الكتاب: درر الفوائد
المؤلف: الشيخ عبد الكريم الحائري
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٥٥
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق: المعلق : الشيخ الأراكي والتحقيق : الشيخ محمد مؤمن القمي
الطبعة: الخامسة
سنة الطبع:
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

494
درر الفوائد
للعلامة المجدد مؤسس الحوزة العلمية بقم المقدسة
الأستاذ الأعظم آية الله العظمى
الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي طاب ثراه
1276 - 1355 ه‍ ق
مع تعليقات للمؤلف قدس سره
وتعليقات نافعة ورسالة في الإجتهاد والتقليد
لآية الله العظمى الحاج الشيخ محمد علي الأراكي " مد ظله "
الجزء الأول
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

الكتاب: درر الفوائد ج 1 و 2
المؤلف: مؤسس الحوزة العلمية في قم الشيخ عبد الكريم الحائري " قده "
المعلق: آية الله العظمى الشيخ الأراكي دام ظله والمؤلف رحمه الله
المحقق: حجة الاسلام والمسلمين الحاج الشيخ محمد مؤمن القمي
الموضوع: أصول الفقه
اللغة: عربي
عدد الصفحات: 735
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
الطبع: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الخامسة
المطبوع: 1000 نسخة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ولعنة
الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
إن مؤسسة النشر الإسلامي قد وقفت نفسها لإحياء العلوم الإسلامية، عن طريق
تحقيق وتصحيح وطبع ونشر الكتب العلمية التي ألفها أو يؤلفها علماؤنا الأبرار
قدماؤهم ومتأخروهم. وقد وفقها الله تعالى بهذا الصدد كثيرا - ولله الحمد أولا
وآخرا -، إذ قامت بطبع ونشر عشرات من الذخائر والمواريث الذهبية، في العلوم
الإسلامية المختلفة.
وأن لعلم أصول الفقه في العلوم الإسلامية مكانة رفيعة، فإنها قواعد ممهدة
لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، ويبتنى عليه استخراج القوانين الإلهية المتكلفة
لسعادة بني آدم في الدنيا والآخرة، وقد قام المحققون من علمائنا الأعلام بتهذيب هذه
القواعد الأصولية وإحكامها، وشيدوا بصرف أعمارهم الشريفة وأفكارهم الدقيقة
بنيانها. ثم ربما نظموا حاصل أفكارهم العميقة، وجعلوها في كتب قيمة خدمة للعلم
وأهله.
ومما ألف في هذا النظام مجموعة ألفها أستاذ الأساتذة العظام شيخ المشايخ
الكرام مؤسس الحوزة العلمية الكبرى بقم المشرفة، صاحب النفس الزكية القدسية
والأفكار العلمية القيمة، والتحقيقات الدقيقة المرضية، آية الله العظمى مولانا الحاج
الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي " قدس الله سره وأعلى الله في الخلد درجته "
وسماها ب‍ " درر الفوائد " فهي مشتملة على تحقيقات في علم الأصول بديعة، وتفكيرات
3

في تمهيد قواعدها بهية.
وإنه " قدس سره " كما تشهد به مواضع عديدة من متن الكتاب - ويأتي تفصيله
عن قريب - قد ألفها في زمان شيخه الأستاذ، أستاذ المحققين، آية الله العظمى المحقق
الخراساني صاحب كفاية الأصول " قدس سره "، ثم جعلها مدار بحثه في دورات
مختلفة وسنين متمادية، وزاد على أصلها مطالب جديدة وأبرزها بصورة التعليقة عليها،
وفي بعض الأحيان جعلها ضمن متنها.
ولنستمع إلى بيان نبذة من تاريخ حياة المؤلف وهجرتيه إلى إيران، وكيفية أمر
تأليف هذا الكتاب وكيفية أمر هذا التعليق والتكميل، إلى ما أفاده شيخ العلماء
والمجتهدين صندوق علم أستاذه المؤلف وخزينة سره آية الله العظمى الزاهد الورع التقي
الزكي الحاج الشيخ محمد علي الأراكي " أدام الله تعالى ظله وأطال بقاه ". (1)
قال " دام ظله ": إن أستاذنا المحقق المؤلف " طاب ثراه " قد هاجر بعد وفاة سيده
الأستاذ آية الله العظمى المجدد الحاج الميرزا حسن الشيرازي، وسيده الأستاذ آية الله
المحقق السيد الفشاركي " قدس سرهما " حوالي سنة 1316 ه‍. ق. إلى بلدة أراك في
إيران، وأقام بها طيلة ثمان سنوات، وقد أسس بها حوزة علمية حضرها جم عفير من
جهابذة العلم، وألف " رحمه الله " جميع المباحث الأصولية من المجلد الثاني، ومبحث
مقدمة الواجب، واجتماع الأمر والنهي والضد من مباحث الألفاظ، حين كان قاطنا
في بلدة أراك وكفاية الأصول لم تطبع بعد، ولدلك فقد كان ناظرا في هذه المباحث
إلى تعليقة أستاذه المحقق الخراساني " قدس سره " على الفرائد.
ثم عند بدء النهضة الدستورية في إيران عاد خفية إلى العراق في سنة 1324 ه‍. ق،
وحضر مجددا مدة قليلة بحث المحقق الخراساني في النجف الأشرف، ثم هاجر إلى
كربلاء المشرفة، وأقام بها حوالي ثمان سنوات، وأكمل بقية المباحث الأصولية طيلة
إقامته هناك، وكان ناظرا في تلك المباحث إلى ما أفاده المحقق الخراساني في الكفاية

(1) بما أنه " دام ظله " وضح هنا كيفية تأليف هذا السفر الجليل والتعاليق العائدة إليه فقد قدمناها على ما سيأتي في نبذة من حياة المؤلف " قدس سره ".
4

وكانت مطبوعة حينذاك.
قال دام ظله: " ولقد كتبت هذه التحقيقات الجديدة التي للأستاذ بصورة تعاليق
على كتاب الدرر، ثم جعل الأستاذ حلقة ولجنة كنت أحضرها في محضره الشريف،
وأقرأ ما كتبته عليه فيصححها ويصوبها، وكثيرا ما يلخص عبارتها، رغبة منه " قدس
سره " في إيجاز العبارات، وحذرا من الإطناب الممل، وربما غير بعض عبارات المتن
وجعل التعليقة في أصل الكتاب، وربما عدل عما اختار في المتن إلى رأي آخر جعل في
الهامش، وفرزت هذه التحقيقات والتعليقات بالصورة النهائية على ما يرضاها شيخنا
الأستاذ، وقد تم أمر البحث عن المباحث اللفظية على هذا المنوال، وأدام بعدها أيضا
هذه الجلسات، إلا أنه عاقه عن تتميم المرام بعض حوادث تلك الأيام، إلى أن دعا الله
تعالى أستاذنا إلى جواره، فلبى ربه الكريم، و " لدى الكريم حل ضيفا عبده " (1) وحرمنا
الاستضاءة بأنوار أفكاره " طيب الله ثراه وقدس أسراره ". إلى هنا تنتهي خلاصة ما
أفاده آية الله العظمى الأراكي " مد ظله العالي ".
ثم إنه قد ظهرت هذه التعليقات والتحقيقات ضمن المجلد الأول من الكتاب،
الحاوي لمباحث الألفاظ، وطبعت في حياة المؤلف المحقق، وهي الطبعة الثالثة من
الكتاب، المطبوعة سنة 1355 ه‍. ق.
وأما بقية هذه التحقيقات فقد بقيت محفوظة عند آية الله العظمى الشيخ
الأراكي " أدام الله تعالى ظله العالي " وقد تفضل " دام ظله " على المؤسسة - على ما كان
هو المأمول من سماحته - فجعل هذه التعليقات مع ضمائم أخر مباركة باختيارنا،
فوجدنا أنها متعلقة بمباحث القطع والظن، فكتبناها وجعلناها في موضعها من
الكتاب. وهذه التحقيقات جميعها تعليقات وضعناها ذيل صفحات الكتاب، إلا
موضعا واحدا، وهو آخر البحث عن قيام الأمارات والأصول مقام القطع، فان فيه
تغيير عبارة المتن، فجعلنا هذه العبارة المحققة هو الأصل والمتن، وجئنا بالعبارة السابقة

(1) هذه الجملة تاريخ وفاة المؤلف المحقق " قدس سره " بحساب الجمل الكبيرة، وهي سنة
1355 ه‍. ق.
5

في الذيل فلعلها لا تخلو عن إفادة.
ثم إن لآية الله العظمى الأراكي " مد الله تعالى ظله العالي " تعليقات وتحقيقات
أصولية على كتاب الدرر، في مباحث الألفاظ، والأصول العملية، ومبحث التعادل
والترجيح، قد تفضل بها على المؤسسة، وجعلها تحت تصرفها، وهذه التعليقات
والتحقيقات، ما كانت منها متعلقة بمباحث الألفاظ وضعناها مستقلة عن متن
الكتاب، وجئنا بها بعد انتهاء المجلد الأول، ورمزنا في متن الكتاب رقما منجما في
موارد التعليقة، ليكون تنبيها عليها، وأفردنا هذه التحقيقات والتعليقات عن المتن
لجهات ثلاث:
1 - اشتمال الكتاب على تعليقات المحقق المؤلف " قدس سره " فرأينا أن الإتيان
بهذه التعليقات أيضا ربما يوجب تشويش ذهن القارئ.
2 - إن هذه التعليقات ربما كانت مطولة جدا، تزيد على المتن بكثير، لاشتمالها
على مطالب جديدة ونكات لم يتعرض لها في المتن، فكان إفرادها أولى.
3 - إن قسما من هذه التحقيقات لم يكن بصورة التعليقة على الكتاب - وإن كان
ناظرا إلى ما تضمنه - بل هو بصورة مستقلة، فلذلك لا يمكن إدراجها بصورة التعليقة في
ذيل الكتاب، فأفردناها جميعها في آخر المجلد الأول استطرادا. هذا بالنسبة إلى ما
يتعلق من هذه التحقيقات بمباحث الألفاظ المجموعة في المجلد الأول.
وأما تعلقت منها بمباحث الأصول العملية ومبحث التعادل والترجيح، فحيث
لم يكن للمؤلف المحقق " قدس سره " تعليقات على هذه المباحث، وكانت جميعها في
صورة التعليقة المجملة، فلذلك أدرجناها في هامش الكتاب بصورة تعليقات في ذيل
الصفحات، مشيرين في المتن برقم إلى موضع التعليقة، ورمزنا في آخر كل تعليقة برمز
مختصر إلى اسمه الشريف، وكذلك فعلنا مع تعليقات المؤلف المحقق " قدس سره ".
ثم إن الكتاب لما كان خاليا عن بحث " الاجتهاد والتقليد " وقد كتب آية الله
العظمى الأراكي " مد ظله العالي " ما أفاده أستاذ المحقق في ذلك البحث، في رسالة
بصورة مختصرة مناسبة لوضع الكتاب، فزاد " دام ظله " في منه علينا، وأذن في طبع
هذه الرسالة في آخر الكتاب.
6

فصارت - ولله الحمد - موسوعتنا هذه كاملة كافلة بهذه المزايا والنكات
والتحقيقات.
طبعات الكتاب
طبع كتاب " درر الفوائد " قبل هذا أربع طبعات:
1 - الطبعة الحجرية، وقد طبع المجلد الأول منه في سنة 1337 ه‍، والمجلد الثاني منه
في سنة 1338 ه‍ بجهد العلامة الحجة الحاج السيد إسماعيل ابن آية الله الحاج آغا
محسن الأراكي " قدس سرهما ".
2 - الطبعة الحجرية أيضا، المطبوعة في سنة 1344 ه‍، بطهران، في مطبعة
" اتحاد ".
3 - الطبعة الحجرية أيضا، المطبوعة في سنة 1355 ه‍، في أواخر حياة المؤلف
" قدس سره " وكان المطبوع في هذه الطبعة خصوص مباحث الألفاظ منه، وهذه
الطبعة أصح طبعات الكتاب وأتقنها، وقد اشتملت - كما أشرنا إليه - على زيادات في
ذيل الصفحات، هي تحقيقات جديدة من المؤلف المحقق " قدس سره "، وقد مر شرح
أمرها. وهذا الطبعات الثلاث كلها كانت زمن حياة المؤلف " طاب ثراه ".
4 - الطبعة المنضدة بالحروف الرصاصية، وهذه الطبعة طبعت بعد وفاة المؤلف
" قدس سره "، وهي أيضا قد اشتملت في مجلدها الأول - وهو الحاوي لمباحث الألفاظ
- على تعليقات المؤلف، كما في الطبعة الثالثة، ومجلدها الثاني خال عنها كالطبعات
السابقة. وهي وإن كانت سهلة التناول للمطالع من جهة طبعها بالحروف
الرصاصية، إلا أنها أيضا مشتملة على أخطاء مطبعية كثيرة، وعلى حذف بعض
الكلمات بل عبارات أيضا. ومع ذلك فقد قام بعض ناشري الكتب بتجديده هذه
الطبعة الرابعة بصورة فتوغرافية، لنفاد نسخ الكتاب، وحاجة طلاب العلم إلى تناوله.
الطبعة الخامسة للكتاب ومزاياها
والآن فقد قامت مؤسستنا " مؤسسة النشر الإسلامي " بالطبعة الخامسة للكتاب
7

وهي مشتملة على مزايا جديدة، ما يلي بعضها:
1 - اشتمالها على تحقيقات وتعليقات المؤتلف " قدس سره " على مباحث
القطع والظن، بشرح قد مضى.
2 - اشتمالها على تحقيقات وتعليقات لآية الله العظمى الأراكي " دامت بركاته "
على مباحث الألفاظ والأصول العملية ومبحث التعادل والتراجيح، بشرح قد مضى
أيضا.
3 - اشتمالها على رسالة الاجتهاد والتقليد، من إفادات المؤلف المحقق " قدس
سره " بقلم آية الله العظمى الأراكي " مد ظله العالي " بالشرح الماضي.
4 - اشتمالها على الأسلوب الأحسن في الطبع، وعلى رعاية المحاسن المطبعية،
وإعمال الدقة اللازمة في التصحيح المطبعي.
5 - إعمال الدقة في تصحيح أصل النسخة " متنا وهامشا ".
كيفية عملية التصحيح:
برغم ما بذلناه من الفحص والتفتيش عن خط المصنف " قدس سره " لم نعثر
عليه، إلا أنه اعتمدنا في تصحيح المتن على نسخة آية الله العظمى الأراكي " دامت
بركاته " التي قد صححها " مد ظله " بنفسه، مقابلة على نسخة المؤلف " قدس سره ".
ولما لم تكن مشتملة في أول بعض الفصول على العناوين الخاصة، زدناها عليها - تبعا في
الأكثر للطبعة الرابعة - وجعلناها داخل معقوفتين بهذه الصورة []، كما أنه قد اعتمدنا
في تصحيح التعليقات المطبوعة سابقا على النسخة الخطية التي كانت موجودة عند آية
الله العظمى الأراكي " مد ظله العالي " وكما أن الاعتماد في التعليقات غير المطبوعة
التي للمؤلف " قدس سره " وفي رسالة الاجتهاد والتقليد وفي جميع تعليقات آية الله
العظمى " دامت بركاته " كان على نسخة الأصل تفضل بها سماحته، وصورتها
الفتوغرافية موجودة في مكتبة المؤسسة.
وأخبرا ترى هذه المؤسسة الزاما عليها أن تقدم شكرها المتواصل لكل من حضرة
آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد علي الأراكي " دام ظله " إذا أتحفنا بجوانب من
8

حياة مؤسس الحوزة العلمية بقم المقدسة مؤلف هذا الكتاب وكيفية تأليفه له
وتنظيمه وإعطاء النسخ الأصلية أو المصححة الموجودة عنده.
وهذا لسماحة العلامة حجة الاسلام والمسلمين الحاج الشيخ محمد المؤمن
القمي حيث كان له السعي الحثيث في تحقيق الكتاب وتقديمه. وكذلك للعلامة
الشيخ محمد هادي اليوسفي في تنظيمه لحياة المؤلف " قدس سره ".
ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في جميع الأعمال، وأن يتقبل منا بكرمه
العميم وأن ينصر جنود الإسلام نصر عزيز مقتدر، ويمدهم بملائكته، ويفتح له فتحا
يسيرا، وأن يديم بقاء سيدنا الإمام الخميني إلى قيام مهدي الأمة عليه الصلاة والسلام
بدولته الكريمة التي يعز بها الإسلام وأهله، وأن يجعلنا من الدعاة إلى طاعته والقادة
إلى سبيله، وأن يوفقنا لإحياء آثار كبار علماء الاسلام ورجال مدرسة أهل بيت
الوحي والرسالة، آمين.
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
9

الصفحة الأولى من تعليقات
آية الله الشيخ الأراكي " مد ظله " على مباحث الألفاظ
10

الصفحة الأولى من تعليقات
آية الله الشيخ الأراكي " مد ظله العالي " على مباحث البراءة
11

الصفحة الأولى من تعليقات المرحوم
آية الله العظمى الشيخ الحائري " قدس سره " على مباحث القطع
12

الصفحة الأولى من رسالة الاجتهاد والتقليد
بخط مؤلفها آية الله العظمى الشيخ الأراكي " دام ظله "
13

الصفحة الأخيرة من درر الفوائد " الجزء الأول "
المصححة على يد آية الله الشيخ الأراكي " مد ظله "
14

الصفحة الأخيرة من درر الفوائد " الجزء الثاني "
المصححة على يد آية الله العظمى الشيخ الأراكي " أطاله الله عمره "
15

حياة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الشخصيات الخالدة:
إن عجلة الزمن في دورانها المستمر لا تلف في طياتها أشخاصا بارزين فحسب، بل
حتى كثيرا من آثارهم، فلا يبقى منها أتر يذكر. ولكن يستثنى من هذه السنة الطبيعية
أولئك النماذج الانسانية الذين تقربوا بأعمالهم إلى ربهم حتى كانوا من أوليائه، فإنهم
لعظمتهم وصلابتهم يستثنون من هذه السنة الطبيعية الجارية، فهم كما قال
علي عليه السلام: " باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة " (1)
فكأنهم مستثنون مما يروى عن الرسول الكريم: " إن الشمس والقمر يبليان كل
جديد ". هؤلاء هم رجال العلم والفضيلة، الذين يخلدون في ذاكرة الناس بما يقدمون
لهم من خدمة صادقة مخلصة.
آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري:
ومن هؤلاء النماذج النادرة مؤسس الحوزة العلمية بمدينة قم المشرفة المرحوم آية الله
العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي المهرجردي الميبدي " قدس الله
سره " فهو من الأحياء الخالدين الذين لا تنسى الخواطر ذكرهم.
في سنة 1276 ه‍. ق في قرية " مهرجرد " من نواحي ميبد في محافظة يزد، وفي وسط
عائلة مؤمنة تعمل في حقل الزراعة، فتح عينيه على الحياة وليد - قدم في مقتبل حياته

(1) نهج البلاغة، القسم الثالث: قصار الحكم، الكلمة: 147 ط. صبحي الصالح.
17

خدمات مهمة وقيمة إلى الأمة والثقافة الإسلامية، وأصبح له حق عظيم على علمائنا
وحوزاتنا العلمية - هو المرحوم آية الله العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس
الحوزة العلمية بمدينة قم المقدسة.
قال شيخ المشايخ العظام آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد علي الأراكي " دام
ظله العالي ": " إن للمترجم له قصة عجيبة من بدء تكونه، وكان حدوثه بخرق العادة
ودعاء أبيه. وبقاؤه أيضا بدعاء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وكيفية حمل أمه به
تشبه الإعجاز، وهو إن أباه محمد جعفر لم يرزق ولدا رغم مرور سنوات على زواجه،
فتزوج أخرى بالعقد المنقطع رجاء انجاب ولد منها، وفي ليلة دخوله بها، أيقظت بنتا
لها من زوجها السابق وأخرجتها من البيت، فكانت الطفلة تبكي لذلك، فرق قلبه
عليها، وتوجه بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بقلب منكسر حزين قائلا: اللهم أنت
القادر على أن تهب لي ولدا من زوجتي الأولى حتى لا أكون سببا لإيذاء وبكاء هذه
الطفلة اليتيمة، فاستجاب له ربه، ووهب له من من زوجته الأولى هذا الولد المبارك ".
دراساته ورحلاته:
في أردكان ويزد: تعلم مبادئ العلوم العربية والإسلامية في بلدة أردكان في محضر
مجد العلماء الأردكان وغيره، ثم انتقل إلى مدينة يزد فدخل " مدرسة الخان " والتحق
بحلقة تلامذة المرحوم الحاج السيد ميرزا حسين وامق والسيد يحيى المجتهد اليزدي
الكبير.
في سامراء: قال السيد الأمين في " أعيان الشيعة: " فكان تتملذه (أي المرحوم الشيخ
عبد الكريم) في المتون على العلامين الميرزا إبراهيم الشيرواني المحلاتي الشيرازي
والحاج الشيخ فضل الله نوري، وفي الأبحاث الخارجة على العلامة السيد محمد الفشاركي الإصبهاني (1).
وحكى آية الله العظمى الأراكي " دام ظله " إنه " قدس سره " حين إذ ورد

(1) أعيان الشيعة، ج 8، ص 42، طبعة دار التعارف.
18

العراق ورد أمه على الفاضل الأردكاني بكربلاء، ولما كان المؤمن ينظر بنور الله
فقد تفرس فيه الخير والمستقبل الجيد، فكتب كتابا إلى سامراء إلى العلامة الحجة آية
الله العظمى المؤسس الحاج السيد الميرزا حسن الشيرازي " قدس سره " كتب فيه ما
كتب مما وجد فيه من آثار النبوغ وشطرا وافيا مما تفرس منه، وأوصى إلى السيد
بمراعاته وتهيئة أموره في التحصيل والمعاش، فلما قرأ السيد الكتاب تولى أموره وأسكنه
في دار مع ولده الحاج ميرزا على آغا، فكان يقرأ العلوم مع ولده تحت رعاية الميرزا
ومراقبته التامة، حتى عد من خواص أهل بيته وكواحد من أولاده.
في النجف الأشرف: قال الشيخ آغا بزرك الطهراني في " طبقات أعلام الشيعة " ما مضمونه:
وحضر [في سامراء] على السيد المجدد الشيرازي والميرزا محمد تقي الشيرازي وغيرهما،
فقد لازم حلقات دروسهم سنوات طويلة. وبعد وفاة المجدد هاجر السيد الفشاركي إلى
النجف الأشرف فصحبه المترجم له وظل ملازما لدروسه إلى أن توفي في سنة
1316 ه‍. ق، فلازم درس الشيخ محمد كاظم الخراساني وكان من أجلاء تلاميذه
وبارزي حوزة درسه.
في كربلاء: وهبط كربلاء قبل وفاة الخراساني، فالتف حوله عدد من الطلاب
فاشتغل بالتدريس والإفادة، وكان الميرزا محمد تقي الشيرازي حينئذ في كربلاء يجله
ويشير إليه ويعترف بفضله ومكانته حتى أنه أرجع احتياطاته إليه، فألفت بذلك إليه
الأنظار وأحله مكانة سامية في النفوس.
حوزته في أراك: وفي أوائل سنة 1333 ه‍. ق سافر إلى إيران لزيارة مشهد الإمام
الرضا عليه السلام، في خراسان، وتلقى دعوة من بعض وجوه أراك للإقامة عندهم،
فهبط " سلطان آباد " المسماة اليوم ب‍ " أراك "، وكان هناك بعض أهل العلم فعنى
بتدريسهم وتنمية مواهبهم، فكان أن ازداد عددهم وبلغ نحو ثلاثمائة طالب علم،
وأقبل الطلاب عليه وأصبحت المدينة مركزا ثقافيا وعلميا على بساطتها. ولما انتقل
الشيخ محمد كاظم الخراساني إلى رحمه الله راجع الشيعة في التقليد السيد محمد كاظم
اليزدي المتوفى سنة 1337 ه‍، والشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي المتوفى سنة
1338 ه‍، وشيخ الشريعة الإصفهاني المتوفى سنة 1339 ه‍، واتجه إليه أيضا عدد من
19

المقلدين وحاز ثقة العامة فضلا عن الخاصة (1).
وقال: وقد سمعت على عهد شيخنا الشيرازي أنه طلب إلى
المترجم له ان يعود إلى النجف بعد وفاة السيد اليزدي في 1337 ه‍ لينص عليه ويحمله
أعباء المرجعية، لولا أن حال دون ذلك انتقال الشيرازي إلى رحمة الله في سنة 1338 ه‍ (2).
هذا ما يوجد في كتابي أعيان الشيعة وطبقات أعلام الشيعة في كيفية
إقامة المترجم له بكربلاء المشرفة وهجرته إلى أراك إيران وتأسيس الحوزة بها.
إلا أن شيخ المشايخ العظام آية الله العظمى الأراكي قد نقل الأمر في هجرته إلى
إيران وإقامته بكربلاء على مزيد من ذلك وإليكم نص مقاله:
قال " دام ظله ": إن أستاذنا المحقق المؤلف " طاب ثراه " قد هاجر بعد وفاة سيده
الأستاذ آية الله العظمى المجدد الحاج الميرزا حسن الشيرازي وسيده الأستاذ آية الله
المحقق السيد الفشاركي " قدس سرهما " حوالي سنة 1316 ه‍. ق إلى بلدة أراك في
إيران وكان ذلك بان التمس العلامة السيد محمود الأراكي من المرحوم الشيخ الحائري أن يهاجر
إلى بلدة أراك فأبى ذلك لسببين: الأول ممانعة أستاذه الآخوند والآخر ممانعة أمه
لأنها جاورت العتبات المقدسة في كربلاء لتدفن فيها، ولكن السيد أصر على ذلك
واستطاع أن يقنع الآخوند الخراساني وكذا والدة الشيخ الحائري فها جز الشيخ إلى
أراك سنة 1316 ه‍. ق وأقام بها طلية ثمان سنوات، وقد أسس بها حوزة علمية قد
حضرها جم غفير من جهابذة العلم وألف " رحمه الله " جميع المباحث الأصولية من المجلد
الثاني، ومبحث مقدمة الواجب، واجتماع الأمر والنهي والضد من مباحث الألفاظ
حين كان قاطنا في بلدة أراك، وكفاية الأصول لم تطبع بعد، ولذلك فقد كان ناظرا
في هذه المباحث إلى تعليقة أستاذه المحقق الخراساني " قدس سره " على الفرائد. ثم عند
بدء النهضة الدستورية في إيران عاد مرة أخرى خفية إلى العراق في سنة 1324 ه‍. ق،
وحضر مجددا مدة قليلة بحث المحقق الخراساني في النجف الأشرف، ثم هاجر إلى

(1) طبقات أعلام الشيعة: ج 3، ص 1158، 1159.
(2) طبقات أعلام الشيعة: ج 3، ص 1164.
20

كربلاء المشرفة، وأقام بها حوالي ثمان سنوات، وأكمل بقية المباحث الأصولية طيلة
إقامته هناك وكان ناظرا في تلك المباحث إلى ما أفاده المحقق الخراساني في الكفاية
وكانت مطبوعة حينذاك، ثم هاجر هجرة ثانية إلى إيران بلدة أراك، بدعوة العلامة
الحجة الحاج السيد إسماعيل ابن المرحوم آية الله الحاج الآغا محسن الأراكي " قدس
سرهما " وأنشأ مجددا حوزة علمية، وأفاد إفادات كثيرة مدة ثمان سنوات تقريبا، ثم
هاجر في سنة 1340 ه‍. ق. إلى بلدة قم المشرفة، وأسس بها الحوزة العلمية المباركة.
حوزته في قم المقدسة: وقال صاحب أعيان الشيعة: ثم زار (أي الشيخ عبد الكريم
رحمه الله) مدينة قم المباركة، فاتفقت رغبات جماعة من أهلها وغيرها على إقامته فيها،
فسألوه ذلك، فأجابهم وبقى هناك مشتغلا بالتدريس وسائر الأمور الدينية، فتقاطر إليه
الطلاب من كل حدب وصوب، وغصت بهم المدارس حتى زاد عدد الطلاب والعلماء
على الألف، وقام بأعباء تنظيم دراستهم وإعاشتهم، واتخذ في تربية الطلبة وتعليمهم
مسلكا صحيحا على أتقن نظام وأحسن أسلوب، حاز شيئا كثيرا من القبول عند
العامة والخاصة (1).
وفي " طبقات أعلام الشيعة ": هبط (المترجم له) مدينة قم المشرفة في شهر
رجب سنة 1340 ه‍، فنظم من كان فيها من طلاب العلم تنظيما عاليا وأعلن عن
عزمه على جعلها مركزا علميا يكون له شأنه في خدمة الإسلام وإشادة دعائمه، وطفقت
الحقوق الشرعية والهبات تتوالي عليه من شتى مدن إيران فوسع العطاء على الطلاب
والعلماء وبذل عليهم بسخاء، وسن نظاما للدراسة وقرر ترتيبا مقبولا للإشراف على
تعليم الطلاب وإجراء الامتحان السنوي، وأكثر من الترغيب بغية اجتذاب الناس
وإدخال من يرغب في الحوزة العلمية، والناس - بحمد الله - منذ ذلك الحين ذو عقيدة
راسخه وإيمان ثابت واهتمام بشأن الدين ورجاله واحترام لحملته وطلابه، وقد أبدى
في كل ذلك كياسة وكفاءة، ودلل على عقلية جبارة، ونفس كبيرة، وصدر رحب ولم
يكن ليكنز الأموال الطائلة من الحقوق الشرعية عنده وتحت يده، بل ائتمن بعض

