يجوز تخصيصه بالقياس (3).
لان القياس عندنا باطل على ما يأتي، فيكف إذا عارض
القرآن؟
السابع:
يجوز تخصيص السنة المتواترة بمثلها.
لان العمل بهما وتركهما وترك الخاص، باطل بالاجماع،
فتعين ما قلناه.

(1) هكذا في القرآن الكريم، وفي المصورة: ص 25، " اقتلوا "
عارية عن الفاء، الظاهر منشأه الاختصار.
(2) المنتفي لابن تيمية: 2 / 836، " الطبعة الأولى 1351 ه‍ ".
(3) ومن أثبت القياس: فإن فيهم من أجاز تخصيص العموم به
على كل حال، إذا صح القياس بشروطه، وهو مذهب أكثر الفقهاء،
والشافعي، والمحكي عن أبي الحسن، وإليه ذهب أبو هاشم أخيرا.
ومنهم: من أبى تخصيص العموم به على كل وجه، وهو مذهب
أبي علي، وبه قال أبو هاشم أولا، كما وقد قال به بعض الفقهاء.
ومنهم من قال: يخص بالقياس الجلي ولا يخص بالخفي، وهو
مذهب بعض أصحاب الشافعي.
ومنهم من قال: أنه يخص بذلك، إذا دخله التخصيص، وسوغ
فيه الاجتهاد، ولا يجوز تخصيصه إذا كان باقيا على عمومه.
" العدة: 1 / 139 "
144

فائدة
إذا ورد خبران: عام وخاص واقترنا، كان الخاص
مخصصا للعام.
وكذا إن ورد الخاص متأخرا قبل حضور وقت العمل
بالعام (1).
وإن كان بعده كان نسخا.
وإن تأخر العام: فعند أبي الحسين (2)، يبنى العام على
الخاص، لان الخاص أقوى دلالة. وعند أبي حنيفة (3):

(1) مثل قوله " عليه السلام ": " في الخيل زكاة "، " ليس
في الذكور من الخيل زكاة ". " هامش المصورة: ص 26 "
(2) محمد بن علي الطيب البصري، أحد أئمة المعتزلة. ولد في
البصرة، وسكن بغداد، وتوفي بها سنة 436 ه‍. من كتبه " المعتمد " في
أصول الفقه. " أعلام الزركلي: 7 / 161 بتصرف واختصار "
(3) النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، الكوفي، إمام الحنفية،
أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. قيل: أصله من أبناء فارس. ولد
سنة 80 ه‍ ونشأ بالكوفة، وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه،
ثم انقطع للتدريس والافتاء، وتوفي في بغداد سنة 150 ه‍.
" أعلام الزركلي: 9 / 4 - 5 بتصرف واختصار "
145

العام ناسخ، لان مع التعارض يعمل بالأخير.
وإن جهل التأريخ: توقف أبو حنيفة، لتردد الخاص
بين كون منسوخا وتخصيصا وناسخا (1).
البحث الثامن
في: ما ظن أنه مخصص وليس كذلك
وهو سبعة:
الأول السبب!! ليس مخصصا خلافا للشافعي، لوجود المقتضي
للعموم، وهو لفظه، وخصوص السبب لا يصلح للمنع
لأنه لو صرح وقال: عليك بالعام، كان جائزا (2).

(1) قال أبو حنيفة والقاضي وإمام الحرمين: وإن جهل التأريخ،
تساقطا في موضع المقابلة.
لاحتمال تأخر العام، فيكون ناسخا للخاص، ولاحتمال تأخر الخاص،
فيكون مخصصا للعام، فيتوقف في محل الخاص، ويطلب من دليل آخر.
" أصول الخضري: ص 206 بتصرف "
(2) أما الأول: فلان المقتضي للعموم، إنما هو اللفظ العام،
وهو قائم.
أما الثاني: فلان المعارض ليس إلا خصوص السبب باتفاق الخصم،
ولا منافاة بين خصوص السبب وعموم الحكم، وكذلك لو صرح الشارع
بعموم الحكم، لم يحكم بالمنافاة، وإذا لم يكن منافيا لم يكن معارضا.
" غاية البادي: ص 73 "
146

ولأن الظهار واللعان وغيرهما، وردت على أسباب خاصة
مع عمومها (1).
الثاني: مذهب الراوي!! ليس بمخصص، خلافا لابن أبان (2)
لاحتمال استناده إلى ما ليس بدليل، وقد أخطأ في ظنه (3).
الثالث: لا يجوز تخصيص العموم بذكر بعضه، لعدم التنافي،
والمفهوم ليس بحجة، خصوصا مع معارضة العموم (4)

(1) وعلى ذلك حمل الفقهاء خطاب الله تعالى في آية اللعان، وإن
خرجت على سب هلاك بن أمية العجلاني، إلى كل رام زوجته.
وآية القذف وردت في من تكلم في عائشة، وحملت على الجميع.
وكذلك آية الظهار، وردت في مسلم بن صخر، وحملت على كل
مظاهر. " العدة: 1 / 146 "
(2) هو عيسى بن أبان بن صدقة، القاضي أبو موسى، تفقه على
محمد بن الحسن. استخلفه القاضي يحيى بن أكثم على قضاء العسكر وقت
خروجه مع المأمون إلى قم، ثم تولى القضاء بالبصرة، فلم يزل عليه حتى
مات، في المحرم سنة 221 ه‍. " الفوائد البهية: ص 151 "
(3) مثاله: رواية أبي هريرة " يغسل الاناء من الولوغ سبع مرات "
ومذهبه مثلا وجوب الغسل بثلاثة. " هامش المصورة: ص 27 "
(4) كقوله " عليه السلام - لما مر بشاة ميمونة -: " دباغها
طهورها "، وسمع منه قبل ذلك: " أيما إهاب دبغ فقد طهر ".
فالبعض!! وهو قوله: " دباغها طهورها "، لا يخصص العام
وقوله: " أيما إهاب دبغ فقد طهر " على مذهب الشافعي.
لنا: أن المقتضي للعموم باق وهو عموم اللفظ، والمعارض لا يصلح
للمعارضة، إذ لا منافاة بين الكل والبعض.
احتج الخصم بأن تخصيص البعض بالذكر، يدل على نفي ما عداه
بدليل الخطاب.
والجواب: المنع من صحة دليل الخطاب، ومع التسليم فالتمسك
بالعموم أولى.
" جمعا بين هامش المصورة: ص 27، وغاية البادي: ص 75 - 76 "
147

الرابع: العادة (1) غير مخصصة، إلا أن يقع في زمانه " عليه السلام "
ويقرهم عليها، لان فعل العبد ليس بحجة على
الشرع (2).

(1) كبيع الموزون بالعدد. " هامش المصورة: ص 27 "
(2) الجمهور!! على أن العادة في تناول بعض خاص، لا يكون
مخصصا للعموم، خلافا لأبي حنيفة، كما لو قال: حرمت الربا في
الطعام، وكانت عادتهم تناول البر.
لنا: أن اللفظ عام لغة وعرفا، فوجب التمسك به حتى يثبت
تخصيصه.
قالوا: كما تخصص الدابة بالعرف بذوات الأربع، والنقد بالغالب
في البلد، وجب تخصيص ذلك.
قلنا: ذاك لتخصيص الاسم بذلك المسمى عرفا، بخلاف هذا،
فإن العادة تناولته، لا في غلبة الاسم عليه، حتى لو غلب الاسم هنا
لكان كذلك، بل لو غلب الاسم على خلافه، لخرج المعتاد تناوله.
قالوا: لو قال اشتر لي لحما، والعادة تناولت الضأن لم يفهم سواه.
قلنا: تلك قرينة في المطلق والكلام في العموم.
" منتهى الوصول: ص 97 "
148

الخامس: المخاطب لا يخرج عن عموم الخطاب (1)، كقوله تعالى:
"... وهو بكل شئ عليم " [29 / 63].
السادس: الخطاب المتناول للرسول " عليه السلام " والأمة،
لا يختص بالأمة، لعموم اللفظ (2).

(1) لا يجوز تخصيص العام بالمخاطب، لان المقتضي لدخول المخاطب
قائم، وهو اللفظ.
وكونه مخاطبا لا يقتضي خروجه، كقوله تعالى " وهو بكل شئ
عليم ".
فيكون عالما بذاته، ولا يكون خارجا من مفاد العموم.
" غاية البادي: ص 77 بتصرف، جمعا بين المتن والهامش "
(2) قد يرد في نصوص الكتاب خطابات عامة، مثل: " يا عبادي!! "
" يا أيها الناس!! "، فهل هذه الخطابات تنتظم المأمور بالتبليغ " ص "؟
والجواب: أن الانتظام لغة لا نزاع فيه، أما الانتظام إرادة فهو
رأي الأكثرين.
وقال بعضهم: إنه ليس مرادا بهذه الخطابات، لان كونه مبلغا للأمة، مانع من ذلك، وإلا كان مبلغا ومبلغا بخطاب واحد.
وهذا كلام غير وجيه، لان المبلغ في الحقيقة هو الروح الأمين،
بلغ الاحكام العامة، إلى واسطة بين الله وبين عباده ليسمعهم إياها، وهو منهم.
فلا موجب لخروجه عنهم، مع انتظام اللفظ له لغة.
أما ما تحقق خروجه منه، فلدليل خاص، ولا فرق في هذه البلاغات
بين ما صدر ب‍ " قل " وبين ما لم يصدر بها.
" أصول الفقه للخضري: ص 185 "
149

السابع: عطف الخاص على العام لا يقتضي التخصيص، خلافا
للحنفية، لقوله " عليه السلام ": " لا يقتل المؤمن بكافر
ولا ذو عهد في عهده " (1). لان العطف لا يقتضي
الاشتراك من كل الوجوه (2).

(1) المنتقى من أخبار المصطفى: 2 / 676.
(2) قالت الحنفية: المراد ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر،
والمراد بالكافر الثاني هو الحربي بالاتفاق، فوجب أن يكون الكافر الأول
أيضا حربيا، تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه، فلذلك قالوا: يقتل
المسلم بالذمي.
وقالت الشافعية: لا يقتل، فيكون ذلك تخصيص العام بعطف
الخاص عليه.
والجواب: إنا لا نسلم ذلك الاضمار، أي إضمار الكافر.
إن قالوا: ليستقيم الكلام..
قلنا: الكلام مستقيم من دونه، لجواز أن يكون المراد لا يقتل
ذو عهد إذا كان في عهده، ويقتل لو خرج عن عهده.
لم قلتم إن ذلك غير مراد؟ سلمنا إضماره، لكن لا نسلم أنه
إذا كان المراد من الكافر الثاني الحربي، يجب أن يكون الأول كذلك.
قوله: لتسوية المعطوف والمعطوف عليه، قلنا: العطف لا يقتضي
التسوية من جميع الوجوه، بل يقتضي التسوية في الحكم فقط، وذلك
حاصل بين هاهنا. " غاية البادي: ص 78 "
150

البحث التاسع
في: حمل المطلق على المقيد
إن كان حكم المطلق مخالفا لحكم المقيد، لم يحمل المطلق
عليه (1).
وإن ماثله: فإن اتحد السبب (2)، حمل المطلق عليه.

(1) نحو قول الآمر لمن تجب طاعته: اشتر رقبة واعتق رقبة مؤمنة
وفي هذا الوجه لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقا.
إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة، كما لو قال: أعتق رقبة، ولا تتملك
إلا رقبة مؤمنة، فإن النص الثاني ناه عن تملك غير المؤمنة، والأول
موجب لعتق رقبة، فيتعين أن يراد بها المؤمنة، للتمكن من الامتثال.
" أصول الفقه للخضري: ص 212 بتصرف "
(2) كما لو قال مثلا: - في كفارة الظهار -: " أعتقوا رقبة "،
ثم قال: " أعتقوا رقبة مسلمة "، وجب تقييد المطلق بالمسلمة، لان
الآتي بالمطلق ليس بآت بالمقيد، والآتي بالمقيد آت بالمطلق، فيكون
أولى، لأنه جمع بين الدليلين، وانما قلنا إن الآتي بالمقيدات بالمطلق،
لان المطلق جزء من المقيد، والآتي بالكل لا محالة يكون آتيا بالجزء.
" غاية البادي: 79 - 80 "
151

وإن اختلف، لم يجب الحمل إلا بدليل منفصل (1).
وقال بعض الشافعية: تقييد أحدهما يقتضي تقييد الآخر لفظا
وهو خطأ (2)، لأنه لو قال الشارع: أو جبت أي رقبة
كانت في الظهار، لم يناف التقييد بالايمان في القتل (3).

(1) كما لو قال مثلا في كفارة الظهار: " أعتق رقبة "، وفي
كفارة القتل: " أعتق رقبة مؤمنة "، فلا يحمل المطلق على المقيد.
(2) قالت الشافعية: كلام الله واحد، فإذا نص على الايمان
في كفارة القتل لزم في الظهار، وليس بسديد، فإنه إن أريد المعنى
القائم به، فهو وإن كان واحدا، إلا أن تعلقاته تختلف باختلاف المتعلقات
فلا يلزم من تعلقه بأحد المختلفين، بالاطلاق أو التقييد أو العموم أو
الخصوص أو غير ذلك، تعلقه بالآخر بذلك، وإلا لزم أن يكون أمره
ونهيه بأحد المختلفات أمرا ونهيا بالجميع، وهو محال....
" منتهى الوصول: ص 100 بتصرف "
(3) فلان الشارع لو قال: في كفارة القتل أوجبت رقبة مؤمنة
وفي كفارة الظهار أوجبت رقبة كيف كانت، لم يكن بينهما تناقض،
وحينئذ تقييد إحداهما لم يقتض تقييد الآخر.
احتجوا: بأن القرآن كالكلمة الواحدة، ولذلك لما قيد
الشهادة بالعدالة في موضع، لم يحتج تقييدها في سائر المواضع.
والجواب: إن القرآن كالكلمة الواحدة في عدم التناقض فيه،
لا في كل شئ.
وإلا لوجب تقييد جميع العمومات والمطلقات بكل خاص ومقيد.
وأما تقييد الشهادة في سائر الصور فبالاجماع.
" غاية البادي: ص 81 "
152

الفصل الخامس
في: المجمل والمبين
وفيه: مباحث
153

الأول
" في: بعض التعاريف "
البيان: هو الذي دل على المراد، بخطاب لا يستقل بنفسه
في الدلالة على المراد (1).
والمبين: يطلق على المستغني عن البيان (2)، وعلى ما ورد
عليه بيانه (3).
والمجمل: ما أفاد شيئا معينا في نفسه (4)، واللفظ

(1) انما قال: الذي دل عليه، ولم يقل: خطاب دل، ليشمل
القول والفعل.
وقوله: بخطاب لا يستقل، يتعلق الجار والمجرور بالمراد، لا ب‍ " دل "
وإلا لزم أن يكون البيان غير مستقل في الدلالة، فيحتاج إلى بيان آخر.
وإنما قيد عدم الاستقلال بقوله: بنفسه، لأنه يعرض له الاستقلال
بالبيان.
وقيده: بالدلالة على المعنى، لأنه لو كان عدم الاستقلال لا على
هذه الجهة، لا يسمى بيانا. " غاية البادي: ص 82 "
(2) وهو ما كان مستقلا في الدلالة على المراد في الأصل، نحو
" قل هو الله أحد ". " غاية البادي: ص 82 "
(3) وهو: ما لم يكن مستغنيا في الأصل، لكن طرأ عليه البيان
نحو " أقيموا الصلاة ". " غاية البادي: ص 82 "
(4) مثل القرء. " هامش المصورة: ص 28 "
154

لا يعينه (1).
والتأويل: احتمال يعضده دليل (2)، يصير به أغلب على
الظن، من الذي دل الظاهر عليه (3).
ثم المجمل: قد يكون لفظا، باعتبار إرادة خلاف الظاهر
منه، كالعام المخصوص (4).

(1) قوله: واللفظ لا يعينه، ليخرج ما كان متعينا عند المتكلم،
واللفظ يدل على التعيين، فإنه ليس بمجمل. " غاية البادي: ص 83 "
(2) قولنا: بدليل يعضده: احترازا عن التأويل من غير دليل،
فإنه ليس تأويلا صحيحا.
وقولنا: بدليل، يعم القاطع والظني، فعلى ذلك تبين أن التأويل
لا يتطرق إلى النص، ولا إلى المجمل، وإنما يتطرق إلى الظاهر لا غير.
" غاية البادي: 85 "
(3) فإن قوله تعالى: " يد الله فوق أيديهم " يحتمل أن يكون
المراد من اليد القدرة، ويحتمل أن يكون الجارحة، والاحتمال الأول
مرجوح بالنسبة إلى اللفظ، وهو مقوي بالدليل العقلي، بحيث صار
راجحا مع ذلك الدليل، فهذا الاحتمال المرجوح من حيث اللفظ، الراجح
بدليل آخر عقلي أو سمعي، هو التأويل. " غاية البادي: 85 "
(4) أي: كالعام المخصوص بمجمل، سواء كان متصلا أو منفصلا.
مثال المتصل قوله تعالى: " وأحل لكم ما وراء ذلكم إن تبتغوا
بأموالكم محصنين "، وقوله تعالى: " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما
يتلى عليكم "، فإن الله تعالى قد خص العام الأول بصفة الاحصان،
والثاني بما استثني عنه، وهما مجملان يحتاجان إلى البيان.
ومثال المنفصل قوله تعالى: " اقتلوا المشركين "، وقال الرسول:
المراد بعضهم.
وأعلم: أن المصنف أطلق القول في ذلك، وجعل كل العام المخصوص
مجملا، سواء خص بمجمل أو لا، وفيه نظر.
" غاية البادي: ص 86 "
155

أو لا (1)، كالمتواطئ والمشترك.
وقد يكون فعلا، باعتبار عدم ما يدل على جهة وقوعه (2).
البحث الثاني
" في: ورود المجمل "
يجوز ورود المجمل في كلام الله تعالى، وكلام الرسول " ص "
لامكانه في الحكمة، ووقوعه فيهما.

