الكتاب: عدة الأصول (ط.ق)
المؤلف: الشيخ الطوسي
الجزء: ١
الوفاة: ٤٦٠
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق: محمد مهدي نجف
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: مؤسسة آل البيت ( ع ) للطباعة والنشر
الناشر: مؤسسة آل البيت ( ع ) للطباعة والنشر
ردمك:
ملاحظات: وبذيله الحاشية الخليلية للشيخ خليل بن الغازي القزويني ١٠٠١ - ١٠٨٩ ه‍

مؤسسة آل البيت (ع)
للطباعة والنشر
عدة الأصول
لشيخ الطائفة: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي
قدس سره
385 - 460 ه‍
وبذيله الحاشية الخليلية
للشيخ خليل بن الغازي القزويني
1001 - 1089 ه‍
تحقيق
محمد مهدي نجف
الجزء الأول
1

بسم الله الرحمن الرحيم
[الحمد لله وحده، والصلاة على خير خلقه محمد، وآله الطيبين.
قد سألتم أيدكم الله، املاء مختصر في أصول الفقه، يحيط بجميع]
3

[أبوابه على سبيل الايجاز والاختصار. على ما تقتضيه مذاهبنا، وتوجبه أصولنا فان من صنف في هذا الباب سلك كل قوم منهم]

(1) منتهى السوؤل والأمل، لجمال الدين، عثمان بن عمر، المعروف بابن الحاجب
المالكي. المتوفى سنة 646 ه‍. صنفه أولا، ثم اختصره، وهو المعروف اليوم ب
(مختصر ابن الحاجب، أو مختصر المنتهى).
وشرحه، عضد الدين، عبد الرحمان بن أحمد الإيجي. المتوفى سنة 756 ه‍.
(2) لعل المراد بالحاشية الأولى، هي الحاشية التي ذكرناها في ذيل هذه المقدمة
لأنها أوسع الحواشي التي عثرنا عليها لحد الان.
4

[المسالك التي اقتضاه أصولهم، ولم يصنف أحد من أصحابنا في هذا
المعنى، إلا ما ذكره شيخنا أبو عبد الله (1) رحمه الله في المختصر]

(1) هو الشيخ المتقدم الوحيد، أبو عبد الله، محمد بن محمد بن النعمان بن عبد
السلام بن جابر بن نعمان بن سعيد العربي، العكبري، البغدادي، الملقب ب‍ (الشيخ
المفيد)، والمعروف ب‍ (ابن المعلم). كان من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم، وأستاذهم.
وكل من تأخر عنه استفاد منه. وفضله أشهر من أن يوصف، في الفقه والكلام و
الرواية. أوثق أهل زمانه وأعلمهم. انتهت رئاسة الامامية إليه في وقته.
خرجت له من صاحب الامر صلوات الله عليه وعلى آبائه كتب ثلاث، في كل
سنة كتابا، كان نسخة عنوان الكتاب: للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد
أبي عبد الله، محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه.
كان مولده الشريف يوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة ست وثلاثين وقيل:
ثمان وثلاثين وثلاثمائة. وتوفى رحمه الله، ليلة الجمعة، لثلاث خلون من شهر رمضان
سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.
(2) أصول الكافي 1: 92 حديث 4.
5

[الذي له في أصول الفقه ولم يستقصيه وشذ منه أشياء يحتاج إلى استدراكها، وتحريرات غير ما حررها وإن
سيدنا الاجل المرتضى {1} قدس الله روحه وإن كثر في]

(1) أبو القاسم، علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن
الامام موسى بن جعفر عليه السلام. المرتضى، علم الهدى. حاز من العلوم ما لم
يدانه فيه أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلما، شاعرا، أديبا،
عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا. قاله النجاشي في رجاله: 192.
كان مولده الشريف في بغداد، في رجب، سنة 355 ه‍. وتوفى رضى الله عنه
لخمس بقين من شهر ربيع الأول، سنة ست وثلاثين وأربعمائة.
(2) قال النجاشي في رجاله: 122: زياد بن عيسى، أبو عبيدة الحذاء، كوفي،
مولى، ثقة. روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام... وقال الحسن بن
علي بن فضال: ومن أصحاب أبي جعفر، أبو عبيدة الحذاء، واسمه زياد. مات في
حياة أبي عبد الله عليه السلام. وقال سعد عبد الله الأشعري: ومن أصحاب أبي جعفر،
أبو عبيدة، وهو زياد بن رجاء، كوفي ثقة صحيح. واسم أبي الرجا منذر، وقيل:
زياد بن أحرم ولم يصح. وذكر الكشي في رجاله: 368: عن الأرقط، عن أبي عبد
الله عليه السلام: قال: لما دفن أبو عبيدة الحذاء قال: قال: انطلق بنا حتى نصلي
على أبي عبيدة، قال فانطلقنا، فلما انتهينا إلى قبره، لم يزد على أن دعا له فقال:
(اللهم برد على أبي عبيدة، اللهم نور له قبره، اللهم الحقه بنبيه).
(3) أصول الكافي 1: 171 حديث 4.
(4) قال النجاشي في رجاله: 311: يونس بن يعقوب بن قيس، أبو علي
الجلاب البجلي الدهني. اختص بأبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، وكان يتوكل
لأبي الحسن، ومات بالمدينة في أيام الرضا عليه السلام، فتولى أمره، وكان حظيا
عندهم، موثقا. وقال الكشي في رجاله: 386: مات يونس بن يعقوب بالمدينة،
فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه، وأمر
مواليه، وموالى أبيه وجده ان يحضروا جنازته، وقال لهم: (هذا مولى لأبي عبد الله،
وكان يسكن بالعراق، وقال لهم: احفروا له في البقيع).
6

[أماليه، وما يقر عليه، شرح ذلك، فلم
يصنف في هذا المعنى شيئا يرجع إليه، ويجعل ظهرا يستند إليه.
وقلتم: إن هذا فن من العلم، لابد من شدة الاهتمام به، لان]

(1) انظر أصول الكافي 1: 42 - 48.
7

[الشريعة كلها مبنية عليه {1} ولا يتم العلم بشئ منها من دون إحكام
أصولها، ومن لم يحكم أصولها {2} فإنما يكون حاكيا]
8

[ومقلدا، {1} ولا يكون عالما وهذا منزلة يرغب أهل الفضل عنها.]
9

[وأنا مجيبكم إلى ما سألتم عنه، مستعينا بالله وحوله وقوته وأسأله]
10

[أن يعني على ما يقرب من ثوابه ويبعد من عقابه.]
11



(1) الشيخ الاجل الأعظم، شيخ الفقهاء والمحققين، أبو القاسم، نجم الدين،
جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي. قال تلميذه ابن داود في وصفه: المحقق
المدقق الامام العلامة، واحد عصره، كان ألسن أهل زمانه وأقولهم بالحجة، وأسرعهم
استحضارا.
كان مولده الشريف سنة اثنين وستمائة، وتوفى رحمه الله تعالى في صبيحة يوم
الخميس ثالث عشر ربيع الاخر سنة ست وسبعين وستمائة.
(2) الموسومة: بمعارج الأصول. وقد طبعت في إيران على الحجر.
(3) معارج الأصول: 83 (الفصل الثاني) المسألة الثالثة.
14



(1) الفوائد المدنية في الرد على القائل بالاجتهاد والتقليد في الاحكام الإلهية
للمولى المحدث، محمد أمين بن محمد شريف الأسترآبادي الاخباري المتوفى بمكة
في سنة (1033 ه‍.) وقيل: سنة (1030). الذريعة 16: 358.
16

[وأبدأ في أول الكتاب فصلا يتضمن ماهية أصول الفقه وانقسامها
وكيفية ترتيب أبوابها {1} وتعلق بعضها ببعض، حتى أن الناظر إذا
نظر فيه وقف على الغرض المقصود بالكتاب {2}]

(3) الأنبياء: 104.
(4) نهج البلاغة، خطبة رقم 186 (في التوحيد) ص 272.
17

[وتبين من أوله إلى آخره. والله تعالى الموفق للصواب. {1}
فصل
في ماهية أصول الفقه وانقسامها وكيفية ترتيب أبوابها
أصول الفقه هي أدلة الفقه {3}،]
18



(1) النهاية 3: 465، ولسان العرب 3: 522 مادة (فقه)،
(2) التوبة: 122.
(3) التوبة: 97
19



(1) شرح العضدي: 3 و 4.
21



(1) القائل: هو عضد الدين الإيجي، شارح المختصر. ويؤيد ذلك بأن الشارح
ذكر في مسألة التجزي أدلة المثبتين والنافين مع مناقشتها فقط.
22



(1) مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث. أبو عبد الله
الأصبحي، الحميري، المدني، امام المذهب. مات سنة (179 ه‍). طبقات الفقهاء: 42.
(2) شرح العضدي: 4.
23

[فإذا تكلمنا في هذه الأدلة {1}]

(2) قدمنا الإشارة إليه في ص من 22 هذا الكتاب.
25

[فقد نتكلم فيما تقتضيه من إيجاب {1}]
26

[وندب وإباحة وغير ذلك من الاقسام {1} على طريق الجملة {2}
وليس يلزم على ذلك أن تكون {3} الأدلة الموصلة إلى فروع الفقه {4}
الكلام فيها كلاما في أصول الفقه {5} لان هذه الأدلة {6} أدلة على تعيين المسائل {7} والكلام في الجملة غير الكلام في التفصيل {8}]

(9) الاسراء: 78
27

[وليس المراد بذلك، مالا يتم العلم بالفقه الا معه {1} لأنه لو كان
كذلك {2}]
28

[لزم أن يكون الكلام في حدوث الأجسام، وإثبات الصانع، {1}]

(2) الاقتصاد: 20
(3) انظر تفصيل ذلك في صحاح الجوهري (باب الهاء، فصل الألف).
29

[والعلم بصفاته، وايجاب عدله، {1}]
30

[وتثبيت الرسالة، وتصحيح النبوة، كلاما في أصول الفقه {1}]

(2) المائدة: 28 و 29.
31



(1) قال النجاشي: أحمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن على البرقي،
أبو جعفر. أصله كوفي وكان جده محمد بن على. حبسه يوسف بن عمر بعد قتل زيد
عليه السلام، ثم قتله. وكان خالد صغير السن، فهرب مع أبيه عبد الرحمن إلى (برق
رد) وكان ثقة في نفسه. رجال النجاشي: 55.
(2) المحاسن 1: 105 (45 عقاب القتل) حديث 87.
32

[لان العلم به لا يتم من دون العلم بجميع ذلك {1}، وذلك لا يقوله
أحد، فعلم بهذه الجملة، ان المراد بهذه العبارة ما قلناه. والأصل في
هذه الأصول {2} الخطاب، أو ما كان طريقا إلى اثبات الخطاب، أو ما]
33

[كان الخطاب طريقا إليه {1}]
34

[فأما الخطاب فهو الكلام الواقع على بعض الوجوه وليس كل
كلام خطابا، وكل خطاب كلام. والخطاب يفتقر في كونه كذلك
إلى إرادة المخاطب، لكونه خطابا لمن هو خطاب له {1} ومتوجه]

(2) سورة ص: 10.
35

[إليه {1}، لأنه قد يوافق الخطاب في جميع صفاته من وجود وحدوث،
وصيغة، وترتيب ما ليس بخطاب، فلا بد من أمر زائد، وهو ما قلناه.
والكلام في الخطاب، كلام في بيان أدلة الكتاب، والسنة {2}
وذلك ينقسم خمسة أقسام:
أحدها: الكلام في الأوامر والنواهي.
والثاني: الكلام في العموم والخصوص.
والثالث: الكلام في المطلق والمقيد.
والرابع: الكلام في المجمل والمبين.
والخامس: الكلام في الناسخ والمنسوخ.]
36

[أما ما هو طريق إلى اثبات الخطاب من هذه الطرق، {1} فهو
قسم واحد {2} وهو الكلام في الاخبار، وبيان أقسامها.
وأما ما الخطاب طريق إليه، فهو أيضا قسم واحد، وهو الكلام
في أحكام الافعال {3} وألحق قوم بهذا القسم الكلام في الاجماع،
والقياس، والاجتهاد، وصفة المفتى والمستفتي، والحظر، والإباحة.
وذلك غير صحيح على قاعدة مذاهبنا، لان الاجماع عندنا {4}

(1) الأحزاب: 21.
(2) سبأ: 20.
37

[إذا اعتبرناه، من حيث كان فيه معصوم، لا يجوز عليه الخطأ، ولا يخلو
الزمان منه، وطريق ذلك العقل دون السمع، فهو خارج عن هذا الباب.]
38

وأما القياس والاجتهاد فعندنا انهما ليسا بدليلين، بل محظور
استعمالهما، ونحن نبين ذلك فيما بعد، ونبين أيضا ما عندنا في صفة
المفتى والمستفتي. {1}]

(2) ونرد على قول الشارح بجواز الخطأ في الموضوعات على الأئمة صلوات
الله عليهم أجمعين، بالأحاديث المروية في أصول الكافي ج 1: 260 (كتاب الحجة،
باب ان الأئمة عليهم السلام يعلمون ما كان وما يكون، وانه لا يخفى عليهم الشئ
صلوات الله عليهم)، حديث 1 - 6 والأبواب التي تليها، فراجع.
(3) سورة النحل: 43.، وسورة الأنبياء: 7.
39



(1) سورة الزخرف: 86.
(2) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب: 72: " انا عرضنا الأمانة على
السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما
جهولا ".
(3) أصول الكافي 1: 210، كتاب الحجة.
(4) الشيخ الاجل، ثقة الاسلام، وقدوة الأنام، وملاذ المحدثين العظام، أبو جعفر
محمد بن يعقوب بن إسحاق، أبو جعفر الكليني الرازي. قال النجاشي: شيخ أصحابنا في
وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم.
توفى رحمه الله تعالى في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة في بغداد ودفن في
باب الكوفة. وقيل: سنة ثمان وعشرين.
(5) الزخرف: 86.
40

[وأما الكلام في الحظر والإباحة {1}، فعندنا وعند أكثر من
خالفنا طريقه العقل أيضا، فهو - أيضا - خارج من هذا الباب.]

(2) أصول الكافي 1: 7.
(3) يأتي في الجزء الثاني ان شاء الله تعالى.
41

[والأولى في تقديم هذه الأصول {1} الكلام في الاخبار،
وبيان أحكامها، وكيفية أقسامها، لأنها الطريق إلى اثبات الخطاب.
ثم الكلام في أقسام الخطاب. ثم الكلام في الافعال لأنها متأخرة
عن العلم بالخطاب. ثم الكلام في تتبع ما عده المخالف أصلا
وليس منه.
ولما كان المبتغى {2} بهذه الأصول العلم، فلا بد من أن نبين فصلا
يتضمن بيان حقيقته، و (2) الفرق بينه وبين الظن وغيره،]
42

[وما يصح من ذلك أن يكون مطلوبا، وما لا يصح.]
43

[ولا بد أيضا من بيان ما لا يتم العلم الا به {1}: من حقيقة النظر، وشرايط الناظر، وما
يجب أن يكون عليه {2}، وبيان معنى الدلالة، وسائر متصرفاته، واختلاف العبارة عنه.
ولما كان الأصل في هذا الباب الخطاب، وكان ذلك كلاما فلا بد من بيان فصل
يتضمن معنى الكلام، وبيان الحقيقة منه والمجاز، وانقسام أنواعه.
ولما كان الكلام صادرا من متكلم، فلا بد من بيان من يصح
الاستدلال بكلامه
ومن لا يصح، ويدخل في ذلك الكلام فيما يجب أن يعرف من صفات الله تعالى وما
لا يجب، وصفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصفات الأئمة القائمين مقامه
الذين يجرى قولهم مجرى قوله عليه السلام.
ونحن نبين جميع ذلك في أبوابه على غاية من]
44

[الاختصار حسب ما تقتضيه الحاجة، إليه {1}
ونتقصر فيما نذكره على الإشارة إلى ذكر ما ينبغي أن يعتمد عليه،
ويحصل العلم به دون أن يقرن (4) ذلك بالأدلة المفضية إليه، لان
لشرح ذلك موضعا غير هذا، والمطلوب من هذا الكتاب بيان ما
يختصه من تصحيح أصول الفقه التي ذكرناها، وبيان الصحيح منها
والفاسد، ان شاء الله تعالى.
فصل
(في بيان حقيقة العلم، {2} وأقسامه، ومعنى الدلالة،
وما يتصرف منها]
45

[حد العلم ما اقتضى سكون النفس. {1}]

(2) أصول الكافي 2: 52
(3) سورة محمد: 19
(4) كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد: 172
46

[وهذا الحد أولى من قول من قال: (انه اعتقاد للشئ]

(2) رسالة العلم: وهى مجموعة مشتملة على مسائل من مباحث علم الله تعالى وما يناسبها
ومجموعها أربع وعشرون مسألة للشيخ المحقق المتكلم كمال الدين أبى جعفر أحمد بن على
ابن سعيد بن سعاده.
وشرحها المحقق المتكلم الخواجة نصير الدين، محمد بن محمد بن الحسن الطوسي
المتوفى سنة 672 ه‍. الذريعة 15: 315.
47

[على ما هو به، مع سكون النفس) لان الذي يبين به العلم من
غيره من الأجناس هو سكون النفس، دون كونه اعتقادا، لان الجهل
أيضا اعتقاد، وكذلك التقليد. ولا يبين أيضا بقولنا: (للشئ
على ما هو به) لأنه يشاركه فيه التقليد أيضا، إذا كان معتقده على ما
هو به. والذي يبين به هو سكون النفس،]

(3) سورة المائدة: 116
48

[فينبغي أن نقتصر {1} عليه، وليس من حيث ان ما اقتضى سكون النفس
لا يكون الا اعتقادا للشئ على ما هو به، ينبغي أن يذكر {2} في الحد.
كما انه لا بد من أن يكون عرضا، وموجودا، ومحدثا،
وحالا في المحل، ولا يجب {3} ذكر ذلك في الحد من حيث لا يبين به،
فكذلك ما قلناه. ولا يجوز أن يحد العلم بأنه المعرفة، لان المعرفة
هي العلم بعينه، ولا يجوز أن يحد الشئ {4} بنفسه. ولا يجوز أن يحد بأنه اثبات، لان الاثبات في اللغة هو الايجاب {5}.
49

ولاجل ذلك يقولون: (أثبت السهم في القرطاس) أي: أوجبته
فيه.
ويعبر أيضا في الخبر عن وجوب الشئ كما يقال في المجبرة {1}
انهم مثبتة {2}.
ثم ان ذلك ينتقض بالتقليد، لأنه أيضا إثبات للشئ على ما هو
به {3}، ان أريد
بهذه اللفظة الاعتقاد، وان أريد بها العلم فقد حد
الشئ بنفسه.
والعلوم على ضربين: ضروري، ومكتسب. فحد الضروري ما
كان من فعل غير العالم به، وهو انما يكون]

(2) الملل والنحل 1: 85.
50

[على وجه لا يمكنه {1} دفعه عن نفسه بشك أو شبهة. وهذا الحد أولى]

(2) سورة النازعات: 40 - 41.
51

[مما قاله بعضهم {1} من أنه: (ما لا يمكن العالم به دفعه عن نفسه بشك]

(2) هم أصحاب أبى الحسن، على بن إسماعيل الأشعري، المتوفى سنة 324. و
إليه تنسب الفرقة. الملل والنحل 1: 94.
52

[أو شبهة إذا انفرد {1} لان ذلك تحرز {2} ممن اعتقد بقول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم ان زيدا في الدار، ثم شاهده، فإنه لا يمكنه أن
يدفع ذلك عن نفسه، ومع هذا فهو اكتساب. {3}]

(4) أصول الكافي 1: 95.
53

[وهذا لا يصح عندنا، لان العلم بالبلدان، والوقائع، وما جرى
مجراهما، هذا الحد موجود فيه، {1}
وعند كثير من أصحابنا مكتسب قطعا، وعند بعضهم هو على
الوقف،
54

[فلا يصح ذلك على الوجهين معا. {1} على ان ذلك انما يصح
على مذهب من يقول ببقاء العلوم، فأما من قال ان العلم لا يبقى فلا
معنى لهذا الكلام عنده،]
55

[لأنه لا يبقى وقتين، فيصح {1} طرو الشبهة في ذلك أو الشك،
فيعتبر {2} صحة انتفائه بهما أولا {3}، وانما يتجدد حالا بعد حال، اللهم {4}
الا أن يراد بذلك انه لا يصح أن يمنع منه ابتداءا،]
56

فان أريد به ذلك فذلك يوجد في العلم الاستدلالي الذي لم
يقارنه الضروري (1)، لأنه في حال حصول العلم أيضا لا يمكنه دفعه
عن نفسه، وإن لم يكن ضروريا. وانما يصح أن يدخل الشبهة أو
الشك عليه فيمنعا من وجود مثله في الثاني، {2} أو يدخلا في طريقه
قبل حصوله، فيمنعا من توليده،
فأما حال حصوله فلا يصح على حال، فعلم بذلك ان الصحيح
ما قلناه. اللهم [الا] أن يراد بذلك ما أمكن {3} ذلك فيه على وجه،]
57

[فان أريد ذلك كان صحيحا على مذهبه، ولا يصح ذلك على
مذهبنا، لما قلناه من العلم الحاصل بالبلدان والوقايع {1}.
58

والعلوم الضرورية على ضربين: {1} ضرب منهما: يحصل {2}
في العاقل ابتداءا، وهو مثل العلم بان الموجود لا
يخلو من أن يكون قديما أو غير قديم، وان الجسم الواحد لا يخلو من أن يكون في
مكان أو لا يكون فيه، وان الذات لا بد من أن يكون على صفة أو
لا يكون عليها،]

(3) مطالع الأنوار: للقاضي سراج الدين، محمود بن أبى بكر الأرموي، المتوفى
سنة 689 ه‍.
شرحه قطب الدين، محمد بن محمد الرازي التحتاني، المتوفى سنة 766 ه‍.
أسماه (لوامع الاسرار):
59

وتعلق الكتابة بالكاتب، والبناء بالباني، وما يجرى مجرى ذلك مما يعد (1) في كمال العقل، وهى كثيرة.
والضرب الثاني: ما يقف على شرط، وهو العلم بالمدركات {2} لان العلم بها ضروري، الا أنه واقف على شرط، وهو الادراك]

(1) كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد: 332.
60

مع ارتفاع اللبس {1}، وهذا العلم واجب حصوله مع الشرط الذي
ذكرناه في العاقل، {2} لأنه مما يدخل به في كونه كامل العقل، ومتى لم
يحصل، أخل ذلك بكمال عقله.
وزاد قوم في هذا القسم الذي يقف على شرط - وان لم يكن
ذلك واجبا - {3} العلم بالصنائع عند الممارسة،]
61

[والعلم بالحفظ عند الدرس {1} ولنا في ذلك نظر {2}، ليس هذا
موضع الكلام فيه.]

(1) ذكر الشيخ الطهراني في الذريعة 5: 219. جوابات المسائل الحلبية الأولى
للسيد الشريف المرتضى علم الهدى وهى ثلاث مسائل. والثانية وهى ثلاث مسائل أيضا
أما جوابات المسائل الحلبية الثالثة فهي ثلاث وثلاثون مسألة كما حكاه تلميذه البصروى في فهرسته.
62

وذكروا فيه أيضا {1} العلم بمخبر الاخبار المتواترة ونحن نبين {2}
ما عندنا فيها عند الكلام في الاخبار ان شاء الله تعالى.]
63

[وأما العلم المكتسب: فحده أن يكون فعل من العالم به،
وهذا الحد أولى من حد من قال إنه: (ما أمكن العالم به دفعه عن
نفسه]

(2) ذكر القوشجي في شرحه الجديد من هذه المذاهب ثلاثة. انظر ذلك في
بحث الكيفيات النفسانية، عند شرحه لقول الماتن: وحصول العلم عن الصحيح واجب
(3) نقله القوشجي في المصدر السابق.
(4) نقله القوشجي أيضا في المصدر السابق. والفخر الرازي: هو أبو عبد الله،
محمد بن عمر بن الحسين الرازي الطبرستاني الأصل الشافعي المذهب صاحب التفسير
الكبير مات سنة (606 ه‍.).
64



(1) المعتزلة: ويسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية والعدلية
أيضا. الملل والنحل 1: 43.
(2) أصول الكافي 1: 164 (باب اختلاف الحجة على عباده) حديث 1.
(3) نقله الفخر الرازي في التفسير الكبير 1: 205.
65



(1) سورة الأعراف: 172.
(2) الشيخ الصدوق، أبو جعفر، محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه
القمي. كان شيخا من مشايخ الشيعة، وركنا من أركان الشريعة، جليل القدر، بصيرا
بالاخبار ناقدا للآثار. سمع منه شيوخ الطائفة، وانتفع الفقهاء بآثاره الباقية. وصفه
الامام عليه السلام في التوقيع الخارج من الناحية المقدسة بأنه فقيه، خير، مبارك،
ينفع الله به.
ولد بدعاء مولانا صاحب الامر عليه أفضل الصلاة والسلام، ونال بذلك عظيم
الفضل والفخر. كان مولده الشريف بعد وفاة محمد بن عثمان العمرى، في أوائل سفارة
الحسين بن روح. وقد كانت وفاة العمرى سنة خمس وثلاثمائة. وتوفى رحمه الله تعالى
بالري سنة احدى وثمانين وثلاثمائة.
(3) التوحيد: 159.
(4) الاقتصاد: 93 (الكلام في العوض).
(5) أي حصر الأشياء الستة في رواية أصول الكافي المارة الذكر، فراجع.
66

[لشبهة في دليله، أو طريقه {1} إذا انفرد)، لان ذلك لا يصح {2} على
مذهبنا، على ما قلناه من العلم باخبار البلدان والوقايع.
والعلم المكتسب على ضربين: أحدهما: لا يقع إلا متولدا عن
نظر في دليل {3} والاخر يفعله العالم في نفسه ابتداءا. {4}
فالقسم الأول على ثلاثة أضرب {5}]
67

[أحدها: أن ينظر في شئ {1} فيحصل له العلم بغيره، نحو نظرنا
في الحوادث لنعلم ان لها محدثا، وهذا الوجه يختص العقليات،
لأنها الطريق إلى اثبات ذوات الأشياء، دون الشرعيات التي هي
طريق إلى اثبات أحكامها.
وثانيها: {2} أن ينظر في حكم لذات، فيحصل له العلم بصفة
لها، وذلك نحو نظرنا في صحة الفعل من زيد،]
68

[فيحصل لنا العلم بأنه قادر {1}. وهذا أولى مما قاله قوم: من انه
ينظر في شئ فيحصل له العلم بغيره، ومثل ذلك بالنظر في فعل زيد،
فيحصل له العلم بأنه قادر. وانما قلنا انه أولى، لان الذي يدل على كونه
قادرا، صحة الفعل منه على وجه {2} دون وقوعه،]

(3) الاقتصاد: 27.
69

[فتمثيله بما قلناه أولى. {1}
والضرب الثالث: أن ينظر في حكم لذات، فيحصل لنا العلم
بكيفية صفة لها، نحو نظرنا في جواز العدم على بعض الذوات، فيحصل
لنا العلم بأنها محدثة. وهذا الذي ذكرناه أولى مما قاله قوم من
انا ننظر في صفه لذات، فيحصل لنا
العلم بصفة أخرى لها، لان جواز العدم ليس هو صفة، وانما هو حكم من أحكامها، وكونها محدثة
ليس أيضا بصفة، وانما هو كيفية في الوجود،
فعلم بذلك ان ما قلناه أولى. ومثاله في الشرعيات: ان ننظر في
أن شيئا منها واجب، فيحصل لنا العلم بأن له جهة وجوب.]
70

[وأما الضرب الثاني {1} من العلوم المكتسبة التي تحصل من غير
نظر: فهو ما يفعله المنتبه من نومه، وقد سبق له النظر في معرفة الله تعالى،
فحينئذ يعقل العلم عند ذكره الأدلة.]
71



(1) تجريد الكلام في تحرير عقائد الاسلام، لسلطان الحكماء والمتكلمين
الخواجة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة (672 ه‍).
وشرحه الفاضل القوشجي علاء الدين على بن محمد المتوفى سنة (879 ه‍).
(2) أبو هاشم، عبد السلام بن أبى على محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي.
المتكلم المشهور، كان هو وأبوه من كبار المعتزلة. ولد سنة سبع وأربعين ومأتين و
توفى لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة احدى وعشرين وثلاثمائة ببغداد.
(3) الشرح الجديد للتجريد (البحث في الكيفيات النفسانية) في شرح قول
الماتن: وحصول العلم عن الصحيح واجب.
72

[وطريق النظر في الوجوه الثلاثة، التي قدمنا ذكرها. {1}
وقال قوم: في العلوم التي تقع عن نظر {2} ما يسمى استدلالا،]

(3) الشرح الجديد للتجريد، البحث في الكيفيات النفسانية، في شرح قول
الماتن: (وحصول العلم عن الصحيح واجب).
74

[وهو ما يكون المستدل به غير المستدل عليه.
ومنه ما يسمى اكتسابا فقط، واطلاق الاكتساب على جميع ذلك لا خلاف فيه.
ولا يمتنع أن يسمى أيضا جميع ذلك استدلالا، وانما يختص
بتسميته الاكتساب ما يفعله ابتداءا، على ما بيناه عند الانتباه، فان ذلك
لا يجوز أن يسمى استدلالا. ومن حق العلوم المكتسبة أن تتأخر
عن الضرورية، لأنها فرع عليها، أو كالفرع.
وأما الظن: فعندنا وان لم يكن أصلا في الشريعة تستند الاحكام
إليه، فإنه تقف أحكام كثيرة عليه، نحو تنفيذ الحكم عند الشاهدين،]
75

[ونحو جهات القبلة، وما يجرى مجراها {1} فلا بد أن نذكر حده
وحده: (ما قوى عند الظان كون المظنون على ما ظنه، ويجوز مع ذلك كونه على خلافه {2}.]