(1) أعيان الشيعة: ج 8، ص 42، طبعة دار التعارف.
21

أصحاب المتاجر من الصلحاء عليها، وكان يصدر أمره بتوزيعها من قبله على مستحقيها وعلى
سائر المشاريع المخصصة لها (1).
قال آية الله العظمى الشيخ الأراكي دام ظله: أنا أعتقد أن حدوث الحوزة
العلمية بقم، وإجراء ما أخبر الأئمة المعصومون " عليهم السلام " من غروب العلم من
الكوفة وطلوعه في قم على يد المرحوم الشيخ عبد الكريم كان من بركات وعنايات سيد
الشهداء (عليه السلام). وحكى في ذلك قصة عجيبة، والقصة هكذا: حكي عن
الحجة الحاج آغا حسن فريد عن أبيه الحجة الحاج آغا مصطفى زميل المترجم له " قدس
سرهما " أن المترجم له " رحمه الله " رأي ليلة - حينما كان قاطنا في كربلاء قبل هجرته
الثانية إلى أراك وقم - أنه " رحمه الله " لم يعتن بذلك ونسيه، وكان مشتغلا
باشتغالاته العلمية، حتى إذا كان يوم الخميس خرج مع عدة من زملائه إلى البساتين
التي حول كربلاء ولم يلبث هناك شيئا حتى أخذه البرد الشديد وارتعدت فرائصه ولم
يمنعه عن البرد لبس الألبسة، فأركبوه ووصل البيت بشق النفس وهو على أرد، حال.
ثم اشتد مرضه حينا بعد حين حتى يئسوا منه، ووجد نفسه في حالاته الاحتضار إذ
جاءه الملك الموكل بقبض الأرواح لقبض روحه، فتذكر ما رأي في المنام، فتوجه في
تلك الحالة إلى حضرة سيد الشهداء (عليه السلام) قائلا: يا أبا عبد الله أعلم أن الموت
حق ولكن يدي صفر من الزاد ليوم المعاد. ألتمس منك الدعاء لتمديد عمري إلى أن
أستعد لمقري وأعد له عدة، فجاء ملك آخر وقال للأول: إرفع يدك عنه فقد مد في
عمره بدعوة أبي عبد الله الحسين، فوجد في نفسه قوة وطلب الماء وفرح أهله والحاضرون
حوله مما رأوه فرحا شديدا، بعد ما كانوا قبل لحظات يبكون عليه. ثم زال المرض عنه
بسرعة من غير معاجلة.
وكان الشيخ الحائري رحمه الله متمسكا بالأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وكان في
مقدمة من خرج من أهل العلم بأمر السيد الشيرازي في أيام عاشوراء، وهو يردد أشعارا

(1) طبقات أعلام الشيعة: ج 3، ص 1159، 1160.
22

عليهم كان مطلعها:
يا علي المرتضى غوث الحجي كهف الورى * قم مغيثا، آلك الأمجاد عن الظبي
فرأي الإمام المظلوم أبا عبد الله (عليه السلام)، أعطاه شيئا من السكر (نقل)،
وكان عذوبة بيانه في الدرس وحلاوة محضره في خارج الدرس من آثار تلك العناية
الحسينية. " انتهى كلام آية الله العظمى الأراكي ".
سمت مكانة الحائري في نفوس الشعب الإيراني المسلم وغيره وغطت شهرته
علماء إيران على الإطلاق، وصارت قم شرعة الوارد ونجعة الرائد، وثنيت له وسادة الزعامة
وألقيت إليه مقاليد الأمور، وأناط به أهل الحل والعقد ثقتهم، وأجمعوا على تقديمه
وتعظيمه. وقد اتفقت بعض الوقائع والحوادث في أوائل هجرته إلى قم ساعدت على
دعم شخصيته وبناء كيانه وإبرازه إلى الوجود كزعيم روحي له وزنه ومقامه.
إبعاد علماء العراق: منها: أن المصلح الكبير الحجة المرحوم الشيخ مهدي الخالصي
عند ما احتج على الاستكبار البريطاني لعدم وفائه بما قطع على نفسه من الوعود للشعب
العراقي بالاستقلال نفته الحكومة العراقية في 12 ذي القعدة سنة 1341 ه‍ إلى إيران،
فنهض العلماء تأييدا له واحتجوا على تبعيده فقامت الحكومة الملكية العلمية بنفي مجموعة
منهم أيضا، منهم الحجج السيد أبو الحسن الأصفهاني، والميرزا محمد حسين النائيني،
والسيد على الشهرستاني، والسيد عبد الحسين الحجة وغيرهم من العلماء واحتج آخرون
على نفي هؤلاء العلماء فخرجوا من العراق مغضبين.
زار الشيخ الخالصي مدينة قم ورحل منها إلى خراسان فسكنها إلى وفاته، وتفرق
الآخرون في البلاد. أما الأصفهاني والنائيني فقد كانا يومئذ أكبر علماء النجف وأشهر
مراجعها فاستقبلا من الحدود من قبل مختلف طبقات الشعب، وفي طليعتهم العلماء،
وأمر الحائري رجال العلم باستقبالهم على مسافة من قم، وجاء أحمد شاه القاجاري إلى
قم ومعه رجال دولته، فصار دار الحائري مهبطا لهم.
[قال آية الله العظمى الأراكي: " إنما جاء أحمد شاه إلى قم قبل مجيئهما، وأما عند
مجيئهما فقد جاء من قلبه رضاخان وكان حينذاك رئيس الوزراء لأحمد "].
23

تولى البهلوي بعد القاجارتين السلطة، وكان لتولى البهلوي تأثير بارز في تقليص جهود
الحائري والحد من نشاطه، إذا رافقت ذلك أحداث ووقائع جسام، وكانت سيرة البهلوي الخائن
واضحة في عزمه الأكيد وتصميمه على القضاء على الدين ومحو كل أثر لرجاله وشعائره
ورسومه، فقد سجن العلماء الكبار ونفى عددا منهم ودس السم لآخرين وفعل الأفاعيل
من قزوين إلى دست الحكم في طهران بغتة، لقد كان يعلم جيدا أن السلطة كانت
تستمد قوتها من الأجانب الذين لا هم لهم إلا القضاء على الدين الإسلامي الحنيف
ومحو تعاليمه وقبر دستوره المقدس " القرآن الكريم " فهم يطالبون بثاراتهم والخسائر التي
منوا بها في الحروب الصليبية التي شنوها ضد المسلمين، كما ظهر للعالم صدق هذه
الحقيقة بعد عشرين عاما تقريبا عند ما نحي البهلوي عن الحكم وأبعد في سنة
1361 ه‍.
أجل، لقد كان الحائري يعرف خفايا الأمور وأسرارها الدقيقة، ويعلم أن المخطط
الذي رسمه أسياد ذلك الطاغية سينفذ لا محالة. وكان يرى نفسه واحدا من المراجع
الذين لا يتورع الطاغية من سجنهم أو دس السم لهم، أو خنقهم في غربة النفي أو قعر السجون.
وكانت هناك حوزات علمية صغيرة في خراسان وطهران وتبريز وإصفهان
وغيرها من بلاد إيران، تمكن الحاكمون من تفريق شملها والقضاء عليها، وبقى همهم
منصرفا للقضاء على حوزة قم. إلا أن حنكة الحائري وإخوانه وصبرهم على المكاره
وتحملهم للصعاب قد حال دون ذلك، وقد كان في قم على عهد الحائري من العلماء
الكبار عدد غير قليل، منهم: الشيخ أبو القاسم الكبير، والشيخ أبو القاسم الصغير،
والميرزا جواد الملكي، والسيد حسين الكوچه حرمي، والميرزا صادق التبريزي، والسيد
فخر الدين القمي (شيخ الإسلام)، والميرزا محمد الكبير، والميرزا محمد الفيض، والشيخ
مهدي القمي، والسيد محمد باقر القزويني، والشيخ محمد تقي الإشراقي، والشيخ محمد
تقي البافقي اليزدي، والشيخ محمد علي الحائري، والشيخ نور الله الإصفهاني، وعشرات
غيرهم ممن أسهم بقسط كبير في التدريس وفي مساندة ودعم الشيخ الحائري ومشايعته
في الرأي. وقد تعرض معظم من ذكرناهم لصنوف الإرهاب والتعذيب من لدن الملك
24

الجاهل وحاشيته وحكومته الجائرة، كل ذلك من أجل هدم ما بناه الشيخ وإضعافه.
وكان الشيخ واثقا بأنه هو المقصود، وان تلك الاستفزازات تستهدف شخصه، فقد
كانوا يستفرونه بين الآونة والأخرى لعلهم يجدون ذريعة يحتجون بها عليه، ليواجه
المصير المرسوم، في وقت لا تتوقر فيه إمكانيات المواجهة والتصدي لكنه كان يقظا على
ذلك وغير غافل عنه.
وفي ذلك الوقت، وتلك الظروف السوداء قاوم هذا العالم المخلص ديكتاتورية
الملك وإباحيته، ووقف في وجهه مجندا كل إمكانياته و قابلياته، موطنا نفسه للعظام،
ومضحيا في سبيل دعوته بكل ما يملك. ولم تفت في عضده أو توهن من عزمه أو تسرب
اليأس والقنوط إلى نفسه كل تلك المحاولات اللئيمة، والمساعي الخبيثة التي بذلها
سماسرة السوء وزبانية الشر، وأعداء الدين والخير والفضيلة، وهكذا بقي يقاوم كل
ما يعترض طريقه من عقبات وعراقيل، حتى كلل سعيه بالنجاح وانتصر، وباء
خصومه بالصفقة الخاسرة، وعادوا يجرون أذيال الفشل " ولعذاب الآخرة أخزى وهم
لا ينصرون " (1).
أجل؛ في هذه الظروف كان الحائري يعمل على توسيع دائرة الحوزة العلمية في قم
ونشر الدعوة ودعم هيكل الدين وإشادة مجد الإسلام بتنفيذ أحكامه وتطبيق نظامه.
وهكذا نمت البذرة الصالحة في تلك التربة الطيبة، واتسعت الحوزة العلمية إتساعا غير
منتظر. وما مضت السنوات والأعوام حتى إزدهرت الحياة الدينية والثقافية، وتعددت
الهيئات العلمية. وإذا بالكيان الذي شادته البطولات الخارقة والهمم العالية، ضخما
جبارا يضاهي الثريا رفعة وشموخا.
كان " قدس سره " كثير البر بالطلاب والعلماء، شديد العطف عليهم والعنابة
بهم، ويرعى الصغير والكبير. وبالرغم من تعيينه لموزعي الرواتب وتوكيله للثقات من
أصحابه وتلامذته للقيام باللوازم والاستفسار عن النواقص، مع ذلك كان يتولى بعض
الأمور بشخصه ويباشرها بنفسه. وكان أعد لهم كل شئ قد يحتاجون إليه، حتى أنه

(1) سورة فصلت: الآية 16.
25

بني مستشفى خاصا لطلاب العلم (1) ليشعرهم بالكيان المستقل والكرامة الموفورة التي
كانوا يتمتعون بها. وفي الوقت الذي كان فيه رجال السياسة والأمراء والقادة والتجار
يتهافتون على بيته للثم أنامله وعرض أنفسهم لخدمته، كان " رحمه الله " يدور على غرف
الطلاب بمفرده للاطلاع على أحوالهم وأساليب معيشتهم، والوقوف على مدي عنايتهم
بالدرس والمطالعة. فكان يحث الكسالي ويشوقهم، ويمدح النشطين، ويمنح المتفوقين في
الامتحان جوائز قيمة. وكان يوصي الكل بالإخلاص في العمل والالتزام بتقوى الله
تعالى، ولم يسمع عنه - رغم كثرة من كان يعولهم من الطلاب - أنه رد طالبا، أو كسر
خاطرا، أو أخجل إنسانا، ولذلك كان الكل ينظرون إليه نظرتهم إلى الأب الرؤوف.
لماذا لم يقم بالثورة؟
كان الحائري من أشد المسلمين غيرة على نواميس الشرع الشريف، وقد تفاني في
خدمة الدين منذ نعومة أظفاره، وبذل نفسه ونفيسه في سبيل ذلك، ولا قي من المتاغب
والأذى ما ألمحنا إلى بعضه. ولم يكن فيه جبن ولا تخاذل، وقد كان يرى بأم عينيه
ما يجري على مقربة منه، ويسمع أصوات الاستنكار مرتفعة من كل جانب، ولكنه
كان يرى نفسه واحدا من سائر المراجع، لو قام بالثورة في وجه الطاغية لما اختلف
مصيره عن زملائه، ولذلك رأي أن صبره وسكوته أفضل ما داموا قد تركوه لحاله، وأن
ذلك أبقى للعمل الذي أوقف نفسه له، وأنفع للكيان العلمي الذي بدأ يرسخ ويقرب
من الكمال، وكان عمله هذا عين الصواب، والأمور مرهونة بأوقاتها. وهكذا ظل
كالطود الأشم يدير ذلك الكيان، ويدرأ عنه المخاطر، ويرد عنه غائلة العدو رغم
الكوارث والهنابث التي كانت تنزل بالشعب الإيراني المسلم على يد حاكمه الجبار
يوما بعد يوم، ولا سيما ما ينزل برجال الإصلاح والصلاح، فكان يرى كبار العلماء من

(1) وذلك في عام 1353 ه‍. أي قبل وفاته بعامين، من ثلث المرحوم سهام الدولة. ولذلك سمي:
مستشفى السهاميه، كما في تاريخ قم: صفحة 276 ويقع بين مستشفى فاطمية وثانوية الإمام الصادق
(عليه السلام.
26

زملائه يعانون آلام النفي والسجن، ويعاملون بمنتهى القسوة، ويدس لهم السم في المنفى
ويموتون خنقا في السجون (1). ويرى السفور وقد فرض على المحجبات وذوات العفة
والنجابة فرضا. وطلاب العلوم الدينية يساقون إلى الخدمة العسكرية زرافات
ووحدانا، والخمور تباع علنا حتى في المدن المقدسة كخراسان وقم وبالقرب من
المراقد الطاهرة. وغراء سيد الشهداء وزيارة قبور آل محمد بالعراق محظورة يعاقب عليها،
وأخيرا واقعة خراسان التي قتل فيها ألوف من العلماء والسادة والأشراف والزوار
والغرباء في " مسجد گوهرشاد " الملاصق لحرم الإمام الرضا (عليه السلام) حيث
وجهت المدافع إليهم فدفنوهم بدمائهم ظلما وعدوانا... لقد كان يرى ذلك كله بعينه
أو يسمعه وقلبه يقطر دما، لأنه لا يستطيع دفع الضر، وكانوا - مع ذلك - يبدون له
الاحترام ظاهرا ويجاملونه، وكان هو يحافظ على الشكليات ليدفع بها الشر عن الباقين
في بعض الحالات (2).
وقال السيد الأمين: " نزلنا في داره سنة 1353 في قم، فأنا بنا عنه في صلاة
الجماعة في الصحن الشريف مدة مقامنا بقم. وكان في مدرسته في قم نحو من 900
طالب، يجري على أكثرهم الأرزاق. وقد انحصرت الرئاسة العلمية فيه في وقته في
بلاد إيران وقلد فيها. عاشرناه مدة مقامنا عنده فوجدناه رجلا قد ملئ عقلا وكياسة
وعلما وفضلا، ومن وفور عقله أن الأموال كانت تحبي إليه من أقاصي إيران فيضعها
عند بعض التجار ويصرفها على الطبة بواسطة ذلك التاجر، ويأخذ لنفسه معاشا معينا
منها، وهذا دليل على وفور عقله. وكان قد جاء سيل إلى قم قبيل ورودنا إليها فأتلفت
دورا كثيرة تقدر بثلاثة آلاف دار، فأرسل البرقيات إلى كافة جهات إيران بطلب
الإعانات. فجاءه من الشاه من طهران عشرة آلاف تومان أحضرها الرسول ونحن على
الغداء فلم يمسها، وقال له: إدفعها للتاجر الفلاني، واختار لجنة تألفت من حاكم
البلد وجماعة من وجهائها تجتمع كل ليلة برئاسته للنظر في كيفية توزيع الإعانات " (3).

(1) كالشهيد السيد حسن المدرس الذي سموه ثم خنقوه بعمامته.
(2) طبقات اعلام الشيعة: ج 3 ص 1160 - 1165.
(3) أعيان الشيعة: ج 8، ص 42، ط دار التعارف.
27

ولعل قبوله لإعانة الشاه واشراكه حاكم البلد في لجنة توزيع الإعانات من تلك
الشكليات التي قال عنها آغا بزرك الطهراني انه كان يحافظ عليها ليدفع بها الشر عن
الباقين في بعض الحالات، ولهذا كانوا يبدون له الاحترام ويجاملونه في الظاهر.
وفاته، وآثاره:
قال آغا بزرك الطهراني: وصار يرغب للعزلة وينزوي عن الناس، لأنه يرى
ما يحل بهم ولا يقدر على مساعدتهم، وهكذا كان حتى مرض وتغلبت عليه العوارض
فتوفى في ليلة السبت 17 ذي القعدة الحرام سنة 1355 ه‍ فثلم الاسلام بموته، وخسر
المسلمون به زعيما كبيرا وركنا ركينا، وداخل النفوس من الخوف والهلع ما لا مزيد
عليه، إذ كانوا يعتصمون ويستظلون بظله، وقد جرى له تشييع عظيم قل نظيره. ودفن
في رواق حرم فاطمة (عليها السلام) بقم، حيث مقبرته المعروفة اليوم. وقد إتجهت نية
الحاكمين إلى محاربة الهيئة العلمية منذ اللحظات الأولى لموته، فقد عمدوا إلى تفريق
المشيعين بسرعة، ثم منعوا من إقامة الفواتح عليه علنا، فكانت تقام في الزوايا والبيوت
شهورا.
وترك الحائري من الآثار:
كتاب الصلاة في الفقه، والتقريرات في أصول الفقه من بحث أستاذه الفشاركي،
وقد استخرج منه كتابه الآخر درر الأصول (1)، وهو حاو لمباحث الأصول برمتها ما عدا
الاجتهاد والتقليد، ويقال له: درر الفوائد أيضا. وقد طبع مجلده الأول في سنة
1337 ه‍، وهو هذا الكتاب الذي نقدم له.

(1) وقد ذكر المرحوم العلامة الشيخ محمد رضا الطبسي على ظهر نسخة من الكتاب ما هذا لفظه:
" سمعت منه " طاب ثراه ": أن الجزء الأول استفادة من مجلس السيد المرحوم العلامة السيد محمد الفشاركي
الأصفهاني، والجزء الثاني استفادة من مجلس المحقق المرحوم الآخوند الخراساني صاحب الكفاية " أعلى الله
مقامهم " وكان " ره " يذكر الآخوند في الدرس بالتعظيم والتجليل ".
28

أولاده:
قال: وله من الأولاد: الشيخ مرتضى، وهو أحد علماء قم المعروفين (1). والشيخ مهدي،
وقد أرسله المرحوم السيد البروجردي " قدس سره " وكيلا عنه إلى واشنطن بالولايات
المتحدة الأمريكية مرشدا للمسلمين هناك (2).
مصادر ترجمته:
قال: وقد ذكر المترجم له وكتب في ترجمة أحواله ورحلاته ورئاسته للحوزة
العلمية مفصلا صاحب " آئينه دانشوران " المطبوع جزؤه الأول في سنة 1353 ه‍.
وألف الفاضل الشيخ محمد الرازي كتاب " آثار الحجة - يا - تاريخ ودائرة المعارف
حوزه علميه قم " في جزءين طبعا في سنة 1373 و 1374 ه‍ خص الجزء الأول به
وبسيرته وبزملائه إلى وفاته، والثاني بالسيد البروجردي وأعماله وتلامذته " (3). وأرخ
وفاته الحجة السيد صدر الدين الصدر " قدس سره " بأبيات نحتت على صخرة قبره قال
فيها:
عبد الكريم آية الله قضى * وانحل من سلك العلوم عقده
أجدب ربع العمر بعد خصبه * وهد أركان المعاني فقده
كان لأهل العلم خير والد * وبعده أمست يتامى ولده
كوكب سعد سعد العلم به * دهرا وغاب اليوم عنه سعده
في شهر ذي القعدة غاله الردى * بسهمه يا ليت شلت يده
دعاه مولاه فقل مؤرخا * (لدى الكريم حل ضيقا عبده) (55) 13 ه‍)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

((1) المتوفى في 24 / 6 / 1407 ه‍. ق، وقد نعاه الإمام الخميني - أطال الله عمره الشريف -.
عاد إلى طهران وهو بها اليوم يكتب ويدرس أحيانا في جامعة طهران في الفلسفة الإسلامية.
(2) طبقات اعلام الشيعة: ج 3، ص 1167.
29

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الذي علمنا معالم الدين ومعارج اليقين وأنار قلوبنا بلوامع السنة والكتاب المبين ووفقنا لتمهيد القواعد والقوانين لاستنباط أحكام سيد المرسلين والصلاة والسلام على أشرف سفرائه المقربين محمد خاتم النبيين وعلى اله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين اما بعد فيقول العبد المذنب المستجير برحمة ربه الكريم عبد الكريم الحائري غفر ذنوبه وستر عيوبه لما صنفت في سالف الزمان تصنيفا شريفا وتأليفا منيفا في علم الأصول ولو دعت فيه غالب مسائلها المهمة مراعيا فيه غاية الإيجاز والاختصار مع التوضيح والتنقيح ببيانات شافية وعبارات وافية بحيث يكون سهل التناول لطالبه مجتنبا عن ذكر ما لا ثمرة فيه وسميته بدر الفوائد فجددت النظر فيه فألحقت به ما خطر ببالي الفاتر وفكري القاصر أخيرا مما اختلف فيه رأيي وأرجو من الله ان يكون نافعا لإخواني من أهل العلم وان يجعله خير الزاد ليوم المعاد
تعريف علم الأصول
فاعلم ان علم الأصول هو العلم بالقواعد الممهدة لكشف حال الأحكام (1)

(1) المراد بالاحكام هو الأحكام الكلية فلا ينتقض بالأصول الجارية في الشبهات الموضوعية (منه) دام ظله
31

الواقعية المتعلقة بافعال المكلفين
سواء تقع في طريق العلم بها كما في بعض القواعد العقلية أو تكون موجبة للعلم بتنجزها على تقدير الثبوت أو تكون موجبة للعلم بسقوط العقاب كذلك ولعل هذا أحسن مما هو المعروف من انه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية لاستلزامه الالتزام بالاستطراد في بعض المسائل المهمة مثل مسائل الأصول العلمية ومسألة حجية الظن في حال الانسداد بناء على الحكومة لعدم تمهدها لاستنباط
الأحكام كما هو واضح وانما قيدنا القواعد بكونها الممهدة لكشف حال الأحكام لخروج مثل علم النحو والصرف وأمثالهما مما احتيج إليها في طريق كشف حال الأحكام وعلم الفقه اما الأول فلان مسائله ليست ممهدة لخصوص ذلك واما الثاني فلان مسائله هي الأحكام الواقعية الأولية وليس ما وراءها أحكام آخر تستكشف حالها بتلك المسائل إذا حفظت ما ذكرنا تقدر على دفع ما ربما يتوهم من دخول بعض مسائل الأصول في الفقه كمسألة الاستصحاب بناء على أخذ من الاخبار وما يشابهها تقريره ان الاستصحاب على هذا ليس الا وجوب البناء على طبق الحالة السابقة بل يمكن هذا لتوهم فيه حتى بناء على اعتباره من باب الظن فيسري الإشكال في جل مسائل الأصول كحجية الخبر والشهرة وظاهر الكتاب وما أشبه ذلك بناء على ان الحجية ليست الا وجوب العمل بالمؤدى وحاصل الجواب ان مسائل الفقه ليست عبارة عن كل حكم شرعي متعلق بفعل المكلف بل هي عبارة عن الأحكام الواقعية الأولية التي تطلب من حيث نفسها فكلما يطلب من جهة كونه مقدمة لإحراز حال الحكم الواقعي فهو خارج عن مسائل الفقه ولا إشكال في ان تمام مسائل الأصول من قبيل الثاني ولا يخفى عليك ان ما ذكرنا من الميزان أسلم مما ذكر من ان مسائل الفقه
32

عبارة عن كل حكم تقدر المقلد على العمل به بعد ما أفتى به المجتهد كحرمة الخمر مثلا ونظائرها بخلاف مسائل الأصول فإنه لا يقدر على العمل بها وان أفتى بها المجتهد كحجية خبر الواحد وأمثال ذلك فان هذا مخدوش بان قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وبالعكس من القواعد الفقهية ومن المعلوم عدم تمكن المقلد من العمل بها بعد فتوى المجتهد بتلك القاعدة بل يحتاج إلى تعيين ما هو صغرى لتلك القاعدة
في موضوع علم الأصول
ثم اعلم ان موضوع هذا لعلم عبارة عن أشياء متشتتة تعرضها تلك المسائل كخبر الواحد والشهرة والشك في الشيء مع العلم بالحالة السابقة والشك في التكليف مع عدم العلم بالحالة السابقة وأمثال ذلك مما يبحث عن عوارضه في هذا العلم ولا يجمعها الأدلة لا بعنوانها ولا بذواتها اما الأول فللزوم خروج مسائل حجية الخبر والشهرة والظواهر
وأمثال ذلك مما يبحث فيه عن الحجية عن علم الأصول ودخولها في المبادي بل للزوم ذلك في مسألة التعادل والتراجيح لأن البحث فيها راجع أيضا إلى الحجية في تلك الحالة والالتزام بذلك مع كونها معظم ما يبحث عنه في هذا العلم غير جائز واما الثاني فلعدم تماميته في تمام المسائل كالأصول العملية والالتزام بكونها استطرادا كما ترى وقد تكلف شيخنا المرتضى رحمه الله في إرجاع البحث عن حجية الخبر إلى البحث عن الدليل حيث قال قده ان البحث فيها راجع إلى ان السنة الواقعية هل تثبت بخبر الواحد أم لا (1) وأنت خبير بان هذا على فرض

(1) الفرائد، أوائل بحث حجية خبر الواحد، ص 67.
33

تماميته في مسألة حجية خبر الواحد وأمثالها لا يتم في الأصول العملية فالأوفق بالصواب ان يقال لا نلتزم بكون الجامع بين شتات الموضوعات هو الأدلة ولا بلزوم ان يكون للجامع بينها اسم خاص يعبر عنه فتلخص مما ذكرنا ان وحدة العلم ليست بوحدة الموضوع ولا بوحدة المحمول بل انما هي بوحدة الغرض المتعلق بتدوينه ولذلك يمكن ان يكون بعض المسائل مذكورا في علميين لكونه منشأ لفائدتين صار كل منهما سببا لتدوينه في علم هذا إذا عرفت ما ذكرنا فلنشرع فيما هو المقصود وقدرته على مقدمات ومقاصد:
34

اما المقدمات
في الوضع
فمنها: ان الألفاظ ليست لها علاقة مع معانيها مع قطع النظر عن الوضع وبه يوجد نحو ارتباط بينهما وهل الارتباط المذكور مجعول ابتدائي للواضع بحيث كان فعله إيجاد ذلك الارتباط وتكوينه أو لا أو فعل أمرا اخر والارتباط المذكور صار نتيجة لفعله لا يعقل جعل العلاقة بين الأمرين الذين لا علاقة بينهما أصلا والذي يمكن تعلقه ان يلتزم الواضع انه متى أراد معنى وتعقله وأراد افهام الغير تكلم بلفظ كذا فإذا التفت المخاطب بهذا الالتزام ينتقل إلى ذلك المعنى عند استماع ذلك اللفظ منه فالعلاقة بين اللفظ والمعنى تكون نتيجة لذلك الالتزام وليكن على ذكر منك ينفعك في بعض المباحث الآتية إن شاء الله وكيف كان الدال على التعهد تارة يكون تصريح الواضع وأخرى كثرة الاستعمال ولا مشاحة في تسمية الأول وضعا تعيينا والثاني تعيينا.
ثم ان الملحوظ حال الوضع اما ان يكون معنى عاما كليا واما ان يكون خاصا وعلى الأول اما ان يوضع اللفظ بإزاء ذلك المعنى العام واما ان يوضع بإزاء جزئياته وعلى الثاني لا يمكن ان يوضع الا بإزاء الخاص الملحوظ فالأقسام ثلثه لأن الخاص الملحوظ ان لو خطت الخصوصية فيه حين الوضع فالموضوع له لا يكون الا خاصا وان جرد عن الخصوصية فهو يرجع إلى تصور العام هكذا قال بعض الأساطين دام بقاؤه (1).

