الكتاب: درر الفوائد
المؤلف: الشيخ عبد الكريم الحائري
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٥٥
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق: المعلق : الشيخ الأراكي والتحقيق : الشيخ محمد مؤمن القمي
الطبعة: الخامسة
سنة الطبع:
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

درر الفوائد
مع تعليقات
للمؤلف المؤسس " قدس سره "
وتعليقات نافعة
لحضرة الشيخ محمد علي الاراكي " مد ظله "
مع رسالة له " حفظه الله "
في الاجتهاد والتقليد
الجزء الثاني
321

بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم ان من وضع عليه قلم التكليف إذا التفت إلى الحكم الشرعي فاما ان يكون قاطعا به أو لا وعلى الثاني اما ان يكون له طريق منصوب من قبل الشارع أو لا وعلى الثاني اما ان يكون له حالة ملحوظة أو لا وعلى الثاني اما ان يكون الشك في حقيقة التكليف واما يكون الشك في متعلقة وعلى الثاني اما يتمكن من الاحتياط واما لا يتمكن منه والقاطع ومن له طريق معتبر إلى الواقع يتبع ما عنده من القطع أو الطريق والشاك ان لوحظت حالته السابقة فهو مورد الاستصحاب والا فان شك في حقيقة التكليف فهو مورد البراءة وإن شك في متعلقه وكان قادرا على الاحتياط فهو مورد الاشتغال وان لم يكن قادرا على الاحتياط فهو مورد التخيير (وهم ودفع) قد يتوهم عدم صحة ما ذكرنا من جهة ان المقسم في هذه المذكورات هو من وضع عليه قلم التكليف وهو أعم من المجتهد والمقلد مع ان أحكام بعض الأقسام مختصة بالمجتهد كالقواعد المقررة للشاك فان قلت لا يصح القول باختصاص الأحكام المقررة للشاك بالمجتهد للزوم عدم جواز رجوع المقلد إليه فيما استفاده منها فان الأحكام المختصة بالمجتهد لا يجوز للمقلد العمل بها كوجوب التصرف في مال الأيتام والغيب وفصل الخصومة وأمثال ذلك مما يختص بالمجتهد.
قلت لا ينافي اختصاص القواعد المقررة للشاك بالمجتهد رجوع المقلد إليه في
الأحكام المستفادة من تلك القواعد مثلا المخاطب بقول الشارع لا تنقض اليقين بالشك وان كان هو المجتهد ولكن الحكم الذي يبنى على بقائه هو الحكم الأولى
323

المشترك بينه وبين المقلد فالإفتاء به عبارة عن حكمه بوجوب العمل على طبق الحالة السابقة على كل أحد بخلاف الأحكام الواقعية المختصة بالمجتهد لعدم استنباط المجتهد فيها حكما آخر يشترك فيه المقلد بل هذه الأحكام واقعية تعلقت بفعل المجتهد خاصة هذا ويدفع أصل الإشكال بعدم اختصاص الأحكام الثانوية بالمجتهد بل حالها حال الأحكام الأولية في اشتراكهما من المقلد والمجتهد من دون تفاوت أصلا لعدم التقييد في أدلة الأحكام الظاهرية وعدم دليل من الخارج يدل على هذا الاختصاص الا توهم عدم قدرة المقلد على العمل بالخبر الواحد وعلى الفحص اللازم في العمل بالأصول ويدفعه ان العمل بالخبر الواحد ليس الا الإتيان بالفعل الخارجي الذي دل الخبر على وجوبه ومن الواضحات عدم خصوصية المجتهد فيه نعم الذي يختص بالمجتهد ولا يقدر عليه المقلد هو الاستظهار من الدليل والاستنباط منه ان الواجب كذا وهذا غير العمل بمدلوله والأخذ بالاحكام المتعلقة بالشك ليس مشروطا بعنوان الفحص عن الأدلة حتى يقال ان المقلد لا يقدر عليه بل الحكم متعلق بالشك الذي ليس في مورده دليل واقعا والفحص انما يكون لإحراز ذلك فيكون نظر المجتهد في تعيين مدلول الدليل وانه ليس له معارض وفي إحراز عدم وجود الدليل في مورد الشك متبعا للمقلد هذا إذا عرفت ما ذكرنا من أقسام المكلف وأحكام كل منها على سبيل الإجمال فلنشرع في تفصيل كل من المذكورات في ضمن مباحث
324

المبحث الأول في حجية القطع المتعلق بالتكليف وينبغي التكلم في ثلاثة مقامات
الأول ان القطع هل يحتاج في حجيته إلى جعل الشارع كما ان الظن كذلك أو لا الثاني انه هل يمكن عقلا النهي عن العمل به أو لا الثالث انه هل يقبل تعلق امر المولى به أو لا
اما الكلام في المقام الأول
فنقول الحق عدم احتياجه إلى الجعل فإنه لو قلنا باحتياجه إليه لزم التسلسل لأن الأمر بمتابعة هذا القطع لا يوجب التنجز بوجوده الواقعي بل لا بد فيه من العلم وهذا العلم أيضا كالسابق يحتاج في التنجز إلى الأمر وهكذا مضافا إلى انه لو فرضنا إمكان التسلسل لا يمكن تنجيز القطع لعدم الانتهاء إلى ما لا يكون محتاجا إلى الجعل وهذا واضح
واما المقام الثاني
فقد يقال في وجه عدم قابليته للمنع ان المنع عن العمل بالقطع يوجب التناقض فان من علم بكون هذا خمرا وكون الخمر محرمة يحصل له من ضم هذه الصغرى الوجدانية إلى تلك الكبرى المقطوع بها العلم بكون هذا حراما فيرى تكليف المولى ونهيه عن ارتكاب هذا المانع من دون شبهة ولا حجاب فلو قال لا تعمل بهذا العلم رجع قوله إلى الاذن في ارتكاب الخمر بنظر القاطع وهو
التناقض
325

وأورد على أصل الدعوى نقضا بورود النهي عن العمل بالظن القياسي حتى في حال الانسداد فإذا جاز النهي عن العمل بالظن عند الانسداد جاز النهي عن العمل بالعلم لأن الظن في تلك الحالة كالعلم وأجاب عن هذا الإشكال شيخنا الأستاذ دام بقاؤه بان القياس بالظن القياسي ليس في محله لأن العالم يرى الحكم الواقعي من غير سترة ولا حجاب فالمنع من اتباعه راجع إلى ترخيص فعل ما يقطع بحرمته أو منع فعل ما يقطع بوجوبه فكيف يمكن ان يذعن به مع الإذعان بضده ونقيضه من الحكم المقطوع به في مرتبة واحدة وهي مرتبة الحكم الواقعي لانكشاف الواقع بحاقه من دون سترة موجبة لمرتبة أخرى غير
تلك المرتبة ليكون الحكم فيها حكما ظاهريا لا ينافي ما في المرتبة الأخرى بخلاف الظن القياسي فان النهي عنه في صورة الانسداد إذا صح ببعض الوجوه الآتية لا يكون الا حكما ظاهريا لا ينافي الحكم الواقعي لو خالفه كما إذا اصابه ووافقه هذا ما أفاده دام بقاؤه من الجواب.
أقول وهذا لا يستقيم على ما ذهب إليه من منافاة الحكمين الفعليين الذين تعلقا بموضوع واحد خارجي سواء كانا واقعيين أم ظاهريين أم مختلفين وحصر دفع التنافي بين الحكم الواقعي والظاهري بجعل الواقعي
326

إنشائيا والظاهري فعليا وتوضيح الإشكال على هذا المبنى انه لا ينبغي الفرق بين القطع وبين الظن بل العمدة ملاحظة المقطوع والمظنون فان تعلق كل منها بالحكم الفعلي فلا يعقل المنع اما في حال القطع فواضح واما في حال الظن فلان المنع عن العمل بالظن يوجب القطع بعدم فعلية الحكم الواقعي لو كان على خلاف الحكم الظاهري وهذا ينافي الظن بالحكم الواقعي الفعلي كما هو المفروض وهذا واضح واما ان تعلق كل منهما بالحكم الإنشائي فلا مانع من الحكم على الخلاف ولا يتفاوت أيضا بين العلم والظن هذا واما على ما قلنا في دفع المنافاة بين الحكم الواقعي
والظاهري من اختلاف رتبتيهما فيرد إشكال آخر على أصل الدعوى بأنه كما يتأخر رتبة الشك والظن بالحكم عن نفس الحكم كذلك رتبة العلم به لأنه أيضا من العناوين المتأخرة عن الحكم فكما انه لا ينافي جعل حكم مخالف للواقع في موضوع الشك والظن لاختلاف رتبتيهما كذلك لا ينافي جعل حكم مخالف للواقع في مورد القطع لعين ما ذكر ويمكن ان يجاب على هذا المبنى بان العلم بالتكليف موجب لتحقق عنوان الإطاعة والمخالفة والأول علة تامة للحسن كما ان الثاني علة تامة للقبح وهما كعنواني الإحسان والظلم فكما انه لا يجوز المنع عن الإحسان والأمر بالظلم عقلا كذلك لا يجوز
المنع عن الإطاعة والأمر بالمعصية والمخالفة ولا فرق عند العقل في تحقق هذين العنوانين بين أسباب القطع بخلاف الظن بالتكليف
327

فإنه بعد لم يصل إلى حد يصلح لأن يبعث المكلف إلى الفعل لوجود الحجاب بينه وبين الواقع فلم يتحقق عنوان المخالفة والإطاعة نعم لو حكم العقل بوجوب الإتيان بالمظنون من جهة الاحتياط وإدراك الواقع كما في حال الانسداد فعدم الإتيان به على تقدير إصابة الظن للواقع في حكم المعصية لكن لا إشكال في ان هذا الحكم من العقل ليس الا على وجه التعليق بمعنى كونه
328

معلقا على عدم منع الشارع عن العمل بذلك الظن لا على وجه التنجيز كالإتيان بالمعلوم ومن ثم لو حكم الشارع بترك العمل بالظن في حال الانسداد لا ينافي حكم العقل ومحصل ما ذكرنا من الوجه ان المخالفة لكونها قبيحة بقول مطلق لا تقبل الترخيص والإطاعة لكونها حسنة كذلك لا تقبل المنع لا ان المنع عن العمل بالعلم مستلزم للتناقض حتى يرد عليه ما ذكرنا من الإشكال
اما المقام الثالث
أعني قابلية العمل بالعلم أعني الإطاعة لورود التكليف الشرعي المولوي عليه وعدمها فقد قيل في وجه عدم القابلية أمور (منها) لزوم التسلسل لو تعلق الأمر المولوي بالإطاعة لأن الأمر بالطاعة لو كان مولويا يحقق عنوان إطاعة أخرى فيتعلق الأمر به لكونها إطاعة وهذا الأمر أيضا يحقق عنوان الإطاعة فيتعلق الأمر به وهكذا (ومنها) اللغوية لأن الأمر المولوي ليس الا من جهة دعوة المكلف إلى الفعل وهي موجودة هنا فلا يحتاج إليه (ومنها) ان الإطاعة عبارة عن الإتيان بالفعل بداعي امره فلا يعقل ان يكون الأمر بها داعيا إليها والا لزم عدم تحقق موضوع الإطاعة ويستحيل ان يصير الأمر المتعلق بعنوان داعيا إلى إيجاد غير ذلك العنوان هذا وكلها مخدوشة اما الأول فلأنه لا يوجد من الأمر الا إنشاء امر واحد متعلق بطبيعة الإطاعة
والقضية الطبيعية تشمل الافراد المحققة بها فلا بأس بانحلال الأمر المتعلق بالطبيعة الواحدة إلى أوامر غير متناهية لانتهائها إلى إيجاد واحد مضافا إلى انقطاع هذه الأوامر بإتيان المكلف فعلا واحدا وهو ما امر به أولا أو انقضاء زمان ذلك الفعل واما الثاني فلأنه يكفي في الخروج من اللغوية تأكيد داعي المكلف لأنه من الممكن ان لا ينبعث بأمر واحد ولكنه لو تعدد وتضاعفت الآثار ينبعث
329

نحو الفعل.
واما الثالث فلان إتيان الفعل ابتداء بداعي الأمر بالإطاعة ليس إطاعة للأمر المتعلق به ولكن إتيانه بداعي الأمر المتعلق به بداعي الأمر بالإطاعة بحيث يكون الأمر بالإطاعة داعيا إلى إيجاد الداعي لا يضر بصدق الإطاعة ولا يكون الأمر المتعلق به مولويا كما لا يخفى والأولى ان يقال في وجه المنع ان الإرادة المولوية المتعلقة بعنوان من العناوين يعتبر فيها ان تكون صالحة لأن تؤثر في نفس المكلف مستقلا لأن حقيقتها البعث إلى إلى الفعل وبعبارة أخرى هي إيجاب الفعل اعتبارا وبالعناية والأمر المتعلق بالإطاعة مما لا يصلح لأن يؤثر في نفس المكلف مستقلا لأنه لا يخلو من أمرين اما ان يؤثر فيه امر المولى أولا فعلى الأول يكفيه الأمر المتعلق بالفعل وهو المؤثر لا غير لأنه أسبق رتبة من الأمر المتعلق بالإطاعة وعلى الثاني لا يؤثر الأمر المتعلق بالإطاعة فيه استقلالا لأنه من مصاديق امر المولى وقد قلنا ان من شأن امر المولى إمكان تأثيره في نفس العبد على وجه الاستقلال هذا كله في القطع المتعلق بالحكم الواقعي الذي يكون طريقا محضا إليه واما القطع المأخوذ في موضوع الحكم فلا إشكال في إمكان تقييده بحصوله من سبب خاص كما لا إشكال في إمكان اعتباره على وجه الإطلاق فيتبع دليل اعتباره ثم اعلم ان القطع المأخوذ في الموضوع يتصور على أقسام (أحدها) ان يكون تمام الموضوع للحكم (والثاني) ان يكون جزءا للموضوع بمعنى ان الموضوع المتعلق
للحكم هو الشيء مع كونه مقطوعا به وعلى أي حال اما ان يكون القطع المأخوذ في الموضوع ملحوظا على انه صفة خاصة واما ان يكون ملحوظا على انه طريق إلى متعلقة والمراد من كونه ملحوظا على انه صفة خاصة ملاحظته من
330

حيث انه كشف تام ومن كونه ملحوظا على انه طريق ملاحظته من حيث انه أحد مصاديق الطرق المعتبرة وبعبارة أخرى ملاحظة الجامع بين القطع وسائر الطرق المعتبرة فعلى هذا يصح ان يقال في الثمرة بينهما انه على الأول لا يقوم ساير الأمارات والأصول مقامه بواسطة الأدلة العامة لحجيتها اما غير الاستصحاب من الأصول فواضح واما الاستصحاب وساير الأمارات المعتبرة فلأنها بواسطة أدلة اعتبارها توجب إثبات الواقع تعبدا ولا يكفي مجرد الواقع في ما نحن فيه لأن للقطع بمعنى الكشف التام دخلا في الحكم اما لكونه تمام الملاك واما لكونه مما يتم به الموضوع وعلى الثاني فقيام الأمارات المعتبرة وكذا مثل الاستصحاب لكونه ناظرا إلى الواقع في الجملة مقامه مما لا مانع منه لأنه فيما يكون القطع على هذا المعنى تمام الموضوع ففي صورة قيام إحدى الأمارات أو الاستصحاب يتحقق مصداق ما هو الموضوع حقيقة وفيما يكون المعتبر هو الواقع المقطوع فالواقع يتحقق بدليل الحجية تعبدا والجزء الاخر وجدانا لأن المفروض عدم ملاحظة القطع في الموضوع من حيث كونه كاشفا تاما بل من حيث انه طريق معتبر وقد تحقق مصداقه قطعا فان قلت لو لم يكن العنوان الواقعي موضوعا للحكم كما هو المفروض فالأمارات القائمة عليه لا يشملها دليل الحجية حتى تصير مصداقا للطريق المعتبر لأن معنى حجيتها فرض مداليلها واقعة وترتيب آثار الواقع عليها والمفروض في المقام ان ما تعلق به الأمارة ليس له أثر واقعي بل الأثر مترتب
331

على العلم ان كان تمام الموضوع والواقع المعلوم ان كان قيده
قلت اما فيما كان العلم تمام الموضوع لو لم يكن لمتعلقه أثر أصلا فما ذكرته حق لا محيص عنه لكن نقول بقيام الأمارات فيما لو كان للمتعلق أثر آخر غير مرتب على العلم مثل ان يكون الخمر موضوعا للحرمة واقعا وما علم بخمريته موضوعا للنجاسة مثلا فحينئذ يمكن إحراز الخمر تعبدا بقيام البينة لكونها ذات أثر شرعي وبعد قيام البينة يترتب عليها ذلك الحكم الاخر الذي رتب على العلم من حيث انه طريق لتحقق موضوعه قطعا واما فيما كان العلم قيدا للموضوع فيكفي في إثبات الجزء الاخر كونه ذا أثر تعلقي بمعنى انه لو انضم الباقي يترتب عليه الأثر الشرعي وكم له من نظير فان إثبات بعض اجزاء الموضوع بالأصل أو بالأمارة والباقي بالوجدان غير عزيز ومما قررنا يظهر لك الجواب عن الإشكال الذي أورده شيخنا الأستاذ دام بقاؤه في هذا المقام على شيخنا المرتضى طاب ثراه بما حاصله ان قيام الأمارات وبعض الأصول مقام القطع المأخوذ في الموضوع جزء على وجه الطريقية بمجرد الأدلة العامة الدالة على حجيتها يوجب الجمع بين اللحاظين لحاظ الموضوعية ولحاظ الطريقية لأن الملحوظ في التنزيل ان كان نفس الظن والعلم بمعنى ان الجاعل لاحظ الظن ونزله منزلة العلم في الآثار فاللازم من هذا الجعل ترتيب آثار العلم على الظن ولا يلزمه منه ترتيب آثار الواقع على المظنون وان كان الملحوظ متعلقهما بمعنى ان الجاعل لاحظ العلم والظن مرآة للمتعلق فاللازم ترتيب آثار الواقع على متعلق الظن ولا يجوز على هذا ترتيب آثار العلم على الظن وعلى أي حال فلو تعلق الحكم بالخمر المعلومة مثلا فدليل حجية الأمارة أو الاستصحاب المنزل للشك بمنزلة العلم يتصدى تنزيل أحد الجزءين للموضوع لأن الجاعل لو أراد التنزيل في كليهما لزم ان يجمع بين لحاظ العلم
332

والظن في الأمارة أو العلم والشك في الاستصحاب طريقا وموضوعا وهو مستحيل وحاصل الجواب انه بعد ما فرضنا اعتبار العلم طريقا بالمعنى الذي سبق فأدلة حجية الأمارة أو الاستصحاب وان لم تتعرض الا لتنزيل المؤدى منزلة الواقع تكفي في قيام كل منهما مقام العلم لإحراز الموضوع المقيد بعضه بالتعبد وبعضه بالوجدان كما عرفت
ثم انه قد يتفصى عن الاشكال بوجه آخر. وهو أنه بعد ثبوت الخمر مثلا
333

بالامارة تعبدا فالعلم بانه حمر تعبدا يعامل معه معاملة العلم بالخمر الواقعي، ألا ترى أنه بعد اثبات
الخمرية لمايع بالأمارة او بالاستصحاب نحكم بان شربه شرب الخمر، فكما لا إشكال في اثبات شرب الخمر في المثال فلا بد ان لا يستشكل في ثبوت العلم بالخمرية فيما نحن فيه.
قلت: بين المثال وما نحن فيه فرق، وهو انا متى اثبتنا قيدا كالخمرية لمحل بأصل او أمارة فمقتضاه إثبات كل اثر كان لذلك القيد لذلك المحل، وعلى هذا فنقول: اثر الخمر الواقعي أن شربه حرام، فاذا ثبت الخمرية تعبدا لمايع كان أثره ان شربه حرام كشرب الخمر، وهذا المعنى لا يجيء فيما نحن فيه، فانه لا يمكن ان يقال: إن اثر الخمر الواقعي أن العلم به موجب للحرمة، بل الموضوع هو العلم بعنوان الخمرية، وحيث لا ملازمة بين خمرية الشيء واقعا وكون العلم به علما بالخمر فلا يكفى الامارة القائمة على الخمرية في اثبات العلم بها.
[في التجري]
ثم انك قد عرفت مما سبق عدم تجويز العقل الإقدام على مخالفة القطع المتعلق بالتكليف فلو أقدم على ذلك وصادف قطعه الواقع فلا شبهة في استحقاقه العقوبة واما لو لم يصادف فوقع النزاع والاختلاف بين العلماء قدس سرهم في حكمه
334

وتحقيق المبحث ان يقل ان النزاع يمكن ان يقع في استحقاق العقوبة وعدمه فيكون راجعا إلى النزاع في المسألة الكلامية ويمكن ان يقع النزاع في ان ارتكاب الشيء المقطوع حرمته هل هو قبيح أم لا فيكون المسألة من المسائل الأصولية التي يستدل بها على الحكم الشرعي ويمكن ان يكون النزاع في كون هذا الفعل أعني ارتكاب ما قطع بحرمته مثلا حراما شرعا أولا فتكون من المسائل الفقهية فان كان النزاع في الأخير فالحق عدم اتصاف الفعل المذكور أعني ما قطع بحرمته بالحرمة الشرعية توضيح ذلك ان شرب الماء المقطوع خمريته في الخارج ينتزع منه عناوين (منها) شرب الماء و (منها) شرب مقطوع الخمرية (ومنها) شرب مقطوع الحرمة (ومنها) شرب المائع (ومنها) التجري ولا إشكال في عدم كون الأخير منها اختياريا للفاعل فإنه لم يكن
محتملا لخطأ اعتقاده فلم يقدم على هذا العنوان عن التفات وهكذا الأول منها وباقي العناوين وان كان اختياريا للفاعل ضرورة ان مجرد كون الفرد الصادر عنه غير الفرد المقصود مع اشتراكهما في الجامع لا يخرج الجامع عن كونه اختياريا الا انه من المعلوم عدم النزاع في شيء من تلك العناوين غير عنوان مقطوع الحرمة وقد عرفت مما مضى عدم قابلية هذا العنوان للحكم المولوي فان هذا الحكم نظير الحكم بحرمة المعصية ووجوب الإطاعة هذا واما ما يظهر من كلام شيخنا الأستاذ دام ظله من ان الفعل المتجري به لا يكون اختياريا أصلا حتى بملاحظة العام الشامل للفرد المقصود وغيره فلعله من سهو القلم قال دام ظله في طي استدلاله على عدم كون التجري حراما شرعا ما لفظه مع ان الفعل المتجري به أو المنقاد به بما هو مقطوع الوجوب أو الحرمة لا يكون اختياريا كي يتوجه إليه خطاب تحريم أو إيجاب إذ القاطع لا يقصده
335

الا بما قطع انه عليه من العنوان الواقعي الاستقلالي لا بهذا العنوان الطاري الآلي بل لا يكون اختياريا أصلا إذا كان التجري أو الانقياد بمخالفة القطع بمصداق الواجب أو الحرام أو موافقته فمن شرب الماء باعتقاد الخمرية لم يصدر منه ما قصده وما صدر منه لم يقصده بل ولم يخطر بباله لا يقال ان ما صدر منه لا محالة يندرج تحت عام يكون تحته ما قصده فيسري إليه قصده مثل شرب المائع في المثال فإنه يقال كلا كيف يصير العام المتحقق في ضمن خاص مقصودا واختياريا بمجرد قصد خاص آخر قصده بخصوصيته نعم لو عمد إلى خاص تبعا للعام فصادف غيره من افراده لم يخرج عن اختياره بما هو متحد مع ذلك العام وان كان بخارج عنه بما هو ذلك الخاص انتهى موضع الحاجة من كلامه دام بقاؤه أقول لا شك في ان كل عنوان يكون ملتفتا إليه حال إيجاده وكان بحيث يقدر على تركه يصير اختياريا وان لم يكن موردا للغرض الأصلي مثلا لو شرب الخمر مع العلم بكونها خمرا لا لأنها خمر بل لأنها مائع بارد يصح ان يعاقب عليه لأنه شرب الخمر اختيارا وان لم يكن كونها خمرا داعيا ومحركا له على الشرب لأنه يكفي في كون شرب الخمر اختياريا صلاحية كون الخمرية رادعة له وكونه قادرا على تركه ونظير هذا محقق فيما نحن فيه بالنسبة إلى الجامع فان من شرب مائعا باعتقاد انه خمر يعلم بان هذا مصداق لشرب المائع ويقدر على تركه فكيف يحكم بعدم كون شرب المائع اختياريا له فان خص العنوان الموجود اختيارا بما كان محطا للإرادة الأصلية الفاعل فاللازم ان يحكم في المثال الذي ذكرنا بعدم كون شرب الخمر اختياريا لعدم تعلق الإرادة الأصلية بعنوان الخمر كما هو المفروض ولا أظن أحدا يلتزم به وان اكتفي في كون العنوان اختياريا بمجرد كونه معلوما وملتفتا إليه حين الإيجاد بحيث يصلح لأن يكون رادعا له فحكمه بعدم كون الجامع فيما نحن فيه أعني شرب المائع اختياريا لا وجه له وكيف كان فالحكم بعدم اختيارية العناوين المنطبقة على الفعل المتجري به بأسرها حتى الجامع لما هو واقع وما هو مقصود مما لا أرى له وجها
336

فالأولى ما قلنا في المقام ومحصله ان العناوين المتحققة مع الفعل المتجري به بين ما لا يكون اختياريا وبين ما لا شبهة في عدم تحريمه وبين ما لا يكون قابلا لورود النهي المولوي عليه هذا على تقدير جعل النزاع في الحرمة الشرعية واما لو كان مجرى النزاع كون الفعل المتجري به قبيحا أم لا فالذي يقوى في النظر عدم كونه قبيحا أصلا فانا إذا راجعنا وجداننا لم نر شرب الماء المقطوع خمريته الا على ما كان عليه واقعا قبل طرو عنوان القطع المذكور عليه والذي أوقع مدعى قبح الفعل في الشبهة كون الفعل المذكور في بعض الأحيان متحدا مع بعض العناوين القبيحة كهتك حرمة المولى والاستخفاف بأمره تعالى شأنه وأمثال ذلك مما لا لا شبهة
في قبحه وأنت خبير بان اتحاد الفعل المتجري به مع تلك العناوين ليس دائميا لأنا نفرض الكلام فيمن أقدم على مقطوع الحرمة لا مستخفا بأمر المولى ولا جاحدا لمولويته بل غلبت عليه شقوته كإقدام فساق المسلمين على المعصية ولا إشكال في ان نفس الفعل المتجري به مع عدم اتحاده مع تلك العناوين لا قبح فيه أصلا ومن هنا يظهر الكلام على تقدير جعل النزاع في استحقاق العقوبة وانه لا وجه لاستحقاق الفاعل من حيث انه فاعل لهذا الفعل الخارجي العقوبة بعدم عدم كونه محرما ولا قبيحا عقلا نعم قد يقال باتصاف بعض الأفعال الموجودة في النفس مما هو موجب لتحريك الفاعل نحو الفعل بالقبح وبسببه يستحق موجدة العقوبة بيان ذلك ان الفعل الاختياري لا بد له من مقدمات في النفس بعضها غير اختيارية من قبيل تصور الفعل وغايته والميل إليه وبعضها اختيارية من قبيل الإرادة فما كان من قبيل الأول لا يتصف بحسن ولا قبح ولا يستحق الشخص المتصف به مثوبة ولا عقوبة ضرورة ان ما ذكر منوط بالافعال الاختيارية وما كان منها من قبيل الثاني يتصف في محل الكلام بالقبح كما انه في الانقياد يتصف
337

بالحسن ويستحق الموجد له في النفس العقوبة فيما نحن فيه كما يستحق المثوبة في الانقياد والحاصل ان نفس العزم على المعصية قبيح وان لم يترتب عليه المعصية نعم لو انجر إلى المعصية يكون أشد قبحا فان قلت كيف يمكن ان تكون الإرادة اختيارية والمعتبر في اختيارية الشيء ان يكون مسبوقا بها فلو التزمنا في الإرادة كونها اختيارية لزم التسلسل قلت انما يلزم التسلسل لو قلنا بانحصار سبب الإرادة في الإرادة ولا نقول به بل ندعي انها قد توجد بالجهة الموجودة في المتعلق أعني المراد وقد توجد بالجهة الموجودة في نفسها فيكفي في تحققها أحد الأمرين وما كان من قبيل الأول لا يحتاج إلى إرادة
أخرى وما كان من قبيل الثاني حاله حال ساير الأفعال التي يقصدها الفاعل بملاحظة الجهة الموجودة فيها ولازم ما ذكرنا انه قد يقع التزاحم بين الجهة الموجودة في المتعلق والموجودة في الإرادة فحينئذ ترجيح إحدى الجهتين يستند إلى إرادة أخرى فلو فرضنا كون الفعل مشتملا على نفع ملائم لطبع الفاعل وكون إرادته مشتملة على ضرر يخالف طبعه فترجيح إرادة الفعل انما هو بعد ملاحظة مجموع الجهتين والإقدام على الضرر المرتب على تلك الإرادة ولا نعنى بالفعل الاختياري الا هذا والدليل على ان الإرادة قد تتحقق لمصلحة في نفسها هو الوجدان لأنا نرى إمكان ان يقصد الإنسان البقاء في المكان الخاص عشرة أيام بملاحظة ان صحة الصوم والصلاة التامة تتوقف على القصد المذكور مع العلم بعدم كون هذا الأثر مرتبا على نفس البقاء واقعا ونظير ذلك غير عزيز فليتدبر في المقام
338

فان قلت ان مجرد كون الفعل قبيحا بحكم العقل لا يوجب استحقاق العقوبة من المولى لأن العقوبة تابعة للتكليف المولوي ولذا قيل ان التكاليف الشرعية ألطاف في التكاليف العقلية ومعنى هذا الكلام ان الأوامر والنواهي الصادرة من الله تعالى توجب زيادة بعث للعباد نحو الفعل والترك لكونها موجبة للمثوبة والعقوبة ولو كان حكم العقل بالحسن والقبح كافيا فيها لما كانت التكاليف الإلهية ألطافا ولا يمكن ان يقال باستكشاف حكم الشرع هنا بقاعدة الملازمة لأنا نقول مضافا إلى منع تلك القاعدة بناء على عدم كفاية الجهات الموجودة في الفعل للتكليف إذ قد يكون الفعل حسنا عقلا ولا يأمر به الشارع أو يكون قبيحا ولا ينهى عنه لعدم المصلحة في النهي عنه ان الملازمة المذكورة انما تنفع فيما يكون قابلا للتكليف المولوي وليس المقام كذلك لأن حال النهي المتعلق بإرادة المعصية كحال النهي المتعلق بها قلت فرق بين العناوين القبيحة فان منها ما لا يكون لها ارتباط خاص
339

بالمولى من حيث انه مولى كالظلم على الغير مثلا (ومنها) ما له ربط خاص به كالظلم على نفس المولى والخيانة بالنسبة إليه ففي الأول لو لم يتعلق به النهي المولوي فلا وجه لعقاب المولى بل هو كأحد العقلاء يجوز له ملامة الفاعل من حيث انه عاقل واما الثاني فيصح عقوبته من حيث هو مولى له هذا محصل الكلام في المقام واما استدلالهم على حرمة الفعل المتجري به وكونه معصية بالإجماع فمدفوع بعدم كشفه عن قول المعصوم عليه السلام في المسائل العقلية مضافا إلى مخالفة غير واحد واما مسألة سلوك الطريق الظنون خطره فهو وان كان يظهر الاتفاق فيه منهم على كونه عصيانا الا انه يمكن القول بكون الظن عندهم تمام الموضوع للحرمة الواقعية فيخرج عن محل الكلام واما ما ذكر من الدليل العقلي المعروف فمحصل الجواب انا نختار ثبوت العقاب على من أصاب دون من أخطاء واما ما أورد على ذلك من لزوم ابتناء العقاب على امر غير اختياري ففيه ان مدخلية أمور غير اختيارية في صحة العقاب مما لا تضر عقلا إذ ما من فعل اختياري الا كان للأمور الغير الاختيارية دخل فيه كتصور الفاعل والميل إليه وانما يمنع العقل من العقاب على ما لا يرجع بالآخرة إلى الإرادة والاختيار
وينبغي التنبيه على أمور
[في العلم الإجمالي]
أحدها ان العلم الإجمالي هل له أثر بحكم العقل أو حاله حال الشك البدوي وعلى الأول فهل يوجب حرمة المخالفة القطعية فقط أو يوجب الموافقة القطعية أيضا وعلى أي حال هل يصح للشارع الترخيص في خلاف ما اقتضاه أولا وبعبارة أخرى هذا الأثر منه هل هو على نحو العلية التامة بحيث لا يقبل المنع أو على نحو الاقتضاء
340

وملخص الكلام في
المقام انه لا شبهة في ان المقدم على إتيان جميع أطراف الشبهة التحريمية حاله عند العقل حال من أقدم على المحرم المعلوم تفصيلا وأي
341

فرق بين من شرب الإناءين عالما بان أحدهما خمر وبين من شرب إناء واحدا عالما بأنه خمر وإنكار كون الأول معصية يرده وجدان كل عاقل واما الإقدام على ارتكاب أحد الإناءين مع عدم قصد الاخر أو مع عدمه فهو وان لم يكن في الوضوح مثل الأول لكن مقتضى التأمل عدم جوازه عند العقل أيضا لوجود الحجة على التكليف الواقعي المعلوم إذ لولاه لجازت المخالفة القطعية وبعد ثبوت الحجة اشتغلت ذمة المكلف بامتثاله فلا يجدى له الا القطع بالبراءة الذي لا يحصل الا بترك الأطراف ولكن حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية ليس كحكمه بحرمة المخالفة القطعية إذ الثاني حكم تنجيزي لا يقبل ان يرتفع لأن المخالفة القطعية حالها حال الظلم بل هو من أوضح مصاديقه والحاصل ان الاذن في العصيان مما لا يعقل ولو كان معقولا لم يكن وجه لمنعه في العلم التفصيلي كما مر فلو دل ظاهر دليل على ترخيص المخالفة القطعية يجب صرفه عن ظاهره بخلاف
342

الموافقة القطعية التي يتحقق بالاحتياط في جميع الأطراف فان اذن الشارع في ارتكاب محتمل الحرمة ليس إذنا في المعصية والحكم بلزوم الاحتياط انما هو من جهة احتمال الضرر وعدم الأمن من العقاب فإذا دل دليل على عدم وجوب الاحتياط يؤمن به من العقاب ومن هنا ظهر انه لو دل دليل بظاهره على جواز المخالفة القطعية فلا بد من طرحه لمنافاته حكم العقل بخلاف ما لو دل دليل على عدم وجوب الموافقة القطعية والترخيص في بعض الأطراف اما على سبيل التعيين أو على سبيل التخيير ويأتي في مبحث البراءة التعرض للأدلة اللفظية وانها هل يستفاد منها الترخيص في ترك الاحتياط أو لا
الأمر الثاني
هل يكتفي في مرحلة السقوط بالامتثال الإجمالي مع التمكن من
الامتثال التفصيلي علما أو بظن معتبر أو لا لا إشكال في سقوط التكليف لو كان من التوصليات واما لو كان من العبادات المعتبرة فيها قصد القربة فأقصى ما يمكن به الاستدلال على وجوب تحصيل العلم أو الظن المعتبر في مقام الامتثال وعدم الاكتفاء بالامتثال الإجمالي وجوه (أحدها) الإجماع المستفاد من كلمات بعض الأعاظم خصوصا فيما إذا اقتضى الاحتياط التكرار (والثاني) عدم عد العقلاء من تمكن من تحصيل العلم بالواجب شخصا واكتفى بإتيانه على نحو الإجمال مطيعا الا ترى ان العبد إذا علم إجمالا بإرادة المولى شيئا مرددا بين أشياء متعددة ويقدر على تشخيص ما اراده بالسؤال عنه فلم يسأل وجاء بعدة أمور أحدها مطلوب للمولى بعد عابثا لاغيا فكيف يوجب مثل هذا العمل القرب المعتبر في العبادات و (الثالث) ان يقال يحتمل ان يكون للأمر غرض لا يسقط الا بإتيان النعل مع قصد الوجه التفصيلي ومع هذا الاحتمال يجب الاحتياط اما تحقق هذا
343

الاحتمال في النفس فلعدم ما يدل على نفيه واما وجوب الاحتياط فلان هذا القيد المحتمل ليس مما يمكن دفعه بإطلاق الدليل ولا بالأصل وان قلنا به في مقام دوران الأمر بين المطلق والمقيد اما الأول فلكون القيد المذكور مما هو متأخر رتبة عن الحكم فلا يمكن دخله في الموضوع فالموضوع بالنسبة إلى القيد المذكور لا مطلق ولا مقيد والتمسك بأصالة الإطلاق انما يصح فيما يمكن ان معروضا للقيد واما الثاني فلان موضوع التكليف بناء على ذلك متعين معلوم بحدوده وانما الشك في مرحلة السقوط وليس حكمه الا الاشتغال وفي الكل نظر اما الإجماع فلعدم حجية المنقول منه مضافا إلى عدم الفائدة في اتفاقهم أيضا في مثل المقام مما يكون المدرك حكم العقل يقينا أو احتمالا إذ مع احتمال ذلك لا يستكشف
رأى المعصوم عليه السلام واما الدليل الثاني فلان عدم عد العبد الآتي بعدة أمور ممتثلا في بعض الأحيان انما هو فيما يكون مقصوده الاستهزاء وليس هذا محل الكلام فيفرض فيما كان عدم تحصيل العلم التفصيلي منه من جهة غرض عقلائي والحاصل ان الكلام في ان الإطاعة الإجمالية يمكن ان تكون عبادة ومقربة لا ان الإطاعة الإجمالية مقربة مطلقا ولو كان قاصدا للاستهزاء واما الدليل الثالث فقد أشبعنا الكلام فيه في بحث وجوب المقدمة وذكرنا هناك عدم الفرق بين مثل هذه القيود المتأخرة رتبة عن الحكم وساير القيود فلا نطيل المقام بإعادته ومن يريد فليراجع
في المخالفة الالتزامية
الأمر الثالث هل المخالفة الالتزامية كالمخالفة العملية عند العقل أو لا ينبغي ان نفرض موردا لا يكون فيه المخالفة العملية أصلا ولو على نحو التدريج ونتكلم في جواز المخالفة الالتزامية فيه نفيا وإثباتا وهذا لا يفرض في
344

الشبهة الحكمية لعدم وجود فعل يكون واجبا في الشرع في ساعة معينة أو حراما كذلك ثم يرتفع حكمه بعد تلك الساعة فينحصر المورد في الشبهة الموضوعية كالمرأة المرددة بين المنذور وطيها في ساعة كذا أو ترك وطيها كذلك ومجمل القول فيه ان المخالفة الالتزامية في المثال المفروض تتصور على قسمين أحدهما عدم الالتزام بشيء من الوجوب والحرمة فيه والثاني الالتزام بحكم آخر غير ما علم به واقعا فنقول ان أراد القائل بوجوب الالتزام بالحكم وعدم جواز المخالفة وجوب
بالحكم الواقعي على ما هو عليه سواء كان واجبا أو حراما فهو مما لا ينبغي إنكاره لأن لازم التدين بالشرع والانقياد به هو ان يتسلم ما علم انه حكم الشارع وان أراد لزوم التدين بشخص الحكم المجعول في الواقع فهو مما لا يقدر عليه لكونه مجهولا نعم يقدر ان يبنى على وجوب هذا الفعل سواء كان واجبا في الواقع أم حراما وكذلك الكلام في الحرمة وان أراد لزوم التدين بأحد الحكمين على سبيل التخيير في الخبرين المتعارضين فهو امر يقدر عليه لكن لزومه يحتاج إلى دليل إذ لولاه لكان البناء تشريعا محرما وليس في المقام دليل سوى ما يتوهم من الأدلة الدالة على وجوب الأخذ بأحد الخبرين المتعارضين عند عدم ترجيح أحدهما على الاخر من ان العلة في إيجاب الأخذ بأحد الخبرين كون الحكم في الواقعة مرددا بين أمرين وهو فاسد لعدم القطع بالملاك واحتمال اختصاص الحكم بخصوص مورد تعارض الخبرين مضافا إلى انه لو تم ذلك لوجب في دوران الأمر بين الإباحة والتحريم الأخذ بأحد الحكمين كما لا يخفى والحاصل انه لا دليل على وجوب الالتزام بشخص حكم في الواقعة المشكوك فيها ولا يجوز الالتزام به لكونه تشريعا ومن هنا يظهر عدم المانع عقلا للالتزام بحكم آخر غير الوجوب والتحريم
345

في مورد الشك كالإباحة إذا اقتضى أدلة الأصول ذلك لأن المانع المتصور هنا اما لزوم الالتزام بشخص الوجوب أو الحرمة وهذا ينافي الالتزام بالإباحة واما لزوم الالتزام بالواقع المردد على ما هو عليه اما الأول فمفقود لما عرفت واما الثاني فليس بمانع لعدم المنافاة بين الالتزامين كما انه لا منافاة بين نفس الحكمين لما حقق من عدم المنافاة بين الأحكام الواقعية والأحكام المجعولة في موضوع الشك ومع عدم المنافاة بين نفس الحكمين لا يعقل ان يكون الالتزام بأحدهما منافيا للالتزام بالاخر هذا في الواقعة الواحدة التي لم تكن لها مخالفة عملية أصلا
واما الوقائع المتعددة كما لو دار الأمر بين وجوب صلاة الجمعة دائما أو حرمتها كذلك فالكلام في عدم وجوب الالتزام بشخص حكم من الشرع من الوجوب أو الحرمة بل حرمته هو الكلام فيما سبق واما الالتزام بالحكم المخالف فمبنى على جريان دليل الأصل الدال على الإباحة وهو موقوف على عدم حكم العقل بقبح المخالفة تدريجا والحق عدم جريان دليل الأصل لأن المخالفة التدريجية قبيحة عند العقل كغيرها إذ غاية ما يقال في عدم قبحها ان الفعل في الزمان الآتي ليس متعلقا لتكليفه الفعلي بل التكليف المتعلق به مشروط بوجود الزمان الآتي والتكليف الفعلي ليس له مخالفة علمية قطعية أو يقال بان المخالفة العملية القطعية وان كانت قبيحة مطلقا الا ان الأمر في المقام دائر بين الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية حتى لا يوجد مخالفة قطعية أو الموافقة القطعية المستلزمة للمخالفة القطعية ولا نسلم ان العقل يعين الأول اما الأول فهو باطل لما حققنا في مبحث مقدمة الواجب من ان الواجب المشروط بعد العلم بتحقق شرطه في محله يكون كالمطلق عند العقل فراجع فالتكليف المتعلق بالفعل في الزمان الآتي في حكم التكليف الموجود الفعلي عند العقل فكما انه لو علم بوجوب أحد الشيئين فعلا يجب عليه الامتثال بالإتيان
346

بكليهما كذلك لو علم بوجوب فعل اما في هذا اليوم واما في الغد يجب عليه الاحتياط بإتيان الفعل في اليومين هذا إذا تمكن من الاحتياط والموافقة القطعية واما إذا لم يتمكن من الموافقة القطعية كما فيما نحن فيه يجب عليه ترك المخالفة القطعية واما الثاني فلان عدم ارتكاب المخالفة القطعية متعين عند العقل لما سمعته سابقا ونحققه في مبحث البراءة إن شاء الله من ان حكم العقل بقبح المخالفة القطعية تنجيزي
لا يمكن ان يرفع بالمانع واما حكمه بوجوب الموافقة القطعية فليس كذلك فإنه انما يكون على تقدير عدم ترخيص الشارع في الموافقة الاحتمالية فان قلت الاذن في المخالفة القطعية التدريجية واقع في الشرع كما في التخيير بين الخبرين المتعارضين ان قلنا بكونه استمراريا وكتخيير المقلد بين الأخذ بفتوى كل من المجتهدين فإنه في كل منهما قد ينجر الأمر إلى المخالفة القطعية التدريجية كما إذا كان أحد الخبرين دالا على الوجوب والاخر على
347

الحرمة وكما إذا أفتى أحد المجتهدين بالوجوب والاخر بالحرمة قلت موافقة الحكم الظاهري في المثالين في كل واقعة بدل للواقع على تقدير المخالفة ومثل هذه المخالفة التدريجية التي لها بدل ليس ممنوعا عقلا بخلاف ما إذا لم يكن لترك الواقع بدل أصلا كما إذا رخص الشارع في ترك الواقع في هذا الزمان والزمان الآتي فان هذا ترخيص في مخالفه الواقع بلا بدل
348

المبحث الثاني في الظن والكلام فيه يقع في طي أمور
الأول هل يمكن التعبد بالأمارات الغير العلمية عقلا أولا
والنزاع في هذا الأمر بين المشهور وابن قبة قدس سرهم ومورد كلامهم وان كان الخبر الواحد الا ان أدلة الطرفين تشهد بعموم محل النزاع إذا عرفت هذا فنقول ان الإمكان يطلق على معنيان (أحدها) الإمكان الذاتي والمراد به ما لا ينافي الوجود والعدم بحسب الذات ويقابله الامتناع بهذا المعنى كاجتماع النقيضين والضدين (والثاني) الإمكان الوقوعي والمراد به ما لا يلزم من فرض وجوده محذور
عقلي ويقابله الامتناع بهذا المعنى (والثالث) الاحتمال كما هو أحد الوجوه في قاعدة الإمكان في باب الحيض لا إشكال في عدم كونه بالمعنى الأول موردا للنزاع إذ لا يتوهم أحد من العقلاء ان التعبد بالظن يأبى عن الوجود بالذات كاجتماع النقيضين كما ان النزاع ليس فيه بالمعنى الثالث إذ الترديد والشك في تحقق شيء حاصل لبعض وغير حاصل للآخر وهذا ليس أمرا قابلا للنزاع فانحصر الأمر في الثاني ثم لا يخفى ان المراد من المحذور العقلي الذي فرض عدم لزومه في الإمكان الوقوعي انما هو الموانع العقلية لا عدم المقتضى وان كان يلزم من فرض وجود الشيء مع عدم المقتضى محذور عقلي أيضا لامتناع تحقق الشيء من دون علة لأنه لو كان المراد أعم من المقتضى وعدم المانع لكان العلم بالإمكان في شيء
349

مساوقا للعلم بوجوده كما لا يخفى وعلى هذا فمن يدعى العلم بالإمكان بالمعنى المذكور فدعواه راجعة إلى العلم بأنه على فرض وجوده لا يترتب عليه محذور عقلي ولو شك في تحققه من جهة الشك في تحقق مقتضية ولا يصح هذه الدعوى الا ممن يطلع على جميع الجهات المحسنة والمقبحة في المقام مثلا من يعتقد بامتناع اجتماع الحكمين الفعليين في مورد واحد لا يصح منه دعوى الإمكان بالمعنى المذكور الا بعد القطع بعدم فعلية الأحكام الواقعية وكذا الإلقاء في المفسدة قبيح بحكم العقل فمن يدعى إمكان التعبد بالظن لا بد وان يعلم بان في العمل به مصلحة أعظم من المفسدة التي قد يتفق وقوع المكلف فيها بسبب التعبد به ومتى يحصل العلم لأحد من طريق العقل نعم لو ثبت بالأدلة التعبد بالظن نستكشف ما ذكرناه وهذا غير دعوى الوجدان والقطع بعدم المحذور فالأولى ان يقال بعد رد الوجوه التي تذكر في المقام للمنع بأنا لا نقطع بالاستحالة فلا مانع من الأخذ بالأدلة التي أقيمت على حجية بعض الظنون كما ستطلع عليها في الأمر الثالث إن شاء الله
[في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي]
وكيف كان قد استدل المانع بوجهين (الأول انه) لو جاز التعبد بالخبر الواحد في الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله لجاز التعبد به في الاخبار عن الله تعالى والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله بيان الملازمة ان حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز سواء ولا يختلف الاخبار بواسطة اختلاف المخبر عنه وكونه هو الله سبحانه أو النبي صلى الله عليه وآله وإذا لم يجز التعبد به في الاخبار عن الله تعالى لم يجز في الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله والجواب منع بطلان التالي عقلا لجواز إيجاب الشارع التعبد باخبار
350

سلمان وأمثاله عن الله تعالى غاية الأمر عدم الوقوع وليس هذا محلا للنزاع (الثاني) ان العمل بالخبر الواحد موجب لتحليل الحرام وتحريم الحلال إذ لا يؤمن ان يكون ما أخبر بحليته حراما في الواقع وبالعكس توضيح الكلام انه لا إشكال في ان الأحكام الخمسة متضادة بأسرها فلا يمكن اجتماع اثنين منها في مورد واحد ومن يدعى التعبد بالخبر الواحد يقول بوجوب العمل به وان أدى إلى مخالفة الواقع وحينئذ لو فرضنا ان الأمارة أدت إلى وجوب صلاة الجمعة وتكون محرمة في الواقع ونفس الأمر فقد اجتمع في موضوع واحد أعني صلاة الجمعة حكمان الوجوب والحرمة وأيضا يلزم اجتماع الحب والبغض والمصلحة والمفسدة في شيء واحد من دون وقوع الكسر والانكسار بل يلزم المحال أيضا على تقدير المطابقة للواقع من جهة لزوم اجتماع المثلين وكون الموضوع الواحد موردا لوجوبين مستقلين وأيضا يلزم الإلقاء في المفسدة فيما إذا أدت الأمارة إلى إباحة ما هو محرم في الواقع وتفويت المصلحة فيما إذا أدت إلى جواز ترك ما هو واجب هذا كله على تقدير القول بان لكل واقعة حكما مجعولا في نفس الأمر سواء كان المكلف عالما به أو جاهلا وسواء
أدى إليه الطريق أو تخلف عنه كما هو مذهب أهل الصواب واما على التصويب فلا يرد ما ذكرنا من الإشكال الا انه خارج عن الصواب هذا (والجواب عنه) وجوه الأول ما أفاده سيدنا الأستاذ طاب ثراه من عدم المنافاة بين الحكمين إذا كان الملحوظ في موضوع الاخر الشك في الأول وتوضيحه انه لا إشكال في ان الأحكام لا تتعلق ابتداء بالموضوعات الخارجية بل انما تتعلق بالمفاهيم المتصورة في الذهن لكن لا من حيث كونها موجودة في الذهن بل من حيث انها حاكية عن الخارج فالشيء ما لم يتصور في الذهن لا يتصف بالمحبوبية والمبغوضية وهذا واضح ثم ان المفهوم المتصور تارة يكون مطلوبا على نحو الإطلاق وأخرى على نحو التقييد وعلى الثاني فقد يكون لعدم المقتضى في
351

ذلك المقيد وقد يكون لوجود المانع مثلا قد يكون عتق الرقبة مطلوبا على سبيل الإطلاق وقد يكون الغرض في عتق الرقبة المؤمنة خاصة وقد يكون في المطلق الا ان عتق الرقبة الكافرة مناف لغرضه الاخر ولكونه منافيا لذلك الغرض لا بد ان يقيد العتق المطلوب بما إذا تحقق في الرقبة المؤمنة فتقييد المطلوب في القسم الأخير انما هو من جهة الكسر والانكسار لا لتضييق دائرة المقتضى وذلك موقوف على تصور العنوان المطلوب أولا مع العنوان الاخر المتحد معه في الوجود المخرج له عن المطلوبية الفعلية فلو فرضنا عنوانين غير مجتمعين في الذهن بحيث يكون المتعقل أحدهما لا مع الاخر فلا يعقل تحقق الكسر والانكسار بين جهتيهما فاللازم من ذلك انه متى تصور العنوان الذي فيه جهة المطلوبية يكون مطلوبا صرفا من دون تقييد لعدم تعقل منافيه ومتى تصور العنوان الذي فيه جهة المبغوضية يكون مبغوضا كذلك لعدم تعقل منافيه كما هو المفروض والعنوان المتعلق للأحكام الواقعية مع العنوان المتعلق للأحكام الظاهرية مما لا يجتمعان في الوجود الذهني أبدا مثلا إذا تصور الأمر صلاة الجمعة فلا يمكن ان يتصور معها الا الحالات
التي يمكن ان يتصف بها في هذه الرتبة مثل كونها في المسجد أو الدار وأمثال ذلك واما اتصافهما بكون حكمها الواقعي مشكوكا فليس مما يتصور في هذه الرتبة لأن هذا الوصف مما يعرض الموضوع بعد تحقق الحكم والأوصاف المتأخرة عن الحكم لا يمكن إدراجها في موضوعه فلو فرضنا ان صلاة الجمعة في كل حال أو وصف يتصور معها في هذه الرتبة مطلوبة بلا مناف ومزاحم فإرادة المريد تتعلق بها فعلا وبعد تعلق الإرادة بها يتصف بأوصاف آخر لم تتصف بها قبل الحكم مثل ان يصير معلوم الحكم تارة مشكوك الحكم أخرى فلو فرضنا بعد ملاحظة اتصاف الموضوع بكونه مشكوك الحكم تحقق جهة المبغوضية فيه يصير مبغوضا بهذه الملاحظة لا محاله ولا يزاحمها جهة المطلوبية الملحوظة في ذاته لأن الموضوع بتلك الملاحظة لا
352

يكون متعقلا فعلا لأن تلك الملاحظة ملاحظة ذات الموضوع مع قطع النظر عن الحكم وهذه ملاحظته مع الحكم فان قلت العنوان المتأخر وان لم يكن متعقلا في مرتبة تعقل الذات ولكن الذات ملحوظة في مرتبة تعقل العنوان المتأخر فعند ملاحظة العنوان المتأخر يجتمع العنوانان في اللحاظ فلا يعقل المبغوضية في الرتبة الثانية مع محبوبية الذات قلت تصور ما يكون موضوعا للحكم الواقعي الأولى مبنى على قطع النظر عن الحكم لأن المفروض كون الموضوع موضوعا للحكم فتصوره يلزم ان يكون مجردا عن الحكم وتصوره بعنوان كونه مشكوك الحكم لا بد وان يكون بلحاظ الحكم ولا يمكن الجمع بين لحاظ التجرد عن الحكم ولحاظ ثبوته وبعبارة أخرى صلاة الجمعة التي كانت متصورة في مرتبة كونها موضوعة للوجوب الواقعي لم تكن مقسما لمشكوك الحكم ومعلومه والتي تتصور في ضمن مشكوك الحكم تكون مقسما لهما فتصور ما كان موضوعا للحكم الواقعي والواقعي معا يتوقف على تصور العنوان على نحو لا ينقسم إلى القسمين وعلى نحو ينقسم إليهما وهذا مستحيل في لحاظ واحد
فحينئذ نقول متى تصور الأمر صلاة
353

الجمعة بملاحظة ذاتها تكون مطلوبة ومتى تصورها بملاحظة كونها مشكوك الحكم تكون متعلقة لحكم آخر فافهم فتدبر فإنه لا يخلو من دقة الوجه الثاني ما أفاده طاب ثراه أيضا وهو ان الأوامر الظاهرية ليست بأوامر حقيقية بل هي إرشاد إلى ما هو أقرب إلى الواقعيات وتوضيح ذلك على نحو يصح في صورة انفتاح باب العلم ولا يستلزم تفويت الواقع من دون جهة ان نقول ان انسداد باب العلم كما انه قد يكون عقليا كذلك قد يكون شرعيا بمعنى انه وان أمكن للمكلف تحصيل الواقعيات على وجه التفصيل لكن يرى الشارع العالم بالواقعيات ان في التزامه بتحصيل اليقين مفسدة فيجب بمقتضى الحكمة دفع هذا الالتزام عنه ثم بعد دفعه عنه لو أحاله إلى نفسه يعمل بكل ظن فعلى من أي سبب حصل فلو رأى الشارع بعد ان صار مال امر المكلف إلى العمل بالظن ان سلوك بعض الطرق أقرب إلى الواقع من بعض آخر فلا محذور في إرشاده إليه فحينئذ نقول اما اجتماع الضدين فغير
354

لازم لأنه مبنى على كون الأوامر الطرقية حكما مولويا واما الإلقاء في المفسدة وتفويت المصلحة فليس بمحذور بعد ما دار امر المكلف بينه وبين الوقوع في مفسدة أعظم الوجه الثالث ان يقال ان بطلان ذلك مبنى على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي لأن المورد من مصاديق ذلك العنوان فان الأمر تعلق بعنوان العمل بقول العادل مثلا والنهي تعلق بعنوان آخر مثل شرب الخمر وحيث جوزنا الاجتماع وبيناه في محله فلا إشكال هنا أيضا لا يقال جواز اجتماع الأمر والنهي على تقدير القول به انما يكون فيما تكون هناك مندوحة للمكلف كالأمر بالصلاة والنهي عن الغصب لا فيما ليس له مندوحة وما نحن فيه من قبيل الثاني لأن العمل بمضمون خبر العادل مثلا يجب عليه معينا حتى في
مورد يكون مؤدى الخبر وجوب شيء مع كونه حراما في الواقع بخلاف الصلاة لعدم وجوب تمام افرادها معينا بل الواجب صرف الوجود الذي يصدق على الفرد المحرم وعلى غيره لأنا نقول اعتبار المندوحة في تلك المسألة انما كان من جهة عدم لزوم التكليف بما لا يطاق وفيما نحن فيه لا يلزم التكليف بما لا يطاق من جهته عدم تنجز الواقع فلم يبق في البين الا قضية اجتماع الضدين والمثلين وهو مدفوع بكفاية تعدد الجهة وفيه ان جعل الخبر طريقا إلى الواقع معناه ان يكون الملحوظ في عمل المكلف نفس العناوين الأولية مثلا لو قام الخبر على وجوب صلاة الجمعة في الواقع فمعنى العمل على طبقه ان يأتي بها على انها واجبة واقعا فيرجع إيجاب العمل به إلى إيجاب الصلاة على انها واجبة واقعا فلو فرضنا كونها محرمة في الواقع يلزم كون الشيء الواحد من جهة واحدة محرما وواجبا فليس من جزئيات مسألة اجتماع الأمر والنهي التي قلنا بكفاية تعدد الجهة فيها فافهم
355

[في تأسيس الأصل]
الأمر الثاني: في تأسيس الأصل المعول عليه في المقام اعلم ان الحجية عبارة عن كون الشيء بحيث يصح به المؤاخذة والاحتجاج ولا ملازمه بين هذا المعنى وجواز التعبد إذ من الممكن تحقق هذا المعنى وعدم جواز التعبد به كالظن في حال الانسداد بناء على الحكومة وهذا المعنى ان ثبت بالدليل فلا إشكال فيه وان شك فهل لواقعه أثر على تقدير ثبوته أولا بل يكون ما شك في حجيته مع ما علم بعدم حجيته سواء وان كانت حجه في الواقع والحق فيه التفصيل وبيان ذلك ان للحجة أثرين أحدهما إثبات الواقع و
على تقدير الثبوت والثاني إسقاطه كذلك (الأول) ما يكون قائما على حكم إلزامي من الوجوب أو الحرمة وكان مطابقا للواقع فإنه يصحح العقوبة على ذلك الحكم الواقعي (والثاني) ما يكون قائما على رفع الإلزام في مورد لولاه لكان مقتضى العقل الاحتياط كأطراف العلم الإجمالي (اما القسم الثاني) فلا ينفع الواقع المشكوك فيه قطعا مطلقا ضرورة ان من علم إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة عليه فلم يأت بالظهر مثلا وكان هو الواجب واقعا يصح ان يعاقب عليه وان كان بحسب الواقع دليل على عدم وجوبه بحيث لو اطلع عليه لكان حجه له على المولى (واما القسم الأول) فتارة يفرض بعد الفحص وعدم الظفر وأخرى قبل ذلك اما في الأول فالوجود الواقعي للدليل ليس له أثر في حقه قطعا إذ ليس الوجود الواقعي للحكم الطريقي أقوى من الوجود الواقعي للحكم الأولى فبعد الفحص وعدم الظفر بالحكم ولا بدليله يحكم العقل بالبراءة قطعا واما في الثاني فهو على قسمين تارة يكون بحيث لو تفحص عن الدليل لظفر به وأخرى لا يكون كذلك فان قلنا بان الشك قبل الفحص بنفسه يصحح
356

العقوبة على الواقع على تقدير الثبوت في كلا القسمين فوجود الدليل بحسب الواقع أيضا لا أثر له لأن المنجز فيما يكون الدليل موجودا في الواقع أيضا نفس الشك وان قلنا بان المصحح للمؤاخذة ليس نفس الشك بل وجود الدليل ان كان بحيث لو تفحص عنه لظفر به هو المصحح
357

فالشاك مردد امره بين ان يكون له دليل يصل إليه بعد الفحص فيصح عقوبته أو لا يكون فيقبح عقابه ولما لم يكن جازما بقبح العقاب يجب عليه عقلا الاحتياط أو الفحص فالوجود الواقعي للدليل لو كان بحيث لو تفحص عنه لظفر به يثمر في حقه لأنه به يؤاخذ ويعاقب على المخالفة.
358

فتحصل مما ذكرنا ان الطريق المشكوك بعد الفحص ليس بحجة قطعا لا إثباتا ولا إسقاطا وقبل الفحص ليس بحجة إسقاطا مطلقا وإثباتا ان قلنا بان الحجة نفس الشك قبل الفحص وان لم نقل بذلك بل قلنا بان الحجة هو الدليل الذي لو تفحص لظفر به فما لم يكن الدليل الواقعي كذلك فهو غير حجة أيضا واما فيما كان الدليل الواقعي بحيث لو تفحص لظفر به فوجوده الواقعي حجة على المكلف وان كان مشكوكا فيه فعلا فتدبر.
[في حجية الظاهر]
الأمر الثالث في التكلم في الأمارات التي ثبت حجيتها بالدليل وقيل انها كذلك (فمنها) ما يعمل في تشخيص مراد المتكلم بعد الفراغ عن المدلول العرفي للفظ اعلم ان الإرادة على قسمين (أحدها) إرادة الشيء في اللب ونفس الأمر (والثاني) إرادة المعنى من اللفظ في مقام الاستعمال وهما قد تتفقان كما إذا قال المتكلم أكرم العلماء وأراد من اللفظ إنشاء وجوب إكرام كل منهم وكان في الواقع أيضا مريدا له وقد تختلفان كما انه في المثال لم يرد إكرام واحد منهم بالخصوص فحكمه في مقام الإرادة الاستعمالية على ذلك الفرد حكم صوري ولم يظهر الواقع لمصلحة في إخفائه والمقصود الأصلي في هذا المقام تشخيص الإرادة الاستعمالية وما أراد من اللفظ في مقام الاستعمال وبعد هذا التشخيص تطبيق هذه الإرادة على الإرادة الواقعية عند الشك بأصل آخر غير ما يتكلم فيه في المقام إذا عرفت هذا فنقول إذا علمنا بان المتكلم يكون في مقام تفهيم المراد ونعلم انه لم ينصب قرينة مع الالتفات تصرف اللفظ عن ظاهره نقطع بان مراده هو ما يستفاد من ظاهر اللفظ إذ لو لا ذلك لزم الالتزام بأنه تصدى
359

لنقض غرضه عمدا وهذا مستحيل ولا يختص ذلك بمورد يكون المتكلم حكيما بل العاقل لا يعمل عملا يكون فيه نقض غرضه سواء كان حكيما أم لا وهذا واضح فمتى شككنا في ان المتكلم أراد من اللفظ معناه الظاهر أو غيره فاما
ان يكون الشك من جهة الشك في كونه في مقام التفهيم واما من جهة الشك في وجود القرينة واما من جهة كليهما فان كان منشأ الشك في كونه في مقام تفهيم المراد فلا إشكال في ان الأصل المعول عليه عند تمام العقلاء كونه في مقام تفهيم مراده وهذا الأصل لا شبهة لأحد منهم فيه ولا ينافي ما ذكرنا ما سبق في باب الإطلاق من ان كون المتكلم في مقام البيان لا بد وان يحرز من الخارج وبدونه يعامل مع اللفظ معاملة الإهمال لأن الإطلاق امر زائد على مدلول اللفظ وما ذكرنا هنا من الأصل المتفق عليه انما هو بالنسبة إلى مدلول اللفظ فلا تغفل وان كان منشأه الشك في نصب القرينة فهل لنا أصل يعتمد عليه أولا وعلى الأول فهل الأصل المعول عليه هو أصالة عدم القرينة أو أصالة الحقيقة والثمرة بينها تظهر فيما لو اقترن بالكلام ما يصلح لكونه قرينة فعلى الأول يوجب إجمال اللفظ لعدم جريان أصالة عدم القرينة مع وجوده وعلى الثاني يؤخذ بمقتضى المستفاد من الوضع حتى يعلم خلافه ومبنى الإشكال في المقام هو انه هل الطريق إلى إرادة المتكلم عند العقلاء صدور ذات اللفظ الموضوع أو هو مع قيد خلوه عن القرينة الصارفة فعلى الأول وجود القرينة من قبيل المعارض وعلى الثاني لعدمها دخل في انعقاد الطريق على إرادة المعنى الظاهر كما انه لوجودها دخل في انعقاد الطريق على إرادة المعنى الغير الظاهر إذا حفظت ذلك فاعلم ان اعتبار الظهور الثابت للكلام وان شك في احتفافه بالقرينة مما لا إشكال فيه في الجملة كما يأتي الإشارة إليه واما كون
360

ذلك من جهة الاعتماد على أصالة الحقيقة كي لا يرفع اليد عنها حتى في صورة وجود ما يصلح للقرينية فغير معلوم وان كان قد يدعى ان بناء العقلاء على الجري على ما يقتضيه طبع الأشياء ما داموا شاكين في ثبوت ما أخرجها عن الطبيعة الأولية ومن ذلك بنائهم على صحة الأشياء عند شكهم في الصحة والفساد لأن مقتضى طبع كل شيء ان يوجد صحيحا والفساد يجيء من قبل امر خارج عنه ولعله من هذا القبيل القاعدة المسلمة عندهم كل دم يمكن ان يكون حيضا فهو حيض فان مقتضى طبع المرأة ان يكون الدم الخارج منها دم حيض وغيره خارج عن مقتضى الطبع
وعلى هذا نقول ان مقتضى طبع اللفظ الموضوع ان يستعمل في معناه الموضوع له لأن الحكمة في الوضع تمكن الناس من أداء مراداتهم بتوسط الألفاظ فاستعماله في غيره انما جاء من قبل الأمر الخارج عن مقتضى الطبع
361

لكن الإنصاف ان هذا البناء من العقلاء انما يسلم في مورد لم يحرز فيه كثرة الوقوع على خلاف الطبع واستعمال الألفاظ في معانيها المجازية ان لم نقل بكونه أكثر من استعمالها في المعاني الحقيقة بمراتب فلا أقل من التساوي فلم يبق الطبع الأولى بحيث يصح الاعتماد عليه هذا وكيف كان فالمتيقن من الحجية هو الظهور المنعقد للكلام خاليا عما يصلح لأن يكون صارفا ولا يناط بالظن الفعلي بالخلاف ولا يختص حجيته بمن قصد افهامه بل هو حجة على من ليس مقصودا بالخطاب أيضا بعد كونه موردا للتكليف المستفاد من اللفظ والدليل على ذلك كله بناء العقلاء وإمضاء الشارع اما الأول فلشهادة الفطرة السليمة عليه فلو علم العبد بقول المولى أكرم كل عالم في هذا البلد واحتمل عدم إرادته معناه الظاهر اما من جهة احتمال التورية وعدم كونه في مقام افهام المراد واما من جهة احتمال كون الكلام مشتملا على القرينة على خلاف الظاهر واختفي عليه أو ظن أحد الأمرين من سبب غير حجة عند تمام العقلاء وفرضنا عدم تمكنه من الفحص عما يوجب صرف
الكلام المذكور عن ظاهره فهل يصح له ان لا يأتي بمفاد اللفظ المذكور معتذرا بأني ما تيقنت ان المولى كان بمعرض تفهيم المراد أو ما تيقنت عدم اشتمال الكلام على قرينة صارفة بل كان
وجودها عندي محتملا أو فهل يصح للمولى لو أتى العبد مفاد الكلام المذكور في الفرض الذي فرضنا ان يعاتبه أو يعاقبه ان كان ما أتى به مبغوضا له واقعا فان رأينا من أنفسنا انقطاع عذر العبد في المثال المذكور في صورة عدم الإتيان وصحة احتجاج المولى عليه عند العقلاء وانقطاع عذر المولى في صورة الإتيان وصحة احتجاج العبد عليه عندهم كما هو الواضح بأدنى ملاحظة والتفات كان هذا معنى الحجية عندهم إذ لا نعنى بحجية ظواهر الألفاظ كونها كالعلم في إدراك الواقعيات حتى يشكل علينا بان الأخذ بأحد طرفي الشك في ما كان المراد مشكوكا أو
362

الأخذ بطرف الوهم فيما كان موهوما كيف يكون كالعلم عند العقلاء وكذا الكلام فيما لو قطع بكلام للمولى خاطب به غيره مع كونه موردا للتكليف المشتمل عليه ذلك الكلام مع بذل جهده فيما يوجب صرف الكلام عن مقتضى ظاهره فإنه بعد المراجعة إلى العقلاء يقطع بانقطاع العذر بين العبد والمولى بذلك الكلام وان كان العبد غير مقصود بالخطاب اللفظي هذا واما الثاني أعني إمضاء الشارع لهذه الطريقة فلان الطريقة المرتكزة في جبلة العقلاء لو لم يرض بها الشارع لكان عليه الردع ولم يصدر منه ما يصلح لكونه رادعا الا الآيات الناهية عن العمل بغير العلم وهي لا تقبل لأن تكون رادعة للعمل بالظواهر لعدم حجية مدلولها بالنسبة إليه قطعا لأن الظواهر اما ليست بحجة أصلا واما حجة فعلى الأول ظواهر الآيات أيضا ليست بحجة لأنها منها وعلى الثاني تخصيصها بها معلوم فلا تغفل بقي الكلام في خصوص ظواهر الكتاب المجيد التي ادعى أصحابنا الأخباريون عدم حجيتها والذي يمكن ان يكون مستندا لهم أمور
363

(أحدها) الاخبار المدعى ظهورها في المنع عن العمل بظواهر الكتاب المجيد (والثاني) العلم الإجمالي بوقوع التحريف فيه كما يظهر من الاخبار الكثيرة أيضا (والثالث) العلم الإجمالي بورود التخصيص والتقييد في عموماته ومطلقاته ووقوع الاستعمالات المجازية فيه (والرابع) وجود المتشابه في الكتاب وعدم العلم بشخصه ومقداره والنهي عن اتباعه ولا يصلح شيء من الوجوه المذكورة للمنع اما الاخبار فلأنها على طوائف منها ما يدل على المنع عن التفسير بالرأي ومنها ما يدل على المنع عن مطلق التفسير ومنها ما يدل على المنع عن الإفتاء بالكتاب معللا بعدم وجود علمه الا عند أهله ولا ريب في ان الأولين لا تمنعان عن العمل بالظواهر فان من عمل من أهل اللسان بعام صادر من مولاه لا يقال انه فسر كلام مولاه فضلا عن صدق التفسير بالرأي عليه واما الثالثة فلان من المحتمل قويا كون المنع مختصا بمثل أبي حنيفة وأمثاله الذين كانوا يعملون بظواهر الكتاب من دون المراجعة إلى من عندهم علمه ولا إشكال عندنا في ان هذا النحو من العمل بظواهر الكتاب غير جائز (فان قلت) ان الظاهر من قوله عليه السلام في مقام الاعتراض على أبي حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته إلخ ان المفتي بظواهر القرآن يجب ان يعرف القرآن حق معرفته والا لا يجوز له الفتوى بها (قلت) ليس في الخبر ما يدل على عدم جواز الإفتاء بظواهر القرآن مطلقا بل المتيقن من مدلوله ان من اكتفي في مدارك فتاواه بالقرآن المجيد وأعرض عن المراجعة إلى كلمات العترة عليهم السلام كما كان ذلك ديدن أبي حنيفة وأمثاله
364

لا يجوز له ذلك الا بعد العلم بحقيقة لقرآن ولما لم يكن هذا العلم عند أحد الا العترة الطاهرة فلا يجوز لغيرهم الاكتفاء بالقرآن فلا يدل الخبر على المنع عن العمل بظواهر الآيات في حق الخاصة الذين ديدنهم الفحص والمراجعة في كلمات أئمتهم عليهم السلام ثم العمل بظواهر الآيات بعد عدم الظفر بما يوجب صرفها عن ظاهرها كما لا يخفى واما العلم الإجمالي بوقوع التحريف بعد تسليمه يمكن ان يقال انه في
365

غير آيات الأحكام من الموارد التي يكون التحريف فيها مطابقا لأغراضهم الفاسدة وثانيا لو سلمنا عدم اختصاص العلم الإجمالي بغيرها فغاية الأمر صيرورتها من أطراف العلم الإجمالي إذ لا يمكن دعوى
العلم
366

الإجمالي في خصوصها قطعا وحينئذ نقول لا تأثير لهذا العلم الإجمالي بخروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء فان قلت خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء انما يمنع عن تأثير العلم الإجمالي في العمل بالأصول واما الظواهر فالعلم الإجمالي قادح للعمل بها مطلقا ولو كان بعض أطرافه خارجا عن محل الابتلاء والسر في ذلك ان الملاك في العمل بالأصول هو الشك فيعمل بها عنده الا ان يكون هناك مانع عقلي وليس الا فيما يكون العلم الإجمالي بثبوت تكليف فعلى بحيث يلزم من العمل بالأصول في الأطراف المخالفة القطعية وفيما خرج بعض الأطراف عن محل الابتلاء لم يكن التكليف الفعلي معلوما فلا مانع من العمل بالأصول واما الأخذ بالظواهر فملاكه الطريقية إلى الواقع المعلوم انتفائها عند العلم الإجمالي مطلقا (قلت) بناء العقلاء في الظاهر المستقر على عدم الاعتناء بالعلم الإجمالي بمخالفة ظاهر يحتمل ان يكون هو هذا الظاهر الذي هو محل الابتلاء أو غيره مما لا يكون محلا للابتلاء أترى ان أحدا من العقلاء يتوقف عن العمل بالظاهر الصادر من مولاه بمجرد العلم الإجمالي بمخالفة ظاهر مردد بين كونه ما صدر من مولاه وكونه ما صدر من مولى آخر لعبده واما العلم الإجمالي بورود المخصصات والمقيدات على عمومات الكتاب ومطلقاته
فالجواب عنه انه ان ادعى العلم الإجمالي فيما بأيدينا من الأمارات فهو مانع عن العمل بالظواهر قبل الفحص واما بعده فيعلم بخروج المورد من الأطراف وان ادعى ذلك في الواقع فهو مانع عن العمل قبل الظفر بالمخصص والمقيد بالمقدار المعلوم بالإجمال اما علما واما من الطرق المعلوم حجيتها إذ بعد الظفر كذلك ينحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي والشك البدوي كما هو واضح (واما) كون القرآن مشتملا على المتشابه فالجواب ان المتشابه لا يصدق على ما له ظاهر عرفا ولو فرض الشك في شموله للظواهر فلا يجدى النهي المتعلق بعنوان المتشابه لأن القدر المتيقن من مورده هو المجملات فلا يصير دليلا على المنع في الظواهر
367

فتلخص مما ذكرنا عدم دليل يقتضى خروج ظواهر الكتاب عن الحجية فهي على حد غيرها باقية تحت قاعدة الحجية المستفادة من بناء العقلاء وإمضاء الشارع فلا تحتاج إلى ذكر الاخبار التي يدعى ظهورها في حجية ظواهر الكتاب مع كون كلها أو جلها مخدوشا هذا تمام الكلام في اعتبار الظواهر بعد الفراغ عن تشخيص نفس الظاهر واما تشخيص الظاهر والمتفاهم من معنى اللفظ فمحصل الكلام فيه ان الظن في تشخيص الظواهر اما يحصل من قول اللغوي واما من إحراز مورد الاستعمال بضميمة أصالة عدم القرينة وكل منهما لا دليل على حجية اما الأول فلان غاية ما يستدل به عليه وجهان (أحدهما) كونه خبرة وبناء العقلاء على الرجوع إلى أصحاب الصناعات البارزين في فنهم فيما اختص بصناعتهم (الثاني) ان استنباط الأحكام من الأدلة واجب على المجتهد ولا يمكن الا بالرجوع إلى قول اللغوي في تشخيص معاني الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة والدليل الثاني لو تم لدل على حجية كل ظن ولا اختصاص له بقول اللغوي وكيف كان فلا يتم كل من الوجهين (اما) الأول
فلعدم كون أهل اللغة خبرة فيما هو المقصود لأن المقصود فهم المعاني الحقيقة للألفاظ وتشخيصها عن المعاني المجازية وليس وظيفة اللغوي الا بيان موارد الاستعمال واما كون المعنى الكذائي حقيقيا فلا يطلع عليه وان اطلع عليه بواسطة بعض الأمارات فليس من هذه الجهة من أهل الخبرة والحاصل ان المنع من جهة تحقق الصغرى واما الكبرى أعني بناء العقلاء على الرجوع إلى أرباب الصناعات في صنعتهم فالإنصاف انها لا تخلو عن قوة
368

(واما) الوجه الثاني فان كان المقصود انه لو لم يرجع إلى الظن الحاصل من قول اللغوي لانسد باب الامتثال للأحكام الواقعية المعلومة إجمالا فهو راجع إلى دليل الانسداد وهذا يكون ممنوعا على تقدير وخارجا عن محل الكلام على تقدير آخر لأن المدعى ان كان ممن يسلم حجية قول الثقة وبهذا يحرز صدور تلك الاخبار المنقولة من الثقات فلا إشكال في انه ليس له دعوى العلم الإجمالي بوجود الأحكام لأن معاني الألفاظ الاخبار التي تكون حجة بالفرض معلومة غالبا فلم يبق له بعد ذلك العلم الإجمالي بل ينحل إلى العلم التفصيلي والشك البدوي وان كان ممن لا يسلم
ذلك فيصح منه دعوى العلم الإجمالي لكن نتيجة تلك الدعوى مع انضمام باقي المقدمات المذكورة في دليل الانسداد كون الظن الحاصل من قول اللغوي من الظنون المطلقة الثابتة حجيتها بدليل الانسداد وهذا خارج عن محل البحث ولا ربط له بالمدعى لأنا في مقام إثبات حجيته بالخصوص حتى يكون من الظنون الخاصة كحجية ظواهر الألفاظ وان كان المقصود حجية مع قطع النظر عن الأحكام المعلومة إجمالا فوجوب اجتهاد المجتهد لا يقتضى وجوب العمل بالظن المذكور لأن القاعدة تقتضي في مورد عدم العلم بالحكم الواقعي وعدم دليل خاص يرجع إليه الرجوع إلى الأصول العملية في ذلك المورد ومما ذكرنا ظهر ان التمسك بالاحتياج إلى قول اللغوي لا يثمر أبدا في المقام لأنه مع ملاحظة
دليل الانسداد خارج عما نحن فيه ومع قطع النظر عنه لا يحتاج إلى الأخذ بقوله هذا مضافا إلى ما عرفت من ان قول اللغوي لا ينحل به عقدة فيما هو مهمنا وهو تشخيص حقائق المعاني من مجازاتها.
369

هذا في الظن الحاصل من قول اللغوي واما أصالة عدم القرينة فالقدر المتيقن من بناء العقلاء على حجيتها انما هو في مورد أحرز المعنى الحقيقي للفظ وشك في إرادة المتكلم إياه واما لو أحرز المراد وشك في كون المراد معنى حقيقيا للفظ أو مجازيا فلا نسلم بنائهم على كونه معنى حقيقيا له بملاحظة الاستعمال وأصالة عدم القرينة ولهذا اشتهر بين العلماء في قبال السيد القائل بأصالة الحقيقة ان الاستعمال أعم من الحقيقة ولعل نظير ذلك ما لو ورد عام وعلم بعدم كون الفرد الخاص مورد الحكم ذلك العام ولكن شك في انه هل هو داخل في عنوان العام حتى يكون خروجه تخصيصا في العام أو خارج عنه حتى يكون عدم كونه موردا لحكم العام من باب التخصص فإنه يمكن ان يقال في ذلك عدم معلومية بناء العقلاء على أصالة عدم التخصيص لاستكشاف حال عنوان ذلك الفرد بعد القطع بعدم كونه مشمولا للحكم ويمكن الفرق بين المثال وما نحن فيه بأنه في المثال يرجع الشك إلى الشك في المراد من اللفظ وان كان حكم هذا الفرد الخارجي الذي لا يعلم دخوله في أي عنوان مقطوعا وأصالة عدم القرينة فيه يترتب عليها تشخيص المراد بخلاف ما نحن فيه فان المفروض عدم الشك في المراد من اللفظ هذا
370

[في الإجمال المنقول]
ومنها الإجماع المنقول بالخبر الواحد
وتحقيق المقام يبتنى على بيان أمور:
(منها) ان الإجماع في مصطلح العامة عرف بتعاريف فعن الغزالي انه اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وآله على امر من الأمور الدينية وعن الفخر الرازي انه اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وآله على امر من الأمور والمراد من أهل الحل والعقد على ما نبه عليه غير واحد منهم المجتهدون وعن الحاجبي انه اجتماع المجتهدين من هذه الأمة في عصر على امر واما أصحابنا فقد أوردوا له حدودا كلها متحدة أو متقاربة معه فعرفه العلامة بما ذكره الفخر الرازي وعرفه بعضهم بأنه اجتماع رؤساء الدين من هذه الأمة في عصر على امر والحاصل انه من المعلوم انه ليس لأصحابنا رضوان الله عليهم اصطلاح جديد في الإجماع وانما جروا فيه على ما جرت عليه العامة نعم قد يتسامح في إطلاق الإجماع على اتفاق طائفة خاصة يعلم منه قول الإمام عليه السلام لوجود ملاك الحجية وهو قول الإمام عليه السلام وعدم الاعتناء بمخالفة غيره (ومنها) ان مستند حجية الإجماع أمور ثلاثة أحدها دخول شخص الإمام عليه السلام في جملة المجمعين ضرورة انه لو اتفق هذا النحو من الاتفاق أعني اتفاق أهل العصر أو اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وآله أو اتفاق العلماء منهم أو أهل الحل والعقد منهم أو الرؤساء منهم كان الإمام عليه السلام أحد هؤلاء قطعا لعدم خلو العصر عن وجوده عليه السلام والثاني ما ذهب إليه شيخ الطائفة من قاعدة اللطف وحاصله انه إذا
371