(3) الذريعة: 25.
(4) القصص: 25.
(5) النحل: 47.
77



(1) البقرة: 46.
(2) يوسف: 42.
(3) الكهف: 53.
78

[وهذا أولى مما قاله قوم من انه: (ما أوجب كون من وجد في قلبه ظنا)، لأنه بهذا لا يبين من غيره {1}، لأنه يحتاج بعد إلى تفسير،
فالأولى ما ذكرناه.
ومما قلناه يبين من العلم، لان العالم فلا يجوز كون ما علمه على
خلافه. وكذلك به يتميز من الجهل، لان الجاهل يتصور نفسه بصورة
العالم فلا يجوز {2} خلاف ما اعتقده، وان كان يضطرب عليه حاله
مما يجهله، من حيث لم يكن ساكن النفس،]

(3) الجاثية: 24.
79

[ولأنه اعتقاد {1} لا على ما هو به، وليس كذلك الظن.
وأما المقلد (2): فان كان يحسن الظن بمن قلده (3)]
80

[فهو سيظن أن الامر على ما قلده فيه {1} وإذا قلد من لا يجوز
عليه الخطأ، {2} فكذلك لا يجوز كون ما قلده فيه على خلاف ما
قلده. {3} وإذا قلد من لا يقوى في ظنه حال ما قلده فيه ففارق
الظن، لان ذلك يكون قد سبق إلى اعتقاد لا مزية لكونه على ما اعتقده،]

(5) الزخرف: 86.
(6) أصول الكافي 1: 7.
(7) الزخرف: 86.
81

[وعلى خلافها فقد فارق حال الظن.
وأما الشاك: فهو الخالي من اعتقاد الشئ على ما هو به، ولا]
82

[على ما هو (1) به مع خطوره بباله، وتجويزه كل واحدة من الصفتين
عليه.
وأما الدلالة: فهي ما أمكن الاستدلال بها على ما هي دالة عليه،
الا أنها لا تسمى بذلك الا إذا قصد فاعلها الاستدلال. {2}
83



(1) الذريعة: 23.
84

[وانما قلنا ذلك {1} لان ما لا يمكن الاستدلال به، لا يكون دلالة
ألا ترى ان طلوع الشمس من مشرقها لا يكون دلالة على النبوة،
لأنه لا يمكن ذلك فيها من حيث كان ذلك معتادا {2} وطلوعها من
مغربها يكون دلالة {3}، لامكان ذلك فيه.
وأثر اللص لا يسمى دلاله، وان أمكن الاستدلال به عليه، من
حيث لم يقصد بذلك استدلال عليه، وان سمى ذلك دلالة على بعض
الوجوه، فعلى ضرب من المجاز، لأنه لو كان حقيقة لوصف بأنه دال
وذلك لا يقوله أحد،
لأنا نعلم انه يجتهد في اخفاء أمره، وان لا يعلم به، فكيف
يجوز وصفه بأنه دال!، وتستعمل هذه اللفظة في العبارة عن الدلالة،
ولهذا يقول أحد الخصمين لصاحبه أعد دلالتك، وانما يريد
به كيفية عبارتك عنها، وذلك مجاز. وانما استعير ذلك من حيث كان]
85

السامع لذلك إذا تأمله كان أقرب إلى معرفة المدلول عليه، كما انه
عند النظر في الدلالة كذلك. وتوصف الشبهة بأنها دلالة مجازا،
ولهذا يقال دلالة المخالف. ومن حق الدلالة أن تكون معلومة للمستدل
بها على الوجه الذي تدل على ما تدل عليه، حتى يمكنه الاستدلال
بها، ولا فرق بين أن يعلم ذلك]
86

[ضرورة أو استدلالا. ولا يجب في الأدلة أن تكون موجودة، {1}
ولاجل ذلك صح الاستدلال {2} بمجئ الشجرة، {3}]
87

[وحنين الجذع {1} على نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبكلامه
على الاحكام، وان كان ذلك كله معدوما.
ولا يجب في الأدلة أن يعلم بدلالة أخرى، ويجوز ذلك فيها
الا أنها لا بد أن تنتهي إلى دلالة يعلم صفتها ضرورة، والا أدى إلى
ما لا يتناهى من الأدلة.
والدال: هو من فعل الدلالة {2} لأنه مشتق منها، فجرى في
ذلك مجرى الضارب في أنه مشتق من الضرب، وعلى هذا يصح
أن يقال: ان الله تعالى دلنا على كذا، فهو دال، وكذلك النبي
صلى الله عليه وآله وسلم دلنا على كذا وكذا فهو دال.
وقد يتجوز في ذلك فيعبر به عن الدلالة فيقولون: قول الله تعالى،
وقول النبي دال على كذا وكذا من الاحكام، وان كان الدال في]
88

[الحقيقة هو الله تعالى والرسول على ما بيناه،
وكذلك يتجوز في العبادة عن الدلالة. {1}
والدليل: هو الدال في الأصل {3} قال الشاعر:
إذا الدليل استاف {4} أخلاف الطرق {5}]

(3) هو رؤية بن العجاج البصري المتوفى سنة 145 ه‍. له ديوان شعر ليس فيه
سوى الأراجيز.
(6) القاموس 2: 160 فصل السين باب الفاء (مادة سوف).
89

[فوصف {1} الدال على الطريق بأنه دليل، من حيث فعل أشياء استدل بها على الموضع المقصود {2}.
وقد يتجوز في ذلك فيستعمل في {3} الدلالة، فيقولون في الأجسام
انها دليل على خالقها، وبأن القرآن دليل على الاحكام، ولا يمتنع أن يقال أيضا انه
حقيقة فيهما {4}.
والمدلول: هو الذي نصبت له الدلالة ليستدل بها، وهو المكلف،
وقد يتجوز بذلك في المدلول عليه فيقولون: هذا مدلول الدلالة،
وذلك مجاز. والمدلول عليه: هو ما يؤدى النظر في الدلالة إلى
العلم به.]
90

[والمستدل: هو الناظر، ولا يسمى بذلك {1} الا إذا فعل الاستدلال. {2}
والمستدل به: هو الدلالة بعينها، ولا يسمى بذلك قبل الاستدلال بها.
والمستدل عليه: هو المدلول عليه بعينه، غير أنه لا يسمى بذلك قبل
حصول الاستدلال.
والنظر ينقسم إلى:
تقليب الجارحة الصحيحة نحو المرئى
طلبا لرؤيته. وإلى معنى الانتظار. وإلى معنى التعطف والرحمة.
وإلى معنى الفكر. والواجب من ذلك هو الفكر {1}.]
91

[والناظر يعلم نفسه ناظرا ضرورة {1} ويفصل بين هذا الحال
وبين سائر صفاته من كونه معتقدا، وظانا، ومريدا، وغير ذلك من
الصفات. ومن شرط الناظر أن يكون عالما {2} بالدليل على الوجه]

(3) الاقتصاد: 94.
(4) الاقتصاد: 94.
92

[الذي يدل على ما يدل عليه، حتى يصح أن يولد نظره العلم.
ولاجل ذلك نقول: ان من لا يعلم صحة الفعل من زيد لا يعلمه قادرا، ومن لا
يعلم وقوع الفعل محكما منه، لا يمكنه أن
يستدل على كونه عالما، لما لم يكن عالما بالجهة التي لكونه عليها
يدل،
93

[ولهذا نقول: ان من لا يعلم ان قوله تعالى: " وأقيموا الصلاة
وآتوا الزكاة {1} " كلام الله، وان الله تعالى لا يجوز عليه القبيح {2}، ولا
التعمية والالغاز في الكلام، لا يمكنه الاستدلال به على وجوب
الصلاة ولا الزكاة]،

(1) البقرة: 43
94

[ولذلك ألزمنا المجبرة أن لا يمكنهم الاستدلال بكلام الله تعالى
من حيث جوزوا {1} عليه القبائح كلها {2} وكذلك من لا يعلم ان
النبي صلى الله عليه وآله وسلم صادق، وانه لا يجوز عليه الكذب {3}
، ولا التعمية، والالغاز في الكلام، لا يصح له أن يستدل بقوله صلى الله
عليه وآله وسلم على شئ من الاحكام.]
95

[وهذه العلوم التي ذكرناها، شرط في توليد النظر للعلم، لا في
صحة وجوده، لان من اعتقد الدليل، أو ظنه {1} على الوجه الذي]
96

[يدل - {1} وان لم يكن عالما به - جاز منه فعل النظر، وان لم يولد
العلم.
وإنما قلنا انه متى لم يكن عالما، لا يولد نظره العلم، لأنه
إذا لم يكن عالما بالدليل على الوجه الذي يدل عليه، جوز ألا
يكون دليلا على الوجه الذي يدل، فكيف يجوز حصول العلم
عن الدليل مع تجويز ما قلناه فيه؟
والنظر في الدليل من الوجه الذي يدل يوجب العلم، {2}]
97

[لأنه يكثر بكثرته، ويقل بقلته، {1}]

(2) الاقتصاد: 26
100



(1) سلطان العلماء والمحققين، الخواجة نصير الدين، محمد بن محمد بن الحسن
الطوسي الجهرودى كان فاضلا، محققا، عالما وصنف كتبا ورسائل نافعة نفيسة في
فنون من العلم.
كان مولده الشريف بطوس في الحادي عشر من جمادى الأولى من السنة السابعة
والتسعين بعد الخمسمائة. وتوفى رحمه الله تعالى في يوم الغدير من السنة الثانية والسبعين
بعد الستمائة، ودفن بجواز الامامين الكاظم والجواد عليهما السلام.
(2) تجريد العقائد (البحث في الكيفيات النفسانية).
(3) هو القوشجي المتقدم ذكره في ص 72 من هذا الكتاب.
102

[ولأنه يقع العلم عنده مطابقا لما يطلبه بالدليل، {1}
ألا ترى ان من نظر في صحة العقل من زيد لا يصح أن يقع
له العلم بان عمرا قادر، وكذلك من نظر في أحكام الفعل، لا
يصح أن يقع له العلم بالهندسة وغيرها، فعلم بوجوب هذه المطابقة
انه متولد عن النظر.]

(2) قال في القاموس: الهندسة مشتق من الهنداز معرب (آب أنداز) فأبدلت
الزاي لأنه ليس لهم دال بعده زاي، (باب السين فصل الهاء).
103

[والنظر لا يولد الجهل {1}]
104



(1) أبو الحسن، على بن محمد بن على الجرجاني الحنفي الشهير بالسيد الشريف.
ولد بجرجان سنة 740 ه‍. وتوفى بشيراز سنة 816 ه‍.
(2) شرح المواقف (المرصد الثالث في أقسام العلم، المقصد الثامن).
(3) المقاصد في علم الكلام: للعلامة سعد الدين، مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى
سنة (791 ه‍) وقد شرحه بنفسه.
(4) شرح المقاصد الفصل الثالث (بحث التفطن).
105



(1) هي حاشية لوامع الاسرار لمؤلفه قطب الدين الرازي التحتاني المتوفى سنة
766 ه‍. على مطالع الأنوار للقاضي سراج الدين محمود بن أبى بكر الأرموي المتوفى
سنة 682 ه‍.
106

على وجه، لأنه لو ولده لم يخل أن يكون النظر في
الدليل يولده {2}، أو النظر في الشبهة.]
107

[ولا يجوز أن يولد النظر في الدليل الجهل، لأنا قد بينا ان
النظر في الدليل يولد العلم، ولا يجوز في شئ أن يولد الشئ
وضده. ولو ولد النظر في الشبهة الجهل، لكان يجب كل من نظر
فيها أن يولد له الجهل {1}، كما ان كل من نظر في الدليل ولد له]

(2) شرح المواقف (المرصد الثالث في اقسام العلم، المقصد الثامن).
(3) الاقتصاد 95 - 96.
108

[العلم. ونحن نعلم انا ننظر في شبه المخالفين فلا يتولد لنا الجهل، ولأنه لو كان شئ من النظر {1}
يولد الجهل، لأدى إلى قبح كل نظر لان الانسان لا
يفرق بين النظر الذي يولد العلم، والنظر الذي يولد الجهل، ولا بين الدليل والشبهة،
وانما يعلم كون الدليل دليلا إذا حصل له العلم بالمدلول، فاما قبل حصوله، فلا يعلمه
دليلا.
وما أدى إلى قبح كل نظر، ينبغي أن يحكم بفساده لأنا نعلم
109

[ضرورة حسن نظر كثير من {1} أمر الدين والدنيا معا.
والنظر الذي ذكرناه {2} لا يصح إلا من كامل العقل {3}، فلا بد]

(4) أبو على، الحسين بن عبد الله بن سينا البخاري، الملقب بالشيخ الرئيس.
كان أبوه من بلخ في شمال أفغانستان وسكن مملكة بخارى في زمن نوح بن منصور من
الدولة السامانية فولد ولده بها سنة 370 ه‍. كان يفتى في بخارى على مذهب أبى حنيفة
وهو في سن الثانية عشر وصنف القانون وهو ابن ست عشر سنة.
توفى رحمه الله تعالى بهمدان سنة 428 ه‍. وخلف مجموعة من آثاره المهمة في
مختلف الفنون.
110

[أن نبين ماهية العقل {1} والعقل: هو مجموع علوم إذا حصلت كان
الانسان عاقلا {2} مثل أن يجب أن يعلم المدركات إذا أدركها
111



(1) أبو حامد، محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الغزالي الطوسي الشافعي
المولود سنة (450 ه‍.) والمتوفى سنة (505 ه‍.).
(2) الكافي 1: 11 حديث 3.
112

[وارتفع عنها اللبس، وأن يعلم أن الموجود لا يخلو من قدم أو
حدوث، وأن المعلوم لا يخلو {1} من وجود أو عدم، ويعلم وجوب
كثير من الواجبات {2}، وحسن كثير من المحسنات، مثل وجوب رد الوديعة، وشكر النعمة،
وحسن الاحسان،
(واما ثانيا) فلان بعضهم أقروا باستحقاق الذم على الترك، وانكروا استحقاق

(3) الملك: 10
(4) الحجرات: 4.
113

ويعلم قبح كثير من المقبحات، مثل الظلم المحض، والكذب
العاري من نفع ودفع ضرر، والعبث وغير ما عددناه {1}، ويعلم تعلق الفعل
بالفاعل (2) وقصد المخاطبين، {3}]

(4) قال ابن النديم في الفهرست 207: هو أبو بشر ثمامة بن أشرس النميري
من بنى نمير صليبة من جلة المتكلمين من المعتزلة، كاتب بليغ، بلغ من المأمون منزلة
جليلة، وأراده على الوزارة فامتنع. وكناه ابن حجر في لسان الميزان 2: 83 بأبى
معن.
114



(1) يونس " 21
(2) البقرة: 275
115



(1) البقرة: 275.
(2) البقرة: 275.
(3) البقرة: 275.
116

[ويمكنه معرفة ما يمارسه من الصنايع، ويمكنه أيضا معرفة
مخبر الاخبار، وغير ذلك.
فإذا حصلت هذه العلوم فيه كان كامل العقل يصح منه الاستدلال
على الله تعالى، وعلى صفاته، وعلى صدق الأنبياء عليهم السلام.
ووصفت هذه العلوم {1} التي ذكرناها بالعقل لوجهين:
أحدهما: انه لما كان العلم بقبح كثير من المقبحات صارفا له
عن فعلها، {2} وعلمه بوجوب (1) كثير من الواجبات، داعيا له إلى فعلها،]

(3) نهج البلاغة، خطبة رقم 156، ص 220 من الطبعة البيروتيه لصبحى
الصالح.
117

[وصارفا عن الاخلال بها، سمى عقلا تشبيها بعقال الناقة الذي يمنعها
من السير.
والثاني: انه لما كانت العلوم الاستدلالية لا تثبت {1} الا مع ثبوت
هذه العلوم، سميت عقلا تشبيها أيضا بعقال الناقة، ولاجل ما قلناه {2}
لا يصح وصف القديم تعالى بأنه عاقل، لان هذا المعنى لا يصح فيه {3}.
وأما الامارة فليست موجبة للظن {4} بل يختار الناظر فيها عندها
الظن ابتداءا، لأنا نعلم انه ينظر جماعة كثيرة في امارة واحدة من
جهة واحده، فلا يحصل لجميعهم الظن، فلو كانت مولدة لوجب
ذلك، كما يجب ذلك في الدليل،]
118



(1) الذريعة: 23.
121

[ألا ترى ان الجماعة إذا نظرت في الدليل من الوجه الذي
يدل، حصل لجميعهم العلم، ولم يحصل لبعضهم دون بعض، وليس
كذلك الظن. فصل
في ذكر أقسام افعال المكلف {1}
أفعال المكلف {2}]
123

[إذا كان عالما بها، أو متمكنا من العلم بها، {1}]

(2) التهذيب 2: 41، آخر حديث (132).
124

[وهو غير ساه عنها {1}، ولا ملجأ إليها {2}]

(3) سورة الماعون: 4 و 5
125

[لا تخلو من أن تكون حسنة أو قبيحة {1} وانما قلنا ذلك لان فعل]
126

[الساهي والنائم لا يوصف بذلك. {1}
وقال قوم: يوصف بذلك إذا كان فيه جهة الحسن أو القبح. {2}
127

[فالحسن على ضربين: ضرب منه: ليس له صفة زائدة على حسنه {1}
وذلك يوصف بأنه مباح، {2}]

(3) أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي كان رأس طائفة من المعتزلة
يقال لهم الكعبية، وهو صاحب مقالات، وله اختيارات في علم الكلام توفى سنة
(317 ه‍).
128

[إذا دل فاعله على حسنه {1}، ويوصف - أيضا - في الشرع بأنه]
129

[حلال وطلق وغير ذلك {1}]
130

[والضرب الاخر: له صفة زائدة على حسنه، وهو على ضربين:
أحدهما: أن يستحق المدح بفعله، ولا يستحق الذم بتركه {1}]
132

[فيوصف بأنه مرغب فيه، ومندوب إليه، ونفل، وتطوع، وهذا الضرب
إذا تعدى إلى الغير سمى بأنه احسان وانعام.
والضرب الثاني: هو ما يستحق الذم بتركه {1}، وهو أيضا على
ضربين: أحدهما: انه متى لم يفعله بعينه استحق الذم، وذلك مثل
رد الوديعة، والصلوات المعينة المفروضة {2}، فيوصف بأنه
واجب مضيق.
والضرب الثاني: هو ما إذا لم يفعله، ولا ما يقوم مقامه {3}]
133

[استحق الذم، فيوصف بأنه واجب مخير فيه، وذلك نحو الكفارات
في الشريعة، وأداء الصلوات في الأوقات المخير فيها، وقضاء
الدين من أي درهم شاء، وما شاكل ذلك.
ومن الواجب ما يقوم فعل الغير مقامه {1}، وذلك نحو
الجهاد والصلاة على الأموات، ودفنهم، وغسلهم، ومواراتهم،]
134

[فيوصف بأنه فرض على الكفاية.
وأما القبيح: فلا ينقسم انقسام الحسن، بل هو قسم واحد، وهو
كل فعل يستحق فاعله الذم على بعض الوجوه {1}، ويوصف في
الشرع بأنه محظور، ومحرم إذا دل فاعله عليه {2} أو اعلمه {3}.
وفي الافعال ما يوصف بأنه مكروه، وان لم يكن قبيحا {4}،
وهو كل فعل كان الأولى تركه واجتنابه، وان لم يكن قبيحا يستحق
بفعله الذم، فيوصف بأنه مكروه.]
135

[وفي افعال الشريعة ما يوجب على غير فاعلها حكما {1}، كفعل
الطفل، والمجنون، وما أشبههما، فإنه يلزم المكلف أن يأخذ من مال
الطفل والمجنون عوض ما أتلفه ويرده على صاحبه، ويأخذ
الزكاة مما يجب فيه من جملة ماله {2} عند من قال بذلك.
وفي الافعال ما يوجب على فاعلها أحكاما {3}، وذلك على أقسام:
منها: قولهم (أن الصلاة باطلة)، فمعناه انه يجب علينا اعادتها. وقولهم:
(ان الشهادة باطلة) انه لا يجوز للحاكم تنفيذ الحكم عندها {4}، وإذا
قالوا: (انها صحيحة) معناه انه يجوز تنفيذ الحكم عندها.
وقول من قال: (ان الوضوء بالماء المغصوب غير جائز) انه
يجب عليه اعادته ثانيا بماء مطلق، وعند من قال: (انه جائز) معناه انه]
136

[وقع موقع الصحيح {1}.
وقولهم: (ان البيع صحيح) معناه ان التمليك
وقع به {2}، وقولهم: (انه فاسد) خلاف ذلك، وانه لا يصح التملك به، ولا
استباحة التصرف به {3}. وهذه الالفاظ {4} إذا تؤملت رجع معناها إلى ما قدمناه من الاقسام {5}، غير ان لها فوائد في الشريعة {6} تكشف عن أسباب أحكامها.
فهذه الجملة كافية في هذا الفصل.
وإذ قد بينا ما أردناه من حقيقة العلم، والنظر، والدليل، وصفة الناظر، وغير
ذلك، وحقيقة الافعال {7}، فلا بد من أن نبين حقيقة الكلام ونشرح أقسامه، وما ينقسم
إليه من حقيقة أو مجاز.]
137

[ثم نبين الأسماء اللغوية، والعرفية، والشرعية، وكيفية ترتيبها. {1}
فإذا فعلنا ذلك بينا صفات من يصح أن يستدل بخطابه ومن لا يصح. {2}
ثم نشرع فيما ذكرناه من ترتيب الأصول على ما قدمنا القول فيه ان شاء الله
تعالى.
فصل
في حقيقة الكلام، وبيان أقسامه،
وجملة من أحكامه، وترتيب الأسماء {3}
حقيقة الكلام ما انتظم من حرفين فصاعدا من هذه الحروف]
138

المعقولة، إذا وقع {1} ممن يصح منه، أو من قبيله {2} الإفادة، وهو
على ضربين: مهمل، ومفيد. فالمهمل: هو الذي لم يوضع ليفيد في
اللغة شيئا. {3}
والمفيد على ضربين: ضرب منهما: له معنا صحيح {4} وان]
139

[كان لا يفيد فيما وضع له، {1} وذلك نحو أسماء الألقاب وغيرها.
والضرب الثاني: يفيد فيما وضع له. وهو على ضربين {2}: حقيقة،
ومجاز.
فحد الحقيقة: ما أفيد به ما وضع في اللغة، ومن حقه أن يكون
لفظه منتظما لمعناه من غير زيادة، ولا نقصان، ولا نقل إلى غير
موضعه {3}، وذلك مثل قوله تعالى: {4} " ولا تقتلوا النفس التي حرم]

(5) يوسف: 82
140

[الله لا بالحق " {1} إلى ما شاكل ذلك من الحقائق.
وأما المجاز {2}: فهو ما أفيد به ما لم يوضع له في اللغة، ومن
حقه أن يكون لفظه لا ينتظم معناه، اما بزيادة، أو نقصان، أو بوضعه
في غير موضعه. والمجاز الذي دخلته الزيادة نحو قوله تعالى: " ليس
كمثله شئ " لان معناه ليس مثله شئ {3}، فالكاف زائدة.]

(1) الانعام: 151
(4) إبراهيم: 37
(5) أبو محمد، جمال الدين، عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام
الأنصاري، الحنبلي تفقه للشافعي ثم تحنبل ولد سنة (708 ه‍) وتوفى سنة (761 ه‍).
141

[والمجاز بالنقصان، نحو قوله تعالى: " وسئل القرية {1} " " واسئل
العير " {2}، لان
معناه واسئل أهل القرية، وأهل العير، فحذف ذلك]

(1 و 2) يوسف: 82
(3) عثمان بن جنى. بسكون الياء معرب كنى أبو الفتح النحوي. قال السيوطي
في بغية الوعاة: 322: من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف. وعلمه
بالتصريف أوقى وأكمل من علمه بالنحو. توفى سنة (392 ه‍)
(4) البقرة: 137
(5 و 6) مغنى اللبيب: 179 - 180
142

[اختصارا ومجازا، ونحو قوله
تعالى: " إلى ربها ناظرة " {1} على تأويل
من قال إلى ثواب ربها ناظرة. و " جاء
ربك " {2} لان معناه، وجاء أمر
ربك، وما أشبه ذلك.
والمجاز الثالث، نحو قوله تعالى: " وأضلهم السامري " {3} فنسبة
إليه من حيث دعاهم، وان كانوا هم ضلوا في الحقيقة، لا انه فعل
فيهم الضلال. ويجب حمل الحقيقة على ظاهرها، ولا يتوقع في
ذلك دليل يدل على ذلك. والمجاز لا يجوز حمله عليه، الا ان يدل
دليل على كونه مجازا.
والحقيقة إذا عقلت فائدتها، فيجب حملها على ما عقل من]

(1) القيامة: 23
(2) الفجر: 22.
(3) طه: 85
143

[فائدتها أين وجدت، ولا يخص به موضع دون آخر، ويطرد ذلك فيها
الا لمانع من سمع {1} أو عرف {2} أو غير ذلك، الا أن يكون وضعه
لتفيد في معنى جنس دون جنس، فحينئذ يجب أن يخص ذلك
الجنس به نحو قولهم: خل {3} انه يفيد الحموضة في جنس مخصوص،
وقولهم: (بلق) يفيد اجتماع اللونين في جنس
دون جنس. وعلى هذا
المعنى يقال ان الحقايق يقاس عليها.
واما المجاز فلا يقاس عليه وينبغي أن يقر حيث استعمل، ولذلك لا يقال: (سل
الحمير) ويراد مالكها كما قيل: (واسئل القرية)، وأريد أهلها، لان ذلك لم يتعارف فيه.]
145

[
والحقيقة لا يمتنع أن يقل استعمالها {1} فتصير كالمجاز، مثل
قولنا (الصلاة) في الدعاء وغير ذلك. وكذلك لا يمتنع في المجاز أن
يكثر استعماله فيصير حقيقة بالعرف نحو قولنا: (الغائط) في الحدث
المخصوص، وقولنا: (دابة) في الحيوان المخصوص، وما هذا حكمه،
حكم له بحكم الحقيقة.
والمفيد من الكلام لا يكون الا جملة من اسم واسم، أو فعل
واسم، وما عداهما ما لا يفيد الا بتقدير واحد من القسمين فيه ولاجل
ذلك قلنا يا زيد في النداء انما يفيد لان معنى (يا) ادعوا فصار معنى هذا
الحرف معنى الفعل، فلأجل ذلك أفاد. وينقسم) ذلك إلى أقسام: إلى
الامر وما معناه {1} معنى الامر من السؤال، والطلب والدعاء. وإلى
146

النهى. وإلى الخبر، ويدخل في ذلك الجحود {1}، والقسم، والأمثال،
والتشبيه وما شاكله، والاستخبار، والاستفهام، والتمني [والترجى] شبيه
بالاخبار. هذا ما قسمه أهل اللغة، وطول كثير من الفقهاء في اقسام
الكلام.
وقال قوم: الأصل في ذلك كله الخبر، لان الامر معناه معنى
الخبر، لان معناه أريد منك أن تفعل وذلك خبر، والنهى معناه
اكره منك الفعل وذلك أيضا خبر، وكذلك القول في سائر الاقسام.]
147

[والأسامي المفيدة على ضربين: {1} اما أن تكون مفيدة لعين
واحدة، أو تفيد أكثر من ذلك، فما أفاد الفائدة في عين واحدة فهو أسماء
الأجناس. وما أفاد أكثر من ذلك على ضربين:
أحدهما: نحو قولنا: (لون) فإنه لا يفيد في عين واحدة، بل يفيد
في أعيان فائدة واحدة.
والضرب الثاني: يفيد معاني مختلفة وهو جميع الأسماء
المشتركة نحو قولنا: (قرؤ) و (جون) و (عين)، وغير ذلك. وفي الناس من
دفع ذلك وقال: ليس في اللغة اسم واحد لمعنيين مختلفين. وهذا خلاف
حادث لا يلتفت إليه، لان الظاهر من مذهب أهل اللغة خلافه.
ويدخل على الجمل حروف تغير معانيها وتحدث فيها فوائد
لم تكن قبل ذلك وهى كثيرة قد ذكرها أهل اللغة ولا نحتاج إلى
ذكر جميعها، ونحن نذكر منها ما له تعلق بهذا الباب.
فمنها: (الواو) فذهب قوم إلى انها توجب الترتيب، وهو المحكى]
148

[عن الفراء {1} وأبى عبيدة {2}، واحتج كثير من الفقهاء به {3}.
والصحيح انها لا تفيد الترتيب بمقتضى اللغة {4}،]

(1) أبو زكريا، يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمي، المعروف بالفراء. قيل
له الفراء لأنه كان يفرى الكلام. كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي. مات بطريق
مكة سنة (207 ه‍.).
(2) أبو عبيدة، معمر بن المثنى اللغوي البصري، مولى بنى تيم، تيم قريش. وهو
أول من صنف غريب الحديث، أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلام. ولد سنة (112 ه‍.)
ومات سنة (208 ه‍.) وقيل غير ذلك.
(5) الألفية لجمال الدين، أبي عبد الله، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي
الشافعي، النحوي امام النحاة، وحافظ اللغة. ولد سنة (600 ه‍.) أو (601 ه‍.) وتوفى
سنة (672 ه‍.).
وشرحها لابنه محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، بدر الدين، الدمشقي.
الشافعي، النحوي. مات بدمشق سنة (686 ه‍.).
(6) شرح الألفية: 300 - 302
149



(1) العنكبوت: 15.
(2) الحديد: 26.
(3) الشورى: 3.
(4) الأحزاب: 7.
(5) القصص: 7.
(6) أبو سعيد، الحسن بن عبد الله بن المرزبان، القاضي السيرافى، النحوي. قال
ياقوت: كان أبوه مجوسيا اسمه بهزاد فسماه أبو سعيد عبد الله، أخذ النحو عن ابن السراج
وولى القضاء ببغداد وأفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة. مات
سنة (367 ه‍.).
150



(1) أبو على، محمد بن المستنير النحوي، المعروف بقطرب. لازم سيبويه، وكان
يدلج إليه فإذا خرج رآه على بابه فقال له: ما أنت الا قطرب ليل، فلقب به. كان يرى
رأى المعتزلة النظامية. مات سنة (206 ه‍.).
(2) أبو الحسن، على بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي، الزهري. أحد أئمة
النحويين أخذ عن السيرافى، ورحل إلى شيراز فلازم الفارسي عشر سنين.
(3) ثعلب اثنان، أشهرهما أبو العباس، أحمد بن يحيى بن يسار الشيباني مولاهم
البغدادي، امام الكوفيين في النحو واللغة. ولد سنة (200 ه‍.) ومات سنة (291 ه‍.).
(4) أبو عمر، محمد بن عبد الواحد البارودي غلام ثعلب، أحد أئمة اللغة المشاهير
المكثرين، صحت أبا العباس ثعلبا زمانا فعرف به ونسب إليه، وأكثر من الاخذ عنه توفى
ببغداد سنة (345 ه‍.).
(5) هشام مشترك بين عدة، ولعله هو: هشام بن إبراهيم الكرنباى الأنصاري،
أبو على. جالس الأصمعي وأضرابه، وكان عالما بأيام العرب ولغاتها.
(6) أبو عبد الله، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب، امام
المذهب مات سنة (204 ه‍.).
(7) امام الحرمين، أبو المعالي عبد الملك بن أبى محمد عبد الله بن يوسف الجويني
الفقيه الشافعي. أستاذ الغزالي، توفى بنيسابور سنة (478 ه‍.).
(8) مغنى اللبيب: 354
151

[ولا يمتنع أن يقال انها تفيد ذلك بعرف الشرع، بدلالة ما روى
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لمن خطب فقال: (من يطع الله
ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقد هدى ومن يعصهما فقد غوى) " بئس خطيب القوم أنت "
فقال: يا رسول الله، كيف أقول؟ فقال عليه السلام قل: " ومن
يعص الله ورسوله فقد غوى ". فلولا الترتيب {1} لما كان لهذا الكلام
معنى، ولكان يفيد قوله: " ومن يعصهما ما أفاد " ومن يعص الله ورسوله "
عند من قال بأنها تفيد الجمع، وقد علمنا خلاف ذلك.
ومنها ان القائل إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها " أنت طالق
وطالق "، لا خلاف بين الفقهاء انه لا يقع الا طلقة واحدة، فلو كانت
الواو {2} تفيد الجمع لجرى مجرى قوله: (أنت طالق تطليقتين) (وقد
علمنا خلاف ذلك.]
152

[وقال قوم: ان الواو تفيد الجمع والاشتراك {1} وهو الظاهر
في اللغة نحو قولهم: " رأيت زيدا وعمرا " ومعناه رأيتهما،
وتستعمل بمعنى استئناف جملة من الكلام، وان لم تكن معطوفة
على الأول في الحكم نحو قوله تعالى: " والراسخون في العلم يقولون
آمنا به " {2} على قول من قال ان المراد به الاخبار عن الراسخين
بأنهم يقولون آمنا به، لا أنهم يعلمون تأويل ذلك.
وقد تستعمل بمعنى (أو)، كقوله تعالى في وصف الملائكة: " {3}
أولى أجنحة مثنى وثلث ورباع " {4}، وكقوله: " فانكحوا ما طاب]

(2) آل عمران: 7.
(4) فاطر: 1.
153

[لكم من النساء مثنى وثلث ورباع " {1}، والمراد بذلك أو. والأشبه
في ذلك أن يكون مجازا لأنه لا يطرد في كل موضع. {2}
ومنها (الفاء) ومعناها الترتيب {3} والتعقيب، نحو قول القائل: "
رأيت زيدا فعمرا، فإنه يفيد ان رؤيته له عقيب رؤيته لزيد مع انه
بعده،
ولذلك ادخل الفاء في جواب الشرط {4} لما كان من حق]

(1) النساء: 3.
(5) هود: 45.
154

[الجزاء أن يلحق بالشرط من غير تراخ.]