(1) في الكفاية، الأمر الثاني من المقدمة، ج 1، ص 10 (طبعة المشكيني).
35

أقول: يمكن ان يتصور هذا القسم أعني ما يكون الوضع فيه خاصا والموضوع له عاما فيما إذا تصور شخصا وجزئيا خارجيا من دون ان يعلم تفصيلا بالقدر المشرك بينه وبين سائر الافراد ولكنه يعلم إجمالا باشتماله على جامع مشترك بينه وبين باقي الافراد مثله كما إذا رأى جسما من بعيد ولم يعلم بأنه حيوان أو جماد وعلى أي حال لم يعلم انه داخل في أي نوع فوضع لفظا بإزاء ما هو متحد مع هذا الشخص في الواقع فالموضوع له لو حظ إجمالا وبالوجه وليس الوجه عند هذا الشخص إلى الجزئي المتصور لأن المفروض ان الجامع ليس متعقلا عنده الا بعنوان ما هو متحد مع هذا الشخص.
والحاصل انه كما يمكن ان يكون العام وجها لملاحظة الخاص لمكان الاتحاد في الخارج كذلك يمكن ان يكون الخاص وجها ومرآتا لملاحظة العالم لعين تلك الجهة نعم فيما إذا علم بالجامع تفصيلا لا يمكن ان يكون الخاص وجها له لتحقق الجامع في ذهنه تفصيلا بنفسه لا بوجهه فليتدبر.
ثم انه لا ريب في ثبوت القسمين أعني ما يكون الوضع فيه خاصا والموضوع له كذلك كوضع الاعلام الشخصية وما يكون الوضع فيه عاما والموضوع كذلك كوضع أسماء الأجناس واما الأخير فهو على تقدير إمكانه كما مر غير ثابت واما الوضع العام والموضوع
له الخاص فقد يتوهم انه وضع الحروف وما أشبهها كأسماء الإشارة ونحوها ومما يمكن ان يكون منشأ التوهم أمران
أحدهما ان معاني الحروف مفاهيم لوحظت في الذهن آلة
لملاحظة حال الغير ولا إشكال في ان مفهوم الابتداء وان كان بحسب ذاته كليا ولكن بعد تقيده بالوجود الذهني يصير جزئيا حقيقيا كما ان المفهوم بعد تقيده بالوجود الخارجي يصير جزئيا كذلك والثاني انه لما كان المأخوذ فيها كونها آلة لتعرف متعلقاتها الخاصة
36

فهي تصير جزئها إذ لا تعقل لها بدونها مثلا لا يمكن تعقل معنى لفظه من الا بعد ارتباطه بالسير والبصرة ونظيرهما فلهما ولنظائرهما من العناوين الخاصة دخل في مفهوم معنى لفظة من وهكذا غيرها من ألفاظ الاخر التي وضعت لمعنى حرفي هذا والحق ان معاني الحروف كلها كليات وضعت ألفاظها لها وتستعمل فيها ولا تحتاج هذه الدعوى بعد تعقل المدعى إلى دليل اخر إذ من المعلوم انه ما ادعى القائل بجزئية المعنى الحرفي الا عدم تعقل كونه كليا فنقول انه لا إشكال في ان بعض المفاهيم نحو وجودها في الخارج هو الوجود التبعي فهو موجودة بالغير لا بنفسها وهذا واضح لا يحتاج إلى البيان وأيضا لا إشكال في ان تلك المفاهيم قد تتصور في الذهن مستقلة أي من دون قيامها بالغير كما ان الإنسان يلاحظ مفهوم لفظ الضرب في الذهن مستقلا وهذا المفهوم بهذا النحو من الوجود ليس في الخارج إذ لا يوجد في الخارج الا تبعا للغير وقد يتصور تلك المفاهيم على نحو ما تتحقق في الخارج فكما انها باللحاظ الأول كليات كذلك باللحاظ الثاني إذ حقيقتها لم تتغير باختلاف اللحاظين وكما ان قيد الوجود الذهني ملغى في الأول وينتزع الكلية منها كذلك في الثاني نعم تصورها على النحو الثاني في الذهن يتوقف على وجود مفهوم اخر في الذهن يرتبط به كما ان وجودها في الخارج يتوقف على محل يقوم به ولا يوجب مجرد احتياج الوجود الذهني لتلك المفاهيم إلى شيء اخر يرتبط به كون ذلك جزء منها كما ان مجرد احتياج الوجود الخارجي منها إلى محل خاص لا يوجب كونه جزء منها مثلا حقيقة الابتداء يتحقق لها ثلاثة أنحاء من الوجود أحدها الوجود النفس الأمري الواقعي القائم بالغير والثاني الوجود الذهني المستقل بالتصور والثالث الوجود الذهني على نحو الوجود النفس الأمري وهو الوجود الآلي والارتباطي وكما ان تصور مفهوم الابتداء على الأول من الأخيرين
لا يوجب
37

صيرورته جزئيا بل ينتزع منه الكلية بعد تعريته عن الوجود الذهني كذلك تصوره على الثاني منهما إذ لا يعقل الاختلاف في المتصور باختلاف أنحاء التصور فهذا المفهوم باللحاظ الأول هو معنى لفظ الابتداء وباللحاظ الثاني معنى لفظة من فمعنى لفظ من مثلا حقيقة الابتداء الآلي والربطي ولا شك انه كلي كحقيقة الابتداء الاستقلالي نعم تحقق الأول في الذهن يحتاج إلى محل يرتبط به كما ان تحققه في الخارج يحتاج إلى محل يقوم به وكما ان احتياجه في الخارج إلى محل خاص خارجي لا يوجب جعل ذلك المحل جزء لمعنى اللفظ كذلك احتياجه في الوجود الذهني إلى محل لا يوجب كونه جزء لمعنى اللفظ أيضا وأنت إذا أحطت بما تلوناه عليك تعرف بطلان كلا الأمرين اللذين أوجبا توهم جزئية معاني الحروف اما تقييدها بالوجود الذهني فلما مر في طي البيان من ان المقصود كونها كليات مع قطع النظر عن التشخص الذهني إذ بملاحظة ذلك التشخص ليست معاني أسماء الأجناس أيضا كليات إذ المفهوم المقيد بالوجود الذهني الاستقلالي بقيد انه كذلك أيضا جزئي لا ينطبق على كثيرين فكما ان الوجود الاستقلالي في الذهن في معاني أسماء الأجناس لا يخرجها عن الكلية لكون الوجود الذهني ملغى عند اعتبار المعنى كذلك الوجود الآلي في الذهن في معاني الحروف واما احتياجها إلى محال في الذهن ترتبط بها فلما مر أيضا من ان الاحتياج في التحقق إلى شيء لا يوجب كون ذلك الشيء جزء للمعنى ومن هنا تعرف ان الحروف التي معانيها إنشاءات أيضا لا تخرج معانيها بما هي معانيها عن كونها كليات وانما التشخص جاء من قبل احتياج تحقق تلك المعاني مثلا لفظة ياء النداء موضوعة لحقيقة النداء المتحقق في الخارج وهو يحتاج إلى المنادى الخاص بالكسر والمنادى الخاص
38

بالفتح والدال على تلك الخصوصيات أمور اخر غير
هذه اللفظة وما يكون مستندا إلى لفظة يا ليس الا حقيقة النداء الخارجي ولا إشكال في ان هذا مع قطع النظر عما جاء من قبل أمور اخر كلي وبعبارة أخرى ينتقل السامع من لفظة يا زيد الصادر من المتكلم ان خصوص زيد منادى بنداء هذا المتكلم وهذا المعنى ينحل إلى اجزاء أحدها وقوع حقيقة النداء والثاني كون المنادى بالكسر هذا المتكلم الخاص والثالث كون المنادى بالفتح زيدا والذي أفادت لفظة يا هو الجزء الأول والباقي جاء من قبل غيره نعم يحتاج تحقق هذا المعنى أعني حقيقة النداء الخارجي إلى باقي الخصوصيات وهكذا الكلام في هيئة افعل ونظائرها مما يتضمن معنى الإنشاء مثلا يقال ان هيئة افعل موضوعة لحقيقة الطلب الإيقاعي من دون ان يكون لمشخصات اخر دخل في معنى الهيأة ولا إشكال في ان تلك الحقيقة لا تتحقق الا مع وجود
الطالب الخاص والمطلوب منه كذلك ولكن بعد تحقق الطلب المشخص بهذه المشخصات ما يستند فهمه إلى الهيئة هو حقيقة الطلب واما المشخصات الاخر فلها دوال اخر غيرها فمدلول الهيئة كلي وان صار جزئيا بواسطة تلك الخصوصيات التي جاءت من قبل غيرها ثم لا يخفى عليك ان المعنى الاسمي والحرفي مختلفان بحسب كيفية المفهوم بحيث لو استعمل اللفظ الموضوع للمعنى الحرفي في المعنى الاسمي أو بالعكس يكون مجازا أو غلطا فان مفهوم الابتداء الملحوظ في الذهن استقلالا يغاير الابتداء الملحوظ في الذهن تبعا للغير والتقييد بالوجود الذهني وان كان ملغى في كليهما لكن المتعقل في مفاد لفظ الابتداء غيره في مفاد لفظ من وبعبارة أخرى المقامان مشتركان في تعرية المفهوم من حيث كونه متعقلا في الذهن لكن يختلف ذات المتعقل في مفاد لفظ الابتداء معها في مفاد لفظ من فلا يحتاج إلى الالتزام بان المعنى والموضوع له في كليهما واحد وانما
39

الاختلاف في كيفية الاستعمال بان الواضع بعد ما وضع لفظ الابتداء ولفظ من لمعنى
واحد وهو حقيقة الابتداء جعل على المستعملين ان لا يستعملوا لفظ الابتداء الا على نحو إرادة المعنى مستقلا ولفظ من الا على نحو إرادة المعنى تبعا هذا وقد أطلنا الكلام لكون المقام من مزال الإقدام
في استعمال اللفظ في ما يناسبه
ومنها انه لا إشكال في انه قد يحسن استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له اما لمناسبة بين المعينين واما لمناسبة بين اللفظ والمستعمل فيه كاستعمال اللفظ في اللفظ فإنه يصح وان لم يكن له معنى وضع له كاستعمال لفظ ديز في نوعه ومن هنا يظهر ان استعمال اللفظ في غير معناه لا يحتاج إلى ترخيص الواضع بل هو بالطبع إذ لو لا ذلك لم يصح استعمال اللفظ المهمل في اللفظ إذ لا وضع له بالفرض ثم ان استعمال اللفظ في اللفظ على أنحاء تارة يستعمل في نوعه وأخرى في صنفه وثالثة في شخص مثله ومثال كل منها واضح وهل يصح استعماله في شخصه أم لا قيل لا لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول أو تركب القضية من جزءين بيان ذلك انه ان اعتبرت دلالته على نفسه ح لزم الاتحاد والا لزم تركب القضية من جزءين فان القضية اللفظية ح حاكية من المحمول والنسبة لا الموضوع مع امتناع تركب القضية الا من ثلاثة اجزاء ضرورة امتناع النسبة بدون الطرفين أقول ينبغي للمستدل ان يقتصر على قوله لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول لأن عدم اعتبار دلالته على نفسه حتى يلزم تركب القضية من جزءين خلاف الفرض لأن المفروض إطلاق اللفظ وإرادة شخصه والإنصاف عدم جواز استعمال اللفظ في شخص نفسه لما ذكره المستدل من الاتحاد فان قضية
40

الاستعمال ان يتعقل معنى ويجعل اللفظ حاكيا ومرآتا له وهذا لا يتحقق الا بالاثنينية والتعدد لا يقال يكفى
التعدد الاعتباري بان يقال ان لفظ زيد مثلا من حيث انه لفظ صدر من المتكلم دال ومن حيث ان شخصه ونفسه مراد مدلول لأنا نقول هذا النحو من الاعتبار يطرأ بعد الاستعمال فلو أردنا تصحيح الاستعمال بهذا النحو من التعدد يلزم الدور (1) لكن يمكن مع ذلك القول بصحة قولنا زيد لفظ أو ثلاثي مع كون الموضوع في القضية شخص اللفظ الموجود بان يكون المتكلم بلفظ زيد بصدد إيجاد الموضوع لا بصدد الحكاية عن الموضوع حتى يلزم اتحاد الدال والمدلول فيخرج ح من باب استعمال اللفظ فتحصل ان زيدا في قولنا زيد لفظ أو ثلاثي يمكن ان يراد منه نوعه فيكون هناك لفظ ومعنى وان يقصد المتكلم إيجاد الموضوع فلا يكون من باب استعمال اللفظ هذا في المحمولات التي يمكن ان تحمل على الشخص المذكور في القضية واما في المحمولات التي لا تعم هذا الشخص كقولنا ضرب فعل ماض فلا يمكن الا ان يكون من باب الاستعمال
في ان الألفاظ موضوعه لذوات المعاني أو للمعاني المرادة
ومنها هل الا ألفاظ موضوعة بإزاء المعاني من حيث هي أو بإزائها من حيث انها مرادة للافظها قد أسلفنا سابقا انه لا يتعقل ابتداء جعل علقة بين اللفظ والمعنى وما يتعقل في المقام بناء الواضع والتزامه بأنه متى أراد المعنى الخاص وتعلق غرضه

(1) وفيه ان الموضوع في القضية لا بد وان يتصور وتصور زيد قبل الوجود لا يكفى في الحكم عليه بلاحظة الفراغ من الوجود " منه ".
41

بإفهام الغير ما في ضميره تكلم باللفظ الكذائي فبعد هذا الالتزام يصير اللفظ المخصوص دليلا على إرادة المعنى المخصوص عند الملتفت بهذا البناء والالتزام وكذا الحال لو صدر ذلك اللفظ من كل من يتبع الواضع فان أراد القائل بكون الألفاظ موضوعة لمعانيها من حيث انها مرادة هذا الذي
ذكرنا فهو حق بل لا يتعقل غيره وان أراد أن معاينها مقيدة بالإرادة بحيث لو خطت الإرادة بالمعنى الاسمي قيدا لها حتى يكون مفاد قولنا زيد هو الشخص المتصف بكونه مراد أو متعقلا في الذهن فهو بمعزل عن الصواب والحاصل انه فرق بين القول بان لفظ زيد مثلا موضوع لأن يدل على تصور الشخص المخصوص بحيث يكون التصور معنى حرفيا ومرآة صرفا للمتصور عند المتكلم والسامع وبين القول بأنه موضوع لأن يدل على الشخص المقيد بتصور الذهني على ان يكون القيد المذكور ملحوظا بعنوانه وبمعناه الاسمي والأول لا يرد عليه إشكال أصلا بل لا يتعقل غيره والثاني يرد عليه الإشكالات التي سنذكرها قال شيخنا الأستاذ دام بقاؤه في الكفاية في مقام الرد على هذا القول ان قصد المعنى على أنحائه من مقومات الاستعمال فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه هذا مضافا إلى ضرورة صحة الحمل والإسناد في الجملة بلا تصرف في ألفاظ الأطراف مع انه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة لما صح بدونه بداهة ان المحمول على زيد في زيد قائم والمسند إليه في ضرب زيد مثلا هما نفس القيام والضرب لا بما هما مرادان مع انه يلزم كون وضع عامة الألفاظ عاما والموضوع له خاصا لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ فإنه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الإرادة فيه كما لا يخفى وهكذا الحال في طرف الموضوع انتهى كلامه أدام الله أيامه (1).

(1) الكفاية: الأمر الخامس من المقدمة، ج، ص 22.
42

أقول ليس الاستعمال على ما ذكرنا الا الإتيان باللفظ الخاص لإفادة إرادة المعنى الخاص وهذا لا محذور فيه أصلا واما ما ذكره ثانيا فلا يرد على ما قررناه فإنه بعد اعتبار التصور الذي هو مدلول الألفاظ طريقا إلى ملاحظة ذات المتصور يصح الإسناد والحمل في مداليل الألفاظ بلا مئونة وعناية نعم هذا الإشكال وارد على الطريق الاخر الذي قررناه واما ما ذكره ثالثا ففيه ان
كل لفظ يدل على إرادة المعنى العام بواسطة الوضع جعلوه مما يكون الموضوع له فيه عاما في مقابل الألفاظ التي تدل على إرادة المعنى الخاص ولا مشاحة في ذلك ومن هنا تعرف صحة القول بان الدلالة تابعة للإرادة وما يرى من الانتقال إلى المعنى من الألفاظ وان صدرت من غير الشاعر فهو من باب أنس الذهن وليس من باب الدلالة الا ترى انه لو صرح واحد بأني ما وضعت اللفظ الكذائي بإزاء المعنى الكذائي وسمع منه الناس هذه القضية ينتقلون إلى ذلك المعنى عند سماع ذلك اللفظ مع ان هذا ليس من باب الدلالة قطعا
في وضع المركبات
ومنها اختلف في انه هل للمركبات أعني القضايا التامة وضع اخر غير وضع المفردات أو ليس لها وضع سوى وضع المفردات أقول ان كان غرض مدعى وضع اخر للمركبات انها بموادها الشخصية لها وضع اخر غير وضع المفردات بمعنى ان لقضية زيد قائم وضعا اخر يكون لفظ زيد بمنزلة جزء الكلمة في ذلك الوضع فهو في غاية الفساد إذ وجدان كل أحد يشهد ببطلان هذا الكلام مضافا إلى لغويته وان كان الغرض ان وضع مفردات القضية لا يفي بصدق القضية التامة التي يصح السكوت عليها لأن معاني المفردات معان تصورية وتعدد المعاني التصورية لا يستلزم القضية التامة التي يصح السكوت عليها فلا بد ان يكون
43

القضية المستفادة من قولنا زيد قائم مسببة من وضع اخر غير وضع المفردات وهو الوضع النوعي لهذه الهيئة فهو صحيح فيما لم يشتمل المفردات على وضع تتم به القضية كالقضايا الخبرية
في لسان العرب فان وضع زيد ووضع قائم مادة و
هيئة لا يفي بإفادة نسبة تامة يصح السكوت عليها واما في مثل القضية الإنشائية كاضرب زيدا لا وجه للالتزام بذلك (1) فليتدبر
علامات الحقيقة والمجاز
ومنها ذكر والتشخيص الحقيقة عن المجاز أمارات كالتبادر وعدم صحة السلب واستشكل في علامتيهما بالدور وأجابوا عنه بالإجمال والتفصيل ولا بحث لنا في ذلك انما الكلام في انهم ذكروا في جملتها الاطراد قال شيخنا الأستاذ في الكفاية ولعله بملاحظة نوع العلائق المذكورة في المجازات حيث لا يطرد صحة استعمال اللفظ معها والا فبملاحظة خصوص ما يصح معه الاستعمال فالمجاز مطرد كالحقيقة وزيادة قيد من غير تأويل أو على وجه الحقيقة وان كان موجبا لاختصاص الاطراد كذلك بالحقيقة الا انه ح لا يكون علامة لها الا على وجه دائر ولا يتأتى التفصي عن الدور بما ذكر في التبادر هنا ضرورة انه مع العلم بكون الاستعمال على نحو الحقيقة لا يبقى مجال لاستعلام حال الاستعمال بالاطراد أو بغيره انتهى (2).
أقول يمكن توجيه كونه علامة بدون لزوم الدور بان يقال ان المراد من الاطراد حسن استعمال اللفظ في كل موقع من غير اختصاص له بمواقع خاصة كالخطب والإشعار مما يطلب فيها إعمال محاسن الكلام ورعاية الفصاحة

(1) لا يخفى ان بعض الجمل الإنشائية أيضا يحتاج إلى وضع الهيئة ويشهد له الاختلاف بين قولنا أزيد قائم وهل قام زيد في المفاد (منه) دام ظله العالي على الأنام.
(2) الكفاية: الأمر السابع من المقدمة، ص 9 - 28.
44

والبلاغة بخلاف المجاز فإنه انما يحسن في تلك المواقع خاصة والا نفي مورد كان المقصود ممحضا في إفادة المدلول لا يكون له حسن كما لا يخفى وهذا كما ترى يمكن حصوله لغير أهل اللسان أيضا إذا شاهد استعمال أهل اللسان
في الحقيقة الشرعية
ومنها اختلف في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه أقول لا مجال ظاهرا لإنكار أن ألفاظ العبادات كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله بحيث يفهم منها عند الإطلاق المعاني المستحدثة وهل كان ذلك من جهة الوضع التعييني أو التعيني أو كانت موضوعة لتلك المعاني في الشرائع السابقة أيضا لا طريق لنا لإثبات أحد الأمور نعم الوضع التعييني بمعنى تصريح النبي صلى الله عليه وآله بالوضع لتلك المعاني بعيد غاية البعد لكن يمكن الوضع التعييني بنحو اخر بان استعمل صلى الله عليه وآله تلك الألفاظ في المعاني المستحدثة بقصد انها معانيها وهذا أيضا نحو من الوضع التعييني (1) فإنك لو أردت تسمية ابنك زيدا فتارة تصرح بأني جعلت اسم هذا زيدا وأخرى تطلق هذا اللفظ عليه بحيث يفهم بالقرنية انك تريد ان يكون هذا اللفظ اسما له وهذا القسم من الوضع التعييني ليس بمستبعد في الشرع وقد يستدل ببعض الآيات (2) من قبيل قوله تعالى وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (3) وقوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على

(1) وكون هذا الاستعمال على نحو الحقيقة أو المجاز مبنى على أن الوضع هل هو عبارة عن مجرد التعهد في النفس واللفظ كاشف عنه أو هو منتزع عن مرتبة اظهاره " منه ".
(2) قد غير متن الكتاب بما ترى، من هنا إلى قوله " ثم انه تظهر الثمرة آه " في الطبعة الثالثة المنقحة في زمن المؤلف قدس سره ومضمونه موجودا في تعليقاته قدس سره الموجودة عند آية الله العظمى الاراكي مد ظله العالي. " المصحح ".
(3) سورة مريم، الآية 31.
45

الذين من قبلكم (1) وقوله تعالى واذن في الناس بالحج (2) على كون هذه الألفاظ حقائق لغوية لا شرعية تقريب الاستدلال ان هذه الآيات تدل على وجود معاني هذه الألفاظ في الشرائع السابقة ويثبت وضع هذه الألفاظ لها فيها بضم مقدمة أخرى وهي ان العرب المتدينين بتلك الأديان لما سمعوا هذه الآيات فلا يخلو اما انهم ما فهموا منها هذه المعاني المعروفة أو فهموها بمعونة القرائن
الموجودة في البين أو فهموها من حاق اللفظ والأول واضح البطلان لا يمكن الالتزام به وكذلك الثاني إذ من البعيد جدا احتفاف جميع تلك الألفاظ الموجودة في القرآن بالقرينة فلم يبق الا الالتزام بأنهم فهموا تلك المعاني من حاق اللفظ وهو المطلوب ولعل هذا هو المراد من بعض العبارات المشتملة على الاستدلال بهذه الآيات لا ما يتوهم من ان المراد إثبات تداول هذه الألفاظ في الشرائع السابقة ثم انه تظهر الثمرة بين القولين في حمل الألفاظ الصادرة من الشارع بلا قرينة على معانيها الشرعية بناء على ثبوت الوضع والعلم بتأخر الاستعمال عنه (3) وعلى معانيها اللغوية بناء على عدمه ولو شك في تأخر الاستعمال وتقدمه اما بجهل التاريخ في أحدهما أو كليهما فالتمسك بأصالة عدم الاستعمال إلى ما بعد زمان الوضع فيثبت بها تأخر الاستعمال مشكل فإنه مبنى على القول بالأصول المثبتة اما مطلقا أو في خصوص المقام مضافا إلى معارضتها بالمثل (4) في القسم

(1) سورة البقرة، الآية 183.
(2) سورة الحج، الآية 27.
(3) وهنا قيد آخر: وهو ان يكون المعنى الأول مهجور أو الا فمجرد ثبوت الحقيقة الشرعية والعلم بتأخر الاستعمال لا يوجب الحمل على المعاني الشرعية كما لا يخفى " منه ".
(4) هذا بناء على جريان الأصل في مجهولي التاريخ ذاتا وسقوطهما بالمعارضة ولكن التحقيق كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى عدم الجريان رأسا لكون النقض في كل منهما شبهة مصداقية للنقض بالشك أو باليقين. " منه ".
46

الثاني نعم يمكن إجراء أصالة عدم النقل فيما إذا جهل تاريخه وعلم تاريخ الاستعمال بناء على ان خصوص هذا الأصل من الأصول العقلائية فيثبت به تأخر النقل عن الاستعمال ولا معارض له اما على عدم القول بالأصل المثبت في الطرف الاخر فواضح واما على القول به فلان تاريخه معلوم بالفرض واحتمال ان يكون بناء
العقلاء على عدم النقل في خصوص ما جهل رأسا لا فيما إذا علم إجمالا وشك في تاريخه بعيد لظهور ان بنائهم على هذا من جهة ان الوضع السابق عندهم حجة فلا يرفعون اليد عنها الا بعد العلم بالوضع الثاني
في الصحيح والأعم
ومنها قد اختلفوا في ان ألفاظ العبادات هل هي موضوعة بإزاء خصوص الصحيحة أو الأعم منها ومن الفاسدة اعلم ان جريان النزاع على القول بثبوت الحقيقة الشرعية واضح واما على القول بالعدم فيمكن جريانه أيضا بان يقال هل الأصل في استعمال الشارع بعد العلم بعدم إرادة المعنى اللغوي هو المعاني الشرعية الصحيحة إلى ان يعلم خلافها أم لا فمن يدعى الأول يذهب إلى ان العلاقة بينها وبين المعاني اللغوية أشد فحملها بعد العلم بعدم إرادة المعاني الحقيقية على المعاني الشرعية الصحيحة أولى وأسد وكيف كان يتم هذا المبحث بذكر أمور أحدها انه لا إشكال في ان الصحيحي ان قال بان الصلاة الصحيحة على اختلافها اجزاء وشرائط كلها افراد للمعنى الجامع الواحد الذي هو الموضوع له للفظ الصلاة فلا بد له من تصور معنى واحد جامع لشتات تلك الحقائق المختلفة كما ان الأعمي أيضا لا بد له من تصور جامع يكون أوسع دائرة من الأول نعم لو ادعى كل واحد منهما ما ادعاه على نحو الاشتراك اللفظي يمكن هذه الدعوى مع عدم القدر الجامع بين تلك الحقائق لكن هذه المقالة مع كونها بعيدة في
47

نفسها لا تناسب كلماتهم كما لا يخفى إذا عرفت هذا فنقول لا يتعقل أخذ القدر الجامع بين ذوات تلك الحقائق المختلفة المتصفة بالصحة مع قطع النظر عن اعتبار امر خارج عنها لأن معنى أخذ القدر الجامع إلغاء الخصوصيات وأخذ ما هو مشترك سار في جميع الافراد والمفروض ان لتلك الخصوصيات دخلا في الصحة مثلا الصلاة التي يأتي بها القادر قائما يتقوم صحتها بالقيام فلو اعتبر القيام مثلا في الموضوع له فلا يصدق على الصلاة التي يأتي بها المريض جالسا وان لم يعتبر فيلزم صدقها على الصلاة التي يأتي بها القادر جالسا وكلاهما خلاف مذهب الصحيحي والذي يمكن ان يقال في تصوير الجامع بين الافراد الصحيحة ان كل واحد من تلك الحقائق المختلفة إذا أضيفت إلى فاعل خاص يتحقق لها جامع بسيط يتحد مع هذه المركبات اتحاد الكلي مع افراده مثلا قيام الشخص القادر لتعظيم الوارد وإيماء الشخص المريض له يشتركان في معنى واحد وهو إظهار عظمة الوارد بقدر الإمكان وهذا المعنى يتحد مع قيام القادر كما انه يتحد مع إيماء المريض وعلى هذا فالصلاة بحسب المفهوم ليست هي التكبيرة والقراءة والركوع والسجود وكذا وكذا بل هي بحسب المفهوم هو المعنى الواحد البسيط الذي يتحد مع تمام المذكورات تارة ومع بعضها أخرى ومع ما قيد بكيفية خاصة تارة وبنقيضها أخرى وهذا المعنى وان كان امرا متعقلا بل لا محيص عن الالتزام به بعد ما يعلم ان لتلك الحقائق المختلفة فائدة واحدة وهي النهي عن الفحشاء والمنكر ولا يكاد ان تؤثر الحقائق المتباينة في الشيء الواحد من دون رجوعها إلى جهة واحدة ولكن كون هذا المعنى مفاد لفظ الصلاة محل إشكال من وجهين أحدهما ان الظاهر مما ارتكز في أذهان المتشرعة هو ان الصلاة عبارة عن نفس تلك الاجزاء المعهودة (1) التي أولها التكبير وآخرها التسليم.