اجتمع المجتهدون في عصر على حكم من الأحكام الشرعية قطع بمطابقته للواقع إذ لو لا ذلك للزم على الإمام عليه السلام إظهار المخالفة من باب اللطف وحيث لم يظهر المخالفة نقطع باتحاد رأيه مع رأى العلماء والثالث ما ذهب إليه المتأخرون من الحدس وحاصله ان اتفاق علمائنا الاعلام الذين ديدنهم الانقطاع إلى الأئمة في الأحكام وطريقتهم التحرز عن القول بالرأي والأوهام مع ما يرى من اختلاف إنظارهم مما قد يؤدى بمقتضى العقل والفطرة السليمة إلى العلم بان ذلك قول أئمتهم ومذهب رؤسائهم ولا اختصاص لهذه الطريقة باستكشاف قول المعصوم عليه السلام بل قد يستكشف بها عن رأي ساير الرؤساء المتبوعين مثلا إذا
تمام خدمة السلطان الذين لا يصدرون الا عن رأيه اتفقوا على إكرام شخص خاص يستكشف من هذا الاتفاق ان هذا انما هو من توصية السلطان (ومنها) ان الطريق الأول مما لا يمكن تحصيله في عصر الغيبة لأنه مبنى على استقصاء آراء اشخاص يكون هو عليه السلام منهم ولا يعرف شخصه تفصيلا ومن المعلوم عدم الاتفاق لأحد في هذه الأعصار والطريق الثاني ليس صحيحا لعدم تمامية البرهان الذي أقيم عليه فإنه بعد غيبة الإمام بتقصير منا كل ما يفوتنا من الانتفاع بوجوده الشريف وبما يكون عنده من الأحكام الواقعية قد فاتنا من قبل أنفسنا فلا يجب عليه عقلا ان يظهر المخالفة عند اتفاق العلماء إذا كان اتفاقهم على خلاف حكم الله الواقعي فانحصر الأمر في الطريق الثالث إذا عرفت هذا فنقول انه لو نقل الإجماع ناقل فهذا النقل لا يخلو من وجوه أحدها ان ينقل اتفاق جماعة يلازم قول الإمام عند المنقول إليه والثاني ان ينقل اتفاق جماعة ليس كذلك عنده قطعا وهذا على قسمين أحدهما انه حصل للمنقول إليه بعض الأمارات أو الفتاوى بحيث حصل له من
372

مجموع ما عنده وما نقله الناقل على تقدير صدقه العلم بقول الإمام عليه السلام والثاني انه ليس عنده شيء آخر يحصل بانضمامه إلى المنقول العلم والثالث ان ينقل الإجماع ولا يعلم ان هذا الناقل حصل قول الإمام عليه السلام بطريق ملازم له عندنا أيضا أو بغير ذلك الطريق لا ينبغي الإشكال في حجية نقل الإجماع ان كان على الوجه الأول بالنسبة إلى الكاشف وإلى المنكشف بناء على حجية الخبر الواحد اما بالنسبة إلى الكاشف فلأنه اخبار عن امر محسوس فيأخذ هذا الأمر المحسوس المخبر به تعبدا ويستكشف منه لازمه واما بالنسبة إلى المنكشف فلأنه وان لم يكن من الأمر
المحسوس ولكن لما كان طريق الاطلاع عليه هو المحسوس يلحق به نظير الاخبار بالعدالة فإنه يقبل من المخبر لاستكشافها من لوازمها المحسوسة وكذا لا ينبغي الإشكال في حجيته على الأول من شقي الثاني بالنسبة إلى الكاشف وجعل مقدار ما أخبر به العادل بمنزلة المحصل واستكشاف الواقع بضميمة ما عنده من الأمارات كما لا ينبغي الإشكال في عدم حجيته على الثاني من شقي الوجه الثاني لأن العلم بتحقق هذا القدر لا يستلزم العلم بالواقع ولا إشكال في ان التعبد بالخبر الواحد لا يفيدنا أزيد من العلم واما إذا نقل الإجماع على الوجه الثالث فهل لنا دليل على حجيته أولا وما يمكن ان يستدل به عليه مفهوم آية النبأ بناء على ثبوت المفهوم وحاصل تقريب الدلالة انها تدل بمفهومها على حجية اخبار العادل مط سواء كان عن حس أو عن حدس غاية الأمر انه خرج ما علم كونه عن حدس غير قريب عن الحس وبقي الباقي أو يقال بان الخارج وان كان الاخبار عن الحدس
373

البعيد عن الحس واقعا لكن لما كان المخصص منفصلا بعد استقرار ظهور العام في وجوب العمل بكل ما يخبر به العادل سواء كان عن حدس أو عن حس فاللازم التمسك بحكم العام فيما لم يعلم دخوله تحت عنوان المخصص هذا وفيه منع المفهوم للآية كما ستعرف ومنع ظهوره في الأعم من الاخبار عن حدس بعيد عن الحس فان مقتضى التعليل في ذيل الآية هو وجوب الاعتناء باحتمال الندم المستند إلى فسق المخبر ومن المعلوم انه ليس الا من جهة قوة احتمال تعمده الكذب بخلاف العادل وكذا منع كون الخارج من تحته ما يعلم انه عن حدس بعيد ومنع جواز التمسك بعموم العام في صورة الشك في وجود المخصص الذي علم عنوانه مفصلا نعم يجوز التمسك في المخصص المنفصل لو كان مجملا مرددا بين الأقل والأكثر مع إشكال فيه أيضا مر بيانه في
بحث العام والخاص ويمكن ان يقال في تقريب حجية الإجماع المنقول ان جهة الشك في عدم مطابقته
للواقع تنحصر في أمور أحدها احتمال تعمده الكذب والثاني احتمال خطائه في الحدس والخطاء الذي يحتمل في حقه اما من جهة استكشاف فتوى جماعة أخبر بفتواهم كما إذا استكشف فتوى جماعة في مسألة فرعية من جهة اتفاقهم على الأصل الذي ينطبق عليها بمقتضى اجتهاد الناقل واما من جهة الكشف عن رأي الإمام عليه السلام بواسطة قول جماعة لا ينبغي عادة حصول العلم بقولهم فان كان الشك من جهة الأول فأدلة حجية خبر العادل وان قلنا باختصاص مفادها في إلغاء احتمال الكذب ترفع هذا الشك وان كان من جهة الثاني فالظاهر من قول الناقل ان المسألة إجماعية تحصيل الإجماع في خصوص تلك المسألة وهذا الظاهر حجية ترفع ذلك الشك وان كان من جهة انه استكشف رأى الإمام عليه السلام من سبب غير عادي فظاهر حاله يرفع هذا الشك نعم لو تبين منه في موارد ان دعوية الإجماع
374

كانت مستندة إلى الإجماع على القاعدة أو مسندة إلى اتفاق جماعة ليس اتفاقهم سببا عاديا لاستكشاف رأى الإمام عليه السلام فلا يجوز الركون إلى نقله واما ما لم يعلم حاله فأدلة حجية قول العادل بضميمة ظاهر لفظه وظاهر حاله تنتج وجوب الأخذ بالإجماع الذي نقله وفيه بعد تسليم بقاء ظهور كلام ناقل الإجماع في الاتفاق على الفرع انه لا يبعد حصول العلم للناقل بواسطة اتفاق جماعة وعدم حصوله لنا ولا يلزم في الصورة المفروضة ان يكون حصول علمه بسبب غير عادي حتى يكون على خلاف مقتضى الأصل العقلائي لإمكان ان يكون ذلك منه من جهة حسن ظنه بتلك الطائفة لم يكن ذلك للمنقول إليه فتحصل من جميع ما ذكرنا عدم الدليل على حجية الإجماع المنقول بالخصوص الا إذا كان الإجماع المنقول بحيث لو اطلعنا عليه علما حصل لنا العلم أو كان بحيث لو ضممنا إليه الأمارات الموجودة عندنا حصل لنا العلم (تتميم) قد يقال بناء على ان مفهوم الآية ليس متعرضا الا بحيثية إلقاء احتمال تعمد الكذب لا ينفعنا في الأخذ
بخبر العادل حتى في المحسوسات إذا احتملنا كون الحجية الفعلية منوطة بشرط آخر إذ هي على التقدير المذكور ليست متعرضة للحجية الفعلية حتى يدفع ذلك الشرط المحتمل بإطلاقها والجواب انه بعد الفراغ عن احتمال تعمد الكذب ليس المانع من حمل مفاد قول القائل على الواقع الا احتمال الخطاء في الحس ومقتضى الأصل عند العقلاء عدمه فإذا انضم ذلك الحكم المستفاد من الشرع إلى تلك القاعدة المتفق عليها عند العقلاء فلا يعقل بقاء التحير نعم يمكن عدم كون الخبر بعد فرض إلقاء احتمال الكذب حجة فعلية الا مع شرط زائد كالتعدد ونحوه لكن ان يثبت ذلك بالدليل فيرجع إلى عدم إمضاء الشارع ذلك الأصل المحفوظ عند
375

العقلاء الا مع وجود ذلك الشرط وما لم يدل دليل على ذلك فمقتضى القاعدة العمل بالأصل المرتكز في أذهان العقلاء ومن هنا يظهر ان عدم قبول شهادة الفاسق حتى مع العلم بعدم تعمده الكذب ليس منافيا لما ادعينا إذ اشتراط العدالة في الشهادة ثبت من الشرع لا من جهة احتمال تعمد الكذب في الفاسق وبعد ثبوت ذلك يستكشف عدم إمضاء الشارع ذلك الأصل العقلائي في مورد شهادة الفاسق ويمكن ان يقال أيضا بان مانعية الفسق في باب الشهادة أو اشتراط العدالة ليست راجعة إلى عدم إمضاء الأصل المذكور فلو شهد الفاسق وعلم بعدم تعمده الكذب علمنا بالأصل المذكور في إحراز الواقع لكن الموضوع لحكم الواقع في باب دفع الخصومات ليس مجرد إحراز الواقع بأي طريق بل هو خصوص البينة العادلة فلا تنافي بين إحراز الواقع وعدم جواز الحكم على طبقه فليتدبر ومما قلنا في الإجماع المنقول يظهر الكلام في التواتر المنقول ان أردنا
376

إثبات الواقع الذي ادعى الناقل تواتر الاخبار عليه واما ان أردنا ترتيب آثار نفس التواتر فان كان الأثر مرتبا على التواتر في الحملة ولو عند واحد
فيؤخذ به بلا إشكال لأن احتمال عدم تحقق التواتر عنده ملقى بحكم الأدلة الدالة على وجوب إلقاء احتمال الكذب عمدا وان كان مرتبا على التواتر عند المنقول إليه فلا يؤخذ به وان كان المنقول اخبار عدة لو اطلع عليه المنقول إليه تحقق له العلم لأن المفروض عدم تحقق العلم للمنقول إليه بواسطة اخبار تلك العدة فالتواتر عنده منتف قطعا وبعبارة أخرى حصول العلم باخبار جماعة ليس كالأمور الواقعية حتى يثبت باخبار العادل كالكرية والقلة للماء وأمثال ذلك بل يختلف باختلاف الموارد والأشخاص فمن حصل له العلم باخبار جماعة تحقق له التواتر واقعا دون من لم يحصل العلم و ح فإخبار العادل بتحقق التواتر لما لم يوجب حصول العلم فعلا للمنقول إليه لم يتحقق له موضوع الحكم وهو التواتر عنده
[في الشهرة]
ومن الظنون التي ادعى حجيتها بالخصوص الظن الحاصل من فتوى
377

المشهور
وما يمكن ان يستدل به عليها أمران:
(أحدهما) الأدلة الدالة على حجية خبر الواحد اما بدلالتها على ذلك لمفهوم الموافقة كما قد يتوهم بدعوى ظهورها في ان اعتباره ليس من باب الخصوصية بل هو من باب الكشف عن الواقع فتدل على اعتبار ما كان كشفه أتم منه واما من جهة تنقيح المناط بعد استفادته من تلك الأدلة والخدشة في كليهما واضحة اما الأول فلان ما يكون من باب مفهوم الموافقة يعتبر فيه دلالة اللفظ عليه عرفا بحيث يكون مسوقا لإفادة المفهوم كدلالة قوله تعالى ولا تقل لهما أف على حرمة الضرب لأن المعلوم من هذه القضية انها سيقت لإفادة حرمة الإيذاء وانما ذكر الفرد الخفي فيها لإفادة ان الإيذاء بأي مرتبة كان محرم ولا إشكال في ان العرف لا يفهم من القضية الدالة
على حجية الخبر الواحد انها سيقت لبيان اعتبار مطلق الظن واما الثاني
378

فلأنه ان أراد تنقيح المناط الظني فلا يفيد لعدم الدليل على اعتبار هذا الظن وان أراد تنقيح المناط القطعي فانى لأحد القطع بذلك فان ظهور الأدلة في كون اعتبار الخبر من باب الطريقية مسلم ولكن ليست الطريقية عبارة عن مجرد حصول الظن بل هي مطابقة المورد غالبا مع الواقع بحيث يكون مواقع التخلف في غاية الندرة وما لم يكن كذلك ولو احتمالا لا يحصل لنا القطع بتحقق المناط فلا يجوز لنا الحكم باعتبار كل ظن حصل لنا بمجرد جعل الشارع الخبر العادل حجة وان كان ذلك الظن أقوى من الظن الحاصل من الخبر لإمكان التخلف في الكل أو الغالب ولو فرضنا العلم بمطابقته غالبا فلا نعلم حصول تلك المرتبة من الغلبة التي رآها الشارع في الخبر هذا (الأمر الثاني) بعض الاخبار الواردة في تعارض الخبرين الدال على الأخذ بالشهرة كقوله عليه السلام خذ بما اشتهر بين أصحابك بدعوى ان المورد وان كان مما تعارض فيه الخبران لكن العبرة بعموم الجواب لا بخصوص المورد وفيه ان الموصول عبارة عن الخبر لا كل شيء وهو واضح وان سلمنا عمومه فالأشتهار عبارة عن الوضوح لا الشهرة في الاصطلاح وان سلمنا فغاية الأمر كون الشهرة مرجحة ولا تلازم بين المرجحية والحجية مستقلة
في الخبر الواحد
ومما قام الدليل على اعتباره بالخصوص في الجملة الخبر الواحد واعلم ان إثبات الحكم الشرعي من الألفاظ المنقولة عن المعصومين عليهم السلام بعد الفراغ عن أمور متعلقة بعلم الكلام يتوقف على أمور أربعة (أحدها) إحراز ان هذه الألفاظ صادرة عنهم عليهم السلام (والثاني) إحراز ان صدورها انما كان لأجل إفادة الحكم الواقعي لا للخوف
والتقية أو مصالح
379

آخر اقتضت إظهار الحكم على خلاف ما هو ثابت في الواقع (والثالث) إحراز ظواهر الألفاظ وتشخيص ما هو المتفاهم منها عرفا (والرابع) إحراز ان الظواهر منها مرادة للمتكلم وهذا
البحث انعقد للأول من هذه الأمور والثلاثة الأخيرة بين ما يكون مفروغا عنه وما يكون محلا للنظر ثم لا يخفى ان موضوع النزاع في هذا المبحث ليس الا في الخبر الواحد إذ ليس النزاع هنا الا في حجيته وعدمها فلا وجه لجعل الموضوع هو السنة الواقعية وجعل النزاع في ثبوته بالخبر الواحد تحفظا لموضوع علم الأصول لأن الالتزام بكون الموضوع في هذا العلم هو الأدلة الأربعة ليس له ملزم وقد أشبعنا الكلام في ميزان علم الأصول والفقه في أول الكتاب وكيف كان فاستدل المانع بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم ومنها التعليل المذكور في ذيل آية البناء والروايات الدالة على عدم قبول الخبر المخالف للكتاب ورد ما لم يوافقه وانه باطل زخرف والإجماع المحكي من السيد بل المحكي عنه انه بمنزلة القياس في كون تركه معروفا لدى الأصحاب (والجواب) اما عن الآيات فبأنها بعد تسليم دلالتها عمومات قابلة للتخصيص وبعد دلالة الدليل على حجية الخبر تخصص به بل الدليل الدال على حجية الخبر حاكم على تلك العمومات لأن لسان تلك الأدلة جعل مفاد الخبر بمنزلة الواقع (واما) عن التعليل المذكور في آية النبأ فيأتي عند ذكرها إن شاء الله (واما) عن الاخبار فبأنها بين طوائف منها ما يدل على عدم جواز العمل بالخبر الواحد عند التعارض وهذه الطائفة مع انها اخبار آحاد لا يجوز التمسك بها لعدم حجية الخبر الواحد لا يثبت المنع عن العمل مط
ومنها ما يدل على وجوب العرض على الكتاب وهو بين طائفتين (إحداها) ما يدل على طرح الخبر الذي يخالف الكتاب (والثانية) ما يدل على طرح الخبر
380

الذي لا يوافق الكتاب وهذه الاخبار وان حصل منها التواتر في الجملة لكن لا يثبت بها الا وجوب طرح ما يخالف الكتاب ولا تدل على السلب الكلي اما بناء على ان المراد من عدم الموافقة خصوص المخالفة كما هو الظاهر من هذا اللفظ عرفا فواضح واما على ظهوره في الأعم كما هو مدلوله اللغوي فلعدم ثبوت التواتر في خصوص الطائفة المشتملة على طرح غير الموافق منها بل التواتر المدعى هنا هو التواتر الإجمالي بمعنى العلم بصدور البعض في مجموع الطائفتين فاللازم الأخذ بالأخص مضمونا لأنه المتيقن على أي حال ثم ان المراد بالمخالفة لا يجوز ان يكون على نحو العموم والخصوص والإطلاق والتقييد لشيوع مثل هذه في الاخبار الصادرة عنهم عليهم السلام والتزام التخصيص في تلك الموارد شنيع جدا لا لكثرتها بل لأن الاخبار الدالة على رد الخبر المخالف للكتاب وكونه باطلا وزخرفا مما يأبى عن التخصيص كما لا يخفى فلا بد من حمل المخالفة على المخالفة على نحو التباين والقول بعدم صدور ما يباين الكتاب من الجاعلين مدفوع بان هذا الاستبعاد انما يصح فيما إذا نقلت تلك الاخبار المباينة للكتاب عن الأئمة عليهم السلام لا فيما إذا كان على نحو الدس في كتب الأصحاب (رض) (واما) الإجماع فالمحصل منه غير ثابت والمنقول غير مفيد مع انه معارض بالمثل وموهون بذهاب المعظم إلى الخلاف حجة المجوزين الأدلة الأربعة (اما) الكتاب فقد استدلوا بآيات منها آية النبأ قال الله تبارك وتعالى ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الآية تقريب الاستدلال من وجوه أحدها التمسك بمفهوم الشرط اندال على
381

عدم وجوب التبين عند مجيء غير الفاسق بالخبر (والثاني) التمسك بمفهوم الوصف حيث علق سبحانه الحكم على خبر الفاسق (والثالث)
التمسك بالمناسبة العرفية بين الفسق والتبين بحيث يظهر عند العرف ان وجه الإتيان به في الكلام كونه علة وبعد فرض كونه علة لا يمكن كون الخبر بذاته علة والا لزم استناد المعلول إليه لكونه أسبق مرتبة هذا وفي الكل نظر اما في الأخيرتين فلاحتمال ان يكون ذكر الوصف في الآية لمجرد التنبيه على فسق الوليد ولكن الإنصاف بعد هذا الاحتمال لأن العرف يفهم من هذه القضية مناسبة بين التبين والفسق والحق ان يقال ان المناسبة وان كانت محققة لكن لا يفهم من القضية ان وجه وجوب التبين في خبر الفاسق هذا الوصف بنفسه أو من جهة كونه ملازما لعدم حصول العلم غالبا فحينئذ يتردد العلة بين أمرين (أحدهما) وصف الفسق (والثاني) عدم
382

حصول العلم ولازم الأول حجية خبر العادل ولازم الثاني اشتراك خبر العادل الغير المفيد للعلم مع خبر الفاسق كذلك في عدم الحجية واما في الأول فلان الجزاء ليس الا التبين في خبر الفاسق ولا يمكن تحققه الا بعد مجيء الفاسق بالنبأ فالشرط مسوق لبيان تحقق الموضوع كما في قولك إذا ركب الأمير فخذ ركابه وإذا رزقت ولدا فاختنه والحاصل ان القضايا الشرطية التي تدل على المفهوم يشترط فيها ان تكون مشتملة على موضوع وشرط خارج عنه لتدل أداة الشرط على كون الحكم المستفاد من تلك القضية دائرا مدار ذلك الشرط واما فيما ثم يعقل تحقق الجزاء عند عدم الشرط العدم تحقق موضوعه فعدمه ح عقلي ليس من مفاد القضية ولا ينفع في المقام هذا العدم العقلي لأن المطلوب عدم وجوب التبين في خبر العادل لا عدم وجوب التبين في خبر الفاسق في صورة عدم تحققه لا يقال ان كلمة ان وأخواتها وان كانت موضوعة بالوضع اللغوي أو العرفي للدلالة
على ثبوت الحكم للموضوع عند وجود الشرط وعدمه عند عدمه لكن لما لم يمكن إرادة هذا المعنى في المقام لعدم وجود شرط خارج عن الموضوع يجب حمل القضية على علية الموضوع لسنخ الحكم المستفاد من المحمول حفظا لبعض مراتب ظهور تلك الأدوات وبعبارة أخرى ان سنخ المفهوم هنا سنخ مفهوم الوصف واللقب ان قلنا به غاية الأمر ان القول به فيهما خلاف التحقيق لعدم ما يدل عليه ولكن نقول به هنا لمكان أداة الشرط لأنا نقول ليس حمل الكلام على هذا المعنى حفظا لظهور أداة الشرط في الجملة لعدم دلالتها الا على العلية المنحصرة للشرط للحكم المتعلق بالموضوع في
383

القضية اللازم منها ارتفاعه عند عدمه عن ذلك الموضوع (لا يقال) ان الموضوع في القضية ليس نبأ الفاسق حتى يلزم انتفائه بانتفاء الشرط بل الموضوع هو النبأ ومجئ الفاسق به شرط خارج عنه فتدل الآية على وجوب التبين في النبأ على تقدير مجيء الفاسق به وعدمه على تقدير عدمه (لأنا نقول) ان كان المراد كون الموضوع هو طبيعة النبأ المقسم لنبأ العادل والفاسق فاللازم على تقدير تحقق الشرط وجوب التبين في طبيعة النبأ وان كانت متحققة في ضمن خبر العادل وان كان المراد كون الموضوع هو النبأ الموجود الخارجي فيجب ان يكون التعبير بأداة الشرط باعتبار الترديد لأن البناء الخارجي ليس قابلا لأمرين فعلى هذا ينبغي ان يعبر بما يدل على المضي لا الاستقبال هذا (وهاهنا) إشكالات آخر أوردت على دلالة الآية على حجية خبر العادل كلها قابل للدفع
384

(منها) ان العبرة في القضية المعللة ملاحظة تلك العلة عموما وخصوصا فقد يعمم العلة وان كان المذكور في أصل القضية خاصا وقد تخصص وان كان المذكور عاما وقد تكون معممة من وجه ومخصصه من وجه كما في قولك كل الرمان لأنه حامض حيث انه يتعدى منه إلى كل حامض ويخصص الرمان بالحامض إذا تمهد هذا فنقول ان صدر الآية وان كان دالا
حجية خبر العادل بالمفهوم الا ان التعليل يدل على وجوب التبين في كل خبر غير مفيد للعلم فتكون القضية بعد ملاحظة التعليل في قوة ان يقال ان جاءكم خبر لا يعلم صدقه وكذبه فتبينوا فيه لا يقال ان مقتضى التعليل حكم عام نظير ساير العمومات الدالة على عدم جواز العمل بغير العلم فلو فرض للآية مفهوم يجب ان يخصص العموم المستفاد من التعليل به كما يخصص به ساير العمومات لأنا نقول تقديم الخاص على العام انما يكون فيما لو دار الأمر بين طرح الدليل الخاص رأسا وبين طرح عموم العام ولا إشكال في ان الثاني متعين لأنه جمع بين الدليلين وليس ما نحن فيه من هذا القبيل لأن ما يترتب على أخذ عموم العلة ليس الا طرح المفهوم وهو بعض مدلول القضية كما ان ما يترتب على أخذ المفهوم ليس الا طرح العموم فالتعارض بين ظهور القضية الشرطية في المفهوم وظهور التعليل في العموم ولا شك ان التعليل أظهر في العموم من دلالة القضية على المفهوم فيكون التعليل لأظهريته قرينة صارفة عن انعقاد ظهور القضية في المفهوم نعم لو وقع التعارض بين مفهوم الآية وعام آخر يكون دلالته على العموم أضعف من دلالة القضية الشرطية في العلية المنحصرة يخصص ذلك العام بها كما هو الحال في معارضتها مع ساير العمومات الدالة على عدم جواز العمل بغير العلم والجواب عن الإشكال ان للتعليل لا يدل على عدم جواز الإقدام بغير العلم مطلقا بل يدل على عدم الجواز فيما إذا كان الإقدام في معرض حصول الندامة
385

واحتماله منحصر فيما لم يكن الإقدام عن حجة فلو دلت الآية بمفهومها على حجية خبر العادل فلا يحتمل ان يكون الإقدام على العمل به مؤديا إلى الندم فلا منافاة بين التعليل ومفهوم الآية أصلا (ومنها) ان الآية لو دلت على حجية خبر العادل لدلت على حجية خبر
السيد في نقله الإجماع على عدم حجية الخبر الواحد ولازم ذلك عدم حجية الخبر أصلا توضيح ذلك ان حجية خبر العادل مما يلزم من وجوده العدم وكلما كان كذلك فهو محال فحجية خبر العادل محال اما الكبرى فواضحة واما الصغرى فلأنه لو كان حجة لكان خبر السيد بعدم حجية الخبر الواحد أيضا حجة لكونه خبرا صادرا من العادل ولو كان هذا حجة لزم عدم حجية اخبار الآحاد مطلقا واما ما أجيب عنه بان خبر السيد غير قابل للحجية لأن حجيته مستلزمة لعدمها فغير سديد لأن عدم قابليته للحجية انما يكون باعتبار شموله لنفسه واما بالنسبة إلى ساير مداليله فقابل للحجية فحينئذ قول يمكن ان يلتزم بالتفكيك ويقال ان خبر السيد بالنسبة إلى نفسه ليس بحجة وبالنسبة إلى ساير مداليله موضوع لدليل الحجية فيقع التعارض بينه وبين ساير الافراد في حكم العام فالأولى في الجواب ان يقال ان يقال ان اخبار السيد لكونه نقلا للإجماع لا يشمله أدلة حجية الخبر كما عرفت سابقا وعلى فرض شمول الأدلة الأمر هاهنا دائر بين خروج هذا الفرد من العام وخروج باقي الافراد ولا شك في ان الأول متعين لأن الثاني مستلزم لحمل الكلام على اللغز والمعمى إذ في مقام إرادة عدم حجية خبر العادل إلقاء الكلام الدال على حجية مما لا ينبغي صدوره من المتكلم الحكيم قال شيخنا المحقق الخراساني دام بقاؤه في تعليقاته على ما يظهر من عبارته انه من الجائز ان يكون خبر العادل حجة من زمن صدور الآية إلى زمن صدور هذا الخبر من السيد قده وبعده يكون هذا الخبر حجة فقط فيكون
386

شمول العام لخبر السيد مفيدا لانتهاء الحكم في هذا الزمان وليس هذا بمستهجن ثم قال دام بقاؤه ما محصله ان حجية خبر العادل في زمان صدور الآية دون زماننا وان كانت خلاف الإجماع فانا نعلم بالإجماع ان الخبر لو كان حجة للأولين لكان حجة للآخرين الا انه لا بأس في مقام الأخذ بظاهر العموم ان يأخذ
الأولون بمقتضاه من حجية الخبر ونأخذ نحن أيضا بمقتضاه من عدم حجية هذا ملخص ما أفاده دام بقاؤه وفيه أولا ما عرفت ان بشاعة الكلام على تقدير شموله لخبر السيد ليست من جهة خروج تمام الافراد سوى فرد واحد حتى يدفع بما أفاده بل من جهة التعبير بالحجية في مقام إرادة عدمها وهذا لا يدفع بما أفاده وثانيا انه بعد تسليم الإجماع المذكور امر القضية دائر بين أمور كلها باطلة الا إرادة باقي الافراد وعدم إرادة خبر السيد لأن المتكلم بهذه القضية اما لم يرد حجية خبر العادل أصلا وهو خلاف الفرض واما أراد حجية كل الاخبار حتى خبر السيد وهو باطل أيضا للزوم التناقض واما أراد حجية كل الاخبار إلى زمان صدور الخبر من السيد وعدمها بعده وهو باطل أيضا لأنه خلاف الإجماع واما أراد حجية خصوص خبر السيد من بين الاخبار الآحاد وهو باطل أيضا لأنه مستهجن واما أراد حجية باقي الاخبار غير خبر السيد وهو المطلوب (ومنها) ان الآية لا تشمل الاخبار مع الواسطة ومحصل هذا الإشكال من وجهين (أحدهما) انه إذا قال الشيخ قده حدثني المفيد قال حدثني الصدوق مثلا فخبر المفيد لا يثبت لنا الا بدليل حجية قول الشيخ وكيف يصح ان يجعل خبر المفيد الذي تحقق تعبدا بواسطة قول الشارع صدق خبر العادل موضوعا لهذا الحكم فهذا من قبيل شمول قول القائل كل خبري
387

صادق لهذا الخبر الذي أخبر به فعلا غاية الأمر قضية كل خبري صادق توجد فردا حقيقيا للخبر بخلاف صدق العادل فإنه يوجد فردا تعبديا له وثانيهما ان قول الشارع صدق العادل ليس الا بملاحظة ترتيب الأثر ولا أثر لخبر المفيد للمخبر بقول الشيخ الا وجوب التصديق فيلزم ان يكون قضية صدق العادل ناظرة إلى نفسها وهو محال وعند التحقيق الإشكال الأول راجع إلى الثاني لأن إيجاد قضية صدق العادل الفرد التعبدي ليس معناه الا إيجاب ترتيب الأثر ولو أجبنا عنه فرغنا من الإشكالين والجواب ان وجوب تصديق
العادل فيما أخبره ليس من قبيل الحكم المجعول للشك تعبدا بل مفاد الحكم هنا جعل الخبر من حيث انه مفيد للظن النوعي طريقا إلى الواقع فعلى هذا لو أخبر العادل بشيء يكون ملازما لشيء له أثر شرعا اما عادة أو عقلا أو بحسب العلم نأخذ به ونرتب على لازم المخبر به الأثر الشرعي المرتب عليه والسر في ذلك ان الطريق إلى أحد المتلازمين طريق إلى الاخر وان لم يكن المخبر ملتفتا بالملازمة فحينئذ نقول يكفي في حجية خبر العادل انتهائه إلى أثر شرعي لا يقال انما ذكرت انما يصح فيما إذا كان بين المخبر به وشئ آخر ملازمة عادية أو عقلية وليس بين المخبر به فيما نحن فيه أعني حديث المفيد وصدقه ملازمة لا عادية ولا عقلية فالانتقال من خبر المفيد المخبر بقول الشيخ إلى تحقق مضمونه لا يجوز الا ببركة قول الشارع صدق العادل فيجب ان يكون هذا الحكم باعتبار تعلقه بخبر الشيخ ناظرا إلى نفسه لأنا نقول ان الملازمة وان لم تكن عقلية ولا عادية ولكن يكفي ثبوت الملازمة الجعلية بمعنى ان الشارع جعل الملازمة النوعية الواقعية بين اخبار العادل وتحقق المخبر به بمنزلة الملازمة القطعية ولا تكون قضية صدق العادل ناظرة إلى هذه الملازمة كما لا تكون ناظرة إلى الملازمة العقلية والعادية بل يكفي في
388

ثبوت هذا الحكم ثبوت الملازمة في نفس الأمر حتى تكون منتجة للحكم الشرعي العملي وان شئت قلت كما ان الطريق إلى الحكم الشرعي العملي ابتداء طريق إليه ويشمله أدلة الحجية كذلك طريق الحكم الشرعي أيضا طريق إليه فيشمله دليل الحجية فافهم وتدبر هذا مضافا إلى ان قضية صدق العادل بعد القطع بعدم كون المراد منها التصديق القلبي يجب ان تحمل على إيجاب العمل في الخارج وليس لقول المفيد المخبر بقول الشيخ أثر عملي أصلا ولو بعد ملاحظة كونها موضوعا لوجوب التصديق
لأن التصديق ليس أثرا عمليا في نفسه بعد ما لم يكن المراد التصديق القلبي والأثر العملي منحصر فيما ينتهى إليه هذه الاخبار وهو قول الإمام عليه السلام يحب الصلاة مثلا فيجب ان يكون قضية صدق العادل عند تعلقها بقول الشيخ ناظرة إلى ذلك الأثر وهو لا يصح الا بملاحظة ما ذكرنا وبعبارة أخرى أوضح احتمال عدم وجوب الصلاة في المثال المذكور مستند إلى احتمال كذب أحد العدول المذكورة في السلسلة فمعنى إلقاء احتمال كذب العادل يرجع إلى إيجاب العمل بما انتهى إليه قول الرواة العدول ومن الآيات التي استدل بها على حجية الخبر آية النفر قال الله تعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون تقريب الاستدلال بوجوه أربعة (أحدها) استظهار رجحان الحذر من لفظه لعل اما بانسلاخها عن معناها الحقيقي وهو الترجي الواقعي وحملها على مطلق الطلب أو مع إبقائها على حقيقتها على ما هو التحقيق يكون معناها هو الترجي الإيقاعي ولا ينافي ذلك صدورها ممن هو عالم بحقيقة الأمر ثم القول بالوجوب من باب الملازمة العقلية بين رجحان الحذر ووجوبه لما أفاده صاحب المعالم من ان المقتضى
389

للحذر اما ان يكون موجودا فيجب واما لا يكون موجودا فلا يحسن (الثاني) استظهار رجحان الحذر مما ذكر مع القول بوجوبه من جهة الإجماع على عدم كون العمل بالخبر الواحد مستحبا لأن العلماء بين من يقول بالحرمة ومن يقول بالوجوب فلا قائل بالاستحباب فإذا ثبت الوجوب بالإجماع (الثالث) استكشاف وجوب الحذر من جهة وقوعه غاية للإنذار الواجب من جهة وقوعه غاية للتفقه الواجب من جهة وقوعه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لولا التحضيضية الرابع استظهار وجوب الإنذار مما ذكر واستكشاف وجوب الحذر بالملازمة
العقلية لأنه لو لم يجب الحذر عقيب الإنذار لزم لغوية وجوب الإنذار ولا يخفى عدم تمامية شيء من الوجوه اما الأول فلإمكان كون الحذر بالنسبة إلى فوت المصالح الواقعية وارتكاب المفاسد الكامنة في الأشياء واما الثاني والثالث فلابتنائهما على إطلاق رجحان الحذر حتى في عدم العلم بمطابقة قول المنذر للواقع وليس الكلام مسوقا له كما لا يخفى واما الرابع فلأنه يكفي في عدم اللغوية حصول العلم من جهة إنذار المنذرين في بعض الأحيان ووقوع الحذر بعد العلم فان قلت كيف يمكن القول لوجوب الإنذار على الإطلاق وعدم القول بوجوب الحذر كذلك مع ان وجوب المقدمة تابع لوجوب ذاتها إطلاقا وتقيدا قلت قد يجب غير المقدمة معها لعدم كون ما هو المقدمة ممتازا عند المكلف فيجوز ان يجب مطلق الإنذار لعدم تميز الإنذار المفيد للعلم من بين الإنذارات للوصول إلى ما هو المقصود الأصلي هذا مضافا إلى احتمال ان يقال ان الآية ليست الا في مقام إفادة وجوب تعلم أحكام الله واقعا والإنذار بها والحذر عن مخالفتها ولا يثبت بها وجوب التعبد
بما
390

لم يعلم انه حكم الله تعالى كما هو محل البحث ثم ان شيخنا المرتضى قده أورد على الاستدلال بالآية بأنها أجنبية عن المقام فان الكلام في انه هل يجب الحكم بصدور الألفاظ المنقولة عن الحجة عليه السلام بالخبر الواحد أولا ولا شك في ان مجرد هذا لا يوجب صدق الإنذار على فعل الناقل ولا صدق الحذر على تصديق المنقول إليه فالأنسب الاستدلال بها على حجية فتوى الفقيه للعامي وفيه انه ليس حال الناقلين للاخبار إلى غيرهم في الصدر الأول الا كحال
الناقلين للأحكام من المجتهدين إلى مقلد بهم فلو قال أحد حاكيا من قول المجتهد اتقوا الله في شرب الخمر فإنه يوجب العقاب مثلا يصدق انه منذر مع ان نظره ليس بحجة وكذلك حال الرواة بالنسبة إلى من تنقل إليهم الاخبار من دون تفاوت أصلا نعم يبقى الكلام في نقل الاخبار التي ليست مشتملة على الإنذار كالاخبار الدالة على الإباحة والاستحباب والكراهة لكن الأمر فيها سهل بعد الإجماع على عدم الفرق بين افراد الاخبار ومما ذكرنا في هذه الآية من عدم دلالتها على وجوب أخذ قول المنذر تعبدا تعرف بطلان الاستدلال بآية الكتمان لأن حرمة الكتمان ووجوب إظهار الحق لا تلازم وجوب قبول السامع عند الشك تعبدا كما لا يخفى ومن الآيات التي استدل بها للمقام آية السؤال عن أهل الذكر قال جل وعلا فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون تقريب الاستدلال ما مر في السابق من الملازمة لأن إيجاب السؤال مع عدم وجوب القبول لغو وفيه مضافا إلى ما مر من الجواب انها لو دلت على حجية الخبر لدلت على حجية الاخبار التي وردت في ان المراد بأهل الذكر هم الأئمة عليهم السلام وعلى هذا لا دخل لها بحجية الخبر الواحد فصحة الاستدلال بها توجب عدم صحة
391

الاستدلال بها هذا ومن جملة الآيات التي استدلوا بها آية الاذن قال الله تعالى ويقولون هو اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فإنه تعالى قرن تصديق نبيه صلى الله عليه وآله للمؤمنين بتصديقه جل وعلا ومدحه بذلك وفيه ان الظاهر من الآية بقرينة تعدية الإيمان في الفقرة الثانية باللام ان الله تعالى مدح نبيه صلى الله عليه وآله بحسن المعاشرة مع المؤمن بقبول قوله فيما ينفعه ولا يضر غيره لا بتصديق قول المؤمن مط بمعنى ترتيب جميع الآثار كما هو المقصود وهذا هو المراد من التصديق في قول الإمام عليه السلام فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال قولا
وقال لم أقله فصدقه وكذبهم واما السنة فأخبار كثيرة الا ان صحة التمسك بها تبتنى على تواترها اما لفظا واما معنى واما إجمالا بمعنى العلم بصدور بعضها من الإمام عليه السلام والا لما أمكن التمسك بها على حجية اخبار الآحاد والأولان وان كانا منقودين الا ان الأخير ليس قابلا للإنكار كما لا يخفى على من لاحظ الاخبار الواردة في هذا الباب وعلى هذا يجب الأخذ بأخصها مضمونا لكونه القدر المتيقن من بينها و ح لو نهض ما هو القدر المتيقن على حجية ما عداه لوجب الأخذ به كما ان الأمر كذلك فان في الاخبار ما هو جامع لشرائط الحجية ويدل على حجية خبر الثقة وعليك بالمراجعة فيها حتى تجد صدق ما ادعينا ولكن المتيقن من مدلول ما هو القدر المتيقن حجية الخبر الموثوق الصدور من جهة الوثوق بصدق الراوي دون الجهات الخارجية نعم لو تم بناء العقلاء الذي يتكلم فيه بعد ذلك إن شاء الله لدل على حجية كل خبر يطمئن النفس بصدوره من أي جهة كان
392

(واما الإجماع) فتقريره من وجوه أحدها دعواه على حجية الخبر الواحد في قبال السيد واتباعه والثاني دعواه على حجية في حال الانسداد مط حتى من السيد واتباعه والثالث دعوى السيرة واستمرار طريقه المسلمين طرا على استفادة الأحكام الشرعية من الثقات والرابع استقرار طريقة العقلاء وتحصيل الإجماع على الوجه الأول بأحد وجهين أحدهما تتبع كلمات العلماء وأقوالهم رضوان الله عليهم والثاني تتبع الإجماعات المنقولة والعلم بتحقق الإجماع المحصل اما بنفس الإجماعات المنقولة واما بضميمة شواهد اخر ولا يخفى ما في كلا الوجهين فان تتبع كلماتهم مع احتمال كون مدركهم مثل آية النبأ أو غير ذلك من الأدلة التي ذكرت سابقا لا يوجب الحدس القطعي برأي الحجة عليه السلام ومن هنا تعرف حال الوجه الثاني واما دعوى الإجماع مط حتى من السيد واتباعه على حجية الخبر الواحد
في زمان الانسداد فلا تنفع بعد احتمال ان المستند للمطلق منهم هو الأدلة التي ذكرنا وللمقيد منهم بحال الانسداد هو حكم العقل بحجية كل ظن سواء حصل من الخبر أم من غيره واما دعوى سيرة المسلمين فلم يحرز ان عملهم بخبر الثقات من حيث كونهم مسلمين لاحتمال ان يكون ذلك منهم من جهة كونهم عقلاء فيرجع إلى الوجه الرابع نعم هذا الوجه أعني بناء العقلاء لو تم عدم ردع الشارع إياهم لأثبت المدعى فينبغي التكلم فيه فنقول الذي يمكن ان يكون رادعا لهم الآيات المتكاثرة والاخبار المتواترة على حرمة العمل بما عدا العلم وشئ منها لا يصلح لأن يكون رادعا بيان ذلك انه بعد فرض كون حجية خبر الثقة مركوزة في أذهان العقلاء لو تكلم أحدهم مع الاخر وقال لا يجوز أو لا يحسن العمل بغير العلم أو لا ينبغي نقض اليقين بغير اليقين مثلا يفهم السامع من كلام هذا المتكلم ان المراد من العلم
393

أعم من الجزم وما هو بمنزلته عندهم والمفروض ان حجية قول الثقة مفروغ عنها عند المتكلم والسامع لكونهما من العقلاء والقضايا الصادرة عن أحدهما الملقاة إلى الاخر التي حكم فيها على موضوع العلم محمولة على ما هو العلم بنظرهم وفي حكمهم وعلى هذا نقول ان تكلمات الشارع مع العرف والعقلاء حالها حال تكلمات بعضهم مع الاخر لأنه بهذه الملاحظة بمنزلة أحد من العرف ومن هذه الجهة يحمل الأحكام الشرعية الواردة في القضايا اللفظية على المصاديق العرفية و ح نقول نهى الشارع عن العمل بغير العلم بنظر العرف والعقلاء محمول على غير صورة الاطمئنان والوثوق الذي فرض كونه عنده بمنزلة العلم نعم لو أراد الشارع العمل بغير العلم بنظر العرف والعقلاء فالواجب ان يعلمهم بلفظ دال عليه صريحا كان يقول يحرم عليكم العمل بالأطمينان أو مثل ذلك هذا محصل الكلام في المقام وعليك بالتأمل
واستدل شيخنا المحقق الخراساني دام بقاؤه على عدم صلاحية الأدلة المذكورة للردع بلزوم الدور لو كانت رادعة وبيانه ان رادعية تلك الأدلة تتوقف على وجوب اتباعها مط حتى في موارد خبر الثقة وهو يتوقف على عدم حجيته كيف ولو كان حجة لكان واردا أو حاكما عليها فلو كان خبر الثقة غير حجة بواسطة كونها رادعة للزوم الدور لتوقف رادعيتها على عدم حجية خبر الثقة المتوقف على رادعيتها فلا تكون تلك الأدلة رادعة الا على وجه دائر وفيه أولا انه يمكن تقرير نظير هذا الدور في طرف حجية خبر الثقة بان يقال ان حجية خبر الثقة تتوقف على عدم رادعية تلك الأدلة إذ على تقدير رادعيتها لا يكون خبر الثقة حجة كما هو المفروض وعدم رادعيتها يتوقف على حجية خبر الثقة إذ على تقدير عدم حجيته يكون عموم الأدلة متبعا في موارد وجود خبر الثقة فلا يمكن ان يكون خبر الثقة حجة الا على وجه دائر
394

وثانيا ان ما أفاده من توقف رادعية الأدلة على عدم حجية خبر الثقة فمسلم لما عرفت من انه على تقدير حجيته لا يبقى مجال للعمل بالعمومات واما توقف عدم حجيته على رادعية تلك الأدلة فممنوع إذ يكفي في عدم الحجية عدم العلم بإمضاء الشارع وهو حاصل قبل الفراغ عن عدم كون تلك الأدلة رادعة فتدبر جيدا واما العقل فهو من وجوه بعضها مختص بحجية الخبر وبعضها يثبت حجية مطلق الظن (اما الأول) فمن وجوه (أحدها) انا نعلم إجمالا بصدور كثير من الاخبار التي بأيدينا بحيث لو علم تفصيلا لانحل العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي و ح يجب بحكم العقل العمل بكل خير مثبت للتكليف ويجوز العمل بكل خبر ناف له لخروج مورده عن أطراف العلم ولا يخفى ان مقتضى هذا الدليل على تقدير تماميته هو وجوب العمل بكل خبر مثبت للتكليف لو لم يكن في مورده أصل مجعول شرعي
ينافي مقتضى الخبر والا لم يكن العمل بمضمون الخبر متعينا بل المتعين هو العمل بالأصل ان كان مثبتا للتكليف أيضا والا يوجب الترخيص في مخالفة الاحتياط بالعمل بالخبر هذا إذا كانت الأصول الواردة في موارد الاخبار حجه بمعنى عدم العلم بخلافها إجمالا واما لو علم ذلك فان كان هذا العلم الإجمالي في الأصول المثبتة للتكليف الواردة في موارد الاخبار المثبتة لتكليف اخر
فمقتضى القاعدة التخيير لأن المقام من دوران الأمر بين محذورين للعلم بصدور اخبار مثبتة للتكلف إجمالا وشمول دليل الأصل بعض موارد وجود الاخبار على نحو الإجمال أيضا نعم لو قلنا ان دليل الأصل يقصر عن ثبوت الحكم في موارد العلم الإجمالي
395

بالخلاف يجب العمل بمقتضى الاحتياط في مضمون الاخبار وان كان العلم الإجمالي بخلاف الأصول المثبتة في موارد الاخبار النافية فلزوم العمل بمقتضى تلك الأصول وعدمه مبنى على ما أشير به آنفا من قصور أدلتها في مورد العلم الإجمالي وعدمه فان قلنا بالأول فتسقط عن الحجية وان قلنا بالثاني كما هو التحقيق يجب العمل بمقتضاها هذا حال الأصول المثبتة في مورد الاخبار المثبتة والنافية واما الأصول النافية في موارد الاخبار المثبتة فلو علم إجمالا بخلافها يجب طرحها رأسا سواء قلنا بعدم شمول أدلتها لها أم لا اما على الأول فواضح واما على الثاني فلان العمل بالكل موجب للمخالفة القطعية وهي قبيحة عقلا والعمل بالبعض معينا ترجيح من غير مرجح وغير معين لا دليل عليه فظهر مما ذكرنا كله ان وجوب العمل بالأخبار بمقتضى هذا الدليل لا يفي بما هو المراد والمقصود من حجية الخبر هذا ويظهر من جواب شيخنا المرتضى قده عن هذا الدليل دعوى العلم بالاحكام زائدة على المقدار المعلوم في الاخبار الصادرة والذي ينادى بذلك دعواه بأنا لو فرضنا عزل طائفة من الاخبار وضممنا إلى الباقي مجموع الأمارات التي بأيدينا كان العلم الإجمالي بحاله ومن المعلوم عدم صحة
هذه الدعوى الا بعد العلم بالتكاليف زائدة على المقدار المعلوم في الاخبار الصادرة إذ لو لا ذلك لما حصل العلم بعد عزل طائفة من الاخبار لإمكان كون المعلوم بتمامه في تلك الطائفة التي عزلناها و ح لا يرد عليه إشكال إذ مع صحة الدعوى المذكورة لا إشكال في لزوم الأخذ بباقي الأمارات لكونها من أطراف العلم الإجمالي نعم يمكن منع العلم زائدا على ما حصل لنا في الاخبار الصادرة (الوجه الثاني) ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الخبر الموجود في
396

الكتب المتعمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر قال لأنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة سيما بالأصول الضرورية كالصلاة والزكاة والحج والمتاجر والأنكحة ونحوها مع ان جل اجزائها وشرائطها وموانعها انما يثبت بالخبر الواحد الغير القطعي بحيث يقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور عند ترك العمل بالخبر الواحد ومن أنكر فإنما ينكر باللسان وقلبه مطمئن بالايمان انتهى أقول هذا الدليل كالدليل الأول الا ان المدعى فيه العلم الإجمالي بصدور خصوص الاخبار الدالة على الشرائط والاجزاء والموانع ويرد عليه مضافا إلى ما يرد على الأول انه لا يثبت وجوب العمل بالخبر المثبت لأصل التكليف (الوجه الثالث) ما ذكره بعض الأساطين في حاشيته على المعالم وملخصه ان وجوب العمل بالكتاب والسنة ثابت بالإجماع بل بالضرورة والاخبار المتواترة وبقاء هذا التكليف أيضا بالنسبة إلينا ثابت بالأدلة المذكورة و ح فان أمكن الرجوع إليهما على وجه يحصل العلم بهما بحكم أو الظن الخاص به فهو والا فالمتبع هو الرجوع إليهما على وجه يحصل الظن منهما أقول لا يخفى ان المراد من السنة التي ادعى الإجماع والضرورة على وجوب العمل بها ان كانت السنة الواقعية فهذا يرجع إلى دليل الانسداد الآتي المثبت لحجية
كل ظن لا خصوص الاخبار وان كان المراد هو الاخبار الآحاد الحاكية عن السنة فمع انه لا ينبغي دعوى الضرورة على وجوب العمل بها يوجب العمل بما هو متيقن الاعتبار لو كان والا فالعمل بالكل تحصيلا للامتثال اليقيني ولا يجوز الاكتفاء بالخبر المظنون الصدور أو الاعتبار
397

[أدلة حجية مطلق الظن]
واما الوجوه التي استدل بها على حجية مطلق الظن من غير خصوصية للخبر فهي أربعة (الأول) ان مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم اما الصغرى فلان الظن بالوجوب أو الحرمة مستلزم للظن بالعقوبة على المخالفة أو بالمفسدة اللازمة لترك الواجب أو فعل الحرام بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها واما الكبرى فلاستقلال العقل بها بل قيل ان وجوب دفع الضرر المظنون متفق عليه بين العقلاء وان لم نقل بالتحسين والتقبيح والجواب ان الضرر الأخروي غير مظنون بل ولا محتمل من جهة عدم البيان واما الغير الأخروي ان سلمنا الظن به فلا يوجب صحة العقوبة بداهة ان مجرد هذا الظن ليس منشأ للعقوبة وليس هنا حكم عقلي يوجب العقوبة بل المحقق في موارد الظن بالضرر تحرز النفوس بمقتضى الجبلة ولا يختص ذلك بالعقلاء بل هو امر مرتكز في نفوس تمام الحيوانات ومعلوم ان مثل هذا الارتكاز الجبلي الذي ليس منشأه التحسين والتقبيح ليس موجبا لصحة العقوبة والحاصل ان تحرزهم عن الضرر انما هو من جهة حبهم للنفس والمال وليس من أقدم عليه لغرض من الأغراض ممن يعد عند العقلاء مقدما على القبيح كمن يقدم على الظلم فلم يبق الا ان المقدم على الضرر المظنون أو المحتمل يقع فيه على فرض وجوده وهذا لا ينكره أحد سواء كان بناء العقلاء على الاحتراز عن الضرر أم لا انما الكلام في انه هل للمولى حجة على مؤاخذته مط أو على تقدير الوقوع في الضرر
الواقعي أولا وقد عرفت عدمها هذا مضافا إلى انه لا يلزم ان يكون المفاسد الكامنة في فعل المحرم أو ترك الواجب من الضرر الراجع إلى المكلف حتى يحصل في الإقدام على المظنون
398

المحرمة وترك مظنون الوجوب مخالفة الكبرى المدعاة كما هو واضح (الوجه الثاني) انه لو لم يأخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح وفيه انه ان أراد من الراجح ما هو راجح بملاحظة أغراض الفاعل ويقابله المرجوح كذلك فترجيح المرجوح بهذا المعنى غير ممكن لأنه راجع إلى نقض الغرض وليس مجرد الأخذ بالطرف الموهوم ترجيحا للمرجوح بهذا المعنى إذ ما لم يترجح بملاحظة أغراضه لم يمل إليه وان أراد من الراجح هو الظن فعدم الأخذ به واختيار طريق الموهوم وان كان ترجيحا للمرجوح بمعنى اختيار الطرف الموهوم ولكن قبح ذلك موقوف على تنجز الأحكام الواقعية ولزوم امتثالها وانحصار طريق الامتثال بالظن أو الوهم أو الشك لكن هذا راجع إلى دليل الانسداد الآتي وليس وجها مستقلا (الوجه الثالث) ما عن السيد الطباطبائي قده من انه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالإتيان بكل ما يحتمل الوجوب وترك كل ما يحتمل الحرمة ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لأنه عسر أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط ونفي الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لأن الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل إجماعا ولا يخفى رجوع هذا إلى دليل الانسداد المعروف مع إسقاط بعض المقدمات التي لا ينتج بدونها
في دليل الانسداد
الوجه الرابع هو الدليل المعروف بدليل الانسداد وهو مركب من مقدمات
399

(أحدها) العلم الإجمالي بثبوت تكاليف كثيرة في الشريعة (الثانية) عدم لزوم الامتثال على نحو يقطع بإتيانها أو إتيان ما يكون بدلا عنها لا على وجه التفصيل ولا على وجه الإجمال سواء كان عدم لزوم ذلك بواسطة عدم التمكن أم بواسطة الاذن الصادر منه (الثالثة) عدم جواز الإهمال وترك التعرض لامتثالها أصلا (الرابعة) انه في مقام دوران الأمر بين الامتثال على وجه الظن وبينه على وجه الشك والوهم يكون اختيار الشك والوهم في قبال الظن قبيحا عند العقل ولو تمت هذه المقدمات التي ذكرناها يجب الأخذ بالظن قطعا إذ العلم الإجمالي بوجود التكاليف ثابت بحكم المقدمة الأولى وليس على المكلف امتثالها على نحو يوجب القطع بالسقوط لا على نحو الامتثال العلمي التفصيلي ولا على نحو الامتثال بالطرق المعتبرة تفصيلا أو الأصول المعتبرة كذلك ولا على نحو الامتثال الإجمالي بحكم المقدمة الثانية ولا يجوز له إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا بحكم المقدمة الثالثة ولا يجوز العقل رفع اليد عن الظن وأخذ المشكوك والموهوم
في قباله بحكم المقدمة الرابعة فلا سبيل له الا الأخذ بالظن (اما المقدمة الأولى) فلا سبيل إلى إنكارها اما المقدمة الثانية) فتوضيحها ان الامتثال على نحو يوجب العلم ببراءة الذمة بأحد أمور (منها) إحراز التكاليف تفصيلا بمقدار ينحل العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي والإتيان بما علم تفصيلا (ومنها) إحرازها بالمقدار المذكور بالطرق الشرعية المعتبرة والأصول المثبتة للتكاليف والاحتياط في الموارد الجزئية التي تقتضي القاعدة الاحتياط فيها ولو مع قطع النظر عن العلم الإجمالي المذكور (ومنها) إتيان
كل ما يحتمل كونه واجبا وترك كل ما يحتمل كونه حراما
400

اما الأول فلا سبيل إليه قطعا لشهادة كل أحد ان المعلومات في الفقه بالنسبة إلى غيرها لندرتها تكاد ان تلحق بالمعدوم اما الثاني فيبتني على المراجعة فيما ذكرنا من الأدلة على حجية الخبر فان قطع منها بحجية قسم خاص منه يفي بالفقه كالخبر الموثوق صدوره فقد استراح من الرجوع إلى الظن المط والا فمرجعه الظن المط ان تم باقي المقدمات وستطلع عليه واما الرجوع إلى الأصول المثبتة فلا يكفي لعدم وفائها في الفقه بحيث توجب انحلال العلم الإجمالي مضافا إلى ان الأمارات الموجودة في مواردها قد توجب العلم الإجمالي بخلاف مفادها والعلم الإجمالي بخلاف مؤدى الأصول مضر لنا فيما نحن بصدده سواء كان العلم الإجمالي بنفي التكليف في بعض مواردها أم بإثبات تكليف آخر مضاد للمؤدى الأصول وان قلنا بان مجرد العلم الإجمالي بعدم التكليف بين الأصول المثبتة له لا ينافي إجراء الأصل اما الثاني فواضح واما الأول فلان تلك الأصول التي فرضناها كافية في الفقه لو لا هذا العلم تصير غير كافية بملاحظة العلم المذكور فإنه بعد العلم بعدم ثبوت التكاليف في بعض مواردها يعلم ان المعلوم بالإجمال في غير موردها اللهم الا ان يفرض الأحكام الظاهرية المستفادة من الأصول زائدة على المقدار المعلوم من التكاليف المعلوم إجمالا بحيث لم يعلم بتكاليف آخر في غير مؤدى الأصول حتى بعد العلم الإجمالي بعدم التكليف في بعض مواردها وهو كما ترى والحاصل ان اكتفاء المجتهد بالعمل بالأصول المثبتة للتكليف والاحتياط في الموارد الجزئية ورفع اليد عن ساير الأمارات لا يجوز لأمرين أحدهما قلة مواردها بحيث لا تفي بالمقدار المعلوم إجمالا الثاني ان العلم الإجمالي بمخالفة مواردها للواقع يوجب سقوطها عن الاعتبار
فيما كان العلم بتكليف آخر مضاد لمؤدى الأصول ويوجب عدم الاكتفاء بمؤدى الأصول فيما كان العلم بعدم ثبوت التكليف في بعض مواردها نعم يلزم الأخذ بمؤدى الأصول المذكورة بواسطة سقوط العلم الإجمالي بالمخالفة عن الاعتبار وإعمال الظن في
401

غيرها لا انه يقتصر في الفقه على العمل بتلك الأصول ويطرح ساير الأمارات المثبتة للأحكام لا يقال ان من الطرق إلى التكاليف الواقعية الأخذ بفتوى الفقيه حيث دلت الأدلة الخاصة على اعتبارها للجاهل لأنا نقول الرجوع إلى فتوى الفقيه انما يجب على غير البصير لا على الفاضل المتدرب الذي يقطع بفساد مبنى الفقيه الاخر من دعوى انفتاح باب العلم والعلمي وهذا واضح واما الطريق الثالث من الطرق للامتثال القطعي أعني إتيان محتملات الوجوب وترك محتملات الحرمة فقد يقال بعدم وجوبه بل بعدم جوازه لاختلال النظام بذلك لكثرة ما يحتمل وجوبه خصوصا في أبواب الطهارة والصلاة قال شيخنا المرتضى قده في تقريب ذلك لو بنى العالم الخبير بموارد الاحتياط فيما لم ينعقد عليه إجماع قطعي أو خبر متواتر على الالتزام بالاحتياط في جميع أموره يوما وليلة لوجد صدق ما ادعينا هذا كله بالنسبة إلى نفس العمل بالاحتياط واما تعليم المجتهد موارد الاحتياط لمقلديه وتعلم المقلد موارد الاحتياطات الشخصية وعلاج تعارض الاحتياطات وترجيح الاحتياط الناشئ عن الاحتمال القوى على الاحتياط الناشئ عن الاحتمال الضعيف فهو مستغرق لأوقات المجتهد والمقلد فيقع الناس من جهة تعليم هذه الموارد وتعلمها في حرج يخل بنظام معاشهم ومعادهم انتهى لا يخفى ان العلم ان العلم الإجمالي انما يكون بين موارد الأمارات المثبتة للتكليف لا بينها وبين ما لا يكون عليه أمارة أصلا فحينئذ نقول لا يلزم من الاحتياط في تمام مواردها
حرج بحيث يوجب اختلال النظام بل لا يكون حرجا لا يتحمل عادة بالنسبة إلى كثير من المكلفين الذين ليس محل ابتلائهم الا
402

القليل من التكاليف واتفاق الحرج في بعض الموارد لبعض الأشخاص يوجب دفع الاحتياط عنه لا عن عامة المكلفين فمقتضى القاعدة الاحتياط في الدين الا في موارد خاصة مثل ان يوجب اختلال النظام أو كان معا لا يتحمل عادة أو لم يكن الاحتياط ممكنا كما إذا دار الأمر بين المحذورين أو وقع التعارض بين احتياطين أو أوجب الاحتياط المخالفة القطعية لواجب قطعي آخر فيجب العمل بالظن لأنه لا طريق للمكلف أقوى منه والحاصل ان دعوى الحرج لا سيما الموجب لاختلال النظام بالنسبة إلى آحاد المكلفين الموجب لسقوط الامتثال القطعي عن الكل في غاية الإشكال ومما يدل على ما ذكرنا ان بناء سيد مشايخنا الميرزا الشيرازي قدس الله نفسه الزكية كان على إرجاع مقلديه إلى الاحتياط وقل ما اتفق منه إظهار الفتوى والمخالفة للاحتياط وكان مرجع تمام افراد الشيعة مدة متمادية ومع ذلك ما اختل نظام العالم بواسطة الرجوع إلى الاحتياط وما كان تحمل هذا الاحتياط شاقا على المسلمين بحيث لا يتحمل عادة وكيف كان هذه الدعوى محل نظر بل منع ثم لو سلمنا تحقق العسر والحرج في العمل بالاحتياط الكلي فان كان بحيث يختل به النظام فالعقل حاكم بطرحه ولا إشكال فيه واما لو لم يكن بهذه المثابة فالتمسك في رفعه بالأدلة السمعية الدالة على نفي الحرج في الدين محل تأمل إذ يمكن ان يقال ظاهرها عدم جعل الشارع تعالى تكليفا يوجب الحرج بنفسه ولا إشكال في ان التكاليف المجعولة من قبل الشارع ليست بنفسها بحيث يوجب امتثالها الحرج والمشقة وانما جاء الحرج من قبل جهل المكلف في تعيينها وبعد عروض هذا الجهل يحكم العقل بوجوب الاحتياط وليس الاحتياط شرعيا حتى يلزم منه جعل الحرج فما جعله الشارع ليس بحرجي وما يكون حرجيا
ليس بمجعول الشارع هذا ولكن الإشكال في الكبرى ليس في محله بعد ملاحظة الإنصاف وفهم
403

العرف فان ما يفهم العرف من أدلة الحرج هو عدم تحقق الحرج على المكلف من ناحية الشارع سواء كان بجعله ابتداء أم كان بجعل الأحكام الواقعية واشتبه على المكلف فوقع في الكلفة بحكم العقل وإمضاء الشارع نعم يمكن القول بعدم شمولها للموارد التي ألزم المكلف على نفسه المشقة كما لو أجر نفسه لعمل شاق بوجهين أحدهما ان القضية واردة في مقام المنة ولا منة في هذه الموارد والثاني ان العمل بعد هذا الالتزام مستند إلى نفس الملتزم لا إلى الشارع وقد يورد على الأخذ بالاحتياط انه مخالف للاحتياط وهذا الإيراد مبنى على اعتبار قصد الوجه وقد أشبعنا الكلام في الجواب عن ذلك في مبحث مقدمة الواجب فراجع ونزيد هنا انا لو سلمنا ذلك فهو مخصوص بصورة قدرة المكلف على تحصيل العلم التفصيلي واما في غيرها فلا خصوصا في ما إذا لم يقدر على تحصيل الطريق الشرعي أيضا كما هو المفروض في المقام لأن الظن الذي لم يقم دليل شرعي على حجية لا يجوز قصد الوجه به وان اكتفي المدعى بقصد الوجه بالوجوب العقلي فهو ممكن بالنسبة إلى الاحتياط اللازمة بمقتضى حكم العقل في المقام هذا واما المقدمة الثالثة وهي عدم جواز ترك التعرض لامتثال التكاليف بنحو من الأنحاء فيدل عليه أولا العلم الإجمالي بوجود الأحكام وهو يوجب الموافقة القطعية وبعد عدم التمكن أو عدم الوجوب يسقط الموافقة القطعية ولكن يبقى حرمة المخالفة القطعية بحالها فان قبح المخالفة القطعية لا يمكن ان يرفع في حال من الأحوال كما قرر ذلك في محله (الثاني) الإجماع القطعي فان إهمال معظم الأحكام وكون المكلفين بالنسبة إليها كالبهائم والأنعام مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعا وهو الذي يعبر عنه في لسان العلماء بالخروج عن الدين
404

فان من اقتصر على ما علم من الأحكام مع قلتها
وترك المجهولات مع كثرتها يكاد ان لا يعد من الملتزمين بدين الإسلام والحاصل ان بطلان هذه الطريقة أوضح من ان يخفى على العوام فضلا على الخواص (واما المقدمة الرابعة) وهي
ترجيح الظن في مقام الامتثال على غيره بعد التنزل عن العلم فان تمسكنا في المقدمة الثالثة بالعلم الإجمالي فوجهه واضح فإنه موجب للموافقة القطعية بحسب اقتضائه الأولى فإذا لم يجب الموافقة فلا يسقط عن تنجيز الواقعيات رأسا كيف وحرمة المخالفة القطعية من آثار هذا العلم عقلا وإذا لم يسقط عن التنجيز فاللازم مراعاته بقدر الإمكان وهو منحصر بالاخذ بالظن واما لو لم نقل بتأثير العلم الإجمالي وتمسكنا لحرمة مخالفة الأحكام المجعولة في المقام بالإجماع فيشكل الحكم بتقديم الظن عقلا لأن الإجماع ان كان منعقدا على مجرد حرمة المخالفة القطعية لتلك الأحكام فيكفي في عدم مخالفة هذا الإجماع الإتيان بالمشكوكات والموهومات وان كان على وجوب الأخذ بالظن فتعين الظن ح شرعي لا عقلي الا ان يقال بان الإجماع منعقد على أمرين أحدهما حرمة المخالفة القطعية والثاني عدم جواز الاكتفاء بالشك أو الوهم فنتيجة هذين الإجماعين ان الشارع اما جعل طريقا خاصا للواقعيات أو يكون الظن عنده حجة ولما كان الطريق الاخر مشكوكا والقابل للسلوك إلى الواقع في هذه الحال منحصرا في الظن يتعين بالعقل اعتباره هذا ولكن لا يخفى ان هذا البيان يرجع إلى حجية الظن شرعا من باب الكشف وسيجئ توضيح ذلك إن شاء الله
وينبغي التنبيه على أمور
أحدها
انه بعد صحة مقدمات الانسداد هل النتيجة اعتبار الظن مطلقا
405

بمعنى جواز الاكتفاء بالمظنونات ورفع اليد عن المشكوكات والموهومات أو اعتبار الظن الاطمئناني لو كان بين الظنون تفاوت والا فمطلق الظن أو يحكم بوجوب العمل بالظن بمقدار العلم بالتكليف فان كان بين الظنون ترجيح من حيث
يؤخذ ذلك المقدار من الظن القوى والا يتخير أو يحكم بالاخذ بالظنون النافية للتكليف بمقدار يرفع به الحرج ويقدم القوى منها على الضعيف ويحتاط في الباقي سواء كان من موارد الظنون المشبهة أم غيرها وجوه والذي تقضيه القاعدة هو الأخير وفاقا لشيخنا المرتضى قده ثم الثالث بيان ذلك انه لا إشكال في ان للمعلومات الإجمالية مقدارا متيقنا بحسب العدد وهذا لا شبهة فيه وانما الإشكال في ان الامتثال في الخارج بمقدار ما علم إجمالا يكفي في خروج المكلف عن عهدة العلم الإجمالي وان لم يعلم به أم لا مثال ذلك لو علم بوجود النجاسة في أحد الإناءين واحتمل نجاسة كليهما أيضا فترك أحدها وشرب الاخر وكانا نجسين في نفس الأمر فهل يكفي في رفع العقاب عنه اجتناب أحدهما الذي كان نجسا في نفس الأمر نظرا إلى ان العلم الإجمالي ليس متعلقا بأزيد من تكليف واحد وقد امتثل بحكم الفرض وان لم يعلم بذلك أو يصح العقوبة عليه بمجرد ارتكابه شرب الاخر نظرا إلى ان العلم الإجمالي بوجود أحد النجسين بين الإناءين يصحح العقوبة على ارتكاب شرب ما هو نجس بينهما الأقوى الثاني لشهادة الوجدان الحاكم في باب الإطاعة والعصيان بعدم معذورية المكلف المفروض في ارتكاب شرب ما هو نجس واقعا لا يقال فعلى هذا يلزم ثبوت العقابين في محل الفرض على من شرب كلا الإناءين وهو باطل ضرورة ان العلم بتكليف واحد لا يصحح العقابين إذ الاخر مشكوك وليس العقاب عليه الا عقابا بلا بيان لأنا نقول ان العلم الإجمالي بثبوت أحد التكليفين يوجب عقابا واحدا على المخالفة المتحققة بينهما فلو شرب الإناءين في محل الفرض يستحق عقوبة واحدة
406

وكذا لو شرب إناء واحدا لاشتراك الفرضين في تحقق المخالفة الواحدة التي كانت محرمة بحكم العقل إذا عرفت هذا
فنقول ان مقتضى العلم الإجمالي في المقام ان يحتاط في تمام الأطراف توصلا إلى الموافقة القطعية واجتنابا عن المخالفة الواقعية فإذا دل الدليل على الترخيص في بعض الأطراف وهو المقدار الذي يرفع الحرج بترك الاحتياط فيه فالمقدار المعلوم بالإجمال لو كان في الباقي يوجب مخالفته العقوبة فيجب الاحتياط في غير مورد الترخيص تخلصا عن المخالفة الموجبة للعقاب هذا واما ان قلنا بكفاية الامتثال بالمقدار المعلوم بالإجمال في نفس الأمر فيقتصر على العمل بالظنون المثبتة للتكليف بالمقدار المعلوم بالإجمال لأن العلم الإجمالي بمقدار خاص يوجب الإتيان به علما وان لم يمكن فالواجب الإتيان به ظنا ولا دليل على الإتيان بأزيد من ذلك و ح فلو تمكن من تحصيل الاطمئنان بالمقدار المذكور اقتصر عليه وان تساوت الظنون يتخير في أخذ المقدار المذكور من بينها هذا مقتضى التأمل في نتيجة دليل الانسداد والله الهادي إلى الرشاد
الأمر الثاني
ان قضية المقدمات المذكورة على تقدير سلامتها هل هي حجية الظن بالواقع أو الطريق أو بهما معا فقد ذهب إلى كل فريق واختار شيخنا المرتضى قده الثالث وحاصل ما أفاده في وجهه ان المهم للمكلف تحصيل براءة الذمة عن الواقعيات فان تمكن من ذلك على سبيل العلم تعين عليه وان انسد باب القطع إلى ذلك يتنزل إلى الظن بذلك ولا إشكال في ان العلم بالبراءة كما انه يحصل بأحد أمرين اما تحصيل العلم بالواقع وإتيانه واما تحصيل ما هو طريق قطعي إليه وليس بينهما تفاوت عند العقل كذلك الظن بالبراءة يحصل بأحد الأمرين اما تحصيل الظن بنفس الواقع واما تحصيل الظن بما هو طريق مجعول إليه شرعا فإذا انسد باب تحصيل
407

العلم بالمبرئ يؤل امر المكلف إلى التنزل إلى الظن بذلك ولا يعقل الفرق بين الظنين لما قلنا ان المهم عند العقل في مقام الامتثال ليس إدراك الواقعيات بل الخروج عن عهدة ما صار منجزا على
المكلف بأي نحو كان هذا أقول لا إشكال في الكبرى التي أفادها في المقام وهو ان العقل بعد انسداد باب تحصيل العلم بالمبرئ يعين الظن به بأي وجه كان انما الإشكال في ان العمل بما ظن كونه طريقا وان لم يفد نفسه ظنا بالواقع ظن بالإبراء ومحصل الإشكال ان بدلية مفاد الطرق عن الواقع لو كانت تابعة لتحققها واقعا وان لم يعلم بها كان الأمر كما أفاده قده لكن هذا خلاف التحقيق فان من علم إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة مثلا فترك الجمعة وأتى بالظهر وكان تركه هو الواجب في نفس الأمر واتفق مقارنة تركه الواجب طريقا شرعيا دالا على عدم الوجوب لا يوجب الثبوت الواقعي لذلك الطريق فرفع استحقاقه العقوبة بحكم العقل وإسقاط عقوبة الواقع في صورة العمل بالطريق انما يكون من لوازم العلم بحجيته لا من لوازم ثبوته في الواقع لا يقال ثبوته بالحجة كثبوته بالعلم والمفروض حجية مطلق الظن في حال الانسداد لأنا نقول اعتبار الظن هنا موقوف على تعلقه بالمبرئ فان كان الإبراء بواسطة اعتبار الظن لزم الدور والحاصل ان تعميم الظن للظن بالطريق بمجرد العلم الإجمالي بالواقعيات في غاية الإشكال لما مر نعم يمكن دعوى اعتبار الظن في الطريق بواسطة دعوى العلم الإجمالي الاخر المتعلق به كما يأتي تقريبه إن شاء الله (حجة) من ذهب إلى الاختصاص بالظن بالطريق أمران (أحدهما) ما ذكره صاحب الفصول قده قال انا كما نقطع بأنا مكلفون في
408

زماننا هذا تكليفا فعليا باحكام فرعية كثيرة لا سبيل لنا بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع ولا بطريق معين يقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع ولو عند تعذره كذلك نقطع بان الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحوال طريقا مخصوصا وكلفنا تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة وحيث انه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع ولا بطريق يقطع من السمع بقيامه بالخصوص أو قيام طريقه مقام القطع ولو
بعد تعذره فلا ريب ان الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل انما هو الرجوع في تعيين ذلك الطريق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على حجيته لأنه أقرب إلى العلم وإلى إصابة الواقع مما عداه انتهى وفيه بعد تسليم هذا العلم الإجمالي ان اللازم الأخذ بالقدر المتيقن ان كان والا الاحتياط بأخذ مضامين تمام الطرق التي تكون أطرافا للعلم لعدم كون الاحتياط في الطرق حرجيا وان قلنا
بكونه كذلك في أطراف تمام المحتملات ولازم ذلك ان يأتي بمؤدى كل واحد من الطرق المثبتة ان لم يكن له معارض وفي غير هذه الصورة ان كان المعارض نافيا للتكليف وكان من غير نوعه فالعمل على طبق الأمارة المثبتة وان كان نافيا وكان فردا آخر من نوعه فالعمل على الأصل في غير الخبر مط وفي الخبر على التخيير ان لم يكن للمثبت ترجيح والا يتعين العمل به هذا إذا كان المعارض نافيا للتكليف واما إذا كان مثبتا لتكليف مضاد للآخر فالعمل على الأصل في غير صورة كونهما فردين من الخبر وفيهما التخيير مع عدم المرجح وتعيين أحدهما مع المرجح ويظهر وجه ما ذكرنا كله بالتأمل ثم انه على فرض كون العمل بالاحتياط فيما بأيدينا من الطرق موجبا للعسر والحرج فهل المتعين العمل بالظن بالطريق أو لا يتعين ذلك ومبنى ذلك ان الطرق المجعولة بعد العلم بها هل هي مثل العلم في انحلال التكاليف المعلومة بالإجمال أو لا غاية الأمر الإتيان بموادها يجب بدلا عن إتيان الواقع وتوضيح ذلك انه لو علم بوجوب عمل معين بعد كونه من أطراف العلم
409

الإجمالي ينحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي والشك البدوي واللازم عليه بحكم العقل الإتيان بما علم تفصيلا وباقي الأطراف مورد لأصالة البراءة ولو فرض الخطاء في علمه بان لم يكن ما قطع بوجوبه واجبا في نفس الأمر وكان الواجب ذاك الطرف الاخر الذي صار محكوما بالبراءة لم يكن عليه شيء وان لم يأت بأحدهما فان ما هو واجب صار موردا للبراءة بحكم العقل وما قطع بوجوبه ما كان
واجبا واقعا فلا يضر مخالفته نعم ان قلنا بإيجاب التجري للعقوبة يستحقها في الفرض من قبل التجري وكذا الحال في ما إذا كان الواجب المعلوم مرددا بين أزيد من طرفين أولا ثم علم بوجوده بين الطرفين منها فان الواجب بحكم العقل الاحتياط في الطرفين وباقي الأطراف التي كانت طرفا للعلم أولا مورد للبراءة والوجه في ذلك واضح هذا فيما تحقق العلم التفصيلي بعد العلم الإجمالي واما إذا قام طريق معتبر على أحد الأطراف تفصيلا أو إجمالا في بعض أطرافه فهل يحكم بالبراءة فيما لم يقم عليه طريق بمجرد قيام الطريق على بعض الأطراف وان لم يعمل به عصيانا أو ان الحكم بالبراءة في الطرف الخالي عن الطريق موقوف على العمل بمؤدى الطريق مثلا لو فرضنا قيام طريق معتبر على وجوب الظهر بعد العلم الإجمالي بوجوب الظهر أو الجمعة فهل يحكم بالبراءة عن الجمعة وعدم صحة العقاب عليها وان لم يأت بالظهر عصيانا أو ان الحكم بالبراءة عن التكليف الجمعة موقوف على إتيانه بالظهر الذي كان واجبا بمقتضى الطريق وتظهر الثمرة فيما لو لم يأت بالظهر واتفق كون الواجب هو الجمعة ولم يأت بها أيضا فعلى الأول لا يستحق العقاب أصلا اما على ترك الجمعة فلكون وجوبها موردا للبراءة واما على الظهر فلعدم كونه واجبا في الواقع وقد تحقق في محله ان مخالفته لا توجب العقوبة الا على تقدير مصادفتها مخالفة الواقع والمفروض عدمها في المقام وعلى الثاني يستحق العقوبة على ترك الواجب
410

الواقعي لأن المفروض ان جريان البراءة في مورده يتوقف على إتيان مؤدى الطريق ولم يأت به الأقوى هو الثاني لأن قيام الطريق لا يوجب انحلال العلم الإجمالي حقيقة بداهة ان الإجمال باق في النفس بعد فلا يرتفع اثره عند العقل غاية الأمر انه لما نزل الشارع مؤدى الطريق منزلة الواقع يجب بحكم العقل قيامه في مقام الامتثال مقام الواقع فلو أدى إلى وجوب الظهر بعد العلم الإجمالي بوجوب الظهر
أو الجمعة فإتيانه بمنزلة إتيان الواجب الواقعي فلو كان واجبا واقعا فهو والا يكون بدلا عنه في مرحلة الامتثال فيكفي في مقام لزوم امتثال الواجب الإتيان بمؤدى الطريق واما لو لم يأت بمؤدى الطريق ولا بالواقع فيستحق العقاب لأنه لم يأت بالواقع المنجز عليه بسبب العلم الإجمالي لا أصلا ولا بدلا ومن هنا اتضح ان أثر العلم الإجمالي لا يرتفع بمحض قيام الطريق على بعض أطرافه بل يكون الإتيان بموارده بدلا عن الواقع في مرحلة الامتثال فيتخير المكلف بين إتيان الأصل وإتيان البدل إذا عرفت ذلك ظهر ان لازم ما ذكرنا كون العمل بالطرق مساويا للعمل بالواقع في مقام الامتثال عقلا فإذا تمكن من العلم يتخير بين تحصيل العلم بالواقع والعلم بالطريق وعند عدم التمكن من العلم يقوم الظن في كل منهما مقام العلم (الوجه الثاني) ما أفاده بعض المحققين ومحصل كلامه قده يتضح في ضمن مقدمات (الأولى) العلم بكوننا مكلفين بالاحكام الشرعية إجمالا وانه لم يسقط عنا التكليف بواسطة الجهل بخصوصياته (الثانية) ان كل ما يجب العلم به في زمان الانفتاح يجب الظن به عند الانسداد (الثالثة) انه في حال الانفتاح يجب العلم ببراءة الذمة في حكم الشارع دون العلم بإتيان الواقع (الرابعة) بعد
411

لزوم تحصيل الظن بالبراءة في حكم الشارع في حال الانسداد ان الظن بالواقع لا يلازم الظن بالبراءة في نظر الشارع بخلاف الظن بالطريق فينحصر الحجة في زمان الانسداد بالظن بالطريق والأوليان بمكان من الوضوح والدليل على الثالثة على ما أفاده قده في مقدمات هذا المطلب هو ان المناط في وجوب الأخذ بالعلم وتحصيل اليقين من الدليل هل هو تحصيل اليقين بمصادفة الأحكام الواقعية الأولية الا ان يقوم الدليل على الاكتفاء بغيره أو ان الواجب أولا هو
تحصيل اليقين بتحصيل الأحكام وأداء الأعمال على وجه أراد الشارع منا في الظاهر وحكم معه قطعا بتفريغ الذمة بملاحظة الطرق المقررة لمعرفتها مما جعلها وسيلة للوصول إليها سواء علم بمطابقة الواقع أو ظن ذلك أو لم يحصل به شيء منهما وجهان الذي يقتضيه التحقيق هو الثاني فإنه القدر الذي يحكم العقل قطعا بوجوبه ودلت الأدلة المتقدمة على اعتباره ولو حصل العلم بها على الوجه المذكور لم يحكم العقل قطعا بوجوب تحصيل العلم بما في الواقع ولم يرد شيء من الأدلة الشرعية بوجوب تحصيل شيء وراء ذلك بل الأدلة الشرعية قائمة على خلاف ذلك إذ لم يبن الشريعة من أول الأمر على وجوب تحصيل كل من الأحكام الواقعية على سبيل القطع واليقين ولم يقع التكليف به حين انفتاح سبيل العلم بالواقع وفي ملاحظة طريق السلف من زمن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كفاية في ذلك إذ لم يوجب النبي صلى الله عليه وآله على جميع من في بلده من الرجال والنسوان السماع منه في تبليغ الأحكام أو حصول التواتر لآحادهم بالنسبة إلى آحاد الأحكام أو قيام القرينة القاطعة على عدم تعمد الكذب أو الغلط في الفهم أو في سماع اللفظ بل لو سمعوه من الثقة اكتفوا به انتهى كلامه رفع مقامه
412