(1) الانعام: 17.
(2) الكهف: 40، 41.
(3) آل عمران: 31.
(4) يوسف: 77.
(5) النمل: 90.
(6) المائدة: 54.
155

[وقلنا {1}: ان قوله تعالى: " انما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول
له كن فيكون {2} ان ظاهر الكلام يقتضى كون المكون عقيب
كن لموضع الفاء، وهذا يوجب ان كن محدثة، لان ما تقدم
المحدث بوقت واحد لا يكون قديما، وذلك يدل على حدوث
الكلام بالضد مما يتعلقون به {3}.
وذهب المرتضى رحمه الله إلى أنها تفيد الترتيب، وخالف في أنها تفيد
التعقيب من غير تراخ، بل قال: ذلك موقوف على الدليل {4} ويجب]

(2) النحل: 40.
156

[التوقف فيه، وخالف في جميع ما يمثل به في هذا الباب.
وأما (ثم): فإنها تفيد الترتيب والتراخى، فهي مشاركة للفاء في
الترتيب وتضادها في التراخي. وقد استعملت (ثم) بمعنى (الواو) {1}
في قوله تعالى: " فالينا
مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون " {2} لان معناه والله شهيد، وذلك مجاز.
وأما (بعد): فإنها تفيد الترتيب من غير تراخ ولا تعقيب.
وأما (إلى) فهي للحد، وقد يدخل الحد في المحدود تارة، وتارة لا يدخل،
فهو موقوف على الدليل {3}، وان كان الأقوى انه لا]

(2) يونس: 46.
(4) أبو على، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، كان من أجلاء الطائفة الامامية
عظيم الشأن، له عدة تصانيف أشهرها مجمع البيان، توفى في سبزوار سنة (548 ه‍.) و
حمل نعشه إلى المشهد الرضوي سلام الله على مشرفه، ودفن في مغتسل الرضا عليه السلام.
(5) جوامع الجامع: 194 في تفسير الآية " فالينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما
يفعلون ".
157

[يدخل فيه.
وأما (من): فان فلها أربعة أقسام:
أحدها: التبعيض {1}، نحو قولهم: (أكلت من الخبز واللحم)،
يعنى أكلت بعضهما، ونحو قولهم: (هذا باب من حديد، وخاتم من
فضة) لان المراد به أنه من هذا الجنس.
وثانيها: معنى ابتداء الغاية، نحو قولهم: (هذا الكتاب من فلان
إلى فلان)، أي ابتداء غايته منه، وعلى هذا حمل قوله تعالى: " نودي]

(3) البقرة: 187.
(4) البقرة: 280.
(5) مغنى اللبيب: 74 - 45.
158

[من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا
موسى " {1} فان معناه ان ابتداء النداء كان من الشجرة، فذلك
دليل {2} على حدوث النداء.
وثالثها: أن تكون زائدة مثل قولهم: (ما جائني من أحد) معناه
ما جائني أحد.
ورابعها: أن تبين تبيين الصفة {3}، نحو قوله تعالى: " فاجتنبوا
الرجس من الأوثان " {4} معناه فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان،
ذكر ذلك أبو على الفارسي النحوي {5} وقال بعضهم: ان معناها
في جميع المواضع ابتداء الغاية، وأنكر ما عدا ذلك من الاقسام
وأما (الباء): فتستعمل على وجهين:]

(1) القصص: 30.
(4) الحج: 30.
(5) أبو علي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفسوي النحوي الفارسي. ولد بمدينة
فسا سنة (288 ه‍.) وقدم بغداد واشتغل بها، وكان امام وقته في علم النحو، صنف كتبا
حسنة لم يسبق إلى مثلها، توفى سنة (377 ه‍.)
(6) مغنى اللبيب: 319.
159

[أحدهما: التبعيض، وهو إذا استعملت في موضع الذي يتعدى {1}
الفعل إلى المفعول به بنفسه، ولاجل هذا {2} قلنا ان قوله تعالى: " وامسحوا
برؤوسكم " {3} يقتضى المسح ببعض الرأس، لأنه لو كان]

(3) المائدة: 6.
(4) أبو الحسن، عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي، البيضاوي، البصري، النحوي
المعروف بسيبويه وقيل: أبو بشر. اشتهر كلامه وكتابه في الآفاق. توفى سنة (194 ه‍.)
وقيل توفى حدود سنة (180 ه‍.).
(5) الانسان: 6
(6) جار الله، أبو القاسم، محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي المعتزلي، صاحب
المصنفات المعروفة أشهرها الكشاف، وأساس البلاغة، وأطواق الذهب والزمخشري
نسبة إلى زمخشر قرية بنواحي خوارزم توفى سنة (538 ه‍.).
160

[المراد مسح الرأس كله لقال: (امسحوا رؤوسكم) لان الفعل
يتعدى بنفسه إلى الرؤس.
والثاني: أن تكون للالصاق، وهو إذا كان الفعل لا يتعدى {1} إلى المفعول بنفسه مثل قولهم: (مررت بزيد)، لأنه لو قال: (مررت
زيدا) لم يكن كاملا. {3}
وأما (أو): فالأصل فيها التخيير كقولهم: (جالس الحسن {4} أو
ابن سيرين {5}. وعلى هذا حملت آية الكفارة (1). وتستعمل بمعنى]

(4) أبو سعيد، الحسن بن أبى الحسن يسار مولى زيد بن ثابت الأنصاري كان
رئيس القدرية، وأحد الزهاد الثمانية، قال فيه ابن أبى الحديد: وممن قيل انه يبغض عليا
ويذمه الحسن بن أبي الحسن البصري، وروى انه كان من المخذلين عن نصرته، مات
سنة (110 ه‍).
(5) أبو بكر، محمد بن سيرين البصري. وكان بينه وبين الحسن البصري من المنافرة
ومات بعد وفات الحسن البصري بمائة يوم، سنة (110 ه‍.).
(6) مغنى اللبيب: 101.
161

[الشك، كقول القائل: (أكلت كذا أو كذا)، ورأيت فلانا أو فلانا، الا
أن هذا القسم لا يجوز في كلام الله تعالى.
وقد تستعمل بمعنى (الواو) كما قال تعالى: " وأرسلناه إلى مائة
ألف أو يزيدون " {1} وانما أراد به ويزيدون. وقد تستعمل بمعنى
الابهام، مثل قول القائل: (فعلت كذا وكذا) إذا كان عالما بما فعله،
وانما يريد ابهامه على المخاطب به.
وأما (في): فإنها تفيد الظرف نحو قولهم: (زيد في الدار)، وان
استعملت في غير ذلك (الموضع) (3) فعلى ضرب من المجاز.
وإذ قد بينا ان الكلام ينقسم إلى حقيقة ومجاز فلا بد من اثباته،
لان في الناس من دفع أن يكون في الكلام مجاز أصلا (4). وهذا قول
شاذ لا يلتفت إليه، لان من المعلوم من دين أهل اللغة ان استعمالهم
لفظة الحمار في البليد، والأسد في الشجاع مجاز دون الحقيقة.
وكذا قوله تعالى: " ان الذين يؤذون الله " {3} بمعنى يؤذون أولياء الله، " و:]

(1) الصافات: 147.
(3) الأحزاب: 57.
162

[جاء ربك " {1} بمعنى جاء أمر ربك، وقوله: " واسئل القرية " {2}
بمعنى أهل القرية، ان كل ذلك مجاز.
فان دفع ذلك استعمالا، فما ذكرناه دلالة عليه. وان قال: لا
أدفعه استعمالا الا أنى أقول إنه حقيقة، كان مخالفا لاستعمال أهل
اللغة واطلاقهم، ويحتج عليه بالرجوع إلى الكتب المصنفة في
المجاز والوجه الذي يستعمل عليه المجاز كثير و (لا) ينضبط، وقد ذكر
بعضه في الكتب. ولا يجوز أن يكون مجاز ولا حقيقة له، وانما قلنا
ذلك لما بيناه من ان المجاز هو ما استعمل في غير ما وضع له، وإذا
لم يكن له حقيقة لم يثبت هذا المعنى فيه. ويجوز أن تكون حقيقة
ولا مجاز لها.
ومن حق الحقيقة أن يعلم المراد بها بظاهرها، ومن حق المجاز
أن يعلم المراد به بدليل غير الظاهر، والله تعالى قد خاطب بالمجاز
كما خاطب بالحقيقة، وكذلك الرسول عليه وآله السلام،
ومن دفع ذلك لا يلتفت إلى قوله، وليس ذلك بمؤدى إلى
الحاجة، لان الله تعالى استعمل ذلك على عادة العرب في خطابها
في استعمال الحقيقة والمجاز، كما استعمل الإطالة تارة والايجاز
أخرى، كما استعملت هي، فإذا جاز أحدهما جاز الاخر.]

(1) الفجر: 22.
(2) يوسف: 82.
163

[فأما لفظ الاستعارة فالأولى أن لا يطلق على كلام الله تعالى من
حيث يوهم ان فاعلها استعارها لحاجة، وان أريد بذلك {1} ما
ذكره بعضهم من أن المخاطب بتلك اللغة يقتضى حسن استعمالها
في المجاز كحسن ذلك في الحقيقة فعلى هذا لا يمتنع اطلاق هذه
اللفظة على كلام الله تعالى. فإذا (2) ثبت ان الله تعالى خاطب بالحقيقة
والمجاز معا فلا بد من أن يدل على الفصل بينهما، والا أدى إلى
تكليف ما لا يطاق، كما لا بد من أن يدل على الفصل بين الالفاظ]

(2) أبو يعقوب، يوسف بن أبى بكر بن محمد الخوارزمي الحنفي الملقب سراج
الدين السكاكى صاحب كتاب مفتاح العلوم، مات سنة (626 ه‍.).
164

[المختلفة لتعرف معانيها. والفصل بين الحقيقة والمجاز يقع من
وجوه:
منها: أن يوجد نص من أهل اللغة، أو دلالة على أنه مجاز.
ومنها: أن يعلم بأنهم وضعوا تلك اللفظة لشئ ثم استعملوها
في غيره على وجه التشبيه {2}.]
165

[ومنها: أن يعلم انها تطرد {1} في موضع، ولا تطرد في آخر، و]
166

[لا مانع فيعلم انها مجاز في الموضع الذي لا تطرد فيه. وانما شرطنا
المانع لان الحقيقة قد لا تطرد لمانع عرفى أو شرعي، ألا ترى ان
لفظة (الدابة) ووضعت في الأصل لكل ما دب، ثم اختصت في العرف
بشئ بعينه،
وكذلك لفظة الصلاة {1} في الأصل للدعاء، ثم اختصت في
الشرع بأفعال بعينها، وكذلك لفظة (النكاح) وما جرى مجرى ذلك،]
167

[فيعلم أنه حقيقة وان لم تطرد، لما بيناه من العرف والشرع.
ومنها: أن يعلم ان للفظه حكما {2} وتصرفا من اشتقاق، أو تثنية، أو جمع، أو تعلق بالغير {2}، فإذا استعملت في موضع وهذه
الاحكام منتفية عنه علم انه مجازا، ولذلك قلنا: ان لفظة الامر حقيقة
في القول ومجاز في الفعل، لان الاشتقاق لا يصح في الفعل ويصح
في القول.
ومنها: أن يعلم ان تعلقها بالمذكور لا يصح، فيحكم ان هناك]
168

[حذفا وان اللفظ
مجاز ولذلك قلنا إن قوله: " واسئل القرية " {1} مجاز، وكذلك قوله: " إلى ربها ناظرة " {1} على أحد التأويلات.
ومنها: أن يستعمل في الشئ من حيث كان جزاءا لغيره، نحو
قوله تعالى: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " {3} لان الجزاء في الحقيقة
لا يكون سيئة، ولهذا قال أهل اللغة {4} الجزاء بالجزاء، ومعلوم ان
الأول ليس جزاء، ولذلك نظائر كثيرة.
ومنها: ان يستعمل في الشئ لأنه يفضى إلى غيره كقولهم:
حضره الموت {5} إذا خيف عليه من مرضه، ونحو قولنا: ان النكاح]

(1) يوسف: 82.
(2) القيامة: 23.
(3) الشورى: 40.
169

اسم للوطى، حقيقة ومجاز في العقد لأنه موصل إليه، وان كان
بعرف الشرع قد اختص بالعقد كلفظة (الصلاة) وغيرها. وقد يستعمل
اللفظ في الشئ لأنه مجاور لغيره، أو هو منه بسبب. {1}
وهذه الجملة كافية في هذا الباب فإنها تنبه على ما عداها وقد
انتقلت أسماء كثيرة مما كانت عليه في اللغة إلى العرف تارة وإلى
الشريعة أخرى، فما انتقل منه إلى العرف نحو قولنا: (دابة) و (غائط)
فان هذا وان كان اسما في اللغة لكل ما يدب وللمكان المطمئن من
الأرض منه، صار في العرف عبارة عن حيوان مخصوص وحدث
مخصوص، ونظائر ذلك كثيرة لا فائدة في ذكر جميعها وانما أردنا
المثال.
واما ما انتقل منه إلى الشرع فنحو قولنا: (الصلاة) فإنها في
اللغة موضوعة للدعاء، وقد صارت في الشريعة عبارة عن أفعال]

(2) قاله النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام
عند خروجه صلى الله عليه وآله غزوة تبوك، وقد خلف عليا عليه السلام على أهله
وأمره بالإقامة فيهم. رواه أصحاب الحديث منهم البخاري في صحيحه وابن ماجة في
سننه والترمذي في سننه أيضا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام. أما أحمد بن حنبل
فقد رواه في مواضع عده من مسنده.
170

مخصوصة، وكذلك (الزكاة) في اللغة عبارة عن النمو، وفي الشريعة
عبارة عن أخذ شئ {1} مخصوص، ونظائر ذلك كثيرة.
واما لفظة (الايمان) فعند قوم انها منتقلة، وعند آخرين انها
على ما كانت عليه، وليس هذا الكتاب موضوعا لأعيان الأسماء التي
انتقلت والتي لم تنتقل فان شرح ذلك يطول، وانما كان غرضنا أن
نبين ثبوت ذلك.
والسبب في استعمال ذلك انه حدثت أحكام في الشريعة لم
تكن معروفة في اللغة، فلا بد من العبارة عنها، فلا فرق {2} بين أن
توضع لها عبارة مبتدأة لا تعرف، وبين أن ينقل بعض الأسماء
المستعملة في غير ذلك، كما ان من يرزق ولدا يجوز له أن يضع له
اسما لا يعرف، ويجوز أن ينقل بعض الأسماء المستعملة إليه،
الا أن الامر وان كان على ما قلناه {3} فمتى نقل الاسم من مقتضى
اللغة إلى شئ لا يعرف فيها لا يكون المتكلم به {4} متكلما باللغة،]
171

[بل يكون متكلما بالشرع، وان سمى متكلما باللغة يكون مجازا من حيث
انه استعمل ما كانوا استعملوه، وان كان قد استعملوه في غير ذلك.
ومتى لم نقل ذلك لزم أن يكون من تكلم باللغة المعروفة ووافق
بعض أسمائها أسماء العجم أن يكون متكلما بالعجمية، وذلك لا
يقوله أحد. فعلم ان الصحيح ما قلناه.
وإذا ثبتت هذه الجملة، فمتى ورد خطاب من الله تعالى أو
من الرسول عليه السلام (1) نظر فيه، فان كان استعماله في اللغة
والعرف، والشرع سواء، حمل على مقتضى اللغة، وان كان له حقيقة في
اللغة، وصار في العرف حقيقة في غيره وجب
حمله على ما تعورف
في العرف،
وكذلك ان كان له حقيقة في اللغة أو العرف وقد صار بالشرع
حقيقة لغيره، وجب حمله على ما يعرف في الشرع وكذلك ان كانت
اللفظة {1} منتقلة عن اللغة إلى العرف ثم استعملت في الشرع على]
172

[خلاف العرف، وجب حملها على ما تقرر في الشرع، لان خطاب الله
تعالى وخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينبغي أن يحملا على ما تقتضيه
الشريعة، لأنه المستفاد {1} من هاتين الجهتين.
ومتى نقل الله تعالى أو رسوله عليه وآله السلام اسما من اللغة
إلى الشرع وجب عليه أن يبينه لمن هو مخاطب به {2} دون من لم
يخاطب به، لان من ليس بمخاطب به {3} لا يجب بيانه له
، ولاجل هذا لا يجب أن يبين الله تعالى لنا مراده بالكتب السالفة
لما لم نكن مخاطبين بها، وهذا وإن لم يجب فإنه يحسن أن يبين
لغير المخاطب كما يبين الله تعالى أحكام الحيض لمن ليس هو
مخاطب بها من الرجال، وذلك جائز غير واجب على ما قلناه،
وانما قلنا ذلك لأنه كما يجب أن يقدر {3} من ليس]
173

[بمخاطب به، فكذلك لا يجب أن يعلمه لان القدرة آكد من العلم،
لان الفعل يستحيل من دونها أصلا {1}، فإذا لم تجب القدرة فكذلك لا يجب العلم على ما بيناه.
فصل
(في ذكر ما يجب معرفته
من صفات الله تعالى، وصفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
وصفات الأئمة عليهم السلام
حتى يصح معرفة مرادهم)
اعلم انه لا يمكن معرفة المراد بخطاب الله تعالى الا بعد ثبوت
العلم بأشياء:
منها: أن يعلم أن الخطاب خطاب له، لأنا متى لم نعلم انه
خطاب له لم يمكنا
أن نستدل على معرفة مراده.
ومنها: أن نعلم أنه لا يجوز أن لا يفيد بخطابه شيئا أصلا {2}]
174

[ومنها: أن نعلم أنه لا يجوز أن يخاطب بخطابه على وجه
يقبح. {1}
ومنها: أنه لا يجوز أن يريد بخطابه غير ما وضع له ولا يدل عليه.
فمتى حصلت هذه العلوم صح الاستدلال بخطابه على مراده،
ومتى لم يحصل جميعها، أو لم يحصل بعضها لم يصح ذلك، ولذلك
ألزمنا المجبرة {3} الا يعرفوا بخطابه شيئا ولا مراده أصلا من
حيث جوزوا على الله تعالى القبائح. ولشرح هذه الأشياء موضع
غير هذا يحتمل أن نبسط الكلام فيه، غير انا نشير إلى جمل منه
موصلة إلى العلم.
انما قلنا: أنه لا يجوز أن يخاطب ولا يفيد بخطابه شيئا أصلا،]

(3) الجهمية: أصحاب جهم بن صفوان وهو من الجبرية الخالصة. ظهرت بدعته
بترمذ، وقتله سلم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بنى أمية. وافق المعتزلة
في نفى الصفات الأزلية وزاد عليهم بأشياء.
175

[لان ذلك عبث لا فائدة فيه، تعالى الله عن ذلك. وليس لاحد أن يقول:
يجوز أن لا يفيد بخطابه شيئا أصلا ويكون وجه حسنه المصلحة،
لان ذلك يؤدى إلى أن لا يكون طريق إلى معرفة المراد بخطابه
أصلا {1}
176



(1) البقرة: 146، والانعام: 20.
178



(1) المواقف: الموقف السادس في السمعيات، المرصد الأول في النبوات
(المقصد الثاني حقيقة المعجزة).
(2) شرح المقاصد (البحث في النبوة، وجه دلالة المعجزة على صدق دعوى الرسالة).
(3) من هنا سقط من النسخة المطبوعة.
179



(1) القائل هو سعد الدين التفتازاني في المصدر السابق.
(2) شرح المقاصد (البحث في النبوة، وجه دلالة المعجزة على صدق دعوى
الرسالة).
(3) المصدر السابق (البحث في الصفات، انه قادر).
180



(1) الاقتصاد: 179.
(2) المواقف، الموقف السادس في السمعيات، المقصد الثاني في حقيقة المعجزة
البحث الثالث في كيفية دلالتها.
(3) هو الشيخ أبو الحسن، على بن إسماعيل الأشعري المتوفى سنة 324 ه‍.
(4) الامام فخر الدين، أبو عبد الله، محمد بن عمر بن الحسين الرازي الطبرستاني
الشافعي المتوفى سنة (606 ه‍.).
(5) شرح المقاصد، المقصد السادس في السمعيات، الفصل الأول في النبوة،
في شرح قول المؤلف: (واما وجه دلالتها).
(6) جلال الدين، محمد بن أسعد الصديقي الدواني المنتهى نسبه إلى محمد بن
أبى بكر. والدواني نسبة إلى دوان قرية من كازرون من قرى بلاد فارس. كانت وفاته بعد
المائة التاسعة في حدود سنة (907 أو 918 أو 928).
181



(1) المعتزلة: ويسمون أيضا أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية والعدلية
وينقسمون إلى عدة طوائف. انظر ذلك في الملل والنحل 1: 43 - 78.
(2) النور: 45.
(3) النور: 35.
(4) شرح العقائد العضدية: 42.
182



(1) بنى إسرائيل: 102.
(2) الشيخ الجليل، أبو الحسن، على بن إبراهيم بن هاشم القمي. من أجل
رواة الامامية، ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، سمع فأكثر، وروى عنه مشايخ أهل
الحديث لم نقف على تاريخ وفاته الا انه كان حيا سنة 307 ه‍.
(3) أبو الجارود، زياد بن المنذر الهمداني الخارقى الحوفى، مولاهم، كوفي
تابعي زيدي واليه تنسب الطائفة الجارودية. روى عن الباقر والصادق عليهما السلام،
وتغير لما خرج زيد وروى عن زيد.
(4) تفسير على بن إبراهيم القمي 2: 29، في تفسير قوله تعالى: " فأراد أن
يستفزهم من الأرض " آية: 103.
183



(1) التوحيد: 286 حديث 4.
(2) الكافي 1: 85.
184

[
لأنه لا خطاب الا وذلك مجوز فيه وذلك فاسد، فجرى ذلك
مجرى المعجزات {1} الدالة على نبوة الأنبياء عليهم السلام في أنه]

(2) إلى هنا سقط من النسخة المطبوعة.
185



(1) من هنا سقط من النسخة المطبوعة.
(2) الاحتجاج 2: 81 - 82.
186



(1) مجد الدين، أبو السعادات، المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن
الأثير والمتوفى سنة (606 ه‍.)
(2) النهاية 3: 254 و 255.
(3) القاضي، ناصر الدين، عبد الله بن عمر بن محمد بن على الفارسي الأشعري
البيضاوي الشافعي، المفسر والمتكلم والأصولي، صاحب التفسير المعرف بأنوار
التنزيل المتوفى سنة (685 ه‍.) بتبريز. والبيضاوي نسبة إلى بيضاء مدينة مشهورة
بفارس.
187



(1) الأعراف: 116.
(2) طه: 66.
(3) احياء علوم الدين 1: 29.
188



(1) الكافي 1: 78.
(2) البقرة: 259.
190

[لا يجوز أن تفعل للمصلحة دون التصديق {1}، لان ذلك يؤدى إلى انسداد
الطريق علينا من الفرق بين الصادق والكاذب، ولاجل ذلك {1} قلنا:
أنه لا يجوز فعل المعجز الا للتصديق {3} فكذلك القول في الخطاب:
انه لا يجوز أن يصدر منه الا للإفادة.]
191



(1) طه: 89.
(2) من هنا سقط في النسخة المطبوعة.
(3) طه: 88.
192



(1) عكرمة مولى ابن عباس، أصله من البربر، وكان ممن ينتقل من بلد إلى بلد،
مات سنة (107 ه‍.). وقيل غير ذلك.
(2) أبو العباس، عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، توفى
رسول الله صلى الله عليه وآله وله ثلاثة عشر سنة، مات سنة (68 ه‍.).
(3) التفسير الكبير 22: 103 - 104.
(4) طه: 95 - 97.
193



(1) طه: 97.
(2) آل عمران: 13.
(3) إلى هنا سقط من النسخة المطبوعة
194

[وليس لهم أيضا {1} أن يقولوا: أنه متعبد بتلاوته، فيكون ذلك
وجه الحسن، فإنه لا طريق إلى أن يعرف انه تعبد بتلاوته الا
بخطاب آخر، والكلام في ذلك الخطاب كالكلام فيه. وذلك يؤدي]
195

[إلى أن لا نعلم بخطابه شيئا أصلا، على ان التعبد بتلاوة ما لا يفهم
عبث، لأنه يجرى مجرى التعبد بالتصويب من الصراخ.
ولان التعبد به انما يجوز إذا كان للمتعبد به طريق إلى معرفة
مراده فيدعوه ذلك إلى فعل الواجب، أو يصرفه عن فعل القبيح،
فأما إذا لم يكن كذلك فلا تحسن العبادة بالتلاوة. أيضا: فلو كان
لمجرد التلاوة لم يحسن أن يجعل بعضه أمرا، وبعضه نهيا، وبعضه
خبرا، وبعضه وعدا، وبعضه وعيدا، ولا أن يكون خطابا لقوم
بأولى من أن يكون خطابا لغيرهم، وكل ذلك يبين انه لا يحسن
لما قالوه. {1}
فأما الذي يدل على انه لا يجوز أن يخاطب على وجه يقبح ما
ثبت من كونه
عالما بقبحه، ومن انه غنى عنه، ومن هذه صفته لا
يجوز أن يفعل القبيح، ألا ترى أن
من علم أنه إذا صدق توصل
إلى مراده، وكذلك إذا كذب وصل إليه على حد ما كان {2} يصل]
196

[إليه لو صدق من غير زيادة لم يجز أن يختار الكذب على الصدق،
ولا وجه في ذلك إلا لعلمه بقبح الكذب، وبأنه غنى عنه بالصدق،
فكذلك القديم تعالى.
وأما الذي يدل {1} على أنه لا يجوز أن يريد بخطابه غير ما
وضع له ولا يدل عليه، فان ذلك يؤدى إلى أن لا نعلم بخطابه شيئا
أصلا، لأنه لا خطاب الا وذلك يجوز فيه، ولا يمكن أن يدعى {2}
العلم بقصده ضرورة في بعض خطابه، لان ذلك يمنع من التكليف
وليس لهم أن يقولوا: انه {3} يؤكد ذلك الخطاب فيعلم به مراده،
وان كان هذا عاريا منه لان التأكيد أيضا خطاب فيلزم فيه ما لزم في]
197

[المؤكد، وأن يكون فعل لمثل ما فعل له التكليف المؤكد.
وليس يمكن أن يقال {1}: انه وان لم نعلم مراده في الحال،
فإنه يمكن أن نعلم مراده في المستقبل ضرورة بأن نضطر إلى
قصده، لان ذلك لا يخلو {2} اما أن يكون وقت الحاجة إلى ما]
198

[تضمنه الخطاب، أو لا يكون كذلك فان كان وقت الحاجة فإنه
يؤدي إلى ما قلناه. وان لم يكن وقت الحاجة فلا يجوز أيضا، لان
فيه التنفير عن قبول قوله، لأنه متى جوز عليه التعمية والالغاز في
كلامه - وان أمكن معرفة المراد في الحالة الأخرى - نفر ذلك عن
قبول قوله حالة أخرى، ولا يقبح هذا الوجه للأول بل لما قلناه.
فأما ما لا تعلق له بالشريعة فيجوز أن يعمى فيه من مصالحه
الدنياوية، وعلى هذا يتأول قوله عليه السلام لما سأله الاعرابي في
مسيره إلى بدر: مم أنتم؟ قال ماء فورى في نفسه {1} ولم]
199

[يصرح وذلك لا يجوز في الشرعيات،
وليس هذا من جواز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب
في شئ على ما نذهب إليه، لان المجمل له ظاهر مقصود مستفاد،
ففارق ذلك حال المعمى الذي يوهم به شئ على حال. {1}
وانما قلنا: انه لا يجوز أن يؤدى الينا على وجه يقتضى التنفير،
لان الغرض في بعثه إذا كان القبول منه فما أدى إلى التنفير عن
ذلك يجب أن يجنب، ولاجل ما قلناه جنبه الله تعالى الفظاظة
والغلظة وفعل القبائح، لما في ذلك من التنفير.
فإذا ثبتت الجملة التي ذكرناها، فمتى ورد من الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم خطاب، وجب حمله على ظاهره، الا أن
يدل دليل على ان المراد به غير ظاهره فيحمل عليه، وعلى هذا يعلم
مراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وأما ما يجب أن يكون الامام - عليه الاسلام - عليه حتى يصح أن
يعلم مراده بخطابه فيما لا يعلم الا من جهته، فجميع الشرائط التي
شرطناها في النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بد من أن تكون حاصلة]
200

في الامام، فالطريقة فيهما واحدة فلا معنى لإعادة
القول فيه.
فصل [6]
(في ذكر الوجه الذي يجب أن يحمل عليه مراد الله بخطابه)
إذا ورد خطاب عن الله تعالى، فلا يخلو من أن يكون محتملا
أو غير محتمل، فان كان غير محتمل، بأن يكون خاصا أو عاما وجب
أن نحمله على ما يقتضيه ظاهره، الا أن يدل على أنه أراد به غير
ظاهره دليل، فيحمل عليه.
فان دل دليل {1} على أنه أراد بالخاص غيره {2} وجب حمله]
201

[على ما دل عليه، وإن دل على أنه لم يرد الخاص {1} نظر فيه، فان
كان ذلك الخاص مما لا يتسع الا في وجه واحد، وجب أن يحمل
على انه مراد به، والا أدى ذلك إلى أن يكون ما أراد بالخطاب
شيئا أصلا. وان كان ذلك مما لا يتسع به في وجوه كثيرة وجب
التوقف فيه، ولا يقطع على انه أريد به البعض لعدم الدليل، ولا أنه
أريد به الجميع لأنه لا دليل أيضا عليه.]

(1) النساء: 23.
(2) المائدة: 3.
202

[وهذا أولى مما قاله قوم: من أنه يجب حمله على انه أريد به
جميع تلك الوجوه لأنه لا يمتنع أن يكون أراد بعض تلك الوجوه
وأخر بيانه إلى وقت الحاجة على ما نذهب إليه في جواز تأخير بيان
المجمل عن وقت الخطاب.
وقولهم: (إنه لو أراد به بعض الوجوه لبينه) ينعكس عليهم بأن
يقال: ولو أراد به جميع الوجوه لبينه، وليس أحد القولين أولى من
الاخر، فالأولى الوقف. فان فرضنا ان الوقت وقت الحاجة ولم يبين
المراد من تلك الوجوه، وجب حمله على جميعه {1} لأنه ليس
حمله على بعضه بأولى من بعض
فان دل الدليل على أنه أراد بعض تلك الوجوه {2} وجب حمله]
203

[عليه {1} والقطع على انه لم يرد غيره، لأنه لا ظاهر هناك يمكن حمله
على جميعه بخلاف ما نقوله في العموم، أو ماله ظاهر. ومتى دل (1)
على انه أراد به الخاص وغيره، وجب القطع على أنه أراد الخاص
باللفظ، وما عداه مراد بدليل، وذلك نحو قوله تعالى: " يا أيها النبي
إذا طلقتم النساء " (2) الآية، فإنه قد علم ان النبي صلى الله عليه
وآله مراد باللفظ، ومن عداه من الأمة مراد بدليل.
وأما العام: فإذا ورد {2} ينبغي حمله على ظاهره، فان دل الدليل
على انه أراد غير ما اقتضاه الظاهر وجب حمله عليه، وان دل الدليل
على انه أراد بعض ما تناوله لم يكن ذلك مانعا من أن يريد]

(1) الطلاق: 1
204

[الباقي، ووجب على انه أراد به الكل بحكم اللفظ.
وان دل الدليل على انه ما أراد به بعض ما تناوله اللفظ فينبغي
أن يخرج ذلك منه، ويقطع على ان الباقي مراد بحكم اللفظ، ولا
يجب التوقف فيه، لان له ظاهرا بخلاف ما تقدم في الخاص.
ومتى ورد لفظ مشترك {1} بين شيئين، أو أشياء. فان دل
الدليل على انه أراد جميع تلك الأشياء وجب حمله عليها وان دل
الدليل على انه ما أراد به بعضها، وجب القطع على انه مراد، وما عداه]
205

[متوقف فيه، لان كون أحدها مراد لا يمنع من أن يريد به الاخر، على ما
سنبينه فيما بعد {1}.
وان دل الدليل على انه لم يرد أحدهما، وكان اللفظ مشتركا
بين شيئين وجب القطع على انه أراد به الاخر، والا خلا الخطاب
من أن يكون أريد به شئ أصلا. وان كان مشتركا بين أشياء قطع
على انه لم يرد ما خصه بأنه غير مراد، وتوقف في الباقي وانتظر
البيان.
ومتى كان اللفظ مشتركا ولم يقرن به دلالة أصلا وكان مطلقا
وجب التوقف
فيه وانتظار (1) البيان لأنه ليس بأن يحمل على بعضه بأولى من أن يحمل على
جميعه، وتأخير البيان عن وقت الخطاب جائز.
فان كان الوقت وقت الحاجة وأطلق اللفظ، وجب حمله على جميعه لأنه
ليس بأن يحمل على بعضه بأولى من بعض، ولو كان أراد بعضه لبينه، لان الوقت وقت
الحاجة].
206

[وهذا الذي ذكرناه أولى مما ذهب إليه قوم من أنه إذا أطلق
اللفظ وجب حمله على جميعه على كل حال {1}، لأنه لو أراد بعضه
لبينه لان لقائل أن يقول: لو أراد الجميع لبينه فيجب حمله على
بعضه، ويتعارض القولان ويسقطان. وانما حملهم على هذا قولهم:
ان تأخير بيان المجمل لا يجوز عن وقت الخطاب وعندنا ان ذلك
جائز على ما نستدل عليه فيما بعد {2}
فمتى كان الوقت وقت الحاجة {3} وجب حمل اللفظ على
انه أراد به الجميع، ثم ينظر فيه فان أمكن الجمع بينها وجب
القطع على انه أراد ذلك عن طريق الجمع بينها، وان لم يمكن الجمع
بينها وجب القطع على انه أراد به الجميع على وجه التخيير.
وذهب قوم إلى انه يجوز أن يريد من كل مكلف ما يؤديه
اجتهاده إليه. وهذا يتم لمن قال: ان كل مجتهد مصيب {4}، وعندنا]
207

[ان ذلك باطل، فلا وجه غير التخيير
وعلى هذا ينبغي ان تحمل القرائتين المختلفتى المعنى إذا لم
يكن هناك دليل على انه أراد أحدهما، وكذلك القول في الخبرين
المتعارضين إذا لم يكن هناك ما يرجح به أحدهما على الاخر، ولا ما
يقتضى نسخ أحدهما للاخر من التاريخ. وهذا الذي ذكرناه كله
فيما يصح أن يراد باللفظ الواحد {1} فأما ما لا يصح أن يراد باللفظ
الواحد، فإنه لا بد فيه من اقتران بيان به، لان الوقت وقت الحاجة
على ما فرضناه.
ومتى كان اللفظ شرعيا منقولا مما كان عليه في اللغة، وجب
حمله على ما تقرر في الشرع، فان دل الدليل على انه لم يرد به ما
وضع له في الشرع نظر فيما عداه، فان كانت الوجوه التي يمكن
حمل الخطاب عليها محصورة، وكان الوقت وقت الحاجة وجب
حمله على جميعها لأنه ليس حمله على بعضها بأولى من حمله على
جميعها
ولو كان المراد بعضها لبينه لان الوقت وقت الحاجة. وان
لم يكن الوقت وقت الحاجة، توقف في ذلك إلى أن يراد البيان]
208

[حسب ما قدمناه في الالفاظ المشتركة {1} سواء. وان دل الدليل
على انه أراد بعض تلك
الوجوه، لم يكن ذلك مانعا من أن يراد به الوجوه الاخر، فان كان الوقت وقت الحاجة وجب حمله على ان
المراد به جميعه، وان لم يكن وقت الحاجة يوقف على البيان على ما بيناه.
فاما كيفية المراد باللفظ الواحد للمعاني المختلفة، فالذي ينبغي
أن يحصل في ذلك أن نقول: لا يخلو اللفظ من أن يكون يتناول
الأشياء على الحقيقة، ويفيد في جميعها معنى واحدا {2}، أو يفيد في كل
واحد منها خلاف {3} ما يفيده في الاخر: فان كان الأول فلا خلاف
بين أهل العلم في انه يجوز أن يراد باللفظ ذلك كله {4}.]
209

وان كان القسم الثاني فقد اختلف العلماء في ذلك:
فذهب أبو هاشم، وأبو عبد الله {1} ومن تبعهما إلى أنه لا يجوز أن يراد المعنيان المختلفان {2} بلفظ واحد فان دل الدليل على]

(1) أبو عبد الله، الحسين بن على بن إبراهيم البصري المعروف بالكاغذى المعتزلي
كان على مذهب أبى هاشم واليه انتهت رياسة أصحابه في عصره. توفى بمدينة السلام
سنة (399 ه‍.).
(3) الانعام: 151.
210



(1) هو القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، أبو الحسن الأسد آبادي
المعتزلي الشافعي المتوفى سنة (415 ه‍.).
(2) المعارج: 8 الباب الأول (المسألة الثالثة، الفائدة الثالثة، الفرع الثاني).
211

[أنه أرادهما جميعا قالوا لا بد من أن نفرض انه تكلم باللفظ مرتين
أراد كل مرة منهما معنى واحدا، وعلى هذا حملوا
آية القرء بأن
قالوا: لما دل الدليل على انه أرادهما جميعا بحسب ما يؤدى
اجتهاد المجتهد إليه علمنا انه تكلم بالآية مرتين، ثم أنزله على
النبي صلى الله عليه وآله
وقالوا في الحقيقة والمجاز والكناية والصريح مثل ذلك، {2}]

(3) المعارج: 10 الباب الأول (المسألة الثالثة، الفائدة الثالثة، الفرع الثاني).
212

[وقالوا: لا
يجوز أن يريد بقوله: " أو لامستم النساء " (2 - 1) الجماع،]

(2) النساء: 43.
(3) المطول: 324.
(4) مفتاح العلوم، لسراج الدين، أبى يعقوب، يوسف بن أبى بكر بن محمد
ابن على السكاكى المتوفى سنة (626 ه‍.).
(5) تلخيص المفتاح، في المعاني والبيان. لجلال الدين، محمد بن عبد الرحمن
القزويني الشافعي المعروف بخطيب دمشق المتوفى سنة (739 ه‍.).
213

[واللمس باليد وبقوله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم " {1} العقد
والوطء.
وقال: {2} لا يجوز أن يريد باللفظ الواحد الاقتصار على الشئ
وتجاوزه {3} وقال في قوله تعالى: " وان كنتم جنبا فاطهروا " {4}
ولا يجوز ان يريد به الغسل والوضوء. وقال أيضا: لا يجوز أن يريد
باللفظ الواحد نفى الاجزاء والكمال. وقال: في قوله عليه السلام {5} (لا صلاة
الا بفاتحة الكتاب) {6} لا ينبئ عن نفى الاجزاء، وانه إذا جاز أن
يريد به نفي الاجزاء ونفى الكمال، وثبت ان كليهما لا يصح أن يراد
بعبارة واحدة، فيجب أن لا يدل الظاهر على نفى الاجزاء.]