(1) لا يخفى ان اعتبار الوحدة بين اجزاء الصلاة على وجه يأتي في تصوير الجامع للأعمي مع قيد كون هذا الواحد الاعتباري بحد مفيد لذلك المعنى البسيط بحيث يكون الحد خارجا عن الموضوع له يرافع لهذا الإشكال وان كان الإشكال الثاني أعني لزوم القول بالاشتغال في العبادات باقيا بحاله فينحصر القول بالبراءة فيها في اختيار القول بالأعم كما هو الصحيح " منه " دام ظله.
48

والثاني ان مقتضى ما ذكر من الجامع ان الصحيحي لا بد ان يلتزم بالاشتغال في موارد الشك في الجزئية أو الشرطية وان بنى في الأقل والأكثر على البراءة عقلا لأنه مكلف بإتيان ذلك المعنى الواحد فمتى شك في جزئية شيء أو شرطيته يرجع شكه إلى ان ذلك المعنى الواحد هل يتحقق بدون الإتيان بالمشكوك أم لا مع ان القائلين بالصحيح قائلون بالبراءة فيهما وقد تصدى لدفع هذا الإشكال شيخنا الأستاذ في الكفاية بان الجامع انما هو مفهوم واحد منتزع من هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات يتحد معها نحو اتحاد وفي مثله يجري البراءة وانما لا يجري فيما إذا كان المأمور به أمرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب مردد بين الأقل والأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا شك في أجزائهما " انتهى كلامه " (1).
أقول لا إشكال في انه إذا كان الشيء مجمعا ومصداقا لعناوين عديدة فكل عنوان منها وقع في حيز التكليف كان المكلف مأخوذا بذلك العنوان والعناوين الاخر وان كانت متحققة مع العنوان الواقع في حيز التكليف ولكن ليس لوجودها ولا لعدمها دخل في براءة ذمة المكلف واشتغاله وهذا واضح جدا فحينئذ ان قلنا بان الواقع في حيز التكليف هو هذا المركب من التكبيرة والحمد وكذا وكذا يصح للقائل بالبراءة ان يقول ان ما علم انه متعلق للتكليف من هذه الاجزاء يؤتى به وما يشك فيه يدفع بالبراءة واما ان قلنا بان ما وقع في حيز التكليف ليس هذا المركب بهذا العنوان بل هو عنوان بسيط ينطبق على قسم من هذا المركب في بعض

(1) الكفاية، الأمر العاشر " مبحث الصحيح والأعم "، ج 1، ص 37.
49

الحالات فلا يتصور معلوم ومشكوك حتى يقال ان المعلوم قد أتى به والمشكوك يدفع بالأصل بل في ما نحن فيه معلوم شك في وقوعه ولا شبهة في انه مورد للاشتغال الثاني قد يستشكل في تصوير القدر الجامع بين افراد الصلاة الصحيحة والفاسدة بحيث ينطبق عليها انطباق الكلي على الافراد وحاصل الإشكال ان اجزاء الصلاة ان كان لكل منها دخل في الموضوع له فلا يطلق تلك اللفظ الا على ما اشتمل على الكل وان كان لبعضها دخل دون الاخر فيلزم ان لا يحمل مفهوم لفظ الصلاة الا على الأبعاض المأخوذة في الموضوع له فيكون المركب من تلك الأبعاض وغيرها بعضها صلاة وبعضها خارجا عنها وكل منهما مما لا يقول به المدعى للأعم وقد قيل في تصوير الجامع وجوه لا يهمنا ذكرها والحق ان يقال ان القدر المشترك بين افراد الصلاة الموجودة في الخارج امر متعقل بيان ذلك ان الوحدة كما انها قد تكون لشيء حقيقة كذلك قد تكون لشيء اعتبارا مثال الأول مفاد الاعلام الشخصية فإنه لا ينثلم وحدة معانيها على اختلاف حالاتها المختلفة العارضة لها ومثال الثاني الأشياء العديدة التي يوجدها الموجد بقصد واحد فان تلك الأشياء وان كانت وجودات مختلفة متعددة لكن عرضت لها وحدة اعتبارية بملاحظة وحدة الغرض والقصد يطلق على كل منها عنوان الجزء بتلك الملاحظة إذا عرفت هذا فنقول يصح للأعمي ان يقول ان الواضع لاحظ جميع اجزاء الصلاة المأتي بها بقصد واحد وقلنا بان الأشياء المتعددة بهذه الملاحظة واحدة اعتبارا وبعد طرو الوحدة الاعتبارية حال تلك الأشياء بأجمعها حال الواحد الحقيقي فكما ان الواحد الحقيقي يمكن أخذه في الموضوع له على نحو لا ينثلم وحدته باختلاف الحالات الطارية عليه كذلك الواحد الاعتباري قد يعتبر على نحو ليس فيه حد خاص ولازم ذلك انه متى يوجد
50

مقدار من ذلك المركب مقيدا بما يوجب وحدة الاجزاء اعتبارا وهو وحدة القصد يصدق عليه ذلك المعنى سواء وجد في حد التام أو الناقص فالذي وضع له اللفظ هو مقدار من تلك الأشياء الملحوظة على سبيل الإهمال أو تعيين ما مثل ان لاحظ عدم كونه أقل من ثلاثة اجزاء أو أربعة اجزاء وهكذا على اختلاف نظر الواضع فإذا وجد في الخارج
غير زائد على مقدار ما وضع له فلا إشكال في صدق معنى اللفظ عليه وإذا وجد زائدا على ذلك المقدار فلكون الزائد جزء ومتحدا مع ما يقوم به المعنى يصدق عليه المعنى أيضا فالزائد في الفرض الثاني جزء للفرد لا جزء لمقوم المعنى ولا خارج عنه فافهم وتدبر الثالث بعد ما عرفت ما ذكرنا من تصور الجامع على كلا القولين فاعلم ان طريق إحراز المعنى وتصديق أحد القائلين ليس الا التبادر وصحة السلب وعدمهما فان قطعنا بالمعنى بالتبادر القطعي فهو والا فمقتضى القاعدة التوقف والوجوه الاخر التي استدل بها كل من الفريقين لا تخلو عن شيء كما سننبه عليه والإنصاف انا لا نفهم من الصلاة ونظائرها الا الحقيقة التي تنطبق على الصحيح والفاسد ونرى ان لفظ الصلاة في قولنا الصلاة اما صحيحة أو فاسدة ليس فيه تجوز وملاحظة علاقة صورية بين ما أردنا من اللفظ وبين المعنى الحقيقي له وهذا ظاهر عند من راجع وجدانه وأنصف وكذا نرى من أنفسنا ان من صلى صلاة فاسدة لا يصح سلب معنى لفظ الصلاة عما فعله في الخارج ولو قلنا أحيانا بان ما فعله ليس بصلاة فليس نفي الصلاة عن فعله كنفي الصلاة عن الصوم وغيره من موضوع اخر كالحجر والإنسان إذ يصح الثاني بلا عناية أصلا بخلاف الأول واستدل أيضا للمذهب الأعمي بان الصلاة استعملت في غير واحد من الاخبار في الفاسدة كقوله بنى الإسلام على الخمس الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بالأربع وتركوا هذه فلو ان أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم
51

يقبل له صوم ولا صلاة (1) ومحل الاستشهاد قوله عليه السلام فأخذ الناس بالأربع وقوله فلو ان أحدا صام نهاره وقام ليله إلخ وكقوله عليه السلام دعى الصلاة أيام أقرائك (2) حيث ان المراد لو كان الصحيحة لم تكن بقادرة عليها فلا يجوز نهيها عنها والجواب ان الإطلاق أعم من الحقيقة مضافا إلى ان لفظ الصلاة في الخبر الثاني استعمل
في المعنى المجازي حتى على مذهب الأعمي لأن المنهي عنه من الحائض ليس كلما يطلق عليه معنى لفظ الصلاة فان الحائض لو أتت بالصلاة فاقدة لبعض الشرائط أو الاجزاء المعتبرة فيها من غير جهة الحيض لم يكن ما فعلته محرما فالصلاة في قوله عليه السلام دعى الصلاة استعملت في الفرد الخاص أعني المستجمع لجميع الاجزاء والشرائط ما عدا كونها حائضا واستعمال العام في الخاص مجاز الا ان يقول بإرادة الخاص هنا من غير اللفظ هذا واستدل لهم أيضا بأنه لا شبهة في صحة تعلق النذر وشبهه بترك الصلاة في مكان تكره فيه وحصول الحنث بفعلها ولو كانت الصلاة المنذور تركها خصوص الصحيحة لا يحصل بها الحنث لأن الصلاة المأتي بها فاسدة لأجل النهي عنها بل يلزم ان يكون فسادها موجبا لصحتها لأنها لو كانت فاسدة لم تكن مخالفة للنهي ولا وجه لعدم كونها صحيحة الا كونها مخالفة للنهي هذا بخلاف ما لو كانت الصحة خارجة عن معناها فإنه على هذا لا يلزم محذور والجواب ان مدعى الوضع للصحيح لا يدعى انها موضوعة من جميع الجهات حتى من الجهات الطارية كالنذر وشبهه بل يدعى انها موضوعة

(1) الظاهر ان الحديث منقول بالمعنى، فراجع: باب دعائم الاسلام من أصول الكافي، ج 2، ص 18.
(2) الوسائل، الباب 7 من أبواب الحيض، الحديث 2.
52

للصحيح من حيث الجهات الراجعة إلى نفسها ولو فرض انه يدعى ان الموضوع هو الصحيح الفعلي حتى من الجهات الطارية فله ان يجيب بان نذر الناذر في المقام قرينة على عدم إرادة هذا المعنى إذ ليس المعنى المأخوذ فيه الصحة من جميع الجهات قابلا للنهي ولو فرضنا ان الناذر قصد هذا المعنى في نذره نلتزم بعدم انعقاده لعدم صحة تعلق النهي بالفعل المذكور واستدل لصحيحي مضافا إلى دعوى التبادر وصحة الساب من الفاسد بالأخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواص والآثار لحقيقة الصلاة والصوم مثل قوله عليه السلام الصلاة عمود الدين (1) أو انها معراج المؤمن (2) وان الصوم جنة من النار (3) أو نفي الطبيعة بفقدان بعض الشروط
والاجزاء مثل قوله عليه السلام لا صلاة الا بطهور (4) وكذا لا صلاة الا بفاتحة الكتاب (5) وأمثال ذلك والجواب عن الأول ان الاستدلال بها مبنى على إفادة تلك الاخبار ان الآثار المذكورة لتلك الطبائع على إطلاقها إذ بذلك يستكشف ان الفرد الذي ليس فيه تلك الخواص ليس فردا لتلك الطبائع لكن الاخبار المذكورة واردة في بيان خاصية تلك الطبائع من حيث نفسها في مقابل أشياء اخر ولا ينافي ان تكون لظهور تلك الخواص في تلك الطبائع شرائط اخر زائدة عليها كما يظهر من المراجعة إلى أمثال هذه العبارات

(1) بحار الأنوار: ج 82 ص 218 ح 36.
(2) الظاهر أن هذا مستفاد من الخبر لا أنه بنفسه خبر مستقل، راجع بحار الأنوار ج 82، ص 248,
(3) بحار الأنوار، ج 96، ص 255 و 256، الحديث 35.
(4) الوسائل، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 1.
(5) الوسائل، الباب 27 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 4. فيه: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال: لا صلاة له الا ان يقرأ بها.
53

وعن الثاني ان استعمال هذا التركيب في نفي الصحة شايع في الشرع بحيث لم يبق له ظهور عرفي في نفي الماهية واستدلوا أيضا بان طريقة الواضعين وديدنهم وضع الألفاظ للمركبات التامة كما هو قضية الحكمة الداعية إليه وان مست الحاجة إلى استعمالها في غيرها فلا يقتضى ان يكون على نحو الحقيقة بل ولو كان مسامحة تنزيلا للفاقد منزلة الواجد والظاهر عدم التخطي من الشارع عن هذه الطريقة هذا ولا يخفى ما فيه لأن دعوى القطع مجازفة والظن بعد إمكان المنع لا يغنى من الحق شيئا الرابع تظهر الثمرة بين القولين في صحة الأخذ بالإطلاق وعدمه إذ على
القول بكون ألفاظ العبادات موضوعة للصحيح لا يمكن الأخذ بالإطلاق فيها إذ مورده بعد الأخذ بمدلول اللفظ الموجود في القضية والشك في القيود الزائدة والمفروض إجمال مدلول اللفظ وكلما احتمل اعتباره قيدا يرجع إلى مدخليته في مفهوم اللفظ واما بناء على القول الاخر فيصح التمسك بالإطلاق على تقدير تمامية باقي المقدمات إذ القيد المشكوك مما لا مدخلية له في تحقق الحقيقة التي جعلت موضوعة في القضية وكذا تظهر الثمرة بين القولين في الأصل العملي إذ على القول بالصحيح على نحو ما بيناه في أول البحث لا محيص عن القول بالاحتياط ظاهرا لكن على القول الاخر يبتنى القول بالبراءة والاحتياط فيه على
مسألة الشك في الأقل والأكثر الخامس ان أسامي المعاملات ان قلنا بأنها موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها أسامي للصحيحة منها أو الأعم لأن الأمر فيها دائر بين الوجود والعدم لا الصحة والفساد كما لا يخفى وان قلنا بأنها موضوعة للأسباب فيأتي النزاع في انها موضوعة للأعم مما يترتب عليه الأثر أو لخصوص الصحيح أعني ما يترتب عليه
الأثر
54

وعلى كل حال فلا مانع من الأخذ بالإطلاق فيها اما بناء على كونها موضوعة للأسباب من دون ملاحظة حصول الأثر فواضح واما على القول بكونها موضوعة لخصوص الأسباب المؤثرة للأثر أو موضوعة لنفس المسبب فلان لمفاهيمها مصاديق عرفية والأحكام المتعلقة بالعناوين في القضية اللفظية التي وردت لبيان تفهيم المراد تحمل على المصاديق العرفية لها وبعد تعلق الحكم في القضية اللفظية بالمصاديق العرفية يستكشف ان الشيء الذي يحكم العرف بأنه مصداق يراه الشارع مصداقا أيضا ولذا تريهم يتمسكون في أبواب المعاملات بإطلاقات أدلتها مع ذهابهم إلى كونها موضوعة للصحيح نعم لو شك في الصدق العرفي فلا مجال للأخذ بالإطلاق فليتدبر في المقام
في الاستعمال في أكثر من معنى واحد
ومنها انه اختلف في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد بان يراد كل واحد مستقلا كما إذا استعمل فيه وحده على أقوال لا يهمنا ذكرها بعد ما تطلع على ما هو الحق في هذا الباب والحق الجواز بل لعله يعد في بعض الأوقات من محسنات الكلام لأن ما وضع له اللفظ هو ذوات المعاني بأوضاع عديدة وليس في كل وضع تقييد المعنى بكونه مع قيد الوحدة بالوجدان ولا يكون منع من جهة الواضع أيضا ضرورة ان كل أحد لو راجع نفسه حين كونه واضعا للفظ زيد بإزاء ولده ليس مانعا من استعمال
ذلك اللفظ في غيره ولا يتصور مانع عقلي في المقام فالمجوز للاستعمال موجود وهو الوضع وليس هناك ما يقبل المنع وذهب شيخنا الأستاذ دام بقاؤه إلى الاستحالة العقلية قل في الكفاية ان حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى بل وجها وعنوانا له كأنه يلقى إليه نفس المعنى ولذا يسرى إليه قبحه وحسنه ولا يمكن جعل اللفظ كذلك الا لمعنى واحد ضرورة ان لحاظه هكذا في إرادة معنى ينافي
55

لحاظه كذلك في إرادة الاخر حيث ان لحاظه كذلك لا يكاد يكون الا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه فناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون ومعه كيف يمكن إرادة معنى اخر معه كذلك في استعمال واحد مع استلزامه للحاظ اخر غير لحاظه كذلك في هذه الحال انتهى (1).
أقول يمكن ان يكون حاصل مرامه دام بقاؤه انه بعد ما يكون اللفظ وجها وإشارة إلى ذات المعنى فاللفظ من حيث كونه إشارة إلى معناه ليس إشارة إلى اخر لتباين المعنيين وبالعكس ولو جعل إشارة واحدة ووجها واحدا لكلا المعنيين فهو من باب استعمال واحد في معنى واحد لأن المعنيين بهذا اللحاظ يكونان معنى واحدا في هذا الاستعمال نظير استعمال لفظ اثنين في معناه فاستعمال اللفظ في المعينين غير معقول قلت لا إشكال في إمكان إرادة الشيئين من لفظ واحد على نحو قائمها على صفة التعدد كما انه لا إشكال في إمكان إرادتهما على نحو الوحدة الاعتبارية فلو استعمل لفظ في المتعدد على النحو الثاني فلا إشكال في انه من باب استعمال اللفظ في المعنى الواحد فان كان ذلك المعنى موضوعا له اللفظ يكون الاستعمال حقيقيا والا يكون مجازيا وان استعمل في المتعدد على النحو الأول يكون من باب استعمال اللفظ الواحد في المعينين وحينئذ ان كان الملحوظ في هذا الاستعمال هو الوضعين فيكون من باب استعمال اللفظ في المعينين الحقيقيين وان كان الملحوظ ثبوت العلاقة في كل منهما فيكون من باب استعمال اللفظ في المجازيين وان كان الملحوظ ثبوت العلاقة في أحدهما والوضع في الاخر فيكون من باب استعمال
اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي وليت شعري ان دعوى الاستحالة هل هي راجعة إلى إرادة الإنسان الذوات المتعددة من دون ملاحظة عنوان الاجتماع أو راجعة إلى امر اخر

(1) الكفاية، الأمر الثاني عشر من المقدمة، ج 1 ص 54.
56

فان كانت راجعة إلى الأول فيرده وقوع هذا الأمر في العام الاستغراقي فإنه انما صار كذلك لعدم ملاحظة الأمر هيئة الاجتماع في مرتبة تعلق الحكم بل لاحظ الآحاد كلا منها إجمالا على انفرادها غاية الأمر هذه الملاحظة في العام الاستغراقي انما هي في مرتبة تعلق الحكم دون الاستعمال فإذا صار هذا النحو من الملاحظة أعني ملاحظة الآحاد على انفرادها ممكنا في مرتبة تعلق الحكم فليكن ممكنا في مرحلة الاستعمال فكما ان كل واحد في الأول يكون موردا للحكم مستقلا كذلك في الثاني يصير مستعملا فيه وليت شعري أي فرق بين ملاحظة الآحاد بذواتها في مرتبة تعلق الحكم وملاحظتها كذلك في مرتبة الاستعمال وأيضا من المعلوم إمكان الوضع عاما والموضوع له خاصا وهو بان يلاحظ الواضع معنى عاما ويوضع اللفظ بإزاء خصوصياته فيكون كل من الجزئيات موضوعا له ولو عمل الشخص هذه المعاملة في مرحلة الاستعمال بان يلاحظ معنى عاما مرآة للخصوصيات واستعمل اللفظ في تلك الخصوصيات يصير كل واحد منها مستعملا فيه كما انه صار في الصورة الأولى موضوعا له وان كانت الدعوى راجعة إلى امر اخر فلا نعقل وجها اخر للاستحالة ولا استبعد كون ذلك من قصوري لإدراكها واما أدلة القائلين بالمنع من قبل الوضع فموهونة جدا فان اعتبار قيد الوحدة في المعنى مما يقطع بخلافه وكون الموضوع له في حال الوحدة لا يقتضى الا عدم كون المعنى الاخر موضوعا له بهذا الوضع ويتبعه عدم صحة الاستعمال فيه بملاحظة هذا الوضع ولا يوجب ذلك عدم وضع اخر له ولا عدم صحة استعماله بملاحظة ذلك الوضع الاخر فيه وامر تجويز البعض ذلك في التثنية والجمع بملاحظة وضعهما لإفادة التعدد بخلاف المفرد
فمدفوع بان علامة التثنية والجمع تدل على تكرار ما أفاده المفرد لا على حقيقة أخرى في قبال الحقيقة التي دل عليها المفرد كيف ولو كانت كذلك لما دلت علامة التثنية على التعدد لأن المفرد الذي دخل عليه
57

تلك العلامة أفاد معنى واحدا فالعلامة أيضا أفادت معنى واحدا فأين التعدد المستفاد من علامة التثنية
في المشتق
ومنها اختلفوا في معاني بعض المشتقات من قبيل اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وأمثال ذلك مما يجري على الذوات ويحمل عليها على نحو من الحمل هل هي ما يطلق على الذوات في خصوص حال التلبس أو معانيها أعم من ذلك بمعنى انها موضوعة لمعان تحمل على الذوات وان انقضى عنها التلبس بعد الإنفاق على ان إطلاقها على الذوات التي لم تتلبس بعد بملاحظة الزمن الآتي مجاز وتنقيح المرام يستدعى رسم أمور أحدها ان النزاع ليس في جميع المشتقات لأن الماضي والمضارع والأمر والنهي خارجة عن محل النزاع قطعا وكذا المصادر وان قلنا بأنها مشتقات أيضا وكذا ليس النزاع مختصا بالمشتقات الجارية على الذوات من قبيل اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وأمثال ذلك بل يجري في كل لفظ موضوع بإزاء مفهوم منتزع من الذوات باعتبار عروض امر خارج عنها مثل الزوج والعبد والحر وأمثال ذلك وان كان من الجوامد فالنزاع في المقام راجع إلى ان الألفاظ الموضوعة بإزاء المفاهيم المنتزعة من الذوات باعتبار
الأمور الخارجة عنها هل هي موضوعة للمتلبس الفعلي بذلك العارض أو ما يعمه وما انقضى عنه ذلك العارض سواء كان من المشتقات أم من الجوامد نعم الألفاظ الموضوعة بإزاء المفاهيم المنتزعة من الذاتيات من دون ملاحظة امر خارج عنها ليست
محلا للنزاع إذ لا شبهة لأحد ان لفظ الإنسان والحجر والماء والنار وأمثالها لا يطلق على ما كان كذلك ثم انخلعت عنه تلك الصور النوعية
58

والدليل على ما ذكرنا من دخول مثل الزوج وأمثاله في محل النزاع ما عن الإيضاح في باب الرضاع في مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان أرضعتا زوجته الصغيرة قال تحرم (1) المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين واما المرضعة الآخرة ففي تحريمها خلاف فاختار والدي المصنف وابن إدريس تحريمها لأن هذه يصدق عليها أم زوجته لأنه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه (2) وعن المسالك في هذه المسألة ابتناء الحكم على الخلاف في مسألة المشتق (3).
الثاني اتفق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان ومنه الصفات الجارية على الذوات بخلاف الأفعال فقد اشتهر بينهم دلالتها على الزمان حتى جعلوا الاقتران بأحد الأزمنة من اجزاء معرفها والحق في المقام ان يقال ان الأمر والنهي لا يدلان على الزمان أصلا بداهة ان قول القائل اضرب لا تدل الا على إرادة وقوع الفعل من الفاعل اما في الآن الحاضر أو المتأخر فلا دلالة له على واحد منهما نعم زمان الحال ظرف لإنشاء المنشئ كما انه ظرف لاخبار المخبر في القضية الخبرية وكذا الكلام في النهي

(1) وقد يتوهم جريان النزاع في المرضعة الأولى أيضا إذ بعد تحقق الرضاع الكامل كما يحدث عنوان الأمومة يزول عنوان الزوجية فلا يتحقق عنوان أم الزوجة على القول بالأخص ويجاب بتعين القول بحرمتها على القول بالأخص أيضا لأن بقاء كلتا الزوجتين مناف لأدلة حرمة أم الزوجة والربيبة وارتفاع إحداهما معينا ترجيح بلا مرجح فتعين ارتفاع كليتهما (منه) دامت أيام إفاضاته.
(2) ايضاح الفوائد، ذيل البحث عن احكام الرضاع، ج 3، ص 52، الا ان فيه بعد العبارة المنقولة في المتن: " فكذا هنا ". وهو يمنع دلالته.
(3) مسالك الافهام، ذيل المسألة الرابعة من احكام الرضاع، وقد اختار الحرمة قال: لان الأصح انه لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى، فتدخل تحت قوله: وأمهات نسائكم.
59

وأما فعل الماضي فالظاهر ان دلالته على مضى صدور الفعل عن الفاعل مما ليس قابلا للإنكار والمقصود من المضي المضي بالنسبة إلى حال الإطلاق حتى يشمل مثل يجيء زيد غدا وقد ضرب غلامه في الساعة التي قبل مجيئه ولا يخفى ان المعنى الذي ذكرنا غير
اعتبار الزمان في الفعل لأن المضي قد ينسب إلى نفس الزمان ويقال مضى الزمان فمن أنكر اعتبار الزمان في الفعل الماضي ان كان مقصوده ما ذكرنا فمرحبا بالوفاق وان أنكر دلالته على المضي الذي ذكرنا فالتبادر حجة عليه واما المضارع فقد اشتهر انه يدل على نسبة الفعل إلى الفاعل في زمان أعم من الحال والاستقبال فلن أريد من الحال الحال الذي يعتبر في مثل قائم وقاعد وأمثالهما عند من اعتبره فالوجدان شاهد على خلافه لظهور عدم صحة إطلاق قولك يقوم على من كان متلبسا بالقيام فعلا وكذلك قولك يقعد على من كان متلبسا بالعقود واما إطلاق يصلى ويذكر ويقرأ ويتكلم وأمثال ما ذكر على المتلبس بتلك المبادي فإنما هو بملاحظة الاجزاء اللاحقة التي لم توجد بعد كما انه يصح الإطلاق بنحو المضي بملاحظة الاجزاء الماضية السابقة وكذا يصح التعبير بنحو الوصف نحو ذاكر ومصلي وقارئ ومتكلم بلحاظ ان المجموع وجود واحد متلبس به فعلا.
والحاصل ان إطلاق صيغ المضارع يصح فيما لم يكن الفاعل حين الإطلاق متلبسا بالفعل وان أراد من الحال الحال العرفي أعني الزمان المتصل بحال الإطلاق فهو مرتبة من مراتب الاستقبال وليس فعل المضارع دالا الا على الاستقبال نعم لما لا يدل على مرتبة خاصة من الاستقبال يصح إطلاقه على أي مرتبة منه ولو أطلق الحال على هذه المرتبة من الاستقبال يمكن إطلاقه على هذه المرتبة من الماضي أيضا فهلا قيل بان فعل الماضي يدل على الماضي والحال وكيف كان تحصل من جميع ما ذكرنا ان الماضي يدل على انتساب المبدأ
60

بالفاعل على نحو المضي بالنسبة إلى حال الإطلاق والمضارع يدل على انتسابه به حال الإطلاق.
ومما ذكرنا يعلم ان نسبة بعض الصيغ الماضية إلى الباري جل ذكره من قبيل علم الله أو إلى نفس الزمان ليس فيه تجوز وتجريد فليتدبر
الثالث المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال الإطلاق والأجراء لا حال النطق ضرورة عدم تطرق التوهم إلى ان مثل زيد كان ضاربا بالأمس أو يكون ضاربا غدا مجاز وما قيل من الاتفاق على ان مثل زيد ضارب غدا مجاز لعله فيما إذا كان الغد قيدا للتلبس بالمبدأ مع فعلية الإطلاق لا فيما إذا كان ظرفا للإطلاق وبالجملة لا ينبغي الإشكال في كون المشتق حقيقة فيما تلبس بالمبدأ في ظرف الحمل والإطلاق وان كان ماضيا أو مستقبلا بالنسبة إلى زمان النطق وانما الإشكال في انه هل يختص معناه بذلك أو يعمه وما انقضى عنه المبدأ في ظرف الحمل والإطلاق الرابع المشتقات الدالة على الحرفة والملكة والصنعة كسائر المشتقات في مفاد الهيئة من دون تفاوت أصلا وصحة إطلاقها على من ليس متلبسا بالمبدأ فعلا بل كان متلبسا قبل ذلك من دون إشكال من جهة أحد أمرين اما استعمال اللفظ الدال على المبدأ في ملكة ذلك أو حرفته أو صنعته واما من جهة تنزيل الشخص منزلة المتصف بالمبدأ دائما لاشتغاله به غالبا بحيث يعد زمان فراغه كالعدم أو لكونه ذا قوة قريبة بالفعل بحيث يتمكن من تحصيله عن سهولة فيصح ان يدعى انه واجد له والظاهر هو الثاني وعلى أي حال هيئة المشتق استعملت في المعنى الذي استعملت فيه في باقي الموارد الخامس انه لا أصل في المسألة يرجع إليه في تعيين المعنى الموضوع له كما هو واضح بل المعين الرجوع إلى الأصل العملي وهو يختلف باختلاف المقامات فإذا وجب إكرام العالم في حال اتصاف زيد بالعلم ثم زالت عنه تلك
61

الصفة فمقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب وإذا وجب في حال زوال تلك الصفة فمقتضى الأصل البراءة عن التكليف إذا عرفت ما ذكرنا فنقول اختلف في المسألة وقيل فيها أقوال عديدة لا يهمنا ذكرها خوفا عن التطويل والحق انها موضوعة لمعنى يعتبر فيه التلبس الفعلي ولا يطلق حقيقة الا على من كان متصفا بالمبدأ فعلا والدليل على ذلك انك عرفت عدم اعتبار المضي والاستقبال والحال في معاني الأسماء وبعد ما فرضنا عدم اعتبار ما ذكر في مثل ضارب وأمثاله من المشتقات فلم يكن مفاهيمها الا ما أخذ من الذوات مع مع اعتبار تلبسها بالمبادي الخاصة اما على نحو التقييد والتركيب واما على نحو انتزاع المعنى كما سيأتي وعلى أي حال المعنى المتحقق بالذات والمبدأ من دون اعتبار امر زائد لا يصدق الا على الذات مع المبدأ لدخالة المبدأ في تحقق المعنى بنحو من الدخالة وبعبارة أخرى فكما ان العناوين المأخوذة من الذاتيات لا تصدق الا على ما كان واجدا لها كالإنسان والحجر والماء والنار كذلك العناوين التي تحقق بواسطة عروض العوارض إذ وجه عدم صدق العناوين المأخوذة من الذاتيات الا على ما كان واجدا لها انها ما أخذت الا من الوجودات الخاصة من جهة كيفياتها الفعلية من دون اعتبار المضي والاستقبال والا كان من الممكن ان يوضع لفظ الإنسان لمفهوم يصدق حتى بعد صيرورته ترابا كان يوضع لمن كان له الحيوانية والنطق في زمان ما مثلا أو يوضع لفظ الماء لما كان جسما سيالا في زمن ما والحاصل ان العناوين المأخوذة من الموجودات بملاحظة بعض الخصوصيات إذا لم يلاحظ شيء زائد عليها لا تطلق الا على تلك الموجودات مع تلك الخصوصيات سواء كانت تلك الخصوصيات من ذاتيات الشيء أو من العوارض ولعل هذا بمكان من الوضوح ولعمرى أن
62

ملاحظة ما ذكرنا في المقام تكفي المتأمل حجة من ذهب إلى ان المشتق موضوع للأعم من المتلبس ومن انقضى عنه المبدأ أمور مذكورة في الكتب المفصلة والجواب عنها يظهر لك بأدنى تأمل ومن جملتها استدلال الإمام عليه السلام بقوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين على عدم لياقة من عبد الصنم لمنصب الإمامة تعريضا بمن تعدى لها بعد عبادته الأوثان مدة (1) ومن المعلوم ان صحة الاستدلال المذكور تتوقف على كون المشتق موضوعا للأعم إذ الظاهر ان حال الإطلاق متحد مع حال عدم نيل العهد فلو لم يكن حقيقة فيما يصح إطلاقه حال الانقضاء لما صح التمسك بالآية لعدم قابلية الجماعة المعهودين الذين تصدوا الإمامة والجواب ان الظلم على قسمين قسم له دوام واستمرار مثل الكفر والشرك وقسم ليس له الا وجود انى من قبيل الضرب والقتل وأمثال ذلك وهو بمقتضى الإطلاق بكلا قسميه موضوع للقضية والحكم المرتب على ذلك الموضوع امر له استمرار إذ لا معنى لعدم نيل الخلافة في الآن العقلي فإذا جعل الموضوع الذي ليس له الا وجود انى موضوعا لأمر مستمر يعلم ان الموضوع لذلك الأمر ليس الا نفس ذلك الوجود الإني وليس لبقائه دخل إذ لا بقاء له بمقتضى الفرض فمقتضى الآية والله اعلم ان من تصدى للظلم في زمن غير قابل لمنصب الإمامة وان انقضى عنه الظلم ولا يتفاوت في حمل الآية الشريفة على المعنى الذي ذكرنا بين ان نقول بان المشتق حقيقة في الأخص أو في الأعم إذ الحكم المذكور في
القضية ليس قابلا لأن يترتب الا على من انقضى عنه المبدأ فاختلاف المبنى في المشتق لا يوجب اختلاف معنى الآية فلا يصير احتجاج الإمام عليه السلام بها دليلا (2) لإحدى الطائفتين كما لا يخفى.