وحاصل ما أفاده قده ان الواجب بحكم العقل تحصيل العلم بالبراءة في حكم الشارع في حال الانفتاح ولما كان الواجب في حال الانسداد تحصيل الظن بما كان يجب تحصيل العلم به حال الانفتاح يلزم تحصيل الظن بالبراءة في حكم الشارع واما الدليل على ان العمل بالظن بالطريق يوجب الظن بالبراءة في حكم الشارع دون العمل بالظن بالواقع فهو ما أشار إليه في طي كلماته من ان الظن بالعمل بالواقع قد يجامع مع القطع بعدم البراءة عند الشك كالظن القياسي فتعين العمل بالظن بالطريق فإنه ملازم للظن بالمبرئ
والجواب أولا بالنقض بما قام الظن القياسي على حجية طريق فإنه ليس بمعتبر قطعا فان كان عدم اعتبار ظن من الظنون موجبا لعدم الاعتماد بالباقي فاللازم عدم الأخذ بالظن بالطريق أيضا وثانيا ان ما أسسه من لزوم تحصيل العلم بالبراءة في حكم المكلف لا وجه له لأنه ليس من وظيفة الأمر الحكم بالبراءة وانما يحكم بها العقل سواء أتى بنفس الواقع على وجه الجزم أو أتى بمؤدى الطريق المجعول اما في الأول فواضح لأنه ليست براءة الذمة مستندة إلى حكم الشارع عند العمل بالقطع بل القاطع يقطع ببراءة ذمته عن الواقع من دون ملاحظة حكم من الشرع واما في الثاني فلان العقل بحكم أيضا بان الإتيان بمؤدى الطريق الذي هو واقع ثانوي منزل في لسان الأدلة بمنزلة الواقع الأولى بمعنى عدم صحة العقاب عليه لو كان غير مؤدى الطريق فكيف كان فالحكم بالبراءة عما كلفنا الشارع من العقل وهو يلزمنا تحصيل العلم بها في نفس الأمر ولا شك في ان البراءة اليقينية عند الانفتاح يحصل بأحد أمرين اما إتيان نفس الواقع واما إتيان ما هو مؤدى الطريق المعتبر فاللازم عند الانسداد الظن بالبراءة في نفس الأمر وهو أيضا لا يختص بإتيان ما هو مؤدى الطرق المظنونة فالقول بان العمل بالظن بالواقع لا يوجب
413

الظن بالبراءة بخلاف العمل الظن بالطريق تحكم هذا فيما إذا علم بنصب الطريق إجمالا واما مع قطع النظر عن ذلك كما هو مبنى كلام المستدل فلنا ان نمنع جواز العمل بالظن بالطريق أصلا كما عرفت مما ذكرنا سابقا فراجع
الأمر الثالث
هل المقدمات المذكورة على تقدير تماميتها تنتج اعتبار الظن على نحو حكومة العقل أو موجبة لكشف العقل عن اعتبار الظن شرعا الحق هو الأول فان العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرمات يوجب وجوب الامتثال بحكم العقل فان
تمكن من ذلك ولم يكن له مانع تعين عليه الامتثال القطعي وان لم يتمكن أو أسقط عنه الشارع الامتثال القطعي يجب التنزل إلى الظن لأنه أقرب إلى الواقع المنجز عليه بمقتضى العلم من الشك أو الوهم ولا يجوز العقل بعد وجود مراتب متفاوتة للامتثال المصير إلى المرتبة النازلة الا بعد عدم التمكن من ما فوقها أو سقوطه بالإذن الشرعي وبعد وجود هذا الحكم القطعي من العقل لا يجب على الشارع جعل الطريق فان قلت الأمر كما تقول فيما إذ كان رفع اليد عن المرتبة العليا بواسطة عدم التمكن عقلا واما إذا كان بواسطة اذن الشارع فيكشف عن عدم فعلية الأحكام على تقدير تحققها في البعض المرخص فيه لامتناع اجتماع الحكمين الفعليين في مورد واحد ووجودها في البعض الاخر غير معلوم فاذن ينتفي أثر العلم الإجمالي بالمرة فللقائل باعتبار الظن من باب الكشف ان يقول لم يبق لنا الا الإجماع على عدم جواز ترك التعرض للأحكام الواقعية بوجه من الوجوه وإجماع آخر على عدم جواز الاقتصار على مجرد إتيان المشكوكات أو الموهومات فيثبت بذينك الإجماعين جعل طريق من الشارع إذ لو لا ذلك لما صح عقلا العقاب على ترك التعرض للأحكام فان ما كان منجزا وهو العلم الإجمالي قد ارتفع اثره ولما كان الطريق القابل للسلوك في نظر المكلف في الحال التي هو
414

عليها منحصرا بالظن يكشف عن اعتباره قلت رفع أثر العلم الإجمالي مط بواسطة الاذن في بعض الأطراف ممنوع اما بناء على عدم المنافاة بين فعلية الأحكام الواقعية والترخيص الوارد من الشرع في مورد الشك فواضح لأن العلم بوجود الأحكام الفعلية باق على حاله مع هذا الترخيص فيجب على المكلف امتثال تلك الأحكام المعلومة اما قطعا إذا لم يكن له مانع والا ينزل إلى الظن بحكم
واما بناء على منافاة الاذن في بعض الأطراف مع فعلية الواقع فلعدم الملازمة بين الترخيص ورفع الفعلية على الإطلاق بل غاية ما يلزم الترخيص رفع الفعلية بمقدار يقتضى الموافقة القطعية هذا إذا قلنا بوجوب امتثال الأحكام الواقعية من جهة ثبوت العلم الإجمالي كما هو الحق واما بناء على عدم تنجيز العلم الإجمالي والتمسك لعدم جواز ترك التعرض للأحكام الواقعية المجهولة بالإجماع فيمكن ان يقال ان لازم هذا المبنى التزام جعل الظن من قبل الشارع توضيح المقام ان صاحب هذا المبنى يحكم بالبراءة في تمام أطراف العلم الإجمالي لأنه كالشك البدوي عنده بحسب الفرض غاية الأمر تحقق الإجماع في المقام على عدم البراءة في تمام الأطراف فان اقتصر على دعوى هذا الإجماع لا يجب عليه عقلا الا الإتيان ببعض الأطراف وان كان من موارد المشكوكات أو الموهومات وهذا أيضا لم يقل به أحد فيتحقق إجماع آخر على عدم جواز الاقتصار بإتيان المشكوكات أو الموهومات فينتج الإجماعان اعتبار طريق من الشارع ولما لم يكن ما يقبل السلوك بحسب حال المكلف الا الظن يكشف عن اعتباره من بين الطرق هذا ولكن يمكن ان يقال ان المستكشف من الإجماع اهتمام الشارع بالواقعيات وهذا يكفي في حكم العقل بالإطاعة بمقدار الممكن ولا يلزم جعل الطريق فانا لو أحرزنا من الشارع الاهتمام بأمر نحكم بلزوم مراعاته وان كان
415

من موارد الشكوك البدوية ومن هذا الباب حكمهم بلزوم الاحتياط في باب الاعراض والدماء والأموال ومن هنا ظهر عدم الاحتياج إلى دعوى الإجماع الثاني فإنه بعد انعقاد الإجماع على عدم جواز الرجوع إلى البراءة في التكاليف المجهولة يستكشف اهتمام الشارع بالواقعيات وبعد هذا الاستكشاف يحكم العقل بلزوم مراعاته بقدر الإمكان والحاصل ان القطع
بجعل الطريق من قبل الشارع بواسطة مقدمات الانسداد مما لا وجه له بعد وجود الطريق العقلائي للامتثال الذي يحكم العقل بوجوب الأخذ به في مقام الإطاعة وليس هذا من الأحكام العقلية التي يستكشف منها الحكم الشرعي من باب الملازمة لأن الحكم في باب الإطاعة والعصيان ليس من وظيفة المولى ولو صدر من قبله حكم في هذا الباب يحمل على الإرشاد هذا
الأمر الرابع
هل المقدمات تنتج اعتبار الظن على نحو الإطلاق أو على نحو التقييد بظن خاص أو تنتج اعتباره على نحو الإهمال ثم الإطلاق والتقييد قد يعتبران بالنسبة إلى الأسباب وقد يعتبر ان بالنسبة إلى مراتب الظن وقد يعتبران بالنسبة إلى الموارد وتحقيق المقام ان يقال انه لا وجه للالتزام بإهمال النتيجة بحيث تبقى الحجة مرددة بين أبعاض الظنون أو بينها وساير الطرق الاخر بيان ذلك انا لو بنينا على حكومة العقل فلا يخلو اما ان نقول بحرمة المخالفة في المعلوم بالإجمال الا بمقدار العسر والحرج واما ان نقول ان الحرج أوجب سقوطه الموافقة القطعية وقام الموافقة الظنية في المقدار المعلوم بالإجمال مقام الموافقة العلمية فعلى الأول لا يجوز ترك الاحتياط الا في مقدار يكون حرجا على المكلف فان ارتفع الحرج بترك الاحتياط في موارد الاطمئنان بعدم التكليف يجب الاقتصار عليه والا يتعدى في ترك الاحتياط إلى باقي الظنون النافية للتكليف وهكذا وعلى الثاني يجب الرجوع إلى الظنون الاطمئنانية المثبتة
416

للتكليف لو كانت وافية بالمقدار المعلوم بالإجمال والا يتممها من باقي الظنون ويعمل في الزائد بالأصل ولا فرق فيما ذكرنا على القولين بين أسباب الظن كما انه في حال الانفتاح لا فرق بين
أسباب حصول العلم في لزوم اتباعه عقلا وكذا لا فرق بين الموارد لأن المعيار عند العقل هنا العلم بالتكليف نعم يمكن ان يقال بناء على الأول الظن الاطمئناني بعدم التكليف لا يؤخذ به في الموارد التي عرفت اهتمام الشارع بها كالدماء والفروج والأموال وأمثال ذلك بل يحتاط فيها كما انه بناء على الثاني لا تكون هذه الموارد مجرى للبراءة وان كانت خارجة عن مورد الظن الاطمئناني هذا بناء على حكومة العقل واما بناء على الكشف فالذي ذهب إليه صاحب هذا القول ان العقل يكشف عن حجية طريق وأصل إلينا دون الطريق الواقعي الذي يبقى مجهولا عندنا فان وجه اعتبار الطريق في هذا الحال رفع تحير المكلف من الواقعيات المشكوك فيها فلا معنى لجعل طريق واقعي يكون المكلف متحيرا فيه ومقتضى هذا القول ان يؤخذ بالقدر المتيقن ولو في حال الانسداد ان كان في البين وكان وافيا في الفقه والا فان كان لبعض الظنون ترجيح في نظرنا ويمكن الاكتفاء به في الفقه نقتصر عليه والا نأخذ بمطلق الظن هذا ثم انه على تقدير القول بحجيته الطرق الواقعية فاللازم الاحتياط بأخذ الجميع لو لم يكن له محذور والا فاللازم ترتيب مقدمات الانسداد في الطريق إلى ان ينتهى إلى مقدار من الظن لا يكون زائدا على قدر الكفاية في الفقه ولم يكن في الاحتياط فيه محذور والدليل على ذلك ان الطرق أحكام ثانوية شرعية فكما ان انسداد باب العلم بالنسبة إلى الأحكام الواقعية مع ساير المقدمات يقتضى جعل الشارع طريقا إليها كذلك حال انسداد باب العلم بالنسبة إلى الأحكام الثانوية من غير تفاوت أصلا ومما ذكرنا يظهر لك انه لا وجه لتوهم انه على تقدير اشتباه الطرق الواقعية
417

المجهولة وعدم لزوم الاحتياط لا بد من الانتهاء إلى حكومة العقل فان القائل بهذا المبنى ليس قائلا بحكومة العقل والا لم يقل بالطرق الشرعية المجعولة حال الانسداد هذا
الأمر الخامس
بناء على حجية الظن من باب الحكومة قد استشكل في الظن القياسي وملخص الإشكال فيه انه ان قلنا بحجية الظن القياسي في حال الانسداد كباقي الظنون فهو مخالف للاخبار المتواترة بل إجماع الشيعة على الخلاف وان قلنا بعدم حجيته فلا يخلو اما ان يقال بعدم ملاك الحجية فيه واما ان يقال بوجود الملاك فيه والأول باطل لأن ملاك الحجية عقلا في حال الانسداد ليس الا الظن والثاني موجب للتخصيص في حكم العقل وهو محال (فان) قيل نلتزم بعدم حجيته ونختار الشق الأول ونقول بان الملاك عند العقل هو الظن الذي لم يمنع عنه الشارع فإذا منع الشارع عن ظن يخرج عن موضوع حكم العقل فخروج الظن القياسي تخصص لا تخصيص (قلت) هذا موقوف على صحة منع الشارع عن العمل بالظن في حال الانسداد ولا يمكن ذلك إذ لو صح لما
قطع العقل بحجية ساير الظنون أيضا لاحتمال منع الشارع عن العمل بها ولا دافع للاحتمال المذكور الا حكم العقل بقبح المنع من الشارع ولا يخفى ان هذا الإشكال لا يبتنى على القول بحجية الظن بل يأتي على القول بالتبعيض في الاحتياط أيضا نعم مورد الإشكال على الأول هو الظن القياسي المثبت للتكليف وعلى الثاني هو الظن القياسي النافي له كما يظهر وجهه بأدنى تأمل والجواب عن الإشكال انا نلتزم بان المعتبر بحكم العقل في حال الانسداد هو الظن الذي لم يعلم منعه من قبل الشارع فإذا علم المنع يخرج عن موضوع حكم العقل وهذه الدعوى مشتملة على دعاوى ثلث إحداها ان المعتبر عند العقل ليس مطلق الظن
418

والثانية ان الخصوصية المعتبرة في الموضوع هو عدم العلم بمنع الشارع لا عدم منع الشارع واقعا
والثالثة جواز منع الشارع عن العمل بظن في حال الانسداد اما الدليل على الأولى فهو ان وجه إلزام العقل العمل بالظن انما هو تنجز الواقعيات بواسطة قيام الحجة عليها من العلم الإجمالي وانه مع هذا الوصف لا يؤمن المكلف عن العقاب لو ترك العمل بما يظن كونه حكما واقعيا وبعد منع الشارع عن العمل بظن يقطع بعدم العقاب على مؤدى ذلك الظن وان كان حكما واقعيا واما الدليل على الثانية فهو ان احتمال منع الشارع عن العمل بظن في حال الانسداد راجع إلى احتمال براءة ذمة المكلف عن مؤداه لو كان حكما واقعيا وبعد قيام الحجة أعني العلم الإجمالي لا يعتنى بهذا الاحتمال وهل هذا الا كاحتمال حجية ظن في حال الانفتاح فكما انه هنالك لا يجوز الاكتفاء بالاحتمال المذكور في قبال الامتثال العلمي كذلك لا يجوز هنا الاعتماد عليه في قبال الامتثال الظني وهذا واضح جدا واما الدليل على الثالثة فهو ان وجه عدم الجواز منحصر في أمرين أحدهما اجتماع الحكمين المتضادين في موضوع واحد والثاني تفويت المصلحة والجواب عن الأول ان اختلاف مرتبة الحكم الظاهري والواقعي يصحح وجودهما بدون تناف وتضاد أصلا وعن الثاني ان تفويت المصلحة قبيح لو لم تكن تلك المصلحة مزاحمة مع مصلحة أخرى اما في الجعل واما في متعلقه وقد ذكرنا نظير ما ذكر هنا في رد إشكال جعل الطريق في حال الانفتاح مستقصى فراجع فان المقامين من واد واحد إشكالا وجوابا
الأمر السادس
لو قام فرد من افراد مطلق الظن على حرمة العمل ببعضها
419

فهل يجب الأخذ بالظن المانع أو الممنوع أو يحكم بالتخيير أو يسقط كلاهما عن الاعتبار
أقول قد عرفت مما ذكرنا سابقا في تعيين نتيجة دليل الانسداد ان مقتضى القاعدة أحد أمرين اما التبعيض في الاحتياط وهو تركه في الموارد التي يطمئن بعدم ثبوت التكليف وإتيان الباقي إذا ارتفع الحرج بذلك والا يتعدى إلى مطلق الظن النافي واما الظنون المثبتة فحالها عند هذا القائل حال الشك يحتاط فيها لأنها من أطراف العلم لا من جهة انها ظنون واما وجوب العمل على طبق الظنون الاطمئنانية المثبتة للتكليف بمقدار المعلوم بالإجمال واما الظنون النافية حالها عند هذا القائل حال الشك في الأخذ بمقتضى الأصل فعدم الاحتياط فيها ليس من جهة الظن بعدم التكليف بل لأن مواردها مجرى الأصل وعلى كلا الحالين لا إشكال في المقام حتى يحتاج إلى الدفع اما على الأول فالظن الممنوع ان كان مثبتا للتكليف فيجب عليه ان يحتاط في مورده لا لأنه ظن بل لأنه من موارد الاحتمال فلا يضر هذا المدعى الظن بعدم حجية الظن المفروض بل لو قطع بعدم حجيته أيضا يحتاط في مورده لأنه من أطراف العلم والحاصل ان المدعى لهذا القول لا يأخذ الظن المذكور حجه حتى يمنعه الظن المانع وان كان نافيا له وكان من الظنون الاطمئنانية أو بنينا على التعدي منها إلى غيرها من الظنون لعدم ارتفاع الحرج بترك الاحتياط في خصوص الظنون الاطمئنانية فلو كان المرجع في عدم حجيته إلى مجرد ان الشارع لم يجعله حجة فلا إشكال في ان الظن بعدم الحجية بهذا المعنى لا يضر بترك الاحتياط بمقدار رفع الحرج بمقتضى الظنون النافية للتكليف بداهة ان تارك الاحتياط في المقدار المذكور في موارد الظنون النافية وان كان بعضها مما ظن عدم اعتباره لا يخرج من انه ظان ببراءة ذمته مما كان عليه والعقل لا يحكم عليه أزيد مما ذكر ولو كان المرجع إلى حرمة العمل
420

بالظن المفروض بحيث كان المظنون ان العمل به محرم في هذا الحال فلا إشكال في تقديم الظن المانع
فان ترك الاحتياط ح يظن انه من المحرمات فاللازم طرح هذا الظن المتعلق بنفي التكليف الأولى وجعل المورد كالموارد التي لا ظن فيه أصلا هذا مقتضى القول الأول أعني التبعيض في الاحتياط واما على الثاني فالظنون النافية للتكليف بأسرها لا يتفاوت حالها بين ان يظن عدم حجيتها أم لا لأن العمل بمقتضى تلك الظنون ليس من باب انها ظنون بل لإجراء الأصل في مواردها واما الظنون المثبتة له فان كان عنده من الظنون الاطمئنانية ما يفي بمقدار التكليف المعلوم وما ظن عدم حجيته كان من الظنون الضعيفة فلا إشكال أيضا فان ما يجب أخذه لا مانع فيه وما فيه المانع لا يجب أخذه وان كان ما يظن عدم حجيته من الظنون الاطمئنانية أو من غيرها بناء على عدم كفاية تلك الظنون فنقول ان كان مرجع عدم الحجية إلى مجرد ان الشارع لم يجعله حجة فلا مانع من العمل بالظنون المفروضة فان العامل بها في حال الانسداد لا يخرج من انه وافق المقدار المعلوم من التكاليف بالظن الاطمئناني أو بمطلق الظن على اختلاف حال الأشخاص والعقل لا يلزم أزيد من ذلك على المبنى الذي ذكرناه سابقا وان كان المرجع إلى ان الشارع جعل العمل به محرما فلا إشكال في ان الإتيان بمؤدى الظن الممنوع لا يعد من الموافقة الظنية فان مقتضى حرمة العمل بالظن المفروض في هذه الحال عدم فعلية الواقع المتعلق للظن الممنوع فان الظن بحرمة العمل بظن فعلا يلازم الظن بان التكاليف الواقعية التي فرض كونها معلومة فعلا في غير مؤدى الظن المفروض فلا يعد العمل بالظن المفروض من الإطاعة الظنية للتكليف الفعلي حتى يحكم بوجوبه هذا ما يقتضيه النظر واما لو قيل بحجية الظن في حال الانسداد إثباتا ونفيا بمعنى وجوب الأخذ
421

بمؤداه على كل حال في الواقعيات وفي الطرق بحيث كان ملاك الحجية في الظنون
المتعلقة بالواقع موجودا مط وكذا في الظنون المتعلقة بالطرق وبعبارة أخرى كان حال الظن حال الانسداد حال العلم حال الانفتاح فيشكل الأمر في المقام من حيث ان ملاك الاعتبار موجود في كليهما والأخذ بأحدهما دون آخر ترجيح بلا مرجح وقد يقال في المقام بتقديم الظن المانع فإنه بمؤداه يمنع عن الظن الممنوع دون الظن الممنوع فإنه لا ينفي المانع بمؤداه بل ينفيه بواسطة المنافاة وعدم إمكان الاجتماع في الحجية فخروج الظن الممنوع من باب التخصص لأنه من الظنون التي أقيم الدليل على عدم اعتبارها وقلنا بان موضوع الحجية عند العقل الظن الذي لم يقم دليل على عدم اعتباره بخلاف الظن المانع فإنه ان خرج فإنما هو من باب التخصيص ثم قاس هذا القائل المقام بمسألة الشك السببي والمسببي فان الوجه في تقديم الشك السببي ان دخوله تحت الدليل يوجب خروج الشك المسببي موضوعا بخلاف الشك المسببي فإنه لا يوجب خروج الشك السببي موضوعا بل يوجب خروجه حكما من باب المنافاة فيقدم الأول لتقدم التخصص على التخصيص هذا وفيه ان قياس المقام بمسألة وجود الشك السببي والمسببي فاسد من وجوه أحدها ان الأمر في ذلك المقام دائر بين التخصيص والتخصص بخلاف مقامنا فان إجراء الحكم على كل من الظنين يوجب خروج الاخر عن الموضوع لأن المفروض ان الموضوع مقيد بعدم قيام الدليل على عدم حجيته والدليل على حجية شيء تلازم عدم حجية شيء آخر دليل على عدم حجية ذلك الشيء الاخر وثانيها لو سلمنا ان الأمر في ذلك المقام أيضا لم يكن دائرا بين التخصيص والتخصص بل يكون كالمقام دائرا بين التخصصين كما إذا قلنا بحجية الاستصحاب من باب الطريقية فيلزم منه القول بأنه إذا أجرى في الشك المسببي يزول الشك في السبب كالعكس من
باب لزوم الأخذ بلوازم
422

الطريق ولكن يمكن القول بتقديم الشك السببي من جهة تقديم وجوده على الشك المسببي رتبة فيرتب عليه حكمه من دون مزاحم في مرتبته حيث ان الشك المسببي الذي هو معلوله ليس موجودا في مرتبة العلة بخلاف مقامنا هذا لعدم الترتب بين الظنين في مرتبة الوجود وثالثها لو فرضنا كون الأمر دائرا بين التخصيص والتخصص في المقام فلا وجه أيضا لتقديم الظن المانع توضيح ذلك ان تقدم التخصص على التخصيص في مقام الدوران انما يكون في العمومات اللفظية من جهة لزوم الأخذ بظاهرها حتى يدل دليل على الخلاف فما دام فرد العام موجودا لا يجوز رفع اليد عن الحكم المستفاد من القضية الا بواسطة الدليل المخرج واما إذا انتفى الفرد عن الفردية فليس رفع اليد عن حكمه خلافا للقاعدة واما فيما نحن فيه فان موضوع حكم العقل مع قطع النظر عن وروده على المانع أو الممنوع متحقق في كلا الفردين لأن كلا منهما ظن لم يقم دليل على عدم اعتباره ومن الواضح ان مجرد لزوم التخصيص على تقدير آخر لا يوجب الترجيح في حكم العقل فان مسألة الترجيح بالتخصص انما هي في مقام الإثبات والاستفادة دون مقام اللب والثبوت فلا بد في إجراء حكم العقل على أحدهما دون الاخر من خصوصية واقعية توجب ترجيح أحدهما على الاخر عند العقل فتدبر جيدا ومما ذكرنا ظهر لك ما في ما أفاده شيخنا المرتضى قده في توجيه هذا الكلام بقوله ان القطع بحجية المانع عين القطع بعدم حجية الممنوع لأن معنى حجية كل وجوب الأخذ بمؤداه لكن القطع بحجية الممنوع التي هي نقيض مؤدى المانع مستلزم القطع بعدم حجية المانع فدخول المانع لا يستلزم خروج الممنوع وانما هو عين خروجه فلا ترجيح ولا تخصيص بخلاف دخول الممنوع فإنه يستلزم خروج المانع فيصير ترجيحا من غير مرجح
423

انتهى وأنت خبير
بما فيه لأنه مع قطع النظر عن الحكم الذي جاء من قبل دليل الانسداد لم يكن بين الظنين تفاوت فما الذي أوجب جريانه في الظن المانع دون الممنوع والأولى في الجواب منع المبنى بأنا لا نسلم وجود ملاك الاعتبار في كل ظن لم يقم على عدم اعتباره دليل بل الملاك اما الظن بعدم حصول المخالفة بمقدار ما علم إجمالا أو الظن بحصول الموافقة بالمقدار المذكور والظن الذي فرض كونه ممنوعا إذا انسلخ منه ذلك العنوانان لم يؤخذ به لعدم وجود الملاك فيه والا فلا مانع من أخذه ومع كون ملاك الاعتبار ما ذكرنا لا يمكن وقوع التعارض بين فردين من الظن فليتأمل جيدا قال شيخنا الأستاذ دام بقاؤه في الكفاية في هذا المقام ان التحقيق بعد تصور المنع عن بعض الظنون في حال الانسداد انه لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع منه فضلا عما إذا ظن كما أشرنا إليه في الفصل السابق فلا بد من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص فان كفى والا فبضميمة ما لم يظن المنع عنه وان احتمل مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد وان انسد باب هذا الاحتمال معها كما لا يخفى وذلك ضرورة عدم الاحتمال مع الاستقلال حسب الفرض ومنه انقدح انه لا يتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة هي حجية الظن في الأصول أو في الفروع أو فيهما انتهى أقول احتمال منع الشارع في حال الانسداد عن ظن كاحتمال جعل الشارع ظنا في حال الانفتاح فكما ان الاحتمال الثاني لا ينافي استقلال العقل بعدم الحجية كذلك الاحتمال الأول لا ينافي استقلال العقل بالحجية
424

والسر في ذلك ان الجعل الواقعي للطريق إثباتا ونفيا لا يترتب عليه أثر الحجية ما لم يثبت بعلم أو علمي فإذا لا منافاة بين احتمال منع الشارع عن اتباع ظن واستقلال العقل بحجيته لعدم ثبوت ذلك المنع بطريق معتبر من العلم أو العلمي وكذا لا منافاة بين الظن بذلك واقعا واستقلال العقل بحجية الظن الممنوع لتحقق الملاك في الظن الممنوع دون المانع فتدبر جيدا
425

بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الثالث في مسائل الشك
وفيه مقاصد في البراءة والاشتغال المقصد الأول في أصالة البراءة اعلم ان من وضع عليه قلم التكليف إذ التفت إلى الحكم الشرعي في الواقعة اما ان يكون قاطعا أولا وعلى الثاني اما ان يكون له طريق معتبر أولا ولا إشكال في ان مرجع القاطع إلى قطعه كما انه لا إشكال في ان مرجع من جعل له طريق معتبر إلى الطريق المجعول له واما الأخير فمرجعه إلى القواعد المقررة للشاك وهي منحصرة في أربع لأن الشك اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا فالأول مجرى الاستصحاب والثاني اما ان يكون الشك فيه في جنس التكليف أو لا والأول مجرى أصالة البراءة والثاني اما ان يمكن فيه الاحتياط أم لا فالأول مورد الاحتياط والثاني مجرى التخيير وانما عدلنا عما ذكره شيخنا المرتضى قده من التقسيم إلى ما ذكرنا لأنه لا يخلو عن مناقشة واختلال ثم انك قد عرفت ان الشاك موضوع للقواعد الأربع والمقصود بالبحث في هذه الرسالة التعرض لتلك القواعد تفصيلا فهاهنا أربع مسائل
في البراءة
المسألة الأولى في حكم الشاك في جنس التكليف ولم يلاحظ له حالة سابقة وان حكمه بعد الفحص عن الدليل واليأس عنه هل هو البراءة أو الاحتياط سواء كان الأمر دائرا بين الحرمة وغير الوجوب أو الوجوب وغير الحرمة وسواء كان
426

الشك من جهة عدم النص أو من جهة إجمال النص أو من جهة تعارض النصين لأن المقصود بيان الأصل
في الشبهات البدوية والصور المذكورة لا تفاوت بينها بحسبه وان اختص بعض منها بحكم آخر لدليل خارجي إذا عرفت هذا فنقول وبالله التوفيق الأقوى ان مقتضى القاعدة في الشبهات المذكورة هو البراءة وعدم لزوم الاحتياط لنا على ذلك حكم العقل بقبح العقاب من دون حجة وبيان وهذه قاعدة مسلمة عند العدلية ولا شبهه لأحد فيها الا ان ما يمكن ان يكون رافعا لموضوعها بزعم الخصم أمور نتكلم فيها حتى يتضح الحال إن شاء الله أحدها وجوب دفع الضرر المحتمل عقلا وهذه أيضا قاعدة عقلية يجب العمل بها فإذا كان الفعل محتمل الحرمة يحتمل في إيجاده الضرر وكذا إذا كان محتمل الوجوب يحتمل في تركه الضرر والعقل حاكم بوجوب دفع الضرر فيجب بحكم العقل ترك الأول وإيجاد الثاني وبعد ثبوت هذا الحكم من العقل يرتفع موضوع تلك القاعدة (والجواب) ان الضرر المأخوذ في موضوع القاعدة الثانية ان كان الضرر
427

الأخروي فلا يكون محتملا حتى يجب دفعه لأن المفروض عدم البيان غير هذه القاعدة وهي لا تكون بيانا الا على وجه دائر لأن جريانها يتوقف على الموضوع والموضوع يتوقف على جريانها وان كان الضرر ما يكون لازما لفعل كل حرام وترك كل واجب كما يقول به العدلية فاحتماله وان كان ملازما لاحتمال التكليف ولم يكن محتاجا إلى البيان الا ان حكم العقل بوجوب دفعه ليس الا لأجل الخوف من الوقوع فيه ولا يترتب على مخالفته سوى الوقوع في المفسدة الذاتية على تقدير الثبوت ولا يكفي هذا الحكم في إثبات العقاب من المولى لأن عقاب المولى لا يصح الا مع المخالفة ولا يتصور هنا مخالفه الا على تقدير الالتزام بان إلقاء النفس في المفسدة المحتملة من الأفعال القبيحة عند العقل على أي حال سواء كان في الواقع مفسدة أم لا حتى يستكشف بقاعدة الملازمة
تعلق نهى الشارع بهذا العنوان ويصير إتيانه مخالفة للنهي وليس الأمر كذلك للزوم ان يكون محتمل المفسدة مقطوع المفسدة عند العقل وهذا واضح البطلان والحاصل انه ليس في المقام الا إرشاد العقل بالتجنب عن المفسدة المحتملة ولا يترتب عليه الا نفس تلك المفسدة على تقدير الثبوت وقد يجاب أيضا بان الشبهة في المفسدة من الشبهات الموضوعية التي لا يجب فيها الاحتياط اتفاقا ولكنه مخدوش يعدم ثبوت الاتفاق على البراءة حتى في مثل هذه الشبهة كيف والخصم يستدل على دعواه بوجوب دفع المفسدة المحتملة والمتيقن من مورد الاتفاق انما هو الشبهات التي لم يكن كشفها وظيفة الشارع مثل كون هذا المائع بولا أو خمرا ونحو ذلك فالعمدة في الجواب ما ذكرنا فلا تغفل (الأمر الثاني) ان الأمور التي يمكن ان يكون بيانا وحجة على العقاب بزعم
الخصم الآيات والاخبار اما الآيات فهي على صنفين
428

(أحدهما) ما دل على النهي عن القول بغير العلم والجواب عنه واضح لأنا لا نقول بان الواقعة المشكوكة محكومة بالحلية في نفس الأمر حتى يكون قولا بغير علم بل نقول بان إتيان محتمل الحرمة بعد الفحص عن الدليل لا يوجب عقابا وكذا ترك محتمل الوجوب وهذا ليس قولا بغير علم بل هو مقتضى حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان (الثاني ما دل بظاهره على لزوم الاحتياط والتورع والاتقاء مثل قوله تعالى واتقوا الله حق تقاته وجاهدوا في الله حق جهاده وقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وكذا لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة والجواب عما عدا الأخير ان الاتقاء يشمل فعل المندوبات وترك المكروهات ولا إشكال في عدم وجوبهما فيدور الأمر بين تقييد المادة بغيرهما وبين التصرف في هيئة الطلب بحملها على إرادة مطلق الرجحان حتى لا ينافي فعل المندوب وترك المكروه ولا إشكال في عدم أولوية الأول ان لم نقل بأولوية الثاني من جهة كثرة استعمالها في
غير الوجوب حتى قيل انه صار من المجازات الراجحة المساواة احتمالها مع الحقيقة واما عن آية التهلكة فبان الهلاك بمعنى العقاب معلوم العدم لعدم البيان عليه وبدونه قبيح ولا يمكن ان يكون هذا النهي بيانا إذ موضوعة التهلكة ولا يمكن ان يتحقق الموضوع بواسطة حكمه واما الهلاك بمعنى المفاسد المترتبة على فعل الحرام وترك الواجب فالحق ان الآية لا تشملها لأنها مما لم يقل به الا الأوحدي من الناس بالبرهان العقلي حتى ان بعضا من العدلية لا يلتزمون
429

بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلق بل يكتفون بوجود المصلحة في التكليف فكيف يحمل الخطابات المنزلة على فهم العرف على هذا المعنى الدقيق الذي لا يعرفه الا البعض بمقتضى البرهان العقلي ويمكن ان يقال علي فرض شمولها للمفاسد الذاتية لا تدل على دعوى الخصم لأنها تدل على حرمة إلقاء النفس في الهلكة الواقعية ولا دلالة لها على حكم حال الشك وفيه ان الظاهر ان إلقاء النفس في التهلكة أعم من الإقدام على الهلكة اليقينية والمحتملة عرفا ولا أقل من شمولها لموارد الظن بالتهلكة وان كان غير معتبر فيلحق به الشك لعدم القول بالفصل فالأولى في الجواب ما ذكرنا واما الاخبار فهي على أصناف (أحدها) ما دل على حرمة القول بغير علم وقد مر الجواب عنه (الثاني) ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة وهذا الصنف مختص بالشبهة التحريمية بقرينة التوقف الذي يكون عبارة عن عدم المضي والحركة إلى جانب الفعل (والثالث) الاخبار الدالة على وجوب الاحتياط وهي أعم موردا من السابق لأنها تشمل الشبهة التحريمية والوجوبية اما ما دل منها على التوقف فهو أكثر من ان يحصى وتقريب الاستدلال به ان الظاهر من هذه الاخبار الكثيرة ان عدم التوقف والحركة إلى ناحية الفعل المحتمل حرمته موجب للاقتحام في الهلكة ولظاهر من الهلكة العقاب الأخروي فمحصل هذه الاخبار ان الإقدام على فعل ما احتمل حرمته موجب لثبوت
العقاب على تقدير كون الفعل المأتي به محرما في الواقع لا يقال ان الأوامر المتعلقة بالتوقف لا يمكن كونها بيانا لثبوت العقاب لأنها انما جاءت من جهة الهلكة كما هو مقتضى التعليل في الاخبار والحكم الذي جاء من جهة الهلكة لا يعقل ان يكون منشأ لثبوتها للزوم الدور
430

فمورد هذه الاخبار مختص بالشبهة التي قامت الحجة في موردها على الواقع على تقدير ثبوته كالشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي ونحو ذلك واما الشبهات البدوية بعد الفحص عن الدليل فليس مرتكبها مقتحما في الهلكة حتى يجب عليه التوقف للقطع بعدم الهلكة فيها من جهة قبح العقاب من دون بيان لأنا نقول إذا تعلق حكم بطبيعة وعلل بعلة وكان التكلم في مقام البيان فالظاهر ان تلك الطبيعة في أي فرد وجدت محكومة بذلك الحكم وان العلة سارية في جميع افراد تلك الطبيعة ولا فرق فيما قلنا بين ان يكون الحكم المذكور في القضية مولويا وبين ان يكون إرشاديا الا ترى ان الطبيب لو قال للمريض كل الرمان لأنه مزيل للصفراء يفهم منه ان إزالة الصفراء سارية في تمام افراده وان هذه الطبيعة من دون تقييدها بشيء تصلح لذلك المريض والحاصل انه لا إشكال في ظهور ما قلنا وان الاخبار تدل على ان مطلق الشبهة يجب فيها التوقف لأن عدم التوقف فيها موجب للاقتحام في الهلكة فيجب الجمع بين هذا الإطلاق والقاعدة العقلية التي مرت سابقا من قبح العقاب من دون بيان بان يستكشف من هذه الأدلة ان الشارع قد كان أوجب الاحتياط على المخاطبين بالخطاب المدلول عليه بهذه الاخبار والا لم يصح التعليل المذكور في الاخبار فإذا ثبت وجوب الاحتياط على المخاطبين بهذه الخطابات يثبت وجوبه علينا أيضا للقطع بالاشتراك في التكليف هذه غاية ما يمكن ان يقال في تقريب الاستدلال بهذه الاخبار (والجواب) أولا بأنا نمنع
ظهور المشتبه في كل محتمل بل قد يطلق على فعل يحتمل فيه الحظر وبعد احتمال ذلك في اللفظ لا يتعين المعنى الأول بل يتعين الثاني بقرينة التعليل فلا ربط ح لتلك الاخبار بمذهب المدعى (وثانيا) على فرض ظهور هذه الاخبار في العموم لا مناص من حملها على إرادة مطلق الرجحان وحمل الهلكة فيها على الأعم من العقاب وغيره من المفاسد لأنه من الموارد التي أديت بهذه العبارة في الاخبار على سبيل التعليل
431

النكاح في الشبهة وقد فسره الصادق عليه السلام بقوله إذا بلغك انك رضعت من لبنها أو انها لك محرمة وما أشبه ذلك ولا إشكال في ان مثل هذا النكاح لا يجب الاجتناب عنه ولا يوجب عقابا وان صادف المحرم الواقعي فان مثل هذه الشبهة من الشبهات الموضوعية التي يتمسك فيها بالأصل اتفاقا مضافا إلى قيام الإجماع أيضا فيها والحاصل ان قولهم عليهم السلام فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة أجرى في موارد وجوب التوقف وفي موارد عدم وجوب التوقف فاللازم ان نحمله على إرادة مطلق الرجحان حتى يلائم كليهما (وثالثا) مع قطع النظر عن بعض موارد تلك الاخبار نعلم من الخارج عدم وجوب التوقف في بعض من الشبهات التحريمية والشبهات الموضوعية باعتراف الخصم فيدور بين تخصيص الموضوع بغيرها أو حمل الهيئة على مطلق الرجحان ولا ريب في عدم رجحان الأول ان لم نقل بالعكس فيسقط عن الدلالة على ما ادعاه الخصم (واما الصنف الثالث) من الأوامر التي دلت بظاهرها على وجوب الاحتياط فهي كثيرة (منها) صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء قال عليه السلام بل عليهما ان يجزى كل واحد منها الصيد فقلت ان بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه قال عليه السلام إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم الاحتياط حتى تسألوا وتعلموا (ومنها) موثقة عبد الله بن وضاح قال كتبت إلى
العبد الصالح
432

يتوارى عنا القرص ويقبل الليل ويزيد الليل ارتفاعا ويستر عنا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون فأصلي ح وأفطر ان كنت صائما أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل فكتب إلى أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك الخبر (ومنها) خبر التثليث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله والوصي وعن بعض الأئمة ففي مقبولة ابن حنظلة الواردة في الخبرين المتعارضين بعد الأمر بأخذ المشهور منهما وترك الشاذ النادر معللا بقوله عليه السلام فان المجمع عليه لا ريب فيه قوله عليه السلام انما الأمور ثلاثة امر بين رشده فيتبع امر بين غيه فيجتنب وامر مشكل يرد حكمه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم (ومنها) ساير الاخبار الا مرة بالاحتياط في الدين مثل ما ورد من قول أمير المؤمنين عليه السلام لكميل ابن زياد رضي الله عنه أخوك دينك فاحتفظ لدينك بما شئت وأمثال ذلك والجواب اما عن الصحيحة فبان قوله عليه السلام إذا أصبتم بمثل هذا يحتمل ان يكون إشارة إلى السؤال يعنى إذا سئلتم عن هذه الواقعة من الوقائع المشكوك فيها ولم تدروا حكمها فعليكم بالاحتياط ويحتمل ان يكون إشارة إلى نفس الواقعة يعنى إذا ابتليتم بالوقائع المشكوك فيها فعليكم بالاحتياط وعلى الأول يحتمل ان يكون المراد من قوله عليه السلام فعليكم
433

بالاحتياط إيجاب التوقف وترك القول بما لا يعلم وان يكون المراد إيجاب الإفتاء بالاحتياط والأخير بعيد جدا وعلى الثاني يمكن ان يكون المراد من قوله عليه السلام بمثل هذا جميع الوقائع المشكوك فيها وان يكون المراد ما كان مماثلا لواقعة جزاء الصيد في كونه مرددا بين الأقل والأكثر واستدلال الاخبار بين مبنى على حمل الرواية
على المعنى الأول بالوجه الثاني الذي قلنا بأنه بعيد جدا أو على المعنى الثاني بالوجه الأول اما الأول منهما ففي غاية البعد واما الثاني فيلزم عليهم الحكم بالاحتياط في الشبهات الوجوبية البدوية ولم يلتزم أكثرهم بذلك مضافا إلى عدم الترجيح في هذا الاحتمال فيسقط الخبر عن صحة الاستدلال واما عن الموثق فبأنه مع اضطرابه لا يدل على المطلوب لأنه ان حمل على كفاية استتار القرص ووجوب الانتظار حتى يحصل القطع بتحققه فمع بعده عن ظاهر الخبر كما لا يخفى لا يدل الا على انه في أمثال المقام مما اشتغلت ذمة المكلف بتكليف يجب عليه ان يحتاط حتى يحصل له اليقين بالبراءة وان حمل على كفاية استتار القرص فيشكل حكم الإمام عليه السلام بالاحتياط مع ان المورد من الشبهات الحكمية التي تكون وظيفة الإمام عليه السلام رفع الشبهة فيها فلا بد ان يحمل هذا البيان منه على التقية بمعنى انه رأى عليه السلام ان قوله بالانتظار ليس من أجل عدم كفاية الاستتار بل من جهة حصول القطع بتحققه لمكان الاحتياط اللازم في المورد بل يمكن ان يقال ان الظاهر من قوله عليه السلام أرى لك إيجاب الانتظار احتياطا فيكون هذا أيضا شاهدا على التقية ويمكن قريبا ان يكون قوله عليه السلام وتأخذ بالحائطة لدينك متمما للفقرة الأولى لا تعليلا لها فالمراد على هذا انه يجب عليك الانتظار على نحو الاحتياط من دون ان يلتفت إلى مذهبك أحد واما عن خبر التثليث فينبغي أولا ذكر موارد الاستدلال به ثم الجواب عنه وهي ثلاثة
434

(أحدها) إيجابه الأخذ بالمشهور وطرح الشاذ النادر معللا بان المجمع عليه لا ريب فيه فيستفاد من التعليل ان الوجه في وجوب طرح الشاذ كونه مما فيه ريب وبمقتضى عموم هذه العلة يجب رفع اليد عن كل ما فيه الريب وطرحه والأخذ بما لا ريب فيه وهذا مفاد قولهم عليهم السلام في بعض الاخبار دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فشرب التتن مثلا
مما فيه ريب وتركه مما لا ريب فيه ومقتضى قوله عليه السلام وجوب طرح الأول والأخذ بالثاني (الثاني) تقسيم الإمام عليه السلام الأمور على ثلاثة أقسام والحكم بوجوب رد الشبهات إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله (الثالث) النبوي الذي استشهد به الإمام عليه السلام وهو قوله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم والجواب اما عن الأول فبان السؤال انما يكون عن الخبرين المتعارضين وانه بأيهما يجب الأخذ على انه طريق وحجة فيستفاد من الجواب بملاحظة عموم التعليل ان الأخذ بكل ما فيه الريب بعنوان انه حجة بينه وبين الله غير جائز ولا شك في ذلك ولا دخل له بما نحن بصدده من لزوم الاحتياط في مقام العمل وعدمه واما عن الثاني فبان حكم الإمام عليه السلام برد الشبهات إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله ظاهره عدم القول بما لا يعلم ولا إشكال أيضا في ذلك ولا يدفع ما ندعيه كما لا يخفى واما النبوي فان كان المراد من الهلكة فيه العقاب كما هو الظاهر فاللازم حمله على الإرشاد وتخصيصه بموارد ثبوت الحجة على الواقع وان كان ما يعم المفاسد الذاتية فاللازم حمل الطلب فيه على مطلق الرجحان ويمكن ان يقال
435

ان المحرمات الواقعية التي لا دليل على ثبوتها ليست داخلة في هذا التقسيم بل هو ناظر إلى المحرمات المنجزة والمحللات والشبهات بين الحرام المنجز والحلال كالشبهات في أطراف العلم الإجمالي ولا إشكال في وجوب الاحتياط فيها واما عن ساير الاخبار الآمرة بالاحتياط فبأن الأمر فيها دائر بين التصرف في المأمور به بحمله على غير الشبهات الموضوعية التي ليس الاحتياط فيها واجبا اتفاقا وبين التصرف في الهيئة بحملها على إرادة مطلق الرجحان ولا أقل من عدم ترجيح
الأول ان لم يكن الثاني أولى كما هو واضح مضافا إلى ان الظاهر من كلها أو جلها الاستحباب كما لا يخفى على من راجعها الأمر الرابع من الأمور التي تمسك بها الخصم العلم الإجمالي بوجود أحكام كثيرة وهذا العلم حاصل لكل من علم ببعث النبي صلى الله عليه وآله ولا طريق إلى إنكاره الا المكابرة ومقتضى هذا العلم الاحتياط في
436

كل شبهه وجوبية أو تحريمية لأن الاشتغال اليقيني بالتكاليف يقتضى البراءة اليقينية منها بحكم العقل غاية الأمر ان ثبت عدم وجوب الاحتياط في الشبهات الوجوبية بالدليل نقول بمقتضاه في خصوص تلك الشبهة وتبقى الشبهات التحريمية باقية على مقتضى العلم الإجمالي لا يقال ان هذا العلم انما يكون قبل مراجعة الأدلة واما بعدها فالمعلوم اشتغال الذمة بمقتضى مداليل الأدلة والزائد مشكوك فيه وبعبارة أخرى بعد مراجعة الأدلة ينحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي والشك البدوي لأنا نقول ان كان المراد ان الأدلة توجب القطع بالاحكام الواقعية فكل منصف يقطع بخلاف ذلك وان كان المراد انه مع كون الأدلة لا تفيد القطع يجري الأصل في الموارد الخالية عنها فالجواب بأنه لا وجه لذلك فان المراد من انه مقتضى دليل حجية الأمارات وجوب الأخذ بمؤداها لا حصر التكاليف الواقعية بمواردها و ح لا منافاة بين وجوب الأخذ بمؤدى الأمارات بمقتضى دليل اعتبارها ووجوب الأخذ بمقتضى العلم الإجمالي الموجود فعلا بالاحتياط في الأطراف الخالية عن الأمارة هذا (والجواب عنه بوجوه) (أحدها) ان العلم الإجمالي بالتكاليف لا يقتضى الا الإتيان بالمقدار المعلوم اما حقيقة
لو علم بالمقدار المعلوم تفصيلا وأتى به واما حكما كما لو أتى بمؤديات الطرق التي نزلها الشارع منزلة الواقع فالآتي بها كالآتي بنفس الواقعيات ولا شيء عليه سوى ذلك ويمكن الخدشة في هذا الجواب بان العلم الإجمالي يقتضى عدم المخالفة بالمقدار المعلوم إجمالا لا المطابقة بذلك المقدار كما سبق في مبحث دليل
437

الانسداد وجعلناه مبنى القول بالتجزي في الاحتياط الوجه الثاني انه بعد قيام الأدلة على الواجبات والمحرمات بالمقدار المعلوم ينحل العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي لأن الإتيان بما دلت الأدلة على وجوبه واجب وكذا ترك ما دلت على تحريمه ولا يكون لنا علم بالتكليف سوى ما علم تفصيلا لاحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل فان قلت هذا لو اطلع على الأدلة قبل العلم الإجمالي أو مقارنا له صحيح لما ذكر من عدم العلم بأزيد مما علم تفصيلا بمجرد احتمال التطبيق واما لو اطلع على الأدلة بعد العلم الإجمالي فلا يكفي مجرد احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على مداليل الأدلة لتنجز الواقعيات بواسطة العلم ويجب بحكم العقل الامتثال القطعي قلت يشترط في بقاء أثر العلم الإجمالي كونه باقيا بمعنى ان يكون عالما في الزمان الثاني إجمالا بوجود التكليف في الزمن الأول وان لم يكن عالما به بملاحظة الزمن الثاني من جهة انعدام بعض الأطراف أو خروجه عن محل الابتلاء أو غير ذلك ولهذا لو شك في الزمان الثاني في ثبوت التكليف في الزمن الأول لم يكن أثر للعلم الأول بلا إشكال فحينئذ نقول العلم الإجمالي وان
438

كان موجودا في الزمن الأول لكن الأمارات الدالة على الأحكام لما دلت على ثبوتها من أول الأمر وكان الواجب عليه البناء على مضمونها ففي زمان الاطلاع على هذه الأمارات لم يكن إجمال في البين بملاحظة الحالة السابقة
لأنه يعلم في الحال بثبوت التكليف في موارد الأمارات من أول الأمر ويشك في الزائد كذلك وبعبارة أخرى الظفر بالأمارات بعد العلم الإجمالي من قبيل العلم بالتكاليف الواقعية من أول الأمر فكما انه يوجب انحلال العلم الإجمالي كذلك الظفر بالأمارات الشرعية لأنها تكشف عن وجود تكاليف قطعية على طبق مقتضاها من أول الأمر هذا ولا يخفى ان الجواب المذكور وان كان نافعا في المقام فان كلامنا في الشبهات الحكمية والأدلة القائمة على التكاليف ثابتة في الواقع مقدمة على العلم الإجمالي غاية الأمر عدم اطلاع المكلف عليها وبعد اطلاعه عليها يكشف عن ثبوت تكاليف قطعية من أول الأمر كما عرفت ولكنه غير نافع في الشبهة الموضوعية كما لو قامت البينة على بعض أطراف العلم الإجمالي متأخرة عن العلم لأنها لا تكشف عن التكليف القطعي ضرورة ان التكليف القطعي الذي يكون عبارة عن وجوب متابعة البينة لا يمكن ان يكون سابقا على نفس البينة فلا يبقى في البين الا لسان البينة بكون هذا موضوعا للحكم سابقا ومجرد هذا
اللسان لا يجدى في الانحلال الوجداني نعم الجواب الأول ان تم فهو نافع مط حتى في موارد قيام البينة الوجه الثالث ان العلم يعتبر في موضوع حكم العقل من حيث انه طريق قاطع للعذر لا من حيث انه صفة خاصة ولذا تقوم الأمارات مقامه وقد بينا الفرق بينهما في مبحث حجية القطع وعلى هذا لو قامت أمارة معتبرة أو طريق معتبر على بعض الأطراف مفصلا فالمعلوم بصفة انه معلوم وان كان بعد مرددا ولكن ما قام عليه الطريق القاطع للعذر ليس مرددا فما يكون ملاك حكم العقل بوجوب الامتثال مفصل وما بقي على إجماله ليس ملاكا لحكم العقل
439

ولا تفاوت في الانحلال على هذا الوجه بين ان يكون
الطريق مقارنا للعلم أو سابقا عليه أو لاحقا له وكذا لا تفاوت بين الشبهة في الحكم وبين الشبهة في الموضوع هذا وتلخص مما ذكرنا عدم نهوض الأدلة التي استدل بها أصحابنا الأخباريون على إيجاب الاحتياط فيكفي لنا حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان وها انا أشرع في ذكر الأدلة الشرعية الدالة على عدم البأس في ارتكاب الشبهات الحكمية البدوية بعون الله تعالى وحسن توفيقه منها الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله بسند صحيح في الخصال كما عن التوحيد رفع عن أمتي تسعة أشياء الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه الخبر تقريب الاستدلال به واضح واستشكل شيخنا المرتضى قده في شموله للشبهات الحكمية التي هي محل النزاع بوجهين أحدهما ان السياق يقتضى ان يكون المراد من الموصول في قوله ما لا يعلمون هو الموضوع إذ المراد في قوله صلى الله عليه وآله ما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه ليس الا الأفعال إذ لا معنى للاضطرار إلى الحكم أو الإكراه عليه فيكون المراد من الموصول في قوله ما لا يعلمون أيضا الأفعال المجهولة للعنوان لظهور اتحاد السياق (والثاني) ان الظاهر ان المراد من الرفع هو رفع المؤاخذة فلا بد من التقدير في قوله ما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والمقدر هو المؤاخذة
440

على نفس المذكورات ولو قلنا بشمول الموصول فيما لا يعلمون الحكم أيضا لا يمكن مثل هذا التقدير فيه إذ لا معنى للمؤاخذة على الحكم وزاد شيخنا الأستاذ إشكالا آخر وهو ان اسناد الرفع إلى الحكم اسناد إلى
ما هو له إذ وظيفة الشارع رفع الحكم ووضعه واسناده إلى الموضوع اسناد إلى غير ما هو له فيكون إسنادا مجازيا فإرادة الحكم والموضوع من الموصول لا تجوز الا ان يراد كل منهما مستقلا كما في استعمال اللفظ في المعنيين هذا ولكن الإنصاف عدم ورود شيء مما ذكر اما قضية السياق فلان عدم تحقق الاضطرار في الأحكام وكذا الإكراه لا يوجب التخصيص في قوله عليه السلام ما لا يعلمون ولا يقتضى السياق ذلك فان عموم الموصول انما يكون بملاحظة سعة متعلقه وضيقه فقوله عليه السلام ما اضطروا إليه أريد منه كل ما اضطر إليه في الخارج غاية الأمر لم يتحقق الاضطرار بالنسبة إلى الحكم فيقتضى اتحاد السياق ان يراد من قوله صلى الله عليه وآله ما لا يعلمون أيضا كل فرد من افراد هذا العنوان الا ترى انه إذا قيل ما يؤكل وما يرى في قضية واحدة لا يوجب انحصار افراد الأول في الخارج ببعض الأشياء تخصيص الثاني أيضا بذلك البعض وهذا واضح جدا واما ما ذكر قده من الوجه الثاني فالتحقيق فيه انه لا يحتاج إلى التقدير في القضية أصلا وتوضيح ذلك انه تارة نلتزم بان الأحكام الواقعية في حال الجهل لا بد وان تكون باقية على فعليتها وأخرى لا نلتزم بذلك وعلى أي حال نقول أسند الرفع إلى نفس ما لا يعلمون بنحو من المسامحة فعلى الأول المجهول سواء كان حكما أو موضوعا ليس مرفوعا حقيقة اما الثاني فواضح واما الأول فلان المفروض بقاء الأحكام الواقعية على فعليتها في حال الجهل فلا بد
441

من إحدى المسامحتين اما جعل المجهولات مما يقبل الرفع ادعاء واما حمل النسبة على التجوز وعلى الثاني ان كان المجهول حكما يمكن رفعه حقيقة بمعنى رفع فعليته في حال الجهل واما ان كان موضوعا فلا يقبل الرفع فالمتعين جعل ما لا يقبل الرفع مما يقبل الرفع ادعاء ثم نسبة الرفع
إلى الجميع حقيقة ومما ذكرنا يظهر ما فيما أفاده شيخنا الأستاذ أيضا فلا تغفل وبالجملة الإنصاف انه لا وجه لرفع اليد عن عموم قوله صلى الله عليه وآله ما لا يعلمون للشبهات الحكمية ثم انك بعد ما عرفت ان نسبة الرفع إلى ما لا يعلمون وأخواته تحتاج إلى وجه من المسامحة اعلم ان المصحح لهذه المسامحة اما ان يكون رفع جميع الآثار واما خصوص المؤاخذة في الجميع واما الأثر المناسب لكل من المذكورات وان قلنا بالأول فلو كان للشيء آثار متعددة يرتفع عند الجهل أو النسيان أو الاضطرار كلها مثل ما لو اضطر إلى لبس الحرير الذي له الحرمة النفسية والمانعية للصلاة وكذا لو جهل بكونه حريرا أو جهل بكون الحرير محرما ومانعا من الصلاة وان قلنا بان الثاني مورد الرفع فينحصر فيما له خصوص الأثر المذكور أعني المؤاخذة وما لم يكن له ذلك خارج عن مورد الرواية وان قلنا بالثالث يشمل غير المؤاخذة أيضا لكن الفرق بينه وبين الأول انه على الأول لو كان للشيء آثار متعددة يرتفع الكل بخلاف الأخير فإنه يلاحظ ما هو أنسب بالنسبة إلى ذلك الشيء إذا عرفت هذا فنقول لو خليتنا وأنفسنا لقلنا بان الظاهر ان نسبة الرفع إلى المذكورات انما تكون بملاحظة رفع المؤاخذة لكن ينافيه ما روى عن الصفوان
442

والبزنطي عن أبي الحسن عليه السلام بطريق صحيح في رجل يستكره على اليمين فحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك يلزمه ذلك فقال لا قال رسول الله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطئوا الخبر فان الحلف على ما ذكر وان كان باطلا مط الا ان استشهاد الإمام عليه السلام على عدم لزومها مع الإكراه على الحلف بها يدل على عدم اختصاص الرفع برفع المؤاخذة فعلى هذا يدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين أحدهما جميع الآثار والثاني الأثر المناسب لكن الثاني مستلزم لملاحظات عديدة فيعين الأول
قال شيخنا الأستاذ في تعليقاته ان ما يظهر من الخبر لا ينافي تقدير خصوص المؤاخذة مع تعميمها إلى ما كانت مرتبة عليها بالواسطة كما في الطلاق والصدقة والعتاق فإنها مستتبعة لها بواسطة ما يلزمها من حرمة الوطء في المطلقة ومطلق التصرفات في الصدقة أو العتق وبالجملة لو كان المقدر هو خصوص المؤاخذة الناشئة من قبلها بلا واسطة أو معها لا ينافيه ظاهرا الخبر انتهى كلامه أقول اسناد الرفع إلى شيء لا يرتفع بنفسه ينصرف إلى الأثر المترتب على ذلك الشيء من دون واسطة فان قلنا بتمام الآثار فهو تمام الآثار المترتبة على الشيء من دون واسطة وان قلنا بالمؤاخذة خاصة فهو أيضا من باب انها أظهر الآثار للمذكورات ولو في خصوص المقام وعلى أي لا يشمل الآثار المترتبة على الشيء بواسطة ووسائط كما ان اخبار الاستصحاب الدالة على
443

وجوب إبقاء ما كان تنصرف إلى الآثار بواسطة وكيف كان دلالة الخبر المذكور على كون المرفوع أعم من المؤاخذة غير قابلة للخدشة بقي الكلام في أمور (أحدها) ان المراد بالرفع في هذا الخبر الشريف هو الدفع أو الأعم منه ومن الرفع لا معناه الحقيقي الذي هو عبارة عن إزالة الشيء بعد ثبوته إذ هو غير واقع في بعض العناوين المذكورة قطعا (الثاني) ان الأثر المرفوع انما هو الأثر الشرعي المرتب على هذه المذكورات بلا واسطة فالآثار القطعية والشرعية المرتبة عليها بواسطة أو وسائط خارجة عنه فان قلت فعلى هذا الشبهات الحكمية خارجة عن مورد الرواية لأن الحرمة المجهولة مثلا ليس لها أثر شرعا بل أثرها المؤاخذة وهي غير قابلة للتصرف الشرعي وهكذا الوجوب المجهول قلت المؤاخذة وان لم تكن قابلة للرفع والوضع بنفسها لكنها قابلة لهما بواسطة
منشأها فإنه للشارع ان يثبت المؤاخذة بإيجاب الاحتياط في حال الجهل فإذا لم يوجب الاحتياط يرتفع المؤاخذة فيصح اسناد رفعها إلى الشارع مضافا إلى إمكان القول بان نسبة الرفع إلى الشبهات الحكمية ليس بملاحظة الآثار بل بملاحظة نفسها لأن الحكم بنفسه مما تناله له يد الجعل (الثالث) انه لا إشكال في قبح مؤاخذة الناسي والعاجز والمخطئ عقلا وعلى هذا يستشكل في الرواية من جهتين إحداهما عدم اختصاص رفع المؤاخذة عن هذه المذكورات بالأمة المرحومة والثانية ان الرواية في مقام المنة وأي معنى للمنة في رفع ما هو قبيح عند العقل ثم لا يخفى انه لا
يرتفع الإشكال بجعل المرفوع تمام الآثار إذ منها المؤاخذة فانضمام الآثار التي يصح رفعها امتنانا إلى ما لا يصح
كذلك غير صحيح
444

وهذا التوجيه نظير ما قيل في ان الرفع انما هو بملاحظة مجموع التسعة فما أورده شيخنا المرتضى قده على التوجيه الثاني من انه شطط من الكلام وارد على الأول أيضا بعينه فلا تغفل وكيف كان فالأولى ان يقال كما أفاده شيخنا المرتضى قده أخيرا بان النسيان وكذا الخطاء قد يكون من جهة مسامحة المكلف وعدم المبالاة في الحفظ وقد يكون غير مستند إليه والقبيح مؤاخذة الناسي والمخطئ مثلا إذا لم يكونا مستندين إليه واما في صورة الاستناد إليه فليست المؤاخذة قبيحة فيصح ان يرفع الشارع المؤاخذة عن الناسي ومثله بان لا يوجب عليهم التحفظ أولا الرابع ان بنينا على ان المرفوع تمام الآثار يمكن ان يقال لو نسي جزء من اجزاء الصلاة وانى بالباقي كانت مجزية ولا يجب عليه الإعادة بعد الالتفات إذ من الآثار الجزئية فهي
مرفوعة في حال النسيان فيدل الخبر على ان المكلف به للناسي هي الصلاة من دون ذلك الجزء المنسي والإشكال بان الجزئية غير قابلة للرفع لأنها من الآثار الوضعية التي قلنا بعدم الجعل فيها مدفوع بما مر في رفع المؤاخذة من انها وان كانت خير قابلة للجعل بنفسها الا انها قابلة له من جهة منشأ انتزاعها هذا ولكن ما قلنا انما هو مبنى على صحة اختصاص الناسي بالتكليف كما هو التحقيق والمحقق في محله واما على مذهب شيخنا المرتضى قده من عدم مكانه فلا يصح الاستدلال كما لا يخفى (الخامس) لو شك في مانعية شيء للصلاة فالحديث بناء على حمله على تمام الآثار ينفع لصحة صلاته ما دام شاكا وإذا قطع بكونه مانعا يجب عليه إعادة تلك الصلاة في الوقت وقضاؤها في خارجه كما هو مقتضى القاعدة في
445

الأحكام الظاهرية واما لو شك في انطباق عنوان ما هو مانع على شيء فلا يبعد ان يقال بالاجزاء وان علم بعد الفعل بالانطباق كما لو صلى مع لباس شك في انه مأكول اللحم أو غيره مثلا إذ مقتضى رفع الآثار عن هذا المشكوك تخصيص المانع بما علم انه من غير المأكول ولا يمكن هذا القول في الأول إذ يستحيل تخصيص المانع بما إذا علم مانعيته فتدبر جيدا ومن جملة ما استدل به على البراءة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فيمن تزوج امرأة في عدتها قال إذا كان بجهالة فليزوجها بعد ما تنقضي عدتها فقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك (قلت) بأي الجهالتين أعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه أم بجهالته انها في العدة قال إحدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بان الله حرم عليه
ذلك وذلك لأنه لا يقدر معه على الاحتياط قلت فهو في الأخرى معذور قال نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور فله ان يزوجها تقريب الاستدلال انه حكم بكونه معذورا لأنه جاهل فجعل الجهل موجبا للعذر سواء كان متعلقا بالحكم أم بالموضوع ويؤيده سؤال الراوي بعد ذلك
بأي الجهالتين أعذر
446

ويشكل بان الجهل المفروض في الرواية على فرض كون المراد منه الشك ان كان متعلقا بالحكم الشرعي فالمعذورية يتوقف على الفحص إذ الجاهل بالحكم قبل الفحص ليس بمعذور إجماعا ولو حملنا الرواية على ما بعد الفحص فيبعد بقاء الجهل مع وضوح الحكم بين المسلمين وان كان المراد الجهل بالموضوع فيصح الحكم بالمعذورية إذا لم يعلم بكونها في العدة أصلا واما إذا علم بكونها في العدة سابقا ولم يدر انقضائها فمقتضى استصحاب بقاء العدة عدم معذوريته وبالجملة الحكم بمعذورية الجاهل مط لا يطابق القواعد المسلمة الا ان يحمل الجهالة على الغفلة فيستقيم الحكم بالمعذورية أو كان المراد من المعذورية المعذورية بالنسبة إلى الحكم الوضعي أعني الحرمة الأبدية وأيضا هنا إشكال آخر في حكمه بكون الجهالة بان الله تعالى حرم عليه ذلك أهون من الأخرى معللا بعدم قدرته على الاحتياط معها وحاصل الإشكال انه لا فرق بين الجهالتين في هذه العلة لأنها ان كانت بمعنى الغفلة فلا إشكال في عدم قدرته على الاحتياط فيهما والتفكيك بين الجهالتين بان يجعل الجهالة بالحكم بمعنى الغفلة والأخرى بمعنى الشك في غاية البعد قال شيخنا الأستاذ غاية ما يمكن ان يقال في دفعه هو ان إرادة الغفلة في
447

أحد الموضعين والشك في الاخر لا توجب التفكيك في الجهالة بحسب المعنى فيهما فإنه من الجائز بل المتعين استعماله في كلا الموضعين في المعنى العام الشامل للغفلة والشك
لكن لما كان الغالب في الجهل بالحكم هو الغفلة إذ مع وضوح هذا الحكم بين المسلمين قلما يتفق مع الالتفات إليه الشك فيه بخلاف الجهل بكونها في العدة فإنه يتحقق غالبا مع الالتفات لكثرة أسبابه إذ المتعارف بحيث قل ان يتخلف التفتيش من حال المرأة التي يريد ان يزوجها ومعه من المستحيل عادة ان لا يصادف بما يورث التفاته إلى انها في العدة أم لا كما لا يخفى خص الإمام عليه السلام الجاهل بالتحريم بالأعذرية معللا بكونه غير قادر على الاحتياط نظرا إلى ان الغالب فيه الغفلة بخلاف الجاهل بالعدة من دون التفات منه إلى ما يتفق نادرا في الموضعين فإذا لا تفكيك بحسب المعنى بين الموضعين انتهى كلامه قلت كما ان وضوح الحكم بين المسلمين يوجب عدم الشك مع الالتفات كذلك غلبة التفتيش عن حال المرأة توجب عدم بقاء الشك بحاله فالتعرض لحكم الشبهة في العدة أيضا تعرض للفرد النادر فتأمل [1].
ويمكن دفع الإشكالات الواردة على الرواية بأجمعها بحمل الجهالة على الغفلة في كلتا الصورتين وحمل قول السائل بجهالة ان الله حرم عليه ذلك على الجهالة في الحكم التكليفي وقوله أم بجهالته انها في العادة على جهالته بان العدة موضوعة للأمر الوضعي أعني الحرمة الأبدية و ح وجه قدرته على الاحتياط في الثاني انه بعد الالتفات يتمكن من رفع اليد عن الزوجة بخلاف الأول فإنه عمل بالفعل المحرم شرعا ولا يتمكن عن تداركه بعد الالتفات
448

فافهم
ومما استدلوا على البراءة قوله عليه السلام كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه بحمل قوله عليه السلام فيه حلال وحرام على صلاحيتها واحتمالها فيصير الحاصل ان كل شيء يصلح لأن يكون حراما ولأن يكون حلالا ويصح ان يقال فيه اما حرام واما حلال فهو لك حلال سواء كانت الشبهة في الحلية والحرمة من جهة الشك في اندراجه تحت كلي علم حكمه أم لا وأورد شيخنا المرتضى قده على المستدل بان القضية ظاهرة في الانقسام الفعلي اما خارجا مثل ان يكون هناك شيء مشتمل على الحلال والحرام في الخارج واما ذهنا كما إذا كان هناك شيء تحته عنوانان أحدهما محرم والاخر محلل وان لم يوجد افراد أحدهما أو كليهما في الخارج وعلى أي حال حمل القضية على الترديد خلاف الظاهر لا يقال انا نحمل القضية على الانقسام الفعلي ولا ينافي شمولها للشبهات الحكمية أيضا كما إذا فرضنا شيئا فيه حرام وحلال كذلك ويكون قسم من ذلك الشيء مشتبه الحكم كمطلق اللحم حيث ان فيه حلالا كلحم الغنم وحراما كلحم الخنزير وفيه قسم آخر مشتبه بين الحلال والحرام فيدل
449

على حلية ذلك المشتبه وبعد شمول الرواية لهذا المورد يلحق به ما بقي من الشبهات الحكمية بعدم القول بالفصل لأنا نقول قوله عليه السلام فيه حلال وحرام انما جيء به لبيان منشأ الاشتباه والا فالقيد الذي لا دخل له في الحكم ولا في تحقق الموضوع يكون لغوا لا ينبغي صدوره من المتكلم سيما الإمام عليه السلام ولا إشكال في ان حلية لحم الغنم وحرمة لحم الخنزير مما لا دخل له في حلية لحم الحمير المشتبه ولا يكون أيضا منشأ للاشتباه إذ منشئا الاشتباه فيه انما هو عدم النص بخلاف ما لو حملناه على الشبهة الموضوعية فان هذا القيد يكون بيانا لمنشأ الاشتباه حيث ان وجود القسم الحلال والقسم الحرام يكون منشأ
للشبهة في ذلك الأمر الخارجي الذي لم يعلم اندراجه في أحد القسمين مضافا إلى انه يلزم على ما ذكره هذا القائل ان يكون العلم يكون لحم الخنزير حراما غاية لحلية لحم الحمير هذا محصل ما أفاده قده أقول يمكن دفع هذين الإشكالين عن القائل اما الأول فبأنه يكفي في عدم لغوية القيد انه لو علم كون مطلق اللحم حراما أو حلالا لم يبق شك في لحم الحمير فوجود القسمين في اللحم
صار منشأ للشك في لحم الحمير واما الثاني فبان معرفة الحرام غاية الحكم على المطلق أو على ذلك الشيء الذي عرف حرمته ولو لا ذلك للزم الإشكال على تقدير الاختصاص بالشبهة الموضوعية أيضا إذ بعد معرفة فرد من افراد الغير المذكى يصدق انه عرف الحرام فيلزم ارتفاع الحكم عن الشبهات أيضا فتدبر جيدا ومن جملة ما استدلوا به على البراءة قوله عليه السلام في المرسلة كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى وهذا كبعض ما سلف لو تم دلالته لدل على البراءة في الشبهة التحريمية
450

وادعى شيخنا المرتضى قده كونها أوضح دلالة من الكل وفيه ان الاستدلال بها على المطلوب يبتنى على حمل قوله عليه السلام حتى يرد فيه نهى على الثبوت عند المكلف والا فلو حمل على الورود في نفس الأمر كما انه لم يكن ببعيد فلا تدل الا على إباحة الأشياء قبل تعلق النهي بها واقعا فما شك في تعلق النهي به وعدمه من الشبهات لا يجوز لنا التمسك بالعام فيها الا ان يتمسك باستصحاب عدم النهي لإحراز الموضوع وعلى هذا لا يحتاج إلى الرواية في الحكم بالإطلاق لأنه لو صح الاستصحاب لثبت به ذلك فافهم (هذه) عمدة الأدلة في الباب وقد عرفت ما ينفع منها والأدلة الاخر التي ذكروها في المقام من الآيات والاخبار لعدم كونها نافعة ما تعرضتها رعاية للاختصار بقي هنا أمران (الأول)
بعد ما عرفت حال الشبهة الحكمية في أصل التكليف من الوجوبية والتحريمية ينبغي التكلم في الموضوعية من هذا القسم أيضا فنقول مجمل القول فيها ان التكاليف المتعلقة بالطبيعة على أنحاء (أحدها) ان تتعلق بها باعتبار صرف الوجود أعني المقابل للعدم المطلق (والثاني) ان يتعلق بها باعتبار الوجودات الخاصة (والثالث) ان تتعلق بها باعتبار مجموع الوجودات من حيث المجموع
451

فلو تعلق التكليف على النحو الأول فلا مجال لأصالة البراءة في الشبهة الموضوعية سواء كان التكليف المتعلق بالطبيعة على النحو المذكور امرا أو نهيا لأن الأمر بالطبيعة على هذا النحو يقتضى إيجاد فرد ما منها فما لم يوجد قطعا أو يشك في في إيجاده يجب عليه الإتيان بحكم العقل من دون شك فإذا قطع بإيجاده فليس عليه شيء آخر قطعا وكيف كان لا مجال لأصالة البراءة تعلق والنهي بها على هذا النحو يقضى ترك جميع الافراد لأن الطبيعة لا تترك الا بترك جميع الافراد فمتى شك في شيء انه من افراد الطبيعة المنهي عنها يجب عليه تركه لأن اشتغال الذمة بترك إيجاد الطبيعة معلوم ولا يتيقن بالبراءة الا بالقطع بترك جميع افرادها في نفس الأمر ولو تعلق التكليف بالطبيعة على النحو الثاني فلا إشكال في انه ينحل إلى تكاليف عديدة وان كل فرد يتعلق به تكليف مستقلا نظير العام الاستغراقي فمتى شك في شيء انه من افراد الطبيعة المكلف بها فالأصل فيه البراءة سواء كان التكليف المتعلق بالطبيعة أمرا أو نهيا إذ كلما ذكرنا في الشبهة الحكمية من حكم العقل والدلالة الشرعية جار هنا أيضا ومجرد العلم بالكبرى التي شك في وجود صغراها كما هو المفروض لا يصحح العقاب على هذا المشكوك فيه ولعمري ان هذا واضح جدا ولو كان التكليف بالطبيعة على النحو الثالث فان كان امرا يقتضى
452

إتيان مجموع الافراد
فيجب الإتيان بما يحتمل ان يكون فردا للطبيعة تحصيلا للبراءة اليقينية وان كان نهيا يكفي ترك الفرد الواحد فيجب القطع بترك الواحد ولا شيء عليه بعده إذا عرفت هذا تعرف ان مورد إجراء أصالة البراءة ينحصر فيما إذا كان التكليف بالطبيعة باعتبار وجودها الساري في كل من الافراد بحيث ينحل إلى تكاليف متعددة فلا يحسن القول بالبراءة في الشبهة الموضوعية على نحو الإطلاق ولا بعدمها كذلك فلا تغفل (الثاني) مورد أصالة البراءة في الشبهة ما لم يكن هناك أصل وارد أو حاكم عليها فمثل المرأة المرددة بين الزوجة والأجنبية واللحم المردد بين ان يكون مذكى أو غير مذكى خارج عنه اما الأول فلاستصحاب عدم تحقق علقة الزوجية واما الثاني فلاستصحاب عدم التذكية
453

لا يقال كما ان الحلية في بعض الأدلة علقت على التذكية كذلك الحرمة في البعض الاخر علقت على الميتة فاستصحاب عدم التذكية معارض باستصحاب عدم كونه ميتة فيتساقطان فيرجع إلى البراءة لأنا نقول ليست الميتة خصوص ما مات حتف أنفه بل هي عبارة عن غير المذكى لأن الحيوان ان أزهق روحه مع تحقق أمور اعتبرها الشارع من التسمية والاستقبال وفري الأوداج الأربعة ونحوها فقد حل لحمه ومع عدم تلك الأمور كلا أو بعضا يكون شرعا ميتة واما المال المردد بين مال الغير ومال نفسه فان كان مسبوقا بكونه مال الغير فلا شبهة في كونه موردا للاستصحاب وان لم يكن له حالة سابقة معلومه فيمكن القول بالحرمة فيه من جهة ان قولهم عليهم السلام لا يحل مال الا من حيث ما أحله الله يدل على ان الحلية معلقة على أمور وجودية اعتبرها الشارع فإذا شككنا في تحقق ما هو موجب للحلية يستصحب عدمه وكذلك الكلام في مال الغير الذي نشك في طيب نفس صاحبه فان حلية
التصرف في الدليل معلقة على طيب النفس وعند الشك يستصحب عدمه
454

هذا تمام الكلام في المسألة الأولى وهي الشك في التكليف من الشبهة الحكمية والموضوعية بحسب الأصل العقلي والنقلي وقد قلنا ان مقتضاهما البراءة فلا ينافي ما ذكرنا عدم اعتبارها في مورد تعارض النصين لوجوب الرجوع إلى المرجحات هناك لو كانت والا فالتخيير كما هو التحقيق لأن ما ذكرنا هنا انما كان مع قطع النظر عن الاخبار الواردة في علاج الخبرين فلا تغفل
455

المسألة الثانية ما إذا كان شاكا في متعلق التكليف مع كون المكلف قادرا على الاحتياط فنقول وبالله الاستعانة الشك في متعلق التكليف بعد إحراز أصله تارة يكون في نوع التكليف مع إحراز جنسه كما إذا علم بوجوب هذا وحرمة ذاك وأخرى يكون في الفعل الذي تعلق التكليف المعلوم جنسا ونوعا به كما إذا علم إجمالا بوجوب هذا أو ذاك أو علم بحرمة هذا أو ذاك وعلى كلا التقديرين اما ان يكون الشبهة حكمية بمعنى ان رفعها من وظيفة الشارع أو تكون موضوعية بمعنى ان رفعها ليس من وظيفته انما وظيفته جعل الحكم للشاك وعلى التقدير الأول تارة يكون الشبهة ناشئة من عدم النص وأخرى من إجمال النص وثالثة من تعارض النصين والمقصود هنا الكلام في حكم هذه الشبهة بأقسامها من الأصل العقلي والنقلي إذ حكم جميع الأقسام من حيث الشبهة واحد وان اختص بعض افرادها بحكم خاص كالشبهة الناشئة من تعارض النصين و
ان المقصود ان المكلف المحرز لتكليف المولى في الجملة مع تمكنه من الاحتياط حكمه ما ذا فنقول الأقوى وجوب الاحتياط عليه بإتيان جميع المحتملات فيما إذا كان الواجب مرددا بين أمور وبترك جميع المحتملات فيما إذا كان الحرام كذلك وبإتيان هذا وترك ذاك فيما إذا كان الإلزام المعلوم مرددا بين وجوب
456

فعل هذا وترك ذاك (لنا) ان المقتضى للامتثال وهو العلم بخطاب المولى موجود بالفرض والشك في تعيين المكلف به ليس بمانع عند العقل وهل يجوز العقل المخالفة القطعية للتكليف المقطوع مع تمكن المكلف من الامتثال بمجرد الشك في التعيين حاشاه من ذلك فان الملاك المتحقق في مخالفة العلم التفصيلي موجود هنا بعينه ومن هنا يظهر ان العقل يوجب الموافقة القطعية لأن العلم بالواقع أوجب تنجزه على المكلف فليس له حجة في عدم إتيانه كما هو ظاهر (فان قلت) ان الأصل العقلي وان كان كذلك الا ان الاخبار الدالة على الترخيص في موارد الشك بإطلاقها أو عمومها شاملة للمقام فيحكم بالإباحة بمقتضى الاخبار لا بمقتضى حكم العقل (قلت) ما ننكر شمول الاخبار للمقام كما ذكرت وما ذكر في نفي شمولها من كون العلم المأخوذ غاية أعم من العلم الإجمالي والتفصيلي والأول حاصل في المقام مدفوع بان الغاية صيرورة المشكوك معلوما وهنا ليس كذلك كما هو واضح فموضوع أدلة الأصول باق على حاله الا ان الأخذ بمؤدى الأصول في تمام أطراف العلم الإجمالي يوجب الاذن في المخالفة القطعية وهو مما يحكم العقل بقبحه على الحكيم تعالى فان المفروض تحقق العلم بخطاب فعلى عن الشارع و ح ترخيصه في تمام أطراف العلم يرجع إلى ترخيصه في المعصية ولو جاز ترخيصه في المعصية هنا جاز في العلم التفصيلي أيضا
لأنهما من واد واحد كما لا يخفى نعم يمكن ان يرخص في بعض الأطراف اما تعيينا واما على البدلية لأن الاذن في البعض ليس إذنا في المعصية ولا يكون منافيا للتكليف الواقعي المعلوم
بالإجمال لما ذكرنا في محله من اختلاف مرتبة الحكمين فحينئذ فالعمدة
457

إثبات دلالة هذه الاخبار على الاذن في بعض الأطراف بعد رفع اليد عن دلالتها الأولية بحكم العقل فنقول ما يمكن ان يقال في المقام في إثبات المراد وجوه (الأول) ان مقتضى عموم الأدلة الترخيص في كل من الأطراف غاية ما هنا وجوب التخصيص بحكم العقل بمقدار لا يلزم منه الاذن في المعصية وحيث لا ترجيح لإخراج واحد معين من عموم الأدلة نحكم بخروج البعض لا بعينه وبقاء الباقي كذلك حفظا لأصالة العموم فيما لم يدل دليل على التخصيص وفيه ان البعض الغير المعين لا يكون موضوعا للعام من أول الأمر حتى يحفظ العموم بالنسبة إليه لأن موضوعه هو المعينات فالحكم بالترخيص في المبهم يحتاج إلى دليل آخر (الثاني) ان يقال ان الدليل اللفظي وان لم يدل على الترخيص في البعض الغير المعين الا انه يمكن استكشاف هذا الترخيص من الدليل اللفظي بضميمة حكم العقل وبيانه ان القضية المشتملة على حكم متعلق بعنوان من العناوين على سبيل الإطلاق أو العموم يفهم منها أمران أحدهما ثبوت ذلك الحكم لتمام افراد عنوان الموضوع والثاني وجود ملاك الحكم في كل فرد منها ثم ان ثبت قيد يرجع إلى مادة القضية فقضية ذلك التقيد تضيق دائرة ذلك الحكم وملاكه معا وان ثبت قيد يرجع إلى الطلب فقضيته رفع اليد عن إطلاق الطلب دون المادة كما إذا ورد خطاب دال على وجوب إنقاذ الغريق ثم وجد الغريقان فان ذلك الخطاب وان كان غير شامل لهما بحكم العقل لقبح التكليف
بما لا يطلق الا انه يحكم بإطلاق المادة بوجود ملاك الوجوب في كليهما ولهذا يستكشف العقل وجوبا تخييريا ان لم يكن أحدهما أهم وخطابا تعيينا متعلقا بالأهم ان كان كذلك وقد مضى شطر من هذا الكلام في البحث عن مقدمة الواجب فراجع
458