(1) النساء: 22.
(4) المائدة: 6.
(6) سنن الترمذي 2: 25 باب (183) لا صلاة الا بفاتحة الكتاب.
214

[وقال: يصح أن يريد عز وجل بقوله: " فلم تجدوا ماءا فتيمموا " {1}
الماء
والنبيذ، لأنهما يتفقان {2} فيما يفيده هذا الاسم، وان كان
أحدهما شرعيا والاخر لغويا.
وقال: قولنا بان النص الدال على أن الفخذ عورة، المراد به
الفخذ والركبة لا ينقض هذا، لان ذلك علمناه بغير اللفظ {3} بل
بدليل آخر. {4}]

(1) المائدة: 6.
215

[واعتل في ذلك {1} بأن قال: لا يصح أن يقصد المعبر باللفظ
الواحد استعماله فيما وضع له، والعدول به عن ذلك فكذلك
لم يصح {3} أن يريد باللفظ الواحد الحقيقة والمجاز وذكر ان
تعذر ذلك {4} معلوم لنا، وان الواحد منا إذا قصده لم يصح منه
فدل على ان جميع ذلك غير صحيح.
وذهب أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد {5} إلى: أنه يجب أن]

(5) أبو الحسن، عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، القاضي، الأسد آبادي
المعتزلي كان ينتحل مذهب الشافعي في الفروع، ومذهب المعتزلة في الأصول مات
سنة (415 ه‍.).
216

يعتبر {1} العبارة، ويعتبر ما به {2} صارت عبارة عنه فان كانت
مشتركة بين الشيئين المختلفين، ومتى أراد أحدهما لم يصح {3}
ان يريد الشئ الاخر، ويستحيل ذلك فيه قطع به {4} وان لم يمنع
من ذلك جوز {5} أن يراد به المعنيان معا، لأنه إذا كان المخاطب
يصح أن يريد كل واحد منهما بالعبارة، ولا مانع يمنع من أن يريدهما
جميعا، فيجب أن يصح أن يريدهما معا.
قال: وقد علمنا ان القائل إذا قال لصاحبه (لا تنكح ما نكح أبوك)
يصح أن يريد بذلك العقد والوطء وارادته لاحد الامرين لا]
217

يمنع {1} من ارادته للاخر.
وانما قلنا: انه لا يجوز أن يريد بلفظ الامر، الامر والتهديد،
لان ما به يصير أمرا وهى إرادة المأمور به {2} يضاد ما به يصير
تهديدا وهى كراهته ويستحيل أن يريد الشئ الواحد، في
الوقت الواحد، على وجه واحد، من مكلف واحد، ويكرهه على
هذه الوجوه.
وقلنا: انه لا يصح أن يريد بالعبارة الاقتصار على الشئ
وتجاوزه، لأنه يتنافى {3} أن يريد الزيادة على ذلك الشئ وألا يريده
ولذلك استحال ذلك.
وانما نقول: انه لا يريد بالعبارة ما لم يوضع له على وجه، لأنه]
218

[لا يصح أن يستعمل {1} العبارة في الشئ الا بأن يفيده في الحقيقة
أو المجاز، لا لأنه يتنافى أن يريدهما جميعا لأنه يصح أن يريد بقوله:
" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله " {2} قتل النفس والاحسان إلى
الناس، ولا يتنافى ذلك
وانما يصح أن يراد ذلك به لان العبارة لم توضع له، وإذا
صح ذلك ووجدنا عبارة قد وضعت لمعنيين مختلفين نحو القرء
فإنه موضوع للطهر والحيض لا يتنافى من المخاطب أن يريدهما
جميعا، فلا وجه لا حالة القول
في ذلك.
وقد وضع قولنا: (النكاح) للوطء حقيقة، والعقد (1) مجازا، وإرادة
أحدهما لا تمنع من إرادة الاخر، فلا مانع من أن يراد جميعا
بالنكاح
فان قيل: {3} الذي يمنع من ذلك انه لا يجوز استعمال العبارة]

(2) الاسراء: 33
219

[فيما وضعت له والعدول بها عما وضعت له في اللغة، فلذلك منعت
من أن يراد جميعا بها، لان ذلك يتنافى استعمالها (في ما وضعت له
قيل له: ان العبارة تستعمل فيما وضعت له إذا قصد بها إفادة
ذلك، وان لم يقصر المعبر على ان يستعملها فيما وضعت له {1}.
فان قيل: فان إرادة الوطء والعقد بهذه الكلمة يتعذر، ونجد
تعذر ذلك من أنفسنا، فلذلك منعت من أن يرادا جميعا بها!
قيل له: انه ان ما ادعيت تعذره نحن نجده منا مأتيا فلا معنى
لتعلقك به. هذه ألفاظه بعينها قد سقناها على ما ذكرها في كتابه
(العمد).
وهذا المذهب أقرب إلى الصواب {2} من مذهب أبى عبد الله
وأبى هاشم، وما ذكره سديد واقع موقعه. والقول في الكناية {3} و
220

[الصريح يجرى أيضا على هذا المنهاج. وقوله: " أو لامستم النساء " {1}
ما كان يمتنع أن يريد به الجماع واللمس باليد، لكن علمنا
بالدليل {2} انه أراد أحدهما وهو الجماع.
فأما ما ذكره أبو عبد الله من قوله صلى الله عليه وآله: (لا صلاة
الا بفاتحة الكتاب) {3} وان ذلك لا يمكن حمله على نفى الاجزاء
والكمال من حيث كان {4} نفى أحدهما يقتضى ثبوت الاخر
فليس على ما ذكره لأنه متى نفى الاجزاء، فقد نفى أيضا الكمال
لأنه إذا لم يكن مجزئا كيف يثبت كونها كاملة؟ فكيف يدعى ان في نفى
أحدهما اثباتا للاخر؟ وكذلك إذا نفى الكمال لا يمتنع أن ينفى
معه الاجزاء أيضا، لأنه ليس في نفيه اثبات الاجزاء، فلا يمكن]

(1) النساء: 43.
(3) سنن الترمذي 2: 25 (باب 183 لا صلاة الا بفاتحة الكتاب).
221

[ادعاء ذلك فيه. وينبغي أن يكون الكلام في ذلك مثل الكلام
فيما تقدم {1}.
وأما ما ذكره عبد الجبار من انه لا يجوز أن يريد باللفظ الواحد
الاقتصار على
الشئ وتجاوزه، لأنه يتنافى أن يريد الزيادة وألا
يريدها، فالذي يليق بما ذكره من المذهب الصحيح غير ذلك وهو
أن يقال: ان ذلك غير ممتنع لأنه لا يمتنع أن يريد الاقتصار على
الشئ ويريد أيضا ما زاد على ذلك على وجه التخيير وليس
بينهما تناف، وليس ذلك بأكثر من إرادة الطهر والحيض باللفظ]
222

[الواحد، وقد أجاز ذلك فكذلك القول في هذا.
ومتى كان اللفظ يفيد في اللغة شيئا، وفي العرف شيئا آخر
لا يمتنع أن يريدهما معا، وكذلك القول في الحقيقة، والمجاز،
والكناية، والصريح.
فان قيل: إذا كان جميع ما ذكرتموه {1} غير ممتنع أن يكون
مرادا باللفظ، فكيف الطريق إلى القطع على ان الجميع مراد
بظاهره {2} أم بدليل؟ وكيف القول فيه؟.
قيل له: لا يخلو أن (2) يكون اللفظ حقيقة في الامرين، (وحقيقة
في أحدهما ومجازا في الاخر
فان كان اللفظ حقيقة في الامرين) فلا يخلو أن يكون وقت
الخطاب وقت الحاجة إلى الفعل أو (5) لا يكون كذلك
فان كان الوقت وقت الحاجة ولم يقترن به ما يدل {3} على انه
223

[أراد أحدهما، وجب القطع على انه أرادهما باللفظ وان اقترن به
ما يدل على انه أراد أحدهما، قطع به وحكم بأنه لم يرد الاخر.
وكذلك ان دل على انه لم يرد أحدهما قطع على انه أراد الاخر كل
ذلك باللفظ. {1}
وان لم يكن الوقت وقت الحاجة {2} توقف في ذلك، وجوز
كل واحد من الامرين {3} وانتظر البيان على ما نذهب إليه من جواز
تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب
.
وان كان اللفظ حقيقة في أحدهما ومجازا في الاخر قطع
على انه أراد الحقيقة، الا أن يدل دليل على انه أراد المجاز، أو أراد
الحقيقة والمجاز، فيحكم بذلك.
فان دل الدليل على انه أراد المجاز لم يمنع ذلك من أن يكون {4} *
224

[أراد الحقيقة
أيضا فينبغي أن يحمل عليهما الا أن يدل الدليل (6)
على انه لم يرد الحقيقة أو لا يمكن الجمع بينهما، فيحمل حينئذ
على انه أراد المجاز لا غير وكذلك ان كان اللفظ يفيد في اللغة
شيئا وفي الشرع شيئا آخر، وجب القطع على انه أراد ما اقتضاه
الشرع الا أن يدل دليل على انه أراد ما وضع له في اللغة أو أرادهما
جميعا {1} فيحكم بذلك. وكذلك القول في الكناية والصريح،
ينبغي أن يقطع على انه أراد الصريح الا
أن يدل دليل على أنه أراد
الكناية أو أرادهما جميعا. هذا إذا لم يكن اللفظ حقيقة في الكناية
والصريح.
فاما إذا كان اللفظ حقيقة فيهما على ما نذهب إليه في فحوى]

(3) الاسراء: 23.
225

[الخطاب ودليل الخطاب، فينبغي أن يكون الحكم حكم الحقيقتين
على التفصيل الذي قدمنا.
والقول في الاسم اللغوي والعرفي، أو العرفي والشرعي
مثل القول في اللغوي والشرعي على ما قدمنا القول فيه.
واعلم ان الدليل إذا دل على وجوب حكم من الاحكام، ثم
يرد نص يتناول ذلك الحكم فلا يخلو من أحد أمرين: اما أن يتناوله
حقيقة أو مجازا فان كان متناولا له حقيقة وجب القطع على انه
مراد بالنص لأنه يقتضى ظاهره ولو أراد غيره لبينه فمتى لم يبين
وجب القطع على انه مراد به، والا خلا اللفظ من فائدة
ولهذا نقول: إذا دل الدليل على وجوب الصلاة، ثم ورد قوله]

(2) الاسراء: 23.
226

[تعالى: " أقيموا الصلاة {1} " وجب القطع على انها مرادة {2} بالنص
لتناول اللفظ لها. وان كان اللفظ متناولا لذلك الحكم على جهة
المجاز لم يجب القطع على انه مراد {3} لان الخطاب يجب حمله
على ظاهره الا أن يدل دليل على ان المراد به المجاز، وليس
ثبوت الدليل على وجوب حكم يتناوله اللفظ على جهة المجاز
موجب للقطع على انه مراد باللفظ
ولذلك قلنا: انه لا يمكن ابطال مذهب الشافعي (1) في تعلقه بقوله
تعالى {4}: " أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا " {5} بأن يقال
لما دل الدليل على ان الحكم المذكور في الآية يتعلق بالجماع،
وجب حمل الآية على انه المراد به دون غيره من وجهين:]

(1) الانعام: 72.
(5) النساء: 43، المائدة: 6.
227

[أحدهما: انا قد بينا {1} ان اللفظ إذا تناول شيئين فليس في
ثبوت كون أحدهما مرادا ما ينافي أن يكون الاخر أيضا مرادا.
الذي يقتضيه عندنا الوقف ان لم يكن الوقت وقت الحاجة، وان
كان الوقت وقت الحاجة وجب حمله عليهما جميعا.
والوجه الثاني: ان تسمية الجماع باللمس انما هو على طريق
المجاز دون الحقيقة، وقد بينا ان اللفظ يجب حمله على الحقيقة،]
228

[الا أن يدل دليل على انه أراد المجاز. ولو دل أيضا الدليل على
انه أراد المجاز، لم يكن ذلك مانعا من أن يريد به ما تقتضيه حقيقته
الا أن يدل دليل على انه لم يرد حقيقته على ما قدمنا القول فيه.
وكذلك القول في قوله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم
من النساء " {1} ان ثبوت الوطء {2} مراد بالآية لا يمنع من إرادة
العقد بها أيضا على ما قدمناه، فينبغي أن يجرى الباب على ما
حررناه، فان أعيان المسائل لا تنحصر، وأصولها ما حررناه ونعود
الان إلى الترتيب الذي وعدنا به في أبواب أصول الفقه على ما
قررناه ان شاء الله تعالى.]

(1) النساء: 22.
229

[الكلام في الاخبار فصل
في حقيقة الخبر، وما به يصير خبرا، وبيان أقسامه
حد الخبر ما صح فيه الصدق أو الكذب، وهذا أولى مما قاله
بعضهم من انه ما صح فيه الصدق والكذب، لان ذلك محال، لأنه
لا يجوز أن يكون خبر واحد صدقا وكذبا، لأنه لا يخلو
أن يكون مخبره على ما تناوله الخبر {2} فيكون صدقا {2} أو لا يكون على ما
تناوله الخبر فيكون كذبا.
فاما احتمالهما جميعا فمحال على ما بينا.
ثم لو صح لكان
منتقضا، لان ههنا مخبرات كثيرة لا يصح فيها الكذب، ومخبرات
كثيرة لا يصح فيها الصدق، نحو الاخبار عن توحيد الله وصفاته،
فان جميع ذلك لا يصح فيها الكذب، والاخبار عن ثان ومعه ثالث
لا يصح فيها الصدق أصلا، فعلم ان الأولى ما قلناه.]
230

[اللهم الا أن يراد بهذه اللفظة: (أن يحتمل الصدق والكذب)
انه يحتمل أحدهما فان أريد ذلك كان مثل ما قلناه. وينبغي ان
يذكر في اللفظ ما يزيل الابهام، لان الحدود مبنية على الالفاظ
دون المعاني.
وقد حد قوم: بأنه ما احتمل التصديق والتكذيب. وهذا صحيح
غير ان ما ذكرناه أولى من حيث ان التصديق والتكذيب يرجع
إلى غير الخبر. وينبغي أن يحد الشئ {2} بصفة هو عليها، لا بما
يرجع إلى غيره.
وتوصف الإشارة والدلالة، بأنهما خبران، وذلك مجاز
وانما يدخل في كونه خبرا بقصد المخاطب إلى ايقاع كونه خبرا،
وانما قلنا ذلك، لأنه لا توجد الصيغة، ولا يكون خبرا فلا بد من أن
يكون هناك أمر خصصه.
231

[ومن الناس من جعل القصد {1} من قبيل الإرادة، ومنهم من
جعله من قبيل الداعي، وليس هذا موضع تصحيح أحدهما.
والخبر لا يخلو من أن يكون مخبره على ما هو به {2} فيكون
صدقا، أو لا يكون مخبره على ما هو به فيكون كذبا وهذا أولى مما
قاله بعضهم في الكذب أن يكون
خبره على خلاف ما هو به، لان
ذلك بعض الكذب
وقد يكون الخبر كذبا وان لم يكن متناولا للشئ على]
232

[خلاف ما هو به {1} ألا ترى {2} ان القائل إذا قال: (ليس زيد قاعدا)
وهو قاعد يكون خبره كذبا وان لم يكن قد أخبر بصفة تخالف كونه
قاعدا، فعلم بذلك ان الحد بما ذكرناه أولى لأنه أعم.
وعلى هذا التحرير يكون قول القائل: (محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم
ومسيلمة صادقان أو كاذبان) ينبغي أن يكون
كذبا، لأنه في الحالين جميعا ليس مخبره على ما تناوله الخبر لأنه
ان أخبر عنهما بالصدق فأحدهما كاذب، وان أخبر عنهما بالكذب
فأحدهما صادق فعلى الوجهين جميعا يكون الخبر كذبا.
وهذا أولى مما قاله أبو هاشم (1): من ان تقدير هذا الكلام تقدير
خبرين: أحدهما يكون صدقا، والاخر يكون كذبا، لان ظاهر ذلك
انه خبر واحد {3}، فتقدير كون الخبرين فيه ترك الظاهر. وليس]
233

[من شرط كون الخبر صدقا أو كذبا علم المخبر بما أخبر به {1}
وانما ذلك شرط في حسن اخباره {2} به ويفارق ذلك {3} حال
العلم، لان الاعتقاد قد يخلو من أن يكون علما أو جهلا بأن يكون
تقليدا ليس معه سكون النفس.
والخبر على ضربين:
أحدهما: يعلم ان مخبره على ما تناوله الخبر.
والاخر: لا يعلم ذلك فيه. وهو على ضربين. أحدهما: يعلم
انه على خلاف ما تناوله الخبر. {4} والاخر: متوقف فيه.]
234

[فأما الخبر الذي يعلم {1} ان مخبره على ما تناوله الخبر فعلى
ضربين: أحدهما: يعلم ذلك، ويجوز {2} أن يكون ضرورة أو
اكتسابا. والاخر: يقطع على انه يعلم ذلك استدلال.
فالأول: نحو العلم بالبلدان، والوقائع، والملوك، ومبعث
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهجرته، وغزواته، وما يجرى
مجرى ذلك فان كل ذلك (5) من الامرين
جائز فيه على ما سنبينه
فيما بعد.
وأما ما يعلم مخبره بالاستدلال فعلى ضروب:
منها: خبر الله تعالى، وخبر الرسول، وخبر الامام عليهما السلام.
ومنها: خبر الأمة إذا اعتبرنا {3} كونها حجة.]
235

[ومنها: خبر من أخبر بحضرة جماعة كثيرة لا يجوز على مثلها
الكتمان، والتواطؤ، وما يجرى مجرى ذلك، وادعى عليهم المشاهدة
ولا صارف لهم عن تكذيبه، فيعلم ان خبره صدق.
ومنها: خبر المخبر إذا أخبر بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وادعى عليه العلم بذلك فلم ينكره.
ومنها: خبر المتواترين {1} الذين يعلم خبرهم إذا حصلت
الشرائط فيهم.
ومنها: ان تجتمع الأمة أو الفرقة المحقة على العمل بخبر
الواحد، وعلم انه لا دليل على ذلك الحكم الا ذلك الخبر، فيعلم
انه صدق.
ومنها: خبر تلقته الأمة أو الطائفة المحقة بالقبول وان كان
الأصل فيه واحدا.
وأما {2} ما يعلم ان مخبره على خلاف ما تناوله فعلى ضربين أيضا:]
236

[أحدهما: يعلم ذلك من حاله، ويجوز كونه ضروريا ومكتسبا
مثل ما قلناه فيما يعلم صحته، وذلك مثل ما يعلم انه ليس بين بغداد
والبصرة بلد أكبر منهما، وانه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
نبي آخر، ولا أن له هجرة إلى خراسان، وما جرى مجرى ذلك.
والثاني: يعلم انه على خلاف ما تناوله بضرب من الاستدلال،
وهو على ضروب:
منها: أن يعلم بدليل عقلي أو شرعي {1} انه على خلاف ما
تناوله.
ومنها: أن يعلم ان مخبره لو كان صحيحا لوجب نقله على
خلاف الوجه الذي نقل عليه، بل على وجه تقوم به الحجة، فإذا
لم ينقل كذلك علم انه كذب.
ومنها: أن يكون مخبره مما لو فتش عنه من يلزمه العمل به
لوجب أن يعلمه، فإذا لم تكن هذه حاله علم انه كذب.
ومنها: أن يكون مخبر الخبر حادثة عظيمة مما لو كانت لكانت
الدواعي إلى نقلها يقتضى ظهور نقلها إذا لم يكون هناك مانع، فمتى
لم ينقل علم انه كذب.]
237

[ومنها: أن يعلم ان نقله ليس كنقل نظيره، والأحوال فيهما
متساوية فيعلم حينئذ انه كذب.
وأما ما لا يعلم ان مخبره على ما تناوله، ولا انه على خلافه،
فعلى ضربين:
أحدهما: يجب العمل به والاخر لا
يجب العمل به. فعلى (1) ضربين: أحدهما: يجب العمل به عقلا.
والاخر: يجب ذلك فيه سمعا. فما يجب العمل به عقلا نحو الاخبار
المتعلقة بالمنافع {1} والمضار الدنيوية، فإنه يجب العمل بها عقلا.
وما يجب العمل به شرعا كالشهادات والاخبار الواردة في فروع
الدين إذا كانت من طرق (1) مخصوصة ورواها من له صفة مخصوصة.
والضرب الثاني من الضربين الأولين، وهو ما لا يجب العمل
به فعلى ضربين: أحدهما: يقتضى ظاهره الرد. والثاني: يجب
التوقف فيه، ويجوز كونه كذبا وصدقا على حد واحد، ونحن
نبين {2} شرح ذلك فيما بعد ان شاء الله تعالى.]

(3) من هنا سقط من النسخة المطبوعة
238

فصل
(في أن الاخبار قد يحصل عندها العلم وكيفية حصوله، وأقسام ذلك)
حكى عن قوم يعرفون بالسمنية (1) انهم أنكروا وقوع العلم
بالاخبار {2} عندها، خصوا العلم بالادراكات دون غيرها. وهذا]

(1) قال ابن النديم في الفهرست [498]: ومعنى السمنية منسوب إلى سمني، و
هم أسخى أهل الأرض والأديان، وذلك ان نبيهم بوداسف أعلمهم ان أعظم الأمور التي
لا تحل ولا يسع الانسان أن يعتقدها ولا يفعلها قول: لا، في الأمور كلها، فهم على ذلك
قولا وفعلا، وقول لا عندهم من فعل الشيطان، ومذهبهم دفع الشيطان (انتهى).
وقالوا: لا موجود الا ما وقعت عليه الحواس وانكروا الاعراض.
239



(1) المواقف، الموقف السادس في السمعيات، المرصد الأول في النبوات،
المقصد الثالث في امكان البعثة.
(2) شرح المواقف، الموقف السادس في السمعيات، المرصد الأول في النبوات
المقصد الثالث في امكان البعثة.
241

[مذهب ظاهر البطلان، لا معنى للتشاغل بإبطاله والاكثار في رده، لان]
242

[المشكك فيما يحصل من العلم عند الاخبار، كالمشكك فيما يحصل
عند المشاهدة وغيرها من ضروب الادراكات من السوفسطائية {1}
وأصحاب العنود ومدخل الشبهات في هذا كمدخل الشبهات
في ذلك لان نفوسنا تسكن إلى وجود البلدان التي لم نشاهدها،
مثل الصين، والهند، والروم، وغير ذلك مما لم نشاهدها، وإلى وجود
الملوك وغيرهم، وإلى هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى وقوع
المغازي، وحصول الوقائع الحادثة في الأيام الماضية، كما تسكن
إلى العلم بالمشاهدات، فمن ادعى فيما يحصل عند الاخبار انه ظن
وحسبان، كمن ادعى ذلك في المشاهدات. وهذا القدر كاف في
إبطال هذا المذهب، لأنه ظاهر البطلان.
فأما كيفية حصول هذا العلم، فقد اختلف العلماء في ذلك:
فذهب أبو القاسم البلخي ومن تبعه إلى ان الاخبار المتواترة
التي تحصل عندها العلوم لكل عاقل كلها مكتسبة. وإلى ذلك
يذهب شيخنا أبو عبد الله رحمه الله.
وذهب أبو علي {2} وأبو هاشم، والبصريون، وأكثر الفقهاء، و]
243

[أصحاب الأشعري إلى أن العلم بهذه الاخبار يحصل ضرورة من
فعل الله تعالى لا صنع للعباد فيها
وذهب سيدنا المرتضى أدام الله علوه {1} إلى تقسيم ذلك فقال:
ان أخبار البلدان والوقائع والملوك وهجرة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ومغازيه وما يجرى هذا المجرى يجوز أن يكون ضرورة من
فعل الله تعالى، ويجوز أن يكون مكتسبة من فعل العباد
وأما ما عدا أخبار البلدان وما ذكرناه مثل العلم بمعجزات
النبي صلى الله عليه وآله، وكثير من أحكام الشريعة، والنص
الحاصل على الأئمة عليهم السلام، فيقطع على انه مستدل عليه (2).
وهذا المذهب عندي أوضح من المذهبين جميعا وإنما قلنا
بهذا المذهب لأنه لا دليل هاهنا يقطع به على صحة أحد المذهبين]

(3) الذريعة: 485.
244

[دون الاخر، فالأدلة فيها كالمتكافئة {2} وإذا كان كذلك وجب
الوقف، وتجويز كل واحد من المذهبين. ونحن نعترض ما استدل
به كل فريق من الفئتين، ونبين ما في ذلك.
ولأنه أيضا لا يمتنع أن يكون العالم بهذه الاخبار قد يقدم له على
الجملة العلم بصفة الجماعة التي لا يجوز أن يتفق منها الكذب،
ولا يجوز على مثلها أيضا التواطؤ، لان علم ذلك مستند إلى العبادة،
فجائز أن يكون قد عرف ذلك، وتقرر في نفسه، فلما أخبره عن
البلدان وأخبار الملوك والوقائع من هو على تلك الصفة، فعل لنفسه
اعتقاد الصدق لهذه الاخبار، وكان ذلك الاعتقاد علما للجملة
المتقدمة، فيكون كسبيا لا ضروريا فيه.
وليس لاحد أن يقول: ان ادخال التفصيل في الجملة، إنما
يكون فيما له أصل ضروري على سبيل الجملة، كما نقول: (إن من
شأن الظلم أن يكون قبيحا) علم على الجملة ضروري فإذا علمنا
في ضرر بعينه انه ظلم فعلنا اعتقادا لقبحة وكان علما لمطابقته
للجملة المتقررة، وأنتم قد جعلتم علم الجملة مكتسبا والتفصيل
كذلك. وذلك انه لا فرق بين أن يكون علم الجملة حاصلا بالضرورة
أو الاكتساب في جواز
ان يبنى عليه التفصيل، لان من علم منا]
245

[بالاكتساب ان من صح منه الفعل يجب أن يكون قادرا، ثم علم
في ذات بعينها، انه يصح منها الفعل فعل اعتقادا لكونها قادرة فيكون
ذلك الاعتقاد علما لمطابقته للجملة المتقدمة وإن كانت تلك الجملة
مكتسبة.
وكذلك إذا علم بالاكتساب، ان من شأن القادر أن يكون
حيا، ثم علم في ذات بعينها انها قادرة فعل اعتقادا لكونها حية
فيكون علما لمطابقته للجملة المتقررة. فلا فرق إذا في ادخال
التفصيل في الجملة المتقدمة بين الضروري والمكتسب.
وكما ان ما ذكرناه ممكن، يمكن أيضا أن يكون الله تعالى
أجرى العادة، بأن يفعل العلم فينا عند سماع الاخبار عن البلدان
وما شاكلها على ما ذهب إليه آخرون، وليس في العقل دليل على
أحد القولين، فلا يخل الشك في ذلك بشئ من شرائط التكليف،
فيجب أن يجوز كلا الامرين.
ونحن نتتبع أدلة كل فرقة من الفريقين ليتم لنا ما قصدناه:
فما استدل به أبو القاسم البلخي ومن تبعه على ان هذه العلوم
مكتسبة أن قال: (لا يجوز أن يقع العلم الضروري بما ليس بمدرك
ومخبر الاخبار عن البلدان أمر غائب عن الادراك، فلا يجوز أن يكون]
246

[ذلك ضروريا، لأنه لو جاز {1} كون العلم بالغائبات ضروريا، جاز
أن يكون العلم بالمشاهدات مستدلا عليه)
واستدل أيضا: (بأن العلم بمخبر الاخبار، انما يحصل بعد تأمل
أحوال المخبرين بها وصفاتهم، فدل ذلك على انه مكتسب)
فيقال له فيما ذكره أولا: لم زعمت ان العلم بالغائب عن الحس
لا يكون ضروريا، أو ليس الله تعالى قادرا على فعل العلم بالغائب
مع غيبته، فما المنكر من أن يفعل بمجرى العادة عند اخبار جماعة
مخصوصة؟ وليس له أن يدعى: أن ذلك غير مقدور له تعالى، كما
يقول: ان العلم بذاته تعالى {2} لا يوصف بالقدرة عليه.
لأنه يذهب إلى أن العلم بالمدركات قد يكون من فعل الله
تعالى على بعض الوجوه وليس يفعل العلم بذلك الا وهو في مقدورة
وليس كذلك على مذهبه العلم بذاته تعالى، لأنه لا يصح وقوعه منه
على وجه من الوجوه، وعلى هذا أي فرق بين أن يفعل العلم]
247

[بالمدرك عند إدراكه، وبين أن يفعل هذا العلم بعينه عند بعض
الاخبار عنه؟.
وانما لم يجز أن يكون المشاهد مستدلا عليه، لان المشاهد
معلوم ضرورة للكامل العقل. ولا (1) يصح أن يستدل وينظر فيما يعلمه
لان من شرط صحة النظر ارتفاع العلم بالمنظور إليه.
وأما الشبهة الثانية فبعيدة عن الصواب، لأنها مبنية على
الدعوى {1} لان خصومه لا يسلمون أن العلم بمخبر الاخبار عن
البلدان، وما جرى مجراها يقع عقيب التأمل لصفات المخبرين بل
يقولون إنه يقع من غير تأمل لأحوال المخبرين، وانه انما يعلم
أحوال المخبرين بعد حصول العلم {2} الضروري له بما أخبروا
عنه.
وتعلق من ذهب إلى أن هذا العلم ضروري بأشياء:
منها: ان العلم بمخبر هذه الاخبار لو كان مكتسبا وواقعا عن
تأمل حال المخبرين وبلوغهم إلى الحد الذي لا يجوز أن يكذبوا،
لوجب أن يكون من لم يستدل على ذلك ولم ينظر فيه من العوام]
248

[والمقلدين وضروب من الناس لا يعلمون البلدان والحوادث العظام ومعلوم ضرورة الاشتراك في ذلك {1}.
ومنها: ان حد العلم الضروري قائم في العلم بمخبر الاخبار،
لأنا لا نتمكن من إزالة ذلك عن نفوسنا ولا التشكيك فيه، وهذا
حد العلم الضروري.
ومنها: ان من ذهب إلى أن هذا العلم ضروري صارف
عن النظر فيه والاستدلال عليه، فكان يجب أن يكون كل من اعتقد
ان هذا العلم ضروري غير عالم بمخبر هذا الاخبار، لان اعتقاده
يصرفه عن النظر، فكان يجب خلو جماعتنا من العلم بالبلدان وما
أشبهها، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك.
فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا: ان طريق اكتساب العلم بالفرق
بين الجماعة التي لا يجوز أن تكذب في خبرها وبين من يجوز
ذلك عليه قريب لا يحتاج إلى دقيق النظر وطويل التأمل، وكل]
249