(1) أصول الكافي: باب طبقات الأنبياء والرسل، ج 1، ص 75.
(2) لا يقال بل يصير دليلا للقائل بالأعم لعدم تمامية الاحتجاج على القول الاخر لحصول الإجمال بواسطة تعارض ظهور مادة الظلم في شمول القسمين مع ظهور هيئة القضية في وحدة زمان عدم النيل مع زمان جرى الظلم ولا ترجيح لأنا نقول ظهور المادة أقوى فانا وان لم نقل بانصرافها إلى الافراد الآتية من قبيل القتل والضرب وشبههما ولكن دعوى قوة ظهور هذه الافراد منها بحيث تأبى عن التخصيص بغيرها وإخراج هذه عنها غير بعيدة بل قريبة جدا (منه)
63

[في بساطة مفهوم المشتق أو تركبه]
تتمة هل المشتقات موضوعة لمفاهيم بسيطة تنطبق على الذوات أو هي موضوعة للمعاني المركبة وعلى الأول هل يكون ذلك المفهوم البسيط الذي فرضناه معنى للمشتق قابلا للانحلال إلى الاجزاء أو لا يكون كذلك قد يقال انها موضوعة للمعاني البسيطة التي لا يكون لها جزء حتى عند التحليل نظرا إلى ما يستفاد مما نقل من أهل المعقول من ان الفرق بين المشتق ومبدئه هو الفرق بين الشيء لا بشرط والشيء بشرط لا وظاهر هذا الكلام بل صريحه ان المشتق والمبدأ يشتركان في أصل المعنى ويختلفان بملاحظة الاعتبار وتحقيق المقام ان الاعراض وان كان لها وجود ولكن ليس وجودها الا مندكا في وجود المحل بحيث يعد من أطوار المحل وكيفياته وهذا النحو من الوجود التبعي الاندكاكي قابل لأن يلاحظ في الذهن على قسمين تارة يلاحظ على نحو يحكى عن الوجود التبعي المندك في الغير وهو المراد من قولهم ملاحظته على نحو اللا بشرط وأخرى يلاحظ على نحو الاستقلال ويتصور بحياله في قبال وجود المحل وهو المراد من قولهم ملاحظته على نحو بشرط لا فإذا لو حظ على النحو الأول يكون عين المحل لأنه من كيفيات وجود المحل وأطواره وليس وجودا مستقلا في قباله وإذا لو حظ على النحو الثاني فهو وجود مستقل
64

في قبال المحل وعلى النحو الأول يصح ان يقال باتحاده مع المحل وهو مفاد هيئة المشتق كضارب وقاتل وقاعد وأمثالها مما يحمل على الذوات وعلى النحو الثاني هو مفاد الألفاظ الدالة على المواد كضرب وقعود ونحوهما ونظير ما ذكرنا هنا من الاعتبارين ذكروا في اجزاء المركب من انها بملاحظتها لا بشرط هي عين الكل وبملاحظتها بشرط لا هي غيره ومقدمة لوجوده والإنصاف ان الاتحاد المستفاد من هيئة المشتقات مع الذوات غير الاتحاد
الملحوظ في العرض باعتبار قيامه بالمحل فان معنى اتحاد العرض مع المحل عدم كونه محدودا بحد مستقل لأنه متحد بحيث لم يكن له ميز بنحو من الأنحاء كيف وقد يشار إلى العرض في حال قيامه بالمحل في الخارج ويحكم عليه بحكم يخصه ولا يعم المحل كقولك مشيرا إلى السواد القائم بجسم بان هذا لون والحاصل ان هذا الاتحاد نظير اتحاد اجزاء المركب فان معنى اتحادها انها محدودة بحد واحد وان كان كل منها ممتازا عن الاخر من وجوه اخر بل يمكن ان يكون كل منها معروضا لعرض مضاد لعرض اخر والمعنى المستفاد من لفظ ضارب مثلا الذي يحمل على الذات في الخارج هو معنى يتحد مع الذات بحيث لا يكون بينهما ميز في الخارج بوجه ولعل هذا واضح بعد أدنى تأمل وتظهر الثمرة بين هذا المعنى الذي ادعيناه للفظ المشتقات وبين ما يقوله أهل المعقول انه لو قال الأمر جئني بالضارب ولا تجئني بالقاعد فلا بد من تعيين أحد الخطابين في مورد الاجتماع بناء على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي بناء على ما ذكرنا للمشتق من المدلول فان معنى القائم والضارب انطبقا في الخارج على الوجود الشخصي واما على ما ذكره أهل المعقول فلا تنافي بينهما لأن مورد الأمر هو الهيئة الخاصة المرتبطة بالمحل ومورد النهي هيئة أخرى كذلك ونفس المحل خارج عن مورد الأمر والنهي والحاصل ان مقتضى ما ذكرنا ان مفهوم المشتق هو مفهوم اخر مباين لمفهوم المبدأ لا انهما متحدان ذاتا مختلفان بالاعتبار.
65

وهل يكون هذا المفهوم مركبا من الذات وغيرها كما اشتهر في ألسنتهم من ان معنى الضارب مثلا ذات ثبت له الضرب وكذا باقي المشتقات أو لا يكون كذلك بل هو مفهوم واحد من دون اعتبار تركيب فيه وان جاز التحليل في مقام شرح المفهوم كما يصح ان يقال في مقام شرح مفهوم الحجر انه شيء أو ذات ثبت له الحجرية الحق هو الثاني لأنا بعد المراجعة
إلى أنفسنا لا نفهم من لفظ ضارب مثلا الا معنى يعبر عنه بالفارسية (به زننده) وبعبارة أخرى (داراى ضرب) ولا إشكال في وحدة هذا المفهوم الذي ذكرنا وان جاز في مقام الشرح ان يقال شيء أو ذات ثبت له الضرب وليس في باب فهم معاني الألفاظ شيء امتن من الرجوع إلى الوجدان وقد استدل على عدم اعتبار الذات في مفهوم المشتق بما لا يخلو عن الإشكال.
قال السيد الشريف (1) في وجه عدم اعتبار الذات في مفهوم المشتقات على ما حكى عنه انها لو كانت مأخوذة فيها بمفهومها لزم دخول العرض العام في الفصل فان لفظ الناطق الذي يؤتى به في مقام ذكر فصل الإنسان من المشتقات فلو اعتبر فيه مفهوم الذات لزم ما ذكر من دخول الغرض العام في الفصل ولو كانت معتبرة بمصداقها لزم انقلاب مادة الإمكان الخاص ضرورة فان الشيء الذي له الضحك هو الإنسان وثبوت الشيء لنفسه ضروري هذا ملخص ما أفاده وفيه إمكان اختيار الشق الأول والالتزام بان ما هو مفهوم لفظ الناطق ليس بفصل حقيقة اما بتجريد المفهوم عن الذات ثم جعله فصلا للإنسان واما بان ما هو فصل حقيقة غير معلوم وانما جعل هذا مكان الفصل لكونه من

(1) في حواشيه على شرح المطالع.
66

خواص الإنسان فعلى هذا فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء أو الذات في الناطق فإنه وان كان عرضا عاما للإنسان ولكنه بعد تقييده بالنطق يصير من خواصه وكذا إمكان اختيار الشق الثاني ويجاب بان المحمول ليس مصداق الذات أو الشيء مجردا عن الوصف بل هو مقيد بالوصف وعليه فلا يلزم انقلاب مادة الإمكان الخاص ضرورة ضرورة ان كون زيد زيدا المتصف بالضرب ليس ضروريا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه هذا الكلام ان القضايا المشتملة على الأوصاف تدل على الاخبار بوقوع تلك الأوصاف وان لم تكن الأوصاف المذكورة محمولة في القضية مثلا لو قلت أكرمت اليوم زيدا العالم تدل القضية على حكايتين إحداهما حكاية ان
زيدا عالم وأخرى حكاية إكرامك إياه وعلى هذا فقولك زيد ضارب لو كان معناه زيد زيد المتصف بالضرب فيدل هذا القول على اخبار اتصاف زيد بالضرب وعلى ان زيد المتصف بالضرب زيد ولا إشكال في ان الاخبار الثاني بديهي وان كان الأول ليس كذلك فالقضية بناء على هذا تشتمل على قضية ضرورية وقضية ممكنة مع انه لا شبهة لأحد في ان قولنا زيد ضارب لا يفيد أمرا ضروريا وفيه ان اشتمال القضية المشتملة على الأوصاف على حكايتها انما هو بانحلال النسبة التامة الموجودة فيها لا انها مركبة من قضيتين أو القضايا وتلك النسبة الواحدة ينظر فيها فان كانت مثبتة لأمر ضروري تعد القضية من الضرورية وان كانت مثبتة لأمر ممكن تعد من الممكنة ولا شبهة في ان النسبة التامة الواقعة بين الذات المقيدة بقيد ممكن والذات المجردة لا تحكى امرا ضروريا وهذا واضح.
فائدة
لا إشكال في ألفاظ المشتقات الجارية عليه سبحانه ولا حاجة إلى ارتكاب النقل أو التجوز فيها بملاحظة ان المعتبر في معنى المشتق ذات ثبت له
67

المبدأ فلا يتمشى في صفاته تعالى بناء على المذهب الحق من عينيتها مع ذاته سبحانه وجه عدم الإشكال انه كما ان الذهن يلاحظ القطرة تارة بحد ماء الحوض مثلا وأخرى بحد مستقل وفي كل منهما يعتبر الملحوظ امرا خارجيا كذلك لا مانع في صفاته تعالى من ان يعتبر الذهن ذاتا ومبدأ وعروضا للثاني على الأول وينتزع من الذات المعروضة مفهوما يعبر عنه بالمشتق ومن المبدأ العارض مفهوما اخر يعبر عنه بالمبدأ ولا ينافي ذلك مع اعتقاد العينية كما ان ملاحظة القطرة بحد الاستقلال لا ينافي اعتقاد عينيتها مع ماء الحوض ومن هنا يظهر الخدشة فيما تفصى به الكفاية عن الإشكال من كفاية التعدد المفهومي بين الذات والمبدأ
مع وجود العينية الخارجية في صحة الحمل فان هذا المعنى موجود بعينه في مبدأ المشتقات المذكورة مع ذاته سبحانه مع عدم صحة الحمل هنا تمت المقدمات فلنشرع في المقاصد
68

المقصد الأول فيما يتعلق بالأوامر وتمام الكلام فيه في طي فصول
الفصل الأول
في تحقيق معنى صيغة افعل وما في معناها وتميز معناها عن معنى الجملة الخبرية فنقول قد يقال في الفرق بينهما ان الجمل الخبرية موضوعة للحكاية عن مداليلها في نفس الأمر وفي ظرف ثبوتها سواء كان المحكي بها مما كان موطنه في الخارج كقيام زيد أم كان موطنه في النفس كعلمه والمستفاد من هيئة افعل ليس حكاية عن تحقق الطلب في موطنه بل هو معنى يوجد بنفس القول بعد ما لم يكن قبل هذا القول له عين ولا أثر وقيل في توضيح ذلك ان مفهوم الطلب له مصداق واقعي يوجد في النفس ويحمل عليه ذلك المفهوم بالحمل الشائع الصناعي وله مصداق اعتباري وهو ان يقصد المتكلم بقوله اضرب إيقاعه بهذا الكلام وهذا نحو من الوجود وربما يكون منشأ لانتزاع اعتبار مرتب عليه شرعا وعرفا آثار وهكذا الحال في ساير الألفاظ الدالة على المعاني الإنشائية كليت ولعل وأمثال ذلك والحاصل في الفرق بين الجمل الخبرية والإنشائية على ما ذهب إليه بعض ان مداليل تلك الألفاظ توجد بنفس تلك الألفاظ اعتبارا ولا يعتبر في تحقق مداليلها سوى قصد وقوعها بتلك الألفاظ سواء كان مع تلك المداليل ما يعد
69

مصداقا واقعيا وفردا حقيقيا أم لا نعم الغالب كون إنشاء تلك المداليل ملازما مع المصاديق الواقعية بمعنى ان الغالب ان المريد لضرب زيد واقعا يبعث المخاطب نحوه وكذا المتمني واقعا وكذا المترجي كذا يتكلم بكلمة ليت ولعل هذا ولى فيما ذكر نظر اما كون الجمل الخبرية
موضوعة لأن تحكى عن مداليلها في موطنها ففيه ان مجرد حكاية اللفظ عن المعنى في الموطن لا يوجب إطلاق الجمل الخبرية عليه ولا يصير بذلك قابلا للصدق والكذب فان قولنا قيام زيد في الخارج يحكى عن معنى قيام زيد في الخارج ضرورة كونه معنى اللفظ المذكور واللفظ يحكى عن معناه بالضرورة ومع ذلك لا يكون جملة خبرية فالتحقيق انه لا بد من اعتبار امر زائد على ما ذكر حتى يصير الجملة به جملة يصح السكوت عندها وهو وجود النسبة التامة ولا شبهة في ان النسب المتحققة في الخارج ليست على قسمين قسم منها تامة وقسم منها ناقصة بل النقص والتمام انما هما باعتبار الذهن فكل نسبة ليس فيها الا مجرد التصور تسمى نسبة ناقصة وكل نسبة تشتمل على الإذعان بالوقوع تسمى نسبة تامة.
ثم ان الإذعان بالوقوع المأخوذ في الجمل الخبرية ليس هو العلم الواقعي وقوع النسبة ضرورة انه قد يخبر المتكلم وهو شاك بل قد يخبر وهو عالم بعدم الوقوع بل المراد منه هو عقد القلب على الوقوع جعلا على نحو ما يكون القاطع معتقد أو كان سيدنا الأستاذ نور الله ضريحه يعبر عن هذا المعنى بالتجزم وحاصل الكلام انه كما ان العلم قد يتحقق في النفس بوجود أسبابه كل قد يخلق النفس حالة وصفة على نحو العلم حاكية عن الخارج فإذا تحقق هذا المعنى في الكلام يصير جملة يصح السكوت عليها لأن تلك الصفة الموجودة تحكى جزما عن تحقق النسبة في الخارج ويتصف الكلام بالقابلية
70

للصدق والكذب بالمطابقة والمخالفة هذا في الجمل الخبرية.
واما الإنشائيات فكون الألفاظ فيها علة لتحقق معاينها مما لم افهم له معنى محصلا ضرورة عدم كون تلك العلية من ذاتيات اللفظ وما ليس علة ذاتا لا يمكن جعله علة لما تقرر في محله من عدم قابلية العلية وأمثالها للجعل والذي أتعقل من الإنشائيات أنها موضوعة لأن تحكى عن حقائق موجودة في النفس مثلا هيئة افعل موضوعة لأن تحكى عن حقيقة الإرادة الموجودة في النفس فإذا قال المتكلم اضرب زيدا وكان في نفسه مريدا لذلك فقد أعطت الهيئة المذكورة معناها وإذا قال ذلك ولم يكن مريدا واقعا فالهيئة المذكورة ما استعملت في معناها نعم بملاحظة حكايتها عن معناها ينتزع عنوان اخر لم يكن متحققا قبل ذلك وهو عنوان يسمى بالوجوب وليس هذا العنوان المتأخر معنى الهيئة إذ هو منتزع من كشف اللفظ عن معناه ولا يعقل ان يكون عين معناه فان قلت قد يؤتى بالألفاظ الدالة على المعاني الإنشائية وليس في نفس المريد معانيها مثلا قد يصدر من المتكلم صيغة افعل كذا في مقام امتحان العبد أو في مقام التعجيز وأمثال ذلك وقد يتكلم بلفظة ليت ولعل ولا معنى في النفس يطلق عليه التمني أو الترجي فيلزم مما ذكرت ان تكون الألفاظ في الموارد المذكورة غير مستعملة أصلا أو مستعملة في غير ما وضعت له والالتزام بكل منهما لا سيما الأول خلاف الوجدان قلت تحقق صفة الإرادة أو التمني أو الترجي في النفس قد يكون لتحقق مباديها في متعلقاتها كمن اعتقد المنفعة في ضرب زيد فتحققت في نفسه إرادته أو اعتقد المنفعة في شيء مع الاعتقاد بعدم وقوعه فتحققت في نفسه حالة تسمى بالتمني أو اعتقد النفع في شيء مع احتمال وقوعه فتحققت في نفسه حالة تسمى بالترجي وقد يكون تحقق تلك الصفات في النفس لا من جهة متعلقاتها بل توجد النفس تلك الصفات من جهة مصلحة في نفسها كما
71

نشاهد ذلك وجدانا في الإرادة التكوينية قد توجدها النفس لمنفعة فيها مع القطع بعدم منفعة في متعلقها ويترتب عليها الأثر مثال ذلك ان إتمام الصلاة من المسافر يتوقف على قصد الإقامة عشرة أيام في بلد من دون مدخلية لبقائه في ذلك البلد بذلك المقدار وجودا وعدما ولذا لو بقي في بلد بالمقدار المذكور من دون القصد لا يتم وكذا لو لم يبق بذلك
المقدار ولكن قصد من أول الأمر بقائه بذلك المقدار يتم ومع ذلك يتمشى قصد البقاء من المكلف مع علمه بان ما هو المقصود ليس منشأ للأثر المهم وانما يترتب الأثر على نفس القصد ومنع تمشي القصد منه مع هذا الحال خلاف ما نشاهد من الوجدان كما هو واضح فتعين ان الإرادة قد توجدها النفس لمنفعة فيها لا في المراد فإذا صح ذلك في الإرادة التكوينية صح في التشريعية أيضا لأنها ليست بأزيد مئونة منها وكذا الحال في باقي الصفات من قبيل التمني والترجي إذا عرفت هذا فنقول ان المتكلم بالألفاظ الدالة على الصفات المخصوصة الموجودة في النفس لو تكلم بها ولم تكن مقارنة مع وجود تلك الصفات أصلا نلتزم بعدم كونها مستعملة في معانيها واما ان كانت مقارنة مع وجود تلك الصفات فهذا استعمال في معانيها وان لم يكن تحقق تلك الصفات بواسطة تحقق المبدأ في متعلقاتها فتأمل جيدا
في الطلب والإرادة الفصل الثاني
قد اشتهر النزاع في لن الطلب هل هو عين الإرادة أو غيرها بين العدلية والأشاعرة وذهب الأول إلى الأول والثاني إلى الثاني وملخص الكلام في المقام ان يقال ان أراد الأشاعرة انه في النفس صفة أخرى غير الإرادة تسمى بالطلب فهو واضح الفساد ضرورة انا إذا نطلب شيئا لم نجد في أنفسنا غير الإرادة ومباديها وان أراد ان الطلب معنى ينتزع من الإرادة في مرتبة الإظهار والكشف دون الإرادة المجردة فهما متغاير ان مفهوما
72

وان اتحدا ذاتا فهو كلام معقول ولكن لا ينبغي ان يذكر في عداد لمسائل العقلية فان انتزاع مفهوم اخر من مرتبة ظهور الإرادة مما لا ينكر كما أشرنا إليه سابقا فالكلام المذكور يرجع إلى دعوى ان لفظ الطلب موضوع لهذا المعنى بخلاف لفظ
الإرادة فإنه موضوع للصفة المخصوصة النفسانية سواء تحقق لها كاشف أم لا.
قال شيخنا الأستاذ دام بقاؤه في الكفاية في توضيح عينية الطلب مع الإرادة ما لفظه ان الحق كما عليه أهله وفاقا للمعتزلة وخلافا للأشاعرة هو اتحاد الطلب والإرادة بمعنى ان لفظهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الاخر والطلب المنشأ بلفظ أو بغيره عين الإرادة الإنشائية وبالجملة هما متحدان مفهوما وإنشاء وخارجا لا ان الطلب الإنشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه كما عرفت متحد مع الإرادة الحقيقية التي ينصرف إليها إطلاقها أيضا ضرورة ان المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس إذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ففي مراجعة الوجدان عند طلب شيء والأمر به كفاية فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان فان الإنسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها
تكون هو الطلب غيرها انتهى (1).
أقول ما أفاده من ان الإنسان لا يجد من نفسه غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها عند طلبه شيئا هو حق لا محيص عنه واما التزامه بان المفهوم الذي هو ما بإزاء لفظ الإرادة أو الطلب له نحوان من التحقق أحدهما التحقق الخارجي والاخر التحقق الاعتباري فهو مبنى على ما حققه من ان معاني الهيئة أمور اعتبارية توجد باللفظ بقصد الإيقاع وفيه مضافا إلى ما عرفت سابقا من عدم تعقل كون اللفظ موجدا لمعناه ان الأمور الاعتبارية التي

(1) الكفاية، الجهة الرابعة من مباحث مادة الامر، ص 95.
73

فرضناها متحققة بواسطة الهيئة في الموارد الجزئية يؤخذ منها جامع تكون تلك الجزئيات مصداقا حقيقيا له وهذا كما في الفوقية فإنها وان كانت من الأمور الاعتبارية ولكن يؤخذ من جزئياتها جامع يحمل على تلك الجزئيات كحمل باقي المفاهيم على مصاديقها ولا معنى لجعل تلك الأمور مصاديق اعتبارية لمفهوم اخر لا ينطبق عليها والحاصل انه ليس للمفهوم سوى الوجود الذهني والخارجي نحو اخر من التحقق يسمى وجودا اعتباريا له
في معنى الصيغة الفصل الثالث
هل الصيغة حقيقة في الوجوب أو في الندب أو فيهما على سبيل الاشتراك اللفظي أو المعنوي وجوه أقواها الأخير ولكنها عند الإطلاق تحمل على الأول ولعل السر في ذلك ان الإرادة المتوجهة إلى الفعل تقتضي وجوده ليس الا والندب انما يأتي من قبل الاذن في الترك منضما إلى الإرادة المذكورة فاحتاج الندب إلى قيد زائد بخلاف الوجوب فإنه يكفي فيه تحقق الإرادة وعدم انضمام الرخصة في الترك إليها وهل الحمل على الوجوب عند الإطلاق يحتاج إلى مقدمات الحكمة وحيثما اختلت لزم التوقف أم لا بل يحمل على الوجوب عند تجرد القضية اللفظية من القيد المذكور الأقوى الثاني لشهادة العرف بعدم صحة اعتذار العبد عن المخالفة باحتمال الندب وعدم كون الأمر في مقام بيان القيد الدال على الرخصة في الترك ونظير ما ذكرنا هنا من استقرار الظهور العرفي بمجرد عدم ذكر القيد في الكلام وان لم يحرز كون المتكلم في مقام البيان القضايا المسورة بلفظ الكل وأمثاله فان تلك الألفاظ موضوعة لبيان عموم افراد مدخولها سواء كان مطلقا أم مقيدا ففي قضية أكرم كل رجل عالم وأكرم كل رجل لفظ الكل مفيد لمعنى واحد وهو عموم افراد ما تعلق به وما دخل عليه غاية الأمر مدخوله في الأولى
74

الطبيعة المقيدة وفي الثانية المطلقة فالتقيد في الرجل الذي هو مدخول الكل ليس تصرفا في لفظ الكل وهذا واضح ولكنه مع ذلك لو سمعنا من المتكلم أكرم كل رجل لا نرى من أنفسنا في الحكم بالعموم في افراد الرجل الاحتياج إلى مقدمات الحكمة في لفظ الرجل بحيث لولاها نتوقف في ان المراد من القضية المذكورة إكرام جميع افراد الرجل أو جميع افراد الصنف الخاص منه ولا يبعد ان يكون نظير ذلك حمل الوجوب على النفسي والتعييني
عند احتمال كونه غيريا أو تخييريا فان عدم اشتمال القضية على ما يفيد كون وجوبه لملاحظة الغير وكذا على ما يكون طرفا للفعل الواجب يوجب استقرار ظهورها في كون الوجوب نفسيا تعيينيا فلا يحتاج إلى إحراز مقدمات الحكمة والشاهد على ذلك كله المراجعة إلى فهم العرف إذ لا دليل في أمثال ذلك امتن مما ذكر ويحتمل ان يكون حمل الإرادة على الوجوب التعييني النفسي عند عدم الدليل على الخلاف من باب كونها حجة على ذلك عند العقلاء لو كان الواقع كذلك نظير حجية الأوامر الظاهرية على الواقعيات على تقدير التطابق من دون ان يستقر الظهور اللفظي فيما ذكرنا فافهم.
في الجمل الخبرية المستعملة في مقام الطلب الفصل الرابع
الجمل الخبرية التي يؤتى بها في مقام الطلب ظاهرة في الوجوب سواء قلنا بأنها مستعملة في الطلب مجازا أم قلنا بأنها مستعملة في معانيها من الحكاية الجزمية عن الواقع بداعي الطلب كما هو الظاهر اما على الأول فلما مر من ان الندب يحتاج إلى مئونة زائدة واما على الثاني فلان الاخبار بوقوع المطلوب في الخارج يدل على عدم تطرق نقيضه عند الأمر فيكون هذا أبلغ في إفادة الوجوب من صيغة افعل وأمثالها لا يقال لازم حمل الجمل الخبرية في مقام الطلب على الاخبار وقوع الكذب
75

فيما لم يأت المكلف بالمطلوب لأنا نقول الصدق والكذب يلاحظان بالنسبة إلى النسبة الحكمية المقصودة بالأصالة دون النسبة التي جيء بها توطئة لإفادة امر اخر ولذا لا يستند الكذب إلى القائل بان زيدا كثير الرماد توطئة لإفادة جوده وان لم يكن له رماد أو كان ولم يكن كثيرا وانما يسند إليه الكذب لو لم يكن زيد جوادا.
في مفاد هيئة افعل الفصل الخامس
هيئة افعل تدل بوضع المادة على الطبيعة اللا بشرط من جميع الاعتبارات حتى الوجود والعدم وحتى الاعتبار الذي به صار مفادا للمصدر ضرورة ان المعنى المذكور آب عن الحمل على الذات فيمتنع وجوده في الهيئة التي تحمل على الذات هذا وضع المادة وتدل بواسطة وضع الهيئة على الطلب القائم بالنفس فالمركب من الوضعين يفيد الطلب المتعلق بتلك الطبيعة اللا بشرط وحيث ان الطبيعة اللا بشرط حتى من حيث الوجود والعدم لا يمكن ان تكون محلا للإرادة عقلا يجب اعتبار وجود ما (1) زائدا على ما يقتضيه وضع المادة والهيئة والوجود المذكور الذي يجب اعتباره عقلا على أنحاء أحدها الوجود الساري في كل فرد كما في قوله تعالى أحل الله البيع (2) الثاني الوجود المقيد بقيد خاص ومن القيود المرة والتكرار والفور أو الوجود الأول وأمثال ذلك الثالث ان يعتبر صرف الوجود مقابل العدم الأزلي من دون امر اخر وراء ذلك وبعبارة أخرى كان المطلوب انتقاض العدم الأزلي بالوجود من دون ملاحظة