إذا عرفت هذا فنقول ان الأدلة المرخصة هنا وان اختص حكمها بغير صورة العلم الإجمالي بحكم العقل الحاكم بقبح الاذن في المعصية الا ان اقتضاء كل مشكوك للإباحة يستكشف من إطلاق المادة وبعد تعذر الجري على مقتضى كل من الأطراف يستكشف ان البعض على سبيل التخيير مرخص فيه حيث لا ترجيح للبعض المعين هذا وفيه ان هذا الحكم من العقل انما يكون فيما يقطع بان الجري على طبق أحد الاقتضائين لا مانع فيه كما في مثال الغريقين واما فيما نحن فيه فكما ان الشك يقتضى الترخيص كذلك العلم الإجمالي يقتضى الاحتياط ولعل اقتضاء العلم يكون أقوى في نظر الشارع فلا وجه لقطع العقل بالترخيص (الثالث) ان يقال ان مقتضى إطلاق الحكم في الأدلة المرخصة ثبوت الاذن في كل من الأطراف في حال ارتكاب الباقي وفي حال عدمه وهذا الإطلاق قد قيد بحكم العقل في حال ارتكاب الباقي فيما كان العلم الإجمالي متعلقا بحرمة أحد الأمور وفي حال ترك الباقي فيما كان المعلوم وجوب أحد الأمور فنأخذ بمقتضى الإطلاق في غير الصورتين ونقول بثبوت الاذن في الصورة الأولى وفي حال عدم ارتكاب الباقي وفي الثانية في غير حال ترك الباقي حفظا لإطلاق الحكم فيما لم يدل دليل على خلافه وبهذا البيان يمكن إثبات الخطابين فيما إذا اجتمع غريقان لا يقدر على إنقاذهما بان يقال ان مقتضى القاعدة رفع اليد عن إطلاق كليهما وجعل كل منهما مقيدا بترك الاخر (لا يقال) لازم ذلك ثبوت الخطابين في حال ترك كليهما لثبوت شرط كل منهما
فيلزم التكليف بما لا يطاق في الحال المفروض في مسألة الغريقين وكذا
459

يلزم الاذن في المعصية في تلك الحال في الشبهة المحصورة لأنا نقول ان الإطلاق لا يقتضى إيجاد الفعل في حال تركه حتى يلزم المحذور المذكور فافهم لا يقال ان لازم ما ذكر اجتماع اللحاظين المتنافيين في الأدلة المرخصة لأن الاذن فيها مطلق بالنسبة إلى الشبهات البدوية ومشروط بالنسبة إلى الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي فيلزم في إنشاء واحد ان يلاحظ ذلك الإنشاء مطلقا ومشروطا لأنا نقول هذا المحذور انما يردان قلنا بان القيد الوارد على المطلق كاشف عن إرادة المقيد في مقام الاستعمال واما ان قلنا ان المطلق في مقام الإلقاء أريد منه ما هو ظاهره وان القيد كاشف عن عدم الإرادة في مقام اللب فلا محذور كما لا يخفى هذا ولكن الأدلة الدالة على ان العالم يحتج عليه ما علم وانه في غير سعة من معلوماته يقتضى الاحتياط بحكم العقل وينافي الترخيص الذي استكشفناه من الإطلاق هذا مضافا إلى منع إطلاق الأدلة المرخصة بل هي متعرضة لحكم الشك من حيث انه شك ثم ان ما ذكرنا انما يصح على ما هو التحقيق عندنا من كون الأحكام الواقعية فعلية وان الترخيص في مورد الشك لا ينافي فعلية الحكم الواقعي واما على ما ذهب إليه شيخنا الأستاذ من ثبوت المراتب للأحكام فقد يقال بوجوب الأخذ بعمومات الأدلة المرخصة في أطراف العلم والجمع بينهما وبين الحكم الواقعي المعلوم بالشأنية والفعلية كما هو الحال في الشبهات البدوية لكنه مدفوع بأنه كما ان عمومات الأدلة المرخصة تقتضي الترخيص كذلك عموم أدلة اعتبار العلم يقتضى
الفعلية فيتعارضان فلا طريق للحكم بالترخيص فان قلت هب ولكن لا طريق أيضا للحكم بفعلية المعلوم بعد التعارض
460

قلنا يكفي في الحكم بالفعلية ظهور أدلة الأحكام لأنها ظاهرة بنفسها في الحكم الفعلي والحمل على الشأني انما كان من جهة الجمع بينها وبين الأدلة المثبتة للأحكام الظاهرية وحيث لم يكن حكم ظاهري لا وجه لرفع اليد عن ظهورها وينبغي التنبيه على أمور (الأول) لو كان أطراف المعلوم بالإجمال مما لم يوجد الا تدريجا كما كان زوجة الرجل مضطربة في حيضها بان تنسى وقتها وان حفظت عددها فعلم إجمالا انها حائض في الشهر ثلاثة أيام مثلا فهل يجب على الزوج الاجتناب عنها في تمام الشهر ويجب على الزوجة أيضا الإمساك عن قراءة العزيمة واللبث في المسجد مثلا أولا قد يقال بعدم تنجز التكليف لا على الزوج ولا على الزوجة لأن المعلوم عندهما خطاب مردد بين المطلق والمشروط لأن الزوج يعلم بحرمة الوطء في هذه القطعة من الزمان أو في القطعة الآتية ولو كانت الحرمة في القطعة الآتية فالخطاب مشروط بتحقق تلك القطعة فلم يعلم بتوجه الخطاب المطلق إليه ومقتضى الأصل البراءة وهكذا الكلام في الزوجة وفيه انه ليس حال الزوجة كالزوج لأنها في كل يوم تعلم بتوجه خطاب مطلق إليها اما متعلق بافعال المستحاضة واما متعلق بتروك الحائض فلا وجه للعمل بالبراءة بالنسبة إليها واما الزوج فالذي ينبغي ان يقال ان من يرى ثبوت الوجوب التعليقي وانه قسم من الواجب المطلق يجب ان يلاحظ الدليل الدال على وجوب ترك وطي الحائض في وقت حيضها فان استظهر منه ان هذا الوجوب مشروط بالزمان يحكم بالبراءة في كل قطعة من الزمان في الصورة المفروضة لعدم تحقق العلم بالتكليف المطلق في وقت من الأوقات وان استظهر انه مطلق وان زمان الواجب قد انفك عن زمان الوجوب يحكم
461

بوجوب الاحتياط وعلى هذا المبنى يمكن الفرق بين الصورة المفروضة وبين ما إذا نذر أو حلف على ترك وطي امرأته في ليلة خاصة ثم اشتبهت بين ليلتين أو أزيد بان يقال ان في الأول خطاب الزوج مشروط بتحقق الحيض ولم يعلم بتحققه بخلاف الثاني لأن الخطاب ليس له شرط أصلا بل الزمان ظرف لتحقق الفعل واما بناء على ما قلنا في مبحث مقدمة الواجب أخذا عن سيدنا الأستاذ طاب ثراه من انقسام الواجب إلى المطلق والمشروط وعدم ثالث لهما وان المقدمات الوجودية للواجب المشروط بعد العلم بتحقق ما هو شرط الواجب في محله وان لم يتحقق بعد محكومة بالوجوب كما أشبعنا الكلام فيه فاللازم الحكم بالاحتياط في المثال مط فان حكم الواجب المشروط بعد العلم بتحقق شرط الوجوب في محله وان لم يتحقق بعد حكم الواجب المطلق على هذا المبنى (الثاني) يشترط في تنجز المعلوم بالإجمال ان يكون الخطاب المعلوم بحيث يصح تعلقه فعلا بالمكلف على أي حال بمعنى ان كل طرف فرض كونه فيه من الأطراف كان الخطاب بالنسبة إليه صحيحا فإنه لو لم يكن على بعض التقادير صحيحا لم يعلم بتوجه الخطاب فعلا وهذا واضح ويتفرع على ما ذكرنا مسائل (إحداها) انه لو اضطر إلى ارتكاب أحد الأطراف التي علم بوجود النجاسة أو الخمر فيها معينا فلو كان هذا الاضطرار سابقا على العلم لم يؤثر ذلك العلم شيئا وكذا لو كان مقارنا له ووجهه واضح اما لو كان الاضطرار لاحقا
462

ومسبوقا بتحقق العلم الإجمالي فلا يرفع الأثر الحاصل للعلم لأن الذمة قد اشتغلت بامتثال التكليف الواقعي في حال العلم فيجب بحكم العقل تحصيل اليقين بالبراءة (الثانية) لو اضطر إلى
ارتكاب البعض الغير المعين فلا يكون مانعا من تنجز الخطاب في كل من الأطراف فعلا لعدم الاضطرار إلى ارتكاب طرف معين وبعبارة أخرى شرائط الخطاب بالنسبة إلى الواقع موجودة ولذا لو علم به
تعين عليه دفع اضطراره بالطرف الاخر غاية الأمر جهل المكلف هنا أوجب سقوط الامتثال القطعي عنه وهذا نظير حال الانسداد حيث ان عدم القدرة على امتثال الأحكام الواقعية على سبيل القطع أو كونه حرجا عليه لا يوجب سقوط الأحكام الواقعية بل يوجب سقوط الامتثال القطعي عنه نعم من ذهب إلى عدم إمكان اجتماع الحكم الواقعي الفعلي والترخيص
463

في حال الشك كذلك يجب عليه ان يفصل هنا بين ان يكون الترخيص في في بعض الأطراف شرعيا فيرتفع العلم الإجمالي بثبوت التكليف أو عقليا فيبقى العلم بحاله كما انه لا بد له من هذا التفصيل في مسألة دليل الانسداد بان يقول ان كان الحرج اللازم على تقدير الاحتياط عقليا كما إذا لزم من الاحتياط اختلال النظام فلا ينافي بقاء الأحكام الواقعية وان كان شرعيا فالترخيص الشرعي ينافي بقاء العلم الإجمالي فلا يكون إتيان المظنونات واجبا عقلا اللهم الا ان يدعى العلم الإجمالي في خصوص المظنونات (الثالثة) لو كان أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء قبل تحقق العلم الإجمالي أو خرج عنه مقارنا له فلا يكون العلم الإجمالي منجزا لعدم كونه علما بالتكليف الفعلي والخروج عن محل الابتلاء اما بان يكون غير مقدور للمكلف واما بان يكون بحيث يرغب عنه الناس عادة ويكون دواعيهم مصروفة عنه نوعا والميزان استهجان العقلاء للخطاب المتعلق به والخروج من محل الابتلاء بعد تحقق العلم الإجمالي حاله حال الاضطرار الطاري وقد سبق ان الأصل فيه لزوم الاحتياط ولا إشكال في شيء مما ذكرنا
464

انما الإشكال في حكم موارد الشك في كون الطرف خارجا عن محل الابتلاء أو داخلا فيه لا من جهة الأمور الخارجية بل من جهة إجمال ما هو خارج عن موارد التكليف الفعلي فهل يكون المقام مما يتمسك بأصالة البراءة أو الاحتياط أو إطلاق الأدلة بملاحظة
ان التقييد بالمجمل المردد بين الأقل والأكثر يوجب الاقتصار فيه على المتيقن وهنا كذلك لأن الخارج ليس عنوانا مبينا فيشك في الانطباق حتى يصير المقام من التمسك بالعام أو المطلق في الشبهة المصداقية كما لا يخفى والحق عدم جواز التمسك بالدليل اللفظي في أمثال المقام مما يكون الشك فيه راجعا إلى حسن الخطاب وعدمه لوجهين (أحدهما) ان الأدلة الشرعية ليست ناظرة إلى مثل هذه الجهات (الثاني) انه لا يمكن القطع بحكم ظاهري بواسطة أصالة الإطلاق أو العموم لأن المفروض الشك في ان خطاب الشرع في هذا المورد حسن أم لا ولا تفاوت بين الخطاب الواقعي والظاهري وعلى هذا فهل القاعدة تقتضي البراءة أو الاحتياط التحقيق الثاني لأن البيان المصحح للعقاب عند العقل وهو العلم بوجود مبغوض المولى بين أمور حاصل وان شك في الخطاب الفعلي من جهة الشك في حسن التكليف وعدمه وهذا المقدار يكفي حجة عليه نظير ما إذا شك في قدرته على إتيان المأمور به وعدمها بعد إحراز كون ذلك الفعل موافقا لغرض المولى ومطلوبا له ذاتا وهل له ان لا يقدم على الفعل بمجرد الشك في الخطاب الفعلي الناشئ من الشك في قدرته والحاصل ان العقل بعد إحراز المطلوب الواقعي للمولى أو مبغوضه لا يرى عذرا للعبد في ترك الامتثال هذا (الثالث) لو تحقق العلم التفصيلي بالمقدار المعلوم بالإجمال ولم يكن له عنوان زائد لا يعلم انطباقه على ما علم تفصيلا فلا إشكال في انحلال العلم
465

الإجمالي قهرا إذ يكشف العلم التفصيلي عن كون الخطاب سابقا اما لو علم تفصيلا بشيء لا يعلم انطباق المعلوم الإجمالي عليه كما إذا علم إجمالا بوجود شاة متصفة بصفة كذا موطوءة فيما بين الشياه ثم علم تفصيلا بكون الشاة المعينة موطوءة ولم يعلم باتصافها بتلك الصفة فهل يوجب الانحلال أم يجب الاحتياط حتى يقطع باجتناب الشاة المتصفة بالوصف المعلوم الأقوى (الأول) لأنه بعد احتمال انطباق المعلوم
بالإجمال على ما علم تفصيلا لم يبق له علم بتكليف آخر سوى المعلوم بالتفصيل نعم يشترط في الانحلال ان يعلم بكون الشاة المخصوصة موطوءة في الزمن الذي علم إجمالا بوجود شاة موطوءة بملاحظة ذلك الزمان إذ لو علم تفصيلا بكون شاة موطوءة واحتمل حدوث الوطء لم ينحل العلم الإجمالي السابق بل هو باق على إجماله فان قلت ان كان الاعتبار بوجود العلم الإجمالي في زمان فاللازم الاحتياط في كلا المثالين لاشتراكهما في تحقق العلم الإجمالي في زمن وان كان الأثر دائرا مدار وجوده فيلزم عدم وجوب الاحتياط فيهما إذ بعد العلم التفصيلي بكون الطرف المعين محرما لا يبقى التردد والإجمال في ان الحرام هل هو هذا أو الاخر سواء علم تفصيلا بكونه حراما من قبل أم لم يعلم بذلك بل احتمل حدوث سبب الحرمة قلت الاعتبار بوجود العلم الإجمالي وبقائه بملاحظة الزمن السابق لا بقائه
466

بملاحظة الزمن اللاحق وبعبارة أخرى يعتبر في تنجيز العلم الإجمالي في الأزمنة المتأخرة ان يعلم انه في الزمن السابق كان عليه تكليف مردد بين أطراف وان لم يعلم بملاحظة الحال واما إذا علم الآن بان هذا المورد كان متعلقا لتكليفه في السابق ويشك في الطرف الاخر من أول الأمر فلا أثر للعلم الإجمالي الموجود سابقا كما لو شك في أصل تحقق التكليف من أول الأمر بعد ما علم إجمالا بثبوته أولا بل ولو تفصيلا ولو كان مجرد تحقق العلم في زمن مؤثرا لوجب الحكم بوجود الأثر وان صار شكا ساريا وهذا مما لا يقول به ذو مسكة ثم ان هذا الذي ذكرنا من الانحلال فيما إذا لم يعلم بانحصار التكليف كما في المقدار الذي علم تفصيلا واما إذا علم بالانحصار فالامر فيه أوضح هذا حال العلم التفصيلي ولو قام طريق معتبر شرعي مثبت للتكليف في بعض الأطراف بحيث لو علم مؤدى ذلك الطريق لانحل العلم الإجمالي فهل يحكم بالانحلال ويجري الأصل النافي للتكليف في
الباقي أو لا يجري بل الاحتياط في باقي الأطراف أيضا ومحل الكلام ما لم يعين الطريق مورد العلم الإجمالي كما إذا علم إجمالا بكون شاة موطوءة من إنسان خاص ثم قامت البينة على ان الشاة الموطوءة من ذلك الشخص هي هذه فإنه في هذه الصورة لا إشكال في جريان الأصل في الطرف الاخر وكذا لو علم بحصر المعلوم في واحد مثلا فان من لوازم صدق البينة عدم كون الباقي موطوءة وتعيين المعلوم بالإجمال فيما قام عليه البينة وقد حقق في محله وجوب الأخذ بلوازم الطرق وان لم تكن شرعية وبهذا تفارق الأصول العملية والحاصل ان محل الكلام فيما إذا علم بوجود حرام أو واجب فيما بين أمور واحتمل كون التكليف زائدا على المعلوم في نفس الأمر ولم يعين الطريق المعلوم بالإجمال في مورده كما إذا علم بكون شاة واحدة موطوءة بين الشياه واحتمل
467

الزيادة ثم قامت البينة على ان الشاة المخصوصة موطوءة وكذا لو علم بوجوب الظهر والجمعة ثم قام الطريق المعتبر على وجوب الظهر ومجمل الكلام في المقام انه لو كان قيام الطريق سابقا على العلم الإجمالي أو مقارنا له فلا إشكال في جريان الأصول الشرعية النافية للتكليف فان الأصل في مورد الطريق محكوم عليه فيبقى الأصول الجارية في الأطراف الخالية عن الطريق سليمة عن المعارض ولو كان بعد تحقق العلم الإجمالي فان كان المقام من الشبهات الحكمية وكان عدم وصوله إليه من جهة عدم الفحص فلا إشكال أيضا في خلو الأصول في باقي الأطراف عن المعارض لأن قيام الطريق يكشف عن عدم كون مورده مجرى للأصل من أول الأمر فيبقى خاليا عن المزاحم وان لم يكن من الشبهات الحكمية أو كان ولكن تفحص بقدر الوسع فلم يجد الطريق ابتداء ثم التفت إلى طريق على خلاف العادة مثلا فيشكل إجراء الأصول الشرعية في باقي الأطراف لسقوطها ابتداء بواسطة المعارضة
وقد عرفت ان سقوط المعارض بعد العلم الإجمالي والتساقط لا يوجب كون الطرف الموجود موردا للأصل والذي ينبغي ان يقال ان قيام الطريق يوجب عدم تأثير العلم الإجمالي السابق في الاحتياط عقلا وقد قررنا وجهه سابقا في الجواب عن الأخباريين
468

المتمسكين بالعلم الإجمالي لرفع البراءة فلا نطيل المقام بإعادته (الأمر الرابع) سقوط الأصول في أطراف العلم انما يكون إذا كانت نافية للتكليف واما إذ كانت مثبتة فلو احتمل مطابقة الكل
للواقع كما في صورة عدم العلم بالانحصار فلا إشكال في وجوب الأخذ بها لعدم المانع لا عقلا ولا شرعا اما إذا لم يحتمل ذلك كما إذا علم بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الاخر وكان كل منهما مسبوقا بالنجاسة فهل يحكم بجريان الاستصحاب في كليهما أولا وجهان مبنيان على ان العلم المجعول في الاخبار غاية هل هو أعم من العلم التفصيلي والإجمالي أو هو مخصوص بالعلم التفصيلي ان قلنا بالأول فلا يجري الأصل وان قلنا بالثاني فلا مانع لجريان الأصلين كليهما اما بحسب الدليل الشرعي فلان المفروض ثبوت الدليل العام ووجود الموضوع لذلك الدليل واما بحسب حكم العقل فلان إجراء الأصل في كليهما يوجب المخالفة العملية وقد عرفت ما هو الأقوى ويظهر الثمرة في ملاقي أحد الإناءين بالخصوص فإنه على تقدير جريان الاستصحاب في الملاقى بالفتح محكوم
469

بالنجاسة وعلى التقدير الاخر محكوم بالطهارة الأمر الخامس قد عرفت في طي المسائل ان الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي انما يجب فيها الاحتياط بشروط (منها) كون الأطراف كلها موردا للابتلاء بحيث لا يكون التكليف بالنسبة إلى بعضها مستهجنا (ومنها) عدم الاضطرار إلى بعض الأطراف اما معينا واما غير معين فإنهما مشتركان في عدم وجوب الاحتياط كما لا يخفى (ومنها) عدم كون الاحتياط في جميع الأطراف حرجيا ولو كان كذلك لم يجب الاحتياط إذا عرفت
فنقول قد اشتهر ان الشبهة الغير المحصورة لا يجب فيها الاحتياط بل ادعى عليه الإجماع بل الضرورة فلا بد ان يفرض الشبهة على نحو لو فرض كونها محصورة لوجب فيها الاحتياط لكونها جامعه للشرائط المعتبرة في تنجزها إذ لو فقد بعض ما ذكر فعدم وجوب الاحتياط انما يكون من جهة عدم الشرط لا من جهة كونها غير محصورة فلنفرض الكلام فيما إذا علمنا بحرمة شيء مردد بين أمور كثيرة ولم يكن الاجتناب عن الجميع حرجيا وكذا لم يكن بعضها خارجا عن محل الابتلاء ولم يكن المكلف مضطرا إلى ارتكاب البعض فما قيل في وجه عدم وجوب الاحتياط فيها من عدم ابتلاء المكلف بالنسبة إلى جميع الأطراف أو كون الاحتياط فيها حرجيا وأمثال ذلك أجنبي من المقام
470

إذا عرفت موضع البحث فنقول غاية ما يمكن ان يقال في وجه عدم وجوب الاحتياط هو ان كثرة الأطراف توجب ضعف احتمال كون الحرام مثلا في طرف خاص بحيث لا يعتنى به العقلاء ويجعلونه كالشك البدوي فيكون في كل طرف يقدم الفاعل على الارتكاب طريق عقلائي على عدم كون الحرام فيه وهذا التقريب أحسن مما أفاده شيخنا قده من ان وجه عدم وجوب الاحتياط كون الضرر موهوما فان جواز الإقدام على الضرر الأخروي الموهوم لو سلم لا يوجب القطع بكونه غير معاقب كما لا يخفى هذا ولكن فيما ذكرنا أيضا تأمل فان الاطمئنان بعدم الحرام في كل واحد واحد بالخصوص كيف يجتمع مع العلم بوجود الحرام بينهما وعدم خروجه عنها وهل يمكن اجتماع العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالسلب الكلي فحينئذ
471

فان تم الإجماع في المسألة والا فالقول بعدم وجوب الاحتياط مشكل لعين ما ذكر في الشبهة المحصورة من دون تفاوت ولا يبعد ان يكون حكمهم بعدم وجوب الاحتياط في الشبهة الغير المحصورة من جهة مقارنتها غالبا مع فقد بعض شروط التنجيز
وعلى هذا لا خصوصية لها في الحكم المذكور هذا حكم الشبهة في متعلق الحكم بعد إحراز أصله وقد ذكرنا ان الشبهة ان كانت في أصل التكليف فالقاعدة تقتضي البراءة وان كانت في متعلقه بعد إحراز أصله فالقاعدة تقتضي الاحتياط وقد وقع الاختلاف بين أصحابنا في بعض من الشبهات فذهب جماعة إلى كونه موردا للبراءة وأخرى إلى كونه موردا للاشتغال ومبنى الخلاف انه هل هي من افراد الشبهة في أصل التكليف أو في متعلقه ومن تلك الموارد الشك في جزئية شيء للمأمور به وان التكليف هل هو متعلق بالمركب الأقل أو الأكثر
في الأقل والأكثر
والتكلم فيه يقع في مقامين أحدهما في اقتضاء الأصل العقلي والثاني في اقتضاء الأصل الشرعي والمركب الواجب تارة يفرض توصليا لا يشترط فيه قصد القربة وأخرى تعبديا ولنقدم الكلام في الواجب التوصلي بحسب اقتضاء الأصل العقلي فنقول احتج على لزوم الاحتياط بثبوت العلم الإجمالي بالتكليف المتعلق بالأقل أو الأكثر ومقتضى اشتغال الذمة بالتكليف وجوب الفراغ منه يقينا وهو لا يحصل الا بإتيان الأكثر لا يقال ان الأقل معلوم الوجوب على كل حال لأنه اما واجب نفسا واما مقدمة لحصول الأكثر وبعد العلم بوجوب الأقل تفصيلا ينحل العلم
472

الإجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي لأنا نقول التكليف المعلوم تفصيلا لو كان غيريا في الواقع لا يترتب عليه أثر عقلا لما حقق في محله والتكليف النفسي غير معلوم تفصيلا في طرف خاص فيبقى العلم
الإجمالي بالتكليف النفسي موجبا للاحتياط فان قلت نفي الأثر عن التكليف الغيري مط لا وجه له فان المنفي بحكم العقل استحقاق العقوبة على مخالفته كالتكليف النفسي واما كون مخالفته منشأ للعقاب على ذي المقدمة فلا ينفيه العقل بل هو لازم له عند العلم به فحينئذ يقال ان التكليف بالأقل معلوم ومخالفته توجب استحقاق العبد للعقوبة اما على ترك نفسه واما على ترك ما هو مسبب عن تركه ولا علم له بتكليف آخر غير هذا المعلوم قلت المفروض على هذا القول عدم تنجز الأكثر فكيف يصير ترك الأقل المعلوم موجبا للعقوبة عليه والحاصل ان احتمال كون الوجوب المعلوم غيريا هل يوجب تنجز الأكثر أولا فعلى الأول لا معنى للقول بالبراءة فيه وعلى الثاني لا معنى للقول بان مخالفته توجب العقوبة عليه فان قلت ترك الأكثر قد يكون مستندا إلى ترك الاجزاء المعلومة وقد يكون مستندا إلى ترك الجزء المشكوك والمراد من ان مخالفة التكليف الغيري توجب العقوبة على ذي المقدمة انه لو ترك مستندا إلى ترك الاجزاء المعلوم وجوبها لاستحق عليه العقاب دون ما إذا ترك مستندا إلى غيرها قلت لازم ما ذكرت عدم صحة العقوبة على الأكثر لو ترك مجموع الاجزاء من المعلومة وغيرها فان الترك ح ليس مستندا إلى خصوص ترك الاجزاء المعلومة كما هو واضح فيرجع الأمر إلى ان مخالفة هذا الأمر المعلوم ليس له أثر على كل تقدير (هذا) غاية ما يمكن ان يقال في تقريب الاستدلال للقائل بالاشتغال
473

(وفيه) ان الضابط في انحلال العلم الإجمالي ليس العلم التفصيلي بالتكليف الذي يوجب في مخالفته للعقوبة على كل حال
كيف ولو كان كذلك ما صح القول بالانحلال فيما إذا قام طريق معتبر شرعي مثبت في بعض الأطراف فإنه لا يصح العقوبة على مخالفة التكليف الطريقي على كل تقدير بل هو موجب لصحة العقوبة لو كان مصادفا للواقع انما الضابط هو العلم التفصيلي بالتكليف الذي يجب امتثاله عقلا وان كان من جهة صحة العقوبة على بعض التقادير فنقول فيما نحن فيه ان العلم بالتكليف المتعلق بالأقل لما لم يعلم كونه مقدميا أو نفسيا يجب عند العقل موافقته لأنه لو كان نفسيا لم يكن له عذر في تركه كما في التكاليف الطريقية حيث ان وجوب امتثالها عند العقل من جهة احتمال مصادفتها للواقع وان المكلف على هذا التقدير لم يكن معذورا فعلى هذا نقول نعلم تفصيلا بتكليف من الشرع يجب بحكم العقل متابعته ونشك في تكليف آخر وراء ذلك لاحتمال وحدة مورد العلم الإجمالي مع التفصيلي والعجب ممن جزم في التكاليف الطريقية بأنها موجبة للانحلال مع جزمه هنا بالاشتغال محتجا بان التكليف المعلوم ليس له أثر على كل تقدير وكيف كان فالأقوى في النظر البراءة وفاقا لسيدنا الأستاذ طاب ثراه لما ذكر من الوجه فان قلت ان مقتضى قواعد العدلية كون الأوامر مسببة عن مصالح في المأمور به وان غرض الشارع وصول العبد إليها فإذا أتى بالأقل لم يعلم بحصول
474

الغرض أصلا لاحتمال حصوله بإتيان الأكثر والعقل يحكم بوجوب إتيان المأمور به على نحو يسقط به الغرض بل ليس هذا الكلام مبنيا على قواعد العدلية القائلين بوجود المصلحة والمفسدة لوضوح ان لكل امر غرضا في إتيان المأمور به وان كان جزافا ويلزم على العبد إتيان المأمور به على نحو تحصل به غرض المولى قلت لزوم إتيان الفعل على نحو يسقط به الغرض عقلا تارة من جهة ان الثابت
عليه بحكم العقل إسقاط الأمر وهو لا يسقط الا بإسقاط الغرض وأخرى من جهة ان اللازم بحكم العقل تحصيل غرض المولى مستقلا من دون ملاحظة كونه سببا لسقوط الأمر وعلى الثاني تارة يقال ان أصل الواجب في باب الإطاعة ينحصر في تحصيل الغرض والأمر انما يكون حجة على الغرض من دون ان يكون موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال وأخرى يقال بان الواجب كل منهما بحكم العقل فلو انفرد الغرض عن الأمر يجب تحصيله وكذا لو انفرد الأمر عن الغرض كما لو كان المصلحة في نفس التكليف فان كان نظر القائل إلى الأول نقول لا يعقل بقاء الأمر مع إتيان متعلقة لأنه يرجع إلى طلب الحاصل وان كان نظره إلى أول الوجهين من الثاني فنقول هذا خلاف ما نجده من أنفسنا لوضوح انه لو فرضنا امر المولى جديا ولم يكن له غرض في الفعل بل انما امر جدا لغرض ومصلحة في الطلب الجدي يجب بحكم العقل إطاعته ويصح عند العقلاء ان يؤاخذ العبد على المخالفة ولا يسمع عذر العبد بان هذا
475

الأمر لم يكن لتحصيل غرض في المأمور به وان كان نظره إلى الوجه الأخير فنقول لو علم بان غرض المولى لا يحصل بإتيان متعلق الأمر المعلوم يحكم العقل بإتيان ما هو موجب لحصول غرضه واما إذا لم يعلم ذلك واحتمل انطباق غرضه على ما علم وجوبه كما فيما نحن فيه فلا يحكم العقل بوجوب شيء زائد على ما علم وجوبه فان امتثال هذا الأمر المعلوم واجب ولا يعلم ببقاء غرض المولى بعد إتيان الفعل المفروض ويمكن ان يستدل على البراءة بوجه آخر وهو ان يقال ان الأقل معلوم الوجوب
بالوجوب النفسي لأن المركب باللحاظ الأول الذي يجعله الحاكم موضوعا للحكم ملحوظ بلحاظ واحد وموجود في الذهن بوجود واحد ولا جزء له بهذه الملاحظة انما يعتبر الجزئية بملاحظة ثانوية وهي ملاحظة كل جزء منه مستقلا فالجزء ان لوحظ مستقلا فهي مقدمة للكل وان لوحظ طريقا إلى
476

الملاحظة الأولية للحاكم على نحو الطبيعة المهملة فهو غير الكل إذ ليس للاجزاء بهذا الاعتبار وجود على حدة إذا عرفت هذا فنقول بعد العلم بتعلق الوجوب اما بالأقل أو بالأكثر نعلم بتعلقه بذات الأقل مع قطع النظر عن كونه محدودا بأحد الحدين ونشك في تعلقه بشيء آخر فمقتضى الأصل البراءة فان قلت ان الطبيعة المهملة من أحد الحدين لا تكون موضوعة لحكم الحاكم قطعا ضرورة انه اما تعلق غرضه بالمركب الأقل أو الأكثر فالقدر المشترك بينهما المجرد عن اعتبار الوضعين شيء انتزع عن تكليف الأمر بأحد العنوانين على جهة الخصوصية ولا أثر لهذا الأمر الانتزاعي وما هو واقع لا يعلم به الا إجمالا (قلت) ليس حكم العقل بوجوب الامتثال مخصوصا بما إذا علم عنوان المكلف به مفصلا بل متى علم بشيء ولو كان ذلك الشيء وجها من وجوه المكلف به لزم عليه الامتثال بحكم العقل ولذا قلنا في مبحث العلم الإجمالي انه بأقسامه موجب للاحتياط ولو لم يكن العنوان الواقعي للمكلف به معلوما كما إذا علم بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو بحرمة شرب التتن (فان قلت) نعم لكن ليس العلم بوجوب المهملة مقتضيا لإتيانها في ضمن أي فرد كان الا ترى انه لو كان الواجب عتق الرقبة المؤمنة لا يصح امتثاله بعتق الرقبة الكافرة وان كانت نسبة الوجوب إلى عتق الرقبة بنحو الإهمال صحيحة من جهة وجود المهملة في المقيد أيضا فمقتضى العلم بتعلق الوجوب بالطبيعة المهملة امتثاله على نحو يقتضيه في الواقع
ولا يقطع بالبراءة من مقتضى هذا المعلوم الا بإتيان بالأكثر قلت ان علم تعلق التكليف بالمقيد فلا يصح امتثاله في الفرد الفاقد للقيد لأن التكليف بالمقيد تكليف واحد وان صح نسبته إلى المهملة من جهة اتحادها مع المقيد فذمته مشغولة بإتيان ذلك المقيد بخلاف ما نحن فيه فان
477

ذمته لم تشتغل بأزيد من هذه الطبيعة الجامعة فان قلت فعلى هذا لزم عليك ان تقول في صورة العلم بوجوب أحد المتباينين بعدم وجوب الاحتياط لأنه لا يعلم الا بوجوب أحدهما فلا يجب عليه الا إتيان أحدهما لأنه المقدار المعلوم له قلت وجه الاحتياط في المتباينين انه يعلم بوجوب عنوان خاص في نفس الأمر وذلك العنوان خصوصية زائدة على عنوان أحدهما لأن هذا العنوان الإجمالي صادق على كل منهما وذلك لا ينطبق الا على واحد بعينه والمنجز عقلا هو ذلك العنوان الخاص لا العنوان الأعم الإجمالي واما في مقامنا مما يكون الأمر دائرا بين الزائد والناقص أو المطلق والمقيد فلا علم للمكلف بلزوم خصوصية زائدة على المقدار المعلوم فان مرجع كون الناقص أو المطلق مطلوبا إلى عدم مدخلية خصوصية زائدة على تلك الطبيعة لا إلى مدخلية خصوصية زائدة وهي النقص أو الإطلاق فتدبر في المقام ومما ذكرنا عرفت وجه أصالة البراءة في الشك في القيد فلا نطيل بذكره الكلام هذا حال الأصل العقلي في الاجزاء والقيود المشكوكة في الواجبات التوصلية (واما) الواجبات التعبدية فيستظهر القائل بالاحتياط بجهة أخرى سوى ما ذكره في وجه الاحتياط في التوصليات وهي ان الواجب فيها قصد التقرب ولا يحصل الا بقصد إتيان ما هو تكليف نفسي للمولى إذ في الواجبات الغيرية على ما حقق في محله لا يتأتى قصد
القربة فيجب من جهة حصول هذا المعنى المبين إتيان الأكثر وقصد التقرب بإتيان ما هو واجب في الواقع وفيه ان قصد القربة ان جعلناه من الأغراض المترتبة على الأمر بان قلنا لا يمكن إدراجه في المأمور به فمعلوم ان تنجزه تابع لتنجز الأمر إذ لا يعقل عدم تنجز الأمر الذي هو سبب لتنجز الغرض وتنجزه فكما ان العقل يحكم في
478

الشبهات البدوية بعدم تنجز الغرض المترتب على الأمر على المكلف كذلك هنا على القول بالبراءة نعم لو كان التكليف متعلقا بالأقل يجب على المكلف امتثاله على نحو يسقط به الغرض إذ الحجة قد قامت عليه والمفروض انه يأتي بالأقل المعلوم بقصد الإطاعة لا بأغراض آخر فان قلت كيف يتمشى قصد القربة فيما دار امره بين ان يكون واجبا نفسيا أو مقدميا والمفروض عدم حصول القرب في امتثال التكليف المقدمي قلت المقدار المسلم اعتباره في العبادات ان توجد على نحو يعد فاعله من المنقادين للمولى ومن المعلوم حصوله هنا كيف ولو كان المعتبر أزيد من ذلك لا نسد باب الاحتياط في العبادات في موارد الشبهة في أصل التكليف إذ لا يعلم العبد ان ما يأتي به لغو أو مطلوب للمولى فكيف يقصد القربة ومن هنا ظهر الجواب عن هذا الإشكال على تقدير القول بكون قصد القربة داخلا في المأمور به فإنه يصير ح كالأجزاء المعلومة في لزوم المراعاة بإتيانها متقربا على نحو ما ذكرناه هذا تمام الكلام في الأصل العقلي واما الأصل الشرعي فنقول ان الدليل العمدة في المقام هو حديث الحجب وحديث الرفع ومفادهما بالنسبة إلى مورد الشك واحد وتقريب الاستدلال على مبنى القائل بالبراءة عقلا واضح فان مقتضاهما رفع الحكم المتعلق بالأكثر لأنه مما حجب الله علمه عن العباد ومما لا
يعلمون ولا يعارضه كون تعلق الحكم بالنسبة إلى الأقل مشكوكا أيضا فان التكليف النفسي وان كان كذلك الا انه بعد العلم بأصل الوجوب وكون هذا الحكم المعلوم لازم الامتثال بحكم العقل كما هو مبنى القائل بالبراءة لا يكون موردا للرفع لأن ما هو ملاك للأثر عند العقل معلوم غير قابل للرفع والخصوصية المشكوكة ليس كلفة زائدة على العبد كما هو واضح ومن هنا يظهر وجه الاستدلال بهما على نفي القيد المشكوك
479

واما على مبنى القائل بالاحتياط فيشكل التمسك بهما على المطلوب من جهة انه على المبنى المذكور العلم بالوجوب الأعم من النفسي والغيري ليس له أثر عقلا وانما المؤثر هو العلم بالتكليف النفسي اما إجمالا أو تفصيلا فعلى هذا كما ان تعلق التكليف بالأكثر مشكوك فيشمله الحديث كذلك تعلقه بالأقل أيضا فيتعارضان اللهم الا ان يقال بعد تعارضهما يبقى الأصل الجاري في الوجوب الغيري للجزء المشكوك فيه سليما عن المعارض لأن الشك فيه انما يكون مسببا عن الشك في تعلق التكليف بالأكثر وليس في مرتبة المتعارضين حتى يسقط بالتعارض ولكن يمكن المناقشة فيه أيضا بان مجرد نفي الوجوب الغيري عن الجزء المشكوك لا يثبت كون الواجب هو الأقل الا بالأصل المثبت الذي لا نقول به اللهم الا ان يدعى ان رفع الوجوب عن جزء المركب بعد فرض وجوب الباقي يفهم منه عرفا ان الباقي واجب نفسي ويؤيد ذلك قول الإمام عليه السلام في خبر عبد الأعلى يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة حيث ان الإمام عليه السلام دلنا على ان المدلول العرفي للقضية رفع ما يكون حرجا وهو مباشرة اليد الماسحة للبشرة الممسوحة وإثبات الباقي وهو أصل المسح وهنا نقول أيضا بان المجهول مرفوع والتكليف ثابت في الباقي بمدلول قضية رفع
ما لا يعلمون وحديث الحجب ومن هنا يظهر وجه التمسك بهما لنفي القيد المشكوك فان التكليف بالمقيد وان كان تكليفا واحدا لكن يصح تحليله عند العقل ويقال ان تعلق التكليف بأصل الطبيعة معلوم والخصوصية الزائدة غير معلومة فتنفى بمقتضى الخبرين
480

ويثبت الباقي كما ذكرنا هذا
وينبغي التنبيه على أمور
الأول
إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير بان يكون تعلق الوجوب على موضوع معلوما وشك في انه على نحو التعيين أو التخيير فهل الأصل يقتضى أيهما فيه وجهان (وجه الأول) ان تعلق التكليف بهذا الموضوع معلوم ويشك في انه هل يسقط بإتيان شيء آخر أولا فمقتضى الاشتغال بالحكم الثابت فراغه عن عهدة التكليف يقينا (ووجه الثاني) ان الشك في المقام راجع إلى الشك في الإطلاق والتقييد ووجهه ان الشيئين إذا اتحدا في الأثر فاللازم عند العقل ان يكون ذلك الأثر مستندا إلى القدر الجامع فحينئذ مرجع الشك في التعيين والتخيير إلى ان التكليف هل هو متعلق بالجامع بين الفردين أو بخصوص ذلك الفرد ولما قلنا بالبراءة هناك نقول بها هنا أيضا (والحق) هو الأول لأن التخيير وان كان راجعا إلى تعلق الحكم بالجامع عقلا وفي عالم اللب ولكن لو كان مراد المولى ذلك العنوان الخاص الذي جعله موردا للتكليف على وجه التعيين لم يكن للعبد عذر وليست المؤاخذة عليه مؤاخذة من دون حجة وبيان حيث انه يعلم توجه الخطاب بالنسبة إلى العنوان المخصوص ومن هنا تعرف الفرق بين المقام وبين دوران الأمر بين المطلق والمقيد حيث انه في الثاني لا يعلم بتوجه الخطاب بالمقيد فيؤخذ بالمتيقن ويدفع القيد بالبراءة بخلاف ما نحن فيه حيث ان المفروض العلم بصدور الخطاب المتعلق
481

بالعنوان المخصوص فلا تغفل
الثاني
لما فرغنا عن الشك في الجزئية والقيدية في الشبهة الحكمية فاللازم التكلم في الموضوعية منها مفصلا لكون بعض مصاديقها محلا للابتلاء وموردا لأنظار العلماء فنقول وبالله المستعان ان جعل طبيعة جزءا للمأمور به يتصور على أنحاء منها جعلها باعتبار صرف الوجود أعني الوجود اللا بشرط من جميع الخصوصيات الذي يكون نقيضا للعدم المطلق وبعبارة أخرى الذي ينتقض به العدم فيكتفي بإتيانه في ضمن فرد واحد ضرورة تحقق ذلك المعنى اللا بشرط في ضمن فرد واحد ومنها جعلها باعتبار وجودها الساري في جميع الافراد ومنها جعلها باعتبار مجموع الوجودات بحيث يكون مجموع افراد الطبيعة جزء أو أحدا للمأمور به والأقسام المذكورة كلها متصورة بالنسبة إلى الشرط والمانع إذا عرفت هذا فنقول ان جعل شيء جزءا أو شرطا للمأمور به بالاعتبار الأول فلا ريب في وجوب إحرازه وعدم جواز الاكتفاء بالمشكوك لأن الاشتغال بالمركب من اجزاء معلومة أو المشروط بالشرط المعلوم معلوم بالفرض ولا يتحقق البراءة الا بإتيان ما يعلم انطباقه عليه وهذا في الوضوح والبداهة بمكان وان جعل جزءا أو شرطا بالاعتبار الثاني فلا إشكال في ان مرجع هذا النحو من الجعل إلى جعل كل واحد من افراد الطبيعة جزء مستقلا أو شرطا كذلك وان القضية الدالة على ذلك تنحل إلى قضايا متعددة فهل يحكم في الفرد المشكوك كونه جزءا وشرطا من جهة الشك في انطباق المفهوم المعلوم كونه جزءا وشرطا عليه بالبراءة أو الاحتياط وجهان تعرف الحال بعد بسط المقال في الشك في المانع أيضا
482

وكذا الحال فيما إذا جعل بالاعتبار الثالث وان جعل شيء مانعا بالاعتبار الثالث
أعني اعتبار مجموع الوجودات فيرجع إلى اشتراط ترك واحد من افراد ما جعل مانعا ولا إشكال في وجوب إحراز ذلك الترك لأن أصل الاشتراط معلوم فاللازم العلم بوجود الشرط وهذا أيضا واضح وان جعل مانعا بأحد الاعتبارين الأولين أعني اعتبار صرف الوجود أو الوجود الساري فلو شك في كون شيء مصداقا للمفهوم الذي جعل مانعا فهل الأصل يقتضى الاحتياط والاجتناب عن ذلك الشيء المشكوك كونه فردا أو البراءة مثال ذلك إذا علمنا ان الشارع جعل لبس الجلد أو الصوف أو الوبر لغير ما يؤكل لحمه من الحيوان مانعا للصلاة وشككنا في ان اللباس المخصوص هل هو مأخوذ من ما يؤكل لحمه أو من غيره المشهور كما قيل على الاحتياط وذهب بعض الأساطين إلى البراءة وعدم وجوب الاحتياط منهم سيد مشايخنا الميرزا الشيرازي في أواخر عمره وهذا هو الأقوى
في معص في اللباس المشكوك
(وتوضيح المقام) على نحو يكشف الستر عن وجه المرام ان جعل اجزاء ما لا يؤكل لحمه مانعا في الصلاة بعد القطع بعدم كون المانع هو مجموع وجودات تلك الطبيعة لا يخلو من أمرين اما جعله على نحو السريان فالمجعول مانعا على هذا كل فرد من افراد تلك الطبيعة والمفروض ان لتلك الطبيعة افراد معلومه قد علم تقييد الصلاة بعدم كل واحد منها فمرجع الشك هنا إلى ان المأمور به هل قيد بعدم هذا الفرد زائدا على ما علم اعتباره فيه أولا وبعبارة أخرى مرجع هذه الشبهة إلى الشبهة في اشتراط امر آخر سوى الأمور المعلومة غاية الأمر ان هذه الشبهة نشأت من أمور خارجية و ح نقول ان لهذه الشبهة جهتين (إحداهما) انها من مصاديق الشبهة في الأقل والأكثر (والثانية) انها من مصاديق الشبهة الموضوعية
483

فان كان المانع من إجراء البراءة فيها الجهة الأولى فقد فرغنا عنها وان الحق فيها من هذه الجهة البراءة وكل ما أقمناه حجة هناك جار هنا فلا نطيل الكلام بإعادته وان كان المانع الجهة الثانية فقد مر أيضا الكلام فيه وان ما يشك كونه محرما
من جهة الشك في انطباق العنوان عليه حكمه حكم ما يشك كونه محرما من جهة الشبهة الحكمية والحاصل انه بعد ما فرضنا قبح المؤاخذة على ارتكاب المحرم المجهول فلا فرق في ذلك بين ان يكون المرتكب جاهلا بالصغرى وان هذا خمر مثلا وبين ان يكون جاهلا بالكبرى بان لا يعلم حرمته فالقائل بوجوب الاحتياط ان كان نظره إلى ان هذا المورد مما دار الأمر فيه بين الأقل والأكثر فقد أجبنا عن اشكاله في الشبهة الحكمية وان كان نظره إلى كون المقام من الشبهات الموضوعية فقد أجبنا عن اشكاله في الشبهة الموضوعية ولا يعقل ان يحدث اجتماع الجهتين ليست واحدة منهما موجبة للاحتياط إيجاب الاحتياط هذا ان حملنا دليل المانع على الوجود الساري كما هو ظاهر النواهي الشرعية عرفا سواء كانت نفسية أو غيرية وان حملنا على صرف الوجود فقد يتوهم ان مقتضى القاعدة الاحتياط حيث ان تقييد الصلاة بعدم تلك الحقيقة معلوم وهو تقييد واحد سواء كثرت افرادها أم قلت ولا يتحقق ذلك العدم الا بعدم جميع الافراد كما إذا قيدت الصلاة بالطهارة عن الحدث ولم يعلم بأنه هل يتحقق بالمركب من الغسلتين والمسحتين أو به وبشيء آخر والحاصل انه لو كان التكليف بشيء واحد معلوما ودار الأمر في محصل ذلك الشيء بين الأقل والأكثر فلا شك في لزوم الاحتياط والسر في ذلك ان محط التكليف ليس هذا المركب حتى يؤخذ فيه بالقدر المتيقن ويكون الشك في الباقي شكا في أصل التكليف بل التكليف متعلق بذلك المعنى الواحد فالذمة مشغولة به يجب الفراغ عنه
484

لكن التحقيق يقتضى عدم الفرق بين الصورتين ومقايسة ذلك بالطهارة ومحصلها ليست في محلها وتوضيح ذلك انه قد يكون التكليف متعلقا بالعنوان المتولد من السبب الخارجي
ويشك في ان سبب حصول ذلك العنوان المكلف به هل هو الأقل أو الأكثر فيجب ح الاحتياط بإتيان الأكثر حتى يعلم تحقق العنوان والأمر بالطهارة من هذا القبيل لأنها امر معنوي يتحصل من
افعال خارجية وكذلك لو أمرنا بالتأديب ولم نعلم انه يحصل بضربة أو بضربتين مثلا وهكذا وقد يكون التكليف متعلقا بما هو عين الخارج لا انه يتحصل به كما فيما نحن فيه فان صرف الوجود الذي جعلناه متعلقا للنهي الغيري هو عين الوجودات الخارجية والنهي المتعلق به في الحقيقة راجع إلى النهي عن تلك التحصلات الخارجية فحينئذ يقال انا نعلم من جهة ذلك النهي تقييد الصلاة بعدم تلك التحصلات المعلومة ونشك في تقييدها بالزائد ومقتضى الأصل البراءة والفرق بين هذا الفرض وسابقه انه في السابق كانت الشبهة من مصاديق الشبهة في الأقل والأكثر من حيثية واحدة وفي هذا الفرض من حيثيتين (إحداهما) من جهة ارتباط القيد بالصلاة (والثانية) من جهة الارتباط الموجود في نفس القيد ولا ضير بعد ما لم تكن هذه الجهة منشأ للاحتياط هذا ما استفدنا من سيدنا الأستاذ طاب ثراه في بيان الأصل العقلي نقلا عن سيد
485

مشايخنا الميرزا الشيرازي قده فان قلت ان ما ذكرته صحيح على تقدير جعل لبس غير مأكول اللحم مانعا في الصلاة واما لو جعل اللباس على تقدير كونه من اجزاء الحيوان شرطا سواء كان ذلك الشرط كونه مأكول اللحم أم عدم كونه من غير مأكول اللحم فالقاعدة تقتضي الاحتياط فان بعد حصول التقدير وهو ما إذا لبس المصلى شيئا من اجزاء الحيوان اشتراط هذا اللباس الخاص بشيء معلوم وهو كونه مما يؤكل أو عدم كونه مما لا يؤكل والشك انما هو في وجود الشرط وليس هنا قدر متيقن حتى يؤخذ به ويصير الشك في الزائد شكا في أصل الاشتراط كما لا يخفى على المتأمل و ح نقول ان موثقة ابن بكير التي هي أصل في عدم جواز ليس غير مأكول اللحم في الصلاة وان كان صدرها ظاهرا في مانعية لبس غير مأكول
اللحم في الصلاة ولكن بعض فقراتها تدل على خلاف ذلك وهو قوله عليه السلام لا يقبل الله تلك الصلاة حتى تصلي في غيره مما
486

أحل الله أكله لأن هذه الفقرة بعد القطع بعدم كون ظاهرها مرادا كما هو واضح يلزم ان يحمل على الشرطية التقديرية والمعنى على هذا لا يقبل الله تلك الصلاة على تقدير لبسك شيئا من الحيوان حتى تصلي فيما أحل الله أكله فحينئذ لا يجوز الاكتفاء بالصلاة في اللباس المشكوك قلت لا يخفى على العارف بأسلوب الكلام ان هذه الفقرة ليست مما تفيد مطلبا آخر سوى ما استفدنا من صدر الرواية لأن قول الإمام عليه السلام هذا تفريع على ما مر منه عليه السلام في صدر الرواية ومحصل المعنى انه لما كانت الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل فاسدة لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلى في غيره وانما ذكر ما أحله الله من جهة كون الصلاة فيه أحد مصاديق الصلاة المقرونة بعدم المانع ثم على تقدير تسليم كونه في مقام بيان الاشتراط نقول الظاهر منه توقف صحة الصلاة على كونها في مأكول اللحم وبعد القطع بعدم اشتراط ذلك بقول مط فاللازم حمله على الاشتراط المعلق يعنى ان المصلى على تقدير لبسه شيئا من اجزاء الحيوان فلا تصح صلاته الا ان يصلى فيما أحله الله و ح نقول يكفي في صدق هذا الشرط ان يكون معه لباس مما أحله الله يقينا وان كان معه أيضا ما يشك كونه كذلك فإنه بعد إحراز الشرط المستفاد من ذيل الرواية على الفرض ليس لنا شك الا من جهة مانعية اللباس الاخر للصلاة وقد قلنا انه من تلك الجهة مورد للأصل اللهم الا ان يدعى انه على تقدير القول بان ذيل الرواية تفيد الشرطية ليس معناه مجرد اشتراط الصلاة فيما أحله الله بل المراد ان المصلى على تقدير لبسه جزء من الحيوان يشترط كون ذلك الجزء الملبوس مما يؤكل ففي الجزء المشكوك أصل الاشتراط معلوم
وانما الشك في وجود الشرط واللازم في مثله الاحتياط وكيف كان نحن في سعة مما ذكر لما قلنا من ان العمدة مفاد صدرا الرواية وان الذيل لا يفيد شيئا الا التفريع على ما ذكر هذا تمام الكلام في
487

الأصل العقلي واما الأصل النقلي فيدل على المقصود كل ما يدل على البراءة في الشبهة
488

الحكمية بالتقريب الذي مر بيانه هناك فلا نطيل الكلام بإعادته مضافا إلى إمكان ان يقال ان مثل قوله عليه السلام كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه أيضا يدل على المقصود تقريبه ان الحل والحرمة كما يطلقان على النفسيين كذلك يطلقان على الغيريين وقد شاع استعمالهما في هذا المعنى في الاخبار مثل قوله عليه السلام في رواية عبد الله بن سنان كل ما كان عليك أو معك مما لا يجوز فيه الصلاة منفردا إلخ وكذا قوله عليه السلام لا يجوز الصلاة في شيء من الحديد وفي رواية إبراهيم بن محمد الهمداني لا يجوز الصلاة فيه وفي صحيحة عبد الجبار لا تحل الصلاة في الحرير المحض وفي صحيحة أخرى له لا تحل الصلاة في حرير محض وفي صحيحة علي بن مهزيار وهل يجوز الصلاة في وبر الأرنب إلى ان قال فكتب عليه السلام لا يجوز الصلاة
489

وفي رواية الحلبي كل ما لا يجوز الصلاة فيه وحده إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع والحاصل ان الحل والحرمة في لسان الأئمة عليهم السلام أعم من النفسي والغيري كما يشهد به ما ذكرنا من الاخبار و ح نقول مقتضى ظاهر الحديث جواز الصلاة في المشكوك فإنه شيء لا يعلم أيحل الصلاة فيه أم لا وقد قال كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال وللجلود والأصواف قسم تحل فيه الصلاة فيحكم في المشكوك بالحل بمقتضى ظاهر الحديث هذا محصل الكلام في المقام وفقنا الله وإخواننا المؤمنين لمراضيه بحق محمد صلى الله عليه وآله خير الأنام
الثالث
إذا ثبت جزئية شيء في الجملة وشك في ان نقصه سهوا يوجب بطلان
الصلاة أم لا فهل الأصل العقلي يوجب الإعادة أو الاكتفاء بالناقص وجهان (أولهما) اختيار شيخنا المرتضى قده واحتج على ذلك بما حاصله
490

ان ما كان جزء حال العمد كان جزء حال الغفلة فلو لم يأت به نسيانا لم يأت بالمركب المأمور به والدليل على ما قلنا انه لو كانت جزئية الجزء المغفول عنه مختصة بحال العمد لزم تخصيص الغافل بخطاب خاص وهو غير معقول لعدم إمكان انبعاث الغافل بالخطاب المتوجه إلى عنوانه لأن انبعاثه يتوقف على التفاته إلى انه داخل في العنوان الذي تعلق عليه الخطاب ولا يعقل التفاته إلى ذلك لأنه مناف للغفلة فمتى التفت يخرج عن كونه غافلا فينتفي الخطاب المتعلق بهذا العنوان لعدم موضوعه وما لم يلتفت لم يعقل انبعاثه بذلك الخطاب فالخطاب المتوجه إليه لغو مط نعم يمكن ان يسقط الشارع الإعادة عن المكلف الآتي بالناقص كما نقول به في بعض اجزاء الصلاة بواسطة القاعدة المستفادة من الشرع لكن الكلام في الأصل العقلي مع قطع النظر عما استفدنا من الشرع ولا شك في ان الأصل العقلي لزوم الاحتياط وعدم الاكتفاء بالمركب الناقص هذا محصل ما أفاده قده في المقام وأورد عليه سيدنا الأستاذ نقلا عن سيد مشايخنا الميرزا الشيرازي قده بوجهين (أحدهما) انه على تقدير تسليم قبح اختصاص الغافل بخطاب خاص لا يلازم كونه مشاركا للعامد في الخطاب لجواز ان لا يكون له خطاب أصلا حين الغفلة لا بالتام المغفول عنه ولا بالناقص المأتي به بل هو كذلك لأنه غير قادر على المغفول عنه وغير قابل للخطاب الناقص فتوجه الخطاب إليه لغو وان أريد
491

من الخطاب مجرد الاقتضاء والمصلحة فنسبة الإمكان إلى الناقص والتام سواء فان قلت بعد الإجماع على ان لكل أحد خطابا كان خطاب الغافل كخطاب الذاكر لعدم إمكان اختصاصه بخطاب غاية الأمر ان الخطاب عام والمكلف ما دام غافلا
لم يتنجز عليه كالشاك بعد الفحص قلت دعوى الإجماع بالنسبة إلى الغافل عن الموضوع كما هو محل الكلام ممنوعة نعم الغفلة عن الحكم لا توجب اختلاف الحكم والا لزم التصويب وملخص الكلام انا نشك بعد ارتفاع العذر ان الغافل صار مكلفا بغير المركب الناقص الذي أتى به والأصل عدمه وثبوت الاقتضاء بالنسبة إلى الجزء الفائت لا دليل عليه فالأصل البراءة عنه كما هو الشأن في كل مورد دار الأمر فيه بين الأقل والأكثر لا يقال انا لسحب بقاء الإرادة الذاتية التي كانت ثابتة في حال الغفلة (لأنا نقول) المعلوم منها وهي المتعلق بالقدر المشترك بين الأقل والأكثر مقطوع الامتثال والزائد مشكوك الحدوث فالأصل البراءة منه الوجه الثاني انه يمكن تصور اختصاص الغافل وأمثاله بخطاب مثل ان يخاطب في ضمن مط الإنسان بالصلاة ويشرح له
الاجزاء والشرائط على ما هو عليه من العموم والاختصاص بالذاكر و ح فان لم يلتفت من أول الأمر إلى جزء فلا محاله ينوي الاجزاء المطلقة المفصلة في ذهنه بعنوان انها عين الصلاة وان التفت إلى ان من تلك الاجزاء ما يختص بالذاكر ينوي الإتيان بالعبادة بحسب ما يجب عليه على حسب حالته الطارية عليه فيكون داعيه المرتكز في ذهنه الأمر الواقعي الذي تصوره بالعنوان الإجمالي واعتقاد انه لا يعرض عليه النسيان لا يضر بالنية كما لا يخفى هذا ما سمعنا منه طاب ثراه ونقلنا في هذه الرسالة عباراته في الرسالة التي صنفها في الخلل شكر الله سعيه وأجزل مثوبته
492

هذا حال نقص الجزء الذي ثبت جزئيته في الجملة سهوا ولو زاد فمقتضى القاعدة الأولية مع قطع النظر عن أدلة إبطال الزيادة عدم بطلان العمل بها ولو كانت عن عمد
لأن الزيادة في العمل المأمور به لا يمكن ان تكون مبطلة الا ان يشترط عدمها فيرجع إلى النقيصة فالشك في بطلان العمل بالزيادة يرجع إلى الشك في اعتبار عدمها أو عدمه والمرجع البراءة لأنه من مصاديق الشك في التقييد نعم لو دل دليل على بطلان العمل بها في الجملة فعلى ما أفاده شيخنا المرتضى قده لا بد من القول بالبطلان بها بحسب الأصل العقلي في حال العمد والسهو لعدم إمكان اختصاص الساهي بخطاب خاص على ما نقلناه منه قده واما على ما ذكرنا فلو لم يكن للأدلة الدالة على إبطال الزيادة إطلاق يشمل حال السهو لم تكن في تلك الحالة مضرة بالعمل لما ذكر من الوجه هذا تمام الكلام فيما يقتضيه الأصل العقلي فتلخص مما ذكرنا ان مقتضى الأصل العقلي عدم بطلان العمل بنقص الجزء سهوا فيما لم يدل دليل على جزئيته حتى في حال السهو كما ان مقتضى الأصل عدم البطلان إذا زاد على المركب المأمور به ما لم يدل دليل على إبطال الزيادة ولو دل دليل على ذلك ولم يكن له إطلاق يشمل حال السهو فالأصل عدم البطلان بالزيادة في حال السهو بقي الكلام في الأصل المستفاد من الشرع في خصوص باب الصلاة فنقول روى محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود
493

والتكلم فيه يقع في مواقع أحدها ان الظاهر بمقتضى العموم المستفاد من الخبر عدم التفاوت بين أسباب الخلل وان وقوعه في غير الخمسة المستثناة لا يوجب الإعادة سواء كان منشأه السهو عن
أو عن موضوعه أو النسيان كذلك أو الجهل كذلك نعم ليس الخلل الواقع عن علم بالحكم أو الموضوع داخلا في نفي الإعادة لمنافاة ذلك للجزئية أو الشرطية الثابتين بحسب الفرض هذا وكلمات الأصحاب لا يلائم ما ذكرنا من العموم فلاحظ الثاني الظاهر من الإعادة هو الإتيان ثانيا بعد تمام العمل فلا يعم اللفظ بظاهره الاستئناف في الأثناء ولكن استعماله في الأعم شايع في الاخبار وفي لسان المتشرعة مضافا إلى شهادة تعليل عدم الإعادة في الخبر بان القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقص السنة الفريضة فإنه ظاهر في ان تركه سهوا لكونه سنة لا تنقص الفريضة حين حصوله لا انه مراعى بإتمام العمل الثالث هل يعم الخبر الزيادة الواقعة في الصلاة عن سهو أو يختص مدلوله بالنقيصة وجهان (من) ان الزيادة أيضا راجعة إلى النقيصة لكون عدمها معتبرا في الصلاة والا لم يعقل كونها موجبة للبطلان فعلى هذا مقتضى العموم عدم الإعادة بكل نقص حصل في الصلاة سواء كان بترك ما اعتبر وجوده أم بإيجاد ما اعتبر تركه (ومن) انه ظاهر من حيث الانصراف في الوجوديات واما العدميات المعتبرة في الصلاة فلا يشملها وهو الأقوى وعلى هذا ان ثبت عموم يدل على إبطال الزيادة مط لم تكن الرواية حاكمة عليه وعلى الأول هل يدل على بطلان العمل بزيادة الركوع والسجود أو لا؟
494

يمكن ان يقال ان زيادتها داخلة في المستثنى منه فان مدلول الخبر على هذا عدم الإعادة من النقص الحاصل في الصلاة سواء كان بترك شيء معتبر وجوده أم بإيجاد شيء معتبر عدمه الا من نقص الركوع والسجود مثلا فيكون زيادتهما داخلة في المستثنى منه ويمكن ان تكون الزيادة صفة مضافة إلى الجزء كما ان النقيصة أيضا كذلك فهما اعتباران متواردان عليه وان كانت الزيادة عدمها معتبرا في الصلاة فهي من جهة الاعتبار الأول تدخل في المستثنى ويصير
حاصل مدلول الخبر على هذا لا تعاد الصلاة بفوت شيء من الأمور المعتبرة فيها سواء كانت وجودية أم عدميته الا إذا نشأ الخلل الواقع فيها من جهة الركوع والسجود مثلا والخلل الواقع فيها من جهتيهما على قسمين أحدهما تركهما في الصلاة والثاني زيادتهما فيها هذا ولكن الإنصاف ان ظهور الرواية فيما قلنا مشكل والأظهر ما قلنا أولا من عدم شمولها للعدميات المعتبرة في الصلاة الرابع لو شك في ان سبب النقص عمد أو سهو فالتمسك بالعموم مبنى على الأخذ بالعمومات في الشبهة المصداقية الا ان يقال ان التخصيص هنا عقلي والمتيقن منه هو المعلوم كونه عن عمد وهو غير بعيد هذا بعض الكلام في الحديث الشريف وقد عرفت عدم تعرضه للزيادة فلو فرض ما يدل على إبطال الزيادة مط لم يكن منافيا له ثم لو فرض شموله للزيادة كالنقيصة فالنسبة بينه وبين الاخبار الدالة على إبطال الزيادة مط وان كان عموما من وجه الا ان الظاهر حكومة هذه القاعدة عليها كما لا يخفى وكذا الحال فيما إذا دل دليل على بطلان الصلاة بالزيادة في خصوص
495

حال السهو مثل قوله عليه السلام إذا استيقن انه زاد في المكتوبة استقبل الصلاة لأن الدليل المذكور وان كان مختصا بحال السهو لكنه من حيث الزيادة يعم الركوع والسجود وغيرهما والقاعدة تدل على عدم لزوم الإعادة في غير الركوع والسجود فمورد التعارض غيرهما ومقتضى حكومة القاعدة إخراج مورد التعارض عن ذلك الدليل ويتعين مورده في الركوع والسجود فما أفاده شيخنا المرتضى قده من كون الدليل المذكور أخص من القاعدة لا وجه له فتدبر جيدا
الأمر الرابع
إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة فهل يقتضى الأصل جزئيته
أو شرطيته مط بحيث لو تعذر أسقط التكليف أو اختصاص اعتبارهما بحال التمكن فلو تعذرا لم يسقط التكليف بالمقدور (وجهان) وينبغي تعيين محل الكلام ثم التكلم بما يقتضيه القاعدة فيه فنقول محل الكلام ما إذا لم يكن للدليل الدال على الجزئية أو الشرطية إطلاق إذ لو كان كذلك لا إشكال في سقوط التكليف حال تعذرهما وكذا لم يكن للدليل الدال على وجوب المركب والمقيد إطلاق يشمل حال العجز عنهما إذ لو كان كذلك يتمسك بالإطلاق في بقاء التكليف ثم انه قد يفرض طرو العجز مع كونه قادرا قبل ذلك وقد يفرض كونه عاجزا من أول الأمر كما إذا كان في أول زمن التكليف عاجزا عن إتيان تمام المأمور به ثم ان القدرة والعجزة تارة يفرضان في واقعة واحدة كما إذا كان في أول الظهر قادرا على إتيان الصلاة مع تمام ما له دخل فيها فصار عاجزا عن إتيان شيء منه في الوقت وأخرى في واقعتين كما إذا كان قادرا في الأيام السابقة
496

فطرأ عليه العجز في يومه فلو كان عاجزا من أول الأمر لم تجر في حقه الا قاعدة البراءة إذ قاعدتا
497

الاستصحاب والميسور اللتان يتمسك بهما في المسألة الآتية لا تجريان في حقه ضرورة توقفهما على الثبوت في الزمان السابق اللهم الا ان يكتفي في تحقق قاعدة الميسور بتحقق مقتضى الثبوت ولو كان العجز طارئا عليه في واقعة واحدة فالحق وجوب الإتيان بالمقدور عقلا لأنه يعلم بتوجه التكليف إليه فان لم يأت بالمقدور لزم المخالفة القطعية فالمقصود بالبحث هنا صورة طرو العجز في واقعة أخرى ولم يكن للدليل الدال على المركب والمقيد إطلاق وكذلك لم يكن للدليل الدال على الجزئية أو القيدية إطلاق إذا عرفت هذا فنقول لا إشكال في ان مقتضى الأصل الأولى البراءة للشك في ثبوت أصل
التكليف لكن هنا أمور تقدم على قاعدة البراءة منها استصحاب بقاء التكليف على المقدور اما من جهة المسامحة في المستصحب بمعنى ان التكليف المتعلق بالمقدور في الزمن السابق وان كان
498

غيريا وقد انتفى قطعا وهذا التكليف المشكوك نفسي على تقدير ثبوته لكن العرف لا يرى الغيرية والنفسية معددة للتكليف واما من جهة المسامحة في الموضوع بان يقال ان المستصحب هو التكليف النفسي والمركب التام والناقص بجزء واحد وكذا المقيد والفاقد للمقيد ليسا بموضوعين عند العرف بل هما شيء واحد وهذا الاختلاف نظير الاختلاف في حالات موضوع واحد نظير استصحاب الكرية مع ان موضوع الكرية لم يكن هذا الماء الموجود عقلا وكل منهما صحيح ولكن الثمرة بينهما انه على الأول يجري الاستصحاب في المقدار المقدور سواء كان قليلا أم كثيرا وبعبارة أخرى سواء كان المعجوز عنه بالنسبة إلى المقدور قليلا بحيث يفرض كالمعدوم أم لا وعلى الثاني لا يجري
499

الا إذا كان المقدور بمقدار يصح إطلاق اسم التام عليه بالمسامحة العرفية وأيضا الاستصحاب على الوجه الأول يختص بصورة فقدان الجزء ولا يجري في صورة فقدان القيد لأن المطلق لا يكون مكلفا به بالتكليف الغيري في ضمن المقيد لعدم كونه مقدمة له بخلاف الاجزاء بالنسبة إلى الكل فالاستصحاب في صورة فقدان القيد مختص بالوجه الثاني ولكن لا يخفى انه ليس كل قيد بحيث يكون فقدانه غير قادح في جريان الاستصحاب بل القيود مختلفة في ذلك فرب قيد لا يكون عدمه مغيرا للموضوع في نظر العرف كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة فإنها مع الطهارة ليست امرا مباينا لها مع عدمها بخلاف الإيمان بالنسبة إلى الرقبة فان المؤمنة والرقبة الغير المؤمنة متباينان بنظر العرف ومجرى الاستصحاب في صورة العجز عن القيد هو القسم الأول كما لا يخفى
ومنها النبوي الذي في غوالي اللئالي إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ومنها العلوي الميسور لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كله لا يترك كله وضعف اسناده مجبور باشتهار التمسك بها بين العلماء في الكتب الفقهية تقريب الدلالة في النبوي ان كلمة من ظاهرة في التبعيض لا التبيين لأن كونها بيانية فيما إذا كان لسابقها إجمال يرتفع بسبب متعلقها كما في قولك خاتم من فضة وكونها بمعنى الباء خلاف الظاهر مط و ح كلمة ما موصولة لا مصدرية زمانية فيصير المعنى إذا أمرتكم بمجموع مركب من اجزاء ولم تقدروا على إتيان الكل فأتوا بالبعض الذي استطعتم هذا ولكن هذا المعنى وان كان ظاهرا من الرواية الا انه مستلزم لتخصيص
500

كثير بل الخارج منها أكثر من الباقي بمراتب فحملها على هذا المعنى المستلزم لهذا التخصيص المستبشع لا يجوز فيدور الأمر بين استكشاف تقييد متصل بالكلام مجهول عندنا فلا يجوز التمسك بها في الموارد الا بعد إحراز كونها من مصاديق العنوان المذكور في الدليل من الخارج وبين حملها على معنى آخر وان كان خلافا لظاهرها ابتداء وعلى أي حال لا يجوز التمسك بها لما نحن بصدده والإنصاف انه بعد ملاحظة خروج الأكثر لو حملناه على ظاهرها فالأقرب جعل كلمة من فيها زائدة أو بمعنى الباء وكلمة ما مصدرية زمانية فيكون مفادها تخصيص أوامر النبي صلى الله عليه وآله بزمان الاستطاعة ويصير موافقا لأدلة نفي الحرج في الدين هذا واما تقريب الدلالة في العلوي الأول فهو ان يقال ان قوله صلى الله عليه وآله لا يسقط انما هو في مقام توهم السقوط وهو وان كان فرع الثبوت الا انه يكفي في صدق الثبوت وعدم السقوط ثبوت التكليف الغيري المتعلق بالميسور سابقا لما ذكرنا في تصحيح الاستصحاب من اتحاد التكليف الغيري والنفسي عرفا أو يقال ان التكليف النفسي كان ثابتا في الموضوع الميسور لمسامحة العرف في الموضوع كما مضى في الاستصحاب أيضا والثمرة بينهما
كالثمرة المذكورة في الاستصحاب بالطريقين هذا ولكن الإشكال الوارد في الرواية السابقة من لزوم خروج الأكثر جار هنا أيضا فلا بد من حمله على ما لا يستلزم ذلك والأولى حمله على الإرشاد والموعظة لمن أراد إتيان شيء بالوجه الأكمل أو الانتهاء إلى أقصى درجات الكمال فلم يتمكن فان النفس قد تنصرف عن الإقدام على الميسور أيضا وان كان حسنا كما هو المشاهد المعلوم
501

ومن هنا يظهر الكلام في العلوي الثاني أيضا
502

المسألة الثالثة فيما إذا علم جنس التكليف ولم يتمكن من الاحتياط سواء كان عالما بالنوع كما إذا علم بوجوب الظهر أو الجمعة ولم يقدر على الجمع بينهما أو لم يكن كذلك كما إذا علم بأصل الإلزام ولم يعلم تعلقه بفعل شيء مخصوص أو تركه ومجمل الكلام في المقام انه تارة تفرض هذه الحالة في واقعة واحدة وأخرى في وقائع متعددة والأول لا يفرض غالبا الا في الشبهات الموضوعية كمن علم بوجوب وطي إحدى امرأتيه بالنذر في زمان خاص غير قابل للجمع أو علم بوجوب وطي امرأة خاصة أو حرمته من جهة العلم بأنه اما حلف على الوطء أو على تركه والثاني يفرض في الشبهات الحكمية أيضا كمن علم بوجوب الجمعة دائما أو حرمته كذلك مثلا اما الفرض الأول فلا يمكن في حقه مخالفة قطعية ولا موافقة قطعية ان كان التكليف توصليا والموافقة الاحتمالية والمخالفة كذلك حاصلتان قهرا وحيث لا معين لاختيار خصوص الفعل أو الترك في مقام العمل يحكم العقل بالتخيير واما الفرض الثاني فالموافقة القطعية لما لم تكن متصورة فيه فلا أثر للعلم الإجمالي
فيها واما المخالفة القطعية فلا وجه لإهمال العلم بالنسبة إليها (لا يقال) الوقائع المتأخرة لما لم يكن التكليف بالنسبة إليها الا مشروطا بتحقق الزمان لا ربط لها بالمكلف فالتكليف الثابت المتعلق عليه منحصر فيما تعلق بالواقعة الشخصية الفعلية ولا إشكال في ان المخالفة القطعية غير ممكنة
503

فيها كالموافقة القطعية لأنا نقول التكاليف المشروطة بشرط متحقق الحصول فيما بعد حالها حال التكاليف المطلقة في وجوب مقدماتها الوجودية والعلمية وقد مضى الكلام في ذلك في مبحث مقدمة الواجب مستوفي ومن أراد فليراجع والحاصل ان العقل لا يفرق في قبح المخالفة القطعية بين ما إذا كان التكليف مطلقا أو مشروطا بشرط يعلم حصوله ومن هنا يعلم حال الواقعة الواحدة إذا كان أحد طرفي المعلوم بالإجمال أو كلاهما تعبديا
504

هذا حال الأصول الثلاثة أعني البراءة والاحتياط والتخيير وقد تم فيها الكلام بعون الله الملك العلام ويتبعها الكلام في الاستصحاب مستعينا بالله العزيز الوهاب
508

المسألة الرابعة في الاستصحاب وقد عرف بتعريف غير خالية عن المناقشة وأمتنها تعريفه بإبقاء ما كان لأن المراد بالإبقاء بشهادة المقام هو الإبقاء العملي لا الحقيقي وذكر ما كان مع كونه مأخوذا في مفهوم الإبقاء يدل على مدخلية الكون السابق في الإبقاء العملي فيخرج ما إذا كان الإبقاء للعلم بالبقاء أو لدليل خارجي عليه وأيضا يعلم اعتبار الشك واليقين من هذه العبارة لأنه لو كان للكون السابق دخل في
الإبقاء فلا بد من إحرازه وكذا لو لم يكن شاكا في البقاء لم يكن إبقاؤه مستندا إلى الكون السابق فلا يرد عليه الإشكال بإخلال اليقين والشك الذين هما ركنا الاستصحاب وأيضا الاستصحاب على ما يظهر من مشتقاته هو فعل المكلف لا حكم الشارع بناء على اعتباره من باب الاخبار ولا حكم العقل أو بناء العقلاء بناء على عدم أخذه من الاخبار فلا يرد على التعريف المذكور ما أورده شيخنا الأستاذ من ان الاستصحاب يختلف باختلاف جهة اعتباره إذ هو كما عرفت عبارة عن البناء على الحالة السابقة بحسب العمل غاية الأمر ان وجه هذا البناء يختلف باختلاف الآراء فعند بعض حصول الظن النوعي أو الشخصي من الكون السابق وعدم ما يدل على ارتفاعه وعند آخر الاخبار
509

الدالة على وجوب البناء على الحالة السابقة وهكذا ولا يوجب هذا الاختلاف تفاوتا في حقيقة الاستصحاب كما لا يخفى ثم اعلم ان الاستصحاب ان أخذ من باب الظن فتارة يبحث عن وجود هذا الظن وأخرى عن حجيته لا إشكال في ان النزاع الثاني نزاع في المسألة الأصولية كالنزاع في حجية خبر الواحد وأمثال ذلك بناء على عدم أخذ عنوان الدليلية في موضوع علم الأصول واما الأول فإدخاله في المسألة الأصولية مبنى على جعل محل الكلام ثبوت الملازمة بين الكون السابق والبقاء لأن موضوع البحث ح هو حكم العقل وهو إدراكه الملازمة ظنا وان احتيج بعد الفراغ عن هذا الحكم العقلي إلى حكم شرعي يدل على حجية هذا الظن فموضوع البحث ذات الدليل العقلي وان لم يفرغ عن دليليته واما إذا أخذناه من الاخبار فإدراجه في المسائل الأصولية مع
الالتزام بكون موضوع علم الأصول هو الأدلة الأربعة لا غير مشكل بل غير ممكن لأن المبحوث فيه ليس الا ثبوت حكم الشارع بوجوب المضي على ما كان ومن الواضح عدم كون حكم الشارع الذي هو
محل البحث في المقام من الأدلة الأربعة بل هو مدلول الاخبار بعد إحراز حجيتها وحجية ظواهرها وتميز ظاهرها عن غيره وغير ذلك مما جعل لكل واحد بحث مستقل والحاصل انه ليس النزاع في حكم الشارع في المقام الا مثل النزاع في حكم الشارع بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال وأمثاله من المسائل الفقهية (فما) أفاده المحقق القمي قده في القوانين من ان الاستصحاب ان أخذ من العقل كان داخلا في الدليل العقلي وان أخذ من الاخبار فيدخل في السنة (صحيح) في الشق الأول ولكنه محل نظر في الشق الثاني ويظهر من كلام شيخنا المرتضى قده هنا دخوله في المسائل
510

الأصولية من جهة ان إجرائه في موارده مختص بالمجتهد وليس وظيفة للمقلد ومراده قده انه بعد الاستظهار من أدلة الباب هذا الحكم من الشارع لا ينفع الا للمجتهد إذ مجراه تيقن الحكم في السابق وعدم طريق في اللاحق يدل على ارتفاعه ومن الواضح ان تشخيص المورد المذكور ليس شأن المقلد وهذا ميزان المسائل الأصولية بخلاف ما إذا استظهر من الأدلة نجاسة الغسالة مثلا فان هذا الحكم بعد استظهاره من الأدلة ينفع للمقلد وهو ميزان المسائل الفقهية وعلى هذا يدخل مسألة الاستصحاب ولو على تقدير أخذه من الاخبار في المسائل الأصولية ولا يخفى ان هذا الكلام يدل على عدم التزامه بكون موضوع علم الأصول خصوص الأدلة ولكن يرد على ما أفاده قده ان لازم ما ذكره كون بعض المسائل الفقهية داخلا في المسائل الأصولية من قبيل قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وعكس هذه القاعدة لوضوح ان تشخيص مجاريهما لا يكون وظيفة للعامي بل ينتقض بكل حكم شرعي متعلق بالموضوعات التي لا يكون تشخيص مصاديقهما الا وظيفة للمجتهد من قبيل الصلاة والغناء والوطن وأمثال ذلك مما لا يحصى فتأمل وأوثق كلام في المقام ان يقال كل قاعدة أسست لملاحظة الأحكام الواقعية الأولية
سواء كانت من الطرق إليها أو من الأحكام المتعلقة بالشك من دون ملاحظة الكشف عن الواقع تسمى قاعدة أصولية وسواء كانت منجزة للأحكام الواقعية أو مسقطة لها فيخرج ما ذكر في مقام النقض عن تحت القاعدة المذكورة فان الأحكام المذكورة ليست مجعولة بملاحظة حكم آخر بل هي أحكام مجعولة لمتعلقاتها من جهة اقتضاء كان ثابتا فيها ويدخل مسألة الاستصحاب ونظائرها في المسائل الأصولية لدخولها تحت القاعدة المذكورة ثم ان المعتبر في اليقين والشك المأخوذين في موضوع الاستصحاب تحققهما
511