[عاقل يعرف بالعادات الفرق بين الجماعة التي قضت العادات
بامتناع الكذب عليها فيما ترويه، وبين من ليس كذلك، والمنافع
الدنيوية من التجارات وضروب التصرفات مبنية على حصول هذا
العلم فهو مستند إلى العادة ويسير التأمل كاف في ذلك، فلا يجب
في المقلدين والعامة ألا يعلموا مخبر هذه الاخبار من حيث لم يكونوا
أهل تحقيق وتدقيق لما ذكرناه.
ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا: لا نسلم لكم ان حد العلم
الضروري هو ما يمتنع على العالم دفعه عن نفسه، بل حده ما فعله
فينا من هو أقدر منا على وجه لا يمكننا دفعه عن أنفسنا، ولا ينبغي
أن يجعلوا ما تفردوا به من الحد دليلا على موضع الخلاف.
ويقال لهم فيما تعلقوا به ثالثا: ان العالم بالفرق بين صفة
الجماعة التي لا يجوز عليها الكذب لامتناع التواطؤ عليها، واستحالة
الكذب منها كالملجأ عند كمال عقله وحاجته إلى التفتيش
والتصرف إلى العلم بذلك {1} والدواعي إليه قوية، والبواعث على]
250

[فعله متوفرة
وقد حصل للعقلاء هذا العلم. وهذا الفرق قبل أن يختص
بعضهم بالاعتقاد الذي ذكروه انه صارف لهم، فاذن لا يجب خلو
مخالفينا من هذه العلوم لأجل ما ادعى من الاعتقاد.
وقيل: أنه صارف، لأنا قد بينا انه غير ممتنع أن يكون العلم
بما قلناه قد سبقه وتقدم عليه ويلزم على هذا الوجه، أن لا يكون
أبو القاسم البلخي عالما بأن المحدثات تفتقر إلى محدث، لأنه
يعتقد ان العلم بذلك ضروري واعتقاده ذلك صارف له عن النظر
فيجب أن لا يكون {1} عالما بذلك، ويجوز {2} أن يكون غير
عارف بالله تعالى وصفاته وأحواله! فأي شئ قالوه فيه (1) قلنا مثله
فيما تعلقوا به.
وفي الناس من قال: ان العلم الحاصل عند الاخبار متولد
عنها، وهو من فعل فاعل الاخبار.
والذي يدل على بطلان هذا المذهب انه لو كان العلم الحاصل]
251

[عند الاخبار متولدا، لوجب أن يتولد عن خبر آخر المخبرين {1}
لان العلم عند ذلك يحصل، فلو كان كذلك، لوجب أن يكون لو
أخبرنا {2} ابتداءا، أن يحصل لنا العلم بخبره. لان خبره هو الموجب
للعلم وكان يجب إذا أخبرنا عما يعلم باستدلال أيضا أن يحصل
لنا العلم به
كما يحصل لنا العلم بما يعلم ضرورة، لان خبره هو الموجب
واختلاف حاله في كونه عالما ضرورة واستدلالا يؤثر في ذلك
فإذا بطل ذلك، ثبت ما قلناه.
فان قيل: إذا جوزتم حصول هذا العلم ضرورة فما شرائطه؟
وهل هي التي راعاها البصريون أم لا؟
قيل: الشرائط التي اعتبروها نحن نعتبرها ونعتبر شرطا]
252

[آخر لا يعتبرونه فالشرائط التي اعتبروها هي:
أن يكون المخبرون أكثر من أربعة، ولا يقطعون على عدد منهم
دون عدد.
ومنها: أن يكونوا عالمين بما يخبرونه ضرورة.
ومنها: أن يكونوا ممن إذا وقع العلم بخبر عدد منهم أن يقع
العلم بكل عدد مثلهم.
وأما ما نختص به {1} فهو أن نقول: لا يمتنع أن يكون من شرطه]

(2) جمال الدين، أبو منصور، الحسن بن زيد الدين بن على العاملي المتوفى سنة
(1011 ه‍). أمره في العلم والفقه والتبحر والتحقيق وحسن السليقة وجودة الفهم وجلالة
القدر وكثرة المحاسن والكمالات، أشهر من أن يذكر. صنف العديد من الكتب منها:
معالم الدين وملاذ المجتهدين، وهو على قسمين: قسم في الفقه، والاخر في أصول الفقه.
وقد حظى قسم الأصول درجة رفيعة في هذا العلم، وكان موضع اهتمام العلماء والباحثين
حتى اشتهر الكتاب بمعالم الأصول.
كان مولده الشريف في 17 رمضان سنة (959 ه‍.) بجبع وتوفى رحمه الله تعالى
بجبع أيضا في مفتتح المحرم سنة (1011 ه‍.).
(3) معالم الدين: 185 (المطلب السادس في الاخبار، الفصل الأول (في أقسام
الخبر).
253

[أن يكون من يسمع الخبر لا يكون قد سبق {1} إلى اعتقاد يخالف
ما تضمنه الخبر بشبهة أو تقليد ونحن ندل على وجوب جميع ذلك
ان شاء الله تعالى.
انما قلنا انه لابد أن يكونوا أكثر من أربعة، لأنه لو جاز أن
يقع العلم بخبر أربعة، لكان شهود الزنا إذا شهدوا بالزنا وهم أربعة
كان يجب أن يحصل العلم للحاكم بصحة ما شهدوا به انهم كانوا
صادقين {3} ومتى لم يحصل له العلم، علم انهم كاذبون، فكان يجب]
254

[ان يرد شهادتهم، ويقيم حد القذف عليهم، وان كان ظاهرهم ظاهر
العدالة مزكين وقد أجمع المسلمون على خلاف ذلك.
وليس لاحد {1} أن يقول: انهم لا يأتون بلفظ الخبر، فلذلك
لا يقع العلم بشهادتهم. لأنه لا اعتبار عندنا بالألفاظ، لأنه لو أخبر
المخبر بالأعجمية أو النبطية، لكان كاخباره بالعربية، بل لو عرف
قصد المشير، لكان حاله حال المخبر في وجوب العلم عنده، فما
ذكروه لا يصح (2).]

(2) الذريعة: 495.
(3) من هنا سقط من النسخة المطبوعة.
255

[وليس لهم أيضا أن يقولوا: ان الشهود يشهدون مجتمعين
غير متفرقين، وكونهم كذلك يوجب أن يكونوا في حكم من تواطأ
وعلى ما اخبر به، ومن شرط من يقع العلم بخبرهم ألا يتواطؤوا،
فلذلك لا نعلم بشهادتهم. وذلك ان هذا فاسد من وجهين:
أحدهما: انا لو فرقنا {1} الشهود - وهو الأفضل عندنا - لما وقع
العلم بخبرهم، فكونهم مجتمعين ككونهم متفرقين في انتفاء العلم
عند شهادتهم.
والوجه الاخر: انا لا نجعل {2} من شرط من يقع العلم بخبره
أن لا يتواطؤوا، فان ذلك انما يشترط في الخبر الذي يستدل على
صحة مخبره دون ما يقع العلم عنده ضرورة، ولا فرق فيما يخبرون
به بين أن يكونوا مجتمعين، أو متفرقين، أو متواطئين، أو غير ذلك
إذا علموا ما أخبروا به ضرورة في وجوب حصول العلم عند خبرهم.
ولولا هذا الدليل لما وقف على أربعة أيضا فكان يجب أن
يحصل العلم عند كل عدد دون ذلك كما ان ما زاد على أربعة لم]
256

[يقف على عدد دون عدد، بل جوزنا أن يحصل العلم عند كل عدد
زاد على الأربعة، فنظير هذا أن يجوز حصول العلم عند كل عدد
دون الأربعة، لأنه ليس هاهنا دليل على وجوب مراعاة هذا العدد
المدعاة فلما لم نقطع على عدد زاد على الأربعة - لفقد الدليل على
ذلك - فكذلك هاهنا
وقول من قال: انهم عشرون تعلقا بقوله تعالى " ان يكن منكم
عشرون صابرون " {1} وانه لما أوجب الجهاد عليهم، وجب أن يكونوا
ممن إذا دعوا إلى الدين علم ما دعوا إليه. لا يصح من وجهين:
أحدهما: ان البغية بالآية، التنبيه على وجوب ثبات الواحد
للعشرة، لا ايجاب الجهاد على هذا العدد. بل قد اتفقت الأمة على
وجوب الجهاد على الواحد إذا كان له غنا، ولم يوجب وقوع العلم
بخبره.
والوجه الثاني: {2} ان ما يدعون إليه من الدين معلوم باستدلال
ونحن نبين ان ما يعلم بالدليل لا يقع العلم بخبرهم وان كثروا، ولابد
من أن يكون عالمين به ضرورة.]

(1) الأنفال: 65.
257

[وأما من قال: انهم سبعون مثل عدد الذين أحضرهم موسى
عليه السلام عند الميقات، لأنه انما أحضرهم ليقوم بخبرهم حجة
على غيرهم. لا يصح أيضا لاخر الوجهين الذين دل ما في الشبهة
الأولى أنه لا يمتنع أن يكون من دونهم بمنزلتهم، سيما وخبر
موسى عليه السلام عن ربه كان يغنى عن خبرهم فإذا جاز أن يختاروا
مع أن خبره يغنى عن خبرهم، فيجب أن يكون اختيار السبعين وان
وقع العلم بمن دونهم، أو لم يقع العلم بخبرهم أصلا كذلك، فمن
أين ان سبب اختيارهم كان ما ادعاه السائل؟
فأما من اعتبر الثلاثمائة [وثلاثة عشر] لأنهم العدد الذين جاهد بهم النبي
صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بدر {1} فليس له تعلق بوقوع العلم
بخبرهم. والكلام عليه يقارب الكلام على الوجهين الأولين.
وأما الشرط الثاني: وهو انه يجب أن يكونوا عالمين بما أخبروا
به ضرورة. فإنما اعتبرناه، لان جماعة من المسلمين يخبرون
الملحدة بأن الله تعالى أحد، ويخبرون اليهود والنصارى بنبوة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يحصل لهم العلم بصحة ذلك. ويخبر]
258

[بعضهم عن البلدان وما أشبهها فيحصل العلم بخبرهم. والعلة في ذلك على التقريب {1} ان العلم الضروري لو وقع
بذلك، لأدى إلى أن يكون حال المخبر {2} أقوى من حال المخبر {3}
وهذا لا يجوز وإذا لم يقع العلم بخبر من يعلم ما اخبر عنه باكتساب
فبان لا يقع بخبر من لا يعلم المخبر عنه أصلا من المقلدين والمبختين
أولى وأحرى
وأما الشرط الثالث: وهو ان كل عدد وقع العلم عند خبرهم،
فيجب أن تطرد
العادة فيه، فيقع العلم عند كل عدد مثله إذا ساووهم
في الاخبار بما علموه ضرورة.]

(5) إلى هنا سقط من النسخة المطبوعة.
259

[وانما قلنا ذلك: لأنا لو جوزنا خلاف ذلك لم نأمن أن يكون في
الناس {1} من تخبره الجماعة الكثيرة ولا يعلم بخبرها، وهذا يوجب]
260

[أن يصدق من أخبر عن نفسه مع مخالطته الناس انه لا يعلم ان
في الدنيا مكة، بل يجب أن يصدق المقيم في الجانب الشرقي ان
لا يعلم الجانب الغربي إذا لم يعبر إليه وذلك سفسطة لا يصير إليه
عاقل.
وأما الشرط الذي نختص بمراعاته، فإنما قلنا: انه لا يمتنع
لأنه إذا كان هذا العلم مستندا إلى العادة وليس بموجب عن سبب
جاز وقوعه على شروط زائدة وناقصة {1} بحسب ما يعلمه الله تعالى
من المصلحة وأجرى به العادة.
وانما احتجنا إلى زيادة هذا الشرط، لئلا يقال: أي فرق {1}
بين خبر البلدان، والاخبار الواردة بمعجزات النبي صلى الله عليه]
261

[وآله وسلم سوى القرآن كحنين الجذع وانشقاق القمر، وتسبيح
الحصى وغير ذلك؟
وأي فرق أيضا بين أخبار البلدان، وبين خبر النص الجلى
الذي يتفرد بنقله الامامية؟ وألا أجزتم أن يكون العلم بذلك كله
ضروريا كما أجزتموه في أخبار البلدان وما أشبهها؟ وليس يمتنع
أن يكون السبق إلى اعتقاد مانعا من فعل العلم الضروري بالعادة،
كما ان السبق إلى الاعتقاد بخلاف ما يولده النظر عند مخالفينا مانع
من توليد النظر والعلم، وإذا جاز ذلك فيما هو سبب موجب فأولى
أن يجوز فيما طريقه العادة.
وليس {2} لاحد أن يقول: فيجب على هذا أن لا يفعل العلم
(الضروري) لمن سبق إلى اعتقاد لنفي ذلك المعلوم. ويفعل لمن لم]
262

[يسبق. وهذا يقتضى أن يفعل العلم الضروري بالنص الجلى للشيعة
لأنهم لم يسبقوا إلى اعتقاد يخالفه، وكذلك المسلمون في المعجزات
التي ذكرناها.
وذلك انه يمكن أن يقال: ان المعلوم في نفسه إذا كان من
باب ما يمكن السبق إلى الاعتقاد لنفيه أما لشبهة أو تقليد، لم يجر
الله تعالى العادة بفعل العلم الضروري. وان كان مما لا يجوز أن
يدعوا العقلاء داع إلى اعتقاد نفيه، ولا تعرض لشبهة في مثله، -
كالخبر عن البلدان - وجاز أن يكون العمل به ضروريا عند الخبر
على ما ذكرناه.
وليس لاحد أن يقول: أجيزوا {1} أن يكون في العقلاء
المخالطين لنا السامعين للاخبار من سبق إلى اعتقاد منع
من فعل العلم الضروري له فإذا أخبركم بأنه لا يعرف بعض البلدان
الكبار، والحوادث العظام، مع سماعه الاخبار، وكمال عقله،
كان صادقا.
وذلك انا نعلم ضرورة انه لا داعى للعقلاء يدعوهم إلى]
263

[سبق اعتقاد نفي بلد من البلدان، أو (حادث عظيم من الحوادث،
ولا شبهة تدخل في مثل ذلك ففارق هذا الباب) أخبار المعجزات
والنص، لان كل ذلك مما يجوز السبق فيه إلى الاعتقادات الفاسدة
للدواعي المختلفة)
وليس من شرط المخبرين أن يكونوا مؤمنين، ولا أن يكون
فيهم حجة حتى يقع العلم بخبرهم لان الكفار {1} قد يخبرون عن
أشياء يعلمونها ضرورة، فيحصل لنا
العلم عند خبرهم، فلو (4) كان ذلك
شرطا صحيحا لاستحال ذلك.
وليس أيضا من شرط وقوع العلم تصديق جميع الناس لخبرهم
لان العلم بتصديقهم كلهم لا يقع الا بمشاهدتهم، وذلك متعذر، أو
بالخبر عن حالهم {2} وذلك يوجب {3} وقوع العلم بخبر طائفة]
264

[وان لم يعلم ان غيرهم مصدقون لهم. وهذه الجملة كافية في جواز أن يعلم مخبر الاخبار ضرورة
واكتسابا.
فأما الاخبار التي نعلم مخبرها استدلالا {1} فقد ذكر سيدنا
المرتضى رحمه الله جملة وجيزة في هذا الباب في كتابه (الذخيرة)
أنا أذكرها بألفاظه لأنها كافية في هذا الباب والزيادة عليها يطول
به الكتاب.
قال: (الخبر إذا لم يكن من باب {2} ما يجب وقوع العلم عنده
واشتراك العقلاء فيه، وجاز وقوع الشبهة فيه، فهو أن يرويه جماعة]
265

[قد بلغت من الكثرة إلى حد لا يصح معه أن يتفق الكذب منها
عن المخبر الواحد
وأن يعلم - مضافا إلى ذلك - انه لم يجمعها على الكذب جامع
كالتواطؤ وما يقوم مقامه
ويعلم أيضا {2} ان اللبس والشبهة زائلان عما خبروا عنه.
هذا إذا كانت الجماعة تخبر بلا واسطة عن المخبر فان كان بينهما
واسطة وجب اعتبار هذه الشروط المذكورة في جميع من خبرت
من المتوسطات عنه من الجماعات، حتى يقع الانتهاء إلى نفس
المخبر.
وتأثير هذه الشروط المذكورة في العلم بصحة هذا الخبر]

(3) من هنا سقط من النسخة المطبوعة.
266

[ظاهر، لان الجماعة إذا لم تبلغ من الكثرة إلى الحد الذي يعلم معه انه
لا يجوز أن يتفق الكذب منها عن المخبر الواحد، لم نأمن
أن تكون كذبت على سبيل الاتفاق، كما يجوز ذلك في الواحد
والاثنين.
وإذا لم يعلم ان التواطؤ وما يقوم مقامه مرتفع عنها، جوزنا أن
يكون الكذب وقع منها على سبيل التواطؤ.
والشبهة أيضا تدعوا إلى الكذب، وتجمع عليه، كأخبار الخلق
الكثير من المبطلين عن مذاهبهم الباطلة لأجل الشبهة الداخلة عليهم
فيها، وان لم يكن هناك تواطؤ منهم.
ولا فصل فيما اشترطناه من ارتفاع اللبس والشبهة بين أن
يكون المخبر عنه مشاهدا أو غير مشاهد في أن الشبهة قد يصح
اعتراضها في الامرين
ألا ترى ان
اليهود والنصارى مع كثرتهم نقلوا صلب المسيح
عليه السلام وقتله، لما التبس عليهم الامر فيه {1}، وظنوا ان الشخص
الذي رأوه مصلوبا هو المسيح عليه السلام
ودخلت الشبهة عليهم، لان المصلوب قد تتغير حليته، وتتبدل
صورته، فلا يعرفه كثير ممن كان عارفا به، ولبعد المصلوب أيضا
عن التأمل، تقوى الشبهة في أمره.
والوجه اشتراط هذه الشروط في كل الجماعات المتوسطة]
267

[بيننا وبين المخبر، لان ذلك لو لم يكن معلوما في جميعهم، جوزنا
كون من ولينا من المخبرين صادقا عمن أخبر عنه من الجماعات،
وان كان الخبر في الأصل باطلا من حيث لم تتكامل الشرائط في
الجميع
ومتى تكاملت هذه الشروط، فلابد من كون الخبر صدقا،
لأنه لا ينفك عن كونه صدقا أو كذبا ومتى كان كذبا، فلابد أن يكون
وقع اتفاقا، أو لتواطؤ، أو لأجل شبهة
وإذا قطعنا على فقد ذلك كله فلابد من كونه صدقا. فأما الطريق
إلى العلم بثبوت الشرائط فنحن نبينه:
أما اتفاق الكذب عن المخبر الواحد فلا يجوز أن يقع من
الجماعات، والعلم بحال الجماعة، وان ذلك لا يتفق منها، وانها
مخالفة للواحد والاثنين ضرورة ولا يدخل على عاقل فيه شبهة،
ولهذا أجزنا أن يخبر واحد ممن حضر الجامع يوم الجمعة بأن
الامام تنكس على أم رأسه من المنبر كاذبا ولا نجوز أن يخبر عن
مثل ذلك على سبيل الكذب جميع من حضر المسجد الجامع أو
جماعة منهم كثيرة الا لتواطؤ أو ما يقوم مقامه.
وقد شبه امتناع ما ذكرناه من الجماعات باستحالة اجتماع
الجماعة الكثيرة على نظم شعر على صفة واحدة، واجتماعهم على]
268

[تصرف مخصوص، وأكل شئ معين من غير سبب جامع.
وشبه أيضا بما علمناه من استحالة أن يخبر الواحد أو الجماعة
من غير علم عن أمور كثيرة، فيقع الخبر بالاتفاق صدقا. وجواز
اخبار الجماعة الكثيرة بالصدق من غير تواطؤ مفارق لاخبارها بالكذب
من غير سبب جامع
لان الصدق يجرى في العادة مجرى ما حصل فيه سبب جامع
من تواطؤ، أو ما يقوم مقامه، وعلم المخبر بكون الخبر صدقا داع
إليه، وباعث عليه وليس كذلك الكذب، لان الكذب لابد في
اجتماع الجماعة عليه من أمر جامع لها، ولم يستحل أن يخبروا
بذلك وهو صادقون من غير تواطؤ.
وأما الطريق إلى العلم بفقد التواطؤ على الجماعة، فربما
كان كثرة الجماعات
يستحيل معها التواطؤ عليها مراسلة أو مكاتبة
وعلى كل وجه وسبب لأنا نعلم ضرورة ان جميع أهل بغداد لا يجوز
أن يواطئوا جميع أهل الشام لا باجتماع
ومشافهة، ولا بمكاتبة أو
مراسلة، على أن التواطؤ فيمن يجوز ذلك عليه من الجماعة بمشافهة أو
مكاتبة أو مراسلة لابد بمجرى العادة من أن يظهر لمن خالطهم
ظهورا يشترك كل من خالطهم في علمه، وهذا حكم مستند إلى
العادات لا يمكن دفعه.]
269

[وأما ما يقوم مقام التواطؤ من الأسباب الجامعة كتخويف
السلطان وما يجري مجراه، فلابد أيضا من ظهوره وعلم الناس
به، لان الجماعة لا تجتمع على الامر الواحد لأجل خوف السلطان
الا بعد أن يظهر لهم غاية الظهور، وما هذه حاله لابد من العلم به
والقطع على فقده إذا لم يعثر عليه {1}.
وأما ما به يعلم ارتفاع اللبس والشبهة عن مخبر الخبر الذي
خبرت به الجماعة، فهو أن تخبر الجماعة عن أمر مدرك اما
بمشاهدة أو بسماع، ويعلم انتفاء أسباب
اللبس والشبهة عن ذلك
المخبر، فان أسباب التباس المدركات معلومة محصورة يعلم
انتفاؤها حيث ينتفى ضرورة.
فأما ما به يعلم ثبوت الشرائط التي ذكرناها في الطبقات التي
تروي الخبر، فهو ان العادات جارية بأن المذاهب أو الأقوال التي
تقوى بعد ضعف، وتظهر بعد خفاء، وتوجد بعد فقد لابد أن
يعرف ذلك من حالها، ويفرق العقلاء المخالطون لأهلها بين زماني
فقدها ووجودها، وضعفها وقوتها، ولهذا علم الناس كلهم ابتداء
حال الخوارج، وظهور مقالة الجهمية والنجارية {2} ومن جرى]
270

[مجراهم، وفرق العقلاء من سامعي
الاخبار بين زمان حدوث مقالاتهم وبين ما تقدمها.
وإذا صحت هذه الجملة التي ذكرناها في صفة الخبر الذي
لابد أن يكون المخبر به صادقا من طريق الاستدلال) (3) بنينا عليها
صحة تلك المعجزات والنصوص على الأئمة عليهم السلام على
ما نذهب إليه، وغير ذلك من أحكام الشريعة وغيرها. {1}
فأما خبر الله تعالى، فإنما يعلم صدقه إذا علم أولا انه لا يلغز
في أخباره، ولا يريد بها غير ظاهرها ولا يدل عليه وانه لا يجوز]

(3) سورة طه: 5.
(4) لعدم وجود نسخة من كتاب الذخيرة بين أيدينا يمكن الاطلاع على ما يقارب
هذه الالفاظ والمعاني في الذريعة 498 - 505.
271

[عليه الكذب ولا يعلم ذلك من حاله الا من علم انه عالم بقبح القبيح
وغني عن فعله وانه إذا كان كذلك لا يجوز أن يختار القبيح، وقد بينا
جملة من القول فيه.
وأما خبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يعلم به صدقه لان
العلم المعجز {1} قد دل على انه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا
يجوز أن يرسل الله من يكذب فيما يؤديه عنه وقد أمرنا بتصديقه
في كل أخباره، فيجب أن يكون صدقا، لان تصديق الكذاب قبيح،
والله يتعالى عن ذلك، فعلم عند ذلك ان أخباره عليه السلام
صدق.
والقول في أخبار الامام عليه السلام القائم مقامه كالقول في أخباره
لان الدليل الدال على وجوب عصمته أمننا من وقوع القبيح من]

(2) الزخرف: 61.
(3) مجمع البيان 9: 54، وفيه: في الشواذ قراءة ابن عباس وقتادة والضحاك
" وانه لعلم " بفتح العين واللام أي امارة وعلامة.
272

جهته، وفي ذلك أمان من أن يكون خبره كذبا.
وأما خبر الأمة إذا اعتبرناه فإنما يعلم مخبره (1) لما تقدم لنا من العلم بكون
المعصوم فيها (2).
وأما خبر الواحد بمحضر من الجماعة الكثيرة وادعاؤه عليهم المشاهدة كنحو
من ينصرف من الجامع ويخبر بوقوع الامام من المنبر، ويدعى على جميع
المنصرفين من الجامع مشاهدة ذلك، ويعلم انه لا صارف لهم عن تكذيبه، فمتى لم
يكذبوه، علمنا انه صادق لأنه لو لم يكن صادقا لأنكروه على مقتضى العادة.
فأما خبر المخبر [بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الشئ، إذا لم
ينكر عليه، فان كان هذا المخبر يدعي] (3) المشاهدة لذلك ولم ينكر عليه، فذلك
دليل على صدقه وان أطلق الخبر اطلاقا، فإنه لا يدل على ذلك.
273

[
فأما الأمة إذا تلفت الخبر بالقبول {1} وصدقت به {2}، فذلك
دليل على صحته، لأنه لو لم يكن صحيحا لأدى إلى اجتماعها على
خطأ، وذلك لا يجوز مع كون المعصوم فيها.
ومتى تلقت الخبر بالقبول ولم تصدق به فذلك لا يدل على
صدقه، لان هذا حكم أكثر أخبار الآحاد.
وأما الخبر إذا روى وعلمت الأمة بأجمعها بموجبه لأجله فعند
من قال: لا يجوز العمل بخبر الواحد ينبغي أن يكون دلالة على
صحته، لأنه لو لم يكن صحيحا لأدى إلى اجماعهم على العمل به
وهو خطأ وذلك غير جائز عليهم.]

(5) الأعراف: 33.
274

[وأما من قال: يجوز العمل بخبر الواحد فلا يمكنه أن يقول
ان ذلك دلالة على صحته، لأنهم إذا اعتقدوا جواز العمل بخبر
الواحد جاز أن يجمعوا عليه وان لم يكن صحيحا في الأصل
كما انهم يجوز أن يجتمعوا على شئ من طريق الاجتهاد عندهم
وان لم يكن طريق ذلك العلم
وأما الخبر إذا ظهر بين الطائفة المحقة وعمل به أكثرهم،
وأنكروا على من لم يعمل به، فان كان الذي لم يعمل به علم انه
امام، أو الامام داخل في جملتهم، علم ان الخبر باطل. وان علم
انه ليس بامام، ولا هو داخل معهم، علم ان الخبر صحيح، لان
الامام داخل في الفرقة التي عملت بالخبر. وهذه جملة كافية في
هذا الباب.]
275

فصل
في أن في الاخبار المروية ما هو كذب والطريق الذي يعلم به
ذلك من المعلوم الذي لا يتخالج فيه شك ان في الاخبار
المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذبا، كما ان فيها صدقا،
فمن قال: ان جميعها صدق فقد أبعد القول فيه ومن قال: انها
كلها كذب فكذلك، لفقد الدلالة على كلا القولين
وقد توعد {2} النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الكذب عليه بقوله:

(3) الذريعة: 516.
(4) الكافي 1: 62.
276

[من كذب على متعمدا فليتبوأ {1} مقعده من النار {2}
وتجنب كثير من أصحابه الرواية نحو الزبير {3} والبراء بن
عازب {4} لما تبينوا انه وقع فيها الكذب فروى عن البراء انه قال:
سمعنا كما سمعوا لكنهم رووا ما لم يسمعوا
وروى عن شعبة {5} انه قال: نصف الحديث كذب
ولاجل ما قلنا، حمل أصحاب
الحديث نفوسهم على نقد الحديث، وتمييز الصحيح منها من الفاسد]

(2) سنن ابن ماجة 1: 3، وسنن الترمذي 5: 35، وسنن أبي داود 3: 320
(باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله).
(3) الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب القرشي
الأسدي، أبو عبد الله، صحب النبي صلى الله عليه وآله وروى عنه. وروى ابن حجر في
الإصابة 1: 546 عن أبي يعلى من طريق أبي جرو المازني قال: شهدت عليا والزبير
توافيا يوم الجمل فقال له علي عليه السلام أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: انك تقاتل عليا وأنت ظالم له؟ قال نعم ولم أذكر ذلك إلى الان فانصرف قتل
سنة (36 ه‍.).
(4) البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم الأنصاري الأوسي يكنى أبا
عمارة ويقال: أبا عمرو. له صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وآله. توفى سنة
اثنتين وسبعين (72 ه‍.).
(5) مشترك بين عده، ولعله شعبة بن الحجاج بن الورد، أبو بسطام البصري،
أصله واسطي. روى عنه الثوري ومحمد بن إسحاق وإبراهيم بن سعد.
(6) إلى هنا سقط من النسخة المطبوعة.
277

[وليس لاحد أن يقول: ان ما يتعلق بالدين إذا لم يقم به الحجة
وجب القطع على كذبه كما نعلم {1} كذب المدعى للنبوة إذا لم يظهر
عليه المعجز، وذلك انه لا يمتنع أن يتعبد {2} بالخبر وان لم تقم به
الحجة كما تعبد بالشهادات {4} وان لم تعلم صحتها.
ولا يجوز أن يتعبد {4} بتصديق نبي ولا علم له، أو بتصديق
كذاب، فلذلك كذبنا المدعي
للنبوة إذا لم يكن له معجزة. وغاية
ما في هذا ألا يجب العمل به
وليس إذا لم يجب
العمل به وجب القطع على كذبه، بل ينبغي
أن يتوقف فيه إلى أن يدل دليل عقلي أو
شرعي على كذبه أو كذب
بعضه.]
278

فأما الطريق الذي به يعلم كذب الخبر فلا يجوز أن يكون
الخبر سواء أوجب {1} العلم ضرورة أو اكتسابا. ويفارق الكذب
في هذا الباب الصدق، لأنا بالخبر نعلم صدق الخبر ولا نعلم به
كذبه، بل العلم بكذبه يحتاج إلى أمور اخر.
والاخبار على ضربين. أحدهما: يعلم كونه كذبا (ضرورة، وهو
أن يعلم)، ضرورة ان مخبره على خلاف ما تناوله فيعلم انه كذب
ولذلك قلنا ان المخبر عن كون فيل بحضرتنا يعلم بطلان خبره
بالاضطرار (1)، لأنه لو كان هناك فيل لرأيناه.
والضرب الاخر: يعلم كونه كذبا باكتساب، وهو كل خبر نعلم
ان مخبره على خلاف ما تناوله بدليل عقلي، أو بالكتاب والسنة
أو الاجماع
وقد يعلم ذلك بأن يكون لو كان صحيحا لوجب قيام الحجة
به على المكلفين أو بعضهم فإذا لم تقم به الحجة علم انه باطل
والعلة في ذلك ان الله تعالى لا يجوز أن يكلف عباده فعلا
ولا يزيح {2} علتهم {3} في معرفته، فإذا صح ذلك، وكان ذلك الفعل]
279

[مما طريقه العلم لا العمل، أو مما علم بالدليل انه مما يجب أن
يعلمه المكلف، وان كان طريقه العمل، فيجب ورود الخبر به على
وجه يعلم مخبره، إذا لم يعرف من جهة المكلفين، مما يمنع من
وروده فإذا لم يكن ذلك حاله علم بطلانه
اللهم الا أن يكون هناك طريق آخر يعلم به صحة ما تضمنه
ذلك الخبر، فيستغنى بذلك الطريق عن الخبر، ولا يقطع على
كذبه
ولذلك نقول: ان الخبر إذا صار بحيث لا تقوم به الحجة قام
قول الامام في ذلك مقامه إذا أوجب العلم وصارت الحجة به
قوله دون الخبر
والعلة في ذلك ان ما تضمنه الخبر إذا كان من باب الدين
ومصلحة المكلف، فلابد من أن يكون للمكلف طريق إلى العلم به
فان كان حاصلا من طريق النقل، والا فما ذكرناه من قول الامام،
لأنه ان لم يكن أحد هذين أدى إلى أن لا يكون للمكلف طريق يعلم
به ما هو مصلحة له، وذلك لا يجوز.
ومنها: أن يكون المخبر عنه مما لو كان على ما تناوله الخبر]
280

[لكانت الدواعي تقوى إلى نقله، وقد جرت العادة بتعذر كتمانه فإذا
لم ينقل ذلك، نقل مثله علم كذبه وهو أن يخبر المخبر بحادثة
عظيمة وقعت في الجامع، ورؤية الهلال والسماء مصحية في انه
إذا لم يظهر النقل فيه علم انه كذب.
ومنها: أن تكون الحاجة في باب الدين إلى نقله ماسة، فإذا لم
ينقل نقل نظيره في هذا الباب علم انه كذب نحو ما نقول ان
العرب لو عارضت القرآن لوجب نقله كنقل نظيره، لان الحاجة إلى
نقله كالحاجة إلى نقل القرآن، وحالهما في قرب العهد سواء
ولذلك نقول: انه لا يجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شرائع
اخر لم تنقل الينا، لأنها لو كانت لنقلت نقل نظيرها لمساواتها لها في
الحاجة إليها وقرب العهد بها هذا إذا فرضنا ان الموانع والصوارف
عن نقله كلها مرتفعة يجب ذلك.
فأما إذا جوزنا أن يمنع من نقل بعض الاخبار مانع من خوف
وما يجرى مجراه فلم يجب القطع على كذب ذلك الخبر، لان هذا
الذي ذكرناه حكم أكثر الفضائل
المروية لأمير المؤمنين عليه السلام
والنص عليه والعلة فيها ما قلناه من اعتراض موانع من خوف وتقية]
281

[وغير ذلك.
فأما ما يعم البلوى {1} به أو ما وقع في الأصل شائعا ذائعا {2}
فيجب نقله على وجه يوجب العلم ما لم يعرض فيه ما يمنع من نقله
فمتى لم يعرض هناك ما يمنع
من نقله وكان في الأصل شائعا ذائعا
علم انه باطل.
والخبر إذا كان ظاهره يقتضي الجبر والتشبيه، أو أمرا علم
بالدليل بطلانه ولا يمكن تأويله على وجه يطابق الحق غير متعسف
ولا بعيد من الاستعمال، وجب القطع على كذبه. فان أمكن تأويله
على وجه قريب، أو على ضرب من المجاز جرت العادة باستعماله
يقطع على كذبه.
فأما ما تكلفه محمد بن شجاع الثلجي {3} من تأويل الاخبار]

(3) ويقال الثلجي، وهو محمد بن شجاع بن الثلجي، الفقيه البغدادي الحنفي
أبو عبد الله. حكى الذهبي في الميزان عن ابن عدي: كان يضع الحديث في التشبيه.
وعن الساجي قال: محمد بن شجاع كذاب احتال في ابطال الحديث. مات سنة ست
وستين ومأتين عن ست وثمانين سنة.
282

الواردة من الجبر والتشبيه من التعسف والخروج عن حد الاستعمال
فلا يحتاج إليه، لأنه لو ساغ ذلك لم يكن لنا طريق نقطع على كذب
أحد، وذلك باطل.
والفائدة في نقل ما علم كذبه هو أن ينحصر المنقول من
الأحاديث ليعلم ان ما ادخل فيه معمول {1} كما حصر الخلاف في
الفقه ليعلم به الخلاف الحادث فيطرح ولا يلتفت إليه.
وليس لاحد أن يقول: ان في تجويزكم الكذب على هذه الاخبار
أو في بعضها طعنا على الصحابة، لان ذلك يوجب تعمدهم الكذب.
وذلك انه: لا يمتنع أن يكون وقع الغلط {2} من بعض الصحابة، لأنه]

(3) أصول الكافي 1: 62.
(4) نهج البلاغة (شرح بن أبي الحديد) 11: 38.
283

[ليس كل واحد منهم معصوما لا يجوز عليه الغلط، وانما يمنع من
اجماعهم على الخطأ دون أن يكون ذلك ممتنعا من آحادهم.
وأيضا فإنهم كانوا يسمعون الحديث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ولا يكتبونه ويسهون عنه أو عن بعضه فيقع الغلط في نقله.
وأيضا: انهم كانوا يحضرونه عليه السلام وقد ابتدأ
الحديث فيلحقه بعضهم فينقلونه بانفراده فيتغير معناه لذلك ولذلك
كان عليه السلام إذا أحسن برجل داخل ابتدأ الحديث، ولهذا
أنكرت عائشة على من روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
" الشؤم في ثلاث: الفرس، والمرأة، والدار "، وذكرت
أنه عليه السلام
كان حاكيا لذلك فلم يسمع الراوي أول
كلامه
وكذلك خطأت من روى عنه عليه السلام أنه قال:
" التاجر فاجر " {2} و " ان ولد الزنا شر الثلاثة " {3} وذكرت ان كلامه
خرج على تاجر قد دلس، وولد زنا قد سب لامه.]