(1) بل يمكن القول باعتباره وضعا أيضا فان الهيئة موضوعة بإزاء الإرادة المتعلقة بالطبيعة بلحاظ الوجود (منه).
(2) سورة البقرة، الآية 275.
76

شيء اخر وحيثما لا يدل الدليل على أحد الاعتبارات يتعين الثالث لأنه المتيقن
من بينها (1) وغيره يشتمل على هذا المعنى وامر زائد فيحتاج إلى مئونة أخرى زائدة مدفوعة بمقتضى الإطلاق ومما ذكرنا يظهر ان الفور والتراخي والمرة والتكرار وغيرها كلها خارجة عن متفاهم اللفظ نعم لو دل الدليل على أحدها لم يكن منافيا لوضع الصيغة لا بمادتها ولا بهيئتها ولازم ما ذكرنا الاكتفاء بالمرة سواء أتى بفرد واحد من الطبيعة أم أزيد منه لانطباق الطبيعة المعتبرة فيها حقيقة الوجود من دون اعتبار شيء اخر على ما وجد أولا فيسقط الأمر إذ بعد وجود مقتضاه في الخارج لو بقي على حاله لزم طلب الحاصل وهو محال نعم يمكن ان يقال في بعض الموارد بجواز إبطال ما أتى به أولا وتبديله بالفرد الذي يأتي به ثانيا كما يأتي بيانه في محله
في الاجزاء الفصل السادس
لا إشكال في ان الإتيان بالمأمور به بجميع ما اعتبر فيه شرطا وشطرا يوجب الاجزاء عنه بمعنى عدم وجوب الإتيان به ثانيا باقتضاء ذلك الأمر لا أداء ولا قضاء لسقوط الأمر بإيجاد متعلقه ضرورة انه لو كان باقيا بعد فرض حصول متعلقه لزم طلب الحاصل وهو محال ولا فرق في ذلك بين الواجبات التعبدية والتوصلية وما قد يتوهم في التعبديات من انه قد يؤتى بالواجب بجميع ما اعتبر فيه ومع ذلك لم يسقط الأمر لفقد التقرب الذي اعتبر في الغرض فهو بمعزل عن الصواب لما ذكرنا من استحالة بقاء الأمر

(1) لا يخفى ان اعتبار صرف الوجود أيضا قيد زائد ويحتاج إلى مؤنة زائدة، فالقدر المتقين هو مطلق الوجود المعرى حتى من هذا القيد، ولا يلزم من ذلك القول بالتكرار لان العلة الواحدة لا تقصى الا معلولا واحدا " منه ".
77

مع وجود عين ما اقتضاه في الخارج واما وجوب الإتيان ثانيا في التعبديات لو أخل بقصد القربة فاما من جهة اعتبار ذلك في المأمور به واما من جهة تعلق الأمر بالإتيان بالفعل ثانيا بعد سقوط الأمر الأول لعدم حصول الغرض الأصلي وستطلع على تفصيل ذلك عند البحث عن وجوب مقدمة الواجب إن شاء الله والحاصل ان الأمر إذا أتى
بما اقتضاه بجميع ما اعتبر فيه لا اقتضاء له ثانيا نعم يتصور امر اخر يتعلق بإيجاد الفعل ثانيا وهذا غير عدم الاجزاء عن الأمر الأول ولعمري ان هذا من الوضوح بمكان وكذا لا فرق فيما
ذكرنا بين الأوامر المتعلقة بالعناوين الأولية والأوامر الملحوظ فيها الحالات الطارية من قبيل العجز والاضطرار والشك وأمثال ذلك لوجود الملاك الذي ذكرنا في الجميع وانما الإشكال والكلام في ان الأوامر المتعلقة بالمكلف بملاحظة العناوين الطارية لو أتى المكلف بمتعلقاتها هل تجزى عن الواقعيات الأولية بحيث لو ارتفعت تلك الحالة الطارية في الوقت أو خارجه لا يجب عليه الإتيان بما اقتضت الأوامر الواقعية الأولية أو لا يكون كذلك إذا عرفت ذلك فنقول ان العناوين الطارية التي توجب التكليف على قسمين أحدهما ما يوجب حكما واقعيا في تلك الحالة مثل الاضطرار والثاني ما يوجب حكما ظاهر يا مثل الشك فهاهنا مقامان يجب التكلم في كل منهما
اجزاء الاضطراري عن الاختياري
اما القسم الأول فينبغي التكلم فيه تارة في أنحاء ما يمكن ان يقع عليه وأخرى فيما وقع عليه اما الأول فنقول يمكن ان يكون التكليف بشيء في حال عدم التمكن من
78

شيء اخر والاضطرار العرفي بتركه من جهة ان ذلك الشيء مشتمل على عين المصلحة التي تقوم بالفعل الاختياري من دون تفاوت أصلا مثلا الصلاة مع الطهارة المائية في حق واجد الماء والترابية في حق فاقده سيان في ترتب الأثر الواحد المطلوب الموجب للأمر ويمكن ان يكون الفعل في حق المضطر مشتملا على مصلحة وجوبية لكن من غير سنخ تلك المصلحة القائمة بالفعل الاختياري وان كانت مثلها في كونها متعلقة لغرض الأمر في
الحالة التي يكون المكلف عليها ويمكن ان يكون مشتملا على مرتبة نازلة من المصلحة القائمة بالفعل الاختياري وعلى هذا يمكن بلوغ الزائد حدا يجب استيفائه ويمكن عدم بلوغه بهذه المرتبة وعلى الأول يمكن كون الزائد مما يمكن استيفائه بعد زوال العذر ويمكن عدم كونه كذلك هذه أنحاء الصور في التكاليف الاضطرارية ولازم الأول من الأقسام المذكورة الاجزاء بداهة مساواة الفعل الاضطراري مع الفعل الاختياري في تحصيل الغرض على الفرض المذكور فكما ان الفعل الاختياري يوجب الاجزاء كذلك الاضطراري ولازم الثاني منها عدم الاجزاء إذ الفعل الاضطراري وان كان مشتملا على المصلحة التامة كالاختياري لكن المصلحة القائمة بكل منهما تغاير الأخرى فلا يكون أحد الفعلين مجزيا عن الاخر نعم يمكن ان يكون أحد الفعلين في الخارج موجبا لعدم إمكان استيفاء مصلحة الاخر ولا يخفى ان لازم كلا القسمين المذكورين جواز تحصيل الاضطرار اختيارا ولازم الثالث عدم الاجزاء مع اتصاف الزائد بوجوب الاستيفاء وإمكانه معا وفي غيره الاجزاء ثم انه ان كانت المصلحة الزائدة بمرتبة اللزوم ولا يمكن الاستيفاء بعد إتيان الفعل الاضطراري لا يجوز للأمر الإيجاب والبعث إلى الاضطرار في الوقت ان علم بزوال عذره قبل زوال الوقت لأنه تفويت للمصلحة اللازمة وفي غير الصورة المذكورة يجوز الإيجاب وان علم بزوال عذره
79

في الوقت ووجهه ظاهر ولازم الصورة الأولى عدم جواز البدار إلى الفعل الاضطراري الا إذا علم باستيعاب العذر لتمام الوقت كما ان لازم الثانية جواز ذلك وان علم بانقطاع العذر والقول بعدم جواز البعث للأمر والبدار للمكلف في الصورة الأولى انما هو فيما لم يكن للتكليف مصلحة يتدارك بها المصلحة
الزائدة الفائتة والا يجوز وتنتفي الثمرة بين الصورتين هذه أنحاء التصور في التكاليف الاضطرارية واما ما وقع بمقتضى النظر في أدلتها فالظاهر ان المأتي به في حال الاضطرار لو وقع مطابقا لمقتضى الأمر يسقط الإعادة ثانيا فان ظاهر أدلتها ان المعنى الواحد يحصل من المختار بإتيان التام ومن المضطر بإتيان الناقص نعم في كون موضوع تكليف المضطر هو الاضطرار الحالي أو الاضطرار المستوعب لتمام الوقت كلام لا بد في تنقيح ذلك من النظر في الأدلة وللكلام فيه محل اخر ويتفرع على الأول سقوط الإعادة لو انقطع العذر في الأثناء وعلى الثاني عدم السقوط لا لعدم اجزاء امتثال الأمر في حال الاضطرار بل لكشف انقطاع العذر عن عدم كون المأتي به متعلقا للأمر واما القضاء فيما إذا استوعب العذر مجموع الوقت وانقطع بعده فيسقط عنه على كلا التقديرين ثم انه لو فرضنا الشك في ظواهر الأدلة فأصالة البراءة محكمة لرجوع المقام إلى الشك في التكليف ولا فرق في ذلك بين الإعادة والقضاء لا يقال مقتضى وجوب قضاء ما فات وجوب العمل التام عليه لصدق فوت العمل التام عنه لأنا نقول يعتبر في صدق الفوت اشتمال العمل على المصلحة المقتضية للإيجاب عليه ولم يستوفها المكلف والمفروض احتمال استيفاء المكلف العاجز تلك المصلحة بإتيان الناقص ومع هذا الاحتمال يشك في صدق الفوت الذي
80

هو موضوع أدلة القضاء هذا حال التكليف الاضطراري
اجزاء الظاهري عن الواقعي
واما التكاليف المتعلقة على المكلف في حال الشك في التكليف الواقعي فملخص
الكلام فيها انه ان قلنا باشتمال متعلقاتها في تلك الحالة على المصالح فحالها حال التكاليف المتعلقة بالافعال في حال الاضطرار من دون تفاوت وان قلنا بأنها تكاليف جعلت لرفع تحير المكلف عن الواقعيات في مقام العمل فلازم ذلك عدم الاجزاء لعدم حصول الغرض الموجب للتكليف بالواقع على هذا الفرض غاية الأمر كون الامتثال لتلك التكاليف عذرا عن الواقع المتخلف عنه وحد إمكان العذر عن الشيء كونه مشكوكا فيه فإذا علم لا يمكن عقلا ان يكون معذورا فيه لوجوب امتثال الحكم المعلوم وحرمة مخالفته ولا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون مورد الأحكام الظاهرية الشبهات الموضوعية أو الحكمية وحاصل الكلام ان الغرض الموجب للحكم حدوثا موجب له بقاء ما لم يحصل وبعد ما فرضنا ان متعلقات الأحكام الظاهرية ليست مشتملة على مصالح حتى يتوهم حصول تلك الأغراض الموجبة للتكليف بالواقعيات بإتيانها وانما فائدتها تنجيز الواقعيات في مورد ثبوتها وكونها عذرا عنها في صورة التخلف فلا وجه لتوهم الاجزاء لأنه ان كان المراد سقوط الأمر بالواقعيات بمجرد امتثال الأمر الظاهري فلا يعقل مع بقاء الغرض الذي أوجب الأمر وان كان المراد كونها معذورا فيها مع بقاء الأمر بها وارتفاع الشك فلا يعقل أيضا لاستقلال العقل بعدم معذوريته من علم بتكليف المولى نعم يمكن ان يوجب امتثال الأمر الظاهري عدم القابلية لاستدراك المصلحة القائمة بالواقع فيسقط الأمر به من هذه الجهة وهذا الاحتمال مع كونه بعيدا في
81

حد نفسه لا يصير منشأ للتوقف إذ غايته الشك في السقوط وهو بعد العلم بالثبوت مورد للاشتغال هذا إذا علم ان جعل الأحكام الظاهرية من باب الطريقية ولو شك في انه كذلك أو من باب السببية أو علم انه من باب السببية ولكن شك في ان الإتيان بالمشكوك هل هو واف بتمام الغرض الموجب للأمر بالواقع أو بمقدار يجب
استيفائه أو لم يكن كذلك فهل الأصل في تمام ما ذكرنا يقتضى الاجزاء أو عدمه أو التفصيل بين ما إذا كان منشأ الشك في الاجزاء وعدمه الشك في ان جعل الأحكام الظاهرية من باب السببية أو الطريقية وما إذا كان منشأ الشك فيه الشك في كيفية المصلحة القائمة بالفعل المشكوك المتعلق للأمر بعد إحراز ان الجعل من باب السببية والحق ان يقال بان مقتضى الأصل عدم الاجزاء مطلقا بيان ذلك ان الأحكام الواردة على الشك سواء قلنا بأنها جعلت لمصلحة في متعلقاتها أو قلنا بأنها جعلت من جهة الطريقية انما جعلت في طول الأحكام الواقعية لأن موضوعها الشك في الواقعيات بعد الفراغ عن جعلها فلا يمكن ان تكون رافعة لها غاية الأمر ان الإتيان بمتعلقاتها ان قلنا بان الجعل فيها من باب السببية وانها وافية بمصالح الواقعيات مجزي عنها وهذا غير ارتفاع الأحكام الواقعية وانحصار الحكم الفعلي بمؤدى الطريق إذا عرفت ذلك فتقول لو أتى المكلف بما يؤدى إليه الطريق فان قطع باشتمال ما أتى به على المصلحة المتحققة في الواقع فهو والا فبعد انكشاف الخلاف يجب عليه إتيان الواقع سواء كان الشك في السقوط وعدمه مستند إلى الشك في جهة الحكم الظاهري أو في وفاء المصلحة المتحققة في متعلق الحكم الظاهري لإدراك ما في الواقع بعد إحراز ان للجعل انما يكون من جهة المصلحة الموجودة في المتعلق إذ يشترك الجميع في ان المكلف يعلم حين انكشاف الخلاف بثبوت تكليف عليه في الجملة ويشك في سقوطه عنه
وهذا الشك مورد
82

للاشتغال العقلي ومما ذكرنا يظهر لك الفرق بين المقام والمقام السابق الذي قلنا فيه بالبراءة من الإعادة والقضاء بعد إتيان ما اقتضاه التكليف في حال الاضطرار توضيح الفرق ان المكلف في حال الاضطرار ليس عليه الا الفعل الناقص الذي اقتضاه تكليفه في تلك الحال فلو كلف بعد ارتفاع العذر بالفعل التام فهو تكليف ابتدائي جديد فالشك فيه مورد للبراءة
بخلاف حال الشك فان ما وراء هذا التكليف الذي اقتضاه الدليل في حال الشك واقع محفوظ فإذا ارتفع الشك يتبين له ذلك الواقع الثابت ويشك في سقوطه عنه هذا ما أدى إليه نظري القاصر في المقام وعليك بالتأمل التام
83

المقصد الثاني في مقدمة الواجب
اعلم ان الواجب في الاصطلاح عبارة عن الفعل المتعلق للإرادة الحتمية المانعة عن النقيض فلا يشمل ترك الحرام وان كان ينتزع من مبغوضية الفعل وعدم الرضا به كون تركه متعلقا للإرادة الحتمية المانعة عن النقيض الا انه لا يسمى واجبا في الاصطلاح فلو اقتصر في العنوان المبحوث عنه هنا بمقدمة الواجب كما فعله الأصوليون فاللازم جعل الحرام عنوانا مستقلا يتكلم فيه فالأولى جعل البحث هكذا هل الإرادات الحتمية للمريد سواء كانت متعلقة بالفعل ابتداء أو بالترك من جهة مبغوضية الفعل تقتضي إرادة ما يحتاج ذلك المراد إليه أم لا حتى يشمل مقدمة الفعل الواجب والترك الواجب ثم على القول بالاقتضاء يحكم بوجوب جميع مقدمات الفعل الواجب من المعد والمقتضى والشرط وعدم المانع ومقدمات المقدمات واما الترك الواجب فلا يجب بوجوبه الا ترك إحدى مقدمات وجود الفعل والسر في ذلك ان الفعل في طرف الوجود يحتاج إلى جميع المقدمات ولا يوجد الا بإيجاد تمامها ولكن الترك يتحقق بتحقق ترك إحداها فلا يحتاج إلى تروك متعددة حتى يجب تلك التروك بوجوب ذلك الترك ومن هنا ظهر انه ان لم يبق الا مقدمة مقدورة واحدة اما بوجود الباقي واما بخروجه عن حيز القدرة فحرمة ذلك الفعل تقتضي حرمة تلك المقدمة المقدور عليها عينا كما هو الشأن في كل تكليف تخييري امتنع أطرافه الا واحدا فإنه
84

يقتضى إرادة الطرف الباقي تحت القدرة معينا
وهذا واضح فلو فرض ان صب الماء على الوجه مثلا يترتب عليه التصرف في المحل المغصوب قطعا بحيث لا يقدر بعد الصب على إيجاد المانع أو رفع المحل عن تحت الماء فحرمة الغصب ووجوب تركه تقتضي حرمة صب الماء على الوجه عينا وعلى هذا بنى سيد أساتيذنا الميرزا الشيرازي قدره في حكمه ببطلان الوضوء وان لم يكن المصب منحصرا في المغصوب إذا كانت الطهارة بحيث يترتب عليها التصرف فلا يرد عليه قده ان صب الماء ليس علة تامة للغصب حتى يحرم بحرمته بل هو من المقدمات وما هو كذلك لا يجب تركه شخصا حتى ينافي الوجوب وحاصل الجواب ان صب الماء وان لم يكن علة الا انه بعد انحصار المقدمات المقدورة فيه كما هو المفروض يجب تركه عينا فان قلت ليس المقدور منحصرا في الصب بل الكون في المكان المخصوص أيضا من المقدمات وهو باق تحت قدرة المكلف فلم يثبت حرمة صب الماء عينا قلت ليس الكون المذكور من مقدمات تحقق الغصب في عرض صب الماء بل هو مقدمة لتحقق الصب الخاص الذي هو مقدمة لتحقق الغصب والنهي عن الشيء يقتضى النهي عن أحد الأفعال التي هي بمجموعها علة لذلك الشيء فإذا انحصر المقدور من هذه الأفعال في واحد يقتضى حرمته عينا هذا وإذ قد عرفت ان حرمة مقدمات الحرام انما تكون على سبيل التخيير بمعنى ان الواجب ترك إحدى المقدمات منها يتبين لك انه إذا اقتضت جهة من الخارج وجوب إحدى تلك المقدمات عينا فلا يزاحمه الحرمة التخييرية التي جاءت من قبل النهي لأن الأول ليس له بدل بخلاف الثاني فلا وجه لرفع اليد عن أحدا لغرضين الفعليين إذا أمكن الجمع بينهما فاللازم بحكم العقل
85

قصر أطراف الحرام التخييري على غير ما اقتضت المصلحة وجوبه عينا وهكذا الكلام في الواجب التخييري بالنسبة إلى الحرام التعييني
فان اللازم بحكم العقل تقييد مورد الوجوب بغير الحرام ولا يلاحظ هنا الأهم وغيره فان هذه الملاحظة انما تكون فيما إذا كان فوت أحد الغرضين مما لا بد منه واما فيما يمكن الجمع بينهما فلا وجه ومن هنا ظهر انه بناء على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي يجب الحكم بكون الصلاة في الدار المغصوبة محرمة وتقييد مورد الصلاة بغير هذا الفرد وان كانت الصلاة لهم من الغصب بمراتب ولو كان الواجب تخييريا وكذلك الحرام فهل يمكن اجتماعهما في محل واحد بناء على عدم جواز اجتماعهما في غير هذا المورد أولا مثاله لو كان صب الماء على الوجه مقدور أو هكذا أخذه على تقدير الصب بحيث لا يقع في المحل المغصوب فهل يمكن ان يكون هذا الصب تركه واجبا بدلا لكونه مما يترتب عليه ترك الحرام وكذلك فعله لكونه أحد افراد غسل الوجه في الوضوء أولا قد يقال بالعدم لأن كون الشيء طرفا للوجوب التخييري يقتضى ان يكون تركه مع ترك باقي الافراد مبغوضا للمولى وكونه طرفا للحرمة التخييرية يقتضى ان يكون الترك المفروض مطلوبا له والذي يقوى في النفس ان يقال ان فعل ذلك الشيء المفروض على تقدير قصد ترك أحد الأطراف الذي هو بدل له في الحرمة لا مانع من تحقق العبادة به لأنه على هذا التقدير ليس قبيحا عقلا بل على تقدير عدم قصد التوصل به إلى الحرام نعم على غير هذين التقديرين وهو ما إذا كان الآتي بذلك الفعل قاصدا إلى إيجاد فعل الحرام لا يمكن ان يكون ذلك الفعل عبادة فحينئذ نقول في المثال ان صاب الماء على الوجه ان لم يقصد به إيجاد فعل الغصب فلا مانع من صحة وضوئه والا فالحكم بالبطلان متجه وستطلع على زيادة توضيح لأمثال هذا المقام في مسألة اجتماع الأمر والنهي هذا
86

ثم ان هذه المسألة هل هي داخلة في المسائل الأصولية أو الفقهية أقول مسألتنا هذه ان كان البحث فيها راجعا إلى الملازمة العقلية فهي من المسائل الأصولية وان كان عن وجوب المقدمة فهي من المسائل الفقهية وقد تقدم في أول الكتاب ما يوضح ذلك والظاهر الأول وكيف كان فتمام الكلام في هذا المقام في ضمن أمور
في اعتبار الاختيار والمباشرة في المأمور به
الأول
الواجب تارة يلاحظ فيه إضافته إلى الفاعل وأخرى لم يلاحظ فيه ذلك بل المطلوب إيجاد الفعل ولو بتسبيب منه وعلى الأول قد يلاحظ فيه مباشرة الفاعل بيده وقد يكون المقصود أعم من ذلك ومن ان يأتي به نائبه وأيضا قد لا يحصل الغرض الا باعمال اختياره في الفعل ولو بإيجاد سببه وقد لا يكون كذلك بمعنى عدم مدخلية الاختيار في الغرض وأيضا قد يكون لقصد عنوان المطلوب مدخلية في تحصيل الغرض وقد يكون الغرض أعم من ذلك والمقصود في هذا البحث بيان انه هل الأمر بنفسه ظاهر في تشخيص المقدمة أولا ظهور له فيه مطلقا أو يفصل بين تلك الوجوه وعلى تقدير عدم الظهور هل الأصل ما ذا فنقول وبالله الاستعانة القيد على ضربين أحدهما ما يحتاج إليه الطلب بحكم العقل والثاني غيره والأول اما ان يكون مذكورا في القضية أولا اما ما كان من هذا القبيل ولم يذكر في القضية فالظاهر ان المطلوب غير مقيد بالنسبة إليه ولذا نفهم من دليل وجوب الصلاة انها مطلوبة حتى من النائم الذي لا يقدر عليها ومن هنا يقال بوجوب القضاء مع انه تابع لصدق الفوت الذي لا يصدق الا مع بقاء المقتضى في حقه والدليل على ذلك ان الأمر المتصدي لبيان غرضه لا بد ان يبين جميع ماله دخل فيه فليستكشف إذا من عدم التنبيه عليه عدم مدخليته في غرضه (255) وان كان له دخل في تعلق
87

الطلب مثل القدرة فعلى هذا نقول قوله أنقذ الغريق مثلا يستكشف عنه ان الإنقاذ في كل فرد مطلوب له حتى فيما إذا وجد غريقان ولم يقدر على إنقاذهما هذا حال القيود التي يتوقف عليها حسن
الطلب ولم تذكر في القضية واما إذا ذكر مثل تلك القيود فيها كما إذا قال اضرب زيدا ان قدرت عليه فالظاهر إجمال المادة به من حيث ان ذكر هذا القيد يمكن ان يكون لتقييد المطلوب وان يكون لتوقف الطلب عليه فلا يحكم بتقييد المطلوب ولا بإطلاقه بل يعمل فيه بمقتضى الأصول العملية واما إذا كان القيد مما لا يتوقف حسن الطلب عليه كتقييد الرقبة المأمور بعتقها بالمؤمنة ونظائره فلا إشكال في انه متى لم يذكر في الكلام نتمسك بإطلاقه ونحكم بعدم مدخليته ان وجدت هناك شرائط الأخذ بالإطلاق والا فبمقتضى الأصول كما انه لا إشكال في انه متى ذكر في القضية فالظاهر ان له دخلا في المطلوب الا إذا استظهر من الخارج إلغائه إذا عرفت هذا فنقول ان شككنا في اعتبار إضافة الفعل إلى المأمور فان كان اللفظ مفيدا لهذا القيد فنحكم باعتباره في المطلوب (1) لأنه ليس مما يتوقف عليه الطلب
لأنه من الممكن ان يأمر بتحقق هذا الفعل على سبيل الإطلاق،

(1) يمكن ان يقال بمدخلية هذه القيود الثلاثة أعني الإضافة إلى الفاعل ومباشرته في قبالي التسبيب والنيابة في حسن الطلب بمعنى عدم حسن توجيهه نحو وجود الفعل على الإطلاق وان لم يصدر من فاعل المختار كما لو اتفق حصوله بهوب الريح ونحوه أو نحو النتائج المتولدة من فعل الشخص وكذا نحو فعل الغير ولو كان نائبا عن المأمور ووجه ذلك ان حال إرادة الأمر حال إرادة الفاعل بعينها فكما ان شأن الثانية تحريك عضلات المريد نحو ما هو صادر عنه ويعد فعلا له دون ما يتولد من فعله كالانكسار الحاصل من الكسر فضلا عن فعل الأجنبي كذلك شأن الأولى تحريك عضلات المأمور نحو ما هو فعل له لأن عضلاته بمنزلة عضلات الأمر فحينئذ تقول ان لم يذكر هذه القيود في القضية يحكم بإطلاق المادة من جهتها لكن هذه مجرد فرض وان ذكر أحدها يحصل الإجمال فلا بد من ان ترجع إلى الأصل العملي وهو هنا الاشتغال وان قلنا بالبراءة في غير المقام وذلك لأن الإرادة كما قلنا لا تتوجه الا نحو الخاص المتقيد بهذه القيود الثلاثة وهي حجة عقلية على ذلك الخاص حتى يعلم من الخارج إلغاء تلك الخصوصيات وقد مر نظير ذلك في دوران بين الأمر الوجوب والندب فراجع «منه».
88

بان يقول أريد منك تحقق هذا الفعل مطلقا سواء توجده بنفسك أو تبعث غيرك عليه فلو قال اضرب زيدا مثلا الظاهر في ان المطلوب الضرب المضاف إلى المأمور فاللازم بمقتضى هذا الظهور الحكم بتقييد المطلوب وان الغرض لا يحصل بضرب غيره إياه الا ان يستظهر من الخارج عدم مدخلية هذه الإضافة في الغرض مثل ان يكون الغالب في أوامر الشارع عدم اعتبار الإضافة المذكورة كما ادعى أو ان يكون الغالب في الأوامر العرفية عدم اعتبارها ولم يتحقق في الأوامر الشرعية ما يوهن الغلبة العرفية واما الاختيار وقصد العنوان فملخص الكلام فيهما انه لا إشكال في عدم إمكان تعلق التكليف بخصوص الفعل الصادر من غير اختيار المكلف ولا بخصوص ما لم يكن عنوانه مقصودا ولو كان ملتفتا إليه اما الأول فواضح واما الثاني فلعدم إمكان بعث الأمر إلى غير عنوان المطلوب وهذا واضح بعد أدنى تأمل فانحصر الفعل القابل لتعلق التكليف في الاختياري الذي قصد عنوانه فحينئذ ان قلنا بان التكاليف المتعلقة بالطبيعة تسرى إلى افرادها وقد عرفت ان الفرد القابل للحكم منحصر في الأخير فالقيدان المذكوران أعني الاختيارية وقصد العنوان من القيود التي يحكم العقل باحتياج الطلب إليها وقد عرفت حكمها واما ان قلنا بعدم السراية كما هو التحقيق فيكفي في حسن الخطاب بنفس الطبيعة من دون تقييد وجود فرد لها يحس الخطاب بالنسبة إليه وعلى هذا فلو فرض تكليف متعلق بفعل مع قيد صدوره عن اختيار
89

المكلف أو مع قصد العنوان يستكشف به تقييد الغرض إذ هما من القيود التي يستغنى عنها الطلب عقلا فذكرهما في الكلام يدل على تقييد الغرض كما عرفت نعم قدرة المكلف بالنسبة إلى أصل الطبيعة مما يحتاج إليه صحة الطلب عقلا فلو لم تذكر في القضية فإطلاق المادة بحاله وان ذكرت تكون موجبة لإجمالها كما عرفت واما الشك في ان الفعل هل يجب ان يؤتى به بمباشرة بدنه أو يجتزئ بإتيان النائب فالكلام فيه في مقامين أحدهما في إمكان ذلك عقلا في الواجبات التعبدية التي يعتبر فيها تقرب الفاعل وانه كيف يمكن كون فعل الغير مقربا لآخر حتى يكون مجزيا عنه والثاني بعد الفراغ عن الإمكان في مقتضى القواعد من الأصول اللفظية والعملية اما الكلام في المقام الأول فنقول ما يصلح ان يكون مانعا عقلا وجهان أحدهما انه بعد فرض كون الفعل مطلوبا من المنوب عنه والأمر متوجها إليه كيف يعقل ان يصير ذلك الأمر المتوجه إليه داعيا ومحركا للنائب مع انه قد لا يكون امر بالنسبة إلى المنوب عنه أيضا كما إذا كان ميتا والثاني بعد فرض صدور الفعل من النائب بعنوان الأمر المتعلق بالمنوب عنه كيف يعقل ان يصير هذا الفعل مقربا له مع انه لم يحصل منه اختيار في إيجاد الفعل بوجه من الوجوه في بعض الموارد كما إذا كان ميتا والفعل ما لم يتحقق من جهة الإرادة والاختيار لا يمكن عقلا ان يصير منشأ للقرب اما المانع الأول فيندفع بان مباشرة الفاعل قد يكون لها خصوصيته في غرض الأمر وعليه لا يسقط الأمر بفعل الغير قطعا ولو لم يكن تعبديا وهذا واضح وقد لا يكون لها دخل في غرض الأمر وهكذا الكلام في اختياره فلو فرضنا تعلق الأمر بمثل هذا الفعل الذي ليست المباشرة والاختيار فيه قيدا للمطلوب فإمكان صيرورة الأمر المتعلق بمثل هذا الفعل داعيا لغير المأمور إليه بديهي،
90