(1) وهو: الأسماء التي علم أن حقائقها غير مرادة، ويكون له
مجازان، لم يكن أحدهما أولى من الثاني، وهذا القسم لم يذكره المصنف
صريحا بل إيماء ". " غاية البادي: ص 86 "
(2) الفعل من حيث هو فعل، لم يدل على جهة وقوعه، من
الوجوب والندب والإباحة، ما لم يقترن به ما يدل عليها، فالفعل إذا
تجرد عن القرينة، يكون مجملا محتاجا إلى أن يبين، أنه على أي وجه
وقع من وجوهه. " غاية البادي: ص 86 - 87 "
156

البحث الثالث
" في: أشياء ليست مجملة وظن أنها كذلك "
فمنها: التحليل والتحريم المضافان إلى الأعيان، خلافا
للكرخي (1)، لافادتهما المعنى المطلوب من تلك الذات (2).
ومنها: قوله تعالى: " وامسحوا برؤسكم " [5 / 7]، خلافا
لبعض الحنفية.
لان الباء: إما للتبعيض، وإما للقدر المشترك بين الجميع
والبعض، ومعهما لا إجمال (3).

(1) عبيد الله بن الحسين الكرخي، أبو الحسن: فقيه، انتهت إليه
رياسة الحنفية بالعراق. مولده في الكرخ سنة 260 ه‍، ووفاته ببغداد سنة
340 ه‍. له " رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية - ط "
و " شرح الجامع الصغير " و " شرح الجامع الكبير ".
" أعلام الزركلي: 4 / 347 بتصرف "
(2) ذهب أبو عبد الله البصري وحكاه أبو الحسن الكرخي!! إلى
أن قوله: " حرمت عليكم الميتة "، وما أشبههما من الآيات التي علق
التحريم فيها بالأعيان، مجمل.
وذهب أبو على وأبو هاشم، إلى أن ذلك مفهوم من ظاهره، وليس
بمجمل. " العدة: 2 / 8 "
(3) والذي نقوله في هذه الآية: ان الباء تفيد التبعيض على ما بيناه
فيما مضى، من أنها إنما تدخل للالصاق إذا كان الفعل لا يتعدى إلى
المفعول به بنفسه، فيحتاج إلى إدخال الباء ليلصق الفعل به.
فأما إذا كان الفعل مما يتعدى بنفسه، فلا يجوز أن يكون دخولها
لذلك.
فإذا ثبت ذلك، فقوله فامسحوا برؤوسكم، يتعدى بنفسه، لأنه
يحسن أن يقول: امسحوا رؤوسكم، فيجب أن يكون دخولها لفايدة أخرى
وهي التبعيض.
إلا أن ذلك البعض، لما لم يكن معينا، كان مخيرا بين أي
بعض شاء، فإن علم بدليل أنه أريد منه موضع معين لا يجوز غيره
وقف ذلك على البيان، وصارت الآية مجملة من هذا الوجه.
" العدة: 2 / 9 "
157

ومنها: الفعل المنفي: خلافا لأبي عبد الله البصري، لان
الاضمار لابد منه، وإضمار الصحة أولى، لأنه أقرب مجاز إلى الحقيقة (1).
ومنها: آية السرقة، ليست مجملة في اليد ولا القطع،
لان اليد الموضوعة للعضو، من المنكب، واستعماله في البعض

(1) أقول: اختلفوا في قوله " ع ": لا صلاة إلا بطهور، ولا
صيام لمن لم يبيت الصيام، ولا صلاة الا بفاتحة الكتاب، ونحو ذلك.
فقال القاضي أبو بكر وأبو عبد الله البصري: أن ذلك مجمل،
لان حرف النفي دخل على هذه الحقايق مع تحققها، فلابد من إضمار حكم
من الاحكام، كالصحة والكمال، إذ في إضمار كل أحكامها مخالفة الدليل
أكثر، فيجب الامتناع عنه، والبعض ليس أولى من البعض، فثبت الاجمال.
ومنع ذلك الباقون: وهو الحق!!
وبيانه يتوقف على مقدمة: وهي أن اللفظ إذا ورد من الشارع،
وجب حمله على الحقيقة الشرعية، فإن لم يكن فعلى حقيقته العرفية، فإن
لم يكن فعلى حقيقته اللغوية.
فإن كثرت الحقايق، يحمل على حقيقة ضمت إليها قرينة من
القرائن، وإن لم يكن قرينة ثبت الاجمال.
وكذلك: إذا تعذر حمله على الحقيقة، ويكون له مجازات، يحمل
على أقرب مجاز إلى تلك الحقيقة.
فإن تساوت المجازات، ثبت الاجمال.
إذا ثبتت هذه المقدمة فنقول: وجب حمل هذه الألفاظ على حقايقها
الشرعية.
ولو سلم تعذر ذلك: يحمل على نفي الفائدة، إذ هو المعهود من
عرف اللغة، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا كلام إلا ما أفاد.
ولو سلم أيضا نفي ذلك: يحمل على أقرب مجاز إلى الحقيقة،
وهي نفي الصحة لان نفي الصحة أشبه شئ بنفي الحقيقة، وعلى هذه
التقادير لا إجمال. " غاية البادي: ص 90 - 91 "
158

على سبيل المجاز، وأما القطع فهو الإبانة (1).

(1) أقول: اختلفوا في قوله تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما ".
فقال بعضهم: إنها مجملة من جهة اليد والقطع.
أما اليد: فلأنها تطلق إلى المنكب وإلى المرفق وإلى الكوع، وليس
أحد الاحتمالات أولى من الآخر، فتكون مجملة.
وأما في القطع: فلان القطع يطلق على البينونة وعلى السف،
كما يقال برئ القلم فقطع يده.
وقال آخرون: إنها ليست مجملة.
أما اليد: فإنها وإن أطلقت على ما ذكروه، لكنها حقيقة إلى
المنكب، مجار فيما دونه، ولذلك يصح أن يقال لما دون المنكب بعض
اليد، فيكون ظاهرا في جملة اليد، فلا يكون مجملا.
وأما القطع: فهو حقيقة للإبانة، والسف إبانة لكن إبانة ذلك
الجزء المخصوص، وقولهم فلان قطع اليد في الشق، مجاز في اليد، إطلاق
الكل على الجزء، والقطع مستعمل في حقيقته، هكذا قيل.
" غاية البادي: ص 92 "
159

ومنها قوله " عليه السلام ": " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " (1)
لان المراد منه رفع المؤاخذة (2).

(1) الجامع الصغير: 2 / 24، وكشف الخفاء: 1 / 433.
(2) قال بعضهم: إن قوله " عليه السلام ": " رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "، مجمل، لان الخطأ ليس بمرفوع
عنهم قطعا، فوجب أن يكون المرفوع حكما من الاحكام.
والجواب: أن المراد رفع المؤاخذة، لان السيد إذا قال لعبده،
رفعت عنك الخطأ، ينصرف عرفا إلى رفع المؤاخذة.
فكذلك إذا قال الرسول " ع " ينصرف إلى رفع المؤاخذة في
الأحكام الشرعية، بحسب العرف. " غاية البادي: ص 93 "
160

البحث الرابع
في: تأخير البيان
قد وقع الاجماع: على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت
الحاجة، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق.
وأما تأخيره عن وقت الخطاب: فقد منع أبو الحسين من
تأخير البيان، فيما له ظاهر وقد استعمل في خلافه (1)، وزعم
أن البيان الاجمالي كاف فيه، وجوز تأخير البيان، فيما ليس
له ظاهر، إلى وقت الحاجة.
والأشاعرة: جوزوا التأخير مطلقا (2).
احتج أبو الحسين: بأن القصد من الخطاب الافهام،
وإلا كان عبثا.
فإن كان المراد إفهام ظاهره مع عدم إرادته، كان
إغراء بالجهل.
وإن كان غير ظاهره مع عدم بيانه، لزم تكليف ما لا يطاق.
احتجت الأشاعرة: بأن الله تعالى كلف بني إسرائيل

(1) كالعام في الخصوص، والنكرة إذا أريد بها معين، والأسماء
الشرعية. " المعارج: ص 57 "
(2) أي: فيما له ظاهر أم لا. " هامش المصورة: ص 29 "
161

ذبح بقرة معينة.
لقوله تعالى: " قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟ "
[2 / 69] (1)، ثم إنه تعالى ما بينها حتى سألوا.
ولقوله تعالى: " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا
بيانه " [75 / 19]. وثم للتراخي (2).
والجواب: أنهما دلتا على تأخير البيان عن وقت الحاجة،
وهو غير جائز إجماعا، فلابد من التأويل (3).

(1) هكذا في المطبوعة، وفي المصورة: ص 30 " لقوله: انها
بقرة، ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟ ".
(2) هاتان حجتان للأشاعرة على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب
" غاية البادي: ص 95 "
(3) الجواب: ان الآيتين كما دلتا بظاهرهما على تأخير البيان عن
وقت الخطاب، كذلك دلتا على تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولما كان
هذا باطلا بالاجماع، فكذلك ذاك.
أما الأولى: فلان وقت خطابهم بذبح بقرة، كانوا محتاجين إلى الذبح
ولذلك سألوا سؤالا بعد سؤال.
وأما الثانية: فلان الضمير ان عاد إلى بعض القرآن، فلا دلالة
فيها على محل النزاع، وان عاد إلى الجميع، دل على جواز التأخير عن
وقت الحاجة أيضا، ودل أيضا على احتياج جميع القرآن إلى البيان،
وذلك لم يقل به أحد.
إذا ثبت ذلك: فلابد من تأويل الآيتين.
أما الأولى فنقول: ان المأمور به في الحالة الأولى بقرة غير معينة،
ولذلك أتى بلفظة بقرة منونة، وما كانوا محتاجين إلى البيان، بل أي
بقرة ذبحوها وقع الامتثال للامر. ثم لما سألوا، نسخ الله تعالى تلك،
وأوجب بقرة معينة بالصفات المذكورة. وهكذا مروي عن ابن عباس،
فإنه قال: لو ذبحوا أي بقرة أرادوا لأجزأت، لكنهم شددوا على أنفسهم
فشدد الله عليهم.
وأما الثانية فنقول: لا نسلم أن لفظة ثم للتراخي في الجمل، بل في
المفردات سلمناه، لكن لا نسلم أن المراد تأخير مطلق البيان، سواء كان
تفصيليا أو إجماليا، ولم لا يكون المراد من البيان، البيان التفصيلي،
وذلك لا ننكره نحن. " غاية البادي: ص 96 - 97 "
162

البحث الخامس
" في: جواز سماع المكلف العام من غير سماع ما يخصصه "
يجوز أن يسمع المكلف العام من غير أن يسمع ما يخصصه
خلافا لأبي علي، ولأبي الهذيل (1).
لأنه: يجوز في المخصوص بدليل العقل، وإن لم يعلم
السامع في العقل ما يدل عليه عندهما.
فكذا هنا، وقد سمعوا "... اقتلوا المشركين " [9 / 6]،
وتوفي بسامرا، له كتب كثيرة، منها كتاب سماه " ميلاس " على اسم
يهودي أسلم على يده، توفي عام 235 ه‍. " الاعلام: 7 / 355 باختصار "

(1) محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبيدي مولى عبد القيس،
من أئمة المعتزلة، ولد في البصرة سنة 135، واشتهر بعلم الكلام، وكان
حسن الجدل قوي الحجة، سريع الخاطر. كف بصره في آخر عمره
163

ولم يسمعوا " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (1)، إلا بعد
حين (2).

(1) المنتقى لابن تيمية: 2 / 836.
(2) استدل المصنف على الجواز بوجهين:
الأول: إن الخصم يسلم جواز ذلك، إذا كان المخصص هو العقل، مع
أنه يجوز ألا يخطر ببال المكلف المخصص ذلك الوقت، فيجوز
في المخصص بالنقل قياسا عليه، والجامع تمكن المكلف من معرفة
المراد في الصورتين.
والثاني: بالوقوع، فإن الله تعالى قال " اقتلوا المشركين "، ولم يسمع
المخصص الا في زمان عمر وهو قوله " ص "، " سنوا بهم سنة
الكتاب ". " غاية البادي: ص 97 - 98 ".
164

الفصل السادس
في: الافعال
وفيه: مباحث
165

الأول
" في: عصمة الأنبياء "
مذهبنا:
أن الأنبياء معصومون: عن الكفر والبدعة خلافا
للفضيلية (1)، وعن الكبائر خلافا للحشوية (2)، عن الصغائر
عمدا خلافا لجماعة من المعتزلة، وخطأ في التأويل خلافا
للجبائيين، وسهوا خلافا للباقين.
وبالجملة: فالعصمة واجبة في كل زمان، وقد بينا ذلك

(1) من الخوارج، فإنهم اعتقدوا أن كل ذنب فهو كفر،
وجوزوا صدور الذنب عن الأنبياء. " غاية البادي: ص 99 "
(2) الحشوية: الحشو في اللغة ما يملا به الوسادة، وفي الاصطلاح:
عبارة عن الزائد الذي لا طائل تحته، وسميت الحشوية حشوية، لأنهم
يحشون الأحاديث التي لا أصل لها، في الأحاديث المروية عن رسول الله
صلى الله عليه وآله، أي يدخلونها فيها وليست منها، وجميع الحشوية
يقولون: بالجبر والتشبيه، وأن الله تعالى موصوف عندهم بالنفس واليد
والسمع والبصر، وقالوا: كل ثقة من العلماء، يأتي بخبر مسند عن
النبي " ص "، فهو رحمة.
راجع: التعريفات للجرجاني " الحشو "، الحور العين: ص 34،
الملل والنحل: ص 11.
166

في علم الكلام، فلا حاجة إليه هنا (1).
البحث الثاني
في: وجوب التأسي بالنبي " عليه السلام " (2)
والحق!! ذلك، خلافا لقوم (3).

(1) وللمرتضى علم الهدى كتاب مختص بهذا الشأن، سماه تنزيه
الأنبياء، وهو في الشهرة كالشمس، وهو مطبوع.
" غاية البادي: ص 100 بتصرف "
(2) معناه: أنه إذا فعل فعلا!! هل يجب علينا مثل فعله
أم لا؟ وليس الخلاف في الأمور الجبلية كالقيام والقعود، ولا فيما علم
اختصاصه " ص " به، كوجوب صلاة الضحى، ووجوب الوتر،
ووجوب التهجد، والمشاورة، والتخيير في نسائه، وصوم الوصال،
والزيادة على أربع حراير. ولا فيما كان بيانا، كقوله " ص ": " صلوا
كما رأيتموني أصلي "، و " خذوا عني مناسككم " فإنهما وقعا بيانا لقوله
تعالى: " أقيموا الصلاة " و " لله على الناس حج البيت من استطاع
إليه سبيلا ".
بل فيما عدا ذلك: وهو إما أن يكون صفته معلومة من الوجوب
والندب والإباحة، أو لا تكون معلومة. " غاية البادي: ص 101 "
(3) خلافا لأبي علي، تلميذ أبي هاشم بن خلاد من المعتزلة، فإنه
قال بالوجوب في العبادات، دون غيرها من المناكحات والمعاملات.
" غاية البادي: ص 101 "
167

لنا: قوله تعالى: "... فاتبعوه... " [6 / 154]،
و " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " [33 / 22]،
وقوله: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " [3 / 32]
إذا عرفت هذا!! فمعنى التأسي به: أنه " عليه السلام "،
إذا فعل فعلا على وجه الوجوب، يجب علينا أن نفعله على وجه
الوجوب، وإن تنفل به، كنا متعبدين بالتنفل، وإن فعله
على وجه الإباحة، كنا متعبدين باعتقاد إباحته، وجاز لنا فعله.
هذا!! إذا علم وجه الفعل.
أما إذا لم يعلم!! فقال ابن سريج (1): إنه للوجوب في
حقنا، وقال الشافعي للندب، وقال مالك (2): للإباحة،
وأكثر المعتزلة: على الوقف، وهو الأقرب.
لان عصمته تنفي القبح عنه، والوجوب والندب زائدان

(1) أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، أبو العباس، فقيه الشافعية
في عصره، مولده ووفاته في بغداد " 249 ه‍ - 306 ه‍ "، له نحو 400
مصنف، وكان يلقب بالباز الأشهب، ولي القضاء بشيراز، وكان حاضر
الجواب، له مناظرات ومساجلات مع محمد بن داود الظاهري، وله نظم
حسن. " الاعلام: 1 / 178 - 179 باختصار "
(2) ابن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله، امام
دار الهجرة، إليه تنسب المالكية، مولده ووفاته في المدينة 93 - 179 ه‍
من كتبه " الموطأ - ط "... " الاعلام: 6 / 128 بتصرف واختصار "
168

فالمشترك هو الجواز (1).
البحث الثالث
في: الترجيح بين القول والفعل (2)
إذا ورد خطاب متناول للأمة خاصة، ثم فعل " عليه السلام "
فعلا ينافيه، وجب المصير إلى الفعل.
وإن كان متناولا لنا وله، وتراخى فعله، صار منسوخا
عنه وعنا، للتأسي.
وإن تناوله دوننا، كان منسوخا عنه.
وإن كان الفعل متقدما (3)، وجب التأسي.
فإن كان القول متناولا له خاصة، كان مخصصا له عن
ذلك العموم.