(1) سنن ابن ماجة 1: 642، كتاب النكاح (55) باب ما يكون فيه اليمن والشؤم
رواه سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله.
(2) من لا يحضره الفقيه 3: 121، الحديث 13. وفيه: " التاجر فاجر والفاجر
في النار... ".
(3) سنن أبي داود 4: 29، كتاب العتق باب في عتق ولد الزنا، رواه
أبو هريرة.
284

[وعلى هذا الوجه أنكرت وابن عباس جميعا ما رواه ابن عمر
ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " {1} وغير ذلك، فقالا وهل ابن
عمر وإنما قال عليه السلام: " ان الميت ليعذب، وإن أهله
يبكون عليه " {2}.
وقد كان منهم من ينقل الحديث بالمعنى دون اللفظ، فيقع
الغلط فيه من هذا الوجه. وهذه الوجوه التي ذكرناها أو أكثرها تنفي
الطعن عن ناقل الخبر وان كان كذبا.
فأما من تأخر عن زمان الصحابة والتابعين فلا يمنع من أن
يكون فيهم من يدخل في الأحاديث الكذب عمدا ويكون غرضه
الافساد في الدين كما روى عن عبد الكريم بن أبي العوجاء {3} انه
لما صلب {4} وقتل قال: (اما انكم ان قتلتموني لقد أدخلت في
أحاديثكم أربعة آلاف حديث مكذوبة) وهذا واحد من الزنادقة
والملحدين، فكيف الصورة في الباقين.]

(1) سنن أبي داود 3: 194.
(2) المصدر السابق.
(3) قال ابن حجر في لسان الميزان 4 / 51: عبد الكريم بن أبي العوجاء، خال
معن بن زائدة، زنديق مغتر، قال أبو أحمد ابن عدي لما اخذ ليضرب عنقه قال: لقد وضعت
فيكم أربعة آلاف حديث احرم فيه الحلال واحلل فيه الحرام. قتله محمد بن سليمان
العباسي الأمير بالبصرة (انتهى).
285

[فأما الاخبار التي هي من باب العمل كالاخبار الواردة في
فروع الدين فسنذكر القول فيها - ان شاء الله تعالى - في الفصل الذي
يليه.
فصل
في ذكر الخبر الواحد وجملة من القول في أحكامه
اختلف الناس في خبر الواحد {1}، فحكى عن النظام {2} انه
كان يقول: انه يوجب العلم الضروري إذا قارنه سبب. وكان يجوز
في الطائفة الكثيرة ألا يحصل العلم بخبرها.
وحكى عن قوم من أهل الظاهر انه يوجب العلم، وربما
سموا ذلك علما ظاهرا.]

(2) النظام، كشداد: لقب أبو إسحاق، إبراهيم بن سيار بن هاني البصري، ابن
أخت أبي الهذيل العلاف شيخ المعتزلة، وكان النظام صاحب المعرفة بالكلام، وأحد
رؤساء المعتزلة وأستاذ الجاحظ، كان في أيام هارون الرشيد.
286

[وذهب الباقون من العلماء، من المتكلمين والفقهاء، إلى انه
لا يوجب العلم ثم اختلفوا:
فمنهم من قال: لا يجوز العمل به (1).]
287

ومنهم من قال: يجب العمل به.
واختلف من قال: لا يجوز العمل به.
فقال قوم: لا يجوز العمل به عقلا
وقال آخرون: انه لا يجوز العمل به، لان العبادة لم ترد به
وان كان جائزا في العقل ورودها به. وربما قالوا وقد ورد السمع
بالمنع من العمل به.
واختلف من قال يجب العمل به: فمنهم من قال: يجب العمل
به عقلا وحكي هذا المذهب عن ابن سريج {1} وغيره.
وقال آخرون: انما يجب العمل به شرعا والعقل لا يدل عليه،
وهو مذهب
أكثر الفقهاء والمتكلمين ممن خالفنا (1).
ثم اختلفوا: فمنهم من قال: يجب العمل به ولم يراع في
ذلك عددا]

(1) القاضي أبو العباس، احمد بن عمر بن سريج. الفقيه الفارسي الشيرازي
الشافعي. أحد المجتهدين على مذهب الشافعي يقال له: الباز الأشهب مات، ببغداد
سنة (306 ه‍.).
289

[ومنهم من راعى في ذلك العدد وهو أن يكون رواته أكثر من
واحد وهذا المذهب هو المحكي عن أبي علي {1}.
والذي أذهب إليه: ان خبر الواحد لا يوجب العلم {2}، وان
كان يجوز أن ترد العبادة بالعمل به عقلا {3} وقد ورد جواز العمل
به في الشرع {4}، الا أن ذلك موقوف على طريق مخصوص وهو]

(1) هو محمد بن عبد الوهاب الجبائي، المتقدمة ترجمته في هامش الصفحة
243.
(5) ذهب إليه في الذريعة: 519.
290

[ما يرويه من كان من الطائفة المحقة {1}، ويختص بروايته {2} ويكون
على صفة {3} يجوز معها قبول خبره من العدالة وغيرها.
وأنا أبتدئ أولا فأدل على فساد هذه المذاهب التي حكيتها
ثم أدل على صحة ما ذهبت إليه.
أما الذي يدل على ان خبر الواحد لا يوجب العلم، فهو انه]
291

[لو أوجب العلم لكان يوجبه كل خبر واحد إذا كان المخبر صادقا
وإلى ما أخبر به مضطرا. ولو كان كذلك لوجب أن يعلم صدق أحد
المتلاعنين وكذب الاخر. وكان يجب أن لا يصح الشك في خبر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه اسرى به إلى السماء. وقد علمنا خلاف
ذلك لأنا لا نعلم صدق أحد المتلاعنين
ونجوز أن تدخل الشبهة في نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا
يعتقد صحة نبوته، فيشك في خبره عن الاسراء به، ولو كان يوجب
العلم الضروري لما صح ذلك، ولكان يجب أيضا أن يحصل لنا العلم بصدق كل رسول ادعى رسالة بعضنا إلى بعض، لان ذلك
يعلمه ضرورة، فكان يجب حصول العلم به، وقد علمنا خلاف ذلك.
فإذا بطل جميع ذلك، علم انه لا يوجب العلم.
فأما ما اعتبره النظام {1} من اقتران السبب به (1)، فليس يخلو]
292

[من: أن يقول: يقع العلم به وبالسبب جميعا. أو يقول: ان العلم يقع
به بشرط أن يقارنه السبب. أو يقول: ان العلم يقع به الا أن لا يكون
السبب حاصلا
وكل هذه الوجوه يبطل، لأنه يوجب أن لا يمتنع أن يخبر
الجماعة العظيمة عن الشئ ولا يقترن بها ذلك السبب، فلا يحصل
عند خبرها العلم وهذا يؤدي إلى تجويز أن نصدق من يخبرنا عن
نفسه بأنه لا يعلم ان في الدنيا مكة مع اختلاطه بالناس ونشؤه بينهم
وقد علمنا خلاف ذلك.
فأما ما يذكره {1} من مشاهدة من رأى مخرق الثياب يلطم]

(2) الذريعة: 518.
(3) المعارج: الباب السابع في الاخبار، الفصل الثاني، المسألة الأولى.
293

[على وجهه، وقد كان علم أن له عليلا ويخبر بموته، انا نعلم عند خبره
انه ميت، فدعوى لا برهان عليها، لان مثل ذلك قد يفعله العقلاء
لأغراض كثيرة، ثم ينكشف الامر عن خلاف ذلك. فمن أين ان الذي
يعتقده عند خبره علم لا يجوز التشكك فيه؟
فأما من قال: انه لو لم يوجب العلم {1} لما صح أن يتعبد به، لان]

(4) الذريعة: 517.
294

[العبادة لا تصح الا بما نعلمه دون ما لا نعلمه. فإنما كان يدل لو ثبت ان]

(1) قال ابن النديم زرارة لقب، واسمه عبد ربه بن أعين بن سنبس، أبو علي
أكبر رجال الشيعة فقها وحديثا ومعرفة بالكلام والتشيع. وقال النجاشي: شيخ أصحابنا
في زمانه ومتقدمهم، وكان قارئا فقيها متكلما شاعرا أديبا، اجتمعت فيه خلال الفضل
والدين صادقا فيما يرويه مات سنة (150 ه‍.).
(2) قال النجاشي عبيد بن زرارة بن أعين الشيباني. روى عن أبي عبد الله عليه
السلام ثقة ثقة، عين، لا لبس فيه ولا شك.
(3) كمال الدين وتمام النعمة 1: 75.
295

[في العقل لا يجوز العبادة بما طريقه الظن، ثم يثبت انه تعبد به، ولم
يثبت لهذا القائل واحد من الامرين، فلا يصح التعلق به.
فأما تعلقه بقوله: " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " {1}. فهو
لا يدل على ايجاب خبر الواحد العلم، لان معنى الآية النهي عن
الكذب على الله تعالى، وليس من عمل بخبر الواحد يضيف
إليه {2} ان الله تعالى قد قال ما تضمنه الخبر، وانما يضيف إليه انه
تعبده بالعمل بما تضمنه الخبر، وذلك معلوم عنده بدليل دل عليه،
فيسقط بجميع ذلك هذا المذهب.
ولو كان خبر الواحد يوجب العلم {3} لما كان اختلاف الناس
في قبوله وشكهم في صحته صحيحا. ولا صح التعارض في الاخبار]

(1) البقرة: 169.
296

[ولا احتيج إلى اعتبار صفات الراوي {1}، ولا ترجيح بعض الاخبار
على بعض، وكل ذلك يبين فساد هذا المذهب.
فأما تسميته من سماه علما ظاهرا: فربما عبر عن (الظن) بأنه
علم، لان العلم لا يختلف حاله إلى أن يكون ظاهرا وباطنا فان
أراد ذلك فهو خلاف في العبارة لا اعتبار به.
فأما من قال لا يجوز العمل به عقلا {2}: فالذي يدل على بطلان
قوله ان يقال: إذا تعبد الله تعالى بالشئ فإنما يتعبد به لأنه مصلحة
لنا وينبغي أن يدلنا عليه وعلى صفته التي إذا علمناه عليها كان
مصلحة لنا، وصح منا أداؤه على ذلك الوجه. لا يمتنع ان تختلف]
297

[الطرق {1} التي بها يعلم ان الله سبحانه تعبدنا به، كما لا يمتنع اختلاف
الأدلة {2} التي بها تعلم صحة ذلك
فإذا صحت هذه الجملة لم يمتنع أن يدلنا على انه قد أمرنا بأن
نفعل ما ورد به خبر الواحد إذا علمناه على صفة ظننا انه صادق
كعلمنا انه تعبدنا بما أنزله من القرآن، وان كان أحدهما قد علق
بشرط {3} والاخر لم يعلق به. وإذا صح هذا، وكان صورة خبر
الواحد هذه الصورة، فيجب أن لا يمتنع ورود العبادة بالعمل به.]
298

[والذي يبين ذلك {1} أيضا ورود العبادة بالشهادات وان لم
يعلم صدقهم، وجرى وجوب الحكم بقولهم في أنه معلوم مجرى
الحكم بما علمناه بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس لاحد أن يقول: إذا لم يصح ان يتعبد الله تعالى بالقبول
من النبي بلا علم معجز يظهر عليه، فبان لا يجوز
القبول من غيره أولى {2}.
وذلك ان فقد ظهور العلم على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
يقتضي الجهل بالمصالح التي لا تعلم الا من جهته، وليس في فقد
الدلالة على صدق خبر الواحد ذلك، لأنه يصح أن يعلم بقول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم وجوب ما أخبر به الواحد، فيصير في حكم علم
قد ظهر عليه، وان جوزنا كونه كاذبا فيه، لأنه لا يمتنع أن تكون
المصلحة لنا في العمل به وان كان هو كاذبا كما لا يمتنع أن يكون
الواجب علينا ترك سلوك الطريق إذا خوفنا الواحد من سبع فيه أو
لص وان كان كاذبا.]
299

[ثم هذا يوجب {1} عليه ألا يحكم بشهادة الشهود مع تجويز
أن يكونوا كذبة، كما لا تقبل من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الشريعة
الا بعلم يدل على نبوته.
فان قالوا: ولم لا يجوز ان يعلم أيضا بقول نبي متقدم وجوب
تصديق نبي آخر يجئ بعده؟ والعمل بما معه مثل ما قلتموه في
خبر الواحد من أنه يعلم وجوب العمل به بقول الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم
قيل له: ان كان سؤالك {2} عن وجوب العمل بما يجئ به انسان
في المستقبل فهذا هو معنى قبول خبر الواحد وجواز العمل به
بعينه، فذلك جائز
وان كان (سؤالك) عن تصديق نبي يجيئ فذلك طريقه العلم
لا العمل، فلا يجوز أن يعمل بقوله لأنا بينا ان خبر الواحد لا يوجب
العلم.]
300

[اللهم الا أن يفرض المسألة فيقال: ان النبي المتقدم، ينص
على صفة من يدعي النبوة ويقول: " من كان عليها وادعى النبوة
فاعلموا انه صادق " فان ذلك جائز، ويكون ذلك نصا على نبوته،
وما دل على صدقه دال على تصديق هذا وان كان بواسطة فبطل
بهذا التجويز جميع ما تعلق به في هذا الباب.
فان قالوا: لو جاز قبول خبر الواحد في الفروع لجاز ذلك في
الأصول {1} وفي ثبوت القرآن، لان جميع ذلك من مصالح الدين،
فإذا لم يصح ذلك في بعضه، لم يصح في سائره.
قيل له: انه ما كان يمتنع ان يتعبد بقبول خبر الواحد في أصول
الدين كما تعبدنا الان بقبوله في فروعه، وان كان لابد من قيام الحجة
ببعض الشرائع {2}
فأما اثبات القرآن، فان كان لم يرد مثل القرآن وعلى
صفته في الاعجاز، صح أن يتعبد به، لان كونه على هذه الصفة]
301

[يوجب العلم. وان كان ما يرد لا يكون بصفة القرآن في الاعجاز فإنه
لا يمتنع أيضا
وورد العبادة بالعمل به من غير قطع على انه قرآن مثل ما
قلناه في خبر الواحد. وكذلك ما كان يمتنع أن يتعبد بتخصيص
عموم القرآن ونسخه بخبر الواحد، وان كان لم يقع ذلك أصلا، لان
الكلام فيما يجوز من ذلك وما لا يجوز
فليس لاحد أن يقول: أوجبوا العمل به كما أجزتموه، لان
ايجاب العمل يحتاج إلى دليل منفصل من دليل الجواز.
فأما من ذهب إلى أن العبادة لم ترد به فان أراد انها لم ترد به
بالاطلاق، فهو مذهبنا الذي اخترناه.
وان أراد انها لم ترد على التفصيل الذي فصلناه فسندل نحن
فيما بعد على ورود العبادة به إذا انتهينا إلى الدلالة على صحة
ما اخترناه.
وأما من قال: ان العبادة منعت منه وتعلقهم في ذلك بقوله: "
وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " (1) وبقوله: " ولا تقف ما ليس لك
به علم " {2} وما أشبه ذلك من الآيات. فقد بينا تأويل الآية الأولى.

(1) الأعراف: 33.
(2) الاسراء: 36.
302

[فأما قوله تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم " فلا يدل
على ذلك أيضا، لان
من عمل بخبر الواحد، فإنما يعمل به إذا
دله دليل {2} على وجوب العمل به اما من الكتاب أو السنة أو]

(1) الاسراء: 36.
303

[الاجماع، فلا يكون قد عمل بغير علم، وانما الآية مانعة من العمل
بغير علم أصلا {1}، وقد بينا انا لا نقول ذلك، لان من علم وجوب
العمل بخبر الواحد فهو عالم بما يعمل به، فسقط التعلق بهذه
الآية أيضا.
وأما من أوجب العمل به عقلا: فالذي يدل على بطلان قوله
انه ليس في العقل ما يدل على وجوب ذلك وقد سبرنا (6) أدلة العقل
فلم نجد {1} فيها ما يدل على وجوبه فينبغي أن لا يكون واجبا وأن]

(3) الاسراء: 36.
304

[يكون مبقى على ما كان عليه.
وأيضا {1} فان الشريعة مبنية على المصالح، فإذا لم نجد ما يدل
على قبول خبر الواحد في العقل، فينبغي أن يكون مبقى على ما كان
عليه في العقل، من الحظر أو الإباحة.
وليس لاحد أن يقول {3}: ان في العقل وجوب التحرز من]
305

[المضار، وإذا لم نأمن عند خبر الواحد، أن يكون الامر على ما تضمنه
الخبر، يجب علينا التحرز منه والعمل بموجبه كما انه يجب
علينا إذا أردنا سلوك طريق أو تجارة وغير ذلك فخبرنا مخبر أن
في الطريق سبعا أو لصا، أو يخبرنا بالخسران الظاهر، وجب علينا
أن نتوقف عليه ونمتنع من السلوك فيه، فحكم خبر الواحد في الشريعة
هذا الحكم.
وذلك ان الذي ذكروه غير صحيح من وجوه:
أحدها: ان الاعتبار الذي اعتبروه يوجب عليهم قبول خبر من
يدعي النبوة {1} من غير علم يدل على نبوته، لان العلة قائمة فيه،
وهي وجوب التحرز من المضار، فأي فرق فرقوا في ذلك، فرقنا
بمثله في خبر الواحد.
والثاني: ان الذي ذكروه انما يسوغ فيما طريقه {2} المنافع]
306

[والمضار الدنيوية، فأما ما يتعلق بالمصالح الدينية، فلا يجوز أن
يسلك فيها الا طريق العلم {1} ولهذه العلة أوجبنا بعثة الأنبياء واظهار
الاعلام {2} على أيديهم، ولولا ذلك لما وجب ذلك كله.
والثالث: ان خبر الواحد لا يخلو أن يكون واردا بالحظر أو
الإباحة. فان ورد بالحظر لا نأمن أن تكون المصلحة في اباحته
وان كونه محظورا يكون مفسدة لنا. وكذلك ان ورد (بالإباحة)
جوزنا أن تكون المصلحة تقتضي حظره، وأن تكون باحته مفسدة
لنا، فنقدم على ما لا نأمن أن يكون مفسدة لنا، لان الخبر ليس بموجب
للعلم، فنقطع به على أحد الامرين، وذلك لا يجوز في العقول.]
307

[وليس لاحد أن يقول: إذا لم يكن في السمع {1} دلالة على الحادثة
الا ما تضمنه خبر الواحد، وجب العمل به بحكم العقل لأنا متى
لم نعمل به أدى إلى أن تكون الحادثة لا حكم لها، وذلك لا يجوز
لأنه إذا لم يكن في الشرع دليل على حكم تلك الحادثة وجب تبقيتها
على مقتضى العقل من الحظر، أو الإباحة، أو الوقف ويحتاج
إلى خبر الواحد، فعلم بهذه الجملة بطلان هذا المذهب.
وأما من أوجب العمل (2) به على ما يذهب إليه مخالفونا في الاحكام
فالذي يبطله أن نقول: إذا لم يكن في العقل ما يدل على ذلك
فالطريق إلى ايجابه السمع، وليس في السمع دليل على وجوب
العمل بخبر الواحد - على ما يذهبون إليه - لان جميع ما يدعونه دليلا
ليس في شئ منه دليل على وجه ونحن نذكر شبههم في ذلك]
308

[ونتكلم عليها بموجز من القول.
أحدها: استدلوا به على وجوب العمل بخبر الواحد قوله تعالى: "
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا
قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ". قالوا: فحث الله تعالى
كل طائفة على التفقه، وأوجب عليهم الانذار والطائفة يعبر بها
عن عدد قليل لا يوجب خبرهم العلم، فلولا أنه يجب العمل بخبرهم
لما أوجب عليهم الانذار، لأنه لا فائدة فيه.
وربما قووا ذلك بأن قالوا: لما أوجب الله تعالى على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم الانذار وجب علينا القبول ولو لم يجب علينا
القبول لما وجب عليه الانذار].

(1) التوبة: 122.
(3) الذريعة: 531.
(4) النور 2.
(5) الحجرات: 9.
309

[وهذه الآية لا دلالة فيها {1} لان الذي يقتضيه ظاهر الآية]

(1) التوبة: 97.
(2) التوبة: 99.
310

[وجوب الانذار على الطائفة وليس في وجوب الانذار عليهم وجوب]

(1) التوبة: 122.
(2) النحل: 43.
311

القبول منهم، لأنه غير ممتنع {1} ان تتعلق المصلحة بوجوب الانذار
عليهم ولا تتعلق بوجوب القبول منهم، الا إذا انضاف إليه شئ
آخر ألا ترى انه قد يجب التحذير {2} والانذار من ترك معرفة الله
ومعرفة صفاته وان لم يجب القبول من المخبر في ذلك، بل يجب
الرجوع إلى أدلة العقل وما
يقتضيه.
وكذلك يجب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الانذار، وان
لم يجب القبول منه الا إذا دل العلم المعجز على صدقه، فيجب
حينئذ القبول منه. فكذلك القول في تحذير الطائفة انه يجب عليهم التحذير،
ويجب على المنذر
الرجوع إلى طرق العلم.
وأيضا: يجب على أحد الشاهدين إقامة الشهادة، ولا يجب
على الحاكم تنفيذ الحكم بشهادته، الا إذا انضاف إليه من تتكامل
الشهادة به ثم يعتبر أيضا بعد تكاملهم صفاتهم، وهل هم عدول
أو لا؟ حتى يجب عليه الحكم بشهادتهم.
وكذلك يجب على آحاد المتواترين النقل فيما طريقه العلم،]
312

[وان كان لا يحصل العلم بخبره، ولا يجب علينا أن نعتقد صحة ما
أخبر به الا بعد أن ينضاف من يتكامل به التواتر إليهم فحينئذ
يوجب العلم، ولذلك نظائر كثيرة في العقليات (1)
ألا ترى انه قد يجب على الواحد منا العطية إلى غيره، وان كان
ذلك الغير لا يجوز له أخذها، ألا ترى ان من ألجأ غيره ظلما
بتخويف القتل إلى اعطائه المال أو الثياب يجب عليه اعطائه بحكم
العقل خوفا من القتل، ولا يجوز للظالم الملجئ أخذ ذلك على وجه
من الوجوه
وليس لاحد أن يقول: ان هذا يبطل فائدة الانذار، لأنه متى
لم يجب القبول فلا وجه لوجوب الانذار عليهم وذلك انا قد بينا
انه قد يجب الانذار في مواضع ذكرناها، وان لم يجب القبول من
المنذر لما بيناه، فكذلك القول فيما قالوه.
فأما حملهم {2} ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذلك
دليلنا {3} لأنا قد بينا أنه لا يجب القبول منه الا بعد أن يدل العلم]
313

[المعجز على صدقه، فحينئذ يجب القول منه. فنظير هذا {1} أن يدل
دليل على وجوب العمل بما أنذروا به حتى يجب علينا العمل به.
وفي هذا القدر كفاية في ابطال التعلق بهذه الآية.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم
فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين " {1}. قالوا: أوجب علينا التوقف عند خبر الفاسق، فينبغي أن
يكون خبر العدل بخلافه وأن يجب العمل به وترك التوقف فيه.
وهذا أيضا لا دلالة فيه لان هذا أولا استدلال بدليل الخطاب
ومن أصحابنا من قال: ان دليل الخطاب ليس بدليل، فعلى هذا
المذهب لا يمكن الاستدلال بالآية. وأما من قال بدليل الخطاب فإنه]

(2) الحجرات: 6.
314

[يقول لا يصح أيضا الاستدلال بها من وجوه {1}.
أحدها: ان هذه الآية نزلت في فاسق أخبر بردة قوم {2} وذلك]

(3) الحجرات: 6.
(4) الوليد بن عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. قال
ابن عبد البر في الاستيعاب: لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت ان قوله
عز وجل: " ان جاءكم فاسق بنبأ " نزلت في الوليد بن عقبة.
315



(1) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. ثالث
من ولى الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2) سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة
بن كلاب صحب النبي صلى الله عليه وآله وروى عنه.
(3) الكشاف 3: 559.
316



(1) النساء: 23.
(2) النور: 13.
317

[لا خلاف انه لا يقبل فيه أيضا خبر العدل، لأنه لا يجوز أن يحكم
بارتداد أقوام بخبر الواحد العدل.
والثاني: ان تعليل الآية {1} يمنع من الاستدلال بها، لان الله
تعالى علل خبر الفاسق فقال: " أن تصيبوا قوما بجهالة " وذلك
قائم في خبر العدل، لان خبره إذا كان لا يوجب العلم، فالتجويز في خبره حاصل مثل التجويز في خبر الفاسق.
وليس لاحد أن يقول: اني أمنع من تجويز ذلك في العدل،
لأنه لو كان ذلك جائزا لما علق تجويز الجهالة بالفاسق؟ لان ذلك
لا يصح من وجهين:
أحدهما: ان هذا يقتضي أن يقطع على انه يعلم بخبر العدل،
لان الجهل لا يرتفع الا ويحصل العلم، وذلك لا يقوله أحد.]

(2) الحجرات: 6.
(3) الحجرات: 6.
318

[والثاني: انه ليس من يمنع {1} من تجويز الجهالة في خبر
العدل من حيث علق الحكم بخبر الفاسق بأولى ممن قال: أنا أمنع
بحكم التعليل من دليل الخطاب في تعليق الحكم بخبر الفاسق،
لأنه لا يمتنع ترك دليل الخطاب لدليل، والتعليل دليل، فيسقط على
كل حال التعلق بالآية.
واستدل قوم: بقوله تعالى: " ان الذين يكتمون ما أنزلنا من
البينات والهدى من بعد ما بيناه " {2} الآية. وقالوا: حظر الكتمان
يقتضي وجوب الاظهار، ووجوب ذلك يقتضي وجوب القبول، والا
فلا فائدة في الآية
وهذه الآية أيضا لا دلالة فيها من وجوه:
منها: ما قدمناه في الآية الأولى من ان هاهنا مواضع كثيرة
يجب الانذار فيها والتخويف، وان لم يجب القبول على المنذر الا
أن ينضاف إليه امر آخر فكذلك القول في الاظهار.
ومنها: انه ليس في الآية الا تحريم كتمان ما أنزله الله تعالى في
الكتاب، وظاهر ذلك يقتضي ان المراد به القرآن وذلك يوجب]

(2) البقرة: 159.
319

[العلم {1} دون خبر الواحد الذي لا يوجبه.]

(2) البقرة: 159 - 160.
(3) النمل: 14.
320

[وليس لاحد أن يقول: فقد قال بعد ذلك " والهدى " فيدخل فيه
سائر الأدلة. لان ذلك لا يصح من وجهين:
أحدهما: انه قال بعد ذلك " من بعد ما بيناه للناس في الكتاب "
فقد عاد الامر إلى أنه أراد به الكتاب.
والثاني: انه يقتضي وجوب اظهار ما هو دليل، ويحتاج أن يثبت
أولا ان خبر الواحد دليل بغير الآية حتى يتناوله قوله " والهدى "
فإذا لم يثبت دليل لا يمكن حمل الآية عليه، وإذا أثبت استغنى عن
الاستدلال بالآية.
وقد استدل الخلق منهم من الفقهاء والمتكلمين باجماع
الصحابة بأن قالوا: وجدنا الصحابة قد عملت بأخبار لاحاد وشاع
ذلك فيما بينهم، نحو ما روي عن عمر {1} انه قبل خبر حمل بن]

(1) عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن
رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي. أبو حفص ثاني من ولى الخلافة بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله. طعنه أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبه في ذي الحجة
من سنة (23 ه‍).
321

[مالك {1} في الجنين {2} وقال: (كدنا أن نقضي فيه برأينا) وخبر
الضحاك {3} في توريث المرأة من دية زوجها، وخبر عبد الرحمن
في أخذ الجزية من المجوس (5).]