لوضوح انه بعد تعلق الأمر بهذا الفعل الذي لم يقيد حصول الغرض فيه بأحد من القيدين المذكورين لا مانع في صيرورة الأمر المتعلق به محركا للغير لإيجاد ذلك الفعل مراعاة لصديقه واستخلاصه من المحذورات المترتبة على ذلك الأمر من العقاب والبعد عن ساحة المولى وهذا واضح ومنه يظهر عدم الإشكال فيما إذا لم يكن امر في البين كما في النيابة عن الميت ضرورة إمكان فعل ذلك لحصول
أغراض المولى المترتبة على الفعل ليستريح الميت من العقاب المترتب على فوتها وهذا لا إشكال فيه انما الإشكال في المانع الثاني وهو صيرورة هذا الفعل مقربا للغير عقلا إذ لو لم يكن كذلك لم يسقط غرض الأمر فلم يسقط عنه العقاب وهذا الإشكال يسرى في المقام الأول أيضا إذ بعد ما لم يكن فعله مقربا للغير ولم يسقط غرض الأمر عنه لا يعقل كون مراعاته سببا لإيجاد ذلك الفعل ويمكن التقضي عنه بان يقال انه بعد فرض انحصار جهة الإشكال في حصول القرب يكفي في حصوله رضى المنوب عنه بحصول الفعل من النائب كما انه قد يؤيد ذلك ببعض الاخبار الواردة في ان من رضى بعمل قوم أشرك معهم (1) وهذا المقدار من القرب يكفي في عبادية العبادة بل يمكن ان يقال بعدم الفرق عقلا بين الفعل الصادر من الإنسان بنفسه وبين الصادر من نائبه في حصول القرب لأنه بعد حصول هذا الفعل من النائب لا بد وان يكون المنوب عنه ممنونا منه ومتواضعا له من جهة استخلاصه من تبعات الأمر المتعلق به به وهذا الممنونية تصير منشئا لقربه عند المولى لأن امره صار سببا لها وفيه ان الرضا والممنونية يتفرعان على كون الفعل الصادر من النائب مقربا له إذ لولاه لم يكن وجه لهما ولو توقف القرب عليهما لزم الدور ويمكن ان يقال ان للقرب مراتب باختلاف الجهات الداعية

(1) الوسائل، الباب 5 من أبواب الامر والنهي، ج 11، ص 408.
91

للمكلف أدناها إتيان الفعل بداعي الفرار من العقاب مثل ان يكون حال العبد بحيث لو علم بعدم العقاب لم يأت بالفعل أصلا فإتيانه به خوفا من المولى مقرب له عند العقل كما انه نرى الفرق عند العقلاء بين هذا العبد وبين العبد الذي لم يكن خوف مؤاخذة المولى مؤثرا فيه وهذا المقدار من القرب أعني كون العبد بحيث يكون له جهة امتياز بالنسبة إلى غيره في الجملة يكفى في العبادة ونظير هذا المعنى موجود في المقام إذ لو فرضنا عبدين أحدهما لم يأت بالمأمور به بنفسه ولا أحد بدله والثاني لم يأت به ولكن أتى به نائبه نرى بالوجدان ان حالهما ليس على حد سواء عند المولى بل للثاني عنده جهة خصوصية ليست للأول وان لم
يصل إلى مرتبة من أتى بالمأمور به بنفسه فنقول هذه المرتبة الحاصلة له بفعل الغير تكفي في العبادة ويمكن ان يقال ان تقرب المنوب عنه بتسليمه للفعل المتلقى من النائب إلى الأمر بعنوان انه مولى ولا فرق في حصول القرب بين ان يسلمه إليه ابتداء ويسلمه إليه بعد أخذه من نائبه هذا حاصل الوجوه التي أفادها سيدنا الأستاذ طاب ثراه ولكن لم يطمئن بها النفس أقول ويمكن ان يقال ان الأفعال على وجوه منها ما لا يضاف الا إلى فاعله الحقيقي الصادر منه الفعل مباشرة كالأكل والشرب ونظائرهما ومنها ما يضاف إليه وإلى السبب أيضا كالقتل والإتلاف والضرب ونظائرها ومنها ما يضاف إلى الغير وان لم يكن فاعلا ولا سببا ومن ذلك العقود إذا صدرت عن رضى المالك بل ولو لم يكن عنه أيضا ابتداء إذا رضى بذلك بعده كما في الإجازة بناء على صيرورة العقد بها عقدا للمالك عرفا كما قيل ولعل الضابط كل فعل يتوقف تحقق عنوانه في الخارج على القصد وأوقعه واحد بقصد الغير وكان ذلك الفعل حقا لذلك الغير ابتداء مع رضاه بصدوره بدلا عنه فلو صح هذه الإضافة العرفية وأمضاها الأمر فلا بد من ان يعامل مع هذا الفعل معاملة
92

الفعل الصادر من شخصه كما هو واضح مثلا لو فرضنا ان تعظيم زيد عمرا بدلا عن بكر إذا كان عن رضا بكر وتقبل عمرو الذي هو المعظم بالفتح يحسب تعظيما لبكر عنده فاللازم عليه ان يترتب على هذه التعظيم أثر التعظيم الصادر من شخص بكر فلو فرضنا حصول القرب من هذا الفعل للمعظم بالكسر عند المعظم بالفتح فاللازم حصوله للمنوب عنه هذا ما أمكن لي من التصور في المقام ولعل الله يحدث بعد ذلك امرا (1).

(1) ويمكن ان يقال ان الصلاة عن الميت مثلا خارجة من باب النيابة بل هي من باب أداء الدين كما يستفاد من بعض الاخبار توضيحه ان العمل العبادي عبارة عما اخذ فيه قرب الفاعل، فالصلاة مثلا ما دام الانسان حيا يعتبر فيها ان يأتي بها بنفسه على وجه يوجب قرب نفسه، لأنه في حال الحياة يعتبر قيد المباشرة، واما بعد الممات فمقتضى الاخبار سقوط ذلك القيد، فالذي يبقى دينا على عهدة الميت ويكون مطلوبا مادة للشارع هو مطلق الفعل الموجب لقرب فاعله من اي فاعل صدر، غاية الامر انه لابد من الإشارة إلى ما هو ثابت في عهدة الميت بان يقصد الفاعل الذي يتقرب بفعل نفسه انه يأتي بهذا الفعل بعنوان تفريغ ذمة الميت، وهذا كما ترى لا يحتاج إلى نية البدلية عنه وتنزيل نفسه منزلته، كما في المتبرع لاداء دين غيره، ثم حصول القرب للمتبرع واضح، واما للأجير فيتحقق باتيان العمل لقرب نفسه بعنوان تفريغ الميت امتثالا لامر الشارع بالوفاء بعقد الإجارة «منه».
93

الأول أو الثاني وتوضيح المقام يتوقف على تصور الواجبات التعبدية وشرح حقيقتها حتى يتضح الحال في صورة الشك فنقول وبالله الاستعانة انه قد اشتهر في السنة العلماء انها عبارة عما يعتبر فيه إتيانه بقصد إطاعة الأمر المتوجه إليه وأورد على ذلك بلزوم الدور فان الموضوع مقدم على الحكم رتبة لأنه معروض له ولا إشكال في تقدمه على العرض بحسب الرتبة عبارة عما أخذ فيه قرب الفاعل فالصلاة مثلا ما دام الإنسان حيا يعتبر فيها ان يأتي بها بنفسه على وجه يوجب قرب نفسه لأنه في حال الحياة يعتبر قيد المباشرة واما بعد الممات فمقتضى الاخبار سقوط ذلك القيد فالذي يبقى دينا على عهده الميت ويكون مطلوبا مادة للشارع هو مطلق الفعل الموجب لقرب فاعله من أي فاعل صدر غاية الأمر لا بد من الإشارة إلى ما هو ثابت في عهده الميت بان يقصد الفاعل الذي يتقرب بفعل نفسه انه يأتي بهذا الفعل بعنوان تفريغ ذمة الميت وهذا كما ترى لا يحتاج إلى نية البدلية عنه وتنزيل نفسه منزلته كما في المتبرع لأداء دين غيره ثم حصول القرب للمتبرع واضح واما للأجير فيتحقق بإتيان العمل لقرب نفسه بعنوان تفريغ الميت امتثالا لأمر الشارع بالوفاء بعقد الإجارة (منه) دام ظله العالي
الرتبة وهذا الموضوع يتوقف على الأمر لما أخذ فيه من خصوصية وقوعه بداعي الأمر التي لا تتحقق الا بعد الأمر فالامر يتوقف على الموضوع لكونه عرضا له والموضوع يتوقف على الأمر لأنه لا يتحقق بدونه وفيه ان توقف الموضوع على الأمر فيما نحن فيه مسلم لكونه مقيدا به والمقيد لا يتحقق في الخارج بدون القيد واما ان الأمر يتوقف على الموضوع فان أردت توقفه عليه في الخارج فهو باطل ضرورة ان الأمر لا يتعلق بالموضوع الا قبل الوجود واما بعده فيستحيل تعلقه به لامتناع طلب الحاصل وان أردت توقفه عليه تصورا فمسلم ولكن لا يلزم الدور أصلا فان غاية الأمر ان الموضوع هنا بحسب وجوده الخارجي يتوقف على الأمر والأمر يتوقف على الوجود الذهني له وقد يقرر الدور بان القدرة على الموضوع الذي اعتبر وقوعه بداعي الأمر لا يتحقق الا بعد الأمر والأمر لا يتعلق بشيء الا بعد تحقق القدرة فتوقف الأمر على القدرة بالبداهة العقلية وتوقف القدرة على الأمر بالفرض وفيه ان الممتنع بحكم العقل تعلق الأمر بشيء يعجز عن إتيانه في وقت الامتثال واما انه يجب ان يكون القدرة سابقة على الأمر حتى يصح الأمر فلا ضرورة انه لا يمتنع عند العقل ان بحكم المولى بشيء يعجز عنه المأمور في مرتبة الحكم ولكن حصل له القدرة عليه بنفس ذلك الحكم فحينئذ نقول ان توقف القدرة على الأمر مسلم واما توقف الأمر على القدرة بمعنى لزوم كونها قبله رتبة فلا لما عرفت من جواز حصولها بنفس الأمر وهاهنا كذلك لأنه بنفس الأمر تحصل
94

القدرة على إتيان الفعل بداعيه وقد يقال ان الأمر بإتيان الفعل بداعي الأمر وان لم يكن مستلزما للدور الا انه مستحيل من جهة عدم قدرة المكلف على إيجاد هذا المقيد أصلا حتى بعد الأمر بذلك المقيد فان القدرة على إيجاد الصلاة بداعي الأمر بها مثلا تتوقف على الأمر بذات الصلاة والأمر بها مقيدة بكونها بداعي الأمر ليس أمرا بها مجردة عنه لأن الأمر بالمقيد
ليس أمرا بالمجرد من القيد فالتمكن من إيجاد الفعل مقيدا بحصوله بداعي الأمر لا يحصل الا بعد تعلق الأمر بذات الفعل (وفيه) ان الأمر المتعلق بالمقيد ينسب إلى الطبيعة المهملة حقيقة لأنها تتحد مع المقيد فهذا الأمر المتعلق بالمقيد بملاحظة تعلقه بالطبيعة المهملة يوجب قدرة المكلف على إيجادها بداعيه نعم لو أوجدها فيما هو مباين للمطلوب الأصلي لا يمكن ان يكون هذا الإيجاد بداعي ذلك الأمر كما لو امر بعتق رقبة مؤمنة فأعتق رقبة كافرة لأن الموجود في الخارج ليس تمام المطلوب بل يشتمل على جزء عقلي منه اما لو لم ينقص الفعل المأتي به بداعي الأمر بالطبيعة المهملة عن حقيقة المطلوب الأصلي أصلا كما في المقام فلا مانع من بعث الأمر المنسوب إلى المهملة للمكلف ويمكن ان يقال في وجه عدم إمكان أخذ التعبد بالأمر في موضوعه ان الأمر وان كان توصليا يشترط فيه ان يصلح لأن يصير داعيا للمكلف إلى نحو الفعل الذي تعلق به لأنه ليس الا إيجاد الداعي للمكلف والأمر المتعلق بالفعل بداعي الأمر لا يمكن ان يكون داعيا للمكلف إلى إيجاد متعلقه لأنه اعتبر في متعلقه كونه بداعي الأمر ولا يمكن ان يكون الأمر محركا إلى محركية نفسه فافهم هذا ان قلنا بان العبادات يعتبر فيها قصد إطاعة الأمر.
ويمكن ان يقال ان المعتبر فيها ليس الا وقوع الفعل على وجه يوجب
95

القرب عند المولى وهذا لا يتوقف على الأمر وبيان ذلك ان الفعل الواقع في الخارج على قسمين أحدهما ما ليس للقصد دخل في تحققه بل لو صدر من الغافل لصدق عليه عنوانه والثاني ما يكون قوامه في الخارج بالقصد كالتعظيم والإهانة وأمثالها وأيضا لا إشكال في ان تعظيم من له أهلية ذلك بما هو أهل له وكذا شكره ومدحه بما يليق به حسن عقلا ومقرب بالذات ولا يحتاج في تحقق القرب إلى وجود امر بهذه العناوين نعم قد يشك في ان التعظيم المناسب له أو المدح اللائق بشأنه ما ذا وقد يتخيل كون عمل خاص تعظيما له أو ان القول
الكذائي مدح له والواقع ليس كذلك بل هذا الذي يعتقده تعظيما توهين له وهذا الذي اعتقده مدحا ذم بالنسبة إلى مقامه إذا تمهد هذا فنقول لا إشكال في ان ذوات الأفعال والأقوال الصلاتية مثلا من دون إضافة قصد إليها ليست محبوبة ولا مجزية قطعا ولكن من الممكن كون صدور هذه الهيئة المركبة من الحمد والثناء والتسبيح والتهليل والدعاء والخضوع والخشوع مثلا مقرونة بقصد نفس هذه العناوين محبوبا للأمر غاية الأمر ان الإنسان لقصور إدراكه لا يدرك ان صدور هذه الهيئة منه بهذه العناوين مناسب بمقام الباري غر شأنه ويكون التفاته موقوفا على إعلام الله سبحانه فلو فرض تمامية العقل واحتوائه بجميع الخصوصيات والجهات لم يحتج إلى إعلام الشرع أصلا والحاصل ان العبادة عبارة عن إظهار عظمة المولى والشكر على نعمائه وثناؤه بما يستحق ويليق به ومن الواضح ان محققات هذه العناوين مختلفة بالنسبة إلى الموارد فقد يكون تعظيم شخص بان يسلم عليه وقد يكون بتقبيل يده وقد يكون بالحضور في مجلسه وقد يكون بمجرد اذنه بان يحضر في مجلسك أو يجلس عندك إلى غير ذلك من الاختلافات الناشئة من خصوصيات المعظم بالكسر والمعظم بالفتح ولما كان المكلف لا طريق له إلى استكشاف ان المناسب بمقام هذا المولى تبارك وتعالى ما هو الا بإعلامه تعالى لا بد أن يعلمه والا ما يتحقق به تعظيمه ثم يأمره به وليس هذا المعنى مما
96

يتوقف تحققه على قصد الأمر حتى يلزم محذور الدور ويمكن ان يقال بوجه اخر وهو ان ذوات الأفعال مقيدة بعدم صدورها عن الدواعي النفسانية محبوبة عند المولى وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمات ثلاث. إحداها ان المعتبر في العبادة يمكن ان يكون إتيان الفعل بداعي امر المولى بحيث يكون الفعل مستندا إلى خصوص امره وهذا معنى بسيط يتحقق في الخارج بأمرين أحدهما جعل الأمر داعيا لنفسه والثاني صرف الدواعي النفسانية عن نفسه ويمكن ان يكون المعتبر
إتيان الفعل خاليا عن ساير الدواعي ومستندا إلى داعي الأمر بحيث يكون المطلوب المركب منهما والظاهر هو الثاني لأنه أنسب بالإخلاص المعتبر في العبادات الثانية ان الأمر الملحوظ فيه حال الغير تارة يكون للغير وأخرى يكون غير يا مثال الأول الأمر بالغسل قبل الفجر على احتمال فان الأمر متعلق بالغسل قبل الأمر بالصوم فليس هذا الأمر معلولا لأمر اخر الا ان الأمر به انما يكون لمراعاة حصول الغير في زمانها والثاني الأوامر الغيرية المسببة من الأوامر المتعلقة بالعناوين المطلوبة نفسا الثالثة انه لا إشكال في ان القدرة شرط في تعلق الأمر بالمكلف ولكن هل يشترط ثبوت القدرة سابقا على الأمر ولو رتبة أو يكفي حصول القدرة ولو بنفس الأمر الأقوى الأخير لعدم وجود مانع عقلا في ان يكلف العبد بفعل يعلم بأنه يقدر عليه بنفس الأمر إذا عرفت هذا فنقول الفعل المقيد بعدم الدواعي النفسانية وثبوت الداعي الإلهي الذي يكون موردا للمصلحة الواقعية وان لم يكن قابلا لتعلق الأمر به بملاحظة الجزء الأخير للزوم الدور اما من دون ضم القيد الأخير فلا مانع منه ولا يرد ان هذا الفعل من دون ملاحظة
97

تمام قيوده التي منها الأخير لا يكاد يتصف بالمطلوبية فكيف يمكن تعلق الطلب بالفعل من دون ملاحظة تمام القيود التي يكون بها قوام المصلحة لأنا نقول عرفت انه قد يتعلق الطلب بما هو لا يكون مطلوبا في حد ذاته بل يكون تعلق الطلب لأجل ملاحظة حصول الغير والفعل المقيد بعدم الدواعي النفسانية وان لم يكن تمام المطلوب النفسي مفهوما لكن لما لم يوجد في الخارج الا بداعي الأمر لعدم إمكان خلو الفاعل المختار عن كل داع يصح تعلق الطلب به لأنه يتحد في الخارج مع ما هو مطلوب حقيقة كما لو كان المطلوب الأصلي إكرام الإنسان فإنه لا شبهته في
جواز الأمر بإكرام الناطق لأنه لا يوجد في الخارج الا متحدا مع الإنسان الذي إكرامه مطلوب
أصلي وكيف كان فهذا الأمر ليس أمرا صوريا بل هو امر حقيقي وطلب واقعي لكون متعلقه متحدا في الخارج مع المطلوب الأصلي نعم يبقى الإشكال في ان هذا الفعل أعني الفعل المقيد بعدم الدواعي النفسانية مما لا يقدر المكلف على إيجاده في مرتبة الأمر فكيف يتعلق الأمر به وقد عرفت جوابه في المقدمة الثالثة هذا وقد يقال في العبادات بان الأمر متوجه إلى ذات الفعل والغرض منه جعل المكلف قادرا على إيجاد الفعل بداعي الأمر الذي يكون موردا للمصلحة في نفس الأمر والعقل بعد التفاته إلى أخصية الغرض يحكم بلزوم الإطاعة على نحو يحصل به الغرض اما توجه الأمر إلى ذات الفعل فلعدم إمكان أخذ حصوله بداعي الأمر في المطلوب من جهة لزوم الدور واما ان العقل يحكم بلزوم إتيان الفعل بداعي امر فلأنه ما لم يسقط الغرض لم يسقط الأمر لأن الغرض كما صار سببا لحدوثه كذلك يصير سببا لبقائه لأن البقاء لو لم يكن أخف مئونة من الحدوث فلا أقل من التساوي والعقل حاكم بلزوم إسقاط الأمر المعلوم وفيه انه لا يعقل بقاء الأمر مع إتيان ما هو مطلوب به على ما هو عليه (1)

(1) فيه ان الامر علة لوجود المتعلق، والعلة انما تقتضى المعلول المستند إليها، وان كان استنادا المعلول إليها لا باقتضائها بل انما هو حاصل قهرا، وحينئذ نقول: لو لم يأت بداعي الامر فما هو المعلول لهذا الامر لم يؤت به، فعليه الاتيان بالفعل ثانيا مع هذا القيد، وليس المتعلق للامر صرف الوجود الغير القابل للتكرار، بل مطلق الوجود القابل له، كما مر الإشارة اليه سابقا.
ومن هنا يظهر طريق آخر لتصحيح الامر العبادي غير طريق أخصية الغرض وهو ملاحظة تقيد المتعلق لبا بالقيد المذكور مع القول بمطلق الوجود.
ان قلت: مع ملاحظة هذا التقيد لا حاجة إلى القول بمطلق الوجود لتمامية المطلب على تقدير القول بصرف الوجود أيضا، لان صرف وجود المقيد بداعي الامر غير منطبق على الفعل المأتي به لا بداعي الامر، قلت صرف الوجود انما يلاحظ بالإضافة إلى الفعل وقيوده الملحوظة معه استقلالا، وهذا القيد ليس كذلك وان كان ثابتا في الذهن لبا «منه».
98

لأن بقاء الأمر مع ذلك مستلزم لطلب الحاصل وهذا واضح بأدنى تأمل فالأولى ان يقال في وجه حكم العقل بإتيان الفعل على نحو يسقط به الغرض ان الإتيان به على غير هذا النحو وان كان يسقط الأمر الا ان الغرض المحدث له ما دام باقيا يحدث أمرا اخر وهكذا ما دام الوقت الصالح لتحصيل ذلك الغرض باقيا فلو أتى بالفعل على نحو يحصل به الغرض والا يعاقب على تفويت الغرض لا يقال فوت الغرض الذي لم يدخل تحت التكليف ليس منشأ للعقاب لأنا نقول نعم لو لم يكن الأمر بصدد تحصيله واما لو تصدى لتحصيله بالأمر ولكن لم يقدر على ان يأمر بتمام ما يكون محصلا لغرضه كما فيما نحن فيه والمكلف قادر على إيجاد الفعل بنحو يحصل به الغرض الأصلي فلا إشكال في حكم العقل بلزوم إتيانه كذلك ومن هنا يعلم انه لا وجه للالتزام بأمرين أحدهما بذات الفعل والثاني بالفعل المقيد بداعي الأمر لأن الثاني ليس الا لإلزام المكلف بالفعل المقيد وقد عرفت انه ملزم به بحكم العقل
99

مضافا إلى ما أفاده في بطلانه شيخنا الأستاذ دام بقاؤه من ان القول به يوجب اما الالتزام بما قلنا من بقاء الأمر الأول ما لم يسقط غرض الأمر واما الالتزام بعدم وصول الأمر إلى غرضه الأصلي لأن المكلف لو أتى بذات الفعل من دون داعي الأمر لا يخلو اما ان نقول ببقاء الأمر الأول واما ان نقول بسقوطه فعلى الأول فاللازم التزامك بما التزمنا وعليه لا يحتاج إلى الأمر الثاني وعلى الثاني يلزم سقوط الأمر الثاني أيضا لارتفاع موضوعه فيلزم ما ذكرنا من عدم الوصول إلى غرضه الأصلي هذا ولقائل ان يقول نختار الشق الثاني من سقوط الأمر الأول بإتيان ذات الفعل وسقوط الثاني أيضا بارتفاع موضوعه ولا يلزم محذور أصلا لأن الوقت اما باق بعد واما غير باق فعلى الأول يوجب
الغرض إيجاد أمرين آخرين على ما كانا وعلى الثاني يعاقب المكلف على عدم امتثال الأمر الثاني مع ما كان قادرا عليه بوجود الأمر الأول لأن الأمر الثاني لو فرضناه امرا مطلقا فعدم إيجاد متعلقه معصية بحكم العقل سواء كان برفع المحل أو كان بنحو اخر وهذا واضح فاتضح مما ذكرنا من أول العنوان إلى هنا وجوه خمسة في تصوير العبادات وأنت خبير بان كلما قلنا في الواجبات النفسية العبادية يجري مثله في الواجبات المقدمية العبادية فلا يحتاج إلى إطالة الكلام بجعل عنوان لها مستقلا ولما كان الغرض في هذا البحث هو التكلم في الأصل اللفظي والعملي فيما لو تردد امر الواجب بين ان يكون عباديا أو توصليا فلنشرع في المقصود الأصلي
في تأسيس الأصل
فنقول لو شك في الواجب في انه هل هو تعبدي أو توصلي فعلى ما قدمناه من عدم احتياج العبادة إلى التقييد بصدورها بداعي الأمر لا
100

إشكال في ان احتمال التعبدية احتمال قيد زائد فالشك فيه من جزئيات الشك في المطلق والمقيد فان كانت مقدمات الأخذ بالإطلاق موجودة يحكم بإطلاق الكلام ويرفع القيد المشكوك والا فالمرجع هو الأصل الجاري في مقام دوران الأمر بين المطلق والمقيد ولما كان المختار فيه بحسب الأصل العملي البراءة يحكم بعدم لزوم القيد واما على ما قيل من لزوم تعلق الطلب على تقدير التعبدية بذات الفعل مع أخصية الغرض فقد يقال كما يظهر من كلمات شيخنا المرتضى قده بعدم جواز التمسك بإطلاق اللفظ لرفع القيد المشكوك كذلك ولا يمكن إجراء أصالة البراءة فيه بل المقام مما يحكم العقل بالاشتغال وان قلنا بالبراءة في دوران الأمر بين المطلق والمقيد (اما الأول) فلان رفع القيد بأصالة الإطلاق انما يكون فيما
لو احتملنا دخول القيد في المطلوب والمفروض عدم هذا الاحتمال والقطع بعدم اعتباره فيه أصلا وانما الشك في ان الغرض هل هو مساو للمطلوب أو أخص منه وحدود المطلوب معلومة لا شك فيها على أي حال (واما الثاني) فلأنه بعد العلم بتمام المطلوب في مرحلة الثبوت لو شك في سقوطه بإتيان ذاته وعدم سقوطه بواسطة بقاء الغرض المحدث للأمر لا مجال الا للاحتياط لأن اشتغال الذمة بالأمر الثابت المعلوم متعلقه يقتضى القطع بالبراءة عنه ولا يكون ذلك الا بإتيان جميع ما يحتمل دخله في الغرض ومما ذكر تعرف الفرق بين المقام وساير الموارد التي شك في مدخلية قيد في المطلوب وملخص الفرق ان الشك فيها راجع إلى مرحلة الثبوت وفي المقام إلى السقوط هذا والحق عدم التفاوت بين المقام وساير الموارد مطلقا أعني من جهة الأخذ بالإطلاق ومن جهة إجراء أصالة البراءة اما الأول فلان القيد المذكور وان لم يحتمل دخله في المطلوب لعدم
101

الإمكان ولكن لو فرضنا وجود مقدمات الأخذ بالإطلاق التي من جملتها كون المتكلم في مقام بيان تمام المقصود وما يحصل به الغرض يحكم بعدم مدخلية شيء اخر في تحقق غرضه إذ لولاه لبين ولو ببيان مستقل وحيث ما بين يكشف عن كون متعلق الطلب تمام ما يحصل به غرضه نعم الفرق بين المورد وساير الموارد ان فيها يحكم بعد تمامية مقدمات الحكمة بإطلاق متعلق الطلب وفيه بإطلاق الغرض والأمر سهل ويمكن ان يستظهر من الأمر التوصلية من دون الاحتياج إلى مقدمات الحكمة بوجه اخر اعتمد عليه سيدنا الأستاذ طاب ثراه وهو ان الهيئة عرفا تدل على ان متعلقها تمام المقصود إذ لو لا ذلك لكان الأمر توطئة وتمهيد الغرض اخر وهو خلاف ظاهر
الأمر (واما الثاني) فلأنه بعد إتيان ذات الفعل لا يعقل بقاء الأمر الأول لما عرفت سابقا من استلزامه لطلب الحاصل فلا يعقل الشك في سقوط هذا الأمر نعم يحتمل وجود امر اخر من جهة احتمال بقاء الغرض وظاهر ان هذا شك في ثبوت امر اخر والأصل عدمه ولو سلمنا كون الشك في سقوط الأمر الأول نقول ان هذا الشك نشأ من الشك في ثبوت الغرض الأخص و ح نقول في تقريب جريان أصالة البراءة ان اقتضاء الأمر ذات الفعل متيقن واما الزائد عليه فلا نعلم فلو عاقبنا المولى من جهة عدم مراعاة الخصوصية المشكوك اعتبارها في الغرض مع الجهل به وعدم إقامة دليل يدل عليه مع ان بيانه كان وظيفة له لكان هذا العقاب من دون إقامة بيان وحجة وهو قبيح بحكم العقل ولو كان الشك في السقوط كافيا في حكم العقل بالاشتغال للزم الحكم به في دوران الأمر بين المطلق والمقيد مطلقا ضرورة انه بعد إتيان الطبيعة في ضمن غير الخصوصية التي يحتمل اعتبارها في المطلوب يشك في سقوط الأمر وعدمه
* * *
102