فعلا ولا يكفي وجودهما الشأني بمعنى كون المكلف بحيث لو التفت لكان متيقنا للحدوث وشاكا في البقاء اما بناء على أخذه من الاخبار فواضح لأن المعتبر فيها وجودهما الظاهر في الفعلية واما بناء على أخذه من باب الطريقية فلان طريقية الكون السابق للبقاء انما هي في صورة الالتفات واما في حال الغفلة فلا يكون مفيدا للظن النوعي حتى يكون طريقا والظاهر ان هذا لا إشكال فيه إذا عرفت هذا (فنقول) قد فرع شيخنا المرتضى قده على ذلك مسألتين (أحدهما) ان المتيقن للحدث إذ التفت إلى حاله في اللاحق فشك جرى الاستصحاب في حقه فلو غفل عن ذلك وصلى بطلت صلاته لسبق الأمر بالطهارة ولا يجري في حقه حكم الشك في الصحة بعد الفراغ عن العمل لأن مجراه الشك الحادث بعد الفراغ لا الموجود من قبل (الثانية) لو غفل المتيقن للحدث عن حاله وصلى ثم التفت وشك في كونه محدثا حال الصلاة أو متطهر أجرى في حقه قاعدة الشك بعد الفراغ لحدوث الشك بعد العمل وعدم وجوده قبله حتى يوجب الأمر بالطهارة والنهي عن الدخول في الصلاة بدونها (ثم قال قده) نعم هذا الشك اللاحق يوجب الإعادة بحكم استصحاب عدم الطهارة لو لا حكومة قاعدة الشك بعد الفراغ انتهى كلامه قده
أقول وللنظر فيما أفاده قده مجال لأن المصلى في الفرض الأول كالثاني ليس محكوما بحكم الاستصحاب لأن المفروض انه غفل في حال صلاته عن الحالة السابقة ولم يكن شاكا في تلك الحالة فكيف يمكن ان يحكم
512

عليه في تلك الحالة بعدم جواز نقض اليقين بالشك نعم كان محكوما بهذا الحكم قبل الصلاة في حال التفاته ولكنه رفع بواسطة رفع موضوعه واما بعد الصلاة فان قلنا بان الشك الحاصل له هنا من افراد الشكوك الحادثة بعد الفراغ عن العمل لأن الشك الموجود قبل العمل قد انتفى وهذا الشك الموجود بعده شك آخر حدث بعد الفراغ يجري في حقه قاعدة الشك بعد الفراغ على احتمال يأتي في المسألة الثانية وان قلنا بأنه هو الشك الموجود قبل العمل عرفا فليس من افراد الشكوك التي تجري فيها القاعدة المذكورة فاللازم الأخذ باستصحاب الحدث والحكم ببطلان الصلاة بملاحظة هذا الشك الموجود بعد الفراغ بالتقريب الذي يأتي بيانه في المسألة الثانية واما المسألة الثانية فالأخذ بقاعدة الشك بعد الفراغ فيها مبنى على كونها من الأصول العملية واما على كونها من الطرق من جهة ملاحظة التعليل الوارد في بعض الاخبار من انه حين العمل اذكر فلا تكون مشمولة لها للعلم بأنه حين العمل ليس اذكر منه بعده فحينئذ ان قلنا بالأول يؤخذ بالقاعدة وتقدم على الاستصحاب لا من جهة الحكومة بل من جهة انه لولاه لزم كون القاعدة لغوا لورودها مورد الاستصحاب غالبا اما موافقة أو مخالفة وان قلنا بالثاني فتقديمها عليه في موارد جريانها من جهة الحكومة نظير تقديم ساير الأدلة والأمارات عليه ولكن الدليل غير شامل للشك المفروض لعدم صدق التعليل المقتضى للطريقية ومن هنا يعلم ما في ما أفاده قده من ان هذا الشك اللاحق يوجب الإعادة بحكم
الاستصحاب لو لا حكومة قاعدة الشك بعد الفراغ لأنه لو أخذ بالقاعدة من باب الطريقية بملاحظة التعليل المذكور فلا تجري في الفرع المزبور أصلا حتى تكون مقدمة على الاستصحاب وان أخذ بها من باب التعبد فتقدمها ليس من باب الحكومة كما لا يخفى ولعله أشار إلى ما ذكرنا أو بعضه بقوله فافهم
513

ثم ان الاستصحاب ينقسم باعتبار المستصحب والدليل الدال عليه في السابق والشك في بقائه في اللاحق إلى أقسام عديدة لا يهمنا التعرض لذكرها لقلة الجدوى وانما المهم هنا بيان أمور
في استصحاب حكم العقل
أحدها ان الدليل الدال على وجود المستصحب في السابق ان كان هو العقل فهل يمكن الاستصحاب أم لا ذهب شيخنا المرتضى قده إلى الثاني وذهب جمع من مشايخنا إلى الأول تبعا لسيد مشايخنا الميرزا الشيرازي قده وهو الحق وتوضيح ذلك يتوقف على بيان مرام الشيخ قده أولا فنقول حاصل ما يستفاد من كلامه في وجه منع جريان الاستصحاب ان العقل لا يحكم بحكم الا بعد إحراز موضوعه بقيوده وحدوده حتى عدم المانع والرافع فحينئذ إذا حكم العقل بالحسن أو القبح على موضوع محدود بحدوده فما دام ذلك الموضوع على حاله لا يعقل الشك في حكمه والشك في الحكم اما من جهة القطع بزوال قيد أو جزء من ذلك الموضوع واحتمال ان يكون ملاك ذلك الحكم في المجرد عنهما أيضا واما من جهة الشك في انطباق الموضوع العقلي على امر خارجي ولا يمكن الاستصحاب في كل من الصورتين اما الأولى فللقطع بزوال الموضوع واما الثانية فللشك في بقاء
الموضوع ومن جملة شرائط الاستصحاب إحراز الموضوع فان قلت لو بنينا على إحراز الموضوع في الاستصحاب بالدقة العقلية لانسد بابه في الأحكام الشرعية أيضا ضرورة عدم إمكان الشك فيها الا من جهة الشك في الموضوع ومن المعلوم عدم الإشكال هنا من هذه الجهة لأن الميزان نقض اليقين بالشك عرفا وهو يقتضى بقاء ما هو الموضوع عندهم
514

قلت الفرق بين المقامين انه في القضايا الملقاة من الشرع يرى العرف موضوعا وحكما وشيئا اخر يكون من حالات الموضوع وواسطة في ثبوت الحكم لذلك الموضوع وان كان عند العقل لا تكون القضية الأمر كبه من الموضوع والمحمول والنسبة وليس هناك شيء آخر يكون ظرفا أو حالا لثبوت الحكم للموضوع مثلا إذا قال الشارع الماء نجس إذا تغير فموضوع هذه القضية عند العرف هو الماء والتغيير واسطة لثبوت النجاسة للماء فحينئذ لو شك بعد زوال التغيير من قبل نفسه في النجاسة من جهة الشك في ان التغيير في زمان سبب لنجاسة الماء مط ولو زال بعد ذلك
أو انه سبب لها حدوثا وبقاء أو من جهة الشك في انه بعد زوال التغيير هل قام مقامه ملاك آخر أو لا يصدق ان ما كان موضوعا للنجاسة في الزمن السابق باق بعينه والشك في النجاسة شك في بقائها فيشمله أدلة الاستصحاب واما القضية الملقاة من العقل فليست مشتملة على شيء آخر خارج عن الموضوع يسمى ظرفا أو حالا وواسطة في ثبوت الحكم كما كان في القضية الملقاة عن الشرع فحينئذ متى زال قيد أو جزء من الموضوع العقلي فالباقي موضوع آخر مغاير لما كان أولا فلا يفرض الشك في الحكم العقلي مع بقاء موضوعه ومن هنا يظهر عدم جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف بالعقل أيضا هذه خلاصة ما أفاده قدس سره في المقام (أقول) وتحقيق الحال ان يقال ان عدم الإجمال
في موضوع حكم العقل بمعنى إدراكه وإذعانه الفعلي مسلم لعدم إمكان ان يذعن بحسن شيء أو قبحه ولم يتعين عنده موردهما فإذا حكم بحسن شيء مركب أو مقيد أو قبحه فجميع خصوصيات ذلك له دخل في حكمه بحيث لو زال بعض الخصوصيات وتغير عما
515

كان عليه أو لا يرتفع حكمه قطعا ولكن يمكن ان لا يكون لبعض تلك الخصوصيات دخل فيما هو ملاك الحكمة أعني الحسن والقبح الواقعيين بان يعتقد العقل حسن شيء أو قبحه على سبيل الإهمال والإجمال اما بان يرى ذلك في مركب أو مقيد مثلا من دون ان يعلم مدخلية لخصوصية أو جزء معين في الحسن والقبح أو يرى ان المطلق مثلا مقتضى للحسن أو القبح ولكن يحتمل ان يكون وجوده في خصوصية خاصة رافعا لما يقتضيه المقتضى فالقدر المتيقن عند العقل ح هو المقيد بغير القيد المفروض مع احتمال ان يكون الملاك في المطلق أو بان يعتقد ان الملاك قائم بالمجموع المركب أو المقيد ولكن يحتمل وجود ملاك آخر في فاقد الجزء أو القيد ففي جميع الصور المفروضة إذا تغير موضوعه الأولى بزوال القيد المفروض أو الجزء المفروض بشك في ثبوت الملاك في الباقي إذا عرفت هذا فنقول لا ينبغي الإشكال في عدم جواز استصحاب نفس حكم العقل ضرورة عدم تصور الشك في بقائه كما لا ينبغي الإشكال في عدم جواز استصحاب ملاك حكمه لأن الشك وان كان متصورا فيه ولكنه ليس موضوعا لأثر من الآثار الشرعية ولكن استصحاب الحكم الشرعي المستكشف بقاعدة الملازمة بمكان من الإمكان لعدم المانع فيه الا الشك في الموضوع بحسب الدقة ولو كان هذا مانعا لانسد باب الاستصحاب في الأحكام الكلية والجزئية لكون الشك فيها راجعا إلى الشك في الموضوع يقينا وما هو الجواب في باقي موارد الاستصحاب هو الجواب هنا من دون تفاوت أصلا وستطلع على تحقيق وجوب أخذ الموضوع من العرف في محله إن شاء الله
في أدلة الاستصحاب
الأمر الثاني في بيان حال الأدلة الدالة على وجوب البناء على الحالة السابقة وانها هل تدل عليه مط أو تخصص ببعض الموارد
516

فنقول ذهب شيخنا المرتضى قده إلى الثاني وذكر من الأدلة الدالة على الاستصحاب أمورا كلها مختصة بصورة الشك في الرافع مع إحراز المقتضى على ما أفاده قده أحدها ظهور كلمات جماعة في الاتفاق عليه ثانيها انا تتبعنا موارد الشك في بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة الرافع فلم نجد من أول الفقه إلى آخره موردا الا وحكم الشارع فيه بالبقاء الا مع أمارة توجب الظن بالخلاف كالحكم بنجاسة الخارج قبل الاستبراء فان الحكم بها ليس لعدم اعتبار الحالة السابقة والا لوجب الحكم بالطهارة لقاعدة الطهارة بل لغلبة بقاء جزء من البول أو المني في المخرج فرجح هذا الظاهر على الأصل إلى ان قال قده والإنصاف ان هذا الاستقرار يكاد يفيد القطع وهو أولى من الاستقراء الذي ذكره غير واحد كالمحقق البهبهاني وصاحب الرياض انه المستند في حجية شهادة العدلين على الإطلاق (وثالثها) الاخبار المستفيضة فذكر اخبار الباب عموما وخصوصا ثم قال قده بعد التكلم فيها نقضا وإبراما ان اختصاص الاخبار الخاصة بالقول المختار واضح واما الاخبار العامة فالمعروف بين المتأخرين الاستدلال بها على حجية الاستصحاب مط وفيه تأمل قد فتح بابه المحقق الخوانساري قده في شرح الدروس توضيحه ان حقيقة النقض رفع الهيئة الاتصالية كما في نقض الحبل والأقرب إليه على تقدير مجازيته هو رفع الأمر الثابت وقد يطلق
على مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم المقتضى له بعد ان كان أخذا به فالمراد من النقض عدم الاستمرار عليه والبناء على عدمه بعد وجوده إذا عرفت هذا فنقول ان الأمر يدور بين ان يراد بالنقض مطلق ترك العمل وترتيب الأثر وهو المعنى الثالث ويبقى المنقوض عاما لكل يقين وبين ان يراد من النقض ظاهره وهو المعنى الثاني فيختص متعلقة بما من شأنه الاستمرار المختص بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى والظاهر رجحان هذا على
517

الأول لأن الفعل الخاص يصير مخصصا لمتعلقه العام كما في قول القائل لا تضرب أحدا فان الضرب قرينة على اختصاص العام بالأحياء ويكون عمومه للأموات قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات انتهى ما أردنا نقله من كلامه رفع مقامه أقول اما الاتفاق فلا يتحقق المحصل منه الكاشف عن رأي المعصوم قطعا والمنقول منه ليس بحجة مع ما يرى من الاختلاف وذهاب جمع إلى عدم حجية الاستصحاب مطلقا واما التتبع الذي ذكره قده فان كان الدليل في كل مورد غير أدلة الاستصحاب فالإنصاف انه يفيد الاطمئنان التام بوجوب الجري على طبق المقتضى للبقاء اما ان هذا الحكم هل هو من جهة ملاحظة الحالة السابقة مع وجود المقتضى للبقاء أو من جهتها من دون اعتبار المقتضى أو من جهة من دون اعتبار الحالة السابقة فلا يعلم وان كان الدليل على ذلك أدلة الاستصحاب فليس بدليل مستقل ليتكلم فيها واما الاخبار فالإنصاف ان ظهورها في حجية الاستصحاب غير قابل للإنكار واما اختصاص مواردها فيما اختاره قده محل منع بل الحقيق شمولها للشك في المقتضى أيضا وتحقيق الحال فيها يتوقف على ذكر كل واحد منها فنقول ان الاخبار الواردة في المقام بين عامة وخاصة فمن الأولى صحيحة
ولا يضرها الإضمار لأن زرارة أجل شأنا من ان يسأل غير الإمام فالمسئول اما أبو جعفر واما أبو عبد الله عليهما الصلاة والسلام لأنه يروى عن كليهما قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء قال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن
518

فإذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء قلت فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم قال لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك امر بين والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر (وفقه الحديث) ان الظاهر من الفقرة الأولى ان شبهة السائل كانت حكمية أعني انه كان شاكا في ان مفهوم النوم الذي جعل ناقضا للوضوء هل يشمل مثل الخفقة والخفقتين أم لا فسئل عن ذلك فأجابه عليه السلام بما حاصله ان النوم الموجب للوضوء لا يتحقق بذلك بل الملاك نوم العين والاذن والفقرة الثانية سؤال عن الشبهة الموضوعية أعني بعد ما علم زرارة ما هو الملاك في النوم الناقض سئل عن الشك في تحقق ذلك فأجابه عليه السلام بقوله حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك امر بين والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر ثم ان قوله عليه السلام فإنه على يقين من وضوئه يحتمل بعيدا ان يكون هو الجزاء للشرط ويصير المفاد وان لم يجئ من ذلك امر بين فإنه يجري على يقين من وضوئه والظاهر ان جواب الشرط محذوف قامت العلة مقامه كما وقع نظيره في الكتاب العزيز مثل قوله تعالى وان تكفروا فان الله غني عنكم ومثل قوله تعالى ومن كفر فان ربي غني كريم ومن كفر فان الله غني عن العالمين وأمثال ذلك مما لا يحصى و ح هذه القضية تكون صغرى لقوله ولا ينقض اليقين إلخ والظاهر ان قوله عليه السلام من وضوئه لمجرد كونه متعلقا لليقين في
519

المورد لا لمدخلية في الحكم لأن المناسبات المقترنة بالكلام كما قد توجب التقييد وان لم تكن القيد مذكورا كما في قوله إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء الظاهر
من جهة فهم العرف المستند إلى المناسبة المقامية انه لم ينجسه شيء بالملاقاة كذلك قد توجب إلغاء القيد المذكور في الكلام كما فيما نحن فيه فان المناسب لعدم النقض هو جنس اليقين في قبال الشك فاندفع ما يقال في المقام ان استظهار العموم من الخبر مبنى على كون اللام للجنس وظهوره فيه ممنوع بعد سبق الخصوصية لما عرفت من ان المناسبة في المقام توجب إلغاء الخصوصية
بنظر العرف ثم اعلم ان هذه الصحيحة أنفع للمقام من الاخبار العامة الآتية لكونها نصا في وجوب الجري على الحالة السابقة المتيقنة في حال الشك بخلاف الاخبار العامة فإنها تحتمل إفادتها القاعدة الشك الساري كما يأتي نعم ليست الصحيحة نصا في العموم لكنها ظاهرة فيه كما أشرنا إليه بقي الكلام في ان الصحيحة وأمثالها مما يدل على عدم جواز نقض اليقين بالشك هل تعم الشك في المقتضى أو تختص بالشك في الرافع بعد إحراز المقتضى والأقوى الأول توضيح ذلك ان النقض بحسب اللغة ضد الإبرام فلا بد ان يتعلق بما له اجزاء مبرمة كما في قوله تعالى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا كما ان متعلق الإبرام لا بد ان يكون ذا اجزاء متفاسخة وقد يستعار لمثل العهود والإيمان مما شأنه الاستحكام والإتقان لكونها شبيهة بما له اجزاء ذات إبرام واليقين حاله حال العهد واليمين وانتقاضه عبارة عن انفساخ تلك
520

الحالة الجزئية وتحقق الترديد في النفس فعلى هذا نسبة مادة النقض إلى اليقين لها مناسبة تامة لا تحتاج إلى صرف النسبة إلى المتيقن ثم تخصيصه بما إذا كان له مقتضى للبقاء بل ليس مجرد وجود المقتضى للبقاء في شيء مصححا لنسبة النقض إليه لما عرفت من اعتبار كون متعلقة من ماله اجزاء مبرمة فان قلت نعم لكن النهي في القضية لا يصح تعلقه بنقض اليقين حيث ان انتقاض
اليقين بالشك قهري قلت كما انه لا يجوز تعلق النهي بنقض اليقين كذلك لا يجوز تعلقه بنقض المتيقن أيضا لأنه أيضا في حال الشك اما باق واقعا واما مرتفع وعلى أي حال ليس اختياره بيد المكلف كما هو واضح فالنهي في القضية يجب ان يكون متعلقا بالنقض من حيث العمل وعلى هذا كما انه يصح ان يقال يجب عليك معاملة بقاء المتيقن من حيث الآثار كذلك يصح ان يقال يجب عليك معاملة بقاء اليقين كذلك فان قلت نعم لكن على الثاني تفيد القضية وجوب ترتيب أثر نفس اليقين وهو غير مقصود قلت اليقين في القضية ملحوظ طريقا إلى متعلقه فيرجع محصل مفاد
521

القضية إلى وجوب معاملة بقاء اليقين من حيث كونه طريقا إلى متعلقه فيندفع المحذور هذا مما أفاده سيدنا الأستاذ طاب ثراه نقلا عن سيد مشايخنا الميرزا الشيرازي قده ولعمري ان المتأمل المنصف يشهد بان هذا الالتفات والتنبه انما يصدر ممن ينبغي ان يشد إليه الرحال فجزاه الله عن الإسلام وأهله أحسن الجزاء ومنها صحيحة أخرى لزرارة أيضا قال قلت له عليه السلام أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني فعلمت اثره إلى ان أصيب له الماء فحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصليت ثم انى ذكرت بعد ذلك قال عليه السلام تعيد الصلاة وتغسله قال قلت فان لم أكن رأيت موضعه وعلمت انه اصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال تغسله وتعيد قلت فان ظننت انه اصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال عليه السلام تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك ان ينقض اليقين بالشك أبدا قلت فانى قد علمت انه قد اصابه ولم أدر أين هو
فاغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك قلت فهل على ان شككت انه اصابه شيء ان انظر فيه قال لا ولكنك انما تريد ان تذهب بالشك الذي وقع من نفسك قلت ان رأيته في ثوبي وانا في الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على
522

الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك الحديث (تقريب الاستدلال) كما في الصحيحة الأولى لكن فيها إشكال من جهة أخرى وهو ان الظاهر من السؤال في قوله فان ظننت انه قد اصابه إلخ انه بعد الصلاة تبين ان ثوبه كان نجسا من أول الأمر و ح عدم إعادة الصلاة لا يمكن ان يكون مستندا إلى تلك القاعدة أعنى عدم جواز نقض اليقين بالشك لأن الإعادة على هذا نقض اليقين بيقين مثله وبعبارة أخرى الظاهر من تلك الفقرة ان الإعادة نقض اليقين بالشك ولعدم صلاحية ذلك لا يصلح الإعادة ولا يمكن حفظ هذا الظهور فيما نحن فيه فان الطهارة من الخبث ان كانت من الشروط الواقعية فالإعادة ليست من مصاديق نقض اليقين بالشك كما هو واضح وان كان الشرط إحرازها ولو بالأصل فالاجزاء وعدم الإعادة مستند ان إلى حكم الاستصحاب حين الصلاة بضميمة الأدلة الدالة على كفاية نفس الإحراز حين الصلاة وعلى أي حال قوله عليه السلام وليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك لا ينتج عدم الإعادة كما هو واضح إذا عرفت هذا يظهر لك عدم ارتفاع هذا الإشكال بما تخيله بعض من استناد عدم الإعادة إلى اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ولا بما أفاده شيخنا الأستاذ دام بقاؤه من جعل الشرط هو نفس الإحراز ولو بأصل من الأصول إذ كل ذلك أجنبي عن ظاهر الرواية كما لا يخفى فيلزم التصرف في
523

ظاهرها اما على نحو ما تخيله المتخيل واما على نحو وجهها شيخنا الأستاذ دام بقاؤه والتوجيهان مشتركان في ان الصحة وعدم الإعادة انما يكون مستندا إلى كبرى
مسلمة عند السائل وان قوله عليه السلام ليس ينبغي لك إلخ إشارة إلى تحقق صغرى لتلك الكبرى المسلمة غاية الأمر انه على ما تخيله المتخيل الكبرى المفروضة كون الأمر الظاهري مفيدا للاجزاء وعلى ما أفاده دام ظله كون الشرط نفس الإحراز فلا تغفل والعجب منه دام بقاؤه انه استضعف كلام المتخيل ثم وجه الرواية بما هو مماثل لما استضعفه هذا إذا كان المراد من الرواية ما ذكرنا واما ان كان المراد رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها بعدها كما هو أحد الاحتمالين فيها فلا إشكال في اقتضاء قولهم عليهم السلام لا تنقض اليقين بالشك عدم إعادة الصلاة والاكتفاء بما أتى به لأنه واجد للشرط تعبدا ولا كاشف للخلاف كما هو المفروض فان قلت عدم الإعادة ليس أثرا شرعيا حتى يترتب على استصحاب الطهارة قلنا ليس المجعول بقضية لا تنقض عدم وجوب الإعادة حتى يقال انه عقلي ليس قابلا للجعل بل المجعول بها التصرف في شرط الواجب والتوسعة في موضوع الوجوب ولازم ذلك عدم وجوب الإعادة فعدم وجوب الإعادة من اللوازم العقلية المترتبة على نفس الاستصحاب لا على المستصحب ومنها صحيحة ثالثة لزرارة وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالاخر ولكنه ينقض الشك باليقين فيتم على اليقين فيبنى عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات)
524

وقد تمسك بها في الوافية وتبعه جماعة ممن تأخر عنه وكيف كان هذه الصحيحة مع قطع النظر عما فيها من الإجمال لا تفيد قاعدة كلية ينتفع بها في ساير الموارد لظهور ان قوله عليه السلام ولا ينقض اليقين بالشك تأكيد لقوله عليه السلام قام فأضاف إليها أخرى لا علة له حتى يستفاد منه الكلية اللهم الا ان يستفاد العموم من
قوله عليه السلام ولا يعتد بالشك في حال من الحالات ثم ان جعل هذا المورد من مصاديق حرمة نقض اليقين بالشك يحتمل أمرين أحدهما كونه من جهة التقية موافقة للعامة الزاعمين لكون مقتضى البناء على اليقين هو البناء على الأقل وضم الركعة المشكوكة ويوهن هذا الاحتمال ظهور صدر الرواية في عدم الصدور على جهة التقية حيث انه امر في جواب السائل عن الشك بين الاثنين والأربع بان يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب وهذا ظاهر في وجوب ركعتين منفصلتين من جهة ظهور تعيين الفاتحة وهذا مخالف لمذهب العامة والثاني ان يقال ان المراد من قوله عليه السلام قام فأضاف إليها ركعة القيام للركعة المنفصلة كما هو مذهب الحق والوجه لجعل هذا من صغريات القاعدة المزبورة مع اقتضائها بحسب الظاهر إتيان الركعة المتصلة ان الصلاة في نفس الأمر يعتبر فيها أمران أحدهما تحقق الركعات والثاني تقييدها بعدم الزائد ومقتضى قولهم عليهم السلام لا تنقض اليقين بالشك البناء على عدم تحقق الركعة المشكوكة ولا يثبت بهذا تحقق ذلك التقييد المعتبر لو أتى بالركعة المشكوكة موصولة فالجمع بين مفاد القاعدة المزبورة ومراعاة ذلك التقييد لا يمكن الا بإتيان الركعة منفصلة فليتأمل جيدا وهذا التوجيه أوجه من حمل الرواية على إيجاب تحصيل اليقين بالاحتياط
525

كما فعله شيخنا المرتضى قده لظهور اتحاد مفاد هذه القضية في جميع الموارد وقد عرفت كونهما ناصة في الاستصحاب في الصحيحة الأولى وما قد يتوهم من إمكان الجمع بين الاستصحاب وإيجاب تحصيل اليقين فلا ينافي تطبيق القضية تارة على الاستصحاب كما في الصحيحة الأولى وأخرى على إيجاب الاحتياط كما في الصحيحة الثالثة (مدفوع) بأنه على تقدير إرادة الاستصحاب يجب ان يراد من اليقين المفروض في القضية الموجود الثابت وعلى تقدير إرادة إيجاب الاحتياط يجب ان
يفرض عدمه حتى يصح الأمر بتحصيله وهما ملاحظتان غير قابلتين للجمع كما هو واضح (ومنها) موثقة عمار (عن أبي الحسن عليه السلام قال إذا شككت فابن علي اليقين قلت هذا أصل قال عليه السلام نعم) أقول ان جعلنا مورد الرواية خصوص ركعات الصلاة كما ان الأصحاب يذكرونها في طي أدلة تلك المسألة فالمراد من قوله عليه السلام فابن علي اليقين اما تحصيل اليقين بالبناء على الأكثر وإتيان ما يحتمل نقصه منفصلا ولا دخل لها بما نحن بصدده واما محمول على التقية واما على الاستصحاب بالتوجيه الذي ذكرناه في الصحيحة السابقة وان لم نقل باختصاصها بشكوك الصلاة فلا يبعد دعوى ظهورها في الاستصحاب حيث ان الظاهر من لفظ اليقين الموجود حين البناء عليه لا الماضي حتى ينطبق على قاعدة الشك الساري ولا المستقبل حتى يكون المراد وجوب تحصيله وينطبق على الاحتياط فما ذكره شيخنا المرتضى قده من ان الموثقة على تقدير عدم
526

اختصاص موردها بشكوك الصلاة أضعف دلالة من الروايات الآتية حيث انه لم يبين فيها ان المراد اليقين السابق على الشك ولا انه المتيقن السابق على المشكوك بخلاف الروايات الآتية حيث انها ليست خارجة عن هذين الاحتمالين مبنى على عدم كون ظهور الموثقة في الاستصحاب أقوى من بين الاحتمالات وقد عرفت خلافه ومنها ما عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين وفي رواية أخرى عنه عليه السلام من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فان اليقين لا يدفع بالشك أقول ظهور الروايتين في اتحاد متعلق اليقين والشك مما لا يقبل الإنكار و ح اما ان يلاحظ المتيقن مقيدا بالزمان فالشك فيه معناه الشك الساري واما ان يجرد عنه
وعلى الثاني اما ان يكون القضية مهملة من حيث الزمان واما ان يكون ملحوظا فيها على نحو الظرفية والأخير منطبق على المدعى وسيجئ ان الجمع بين القاعدة والاستصحاب غير ممكن في هذه القضية إذا عرفت هذا فنقول ان القضية وان كانت في حد نفسها غير ظاهرة في المدعى
527

لأنا نقول فائدة هاتين الروايتين استفادة الكلية بعد ما حملناهما على الاستصحاب إذ ليس فيهما ما يمنع ذلك كما كان في الأدلة السابقة هذا ولكن الإشكال في سند الرواية من حيث ان فيها قاسم بن يحيى وقد ضعفه العلامة قده في صه وتضعيفه وان كان مستندا إلى تضعيف ابن الغضائري وقد قيل انه لا يعبأ به الا انه ما وجد في علم الرجال توثيقه فلو أغمضنا عن هذا التضعيف لكان من المجاهيل وعلى أي حال لا يجوز جعل الرواية مدركا لشيء اللهم الا ان يوثق برواية الأجلة عنه مثل أحمد بن أبي عبد الله وأحمد بن محمد بن عيسى فليتأمل جيدا ومنها مكاتبة علي بن محمد القاساني قال كتبت إليه وانا بالمدينة عن اليوم الذي نشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب عليه السلام اليقين لا يدخله الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية) ودلالتها على المدعى بملاحظة تفريع الإمام عليه السلام ظاهرة (هذه) اخبار عامة واردة في المقام وقد يؤيد بالأخبار الواردة في الموارد المخصوصة مثل رواية عبد الله بن سنان فيمن يعير ثوبه الذمي وهو يعلم انه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير قال فهل على ان أغسله فقال لا لأنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه وفي تعليل الحكم بأنه
طاهر حين الإعارة دلالة واضحة على ان المستند هو استصحاب الطهارة لا قاعدتها ومثل موثقة عمار كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر
528

بناء على كونها في مقام بيان استمرار الطهارة المفروغ عنها لا في مقام جعل الطهارة في موضوع لم يعلم نجاسته ولكن الظاهر من القضية المعنى الثاني كما هو واضح فلا دخل لها بالمدعى ولا يمكن الجمع بين المعنيين أعني قاعدة الطهارة واستصحابها فان الثاني مبنى على كونها مفروضة الوجود والأول مبنى على عدم كونها كذلك وملاحظة شيء واحد مفروض الوجود وغيره جمع بين المتنافيين كما لا يخفى والعجب من شيخنا الأستاذ دام بقاؤه حيث زعم إمكان الجمع بينهما في القضية المذكورة والنظر في كلامه يتوقف على نقل ما أفاده قال دام بقاؤه في حاشيته على رسالة الاستصحاب عند قول المصنف قده نعم إرادة القاعدة والاستصحاب معا توجب استعمال اللفظ في معنيين إلخ (ما لفظه) إرادتهما انما توجب ذلك لو كان كما أفاده قده بان يراد من المحمول فيها تارة أصل ثبوته وأخرى استمراره بحيث كان أصل ثبوته مفروغا عنه وكذلك الحال في الغاية فجعلت غاية للحكم بثبوته مرة وللحكم باستمراره أخرى واما إذا أريد أحدهما من المغيا والاخر من الغاية فلا توضيح ذلك ان قوله عليه السلام كل شيء طاهر مع قطع النظر عن الغاية بعمومه يدل على طهارة الأشياء بعناوينها الواقعية كالماء والتراب وغيرهما فيكون دليلا اجتهاديا على طهارة الأشياء وبإطلاقه بحسب حالات الشيء التي منها حالة كونه بحيث يشتبه طهارته ونجاسته بالشبهة الحكمية أو الموضوعية تدل على قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته كذلك وان أبيت الا عن عدم شمول إطلاقه لمثل هذه الحالة التي في الحقيقة ليست من حالاته بل من حالات المكلف وان كانت لها إضافة إليه فهو بعمومه لما اشتبهت طهارته بشبهة لازمة له لا ينفك عنه أبدا كما في بعض الشبهات الحكمية والموضوعية
بضميمة عدم الفصل بينه وبين ساير المشتهيات على طهارتها كلها والا يلزم تخصيصه بلا مخصص ضرورة صدق عنوان الشيء على هذا
529

المشتبه كسائر الأشياء بلا تفاوت أصلا كما لا يخفى وليس التمسك به فيما اشتبه طهارته موضوعا تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية لأن التمسك به انما هو لأجل دلالته على القاعدة وحكم المشكوك على ما عرفت لا لأجل دلالته على حكم الشيء بعنوانه الواقعي كي يلزم تخصيصه من هذه الحيثية بنجاسة بعض العناوين أو بعض الحالات ولا منافاة بين جواز التمسك به للحكم بطهارة المشتبه من جهة وعدم جوازه من جهة أخرى كما لا يخفى ولا ضير في اختلاف الحكم بالنسبة إلى افراد العام وصيرورته ظاهريا بالنسبة إلى بعضها وواقعيا بالإضافة إلى بعضها الاخر لأن الاختلاف بذلك انما هو من اختلاف افراد الموضوع لا من جهة الاختلاف في معنى المحكوم بل هو بالمعنى الواحد والمفهوم الفارد يحمل على ما هو واحد يعم تلك الافراد على اختلافها كما هو أوضح من ان يخفى فلا مجال لتوهم لزوم استعمال اللفظ في المعنيين من ذلك أصلا فعلى ذلك يكون دليلا بعمومه على طهارة الأشياء بما هي بعناوينها وبما هي مشتبه حكمها مط بضميمة عدم الفصل في المشتهيات بين ما يلزمه الاشتباه وبين ما لا يلزمه الاشتباه فلا حاجة في دلالته على قاعدة الطهارة إلى ملاحظة الغاية نعم بملاحظتها يدل على الاستصحاب (بيانه) ان قضية جعل العلم بالقذارة التي ينافي الطهارة غاية لها في الرواية هي بقائها واستمرارها ما لم يعلم بالقذارة كما هو الشأن في كل غاية غاية الأمر ان قضيتها لو كانت من الأمور الواقعية هو استمرار المغيا وبقائه واقعا إلى زمان تحققها ويكون الدليل عليها دليلا اجتهاديا على البقاء ولو كانت هي العلم بانتفاء المغيا هو بقاؤه واستمراره تعبدا إلى زمان حصولها كما هو الحال في الغاية هاهنا فيكون بملاحظتها دليلا على استمرار الطهارة تعبدا ما لم يعلم بانتفائها ولا
نعنى بالاستصحاب الا ذلك كما لا يخفى
530

فدل بما فيه من الغاية والمغيى على ثبوت الطهارة واقعا وظاهرا على ما عرفت على اختلاف افراد العام وعلى بقائها تعبدا عند الشك في البقاء من دون لزوم محذور استعمال اللفظ في المعنيين إذ منشأ توهم لزومه ليس الا توهم ان إرادة ذلك من قوله كل شيء طاهر لا يكاد ان يكون الا بإرادة الحكم على كل شيء بثبوت أصل الطهارة ما لم يعلم قذارته والحكم باستمرار طهارته المفروغ عنها أيضا ما لم يعلم قذارته باستعمال لفظ طاهر وإرادة كلا الحكمين منه وقد عرفت ان استفادة مفاد القاعدة من إطلاقه أو عمومه بضميمة عدم الفصل من غير حاجة إلى ملاحظة الغاية واستفادة مفاد الاستصحاب من الغاية من جهة دلالتها على استمرار المغيا كما هو شأن كل غاية الا انها لما كانت هو العلم بانتفاء المغيا كان مفاده استمراره تعبدا كما هو الشأن في كل مقام جعل ذلك غاية للحكم من غير حاجة في استفادته إلى إرادته من اللفظ الدال على المغيا والا يلزم ذلك في كل غاية ومغيى كما لا يخفى مثلا الماء طاهر حتى يلاقي النجس) لا بد ان يراد منها على هذا طاهر بمعنى ثبوت الطهارة ومعنى استمراره كليهما مع انه ليس بلازم لاستفادة الاستمرار من نفس الغاية كما لا يخفى فلم لا يكون الحال في هذه الغاية على هذا المنوال انتهى
موضع الحاجة من كلامه دام بقاؤه أقول وفيه أولا ان الجمع بين الحكم بطهارة الأشياء بعناوينها الأولية وعنوان كونها مشكوكه الطهارة لا يمكن في إنشاء واحد ضرورة تأخر رتبة الثاني من الأول ولا يمكن ملاحظة موضوع الحكم الثاني في عرض موضوع الحكم الأول وهذا واضح وأيضا على فرض تسليم الجمع يصير الحكم المجعول بملاحظة الشك لغوا لأن هذه القضية الجامعة لكلا الحكمين متى وصلت إلى المكلف يرتفع شكه
531

من جهة اشتمالها على الحكم بطهارة جميع الأشياء بعناوينها الأولية فلا يبقى له الشك حتى يحتاج إلى
العمل بالحكم الوارد على الشك اللهم الا ان تحمل القضية على الاخبار والحكاية عن الواقع دون الإنشاء وعلى هذا يرتفع الإشكالان لأنه إذا فرض الشارع حكم على بعض الأشياء بعناوينها الأولية بالطهارة وعلى بعض آخر بعنوان انه مشكوك بها أيضا يصح ان يقول واحد في مقام الحكاية كل شيء طاهر عند الشرع اما بالطهارة الواقعية واما بالطهارة الظاهرية هذا ولكنه لا يدل على ان المحكوم بالطهارة ما هو حتى يكون دليلا اجتهاديا على طهارة الأشياء بعناوينها الأولية كما نص عليه كلامه المحكي فيظهر ان ما قلناه في مقام التوجيه لا ينطبق على المستفاد من كلامه دام بقاؤه وثانيا ان مقتضى الغاية المذكورة في القضية ان الحكم فيها انما هو ثابت في ما قبل الغاية وهو زمان عدم العلم بالقذارة وهذا الحكم الثابت للأشياء في زمان عدم العلم بالقذارة عبارة عن قاعدة الطهارة فأين حكم الاستصحاب الذي هو عبارة عن إبقاء الشيء الموجود سابقا في حال طرو الشك والشيء الذي فرضناه موجودا بهذه الرواية هو طهارة الأشياء في حال عدم العلم وهو حال الشك وبقائها ببقاء الشك ليس استصحابا قطعا لأن مقتضى الحكم المعلق على موضوع بقاؤه ببقائه ومن الموضوعات الشك وإذا أريد إفادة الاستصحاب فاللازم فرض شك آخر طار على هذا الحكم المتعلق بالشك هل نسخ أم لا مثلا والحاصل انه لا ينبغي الشك في عدم إمكان الجمع بين القاعدة والاستصحاب في قضية واحدة بعد ملاحظة ما ذكرنا وعليك بالتأمل والتدبر لئلا يشتبه عليك الحال
532

في الاستصحاب الكلي
الأمر الثالث المتيقن السابق في الاستصحاب الكلي قد يكون جزئيا وقد يكون كليا والشك في بقاء الكلي تارة من جهة الشك في بقاء الفرد الذي علم تحققه فيه وأخرى من جهة الشك في تعيين الفرد المتحقق فيه ذلك الكلي وتردده بين ما هو باق جزما وبين ما هو مرتفع وثالثة
من جهة الشك في وجود فرد آخر مع الفرد المتيقن أولا أو مقارنا لارتفاعه بحيث يحتمل عدم ارتفاع الكلي فان كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد المعين كالمثال الأول فلا إشكال في جواز استصحاب الكلي ان كان ذا أثر شرعي ولا يغنى عن استصحاب الفرد وان كان بقاؤه مستلزما لبقاء ذلك الفرد فلو كان الفرد ذا أثر شرعي يجري فيه الاستصحاب مستقلا وهل يغنى استصحابه عن استصحاب الكلي بحيث يترتب على الاستصحاب الجاري في الفرد أثر الفرد والكلي أم لا وجهان من حيث ان الفرد عين الكلي في الخارج والأثر المترتب على الكلي سار في الفرد من جهة الاتحاد والعينية فالفرد مجمع لأثرين أحدهما من جهة الكلي والثاني من جهة نفسه ومن حيث تغايره مع الكلي عند التعقل ولكل منهما أثر يمكن سلبه عن الاخر وان كانا متحدين في الخارج مثلا لو فرض ان وجود الإنسان في الدار يكون موضوعا لوجوب الصلاة ركعتين ووجود زيد يكون موضوعا لوجوب التصدق بدرهم يصح ان
533

يقال ان وجوب الصلاة ليس أثر الزيد بل هو أثر لوجود الإنسان وكذلك يصح ان يقال ان وجوب التصدق ليس أثر الإنسان بل هو أثر لوجود زيد و ح نقول ان إجراء الاستصحاب بالنسبة إلى زيد لو شك في بقائه لا يوجب الا ترتب الأثر المختص بزيد لا ما هو مترتب على حقيقة الإنسان كما في العكس وان كان الشك من جهة الشك في تعيين الفرد فهو على قسمين لأن الشك فيه اما راجع إلى الشك في المقتضى كما أو كان الموجود أولا حيوانا مرددا بين ما يعيش ثلاثة أيام أو سنة فإذا مضى ثلاثة أيام يشك في بقاء ذلك الحيوان واما راجع إلى الشك في الرافع كما لو خرج منه رطوبة مرددة بين البول والمني ثم توضأ فيشك في في بقاء حدثه وارتفاعه بواسطة الوضوء هذا ان قلنا بان الحدث الجامع بين الأكبر
والأصغر موضوع لأثر شرعي وهو عدم جواز الدخول في الصلاة واما ان قلنا ان الموضوع للأثر خصوص الحالتين اللتين توجدان مع البول والمني إحداهما توجب المنع من الدخول في الصلاة الا بالوضوء والأخرى توجب المنع الا بالغسل فالمثال الذي ذكرنا أخيرا ليس من موارد استصحاب الكلي وكيف كان فالحق جواز استصحاب الكلي في كلا القسمين ان كان له أثر شرعا لعدم المانع الا على مذاق من يذهب إلى اختصاص مورده بالشك في الرافع فمنع جريانه في القسم الأول وقد عرفت ان التحقيق خلافه نعم منع بعض علماء العصر دام ظله جريان هذا النحو من الاستصحاب مط في حاشيته التي علقهما على مكاسب شيخنا المرتضى قده وحاصل ما أفاده هناك ان الشك في بقاء الكلي مسبب عن
534

الشك في وجود الفرد الطويل وحيث ان مقتضى الأصل عدمه فلا يبقى شك في بقاء الكلي ثم أورد على نفسه بان أصالة عدم وجود الفرد الطويل معارض بأصالة عدم وجود الفرد القصير وأجاب بأنه ليس في طرف القصير أصل حتى يعارض ذلك الأصل لعدم الأثر الشرعي للأصل الجاري في طرف القصير هذا وفيه أولا ان تقدم الأصل الجاري في السبب على المسبب انما يكون فيما إذا كان الترتب شرعيا كالأصل الجاري في الماء بالنسبة إلى الثوب المغسول به فان غسل الثوب بالماء الطاهر شرعا يوجب طهارة الثوب شرعا بخلاف ترتب عدم الكلي على عدم الفرد في المثال فإنه من جهة العلم بانحصار الموجود في فرد واحد وانه على تقدير عدم وجود الطويل وجد القصير وارتفع وثانيا ان عدم جريان الأصل في القصير مط لا وجه له لأنه ان كان المراد انه مقطوع العدم في زمان الشك في بقاء الكلي فلا يقدح هذا القطع لأن
535

ملاك المعارضة وجود الأصلين المتعارضين في زمان وان انتفى مورد أحدهما
فيما بعد ذلك كما لو خرج أحد أطراف الشبهة المحصورة بعد تعارض الأصلين عن محل الابتلاء وان كان المراد عدم جريان الأصل في القصير أصلا فهو لا يصح على الإطلاق وانما يصح فيما إذا كان أثر الفرد القصير أقل من أثر الفرد الطويل كما إذا لم يعلم ان الثوب تنجس بالدم أو بالبول وقلنا انه في الأول يكفي الغسل مرة وفي الثاني يجب مرتين فان وجوب الغسل مرة مما يقطع به فلا يجوز استصحاب عدم تنجسه بالدم لنفي اثره واما إذا لم يكن كذلك كما لو كانا مباينين في الأثر فلا وجه للقول بعدم جريان الاستصحاب في الفرد القصير فليتدبر جيدا ثم انك قد عرفت ان إجراء الأصل في الكلي لا يثبت الفرد وان كان ملازما له لأن هذه الملازمة ليست بشرعية و ح فلو كان للفرد أثر خاص ينفي بالأصل الا إذا كان للفرد الاخر أيضا أثر خاص فيتعارض الأصلان وكذا لو علم ان الحكم ببقاء الكلي في الأثر والحكم بعدم الفرد كذلك مما لا يجتمعان في مرحلة الظاهر أيضا وان كان الشك من جهة وجود الفرد الاخر مع المتيقن أو مقارنا لارتفاعه ففي جريان الاستصحاب في الجامع بين الفردين المحتمل بقاؤه بقيام الفرد الاخر مقام المتيقن وجوه ثالثها التفصيل بين القسمين المذكورين فيجري في الأول منهما نظرا إلى احتمال بقاء الكلي بعين ما وجد أولا دون الثاني للقطع بعدم بقائه كذلك كما ذهب إليه شيخنا المرتضى قده واختار شيخنا الأستاذ دام بقاؤه عدم الجريان مط قال في تقريب ذلك ان وجود الطبيعي وان كان بوجود فرده الا ان وجوده في ضمن افراد متعددة ليس نحو وجود واحد له بل وجود كل فرد منه نحو وجود له عقلا
536

وعرفا كما إذا شك انه في الزمان الأول كان موجودا بوجود واحد أو وجودين وفي ضمن فرد أو فردين لم يكن الشك في نحو وجوده بل
الشك في وجوده بنحو آخر غير ما علم من نحو وجوده فما علم من وجوده فقد علم ارتفاعه وما شك فيه فقد شك في أصل حدوثه فاختل أحد ركني الاستصحاب فيه على كل حال ومنه يظهر الحال في القسم الثاني بل الأمر فيه أظهر انتهى كلامه دام بقاؤه أقول لو جعلت الطبيعة باعتبار صرف الوجود مع قطع النظر عن خصوصياته الشخصية موضوعا للحكم كما أوضحنا ذلك في
مسألة اجتماع الأمر والنهي فلا إشكال في ان هذا المعنى لا يرتفع الا بانعدام تمام الوجودات الخاصة في زمن من الأزمنة اللاحقة لأنه في مقابل العدم المطلق ولا يصدق هذا العدم الا بعد انعدام الوجودات و ح لو شك في وجود الفرد الاخر مع ذلك الموجود المتيقن واحتمل بقاؤه بعد ارتفاع الفرد المعلوم فمورد استصحاب الجامع بملاحظة صرف الوجود متحقق من دون اختلال أحد ركنيه فان اليقين بصرف وجود الطبيعة غير قابل للإنكار وكذلك الشك في بقاء هذا المعنى لأن لازم الشك في كون فرد في الآن اللاحق الشك في تحقق صرف الوجود فيه وهو على تقدير تحققه في نفس الأمر بقاء لا حدوث لأن هذا المعنى من الوجود في مقابل العدم المطلق فحدوثه فيما إذا كان مسبوقا بالعدم المطلق والمفروض انه ليس كذلك فعلى تقدير تحققه بقاء فالشك فيه شك في البقاء نعم لو أريد استصحاب وجود الخاص فهو غير جائز لأن المتيقن سابقا
537

مقطوع الارتفاع والمشكوك لاحقا غير متيقن سابقا فاختل أحد ركني الاستصحاب ومما ذكرنا يظهر حال القسم الاخر وهو ما لو شك في وجود فرد آخر مقارنا لارتفاع الموجود من دون تفاوت أصلا
(في استصحاب التدريجيات)
الأمر الرابع المستفاد من اخبار الباب ان مجرى الاستصحاب ما شك في تحققه لاحقا مع القطع بتحققه سابقا فحينئذ لا فرق بين ما يكون قارا بالذات وما يكون تدريجيا
كالزمان والزمانيات كالتكلم والحركة وأمثالهما ضرورة انها ما لم تنقطع وجود واحد حقيقي وان كان نحو وجودها ان يتصرم شيئا فشيئا و ح فلو شك في تحقق الحركة مثلا أو نفس الزمان بعد ما علم بتحققه سابقا فقد شك في تحقق عين ما كان محققا سابقا فلا يحتاج في التمسك بالأخبار إلى المسامحة العرفية نعم لو كان محل الاستصحاب الشك في البقاء أمكن ان يقال ان مثل الزمان والزمانيات خارج عن العنوان المذكور لعدم تصور البقاء لها الا بالمسامحة العرفية لكن ليس هذا العنوان في الأدلة وبعبارة أخرى المعتبر في الأدلة صدق نقض اليقين بالشك ولا تفاوت في ذلك بين التدريجيات وغيرها
538

قال شيخنا المرتضى قده في الأمر الثاني من الأمور التي نبه عليها في باب الاستصحاب ما لفظه قد علم من تعريف الاستصحاب وأدلته ان مورده الشك في البقاء وهو وجود ما كان موجودا في الزمان السابق ويترتب عليه عدم جريان الاستصحاب في نفس الزمان ولا في الزماني الذي لا استقرار لوجوده بل يتجدد شيئا فشيئا على التدريج وكذا في المستقر الذي يؤخذ قيدا له الا انه يظهر من كلمات جماعة جريان الاستصحاب في الزمان فيجري في القسمين الأخيرين بالطريق الأولى انتهى كلامه رفع مقامه وقد عرفت صحة استصحاب نفس الزمان والزمانيات من دون الاحتياج إلى مسامحة نعم لو انقطع الزماني بما لا يقيد به عرفا ثم وجد فعده شيئا واحدا يحتاج إلى المسامحة والا فبحسب العقل قد انصرم وحدته ويمكن ان يقال ان الزمان ان لوحظ أمرا محدودا كما يقال ان الليل وكذا النهار عبارتان عن القطعة الخاصة المحدودة بالحدين المفروضين يمكن تحقق اليقين فلا معنى للعلم به الا بعد إحراز مجموع تلك القطعة وبعد إحراز وجود تمام تلك القطعة
لا يبقى الشك فيه فلا يتحقق فيه ما هو ملاك جريان الاستصحاب نعم لو قلنا بان الليل والنهار عبارتان عن الآن السيال بين الحدين المفروضين يمكن تحقق اليقين والشك فيه وهكذا حال الحركة ان كان المقصود الحركة المحدودة المسماة بالحركة القطعية فلا يجتمع فيها اليقين والشك وان كان المقصود الحركة التوسطية وهي كون الجسم بين الحدين فيمكن كونها متعلقة لليقين والشك كما هو ظاهر فالأولى في المقام ان يقال ان كان موضوع الأثر الذي أريد استصحابه هو الزمان المحدود أو الزماني كذلك فاستصحابه يحتاج إلى المسامحة التي أفادها شيخنا المرتضى قده من جعل المجموع موجودا فعليا لوجود جزئه وان
539

كان القسم الاخر فلا يحتاج في الاستصحاب إلى تلك المسامحة واما المستقر الذي أخذ الزمان قيدا له فان أريد استصحابه في حال الشك في انقضاء الزمان المأخوذ قيدا كما هو ظاهر كلامه قده هنا فحاله حال استصحاب نفس الزمان كمن وجب عليه الجلوس في النهار مثلا فجلس إلى ان شك في انقضاء النهار أو بقائه إذ يصح ان يقال ان جلوسه كان سابقا جلوسا في النهار والآن كما كان فيترتب حكمه أعني الوجوب.
لا يقال ان الجلوس في هذه القطعة من الزمان ليس له حالة سابقة ضرورة كونه مرددا من أول الأمر بين وقوعه في الليل أو النهار لأنا نقول المفروض عدم ملاحظة الجلوس في القطعات من النهار موضوعا مستقلا بل اعتبر حقيقة الجلوس المتحقق في النهار موضوعا واحدا للوجوب وهذا واضح وان أريد استصحاب الموضوع المقيد بالزمان أو حكمه بعد انقضاء الزمان المأخوذ قيدا كما هو ظاهر كلامه قدس سره بعد ذلك عند التعرض للقسم الثالث وهو ما كان مقيدا بالنهار فلا
في عدم جريان الاستصحاب ضرورة ان الجلوس المقيد بالنهار وكذا حكمه لا يبقى بعد انقضائه
540

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول ان مراده قدس سره ان كان ما ذكر أولا فلا وجه للقطع بعدم جريان الاستصحاب كما أفاد ذلك عند تعرضه للقسم الثالث حيث يقول واما القسم الثالث وهو ما كان مقيدا بالزمان فينبغي القطع بعدم جريان الاستصحاب فيه إلخ بل ينبغي القطع بصحة الاستصحاب فيه كما لا يخفى وان كان مراده قدس سره ما ذكرنا أخيرا فلا وجه لجعل الاستصحاب فيه أولى منه في نفس الزمان هذا وكيف كان الظاهر عدم الإشكال في صحة الاستصحاب في الأقسام الثلاثة إذا كان الأثر مترتبا على نفس بقائها من دون ان تحمل ويطبق على جزئي في الخارج واما لو أريد مع تطبيقه كذلك كما إذا أريد ان يحكم باستصحاب الزمان بكون هذا الزمان المشكوك فيه نهارا مثلا فلا يصح الا بالأصل المثبت وبعبارة أخرى ان كان الحكم مرتبا على تحقق النهار ففي الآن الثاني يحكم به بالاستصحاب ويترتب عليه ذلك الحكم وان كان مرتبا على كون الزمان المشكوك فيه نهارا فلا يثبت بذلك الاستصحاب لأن كون الزمان المشكوك نهارا امر اخر يلازم بقاء النهار عقلا اللهم الا ان يعد من اللوازم الخفية التي لا يراها العرف واسطة فلا يضر كما يأتي إن شاء الله ثم نقل قده عن بعض معاصريه انه في صورة تعلق الحكم بالموضوع المعتبر فيه الزمان لو شك بعد انقضاء ذلك الزمان في بقاء الحكم فهناك استصحابان أحدهما وجودي والاخر عدمي فيعارض أحدهما مع الاخر مثلا لو علمنا بوجوب الجلوس في يوم الجمعة إلى الزوال ثم شككنا بعد الزوال فهاهنا أصلان أحدهما استصحاب وجوب الجلوس والاخر استصحاب عدمه ورد عليه قدس سره بان الزمان ان أخذ قيدا فليس هناك الا استصحاب العدم لأن الجلوس المقيد بما بعد الزوال لم يكن واجبا قطعا وان أخذ ظرفا فليس
هناك الا استصحاب الوجود لأن عدم الوجوب القطع بنقيضه فلا
541

يجري فيه الاستصحاب بخلاف الوجوب فإنه كان ثابتا قبل الزوال فيشك في بقاء بعده انتهى ملخصا أقول يمكن ان يوجه كلام المعاصر المذكور على نحو يسلم عما أورد عليه بان نختار الشق الأول ونقول بان الزمان وان أخذ قيدا في الموضوع الذي تعلق به الوجوب الا ان نسبة الوجوب إلى المهملة عن اعتبار الزمان صحيحة لاتحاد المهملة مع الأقسام كما بينا ذلك في محله وبنينا على ذلك صحة إجراء أصالة البراءة في القيد المشكوك فراجع مسألة الأقل والأكثر وعلى هذا نقول لو وجب الجلوس المقيد بما قبل الزوال فبعد انقضاء الزوال يمكن ان يقال ذات الجلوس كان واجبا قبل الزوال ونشك في بقائه فيحكم ببركة الاستصحاب ببقاء الوجوب لأصل الجلوس فيما بعد الزوال ويعارض باستصحاب وجوب الجلوس المقيد بما بعد الزوال لأنه بهذا القيد مشكوك الوجوب أو نختار الشق الثاني ونقول ان الزمان وان اعتبر ظرفا في الدليل الذي دل على ثبوت الحكم على الموضوع لكن بعد انقضاء ذلك الزمان كما انه يصح ان يلاحظ ذلك الفعل ويقال انه
كان واجبا في السابق ونشك في بقاء وجوبه كذلك يصح ان يلاحظ مقيد أو يقال ان هذا الموضوع المقيد لم يكن واجبا في السابق والآن كما كان فيتعارض الأصلان في طرف الوجود والعدم وفيه ان الشق الأول وان أمكن تصوره لليقين السابق بوجوب حقيقة الجلوس على سبيل الإهمال والشك اللاحق كذلك لكنه راجع إلى استصحاب القسم الثالث من الكلي وقد سبق من شيخنا المرتضى قدس سره اختيار عدم جريانه ونحن وان قلنا بصحته لكنه في المقام محكوم لأن الشك فيه مسبب عن الشك في وجوب فرد اخر من الجلوس
والأصل عدمه وعلى كل
542

حال لا يصح القول بالتعارض هذا في الشق الأول واما الشق الثاني فاستصحاب الوجوب ليس له معارض فان مقتضى استصحاب عدم وجوب الجلوس المقيد بالزمان الخاص ان هذا المقيد ليس موردا للوجوب على نحو لوحظ الزمان قيد أولا ينافي وجوب الجلوس في ذلك
543

الزمان الخاص على نحو لوحظ الزمان ظرفا للوجوب
في الاستصحاب التعليقي والتقديري
الأمر الخامس قد يطلق على بعض الاستصحابات بالاستصحاب التقديري والتعليقي وهو ان يثبت الحكم المشترط بشيء المتعلق بموضوع في الآن السابق المشكوك بقائه لذلك الموضوع لاختلاف حال من حالاته مثل ان العنب كان حكمه النجاسة المعلقة على الغليان وبعد ما صار زبيبا والمفروض عدم صيرورته بواسطة الجفاف موضوعا اخر عند العرف يشك في ان النجاسة المعلقة على الغليان التي كانت ثابتة لهذا الموضوع حال كونه عنبا هل هي باقية بعد
544

صيرورته زبيبا أم لا لا إشكال في صحة هذا الاستصحاب لعدم الفرق في شمول أدلة الباب بين ما يكون الحكم المتيقن في السابق مطلقا أو مشروطا ولا يتوهم ان الحكم المشروط قبل تحقق شرطه ليس بشيء إذ قد تقرر في محله تحققه ووجوده قبل وجود شرطه وكما ان وظيفة الشارع جعل الشيء حراما مطلقا مثلا كذلك وظيفته جعله حراما على تقدير كذا فإذا شك في بقاء الحرمة المعلقة في الآن الثاني يصح ان يجعل حرمة ظاهرية معلقة على ذلك الشرط وإذا صح ذلك فشمول أدلة الاستصحاب مما لا ينبغي ان ينكر وهذا واضح وانما الإشكال في تعارضه مع استصحاب الحكم الفعلي مثلا الزبيب إذا غلى فهناك حالتان في السابق يصح استصحاب كل منهما إحداهما
الحرمة على تقدير الغليان والثانية الإباحة الفعلية الثابتة قبل الغليان فهل يكون لأحدهما تقدم على الاخر أم لا قال شيخنا المرتضى قدس سره ان استصحاب الحكم التعليقي مقدم لحكومته على استصحاب الحكم الفعلي أقول عندي فيما أفاده قدس سره نظر فان الشك في بقاء الإباحة الفعلية وان كان مسببا عن الشك في جعل الحرمة التعليقية الا ان ترتب عدم الإباحة من جهة ان العقل يحكم بثبوت الحرمة الفعلية عند تحقق الشرط وهي تضاد الإباحة وهذا الحكم العقلي وان كان من لوازم الحكم التعليقي سواء كان ظاهريا أم واقعيا نظير الحكم بلزوم الامتثال لكنه يصحح الأخذ بهذا اللازم وانه ليس قولا بالأصل المثبت ولا يصحح الحكومة لما عرفت من ان عدم الإباحة ح من جهة عدم إمكان الجمع بينهما وكما يترتب على الاستصحاب التعليقي عدم الإباحة بحكم العقل كذلك يترتب على استصحاب الحكم الفعلي عدم الحكم التعليقي بحكم العقل إذ لا يجتمع الإباحة ولو ظاهرا مع ما يكون
545

علة لضدها
وبعبارة أخرى ليس العصير بعد الغليان محكوما بالحرمة بحسب الدليل شرعا مع قطع النظر عن الشك حتى يكون حاكما على ما يقتضى إباحة بملاحظة الشك بل الحكم بالحرمة انما جاء من حكم العقل بفعلية الحكم المعلق عند تحقق ما علق عليه والمفروض ان الحكم المعلق أيضا حكم مجعول للشاك فيصير فعليا للشاك أيضا بحكم العقل فتدبر ومما ذكرنا يظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ دام بقاؤه من تصحيح الحكومة بكون اللازم من اللوازم العقلية الأعم من الواقعي والظاهري نعم لو قلنا بتقديم الأصل في الشك
في السبب من جهة تقدمه على الشك في المسبب طبعا وان لم يكن من آثار الأصل الجاري في السبب رفع الشك عن المسبب شرعا صحت الحكومة هنا وسيجئ إن شاء الله عند ذكر تعارض الأصلين زيادة توضيح للمطلب فانتظر
في استصحاب حكم الشريعة السابقة
الأمر السادس لو شك في بقاء الحكم الثابت في الشريعة السابقة فهل يحكم
546

بالبقاء بواسطة الاستصحاب أم لا توضيح المقام ان هذا الشك تارة يفرض بعد القطع بنسخ أصل الشريعة السابقة وأخرى يفرض بواسطة الشك في ذلك اما الأول فالحق جواز إجراء لاستصحاب والحكم ببقاء الحكم المشكوك فيه في هذه الشريعة فان المقتضى أعني عمومات الأدلة موجود وليس في المقام ما يصلح للمانعية عدا أمور توهم كونها مانعة منها ان الحكم الثابت لجماعة لا يمكن إثباته في حق آخرين لتغاير الموضوع فان ما ثبت في حقهم مثله لا نفسه والجواب أولا بالنقض باستصحاب عدم النسخ فان الحكم المفروض كان ثابتا لجماعة وثبت بالاستصحاب في حق الآخرين وثانيا بالحل وهو ان المستصحب كان حكما ثابتا للعنوان الباقي ولو بتبدل الأشخاص لا نفس الأشخاص ليلزم تعدد الموضوع فالموضوع هاهنا كالموضوع في الوقف على العناوين كالفقراء والطلبة وغيرهما هذا ملخص ما أجاب به شيخنا المرتضى قدس سره وهو كلام متين وأجاب أيضا بأنا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين فإذا ثبت في حقه حكم في الشريعة السابقة وشك في بقائه في اللاحقة يجري في حقه الاستصحاب ويكون هذا حكم الشخص المفروض وبعد وجود المعدومين في عصره يسرى الحكم المذكور إليهم لقيام الضرورة على اتحاد حكم أهل العصر الواحد وهذا بظاهره مخدوش كما
أفاد شيخنا الأستاذ في حاشيته لأن قضية الاشتراك تقتضي كون الاستصحاب حكما كليا ثابتا في حق كل من كان
547

على يقين من شيء فشك دون من لم يكن كذلك فتسرية الحكم الثابت بالاستصحاب في حق من كان موضوعا له إلى من لم يكن موضوعا له مما لا وجه له أصلا ويمكن ان يكون نظره إلى ان المعدوم الذي يوجد في زمن المدرك للشريعتين متيقن لحكم ذلك المدرك في الشريعة الأولى وشاك في حكمه أيضا في هذه الشريعة فيحكم بأدلة الاستصحاب ببقاء ذلك الحكم للشخص المدرك للشريعتين ثم يحكم بثبوته لنفسه بواسطة الملازمة الثابتة بالشرع وبعبارة أخرى الحكم الثابت للمدرك للشريعتين بمنزلة الموضوع لحكمه وهذا الاستصحاب في حق المعدوم الذي وجد في عصره من الأصول الجارية في الموضوع فافهم ومنها ان هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع فلا يجوز الحكم بالبقاء وفيه ان نسخ جميع الأحكام غير معلوم ونسخ البعض غير قادح (لا يقال) انا نعلم بنسخ كثير من الأحكام السابقة والمعلوم تفصيلا ليس بالمقدار المعلوم إجمالا حتى ينحل (لأنا نقول) الأفعال التي تعلق بها حكم الشرع بين ما علم تفصيلا بنسخ الحكم الثابت له في الشريعة السابقة وبين ما لم لا يعلم بذلك والثاني على ضربين لأنه اما ان يعلم الحكم الشرعي الثابت له في هذه الشريعة واما لا والثاني على ضربين لأنه اما لم يعلم حكمه في الشريعة السابقة أيضا واما يعلم ذلك ومجرى الاستصحاب هو القسم الأخير فقط وقد تقرر جواز إجراء الأصل في بعض أطراف العلم وان كان سليما من المعارض ودعوى العلم الإجمالي بوقوع النسخ في القسم الأخير مما لا يصغى إليه لأنه في غاية الندرة كما لا يخفى
ومنها ما حكى عن المحقق القمي قدس سره من ان جريان الاستصحاب مبنى على القول بكون حسن الأشياء ذاتيا وهو ممنوع بل
548

التحقيق انه بالوجوه والاعتبار والظاهر ان مراده قدس سره بكون حسن الأشياء ذاتيا الذي جعله مبنى لصحة الاستصحاب ليس كونها علة تامة للحسن والا لكان النسخ محالا ولم يقع موردا للشك حتى يثبت عدمه بالاستصحاب بل مراده قدس سره كونها مقتضية وحاصل مرامه على هذا ان صحة استصحاب عدم النسخ مبنية على القول بان الفعل الذي كان حسنا في السابق كان من جهة اقتضائه لذلك حتى يرجع الشك في نسخه إلى الشك في وجود المانع واما ان قلنا بالوجوه والاعتبار فلا يجري الاستصحاب لاحتمال ان يكون للزمان دخل في حسن ذلك الفعل فمقتضى بقاء الحسن غير محرز هذا غاية توجيه كلامه وفيه أولا انه على هذا المبنى لا يصح استصحاب عدم نسخ حكم الشريعة اللاحقة أيضا لو شك في ارتفاعه لعين ما ذكر وثانيا انا قلنا فيما مضى انه لا فرق على القول بأخذ الاستصحاب من الاخبار بين ان يكون الشك في المانع أو في المقتضى فراجع واما الثاني أعني صورة كون الشك في بقاء الأحكام السابقة من جهة الشك في نسخ أصل الشرع فنقول انه لو فرض بقاء هذا الشك بعد التفحص الذي هو شرط للعمل بالاستصحاب فجواز التمسك به لهذا الشاك يبتنى على أحد أمرين اما ان يعلم ان هذا الحكم الاستصحابي حكم في كل من الشريعتين واما ان يعلم بان هذا الحكم ثابت في الشريعة اللاحقة لأنه على الأول يعلم ان هذا الحكم غير منسوخ وعلى الثاني يعلم بان المجعول في حقه مثلا الإبقاء على الحكم السابق اما لكونه حكما واقعيا له واما لكونه حكما ظاهريا
فائدة حكى عن بعض السادة انه ابتلي بمخاصمة وقعت بينه وبين بعض علماء
549

اليهود فتمسك العالم اليهودي لإثبات دينه باستصحاب نبوة موسى عليه السلام لاعتراف المسلمين بأصل ثبوتها وحقيتها قال فعلى المسلمين إقامة الدليل على ارتفاعها وانقطاعها وهذه الشبهة قد أشار إليها الجاثليق لإثبات نبوة عيسى عليه السلام في مجلس المأمون فأجابه الرضا عليه السلام بأني مقر بنبوة عيسى عليه السلام وكتابه وما بشر به أمته وما أقرت به الحواريون وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وكتابه ولم يبشر به أمته فأجابه الفاضل المذكور على حسب ذلك بأنا نقول بنبوة موسى الذي أقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ولا نقول بنبوة كل موسى لم يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله فاعترض عليه اليهودي بان موسى بن عمران حاله معهود وشخصه معروف قد ادعى النبوة وجاء بدين وشريعة وأنتم تعرفون صحتها ولا يتفاوت ثبوت ذلك بين ان يقول بنبوة محمد صلى الله عليه وآله أولا يقول بها فنحن نقول بنبوة ذاك الشخص المعهود وبقائها بحكم الاستصحاب فعليكم بإبطاله انتهى حكاية المخاصمة بين اليهودي وبعض السادة وقد أجابوا عن إشكال اليهودي بأجوبة لا يهمنا ذكرها والحق في الجواب ان اليهودي المذكور تارة يريد ان يتمسك بالاستصحاب لتكليف نفسه فيما بينه وبين ربه وأخرى يريد إلزام الخصم فان كان غرضه تكليف نفسه فنقول بقاء نبوة موسى عليه السلام الراجع إلى بقاء أحكامه في نفس الأمر ملزوم لأمرين أحدهما وجوب الاعتقاد والعلم بذلك الذي هو مقتضى الإيمان والثاني وجوب العمل بتلك الأحكام فان أراد إثبات اللازم الأول بالاستصحاب فهو غير معقول لأنه حكم
550

مجعول للشاك بوصف انه شاك ولا يمكن الإيجاب على الشاك في امر مع وصف انه كذلك تحصيل الاعتقاد والعلم بذلك الأمر نعم يمكن ان يجب على الشخص في حال الشك تحصيل العلم كما انه يجب على العباد تحصيل العلم بالمبدأ والوسائط والمعاد ولكن هذا
التكليف راجع إلى إيجاب إزالة تلك الحالة أعني الشك لا انه تكليف متعلق بالموضوع الشاك والأول امر ممكن واقع والثاني محل لرجوعه إلى اجتماع النقيضين وان أراد إثبات اللازم الثاني فهو ممكن الا انه عرفت ان التمسك بالاستصحاب مشروط بالفحص ولو تفحص اليهودي ورفع اليد عن العصبية وما أخذ من آبائه تقليد الظهر له حقية مذهب الإسلام لوضوح الأدلة والبراهين القائمة على صدقه بحيث لم يبق له حيرة ولا شك حتى يحتاج إلى التمسك بالاستصحاب وهذا امر مقطوع لا ريب فيه أصلا نعم لو فرض محالا بقاء الشك له بعد الفحص فالتمسك بالاستصحاب لعمل نفسه بالاحكام السابقة ان كان الحكم الاستصحابي مجعولا في الشريعتين أو الجري على التكاليف الثابتة في شريعة موسى من جهة انه اما تكليف واقعي له أو ظاهري مما لا مانع له ولا يضر ذلك أحدا ولا ربط له في إبطال مذهب الخصم وحقية مذهبه كما هو ظاهر هذا إذا كان غرضه إثبات تكليف نفسه واما ان كان غرضه إلزام الخصم كما هو ظاهر قوله فعليكم إقامة الدليل إلخ فنقول من الأمور المعتبرة في الاستصحاب المجعول في حقنا اليقين بأمر في الزمن السابق والشك في ذلك الأمر في الزمن اللاحق ونحن لو قطعنا النظر عن اخبار نبينا وكتابه الذي أخبر بنبوة موسى لا نعلم بوجود موسى فضلا عن نبوته ومع ملاحظة نبوة محمد صلى الله عليه وآله وكتابه واخباره بنبوة موسى عليه السلام نعلم بنبوته ونعلم بنسخة أيضا فكيف تلزم أيها اليهودي بالاستصحاب جماعة ليس لهم علم بالأمر السابق على تقدير وليس لهم شك في انقطاع ذلك الأمر على تقدير آخر
551

في الأصل المثبت
الأمر السابع نقض اليقين بالشك ليس امرا اختياريا للمكلف حتى يقع موردا
للتكليف فالقضية بعد القطع بعدم كون ظاهرها مرادا محمولة بحكم العرف على النهي عن النقض عملا فمحصل المعنى حرمة نقض اليقين ووجوب الإبقاء في حال الشك من حيث العمل فيختص مورد التكليف بما إذا كان اليقين السابق على فرض بقائه عمل يصح للشارع ان يجعله موردا للتكليف وحيث ان هذه القضية وردت لرفع تحير المكلف من جهة تكليفه الواقعي لزم ان يكون لليقين السابق على تقدير بقائه عمل متعلق للتكليف الشرعي وان لم يكن في السابق كذلك فخرج لليقين الذي لم يكن له على تقدير بقائه عمل أصلا وكذا ما لم يكن له عمل متعلق للتكليف الشرعي إذا عرفت هذا فنقول ان كان المتيقن في السابق حكما من الأحكام الشرعية متعلقا بموضوع من الموضوعات أو موضوعا خارجيا تعلق به الحكم الشرعي من دون واسطة فدخوله في مورد الاخبار مما لا إشكال فيه لأن اليقين بالحكم له عمل وهو الإتيان بموضوع متعلق للحكم الشرعي وكذا اليقين بموضوع مورد للتكليف بلا واسطة مثلا لو تيقن بكون مائع خمرا فعمل هذا اليقين من حيث الطريقية ترك شرب ذلك المائع وإبقاء عمل اليقين في الحالة الثانية ترك شربه أيضا فيرجع قوله لا تنقض اليقين بالشك فيما لو كان المتيقن وجوب الصلاة مثلا إلى إيجاب الصلاة وفيما لو كان كون المائع خمرا فشك إلى حرمة شربه لأن ترك الصلاة في الأول نقض لليقين بالوجوب عملا وكذا شرب ذلك المائع في الثاني ومن هنا عرفت معنى ما هو المعروف من ان الاستصحاب في الأحكام الشرعية عبارة عن جعل الحكم المماثل للمتيقن وفي الموضوعات عبارة عن جعل آثارها مع وحدة الدليل الدال على ذلك فاضبط
552

ثم ان ما قلنا من انه لا بد ان يكون لليقين عمل ليس المراد كون ذلك العمل متعلقا للتكليف الشرعي مستقلا بل المراد أعم منه ومن ان يكون له دخل وربط بالموضوع المتعلق للحكم بنحو من أنحاء الربط كالقيد والشرط فالميزان ان يكون لليقين عمل بواسطة الشرع سواء كان من جهة كون شيء موضوعا للتكليف مستقلا أو من جهة دخله في الموضوع بنحو من الأنحاء ضرورة ان تقيد مورد الأدلة بالصورة الأولى مما لا وجه له أصلا لأن مقتضى العموم عدم جواز نقض كل يقين له عمل يصح للشارع ان يحكم به واما ان لم يكن المتيقن في السابق حكما من الأحكام الشرعية ولا موضوعا رتب عليه الحكم شرعا بلا واسطة فهو على أنحاء أحدها ما لا ينتهى إلى أثر شرعي أصلا والثاني ما ينتهى إليه بنحو من الأنحاء لا إشكال في خروج الأول من الأدلة واما الثاني فهو على أقسام وكلها يسمى بالأصول المثبتة لكن يختلف بعضها مع بعض في الخروج عن مورد الأدلة وضوحا وخفاء (أحدها ما) ينتهى بواسطة اللوازم العادية أو العقلية إلى أثر شرعي (والثاني) ما ينتهى بواسطة الملازمة بينه وبين شيء آخر اما عقلا واما عادة واما اتفاقا إلى أثر شرعي (والثالث) ما يكون ملزومه أثرا شرعيا أو موضوعا لأثر شرعي (والرابع) ان يكون لازمه أثرا شرعيا ولكن لم يكن ترتبه على ذلك الموضوع بشرعي كما لو أحرز مقتضى الوجوب وشك في المانع فأصالة عدم المانع وان كان يترتب عليها الوجوب وهو حكم شرعي لكن ترتب هذا الحكم على وجود المقتضى وعدم المانع ترتب عقلي كما لا يخفى (والخامس) ان يكون المستصحب أو اثره من الأمور الانتزاعية التي منشأ انتزاعها بيد الشرع
كاستصحاب الشرطية أو عدمها أو المانعية أو عدمها بناء على عدم كونها من الأمور المجعولة في حد ذاتها كما هو التحقيق اما خروج الثاني والثالث عن مورد الأدلة فظاهر فان الإبقاء العملي
553

للشيء ليس أخذا بملازمه أو أثر ملازمه في الوجود
أو ملزومه واما الرابع فقد يتوهم شمول دليل الاستصحاب له من جهة ان الحكم الشرعي وان كان ترتبه بحسب الواقع عقليا الا انه يمكن ان يرتبه الشارع عند الشك فان العقل غير حاكم بترتب الأثر عند الشك في المانع فالحكم به في حال الشك ليس خارجا عن وظيفة الشارع وفيه ان عنوان عدم المانع ووجوده كالمقتضي بعنوانه وكذا العلة ليس له أثر حتى عقلا فان مثل تلك العناوين انما ينتزع من تأثير شيء بعنوانه الخاص في شيء لأن الآثار تتحقق بها وهذا واضح جدا واما الخامس فلا يبعد دخوله في الأدلة حيث ان الحكم ببقاء ما هو من قبيله بجعل منشأ انتزاعه فهو مما تناله يد التصرف وليس خارجا عن وظيفة الشارع ودعوى انصراف الاخبار عن مثله ليس لها وجه والمسألة محل تأمل واما القسم الأول فالتحقيق فيه عدم دخوله في الاخبار وعدم شمولها له لأن الإبقاء العملي للشيء ينصرف إلى إتيان ما يقتضيه ذلك الشيء بلا واسطة فان قلت لو تيقن بشيء ليس له أثر الا بواسطة الوسائط فمقتضى أصالة الإطلاق في لفظ اليقين الحكم بدخول هذا المتيقن أيضا فيحكم بوجوب ترتيب الآثار مع الواسطة لانحصار الأثر فيها بالفرض وإذا صح في ذلك يتم في غيره لعدم القول بالفصل
554

قلت قد قلنا بان المراد من نقض اليقين في القضية هو النقض العملي فكما تصرف بحكم دلالة الاقتضاء إلى ذلك تصرف بحكم الانصراف إلى ما يكون نقضا عمليا لنفس المتيقن ابتداء لا بواسطة الوسائط فاليقين بأمر ليس له أثر شرعا بل ينتهى بالوسائط إلى أثر شرعي ليس له نقض عملي على نحو ما ينصرف إليه القضية فلا تشمله
ومن هنا يظهر انه لا يتفاوت الأمر بين ان يكون هناك لفظ يدل على عموم افراد اليقين وضعا أو لا يكون الا إطلاق لفظ اليقين إذ الدعوى المذكورة يتعلق بانصراف المادة فلو كانت مدخولة للفظ الكل أيضا لما دل الا على إحاطة افراد ما دلت عليه المادة فان قلت فعلى ما ذكرت لا يمكن إثبات اللوازم الشرعية الثابتة مع الواسطة في صورة قيام الأمارة أو الطريق على شيء فان معنى قول الشارع صدق العادل أو اعمل بالبينة ليس الا جعل المؤدى بمنزلة الواقع فيما يترتب عليه وإذا لم يكن لما أخبر به العادل أثر شرعا بل ينتهى بتوسط اللوازم العادية أو العقلية إلى أثر شرعي فمقتضى ما ذكرت في دليل الاستصحاب ان لا يشمله دليل الحجية هنا أيضا لأن العمل بالأثر الشرعي المفروض ليس أخذا بمفاد خبر العادل ابتداء قلت الوجه في ذلك ان الطرق والأمارات انما اعتبرت من جهة كشفها عن الواقع وإفادتها الظن النوعي به ولا إشكال في ان ما يكشف عن الملزوم يكشف عن اللازم بعد العلم بالملازمة فالظن النوعي المتعلق باللازم ظن حاصل من تلك الأمارة ودليل حجيتها دل على اعتبار الظن النوعي الحاصل منها فهنا فردان من الكشف الحاصل منها فان كان كل منهما قابلا للاعتبار يشملهما دليل الحجية وان كان أحدهما دون الاخر يدخل هو تحت دليل الحجية دونه وبهذا يظهر انه لو كان مفاد الأمارة ابتداء امرا لم يكن شرعيا ولا موضوعا
555

للأثر الشرعي ولكن ينتهى إلى أثر شرعي بألف واسطة يثبت ذلك الأثر الشرعي لأن الأمارة تكشف عن وجود ذلك الأثر ويصير مظنونا بالظن النوعي الحاصل من تلك ولا يتوقف إثبات هذا الأثر الشرعي على اعتبار الأمارة في الوسائط حتى يستشكل بأنها ليست قابلة لأن يعتبر فيها الأمارة بل دليل الحجية يشمل الكشف الحاصل من تلك
الأمارة عن الأثر الشرعي ابتداء ومن هنا يظهر الجواب عن شبهة ربما يتوهم ورودها على الحكم بنفي الثالث بالخبرين اللذين تعارض مدلولهما وحاصل الشبهة ان دلالة كل منهما على نفي الثالث دلالة التزامية وبعد سقوطهما في المدلول المطابقي وعدم حجيتهما فعلا فيه كيف يؤخذ بمدلولهما الالتزامي الذي تبع لمدلولهما المطابقي وحاصل الجواب على ما عرفت هنا ان كشف كل منهما عن المعنى الالتزامي وان كان تبعا للكشف عن المطابقي في الوجود ولكن ليس تبعا له في الاعتبار والحجية لأن كلا منهما كشف حاصل من الخبر فسقوط الكشف الأول عن الحجية بواسطة المعارض لا يلازم سقوط الثاني ومن هنا يعلم وجه أخذ ما يلازم مفاد الأمارة في الوجود سواء كانت الملازمة عادية أو عقلية أو اتفاقية ومن هنا يعلم انه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن لم يكن مناص من القول بالأصل المثبت لعدم انفكاك الظن بالملزوم عن الظن باللازم والظن بأحد المتلازمين عن الظن بالآخرة اللهم الا ان يقال بان بناء العقلاء على اعتبار الظن بالبقاء الحاصل من الكون السابق لا الظن بحدوث امر يلازم بقاء ذلك الشيء وعلى هذا يحمل عدم ذهابهم إلى حجية الأصل المثبت مع ان بناء المعظم على حجيته من باب الظن وكيف كان بناء على التحقيق من أخذ الاستصحاب من الاخبار يجب ان يقتصر في مورده على ما إذا كان المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا لحكم
556

شرعي من دون واسطة امر عادي أو عقلي نعم يستثنى من ذلك ما إذا كانت الواسطة بين المستصحب وبين الحكم الشرعي من الوسائط الخفية
والسر في ذلك ان العرف لا يرى ترتب الحكم الشرعي على تلك الواسطة بل يراه مرتبا على نفس المستصحب وخطاب لا تنقض اليقين بالشك كسائر الخطابات تعلق بالعنوان باعتبار مصاديقه العرفية لا الواقعية العقلية ولذا لا يحكم بواسطة دليل نجاسة الدم بنجاسة اللون الباقي منه بعد زوال العين مع انه من افراد الدم بنظر العقل والدقة بواسطة استحالة انتقال العرض فما يتوهم من ان المسامحة العرفية بعد العلم بخطائهم لا يجوز الاعتماد عليها وان المقام من هذا القبيل ناش عن عدم التأمل فان المدعى ان مورد الحكم بحسب الدقة هو المصاديق العرفية نعم لو ترتب حكم على عنوان باعتبار ما هو مصداقه بحسب الواقع لا يجوز الاعتماد على ما يراه العرف مصداقا من باب المسامحة وهذا واضح جدا واستثنى شيخنا الأستاذ دام بقاؤه أيضا ما إذا كانت الملازمة بين الشيئين جلية بحيث يستلزم التنزيل في أحدهما التنزيل في الاخر كالأبوة
557