(1) وأما الوقف: فبالحقيقة عائد إلى القول بالإباحة، لان التوقف
في الوجوب والندب، لا يستلزم التوقف في الجواز بعد ثبوت العصمة.
" غاية البادي: ص 103 "
(2) إذا تعارض قوله وفعله " ص " " غاية البادي: ص 103 "
(3) أي: وإن كان فعل النبي متقدما على الخطاب.
" هامش المصورة: ص 32 بتصرف "
169

وإن تناول أمته خاصة، كان حكم الفعل مختصا به.
وإن كان عاما لنا وله، دل على سقوط حكم الفعل
عنه وعنا.
وإن لم يعلم تقدم أحدهما، قدم القول، لأنه أقوى دلالة
من الفعل.
البحث الرابع
" في: تعبده بشرع من قبله "
الحق!! أنه " عليه السلام "، لم يكن متعبدا بشرع من
قبله، قبل النبوة ولا بعدها.
وإلا!! لاشتهر، ولافتخر به أهل تلك الملة، ولوجب
مراجعة من تقدم، لو كان متعبدا بعد النبوة، ولعلم معاذا (1)

(1) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي،
أبو عبد الرحمان، صحابي جليل. هو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على
عهد النبي " ص "، أسلم وهو فتى، وآخى النبي " ص " بينه وبين
جعفر بن أبي طالب، وشهد العقبة مع الأنصار السبعين، وشهد بدرا
وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله " ص "، وبعثه رسول الله
بعد غزوة تبوك، قاضيا ومرشدا لأهل اليمن، ولد عام 20 ق. ه‍
وتوفي عام 18 ه‍. " الاعلام: 8 / 166 بتصرف واختصار "
170

عند سؤاله (1).

(1) حين بعثه إلى اليمن قاضيا، فقال " عليه السلام ": بم
تحكم؟ فقال: بكتاب الله.
فقال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله.
قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي، فأقره " عليه السلام ".
فلو كان متعبدا بشرع من قبله، لامره بالرجوع إليه.
" هامش المصورة: ص 32 بتصرف "
171

الفصل السابع
في: النسخ
وفيه: مباحث
173

الأول
في: تعريفه
النسخ في اللغة: النقل والتحويل (1)، وقيل: الابطال.
وفي عرف الفقهاء: رفع الحكم الثابت، بالخطاب المتقدم (2)
بخطاب متراخ عنه، على وجه لولاه لكان ثابتا.
واختلفوا!! فقال القاضي أبو بكر (3): النسخ رفع،

(1) كما في تاج العروس: 2 / 283. " بتصرف "
(2) قوله: الثابت بالخطاب، يخرج رفع الحكم الثابت بالعقل،
كبراءة الذمة.
وإنما قال: بخطاب متراخ عنه، لأنه لو لم يكن متراخيا، لم يكن
نسخا بل بيانا.
وقال: على وجه لولاه لكان ثابتا، لأنه لو لم يكن كذلك، لم يكن
رفعا، بل بيانا لانتهاء الحكم السابق. " غاية البادي: ص 108 "
(3) محمد بن عبد الله بن محمد المعافري، الإشبيلي المالكي، أبو بكر
ابن العربي، قاض، من حفاظ الحديث، ولد في إشبيلية عام 468 ه‍،
ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين،
وصنف كتبا في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتأريخ،
وولي قضاء إشبيلية، ومات بقرب فارس عام 543 ه‍ ودفن بها، من
كتبه " المحصول " في أصول الفقه.
" الاعلام: 7 / 106 بتصرف واختصار "
174

ومعناه أن خطابه تعالى تعلق بالفعل، بحيث لولا طريان
النسخ، لبقي.
وقال أبو إسحاق (1): إنه بيان انتهاء مدة الحكم، بمعنى
أن الخطاب الأول، انتهى بذاته في ذلك الوقت، وحصل بعده
حكم آخر.
البحث الثاني
في: جوازه
أكثر المسلمين: على ذلك.
وخالف فيه: أبو مسلم الأصفهاني، (2) وجماعة من

(1) إبراهيم بن أحمد المروزي، أبو إسحاق: فقيه انتهت إليه رياسة
الشافعية بالعراق بعد ابن سريج. مولده بمرو الشاهجان " قصبة خراسان "
وأقام ببغداد أكثر أيامه. وتوفي بمصر عام 340 ه‍. له تصانيف منها
" شرح مختصر المزني ". " الاعلام: 1 / 22 - 23 بتصرف "
(2) محمد بن بحر الأصفهاني، أبو مسلم: وال، من أهل أصفهان
معتزلي، من كبار الكتاب، كان عالما بالتفسير وبغيره من صنوف العلم،
وله شعر، ولي أصفهان وبلاد فارس للمقتدر العباسي، واستمر إلى أن
دخل ابن بويه أصفهان، سنة 321 ه‍، فعزل. من كتبه " جامع التأويل "
في التفسير، أربعة عشر مجلدا، و " مجموع رسائله "، ولد عام 254 ه‍،
وتوفي عام 322 ه‍. " الاعلام: 6 / 273 بتصرف "
175

اليهود (1)،
لنا: أن الاحكام منوطة بالمصالح، ولا امتناع في كون
الوجوب مثلا مصلحة في وقت، ومفسدة في آخر.
فلو كلف به دائما، لزم التكليف بالمفسدة، فيجب رفعه
في وقت كونه مفسدة، وهو المطلوب.
ولقوله تعالى: " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير
منها... " [2 / 107].
ولأن النسخ وقع في شرع اليهود، كتحريم كثير من
الحيوان على لسان موسى " ع " (2)، مع إباحته الجميع عدا الدم

(1) اليهود: من هاد الرجل، أي رجع، وتاب، وإنما لزمهم هذا
الاسم لقول موسى " ع ": " إنا هدنا إليك "، أي رجعنا وتضرعنا،
ويسمون ببني إسرائيل.
واليهود: تدعي أن الشريعة لا تكون إلا واحدة، ابتدأت بموسى
وتمت، فلم يكن قبله شريعة إلا حدود تحولية وأحكام مصلحية، ولم
يجيزوا النسخ أصلا.
قالوا: فلا يكون بعده شريعة أخرى، لان النسخ في الأوامر بداء
ولا يجوز البداء على الله.
" جمعا بين: الملل والنحل 2 / 9 - 22 وقاموس الألفاظ
والاعلام القرآنية ص 429 - 430 بتصرف واختصار "
(2) نبي اليهود: وهو أشهر من اشتهر في الكتب المقدسة، من
صلاح العهد القديم، أنقذ من المياه وتربي في قصر فرعون بطلب من
زوجته، ثم لجأ إلى برية سينا، وأرسله الرب منقذا شعبه العبرانيين
من مظالم فرعون، فخلصهم وجاز معهم برية سينا مدة أربعين سنة،
أعطاهم في خلالها لوحي الوصايا التي تلقاها من الرب في جبل حوريب،
وسن لهم الشرايع، لقب ب‍ " كليم الله ".
" المنجد في الأدب والعلوم: ص 520 بتصرف "
وللتوسع!! يراجع " قاموس الألفاظ والاعلام القرآنية: ص 366 -
367 ".
176

على لسان نوح (1)، وغير ذلك من الاحكام (2).

(1) نبي مرسل: وهو أبو سام وحام ويافث، نجا مع القلة المؤمنين
به، من الطوفان، على ما جاء في الكتاب المقدس والقرآن الكريم.
" المنجد في الأدب والعلوم: ص 542 بتصرف "
وللتوسع!! يراجع " قاموس الألفاظ والاعلام القرآنية: ص 392 "
(2) إن النسخ لو لم يجز لم يقع في شرعهم لكنه وقع، فإنه جاء
في التوراة، إن الله تعالى قال لنوح عند خروجه من الفلك، إني جعلت
كل دابة مأكلا لك ولذريتك، وأطلقت لكم كنبات العشب، ما خلا
الدم فلا تأكلوه.
ثم حرم الله على موسى وعلى بني إسرائيل كثيرا من الحيوان،
وجاء فيه أن الله تعالى، أمر آدم أن يزوج بناته من بنيه، ثم حرم ذلك
في شريعة من بعده.
وأيضا: أن العمل كان مباحا في يوم السبت، ثم حرم على موسى
وقومه.
وكان الختان في شرع إبراهيم جائزا بعد الكبر، وقد صار واجبا
يوم ولادة الطفل في شرع موسى.
وكان الجمع بين أختين مباحا في شريعة يعقوب، وقد حرم ذلك
في شريعة من بعده. " غاية البادي: ص 110 - 111 "
177

واحتجاج اليهود بقول موسى: " تمسكوا بالسبت أبدا " (1)
ضعيف.
لان التأبيد يطلق على الزمان الطويل.
كقوله في التوراة: " يستخدم العبد ست سنين، ثم يعرض
عليه العتق، فإن أبى ثقبت أذنه، واستخدم أبدا "، وفي موضع
آخر: " يستخدم العبد خمسين سنة، ثم يعتق في تلك السنة ".
وأيضا تواتر اليهود انقطع، لان " بختنصر " (2) أفناهم
إلا من شذ.
إذا عرفت هذا!! فالنسخ قد وقع في القرآن كما في:

(1) فاحفظوا السبت فإنه مقدس لكم، ومن خرقه يقتل قتلا،
كل من يعمل فيه عملا، تنقطع تلك النفس من شعبها، فليحافظ بنو إسرائيل
على السبت مواظبين عليه مدى أجيالهم عهدا أبديا " سفر الخروج: فصل
31، ص 144، طبع بيروت سنة 1937 م ".
(2) ملك البابليين (604 ق م - 61 ق م)، أغار بحملاته على
مصر، وفتح أورشليم وأحرقها، وأجلى أهل يهوذا إلى بابل بعد تقتيل
الكثير منهم، وسجن من بقي منهم في سجون خاصة، لا زالت آثارها
باقية في بابل حتى اليوم. " المنجد في الآداب والعلوم: ص 66 بتصرف "
178

القبلة (1)، والاعتداد للوفاة (2)، وثبات الواحد للعشرة (3)،
ووجوب تقديم الصدقة على المناجاة (4).
وقوله تعالى: " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه "
[41 / 42]، يريد به لم يتقدمه من كتب الله تعالى ما يبطله،

(1) كما في قوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله ".
منسوخة بقوله: " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ".
" الناسخ والمنسوخ: ص 29 "
(2) كما في قوله تعالى: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول ".
منسوخ بقوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ". " الناسخ والمنسوخ: ص 36 - 37 بتصرف "
(3) كما في قوله تعالى: " إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا
مأتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ".
نسخ ذلك بقوله: " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن
يكن منكم مأة صابرة تغلبوا مأتين ".
" الناسخ والمنسوخ: ص 52 بتصرف "
(4) كما في قوله تعالى: " إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي
نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر ".
نسخت بقوله: " أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات
فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله
ورسوله والله خبير بما تعملون ". " الناسخ والمنسوخ: ص 77 بتصرف "
179

ولا يأتيه من بعده ما يبطله، لا ما توهمه أبو مسلم، من نفي النسخ.
البحث الثالث
في: نسخ الشئ قبل مضي وقت فعله
ذهب المعتزلة: إلى بطلانه.
لاستحالة: كون الشئ حسنا وقبيحا في وقت واحد،
والامر بالقبيح والنهي عن الحسن.
فذلك الفعل في ذلك الوقت: إن كان حسنا استحال النهي
عنه، وإن كان قبيحا استحال الامر به.
والأشعرية ذهبوا: إلى جوازه.
لأنه تعالى أمر إبراهيم (1) بذبح ولده، لقوله تعالى:

(1) ولد إبراهيم " عليه السلام " بأرض بابل منذ آلاف السنين،
وهو من سلالة سام بن نوح، وكان أهل بابل يعبدون الكواكب والأصنام
ويؤلهون ملكهم النمروذ بن كنعان، وكان آزر أبوه ينحت الأوثان لقومه
ويتولى خدمتها ".
ونشأ إبراهيم سليم العقيدة، وقد آتاه الله رشده، فمقت الأوثان
وحارب عبادتها، ودعا إلى نبذها وعبادة الواحد الأحد، وبين لقومه
أنها لا تضر ولا تنفع، ولكنهم أبوا...
ويعرف إبراهيم عليه السلام بخليل الله وبأبي الأنبياء، لأنه ظهر من
ذريته أنبياء كثيرون، وقد اتاه الله سبحانه وتعالى الكتاب الذي سمي في
سورتي النجم والأعلى بصحف إبراهيم.
" قاموس الألفاظ والاعلام القرآنية: ص 12 - 13 باختصار "
180

" إني أرى في المنام أني أذبحك " [37 / 103]، ثم نسخ عنه
بالفدية (1).
وهذا!! أقوى عندي.
والجواب عن حجة المعتزلة: أن الحسن والقبح، كما
يوصف الفعل بهما، فكذا يلحقان الامر فجاز أن يكون
الشئ حسنا.
إلا أن الامر به يشتمل على نوع مفسدة، فيلحقه النسخ
باعتبار لحوق القبح للامر لا للمأمور.
البحث الرابع
" في: ما يجوز نسخه "
يجوز: نسخ الشئ إلى غير بدل، كالصدقة أمام المناجاة
وإلى ما هو أثقل (2).
اقتضى كون المكلف مخيرا في الصوم.
ثم حتم ذلك وألزمه مع ما فيه من زيادة المشقة على التخيير،
بقوله: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " تقديره: فمن شهد منكم الشهر
حيا حاضرا صحيحا عاقلا بالغا فليصمه.
" جمعا بين: العدة 2 / 28، والناسخ والمنسوخ ص 33 "

(1) بقوله تعالى من نفس السورة - الصافات الآية 108 -:
" وفديناه بذبح عظيم ".
(2) ألا ترى أن قوله: " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين "
اقتضى كون المكلف مخيرا في الصوم.
ثم حتم ذلك وألزمه مع ما فيه من زيادة المشقة على التخيير،
بقوله: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " تقديره: فمن شهد منكم الشهر
حيا حاضرا صحيحا عاقلا بالغا فليصمه.
" جمعا بين: العدة 2 / 28، والناسخ والمنسوخ ص 33 "
181

ونسخ التلاوة دون الحكم (1)، وبالعكس (2).
ونسخ الخبر مع تعدد مقتضاه، كقوله: " أعمرت نوحا

(1) وقد مثلوا لذلك بآية الرجم التي رواها عمر بقوله: " الشيخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ".
" الناسخ والمنسوخ: ص 24 بتصرف "
وللتوسع!! يراجع " البيان في تفسير القرآن " للامام الخوئي:
ص 213 - 254.
(2) وأما ما نسخ حكمه وبقي خطه: فهو في ثلاث وستين سورة
مثل: الصلاة إلى بيت المقدس، والصوم الأول، والصفح عن المشركين،
والاعراض عن الجاهلين. " الناسخ والمنسوخ: ص 24 "
وللتوسع!! يراجع " البيان في تفسير القرآن " للامام الخوئي: ص 305 - 403.
182

ألف سنة "، ثم يقول: " عمرته ألف سنة إلا خمسين عاما " (1).
ونسخ الامر المقيد بالتأبيد، لأنه شرطه (2).
ونسخ المتواتر من السنة بمثله (3)، وبخبر الواحد عقلا غير

(1) يجوز نسخ الخبر مع تعدد مقتضاه، سواء كان ماضيا أو
مستقبلا، وعدا أو وعيدا، وهو مذهب المرتضى، خلافا للجبائيين والقاضي
أبي بكر.
واستدل المصنف على الجواز: بأن مدلول الخبر إذا كان متعددا،
كقوله " عمرت نوحا... " يجوز أن ينسخ بقوله " عمرته الف سنة
إلا خمسين عاما ".
ويكون الناسخ بيانا لاخراج بعض ما تناوله اللفظ، قياسا على الأمر والنهي
، فيجوز في الجميع إما بالقياس عليه أو لعدم القائل بالفرق.
" غاية البادي: ص 118 - 119 "
(2) كقوله مثلا: " افعلوا هذا الفعل أبدا "، خلافا لقوم...
ودليلنا: أنه نسخ شئ مشروط، بكون ذلك الشئ واردا على
وجه التأبيد.
لأنه لو لم يكن كذلك، لم يكن رفعا، وشرط الشئ لا ينافيه.
" غاية البادي: ص 119 "
(3) واستدلوا: بان التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا بالتواتر،
وأهل قبا لما سمعوا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ألا
أن القبلة قد حولت "، استداروا بمجرد خبره، ولم ينكر النبي " ص "
عليهم. " غاية البادي: ص 119 "
183

واقع (1).
ونسخ خبر الواحد بمثله (2) وبالمتواتر.
ونسخ الكتاب بمثله، خلافا للشافعي، كالقبلة والعدة (3).
ونسخ الكتاب بالسنة المتواترة، كالحبس في البيوت،
خلافا له (4).
أما الاجماع: فلا ينسخ، لان شرط انعقاده وفاة الرسول
" عليه السلام "، ولا ينسخ به، لان وقوعه على خلاف
النص خطأ (5).