(1) حمل بن مالك بن النابغة الهذلي بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر.
نزل البصرة وله بها دار. من أهل المدينة، ويعد في البصريين، ومخرج حديثة في
الجنين عند المدنيين، وهو عند البصريين أيضا، كانت عنده أمرأتان، رمت إحداهما الأخرى
بحجر، أو مسطح، أو عمود فسطاط فأصابت بطنها، فألقت جنينا فقضى فيه رسول الله
صلى الله عليه وآله. قاله ابن عبد البر في الاستيعاب.
(4) عبد الرحمن بن عوف بن عبد بن الحرث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري
يكنى أبا محمد. اسمه في الجاهلية عبد عمر، وقيل: عبد الكعبة. اخرج أبو داود
حديث ابن عباس قال فيه: جاء رجل من الأسبذيين من أهل البحرين - وهم مجوس هجر -
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمكث عنده ثم خرج. فسألته ما قضى الله ورسوله فيكم؟
قال: شر، قلت: مه قال: الاسلام أو القتل. قال: وكان عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم عبد الرحمن بن عوف، فلما خرج سئل؟ فقال: قبل منهم الجزية، فقال ابن
عباس: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن، وتركوا حديثي أنا عن الاسبذي.
(5) من هنا سقط من النسخة المطبوعة.
(6) الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب الكلابي،
يكنى ابا سعيد. روى عنه سعيد بن المسيب والحسن البصري.
322

[وكانوا في ذلك بين طائفتين، طائفة تعمل بهذه الاخبار،
والأخرى لا تنكر عليهم فلولا ان العمل بها كان صحيحا جائزا والا
كانوا {1} قد أجمعوا على الخطأ وذلك لا يجوز.
والاستدلال بهذه الطريقة لا يصح من وجوه.
أحدها: ان هذه الاخبار التي رووها {2} كلها أخبار آحاد، والطريق
إلى أنهم عملوا بها أيضا أخبار آحاد، لأنها لو كانت متواترة لكانت
توجب العلم الضروري عندهم ونحن لا نعلم ضرورة أن الصحابة
عملت بأخبار الآحاد، فإذا لا يصح الاعتماد على هذه الاخبار، لان
المعتمد عليها يكون أوجب العمل بخبر الواحد وذلك لا يجوز. {3}

(4) أشيم بوزن أحمد الضبابي. بكسر المعجمة بعدها موحدة وبعد الألف
أخرى قتل في عهد النبي صلى الله عليه وآله مسلما.
(5) جامع الأصول 5: 179 و 180.
323

[ولا خلاف أيضا {1} بين الأصوليين في أن وجوب العمل
بأخبار الآحاد طريقة العلم دون الظن واخبار الآحاد قد دللنا على
انها لا توجب العلم، فسقط من هذا الوجه الاحتجاج بهذه الطريقة.
والثاني: انا لو سلمنا {2} انهم عملوا بهذه الاخبار، من أين لهم
انهم عملوا بها من حيث كانت اخبار آحاد ومن أجلها؟ وما ينكرون
على من قال: انهم عملوا لدليل دلهم على صحة ما تضمنته هذه
الاخبار؟ أو قرينة اقترنت إليها أوجبت صحتها؟ أو يكون العامل بها
كان قد سمع كما يسمع الراوي، فلما روي له ذلك تذكر ما كان]
324

[نسيه فعمل به لأجل علمه لا لأجل روايته.
وليس لاحد أن يقول إذا عملوا عند سماع هذه الاخبار،
ولم يعملوا قبل ذلك، علم ان عملهم لأجلها دون أمر آخر ويبين ذلك
قول عمر في خبر الجنين: (كدنا أن نقضي فيه برأينا) وفي خبر آخر:
(لولا هذا لقضيا فيه برأينا. فنبه انه عدل عن الرأي إلى ما عمل به
لأجل الخبر لا لأجل علمه أو أمر آخر.
وكذلك روى عنه انه كان ممن يرى المفاضلة في دية الأصابع
حتى اخبر عن كتاب عمرو بن حزم {1} ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال: " في كل إصبع عشرة من الإبل " {2} فسوى بين الكل وفي ذلك
ابطال قول من قال جوزوا أن يكونوا عملوا بهذه الاخبار لامر
آخر.
وذلك: انه لا يمتنع انهم قبل رواية هذه الاخبار لم يعملوا لأنهم
كانوا ناسين لذلك فلما روى لهم الخبر ذكروا ما كانوا نسوه فعملوا
به لأجل الذكر لا لأجل الخبر. فأما قول عمر: (كدنا ان نقضي فيه
برأينا) فلا يمتنع أيضا أن يكون لما كان نسي الخبر وبعد عهده به]

(1) عمرو بن حازم بن زيد بن لوذان الخررجى النجاري من بني مالك بن
النجار. استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل نجران، وهم بنو الحارث بن
كعب ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن، وكتب له كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات
والديات. مات بالمدينة سنة (51 ه‍.) وقيل غير ذلك.
(2) جامع الأصول 5: 164 وفيه: (وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل).
325

[أراد أن يقضى برأيه فيه، فلما روى له الخبر تذكر ما تضمنه الخبر
فرجع إلى ما علمه، واخبر انه لولا هذا الخبر الذي كان سببا لتذكاره
كاد أن يقضي برأيه.
وأما رجوعه إلى كتاب عمرو بن حزم في الدية، فان كتاب عمرو
بن حزم كان معلوما بين الصحابة، وانه من املاء رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ولم يكن طريق ذلك خبر الواحد، فلأجل ذلك رجع
إليه.
والثالث: انا لو سلمنا انهم عملوا بهذه الاخبار لأجلها لم يكن
أيضا فيه دلالة، لأنه ليس جميع الصحابة عمل بها، وانما عمل بها
بعضهم وليس فعل بعضهم حجة، وانما الحجة في فعل جميعهم.
وليس لهم أن يقولوا: انهم بين طائفتين طائفة عملت بها وطائفة
لم تنكر عليهم العمل بها، فلو لم يكن صحيحا لكانوا قد أجمعوا على
الخطأ. وكذلك ان هذا لا يصح من وجهين:
أحدهما: انه من أين لهم حيث لم ينكروا كانوا راضين بأفعالهم
مصوبين لهم ما عملوا؟ وما المانع من أن يكونوا كارهين لذلك
منكرين بقلوبهم، ومنع من اظهار ذلك بعض الموانع. وانما يمكن
الاعتماد على سكوتهم إذا لم يكن لسكوتهم وجه غير الرضا فحينئذ
يحمل عليه فاما ويمكن غير ذلك فينبغي أن لا يقطع به على الرضا.
وأيضا فإنما يجب عليهم انكار ذلك إذا علموا انهم عملوا بهذه]
326

الاخبار لأجلها وغير ممتنع أن يكونوا شاكين في حال العاملين بها
مجوزين، لأنهم عملوا بها لدليل دلهم على صحة هذه الاخبار أو
لتذكرهم، فلأجل ذلك لم ينكروهم
والوجه الثاني: انهم قد أنكروا اجمع العمل بأخبار الآحاد، ألا
ترى إلى ما روى عن أبي بكر {1} انه لم يقبل خبر المغيرة بن شعبة {2}
في الجدة {3} حتى شهد معه محمد بن مسلمة {4}

(1) أبو بكر أبي قحافة، واسمه عتيق، واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن
عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. واسم أبي بكر في الجاهلية عبد الكعبة، وسماه
رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله. أول من ولى الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه
وآله. ومات سنة (13 ه‍.).
(2) المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن قيس الثقفي
أسلم قبل عمرة الحديبية، وولى الكوفة من قبل عمر، وأقره عثمان في أول خلافته ثم
عزله، ثم ولاه معاوية الكوفة حتى مات سنة (50 ه‍.).
(3) رواه ابن الأثير في جامع الأصول 10: 371.
(4) محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجذعة بن حارثة بن الحارث.
مات بالمدينة سنة (43 ه‍.) وقيل غير ذلك، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ
أمير على المدينة.
327

[وما روى عن عمر {1} انه لم يقبل خبر أبي موسى {2} في
الاستئذان {3} حتى شهد معه أبو سعيد {4}.
وما روى عن علي عليه السلام انه لم يقبل خبر ابن سنان الأشجعي]

(2) أبو موسى، عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن بكر
الأشعري. ولاه عمر بن الخطاب البصرة إذ عزل عنها المغيرة، ولم يزل على البصرة
إلى صدر من خلافة عثمان. ثم أقر ولايته على الكوفة، فلم يزل على الكوفة حتى مات
عثمان، ثم كان منه بصفين وفي التحكيم ما كان. قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وكان
منحرفا عن علي رضى الله عنه لأنه عزله ولم يستعمله مات سنة (42 ه‍.) وقيل غير
ذلك.
(4) أبو سعيد، سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الابجر الخدري.
صحب النبي صلى الله عليه وآله وروى عنه. مات سنة (74 ه‍.).
(5) سنن أبي داود 4: 345 الحديث 5180.
328

[وغير ذلك مما لا يحصى كثرة. ورد هذه الاخبار ظاهر بينهم كما
ظهر بينهم العمل بما ذكروه من الاخبار
فان كان عملهم بما عملوه دليلا على جوازه، فردهم لما ردوه
يجب أن يكون دليلا على المنع منه، ولا فرق بينهما على حال.
وليس لاحد أن يقول: نحن لا ننكر رد كثير من الاخبار إذا لم
يكن شرط وجوب القبول فيه ثابتا. وذلك: ان هذا التأويل في رد
هذه الاخبار انما يسوغ إذا ثبت انهم عملوا بخبر الواحد {2} فاما
ولما يثبت ذلك بل نحن في سبر) ذلك فلا يمكن تأويل ذلك. ولا فرق
بين {1} من تأول هذه الاخبار وقال: انهم ردوها لبعض العلل، ليسلم]
329

[له العمل بتلك الاخبار وبين من عكس ذلك فقال: انهم عملوا بتلك
الاخبار لقيام دليل دلهم على ذلك غير نفس الاخبار، لتسلم له ظواهر
هذه الاخبار
ولا فرق بينهما على حال. على ان هذه الطريقة التي اعتمدوها
توجب عليهم وجوب النسخ بخبر الواحد لأنهم نسخوا القبلة
بخبر الواحد، لأنه روى ان أهل قباء كانوا في الصلاة متوجهين
إلى بيت المقدس فجاءهم مخبر فقال لهم: ان النبي صلى الله عليه
وآله وسلم حول قبلته إلى الكعبة، فداروا إلى التوجه إلى الكعبة (1)،
وكان ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم نجده
عليه السلام أنكر عليهم ذلك، فينبغي أن يكون على قانون طريقتهم
يجوز النسخ بخبر الواحد، وذلك لا يقوله أحد.
وليس لهم أن يقولوا: ان أهل قباء كانوا قد علموا نسخ القبلة]
330

[بغير ذلك الخبر، فلأجل ذلك عملوا به. لان عليهم فيما استدلوا به
من الاخبار مثله بأن يقال: وانما عملوا بتلك الاخبار لأنه كان سبق
لهم العلم بما تضمنته تلك الاخبار، فذكروه عند حصولها كما قلتموه
في أهل قباء حذو النعل بالنعل.
واستدلوا أيضا بما كان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعثه
رسله إلى الأطراف، وعماله، وسعاته إلى النواحي وأمره إياهم
بالدعاء إلى الله تعالى وإلى رسوله وشريعته، فلولا ان القبول كان
واجبا منهم، والا لم يكن لذلك فائدة.
وهذا لا يمكن الاعتماد عليه، لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان
يبعث برسله ويأمرهم أولا بالدعاء إلى الله تعالى وإلى رسوله
صلى الله عليه وآله وسلم
ولا خلاف ان ذلك طريقة الدليل، وانه لا يجوز قبول خبر
الواحد فيه، بل يجب الرجوع في ذلك إلى الأدلة الواضحة فيه
فكذلك القول في الاحكام الشرعية.
فان قالوا: انهم كانوا يدعونهم إلى معرفة الله تعالى وينبهونهم
على ما هو مركوز في عقولهم من الأدلة الدالة على توحيده وعدله،
وكذلك يدعونهم إلى النبوة والاقرار به، ويقرأون عليهم القرآن
الدال على صدقه في دعواه.
قيل لهم: فإذا قد صار لدعائهم إلى ما يدعون إليه فائدة غير]
331

[وجوب القبول منهم، وإذا جاز ذلك في المعرفة والنبوة، جاز له
أن يقول في أحكام الشريعة مثله. بأن يقول انهم كانوا ينبهونهم على
الطرق الدالة على أحكام الشريعة من الكتاب والسنة المتواترة بها
ويجب عليهم النظر فيها ليحصل لهم العلم بصحة ما يتضمنه.
ثم يقال لهم: طريق التعبد بخبر الواحد ووجوب العمل به
الشرع، لان العقل قد بينا انه لا يدل على ذلك، فمن اين يعلمون انهم
قد تعبدوا بوجوب القبول من الرسل والعمال وغيرهم، حتى يجب
عليهم القبول منهم؟ فان أحالوا على جهة من الجهات من تواتر أو غير
ذلك، قلنا مثله في سائر الاحكام، وسقط التعلق بهذه الطريقة.
فان قيل: فما قولكم في المواضع النائية التي يقطع على
انه لا تواتر اتصل بهم بأحكام الشريعة، أليس كان يجب عليهم
القبول من الرسل والعمال، وليس هناك طريق يعلمون به أحكام
الشريعة.
قيل له: إذا فرضت المسألة في الموضع الذي ذكر في السؤال
فلأصحابنا عن ذلك جوابان:
أحدهما: انه لا يجب عليهم القبول منهم، وينبغي أن يكونوا {2}
332

[متمسكين بحكم العقل إلى أن ينقطع عذرهم بأحكام الشريعة
فحينئذ يجب عليهم العمل به.
والجواب الثاني {1}: انه إذا كان القوم بحيث لم يتصل بهم
الشريعة على وجه ينقطع العذر، وكانت المصلحة لهم في العمل
بتلك الشريعة، فإنه لا يجوز ان يبعث إليهم الا معصوما لا يجوز
عليه التغير والتبديل، ويظهر على يده علم معجز يستدلون به على صدقه، فإذا علموا
صدقه وجب عليهم القبول منه. وعلى الوجهين
جميعا سقط السؤال.
ثم يقال لهم: إذا كان القوم بحيث فرضتم من البعد، من أين
يعلمون انهم متعبدون بوجوب قبول قول الرسل والرجوع إلى
ما يقولونه في أحكام الشريعة؟ فلابد لهم من أن يحيلوا على جهة
أخرى غير مجرد أقوالهم فنقول لهم مثل ذلك في سائر الاحكام،
وسقط السؤال.
واستدلوا أيضا بأن قالوا: لا خلاف في أنه يجب على المستفتي
الرجوع إلى المفتي مع تجويزه الغلط عليه، فكذلك أيضا يجب
الرجوع إلى خبر الواحد وإن جوز على المخبر الغلط]
333

[وهذا أيضا لا يصح الاستدلال به، لان لأصحابنا في هذه المسألة
مذهبين.
أحدهما: انه لا يجوز {1} للمستفتي القبول من المفتي، بل
يلزمه طلب الدليل كما لزم المفتي، فعلى هذا سقط السؤال.
والمذهب الاخر: انه يجوز ذلك.
والجواب عنه: على هذا المذهب:
ان هذا قياس، ولا خلاف ان هذه المسألة لا تثبت بالقياس لان طريقها العلم. {2} ولم إذا]
334

[وجب ذلك في المستفتي والمفتي يجب مثل ذلك في خبر الواحد؟
فان جمعوا بينهما بعلة انه يجوز {1} على كل واحد منهما الخطأ
كان ذلك قياسا، وقد اتفقنا على ان طريق وجوب العمل بخبر الواحد العلم
دون القياس. على ان ذلك انما يمكن أن يستدل به على
جواز ورود العبادة بخبر الواحد دون أن يجعل طريقا إلى وجوب
ذلك. وهذه الجملة كافية في ابطال هذه الشبهة.
وقد استدلوا بأشياء يجري مجرى ما ذكرناه مثل حملهم ذلك
على الشهادة وغير ذلك. والجملة التي ذكرناها تنبه على طريقة
الكلام على جميع ذلك، فلا فائدة في التطويل.
فأما من راعى أن يكون الراوي أكثر من واحد، واستدلاله]
335

[على ذلك بخبر أبي بكر في الجدة وخبر عمر في الاستئذان وحديث
ذي اليدين {1} في سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانه لم يقبل منه
حتى سأل غيره من الصحابة وحمله ذلك على الشهادة وغير ذلك.
فما ذكرناه من الكلام على من لم يراع العدد كلام عليه
لأنا اعتبرنا المنع {3} من كل خبر لا يوجب العلم، فلا وجه
لاعتبار هذا العدد.
وقلنا: ان هذه الاخبار كلها أخبار آحاد لا يصح التعلق بها.
ومنعنا من انهم عملوا بها لأجلها ومنعنا أيضا من أن يكونوا كلهم
عملوا بها وبينا أيضا انهم أنكروا أيضا {4} العمل باخبار الآحاد
في مواضع، فالطريق إلى ابطال ذلك واحد.
فأما ما اخترته من المذهب فهو: ان خبر الواحد إذا كان واردا]

(3) ذو اليدين: واسمه الخرباق السلمي من بني سليم. كان ينزل بذي جشب
من ناحية المدينة، عاش حتى روى عنه المتأخرون من التابعين، وشهده أبو هريرة لما
سها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة. أسلم عام خيبر بعد بدر بأعوام. قاله ابن
الأثير في أسد الغابة.
(4) سنن أبي داود 1: 264.
336

من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة، وكان ذلك مرويا عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أو عن واحد من الأئمة عليهم السلام
وكان ممن لا يطعن في روايته {1} ويكون سديدا في نقله
ولم تكن هناك قرينة {3} تدل على صحة ما تضمنه الخبر، لأنه ان كان
هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة، وكان ذلك
موجبا للعلم. - ونحن نذكر القرائن فيما بعد - التي جاز العمل بها.
والذي يدل على ذلك {4} اجماع الفرقة المحقة، فاني وجدتها]
337

[مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها
في أصولهم، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه حتى ان واحدا منهم
إذا أفتى بشئ لا يعرفونه {1} سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم
على كتاب معروف، أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه
سكتوا وسلموا الامر في ذلك وقبلوا قوله، وهذه عادتهم وسجيتهم
من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده من الأئمة عليهم السلام
ومن زمن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام الذي انتشر العلم عنه
وكثرت الرواية من جهته، فلولا ان العمل بهذه الاخبار كان جائزا
لما أجمعوا على ذلك ولأنكروه، لان اجماعهم فيه معصوم لا يجوز
عليه الغلط والسهو.]
338

[والذي يكشف عن ذلك انه لما كان العمل بالقياس محظورا
في الشريعة عندهم لم يعملوا به أصلا، وإذا شذ منهم واحد عمل
به في بعض المسائل، أو استعمله على وجه المحاجة لخصمه، وان
لم يعلم اعتقاده تركوا قوله وأنكروا عليه وتبرأوا من قوله، حتى
انهم يتركون تصانيف من وصفناه ورواياته لما كان عاملا بالقياس
فلو كان العمل بخبر الواحد يجرى ذلك المجرى، لوجب أيضا فيه
مثل ذلك وقد علمنا خلافه.
فان قيل: كيف تدعون الاجماع على الفرقة المحقة في العمل
بخبر الواحد، والمعلوم من حالها انها لا ترى العمل بخبر الواحد،
كما ان المعلوم من حالها انها لا ترى العمل بالقياس، فان جاز ادعاء
أحدهما جاز ادعاء الاخر.
قيل لهم: من حالها الذي لا ينكر ولا يدفع انهم لا يرون العمل
بخبر الواحد الذي يرويه مخالفهم في الاعتقاد ويختصون بطريقه
فأما ما يكون راويه منهم وطريقة أصحابهم، فقد بينا ان المعلوم
خلاف ذلك، وبينا الفرق بين ذلك وبين
القياس أيضا وانه لو كان
معلوما حظر العمل بخبر الواحد، لجرى مجرى العلم بحظر القياس
وقد علم خلاف ذلك.
فان قيل: أليس شيوخكم لا تزال يناظرون خصومهم في ان
خبر الواحد لا يعمل به، ويدفعونهم عن صحة ذلك، حتى ان منهم]
339

[من يقول: (لا يجوز ذلك عقلا) ومنهم من يقول: (لا يجوز ذلك لان
السمع لم يرد به وما رأينا أحدا منهم تكلم في جواز ذلك، ولا
صنف فيه كتابا، ولا أملى فيه مسألة، فكيف تدعون أنتم خلاف
ذلك؟
قيل له: من أشرت إليهم من المنكرين لاخبار الآحاد انما
كلموا من خالفهم في الاعتقاد ودفعوهم عن وجوب العمل بما
يروونه من الاخبار المتضمنة الاحكام التي يروون هم خلافها،
وذلك صحيح على ما قدمناه ولم نجدهم اختلفوا فيما بينهم وأنكر
بعضهم على بعض العمل بما يروونه، الا مسائل دل الدليل الموجب للعلم
على صحتها، فإذا خالفوهم فيها، أنكروا عليهم لمكان الأدلة
الموجبة للعلم، والاخبار المتواترة بخلافه.
فأما من أحال ذلك عقلا، فقد دللنا فيما مضى على بطلان قوله
وبينا ان ذلك جائز فمن أنكره كان محجوجا بذلك. على ان
الذين أشير إليهم في السؤال أقوالهم متميزة من بين أقوال الطائفة
المحقة، وعلمنا انهم لم يكونوا أئمة معصومين وكل قول علم
قائله وعرف نسبه وتميز من أقاويل سائر الفرقة المحقة، لم يعتد
بذلك القول لان قول الطائفة انما كان حجة من حيث كان فيها معصوم
فإذا كان القول صادرا من غير معصوم علم ان قول المعصوم داخل
في باقي الأقوال، ووجب المسير إليه على ما نبينه في باب الاجماع.
340

[فان قيل: إذا كان العقل يجوز العمل بخبر الواحد، والشرع
قد ورد به، ما الذي حملكم على الفرق بين ما ترويه الطائفة المحقة
وبين ما يرويه أصحاب الحديث من العامة عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم؟ وهلا عملتم بالجميع، أو منعتم من الكل؟
قيل: العمل بخبر الواحد إذا كان دليلا شرعيا فينبغي أن نستعمله
بحيث قررته الشريعة، والشرع يرى العمل بما يرويه طائفة مخصوصة فليس
لنا أن نتعدى إلى
غيرها، كما انه ليس لنا ان نتعدى {1} من
رواية العدل إلى رواية الفاسق. وان كان العقل مجوزا لذلك أجمع
على ان من شرط العمل بخبر الواحد، أن يكون راويه عدلا بلا
خلاف {2} وكل من اسند إليه ممن خالف الحق لم تثبت عدالته،]
341

[بل ثبت فسقه، فلأجل ذلك لم يجيز العمل بخبره.
فان قيل: هذا القول يؤدى إلى أن يكون الحق في جهتين {1}
مختلفتين إذا عملوا بخبرين مختلفين، والمعلوم من حال أئمتكم
وشيوخكم خلاف ذلك.
قيل له: المعلوم {2} من ذلك انه لا يكون الحق في جهتهم]

(3) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية، أبو عمرو النخعي، القاضي، الكوفي
روى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام، وولى القضاء ببغداد الشرقية لهارون
ثم ولاه قضاء الكوفة، ومات بها سنة أربعة وتسعين ومائة (194 ه‍).
342

[وجهة من خالفهم في الاعتقاد، فاما أن يكون المعلوم انه لا يكون
الحق في جهتين إذا كان ذلك صادرا من خبرين مختلفين، فقد بينا
ان المعلوم خلافه، والذي يكشف عن ذلك أيضا ان من منع من
العمل بخبر الواحد يقول: ان هاهنا أخبارا كثيرة {1} لا ترجيح {2}
لبعضها على بعض، والانسان فيها مخير، فلو أن اثنين اختار كل
واحد منهما العمل بواحد من الخبرين أليس كانا يكونان مختلفين
وقولهما حق على مذهب هذا القائل؟ فكيف يدعى ان المعلوم خلاف
ذلك؟
ويبين ذلك {3} أيضا: انه قد روى عن الصادق عليه السلام انه سئل عن اختلاف
أصحابه في المواقيت وغير ذلك؟ فقال عليه السلام: (انا خالفت بينهم) (1) فترك
الانكار لاختلافهم، ثم أضاف الاختلاف إلى انه أمرهم به، فلولا ان ذلك كان جائزا لما
جاز ذلك عنه (2).
فان قيل: اعتباركم الطريقة التي ذكرتموها في وجوب العمل]
343

[بخبر الواحد يوجب عليكم قبولها فيما طريقه العلم، لان الذين أشرتم
إليهم إذا قالوا قولا طريقه العلم من التوحيد والعدل والنبوة
والإمامة وغير ذلك فسألوا عن الدلالة على صحته أحالوا على
هذه الاخبار بعينها فان كان هذا القدر حجة فينبغي أن يكون حجة
في وجوب قبولهما فيما طريقه العلم، وقد أقررتم بخلاف ذلك.
قيل له: لا نسلم ان جميع الطائفة تحيل على أخبار الآحاد
فيما طريقه العلم مما عددتموه، وكيف نسلم ذلك وقد علمنا بالأدلة
الواضحة العقلية ان طريق هذه الأمور العقل، أو ما يوجب العلم من
أدلة الشرع فيما يمكن ذلك فيه؟!
وعلمنا أيضا: ان الامام المعصوم لابد أن يكون قائلا به {1}
فنحن لا نجوز أن يكون المعصوم داخلا في قول العاملين في هذه
المسائل بالاخبار، وإذا لم يكن قوله داخلا في جملة أقوالهم، فلا
اعتبار بها، وكانت أقوالهم في ذلك مطرحة. وليس كذلك القول
في أخبار الآحاد، لأنه لم يدل دليل على ان قول الامام داخل في
جملة أقوال المنكرين لها، بل بينا ان قوله عليه السلام داخل في
جملة أقوال العاملين بها، وعلى هذا سقط السؤال.
على ان الذي ذكروه مجرد الدعوى من الذي أشير إليه]
344

[ممن يرجع إلى الاخبار في هذه المسائل، فلا يمكن اسناد ذلك إلى
قوم علماء متميزين، وان قال ذلك بعض غفلة أصحاب الحديث،
فذلك لا يلتفت إليه على ما بيناه.
فان قيل: كيف تعملون بهذه الاخبار، ونحن نعلم ان رواتها
أكثرهم كما رووها رووا أيضا أخبار الجبر {1} والتشبيه، وغير ذلك
من الغلو والتناسخ وغير ذلك من المناكير، فكيف يجوز الاعتماد
على ما يرويه أمثال هؤلاء؟
قيل لهم: ليس كل الثقات {2} نقل حديث الجبر والتشبيه وغير
ذلك مما ذكر في السؤال، ولو صح انه نقله لم يدل على انه كان
معتقدا لما تضمنه الخبر ولا يمتنع أن يكون انما رواه ليعلم انه لم
يشذ عنه شئ من الروايات، لا لأنه يعتقد ذلك. ونحن لم نعتمد على
مجرد نقلهم، بل اعتمادنا على العمل الصادر من جهتهم، وارتفاع
النزاع بينهم، فأما مجرد الرواية فلا حجة فيه على حال.]
345

[فان قيل: كيف تعولون {1} على هذه الاخبار وأكثر رواتها
المجبرة (2)، والمشبهة، (3) والمقلدة (4) والغلاة (5) والواقفة (6)،
والفطحية (7) وغير هؤلاء من فرق الشيعة المخالفة اعتقادهم للاعتقاد]

(2) المجبرة: الجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد واضافته إلى الله تعالى.
والجبرية عدة فرق ذكرهم الشهرستاني في الملل والنحل.
(3) المشبهة: هي فرقة ممن انتسب إلى الشيعة، القائلين بأن معبودهم على صورة
ذات أعضاء وأبعاض، اما روحانية، واما جسمانية، ويجوز عليه الانتقال والنزول و
الصعود والاستقرار والتمكن. ولكن الشيعة الامامية براء من هذه الأفكار والعقائد.
(4) لم نعثر على مصدر لعقائد وأفكار هذه الفرقة على وجه الاستقلال ولعلهم
قلدوا أحد الفرق المضلة في عقائدهم وأفكارهم والله العالم.
(5) الغلاة: هم الذين غلوا في على وفي أئمتهم وقالوا فيهم قولا عظيما، وقالت
طائفة منهم ان محمدا عليه السلام هو الله تعالى، ينسبون أنفسهم إلى الشيعة ولكن الشيعة
الامامية ينكرونهم ويلعنونهم. وتجمع الأهواء الغالية على تجسيد الألوهية في على
والأئمة عليهم السلام، فهم صور وأشكال يتمثل فيها الجوهر الإلهي ذاته. قاله الأشعري
في كتاب المقالات والفرق.
(6) الواقفة: سموا بذلك لوقوفهم على الامام موسى بن جعفر عليه السلام ولم
يأتموا بعده بامام ولم يتجاوزوه إلى غيره. ومنهم من قال: انه مات، ومنهم من قال، انه
لم يمت وانما هو حي لا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها عدلا كما ملئت
جورا وانه القائم المهدي.
(7) وهي الفرقة القائلة بان الإمامة بعد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
في ابنه عبد الله الأفطح، وذلك انه كان عند مضى أبيه أكبر ولده سنا، وجلس مجلس أبيه
وادعى الإمامة ووصية أبيه.
346

[الصحيح. ومن شرط خبر الواحد أن يكون راويه عدلا عند من
أوجب العمل به، وهذا مفقود في هؤلاء. وان عولتم على عملهم
دون روايتهم، فقد وجدناهم عملوا بما طريقه هؤلاء الذين ذكرناهم
وهل ذلك لا يدل {1} على جواز العمل بأخبار الكفار والفساق.
قيل لهم: إنا لا نقول ان جميع أخبار الآحاد يجوز العمل بها،
بل لها شرائط نحن نذكرها فيما بعد ونشير ها هنا إلى جملة من
القول فيه:
فأما ما ترويه العلماء {3} المعتقدون للحق، فلا طعن على ذلك
بهذا السؤال.
وأما ما يرويه قوم من المقلدة فالصحيح الذي اعتقده ان
المقلد للحق وان كان مخطئا {4} في الأصل معفو عنه، ولا أحكم]
347

[فيه بحكم الفساق. فلا يلزم على هذا ترك ما نقلوه. على ان من
أشاروا إليه لا نسلم انهم كلهم {1} مقلدة، بل لا يمتنع أن
يكونوا عالمين بالدليل على سبيل الجملة، كما تقوله جماعة أهل العدل
في كثير من أهل الأسواق والعامة، وليس من حيث يتعذر عليهم
ايراد الحجج في ذلك، ينبغي أن يكونوا غير عالمين، لان ايراد
الحجج والمناظرة صناعة، وليس يقف حصول المعرفة على حصولها
كما قلناه في أصحاب الجمل {3}.
وليس لاحد أن يقول: أن هؤلاء ليسوا من أصحاب الجمل
لأنهم إذا سئلوا عن التوحيد أو العدل أو صفات الله تعالى أو صحة
النبوة، قالوا كذا روينا ويروون في ذلك كله الاخبار. وليس هذا
طريقة أصحاب الجمل {4}]

(5) إلى هنا سقط من النسخة المطبوعة.
348

[وذلك لأنه لا يمتنع أن يكون هؤلاء أصحاب الجمل وقد حصلت
لهم المعرفة بالله تعالى، غير انهم لما تعذر عليهم ايراد الحجج
في ذلك، أحالوا على ما كان سهلا عليهم، وليس يلزمهم {1} أن
يعلموا ان ذلك لا يصح أن يكون دليلا الا بعد أن يتقدم المعرفة بالله تعالى
وانما الواجب عليهم أن يكونوا عالمين، وهو عالمون على الجملة
كما قررناه، فما يتفرع عليه الخطأ فيه {2} لا يوجب التكفير ولا
التضليل.
وأما الفرق الذين أشاروا إليهم من الواقفة، والفطحية وغير
ذلك، فعن ذلك جوابان {3}]
349

[أحدهما: ان ما يرويه هؤلاء يجوز العمل به إذا كانوا ثقات في
النقل - وان كانوا مخطئين في الاعتقاد (من القول بالوقف) - إذا علم من اعتقادهم تمسكهم
بالدين، وتحرجهم من الكذب ووضع الأحاديث، وهذه كانت
طريقة جماعة عاصروا الأئمة عليهم السلام، نحو عبد الله بن بكير (1)
وسماعة بن مهران (2) ونحو بني فضال من المتأخرين عنهم (3) وبني
سماعة (3) ومن شاكلهم.
فإذا علمنا ان هؤلاء الذين أشرنا إليهم وان]

(1) عبد الله بن بكير بن أعين بن سنسن أبو على الشيباني. مولاهم روى عن أبي
عبد الله عليه السلام. قال الشيخ الطوسي في الفهرست: فطحي المذهب الا أنه ثقة.
(2) سماعة بن مهران بن عبد الرحمن الحضرمي، مولى عبد بن وائل بن حجر
الحضرمي يكنى أبا ناشرة وقيل: أبا محمد. روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما
السلام ومات بالمدينة ثقة ثقة، وله بالكوفة مسجد. قاله النجاشي في رجاله.
(3) جماعة منهم: الحسن بن علي بن فضال، كوفي، يكنى أبا محمد. قال النجاشي:
وكان الحسن عمره كله فطحيا مشهورا بذلك حتى حضره الموت فمات وقد قال بالحق.
وقال الكشي: كان الحسن بن علي فطحيا يقول بامامة عبد الله بن جعفر فرجع. مات
سنة (224 ه‍.).
(4) عدة منهم: الحسن بن محمد بن سماعة أبو محمد الكندي الصيرفي من شيوخ
350

[كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف وغير ذلك، كانوا ثقات
في النقل فما يكون طريقة هؤلاء جاز العمل به.
والجواب الثاني: ان جميع ما يرويه هؤلاء إذا اختصوا بروايته
لا يعمل به وانما يعمل به إذا انضاف إلى روايتهم رواية من هو على
الطريقة المستقيمة والاعتقاد الصحيح، فحينئذ يجوز العمل به.
فأما إذا انفرد، فلا يجوز ذلك فيه على حال. وعلى هذا سقط
الاعتراض.
فأما ما رواه الغلاة، ومن هو مطعون عليه في روايته، ومتهم في
وضع الأحاديث، فلا يجوز العمل {1} بروايته إذا انفرد. وإذا انضاف
إلى روايته رواية بعض الثقات جاز ذلك، ويكون ذلك لأجل رواية
الثقة دون روايته.
وأما المجبرة والمشبهة فأقل ما في ذلك انا لا نعلم انهم مجبرة
ولا مشبهة، وأكثر ما معنا {2} انهم كانوا يروون ما يتضمن الجبر و]

الواقفة، كثير الحديث ثقة ثقة، وكان يعاند في الوقف ويتعصب. قاله النجاشي في
رجاله.
351