والبنوة وهو كلام في غاية المتانة ولا يجب ان يكون لكل منهما أثر حتى يصح بلحاظ التنزيل بل وضوح الملازمة بينهما صار بحيث يعد أثر كل واحد منهما أثرا للآخر كما لا يخفى ثم انه لا بأس بالإشارة إلى بعض الموارد التي توهم كونه من الأصول المثبتة وقد ذكره شيخنا الأستاذ دام بقاؤه وأجاب عنها (منها) لو نذر التصدق بدرهم ما دام ولده حيا حيث توهم ان استصحاب حياته في يوم شك فيها لإثبات وجوب التصدق بدرهم مثبت لعدم ترتب الأثر الشرعي على حياة الولد في دليل من الأدلة بل موضوع الوجوب هو الوفاء بالنذر وحياة الولد توجب ان يكون الدرهم المصدق به وفاء للنذر ومثل هذا الإشكال جار في استصحاب حياة زيد لإثبات وجوب الإنفاق من ماله على زوجته لأن حياة زيد ليست موضوعة في الدليل بل الحكم مرتب على الزوج وزيد على تقدير حياته يوجب تحقق عنوان الزوجية وهو موضوع لوجوب الإنفاق وأمثال ذلك مما
لا يسع لذكره المجال كثيرة وقد أجاب عنه دام بقاؤه بقوله والتحقيق في دفع هذه الغائلة ان يقال ان مثل الولد في المثال وان لم يترتب على حياته أثر شرعي في خصوص خطاب الا ان وجوب التصدق قد رتب عليه لعموم الخطاب الدال على وجوب الوفاء بالنذر فإنه يدل على وجوب ما التزم به الناذر بعنوانه الخاص على ما التزم به من قيوده وخصوصياته فإنه لا يكون وفاء لنذره الا ذلك وبالجملة انما يجب بهذا الخطاب ما يصدق عليه الوفاء بالحمل الشائع وما يصدق عليه الوفاء بهذا الحمل ليس الا ما التزم به بعنوانه بخصوصياته فيكون وجوب التصدق بالدرهم ما دام الولد حيا في المثال مدلولا عليه بالخطاب لأجل كون التصدق به كذلك وفاء لنذره فاستصحاب حياة الولد لإثبات وجوب التصدق غير مثبت ووجه ذلك أي سريان الحكم من عنوان الوفاء بالوعد أو العهد أو النذر وشبهه من الحلف والعقد إلى تلك العناوين الخاصة المتعلق بها أحد هذه الأمور
558

حقيقة هو ان الوفاء ليس الا امرا منتزعا عنها وتحققه يكون بتحققها وانما أخذ في موضوع الخطاب ذلك دونها لأنه جامع لها مع شتاتها وعدم انضباطها بحيث لا يكاد ان تندرج تحت ميزان أو يحكى عنها بعنوان غيره كان جامعا ومانعا كما لا يخفى وهذا حال كل عنوان منتزع عن العناوين المختلفة المتفقة في الملاك للحكم عليها المصحح لانتزاعه عنها كالمقدمية والضدية ونحوهما ولأجل ذلك يكون النهي المتعلق بالضد بناء على اقتضاء الأمر بالشيء له من باب النهي في المعاملة والعبادة لا من باب اجتماع الأمر والنهي (لا يقال) ان الغصب مثلا له عنوان منتزع فكيف
إذا اجتمع مع الصلاة يكون من باب اجتماع الأمر والنهي لا النهي في العبادات والمعاملات (لأنا نقول) ان الغصب وان كان منتزعا الا انه ليس بمنتزع من الأفعال بما هي صلاة بل بما هي حركات وسكنات كما ينتزع منها عنوان الصلاة أيضا وهذا بخلاف عنوان الضد
منتزع عن الصلاة بما هي صلاة فيما إذا زاحمت هي كذلك واجبا مضيقا فإذا اقتضى الأمر به النهي عن ضده يكون النهي متعلقا بالصلاة فاحفظ ذلك فإنه ينفعك انتهى ما أفاده دام بقاؤه بألفاظه أقول ان أراد ان عنوان الوفاء بالنذر ليس له دخل في المطلوبية بل المطلوب في نفس الأمر هو العناوين الخاصة بخصوصياتها وانما جيء بهذا العنوان لمجرد الاحتواء على المطلوبات الخاصة نظير هؤلاء في قولك أكرم هؤلاء كما هو ظاهر كلامه ففيه انه من المعلوم ان إعطاء الدرهم على تقدير حياة الولد انما وجب لكونه مصداقا للوفاء بالنذر لا بخصوصية فيه مع قطع النظر عن هذا العنوان وان أراد ان الحكم المتعلق بهذا العنوان يسرى إلى مصاديقه التي منها إعطاء الدرهم على تقدير حياة الولد فهو حق لا ريب فيه الا انه لا
559

اختصاص لهذا الكلام بالعناوين المذكورة في كلامه من الوفاء بالنذر والعهد وأمثال ذلك بل الأحكام المتعلقة بكل عنوان تسرى إلى مصاديقه وان كان من العناوين التي يضاف الوجود إليها في الخارج كالإنسان مثلا (والأولى) في الجواب ان يقال ان الوفاء بالنذر كسائر العناوين إذا تعلق به الحكم يسرى إلى مصاديقه في الخارج ومن مصاديقه إعطاء الدرهم على تقدير حياة الولد بعد الالتزام بذلك فإعطاء الفقير الدرهم على تقدير حياة الولد متعلق للتكليف الشرعي من حيث كونه مصداقا للنذر فإذا شك في حياة الولد تستصحب ويترتب عليها الحكم من دون التوسط ومنها استصحاب وجود شرط شيء أو عدم مانعه أو بالعكس إذ يتخيل انه لا أثر شرعا يترتب على وجود أحدهما والشرطية والمانعية من الأحكام الوضعية وهي على التحقيق غير مجعولة وجواز الدخول في المشروط والممنوع وعدم جوازه ليسا بشرعيين بل عقليان لاستقلال العقل بهما
والجواب انه ان أراد استصحاب مصداق الشرط والمانع أعني ما جعله الشارع شرطا أو مانعا سواء اعتبر في المكلف به مثل الطهارة والحدث أم في التكليف كالزوال ومثله فلا إشكال في صحة الاستصحاب بل مورد بعض اخبار الباب هو استصحاب الطهارة إذ كما ان تقييد موضوع الحكم بالطهارة وظيفة للشارع كذلك الاكتفاء بالطهارة المشكوك أو عدم الاكتفاء بها وكذلك جعل الحكم المشروط بشرط لم يعلم تحققه عند اقتضاء الاستصحاب تحققه أو عدم جعله عند اقتضاء الاستصحاب عدم تحققه والحاصل انه كما ان إيجاب الصلاة المقيدة بالطهارة وظيفة للشارع كذلك الاكتفاء بالصلاة مع الطهارة المشكوكة التي علم بتحققها سابقا أيضا وظيفة له وكما ان إيجاب إكرام العالم بشرط العدالة وظيفة للشارع كذلك إيجاب إكرام العالم المشكوك
560

عدالته بعد ما علم سابقا بها أيضا وظيفة له ولا إشكال في شيء من ذلك وان أراد استصحاب عنوان الشرطية والمانعية أو عدمهما فله وجه من حيث ان هذه العناوين ليست بمجعولة في حد أنفسها ولا يكون موضوعة لأثر شرعي مع إمكان ان يقال بصحة الاستصحاب فيما ذكر أيضا لأنه وان كان غير مجعول ولا موضوع لأثر شرعي الا انه يكفي في شمول أدلة الاستصحاب لشيء كونه بحيث تناله يد التصرف من قبل الشرع ولو بان يجعل ما هو منشأ لانتزاعه وعلى هذا أيضا لا فرق في صحة الاستصحاب بين ان لوحظت هذه العناوين في المكلف به أو في التكليف وعبارة شيخنا الأستاذ دام بقاؤه في المقام لا تخلو من اضطراب فراجع ومنها الاستصحاب في الموضوعات الخارجية بتوهم انه لا أثر لها شرعا لها شرعا الا بواسطة انطباق العناوين الكلية عليها ضرورة ان الأحكام الشرعية لها لا للموضوعات الخارجية الشخصية فيكون إثباتها بملاحظة تلك الأحكام مثبتا وهذا لا يراد نقله شيخنا الأستاذ في تعليقته عن بعض الأعاظم من معاصريه.
أقول يحتمل ان يكون مراده ان الجزئي الخارجي لم يترتب عليه حكم في الشرع
بل انما يسرى الحكم إليه عقلا للانطباق فترتب الحكم على الجزئي الخارجي عقلي لا شرعي ويحتمل ان يكون مراده ان الأعيان الخارجية كالخمر ونحوها ليست بنفسها موضوعة للحكم التكليفي ضرورة ان موضوع التكليف انما هو فعل المكلف فالحرام شرب الخمر مثلا لا نفسها فكون المائع المخصوص خمر الا يترتب عليه شيء الا كون شربه شرب الخمر وهو موضوع للحرمة فاستصحاب خمرية شيء لإثبات ان شربه شرب الخمر من الأصول المثبتة (والجواب) ان كون المائع الخارجي خمرا موجب لصيرورته حراما بنفس الحرمة المجعولة المتعلقة لشرب الخمر لأن الحكم المتعلق بالعناوين الكلية عين الحكم
561

المتعلق بجزئياتها فالمائع الخارجي على تقدير كونه خمرا يكون شربه حراما لاتحاد شربه مع شرب الخمر وهو واضح هذا تمام الكلام في المقام
في مجهولي التاريخ
الأمر الثامن لا فرق في المستصحب بين ان يكون مشكوك الارتفاع في الزمان اللاحق رأسا وبين ان يكون مشكوك الارتفاع في جزء من الزمان اللاحق مع القطع بارتفاعه بعد ذلك الجزء وهو الذي يعبر عنه بأصالة تأخر الحادث والمقصود ان الحادث الذي نقطع بوجوده في زمان ونشك في مبدأ وجوده فمقتضى الاستصحاب عدم تحققه في الأزمنة التي يشك فيها فيرتب عليه آثار عدمه في تلك الأزمنة وان لم يترتب عليه آثار حدوثه فيما بعد تلك الأزمنة لأن حدوثه فيه لازم عقلي للعدم في تلك الأزمنة ومطلق وجوده المعلوم بالفرض الا ان يقال ان الحدوث في زمان خاص ليس عنوانا بسيطا متحققا من أصل وجوده فيه وعدمه فيما قبل بل هو عبارة ولو عند العرف من الوجود في ذلك الزمان مقيدا بعدمه في الأزمنة السابقة فيصير كسائر الموضوعات المقيدة التي
يمكن إحراز قيدها بواسطة الأصل وكيف كان فلا إشكال في إثبات الآثار الشرعية المترتبة على عدم الحادث المفروض في الأزمنة المشكوك فيها ان كان لعدم ذلك أثر شرعي هذا حال الحادث المعلوم وجوده في زمن وشك في مبدأ وجوده بالنسبة إلى نفسه واما حاله بالنسبة إلى حادث آخر كما إذا علم بحدوث حادثين وشك في تقدم أحدهما على الاخر فاما ان يجهل تاريخهما أو يعلم تاريخ أحدهما واما لو علم تاريخ حدوث كل منهما فلا يبقى للشك فيه مجال فهو خارج عن محل الكلام اما في صورة الجهل بتاريخ كليهما فأصالة عدم كل منهما في الأزمنة المشكوكة التي فيها زمان حدوث الاخر وان كانت جارية في حد ذاتها الا انها معارضة
562

بالمثل ان كان لعدم كل منهما في زمن حدوث الاخر أثر شرعي وان كان الأثر لعدم أحدهما بالخصوص فيجري فيه بلا معارض واما إذا كان تاريخ أحدهما معلوما والاخر مشكوكا فيجري الأصل في مجهول التاريخ ويحكم بعدمه في الأزمنة المشكوكة التي فيها زمن وجود معلوم التاريخ ان كان لذلك العدم في زمنه أثر شرعي ولا يجري الأصل في طرف معلوم التاريخ للعلم بعدمه قبل ذلك الزمان المعين الذي قطع بوجوده والعلم بانقطاع ذلك العدم في ذلك الزمان فليس له زمان شك في بقاء عدمه نعم وجوده الخاص أعني وجوده المقارن لوجود ذاك مشكوك فيه فيمكن استصحاب عدمه بنحو ليس التامة لأنه مسبوق بالعدم الأزلي فيترتب عليه الأثر ان كان له أثر بهذا النحو من الوجود واما ان كان الأثر لعدمه في مورد الوجود المفروض للآخر بنحو ليس الناقصة فليس له حالة سابقة لأن أصل وجوده معلوم في زمان معلوم واما كون هذا الوجود في زمان وجود الاخر فلا يعلم نفيا وإثباتا مثاله لو علم بحدوث ملاقاة النجس الماء المعين في الخميس وعلم بصيرورته كرا لكن لا يعلم تاريخ كريته فيحتمل كونه كرا في يوم
الخميس ويحتمل صيرورته كرا في يوم الجمعة فاستصحاب عدم الكرية في زمن الشك أعني يوم الخميس الذي هو زمان حدوث الملاقاة لا إشكال فيه فيكون في يوم الخميس ملاقاة النجاسة للماء الذي لم يكن كرا محررة اما ملاقاته فبالوجدان واما عدم كريته في زمن الملاقاة أعني يوم الخميس فبالأصل فيعامل مع هذا الماء معاملة الماء الذي لاقى نجسا ولم يكن كرا في زمن
الملاقاة واما استصحاب عدم الملاقاة فان أريد استصحابه من دون إضافة إلى الاخر فهو باطل قطعا إذ ليس لها زمان شك في وجودها وعدمها لأن المفروض ان مبدأ وجودها وانقطاع عدمها معلوم وان أريد استصحابه مع الإضافة إلى الاخر بان يلاحظ الملاقاة المتحققة في زمن الكرية ويستصحب عدمها لأن الوجود الخاص غير معلوم وان كان مطلق الوجود معلوما فهو مبنى
563

على كون الأثر مرتبا على الوجود الخاص على نحو كان التامة واما إذا كان الأثر مرتبا عليه على نحو الوجود الربطي بمعنى ان الملاقاة لها أثر شرعي إذا وقعت في زمن وقوع الكرية المفروض وجودها وكذا عدم الملاقاة فليس للملاقاة على هذا النحو ولا لعدمها حالة سابقة لعدم العلم بأنه في زمن الكرية وقع الملاقاة أو لم تقع بخلاف مجهول التاريخ مثل الكرية في المثال فإنه يمكن إثبات عدمها وان كان الأثر مرتبا على العدم المرتبط بالوجود الاخر على نحو ليس الناقصة لأن الكرية بهذا النحو وان لم تكن مسبوقة بالعدم بحيث يمكن ان يكون المستصحب هو عدم الكرية بهذا النحو الا ان استصحاب عدم الكرية مع قطع النظر عن إضافتها إلى الملاقاة يكفي في إثبات عدمها الربطي لأن مقتضاه عدمها في يوم الخميس الذي هو أحد الأزمنة المشكوكة وهو أيضا زمن الملاقاة بالفرض فيصح ان يقال انه في يوم الخميس وقع الملاقاة وهو غير كر وهذا واضح لا سترة عليه ولشيخنا الأستاذ دام بقاؤه في المقام ردا على شيخنا المرتضى قدس سره كلام لا بأس بذكره والنظر فيه قال دام بقاؤه
عند قول شيخنا المرتضى قده في مجهولي التاريخ ان أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الاخر معارضة بالمثل ما هذا لفظه لا يخفى انه لا مجال لأصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الاخر في نفسها مع قطع النظر عن المعارضة بها في الاخر للقطع بوجود كل منهما في زمان واما انه كان في زمان الاخر وان كان مشكوكا الا انه غير مسبوق بالعدم فإنه حدث اما فيه أو في غيره من زمان سبقه أو لحقه وبالجملة ما ذكره في دفع جريان الأصل في طرف المعلوم ومعارضته في طرف المجهول به من قوله قده ويندفع إلخ جار هاهنا في الطرفين والتحقيق حسبما يساعد عليه التدقيق ان الغرض ان كان متعلقا بمجرد عدم أحدهما في زمان الاخر فالأصل في نفسه يجري في الطرفين مط ولو كان أحدهما معلوم التاريخ ضرورة ان وجودهما الخاص وهو الوجود في زمان الاخر
564

مشكوك الحدوث لاحتمال ان لا يوجدا به وان علم تحققهما بوجود ما فيكون مسبوقا بالعدم فيستصحب لمكان أركان الاستصحاب بلا ارتياب حتى فيما علم زمان حدوث أحدهما وكون وجود كل منهما معلوما لا ينافي الشك في تحققه بوجود خاص وهو الوجود في زمان الاخر المسبوق بنقيضه وهو سلب هذا الوجود الخاص ونفيه في الأزل فليتعبد به باستصحابه ما لم يعلم بانقلابه وان علم بانقلاب عدمه في الجملة إلى ان قال وان كان الغرض متعلقا بأنه لم يكن وجوده الثابت في زمان معلوم أو مجهول في زمان الاخر أو كان فلا مجال للأصل أصلا فان الوجود المحقق في كل واحد منهما المشكوك كونه في زمان الاخر غير مسبوق بعدم كونه فيه بل اما حدث مسبوقا أو ملحوقا أو فيه واما سبق وجود مجهول التاريخ في زمان معلومه بالعدم فهو أيضا بالنسبة إلى أصل تحققه لا بالنسبة إلى وجوده المعلوم فإنه اما كان في زمان معلوم التاريخ أو في زمان اخر فلم يكد يكون مسبوقا بعدم كونه في زمانه ثم شك في انه على ما كان فيستصحب العدم وانما يصح استصحاب عدم وجوده الخاص
وهو وجوده فيه كما مر وبالجملة لا حالة سابقة في البين لو شك في انه متى كان وجود أحد الحادثين اللذين كان كل منهما مجهول التاريخ أو كان أحدهما وتعلق الغرض بتعيين ذلك وانه كان في زمان الاخر أو في زمان اخر فلا استصحاب والحالة السابقة انما يكون لو شك في انه هل تحقق بوجود خاص وهو وجوده في زمان الاخر الذي هو مفاد كان التامة من دون نظر إلى وجوده المحقق وانه متى كان الذي هو مفاد كان الناقصة لما عرفت من احتمال عدم تحققه به وان تحقق بوجود اخر فلا مانع من استصحابها في أحدهما الا استصحابها في الاخر فيجري لو لا هذه المعارضة انتهى ما أردنا من نقل كلامه دام بقاؤه أقول المقصود في المقام كون الحادثين على نحو لو فرض عدم وجود كل منهما
565

في زمان الثبوت المفروض للآخر يترتب عليه أثر وعلى هذا لو فرضنا كليهما مجهول التاريخ يتعارض الأصل في كل منهما ولو فرض أحدهما معلوم التاريخ دون الاخر يجري الأصل في مجهول التاريخ أعني يستصحب عدمه إلى زمن وجود هذا المعلوم ففي كلا القسمين مجرى الاستصحاب محقق من جهة تحقق اليقين في السابق والشك في اللاحق الا انه في القسم الأول معارض بالمثل وفي الثاني لا معارضة (اما بيان ان) مجرى الأصل محقق في كلا القسمين مع ان الأثر مرتب على عدم كل منهما في زمان الثبوت الخارجي المفروض للآخر ولا حالة سابقة لعدم واحد منهما على هذا النحو لأن أصل الوجود للآخر معلوم واما كونه مقارنا مع عدم الاخر أو وجوده فليس مما له حالة سابقة (ان) المستصحب ليس العدم في زمان وجود الاخر بلحاظ هذا المجموع حتى يقال بعدم الحالة السابقة لهذا السالبة بل المستصحب نفس عدم ذلك الحادث فيحكم ببقائه إلى
زمان
566

الثبوت الخارجي لحادث اخر ففي زمان الثبوت الخارجي للآخر تحقق ما هو الموضوع للأثر الشرعي وهو وجود حادث في حال عدم الاخر الأول منهما وجدانا والاخر تعبدا مثلا لو فرضنا ترتب الأثر
على ملاقاة الجنس للماء في حال عدم كونه كرا فلو تيقن بتحقق الملاقاة وشك في الكرية مع العلم بعدمه في السابق فلا إشكال في إثبات عدم الكرية حال الملاقاة بالأصل وان لم يكن عدم الكرية بهذا العنوان أعني حال الملاقاة له حالة سابقة لأن المستصحب نفس عدم الكرية المعلوم سابقا فتتم باستصحاب بقاء ذلك العدم إلى زمان الملاقاة اجزاء الموضوع للحكم الشرعي بعضها بالوجدان وبعضها بالتعبد فظهر ان مجرى الاستصحاب محقق في كلا القسمين واما التفصيل الذي قلنا بان الأصلين يتعارضان في مجهولي التاريخ بخلاف ما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ فيجري الأصل في مجهوله فبيانه انه بعد فرض ان لكل من الحادثين أثرا في حال عدم الاخر ففي مجهول التاريخ يحتمل انتقاص عدم كل منهما قبل الاخر وبعده ففي حال وجود كل منهما يحتمل بقاء عدم صاحبه وعدم انتقاضه بالوجود فيتعارض الأصلان واما لو كان أحدهما معلوم التاريخ كما لو علم بحدوث الملاقاة في أول يوم الجمعة وشك في ان الكرية هل حدثت قبله أو بعده مثلا فاستصحاب عدم الكرية إلى أول يوم الجمعة الذي هو زمان ثبوت الملاقاة الخارجي لا مانع منه واما الاستصحاب في طرف الملاقاة المعلوم مبدأ حدوثها فلا يمكن لعدم زمان شك في بقاء عدمها لأنها قبل يوم الجمعة كانت معدومة قطعا وفي أول يوم الجمعة انتقض عدمها بالوجود قطعا فلم يبق في البين زمان يشك بقاء عدم الملاقاة حتى يستصحب نعم كون الملاقاة في زمن الكرية مشكوك الا انها على هذا النحو ليس لها حالة سابقة ان أريد إثباتها أو نفيها على نحو الربط وان لم يرد على النحو الربطي فيمكن استصحاب عدم هذا الوجود الخاص أعني الملاقاة في زمن الكرية الا ان هذا الاستصحاب محكوم لأن منشأ الشك في وجود هذا
567

الخاص هو ان أول يوم الجمعة الذي هو مبدأ وجود الملاقاة هل كان كرا أولا فلو كان الأصل جاريا في الخصوصية يتعين حال هذه الملاقاة بإحراز أصلها
وجدانا وقيدها تعبدا ولعمري ان ما قلنا واضح وان اشتبه على من لا يليق لمثله هذا لاشتباه وكأنه دام بقاؤه توهم من عبارة الشيخ قد في بيان تساقط الأصلين في مجهولي التاريخ (واما أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث والاخر فهي معارضة بالمثل) ان المقصود إجراء الأصل في عدم أحدهما في زمن الاخر ملاحظا كونه في زمن الاخر جزء للمستصحب لكنه من الواضح ان مراده قده ليس ذلك بل هو ما ذكرنا فتأمل في المقام تجد صدق ما ادعيناه هذا
هل يؤخذ بالعام أو باستصحاب حكم المخصص
الأمر التاسع ان الدليل الدال على الحكم لو دل عليه في الزمان الثاني إثباتا أو نفيا فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب لأن مورده عدم وجود الدليل الاجتهادي انما الكلام في انه لو كان لنا عام يدل على ثبوت الحكم لافراده ثم خرج منه فرد في زمان ففي ما بعد ذلك الزمان هل يرجع إلى استصحاب حكم المخصص أو إلى عموم العام مثلا لو قال أكرم العلماء ثم علمنا بالإجماع عدم وجوب إكرام زيد في يوم ففي ما بعد ذلك اليوم هل يرجع إلى استصحاب عدم وجوب الإكرام أو إلى عموم إكرام العلماء وملخص الكلام في المقام انه ان لاحظ المتكلم بالقضية قطعات الأزمنة افرادا كما لو قال أكرم العلماء في كل زمان فلا شبهة في انه إذا خرج فرد في زمان يحكم بدخوله في حكم العام فيما بعد ذلك الزمان سواء جعل تلك القطعات بحسب اعتبار الدليل قيدا للفعل المأمور به أم ظرفا للنسبة الحكمية فإنه على الفرض الأول يصير الإكرام بالنسبة إلى كل فرد من افراد العادم متعددا
568

بالنسبة إلى الأزمنة فإكرام زيد في يوم الجمعة فرد من افراد العام وفي يوم السبت فرد آخر وهكذا وعلى الثاني يصير نفس القضية متعددة
بتعدد افراد الزمان فكان المتكلم في كل زمان تكلم بهذه القضية ولا شبهة في ان خروج زيد يوم الجمعة لا يوجب سقوط القضية عن الحجية فيما بعده على التقديرين فإنه على الأول إكرام زيد في يوم الجمعة فرد من الإكرام وإكرامه في يوم السبت فرد آخر خرج من العموم فرد فيتمسك في الباقي بأصالة العموم وعلى الثاني القضية في حكم القضايا المتعددة فكأنه صدرت من المتكلم قضية في يوم الجمعة فخرج منها زيد وأيضا صدرت منه تلك القضية في يوم السبت ولم يعلم بخروجه من تلك القضية الثانية والحاصل ان المقام مقام الأخذ بالعموم دون الاستصحاب بل قال شيخنا المرتضى قده انه في هذا المورد لم يجز التمسك بالاستصحاب وان لم يتمسك بعموم العام أيضا لكن فيما أفاده نظر لأن المانع من الأخذ بالاستصحاب مع قطع النظر عن العموم ليس الا عدم اتحاد الموضوع والموضوع في الاستصحاب بعد عدم أخذه من العقل كما سيجيء اما مأخوذ من الدليل واما من العرف فان اعتبرنا الأول فالمعيار هو الموضوع المأخوذ في الحكم المستصحب وربما يكون الزمان قيدا بحسب الدليل الدال على العموم وظرفا للحكم بحسب الدليل الدال على المخصص وان اعتبرنا الثاني فالامر أوضح فإنه قد يكون الزمان بالنسبة إلى دليل الحكم المستصحب أيضا قيدا لكن العرف يراه ظرفا للحكم مع ما عرفت من عدم ملازمة ملاحظة الأزمنة افرادا مع كونها قيدا للمأمور به لما مضى من وجه آخر أيضا هذا على تقدير ملاحظة الأزمنة افرادا
569

واما على تقدير عدم ملاحظة ذلك فظاهر ان الحكم في القضية المفروضة يتعلق بكل فرد ويستمر ذلك دائما حيث انه لم يحدده بحد خاص ولم يقيده بزمان خاص بالفرض فإذا خرج الفرد من تحت العام في زمان لم يكن العام دليلا على دخوله في الزمان الآتي لأن دلالة العام على
الحكم المتعلق بالفرد فرع دلالته على نفس الفرد فإذا خرج الفرد من تحته يوم الجمعة فانى لنا بالعموم الذي يشمل ذلك الفرد يوم السبت حتى يشمله الحكم ويحكم باستمرار ذلك الحكم أيضا من أول يوم السبت والحاصل له على الفرض الأول كان الفرد الخارج يوم الجمعة فردا والفرد الذي يتمسك بالعموم له في السبت فردا آخر أو كان لنا في اليوم الجمعة قضية عامة خرج منها فرد وفي يوم السبت أيضا قضية عامة كذلك نشك في خروج الفرد منها ولا إشكال في كلا الاعتبارين في التمسك بالعموم في المشكوك لأن الفرد المفروض على تقدير عدم دخوله تحت العام يستلزم تخصيصا آخر زائدا على تخصيص المعلوم وهذا واضح بخلاف الفرض الثاني فان الفرد المفروض خروجه يوم الجمعة لو كان خارجا دائما لم يستلزم الا مخالفة ظاهر واحد وهو ظهور وجوب إكرامه دائما (فان قلت) كيف يتمسك بالإطلاقات بعد العلم بالتقيد ويقتصر في عدم التمسك بها على المقدار الذي علم بخروجه والحال ان مفادها واحد وبعد العلم بالتقييد يعلم انه ليس بمراد مثلا لو فرضنا ورود الدليل على وجوب عتق الرقبة وعلمنا بالدليل المنفصل ان الرقبة الكافرة عنقها غير واجب فيلزم ان لا يكون الموضوع في الدليل الأول المفهوم من اللفظ المذكور فيه وبعد ما لم يكن هذا المعنى مرادا منه لا يتفاوت في كونه خلاف الظاهر بين ان يكون المراد منه الرقبة المؤمنة أو مع كونها عادلة وليست مخالفة الظاهر على تقدير إرادة المفهوم الثاني من اللفظ أكثر حتى يحمل اللفظ بواسطة لزوم حفظ مراتب الظهور بقدر الإمكان على الأول إذ ليس في البين الا تقييد واحد كثرت
570

دائرته أو قلت والمفروض انا نرى ان ديدن العلماء على التمسك بالإطلاق في المثال المذكور والحكم ببقاء الرقبة المؤمنة سواء كانت عادلة أم فاسقة تحت الإطلاق (قلت) الفرق بين المطلق وما نحن فيه ان المطلق يشمل ما تحته من الجزئيات في عرض
واحد والحكم انما تعلق به بلحاظ الخارج فظهور القضية استقر في الحكم على كل ما يدخل تحت المطلق بدلا أو على سبيل الاستغراق على اختلاف المقامات فإذا خرج بالتقييد المنفصل شيء بقي الباقي بنفس ذلك الظهور الذي استقر فيه أولا وهذا بخلاف ما نحن فيه فان الزمان في حد ذاته امر واحد مستمر ليس جامعا لافراد كثيرة متباينة الا ان يقطع بالملاحظة وجعل كل من قطعاته ملحوظا في القضية كما في قولنا أكرم العلماء في كل زمان واما إذا لم يلاحظ على هذا النحو كما في قولنا أكرم العلماء ومقتضى الإطلاق ان هذا الحكم غير مقيد بزمان خاص فلازمه الاستمرار من أول وجود الفرد إلى آخره فإذا انقطع الاستمرار بخروج فرد في يوم الجمعة مثلا فليس لهذا العام المفروض دلالة على دخول ذلك الفرد يوم السبت إذ لو كان داخلا لم يكن هذا الحكم استمرارا للحكم السابق كما هو واضح
571

هذا كله فيما إذا خرج فرد من العام في الأثناء واما إذا علم بخروجه من أول الأمر إلى زمان معين فمقتضى القاعدة الحكم بشمول العام له بعد ذلك الزمان لأن أصالة عموم الافراد تقتضي دخول الفرد المفروض في حكم العام في الجملة وبعد العلم بعدم دخوله من أول الوجود إلى زمن معين يجب تقييده بما بعد ذلك الزمان بخلاف ما إذا خرج في الأثناء فان العموم الأفرادي قد عمل به هذا غاية ما يمكن ان يقال أو قيل في الفرق بين المنقطع الوسط والابتداء وعندي فيه نظر لأن أصالة العموم بالنسبة إلى الافراد لا تقتضي الا دخول الفرد في الجملة واما استمرار الحكم المتعلق به فإنما هو من جهة إطلاق الزمان والمفروض كونه معنى واحدا وهو استمرار الحكم من أول وجود الفرد إلى آخره ولا فرق في ارتفاع هذا المعنى بين ان يخرج الفرد في الأثناء أو من أول الوجود فإنه في كلا الحالين الحكم في القضية ما استمر بالنسبة إلى هذا الفرد من أول وجوده إلى آخره وتقييد الفرد بغير الزمان المقطوع خروجه
572

مبنى على ظهور الدليل في كل واحد من الأزمنة حتى يقتصر في الخارج على القدر المتيقن وهذا
خلاف المفروض على انه لو صح هذا التقيد فيما خرج في الابتداء لصح فيما إذا خرج في الأثناء أيضا بان يقال بعد العلم بخروج زيد مثلا يوم الجمعة عن عموم أكرم العلماء ان الواجب هو الإكرام في غير يوم الجمعة فيوم السبت فرد من هذا العنوان المقيد كما ان اليوم السابق على يوم الجمعة أيضا فرد له.
والحاصل ان الأمر دائر بين تخصيص العام بالنسبة إلى الفرد أو التصرف في ظهور الإطلاق الذي يقتضى استمرار الحكم ولو فرضنا ان الثاني متعين من جهة انه ظهور إطلاقي يرفع اليد عنه في مقابل الظهور الوضعي فلا يجوز ان يقيد موضوع الحكم بما بعد ذلك الزمان الخارج ويقال بثبوت الحكم لذلك الموضوع دائما لأن ذلك فرع انعقاد ظهورات بالنسبة إلى الأزمان حتى تحفظ فيما لم يعلم بالخروج والمفروض خلافه بل اللازم على فرض القول بدخول الفرد في الجملة القول بعدم دلالة القضية على زمان الحكم فافهم.
في أخذ الموضوع في الاستصحاب
الأمر العاشر يشترط في استصحاب كل شيء بقاء موضوعه على نحو ما كان في القضية المتيقنة فان كان الموضوع فيها الشيء المفروض وجوده فاللازم ان تكون القضية المشكوكة هي ثبوت العرض لذلك الشيء المفروض وجوده وان كان الموضوع ذات الشيء أعني الطبيعة المقررة كما إذا تيقن بوجود زيد فاللازم ان يكون في القضية المشكوكة أيضا كذلك مثلا لو تيقن بقيام زيد
في السابق ثم شك في ذلك فتارة يشك في القيام مع اليقين بوجود زيد في الخارج وأخرى مع الشك والثاني على قسمين لأن الشك تارة يستند إلى الشك في وجود زيد وأخرى لا يستند إليه بل يشك في كل من وجوده وقيامه مستقلا هذه أقسام
573

الشك المتصورة في قيام زيد ثانيا والقضية الموضوعة للحكم الشرعي في نحو قيام زيد يمكن تصورها على قسمين أحدهما ان يكون الموضوع ثبوت هذا
المفهوم كما إذا قال إذا تحقق قيام زيد في الخارج فافعل كذا وثانيهما ان يكون الموضوع ثبوت القيام لزيد على فرض وجوده في الخارج كما هو مفاد قولك ان كان زيد قائما فافعل كذا إذا عرفت هذا فنقول ان كان موضوع الحكم الشرعي القيام على النحو الأول فلا إشكال في جريان الاستصحاب إذا شك في ذلك في الآن الثاني سواء كان الشك في القيام وحده أو فيه مع المحل وسواء كان الشك في القيام ناشئا عن الشك في وجود المحل أم لا لأن جميع تلك الصور شك في قيام زيد والمفروض ان موضوع الحكم تحققه في الخارج فيحكم بالاستصحاب بتحققه وان كان موضوع الحكم الشرعي ثبوت القيام لزيد على النحو الثاني فلو شك في القيام مع اليقين بوجود زيد فاستصحاب القيام لا إشكال فيه لوحدة موضوع القضية المتيقنة والمشكوكة وهو زيد مع الفراغ عن وجوده واما لو شك في قيام زيد مع الشك في وجوده سواء كان الشك في قيامه مستندا إلى الشك في وجوده أم لا فلا يمكن استصحاب القيام لعدم إحراز موضوعه نعم لو كان الأثر مرتبا على وجوده وقيامه على تقدير الوجود يمكن إجراء استصحابين لإحراز جزئي الموضوع فيما كان كل منهما مشكوكا مستقلا ولا يكفي استصحاب وجود المحل فيما إذا كان الشك في
574

القيام مسببا عن الشك فيه فان إحراز المسبب بواسطة إجراء الأصل في طرف السبب يكون فيما كان المسبب من الآثار الشرعية دون مثل القيام وأمثاله هذا حاصل مرادنا من بقاء الموضوع في الاستصحاب ويظهر من كلام شيخنا الأستاذ دام بقاؤه جواز استصحاب قيام زيد وان كان الشك فيه مسببا عن الشك في وجود زيد مط على أي نحو فرض موضوع الحكم الشرعي وأنت خبير بان الموضوع لو كان القيام لزيد بعد ملاحظة الوجود لم يكن في
المثال مشكوكا حتى يستصحب والذي هو مشكوك لم يكن له أثر شرعي كما هو المفروض وكيف كان دليلنا على اعتبار بقاء الموضوع على النحو الذي قلنا ان الملاك في شمول أدلة الاستصحاب الشك في بقاء ما كان متحققا سابقا بشرط ان يكون هذا المشكوك على تقدير بقائه اما حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي فلو كان المشكوك قيام عمرو والمتيقن سابقا قيام زيد فليس هذا الشك شكا في البقاء ولو كان المشكوك قيام زيد وكان الشك مستندا إلى الشك في وجود زيد فان كان موضوع الحكم الشرعي تحقق هذا المفهوم أعني قيام زيد يصدق انه شك في بقاء ما هو موضوع لحكم الشارع وان كان في هذه الصورة موضوع الحكم الشرعي ثبوت القيام لزيد بعد تحققه فهذا المعنى ليس مشكوكا فيه للعلم بقيامه بعد تحققه والمعنى المشكوك فيه أعني قيام زيد
575

ليس بموضوع للحكم الشرعي وأنت إذا أمعنت النظر فيما ذكرنا تعرف بان المدعى لا يحتاج في إثباته إلى مزيد برهان وان تكلف به شيخنا المرتضى قده قال في هذا المقام الدليل على اعتبار هذا الشرط في جريان الاستصحاب واضح لأنه لو لم يعلم تحققه لاحقا فإذا أريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوم به فاما ان يبقى في غير محل موضوع وهو محال واما ان يبقى في موضوع غير الموضوع السابق ومن المعلوم ان هذا ليس إبقاء لنفس ذلك العارض وانما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد فيخرج عن الاستصحاب بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقا بالعدم فهو المستصحب دون وجوده وبعبارة أخرى بقاء المستصحب لا في موضوع محال وكذا في موضوع آخر اما لاستحالة انتقال العرض واما لأن المتيقن سابقا وجوده في الموضوع السابق والحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ليس نقضا للمتيقن السابق انتهى كلامه قده واعترض
عليه شيخنا الأستاذ دام بقاؤه بان المحال انما هو الانتقال والكون في الخارج بلا موضوع بحسب وجود العرض حقيقة لا بحسب وجوده تعبدا كما هو قضية الاستصحاب ولا حقيقة لوجوده كذلك الا ترتيب آثاره الشرعية وأحكامه العملية ومن المعلوم ان مئونة هذا الوجود خفيفة مع انه أخص من المدعى فان المستصحب ليس دائما من مقولات الاعراض بل ربما يكون هو الوجود وليس هو من إحدى المقولات العشر فلا جوهر بالذات ولا عرض وان كان بالعرض (ان قلت) نعم لكنه مما يعرض على الماهية كالعرض (قلت) نعم الا ان تشخصه ليس بمعروضه فيستحيل بقائه مع تبدله بل تكون القضية بالعكس ويكون تشخص معروضه به كما حقق في محله بحيث
576

لا ينثلم وحدته وتشخصه بتعدد الموجود وتبدله من نوع إلى نوع آخر فينتزع من وجود واحد شخصي ماهيات مختلفة حسب اختلافه نقصا وكمالا وضعفا وشدة فيصح استصحاب هذا الوجود عند الشك في بقائه وارتفاعه ولو مع القطع بتبدل ما انتزع عنه سابقا من الماهية إلى غير ما ينتزع عنه الآن لو كان هذا انتهى كلامه دام بقاؤه أقول ظاهر كلام الشيخ وان كان يوهم ما يرد عليه الاعتراض الا انه يمكن توجيه كلامه على نحو يسلم من المناقشة وتوضيح ذلك يحتاج إلى بيان مقدمة وهي ان القضايا الصادرة من المتكلم سواء كانت من سنخ إنشاء الأحكام أم من الاخبار مشتملة على نسب ربطية متقومة بالموضوعات الخاصة مثلا قولنا أكرم زيدا مشتمل على إرادة إيقاعية مرتبطة بإكرام زيد وكذا قولنا زيد قائم مشتمل على نسبة تصديقية حاكية متقومة بهذا المحل الخاص والموضوع كذلك وحال هذه النسب في الذهن حال الاعراض في الخارج في الاحتياج إلى الغير في التحقق وكذا في عدم إمكان انتقالها من محل إلى آخر وهذا واضح إذا عرفت ما بينا لك
فنقول لو فرضنا ان المتيقن في السابق هو وجوب الصلاة فالجاعل للحكم في الزمان الثاني اما ان يجعل الوجوب للصلاة وهو المطلوب هنا من لزوم اتحاد الموضوع واما ان ينشأ هذه الإرادة الحتمية الربطية من دون موضوع وهو محل ضرورة تقومها في النفس بموضوع خاص واما ان ينشأ لغير الصلاة و ح اما ان ينشأ تلك الإرادة المتقومة بموضوع الصلاة لغيرها واما ان ينشأ إرادة مستقلة والأول محال أيضا لاستحالة انتقال العرض وقد عرفت ان حالها في النفس حال الاعراض في الخارج والثاني ممكن لكنه ليس بإبقاء لما سبق
577

هذا في الشبهة الحكمية واما تقريب هذا الكلام في الشبهة الموضوعية فلنفرض ان المتيقن في السابق خمرية هذا المائع الخاص ففي الثاني لو أوقع تلك النسبة التصديقية المرتبطة بالخمرية وهذا المائع تعبدا فان كان طرف النسبة المذكورة هذا المائع فقد ثبت المط والا فان لم يكن لها طرف يلزم تحقق العرض أعني هذه النسبة الربطية في النفس من دون محل وهو محال وان كان لها طرف فان أوقع تلك النسبة المتقومة بطرف خاص لمحل آخر فهو محال أيضا للزوم انتقال العرض وان أوقعها لمحل آخر فهو ممكن ولكنه ليس بإبقاء للحالة السابقة كما هو واضح وعلى هذا ينبغي ان يحمل كلام شيخنا المرتضى قده ومن ما ذكرنا تعرف عدم الفرق بين كون المستصحب عرضا خارجيا أو وجودا واما ما أفاده دام بقاؤه في ذيل كلامه من عدم انثلام وحدة الوجود مع انتزاع ماهيات مختلفة بحسب المراتب ضعفا وشدة لعدم تشخصه بها بل الأمر بالعكس فيصح استصحاب هذا الوجود إذا شك في بقائه وارتفاعه مع القطع بتبدل ما انتزع عنه سابقا إلى غيره (ففيه) ان الوجود وان لم بتشخص بالماهية ولكنه يتشخص بحدوده الخاصة لأن وجود زيد ووجود عمرو وجودان متعددان قطعا و ح لو انتزع عنوان السواد الضعيف
من حد خاص من وجود السواد وعنوان السواد الشديد من حده الاخر يكشف ذلك عن اختلاف الوجودين اللذين انتزع العنوانان المختلفان منهما إذ لا يعقل اختلاف العنوان المنتزع من دون الاختلاف في منشأ الانتزاع (فان قلت) كيف ينتزع من وجود زيد مثلا ضارب تارة وغير ضارب أخرى وجالس تارة وقائم أخرى مع بقائه على الوحدة (قلت) العناوين المذكورة لا تنتزع عن مرتبة الذات بل هي منتزعة من امر خارج عنها وثبوت ذلك الأمر الخارج عن الذات يختلف قد يكون الذات
578

متصفة بعرض وقد تكون متصفة بضده بخلاف مثل السواد الضعيف والشديد فإنهما منتزعان من حد خاص من الوجود من دون دخل امر خارجي فحينئذ لو لم يتعدد الوجود الذي هو منشأ
لانتزاع كل من المفهومين فكيف يختلف المعنى المنتزع ومن هنا ظهر ان استصحاب بقاء السواد فيما قطع بتبدله على تقدير البقاء مبنى على أحد أمرين اما جواز استصحاب الكلي الذي يكون من القسم الثالث واما القول بوحدة هذين الوجودين بنظر العرف وان كانا متعددين في نظر العقل فاحفظ ذلك ثم بعد ما علمت من لزوم اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة هل الحاكم بالاتحاد هو العقل والدليل أو العرف والفرق بين الأول والأخيرين غير محتاج إلى البيان والفرق بين الثاني والثالث انه بناء على الثاني ينظر فيما جعل موضوعا للقضية عند العرف فان أخذ فيها الشيء المقيد فبارتفاع القيد يختلف ذلك الشيء ويصير موضوعا اخر وان أخذ فيها ذات الشيء وجعل حصوله شرطا للحكم فالموضوع هو تلك الذات ولا يختلف بارتفاع ذلك الأمر الذي جعل شرطا فيها للحكم مثلا فالموضوع في قضية الماء المتغيرة نجس هو الماء المتغير دون قضية الماء نجس إذا تغير فان الموضوع بفهم العرف هو الماء والتغير علة لثبوت النجاسة للماء وإذا زال التغيير وشك في ارتفاع النجاسة أو بقائها من جهة الشك في ان حدوثه علة للنجاسة حدوثا وبقاء أو ان الحكم دائر مداره فلا مانع لاستصحابه واما بناء على الأخير
يلاحظ المناسبة بين الحكم الوارد من الشارع وموضوعه فربما يكون الموضوع في القضية اللفظية هو المقيد كالماء المتغير لكن العرف بواسطة المناسبة بين الحكم والموضوع يرى ان موضوع النجاسة هو الماء وان التغيير خارج منه وعلة لثبوت الحكم وربما يكون الأمر بالعكس وكيف كان فالحق هو الأخير لأن الأحكام المتعلقة بالعناوين تتعلق بها بلحاظ مصاديقها العرفية لأن الشارع انما يتكلم بلسان العرف وهو حين
579

التكلم كأحد من العرف فإذا قال أحد من أهل العرف لآخر لا تنقض اليقين بالشك يحمل كلامه على ما هو نقض عند أهل العرف وكذلك حال الشارع في التكلم مع أهل العرف و ح بعد كون الموضوع في قضية الماء المتغير نجس هو الماء فلو زال التغير يحكم العرف بان هذا الماء ان كان نجسا فقد بقيت نجاسته السابقة والا فقد ارتفعت فمعاملة النجاسة مع هذا الماء إبقاء للحالة السابقة عملا وعدمها نقض لها كذلك ومن هنا ظهر ان توهم عدم جواز كون العرف مرجعا عند العلم بخطائه ناش عن الغفلة إذ بناء على ما قلنا ليس موضوع الحكم واقعا وبالدقة العقلية الا ما هي مصداق للعناوين بنظر العرف وهذا واضح جدا ثم بعد ما علمت ان موضوع الحكم مأخوذ من العرف فاعلم انه قد يرد الحكم في الدليل على عنوان ولكن العرف يحكم بان الموضوع أعم مما يصدق عليه ذلك العنوان بحيث لو زال العنوان عنه وأطلق عليه عنوان أخرى يحكم بان هذا الباقي هو الذي كان موضوعا للحكم وقد يحكم بان زوال العنوان موجب لزوال الموضوع الأول وحدوث موضوع اخر والأول على قسمين أحدهما انه لا يحتاج في حكمه ببقاء الحكم الأول إلى وجود دليل اخر مثل الاستصحاب بل يحكم بالبقاء بمقتضى نفس الدليل الأول والثاني انه يحتاج في ذلك إلى دليل اخر ووجه الاحتياج
مع فرض انه ليس موضوعا اخر وان الموضوع هو الموجود في الحالين احتمال ان يكون الحكم في القضية دائرا مدار وجود اسم العنوان بحيث يكون هو الواسطة في ثبوت حكمها لموضوعها حدوثا وبقاء فلا ينافي بقاء الموضوع عدم الحكم وغالب الأحكام المستفادة من القضايا من قبيل الثاني أعني لو زال العنوان الذي كان الموضوع متصفا به لم يكن الدليل الأول كافيا في إثبات الحكم ولعل ما يشتهر في ألسنتهم من ان الأحكام تدور مدار الأسماء محمول على الغالب لمقام الإثبات بمعنى ان الأدلة المثبتة لحكم لمسمى باسم يجوز التمسك بها لإثبات ذلك الحكم ما دام الاسم باق وبعد
580

زواله لا يجوز التمسك بها (فائدة) تناسب المقام حكى عن بعض المتأخرين انه فرق بين استحالة نجس العين والمتنجس فحكم بطهارة الأول لزوال الموضوع دون الثاني لأن موضوع النجاسة فيه ليس عنوان المستحيل أعني الخبث مثلا وانما هو الجسم ولم يزل بالاستحالة قال شيخنا المرتضى قد بعده نقل هذا الكلام وهو حسن في بادئ النظر الا ان دقيق النظر يقتضى خلافه إذ لم يعلم ان النجاسة في المتنجسات محموله على الصورة الجنسية وهي الجسم وان اشتهر في الفتاوى ومعاقد الإجماعات ان كل جسم لاقى نجسا مع رطوبة أحدهما فهو نجس الا انه لا يخفى على المتأمل ان التعبير بالجسم لإلقاء عموم الحكم لجميع الأجسام الملاقية من حيث سببية الملاقاة للتنجس لا لبيان إناطة الحكم بالجسمية وبتقرير آخر الحكم ثابت لأشخاص الجسم فلا ينافي ثبوته لكل واحد منها من حيث نوعه أو صنفه المتقوم به عند الملاقاة فقولهم كل جسم لاقى نجسا فهو نجس لبيان حدوث النجاسة في الجسم بسبب الملاقاة من غير تعرض للمحل الذي يتقوم به كما إذا قال القائل ان كل جسم له خاصية وتأثير مع كون الخواص والتأثيرات من
الأنواع وان أبيت الا عن ظهور معقد الإجماع في تقوم النجاسة بالجسم فتقول لا شك ان مستند هذا العموم هي الأدلة الخاصة الواردة في الأشخاص الخاصة مثل الثوب والبدن والماء وغير ذلك فاستنباط القضية الكلية المذكورة منها ليس الا من حيث عنوان حدوث النجاسة لا ما يتقوم به والا فاللازم إناطة النجاسة في كل مورد بالعنوان المذكور في دليله ودعوى ان ثبوت الحكم لكل عنوان جائز من حيث كونه جسما ليست أولى من دعوى كون التعبير بالجسم في القضية العامة من حيث عموم ما يحدث فيه النجاسة بالملاقاة لا من حيث تقوم النجاسة بالجسم انتهى
581

كلامه رفع في الخلد مقامه أقول الظاهر من الأدلة في الموارد الخاصة ان الخصوصيات النوعية والصنفية لا دخل لها في التنجس بالملاقاة كيف ولو لم يكن كذلك لما صح الحكم بنجاسة ما لاقى نجسا ولم يذكر في الأدلة لاحتمال اختصاص الحكم بالمذكورات في الأدلة فاستكشاف قضية عامة وهي قولهم كل جسم لاقى نجسا فهو نجس مبنى على العلم بإلقاء الخصوصيات في الموارد الخصوصية فالأولى في الجواب ان يقال انه ان أراد القائل ببقاء النجاسة في المتنجسات بعد الاستحالة الحكم ببقائها من دون حاجة إلى التمسك بالاستصحاب فهو باطل لأن الدليل الدال على نجاسة شيء بالملاقاة لا يدل على عدم تطهره بعد ذلك فإذا احتملنا ان عروض صورة أخرى على ذلك الشيء أوجب تطهره فلا يرفع هذه الاحتمال بالدليل الأول الدال على حدوث النجاسة فيه بالملاقاة وان أراد الحكم ببقاء النجاسة فيها بضميمة الاستصحاب فهو تابع لبقاء الموضوع عند العرف أعني موضوع المستصحب ولا ينافي كون موضوع النجاسة هو الجسم عدم بقائه عند العرف لأن حكم الجسم لتشخصه في نوع خاص قبل الاستحالة سرى في ذلك النوع وبعد استحالته و
صيرورته عند العرف موضوعا اخر لا يصح الاستصحاب لأنه لو كان نجسا لم تكن تلك النجاسة بقاء النجاسة السابقة
582

ونظير ذلك لو فرضنا تعلق حكم بالحيوان من دون مدخلية لخصوصية فإنه يسرى إلى جميع أنواعه وكل نوع منه يتعلق به حكم مستقل غير الحكم الذي تعلق بنوع اخر وان كان أصل الحكم من حيث تعلقه بالحيوان واحد هذا
في الفرق بين قاعدة اليقين والاستصحاب
الحادي عشر المعتبر في الاستصحاب ان يكون شاكا في البقاء بعد الفراغ عن أصل وجوده حين الشك في بقائه فلو شك في أصل وجوده وهو الذي يعبرون عنه بالشك الساري لا يكون موردا للاستصحاب نعم لو ورد دليل على عدم الاعتناء بالشك في أصل الحدوث أخذنا به ويصير هذه قاعدة أخرى وقد تخيل إمكان شمول الأدلة المذكورة في باب الاستصحاب للقاعدتين وتقريب ذلك على نحو أتم هو ان يقال انه في قولهم صلوات الله عليهم من كان على يقين فشك جعل الزمان السابق ظرفا لليقين والزمان اللاحق ظرفا للشك واما المتيقن والمشكوك فلوحظا مجردين عن اعتبار الزمان لا على نحو القيدية ولا على نحو الظرفية فحينئذ المراد باليقين بالشيء هو اليقين بذات الشيء مهملة عن اعتبار الزمان والمراد بالشك أيضا كذلك ولا شك ان الشك في ذات الشيء يصدق على الشك في أصل وجوده وعلى الشك في بقائه لأن بقاء الشيء ليس أمرا اخر وراء ذلك الشيء فإذا اشتمل كلا الشكين فوجوب المضي على اليقين يوجب إلغاء كليهما وإلغاء كل شك بحسبه فالشك في أصل الوجود إلغائه بان يحكم بأصل الوجود والشك في البقاء إلغائه بان يحكم بالبقاء هذا غاية تقريب كلام المتخيل
أقول والذي يخطر بالبال في دفع هذا المقال ان يقال ان المتيقن بعدالة زيد في يوم الجمعة مثلا يصح ان يقال في حقه انه متيقن بالعدالة مقيدة بكونها يوم الجمعة وان يقال انه متيقن بالعدالة بملاحظة اعتبار ذلك الزمان ظرفا
583

لها وان يقال انه متيقن بعدالة زيد مع إهمال الزمان قيدا وظرفا فان المتيقن بالمقيد متيقن بالمهملة إذا عرفت هذا فنقول المتكلم بقضية إذا تيقنت بشيء ثم شككت فيه إلخ اما لاحظ الشيء لمتيقن مقيدا بالزمان واما لاحظ الزمان ظرفا للمتيقن واما أهمل ملاحظة الزمان رأسا ولا تخلو القضية عن تلك الحالات الثلاث اما على الأول فلا بد ان يكون المراد من قوله شككت فيه الشك في نفس ذلك الشيء مقيدا بالزمان السابق ولا يكون هذا الا الشك الساري وكذا على الثالث لأن المراد من قوله شككت فيه على هذا الشك في تحقق ذات ذلك الشيء مهملة عن الزمان ولا يصدق هذا الشك الا على الشك في وجوده من رأس إذ على تقدير اليقين بوجوده في زمان لا يصدق انه مشكوك تحققه مجردا عن الزمان فان الشيء إذا كان له أنحاء من الوجود لا يصدق انه مشكوك الوجود الا إذا شك في تمام أنحاء وجوده اما على الثاني فيمكن تطبيقه على الاستصحاب بان يلاحظه الشيء الواحد باعتبار الزمان السابق متيقنا وباعتبار الزمان اللاحق مشكوكا فعلم ان تطبيق القضية على الاستصحاب يتوقف على ملاحظة الزمان السابق ظرفا للمتيقن واللاحق ظرفا للمشكوك وهذه الملاحظة لا يجتمع مع ملاحظة الزمان الأول قيدا كما في الصورة الأولى وعدم ملاحظة الزمان أصلا كما في الصورة الثالثة هذا واعلم ان تخيل عموم الاخبار لقاعدتين من جهتين (إحداهما) ما مضى الكلام فيه و (الثانية) ان المراد من قوله عليه السلام تيقنت بشيء الشيء المقيد بالزمان والمراد من قوله عليه السلام
ثم شككت فيه الشك في حدوث ذلك الشيء من أول الأمر الا ان المراد من قوله عليه السلام فليمض على يقينه أولا تنقض اليقين الا بيقين مثله هو البناء على ذلك الشيء حدوثا وبقاء وهذا التخيل نظير ما وقع عن بعض في قوله عليه السلام كل شيء طاهر حتى تعلم
584

انه قذر انه يشمل الاستصحاب وقاعدة طهارة الأشياء وقد وافق شيخنا الأستاذ دام بقاؤه هذا المتخيل وأصر في الاعتراض على من أنكر ذلك ونحن قد بينا هناك عدم إمكان الجمع بين القاعدتين في تلك القضية على نحو لا أظن ان يشتبه على أحد بعد المراجعة ومن أراد فليراجع وزاد دام بقاؤه في المقام بأنه لا يبعد ان يكون الأمر هاهنا أوضح فان الشك المتعلق بما كان اليقين متعلقا به على قسمين (أحدهما) ما يتعلق بعدالة زيد يوم الجمعة مثلا وكان اليقين متعلقا بها مع القطع بعدالته بعد اليوم أو فسقه (ثانيهما) ما يتعلق بعدالته فيه وفيما بعده فالنهي عن نقض اليقين بالشك يعم بإطلاقه النقض بكل من الشكين وقضية عدم نقضه بالثاني المعاملة مع مشكوكه معاملة المتيقن بترتيب آثار العدالة عليه وربما أيد ذلك بالاستدراك بقوله عليه السلام ولكن تنقضه بيقين اخر انتهى وفيه ان الشك في الحدوث والشك في البقاء شكان مستقلان ومعاملة اليقين مع أحدهما لا تلازم معاملة اليقين مع الاخر والاستدراك بقوله عليه السلام ولكن تنقضه بيقين اخر بعد تسليم ان القضية متعرضة للشك في الحدوث لا يدل الا على عدم رفع اليد عن اليقين بالحدوث الذي كان في الزمان الأول الا بيقين اخر بعدم الحدوث كذلك ولا يدل على الحكم بالبقاء كما لا يخفى هذا قال شيخنا المرتضى قدس سره في هذا المقام ثم لو سلمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية لأنه إذا شك فيما تيقن سابقا أعني عدالة زيد في يوم الجمعة فهذا الشك معارض لفردين
من اليقين أحدهما
585

اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة الثاني اليقين بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة فتدل بمقتضى القاعدة الثانية على عدم نقض اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة باحتمال انتفائها في ذلك الزمان وبمقتضى قاعدة الاستصحاب على عدم نقض اليقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها في الجمعة فكل من طرفي الشك معارض لفرد من اليقين (ودعوى) ان اليقين السابق على الجمعة قد انتقض باليقين في الجمعة والقاعدة الثانية تثبت وجوب اعتبار هذا اليقين الناقص لليقين السابق (مدفوعة) بان الشك الطاري في عدالة زيد يوم الجمعة وعدمها عين الشك في انتقاض ذلك اليقين السابق واحتمال انتقاضه وعدمه معارضان لليقين بالعدالة وعدمها فلا يجوز لنا الحكم بالانتقاض ولا بالعدم انتهى كلامه رفع مقامه أقول الظاهر من كلامه قدس سره ان هذه المعارضة دائمية وليس كذلك لإمكان عدم إحراز الحالة السابقة قبل يوم الجمعة نعم العدم الأزلي متيقن لكن انما يصح ان يكون مجرى للاستصحاب ان كان له أثر شرعي واما ان كان موضوع الأثر عدم العدالة للمحل المفروض وجوده فلا يلزم ان يكون ذلك العدم متيقنا دائما حتى يعارض الاستصحاب مع القاعدة كما لا يخفى واعترض شيخنا الأستاذ دام بقاؤه بان التعارض انما يلزم لو كان كل واحد من نقض اليقين بعدم العدالة قبل يوم الجمعة بشك ونقض اليقين بالعدالة
586

المقيدة ثبوتها بذلك في مثل المثال في عرض الاخر ولم يكن بينهما السببية والمسببية والا لا يعم العام الا ما هو السبب منهما كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى وليس كذلك فان كون نقض اليقين بعدم العدالة مع هذا الشك نقضا بالشك يتوقف على عدم شمول النهي لنقض اليقين بالعدالة المقيدة وهذا بخلاف نقض اليقين بالعدالة المقيدة مع هذا الشك فإنه نقض بالشك
على كل حال من غير توقف على عدم شمول النهي لنقص اليقين بعدم العدالة المطلقة بل ولو شمله غاية الأمر معه لا يمكن ان يشمله أيضا وكان نقض اليقين بهذا الشك جائزا فان النهي عن نقض اليقين بعدم العدالة بهذا الشك يلازم تجويز نقض اليقين بالعدالة المقيدة بالشك لا انه موجب لكونه نقضا بغير شك انتهى أقول لا يخفى ان في المثال لنا شكا واحدا وهو الشك في عدالة زيد يوم الجمعة ويقينين أحدهما اليقين بعدم عدالته قبل يوم الجمعة والثاني اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة ومقتضى الأخذ بالاستصحاب تنزيل الشك في العدالة يوم الجمعة بمنزلة العلم بعدمها ومقتضى إجراء حكم القاعدة تنزيل هذا الشك بمنزلة العلم بثبوتها فأين حكومة القاعدة على الاستصحاب ولعل نظره دام بقاؤه في هذا الكلام إلى ان اليقين المتحقق في يوم الجمعة صار ناقضا لليقين بعدم العدالة قبل يوم الجمعة ومقتضى عدم جواز نقض هذا اليقين بالشك الطاري ان يجعل ذلك الشك بمنزلة اليقين حتى في كونه ناقضا لليقين بعدم العدالة السابقة فيكون إجراء القاعدة دليلا على ان نقض اليقين بعدم العدالة بهذا الشك بمنزلة نقضه باليقين لأن هذا الشك بمنزل اليقين بالعدالة الذي كان ناقضا لليقين بعدمها وهذا بخلاف الاستصحاب فان اليقين فيه وهو اليقين بعدم العدالة سابقا لم يكن ناقضا لليقين الاخر حتى يترتب على الشك اللاحق هذا الأثر (وأنت خبير) بان ناقضية اليقين السابق ليست من اللوازم الشرعية حتى يترتب على الشك اللاحق المنزل منزلته وانما هي من آثاره العقلية سواء لوحظ طريقا أم صفة لأن العقل يحكم بان قيام الطريق حجة على خلاف الحالة 5
587

السابقة أو خصوص العلم كذلك يوجب رفع اليد عنها والشك اللاحق منزل منزلة العلم في الآثار المترتبة على العلوم لا في لوازم العلم بحكم العقل سواء في ذلك
الاستصحاب والقاعدة ومن المعلوم عدم حكومة أحدهما على الاخر في هذا المدلول كما هو واضح ثم بعد ما بينا عدم شمول الأدلة المذكورة في الباب للقاعدتين يتعين الاستصحاب لورود بعضها في الشك في البقاء وظهور اتحاد مفاد الباقي معه بقي الكلام في وجود مدرك اخر لقاعدة الشك الساري وعدمه وما يمكن ان يكون مدركا لها في الجملة الاخبار الدالة على عدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز عن الشيء فلا بد من ذكر الاخبار الواردة في المقام ثم التكلم فيها
في قاعدة التجاوز والفراغ
فنقول مستعينا بالله العزيز العلام ومتوسلا بأوليائه الكرام انه روى محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال صلى الله عليه وآله يمضى قلت رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر قال صلى الله عليه وآله يمضى قلت رجل
شك في التكبير وقد قرأ قال عليه السلام يمضى قلت شك في القراءة وقد ركع قال عليه السلام يمضى قلت شك في الركوع وقد سجد قال عليه السلام يمضى على صلاته ثم قال يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشككت فليس شكك بشيء وبإسناده عن سعد عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن مغيرة عن إسماعيل بن جابر قال قال أبو جعفر عليه السلام ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك
588

فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه الخبر) وعن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه الخبر وفي موثقة أخرى كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو والكلام فيها يقع في مقامات (أحدها) ان مضمون هذه الاخبار هل هو جعل قاعدة واحدة أو تكون
مختلفة قال شيخنا الأستاذ دام بقاؤه ان مقتضى التأمل في الروايات انها مفيدة لقاعدتين إحداهما القاعدة المضروبة للشك في وجود الشيء بعد التجاوز عن محله مطلقا أو في خصوص اجزاء الصلاة وما بحكمها من الأذان والإقامة وثانيهما القاعدة المضروبة للشك في صحة الشيء لأجل الشك في الإخلال ببعض ما اعتبر فيه شطرا أو شرطا بعد الفراغ منه ثم جعل دام بقاؤه الصحيحة الأولى والرواية الثانية ظاهرتين في القاعدة الأولى والموثقة الأخيرة مضافة إلى مؤيدات اخر ظاهرة في الثانية ثم قال دام بقاؤه في تقريب هذا المدعى لا يخفى ان إرجاع إحدى الطائفتين إلى الاخر بحسب المفاد أو إرجاعهما إلى ما يعمها أو ما يعم القاعدتين من كل منهما لا يخلو من تكلف وتعسف بلا وجه موجب له أصلا مع ما يرد عليه من الإشكال الآتي في خروج افعال الطهارات الثلث من القاعدة مع التمحل في اندفاعه وعدم وروده على ما استفدناه من القاعدتين ثم استظهر مما جعله دليلا على القاعدة الثانية العموم لجميع موارد الفقه من أبواب العبادات والمعاملات ومما جعله دليلا على القاعدة الأولى اختصاصه
589

باجزاء الصلاة وما يحسب منها كالأذان والإقامة وعلل اختصاص ذلك باجزاء الصلاة وما بحكمها بان قوله عليه السلام إذا خرجت من شيء في صحيحة زرارة وقوله في رواية ابن جابر كل شيء شك فيه لو لم يكن ظاهرا في خصوص الشيء من افعال الصلاة بقرينة السؤال عن الشك فيها في صدر كل واحد منهما فلا أقل من عدم الظهور في العموم لغيرها فان تكرار للسؤال من خصوص افعال الصلاة يمنع من إطلاق الشيء لغيرها ثم اعترض على نفسه بأنه لو سلم ذلك فإنما هو في الصحيحة لأن العموم فيها بالوضع فأجاب بما حاصله ان لفظ الشيء الذي وقع عقيب الكل لو لم يكن مطلقا بمقدمات الحكمة فلا يدل الكل على استيعاب تمام افراده لأنه انما يدل على استيعاب تمام افراد
ما يراد من مدخوله وقد عرفت ان المتيقن من مدخوله في المقام خصوص افعال للصلاة فإذا أريد بقوله عليه السلام كل شيء شك فيه إلخ كل فعل من افعل الصلاة لا يلزم خلاف أصل في اللفظ الدال على العموم انتهى كلامه دام بقاؤه أقول وفي كلامه مواقع للنظر منها استظهار قاعدتين من الاخبار مع وحدة مضامينها بحسب الصورة فان المضمون الوارد في الصحيحة أعني قوله عليه السلام إذا خرجت من شيء إلى آخره وكذا الوارد في الرواية كل شيء شك فيه وقد جاوز إلخ مما استظهر منه قاعدة الشك بعد المحل متحد مع ما ورد في الموثقتين ومن البعيد جدا ان يراد من هذا المضمون في مقام غير ما أريد به في الاخر كما يظهر ذلك في قولهم عليهم السلام لا تنقض اليقين بالشك ومنها ما أفاده من انه بناء على ما ذكر لا يرد عليه خروج افعال
590

الطهارات ولا يحتاج إلى ما تكلف به شيخنا المرتضى قده في دفع الإشكال فان هذا التكلف محتاج إليه على كل حال سواء جعلنا مفاد الكل واحدا أم لا فان من شك في غسل المرفق بعد الفراغ عن غسل اليد يصدق انه شك في صحة شيء بعد الفراغ عنه وتشمله الكلية المذكورة في ذيل الموثقة وهي قوله عليه السلام انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه مع وجوب الاعتناء بهذا الشك بالإجماع والاخبار فلا بد من القول بان الوضوء امر واحد في نظر الشارع حتى يدفع الإشكال كما أفاده شيخنا المرتضى قده ومنها ما أفاده من ان وجود القدر المتيقن في المطلقات مانع من الأخذ بإطلاقها لأن المتكلم ان أحرز كونه في مقام بيان ما هو مراده في اللب وأظهر في مقام الإظهار لفظا مطلقا ولم يكن منصرفا إلى شيء من الخصوصيات يحكم العرف بان مراده في اللب هو المطلق وإلا لم يعلمنا إراداته الواقعية وهو خلاف كونه في مقام إظهار ذلك نعم يمكن
ان يقال في بعض الموارد ان المتيقن من كونه في مقام البيان هذا المقدار أعني المقدار المتيقن في مقام التخاطب لكن ليس هذا في مثل المقام الذي صار بصدد إعطاء القاعدة الكلية كما لا يخفى ومنها ما أفاده من ان إفادة الكل استيعاب تمام افراد الشيء تابعة لوجود مقدمات الحكمة فيه فان الكل عند العرف يدل على استيعاب افراد ما يتلوه في القضية اللفظية لا افراد ما يكون مرادا في اللب وبعبارة أخرى الإطلاق والعموم يردان على الشيء في عرض واحد لا ان العموم يرد عليه بعد إحراز الإطلاق ولعمري هذا واضح عند العرف والعقلاء وقد سمعنا ذلك مرارا من سيدنا الأستاذ طاب ثراه (والذي يظهر لي) اتحاد مفاد الاخبار وان المستفاد منها الأعم من الشك في وجود الشيء بعد انقضاء المحل والشك في صحته كذلك فهنا دعويان (لنا للأولى) ما سبق من اتحاد القضايا الواردة في هذا الباب بحسب الصورة والعرف يفهم منها اتحاد المفاد كما مر نظيره في النهي عن نقض اليقين بالشك
591

وللثانية عموم الأدلة أو إطلاقها مضافا إلى ان المستفاد ان ملاك عدم الاعتناء هو التجاوز عن المحل وان الفاعل حين العمل اذكر (فان قلت) لا يمكن ان يراد من القضية كلا الشكين من وجهين أحدهما ان إرادة الشك في الصحة مبنية على ملاحظة وجود نفس الشيء لأن هذا الشك انما يكون بعد الفراغ عن أصل وجود الشيء وإرادة الشك في الوجود انما تتصور فيما لم يكن وجود الشيء مفروغا عنه والشيء الذي فرض متعلقا للشك لا يمكن ان يفرض محقق الوجود ولا يفرض كذلك لأنه من الجمع بين اللحاظين المتنافيين والثاني انه ان أريد من الشك الشك في الوجود فلا بد من الالتزام بان المراد من الخروج عن الشيء في الاخبار الخروج عن محله وان أريد منه الشك في الصحة لا يلزم منه
ذلك فان التجاوز حينئذ يلاحظ بالنسبة إلى نفس ذلك الشيء فيلزم تقدير المحل وعدم تقديره في قضية واحد قلت اما الجواب عن الأول فبان الشك في وجود الشيء له تعلق به وكذا الشك في صحته فيمكن ان يلاحظ جامع هذين التعلقين معنا حرفيا ويعبر عنه بلفظ الشك في الشيء كما استعمل في بعض الاخبار في معنى جامع بين الظرفية وغيرها كما في موثقة ابن بكير فالصلاة في وبره وشعره وجلده وروثه وألبانه الخبر واما الجواب عن الثاني فبالالتزام بتقدير المحل فان من فرغ عن نفس الشيء فرغ عن محل وجوده الخارجي نعم المحل بالنسبة إلى الشك في الوجود ليس محلا للوجود الخارجي المحقق لأنه غير محرز بالفرض بل هو عبارة عن المكان الذي ينبغي ان يوجد فيه اما شرعا واما الأعم منه ومن غيره ولا مانع من تقدير مفهوم جامع يعم المعنيين هذا بل يمكن ان يقدر المحل بالمعنى الذي يقدر في الشك في الوجود أعني المحل الذي اعتبر لشيء شرعا فان محل الحمد مثلا شرعا قبل السورة سواء أتى به أم لا فكما انه لو شك في وجوده بعد
592

الدخول في السورة يكون من الشك فيه بعد المحل كذلك لو شك في صحته بعد الدخول في السورة يكون من الشك فيه بعد المحل لأن ما اعتبر مشكوكا هو الحمد مثلا ومحله قبل السورة سواء كان الشك في وجوده أو في صحته فليتدبر هذا ولكن الإنصاف عدم ظهور الاخبار في المعنى الأعم وان لم يكن إرادته محالة فالأولى حمل الاخبار على الشك في التحقق لتشمل الشك في وجود شيء والشك في صحته لأنه راجع إلى الشك في تحقق امر وجودي أو عدمي اعتبر في الشيء شطرا أو أو شرطا (وقد يقال) ان الشك في الصحة راجع إلى الشك في وجود الشيء الصحيح
الاخبار من هذه الجهة والمراد منه ليس هو عنوان الصحيح حتى يدفع بان الظاهر ان الشيء كناية عن العناوين الأولية لا ما يعرضها بملاحظة بعض الأمور الخارجية مثل الصحة بل المراد ما
يصدق عليه الصحيح بالحمل الشائع كالصلاة مع الطهارة والحمد عن جهر مثلا ويظهر الثمرة بينه وبين ما ذكرنا انه لو شك في الكيفية المعتبرة في الفعل بعد تحقق ذلك الفعل وقبل الدخول في غيره المرتب عليه فعلى ما ذكرنا لا اعتبار به لانقضاء محلها فان محلها نفس ذلك الفعل المأتي به وعلى ما ذكر هاهنا يجب الإعادة لعدم انقضاء محل المقيد وفيه ان الظاهر من الشيء الذي نسب الشك إليه في الاخبار هو المشكوك الابتدائي والمشكوك الابتدائي في الصلاة مع الطهارة هو الطهارة مثلا وان صح من جهة نسبة الشك إلى الصلاة المقيدة لكن لا ينصرف لفظ الشك في الشيء الا إلى ما شك فيه ابتداء
593

المقام الثاني هل المحل الذي اعتبر التجاوز عنه في الاخبار هو خصوص المحل الذي جعل للشيء شرعا أو يكون أعم من ذلك وما صار محلا للشيء بمقتضى العادة الشخصية أو النوعية والذي يظهر في بادئ النظر هو الأخير دون الأول والثاني اما الأول فلعدم التقييد في دليل من الأدلة واما الثاني فلان إضافة المحل إلى الشيء بقول مطلق لا تصح بمجرد تحقق العادة لشخص خاص بخلاف ما لو كانت العادة بملاحظة النوع مثلا يصح ان يقال ان محل غسل الطرف الأيسر قبل تخلل فصل معتد به بينه وبين غسل الأيمن لبناء النوع في الغسل الترتيبي على الموالاة بين الغسلات بخلاف العادة الشخصية نعم يصح ان يضاف المحل في هذه الصورة إلى فعل خصوص ذلك الشخص لكن ظاهر الاخبار اعتبار مضى محل الشيء من دون إضافة إلى شخص
فتدبر جيدا لكن قال شيخنا المرتضى قده ان فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة فمن اعتاد الصلاة في أول وقته أو مع الجماعة فشك في فعلها بعد ذلك فلا يجب عليه الفعل وكذا من اعتاد فعل شيء بعد الفراغ عن الصلاة فرأى نفسه فيه وشك في فعل الصلاة وكذا من اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتد به أو قبل دخول الوقت للتهيؤ فشك بعد ذلك في الوضوء إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد التزام الفقيه بها نعم ذكر جماعة من الأصحاب مسألة معتاد الموالاة في غسل الجنابة إذا شك في الجزء الأخير انتهى ما أردنا من نقل كلامه قده وأنت خبير بان ما ذكره قده من الأمثلة كلها من قبيل العادة الشخصية الا الأخير وقد قال جماعة بعدم اعتبار للشك فيه مستدلا بالأخبار وهو موافق لما قوينا نعم لازم ما ذكرنا ان من صلى صلاة الظهر أو المغرب ثم
594

شك بعد قيامه عن المصلى انه هل صلى صلاة العصر أو العشاء أم لا مع بقاء الوقت لا يعتنى بشكه لنحقق العادة نوعا بإتيان الصلاتين في مجلس واحد والالتزام به مشكل جدا واما ما أفاده من المخالفة للإطلاقات ففيه ان الإطلاقات لا تدل الا على وجوب إتيان الفعل واما لو شك في انه هل وجد أم لا فلا تدل على عدم الإيجاد كما لا تدل على الإيجاد نعم قاعدة الاشتغال تقتضي وجوب الإتيان حتى يقطع بالامتثال وكذا استصحاب عدم الإتيان وعلى فرض تمامية أدلة الباب لا تعارض بينها وبين قاعدة الاشتغال لورودها عليها كما لا تعارض بينها وبين الاستصحاب اما من جهة حكومتها عليه واما من جهة خلوها عن المورد لو أخذ بالاستصحاب ورفع اليد عنها كما يأتي إن شاء الله المقام الثلث الدخول في الغير ان كان محققا للتجاوز فلا إشكال في اعتباره والا ففي
اعتباره وعدمه وجهان منشأ وهما اختلاف اخبار الباب ويظهر من الصحيحة ورواية ابن جابر اعتباره ومن بعض الاخبار الاخر عدم اعتباره فهل اللازم تقييد ذلك البعض بما دل على اعتباره كما ذهب إليه شيخنا المرتضى قدس سره أو الأخذ بالإطلاق كما ذهب إليه بعض ثم على التقدير الأول هل الغير الذي اعتبر دخوله فيه يعم كل شيء أو يكون مختصا بالأشياء الخاصة (والذي يظهر لي) هو عدم اعتبار الدخول في الغير مطلقا لإطلاق الموثقة كل ما شككت مما قد مضى فامضه كما هو وكذا ذيل موثقة ابن أبي يعفور انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه (فان قلت) لا وجه للأخذ بالإطلاق مع وجود الاخبار الدالة على القيد وأيضا الموثقة وان كان ذيلها مطلقا ولكن ظاهر صدرها اعتبار الدخول في الغير فكيف يمكن الأخذ بإطلاق الذيل مع ما ذكر من القيد في الصدر (قلت) ما ذكر فيه الدخول في الغير ليس ظاهرا في القيدية لإمكان وروده
595

مورد الغالب والقيد الذي يصح وروده مع الغالب لا يوجب التصرف في ظاهر المطلق الذي استقر ظهوره نعم لو قلنا بان وجود القدر المتيقن في الخطاب مانع من الأخذ بالإطلاق كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ دام بقاؤه لا يمكن التمسك بموثقة ابن أبي يعفور
لأن المتيقن من موردها هو الدخول في الغير لما ذكر في الصدر ولكن هذا خلاف التحقيق عندي ما لم يصل إلى حد الانصراف وعلى فرض القول بذلك يكفينا إطلاق الموثقة السابقة (فان قلت) ان الظاهر من رواية ابن جابر ان شك في الركوع بعد ما سجد وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ان ذكر الدخول في الغير ليس لمجرد كونه محققا للتجاوز غالبا إذ لو كان من هذه الجهة لما صح تعيين ذلك الغير في السجود والقيام لوجود امر اخر يتحقق به التجاوز سابقا عليهما كالهوي والنهوض للقيام فالتحديد في الرواية مضافا إلى دلالته على عدم كفاية مجرد التجاوز يدل على عدم كفاية الدخول في كل امر هو غير المشكوك بل يعتبر كون ذلك الأمر مما اعتبر في المركب بعنوانه
الخاص فلا يكفي مثلا الهوى الذي هو مقدمة للسجود والنهوض الذي هو مقدمة للقيام (قلت) ان الهوى والنهوض وان كانا يتحقق بهما التجاوز لكن لا يتحقق الشك في الركوع في حال الهوى غالبا وكذا في السجود في حال النهوض لقربهما بالمشكوك فيمكن ان يكون ذكر السجود والقيام في الرواية من جهة كونهما أول حال يتحقق فيه الشك للغالب في الجزء السابق لا ان الحكم منوط بالدخول في مثلها فتدبر جيدا المقام الرابع قد خرج من الكلية المذكورة الشك في بعض افعال الوضوء قبل الفراغ عن أصل العمل كما لو شك في غسل الوجه وهو مشغول بغسل اليد اليمنى أو شك في غسل اليد اليمنى وهو مشغول باليسرى وهكذا وهذا من جهة الاخبار والإجماع بل والحق بعضهم بالوضوء الغسل والتيمم وكيف كان حكم الوضوء مما لا إشكال فيه انما الإشكال في ان موثقة ابن أبي يعفور وهي قوله
596

عليه السلام إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه تدل على ان الوضوء باق تحت القاعدة المذكورة بناء على عود ضمير غيره إلى الوضوء لئلا يخالف الإجماع وحينئذ يتشكل بان إجراء حكم القاعدة على الوضوء ودخوله تحتها ليس منوطا بالدخول في غير الوضوء لتحقق بعض جزئيات تلك القاعدة قبل الدخول في غير الوضوء أيضا فمقتضى القاعدة المذكورة في ذيل الموثقة عدم الاعتناء ببعض الشكوك وان كان قبل الانتقال عن الوضوء إلى غيره كما لو شك في غسل جزء من الوجه بعد الدخول وغسل اليد مثلا أو شك في أصل غسل الوجه بعد الدخول في غسل اليد لأنه شك في الشيء بعد التجاوز وقد تفصى شيخنا المرتضى قد عما ذكر بان الوضوء بتمامه في نظر الشارع امر واحد بملاحظة وحدة اثره وهي الطهارة فلا يلاحظ كل فعل بحياله فعلى هذا لا يصدق التجاوز الا بالانتقال عن أصل العمل إلى غيره وناقش في ذلك شيخنا الأستاذ دام بقاؤه بان وحدة الأثر لو كانت موجبة لذلك يلزم ان
يكون الشك في جزء كل عمل قبل الفراغ عن العمل شكا فيه قبل التجاوز عن ذلك الجزء بيان الملازمة ان ساير الأعمال يشارك الطهارات في وحدة الأثر وبساطته مثل ان أثر الصلاة هو الانتهاء عن الفحشاء فلو كانت الوحدة في الأثر توجب كون السبب فعلا واحدا في نظر الشرع فلم لا يوجب في ساير الأفعال هذا أقول الظاهر انه قده لم يرد بان كل فعل له أثر واحد هو واحد في نظر الشارع حتى يرد عليه ما أفاده دام بقاؤه بل المراد ان المكلف به في الوضوء
597