(1) عند الجمهور، خلافا لأهل الظاهر. " غاية البادي: ص 119 "
(2) وقد وقع ذلك على ما روي: لان النبي نهى عن ادخار لحوم
الأضاحي وزيارة القبور.
نسخ ذلك فأباح الزيارة والادخار للحوم الأضاحي.
" العدة: 2 / 44 "
(3) ما ذكره شيخنا دام ظله: من مخالفة الشافعي فيه، كان من
زلة قلمه، لأني ما وقفت على خلاف فيه، لا له ولا لغيره من مجوزي
النسخ. " غاية البادي: ص 120 "
(4) لنا: إن الفرض في الزانية كان إمساكهن في البيوت، لقوله
تعالى: " فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ".
ثم إن الله تعالى نسخه بآية الجلد، ثم إن النبي نسخ الجلد بالرجم.
" غاية البادي: ص 120 "
(5) أما الأول: فلان شرط انعقاد الاجماع وفاة النبي " صلى الله
عليه وآله "، لأنه لو كان حيا وخالف لم يكن اجماعا، لأنه سيد المؤمنين
وإن وافق فالعبرة بقوله.
وحينئذ نقول: إما أن ينسخ الاجماع بالقرآن أو بالسنة أو بالاجماع
والكل باطل.
أما الأولان: فلأنهما إن كانا موجودين وقت انعقاد الاجماع، كان
الاجماع على خطأ، وإن لم يكونا موجودين استحال حدوثهما، لاستحالة
حدوث كتاب أو سنة بعد النبي " ص ".
وأما الثالث: فنقول انعقاد الاجماع الثاني، إن لم يكن عن دليل
فهو خطأ، وإن كان عن دليل عاد التقسيم الأول.
وأما الثاني: فلان المنسوخ به أما أن يكون نصا أو اجماعا، والأول
باطل لأنه يقتضي وقوع الاجماع على خلاف النص فيكون خطأ، وكذا
الثاني لما تقدم من أنه لا ينسخ. " غاية البادي: ص 121 - 122 "
184

البحث الخامس
" في: زيادة العبادة أو نقصانها "
لا خلاف في أن زيادة عبادة على العبادات ليس بنسخ
للعبادات، وزيادة غيرها نسخ عند أبي حنيفة، خلافا للشافعي.
والحق!! ما قاله أبو الحسين: وهو أن الزيادة لا شك
أنها تقتضي زوال أمر، وأقله عدمها.
فإن كان الزايل حكما شرعيا، وكانت الزيادة متراخية
185

عنه، سميت تلك الإزالة نسخا وإلا فلا زيادة.
وزيادة التغريب يزيل عدمه، وهو حكم عقلي مستند إلى
البراءة الأصلية، لان إيجاب الحد لا إشعار فيه، بنفي الزائد
ولا إثباته.
إما زيادة ركعة على الصبح فإنها ترفع وجوب التشهد
عقيب الركعتين.
فكان نسخا لهذا الحكم لا للركعتين - لان النسخ لا يرد على
الافعال -، ولا لوجوبهما، ولا لأجزائهما، لأنهما كانتا مجزئتين
والآن!! إنما لم تجز بالوجوب الثالثة، ووجوب الثالثة إنما
يرفع نفي وجوبها، ونفي وجوبها عقلي (1).

(1) قول أبي الحسين: هو أن تلك الزيادة، لابد أن تقتضي زوال
أمر، ولو لم يكن إلا عدم ذلك الامر الكاين قبل الزيادة.
ثم إن الزائل بتلك الزيادة: إن كان حكما شرعيا، وكانت الزيادة
متراخية عنه، سميت تلك الإزالة نسخا، ولا يقبل الزيادة بخبر الواحد.
وإن كان حكما عقليا، وهو البراءة الأصلية، لم يسم نسخا،
ويقبل الزيادة بخبر الواحد.
فزيادة التغريب، أو زيادة عشرين على جلد ثمانين، انما يزيل
عدم وجوب الزايد على الثمانين.
وهذا العدم كان معلوما بالعقل لا بالشرع، لان إيجاب الثمانين،
أعم من أن يكون مع الزائد أو مع عدم الزائد، والعام لا دلالة له على
الخاص، ويجوز قبول خبر الواحد فيه.
وزيادة ركعة على الركعتين، كالصبح قبل التشهد نسخ، لأنها
مزيلة لوجوب التشهد عقب الركعتين، وذلك الوجوب حكم شرعي،
ولا يجوز قبول خبر الواحد فيه.
وليس ذلك نسخا للركعتين، لان النسخ لا يتناول الافعال، ولا
لوجوبهما، لان وجوبهما لم يزل، ولا لأجزائهما لأنهما مجزيتان، وإنما
كانتا مجزيتين من دون ركعة أخرى.
والآن لا يجزيان الا مع ركعة، وذلك تابع لوجوب ضم ركعة
أخرى، ووجوب ركعة أخرى، لم يرفع إلا نفي وجوبها، ونفي وجوبها
إنما حصل بالعقل.
" غاية البادي: ص 125 - 126 "
186

وأما نقصان جزء العبادة: فالحق!! أنه ليس نسخا للعبادة،
لان المقتضي للجزئين ثابت، وخروج أحدهما لا يقتضي خروج
الآخر، وكذا شرطها.
نعم، إنه نسخ للجزء أو الشرط (1).

(1) فنسخ الوضوء لا يكون نسخا للصلاة، بل يكون نسخا لبعض
الاجزاء، لان الصلاة بغير الطهارة لم تكن مجزية، فبعد النسخ صارت
مجزية.
وكذلك يكون نسخ الشرط نسخا لجزئه، والا لم يكن نسخا للشرط
بل لجزء الشرط، وقد فرضناه كذلك.
وهكذا الحكم في سائر العبادات المركبة...
" غاية البادي: ص 126 - 127 "
187

الفصل الثامن
في: الاجماع
وفيه: مباحث
189

الأول
" في: إجماع أمة محمد "
إجماع أمة محمد صلى الله عليه وآله حق.
أما على قولنا فظاهر، لأنا نوجب المعصوم في كل
زمان، وهو سيد الأمة، فالحجة في قوله.
وأما المخالف!! فلقوله تعالى: " ومن يشاقق الرسول من
بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين فوله ما تولى "
[4 / 116] والتوعد على اتباع غير سبيل المؤمنين يقتضي وجوب
اتباع سبيلهم.
ولقوله تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا... "
[2 / 144]، والوسط العدل (1).
ولقوله تعالى: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون
بالمعروف وتنهون عن المنكر... " [3 / 111] وهو يقتضي
أمرهم بكل معروف، ونهيهم عن كل منكر.
ولقوله " عليه السلام ": " لا تجتمع أمتي على الضلالة " (2)

(1) كما في مجمع البيان: 1 / 224، وتفسير القمي: 1 / 63، والصافي:
1 / 147، والتبيان: 2 / 6.
(2) رواه: أحمد في مسنده، والطبراني في الكبير، وابن أبي خيثمة
في تأريخه " المقاصد الحسنة للسخاوي: 1 / 460 ".
190

البحث الثاني
" في: إحداث قول ثالث "
لا يجوز إحداث قوله ثالث، إن لزم منه إبطال ما
أجمعوا عليه.
كالجد!! قيل: له المال، وقيل: يقاسمه الأخ،
فحرمانه باطل.
وإن لم يستلزم بطلان الاجماع، جاز لعدم المانع (1).

(1) إذا اختلف أهل العصر على قولين، ثم أحدث من بعدهم قول
ثالث، منعه الأكثرون.
كوطئ البكر، ثم يجد عيبا، قيل بمنع الرد، وقيل: ترد مع
الأرش، فالقول بالرد مجانا قول ثالث.
وكالجد مع الأخ، قيل: يرث المال كله، وقيل: بالمقاسمة،
فالقول بالحرمان قول ثالث.
وكالأم مع زوج وأب أو زوجة وأب، قيل: ثلث الأصل، وقيل:
ثلث ما بقي، فالفرق قول ثالث.
وكالنية في الطهارات، قيل: تعتبر في الجميع، وقيل: في البعض
فالتعميم بالنفي قول ثالث.
وكالفسخ بالعيوب الخمسة، قيل: يفسخ بها، وقيل: لا، فالفرق
قول ثالث.
ومنهم من فصل!! وهو الصحيح، فقال: إن كان الثالث يرفع
ما اتفقا فممنوع، كالبكر فإن الاتفاق على أنها لا ترد مجانا، وكالجد
فإن الاتفاق على أنه يرث، وكالنية في الطهارات.
وإن كان لا يرفع، بل وافق كل واحد من وجه وخالف من وجه
فجائز، إذ لا مخالفة لاجماع، كفسخ النكاح ببعض العيوب الخمسة دون
بعض، فإنه موافق في كل صورة مذهبا. " منتهى الوصول: ص 44 "
191

ولو لم تفصل الأمة بين المسألتين (1).
فإن نصوا على عدمه، امتنع الفصل، وكذا إن علم
اتحاد طريقة الحكم في المسألتين، كالعمة والخالة، علة إرثهما
كونهما من ذوي الأرحام، فمن ورث إحداهما ورث الأخرى
ومن منع إحداهما منع الأخرى (2).
وإن لم يكن كذلك جاز (3).

(1) بل جمعوا بينهما في حكم من الأحكام الخمسة، فهل لمن بعدهم
أن يفصلوا بينهما؟ ويخصوا إحداهما بحكم والأخرى بحكم آخر أم لا؟
والحق!! التفصيل. " غاية البادي: ص 145 "
(2) إذا لم يفصلوا بين مسألتين، فهل لمن بعدهم الفصل؟ والحق
إن نصوا بعدم الفرق، أو اتحد الجامع، كتوريث العمة والخالة، لم
يجز، لأنه رفع مجمع عليه، وإلا جاز. " منهاج الوصول: ص 52 "
(3) أي إن لم يعلم اتحاد طريقه.
" هامش المصورة: ص 37 "
192

البث الثالث
" في: ما وما لا ينعقد الاجماع به "
يجوز الاتفاق بعد الخلاف (1).
وإذا أجمع أهل العصر الثاني، على أحد قولي العصر
الأول (2)، انعقد الاجماع.
ولو أجمع أهل العصر على حكم، بعد اختلافهم على
قولين، انعقد أيضا.
وانقراض العصر غير معتبر، لتناول أدلة الاجماع، مع عدم
الانقراض (3).

(1) خلافا للصيرفي، كما في منهاج الوصول: ص 52.
(2) وقد وقع، كاختلاف الصحابة في بيع أمهات الأولاد، ثم
اتفق من بعدهم على المنع. " منتهى الوصول: ص 45 "
(3) إعلم!! أنه لا يشترط انقراض العصر في انعقاد الاجماع،
أي إذا أتفق أهل العصر على حكم، كان حجة وإن لم ينقرضوا، خلافا
لأحمد بن حنبل وابن فورك.
لنا: إن أدلة الاجماع تتناولهم وإن لم ينقرضوا، لدخول المعصوم
فيهم، ولأنهم المؤمنين.
وأيضا: لو اشترط انقراض العصر لم ينعقد اجماع أصلا، واللازم
باطل فالملزوم مثله. " غاية البادي: ص 149 "
193

ولو قال بعض أهل العصر قولا، وسكت الحاضرون،
فالحق أنه ليس بإجماع، لاحتمال السكوت غير الرضا (1)
ولو قال بعض الصحابة قولا، ولم يوجد له مخالف،
لم يكن إجماعا (2).
وإجماع أهل المدينة ليس بحجة، خلافا لمالك، لأنهم
بعض المؤمنين (3).

(1) احتج المصنف على أنه ليس بإجماع ولا حجة، بأن السكوت
كما يحتمل الرضا والموافقة، يحتمل وجوها آخر، ومع الاحتمال لم يكن
الجزم، بل ولا الظن.
وتلك الوجوه: أن يكون الساكت قد وقر القايل أو هابه، كما روي
أن ابن عباس وافق عمر في مسألة العول، وأظهر الخلاف بعده، وقال:
هبته وكان مهيبا.
أو أنه لم يجتهد فيه فلم يجز له الانكار، أو أنه اجتهد لكنه لم يصل
إلى الحكم فتوقف، أو أنه اجتهد ووصل إلى حكم لكنه ينتظر الفرصة،
أو أنه رأى أن كل مجتهد مصيب، أو أنه يعلم أن غيره أنكر عليه
وكفاه المؤنة. " غاية البادي: 150 - 151 متنا وهامشا "
(2) لان ذلك: إما أن يكون مما تعم به البلوى أو لا.
فالأول: لابد أن يكون للباقين فيه قول، إما مخالف أو موافق،
وإن لم يظهر فجرى ذلك مجرى السكوت، وقد تقدم ذلك.
والثاني: يحتمل أن لا يكون للباقين فيه قول، وحينئذ لم يكن
إجماعا. " غاية البادي: ص 151 "
(3) قال مالك رضي الله عنه: اجتماع أهل المدينة حجة، لقوله
عليه الصلاة والسلام: " إن المدينة لتنفي خبثها "، وهو ضعيف.
" منهاج الوصول: ص 51 "
194

أما إجماع العترة فإنه حجة، لقوله تعالى: " إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " [33 / 34].
ولقوله " عليه السلام ": " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به
لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " (1).
البحث الرابع
" في: شرط الاجماع "
لا يجوز الاجماع إلا عن دليل (2)، وإلا لزم الخطأ على كل
الأمة.
وهل يعتبر قول العوام في الاجماع؟ الحق!! عدمه، لان
قول العامي لا لدليل، فيكون خطأ.

(1) حديث الثقلين: 1 / 5، وما بعدها.
وللتوسع!! يراجع " الأصول العامة للفقه المقارن " للحجة محمد تقي
الحكيم: ص 145 - 189، بحث: " سنة أهل البيت ".
(2) وقال قوم: يجوز أن يكون بغير سند.
لنا: أن القول في الدين، من غير دليل ولا إمارة، خطأ، ولا تجمع
الأمة على خطأ. وأيضا: فإنه يستحيل وقوع ذلك عادة.
" منتهى الوصول: ص 43 "
195

فلو كان قول العالم خطأ، لزم إجماع الأمة على الخطأ.
ولا عبرة: بقول الفقيه في مسائل الكلام، ولا بالمتكلم
في مسائل الفقه، ولا بقول الحافظ للمسائل والاحكام إذا لم
يكن متمكنا من الاجتهاد، لأنهم كالعوام، فيما لا يتمكنون من
الاجتهاد فيه.
ويعتبر قول الأصولي في الاحكام، إذا كان متمكنا من
الاجتهاد فيها، وإن لم يكن حافظا لها.
وإجماع غير الصحابة حجة، لتناول الأدلة له (1).
ولا يجوز وقوع الخطأ من أحد شطري الأمة في مسألة،
ومن الشطر الآخر في أخرى، لاستلزامه بخطيئة كل الأمة (2).

(1) خلافا لأهل الظاهر.
لنا: ان أدلة الاجماع تتناولهم، إما عندنا فلوجود المعصوم فيهم،
وأما عند الجمهور فلان سبيلهم سبيل المؤمنين فوجب اتباعه.
" غاية البادي: ص 163 "
(2) لا يجوز إنقسام المجمعين إلى فرقتين، تجمع كل واحدة منهما
بين حق وباطل، لان الامام مع أحدهما، وهو يمنع من اتفاقهما على الخطأ.
" المعارج: ص 73 "
196

الفصل التاسع
في: الاخبار
وفيه: مباحث
197

الأول
" في: تعريف الخبر وأقسامه "
ماهية الخبر معلومة بالضرورة (1).
وإن عرض اشتباه، ميز بما يحتمل الصدق والكذب،
ولا يخلو عنهما.
وهو: إما أن يكون مقطوعا بكونه صدقا، أو بكونه
كذبا، أو يجوز فيه الأمران.
والأول سبعة: المتواتر (2)، وما علم وجود مخبره
إما بالضرورة (3) أو بالاستدلال، وخبر الله، وخبر رسوله،
وخبر الامام عندنا، وخبر كل الأمة، والخبر المعتضد بالقرائن (4).