[التشبيه، وليس روايتهم لها دليلا على انهم كانوا معتقدين لصحتها، بل بينا {1} الوجه في روايتهم لها، وانه غير الاعتقاد لمتضمنها،
ولو كانوا معتقدين للجبر والتشبيه كان الكلام على ما يروونه كالكلام
على ما ترويه الفرق المتقدم ذكرها {2} وقد بينا ما عندنا في ذلك.
وهذه جملة كافية في ابطال هذا السؤال.
فان قيل: ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم إليهم لم يعملوا
بهذه الاخبار لمجردها؟ بل انما عملوا بها لقرائن اقترنت بها دلتهم
على صحتها [و] لأجلها عملوا بها ولو تجردت لما عملوا بها وإذا جاز
ذلك لم يكن الاعتماد على عملهم بها.
قيل له: القرائن التي تقترن بالخبر وتدل على صحته أشياء
مخصوصة - نذكرها فيما بعد - من الكتاب والسنة، والاجماع، والتواتر. ونحن نعلم انه ليس في جميع
المسائل التي استعملوا فيها أخبار الآحاد ذلك لأنها أكثر من أن تحصى موجودة في
كتبهم
352

[وتصانيفهم وفتاواهم، لأنه ليس {1} في جميعها يمكن الاستدلال
بالقرآن، لعدم ذكر ذلك في صريحه وفحواه، أو دليله ومعناه، ولا
في السنة {2} المتواترة لعدم ذلك في أكثر الاحكام {3} بل لوجودها {4}
في مسائل معدودة، ولا في الاجماع لوجود الاختلاف في
ذلك {6} فعلم ان ادعاء القرائن في جميع هذه المسائل دعوى
محالة {7}
ومن ادعى القرائن في جميع ما ذكرناه وكان السبر (2) بيننا وبينه بل كان معولا
على ما يعلم ضرورة خلافه، مدافعا لما يعلم من نفسه]
353

[ضده {1} ونقيضه. ومن قال عند ذلك: اني متى عدمت شيئا من القرائن
حكمت بما كان يقتضيه العقل {2}. يلزمه أن يترك أكثر الاخبار
وأكثر الاحكام ولا يحكم فيها بشئ ورد الشرع به. وهذا حد يرغب
أهل العلم عنه، ومن صار إليه لا يحسن مكالمته، لأنه يكون معولا على
ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه.
ومما يدل أيضا على جواز العمل بهذه الاخبار التي أشرنا إليها
ما ظهر بين الفرقة المحقة من الاختلاف الصادر عن العمل بها فاني
وجدتها مختلفة المذاهب في الاحكام، يفتي أحدهم بما لا يفتي به
صاحبه في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى أبواب الديات
من العبادات، والاحكام، والمعاملات، والفرائض، وغير ذلك، مثل]
354

[اختلافهم في العدد والرؤية في الصوم. واختلافهم في أن التلفظ
بثلاث تطليقات هل يقع واحدة أم لا؟ ومثل اختلافهم في باب
الطهارة وفي مقدار الماء {2} الذي لا ينجسه شئ. ونحو اختلافهم
في حد الكر. ونحو اختلافهم في استئناف الماء الجديد لمسح
الرأس والرجلين. واختلافهم في اعتبار أقصى مدة النفاس.
واختلافهم في عدد فصول الاذان والإقامة {4} وغير ذلك في سائر]

(1) الحسن بن علي بن أبي عقيل، أبو محمد العماني الحذا فقيه، متكلم، ثقة له
355

[أبواب الفقه حتى ان بابا منه لا يسلم الا (وقد) وجدت العلماء من الطائفة
مختلفة في مسائل منه أو مسألة متفاوتة الفتاوى
وقد ذكرت ما ورد عنهم عليهم السلام من الأحاديث المختلفة التي تختص الفقه في كتابي المعروف ب‍ (الاستبصار) وفي كتاب (تهذيب
الاحكام) ما يزيد على خمسة آلاف حديث، وذكرت في أكثرها اختلاف
الطائفة في العمل بها وذلك أشهر من أن يخفى حتى انك لو تأملت
اختلافهم في هذه الاحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة {1}،]

كتب في الفقه والكلام. قال الشيخ النجاشي في رجاله: 36 ما لفظه: وسمعت شيخنا
أبا عبد الله رحمه الله يكثر الثناء على هذا الرجل رحمه الله.
(2) الخلاف 1: 91 مسألة 20.
(3) المصدر السابق.
356

[والشافعي، ومالك ووجدتهم مع هذا الاختلاف العظيم لم يقطع
أحد منهم موالاة صاحبه، ولم ينته إلى تضليله وتفسيقه والبراءة من
مخالفه، فلولا ان العمل بهذه الاخبار كان جائزا لما جاز ذلك، و]

(1) مسند أحمد بن حنبل 3: 14 و 17.
(2) أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري. روى عنه جمع
كثير وصنف كثيرا، وأهم ما صنفه صحيحه الذي سمى باسمه مات سنة (256 ه‍).
(3) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب 183.
(4) النباء: 17.
358

[كان يكون من عمل بخبر عنده انه صحيح يكون مخالفه مخطئا مرتكبا
للقبيح {1} يستحق التفسيق بذلك وفي تركهم ذلك والعدول عنه
دليل على جواز العمل بما عملوا به من الاخبار.
فان تجاسر متجاسر إلى أن يقول: كل مسألة مما اختلفوا فيه
عليه دليل قاطع، ومن خالفه مخطئ فاسق! يلزمه أن يفسق الطائفة
بأجمعها! ويضلل الشيوخ المتقدمين كلهم! فإنه لا يمكن أن يدعى
على أحد موافقته في جميع أحكام الشرع، ومن بلغ إلى هذا الحد
لا يحسن مكالمته، ويجب التغافل عنه بالسكوت. وان امتنع من
تفسيقهم وتضليلهم، فلا يمكنه الا أن العمل بما عملوا به كان حسنا
جائزا خاصه
وعلى أصولنا {2} ان كل خطأ وقبيح {3} كبير فيمكن أن]

(4) النساء: 31.
359



(1) مجمع البيان 3: 38 - 39.
(2) الاسراء: 15.
360



(1) النساء: 48.
(2) نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد 10: 16 - 33 خطبة رقم 187.
(3) هود: 114.
361

[يقال: ان خطأهم كان صغيرا فانحبط على ما تذهب إليه المعتزلة فلأجل
ذلك لم يقطعوا الموالاة وتركوا التفسيق فيه والتضليل
فان قال قائل {1}: أكثر ما في هذا الاعتبار أن يدل على انهم
غير مؤاخذين بالعمل بهذه الاخبار، وانه قد عفى عنهم، وذلك لا
يدل على صوابهم، لأنه لا يمتنع أن يكون من خالف الدليل منهم
أخطأ وأثم واستحق العقاب، الا انه عفى له عن خطئه واسقط عنه
ما استحقه من العقاب.
قيل له: الجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: ان غرضنا {1} بما اخترناه من المذهب هو هذا، وان]
362

[من عمل بهذه الاخبار لا يكون فاسقا مستحقا للعقاب، فإذا سلم لنا
ذلك ثبت لنا ما هو الغرض المقصود.
والثاني: {1} ان ذلك لا يجوز: لأنه لو كان قد عفى لهم عن]

(2) آل عمران: 135.
363

[العمل بذلك مع انه قبيح يستحق به العقاب واسقط عقابهم، لكانوا
مغرين بالقبيح وذلك لا يجوز لأنهم إذا علموا انهم إذا عملوا
بهذه الاخبار لا يستحقون العقاب لم يصرفهم عن العمل بها صارف
فلو كان فيها ما هو قبيح العمل به لما جاز ذلك على حال.
فان قيل: لو كانت هذه الطريقة دالة على جواز العمل بما اختلف
من الاخبار المتعلقة بالشرع من حيث لم ينكر بعضهم على بعض ولم
يفسق بعضهم بعضا ينبغي أن تكون دالة على صوابهم فيما طريقه
العلم فإنهم قد اختلفوا في الجبر، والتشبيه، والتجسيم، والصورة
وغير ذلك، واختلفوا في أعيان الأئمة ولم نرهم قطعوا الموالاة، ولا]

(1) جوامع الجامع 1: 69.
364

[أنكروا على من خالفهم، وذلك يبطل ما اعتمدتموه.
قيل: جميع ما عددتموه من الاختلاف الواقع بين الطائفة، فان
النكير واقع فيه من الطائفة والتفسيق حاصل فيه، وربما تجاوزا ذلك أيضا
إلى التكفير، وذلك أشهر من أن يخفى، حتى ان كثيرا منهم جعل
ذلك طعنا على رواية من خالفه في المذاهب التي ذكرت في السؤال
وصنفوا في ذلك الكتب وصدر عن الأئمة عليهم السلام أيضا
النكير عليهم، نحو إنكارهم على من يقول بالتجسيم والتشبيه،
والصورة، والغلو وغير ذلك وكذلك
من خالف في أعيان الأئمة عليهم السلام لأنهم
جعلوا {1} ما يختص الفطيحة، والواقفة، والناووسية وغيرهم من
الفرق المختلفة بروايته لا يقبلونه ولا يلتفتون إليه
فلو كان اختلافهم في العمل باخبار الآحاد يجرى مجرى
اختلافهم في المذاهب التي أشرنا إليها لوجب أن يجروا فيها ذلك
المجرى، ومن نظر في الكتب وسبر أحوال الطائفة وأقاويلها وجد]

(3) انظر مقالتهم في فرق الشيعة للنوبختي: 67.
365

[الامر بخلاف ذلك. وهذه أيضا طريقة معتمدة في هذا الباب.
ومما يدل أيضا على صحة ما ذهبنا إليه، انا وجدنا الطائفة ميزت
الرجال الناقلة لهذه الاخبار، ووثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء
وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره،
ومدحوا الممدوح منهم، وذموا المذموم
وقالوا فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط،
وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي
وغير ذلك من الطعون التي ذكروها
وصنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال {1} من جملة ما رووه
من التصانيف في فهارستهم، حتى ان واحدا منهم إذا أنكر حديثا
نظر في اسناده وضعفه بروايته هذه عادتهم على قديم الوقت و]

(2) أبو جعفر، محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، شيخ القميين وفقيههم و
متقدمهم ووجههم، ثقة، عين مسكون إليه، توفى سنة (343 ه‍.) قاله النجاشي: 271.
(3) محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري، أبو على. شيخ القميين
ووجه الا شاعرة، متقدم عند السلطان، ودخل على الرضا عليه السلام وسمع منه، وروى
عن أبى جعفر الثاني عليه السلام.
(4) هو يونس بن عبد الرحمن مولى على بن يقطين بن موسى مولى بنى أسد. أبو
محمد، كان وجها في أصحابنا متقدما، عظيم المنزلة، ولد في أيام هشام بن عبد الملك
ورأى جعفر بن محمد عليهما السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه، وروى عن أبى
الحسن موسى والرضا عليهما السلام وكان الرضا يشير إليه في العلم والفتيا. قاله النجاشي
في رجاله: 311.
366

[حديثه لا تنخرم فلولا ان العمل بما يسلم من الطعن ويرويه من
هو موثوق به جائز، لما كان بينه وبين غيره فرق، وكان يكون خبره
مطروحا مثل خبر غيره، فلا يكون فائدة لشروعهم فيما شرعوا فيه
من التضعيف والتوثيق وترجيح الاخبار بعضها على بعض، وفي
ثبوت ذلك دليل على صحة ما اخترنا.
فصل في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الآحاد {1}
أو على بطلانها، وما يرجح به الاخبار بعضها
على بعض، وحكم المراسيل
القرائن التي تدل على صحة متضمن الاخبار التي لا توجب العلم أربع
أشياء أربعة:
منها: أن تكون موافقة لأدلة العقل وما اقتضاه، لان الأشياء]
367

[في العقل إذا كانت اما على الحظر أو الإباحة - على مذهب قوم - أو
الوقف على ما نذهب إليه. فمتى ورد الخبر متضمنا {1} للحظر أو
الإباحة، ولا يكون هناك {2} ما يدل على العمل بخلافه، وجب أن يكون
ذلك دليلا على صحة متضمنه عند من اختار ذلك.
وأما على مذهبنا الذي نختاره في الوقف، فمتى ورد الخبر
موافقا لذلك، وتضمن وجوب التوقف كان دليلا أيضا على
صحة متضمنه، الا أن يدل دليل {1} على العمل بأحدهما فيترك]

(3) سنن أبى داود 3: 243 (الباب الثالث من كتاب البيوع).
368

[الخبر والأصل
ومتى كان الخبر متناولا للحظر {1} ولم يكن هناك دليل يدل على
الإباحة، فينبغي أيضا المصير إليه، ولا يجوز العمل بخلافه، الا أن
يدل دليل {2} يوجب العمل بخلافه، لان هذا حكم {3} مستفاد بالعقل،
ولا ينبغي أن يقطع على حظر ما تضمنه {4} ذلك الخبر، لأنه خبر
واحد لا يوجب العلم فنقطع به، ولا هو موجب العمل {5} فنعمل به.]

(6) في المصدر السابق: " ان الله حمى حمى، وان حمى الله ما حرم، وانه من
يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه، وانه م يخالط الريبة يوشك ان يجسر ".
(7) النهاية في غريب الحديث 2: 286 (مادة ريب).
369

[وان كان الخبر متضمنا للإباحة {1} ولا يكون هناك خبر آخر أو دليل
شرعي يدل على خلافه، وجب الانتقال إليه والعمل به وترك
ما اقتضاه الأصل * لان هذا فائدة العمل باخبار الآحاد، ولا
ينبغي أن يقطع على ما تضمنه لما قدمنا من وروده موردا لا يوجب
العلم.
ومنها: أن يكون الخبر مطابقا لنص الكتاب اما خصوصه
أو عمومه، أو دليله، أو فحواه فان جميع ذلك دليل على صحة متضمنه
الا أن يدل دليل يوجب العلم {4} يقترن بذلك الخبر {5} يدل على
جواز تخصيص العموم به، أو ترك دليل الخطاب فيجب حينئذ]
370

[المصير إليه.
وانما قلنا ذلك لما نبينه فيما بعد من المنع من جواز تخصيص
العموم بأخبار الآحاد ان شاء الله تعالى.
ومنها: أن يكون الخبر موافقا للسنة المقطوع بها من جهة
التواتر، فان ما يتضمنه الخبر الواحد إذا وافقه مقطوع على صحته
أيضا وجواز العمل به {1} وان لم يكن ذلك دليلا على صحة نفس الخبر لجواز أن يكون
الخبر كذبا وان وافق السنة المقطوع
بها.
ومنها: أن يكون موافقا لما أجمعت الفرقة المحقة عليه، فإنه
متى كان كذلك دل أيضا على صحة متضمنه. ولا يمكننا أيضا أن
نجعل اجماعهم دليلا على صحة نفس الخبر، لأنهم يجوز أن]

(2) يوسف: 99.
371

[يكونوا أجمعوا على ذلك عن دليل غير هذا الخبر، أو خبر غير هذا
الخبر ولم ينقلوه استغناءا باجماعهم على العمل به، ولا يدل ذلك
على صحة نفس هذا الخبر.
فهذه القرائن كلها تدل على صحة متضمن أخبار الآحاد، ولا
يدل على صحتها أنفسها لما بينا من جواز أن تكون الاخبار مصنوعة
وان وافقت هذه الأدلة فمتى تجرد الخبر عن واحد من هذه القرائن
كان خبر واحد محضا
ثم ينظر فيه فان كان ما تضمنه هذا الخبر هناك ما يدل على
خلاف متضمنه من كتاب أو سنة أو اجماع وجب اطراحه والعمل
بما دل الدليل عليه وان كان ما تضمنه ليس هناك ما يدل على العمل
بخلافه ولا يعرف فتوى الطائفة فيه نظر فان كان هناك خبر آخر يعارضه
مما يجرى مجراه وجب ترجيح أحدهما على الاخر {1}، وسنبين
من بعد ما يرجح به الاخبار بعضها على بعض.]

(2) الكافي 1: 66.
372

[وان لم يكن هناك خبر آخر مخالفه وجب العمل به لان ذلك
اجماع منهم على نقله {1}. وإذا أجمعوا على نقله وليس هناك دليل
على العمل بخلافه، فينبغي أن يكون العمل به مقطوعا عليه.
وكذلك ان وجد هناك فتاوى مختلفة من الطائفة، وليس القول
المخالف له مستندا إلى خبر آخر، ولا إلى دليل يوجب العلم
وجب اطراح القول الاخر والعمل بالقول الموافق لهذا الخبر،
لان ذلك القول لا بد أن يكون عليه دليل. فإذا لم يكن هناك دليل
يدل على صحته، ولسنا نقول بالاجتهاد والقياس يسند ذلك القول
إليه، ولا هناك خبر آخر يضاف إليه، وجب أن يكون ذلك القول
مطروحا، ووجب العمل بهذا الخبر، والاخذ بالقول الذي يوافقه.
وأما القرائن التي تدل على العمل بخلاف ما يتضمنه الخبر
الواحد، فهو أن يكون هناك دليل مقطوع به من كتاب، أو سنة]
373

[مقطوع بها، أو اجماع من الفرقة المحقة على العمل بخلاف ما
تضمنه، فان جميع ذلك يوجب ترك العمل به.
وانما قلنا ذلك لان هذه الأدلة توجب العلم، والخبر والواحد
لا يوجب العلم وانما يقتضى غالب الظن والظن لا يقابل
العلم {2}
وأيضا فقد روى {3} عنهم عليهم السلام انهم قالوا: (إذا جائكم
عنا حديثان فاعرضوهما على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و]
374

[آله وسلم فان وافقهما فخذوا به، وما لم يوافقهما فردوه الينا {1} فلأجل
ذلك رددنا هذا الخبر، ولا يجب على هذا أن نقطع على بطلانه في
نفسه لأنه لا يمتنع أن يكون الخبر في نفسه صحيحا وله وجه من
التأويل لا نقف عليه، أو خرج على سبب خفى علينا الحال فيه أو
تناول شخصا بعينه، أو خرج مخرج التقية وغير ذلك من الوجوه،
فلا يمكننا أن نقطع على كذبه، وانما يجب الامتناع من العمل به
حسب ما قدمناه.
فأما الاخبار إذا تعارضت وتقابلت، فإنه يحتاج في العمل
ببعضها إلى ترجيح، والترجيح يكون بأشياء: {2}:]

(5) انظر الفوائد المدنية: 181 - 194.
375

[منها: أن يكون أحد الخبرين موافقا للكتاب أو السنة المقطوع
بها والاخر مخالفا لهما، فإنه يجب العمل بما وافقهما وترك العمل
بما خالفهما. وكذلك ان وافق {1} أحدهما اجماع الفرقة المحقة،
والاخر يخالفه، وجب العمل بما يوافق اجماعهم ويترك العمل بما
يخالفه.
فان لم يكن مع أحد الخبرين شئ من ذلك، وكانت فتيا الطائفة
مختلفة، نظر في حال رواتهما، فما كان راويه عدلا {2} وجب العمل
به وترك العمل بما لم يروه العدل، وسنبين القول في العدالة المراعاة
في هذا الباب.
فان كان رواتهما جميعا عدلين، نظر في أكثرهما رواة
عمل به وترك العمل بقليل الرواة. فان كان رواتهما متساويين في]
376

[العدد والعدالة، عمل بأبعدهما {1} من قول العامة ويترك العمل
بما يوافقهم.]

(2) المعارج، الباب السابع، الفصل الخامس، المسألة التاسعة.
(3) المصدر السابق، المسألة الثانية.
377

[وان كان الخبران يوافقان العامة أو يخالفانها جميعا نظر في حالهما:
فان كان متى عمل بأحد الخبرين أمكن العمل بالخبر الاخر على
وجه من الوجوه وضرب من التأويل، وإذا عمل بالخبر الاخر لا
يمكن العمل بهذا الخبر، وجب العمل بالخبر الذي يمكن مع العمل
به العمل بالخبر الاخر، لان الخبرين جميعا منقولان مجمع على
نقلهما {1}، وليس هناك قرينة تدل على صحة أحدهما، ولا ما يرجح
أحدهما به على الاخر فينبغي أن يعمل بهما إذا أمكن ولا يعمل
بالخبر الذي إذا عمل به وجب اطراح العمل بالخبر الاخر. وان لم
يمكن العمل بهما جميعا لتضادهما وتنافيهما وأمكن {2} حمل كل
واحد منهما على ما يوافق الخبر (الاخر) على وجه كان الانسان
مخيرا {3} في العمل بأيهما
شاء.]
378

[وأما العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الاخر فهو
: أن يكون الراوي معتقدا للحق، مستبصرا ثقة في دينه، متحرجا من
الكذب غير متهم فيما يرويه. فأما إذا كان مخالفا في الاعتقاد لأصل
المذهب وروى مع ذلك عن الأئمة عليهم السلام نظر فيما يرويه.
فان كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه وجب اطراح خبره.
وان لم يكن هناك ما يوجب اطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به. وان لم يكن من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك
ولا يخالفه، ولا يعرف لهم قول فيه، وجب أيضا العمل به، لما روى
عن الصادق عليه السلام انه قال: (إذا أنزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما
روى عنا {1} فانظروا إلى ما رووه عن على عليه السلام فاعملوا به)]

(2) عمر بن حنظلة العجلي، البكري، الكوفي. عده الشيخ الطوسي في رجاله من
أصحاب الامام الصادق عليه السلام.
(3) انظر الكافي 1: 67 حديث 10. [من هنا سقط من النسخة المطبوعة].
379

[ولاجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث
ابن كلوب (1) ونوح بن دراج {2}، والسكوني (3)، وغيرهم من
العامة عن أئمتنا عليهم السلام فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم
خلافه {4}.
وأما إذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحية، والواقفة،
والناووسية وغيرهم نظر فيما يرويه: فان كان هناك قرنية تعضده
أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم، وجب العمل به. وان كان
هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين، وجب اطراح ما اختصوا]

(1) غياث بن كلوب بن فيهس البجلي، له كتاب عن إسحاق بن عمار. قاله الشيخ
الطوسي في الفهرست.
(3) إسماعيل بن أبى زياد السكوني، نسبة إلى السكون حي من اليمن، ويعرف
أيضا بالشعيرى. واسم أبى زياد مسلم.
(5) قال العلامة في الخلاصة " 175 ": نوح بن دراج كان من الشيعة، وكان
قاضى الكوفة، واعتذر عن ذلك بأنه سأل أخاه لم لا تأتى المسجد؟ فقال: ليس لي
أزار.
380

[بروايته والعمل بما رواه الثقة. وان كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه
ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه، وجب أيضا العمل به
إذا كان متحرجا في روايته موثوقا في أمانته، وان كان مخطئا
في أصل الاعتقاد. ولاجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل
عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران، وعلى
بن أبى حمزة (1)، وعثمان بن عيسى (2)، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو
فضال وبنو سماعة والطاطريون (3) وغيرهم، فيما لم يكن عندهم
فيه خلافه.
وأما ما ترويه الغلاة والمتهمون والمضعفون وغير هؤلاء، فما
يختص الغلاة بروايته، فان كانوا ممن عرف لهم حال استقامة
وحال غلو، عمل بما رووه في حال الاستقامة، وترك ما رووه في حال
تخليطهم خطأهم، ولاجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب محمد]

(1) على بن أبى حمزة، واسم أبى حمزة سالم البطائني، أبو الحسن، مولى الأنصار
كوفي، وكان قائد أبى بصير يحيى بن القاسم، وهو أحد عمد الواقفة.
(2) أبو عمرو، عثمان بن عيسى الرواسي، العامري، الكلابي. كان شيخ الواقفة
ووجهما، وأحد الوكلاء المستبدين بمال الامام موسى بن جعفر عليه السلام وروى عن أبى
الحسن عليه السلام.
(3) منهم: على بن الحسن بن محمد الطائي الجرمي، المعروف بالطاطرى. وانما
سمى بذلك لبيعه ثيابا يقال لها: الطاطرية. يكنى أبا الحسن. كان فقيها، ثقة في حديثه، وكان
من وجوه الواقفة وشيوخهم، وهو أستاذ الحسن بن محمد بن سماعة الصيرفي الحضرمي
قاله النجاشي في رجاله.
381

[ابن أبى زينب في حال استقامته وتركوا ما رواه في حال تخليطه
وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائى، وابن أبى عذاقر وغير
هؤلاء.
فأما ما يرويه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كل حال.
وكذلك القول فيما ترويه المتهمون والمضعفون. وان كان هناك ما
يعضد روايتهم ويدل على صحتها وجب العمل به. وان لم يكن
هناك ما يشهد لروايتهم بالصحة وجب التوقف في اخبارهم، ولاجل
ذلك توقف المشايخ عن أخبار كثيرة هذه صورتها ولم يرووها
واستثنوها في فهارسهم من جملة ما يروونه من التصنيفات
فأما من كان مخطئا في بعض الافعال أو فاسقا بافعال الجوارح
وكان ثقة في روايته، متحرزا فيها، فان ذلك لا يوجب رد خبره،
ويجوز العمل به لان العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه، وانما
الفسق بافعال الجوارح يمنع من قبول شهادته وليس بمانع من
قبول خبره، ولاجل ذلك قبلت {1} الطائفة أخبار جماعة هذه
صفتهم.]
382

[فأما ترجيح أحد الخبرين على الاخر من حيث ان أحدهما يقتضى
الحظر والاخر الإباحة والاخذ بما يقتضيه الحظر أولى أو الإباحة.
فلا يمكن الاعتماد عليه على ما نذهب إليه في الوقف، لان الحظر
والإباحة عندنا مستفادان بالشرع فلا ترجيح بذلك، وينبغي
لنا التوقف {1} فيهما جميعا، أو يكون الانسان فيهما مخيرا في العمل
بأيهما شاء.
وإذا كان أحد الراويين يروى الخبر بلفظه والاخر بمعناه
ينظر في حال الذي يرويه بالمعنى، فان كان ضابطا عارفا بذلك
فلا ترجيح لأحدهما على الاخر، لأنه قد أبيح له الرواية بالمعنى
واللفظ معا فأيهما كان أسهل عليه رواه. وان كان الذي يروى الخبر
بالمعنى لا يكون ضابطا للمعنى أو يجوز أن يكون غالطا فيه، ينبغي]
383

[أن يؤخذ بخبر من رواه باللفظ.
وإذا كان أحد الراويين أعلم {1} وأفقه وأضبط من الاخر،
فينبغي أن يقدم خبره على خبر الاخر ويرجح عليه ولاجل ذلك
قدمت الطائفة ما يرويه زرارة، ومحمد بن مسلم (2)، وبريد (3)،
وأبو بصير (4) والفضيل بن يسار (5) ونظراؤهم من الحفاظ الضابطين
على رواية من ليس له تلك الحال.
ومتى كان أحد الراويين متيقظا في روايته والاخر ممن يلحقه
غفلة ونسيان في بعض الأوقات، فينبغي أن يرجح خبر الضابط]

(2) محمد بن مسلم بن رباح أبو جعفر الأوقص الطحان، مولى ثقيف الأعور، وجه
أصحابنا بالكوفة، فقيه، ورع، صحب أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام وروى عنهما،
وكان من أوثق الناس مات سنة (150 ه‍.) قاله النجاشي.
(3) قال النجاشي في رجاله: بريد بن معاوية، أبو القاسم العجلي. روى عن أبى
عبد الله وأبى جعفر عليهما السلام ومات في حياة أبى عبد الله عليه السلام. وجه من وجوه
أصحابنا، وفقيه أيضا، له محل عند الأئمة. مات سنة (150 ه‍).
(4) أبو بصير، يحيى بن القاسم الأسدي، ثقة وجيه، روى عن أبى جعفر وأبى عبد الله
عليهما السلام. وقيل يحيى بن أبى القاسم، واسم أبى القاسم إسحاق. وروى عن أبى الحسن
موسى عليه السلام. مات سنة (150 ه‍) قاله النجاشي.
(5) الفضيل بن يسار الهندي، أبو القاسم وقيل: أبو مسور. ثقة، روى عن أبى جعفر
وأبى عبد الله عليهما السلام ومات في أيامه.
384

[المتيقظ على خبر صاحبه، لأنه لا يؤمن أن يكون قدسها أو دخل عليه
شبهة أو غلط في روايته - وان كان عدلا لم يتعمد ذلك - وذلك لا ينافي
العدالة على حال.
وإذا كان أحد الراويين يروى (الخبر) سماعا وقراءة والاخر يرويه
إجازة، فينبغي أن يقدم رواية السامع على رواية المستجيز. اللهم الا
أن يروى المستجيز بإجازته أصلا معروفا، أو مصنفا مشهورا،
فيسقط حينئذ الترجيح.
وإذا كان أحد الراويين يذكر جميع ما يرويه ويقول انه سمعه
وهو ذاكر لسماعه، والاخر يرويه من كتابه، نظر في حال الراوي
من كتابه، فان ذكر ان جميع ما في كتابه سماعه فلا ترجيح لرواية
غيره على روايته، لأنه ذكر على الجملة انه سمع جميع ما في دفتره
وان لم يذكر تفاصيله، وان لم يذكر انه سمع جميع ما في دفتره وان
وجده بخطه أو وجد سماعه عليه في حواشيه بغير خطه، فلا يجوز له
أولا أن يرويه ويرجح خبر غيره عليه.
وإذا كان أحد الراويين معروفا والاخر مجهولا، قدم خبر
المعروف على خبر المجهول، لأنه لا يؤمن أن يكون المجهول على
صفة لا يجوز معها قبول خبره {1}]
385

[وإذا كان أحد الراويين مصرحا والاخر مدلسا، فليس ذلك مما
يرجح به خبره، لان التدليس هو: أن يذكره باسم أو صفة غريبة
أو ينسبه إلى قبيلة أو صناعة وهو
بغير ذلك معروف) فكل ذلك لا
يوجب ترك خبره.
وإذا كان أحد الراويين مسندا والاخر مرسلا، نظر في حال
المرسل، فان كان ممن يعلم انه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به فلا
ترجح لخبر غيره على خبره، ولاجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه
محمد بن أبى عمير (2) وصفوان بن يحيى (3)، وأحمد بن محمد]

(2) قال النجاشي في رجاله: محمد بن أبى عمير زياد بن عيسى أبو أحمد الأزدي
من موالى المهلب بن أبى صفرة، وقيل: مولى بنى أمية، والأول أصح. بغدادي الأصل
والمقام لقى أبا الحسن موسى عليه السلام وسمع منه أحاديث وروى عن الرضا عليه السلام
جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند مخالفينا. حبس في أيام الرشيد فقيل ليلى القضاء
وقيل بل ليدل على مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر عليه السلام. وروى انه
حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد.
(3) صفوان بن يحيى، أبو محمد البجلي. بياع السابري، كوفي، ثقة ثقة، عين
روى عن الرضا عليه السلام وكانت له عنده منزلة شريفة، وقد توكل للرضا وأبى جعفر
عليهما السلام، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة. مات سنة (210 ه‍).
386

[ابن أبى نصر (1) وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون
ولا يرسلون الا عمن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا
بمرسلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم.
فاما إذا لم يكن كذلك، ويكون ممن يرسل عن ثقة وعن غير
ثقة، فإنه يقدم خبره غيره عليه، وإذا انفرد وجب التوقف في خبره
إلى أن يدل دليل على وجوب العمل به.
فاما إذا انفردت المراسيل فيجوز العمل بها على الشرط الذي
ذكرناه ودليلنا على ذلك: الأدلة التي قدمناها على جواز العمل
بأخبار الآحاد، فان الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل،
فما يطعن في واحد منهما يطعن في الاخر، وما أجاز أحدهما أجاز
الاخر، فلا فرق بينهما على حال.
وإذا كان احدى الروايتين أزيد من الرواية الأخرى، كان العمل
بالرواية الزائدة أولى، لان تلك الزيادة في حكم خبر آخر]

(1) أحمد بن محمد بن عمرو بن أبى نصر زيد مولى السكون، أبو جعفر المعروف
بالبزنطى، كوفي، لقى الرضا وأبا جعفر عليهما السلام، وكان عظيم المنزلة عندهما. مات
سنة (221 ه‍).
(3) المعارج: الباب السابع، الفصل الخامس، المسألة السادسة.
387

[ينضاف إلى المزيد عليه.
فإذا كان مع أحدى الروايتين عمل الطائفة بأجمعها فذلك
خارج عن الترجيح {1} بل هو دليل قاطع على صحته وابطال الاخر.
فان كان مع أحد الخبرين عمل أكثر الطائفة، ينبغي أن يرجح
على الخبر الاخر الذي عمل به قليل منهم.
وإذا كان أحد المرسلين متناولا للحظر والاخر متناولا للإباحة فعلى مذهبنا الذي اخترناه في الوقف يقتضى التوقف فيهما، لان
الحكمين جميعا مستفادان شرعا وليس أحدهما بالعمل أولى من
الاخر. وان قلنا: انه إذا لم يكن هناك ما يترجح به أحدهما على الاخر {2}
كنا مخيرين كان ذلك أيضا جائزا {3} كما قلناه في الخبرين المسندين
سواء. وهذه جملة كافية في هذا الباب.]
388

تم المجلد الأول من الجزء الأول ويليه المجلد
الثاني أوله (الكلام في الأوامر) وذلك في غرة
ذي القعدة الحرام من السنة الثالثة بعد الأربعمائة
والألف للهجرة النبوية على مهاجرها وآله الطيبين
الطاهرين آلاف التحية والسلام والحمد لله أولا
وآخرا وظاهرا وباطنا
389