لكونه هي الطهارة في الحقيقة والأفعال الخارجية محصلة لها صح ان يلاحظ الشارع تلك الأفعال أمرا واحدا من جهة وحدة ما يراد فيها وبهذه الملاحظة ليس لها اجزاء حتى يكون الشك في السابق منها بعد الدخول في اللاحق من افراد الشك بعد التجاوز والدليل على هذه الملاحظة تطبيق هذه الكلية في الموثقة على الشك في جزء من اجزاء الوضوء بعد الفراغ من الوضوء.
والحاصل انه بعد الاستفادة من الاخبار ان الشك في جزء من الوضوء ان كان بعد الوضوء فلا يعتنى به لكونه من افراد الشك في الشيء قبل التجاوز نستكشف ان افعال الوضوء كلها في نظر الشارع بمنزلة فعل واحد والمصحح لهذه الملاحظة مع كونها متعددة في الخارج هو وحدة المسبب وهي الطهارة التي هي المكلف به في الحقيقة هذا ثم تفصى دام بقاؤه عن أصل إشكال بما مر سابقا في المقام الأول وحاصله ان المستفاد من الاخبار قاعدتان الأولى قاعدة الشك بعد المحل والثانية قاعدة الشك بعد التجاوز والفراغ والأولى مختصة بأجزاء الصلاة وما بحكمها والثانية أعم منها ومن ساير الأبواب والمذكور في ذيل الموثقة هي القاعدة الثانية فلا إشكال واما شمول ذيل الموثقة الشك في صحة بعض الاجزاء بعد الفراغ عنه والانتقال إلى جزء اخر كما إذا شك
في غسل جزء من الوجه بعد الشروع بغسل اليد مثلا فيلزم التهافت إذ كما يصح اعتبار انه الشك في الشيء قبل المضي لأنه شك في شيء من الوضوء قبل الانتقال عنه إلى حال أخرى فيجب الالتفات إليه صح اعتبار انه شك في الشيء بعد المضي عنه لأنه شك في شيء من غسل الوجه مع التجاوز عنه فيجب عدم الالتفات إليه فيجاب عنه أولا بأنه لا اختصاص لهذا الإشكال بالطهارات بل يعم ساير المركبات مما كان له اجزاء مركبة أو مقيدة من العبادات والمعاملات مثل ما إذا شك في جزء من الفاتحة بعد الفراغ عنها وقبل الفراغ من الصلاة
598

والتفصي عن الكل بان المراد من الشيء في ذيل الموثقة وغيرها هو مثل الوضوء والغسل والصلاة مما له عنوان شرعا وعرفا بالاستقلال يقينا وبلا إشكال كما يشهد به صحيحة زرارة في الوضوء ومثل خبر كلما مضى من صلاتك وطهورك وغيرهما من الاخبار ومعه لا يمكن ان يراد من العموم والإطلاق في الموثقتين الأجراء المركبة كي يلزم التهافت انتهى ما أردنا من كلامه ملخصا دام بقاؤه أقول وأنت خبير بان وحدة مضمون الاخبار الواردة في المقام تأبى عن الحمل على القاعدتين فإنها بين ما رتب عدم الاعتناء فيها على الشك في الشيء بعد الخروج عنه وما رتب عدم الاعتناء فيها على الشك في الشيء بعد الخروج عنه وما رتب عليه بعد المضي عنه وما رتب عليه بعد التجاوز ولا شك في وحدة هذه الألفاظ الثلاثة بحسب المعنى فحمل بعضها على الشك في الوجود بعد المحل والاخر على الشك في الصحة بعد التجاوز عن العمل مما لا يساعد عليه فهم العرف وحيث ان المراد في بعض الاخبار هو الشك في الوجود كما في صحيحة زرارة ورواية ابن جابر من جهة الأمثلة المذكورة فيها تعين حمل الباقي عليه هذا مضافا إلى ان المشكوك في موثقة ابن أبي يعفور انما هو شيء من الوضوء لا نفسه باعتبار جزء منه أو قيده فالشك المذكور في الكبرى لا بد وان
يحمل على الشك في الجزء أو القيد حتى يصير كبرى لما ذكر في الصدر وحينئذ فيرجع ضمير قوله عليه السلام لم تجزه إلى ذلك الشيء المفروض ولا ينطبق هذا الا على الشك في الشيء بعد المحل فتدبر نعم يمكن ان يقال ان قاعدة الشك بعد الفراغ قاعدة أخرى تستفاد من بعض الاخبار في خصوص الوضوء والصلاة مثل صحيحة زرارة في باب الوضوء ومثل ما روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام كلما
599

شككت فيه بعد ما تفرغ
من صلاتك فامض وأمثال ذلك من الروايات فحينئذ فكل شك ينطبق عليه القاعدتان يلغى من جهتها وكلما ينطبق عليه إحداهما يلغى أيضا من جهتها ولا يعارضها مفهوم الأخرى لأن المفهوم في كل من القاعدتين بيان عدم المقتضى لإلغاء الشك وان الرجوع إلى المشكوك من باب القاعدة مع إمكان ان يقال بعدم المفهوم للدليل المفيد لقاعدة الشك بعد الفراغ في باب لصلاة لأنه لم يجعل الموضوع فيه الشك والفراغ شرطا خارجا عنه كما هو شأن كل قضية شرطية سيقت لبيان المفهوم بل جعل الشك بعد الفراغ موضوعا للحكم وأداة الشرط الموجودة في بعضها انما جيء بها لبيان تحقق الموضوع كما لا يخفى على المتأمل ولو سلمنا ثبوت المفهوم لكل منهما فلا يقبل المعارضة مع المنطوق كما لو قال الشارع إذا بلت فتوضأ مثلا ثم قال إذا نمت فتوضأ فإنه لا ينبغي توهم ان منطوق أحدهما معارض مع مفهوم الاخر فتدبر فان قلت الشك في المركب بعد الفراغ مسبب عن الشك في الجزء أو القيد والشك في السبب يشمله الاخبار الدالة على عدم الاعتناء بالشك بعد المحل وقد تحقق ان القاعدة الجارية في الشك السببي مقدمة على القاعدة الجارية في الشك المسببي وحينئذ لا يبقى للشك بعد الفراغ مورد الا نادرا كما لو شك في الجزء الأخير وقد فرغ عن العمل بواسطة الاشتغال بأمر اخر مغاير له ولا يحسن إعطاء قاعدة كلية لأجل مورد نادر قلت هذا انما يصح إذا اعتبر المشكوك في القاعدة بعد الفراغ عن مجموع العمل
بلحاظ الخلل في بعض ما اعتبر فيه واما إذا اعتبر نفس ما اعتبر فيه من القيد أو الجزء كما في قوله عليه السلام كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من
600

صلاتك إلخ فليس هناك شكان حتى يكون أحدهما مسببا عن الاخر بل علق الحكم في إحدى القاعدتين على الشك في الجزء أو القيد بعد انقضاء المحل وعلق في الأخرى عليه أيضا بعد الفراغ عن مجموع العمل واما تطبيق القاعدة على الشك في بعض افعال الوضوء كما في الموثقة فتصحيحه اما بما أفاده شيخنا المرتضى قدس سره وقد عرفت عدم ورود ما أورده عليه شيخنا الأستاذ دام بقاؤه واما بان يقال ان المستفاد من الموثقة ان الشك في شيء من الوضوء بعد الوضوء لا يعتنى به من جهة انه من افراد الشك في الشيء بعد التجاوز ولا يستفاد منها ومن غيرها ان الشك في شيء من الوضوء قبل الفراغ عن أصل الوضوء يعتنى به من جهة انه شك في الشيء قبل التجاوز بل يمكن ان يكون الشك قبل تمام الوضوء مع كونه من افراد الشك بعد المحل يعتنى به لكون هذه القاعدة مختصة بالنسبة إليه إذ لا منافاة بين بقاء فرد من افراد الشك بعد المحل في باب الوضوء تحت القاعدة وخروج الباقي وحينئذ نقول ذكر القاعدة في الموثقة انما هو من جهة الأجراء على الفرد الباقي لا انها تدل على ان الشك في باب الوضوء داخل تحت القاعدة من دون تخصيص أصلا والحاصل انه لم يظهر من الاخبار ان الاعتناء بالشك في جزء من الوضوء ما دام مشتغلا به من حيث كونه داخلا في افراد الشك قبل التجاوز وان الشك بعد التجاوز في باب الوضوء منحصر بالشك بعد تمام العمل حتى يحتاج في التوجيه إلى ما أفاده شيخنا المرتضى قده أو إلى ما أفاده شيخنا الأستاذ دام بقاؤه غاية الأمر ان الموثقة السابقة تدل على ان الشك في شيء من الوضوء بعد الفراغ عنه لا يعتنى
به لكونه من جزئيات الشك في الشيء بعد المحل ولو لا الإجماع والاخبار الصحيحة بوجوب الاعتناء بالشك ما دام مشتغلا
بالوضوء لقلنا بمقتضى القاعدة ان الشك في غسل اليد اليمنى بعد الشروع في اليسرى وكذا الشك في جزء منها بعد الفراغ عنها لا يعتنى به
601

لكن الاخبار والإجماع يخصصان القاعدة في الشكوك المتعلقة باجزاء الوضوء بعد المحل غير الشك الذي يكون كذلك بعد الوضوء هذا المقام الخامس قد عرفت مما ذكرنا سابقا ان الشك في الشرط حكمه حكم الشك في الجزء لأن الشرط أيضا امر يشك في وجوده وله محل خاص فلو تجاوز محله يشمله العمومات والكلام هنا في انه ان أحرز الشرط بهذه القاعدة بواسطة مضى محله هل يكفى للمشروط الاخر الذي محله باق بالنسبة إليه أو لا مثلا لو شك بعد صلاة الطهر في انها كانت مقرونة بالطهارة أم لا فلا شبهة في مضى محل الطهارة بالنسبة إلى صلاة الظهر فتشمله العمومات فهل يكون المكلف بمقتضى تلك الأدلة واجدا للطهارة حتى يجوز له الدخول في العصر من دون تحصيل الطهارة أم لا تدل الا على صحة صلاة الظهر لأن محل الطهارة مضى بالنسبة إليها واما بالنسبة إلى صلاة العصر فمحلها باق فيدخل بالنسبة إليها في الشك في الشيء قبل انقضاء المحل ويمكن تفريع هذا المطلب على ان الأدلة هل يستفاد منها الطريقية بمعنى ان الشاك في شيء بعد التجاوز جعل له طريق إلى إحراز الواقع أو لا يستفاد منها الا حكم الشك كسائر القواعد المقررة للشاك نظير أصالة البراءة والاستصحاب وغير ذلك فان قلنا بالأول فيكتفي به لمشروط اخر أيضا لأن الشخص المفروض واجد للشرط واقعا بحكم الطريق بشرعي والمفروض انه ما ارتفع على تقدير وجوده ويستلزم وجوده أولا بقاءه ومثل هذا اللازم يؤخذ به في الطرق الشرعية واما ان قلنا بالثاني فلا يكتفي به لمشروط اخر لأن الشرط من هذه الجهة ليس مما تجاوز محله وهذا ظاهر ولما كان المطلب متفرعا على طريقية القاعدة وعدمها فليتكلم
في ذلك ونقول ان ظاهر الاخبار المذكورة في صدر المبحث كونها من القواعد المقررة للشاك نعم ما يوهم كونها معتبرة من باب الطريقية تعليل الحكم في بعض الاخبار بكونه حين العمل اذكر
مثل رواية بكير بن أعين في الرجل
602

يشك بعد ما يتوضأ قال عليه السلام هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك فان الظاهر منه ان الوجه في إلغاء الشك وقوع المشكوك فيه في محله بموجب العادة والغلبة وفيه منع إذ فرق واضح بين جعل الظن الحاصل من العادة معتبرا كما هو مفاد الطريق أو كونها علة لتشريع الحكم للشاك ولا يستفاد من الخبر الأول فيبقى ظهور الاخبار السابقة من كون هذا الحكم من الأحكام المقررة للشاك بحاله فليتدبر المقام السادس قد يراءى في بادئ النظر لزوم التهافت في الاخبار السابقة إذ لفظ الشيء كما انه يصدق على جزء المركب كذلك يصدق على مجموعه فحينئذ لو شك في جزء من المركب بعد الفراغ منه فذلك الجزء مشكوك فيه ومجموع المركب أيضا مشكوك فيه إذ الشك في الجزء يستلزم الشك في الكل
603

فهاهنا فردان من الشك أحدهما الشك في الجزء والاخر الشك في الكل والأول داخل في الشك في الشيء بعد تجاوز محله والثاني داخل في الشك في الشيء قبل تجاوز محله وبالاعتبار الثاني يجب الاعتناء به دون الأول والجواب ان الظاهر من الشك في الشيء هو ان يكون الشك متعلقا به ابتداء لا ان يكون مشكوكا بواسطة امر آخر وما يشك فيه ابتداء هو الجزء وان كان يصدق نسبة الشك إلى الكل من جهة استلزام الأول للثاني وان أبيت فنقول لزوم الاعتناء بالشك إذا كان قبل الخروج المستفاد من الاخبار ليس حكما تعبديا حتى يقع التعارض في مدلول الاخبار بل انما هو على طبق القاعدة العقلية
لوجوب إتيان كلما شك فيه مما اعتبر في المأمور به غاية الأمر خروج ما شك فيه بعد انقضاء المحل واما المشكوك فيه قبل انقضاء محله فلزوم الإتيان به من باب القاعدة الأولية وحينئذ نقول الشك المفروض من حيث انه شك في الجزء لو شمله الدليل الدال على عدم لزوم الاعتناء به فليس في البين ما يعارضه لأن الشك في الكل وان كان شكا في الشيء قبل انقضاء محله لكن عرفت ان الحكم بالإعادة فيه من باب قاعدة الاشتغال وبعد ما حكم الشارع بإلغاء الجزء المشكوك فيه كما هو مفاد إجراء الدليل في الشك في الجزء لا يبقى محل لحكم العقل كما هو ظاهر المقام السابع لا إشكال في ان المراد بالشك الوارد في الاخبار هو الشك الحادث بعد التجاوز لا الأعم منه ومن الباقي من أول الأمر فلو شك من حين الدخول في الصلاة في كونه متطهرا فلا يجوز له الدخول فيها بملاحظة ان هذا الشك يصير بعد انقضاء العمل شكا في الشيء بعد تجاوز المحل وهذا واضح وهذا الشك الحادث بعد العمل على أقسام أحدها ان يكون المكلف غافلا عن صورة العمل بمعنى انه لا يعلم الآن هل حرك خاتمه حين غسل اليد أم لا وهذا على قسمين أحدهما انه يعلم انه على تقدير عدم تحريكه الخاتم كان هذا مستندا لي السهو والثاني انه يعلم انه على هذا التقدير كان مستنده العمد
604

وهنا قسم ثالث وهو انه على هذا التقدير لا يعلم انه مستند إلى السهو أو العمد لكن حكم هذا القسم يعلم ببيان القسمين الأولين والقسم الثالث ان يعلم كيفية العمل مثل انه يعلم بان كيفية غسل يده كانت بارتماس يده في الماء وانه لم يحرك خاتمه قطعا وانه كان غافلا حين العمل ولكن شك الآن في ان ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا إذا عرفت هذا
فنقول اما القسم الأول فدخوله في الأدلة مما لا إشكال فيه واما القسم الثاني فشمول الاخبار المطلقة له مما لا إشكال فيه أيضا واما تطبيق ما علل فيه بكونه حين العمل اذكر فتقريبه ان قوله عليه السلام هو حين يتوضأ اذكر بمنزلة الصغرى للكبرى المطوية فكأنه قال عليه السلام هو حين يتوضأ اذكر وكل من كان متذكرا حين العمل فلا يتركه عمدا فعلى هذا تنفع هذه القضية لمن احتمل ترك الشيء سهوا وكذا لمن احتمل تركه عمدا كما لا يخفى وفيه ان الظاهر من التعليل المذكور عدم الاعتناء بترك الشيء سهوا لكون الإنسان متذكرا حين العمل غالبا واما عدم تركه عمدا فهو مفروغ عنه في الأسئلة والأجوبة الواردة في الاخبار ومن هنا يظهر الإشكال في القسم الاخر الذي ذكرنا انه يعلم حكمه والحاصل ان قوله عليه السلام هو حين يتوضأ إلخ ليس متعرضا لإلقاء احتمال التعمد واما القسم الثالث ففي شمول الأدلة له وعدمه وجهان من الإطلاق وظهور التعليل المذكور فيما إذا احتمل التذكر حين العمل ويمكن ان يقال ان قوله عليه السلام هو حين يتوضأ إلخ ليس من قبيل العلة بحيث يكون الحكم دائرا مداره بل هو من قبيل الحكمة لأصل تشريع الحكم للشك بعد الفراغ بنحو الإطلاق والدليل على ذلك أمران
605

أحدهما خلو ساير الاخبار المطلقة مع كونها في مقام البيان عن ذكر تلك العلة والثاني ما رواه ثقة الإسلام عن العدة عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الخاتم إذا اغتسلت قال عليه السلام حوله من مكانه وقال في الوضوء تديره فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا أمرك ان تعيد الصلاة واحتمال ان يكون السؤال عن الخاتم الوسيع الذي يصل الماء تحته قطعا وانما امره بالتحويل والإدارة استحبابا أو حمل النسيان على الغفلة بعد العمل عن الإدارة وعدمها حينه
بعيد في الغاية وعلى هذا يمكن قويا الأخذ بإطلاقات الاخبار وحمل التعليل المذكور على الحكمة والحكم بان الشك الحادث بعد التجاوز مطلقا سواء كان غافلا عن صورة العمل أم كان ملتفتا إليها وسواء كان احتمال تركه مستندا إلى السهو أم كان مستندا إلى العمد لا اعتبار به هذا تمام الكلام في المقام وعليك بالتأمل التام
في أصالة الصحة
وبقي الكلام في أصالة الصحة في فعل الغير وبيان مدركها وقد استدل عليها بالأدلة الأربعة اما الكتاب فمنه آيات منها قوله تعالى وقولوا للناس حسنا ومبنى الاستدلال على ان المراد من القول هو الظن والاعتقاد ووجه الدلالة على هذا ان التكليف المتعلق بالاعتقاد لكونه امرا غير اختياري راجع إلى ترتيب الأثر فيجب على المكلفين
606

ان يعاملوا مع الناس في أفعالهم معاملة الفعل الصحيح (لا يقال) تحصيل الاعتقاد امر اختياري إذا كانت مقدماته اختيارية (لأنا نقول) نعم قد يكون كذلك وقد يحصل قهرا بل في غالب الأحوال يكون كذلك فلا يمكن جعله موضوعا للإلزام بنحو الإطلاق ومنها قوله تعالى فاجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن إثم تقريب الاستدلال ان ظن الخير ليس إثما قطعا فالظن الذي يكون إثما ومنهيا عنه هو ظن السوء والنهي عنه راجع في الحقيقة إلى النهي عن ترتيب الأثر السيئ حين الظن به لما مضى من عدم قابلية الظن للإلزام فيجب ترتيب آثار الحسن والصحة لعدم الواسطة ومنها قوله تعالى أوفوا بالعقود بناء على ان الخارج من عمومه ليس الا ما علم فساده لأنه المتيقن.
ومنها قوله تعالى الا ان تكون تجارة عن تراض بالتقريب المقدم وأنت خبير بما في المجموع من الضعف اما الآية الأولى فلان الظاهر منها مطلوبية القول الحسن في مقام المعاشرة ولا ربط لها بترتيب آثار الصحة على فعل الغير وهي نظير قوله تعالى في توصية موسى عليه السلام وهارون قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى واما الثانية فلان عدم الواسطة بين السوء والحسن أو الصحة والفساد لا يلازم عدم الواسطة في المعاملة وترتيب الأثر إذ رب عقد لا يعامل معه
607

الإنسان لا معاملة الصحة ولا معاملة الفساد وان كان في الواقع لا يخلو من أحدهما واما الآيتان الأخيرتان فمضافا إلى عدم شمولها لتمام المدعى إذ هي ليست خصوص العقود فالاستدلال بها مبنى على جواز التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية وهو خلاف المشهور واما السنة فمنها ما في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام ضع امر أخيك على حسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير سبيلا ومنها قوله أيضا عليه السلام لمحمد بن فضل يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال وقال لم أقل فصدقه وكذبهم ومنها ما ورد مستفيضا ان المؤمن لا يتهم أخاه وانه إذا اتهم أخاه انماث الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء وان من اتهم أخاه فلا حرمة بينهما وان من اتهم أخاه فهو ملعون ملعون إلى غير ذلك من الاخبار ولا يخفى ما في الكل خصوصا رواية ابن الفضل فان رد شهادة خمسين قسامة في مقابل إنكار الأخ المؤمن وتصديقه فيما يترتب عليه الحكم الشرعي مما يقطع بخلافه فان القسامة هي البينة العادلة والأولى حملها على مورد لم يكن
608

لما يشهد به القسامة أثر شرعي فتكون هذه الرواية واردة في مقام آداب المعاشرة ومحصل مفادها
على ما ذكرنا انه إذا رأيت أو سمعت ولو من خمسين قسامة صدور قول أو فعل من أخيك لا ينبغي صدوره في مقام المعاشرة فلا ترتب الأثر على ذلك واجعل المعاملة بينك وبينه كما لم يصدر منه شيء واما الإجماع القولي فيظهر لمن تصفح فتاوى الفقهاء فإنهم لا يختلفون في ان قول مدعى الصحة مطابق للأصل والإجماع العملي يعرف من ان سيرة المسلمين في جميع الأعصار على حمل الأعمال على الصحيح وترتيب آثار الصحة في عباداتهم ومعاملاتهم وهذا واضح من دون سترة والظاهر بناء العقلاء على ذلك من دون اختصاص بالمسلمين ويستكشف رضاء الشرع بضميمة عدم الردع ويمكن ان يكون هذا أيضا مدركا للفتاوى لا انهم اطلعوا على ما لم نطلع عليه وكيف كان اعتبار أصالة الصحة في فعل الغير إجمالا أظهر من ان يحتاج إلى تكلف الاستدلال ولا يخفى ان بناء العقلاء والسيرة المستمرة على ان المحمول عليه هو الصحة الواقعية دون الصحة عند الفاعل وهذا واضح عند من نظر إلى حالهم في المعاملات والعبادات ولكن الحمل على الصحة الواقعية في بعض الصور مشكل وتفصيل الصور ان الشاك في الفعل الصادر من غيره اما ان يعلم يعلم الفاعل بصحيح الفعل وفاسدة واقعا واما ان يعلم بجهله بذلك واما ان لا يعلم حاله أصلا والصورة الثانية على أقسام لأنه اما ان يعلم باستناد جهله إلى خطائه في الاجتهاد المعذور فيه أو التقليد كذلك واما ان يعلم بكونه عن تقصير واما ان يجهل ذلك وحيث انه ليس في البين دليل لفظي ينظر فيه من حيث العموم والإطلاق فلا بد من ان يؤخذ بالمقدار المتيقن من السيرة ولا إشكال في تحققها في الصورة الأولى والظاهر تحققها في الصورة الأخيرة أيضا
609

واما تحققها في الوسطى بتمام اقسامها ففي غاية الإشكال وعليك بالتتبع في هذا المجال
تعارض الاستصحاب مع القواعد والأدلة
خاتمة في تعارض الاستصحاب مع ساير القواعد المقررة للشاك وفي تعارض الاستصحابين ويذكر ذلك في ضمن مقالات
الأولى
في تعارضه مع القاعدة المقتضية لعدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز ومجمل القول في ذلك انه ان قلنا باعتبار القاعدة من باب الطريقية فوجه تقديمها على الاستصحاب واضح وان قلنا به من باب التعبد فمقتضى تقديمه على ساير الأصول وان كان تقديمه عليها أيضا الا انه لو قلنا به لزم لغوية القاعدة إذ قل ما يتفق عدم استصحاب في موردها مخالفا كان أو موافقا ولو بنى على تقديم الاستصحاب على القاعدة كتقديمه على ساير الأصول لم يبق لها مورد الا نادرا غاية الندرة فاللازم تقديمها عليه من هذه الجهة
610

الثانية
في تعارضه مع أصالة الصحة في فعل الغير ومجمل القول في ذلك ان الشك في صحة الفعل الذي وقع في الخارج ناش من الشك في إخلال ما اعتبر فيه شرطا أو سطرا وهذا على قسمين أحدهما ما يكون مجرى الاستصحاب كالبلوغ واعتبار المبيع بالرؤية أو الكيل أو الوزن والثاني ما لا يكون كذلك كما إذا شك في الصحة لأجل الشك في تحقق ما اعتبر قيدا للعقد كالعربية مثلا إذ لا يكون له حالة سابقة كما لا يخفى اما القسم الثاني فمجرى الاستصحاب فيه هو المجموع الملتئم من ما اعتبر فيه إذ هو مسبوق بالعدم ولكن الشك في بقاء ذلك على العدم مستند إلى الشك في ان هذا الموجود هل هو مصداق لما رتب عليه الأثر شرعا أم لا؟ ومقتضى أصالة الصحة كونه مصداقا له فهي حاكمة على الاستصحاب واما القسم الأول فان قلنا باعتبار أصالة الصحة من باب الطريقية فتقدمها عليه
واضح واما ان قلنا بكونها من الأصول العملية فتقدمها عليه مشكل لأنه كما ان مقتضاها كون الواقع جامعا لتمام ما اعتبر فيه كذلك مقتضاه عدم تحقق الشرط الكذائي مثلا ولا يتوهم ان الاستصحاب حاكم على القاعدة من حيث ان الشك في الصحة مستند إلى الشك في تحقق ما اعتبر فيه ومقتضى الاستصحاب عدمه كما هو المفروض لأن ما يصح بالقاعدة ليس عنوان الصحة حتى يقال ان الشك فيها ناش من الشك فيما اعتبر في الموضوع بل مفادها تحقق ما يكون مصداقا للصحيح في الخارج مثلا لو شك في صحة عقد وقع في الخارج من جهة الشك في بلوغ العاقد فمقتضى أصالة الصحة صدوره من البالغ ومقتضى الاستصحاب عدم بلوغ العاقد ومن المعلوم عدم حكومة أحدهما على الاخر ويمكن ان يقال بحكومة الاستصحاب من جهة ان مجراه نفس القيد المشكوك فيه ومجرى أصالة الصحة هو العقد من حيث تقييده بما اعتبر فيه ومن
611

المعلوم ان الشك في تقييد العقد بكونه صادرا من البالغ ناش من الشك في بلوغ العاقد.
وقد يتوهم تقدم القاعدة على الاستصحاب من جهة ان أصالة عدم بلوغ العاقد لا يثبت الا ان هذا العقد صدر من غير البالغ وعدم الأثر انما هو مستند إلى عدم وقوع العقد الصادر من البالغ أصلا وهذا الأصل لا يثبت ذلك الا على القول بالأصل المثبت إذ المفروض انحصار الكلي في الفرد الموجود الذي حكم عليه بمقتضى الاستصحاب انه من غير البالغ وحيث لا نقول بالأصل المثبت ولا نحكم بعدم صدور العقد الصادر من البالغ مطلقا فان اقتضت القاعدة وقوع ما هو سبب مؤثر أعني العقد الصادر من البالغ فلا يعارضه شيء.
وفيه ان استصحاب عدم البلوغ يقتضى عدم حصول النقل بواسطة العقد الموجود والمفروض عدم عقد اخر مؤثر في النقل فيصح الحكم بعدم النقل مطلقا لأن أسبابه بين
مقطوع العدم وما هو بمنزلة العدم لا يقال ترتب عدم الكلي على عدم الافراد ترتب عقلي فلا يمكن المصير إليه الا بالأصل المثبت لأنا نقول لا نحتاج في الحكم بعدم النقل إلى الحكم بعدم الجامع بين الخصوصيات بل يكفي في ذلك عدم الوجودات الخاصة إذ ليس المؤثر الا تلك نعم لو كان المؤثر هو الجامع من دون ملاحظة الخصوصيات ما صح الحكم بعدمه بإجراء الأصل في الافراد الا على القول بالأصل المثبت والحاصل تنافي مقتضى الأصلين واضح.
ومقتضى ما قلنا سابقا حكومة الاستصحاب على القاعدة الا ان يقال بتقدم أصالة الصحة من جهة ورودها غالبا في موارد الاستصحابات الموضوعية ولو لم نقل بذلك تصير كاللغو
612

(الثالثة)
في تعارضه مع أدلة القرعة ومجمل القول في ذلك ان موضوع القرعة جعل في بعض الاخبار الأمر المشكل وفي اخر المجهول والمشتبه فان أخذنا بمفاد الأول فتقدم الاستصحاب عليها واضح لارتفاع الإشكال فيما إذا ورد حكم من الشرع ولو ظاهر أو ان أخذنا بالثاني.
فنقول بتقدم الاستصحاب أيضا لأعمية دليلها منه فلا بد من تخصيص دليلها بدليله ومن هنا يعرف حالها مع ساير الأصول العملية التي كان مدركها تعبد الشارع بها إذ ما قلنا في تقديم الاستصحاب عليها جار في الكل نعم ان كان مدركها العقل فالقرعة واردة عليها لكن بشرط الانجبار بعمل الأصحاب لأن كثرة التخصيص أوجبت وهنا في عموم أدلتها (فان قلت) كثرة التخصيص ان وصلت إلى حد الاستهجان فلا يجوز العمل به أصلا للعلم بعدم كون العام المفروض على الصورة التي وصلت بأيدينا بل كان محفوفا بقرينة حالية أو مقالية لم يلزم بملاحظتها هذا المحذور فيصير اللفظ
613

مجملا بالنسبة إلينا لعدم علمنا بتلك القرينة تفصيلا وان لم تصل إلى الحد المذكور فهي ان لم توجب قوة الظهور
لا توجب وهنا فيه يحتاج إلى عمل الأصحاب به بل يحتج به على من لم يعمل به (قلت) نختار الشق الأول ونقول ان عمل الأصحاب يكشف عن ان اللفظ المفروض مع تلك الضميمة التي كانت معه يشمل المقام كما ان إعراضهم عنه مع كونه نصب أعينهم يكشف عن عدم شموله للمقام كذلك.
ولنا ان نختار الشق الثاني ونقول ان كثرة التخصيص على هذا وان لم تكن موجبة للوهن بنفسها لكنها لا يوجب الوهن إذا علم تفصيلا موارد التخصيص بالمقدار الذي علم إجمالا به واما إذا لم يعلم ذلك المقدار فلا يجوز العمل بالعام الا إذا أحرز ان مورد العمل ليس من أطراف العلم الإجمالي وعمل الأصحاب يوجب ذلك كما لا يخفى فلو احتملنا تخصيص المورد المفروض أيضا بعد خروجه عن أطراف العلم الإجمالي كان احتمالا بدويا غير مانع من الأخذ بأصالة العموم
(الرابعة)
في تعارضه مع اليد اعلم ان مقتضى التأمل ان اعتبار اليد من باب الطريقية لبناء العرف والعقلاء على معاملة الملكية مع ما في أيدي من يدعى الملكية ويحتمل في حقه ذلك ومعلوم ان ذلك ليس من جهة التعبد كما في ساير الطرق المعمولة فيما بينهم ولا اختصاص لذلك بيد المسلم أيضا كما هو ظاهر ويشهد لما قلنا رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال له عليه السلام رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه له قال عليه السلام نعم قال الرجل اشهد انه في يده ولا اشهد انه له فلعله لغيره فقال أبو عبد الله عليه السلام أفيحل الشراء منه قال نعم فقال أبو عبد الله عليه السلام فلعله لغيره فمن أين لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثم قال أبو عبد الله لو لم يجز هذا لم يقم
614

للمسلمين سوق فان الظاهر ان السؤال عن جواز الشهادة على انه مالك واقعا إذ السائل عالم بالملكية الظاهرية بمقتضى اليد ولذا قال نعم في جواب
قول الإمام عليه السلام أفيحل الشراء منه وجواز الشهادة على الملكية واقعا لا يمكن الا مع كون اليد معتبرة على نحو يعامل معها معاملة العلم ولا ينافي ما قلنا قوله عليه السلام في ذيل الخبر لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق فان الظاهر ان هذا المطلب صار سببا لإمضاء الشارع ما هو مرسوم بين الناس من جعل اليد طريقا إلى الملكية وعلى هذا تقدمها على الاستصحاب واضح كما انه يقدم كل أمارة اعتبرت من جهة كشفها عن الواقع وسيأتي الوجه في تقديم الأمارات على الاستصحاب إن شاء الله هذا مع انه لو قلنا باعتبارها من باب التعبد لزم أيضا تقديمها لورودها موردا يقتضى الاستصحاب خلاف مقتضاها غالبا فلو بنى على العمل بالاستصحاب في تلك الموارد الكثيرة لما قام للمسلمين سوق وهذه العلة هي التي صارت موجبة لاعتبار اليد كما في الخبر (فان قلت) مقتضى كون اليد أمارة انه لو علم بانحصار سبب الملك في امر خاص حكم بواسطة تلك الأمارة بوقوع ذلك السبب لأن من شأن الأمارة الأخذ بلوازمها وملزوماتها وملازماتها مع ان المشهور حكموا بأنه لو اعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدعى ينتزع منه العين وعليه ان يقيم البينة على انتقالها إليه ومقتضى أمارية اليد على الملكية أماريتها على موجبها وهو الانتقال من الخصم إليه فدعوى ذي اليد الانتقال مطابقة للأمارة فكيف ينتزع منه العين ويطالب بالبينة (قلت) ان الوجه في ذلك ان الشارع جعل في باب المخاصمة إقامة البينة على
615

المدعى والحلف على المنكر وحصر فصل الخصومة بذلك وفهم مصاديق هذين المفهومين موكول إلى العرف إذ ليس لهما حقيقة شرعية كما هو الحق وعلى هذا.
نقول ان كل من صدق عليه عنوان المدعى عرفا يطالب بالبينة سواء طابق قوله ظاهرا من الظواهر وأصلا من الأصول أم خالف وكل من صدق عليه عنوان المنكر فعليه اليمين كذلك وتعريف الفقهاء رضي الله عنه بان المدعى هو الذي لو ترك ترك أو الذي يدعى
الأصل أو الذي يدعى امرا خفيا محمول على بيان الافراد الغالبية وتميزه عن المنكر في الجملة إذا عرفت هذا.
فنقول ان كان مال تحت يد أحد يعامل معه معاملة الملكية فادعى الغير انه ماله فهذا الغير مدعى عرفا لأنه هو الذي إنشاء الخصومة واما لو أقر ذو اليد باستناد يده إلى انتقال العين إليه من الخصم فيصير مصب الدعوى هو الانتقال ويصير ذو اليد بذلك مدعيا لأنه لا نزاع بينهما لا دعوى ذي اليد الانتقال وهذه خصومة إنشائها بكلامه وليس طريق فصل الخصومة الا إقامة البينة منه أو الاستحلاف لمن ينكر الانتقال نعم لو لم تكن في البين خصومة وادعى ذو اليد ملكية ما في يده بسبب خاص يقبل منه بواسطة اليد تنبيه اعلم ان ما قلنا من ان طريق رفع الخصومة في باب القضاء منحصر بالبينة والإيمان انما هو فيما إذا كان المنكر في مقابل المدعى واما إذا لم يكن في مقابلة منكر بان يقول الخصم لا أدري صدق ما تقول أو كذبه كالدعوى على المورث مع إظهار الورثة الجهل بذلك وتصديق المدعى لهم فان كانت
616

البينة للمدعى على ما يقول يؤخذ بها والا فلا مانع من الأخذ بسائر القواعد الموجودة من قبيل الاستصحاب أو اليد ويتفرع على ذلك ان العين لو كانت في يد المدعى ويدعى انتقالها من الميت في حال حياته إليه ولا ينكر ذلك الورثة جزما يحكم بكونها ملكا لذي اليد إذ لا منكر في قباله حتى يقال ان طريق توصل المدعى إلى المال منحصر في إقامة البينة والأدلة الدالة على ذلك موردها وجود المنكر في قباله وفي غيره يعمل على القواعد ومما ذكرنا يعلم وجه محاجة أمير المؤمنين عليه السلام مع أبي بكر المروية في الاحتجاج فان دعوى سيدة النساء عليها السلام بان فدك أعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته لم ينكرها أحد على سبيل الجزم حتى يلزم عليها عليه السلام إقامة البينة فانتزاع فدك منها مع كون يدها ثابتة عليه ليس
له وجه الا العناد
(الخامسة)
في حاله مع الطرق المعتبرة شرعا أعني ما اعتبر من جهة كشفه عن الواقع وتسمى في الأحكام أدلة اجتهادية وفي الموضوعات أمارة ولو ورد في مورد الاستصحاب دليل معتبر أو أمارة معتبرة على خلاف الحالة السابقة فلا إشكال في انه يترك الاستصحاب ويعمل بمقتضى ذلك الدليل أو تلك الأمارة انما الكلام في وجه ذلك وقد قال شيخنا المرتضى قده في غير مورد من كلامه ان تقديم الأدلة أو الأمارات على الاستصحاب انما هو من باب الحكومة لا التخصيص ولا التخصص وهي على ما فسرها في مبحث التعادل والتراجيح ان ينظر دليل بمدلوله اللفظي إلى دليل اخر ويكون مبينا لمقدار مدلوله مسوقا لبيان حاله نظير الدليل على انه لا حكم لكثير الشك أو للشك في النافلة وأمثال ذلك بالنسبة إلى الأدلة الدالة على حكم الشك في عدد
617

ركعات الصلاة وعلى هذا فبيان حكومة الأدلة والأمارات على الاستصحاب انه في موردهما وان كان الشك موجود أو لم يقطع بخلاف الحالة السابقة وعموم لا تنقض يشمله لفظا الا ان دليل اعتبارهما قد جعل مؤداهما واقعا أوليا بالتنزيل ولازم ذلك جعل الشك فيه ملغى بحسب الآثار فصار مفاد قول الشارع صدق العادل فيما أخبرك به أو صدق الأمارة فيما حكمته ان شكك في المورد المفروض بمنزلة العدم ومعنى كونه بمنزلة العدم انه لا يترتب عليه ما يترتب على الشك نظير ما إذا ورد حكم على عنوان العالم ودل دليل على عدم كون النحوي عالما فان مرجع هذا الدليل إلى ان ما جعلنا للعالم في ذلك الدليل لا يترتب على النحوي هذا ويشكل بان الضابط المذكور لا ينطبق على دليل حجية الأمارات والأدلة ولا على ساير الموارد التي جعل تقديمها من باب الحكومة كدليل لا ضرر ولا ضرار ولا شك لكثير الشك ودليل نفي الحرج وأمثال ذلك إذ ليس واحد منها بمدلوله اللفظي
ناظرا إلى مدلول دليل آخر بل يحكى كل واحد منها عن الواقع ولذا لو لم يكن في البين الا هذه القواعد التي جعلت حاكمة على ساير القواعد لم يلزم كونها بلا مورد ولو كانت مبينة لمقدار مدلول قاعدة أخرى للزم كونها لغوا وبلا مورد عند عدم تلك القاعدة لأن الدليل الحاكم على ما ذكره بمنزلة قول القائل أعني ولا يكون هذا صحيحا الا مع كلام آخر يكون هذا شارحا له ونحن
نرى انه لو لم يكن الشك موضوعا للحكم الشرعي أصلا وكذا لو لم يدل دليل على حكم الشك في عدد ركعات الصلاة وكذا لو لم يكن العمومات أو الإطلاقات تقتضي ثبوت الحكم الضرري والحرجي ما كان حجية الأمارات والأدلة وكذا قول الشارع لا حكم لكثير الشك ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام وما جعل عليكم في الدين من حرج لغوا وبلا مورد كما هو واضح فعلم ان ما ذكر ليس بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر هذا
618

ضابط الحكومة
ولنقدم الكلام في بيان ضابط الحكومة بما عندنا ثم نتعرض لوجه تقديم الأمارات والأدلة على الاستصحاب وعلى ساير الأصول التعبدية وانه هل هو من جهة الحكومة أو الورود وما توفيقي الا بالله
ضابط الحكومة
اعلم ان المراد من قولنا دليل كذا حاكم على كذا انه يقدم عليه من دون ملاحظة الأخصية والأظهرية بل يقدم بواسطة أدنى ظهور انعقد له إذا عرفت هذا فنقول ان كل دليل يكون متعرضا للحكم المستفاد من الدليل الاخر وان لم يكن متعرضا له بعنوان انه مدلول ذلك الدليل سواء كان تعرضه لذلك الحكم ابتداء أم كان بلسان تنزيل الموضوع فهو مقدم عليه عند العرف وان لم يكن أخص بل كانت النسبة بينهما عموما من وجه كما إذا قال المتكلم أكرم العلماء ثم قال في مجلس اخر ما حكمت أولا أحكم بإكرام الفاسق قط فانا نرى ان أهل العرف يجعلون الكلام الثاني قرينة على الأول ويحكمون ان المراد من العلماء العدول منهم مع كون النسبة بين الكلامين عموما من وجه
وان لم يكن الثاني بمدلوله اللفظي شارحا للكلام الأول ولذا لو لم يكن الأول أيضا لكان الثاني تاما في مفاده ولعل السر في ذلك ان مدلول قول المتكلم أكرم العلماء ليس الا جعل إيجاب متعلق بإكرام العلماء واما ان وجوب إكرام كل فرد منهم مراد للمتكلم فهو مفهوم اخر غير
619

المفهوم الأول من القضية نعم يحكم السامع بملاحظة عموم اللفظ وعدم صدور شيء من ناحية المتكلم يدل على عدم كون فرد خاص موردا للإيجاب بان وجوب إكرام ذلك الفرد مراد أيضا.
وبعد ما صدر من ناحيته لفظ يدل بمدلوله المطابقي على عدم صدور هذا الحكم منه وان لم يكن هذا اللفظ شارحا للفظ الأول بل يكون حاكيا عن نفس الأمر فلا يبقى مجال للأخذ بأصالة العموم في الكلام الأول نعم لو كان الكلام الثاني غير متعرض للحكم بمدلوله الأولى بل يدل على جعل الحكم المنافي كقول المتكلم لا تكرم الفساق فلا بد من التعارض بين الكلامين في مورد الاجتماع لأنه كما ان كون إكرام العالم الفاسق مرادا للمتكلم ليس مدلولا أوليا لقضية أكرم العلماء بل يحكم السامع بذلك من جهة القاعد المسلمة كذلك كونه مرادا له من قضية لا تكرم الفساق فيقع التعارض فيحتاج إلى ملاحظة الأظهرية ان كانت في البين والا فيحكم بالتساقط ويرجع إلى قاعدة أخرى.
وبعبارة أخرى في القسم الأول لا يقع التعارض بين الكلامين في ذهن العرف حتى يحتاج إلى الترجيح بالأقوائية ولذا قلنا فيه بأنه يكفي انعقاد أول ظهور للكلام بخلاف القسم الثاني ويحتمل ان يكون هذا أيضا مراد شيخنا المرتضى لكنه قد قال في مبحث التعادل والتراجيح في ذيل بيان الضابط للحكومة ما ينافي ما ذكرنا هذا. واما وجه تقديم الأدلة والأمارات على الاستصحاب وساير الأصول العلمية فكونه من باب الحكومة يبتنى على ان يكون دليل حجيتها متعرضا لحكم الشك بمعنى
ان قول الشارع صدق العادل أو اعمل بالبينة يرجع إلى
620

ان هذا الشك ليس شكا عندي وما جعلت له حكم الشك والإنصاف انه لم يدل دليل الحجية الا على جعل مدلول الخبر واقعا وإيجاب معاملة الواقع معه واما ان حكم الشك لا يترتب على الشك الموجود فليس بمدلول لدليل الحجية نعم لازم حجية الخبر المنافي للاستصحاب أو ساير الأصول عدم ترتب حكم الشك عليه كما ان لازم ترتب حكم الشك عدم حجية الأمارة الدالة على الخلاف وهذا معنى التعارض والأقوى وفاقا لسيدنا الأستاذ طاب ثراه ورود الأدلة والأمارات على الاستصحاب وساير الأصول التعبدية.
وتوضيح ذلك انك عرفت في مبحث حجية القطع ان العلم إذا أخذ في الموضوع فتارة يعتبر على نحو الطريقية وأخرى على نحو الصفتية والمراد من اعتباره على نحو الطريقية ان المعتبر هو الجامع بينه وبين الطرق المعتبرة كما ان المراد من اعتباره على نحو الصفتية ملاحظة خصوصيته المختصة به دون ساير الطرق وهو الكشف التام المانع عن النقيض.
ونقول هنا ان الشك في مقابل
621

العلم أعني كما ان العلم المأخوذ في الموضوع تارة ويلاحظ على وجه الطريقية وأخرى على وجه الصفتية كذلك الشك قد يلاحظ بمعنى انه عدم الطريق وقد يلاحظ بمعنى صفة التردد القائمة بالنفس إذ الشك بمعنى عدم العلم فان لوحظ العلم طريقا فمعنى الشك الذي في قباله هو عدم الطريق وان لوحظ صفة فكذلك إذا عرفت هذا.
فنقول ان ظاهر الأدلة الدالة على الاستصحاب وساير الأصول ان العلم المأخوذ فيها أخذ طريقا وعلى هذا مفاد قولهم عليهم السلام لا تنقض اليقين بالشك انه في صورة عدم الطريق إلى الواقع يجب إبقاء ما كان ثابتا بطريق وهكذا كل ما دل على ثبوت الحكم
على الشك فمفاده دوران الحكم المذكور مدار عدم الطريق فإذا ورد دليل على حجية دليل أو أمارة يرتفع موضوع الحكم الذي كان معلقا على عدم الطريق والذي يدل على ذلك مضافا إلى انه لا يبعد دعوى ظهور العلم المأخوذ في الموضوع في كونه على نحو الطريقية عند العرف ان الأصول العملية والطرق المعتبرة تشتركان في كونها أحكاما ظاهرية للشاك في الواقع إذ لا يعقل جعل الطريق إلى الواقع للقاطع به سواء كان قطعه موافقا لمؤدى الطريق أم مخالفا فالأحكام الظاهرية سواء كانت من سنخ الطرق أم من سنخ الأصول مجعولة ما دام المكلف شاكا وحينئذ نقول ان تعليق الشارع الحكم على الشك وجعله ما دام كونه باقيا فيما يسمى بالأصول العملية وعدمه كذلك فيما يسمى بالطرق مع كونه أيضا أحكاما متعلقة بالشك ودائمة بدوامه دليل على ان الشك المذكور في الأصول العملية غير الشك اللازم عقلا في الطرق الشرعية ومغايرتهما بان يراد من الشك المأخوذ في الأصول عدم الطريق ويكون الشك اللازم في الطرق الشرعية عقلا ولم يذكر الدليل هو صفة التردد فليتأمل (فان قلت) هب ذلك لكن ورود الطريق على الأصول موقوف على شمول دليل الحجية لمواردها وأي ترجيح لشمول دليل الحجية على شمول أدلة
622

الأصول مع كون المورد قابلا لهما في أول الأمر (قلت) شمول أدلة الطريق لا مانع منه أصلا لوجود موضوعها مطلقا وعدم شيء يدل على التخصيص بخلاف شمول أدلة الأصول فان موضوعها يبتنى على عدم شمول دليل حجيته الطرق ولا وجه له بعد وجود الموضوع مطلقا وعدم ما يدل على التخصيص وبعبارة أخرى الأمر دائر بين التخصيص والتخصص والأول خلاف الأصول دون الثاني والعجب من شيخنا المرتضى (قد) حيث انه بعد ما نقل كون العمل بالأدلة في مقابل الاستصحاب من التخصيص بناء على ان المراد من الشك عدم الدليل والطريق والتحير في العمل استشكل بأنه لا يرفع التحير في خصوص
مورد الاستصحاب الا بعد إثبات كون مؤداه حاكما على مؤدى الاستصحاب والا أمكن ان (يقال) ان مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها سواء كانت هناك الأمارة الفلانية أم لا ومؤدى دليل تلك الأمارة وجوب العمل بمؤداها خالف الحالة السابقة أم لا ولا يندفع هذه المغالطة الا بما ذكرنا من طريق الحكومة انتهى
623

وأنت خبير بأنه بعد ما فرض ان المراد من الشك المأخوذ في الاستصحاب هو عدم الدليل والتحير لا يمكن ان (يقال) ان مؤداه وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها سواء
كانت الأمارة الفلانية أم لا إذ مع الأمارة الفلانية المفروض كونها حجة لا يبقى للاستصحاب موضوع على الفرض المذكور مع ان هذا الكلام يجري على تقدير القول بالحكومة أيضا بان يقال ان مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على طبق الحالة السابقة سواء كانت الأمارة الفلانية أم لا وكون الأمارة على تقدير وجودها حاكمة ليس أقوى من كونها واردة وكيف كان هو قدس سره اعلم بما أفاده ومما ذكرنا يظهر ان لا فرق في تقدم الطرق على الأصول العملية بين ما يكون مخالفا لها أو موافقا وكذلك لا فرق على ما أفاده شيخنا المرتضى قدس سره لأن وجود الطريق موجب لارتفاع موضوع الأصول بناء على ما قلنا وارتفاع حكمه بناء على ما أفاده قدس سره ويمكن ان يقرر الحكومة بان حجية الخبر والطرق وان قلنا بأنها حكم تعبدي من الشارع الا ان أدلة وجوب الأخذ بها تدل عليه بلسان الإرشاد إلى الواقع فكما ان المرشد حقيقة يكون غرضه رفع الشك من المسترشد كذلك المتعبد بلسان الإرشاد بفهم منه العرف ان غرضه رفع الشك تعبدا وهو راجع إلى رفع آثاره وذهب شيخنا الأستاذ دام بقائه في المقام إلى القول بورود الطرق على الاستصحاب وساير الأصول العملية بتقريب اخر قال في مبحث الاستصحاب ان مجرد الدليل على خلاف الحالة السابقة وان لم يوجب خروج المورد عن مورد الاستصحاب الا
انه يخرجه حقيقة عما تعلق به النهي في اخبار الباب من النقض بالشك فإنه لا يكون معه نقضا بالشك بل بالدليل فلا يعمه النهي فيها وليس افراد العام هاهنا هو افراد الشك واليقين كي يقال ان الدليل العلمي انما يكون مزيلا للشك بوجوده بل افراده افراد نقض اليقين
624

بالشك والدليل المعتبر وان لم يكن علميا يكون موجبا لئلا يكون النقض بالشك بل بالدليل إلى ان قال لا يقال قضية قوله عليه السلام في بعض الاخبار ولكن تنقضه بيقين اخر هو النهي عن النقض بغير اليقين والدليل المعتبر غير موجب لليقين مطلقا فكيف يقدم كذلك لأنا نقول لا محالة يكون الدليل موجبا لليقين غاية الأمر لا بالعناوين الأولية للأشياء بل بعناوينها الطارية الثانوية مثل كونه قام على وجوبه أو حرمته خبر العدل أو قامت البينة على ملكيته أو نجاسته بالملاقاة إلى غير ذلك من العناوين المنتزعة انتهى ما أردنا من نقل كلامه دام بقاؤه ولا يخفى ان جعل اليقين الذي جعل غاية للاستصحاب عبارة عن اليقين بالحكم بوجه من الوجوه وان كان من الوجوه الظاهرية يلازم جعل الشك الموضوع فيه عبارة عن عدم العلم بالحكم بوجه من الوجوه كذلك وعلى هذا فبعد قيام الدليل المعتبر ليس الشك بهذا المعنى موجودا وحينئذ فلا حاجة إلى تسليم ان الدليل المعتبر لا يوجب خروج المورد عن مورد الاستصحاب ولكن يخرجه عما تعلق به النهي من النقض بالشك وكيف كان ففي ما أفاده دام بقاؤه مواقع للنظر أحدها ان وجود الدليل المعتبر على خلاف الحالة السابقة بعد ما لم يكن موجبا للعلم لا يخرج المورد عن صدق نقض اليقين بالشك لأن المفروض بقاء الشك بحاله ولا نعنى بنقض اليقين بالشك إلا رفع اليد عن الحالة السابقة في حال الشك نعم هو نقض اليقين بالشك بواسطة الدليل وثانيها ان جعل اليقين الذي هو غاية للاستصحاب عبارة عن اليقين بالحكم بوجه من الوجوه حتى يكون العلم بالحكم بعنوان انه قام عليه عليه العدل مصداقا له حقيقة لا ينفع
في البينة القائمة على الموضوع الخارجي على خلاف الاستصحاب في ذلك الموضوع ضرورة ان البينة لا توجب العلم بمؤداها بوجه
625

لأن الموضوع غير قابل للجعل وبعبارة أخرى لو قام الدليل على حرمة شرب التتن في قبال استصحاب إباحته فلا يمكن ان يقال ان شرب التتن حرام يقينا بعنوان انه قام على حرمته الدليل المعتبر واما إذا قامت البينة على موت زيد في قبال استصحاب حياته فلا يمكن ان يقال انه ميت يقينا بعنوان قيام البينة على موته فحياة زيد في المثال مما علم سابقا ولم يعلم عدمه لاحقا بوجه من الوجوه فالعمل على طبق البينة نقض لحياته سابقا بغير اليقين بالخلاف ومنها ان الوجوه المذكورة ليست عناوين للأحكام بمعنى تعلق الأحكام بها بعناوينها بل انما لوحظت طريقا إلى الواقع ومقتضى تلك الملاحظة ان يجعل الحكم الثانوي للعنوان الذي يكون موضوعا للحكم الأولى مثلا لو قام الدليل على حرمة شرب التتن فمقتضى طريقية ذلك الدليل ان يصير شرب التتن بهذا العنوان محرما إذ لو لوحظ عنوان قيام خبر العدل في موضوع هذا الحكم كالغصب وساير العناوين الموضوعة للأحكام لخرج الدليل عن كونه طريقا معتبرا من جهة حكايته عن الواقع وإذا فرض ان مقتضى الدليل كون شرب التتن محرما بالحرمة الثانوية فنقول ان مقتضى الاستصحاب كونه مباحا بالإباحة الثانوية فأي مزية له عليه الا ان يلتزم بان غاية الاستصحاب هو العلم بالحكم الفعلي وان لم يكن متعلقا بوجه من الوجوه سوى الوجوه الواقعية ونحن علمنا حرمة شرب التتن بواسطة الدليل القائم عليها مثلا فتحقق العلم الذي هو غاية للاستصحاب فان (قلت) لم لا نأخذ بمفاد الاستصحاب ونعلم انه غير حرام فعلا حتى لا يحتاج إلى الأخذ بالدليل الدال على الحرمة (قلت) لأن ذلك موجب لرفع اليد عن الدليل من دون موجب بخلاف العكس فإنه يوجب التخصيص في دليل الاستصحاب والوجه
في ذلك ان إيجاب الأخذ بالطرق الشرعية ليس مغيا بالعلم بالحكم الفعلي حتى يمكن الأخذ بمفاد الاستصحاب وجعله غاية له كما في العكس بل الدليل على وجوبه
626

مطلق نعم لما علم انه حكم ظاهري للتوصل إلى الواقع علم انه ليس مجعولا للعالم بأصل الواقع لا انه مقيد بعدم العلم بالحكم الفعلي وان كان مدلولا لدليل أو أصل اخر وبعبارة أخرى دليل الاستصحاب جعل الحكم معلقا على الشك الظاهر في الشك في الحكم الفعلي وأوجب النقض بيقين اخر وهو ظاهر أيضا في اليقين بالحكم الفعلي وان كان مستفادا من الأدلة المعتبرة بخلاف دليل اعتبار الطرق فإنه اعتبرها مطلقا غاية الأمر مقيد عقلا بما إذا لم يعلم أصل الواقع وحينئذ فالأخذ بالطرق رافع لموضوع الاستصحاب حقيقة بخلاف العكس وكيف كان فلا أرى بدا مما سبق من ان الشك المأخوذ في الاستصحاب وساير الأصول بمعنى عدم الطريق فيرتفع هذا الموضوع بوجود كل ما اعتبر طريقا على نحو الإطلاق هذا (تنبيه) لا ندعي ان لفظ اليقين في الخبر استعمل في معنى الطريق المعتبر مطلقا ولا ان الشك استعمل في عدم الطريق كذلك حتى يلزم المجاز في الكلمة بل نقول ان الظاهر ان الخصوصية المذكور ملغاة في موضوع الحكم وهو غير عزيز في القضايا كما لا يخفى
(السادسة)
تعارضه مع ساير الأصول العملية مثل البراءة والاحتياط والتخيير ومحصل الكلام في المقام ان كل ما كان مما ذكر مدركه العقل فلا إشكال في ورود الاستصحاب عليه لارتفاع موضوعه بسببه لأن حكم العقل بالبراءة معلق على عدم بيان من جانب الشرع وحكمه بالاحتياط معلق على عدم وجود المؤمن وحكمه بالتخيير معلق على عدم ما يرفع به التحير من قبل الشارع ولا فرق فيما ذكر بين الأحكام الواقعية والظاهرية وهذا واضح
627

واما ما كان منها مأخوذا من الأدلة الشرعية كأصالة
البراءة المأخوذة من قوله رفع ما لا يعلمون وقوله كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى وكذا أصالة الطهارة ففي تقديم الاستصحاب عليها إشكال من جهة ان كلا من قاعدة الاستصحاب والقاعدتين المذكورتين حكم مجعول من الشارع في موضوع الشك ولا وجه لتقديم أحد القاعدتين على الأخرى سواء جعلنا الشك بالموضوع فيها بمعنى التردد في النفس أم جعلناه بمعنى عدم الطريق إذ على الثاني كل ما قدم من القاعدتين يكون رافعا لموضوع صاحبه واستراح شيخنا الأستاذ دام بقاؤه في هذا المقام بما أفاده سابقا من وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب وحاصله ان الشك المأخوذ في الأصول هو الشك من جميع الجهات فإذا علم الحكم بوجه من الوجوه ارتفع ذلك الموضوع وقد علمنا الحكم بعنوان نقض اليقين بالشك فلا مجال للأخذ بالحكم المعلق على عدم العلم بوجه من الوجوه أقول ليت شعري ما الفرق بين البناء على الحالة السابقة الذي هو حكم الشك في باب الاستصحاب والبناء على الإباحة الذي هو أيضا حكم الشك في باب البراءة وهكذا البناء على الطهارة الذي هو مفاد قاعدة الطهارة وما الذي رجح الاستصحاب حتى صار منشئا للحكم بهذا الوجه وارتفع به موضوع الأصل المخالف له وقال شيخنا المرتضى قده في وجه تقدم
الاستصحاب على أصالة البراءة ما لفظه ان دليل الاستصحاب بمنزلة معمم للنهي السابق بالنسبة إلى الزمان اللاحق فقوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك يدل على ان النهي الوارد لا بد من إبقائه وفرض عمومه وفرض الشيء في الزمان اللاحق مما ورد فيه النهي أيضا فمجموع الرواية المذكورة والمراد بها كل شيء مطلق
628

ودليل الاستصحاب بمنزلة ان يقول كل شيء مطلق حتى يرد فيه النهي وكل نهى ورد في شيء فلا بد من تعميمه لجميع أزمنة احتماله فيكون الرخصة في الشيء وإطلاقه مغيا بورود النهي المحكوم عليه
بالدوام وعموم الأزمان فكان مفاد الاستصحاب نفي ما يقتضيه الأصل الاخر في مورد الشك لو لا النهي وهذا معنى الحكومة كما سيجيء في باب التعارض انتهى كلامه رفع مقامه أقول لا إشكال في ان التعميم المستفاد من قضية لا تنقض انما هو الحكم المرتب على الشك وليست حاكية عن عموم التحريم بحسب الواقع وحينئذ فما الفرق بين ما يدل على ان الحكم الشرعي في حال الشك من سنخ ما كان موجودا في السابق وهو التحريم مثلا أو هو الترخيص وأي وجه لتقديم الأول على الثاني وكيف كان فالذي يمكن ان يقال ان مدلول أدلة الاستصحاب هو الحكم بإبقاء اليقين وإلغاء الشك لا جعل الحكم المطابق للسابق وان كانت بدلالة الاقتضاء يرجع إلى ذلك حيث ان اليقين لا يقبل لأن يحكم عليه بالإبقاء وحينئذ نقول ان جعلنا المراد من الشك الذي هو موضوع الأصول المعنى الظاهر منه أعني حالة الترديد في النفس فقوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك يكون حاكما عليها لأنه يدل على وجوب معاملة اليقين مع هذا الشك فموضوع أصالة البراءة وسائر الأصول التي في حكمها منتف شرعا وان كان باقيا عقلا وان جعلنا المراد منه عدم الطريق كما أسلفنا سابقا والمراد من اليقين الذي هو غاية للأصول ومعتبر في الاستصحاب ابتداء وغاية الطريق المعتبر فوجه تقديم الاستصحاب على أصالة البراءة وما شابهها وروده عليها لأن مفاد أدلته كون المكلف واجدا للطريق في حال الشك فلا يبقى لسائر الأصول
629

التي مفادها الحكم لفاقد الطريق موضوع فان قلت ان أردت من الطريق الذي يرتفع به موضوع الأصول ما يحكى عن الواقع الأولى فلا إشكال في عدم كون الاستصحاب كذلك وان أردت منه مطلق الأحكام الظاهرية التي جعلت بملاحظة الأحكام الواقعية من دون ملاحظة أنفسها فلا إشكال
في اشتراك الأحكام المجعولة في ساير الأصول معه في ذلك وحينئذ فأي واحد من الاستصحاب والأصل الاخر يقدم برفع موضوع صاحبه إذ كما يصدق بعد مجيء الحكم بالاستصحاب انه واجد الطريق إلى الحرمة مثلا بالمعنى الذي ذكرنا يصدق بعد مجيء الترخيص بأدلة البراءة انه واجد للطريق إلى الترخيص كذلك قلت نعم كون المكلف ذا طريق إلى الترخيص بالمعنى الذي ذكرنا انما هو بعد جعل الترخيص الظاهري الذي هو مفاد أدلة البراءة واما كونه ذا طريق إلى الحرمة المحققة في الزمن السابق بالمدلول الأولى عن أدلة الاستصحاب لأنها حاكمة ببقاء الطريق في حال الشك أيضا فواجدية المكلف الطريق إلى الحرمة السابقة بمقتضى أدلة الاستصحاب مقدمة على واجدية الطريق إلى الترخيص بمقتضى دليل البراءة إذ هي في مرتبة الترخيص الملزوم لانجعال الطريق وبعبارة أخرى بعد تحقق موضوع الاستصحاب وأصالة البراءة مع قطع النظر عن دليلهما دليل الاستصحاب متصد لرفع موضوع أصالة البراءة أولا واما دليل البراءة لا يتصدى لذلك أولا بل هو لازم للحكم المستفاد منه فموضوع الاستصحابات في رتبة الحكم المستفاد من دليل
630

البراءة بخلاف موضوع البراءة فإنه ينتفي بورود الحكم المستفاد من دليل الاستصحاب هذا كله في الاستصحابات الجارية في الأحكام واما الشبهات الموضوعية فتقدم الاستصحابات الجارية فيها على أصالة البراءة أوضح لأن الشك فيها في الحكم مسبب عن الشك في الموضوع ويأتي تقدم الأصل في السبب على الأصل الجاري في المسبب مطلقا إن شاء الله
السابعة في تعارض الاستصحابين
ومحصل الكلام في المقام ان الشك في أحدهما اما ان يكون مسببا عن الشك في الاخر واما ان يكون الشك فيهما مسببا عن ثالث واما كون الشك في كل منهما مسببا
عن الشك الاخر فغير معقول فالاستصحابان المتعارضان على قسمين الأول ما إذا كان الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الاخر وحكمه تقديم الاستصحاب الجاري في الشك في السبب ورفع اليد عن الحالة السابقة للمستصحب الاخر مثاله لو غسل ثوب نجس بماء كان طاهرا قبل وشك في بقاء طهارته حين غسل الثوب به فالثوب بعد الغسل بالماء يشك في طهارته ونجاسة ولكن هذا الشك انما نشاء من الشك في طهارة الماء حين غسل الثوب به إذ لو علم طهارة الماء حين الغسل لكان طهارة الثوب قطعية والوجه في تقدم الاستصحاب الجاري في الشك السببي أمران أحدهما ما أسلفنا سابقا في وجه تقدم الطرق المعتبرة على الأصول وحاصله ان الشك المأخوذ في موضوعها بمعنى عدم الطريق فإذا ورد طريق معتبر يرتفع موضوعها وفي المقام نقول أيضا ان دليل اعتبار الاستصحاب بملاحظة شمول الشك السببي لم يبق للاستصحاب في المسبب موضوعا لأنه بعد حكم الشارع بطهارة الماء الذي غسل به الثوب يحصل لنا طريق إلى طهارة الثوب أيضا ولا عكس بمعنى انه لو فرض شموله للشك في الثوب لا يترتب
631

عليه نجاسة الماء لأن نجاسة الماء ليست من آثار نجاسة الثوب لأن المفروض العلم بان الماء لم يتنجس بالثوب نعم لو علم ببقاء نجاسة الثوب يكشف عن نجاسة الماء وحينئذ فالامر دائر بين التخصيص والتخصص والأول مخالف للقاعدة بخلاف (الثاني) تقدم الشك المسببي على السببي طبعا لأن الثاني معلول للأول ففي رتبة وجود الأول لم يكن الثاني موجودا وانما هو في رتبة الحكم المرتب على الأول فالأول في مرتبة وجوده ليس له معارض أصلا فيحرز الحكم من دون معارض وإذا ثبت الحكم في الأول لم يبق للثاني موضوع وبهذا البيان الثاني تعرف وجه تقدم الاستصحاب الجاري في السبب وان قلنا بالأصول المثبتة.
توضيح المقال انه بناء على ذلك وان كان يترتب على الاستصحاب الجاري في
الثوب نجاسة الماء ويرتفع به موضوع الاستصحاب في الماء وليس على هذا من قبيل دوران الأمر بين التخصيص والتخصص الا ان التقدم الطبعي للشك السببي أوجب إحراز الحكم وارتفاع موضوع الاخر من دون عكس ومن هنا يعلم ان الاستصحاب ان قلنا باعتباره من باب الظن أيضا لكان المقدم الاستصحاب في السبب ويظهر أيضا من جميع ما ذكرنا ان هذا الحكم ليس مختصا بالاستصحاب بل كل أصل جار في الشك السببي مقدم على كل أصل جار في الشك المسببي حتى انه في المثال المذكور لو أحرز طهارة الماء بأصالة الطهارة نحكم بطهارة
632

الثوب ونرفع اليد عن الحالة السابقة فيه مع ان الاستصحاب مقدم على قاعدة الطهارة إذا كانا في مورد واحد القسم الثاني ما إذا كان الشك في كليهما ناشئا من امر ثالث ومثاله لو علم إجمالا نقض الحالة السابقة في أحد المستصحبين.
ومحصل القول في ذلك ان العمل بالاستصحابين تارة يوجب مخالفة عملية قطعية لذلك العلم الإجمالي وأخرى لا يوجب ذلك الأول كما لو علم بنجاسة أحد الإناءين الطاهرين في السابق والثاني كما لو توضأ غافلا بمائع مردد بين الماء والبول فان بقاء طهارة البدن والحدث وان كان مخالفا للقطع ولكن لا يلزم من البناء عليهما بمقتضى الاستصحابين مخالفة عملية اما القسم الأول فالتحقيق فيه ان عموم أدلة الاستصحاب يشمل كلا من طرفي العلم الإجمالي لأن الموضوع فيها اليقين بأمر في السابق والشك في بقاء ذلك الأمر في اللاحق وهذا المعنى محقق في كل واحد منهما لكن لما كان العمل بعموم الدليل المذكور في المقام موجبا لمخالفة قطعية عملية ولا يجوز عند العقل تجويز ذلك فلا بد من رفع اليد عنه في مجموع الطرفين نعم الترخيص في البعض لا بأس به لكن إخراج بعض معين وإبقاء الاخر كذلك ترجيح بلا مرجح إذ نسبة الدليل إلى كلا الطرفين على حد سواء وإبقاء واحد منهما على نحو التخيير غير مدلول الدليل لأن موضوعه الآحاد
المعينة ومقتضى ذلك التساقط والرجوع إلى مقتضى العلم الإجمالي بالتكليف وهو موجب للامتثال
633

القطعي فان قلت ترخيص أحد الطرفين وان لم يكن مدلول الدليل الا انه يجب الحكم بالترخيص من جهة العقل لأن مقتضى الترخيص في كل منهما موجود بمقتضى عموم الأدلة والمانع انما منع عن الجمع فالمقتضى في أحدهما يكون بلا مانع يجب تأثيره بحكم العقل ونظير هذا يقال فيما إذا تزاحم الغريقان ولم يقدر المكلف على إنقاذهما ولم يكن لأحدهما مرجح.
قلت هذا في مثال تزاحم الغريقين صحيح والوجه فيه ان مقتضى الاتخاذ في أحدهما موجود ولا يكون له مانع يقينا بخلاف ما نحن فيه لأنا نقطع بعدم المانع إذ لعل العلم الإجمالي الذي يقتضى الاحتياط يمنع عن تأثير مقتضى الترخيص مطلقا في نظر الشارع اللهم الا ان يقال بالترخيص في أحدهما لا من جهة ما ذكر بل من جهة الأخذ بإطلاق دليل الترخيص في كل من الطرفين ونقيد كل منهما بمقدار الضرورة بيان ذلك ان مقتضى عموم الدليل الترخيص في كل من الإناءين المشتبهين مطلقا أعني مع ارتكاب الاخر وعدمه والمانع العقلي انما يمنع هذا الإطلاق ولا ينافي بقاء الترخيص في كل واحد منهما بشرط عدم ارتكاب الاخر.
فان قلت لازم ذلك ان من لم يرتكب شيئا منهما يكون مرخصا في ارتكاب كليهما وهذا اذن في المخالفة القطعية قلت الأحكام لا تشمل حال وجود متعلقاتها ولا حال عدمها لأن الشيء المفروض الوجود ليس قابلا لأن يتعلق به حكم من الأحكام وكذا الشيء المفروض العدم مثلا بعد فرض الوجود الخارجي لشرب القتين لا يصح الأمر به ولا المنع عنه ولا الترخيص لأنه بعد هذا الفرض خارج عن تحت قدرة المكلف وكذا بعد فرض عدمه الخارجي فالدليل المذكور لا يمكن شموله للترخيص حتى في
صورة فرض عدم ارتكاب متعلقه حتى يكون ترخيصا في
634

المخالفة القطعية هذا وقد أشرنا إلى ذلك في الشبهة المحصورة فراجع وتأمل.
واما القسم الثاني فهو على قسمين أحدهما ان يكون مقتضى الاستصحاب في أحد الطرفين ثبوت التكليف ونحن نعلم بعدم التفكيك بينهما والثاني ان يكون مقتضاه في الطرفين ثبوت التكليف ونحن نعلم بعدمه في أحدهما اما الأول فلا مانع فيه من الأخذ بمقتضى كلا الأصلين لعدم المخالفة القطعية العملية التي كانت مانعة في المثال السابق ومجرد العلم بان مقتضى أحد الاستصحابين مخالف للواقع لا يؤثر شيئا نعم لو علمنا بعدم التفكيك حتى في مرحلة الظاهر يقع التعارض بينهما كما انه قد يقال في الماء النجس المتمم كرا بماء طاهر بقيام الإجماع على اتحاد الماءين في الحكم حتى بملاحظة الظاهر فحينئذ مقتضى استصحاب نجاسة المتمم بالفتح بضميمة الإجماع المدعى على الملازمة نجاسة الكل ومقتضى استصحاب طهارة المتمم بالكسر بضميمة الإجماع المذكور طهارة الكل فيقع التعارض بينهما ويحصل التساقط فاللازم في المثال الرجوع إلى قاعدة الطهارة واما الثاني فالأخذ بالاستصحاب فيه وان لم يكن مخالفا لتكليف واقعي معلوم كما هو المفروض لكن لما كان الاستصحاب حكما ظاهريا وليس له فائدة الا تنجيز) الواقع على تقدير الوجود فيما إذا كان مثبتا للتكليف وإسقاطه كذلك فيما إذا كان نافيا له لا يمكن جعل الاستصحابين في المثال للقطع بعدم ثبوت الواقعين فيكون أحدهما لغوا نعم لو فرض لهما أثر اخر غير تنجيز الواقع يمكن الأخذ بكل منهما لترتب ذلك الأثر كما في استصحاب نجاسة كل من الطرفين لإثبات نجاسة ملاقي كل واحد من المشتبهين إذ لو لا ذلك لكان الملاقى محكوما بالطهارة الا إذا حصل العلم الإجمالي في الملاقى كما إذا لاقى
635

شيء أحد الطرفين واخر الطرف الاخر هذا ما عندنا في هذا المقام وعليك بالتأمل التام وقد
ثم الكلام في أحكام الشك بأسرها مع مراعاة الاختصار والاجتناب عن الزوائد والتكرار ونسأل الله ان يصلح نياتنا وتجاوز عن زلاتنا انه عزيز غفار ويتلوها الكلام في التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى
636

بسم الله الرحمن الرحيم
وعليه توكلي
البحث في تعارض الدليلين
وهو عبارة عن تنافي مدلوليهما بحيث لا يمكن صدق كليهما بحسب الواقع ومن هنا يعلم انه لا تعارض بين مفاد الدليل الحاكي عن الواقع والدليل الدال على حكم الشك وان كان على خلاف الواقع لا مكان صدق كليهما مثلا يمكن ان يكون شرب التتن حراما ومع الشك في حرمته حلالا لاختلاف رتبتيهما وقد أوضحنا ذلك في مبحث حجية الظن عند تعرض كلام ابن قبة فلا نطيل الكلام بتكراره فراجع ثم انه لو كان الدليل الدال على الواقع مفيدا للقطع فلا إشكال والا يقع التعارض بحسب الصورة بين دليل حجية ذلك الدليل وبين ما يدل على حكم الشك لأن مقتضى دليل حجية الخبر الحاكي عن الواقع وجوب الأخذ بمؤداه في الحال التي عليها المكلف وهي حال الشك في الواقع ومفاد ذلك الخبر حرمة شرب التتن مثلا ومقتضى الدليل الدال على حكم الشك في هذا الحال حلية وليس بينهما اختلاف الرتبة كما كان بين الحكم الواقعي والحكم المتعلق بالشك لأن كلا منها حكم ثانوي مجعول للمكلف في حال الشك في الواقع الأولى هذا وقد فرعنا فيما تقدم أيضا عن ورود أدلة حجية الطريق على الأصول العملية فلا نعيد ومن أراد فليراجع
637

واما العام والخاص المطلق فالتعارض بين مدلوليهما واضح لعدم أمكن صدق كليهما
ومحصل الكلام فيها انهما على أقسام لأنهما اما ان يكونا قطعي السند أو يكونا ظنين أو يكون العام قطعي السند دون الخاص أو بالعكس وعلى أي حال اما ان يكون الخاص قطعيا من حيث الدلالة ومن حيث جهة الصدور أو يكون ظنيا من هاتين الجهتين أو من إحداهما فهنا أقسام لا بد من تعرضها القسم الأول إذا كان العام مقطوع الصدور والخاص أيضا مقطوع الصدور والجهة والدلالة فلا إشكال في تقديم الخاص المذكور على هذا العام لأن حجية ظهور العام أو جدية ظهور العام موقوفة على عدم العلم بالخلاف والخاص المفروض يوجب العلم بالخلاف كما هو واضح القسم الثاني إذا كان العام مقطوع الصدور والخاص ظني الصدور وقد اختلف العلماء في ذلك ومن جملة مصاديق هذا القسم تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد وهم بين قائل بتخصيص العام به وقائل بالعكس ومتوقف لأن لكل منها جهة رجحان وقال شيخنا المرتضى قد في وجه التخصيص المذكور ما محصله ان دليل اعتبار السند حاكم على أصالة العموم ان بنينا على ان اعتبار الظهور انما هو من حيث أصالة عدم القرنية فان مقتضى دليل اعتبار السند جعل هذا الخاص المفروض كونه نصا بمنزلة النص الصادر القطعي فالشك في تحقق القرينة الذي كان موضوعا للأصل المذكور بمنزلة العدم بحكم دليل اعتبار السند واما ان قلنا بان اعتباره من جهة الظن النوعي بإرادة الحقيقة الحاصل من الغلبة أو غيرها فالظاهر ان النص وارد عليه مطلقا وان كان ظنيا لأن الظاهر ان دليل حجية الظن الحاصل من إرادة الحقيقة الذي هو مستند أصالة الظهور مقيد بصورة عدم وجود ظن معتبر على خلافه ويكشف عن ذلك انا لم نجد ولا نجد من أنفسنا موردا يقدم فيه العام من حيث هو على الخاص وان فرض كونه
638

أضعف الظنون المعتبرة انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه
أقول وفيما ذكره قده نظر اما أولا فلأنه بناء على اعتبار العموم من باب أصالة عدم القرينة أيضا لو قدمنا الخاص فلا يكون وجه تقدمه الا الورود لعدم تعقل الحكومة في اللبيات كما لا يمكن القول بالتخصيص فلا بد ان يلتزم القائل بتقدم الخاص الظني السند على العام في هذا الفرض بان أصالة عدم القرينة معتبرة ما لم يكن في البين دليل معتبر على القرينة وان كان غير علمي وثانيا انه قده وان أصاب فيما أفاد من انه لا نجد من أنفسنا موردا يقدم فيه العام من حيث هو على الخاص وان كان أضعف الظنون المعتبرة ولكنا أيضا لا نجد من أنفسنا كون حجية الظواهر
بحسب الشأن والاقتضاء مقيدة بعدم وجود ظن معتبر على خلافها نعم ترفع اليد عنها في بعض الموارد وان لم يعلم بالقرينة لكن ليس ذلك من جهة قصورها في الحجية بل من جهة تقديم ما هو أقوى منها والحاصل ان تقديم الخاص الظني على العام وان كان نجده من أنفسنا كما أفاده ولكن وجهه ليس ما أفاده قده كما انه مما نجده من أنفسنا أيضا والذي يخطر بالبال في المقام في وجه التقديم ان دليل اعتبار السند يجعل ظهور العموم في الخاص بمنزلة معلوم الخلاف فان الأخذ بسند الخاص الذي لا احتمال فيه بعد الأخذ بالسند سوى المعنى الخاص الذي هو في مقابل العام يكون معناه جعل هذا المضمون بمنزلة المعلوم فيحصل غاية حجية الظواهر بنفس دليل اعتبار السند بخلاف دليل حجية الظاهر فإنه ليس معناه ابتداء جعل الغاية لحجية الخبر الواحد بل مقتضاه ابتداء هو العمل بالظاهر وانه مراد
639

من العام نعم لازم كونه مرادا من العام عدم كون الخبر الدال على خلافه صادرا من الإمام عليه السلام إذ المفروض كونه نصا من جميع الجهات فدليل حجية السند موضوعه محقق في رتبة تعلقها به بخلاف دليل حجية الظاهر فإنه يرد معه
يرفع موضوع الحجية ومعلوم انه إذا كان مع الحكم ما يرتفع به موضوعه لا يصح تحقق ذلك الحكم وبعبارة أخرى يرفع دليل حجية السند موضوع حجية الظاهر بنفس وجوده بخلاف العكس فان دليل حجية الظاهر لا يرفع موضوع حجية السند بنفس وجوده إذ من الواضح انه ليس معنى جعل الظاهر مرادا واقعيا هو عدم صدور ذلك الخاص من الإمام عليه السلام نعم يرفع موضوع حجية السند في الرتبة المتأخرة عن مجيء الحكم ففي المرتبة الأولى لا مانع من مجيء دليل اعتبار السند لتحقق موضوعه في هذه الرتبة فإذا جاء هذا الدليل لتحقق موضوعه يرتفع به موضوع ذلك الدليل فليتدبر جيدا ومما ذكرنا يظهر وجه تقدم الخاص الذي يكون نصا في المدلول الاستعمالي ولم يكن مقطوعا به من حيث وجه الصدور فان ما ذكرنا في تقدم الخاص الظني السند جار فيه أيضا نعم لو كان الخاص ظنيا من جهة المدلول الاستعمالي لم يجر فيه ما قلناه ضرورة كون أصالة الظهور في كل من العام والخاص في عرض واحد فتحصل مما ذكرنا ان الخاص إذا كان نصا في مدلوله الاستعمالي فهو مقدم
640

على العام سواء كان مقطوعا من ساير الجهات أو مظنونا أو مختلفا وسواء كان العام قطعي الصدور أم لا فيبقى الكلام في الخاص الظني بحسب الدلالة اللفظية فنقول ان كانا متساويين في الظهور فلا إشكال في التوقف لأن أصالة ظهور كل منهما معارضة بمثلها وان كان أحدهما أظهر ففي تقديم الأظهر وجعله قرينة على صرف الظاهر أو التوقف كالمتساويين إشكال وما يمكن ان يكون وجها للأول أحد أمرين على سبيل منع الخلو (أحدهما) ان يدعى ان بناء العرف على تقديم الأقوى عند التعارض فلا يكون متحيرا عند تعارض الأمارتين بعدا أقوائية إحداهما خصوصا إذا كان منشأ
الأقوائية ما يكون بنفسه حجة كما فيما نحن فيه فان منشأ الأقوائية إضافة ظهور هو حجة إلى ظهور آخر وليس ذلك ببعيد ولكنه يحتاج إلى التأمل (الثاني) ان يقال ان المتكلم إذا أحرزنا انه من عادته ذكر القرائن منفصلة عن كلامه بمعنى انه كثيرا ما يفعل كذلك كما هو كذلك في كلمات الأئمة عليهم السلام تصير كلماته المنفصلة المنافي بعضها مع بعض بمنزلة المتصل فكما ان اللفظ الذي يكون أظهر دلالة على معناه من لفظ آخر إذا وقع متصلا بالكلام يكون قرينة صارفة كما في لفظ يرمى بالنسبة إلى الأسد كذلك هذا اللفظ إذا وقع منفصلا إذا فهمنا بالفرض ان من عادته ان يؤخر ما يكون صالحا للقرينة في الكلام نعم فرق بين القرائن المتصلة والمنفصلة من جهة أخرى وهي ان الأولى تمنع عن انعقاد الظهور ويسرى إجمالها لو كان في الكلام بخلاف الثانية هذا واما الدليلان المتباينان بحسب المدلول فهما على أقسام أحدها ان يكونا نصين في تمام مدلوليهما والثاني ان يكونا ظاهرين وهو على قسمين أحدهما ان يكون لهما قدر متيقن بحيث لو فرض صدورهما تعين الأخذ به والثاني ان لا يكون لهما قدر متيقن في البين أصلا والأول منهما على قسمين أحدهما ان القدر
641