(1) الخبر: كلام يفيد بنفسه نسبة أمر إلى أمر، نفيا أو إثباتا.
" المعارج: ص 76 "
(2) من قبيل حديث: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار "، كما في صحيح مسلم: 8 / 229، و " شرح البداية في علم الدراية:
ص 15 "، ومصادر أخر مذكورة في هامش " علوم الحديث، لصبحي
الصالح: ص 20 ".
(3) مخبره بفتح الباء، كوجود مكة " شرح البداية: ص 11 ".
(4) كمن يخبر عن مرضه عند الحكيم، ونبضه ولونه يدلان عليه.
وكذا من يخبر عن موت أحد، والنياح والصياح في بيته،
وكنا عالمين بمرضه. " شرح البداية: ص 11 "
198

والثاني: الخبر الذي ينافي مخبره وجود ما علم بالضرورة
أو بالاستدلال (1).
البحث الثاني
" في: إفادة التواتر العلم "
الحق!! أن خبر المتواتر يفيد العلم الضروري، خلافا
للسيد المرتضى حيث وقف (2)، ولأبي الحسين حيث قال:
انه نظري.

(1) وهو: خمسة أشياء.
الأول: ما خالف ضرورة العقل.. الثاني: ما أحالته العوايد.
الثالث: ما خالف دليل العقل.. الرابع: ما خالف النص القاطع
من الكتاب والسنة المتواترة.. الخامس: ما خالف الاجماع.
" المعارج: ص 77 "
(2) ذهب المرتضى إلى أن أخبار البلدان والوقايع والملوك وهجرة
النبي ومغازيه. وما يجري هذا المجرى. يجوز أن تكون ضرورة من فعل
الله تعالى، ويجوز أن تكون مكتسبة من فعل العباد.
وأما ما عدا أخبار البلدان، وما ذكرناه مثل العلم بمعجزات النبي.
وكثير من أحكام الشريعة، والنص الحاصل على الأئمة " عليهم السلام "،
فيقطع على أنه مستدل عليه، وإذا كان كذلك وجب التوقف.
" العدة: 1 / 29 باختصار "
199

لان جزمنا بوقوع الحوادث العظام - كوجود محمد
" عليه السلام "، وكحصول البلدان الكبار - لا يقصر عن
العلم بأن الكل أعظم من الجزء، وغيره من الأوليات (1).
وهو حاصل للعوام، ومن لم يمارس الاستدلال، ولا يقبل
التشكيك.
البحث الثالث
" في: شرايط المتواتر "
منها: أن لا يكون السامع عالما بما أخبر به، لاستحالة
تحصيل الحاصل.
وأن لا يكون قد سبق شبهة أو تقليد إلى اعتقاد نفي موجب
الخبر (2).
وأن يكون المخبرون مضطرين (3) إلى ما أخبروا عنه،

(1) وهي ستة: الأوليات، والمحسوسات، والمجربات، والحدسيات
والمتواترات. والقضايا التي قياساتها معها. " هامش المصورة: ص 39 "
(2) وهذا شرط اختص به السيد المرتضى، وتبعه عليه جماعة من
المحققين. " شرح البداية: ص 13 "
(3) أي: عالمين بالضرورة.. " هامش المصورة: ص 39 "
200

لاستنادهم إلى الحس (1).
وشرط قوم العدد واختلفوا!!.
فقال قوم: اثنا عشر (2). وقال أبو الهذيل: عشرون (3).
وقيل: أربعون (4).. وقيل: سبعون (5).. وقيل: ثلاثمائة
وبضعة عشر (6).

(1) بأن يكون المخبر عنه محسوسا بالبصر، أو غيره من الحواس
الخمس.
فلو كان مستنده العقل، كحدوث العالم وصدق الأنبياء، لم يحصل
لنا العلم. " شرح البداية: ص 14 "
(2) عدد النقباء، كما في " شرح البداية ": ص 13، لقوله
تعالى: في سورة المائدة، الآية 12، " وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ".
(3) لقوله تعالى: في سورة الأنفال، الآية 66، " إن يكن منكم
عشرون صابرون يغلبوا مئتين ".
(4) لقوله تعالى: في سورة الأنفال، الآية 66، " يا أيها النبي
حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين "، وكان عددهم عند نزول الآية،
قد بلغ أربعين رجلا بإسلام عمر، كما في " علوم الحديث ومصطلحه ":
ص 147.
(5) لاختيار موسى لهم، ليحصل العلم بخبرهم إذا رجعوا، كما في
" شرح البداية ": ص 13، لقوله تعالى: في سورة الأعراف، الآية
156، " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ".
(6) عدد أهل بدر، كما في " شرح البداية ": ص 13.
201

والكل ضعيف، بل المرجع فيه إلى حصول اليقين وعدمه،
فإن حصل فهو متواتر، وإلا فلا.
البحث الرابع
" في: الأقسام الدالة على صدق الخبر "
خبر الله تعالى صدق، وهو ظاهر على قولنا.
لأنه غني عن الكذب، حكيم في أفعاله، عالم بكل معلوم،
فاستحال وقوع الكذب منه.
ولأن الرسول " عليه السلام " أخبر بصدقه، ولا دور
هنا (1).
وخبر النبي " عليه السلام " صدق، لدلالة المعجزة عليه.
وخبر الامام صدق، لأنه معصوم.

(1) هذا جواب عما يمكن أن يقال: إن ثبوت صدق خبر الله
بإخبار النبي " ص "، مدعاة للزوم الدور، لان صدق خبر النبي " ص "،
متوقف هو الآخر على إخبار الله، والمفروض أن صدق خبره متوقف
على إخباره " ص ".
نعم، هذا جواب!! ولتوضيحه نقول: سلمنا توقف صدق
خبر الله على إخبار النبي " ص "، ولكن لا يتوقف صدق خبر النبي " ص "
على إخباره سبحانه، بل هو متوقف على المعجزة.
202

وخبر كل الأمة صدق، لما بينا أن الاجماع حجة.
البحث الخامس
" في: خبر الواحد "
خبر الواحد: هو ما يفيد الظن، وإن تعدد المخبر.
وهو حجة في الشرع (1)، خلافا للسيد المرتضى ولجماعة (2)

(1) بالأدلة الأربعة: الكتاب والسنة والعقل والاجماع.
أما الكتاب!! فقد ذكره بقوله: " فلولا نفر... " وهكذا
ما بعده.
وقد أورد على دلالة هاتين الآيتين إيرادات، تجدها مفصلة في
" فرائد الأصول: ص 66 "، للشيخ الأنصاري.
وأما العقل!! فقد ذكره بقوله: " فإنه يتضمن دفع ضرر... "
وأما الاجماع!! فقد ذكره بقوله: " ولأن جماعة من الصحابة... "
وأما السنة!! فهو لم يذكرها، لكن الأصوليين قد ذكروا روايات
واستدلوا بها على حجية خبر الواحد، لقول الحجة " ع " لإسحاق بن
يعقوب: " وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم
حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم ".
وللتوسع!! يراجع " فرائد الأصول: ص 66 - 90 ".
(2) هم: القاضي، وابن زهرة، والطبرسي، وابن إدريس، وغيرهم.
وقال ابن سريج والقفال والبصري: دل العقل أيضا.
وأنكره قوم: لعدم الدليل، أو للدليل على عدمه، شرعا وعقلا.
وأحاله آخرون، واتفقوا على الوجوب في الفتوى والشهادة والأمور
الدنيوية. " جمعا بين فرائد الأصول: ص 67، ومنهاج الوصول:
ص 46 بتصرف واختصار "
203

لنا!! قوله تعالى: " فلو لا نفر من كل فرقة منهم
طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
يحذرون " [9 / 123]، أوجب الحذر بإخبار عدد لا يفيد
قولهم العلم.
وأورد أبو الحسين اعتراضا لازما، وهو دلالته على قول
الفتوى لا الخبر (1).
وأيضا قوله تعالى: " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.... "
[49 / 7]، أوجب التثبت عند إخبار الفاسق، فإذا أخبر العدل
لم يخل: إما أن يجب القبول وهو المطلوب، أو الرد فيكون
أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل، أو يتوقف فينتفي فائدة
الوصف بالكلية.
وأيضا: فإن خبر الواحد مقبول في الفتوى والشهادات،
مع انتفاء العلم (2).

(1) اعتراضه: ان الانذار عقب التفقه، إنما ينصرف إلى الفتوى
لا إلى الخبر، ونحن لا نمنع من الفتوى. " هامش المصورة: ص 40 "
وللتوسع!! يرجع إلى الاشكال الثالث على دلالة هذه الآية في " فرائد
الأصول: 80 - 81 ".
(2) مستند هذا الدليل الاجماع، وقد يسمى بسيرة المسلمين.
وللتوسع!! يرجع إلى الوجه الثالث من الاجماع في " فرائد الأصول:
ص 99 - 100 ".
204

وأيضا: فإنه يتضمن دفع ضرر مظنون، فيكون
واجبا (1).
ولأن جماعة من الصحابة عملوا بأخبار الآحاد، ولم ينكر
عليهم أحد، فكان إجماعا (2).

(1) هذا دليل عقلي يتركب من:
صغرى وهي: إن هذا يتضمن ضررا مظنونا.
وكبرى وهي: أن كل مظنون الضرر يجب دفعه...
نعم، فهذا الدليل - كما يرى - عام، يدل على حجية مطلق الظن
سواء كان من الخبر أم لا...
وللتوسع!! يرجع إلى " فرائد الأصول: 106 - 110 ".
(2) أجمعت الصحابة على العمل بخبر الواحد، وإجماع الصحابة حجة.
أما أنهم أجمعوا، فلأنهم رجعوا إلى أزواج النبي " ص " في الغسل
من التقاء الختانين.
ورجع أبو بكر في توريث الجدة سدس الميراث إلى خبر المغيرة.
ورجع عمر إلى رواية عبد الرحمان في سيرة المجوس، بقوله سيروا بهم
سنة أهل الكتاب، ومنع من توريث المرأة من دية زوجها، ورجع عن
ذلك بخبر الضحاك بن قيس.
وعن علي: كنت إذا سمعت من رسول الله حديثا، نفعني الله بما
شاء أن ينفعني، فإذا حدثني به غيره استحلفته، فإذا حلف صدقته،
وعمل علي بخبر المقداد في المذي. " المعارج: ص 84 - 85 بتصرف "
205

البحث السادس
" في: شرايطه "
يشترط كون الراوي: بالغا، عاقلا، مسلما، عدلا،
ضابطا.
فلا تقبل رواية الصبي: لأنه إن لم يكن مميزا، لم يحصل
الظن بقوله، وإن كان مميزا علم نفي الحرج عنه مع الكذب
فلا يمتنع منه (1).
وتقبل روايته: لو كان صبيا وقت التحمل، بالغا وقت
الأداء (2).
والكافر: لا تقبل روايته، سواء كان مذهبه جواز الكذب
أو لا، لأنه فاسق والفاسق مردود الرواية، ولا تقبل رواية
الفاسق للآية (3).
ولا تقبل رواية المجهول حاله، خلافا لأبي حنيفة، لان
عدم الفسق شرط في الرواية، وهو مجهول، والجهل بالشرط

(1) أي: أن الصبي المميز، يعلم أنه لا يعاقب إذا كذب في
الاخبار، فلا يكون متحرزا.
(2) المراد من وقت التحمل: زمان سماعه الخبر.
ومن وقت الأداء: زمان نقله الخبر إلى الغير.
(3) وهي قوله تعالى: " ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا... ".
206

يستلزم الجهل بالمشروط (1).
البحث السابع
" في: ما ظن أنه شرط وليس كذلك "
الصحيح: أن الواحد إذا كان عدلا قبلت روايته.
سواء عضده ظاهر، أو عمل بعض الصحابة، أو اجتهاد،
أو رواية عدل آخر، خلافا للجبائي.
لان الصحابة رجعوا إلى أخبار العدل، وإن كان واحدا
ولأن الأدلة تتناوله.
ولا يشترط كون الراوي فقيها، خلافا لأبي حنيفة (2)،
فيما خالف القياس، لما تقدم من الأدلة العامة.
ولقوله " عليه السلام ": نضر الله امرءا سمع مقالتي

(1) الأكثرون على أن مجهول الحال لا يقبل، ولابد من معرفة
عدالته أو تزكيته.
وقال أبو حنيفة تكفي سلامته من الفسق ظاهرا.
لنا: أن الفسق مانع باتفاق، فوجب تحقق عدمه، كالصبي والكفر،
وأيضا فلا دليل عليه، فلا يثبت. " منتهى الوصول: ص 56 "
(2) شرط أبو حنيفة " رضي الله عنه "، فقه الراوي ان خالف
القياس.
ورد: بأن العدالة تغلب ظن الصدق، فيكفي.
" منهاج الوصول: ص 48 "
207

فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه " (1)
ولا يشترط عدم مخالفة الراوي له (2)، لاحتمال صيرورة
الراوي إلى ما توهمه دليلا، وليس كذلك.
والأقرب: عدم اشتراط نقل اللفظ، مع الاتيان بالمعنى
كملا، لان الصحابة لم ينقلوا الألفاظ كما هي، لأنهم لم
يكتبوها، ولا كرروا عليها مع تطاول الأزمنة (3).

(1) كشف الخفاء: 2 / 319.
(2) مرجع الضمير: الخبر، كما في هامش المصورة: ص 41.
(3) يجوز نقل الحديث بالمعنى، بشرط أن يكون الناقل عارفا
بمواقع الألفاظ، وعدم قصور الترجمة عن الأصل، وإفادة المعنى
ومساواتهما في الجلد والخفاء.
وعن ابن سيرين والرازي الحنفي وجماعة، وجوب نقل صورته.
وحجتنا على الجواز وجوه منها: ما رواه الكليني في الصحيح،
عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله " ع ": أسمع الحديث منك،
فأزيد وانقص، قال: ان كنت تريد معاينة فلا بأس.
ومنها: ما روي عن ابن مسعود وغيره، قال رسول الله " ص ":
كذا ونحوه.
ومنها: ان الله سبحانه قص القصة الواحدة بألفاظ مختلفة، ومن
المعلوم أن تلك القصة وقعت اما بغير العربية أو بعبارة واحدة منها،
وذلك دليل على جواز نسبة المعنى إلى القائل وان تغاير اللفظ.
" جمعا بين منتهى الوصول: ص 60 - 71، ومعالم الدين: 213 - 214 "
208

البحث الثامن
" في: الاخبار المردودة "
خبر الواحد إذا اقتضى علما، ولم يوجد في الأدلة القاطعة
ما يدل عليه، وجب رده، لأنه اقتضى التكليف بالعلم ولا يفيده
فيلزم تكليف ما لا يطاق.
وإن اقتضى العمل، وجب قبوله وإن عمت به البلوى،
خلافا للحنفية، لعموم الأدلة، ولأن الصحابة رجعوا في أحكام
الرعاف والقي والقهقهة في الصلاة، إلى الآحاد مع عموم
البلوى فيها (1).
والمرسل لا يقبل (2)، خلافا لأبي حنيفة ومالك وجمهور

(1) للتوسع!! يراجع " أصول الفقه " للخضري، ص: 259،
ومنتهى الوصول "، لابن الحاجب، ص: 62.
(2) المرسل: وهو ما لم يشتمل سنده على جميع أسماء رواته. ويقسم
إلى ما يلي
أ - مرسل الثقة: وهو ما ينسبه إلى المعصوم راو، يطمئن علماء
الرجال، إلى أنه لا يروي إلا عن ثقة. وهو حجة في رأي كثير من
علماء أصول الفقه.
ب - مرسل غير الثقة: وهو ما ينسبه إلى المعصوم راو، مجهول
الحال في كيفية روايته. وهو ليس بحجة في رأي علماء أصول الفقه،
إلا إذا عمل بمضمونه الفقهاء، فيعد حجة في رأي بعض علماء أصول الفقه.
" مبادئ أصول الفقه: ص 29، 31 باختصار "
209

المعتزلة (1)، لان عدالة الأصل مجهولة، والشك في الشرط
يستلزم الشك في المشروط.
وإذا جزم راوي الأصل: بكذب رواية الفرع عنه، لم
تقبل رواية الفرع.
وإن توقف: قبل قول الفرع، لعدم المنافي (2).
البحث التاسع
" في: الجرح والتعديل "
العدد (3): شرط في الجرح والتعديل، في الشهادة دون

(1) لنا: أن عدالة الأصل لم تعلم فلم تقبل.
قيل: الرواية تعديل، قلنا: قد يروى عن غير العدل.
قيل: إسناده إلى الرسول يقتضي الصدق، قلنا: بل السماع.
قيل: الصحابة أرسلوا وقبلت، قلنا: الظن السماع.
" منهاج الوصول: 48 - 49 "
(2) إذا أنكر الأصل رواية الفرع: فإن كان تكذيبا، فالاتفاق على
أنه لا يعمل به، لان أحدهما كاذب فيه غير معين، ولا يقدح في عدالتهما.
وإن لم تكن تكذيبا، فالأكثر على العمل به، خلافا للكرخي وبعض
الحنفية، ولأحمد روايتان. " منتهى الوصول: ص 61 "
(3) أي: شهادة عدلين.
210

الرواية، لان الفرع لا يزيد على الأصل.
ولابد من ذكر سبب الجرح دون التعديل (1).
ومع التعارض يقدم الجارح (2)، إلا إذا نفى المعدل
ما أثبته الجارح قطعا، فيتعارضان.
وإذا حكم بشهادته، أو عمل بروايته، أو قال: هو عدل
لأني عرفت منه كذا، أو أطلق مع عرفانه، فهو تزكية.
ولو روى عنه، لم يكن تزكية، إلا أن تكون عادته عدم

(1) قال قوم: لابد من بيان سبب الجرح، وقيل: يقبل بدون
بيان، واشتراط البيان هو المختار.
لأنا رأينا كثيرا من العلماء، قدحوا في رواة بأشياء ظنوها قوادح
وليست قوادح.
كما جرح شعبة راويا بأنه كان يركض بغلته، وجرح بعضهم سماك
ابن حرب بأنه كان يبول قائما، وجرح بعضهم راويا بأنه كان يستكثر
من مسائل الفقه.
أما التعديل: فقال بعضهم أيضا: باشتراط البيان فيه كالجرح،
وقال الأكثرون: لا يشترط.
لان مفهوم العدالة معلوم اتفاقا، فسكوته عنها كبيان، بخلاف
الجرح، فإن أسبابه كثيرة كما قلنا، بعضها يوجه، وبعضها لا.
" أصول الفقه: ص 245 "
(2) إذا جرح بعض وعدل آخرون، قدم العمل بالجرح، لأنه
شهادة بزيادة، لم يطلع عليها المعدل، ولأن العدالة قد يشهد بها على
الظاهر، وليس كذلك الجرح. " المعارج: ص 92 "
211

الرواية عن غير العدل (1).
وليس ترك الحكم بالشهادة جرحا.