المتيقن المفروض انما فهم من نفس الدليلين والثاني انه علم من الخارج فهذه أربعة أقسام لا إشكال في عدم إمكان الجمع إذا كانا نصين كما انه لا إشكال في عدم إمكان الجمع أيضا إذا كانا ظاهرين في تمام مدلولهما فهذان القسمان داخلان في الخبرين المتعارضين ويعامل معهما معاملة التعارض من ملاحظة الترجيح في السند أو التخيير على التفصيل الذي يأتي إن شاء الله ولو كان كل منهما نصا في مقدار من مدلولهما وظاهرا في الاخر فمقتضى ما ذكرنا في وجه تقديم الخاص المظنون السند على العام الأخذ بالنص في كلا الدليلين هنا وإلقاء الظاهر فيهما تحكيما للنص
في كل منهما على الظاهر في الاخر ولا فرق في ذلك بين كونهما مقطوعي السند أو مظنوني السند بالظن المعتبر أو كان أحدهما مقطوع السند والاخر مظنونا بالظن المعتبر اما في الأول فظاهر واما في الثالث فلوقوع التعارض بين ظهور الخبر المقطوع الصدور وسند الاخر وما ذكرنا من الوجه في تقديم الخاص المعتبر على العام جار هنا بعينه واما في الثاني فلعدم كون المدلول مشمولا لدليل الاعتبار الا بعد الفراغ عن اعتبار السند فيشمل دليل الاعتبار كلا السندين من دون معارض لأن ما يتوهم ان يكون معارضا للسند دليل اعتبار الظهور في الاخر وظاهر انه غير مشمول لدليل الحجية قبل الفراغ من اعتبار سنده فالواجب ان يفرض السندان مقطوعي الصدور بمقتضى دليل الاعتبار الخالي عن المعارض كما عرفت ثم الأخذ بنص كل منهما وتحكيمه على ظاهر الاخر وبعبارة أخرى قبل الأخذ بالسندين ليس المدلولان مشمولين لدليل الاعتبار وبعد الأخذ بهما لا مناص لأخذ نص كل منهما وطرح ظاهر الاخر وبهذا البيان تعرف الحال في القسم الأخير أيضا وهو ما إذا كان لكل منهما على فرض الصدور قدر متيقن علم من الخارج لا بحسب مدلول القضية
642

فان ما ذكرنا في السابق جار هنا أيضا والحاصل ان ميزان الجمع ان يكون الدليلان بحيث لو فرض صدورهما لم يكن تحير في مدلولهما وقد يقال بالفرق بين القسمين الأخيرين بالالتزام بالجمع بين المدلولين في الأول ومعاملة المتعارضين في الثاني بملاحظة ان ثبوت المتيقن في كل من الدليلين من الخارج لا يخرجهما عن المتعارضين عرفا إذ ليس هذا الجمع هو الجمع المقبول عند العرف وفيه ان المراد من الجمع العرفي ان كان ارتفاع التعارض بينهما عرفا على فرض
الصدور كما هو الحال في المخصص المتصل فظاهر ان هذا المعنى في القسم الأول أيضا مفقود بل ليس ذلك في العموم والخصوص المطلق المنفصل أيضا إذ ليس حال المخصص المنفصل كالمتصل في كونه موجبا لانعقاد ظهور آخر للكلام وان كان المراد ان العرف بعد فرض صدور الدليلين لم يكن متحيرا في الأخذ بمدلولهما فالقسمان متساويان في ذلك فثبت مما ذكرنا ان المتباينين لو كان لكل منهما على فرض الصدور مقدار متيقن ولو علم ذلك من خارج اللفظ لزم الأخذ بهما باتباع المتيقن منهما
643

وطرح غيره في كليهما وقال شيخ أساتيذنا العظام شيخنا المرتضى قده في رسالة التعادل والتراجيح بانحصار الجمع بين الدليلين فيما إذا كان مستلزما للتصرف في أحدهما كالعام والخاص والمطلق والمقيد دون ما كان مستلزما للتصرف في كليهما وحاصل ما أفاده قده في وجه ذلك ان أحد الدليلين مقطوع الاعتبار فيقع التعارض بين ظاهره وبين سند الاخر ولا ترجيح لأخذ السند وطرح الظاهر أقول بعد تسليم كون أحد السندين مقطوع الاعتبار فالوجه في تقديم سند الاخر على ظاهر ما فرض القطع باعتباره ما قلنا في تقديم سند الخاص على ظهور العام مضافا إلى منع حجية أحد السندين لأن حجيته في المدلول التعيني ترجيح بلا مرجح وحجية الأخذ بالمبهم لا معنى لها فيما لم يكن هناك ثالث كما إذا قام الخبران على طرفي النقيضين فان قلت ان أحد الخبرين حجة بالإجماع لعدم القول بجواز طرحهما بين العلماء قد هم لأنهم بين من يجمع بين المدلولين ومن يأخذ بالترجيح لو كان والا فالتخيير ومن يحكم بالتخيير مطلقا قلت مدارك الأقوال المذكورة معلومة فمن اختار أحد المدارك المذكورة يلزمه حكمه فلم يبق له مجال للقول بحجية أحد الخبرين على سبيل الإبهام وتعارض ظهوره مع سند الاخر ومن لم يختر أحد المدارك المذكورة فلا دليل له
على حجية أحد الخبرين في مقام التعارض لا تعيينا ولا تخييرا ولا على سبيل الإبهام فان قلت إذا منعت حجية الواحد على سبيل الإبهام فبم يحكم بانتفاء الثالث فيما إذا كان لهما ثالث
644

قلت نفي الثالث لا يتوقف على حجية أحد الخبرين في المدلول المطابقي إذ كون دلالة اللفظ على اللازم متفرعة على دلالته على الملزوم لا يلازم كون حجية حكاية اللفظ عن اللازم متفرعة على حجية حكايته عن الملزوم إذ هما فردان من الكشف الحاصل من نقل الثقة فيشملهما دليل الاعتبار في عرض واحد ولو منع أحدهما مانع ليس في الاخر فلا وجه لسقوط دليل الاعتبار بالنسبة إلى ما ليس له مانع ومما ذكرنا يظهر ان ما اشتهر بينهم من ان الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح ان كان المراد الإمكان العرفي فهو صحيح وينحصر مورده فيما إذا لو فرض صدور كلا الدليلين لم يتحير العرف في المراد سواء كانا من قبيل العموم والخصوص أم غيره كما عرفت وان كان المراد غير ذلك فلا دليل عليه ثم ان الشهيد الثاني قده على ما حكى عنه في تمهيده فرع على قضية أولوية الجمع الحكم بتصنيف دار تداعياها وهي في يدهما أو لا يد لأحدهما وأقاما بينه انتهى وفي كون أول المثالين من فروع القاعدة ما لا يخفى لأن بينة كل منهما انما هي معتبرة في النصف سواء حكمنا بتقديم بينة الداخل أو الخارج فالحكم بالتنصيف مقتضى حجية بينة كل منهما في النصف لا مقتضى الجمع نعم يمكن ان يكون الثاني متفرعا على القاعدة وان كان للنظر فيه أيضا مجال حيث انه يمكن ان يقال ان الحكم بالتنصيف من جهة تساقط البينتين من الطرفين كما إذا لم يكن بينة في البين وتحالفا أو تناكلا وكيف كان
فالذي ينبغي ان يقال في المقام ان الجمع بين الدليلين في الاخبار الحاكية من قول الإمام عليه السلام يتصور على وجهين إحداهما التصرف في أحد الدليلين أو في كليهما على وجه يرتفع التنافي والثاني الأخذ ببعض المفاد من كل منهما أو من أحدهما وذلك فيما لم يتطرق فيه التوجيه والحمل كالنصين
645

واما الجمع بين مفاد قولي الشاهدين فينحصر في الثاني اما إذا كان القولان نصين فواضح واما إذا كانا ظاهرين أو أحدهما ظاهرا والاخر نصا فلان الجمع بهذا المعنى يتجه فيما إذا كان المتكلم واحدا أو في حكم الواحد واما في صورة تعاد المتكلم فلا وجه للتصرف في ظاهر كلام أحدهما لنصوصية كلام الاخر أو أظهريته إذا عرفت هذا فنقول ان سلمنا كون القاعدة المعروفة موردا للإجماع فلا محيص في أمثال المقام من الأخذ بمفاد بعض قول كل منهما وطرح البعض الاخر لأن طريق الجمع منحصر في ذلك ولا بد من الجمع بحكم القاعدة المفروض كونها إجماعية وان لم نقل بذلك كما هو الحق وقلنا بعدم الدليل على ذلك الا في الدليلين اللذين لم يتحير العرف في استكشاف المراد منهما بعد فرض صدورهما فاللازم التمسك بدليل آخر في أمثال المقام والذي يمكن ان يكون وجها للحكم بالتنصيف في المسألة المذكورة ونظائرها انا نعلم بوجوب فصل الخصومة على الحاكم ولا وجه لأن يحكم لأحدهما على الاخر فالحكم بالعدل عرفا ان يحكم بالتنصيف ويمكن ان يستظهر ذلك أيضا من الرواية الواردة في الدرهم الا ان يقال ان الحكم الوارد في الدرهم قضية في واقعة ولا يستكشف منها عموم الحكم لكل مال مردد بين اثنين والوجه الأول لا بأس به إذا لم يكن في البين طريق
شرعي لتعيين الواقع وقد جعل الشارع القرعة لكل امر مشكل والمسألة محتاجة إلى مزيد تأمل ثم انك قد عرفت مما مضى ان الجمع بين الدليلين فيما إذا لم يكن العرف متحيرا في المراد بعد فرض صدور كليهما أولى من طرح أحدهما والتخيير بينهما واما فيما إذا كان متحيرا على فرض الصدور فلا دليل على الجمع ولا يصح
646

وعلى هذا لا بد من التكلم فيما إذا تعارض الخبران ولا يمكن الجمع بينهما عرفا على نحو ما ذكرنا والكلام فيه يقع في مقامين المقام الأول فيما إذا كان الخبران متكافئين ولا يكون لأحدهما ترجيح على الاخر والثاني فيما إذا كان لأحدهما ترجيح على الاخر
اما الكلام في المقام الأول
فيقع في مقامين أيضا أحدهما فيما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الاخبار الواردة في الباب والثاني فيما يقتضيه الاخبار اما الكلام في الخبرين المتكافئين على حسب ما يقتضيه القاعدة فمحصله ان حجية الخبر اما ان تكون من باب السببية واما من باب الطريقية فلن قلنا بالثاني فمقتضى القاعدة التوقف فيما يختص كل من الخبرين به من المضمون والأخذ بما يشتركان فيه مثلا لو قام دليل على وجوب صلاة الظهر ودليل آخر على وجوب صلاة الجمعة فمقتضى القاعدة التوقف في الحكم الخاص المدلول لكل منهما بالخصوص والحكم بثبوت أحد المدلولين واقعا وفائدته نفي الثالث فهنا دعويان إحداهما لزوم التوقف في المدلول المختص لكل منهما والثانية لزوم الحكم بأحد المدلولين اللازم منه نفي الثالث والدليل على الأولى منهما أمران أحدهما بناء العرف والعقلاء فانا نراهم متوقفين عند تعارض طرقهم المعمول بها عندهم فان من أراد الذهاب إلى بغداد مثلا واختلف قول الثقات في تعيين الطريق إليه يتوقف عند ذلك حتى يتبين
له الأمر وهذا واضح من طريقتهم الثاني انه قد تحقق ان فائدة سلوك الطرق المجعولة تنجيز الواقع فيما لو كان هناك واقع مطابق لمؤداها وإسقاطه فيما لو كان واقع هناك على خلاف مؤداها ففيما تعارض الخبران الخبر الدال على
647

الوجوب يقتضى تنجيزه لو كان والخبر الدال على الإباحة يقتضى إسقاطه كذلك وهكذا ومقتضى ذلك سقوط كليهما عن الأثر وهذا معنى سقوطهما عن الحجية هذا على تقدير القول بان أدلة حجية الخبر تدل على حجيته من حيث هو مع قطع النظر عن حال التعارض لا بمعنى تقييده بعدم التعارض حتى يخرج المقام عن تعارض الحجتين بل بمعنى عدم ملاحظة حال التعارض لا إطلاقا ولا تقييدا كما هو الظاهر من الأدلة واما ان قلنا بإطلاق دليل الحجية لحال التعارض فلا وجه للتوقف بل الوجه على هذا التخيير لأن جعل الخبرين حجة حال التعارض لا معنى له الا التنجيز ولا يتوهم انه على هذا يلزم استعمال اللفظ في معنيين حجية الخبر تعينيا في غير مورد التعارض وتنجيز فيه لأن استفادة الخير هنا ليست من المدلول اللفظي بل هي من القرينة الخارجية فلا تغفل هذا ولكن الذي أسهل الخطب عدم ظهور أدلة حجية الخبر في هذا الإطلاق كما لا يخفى.
فان قلت على تقدير تسليم عموم دليل الحجية لكل منها يستكشف منه وجود المصلحة الطريقية في كل منهما تعيينا وعلى هذا مقتضى القاعدة التخيير لا التوقف كما هو الحال في الواجبين المتزاحمين الذين استكشف وجود المصلحة التامة في كل منهما تعينيا قلت فوق بين المقام وبين تزاحم الواجبين إذ في الثاني قد علمنا باشتمال كل منها على غرض من الشارع لازم الحصول وحيث لا يمكن الجمع فالعقل يحكم بوجوب تحصيل أحدهما لأنه مقدور وفيما نحن فيه ليس كل من
648

الطريقين مشتملا على غرض مستقل للشارع بل
المقصود الأصلي هو الواقع ونعلم بمخالفة أحدهما للواقع الذي هو المقصود الأصلي للأمر فما هو مخالف للواقع قطعا ليس فيه مصلحة الطريقية أصلا وحيث ان أحدهما المقطوع مخالفته للواقع ليس فيه مصلحة الطريقية فلا سبيل إلى الحكم بالحجية في المقام لا تعيينا ولا تخييرا مع قطع النظر عن الأدلة الاخر المتكفلة لحال الخبرين المتعارضين اما الأول فواضح لأن حجية كليهما غير ممكن وحجية أحدهما المعين دون الاخر ترجيح من غير مرجح إذا المفروض اجتماع بشرائط الحجية في كليهما من دون تفاوت وحجية أحدهما على التخيير تحتاج إلى دليل نقلي أو عقلي اما العقل فحكمه بالتخير موقوف على وجود المصلحة في كل واحد منهما تعينيا حتى في حال التعارض وقد عرفت عدم قابلية ما هو معلوم المخالفة للحجية واما النقل فلا يدل على التخيير أيضا لما عرفت من ان دليل حجية الاخبار متكفل لحجيتها على التعيين في حد ذاته واما الأدلة الواردة لعلاج المتعارضين فهي وان كانت تدل على التخيير لكن الكلام هنا مع قطع النظر عنها واما الدليل على الثانية فهو ان حجية الخبر انما هي من باب كشفه نوعا عن الواقع فالدليل المثبت لحجيته يوجب الأخذ بالكشف الحاصل منه لا ان معناه وجوب الأخذ بمؤدى قول العادل مثلا ولو لم يكن كذلك لكان الواجب الاقتصار بما كان مدلولا لفظيا له ولم يكن وجه للأخذ بلوازمه وملزوماته وملازماته كما كان الأمر كذلك في الأصول العملية والوجه في الأخذ بها ليس الا
ما ذكرنا وهو ان معنى حجية الطريق جعل الكشف الحاصل منه بمنزلة العلم ولا ريب انه إذا قام طريق على ثبوت الملزوم يحصل به الكشف عن اللازم كما حصل به الكشف عن ثبوت الملزوم وكذا بالعكس وهكذا إذا أقام طريق على أحد المتلازمين فالدليل الدال على حجية ذلك الكشف يدل
على حجية الجميع في عرض واحد وان كان بعضه مرتبا على بعض في مرحلة
649

الوجود إذا عرفت ذلك فنقول ان قام خبر على وجوب الظهر مثلا فقد حصل منه الكشف عما دل عليه بالمطابقة وهو وجوب صلاة الظهر وحصل منه الكشف أيضا عن لازمه الأعم أعني عدم براءة ذمة المكلف عن تكليف إلزامي وكذا ان قام خبر آخر على وجوب الجمعة فقد حصل منه كشفان أحدهما عن مدلوله المطابقي والثاني عن اللازم الذي ذكرنا وهما وان تعارضا في مدلولهما الخاص وسقطا عن الحجية ولكن بقي كشفهما عن اللازم المشترك وهو أيضا كشف حاصل من خبر العادل وهو وان كان تابعا للكشف الأول في الوجود ولكنه ليس تابعا له في الحجية لأن دليل حجية الانكشاف الحاصل من خبر العادل يشمل تمام افراد الانكشاف الحاصل منه القابل للاعتبار في عرض واحد وليس حجية انكشاف المعلول تابعة لحجية انكشاف العلة كما مر في محله من وجوب الأخذ بالانكشاف الحاصل من الطرق وان كان بواسطة وسائط لم تكن قابلة للاعتبار لخروجها عن وظيفة الشارع وان شئت قلت في تعارض الخبرين كشف أحدهما عن الواقع مقطوع الخلاف اما كشف أحدهما بلا عنوان فليس بمقطوع الخلاف فلا مانع من حجيته بعد كونه كشفا حاصلا من الخبر الجامع للشرائط المعتبرة في الحجية ولازم ذلك نفي الثالث وحينئذ فلو اقتضى الأصل خلاف مقتضى الخبرين يطرح لأنه في مقابل الدليل لكن أحدهما بلا عنوان ليس قابلا للحجية لعدم مدلول خاص له حتى يؤخذ به وحجية مدلوله الالتزامي غير موقوفة على حجيته لأنه من مصاديق الكشف الحاصل من الخبر فيشمله دليل الحجية من دون البناء على شموله للمدلول المطابقي وان كان هذا الكشف مرتبا على الكشف من المدلول المطابقي وجودا فليتدبر في المقام فإنه من مزال الإقدام هذا ما يقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن
الواردة في الباب واما بالنظر إليها فسيجيء الكلام في مدلول الاخبار العلاجية والنقض والإبرام فيها
650

بعد ذلك إن شاء الله هذا كله على تقدير القول بحجية الاخبار من باب الطريقية واما على تقدير اعتبارها من باب السببية فالذي صرح به شيخنا المرتضى قدس سره ان مقتضى الأصل التخير لأن المطلوبية المانعة عن النقيض في كل منهما موجودة فيجب الامتثال بقدر الإمكان وحيث لا يمكن الجمع يجب امتثال أحد التكليفين بحكم العقل على نحو التخيير لعدم الأهمية في أحدهما كما هو المفروض وإليه ذهب شيخنا الأستاذ دام بقاؤه حيث قال في تعليقته على رسالة التعادل والترجيح ما هذا لفظه فاعلم انه ان قلنا بحجية الاخبار من باب السببية فيكون حال المتعارضين من قبيل الواجبين المتزاحمين في ان الأصل فيهما هو التخيير حيث ان كل واحد منهما حال التزاحم أيضا على ما كان عليه من المصلحة التامة المقتضية للطلب الحتمي ولا يصلح التزاحم الا للمنع عن تنجزهما جميعا لامتناع الجمع لا عن أحدهما لإمكانه وحيث كان تعينه بلا معين ترجيحا بلا مرجح كان التخير متعينا نعم لو كان أهم أو محتمل الأهمية يتعين على ما سنفصله انتهى ما أردنا من نقل كلامه دام بقاؤه وعندي في ذلك نظر توضيحه ان جعل الأمارات من باب السببية كما أوضح ذلك شيخنا المرتضى قدس سره في مبحث حجيته الظن يتصور على وجوه بعضها باطل عقلا وبعضها باطل شرعا والذي يمكن من الوجوه المذكورة وجهان أحدهما ان يكون الحكم الفعلي تابعا للأمارة بمعنى ان لله تعالى في كل واقعة حكما يشترك فيه العالم والجاهل لو لا قيام الأمارة على خلافه بحيث يكون
651

قيام الأمارة المخالفة مانعا عن فعلية ذلك الحكم لكون مصلحة سلوك هذه الأمارة غالبة على مصلحة الواقع فالحكم الواقعي فعلى في حق غير الظان بخلافه وشأني في حقه بمعنى وجود المقتضى لذلك الحكم لو لا الظن على خلافه
والوجه الثاني ان لا يكون للأمارة القائمة ما على الواقعة تأثير في الفعل الذي تضمنت الأمارة حكمه ولا تحدث فيه مصلحة الا ان العمل على طبق تلك الأمارة والالتزام به في مقام العمل على انه هو الواقع وترتيب الآثار الشرعية المرتبة عليه واقعا يشتمل على مصلحة فأوجبه الشارع ومعنى إيجاب العمل على الأمارة وجوب تطبيق العمل عليها لا وجوب إيجاد العمل على طبقها إذا عرفت ذلك فنقول ان مقتضى السببية بالمعنى الأول انه إذا تعارض الخبران وعلم مطابقة أحدهما للواقع لم يكن للخبر المطابق تأثير أصلا لما عرفت في الوجه الأول من ان المانع من الحكم الواقعي انما هو الظن بالخلاف دون ما يكون مطابقا للواقع فالخبر الموافق لم يؤثر شيئا والمخالف صار سببا لانقلاب الحكم الواقعي فالواجب الأخذ بمؤدى إحدى الأمارتين في الواقع وهي الأمارة المخالفة للواقع دون ما هو مطابق له وحيث لم يتميز المخالف من الموافق يلزم التوقف والرجوع إلى مقتضى الأصل وهو يختلف بحسب المقامات لأن الخبرين ان كانا مثبتين للتكليف فان أمكن الاختيار يجب لأن مضمون أحدهما مجعول في حقه بمقتضى سببية الخبر المخالف للواقع والا فالتخيير وان لم يكونا مثبتين بل يكون أحدهما مثبتا والاخر نافيا فمقتضى الأصل البراءة لاحتمال كون النافي مخالفا للواقع وصار موجبا لانقلاب الواقع إلى مؤداه هذا في صورة العلم بمطابقة أحد الخبرين المتعارضين للواقع واما في صورة الجهل فالواقع لا يخلوا ما ان يكون كذلك فالحكم ما عرفت واما ان يكون كلاهما مخالفا للواقع فاللازم سقوط كليهما عن الأثر مثلا لو كان حكم الواقعة الإباحة فدل أحد الخبرين على الوجوب والاخر على
652

الحرمة فما دل على الوجوب يقتضى احداث مصلحة تامة في فعل ذلك الشيء وما دل على الحرمة يقتضى ذلك
في تركه وحيث لا يمكن الجمع بين إيجاب شيء وتحريمه يلغو السببان هذا بناء على السببية بالمعنى الأول نعم على الوجه الثاني فالامر كما أفاده قده لأن الواقع على هذا لا يتغير عما هو عليه سواء كانت الأمارة مطابقة له أم لا بل المصلحة في الالتزام والتدين بما دلت عليه ولما كانت الأمارتان في محل الفرض متعارضتين ولم يمكن الالتزام بمؤدى كليتها وجب ذلك في إحداهما على سبيل التخيير لعدم الأهمية كما هو المفروض فان قلت ليس الأمر كذلك على الإطلاق في هذا الفرض أيضا لجواز التدين بمدلول الأمارتين في بعض فروض التعارض كما إذا دل الدليل على وجوب الظهر والاخر على وجوب الجمعة مع العلم بعدم كليهما فان الدليلين متعارضان لعدم جواز صدق كليهما مع العلم المفروض مع انه يمكن الالتزام بمدلول كلا الدليلين وحينئذ لا سبيل إلى التخيير لأنه متفرع على عدم إمكان الجمع والمفروض خلافه قلت قد حقق في محله ان اعتبار الأمارات ليس مخصوصا بمداليلها المطابقة بل يؤخذ بها وبما يلازمها سواء كانت الملازمة بين الشيء ومداليلها بحسب الواقع أم لا بل كانت بملاحظة علم المكلف ولا يفرق في ذلك بين القول باعتبارها من باب الطريقية والسببية كما هو واضح وحينئذ نقول بعد العلم بانحصار الواجب في أحد الفعلين اما الظهر واما الجمعة فالخبر الدال على وجوب الظهر مثلا يدل على عدم وجوب الجمعة وكذا الخبر الدال على وجوب الجمعة ومقتضى التدين بالأول الالتزام بوجوب الظهر وعدم وجوب الجمعة ومقتضى التدين بالثاني عكس ذلك ولا يمكن الجمع بينهما فمقتضاه التخيير فافهم هذا تمام الكلام في مقتضى الأصل مع قطع النظر عن الاخبار الواردة في
653

المقام واما بالنظر إليها فهل يحكم بالتخيير أو التوقف أو الأخذ بما يوافق الاحتياط أو التفصيل بين ما لا بد فيه من العمل فالتخيير وبين غيره فالتوقف كما حكي عن غوالي اللئالي أو التفصيل بين
دوران الأمر بين محذورين فالتخيير وغيره فالتوقف أو التفصيل بين حق الله فالتخيير وحق الناس فالتوقف كما نسب إلى الوسائل وجوه ناشئة من اختلاف الاخبار واختلاف الأنظار في الجمع بينهما فنقول المشهور الذي عليه جمهور المجتهدين الأول للاخبار المستفيضة الدالة عليه ولكن يعارضها الاخبار الدالة على التوقف وهي أيضا في الكثرة لا تقصر من الاخبار الدالة على التخيير وكذا يعارضها مرفوعة زرارة المحكية عن غوالي اللئالي الآمرة بالاخذ بما فيه الاحتياط بعد فرض السائل تساوى الخبرين في جميع ما ذكر فيها من المرجحات اما معارضتها مع المرفوعة فقد أجاب عنها شيخنا المرتضى قدس سره بضعف سند المرفوعة فإنه قد طعن في ذلك التأليف وفي مؤلفه المحدث البحراني قدس سره في مقدمات الحدائق وفي ما أفاده نظر لأن
المرفوعة وان كانت ضعيفة السند الا ان ضعفها مجبور بعمل الأصحاب حيث استقرت سيرتهم في باب الترجيح على العمل بها كما اعترف به قدس سره في موضع اخر من الرسالة فالأولى ان يقال ان الأخذ بما يوافق الاحتياط في المرفوعة انما جعل في
654

عداد المرجحات وحينئذ ان حملنا الأدلة الدالة على الأخذ بالمرجحات على الاستحباب فالامر سهل والا فالمتعين حمل تلك الفقرة على الاستحباب لعدم قائل بوجوب الترجيح بالموافقة للاحتياط ظاهرا فإنهم بين قائل بالتوقف مطلقا وقائل بالتخيير كذلك ومفصل بين الموارد المذكورة ولا ينافي ذلك كون المراد في باقي الفقرات الوجوب كما لا يخفى واما معارضتها مع اخبار التوقف فقد أجاب عنها شيخنا المرتضى قدس سره أيضا بأنها محموله على صورة التمكن
عن الوصول إلى الإمام عليه السلام كما يظهر من بعضها فيظهر منها ان المراد ترك العمل وإرجاع الواقعة إليه وفيه نظر اما أولا فلأنه كما يوجد في الاخبار
الدالة على التوقف ما يظهر منه التمكن من الوصول إلى الإمام عليه السلام من جهة كون الأمر بالتوقف فيها معينا بلقائه عليه السلام كذلك في الاخبار الدالة على التخيير ما يظهر منه ذلك لعين تلك الجهة كرواية حارث بن مغيرة عن الصادق عليه السلام إذا سمعت عن أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم عليه السلام واما ثانيا فلان مجرد دلالة بعض اخبار التوقف على التمكن من الوصول إلى الإمام عليه السلام لا يوجب تقييد ساير الاخبار المطلقة إذ لا منافاة بين وجوب التوقف مطلقا سواء تمكن من الوصول إلى الإمام عليه السلام أم لا كما هو مفاد الاخبار المطلقة وبين كون غاية التوقف الوصول إليه عليه السلام كما هو مفاد بعض الاخبار الاخر فلا وجه للحمل كما لا يخفى وقد يقال ان التحديد بلقاء الإمام عليه السلام أعم من صورة التمكن
655

لأن كلمة حتى كما تدخل على الغاية الممكنة كذلك تدخل على الغاية الممتنعة كما في قوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط فالاخبار المحدودة بلقائه مطلقه من حيث التمكن من الوصول إلى خدمته عليه السلام كما ان اخبار التخيير أيضا مطلقة فتكونان متباينين فيحتاج الجمع بينهما بحمل كل منهما على صورة معينة إلى شاهد خارجي وفيه ان كلمة حتى وان كانت كذلك بحسب وضعها اللغوي لكنها تنصرف عند الإطلاق إلى ان الغاية التي جعلت تلوها من الممكنات وكيف كان فالذي أظن في الجمع بين الاخبار ان اخبار التوقف ليست ناظرة إلى ما يقابل الأخذ بأحدهما على سبيل التخيير ولا على سبيل التعيين بل هي ناظرة إلى تعيين مدلول الخبرين المتعارضين بالمناسبات الظنية التي لا اعتبار بها شرعا ولا عقلا فيكون المعنى على هذا انه ليس له استكشاف الواقع والحكم بان الواقع كذا كما كان له ذلك فيما كان في البين ترجيح ولا إشكال في ان المتحير من جهة الواقع لا بد له من قاعدة يرجع إليها في مقام العمل فلو جعل التخيير مرجعا له في مقام العمل لا ينافي وجوب التوقف كما انه لو جعل المرجع في مقام العمل الأصل
الموافق لأحد الخبرين لم يكن منافيا لذلك والشاهد على ذلك في اخبار التوقف أمران أحدهما ان التوقف من غير جهة المدلول امر مركوز في أذهان العرف أترى ان أحدا من العقلاء يبنى في صورة تعارض الخبرين المتساويين من جميع الجهات على حجية أحدهما المعين أو على حجية أحدهما على سبيل التخيير من دون دليل وحيث ان التوقف من هاتين الجهتين مرتكز في أذهانهم فلا يحتاج إلى تلك الأوامر الكثيرة وهذا بخلاف تعيين مدلول الخبرين المتعارضين بل مدلول كل خبر متشابه بالظنون والاعتبار فان هذا امر مرسوم عندهم متعارف بينهم وقد تصدى الشارع لسد
656

هذا الأمر بحكمه بلزوم التوقف عند اشتباه مدلول الخبر اما بالتعارض أو بغيره والحاصل انا ندعي ان اخبار التوقف بملاحظة ما قلنا منصرفة إلى حرمة القول بالرأي في تعيين مدلول كلام الشارع فإذا ورد دليل دال على التخيير في مقام العمل فلا منافاة بينه وبين تلك الاخبار والشاهد على ذلك أيضا قولهم عليهم السلام بعد الأمر بالتوقف في بعض الاخبار ولا تقولوا فيه بآرائكم وان أبيت عن الانصراف المذكور يمكن ان يقال ان مدلول اخبار التوقف أعم مطلقا من مدلول اخبار التخيير لأن الأول يرجع إلى النهي عن أمور منها القول بغير العلم في مدلول الخبرين ومنها الأخذ بخبر خاص حجة على انه هو الحجة لا غير ومنها أخذ أحدهما حجة على سبيل التخيير واخبار التخيير تدل على جواز الأخير فيجب تقييد تلك الأدلة بها.
ومما ذكرنا ظهر ما أفاده شيخنا المرتضى قد في الرسالة من دلالة اخبار التوقف على الاحتياط في العمل بالاستلزام ووجه ذلك شيخنا الأستاذ دام بقاؤه بان الاحتياط في العمل لا يحتاج إلى فتوى بشيء أصلا بخلاف العمل على البراءة فإنه لا بد من الفتوى بها ثم ناقش في ذاك يمنع الاستلزام إذ يكفي في العمل بالبراءة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بلا إفتاء بالإباحة شرعا لا ظاهرا ولا واقعا ثم قال دام بقاؤه فالأولى التمسك للاحتياط
بإطلاق اخبار التوقف إذ بإطلاقها تدل على وجوب التوقف عن ارتكاب الشبهة مطلقا وعدم جواز الاقتحام فيها أصلا عملا كان أو فتوى بل دلالتها على وجوب التوقف في الفتوى ليست الا لأنها عمل أيضا لا بما هي فتوى انتهى.
657

أقول ومما ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده بقوله فالأولى إلخ لأن التعبير عن الاحتياط في العمل بالتوقف انما يحسن في خصوص الشبهة التحريمية لأنها هي التي يحسن فيها التوقف أعني السكون وعدم الحركة إلى الفعل دون غيرها كما لا يخفى.
وهنا أمور يجب التنبيه عليها أحدها ان التعارض ان وقع للحاكم في مدرك حكمه فهو يتخير أحد الخبرين ويحكم على طبقه لأن فصل الخصومة عمل القاضي فالتخيير له لا للمترافعين وان وقع للمفتي ففي عمل نفسه أيضا يختار أحدهما ويعمل على طبقه واما في عمل المقلد فهل يختار أحدهما أيضا أو يجب الإفتاء بالتخيير وجهان الأقوى الثاني لأن الأحكام الظاهرية كالواقعية مجعولة للمجتهدين والمقلدين وليس في أدلة الأحكام الظاهرية ما يظهر منه اختصاصها بالمجتهدين والقول بان العمل بأحد الخبرين عند التعارض أو بأقويهما ليس الا وظيفة للمستنبط ولا معنى لثبوت ما يتعلق بالاستنباط من الأحكام للعامي الغير القادر على الاستنباط مدفوع بان ما هو وظيفة المستنبط وفهم التعارض بين الخبرين وتساويهما أو كون أحدهما أقوى واما العمل على طبق الأقوى أو أحدهما فليس بشيء يختص بالمجتهد لأن هذا العمل ليس الا كالعمل بأصل الواقعيات الأولية التي يشترك فيها جميع العباد وان لم يكن للمقلد طريق إليها الا فهم مجتهده.
والحاصل ان الأحكام المتعلقة بالموضوعات سواء كانت واقعية أم ظاهرية حال المجتهد والمقلد بالنسبة إليها سواء والذي يختص بالمجتهد ولاحظ للمقلد فيه فهم تلك الأحكام وتشخيص مواردها من طريق النظر فلا تغفل
658

الثاني ان التخيير هل هو على سبيل
الاستمرار بمعنى انه هل يجوز للحاكم ان يحكم على طبق أمارة في واقعة ثم يحكم على طبق أمارة أخرى في واقعة أخرى مثلها أم لا وكذا يجوز للمفتي ان يختار في عمل نفسه أمارة ويعمل على طبقها ثم يختار أخرى ويعمل عليها وكذا يفتى للمقلد هذا النحو من الاخبار أم لا الأقوى هو الأول لإطلاق أدلة التخيير خصوصا بعد ملاحظة ما ورد في بعض الاخبار من ان الأخذ بأحد الخبرين انما هو من باب التسليم ومن المعلوم ان مصلحة ذلك لا تخص بابتداء الحال وان أبيت عن ذلك وقلت ان الاخبار لم يكن لها تعرض الا لبيان وظيفة المتحير في أول الأمر يكفي في إثبات
659

استمرار التخيير استصحاب ذلك الحاكم على استصحاب الحكم المختار والقول باختلاف الموضوع مدفوع بما مر في محله من كفاية الوحدة العرفية الثالث انك عرفت ان الحكم بالتخيير في الخبرين المتعارضين انما هو من باب التعبد بالأخبار الواردة في الباب وان مقتضى القاعدة بناء على اعتبار الاخبار من باب الطريقية التوقف وحينئذ فاللازم الاقتصار في ذلك على مورد
الاخبار العلاجية وهو صورة تعارض الخبرين وحكم تعارض الأمارتين القائمتين في غير الأحكام التوقف على حسب ما تقتضيه القاعدة كما هو الظاهر.
المقام الثاني
فيما إذا كان لأحد الخبرين مزية على الاخر والتكلم فيه يقع في أمرين أحدهما هل يجب الترجيح بواسطة وجود المزية في أحد الخبرين لا الثاني على فرض ذلك هل يقتصر على مزايا مخصوصة أم يتعدى إلى كل مزية اما الأمر الأول فالمشهور وجوب الترجيح وقبل الشروع في الاستدلال لا بد من تأسيس الأصل في المسألة.
فنقول قد عرفت مقتضى الأصل الأولى في الخبرين المتعارضين بناء على الطريقية والسببية وانه على الأول وان كان لأحدهما مزية على الاخر إذ مجرد المزية لأحدهما على الاخر لا يصلح دليلا على الخروج عن مقتضى أصالة عدم الحجية كما لا يخفى لكن
كلامنا في هذا المقام بعد فرض حجية أحد الخبرين من جهة التعبد بالأخبار انما الإشكال في ان الحجة خصوص ذي المزية أو أحد الخبرين على سبيل التخيير فالمقام من دوران الأمر بين التخيير والتعين.
فنقول بناء على اعتبار الاخبار من باب الطريقية مقتضى الأصل التعيين
660

لأن ذا المزية حجة يقينا وغيره مما لم يعلم حجيته فيجب الأخذ بما يعلم حجيته ولا يجوز الأخذ بما يشك في حجيته لأنه تشريع ومن هنا يظهر انه متى دار الأمر بين التعيين والتخيير بين الطريقيين فالأصل التعيين وان قلنا في غير هذا المقام بالتخيير لأن أخذ الشيء طريقا عبارة عن جعله مستندا للحكم الشرعي ولا يجوز ذلك الا إذا علم بالحجية واما ان قلنا باعتبار الاخبار من باب السببية فالمقام من قبيل المتزاحمين مع احتمال أهمية أحدهما المعين والذي يظهر من شيخنا المرتضى قد في مثل ذلك هو التعيين فان وجوب الأخذ بمحتمل الأهمية قطعي لأنه اما متعين في الواقع أو ان يكون أحد طرفي التخير بخلاف الطرف الاخر فالأخذ بمحتمل الأهمية موجب لبراءة الذمة يقينا بخلاف الأخذ بالاخر وفصل شيخنا الأستاذ دام بقاؤه بين ان يكون منشأ الأهمية المحتملة أشدية المناط أو اتحاده مع واجب آخر فان كان احتمالها ناشئا من الجهة الثانية فلا وجه لاستقلال العقل بوجوب ما كان منهما محتملا لها بل العقل يستقل بالتخيير بعد الجزم يعدم العقاب على الواجب الاخر لو كان فإنه عقاب بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان ولو كان احتمالها ناشئا من الجهة الأولى فالظاهر استقلال العقل بالاشتغال وعدم الفراغ عن العهدة على سبيل الجزم الا بإتيان ما فيه الاحتمال حيث ان التكليف به في الجملة ثابت قطعا وانما الشك في تعينه هل هو على سبيل التخيير أو التعيين وليست الجهة لو كانت تكليفا اخر حتى يمكن نفيه بأصالة البراءة بل هي على
تقديره من كيفيات ذلك التكليف المعلوم تعلقه بداهة ان أقوائية جهة وجوب الأهم ليست جهة أخرى منضمة إليها كما لا يخفى انتهى كلامه دام بقاؤه
661

أقول الأقوى عندي التخيير مطلقا لأن التكليف الشرعي بمقتضى الدليل الأولى ثابت في كلا الطرفين فالمقتضى للامتثال موجود فيهما وبعد عدم إمكان الجمع ووجود المقتضى في كلا الطرفين تاما يحكم العقل بالتخيير لأن التعيين ترجيح بلا مرجح فان مقتضى الامتثال انما هو امر المولى والعلم بان الواقع مطلوب للمولى من حيث هو وان احتمل عدم فعلية الطلب من جهة احتمال عروض عوارض اقتضت ذلك فهو موجود في كلا الطرفين من دون تفاوت أصلا نعم أشدية المناط توجب أمرا اخر من قبل المولى على سبيل التعيين بملاحظة حال التزاحم وحيث لا سبيل إلى العلم به كما هو المفروض فمقتضى الأصل البراءة. والحاصل انه فرق بين ما نحن فيه وبين دوران الأمر الصادر من المولى بين التعيين والتخيير فإنه في الثاني لم يثبت امر من المولى متعلقا بالطرف المشكوك فالإتيان به لا يوجب البراءة من الأمر المعلوم على سبيل الجزم فيجب الاحتياط بإتيان الطرف المعلوم قضاء لاشتغال الذمة بالتكليف يقينا واما فيما نحن فيه فكل طرف أتى به يعلم انه متعلق للتكليف الثابت عليه أولا نعم يحتمل ان يكون الأمر بواسطة الأهمية يرجح طرفا معينا وحيث لم يثبت
662

ذلك فالمؤاخذة عليه مؤاخذة بلا برهان فليتدبر وكيف كان فقد عرفت انه بناء على اعتبار الاخبار من باب الطريقية فمقتضى الأصل التعيين لأنه مع دوران الأمر بين الأخذ بما هو متيقن الحجية وما هو مشكوك الحجية فاللازم الأخذ بالأول فان جعل ما شك في اعتباره فعلا مدركا للحكم الشرعي تشريع محرم وحيث ان التحقيق اعتبار الاخبار من باب الطريقية فالأصل في المسألة التعيين هذا تمام الكلام في مقتضى الأصل
في المقام واما الأدلة التي أقاموها على الترجيح فأمور نذكر بعضها لعدم الفائدة في ذكر الجميع منها.
الإجماع قال بعض الأساطين قد في طي أمور استدل بها على المقصود ما لفظه الثاني الإجماع بقسميه بل بأقسام من القولي والعملي المحقق والمنقول اما الإجماع المحقق القولي فطريق تحصيله مراجعة كتبهم خصوصا الأصولية المعدة لذلك فإنهم ينادون بأعلى صوتهم بوجوب العمل بأرجح الدليلين من غير خلاف محقق الا خلاف شاذ ممن عرفت فان الإطلاقات النادرة والأقوال الشاذة الصادرة عن بعض الآراء والاجتهادات في مقابل جمهور العلماء مما لا يعبأ به والا لم يبق للإجماع في غير الضروريات من مسائل الفقه مورد ومحل.
والحاصل ان هذا الإجماع كأحد الإجماعات الموجودة في المسائل الفقهية بل من أعلاها فان كانت الأقوال الشاذة قادحة في الإجماعات فخلاف الجماعة قادح في هذا الإجماع والا فلا واما المنقول فقد ادعاه من أساطين الفن جمع كثير ففي المفاتيح دعوى
663

الإجماع على ترجيح بعض الاخبار على بعض وعن النهاية ان الإجماع على العمل بالترجيح والمصير إلى الراجح من الدليلين ومن غاية المبادي إجماع الصحابة على العمل بالترجيح عند التعارض وعن غاية المأمول يجب العمل بالترجيح لأن المعهود من العلماء كالصحابة ومن خلفهم من التابعين انه متى تعارض الأمارات اعتمدوا على الراجح ورفضوا المرجوح وعن الأحكام أيضا وجوب العمل بالدليل الراجح لما علم من إجماع الصحابة والسلف في الوقائع المختلفة على وجوب تقديم الراجح من الظنين وعنه أيضا في موضع اخر من تفتش عن أحوالهم ونظر في وقائع اجتهاداتهم علم علما لا يشوبه ريب انهم كانوا يوجبون العمل بالراجح من الظنين دون أضعفهما وعن المختصر ما يقرب
من ذلك ويمكن استفاده عدم الخلاف من المعالم وأمثاله حيث قال قده ان التعادل يحصل عن اليأس من الترجيح بكل وجه لوجوب المصير إليه أولا عند التعارض وعدم إمكان الجمع وأرسله إرسال المسلمات ولم ينقل فيه خلافا وظاهره كما ترى اتفاق العلماء على ذلك خصوصا بعد تعرضه لخلاف بعض أهل الخلاف في التخيير مع التعادل وعدم تعرضه هنا والحاصل ان الوقوف في إثبات الإجماع محققا ومنقولا قولا وفعلا مبالغة في إيضاح الواضحات خصوصا العملي منه نعم ليس في هذه الإجماعات ما تحكى عن فتوى الصحابة والعلماء لأن كلها حاكية عن عملهم وهو يكفي في المقام وليس دون الإجماع المنقول الاصطلاحي في الاستدلال هنا انتهى موضع الحاجة من كلامه وانما خرجنا من وضع هذا الكتاب تيمنا بنقل كلماته الشريفة جزاه الله عن أهل الإسلام خيرا أقول تحقق في محله ان الإجماع الذي هو أحد من الأدلة عبارة عن الاتفاق الكاشف عن قول الإمام عليه السلام أو فعله وتقريره عليه السلام كشفا
664

قطعيا فلو حصلنا اتفاق الكل ولكن احتملنا ان يكون منشأ هذا القول منهم امرا لا يصح كونه مستندا عندنا فلم يتحقق كما لا يخفى وفي المقام لما يمكن بل يظن ان مدرك فتوى القائلين بوجوب الترجيح بعض الوجوه الآتية فليس هذا الاتفاق بشيء بل يرجع إلى تلك الوجوه هذا حال الإجماع المحصل الذي استدل به فكيف حال المنقول مضافا إلى ان الناقلين لم ينقلوا الإجماع على وجوب الترجيح من الصحابة والعلماء بل نقلوا عملهم على ذلك وهو لا يكشف عن كونه واجبا عندهم ومنها ان العدول من الراجح إلى المرجوح قبيح عقلا بل ممتنع قطعا فيجب العمل بالراجح
لئلا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح وفيه انه ان أريد من الراجح ما هو كذلك بملاحظة الدواعي الشخصية للفاعل
فترجيح المرجوح بهذا المعنى عليه محال لكن ليس العمل بغير ذي المزية اختيارا للمرجوح ضرورة انه ما لم يترجح بحسب دواعيه الشخصية لم يعقل اختياره وان أريد منه ما يكون كذلك عقلا فقد عرفت انه مع قطع النظر عن التعبد يحكم بالتوقف وعدم العمل بواحد منهما بالخصوص فما دعت إلى العمل بأحد الخبرين عند التعارض الا الاخبار الواردة في الباب فلا بد ان تلاحظ فان دلت على التخيير مطلقا حكم به وان دلت على الترجيح حكم به أيضا وان قصرت دلالتها من هذه الجهة فلا بد من الرجوع إلى الأصل الذي أسسناه وكيف كان التمسك بقبح ترجيح المرجوح على الراجح أو امتناعه مما لا دخل له بالمقام ومنها الاخبار الواردة من طرقنا المشتملة على جمع من وجوه الترجيح وقد ذكرها شيخنا المرتضى قدس سره في رسالة التعادل والترجيح وهي العمدة في الباب عند مشايخنا قدس سرهم:
أقول الإنصاف ان إثبات وجوب الترجيح بهذه الاخبار مشكل من وجوه أحدها اختلاف هذه الاخبار حيث ذكر في بعضها موافقة الكتاب
665

والسنة وفي بعضها مخالفة العامة وإطلاق الأول يقتضى وجوب الأخذ بموافق الكتاب وان كان الاخر مخالفا للعامة وكذا إطلاق الثاني يقتضى وجوب الترجيح بمخالفة العامة وان كان الاخر موافقا للكتاب فإذا كان أحد الخبرين موافقا للكتاب والاخر مخالفا للعامة فمقتضى إطلاق الأول الأخذ بالأول ومقتضى إطلاق الثاني الأخذ بالثاني ودعوى ان المقصود في المقام هو الإيجاب الجزئي في مقابل السلب الكلي ويحصل ذلك بواسطة دلالة تلك الاخبار في مورد الافتراق مدفوعة بان حمل كلام السائل في تلك الاخبار على خصوص مورد الافتراق في كمال البعد كما لا يخفى وحمل كلام الإمام عليه السلام على ذلك بعد فرض ان السائل لم ينظر خصوص هذا المورد بل سئل عن مطلق تعارض ما ورد عنهم يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة و
وهو وان كان جائزا ان اقتضت المصلحة ذلك لكنه بعيد أيضا فان قلت هذا الإشكال جار بناء على حمل اخبار الترجيح على الاستحباب أيضا فلا بد من حمل هذه الاخبار على خصوص مورد الافتراق على أي حال سواء قلنا بوجوب الترجيح أو باستحبابه قلت بناء على الحمل على الاستحباب يحمل على الحكم الحيثي كغالب الأحكام المستحبة المتعلقة بالعناوين من حيث انها هي مع قطع النظر عن المزاحمات بخلاف ما لو حملنا على الوجوب فإنه على هذا يصير كسائر الأحكام الوجوبية المتعلقة بالعمل ظاهرا في الحكم الفعلي فتأمل وحملها
666

على ان المراد مجرد الرجحان من أي وجه حصل ليس بأولى من حملها على ما ذكرنا ومنها التعارض بين الخبرين المشتملين على جمع من وجوه الترجيح أحدهما مقبولة عمر بن حنظلة والاخر مرفوعة زرارة حيث انه مقتضى الأول منهما الأخذ برواية الأعدل والأفقه وان كان الاخر أشهر ومقتضى الثاني منهما عكس ذلك وأيضا بمقتضى الأول بعد فرض التساوي في الوجوه المذكورة فيه يجب التوقف حتى يلقى الإمام عليه السلام وبمقتضى الثاني يجب الاحتياط ان كان أحدهما موافقا له والا فالتخيير ومنها الإطلاقات الكثيرة الحاكمة بالتخيير من دون ذكر الترجيح أصلا مع كونها في مقام البيان وغلبة وجود إحدى المرجحات في الخبرين المتعارضين خصوصا إذا تعدينا عن المنصوصة منها إلى غيرها والحاصل ان حمل تلك الإطلاقات الكثيرة على مورد تساوى الخبرين من جميع الجهات مع كونه نادرا بواسطة الأمر بالترجيح في الاخبار الاخر ليس بأولى من حمل الاخبار الدالة على الترجيح على الاستحباب بل الأولى العكس إذ ليس فيها الا الأمر بالاخذ بذي المزية بصيغة افعل وهي وان قلنا انها حقيقة في الوجوب لكن
استعمالها في الشريعة في استحباب وصل إلى حد أنكر بعض أساطين الفن ظهورها في الوجوب لو لم تكن معها قرينة وكيف تطمئن النفس بتقيد تلك الإطلاقات الواردة في مقام البيان بواسطة هذا الطهور الذي من كثرة خفائه صار مورد الإنكار وان أبيت عن حمل الاخبار الواردة في الترجيح على الاستحباب فلا أقل من الإجمال لدوران الأمر بين الظهورين ظهور الاخبار المطلقة في التخيير وظهور الاخبار الدالة على الترجيح فيه فيعمل بالأصل في موارد وجود إحدى المرجحات المنصوصة وقد عرفت ان الأصل في
667

المقام الترجيح بناء على حجية الاخبار من باب الطريقية ويؤخذ بإطلاق أدلة التخيير في غيرها فان قلت لا تعارض بين ظهور الإطلاق وظهور الأمر لأن الثاني وضعي والأول مبنى على عدم البيان وهو مفقود في المقام قلت انعقاد ظهور الإطلاق موقوف على عدم وجود البيان المتصل بالكلام لا الأعم منه ومن المنفصل ولذا لا يسرى إجمال القيد المنفصل إلى الإطلاق بخلاف المتصل ولو كان عدم القيد وان كان منفصلا له دخل في انعقاد ظهور المطلق لكان اللازم عدم انعقاد ظهور الإطلاق فيما إذا وجد ما يمكن ان يكون قيدا منفصلا عن الكلام والحاصل ان حكم المقيد المنفصل حكم المعارض مع الإطلاق فاللازم الأخذ بما هو أقوى ظهورا هذا ولكن الإنصاف عدم ظهور للاخبار الدالة على التخيير ولا بد من ذكر ما وقفنا عليه من تلك الاخبار فمنها خبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والاخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه ومنها ما عن الحميري عن الحجة روحي له الفداء إلى ان قال في الجواب عن ذلك حديثان إلى ان قال عليه السلام وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا ومنها ما عن الحسن
بن الجهم عن الرضا عليه السلام قال قلت له يجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة فقال عليه السلام ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فان كان يشبههما فهو منا وان لم يكن يشبههما
668

فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال عليه السلام فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت.
ومنها ما عن الحرث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد إليه.
ومنها ما عن علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام اختلف أصحابنا في روايتهم عن أبي عبد الله عليه السلام في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم صلهما في المحمل وروى بعضهم لا تصلهما الا على الأرض فوقع عليه السلام موسع عليك بأية عملت.
ومنها مرفوعة زرارة وفيها بعد ذكر المرجحات اذن فتحير أحدهما فتأخذ به ودع الاخر هذا ما وقفنا عليه من الاخبار ولا يخفى عدم ظهور لبعضها في التخيير بين الخبرين أصلا كخبر سماعة لقوة احتمال ان يكون المراد من قوله عليه السلام فهو في سعة إلخ كون المكلف في سعة من الأمر والنهي الواقعيين حتى يعلم
669

حكم الواقعة لا انه في سعة الأخذ بأحد الخبرين كما هو المدعى وكخبر حرث ابن المعيرة لاحتمال ان يكون المراد حجية قول الثقة من دون ملاحظة حال التعارض فهو على هذا من الأدلة الدالة على حجية قول الثقة فتعالى واما التوقيع الشريف وخبر علي بن مهزيار وفهما وان كانا دالين على التخيير بين الخبرين في الجملة ولكن لورودهما في المستحبات لا إطلاق لهما بحيث يشملان موارد الإلزاميات فلو قال قائل باختصاص التخيير بالمستحبات كما هو أحد الاحتمالات فلا يدلان على خلافه وكذا لورودهما في المورد الخاص أعني تعارض الخبرين المخصوصين
لا إطلاق لهما بحيث يشمل ثبوت التخيير حتى في مورد وجود المرجح إذ لعل الحكم بالتخيير فيهما من جهة عدم وجود المرجح نعم خبر حسن بن جهم لا اختصاص له بالمستحبات وان كان يشترك معهما في عدم الدلالة على التخيير حتى في صورة وجود المرجح فظهر مما ذكرنا عدم ثبوت إطلاق لأدلة التخيير حتى تشمل صورة وجود المرجح فلو دل الدليل على ثبوت الترجيح يؤخذ به من دون تزاحم أصلا فلنشرع في بيان أدلة الترجيح اعلم ان الاخبار الدالة على تقديم الخبر الموافق للكتاب والمخالف للقوم بالغة حد الاستفاضة بل لا يبعد دعوى التواتر فيها وان كان في القسم الأول
670

ما يدل على عدم حجية المخالف للكتاب فالأخذ بموافق الكتاب من جهة حجيته وعدم حجية غيره ولكن فيه أيضا ما يدل على كون موافقة الكتاب مرجحة فيما إذا تعارض الخبر ان الجامعان
لشرائط الحجية كما لا يخفى على الناظر في الاخبار ثم ان الأدلة الدالة على الترجيح بهما وان كان بعضها مقتصرا على خصوص موافقة الكتاب والاخر مقتصرا على مخالفة القوم ولكن فيها ما يدل على الترتيب بينهما وان الترجيح بمخالفة القوم مختص بما إذا لم يكن لأحد الخبرين شاهد من كتاب الله تعالى فتلخص من جميع ما ذكرنا ان الترجيح بموافقة الكتاب لازم ثم بمخالفة القوم واما الترجيحات الاخر المذكورة في مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة كأعدلية الراوي وأوثقيته وأصدقيته وكذا الشهرة بين الأصحاب فيمكن ان يقال بعدم دلالتهما على الترجيح بما ذكر في صورة تعارض الخبرين كما هو مفروض البحث اما ما ذكر من الأعدلية ونظائرها في المقبولة فلأنها في مقام تقديم حكم أحد الحكمين في مقام رفع الخصومة ولا تدل على وجوب الترجيح في صورة تعارض الخبرين للمجتهد
واما ما ذكر منها في المرفوعة فان الظاهر بقرينة سؤال السائل بعد ذلك هما عدلان مرضيان انه ليس المراد من الأعدل من كان هذا الوصف فيه أكثر وأشد بعد اشتراكهما في أصل الصفة بل المراد من كان منهما عادلا فهو من قبيل أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وحاصله يرجع إلى وجوب الأخذ بخبر العادل لكونه حجة وطرح الاخر لكونه غير حجة واما الشهرة فالظاهر بقرينة قوله عليه السلام في المقبولة فان المجمع عليه لا ريب فيه وإدراج الخبر المشتهر بين الأصحاب في جملة الأمور التي رشدها بين ان الترجيح بها ليس من الترجيحات الظنية التي تعبدنا الشارع بها بل تقديم
671

الخبر المشتهر بين الأصحاب من جهة انه مقطوع به وان غيره مقطوع الخلاف وحمل قوله عليه السلام لا ريب فيه على عدم الريب بالإضافة إلى الاخر فيجب الأخذ به تعبدا ركيك جدا من دون داع إلى هذا الحمل لوضوح ان الخبر إذا صار مشتهرا بين الشيعة رواية وفتوى وعملا كما هو الظاهر من الاشتهار بين الأصحاب يوجب القطع بصحته وان مضمونه هو حكم الأئمة عليهم السلام ولازم ذلك صيرورة غيره مقطوع الخلاف فليس تقديم الخبر المشتهر بين الأصحاب من جهة الترجيح الذي يتكلم فيه الأمر الثاني إذا بنينا على الترجيح فهل يقتصر على المرجحات المنصوصة أم لا ذهب شيخنا المرتضى قده إلى الثاني واستفاد ذلك من أمور أحدها الترجيح بالأصدقية والأوثقية فان اعتبار هاتين الصفتين ليس الا لترجيح الأقرب إلى مطابقة الواقع في نظر الناظر وليس للسبب الخاص دخل ومنها تعليله عليه السلام الأخذ بالمشهور بقوله عليه السلام فان المجمع عليه لا ريب فيه فإنه بعد القطع بان ما يرويه المشهور لا يصير مما لا ريب فيه واقعا والا كان غيره مقطوع الخلاف ولم يمكن فرضهما مشهورين يجب ان يكون المراد من قوله فان المجمع عليه لا ريب فيه انه كذلك بالإضافة إلى غيره فيستفاد من التعليل
المذكور قاعدة كلية وهي ان كل خبر يكون مما لا ريب فيه بالإضافة إلى معارضه يؤخذ به ومنها تعليلهم عليهم السلام لتقديم الخبر المخالف للقوم بان الحق والرشد في خلافهم فإنه يدل على وجوب ترجيح كل ما كان معه أمارة
672

الحق والرشد هذا وفي الكل نظر لأن الترجيح بالصفات قد عرفت حاله وكذا الترجيح بالأشهرية واما الترجيح بمخالفة القوم والتعليل بان الرشد في خلافهم فلا يدل الا على ان الخبر الذي يكون معه هذا المرجح يؤخذ به لكونه معه أقرب إلى الواقع واقعا وفي نظر الشارع لا لكونه أقرب في نظر الناظر ولو جعل الشارع عند التعارض الخبر الذي يخالف القوم حجة لعلمه بأنه غالب الوصول إلى الواقع دون غيره فكيف يصح لنا التعدي منه إلى كل خبر يكون معه شيء يرجح في نظرنا مطابقته للواقع مع عدم العلم بالغلبة التي صارت موجبة لجعل الشارع هناك مثلا إذا جعل الشارع خبر الثقة لنا حجة وان نقطع بان جهة حجيته كونه طريقا إلى الواقع وموصلا إليه في الغالب لكن لا يصح لنا ان نعمل بكل ما يفيد الظن لنا لأن ملاك حجية خبر الثقة وان كان غلبة الوصول لكن وجوده في الظن الحاصل لنا من سبب اخر غير معلوم ومن هنا يظهر ان الأقوى بناء على الأخذ بالمرجحات الرجوع فيما لم يكن هناك إحدى المرجحات المنصوصة إلى إطلاق التخيير ان تم دلالة الأدلة الدالة على التخيير والا فإلى الأصل بقي في المقام ما يجب تعرضه وهو بعض الإشكالات الواردة في بادئ النظر على مقبولة عمر بن حنظلة والأولى نقلها بتمامها ولعله من بركاتها يزول كل شبهة أوردت عليها أقول روى المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن عمر بن حنظلة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكما إلى الطاغوت وما
يحكم له فإنما يأخذه سحتا وان كان حقه ثابتا لأنه أخذ بحكم الطاغوت وانما امر الله ان يكفر
673

به قال الله تعالى ويريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به قلت فكيف يصنعان قال ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا قد رد الراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله قلت فان كان كل رجل يختار رجلا من أصحابنا فرضيا ان يكونا ناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم قال عليه السلام الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقهها وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الاخر قال عليه السلام ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وانما الأمور ثلاثة امر بين رشده فيتبع وامر بين غيه فيتجنب وامر مشكل يرد حكمه إلى الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم قال قلت فان كان الخبر ان عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف الكتاب والسنة ووافق العامة قلت جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة فوجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والاخر مخالفا بأي الخبرين يؤخذ قال عليه السلام ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فان وافقهم الخبران جميعا قال عليه السلام ينظر إلى ما هم أميل إليه حكامهم وقضاتهم ليترك ويؤخذ بالاخر قلت فان وافق حكامهم الخبرين جميعا قال عليه السلام
إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فان الوقوف عند
674

الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات هذا واما الإشكالات الواردة فهي من وجوه أحدها ان قطع المخاصمات وفصل الخصومات لا يناسبه تعدد الحاكم والفاصل والثاني ان مقام الحكومة آب عن الغفلة عن معارض مدرك حكم فكيف يصح الحكمان ويرجح أحدهما على الاخر والثالث ان اجتهاد المترافعين وتحريهما في مدرك حكم الحاكم لا يجوز إجماعا.
الرابع ان اللازم مع التعارض الأخذ بأسبق الحكمين إذ لا يبقى للمتأخر مورد هذا ان كان أحدهما سابقا على الاخر وان صدرا دفعة فاللازم التساقط دون الترجيح والخامس ان الأمر في تعيين الحاكم انما هو بيد المدعى فينفذ حكم من اختاره في الواقعة وقد فرض في الرواية
الأمر بيدهما وتحريهما بعد اختلافها في الحكم وحسم مادة الإشكال بأحد وجهين اما بان يخرج الواقعة من المخالفة والمخاصمة وتحمل على السؤال عن المسألة المتعلقة بالأموال التي صارت منشأ للنزاع والحاصل ان المتنازعين لما كان منشأ نزاعها الشبهة في حكم المسألة فيجب رجوعها إلى رواة الحديث ليعلما حكم الواقعة ويرتفع النزاع من بينهما وحينئذ لا إشكال أصلا واما بحملها على مورد التداعي فيصح ان يختار كل منهما غير من يختاره الاخر فينفذ حكم كل منهما على من اختاره دون الاخر نعم يظهر من الرواية
675

انه لو كان أحدهما أعلم وأفقه فليس لأحد اختيار غيره ويمضى حكمه على الطرفين وكيف كان فيرتفع ما ذكر من الإشكالات اما إشكال تعدد الحكمين فلما مضى واما إشكال غفلة كل منهما عن مدرك حكم الاخر فلإمكان اطلاع كل منهما على ذلك ولكن يعتقد عدم صحته كما هو غير عزيز واما
إشكال لزوم الأخذ بالأسبق فلأنه فيما لو كان الحكم نافذا على الطرفين وما نحن فيه ليس كذلك لأن المفروض ان كل واحد اختار حكما غير من اختاره الاخر فلا ينفذ حكم من اختار أحدهما على الاخر وان كان سابقا واما اجتهاد المترافعين فلأنه بعد ما كانت الشبهة حكمية ولم ترتفع بالحكومة أمرهما الإمام عليه السلام بالنظر في أدلة نفس الواقعة واستنباط الحكم منها حتى يرتفع نزاعهما والأمر بترجيح أحد الحكمين إذا كانت فيه إحدى المرجحات المذكورة في الرواية من جهة ان حكمهم في الصدر الأول كان مطابقا لمضمون الرواية والله العالم وينبغي التنبيه على أمور أحدها بناء على وجوب الترجيح لو بنينا على التعدي من المرجحات المخصوصة إلى غيرها فهل يعتبر الظن الشخصي بمعنى ان الخبرين المتعارضين إذا كان مع أحدهما أمارة توجب الظن الفعلي بكونه مطابقا للواقع نأخذ به ونقدمه على الاخر والا فحالهما سواء وان كان مع أحدهما ما يوجب أقربيته إلى الواقع نوعا أو ان المعتبر الظن النوعي وان لم يوجب الظن شخصا أو ان المعتبر أبعدية أحدهما عن الخلاف بحيث لو فرض العلم بصدق أحدهما وكذب الاخر كان أحدهما أبعد عن الكذب وأقرب إلى الصدق
676

لا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار الظن الشخصي لأن المرجحات المنصوصة في الاخبار كموافقة الكتاب ونظائرها لا تستلزم الظن الشخصي مع وجوب الأخذ بها بناء على وجوب الترجيح فالملاك المأخوذ من الاخبار ليس الظن الشخصي لعدم اعتبار ذلك في الأصل فيبقى الأخيران واستظهر شيخنا المرتضى قدس سره من تعليلهم عليهم السلام لتقديم الخبر المخالف للعامة بان الحق والرشد في خلافهم ومن تعليلهم عليهم السلام لأخذ الخبر الموافق للمشهور بأنه لا ريب فيه ان الملاك في الترجيح كون أحدهما أبعد عن الباطل من الاخر وان لم يكن معه أمارة المطابقة وتقريب ذلك ان قولهم عليهم السلام ان المجمع عليه لا ريب فيه بعد العلم بان المراد ليس نفي الريب عنه حقيقة يراد منه انه لا ريب فيه بالإضافة
إلى الاخر فيتحصل من هذا التعليل ان الملاك في الترجيح كون أحد الخبرين بالإضافة إلى الاخر أقرب إلى الواقع وأبعد عن الباطل وان لم يكن معه ما يوجب أقربيته إلى الواقع على نحو الإطلاق وكذا تعليلهم الأخذ بالخبر المخالف للقوم بان الحق والرشد في خلافهم أقول لا يظهر من الاخبار بعد فرض جواز التعدي ان الملاك ما أفاده قدس سره لأن قوله فان المجمع عليه لا ريب فيه بعد تعذر حمله على ظاهره يجب حمله على الرجحان الفعلي أو النوعي وكذا قولهم فان الحق والرشد في خلافهم إذ الظاهر انه لوحظ كون خلافهم طريقا إلى الواقع ويؤيد ذلك ما في بعض الاخبار من أمرهم بالاستفتاء من فقيه البلد والعمل بخلاف ما يفتى ومن انهم ليسوا من الحقيقة على شيء وغير
677

ذلك مما يوجد في الاخبار وكيف كان بناء على التعدي فلا وجه لترجيح غير ما يكون مؤيدا بما يفيد الظن نوعا الثاني قد عرفت مما ذكرنا سابقا ان تقديم النص الظني السند أو الجهة أو كليها على الظاهر وان كان قطعي السند مما يحكم به العرف ولازم ذلك عدم التوقف الذي هو الأصل الأولى في تعارض الخبرين فيما إذا كان أحدهما عاما والاخر خاصا وأمثال ذلك من النص والظاهر وكذا الحكم في الأظهر والظاهر وهل يكون مورد التخيير والترجيح أيضا غير ما ذكر أو هو عام وجهان أقصى ما يقال للأول ان مورد الأخبار الواردة في العلاج هو الخبران اللذان يتحير العرف فيما دون ما له طريق جمع مرتكز في أذهانهم جرى عليه ديدنهم أقول قد ذكرنا سابقا ان العرف يعاملون مع الخاص الظني معاملة الخاص القطعي في تقديمه على العام وتحكيمه عليه ولكن لا إشكال في انه لم يكن منشأ لانعقاد ظهور
آخر وصرف ظهور العام كالقرينة المتصلة حتى لا يبقى تعارض في البين ولا يحسن السؤال عن حكمها ولا يشمله الاخبار الواردة في تعارض الخبرين وبعبارة أخرى تارة يقال بان الخاص المنفصل كالمتصل في صرف ظهور العام وانعقاد ظهور آخر لمجموع الكلامين وأخرى يقال بان العام وان لم يصرف عن ظهوره المنعقد له بورود الخاص المنفصل ولكن في مقام تعارض الخاص المذكور مع العام العرف يقدمون الخاص عليه والأول يكذبه وجدان كل أحد والثاني لا يستلزم حمل السؤالات الواردة في الاخبار على غير الموارد المذكورة إذ
678

المرتكزات العرفية لا يلزم ان يكون مشروحة ومفصلة عند كل أحد حتى يرى السائل في هذه الاخبار عدم احتياجه إلى السؤال عن حكم العام والخاص المنفصل وأمثاله إذ رب نزاع بين العلماء يقع في الأحكام العرفية مع انهم من أهل العرف سلمنا التفات كل الناس إلى هذا الحكم حتى لا يحتمل عدم التفات السائلين في تلك الاخبار فمن الممكن السؤال أيضا لاحتمال عدم إمضاء الشارع هذه الطريقة وعلى هذا يجب ان يؤخذ بإطلاق الاخبار ويؤيد عموم الاخبار ما ورد في رواية الحميري عن الحجة عليه السلام من قوله عليه السلام في الجواب عن ذلك حديثان اما أحدهما فإذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير واما الاخر فإنه روى انه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير إلخ ولا شك ان الثاني أخص من الأول مطلقا مع انه عليه السلام امر بالتخير بقوله في اخر الخبر وبأيهما أخذت مع باب التسليم كان صوابا وكذا ما رواه علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى
679

أبي الحسن عليه السلام اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم صلهما في المحمل وروى بعضهم لا تصلهما الا على وجه الأرض إلخ وظاهر ان الروايتين من قبيل النص والظاهر لأن الأولى نص في الجواز والثانية ظاهرة في عدمه لإمكان حملها على ان إيقاعها على الأرض أفضل مع انه عليه السلام امر بالتخيير بقوله صلى الله عليه وآله موسع
بأية عملت ودعوى السيرة القطعية على التوفيق بين الخاص والعام والمطلق والمقيد من لدن زمان الأئمة عليهم السلام وعدم رجوع أحد من العلماء إلى المرجحات الاخر يمكن منعها كيف ولو كانت لما خفيت على مثل شيخ الطائفة قدس سره فلا يظن بالسيرة فضلا عن القطع بعد ذهاب مثله إلى العمل بالمرجحات في تعارض النص والظاهر كما يظهر من العبارة المحكية عنه في الاستبصار والعدة وقد نقل العبارتين شيخنا المرتضى قدس سره في رسالة التعادل والترجيح فلاحظ.
الثالث لو بنينا على تقديم الأظهر فمتى علم كون أحد الدليلين أظهر من الاخر فلا إشكال ومتى اشتبه الحال فقد ذكروا لتشخيص الأظهر أمورا لا بأس بذكر بعضها.
منها انه لو دار الأمر بين التخصيص والتقييد فالثاني مقدم نظرا إلى ان الإطلاق ليس معنا وضعيا للفظ وانما حكم به من جهة مقدمات أحدها عدم البيان على القيد ومتى ورد دليل يوجب التقييد وان كان من الألفاظ الدالة على العموم يقدم على الإطلاق لارتفاع موضوعه بذلك وفيه ان عدم البيان الذي اعتبر في تحقق الإطلاق هو عدم البيان المتصل لا الأعم منه ومن المنفصل كما لا يخفى
680

فالأولى في الدوران بين التخصيص والتقييد ملاحظة الخصوصيات الموجودة في المقام ان كانت ومنها انه لو دار الأمر بين النسخ والتخصيص فالثاني مقدم نظرا إلى قلة الأول وشيوع الثاني حتى اشتهر انه ما من عام الا وقد خص.
أقول ندرة الأول وشيوع الثاني ان كانا مرتكزين في ذهن العرف بحيث يصير ان كالقرائن المكتنفة بالكلام فهو والا فمجرد الظن لا ينفع ولا دليل على اتباعه نعم يمكن ان يقال في الخصوصيات الواردة في كلام الأئمة بالنسبة إلى عمومات الكتاب أو السنة النبوية يتعين التخصيص لأن النسخ وان أمكن وقوعه عقلا بان كان الناسخ مودعا عندهم ولكن
وقوعه ولو نادرا غير محقق مضافا إلى ما ورد عنهم عليهم السلام من ان حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة وكذا حرامه الظاهر في ان جنس الحكم المودع عنه صلى الله عليه وآله لا يتغير ولا يتبدل أصلا كما لا يخفى مضافا إلى ارتكاز هذا المعنى في ذهن المسلمين.
فان قلت كيف يحمل على التخصيص مع حضور وقت العمل بتلك العمومات وهل هو الا تأخير البيان عن وقت الحاجة القبيح عقلا.
قلت قبح ذلك نظير قبح الكذب يمكن ان يرفع بالوجوه والاعتبار فقد يقتضى المصلحة إخفاء القرينة على الحكم الواقعي كما انه قد تقتضي عدم بيانه وإيكال الناس إلى العمل بحكم الشك وبعبارة
أخرى تأخير البيان عن وقت العمل ليس علة تامة للقبح كالظلم حتى لا يمكن تخلفه عنه وإذا لم يكن كذلك فقبحه فعلا منوط بعدم جهة محسنة تقتضي ذلك.
الرابع تعيين النص والأظهر فيما لو كان التعارض بين المتعارضين لا
681

إشكال فيه واما إذ كان التعارض بين أزيد منهما فقد يشكل الأمر من حيث ان ملاحظة علاج التعارض بين اثنين منهما قد توجب انقلاب النسبة مع الاخر مثلا لو ورد أكرم العلماء وورد أيضا لا تكرم الفساق من العلماء ونعلم من الإجماع ونحوه عدم وجوب إكرام النحويين فقد يتخيل ان العام بعلة القطع بخروج النحويين منه يصير بمنزلة قولنا أكرم العلماء الغير النحويين والنسبة بينه وبين الخاص الاخر أعني لا تكرم الفساق من العلماء تكون عموما من وجه وهذا فاسد من جهة ان ورود كل من الخاصين على العام انما يكون في مرتبة واحدة وان كان أحدهما قطعيا والاخر دليلا لفظيا قطعي الاعتبار نعم لو كان دليل التخصيص مكتنفا بالكلام بحيث انعقد للكلام ظهور واحد ودليل التخصيص الاخر منفصلا عنه يجب ان يلاحظ نسبة ذلك المخصص المنفصل مع ذلك العام المخصص لكن مع كونهما
منفصلين لا وجه لملاحظة أحدهما قبل الاخر وتخصيص العام به ثم ملاحظة الخاص الاخر مع العام المخصص وهذا واضح وقال شيخنا الأستاذ دام بقائه في وجه عدم انقلاب النسبة ان النسبة انما هي بملاحظة الظهورات وتخصيص العام بمخصص منفصل ولو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره وان انثلم به حجيته انتهى.
أقول الذي لا ينثلم هو ظهوره في المعنى التصوري أعني الملقى في ذهن السامع حين سماعه واما ظهوره في إرادة المتكلم فلا شك في اختلافه بعد التخصيص بالمنفصل إذ قبله ظاهر في إرادة الجميع على حد سواء وبعده يقطع بعدم إرادة البعض المخرج ويصير ظهوره في إرادة الباقي أقوى ولذا قد يصير كثرة التخصيص إلى مرتبة يقطع بإرادة الباقي
682

والعمدة في عدم الانقلاب ما ذكرنا من كون الخصوصات في عرض واحد لا وجه لملاحظة بعضها قبل الاخر حتى يوجب انقلاب النسبة.
ومن هنا يظهر انه لو كان النسبة بين المتعارضين عموما مطلقا بعد تخصيص أحدهما بخاص يعامل مع ذلك العام المخصص ومقابله معاملة العام والخاص المطلق وان كان بينهما التباين قبل ذلك التخصيص كما لو ورد ثمن العذرة سحت وورد أيضا ثمن العذرة لا بأس به وورد أيضا ثمن عذرة المأكول اللحم لا بأس به يجب تخصيص الدليل الأول وإخراج عذرة المأكول اللحم منه ثم ملاحظته مع الدليل الثاني أعني قوله ثمن العذرة لا بأس به والسر في ذلك انه ليس تعارض المقيد مع المطلق والمطلق الاخر معه على نسق واحد فيجب تقييد المطلق بذلك المقيد وبعد التقييد يصير في حكم المقيد فيقيد الإطلاق الاخر به فليتأمل جيدا ثم انه في الفرض الأول أعني صورة تعارض العام مع الخصوصات إذا بقي من العام بعد خروج تلك الخصوصات مقدار لم يكن إرادته منه بشيعة فالحكم ما ذكرنا واما إذا لم يكن كذلك بان يكون الخصوصات مستوعبة لافراد
العام أو لم يبق بعد إخراجها مقدار يصح حمل العام عليه فيقع التعارض بين العام ومجموع الخصوصات وحالهما حال المتباينين فحينئذ لا يخلو اما ان يكون كل من العام والخصوصات متساويين في السند واما لا وعلى الثاني اما ان يكون العام أرجح سندا من جميع الخصوصات واما بالعكس واما ان يكون راجحا
683

بالإضافة إلى بعض الخصوصات ومتساويا بالإضافة إلى الباقي أو مرجوحا كذلك واما ان يكون مرجوحا بالنسبة إلى بعض ومساويا بالنسبة إلى الاخر ففي الصورة الأولى يحكم بالتخيير فان أخذنا بالخصوصات يطرح العام كلية وان اختير العام فلا وجه لطرح الخصوصات رأسا إذ التباين مع المجموع لا مع كل واحد فحينئذ يطرح منها مقدار لم يكن للأخذ بالباقي محذور فحينئذ يقع التعارض بين الخصوصات فيحكم بالتخيير لعدم الترجيح كما هو المفروض وفي الصورة الثانية يؤخذ بالعام بناء على الأخذ بالترجيح ويطرح من الخصوصات ما لم يكن في الأخذ بالباقي محذور فحينئذ يلاحظ الترجيح في الخصوصات ان كان والا فالتخيير وفي الثالثة يؤخذ بجميع الخصوصات ويطرح العام والصور الباقية متحدة في الحكم مع الصورة التي لم يوجد ترجيح في البين أصلا إذ التباين انما يكون بين العام والبعض المبهم من بين الخصوصات وترجيح أحد هذين المتباينين على الاخر لا يكون الا بترجيح العام على تمام الخصوصات أو ترجيحها عليه فليتدبر الخامس لو بنينا على الترجيح واقتصرنا على المرجحات المنصوصة مع ملاحظة الترتيب بينها فلا إشكال في وجوب الأخذ بالمزية الملحوظة سابقة وعدم الاعتناء بالأخرى الملحوظة لاحقة وان لم نقتصر عليها بل تعدينا إلى كل ما يوجب الأقربية إلى الواقع أو الأبعدية عن الخلاف أو قلنا بناء على الاقتصار ان أدلة الترجيح انما تكون في بيان ذكر
المرجحات دون الترتيب بينها فمتى وجدت في أحد المتعارضين إحدى المزايا الموجبة لأحد المناطين بناء على الأول ووجدت أخرى في الاخر كذلك أو وجدت إحدى المزايا المنصوصة في أحدهما وأخرى في الاخر يحكم بالتخيير سواء كانت المزيتان راجعتين إلى الصدور أو إحداهما إليه والأخرى إلى جهته
684

والوجه في ذلك بناء على التعدي ان ملاك الأخذ بأحدهما معينا كونه لو فرض كذب أحد المتعارضين وصدق الاخر أولى بالمطابقة للواقع أو كونه منضما إلى شيء يوجب أقربيته إلى الواقع على الاختلاف الذي ذكرناه سابقا في فهم الملاك من الاخبار وعلى كل حال مخالفة العامة عدت في الاخبار مما يتحقق به ملاك الترجيح كالأعدلية وأمثالها فلو كان أحد الخبرين موافقا للعامة والاخر مخالفا لهم ولو كان رواة المطابق لهم أعدل يحكم بالتخيير لأن ملاك الترجيح في كل منهما على نهج واحد لا مزية لأحدهما على الاخر وهكذا الكلام على القول بالاقتصار على المرجحات المنصوصة بناء على ان الاخبار ليست في بيان الترتيب بل هي في مقام تعداد المرجحات لأنه كما ان الأعدلية عدت في الاخبار من المرجحات كذلك مخالفة العامة أيضا عدت منها فلا وجه لترجيح خبر الأعدل المطابق للعامة على غيره المخالف لهم خلافا لشيخنا المرتضى قده حيث قدم الخبر الأرجح سندا المطابق للعامة على غيره المخالف لهم قال في باب التعادل والتراجيح ما لفظه اما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بان كان الأرجح صدورا موافقا للعامة فالظاهر تقديمه على غيره وان كان مخالفا لهم بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق لأن هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين أو تعبدا كما في الخبرين بعد عدم إمكان التعبد بصدور أحدهما وترك التعبد بصدور الاخر وفيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضى أدلة الترجيح من حيث الصدور فان قلت ان الأصل
في الخبرين الصدور فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الخبر الموافق تقية كما يقتضى ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما دلالة فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور.
685

قلت لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية لأنه إلغاء لأحدهما في الحقيقة انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه أقول قوله أو تعبدا كما في الخبرين إلخ ان أراد كونهما حجة فعلا فلا معنى له بعد وجوب إلغاء أحدهما المعين كما صرح به قده في جواب المستشكل وان أراد تساويهما بملاحظة دليل الحجية من دون ترجيح لأحدهما على الاخر بحيث يشمله الأدلة الواردة في علاج المتعارضين فما نحن فيه من هذا القبيل لأن الخبر الصادر من الأعدل الموافق لهم مع الخبر الصادر من غيره المخالف لهم سيان بملاحظة دليل الحجية اما تساويهما بملاحظة الدليل الأول فواضح لأن المفروض كونهما جامعين للشرائط المعتبرة في دليل الحجية واما تساويهما بملاحظة دليل العلاج فلان المفروض اشتمال كل منهما على مزية خاصة موجبة للترجيح هذا والحمد لله على ما تيسر لي من تحرير هذه المسائل وأصلي وأسلم على محمد وآله أشرف الأواخر والأوائل واللعنة الدائمة على أعدائهم ومخالفيهم ومبغضيهم ما تنافرت الأضداد والأماثل.
686