(1) كما في " منهاج الوصول: ص 47 ".
212

الفصل العاشر
في: القياس
وفيه: مباحث
213

الأول " في: تعريفه "
القياس: عبارة عن حمل الشئ على غيره، في إثبات
مثل حكمه له، لاشتراكهما في علة الحكم.
وأركانه أربعة: الأصل، وهو المقيس عليه.. والفرع:
هو المقيس.. والعلة: هي المعنى المشترك.. والحكم: وهو
المطلوب اثباته في الفرع.
البحث الثاني
" في: أنه ليس بحجة "
اختلف الناس في ذلك، والذي نذهب إليه أنه ليس
بحجة، لوجوه:
أحدها: قوله تعالى: " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله "
[49 / 2].. " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون "
[7 / 34].. " إن الظن لا يغني من الحق شيئا "
[53 / 29].. " وأن الحكم بينهم بما أنزل الله " [5 / 50]
الثاني: قوله عليه السلام: " وتعمل هذه الأمة برهة بالكتاب،
وبرهة بالسنة، وبرهة بالقياس. فإذا فعلوا ذلك فقد
214

ضلوا وأضلوا " (1).. وقوله عليه السلام: " ستفترق
أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمهم فتنة قوم
يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحللون
الحرام " (2).
الثالث: اجماع الصحابة عليه.
روي عن علي عليه السلام أنه قال: " من أراد أن
يقتحم جراثيم جهنم، فليقل في الجد برأيه " (3)، وقال:
" لو كان الدين بالرأي، لكان باطن الخف أولى بالمسح
من ظاهره " (4).
وقال أبو بكر: " أي سماء يظلني، وأي أرض تقلني،
إذا قلت في كتاب الله برأيي " (5).

(1) انظر ملخص ابطال القياس: ص 56.
(2) انظر ملخص ابطال القياس: ص 69، وكنز الفوائد للكرجكي:
ص 397. وجامع أحاديث الشيعة: 1 / 68.
(3) انظر أعلام الموقعين: 1 / 380، وتأويل مختلف الحديث:
ص 20، والسنن الكبرى للبيهقي: 6 / 245، والغدير: 6 / 107.
(4) انظر ملخص ابطال القياس: ص 60 - 61 ومستدرك
الوسائل: 3 / 177 - 178، وجامع أحاديث الشيعة: 1 / 69.
(5) قال أبو بكر الصديق: " أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني،
ان قلت في آية برأيي، أو بما لا أعلم ".
" ملخص ابطال القياس: ص 58 "
215

وقال عمر: " إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء
السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي
فضلوا وأضلوا " (1).
ولم يزل أهل البيت عليهم السلام، ينكرون العمل
بالقياس، ويذمون العامل به (2)، وإجماع العترة حجة.
الرابع: إن العمل بالقياس، يستلزم الاختلاف، لاستناده إلى
الامارات المختلفة، والاختلاف منهي عنه (3).
الخامس: مبنى شرعنا، على تساوي المختلفات في الاحكام،
واختلاف المتماثلات فيها، وذلك يمنع من القياس
قطعا (4)

(1) ملخص ابطال القياس: ص 58.
(2) كما في حلية الأولياء: 3 / 197.
(3) قالت الشيعة والتعليمية: ان الاختلاف ليس من دين الله،
ودين الله واحد ليس بمختلف، وفي رد الخلق إلى الظنون ما يوجب
الاختلاف ضرورة، والرأي منبع الخلاف، والظنيات لا دليل فيها،
بل ترجع إلى ميل النفوس، والميل مختلف، والدليل على ذم الاختلاف
قوله تعالى:
" ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "، وقال:
" أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه "
" أصول الفقه للخضري: ص 383 "
(4) طريقة النظام ومن تابعه في ابطال القياس: أن الشرعيات
وقعت على وجوده لا يمكن معها دخول القياس.
فالذي يعولون عليه أن يقولوا: وجدنا الشرع واردا باختلاف
المتفقين واتفاق المختلفين
كإيجاب القضاء على الحائض في الصوم، واسقاطه عنها في الصلاة
وهي أوكد من الصوم
وايجابه على المسافر القضاء فيما قصر في الصوم، واسقاطه عنه فيما
قصر من الصلاة.
وكإيجاب الغسل بخروج الولد والمني، وهما أنظف من البول والغايط
اللذين يوجبان الطهارة.
وإباحة النظر إلى الأمة الحسناء وإلى محاسنها، وحظر ذلك من الحرة
وإن كانت شوهاء.
قالوا: كيف يسوغ القياس فيما هذه حاله؟ ومن حقه أن يدخل
فيما يتفق فيه أحكام المتفقات وتختلف أحكام المختلفات؟! " العدة 2 / 88 "
216

البحث الثالث
" في: إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق "
إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق، قد يكون جليا كتحريم
الضرب المستفاد من تحريم التأفيف (1)، وذلك ليس من باب
القياس.

(1) الواردة في الآية 24، من سورة الإسراء، من قوله تعالى:
" فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما "
217

لان شرط هذا، كون المعنى المسكوت عنه، أولى بالحكم
من المنصوص عليه، بخلاف القياس، بل هو من باب المفهوم.
البحث الرابع
" في: الحكم المنصوص على علته "
الأقرب عندي: أن الحكم المنصوص على علته، متعد
إلى كل ما علم ثبوت تلك العلة فيه، بالنص لا بالقياس.
لان قوله: حرمت الخمر لكونه مسكرا، ينزل منزلة
قوله: حرمت كل مسكر.
لان مجرد الاسكار: إن كان هو العلة، لزم وجود المعلول
معه أينما تحقق، وإلا!! لم يكن علة.
وإن كانت العلة، إنما هي الاسكار المقيد بالخمرية، لم
يكن ما فرضنا علة بل جزء العلة، [و] هذا خلف.
والنص على العلة: قد يكون صريحا، كقوله: لعلة كذا
أو لأجل كذا (1)، أو لسبب كذا.. وقد يكون ظاهرا،

(1) كقوله عليه السلام: " إنما جعل الاستئذان لأجل البصر "،
وقوله: " إنما نهيتكم عن لحوم الأضاحي لأجل الدافة ".
" منهاج الوصول: ص 57 "
218

كقوله: لكذا (1)، أو بكذا، أو يأتي بحرف أن، كقوله
" إنها من الطوافين عليكم " (2)، أو بالباء كقوله تعالى: " فبظلم
من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " [4 / 161].
البحث الخامس
" في: العلة المستنبطة "
اعلم!! أنا لما جوزنا تعدية الحكم بالعلة المنصوصة، وجب
علينا البحث عن العلة المستنبطة، وبيان امتناع تعدية الحكم بها
كما يقوله أصحاب القياس.
واعلم!! أن الطرق التي يثبت القائسون للتعليل بها ستة
ونحن نبين في كل واحد منها، أنه لا يصلح الاستدلال به،
على علية الوصف.
الأول: المناسبة
وعرفوا المناسبة: بأنه الملايم لافعال العقلاء في العادات.
وهو غير دال على العلية:

(1) والظاهر اللام، كقوله تعالى: " لدلوك الشمس "، فإن أئمة
اللغة قالوا: اللام للتعليل. " منهاج الوصول: ص 57 "
(2) سنن أبي داود: ك 1 ب 38 ص 18.
" مفتاح كنوز السنة: ص 515 "
219

إما أولا: فلما بينا، أن شرعنا مبني على الجمع بين
المختلفات، والتفرقة بين المتماثلات، فلا ضابط في الحكم سوى
النص.
وأما ثانيا: فلان الوصف المناسب، قد يقترن مع الحكم
وضده (1).
وأما ثالثا: فلان الحكم لا يجوز استناده إلى الحكمة
لكونها مضطربة غير مضبوطة، ومثل ذلك لا يجوز من الحكيم
رد الاحكام إليه ولا إلى الوصف، لأنه إن لم يشتمل على
الحكمة لم يصلح للتعليل، وإن اشتمل كانت الحكمة علة العلة
وقد بينا بطلانه (2).
الثاني: المؤثر
وعرفوه: بأنه الوصف المؤثر في جنس الحكم في الأصول

(1) كالسفر الذي هو وصف مناسب لعلية حكم التقصير، وربما
يقترن بعدم التقصير. " غاية البادي: 214 "
(2) الحكم إن أسند إلى الحكمة، كالمشقة في السفر، فهي مضطربة،
لان المشقة قد توجد في السفر وقد لا توجد، وربما توجد في الحظر
أكثر مما توجد في السفر مع عدم الترخص.
وإن أسند إلى الوصف: فإن لم يشتمل ذلك الوصف على الحكمة
لم يصلح للعلية، وإن اشتمل فتكون الحكمة علة علية الوصف، كالمشقة
التي هي علة لعلية السفر، وقد ثبت عدم صلاحية الحكمة للعلية لاضطرابها.
" غاية البادي: 214 "
220

دون وصف آخر، فيكون أولى بالتعليل من الوصف الآخر.
مثال ذلك: البلوغ المؤثر في رفع الحجر عن المال، فيؤثر
في رفع الحجر عن النكاح دون الثيبوبة. لأنها لا تؤثر في جنس
هذا الحكم. وهو رفع الحجر.
وكقولهم: الأخ من الأبوين، مقدم على الأخ من الأب
في الميراث، فيكون مقدما في ولاية النكاح (1).

(1) الوصف المناسب الذي يؤثر على أربعة أقسام:
أولا: تأثير النوع في النوع، ومثاله تأثير سكر النبيذ في تحريمه،
كتأثير سكر الخمر في تحريمها، لان حقيقة السكرين والتحريمين فيهما
واحدة، وانما يختلفان بالمحل، واختلاف المحلين لا يقتضي اختلاف
الحالين ظاهرا.
ثانيا: تأثير النوع في الجنس، ومثاله تأثير البلوغ في رفع الحجر عن
النكاح دون صفة أخرى، من الثيبوية وغيرها، لان البلوغ اثر في جنس
هذا الحكم، وهو رفع الحجر عن المال دون صفة أخرى.
ثالثا: تأثير الجنس في النوع، ومثاله تعليل إسقاط قضاء الصلاة عن
الحائض بالمشقة، لان المشقة تؤثر في نوع هذه الصلاة، وهو الركعتان
الساقطتان في السفر.
رابعا: تأثير الجنس في الجنس، ومثاله إقامة الشرب مقام القذف
في الحد، لقول علي عليه السلام: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى،
وإذا هذى افترى، وإذا افترى فحدوه حد المفتري "، إقامة لمظنة
الشئ مقامه، قياسا على إقامة الخلوة في الميراث مقام الوطي.
" غاية البادي: ص 215 - 216 بتصرف واختصار "
221

ويعللون تقديمه في النكاح، بسبب تقديمه في الإرث
بالمناسبة.
وهو راجع في الحقيقة إلى الوصف المناسب، وإبطاله
يقتضي إبطال هذا (1).
الثالث: الشبه
وهو الوصف المستلزم للمناسب، وليس فيه مناسبة (2).

(1) هذا هو كلام العلامة، ساقه ردا للتعليل المذكور قبله.
(2) أراد باستلزام المناسب، التفات الشارع إليه، فإن التفاته يوهم
المناسبة، وذلك أن الوصف إما أن يظهر مناسبة أو لا، والأول الوصف
المناسب وقد تقدم، والثاني إما ان يعلم التفات الشارع إليه في بعض الأحكام
أو لا.
والأول: الوصف الشبهي، كقول الشافعي في إزالة النجاسة،
طهارة تراد للصلاة، فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث، فإن الجامع
هو الطهارة، ومناسبتها لتعيين الماء فيها بعد البحث غير ظاهرة، لكن
اعتبار الشارع إياها في بعض الأحكام كمس المصحف والصلاة والطواف،
يوهم اشتمالها على المناسبة.
والثاني: الوصف الطردي، كالطول والقصر والسواد والبياض،
فإنه ألف من الشارع عدم الالتفات إليها، فالوصف الشبهي يشابه المناسبة
من حيث أنه غير متطوع بنفي المناسبة عنه، وتشابه الطردي من حيث أنه
غير مقطوع بظهور المناسبة فيه، فهو دون المناسب الطردي، فكان تسميته
بالشبه نظرا إلى هذا المعنى. " غاية البادي: ص 217 - 218 "
222

وهو غير دال على العلية أيضا، لان المناسبة أقوى منه (1)
وقد أبطلناه، ولأن الصحابة لم يعملوا بالوصف الشبهي،
فيكون مردودا.
الرابع: الدوران (2)
[وهو] (*) غير دال على العلية، سواء كان ذلك في صورة
واحدة أو صورتين، لتحققه فيما ليس بعلة.
فإن المعلول دائر مع العلة وبالعكس، وليس المعلول علة
وجزء العلة المساوي دائر مع المعلول وليس بعلة (3).

(1) وقد ثبت أنها لا تصلح للعلية. فالشبهي أولى أن لا يكون علة.
" غاية البادي: ص 218 "
(2) معنى الدوران: أن يثبت الحكم عند ثبوت وصفه، وينتفي عند
انتفائه، سواء كان في صورة واحدة كالعصير، فإنه لما لم يكن في أول
الامر مسكرا لم يكن حراما، ثم لما صار مسكرا صار حراما، ثم لما
صار خلا صار حلالا.
أو في الصورتين كالماء، فإنه لما لم يكن مسكرا لم يكن حراما،
والخمر لما كان مسكرا كان حراما، واختلفوا فيه: فقال قوم من المعتزلة
إنه يفيد العلية قطعا، وقيل: ظنا، وقيل: لا يفيد لا قطعا ولا ظنا.
" غاية البادي: ص 218 - 219 "
* - وضعت هذه الزيادة لدواعي توزيع النص وبداية الرد.
(3) مثاله: الحساس، فإنه جزء للحيوان، مساو له، فيدور
مع معلول الحيوان، الذي هو التحرك، وليس بعلة له.
" غاية البادي: ص 220 ".
223

وكذا الشرط المساوي واحد المعلولين (1)، دائر مع
صاحبه، ولا علية بينهما (2).
والجوهر والعرض متلازمان.
وكذا المضافان (3) والحركة والزمان، مع انتفاء العلية في
ذلك كله، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تحصى كثرة.
الخامس: طريقة السبر والتقسيم
بأن يقال: لابد للحكم من علة، والوصف الفلاني لا يصلح
لذلك، وكذلك الوصف الفلاني، فبقي الثالث (4).

(1) مثاله: تأثير النار في الجسم القابل للاحتراق، مشروط بوضع
خاص، فذلك الوضع الخاص دائر مع الاحتراق، وليس بعلة له.
" غاية البادي: ص 220 "
(2) كالاحراق والاشراق، يدور كل واحد منهما مع صاحبه،
ولا علية بينهما. " غاية البادي: ص 220 "
(3) كالأبوة والبنوة " غاية البادي: ص 220 "
(4) طريقة السبر والتقسيم تقع على وجهين:
أ - أن يستدل على أن الحكم معلل، ثم يستدل على حصر الأوصاف
ونفي ما عدا الوصف المفروض، كما يقال حرمة الربا في البر معللة بالاجماع
فعلته إما المال أو القوت أو الكيل أو الطعم بالاجماع أيضا، وبطل التعليل
بالثلاثة الأول فتعين الرابع.
وكما يقال: ولاية الاجبار معللة إما بالصغر أو بالبكارة، والأول
باطل والا لثبتت الولاية في الثيب الصغيرة، لكنها لا تثبت لقوله " ع "
" الثيب أحق بنفسها من وليها "، فتعين التعليل بالبكارة، وهذا الوجه
حينئذ لا كلام فيه.
ب - أن نقول: علة الحكم إما وصف كذا، أو وصف كذا،
من غير استدلال، على أن الحكم معلل وعلى حصر الأقسام، بل يكتفي
بأني بحثت فلم أجد، ثم يبطل وصفا وصفا حتى يعين واحدا، وهذا
الوجه غير مفيد للعلية. " غاية البادي: ص 221 - 222 "
224

وهو غير دال على العلية أيضا.
أما أولا: فللمنع من تعليل كل حكم (1).
وأما ثانيا: فللمنع من حصر الأوصاف، وعدم الوجدان
لا يدل على عدم الوجود.
وأما ثالثا: فللمنع من بطلان التعليل بأحد الأوصاف
المذكورة.
وأما رابعا: فلجواز التعليل، بمجموع وصفين من هذه
أو ثلاثة.
وأما خامسا: فلجواز إنقسام أحد هذه الأقسام إلى قسمين
أحدهما صالح للعلية دون الثاني (2).

(1) فإن علية العلية غير معللة، وإلا تسلسل، وحينئذ يجوز أن
يكون الحكم المفروض، من قبيل الاحكام الغير المعللة.
" غاية البادي: ص 222 "
(2) كالقوت مثلا، في تحريم الربا في البر إلى قسمين، أحدهما
صالح للعلية دون الثاني.
لا يقال: القوت كونه في البر صالح للعلية، وفي الخضر غير صالح،
فنقول كون القوت من الذرة، لا يكون من الثاني.
" غاية البادي: ص 222 جمعا بين المتن والهامش "
225

السادس: الطرد (1)
وهو: أن يكون الوصف الذي ليس بمناسب (2) ولا مستلزم
له، لا يتخلف الحكم عنه في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع (3)
ولا يدل على التعليل: لان الاطراد إنما يتم لو كان
الوصف لا يوجد إلا ويوجد معه الحكم (4)، وهذا يتوقف على

(1) وهو أن يثبت معه الحكم، فيما عدا المتنازع فيه.
" هامش المصورة: ص 48 "
(2) أي: للحكم. " هامش المصورة: ص 48 بتصرف "
(3) وعلم من الشارع عدم الالتفات إليه، لان التفات الشارع
يستلزم المناسبة، واستدل على دلالته على العلية، بأن استقراء الشرع دل
على الحاق النادر في كل آن بالغالب، فإذا رأينا وصفا يقارن الحكم في
جميع الصور المغايرة لمحل النزاع، ثم رأينا ذلك الوصف حاصلا في محل
النزاع، وجب الحكم بثبوت ذلك الحكم فيه، إلحاقا للنادر بالغالب.
ولذلك!! إذا رأينا فرس القاضي واقفا على باب الأمير، نحكم
بكون القاضي عند الأمير، وما ذلك الا لمقارنة كون الفرس عند الباب،
وكون القاضي عند الأمير، في الصور المغايرة لهذه الصورة.
" غاية البادي: 223 "
(4) أي: في الأصل. " هامش المصورة: ص 48 بتصرف "
226

وجود الحكم في الفرع.
فلو أثبت وجود الحكم في الفرع، يكون الوصف علة،
وثبتت عليته بالاطراد لزم الدور.
وأيضا: فإن الطرد يوجد من دون العلية، كالحد مع المحدود
والجوهر مع العرض.
ولأن فتح هذا الباب يفضي إلى الهذيان، كما نقول - في
إزالة النجاسة بالخل -: مايع، لا تبنى القطرة على جنسه
فلا يجوز إزالة النجاسة به كالدهن.
227

الفصل الحادي عشر
في: الترجيح
بين الاخبار
وفيه: مباحث
229

الأول
" في: تعارض الدليلين "
لا يتعارض دليلان قطعيان،
وهل يتعارض الظنيان؟ جوزه قوم: لامكان أن يخبرنا
اثنان عدلان بحكمين متنافيين، ولا يترجح أحدهما على الآخر.
ومنع منه آخرون: لأنه لو تعارض دليلان، على كون
هذا الفعل مباحا أو محظورا، فإن لم يعمل بهما أو عمل بهما لزم
المحال، وإن عمل بأحدهما على التعيين لزم الترجيح من غير
مرجح، أو لا على التعيين وهو باطل.
لأنا إذا خيرنا بين الفعل والترك، فقد سوغنا له الترك،
فيكون ذلك ترجيحا لدليل الإباحة، وقد تقدم بطلانه.
والأول: عندي أقوى.
والجواب عن الثاني: أن التخيير ليس إباحة، لأنه يجوز
أن يقال له: إن أخذت بدليل الإباحة فقد أبحت لك، وإن
أخذت بدليل الحظر فقد حرمته عليك.
كمن عليه درهمان، فقال له صاحبهما: فقد تصدقت
عليك بأحدهما إن قبلت، وإن لم تقبل وأتيت بالدرهمين قبلتهما
عن الدين.
230

فإن من عليه الدين مخير، إن شاء أتى بدرهم، وإن شاء
دفع درهمين عن الواجب.
وكذا نقول في المسافر - إذا حضر في أحد الأمكنة
الأربعة (1)، التي يستحب فيها التمام - فإنه مكلف بركعتين إن
شاء الترخص، وبأربع وجوبا إن لم يرده.
إذا عرفت هذا!! فالتعادل إن وقع للمجتهد في عمل نفسه
كان حكمه التخيير، وإن وقع للمفتي كان حكمه أن يخير
المستفتي، وإن وقع للحاكم كان حكمه العمل بأحدهما ووجب
عليه التعيين.
البحث الثاني
" في: العمل عند وقوع التعادل "
إذا وقع التعادل وجب الترجيح (2)، وقيل: بالتخيير
أو التوقف.

(1) المواطن الأربعة: مكة، والمدينة، والمسجد الجامع بالكوفة،
وحائر الحسين " ع "، وهو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرفه
السلام. " جمعا بين شرايع الاسلام: 1 / 135، ومجمع البحرين: 3 / 280 "
(2) المراد بالتعادل هنا: توارد دليلين متنافيي الحكم على شئ
واحد، والتعادل الذي تقدم ذكره: توارد دليلين متساويين في الدلالة،
متنافيي الحكم على شئ واحد. " غاية البادي: ص 226 - 227 "
231

لنا: أنه لو لم يعمل بالراجح لعمل بالمرجوح، وهو خلاف
المعقول (1)، ولأن الاجماع من الصحابة وقع على ترجيح بعض
الاخبار على البعض (2).
ومن المرجحات: كثرة الأدلة، كترجيح أحد الخبرين
على الآخر بكثرة الرواة، لان الظن أقوى، لان تطرق تعمد
الكذب إلى الجماعة أبعد من الواحد.
وأيضا: فإن مخالفة الدليل على خلاف الأصل، فمخالفة
الدليلين أشد محذورا من مخالفة دليل واحد.
وإذا أمكن العمل بكل واحد من الدليلين المتعارضين، من
وجه دون وجه، كان أولى من إبطال أحدهما بالكلية.

(1) وأيضا!! إذا وقع التعارض ثم ترجيح أحدهما، كان العمل به
متعينا عرفا فيجب شرعا، لقوله " عليه السلام ": " ما رواه المسلمون
حسنا فهو حسن عند الله تعالى ". " غاية البادي: ص 227 "
(2) فإنهم قدموا خبر عائشة في التقاء الختانين على قول الأنصار
" لا ماء إلا من الماء "، وقدموا خبر من روى من أزواجه أنه " ص "
كان يصبح جنبا على ما رواه أبو هريرة، أنه قال " من أصبح جنبا فلا
صوم له "،... " غاية البادي: ص 227 "
232

البحث الثالث
في: حكم الأدلة المتعارضة
إذا تعارض دليلان (1): فإن كانا عامين أو خاصين وكانا
معلومين كان المتأخر ناسخا إن قبل المدلول النسخ، وإلا تساقطا
ووجب الرجوع إلى غيرهما، وكذا لو لم يعلم التأريخ.
ولو كانا مظنونين، كان المتأخر ناسخا.
ولو تقارنا أو لم يعلم التأريخ وجب الترجيح، فإن تساويا
ثبت التخيير.
وإن كان أحدهما معلوما دون الآخر، فإن كان المعلوم

(1) إذا تعارض دليلان: إما أن يكون كل واحد منهما عاما أو
خاصا، وعلى التقديرين إما أن يكون العموم والخصوص مطلقا أو من وجه
دون آخر. وعلى التقادير إما أن يكون معلوما أو مظنونا، وهذه ستة في
ستة تصير ستة وثلاثين.
وعلى التقادير: إما أن يعلم تقدم أحدهما على الآخر أو يعلم مقارنتهما
أو لا يعلم شئ منهما، وهذه ثلاثة إذا ضربت في ستة وثلاثين، تصير
مائة وثمانية، هذا بحسب الحصر العقلي.
وأما أحكامهما: فإن كانا معلومين متساويين في العموم والخصوص...
" غاية البادي: ص 230 "
233

متأخرا كان ناسخا، وإلا تعين العمل بالمعلوم.
وإن كان أحدهما أعم من الآخر مطلقا وكانا معلومين
أو مظنونين، كان الخاص المتأخر ناسخا للعام المتقدم، والعام
المتأخر ناسخا للخاص المتقدم عند الحنفية، وعند الشافعية يبنى
العام على الخاص (1).
وإن وردا معا، خص العام بالخاص إجماعا، وإن كان
أحدهما معلوما والآخر مظنونا، قدم المعلوم، إلا إذا اقترنا
وكان المظنون هو الخاص، فإنه يخصص العام عند جماعة،
وقد تقدم.
البحث الرابع
" في: ترجيح الاخبار "
الخبر الذي رواته أكثر، أو أعلى إسنادا، أو كان رواته

(1) وإما أن يكون أحدهما أعم من الآخر من وجه دون وجه،
كقوله " ص ": " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها "
مع نهيه عن الصلاة في غير الأوقات الخمسة.
فإن الأول عام في الأوقات خاص في صلاة القضاء، والثاني عام في
الصلاة خاص في الأوقات، ولم يذكره المصنف.
" غاية البادي: ص 231 - 232 "
234

أعلم أو أزكى أو أزهد أو أشهر، راجح (1).
والفقيه أرجح من غيره، والأفقه أرجح.
والعالم بالعربية أرجح، والأعلم بها أرجح من العالم.
وصاحب الواقعة أرجح (2).
والأكثر مجالسة للعلماء أرجح، والمعلوم عدالته بالاختبار
أرجح من المزكى، والمزكى بالأعلم أولى.
والأشد ضبطا أرجح، والجازم أرجح من الظان.
والمشهور بالرياسة أرجح من غيره (3).
والمتحمل وقت البلوغ أرجح.

(1) رجح الشيخ " ره ": بالضابط والأضبط والعالم والأعلم،
محتجا بأن الطائفة قدمت ما رواه محمد بن مسلم وبريد بن معاوية والفضيل
ابن يسار ونظائرهم، على من ليس له حالهم. " المعارج: ص 90 "
(2) ولذلك قدم الصحابة خبر عائشة في إيجاب الغسل بالتقاء الختانين
على خبر غيرها " إنما الماء من الماء ". " غاية البادي: ص 234 "
(3) سواء كانت شهرته بمنصبه أو بنسبه، لاحترازه عما يوجب نقص
منزلته المشهورة، يكون أكثر.
ولذلك!! كان علي " ع " يحلف الراوي، ويقبل رواية أبي بكر
بلا يمين.
وكذلك مشهور الاسم مقدم.
وكذلك إذا كان في رواة أحد الخبرين، من يلتبس اسمه باسم بعض
الضعفاء، بخلاف الآخر يكون مرجوحا. " غاية البادي: 233 "
235

وذكر السبب أولى.
وراوي اللفظ أرجح من راوي المعنى، والمعتضد بحديث
غيره أرجح.
والمدني أرجح من المكي، لقلة المكي بعد المدني.
والوارد بعد ظهور النبي " عليه السلام " أرجح (1).
وذو السبب أولى.
والفصيح أولى من الركيك، ولا يترجح الأفصح على
الفصيح (2).
والخاص متقدم.
والدال بالوضع الشرعي أو العرفي أولى من اللغوي.
والحقيقة أولى من المجاز، والدال بوجهين أولى من الدال
بوجه واحد (3).

(1) الخبر الذي يرد بعد استظهار النبي وقوة شوكته، مقدم على غيرها،
لان احتمال وقوع مقابله قبل قوة الشوكة أكثر من احتمال وقوعه بعد
وقوع الشوكة، فكان تأخيره أغلب. " غاية البادي: ص 235 "
(2) راوي اللفظ الفصيح يقدم على راوي اللفظ الركيك، لان
من الناس من رد الركيك، لكونه - صلى الله عليه وآله - أفصح العرب،
فالأكثر أن يكون مرجوحا.
ولا يقدم الأفصح على الفصيح، لأنه كما يوجد في كلامه الأفصح،
كذلك يوجد في كلامه الفصيح. " غاية البادي: ص 232 "
(3) أو يكونان مجازين، لكن مصحح التجوز - أعني العلاقة -
في أحدهما أشهر وأقوى وأظهر منه في الآخر، فيجب ترجيح الأقوى
والأشهر والأظهر. " معالم الدين: ص 245 بتصرف "
236

والمعلل أولى، والمؤكد أولى، وما فيه تهديد أولى.
والناقل عن حكم الأصل راجح على المقرر، وقيل:
بالعكس (1).
والمشتمل على الحظر راجح عند الكرخي على المشتمل على
الإباحة، ومستويان عند أبي هاشم (2).

(1) إذا كان أحد الخبرين مخالفا لحكم الأصل والآخر موافقا، كان
المخالف راجحا، وهو قول جمهور الأصوليين، لان الشارع إنما يحتاج
إليه، ليعرفنا ما لم تستقل عقولنا بإدراكه، لا ما كان لعقولنا دلالة عليه.
وقيل: بل كان الموافق راجحا لكونه معتضدا بالأصل.
" غاية البادي: ص 234 "
(2) إذا كان حكم أحد الخبرين الحظر، وحكم الآخر الإباحة، فعند
الكرخي وأحمد بن حنبل والرازي من أصحاب أبي حنيفة يقدم دليل
الحظر، وعند أبي هاشم وعيسى ابن أبان تساويا وتساقطا.
لنا: إن الاخذ بدليل الإباحة، لا يؤمن معه الوقوع في المآثم،
فيكون مرجوحا. ولذلك!! إذا تولد حيوان، بين ما يؤكل لحمه
وما لا يؤكل، قدم التحريم.
وكذا إذا طلق إنسان بعض نسائه بعينها ثم نسيها، حرم عليه
وطئ الجميع.
وإليه الإشارة بقوله " ص ": " ما اجتمع الحلال والحرام إلا
غلب الحرام الحلال ".
وقال " ع ": " دع ما يريبك إلى ما لا يربيك ".
" غاية البادي: ص 234 - 235 "
237

والمثبت للطلاق والعتاق، مقدم على النافي عند الكرخي
لموافقته الأصل ومستويان عند آخرين (4).
والنافي للحد راجح على المثبت (5).
والذي عمل به بعض العلماء، أرجح من الذي تركه، إذا
كان بحيث لا يخفى عليه.

(4) وقيل: هما متساويان متساقطان، لان المثبت وإن كان موافقا
لذلك الأصل، لكن النافي أيضا موافق الدليل، المقتضي لصحة النكاح،
وإثبات ملك اليمين، وهذا حسن. " غاية البادي: ص 235 "
(5) لنا: أن النافي إن لم يفد الجزم، فلا أقل من إفادة الشبهة،
ومع حصول الشبهة يسقط الحد، لقوله " ص ": " إدرؤا الحدود
بالشبهات ". " غاية البادي: ص 236 "
238

الفصل الثاني عشر
في: الاجتهاد وتوابعه
وفيه: مباحث
239

الأول
" في: الاجتهاد "
الاجتهاد: هو استفراغ الوسع في النظر، فيما هو من
المسائل الظنية الشرعية، على وجه لا زيادة فيه:
ولا يصح في حق النبي " عليه السلام " - وبه قال الجبائيان -
لقوله تعالى: " وما ينطق عن الهوى " [53 / 4].
ولأن الاجتهاد أنما يفيد الظن، وهو " عليه السلام " قادر
على تلقيه من الوحي.
وأنه كان يتوقف في كثير من الاحكام حتى يرد الوحي (1)
ولو ساغ له الاجتهاد لصار إليه، لأنه أكثر ثوابا.
ولأنه لو جاز له، لجاز لجبريل (2) " عليه السلام " (3)،

(1) كما في مسألة الظهار واللعان. " غاية البادي: ص 238 "
(2) جبريل أو جبرائيل: اسم ملك من ملائكة الله المقربين، وهو
روح القدس الذي يرسله الله إلى رسله لتبليغ رسالاتهم.
وقيل: جبر في اللغة السريانية هو العبد، وإيل هو الله، فمعنى
جبريل عبد الله. " جمعا بين قاموس الألفاظ والاعلام القرآنية: ص 61،
ومجمع البيان: 1 / 166 باختصار "
(3) بجامع كونهما مبلغين، لكنه لم يجز، إذ لو جاز لم يحصل لنا
العلم، بأن هذا الشرع من عند الله، لجواز أن يكون من إجتهاده.
" غاية البادي: ص 238 "
240

وذلك يسد باب الجزم، بأن الشرع الذي جاء به محمد
" عليه السلام " من الله تعالى.
ولأن الاجتهاد قد يخطي وقد يصيب، فلا يجوز تعبده
" عليه السلام " به، لأنه يرفع الثقة بقوله.
وكذلك لا يجوز لاحد من الأئمة " عليهم السلام " الاجتهاد
عندنا، لأنهم معصومون، وإنما أخذوا الاحكام بتعليم الرسول
" عليه السلام "، أو بإلهام من الله تعالى.
وأما العلماء فيجوز لهم الاجتهاد، باستنباط الاحكام من
العمومات، في القرآن والسنة، وترجيح الأدلة المتعارضة.
أما بأخذ الحكم من القياس والاستحسان فلا.
البحث الثاني
" في: شرايط المجتهد "
وينظمها شئ واحد، وهو أن يكون المكلف، بحيث
يمكنه الاستدلال بالدلائل الشرعية على الاحكام.
وهذه المكنة أنما تحصل بأن يكون: عارفا بمقتضى اللفظ
ومعناه، وبحكمة الله تعالى وعصمة الرسول " عليه السلام "،
ليحصل له الوثوق بإرادة ما يقتضيه ظاهر اللفظ إن تجرد،
وغير ظاهره مع القرينة.
241

وعالما: بتجرد اللفظ أو عدم تجرده، ليأمن التخصيص
والنسخ.. وبشرايط التواتر والآحاد.. وبجهات الترجيح عند
تعارض الأدلة.
وهذه!! أنما يحصل بمعرفة الكتاب - لا بجميعه، بل بما يتعلق
بالأحكام منه، وهو خمسمائة آية (1) - ومعرفة الأحاديث
المتعلقة بالأحكام، لا بمعنى أن يكون حافظا لذلك، بل يكون
عالما بمواقع الآيات، حتى يطلب منها الآية المحتاج إليها، وعنده
أصل محقق، يشتمل على الأحاديث المتعلقة بالأحكام (2).
وأن يكون عالما بالاجماع، لئلا يفتي بما يخالفه.
وأن يكون عارفا بالبراءة الأصلية (3).

(1) يراجع!! المدخل إلى علم أصول الفقه: 1 / 20.
(2) أي: أن يكون عارفا بأحوال الرجال، النقلة لأحاديث الاحكام
حافظا للأحكام لا جميعها، لأنه متعذر أو متعسر، لكونها لا تكاد تتناهى،
بل بأكثرها.
ولذلك!! سئل مالك عن أربعين مسألة؟ فقال: ستة وثلاثين
منها: لا أدري، مع كونه من كبار المجتهدين.
" غاية البادي: ص 241 - 242 "
(3) وتقسم إلى قسمين هما:
أولا: البراءة الشرعية: وهي " الوظيفة الشرعية النافية للحكم الشرعي
عند الشك فيه واليأس من تحصيله ". وهي حجة لقوله تعالى: " لا
يكلف الله نفسا إلا ما آتاها "، بمعنى أن الله تعالى لا يكلف الناس
إلا بالأحكام الواصلة إليهم، فيكون مفاد هذه الآية الكريمة، هو نفي
التكليف بالحكم غير الواصل إلى المكلف، وهو معنى البراءة الشرعية
ولقوله " ص ": " رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما
أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه،
والحسد، والطيرة، والتفكير في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة "...
ثانيا: البراءة العقلية: " الوظيفة المؤمنة من قيل العقل عند عجز
المكلف عن بلوغ حكم الشارع أو وظيفته ". وهي حجة للقاعدة العقلية
" قبح العقاب بلا بيان واصل من الشارع ". بمعنى " أن العقل يدرك قبح
عقاب الشارع لعبيده إذا لم يؤذنهم بتكاليفه وخالفوها، أو آذنهم بها ولم
تصل إليهم مع فحصهم عنها واختفائها عنهم، مهما كانت أسباب الاختفاء
ويأسهم عن بلوغها ". " وهذه القاعدة مما تطابق عليها العقلاء، على
اختلاف مللهم ومذاهبهم، وتباين أذواقهم ومستوياتهم، وتشعب أزمانهم
وبيئاتهم ". " جمعا بين الأصول العامة: 484، 513 ومبادئ أصول
الفقه: ص 120 - 123 بتصرف واختصار "
242

ولا بد أن يكون عالما بشرايط الحد والبرهان والنحو واللغة
والتصريف، ويعلم الناسخ والمنسوخ وأحوال الرجال.
إذا عرفت هذا!! فالحق أنه يجوز أن يحصل الاجتهاد
لشخص، في علم دون آخر، بل في مسألة دون أخرى (1).
وإنما يقع الاجتهاد في الأحكام الشرعية، إذا خلت عن

(1) خلافا لبعضهم، كأن يكون واحد مجتهدا في العبادات دون
العقود، أو في الفرائض دون باقي الأبواب، أو في فقه المناسك دون
غيره. " غاية البادي: ص 242 "
243

دليل قطعي.
البحث الثالث
" في: تصويب المجتهد "
الحق!! أن المصيب واحد، وأن لله تعالى في كل واقعة
حكما معينا، وأن عليه دليلا ظاهرا لا قطعيا.
والمخطئ بعد الاجتهاد غير مأثوم، لان كل واحد من
المجتهدين، إذا اعتقد رجحان أمارته، كان أحد هذين الاعتقادين
خطأ (1).

(1) اختلف في تصويب المجتهدين، بناء على الخلاف في أن لكل
صورة حكما معينا، وعليه دليل قطعي أو ظني.
والمختار ما صح عن الشافعي " ره ": أن في الحادثة حكما معينا
عليه أمارة، من وجدها أصاب ومن فقدها أخطأ ولم يأثم، لان الاجتهاد
مسبوق بالدلالة لأنه طلبها، والدلالة متأخرة عن الحكم، فلو تحقق
الاجتهادان لاجتمع النقيضان، ولأنه قال " ص ": " من أصاب فله
أجران ومن أخطأ فله أجر ".
قيل: لو تعين الحكم، فالمخالف له لم يحكم بما أنزل الله، فيفسق
ويكفر لقوله تعالى " ومن لم يحكم... "، قلنا لما أمر بالحكم بما ظنه
- وإن أخطأ - حكم بما أنزل الله.
قيل: لو لم يصوب الجميع، لما جاز نصب المخالف، وقد نصب
أبو بكر زيدا رضي الله عنهما، قلنا: لم يجز تولية المبطل، والمخطئ
ليس بمبطل. " منهاج الوصول: ص 73 "
244

لان إحدى الامارتين، إما أن تكون راجحة أولا، وأيا
ما كان يلزم الخطأ فيكون منهيا عنه.
وأيضا: القول بغير طريق باطل بالاجماع، فذلك الطريق
إن خلا عن المعارض تعين العمل به إجماعا، وإن كان له
معارض، فإن كان أحدهما راجحا تعين العمل بالراجح إجماعا
وإلا كان الحكم إما التخيير (1) أو التساقط.
وعلى التقديرين!! فالحكم معين، وكان تاركه مخطيا.

(1) ومعناه: أن للمكلف أن يتخير إحدى الامارتين المتعارضتين،
ويعمل على وفقها، وذلك عند توفر كل منهما على جميع شروط الحجية
بشكل متكافئ، وعند عدم تمكنه من الجمع بينهما أو ترجيح أحدهما على
الأخرى، وفقا لأصول الترجيح التي مرت الإشارة إليها، في البحث
الرابع من الفصل الحادي عشر.
علما!! بأن المراد بالامارة هنا: هي نصوص السنة غير المقطوعة
الصدور، التي اعتبر الشارع مؤداها هو الواقع.
نعم، في هذه الحالة، فإن وظيفة المكلف، التي جعلها الشارع له
رفعا للحيرة، هي التخيير. " مبادئ أصول الفقه: ص 126 - 127
جمعا بين المتن والهامش وبتصرف "
245

البحث الرابع
" في: تفسير الاجتهاد "
المجتهد: إذا أداه إجتهاده إلى حكم، ثم تغير إجتهاده،
وجب الرجوع إلى الاجتهاد الثاني.
ويجب على المستفتي العمل بما أداه إجتهاده ثانيا.
وإذا أفتى غيره عن اجتهاد، ثم سئل ثانيا عن تلك الحادثة
فله الفتوى بالأول، إن كان ذاكرا للاجتهاد الأول.
وإن كان ناسيا، لزم الاجتهاد ثانيا على إشكال، منشأه
غلبة الظن، بأن الطريق الذي أفتى به، صالح لذلك الحكم.
البحث الخامس
" في: جواز التقليد "
المسألة: إما أن تكون من باب الأصول أو من باب الفروع
فالأول: لا يجوز التقليد فيه إجماعا، إذ يلزم من تقليد
من اتفق، اعتقاد النقيضين، أو الترجيح من غير مرجح، فلابد
246

من تقليد المصيب، وهو يستلزم النظر، فيدور (1).
ولأن النبي " صلى الله عليه وآله " كان مأمورا بالعلم فيه
لقوله تعالى: " فاعلم أنه لا إله إلا الله " [47 / 20]، فيكون
واجبا علينا، لقوله تعالى: " فاتبعوه " [6 / 156].
والثاني: يجوز التقليد فيه، خلافا لمعتزلة بغداد.
وقال الجبائي: يجوز في الاجتهادية.
لنا: عدم إنكار العلماء في جميع الأوقات على الاستفتاء.
ولأن ذلك حرج ومشقة، إذ تكليف العوام للاجتهاد في المسائل
يقتضي إخلال نظام العالم، واشتغال كل واحد منهم بالنظر في
المسائل عن أمور معاشه.
ولقوله تعالى: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة "
[9 / 123] أوجب النفور على بعض الفرقة، ولو كان الاجتهاد
واجبا على الأعيان، لأوجب على كل فرقة النفور.
البحث السادس
في: شرائط الاستفتاء
الاتفاق: على أنه لا يجوز أن يستفتي، إلا من غلب على

(1) وجه الدور: معرفة كون المجتهد مصيبا في رأيه، تتوقف على
علمه بالأصول، والمفروض: أن علمه بالأصول، متوقف على تقليد
المجتهد.
247

ظنه، أنه من أهل الاجتهاد والورع، بأن يراه منتصبا للفتوى
بمشهد من الخلق.
وعلى أنه!! لا يجوز أن يسأل من يظنه غير عالم ولا متدين.
ويجب عليه: الاجتهاد في معرفة الأعلم والأورع، فإن
استويا، تخير في استفتاء من شاء منهما، وإن ترجح أحدهما من
كل وجه، تعين العمل بالراجح، وإن ترجح كل منهما على
صاحبه بصفة (1)، فالأقوى الاخذ بقول أعلم (2).
البحث السابع
" في: افتاء غير المجتهد "
إذا أفتى غير المجتهد، بما يحكيه عن المجتهد، فإن كان يحكي
عن ميت، لم يجز الاخذ بقوله، إذ لا قول للميت، فإن
الاجماع (3)، لا ينعقد مع خلافه حيا، وينعقد بعد موته.

(1) كما إذا ترجح أحدهما بالورع، والآخر بالعلم.
(2) هكذا في المصورة، وإن كان السياق أفضله - كما يبدو -،
الاخذ بقول الأعلم.
(3) دليل على أنه لا قول للميت.
توضيح ذلك: يشترط في انعقاد الاجماع، أن لا يكون أحد
مخالفا له، وهذا يدل على اعتبار قوله، حيث يمنع من انعقاد الاجماع
على خلافه.
هذا!! بالنسبة للحي، وأما الميت فلا يضر قوله بالاجماع، لو كان
قوله مخالفا للاجماع، وهذا يدل على عدم اعتبار قوله، إذ لو لم يكن
كذلك، لكان خلافه مضرا بالاجماع.
248

وإن كان يحكي عن حي مجتهد: فإن سمعه مشافهة، فالأقرب
جواز العمل به، وإن وجده مكتوبا - وكان موثوقا به -
فالأقرب جواز العمل به أيضا، وإلا فلا.
البحث الثامن
" في: من لم يبلغ الاجتهاد "
العالم لم يبلغ رتبة الاجتهاد، إذا وقعت له واقعة،
فالأقرب جواز الاستفتاء
والمجتهد الذي لم يغلب على ظنه حكم!! فقال محمد بن
الحسن (1): يجوز للعالم تقليد الأعلم.
وقيل يجوز فيما يخصه، إذا كان بحيث لو اشتغل بالاجتهاد
فاته الوقت، وهو جيد، لأنه مأمور بالاجتهاد، ولم يأت،

(1) محمد بن الحسن بن علي الطوسي، مفسر، نعته السبكي بفقيه
الشيعة ومصنفهم انتقل من خراسان إلى بغداد سنة 408 ه‍، وأقام أربعين
سنة، ورحل إلى الغري " بالنجف " فاستقر إلى أن توفي عام 460 ه‍.
من تصانيفه العدة في الأصول. " الاعلام: 6 / 315 بتصرف واختصار "
249

فكان مأثوما، وإنما سوغنا له التقليد مع ضيق الوقت للضرورة.
البحث التاسع
" في: الاستصحاب " (1)
الأقرب!! أنه حجة (2).

(1) الاستصحاب: هو حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك
من حيث الجري العملي ". كما إذا كان المكلف على وضوء وكان متيقنا
من ذلك، ثم شك في انتقاض وضوئه هذا بنوم أو غيره.
فإنه هنا يبني على وضوئه السابق، ويرتب عليه آثاره الشرعية،
من جواز الصلاة به وغيره، ويلغي الشك الطارئ عليه، بمعنى أنه
لا يرتب عليه أي أثر. " مبادئ أصول الفقه: ص 116 باختصار "
(2) استدل على حجية الاستصحاب بعدة أدلة أهمها ما يلي:
أولا: سيرة العقلاء، والملخص هو " أن الاستصحاب من الظواهر
الاجتماعية العامة، التي ولدت مع المجتمعات ودرجت معها، وستبقى
- ما دامت المجتمعات - ضمانة لحفظ نظامها واستقامتها. ولو قدر للمجتمعات
أن ترفع يدها عن الاستصحاب، لما استقام نظامها بحال.
فالشخص الذي يسافر - مثلا - ويترك بلده وأهله وكل ما يتصل به،
لو ترك للشكوك سبيلها إليه - وما أكثرها لدى المسافرين - ولم يدفعها
بالاستصحاب، لما أمكن له أن يسافر عن بلده، بل أن يترك عتبات بيته
أصلا، ولشلت حركتهم الاجتماعية وفسد نظام حياتهم فيها ".
ثانيا: السنة، وقد استدل على حجية الاستصحاب بأحاديث منها،
موثقة عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال " إذا شككت فابن على
اليقين. قلت: هذا أصل؟ قال عليه السلام: نعم ".
" الأصول العامة للفقه المقارن: ص 454، 464 بتصرف "
250

لان الباقي حال بقائه مستغن عن المؤثر (1)، وإلا لزم
تحصيل الحاصل، فيكون الوجود أولى به، وإلا افتقر (2).
ولاجماع الفقهاء على أنه متى حصل حكم، ثم وقع الشك في أنه
هل طرأ ما يزيله أم لا؟ وجب الحكم بالبقاء على ما كان أولا
ولولا القول بالاستصحاب، لكان ترجيحا لاحد طرفي الممكن
من غير مرجح.
إذ عرفت هذا!! فنقول اختلف الناس في أن النافي هل عليه
دليل أم لا؟.

(1) يعني: أن حدوث الشئ يحتاج إلى المؤثر، بخلاف البقاء،
فإنه لا احتياج له إليه، بداهة أنه لو كان كذلك، للزم تحصيل الحاصل،
وهو باطل.
مثلا: أن حدوث الطهارة يحتاج إلى المؤثر - وهو الوضوء أو
الغسل - ولكن بقاءها ليس كذلك، للمانع الذي ذكر آنفا.
فحينئذ!! إذا شككنا بعد حدوث الطهارة في بقائها، نحكم بالبقاء،
بمقتضى القاعدة المذكورة، وليس هذا في جريانه، إلا الاستصحاب
في معناه.
(2) أي: وإن لم نقل بأولوية الوجود، للزم القول بالافتقار إلى
المؤثر، على أن القول كما تقدم، يلزم منه تحصيل الحاصل.
251

فقال قوم: لا دليل عليه.
فإن أرادوا به: ان العلم بذلك العدم الأصلي، يوجب
ظن بقائه في المستقبل، فهو حق.
وإن أرادوا غيره: فهو باطل، لان العلم أو الظن بالنفي
لابد له من دليل (1).
خاتمة
وليكن هذا آخر ما نذكره في هذه المقدمة، والحمد لله
على بلوغ ما قصدناه، وحصول ما أردناه.
والصلاة والسلام!! على أشرف الأنبياء وعترته الأتقياء
محمد المصطفى.

(1) للتوسع!! يراجع: المعارج: ص 148 - 151.
252