في الواجب المطلق والمشروط الأمر الثالث
ينقسم الواجب ببعض الاعتبارات إلى مطلق ومشروط فالأول عبارة عما لا يتوقف وجوبه على شيء والثاني ما يقابله ولا يهمنا التعرض للتعريفات المنقولة من القوم والنقض والإبرام المتعلقين بها وقد يستشكل في تقسيم الواجب باعتبار وجوبه إلى القسمين من جهة أمرين أحدهما ان مقتضى كون وجوب الشيء مشروطا بكذا عدم تحقق الوجوب قبل تحقق الشرط والمفروض ان الأمر قد أنشأ الوجوب بقوله ان جاءك زيد فأكرمه فان الهيئة قد وضعت لإنشاء الطلب وعلى هذا فالقول بان الوجوب لا يتحقق الا بعد تحقق الشرط مستلزم لتفكيك الإيجاب عن الوجوب
وان التزم بعدم تحقق الإيجاب لزم إهمال هذه القضية والثاني ان الطلب المستفاد من الهيئة انما يكون معنى حرفيا غير مستقل بالنفس وليس دخوله في الذهن الا من قبيل وجود العرض في الخارج في كونه متقوما بالغير والإطلاق والتقييد فرع إمكان ملاحظة المفهوم في الذهن وأيضا قد تقرر في محله ان معاني الحروف معاني جزئية بمعنى ان الواضع لاحظ في وضع الحروف عنوانا عاما إجماليا ووضع اللفظ بإزاء جزئياته فالوضع أي آلة الملاحظة فيها عام والموضوع له أعني جزئيات ذلك العام خاص ومن الواضح ان الجزئي لا يكون مقسما للإطلاق والتقييد هذا ومما ذكرنا سابقا في بيان معاني الحروف من انها كليات كمعاني بعض الأسماء ظهر لك عدم المانع عن إطلاق الطلب وتقييده من جهة جزئية المعنى المستفاد من الهيئة اما المانع الاخر وهو كونه مما لا تحصل له في الذهن استقلالا والإطلاق والتقييد الوارد ان على المفهوم تابعان لملاحظته في الذهن مستقلا فالجواب عنه
103

بوجهين أحدهما ان المعنى المستفاد من الهيئة وان كان حين استعمالها فيه لا يلاحظ الا تبعا لكن بعد استعمالها يمكن ان يلاحظ بنظرة ثانية ويلاحظ فيه الإطلاق أو التقييد والثاني ورود الإطلاق والتقييد بملاحظة محله مثلا ضرب زيد إذا تعلق به الطلب المستفاد من الهيئة يتكيف بكيفية خاصة في الذهن وهي كيفية المطلوبية فضرب زيد بهذه الملاحظة قد يلاحظ فيه الإطلاق ويلزم منه كون الطلب الطاري عليه مطلقا وقد يلاحظ فيه الاشتراط واللازم من ذلك كون الطلب أيضا مشروطا ولنا في المقام مسلك اخر وهو ان المعنى المستفاد من الهيئة لم يلاحظ فيه الإطلاق في الوجوب المطلق ولا الاشتراط في الوجوب المشروط ولكن القيد المأتي به في القضية تارة يعتبر على نحو يتوقف تأثير الطلب على وجوده في الخارج ويقال لهذا
الطلب الطلب المشروط أي تأثيره في المكلف موقوف على شيء وأخرى يعتبر على نحو يقتضى الطلب إيجاده ويقال لهذا الطلب المتعلق بذلك المقيد الطلب المطلق أي لا يبتنى تأثيره في المكلف على وجود شيء وتوضيح ذلك ان الطالب قد يلاحظ الفعل المقيد ويطلبه أي يطلب المجموع وهذا الطلب يقتضى إيجاد القيد ان لم يكن موجودا كما في قوله صل مع الطهارة وقد يلاحظ القيد موجودا في الخارج أي يفرض في الذهن وجوده في الخارج ثم بعد فرض وجوده في الخارج ينقدح في نفسه الطلب فيطلب المقيد بذلك القيد المفروض وجوده فهذا الطلب المتعلق بمثل هذا المقيد المفروض وجود قيده وان كان متحققا فعلا بنفس الإنشاء لكن تأثيره في المكلف يتوقف على وجود ذلك القيد المفروض وجوده حقيقة ووجهه ان هذا الطلب انما تحقق مبنيا على فرض وجود الشيء وهذا الفرض في لحاظ الفارض حاك عن حقيقة وجود ذلك الشيء فكأنه طلب بعد حقيقة وجوده فكما انه لو طلب بعد وجود ذلك الشيء المفروض وجوده حقيقة ما أثر الطلب في المكلف الا بعد وجود ذلك الشيء واقعا لعدم الطلب قبله كذلك لو طلب بعد فرض وجوده لم يؤثر الا بعد
104

وجوده الخارجي وان كان الطلب الإنشائي محققا قبله أيضا فهذا الطلب يقع على نحو يشترط تأثيره في المكلف على شيء في الخارج فتدبر جيدا ومما ذكرنا يظهر الجواب عن إشكال اخر تقدم في صدر المبحث ذكره وهو ان المعنى الإنشائي كيف يعلق على وجود شيء ومحصل الجواب ان المعنى المستفاد من الهيئة والمنشأ بها متحقق فعلا من دون ابتنائه على شيء ولكن تأثيره في المكلف موقوف على وجود شيء
في الواجب المعلق الأمر الرابع
بعد ما عرفت انقسام الواجب إلى مطلق ومشروط اعلم ان الناظر
في كلمات الأصحاب يرى انه عندهم من المسلمات عدم اتصاف مقدمات الواجب المشروط بالوجوب المطلق ويوضح ذلك اعتراض بعضهم على من جعل عنوان البحث ان الأمر بالشيء يقتضى إيجاب مقدماته بان النزاع ليس في مطلق الأمر بل هو في الأمر المطلق واعتذار بعضهم بان إطلاق الأمر ينصرف إلى المطلق منه فلا احتياج في افادته إلى ذكر القيد واعتذار بعض ردا على المعترض في أصل المبنى بأنه لا وجه لتخصيص محل النزاع بالأمر المطلق بل هو يجري في المشروط أيضا غاية الأمر انه لو قلنا بالملازمة بين الأمر بالشيء والأمر بمقدماته نقول بثبوت الأمر للمقدمة على نحو ما ثبت لذيها ان مطلقا فمطلق وان مشروطا فمشروط ومن مجموع هذه الكلمات يظهر انه من المسلمات عندهم عدم الوجوب المطلق للمقدمة مع كون ذيها متصفا بالوجوب المشروط وعليه يقع الإشكال في بعض المقدمات الذي اتصف بالوجوب المطلق مع عدم اتصاف ذيها به بل يكون من الواجبات المشروطة ومن ذلك الغسل قبل الفجر في ليلة رمضان فإنهم حكموا بوجوبه قبل الفجر مع انه لم يتعلق الوجوب بالصوم بعد
105

والذي قيل في حل هذه العويصة وجهان:
أحدهما المحكي عن بعض أعاظم المحققين في تعليقاته على المعالم وملخصه ان الوجوب المتعلق بالغسل قبل الفجر وأمثاله من المقدمات التي يتعلق بها الوجوب قبل ذيها ليس من الوجوب الغيري أي الوجوب المعلول من وجوب ذي المقدمة بل هو وجوب نفسي لو خط فيه الغير بمعنى ان الشارع لاحظ في إيجابه النفسي تمكن المكلف من امتثال الواجب النفسي الذي يتحقق وجوبه فيما بعد والثاني ما أفاده صاحب الفصول قده من الفرق بين الواجب المشروط والمعلق وحاصل ما أفاده قده ان الواجب ينقسم على ثلثه أقسام مطلق ومشروط والأول على قسمين منجز ومعلق والمنجز ما كان زمان الوجوب متحدا مع زمان الواجب والمعلق ما كان زمان الوجوب
منفكا عن زمان الواجب وتوضيح ذلك ان نسبة الفعل إلى الزمان والمكان متساوية ولا ريب في إمكان كون الفعل المطلوب مقيدا بوقوعه في مكان خاص كالصلاة في المسجد وكذا في إمكان كون وجوبه مشروطا بكون المكلف في المكان الخاص وعلى الأول فاللفظ الكاشف عن ذلك الطلب لا بد ان يكون على وجه الإطلاق كان يقول صل في المسجد وعلى الثاني لا بد ان يكون على وجه الاشتراط كان يقول إذا دخلت المسجد فصل وهذان الوجهان بعينهما جاريان في الزمان أيضا فيمكن ان يلاحظ الأمر الفعل المقيد بوقوعه في زمان خاص فيطلب على هذا الوجه من المكلف ولا بد ان يكون التعبير عن ذلك المعنى على وجه الإطلاق كان يقول صل صلاة واقعة في وقت كذا ويمكن ان يلاحظ الفعل المطلق لكن وجوبه المتعلق به وطلبه يكون مشروطا بمجيء وقت كذا فالوجوب على الأول فعلى ولا بأس باتصاف مقدمات الفعل على هذا الوجه بالوجوب إذ لا خلف ح لأن ذاها أيضا متصف بالوجوب بخلاف الوجوب على الوجه الثاني فان الفعلية منتفية في الواجب المشروط فيمتنع
106

اتصاف مقدماته بالوجوب الفعلي ففي الموارد التي حكموا فيها بوجوب المقدمة قبل وجوب ذيها يلتزم بان الواجب معلق بمعنى ان المطلوب هو الفعل المقيد بوقت كذا ووجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها فيمكن ان يكون وقت إيقاعها قبل زمان إيجاده لأن زمان اتصاف الفعل المقيد بالوجوب ليس متأخرا عن زمان اتصاف المقدمة به بل يقارنه وان كان زمان وقوع الفعل متأخرا عن زمان وقوع المقدمة ثم تصدى قده لما يرد على هذا النحو من الواجب وبيان دفعه ومحصل ما أورد على نفسه أمران أحدهما ان المكلف قد لا يكون حيا في زمان الفعل فلا يمكن توجه التكليف بنحو الإطلاق إليه والثاني ان الفعل المقيد بالزمان الغير الموجود بعد ليس مقدورا للمكلف بواسطة قيده وما لا يكون تحت قدرة المكلف يمتنع ان يكلف به فعلا وعلى نحو الإطلاق وأجاب قده عن الأول بان التكليف متوجه إلى من يكون حيا في ذلك الزمان الذي فرض قيد المطلوب وعن الثاني أولا بالنقص تارة بالتكليف المتعلق بالصوم في أول الفجر فان الصوم عبارة عن الإمساك في قطعة خاصة من الزمان أعني ما بين الفجر والغروب ولا إشكال في عدم قدرة المكلف في أول الفجر على الإمساك في الجزء الأخير من الوقت فكيف يلتزم بوجود الوجوب المطلق حين الفجر مع عدم تحقق قطعة الزمان التي أخذ في المطلوب أجزاؤها وأخرى بالتكليف بكل ما يحتاج إلى مقدمات لا بد في الإتيان بها من مضي زمان ولا يقدر على الإتيان به في زمان صدور التكليف كما لو كلفه بان يكون في مكان كذا ويحتاج ذلك الكون إلى مشى فرسخ أو فراسخ مثلا فان من الواضح عدم قدره المكلف حال التكليف على الكون في ذلك المكان وانما يقدر عليه بعد
مضي ساعتين أو ثلاث ساعات مثلا وثالثة بالتكليف المتعلق بكل فعل تدريجي كالصلاة حيث ان القدرة على الجزء الأخير يتوقف على إتيانه بالاجزاء السابقة وثانيا بالحل بان القدرة التي تكون شرطا في
107

التكاليف عقلا هي القدرة في زمان الفعل لا القدرة حال التكليف فاندفع الإشكال بأسره هذا حاصل ما أفاده قده في هذا المقام أقول والمهم بيان كيفية الإرادات اللبية المتعلقة بالافعال لكي يتضح حال هذا القسم من الواجب المسمى بالتعليقي فنقول ان الفعل المقيد المتعلق للإرادة تارة على نحو يقتضى تلك الإرادة تحصيل قيده في الخارج لو لم يكن موجودا وأخرى على نحو لا يقتضى ذلك كما لو اراده على فرض وجود ذلك القيد مثلا قد تتعلق الإرادة بالصلاة في المسجد على نحو الإطلاق سواء كان المسجد موجودا في الخارج أم لا وقد تتعلق بها على فرض وجود المسجد وعلى الأول يقتضى تلك الإرادة بناء المسجد لو لم يكن في الخارج مقدمة لحصول الصلاة فيه وعلى الثاني لا تقتضي ذلك بل اللازم الصلاة لو فرض وجود المسجد ولا نتعقل قسما اخر من الإرادة في النفس خارجا عما ذكرنا فتقسيم الواجب إلى الأقسام الثلاثة مما لا وجه له بل ينحصر في القسمين المذكورين عقلا ومحصل ذلك ان القيد اما خارج عن حيز الإرادة واما داخل فيه ولا ثالث عقلا وهذا واضح لا سترة عليه إذا عرفت هذا فنقول القيود الخارجة عن قدرة المكلف من قبيل الأول قطعا لاستحالة تعلق الطلب بما ليس تحت قدرة المكلف فيكون الطلب المتعلق بالفعل المقيد بالزمان من أقسام الطلب المشروط (فان قلت) على ما ذكرت يلزم ان لا يكون الخطاب في أول دخول الوقت مطلقا أيضا ضرورة عدم قدرة المكلف على الامتثال في الجزء الأخير من الوقت مثلا ومقتضى ما ذكرت سابقا كون الإرادة بالنسبة إلى القيود الغير الاختيارية مشروطة فمتى يصير خطاب الصوم مطلقا (قلت) نلتزم بعدم صيرورة الخطاب مطلقا ولكن نقول ان الواجب المشروط بعد العلم بتحقق شروطه في محله يقتضى التأثير في نفس المكلف بإيجاد كل شيء منه ومن مقدماته الخارجية في محله مثلا لو قال أكرم زيدا ان جاءك
108

فمحل الإكرام بعد مجيئه ومحل مقدماته ان كان قبل المجيء فمجرد علم المكلف بالمجيء يقتضى إيجادها قبله ولو قال ان مشى زيد فامش مقارنا مع مشيه فمحل المشي زمان مشى زيد فلو علم تحقق المشي من زيد في زمان خاص يجب عليه المشي في ذلك الزمان حتى يصير مشيه مقارنا معه ولو قال ان جاء زيد فاستقبله فمحل الاستقبال قبل مجيئه فلو علم بمجيئه غدا مثلا يجب عليه الاستقبال في اليوم والحاصل ان طلب الشيء على فرض تحقق شيء لا يقتضى إيجاد ذلك الشيء المفروض وجوده ولكن بعد العلم بتحقق ذلك الشيء يؤثر في المكلف ويقتضي منه ان يوجد كلا من الفعل ومقدماته في محله فقد يكون محل الفعل بعد تحقق ذلك الشيء في الخارج وقد يكون قبله وقد يكون مقارنا له (1) وهكذا محل مقدماته قد يكون قبله وقد يتسع زمان إتيان المقدمة كما أو توقف إكرام زيد غدا على شيء ممكن تحصيله في اليوم وفي الغد والمقصود ان الوجوب المعلق على شيء بعد الفراغ عن ذلك الشيء يجب بحكم

(1) لا يخفى ان اللحاظ الفراغي في هذين القسمين لا يصح ان يتعلق بالوجود الخارجي للشرط بمعنى انه لو لاحظ في ذهنه الفراغ عن تحقق القدوم مثلا خارجا أو عن تحقق زوال الشمس كذلك لا يوجد في نفسه البعث نحو الاستقبال أو الوقوف بعرفات فاللازم ان يتعلق الفراغ الذهني فيها بالوجود الانتزاعي أعني كونه بحيث يقدم أو كون الشمس بحيث تزول ولكن ينقدح من هنا إشكال في تصوير الأمر بالمهم مرتبا على ترك الأهم كما يأتي في مبحث الضد بيانه انا ان اعتبرنا الفراغ عن تحقق ترك الأهم خارجا لم يبق محل للأمر بالمهم وان اعتبرنا الفراغ عن تحققه الانتزاعي يتوجه الإشكال بأنه كيف يمكن الأمر بالمهم ح مع توجه الأمر بالأهم إلى المكلف وهل هو الا طلب الجمع بين الضدين في فرض ترك الجميع اما وجود الأمر بالمهم فهو المفروض واما الأمر بالأهم فهو وان لم يكن له إطلاق بالنسبة إلى الحالة المذكورة أعني حال كون المكلف ممن يترك الأهم الا انه لا إشكال في كونه محركا نحو الذات في هذا الحال فاجتمع الأمر ان في حالة واحدة وهو عين ما قلناه من طلب الجمع بين الضدين عند كونه ممن يترك الجمع ويأتي الجواب عن هذا الإشكال في مبحث الضد إن شاء الله «منه».
109

العقل متابعته ومن هنا عرفت الجواب عن أصل الإشكال فلا يحتاج إلى التكلفات السابقة وأنت بعد الإحاطة والتأمل في الأمثلة المذكورة لا أظن ان ترتاب فيما ذكرنا فان قلت على ما ذكرت يقتضى ان يكون مقدمات الواجب المشروط بعد العلم بشرطه واجبة مطلقا فما وجه فتوى القوم بعدم وجوب الوضوء قبل دخول الوقت وأيضا فما وجه الفرق بين الليل واليوم لسابق بالنسبة إلى الغسل الذي يكون مقدمة للصوم ولأي جهة أفتوا بوجوبه في الليل وعدم وجوبه في النهار السابق (قلت) بعد فرض وجود الدليل على عدم وجوب الوضوء قبل الوقت نستكشف منه ان وجوب الصلاة مضافا إلى ابتنائه على الوقت مبتن على القدرة فيه فكأنه قال إذا دخل الوقت وكنت قادرا عنده فصل مع الطهارة وقد عرفت سابقا ان الوجوب المبنى على فرض وجود شيء لا يقتضى إيجاد ذلك المفروض فحينئذ لو علم المكلف بأنه لو لم يتوضأ قبل الوقت لا يتمكن منه بعده لا يجب عليه الوضوء لأنه موجب لحصول القدرة في الوقت التي هي شرط وجوب الواجب وقد عرفت عدم وجوب تحصيله وهكذا الكلام في غسل الجنابة للصوم في النهار السابق فإنه بعد فرض وجود الدليل على عدم وجوبه نستكشف اشتراط القدرة في الليل فلا يجب تحصيلها (فان قلت) نفرض علم المكلف بكونه قادرا في الوقت على أي حال بمعنى انه لا يمكنه سلب قدرته فيه فعلى هذا يلزم ان يكون الوضوء مثلا عليه واجبا موسعا فيجوز ان يأتي به بقصد الوجوب مع انهم لا يلتزمون به (قلت) يمكن تصور الواجب على نحو لا يلزمه ذلك وهو ان يقال ان الواجب اقدام المكلف على الفعل بقدرته الموجودة في الوقت ومحصله ان المصلحة تارة قائمة بإكرام زيد بعد دخول الوقت مطلقا سواء عمل في إيجاد هذا العنوان
110

قدرته الموجودة قبل الوقت أو بعده وأخرى المصلحة قائمة باعمال القدرة في الوقت في إكرام زيد ويرجع محصل هذا التكليف إلى انه بعد دخول الوقت وتحقق القدرة على إكرام زيد يجب إعمال تلك القدرة فإعمال القدرة في هذا المثال نظير نفس إكرام زيد في المثال السابق فكما انه لا يقتضى الأمر بإكرام زيد بعد دخول الوقت إكرامه قبله كذلك الأمر باعمال القدرة في الوقت لا يقتضى إعمال القدرة قبله فتحصل من مجموع ما ذكرنا انه إذا راجعنا وجداننا نقطع بان إرادتنا المتعلقة بالافعال الخاصة لا تخرج عن قسمين اما ان تكون على نحو يقتضى إيجاد تمام مقدماتها واما تكون على نحو لا يقتضى إيجاد بعضها اما القسم الأول فواضح واما القسم الثاني فهو يتصور على أقسام كلها راجعة
إلى الاختلاف فيما يتعلق به الإرادة لا إلى الاختلاف فيها لأن الأمر قد يريد إكرام زيد على تقدير مجيئه بحيث لو أتى ولم يكرم صار نقضا لغرضه وان كان في زمن مجيئه غير قادر على إيجاد الفعل فان عدم القدرة يوجب سقوط التكليف ولا ينافي كون ترك الإكرام مبغوضا للأمر ونقضا لغرضه وقد يريد إكرامه على تقدير كون المكلف قادرا على إكرامه في زمن مجيئه و ح لو فرض ترك إكرامه مستندا إلى عدم قدرته في زمن مجيئه لم يكن مبغوضا للأمر ونقصا لغرضه وهذا واضح وقد يكون المطلوب إكرام زيد بمقدماته الاختيارية الموجودة في زمن المجيء على فرض وجود القدرة في زمن المجيء فحينئذ لا يجب عليه الإتيان بمقدمات الإكرام قبل المجيء وان كان في زمن المجيء غير قادر على فرض عدمه لأن المفروض اشتراط القدرة في ذلك الزمان وكذلك ان كان قادرا في ذلك الوقت لأن المطلوب إعمال القدرة في ذلك الوقت لا قبله هذا تمام الكلام في المقام وعليك بالتأمل التام ثم انك قد عرفت ان الواجب التعليقي عند القائل به من أقسام الواجب المطلق وصحته مع ان المكلف قد لا يدرك زمن الواجب مبنية على الالتزام
111

بتوجه الخطاب به مشروطا بالعنوان المنتزع من بلوغ ذلك الزمان مثلا التكليف بالصوم في الليل متوجه إلى من يدرك النهار ويكون حيا في تمام زمان المطلوب في علم الله تعالى وكذلك التكليف بالحج في زمان خروج الرفقة متوجه إلى من يدرك شهر ذي الحجة وهكذا وقد عرفت ذلك في طي توضيح كلامه قده والمقصود من إعادته هنا التعرض لبعض ما فرع عليه من الفروع التي منها صحة الوضوء إذا كان الماء منحصرا في الآنية المغصوبة ومنها وجوب الحج مطلقا فيها إذا لم يتمكن منه الا مع الركوب على الدابة المغصوبة بيانه ان التكليف في الأول متوجه إلى من يغترف من الآنية المغصوبة وفي الثاني إلى من يركب الدابة المغصوبة عصيانا وفيه مع ما عرفت في القول بالواجب التعليقي ان توجه التكليف المطلق بالوضوء مع انحصار المقدمة في المنهي عنها وكذلك الحج تكليف بما لا يطاق نعم على القول بالترتب كما يأتي تفصيله في محله إن شاء الله يصح ذلك ولكن مع ذلك القول بصحة الوضوء محل إشكال من حيث ان تصحيح التكليفين المتعلقين بالفعلين اللذين لا يمكن الجمع بينهما الا على النحو الترتب انما هو بعد الفراغ من وجود المقتضى في كلا الفعلين (1) اما الوضوء في صورة انحصار الماء في الآنية المغصوبة فيمكن ان يستكشف من الأدلة عدم وجود المقتضى فيه حيث ان المقام مما شرع فيه التيمم من جهة صدق عدم وجدان الماء كما في ما إذا كان

(1) توضيحه ان محل نزاع القائل بالترتب والقائل بعدمه مع الاكتفاء بالجهة صورة محفوظية المشروعية الذاتية للمهم مع قطع النظر عن طر والمزاحمة بالضد الأهم، فلو فرض ان المزاحمة المذكورة أوجبت ارتفاع المشروعية الذاتية عن المهم اما حكما أو موضوعا فلا مجال هناك للبحث المذكور، اما ارتفاعها حكما فكرفع الشارع مشروعية الظهر بمزاحمة العصر في آخر الوقت، واما ارتفاعها موضوعا فكما في المثالين المذكورين في المتن، حيث ان مزاحمة الغصب أوجبت تبدل عنوان الواجد الذي هو موضوع مشروعية الوضوء ذاتا بعنوان الفاقد وكذا تبدل عنوان المستطيع الذي هو موضوع مشروعية الحج ذاتا بغيره «منه».
112

استعماله ضررا والحاصل ان عدم وجدان الماء على ما قالوا عبارة عن عدم التمكن من استعماله سواء كان من جهة عدمه أو لمانع عقلي أو شرعي لا يجوز للمكلف استعماله ومتى كان التيمم مشروعا ليس الوضوء مشروعا بالإجماع ذكره سيدنا الأستاذ طاب ثراه وعلى تقدير الغض عن الإجماع أيضا لا طريق لنا لإثبات المشروعية الذاتية الكاشفة عن ثبوت المقتضى إذ الدليل انما شرعه في موضوع المتمكن من استعمال الماء والمكلف في حال يحرم عليه استعمال الماء من قبل الشارع ليس متمكنا من استعمال الماء عرفا ومن هنا يظهر الجواب عن توهم آخر يوشك ان
يرد في المقام وهو انه هب عدم إمكان تعلق التكليف
بالوضوء على نحو الترتب لكن يكفي في الصحة قصد جهة الفعل.
[في المقدمة الموصلة]
الأمر الخامس
لو بينا على وجوب المقدمة فهل الواجب ذاتها أو مع قيد الإيصال إلى ذيها سواء قصد بها الإيصال أم لا أو مع قصد الإيصال سواء ترتب عليها ذوها أم لا وينبغي ان يعلم أولا انه على تقدير القول بان الواجب ذات المقدمة لا ينافي الالتزام في بعض الموارد بمدخلية قصد الإيصال في موضوع الواجب لجهة خارجية كما لو توقف إنقاذ الغريق على خصوص التصرف في ملك الغير فحينئذ نقول بان الواجب من ناحية الإنقاذ هو التصرف بقصد الإنقاذ لأن اذن الشارع في الغصب مع كونه مبغوضا في حد ذاته انما هو من جهة أهمية الإنقاذ إذ لا يقدر المكلف على ترك الغصب وفعل الإنقاذ معا ولما كان ترك الإنقاذ أبغض من فعل الغصب رضى بفعله ولا شك ان الاذن في المبغوض من جهة المزاحمة انما هو من الضرورة التي تقدر بقدرها وحيث تدفع الضرورة بالإذن في الغصب المقصود به الإنقاذ فلا وجه للإذن في قسم اخر وهو الغصب الغير المقصود به ذلك هذا.
113

ولنشرع في المقصود فنقول ذهب بعض الأساطين قده إلى اعتبار قيد الإيصال وان المقدمة مع قطع النظر عن الإيصال لا تتصف بالوجوب ونحن نذكر الاحتمالات المتصورة في مدخلية هذا القيد وما يلزم على كل منها حتى يتضح الحال إن شاء الله فاعلم ان مراده قده من المقدمة الموصلة اما ان يكون ما يترتب على وجودها ذوها أعني ما ينطبق عليه الموصل بالحمل الشائع أو يكون عنوان الموصل وعلى الثاني اما ان يكون المراد هو الإيصال الخارجي أو العنوان المنتزع منه وعلى الأول من هذه الاحتمالات اما ان يكون المراد ما يترتب عليه ذو المقدمة على وجه يكون هو المؤثر فيه أو يكون أعم من ذلك والفرق بينهما انه على الأول ينحصر في العلة التامة وعلى الثاني يعم العلة وما يلازمها وجودا فان كان المراد المعنى الأول لزم ان يكون مفصلا بين العلة التامة وغيرها على التقدير الأول أو مفصلا بين العلة وما يلازمها وبين ساير المقدمات على التقدير الثاني وهذا مع عدم التزام القائل المذكور به غير سديد لما سنشير إليه بعد ذلك من ان وجوب العلة المركبة من الاجزاء والقيود مستلزم لوجوب القيود والاجزاء وان كان مراده الثاني أعني كون القيد عنوان الإيصال فقد عرفت ان في هذا احتمالين أحدهما كون القيد هو الإيصال الخارجي والثاني العنوان المنتزع منه أي كونها بحيث توصل إلى ذي المقدمة وعلى أي تقدير اما ان يكون القيد راجعا إلى الطلب أو يكون راجعا إلى المطلوب فهذه أربعة احتمالات أحدها ان يكون المراد الإيصال الانتزاعي ويكون القيد راجعا إلى الطلب (والثاني) هذا الفرض لكن يكون القيد راجعا إلى المطلوب (والثالث) يكون المراد هو الإيصال الخارجي ويكون القيد راجعا إلى الطلب
114

(والرابع) هذا الفرض ويكون القيد راجعا إلى المطلوب اما الاحتمال الأول فان كان المراد ان خطاب المقدمة مشروط بكون المكلف آتيا بذيها في علم الله تعالى فيكون محصله افعل المقدمة ان كنت ممن تفعل ذاها في نفس الأمر فهذا باطل لا ينبغي ان يسند إلى أحد فضلا عن مثل هذا المحقق الجليل لأن هذا الشخص المتصف بهذا العنوان المذكور يأتي بالمقدمة قطعا نعم يمكن بان توجه هذا الاحتمال على نحو لا يلزمه ذلك وهو ان يقال علي تقدير ان المقدمة لو وجدت يترتب عليها ذوها أو على تقدير كون الفاعل بحيث لو أتى بالمقدمة يأتي بذيها يجب عليه المقدمة وهذا وان كان خاليا عن الإشكال المقدم الا انه يرد عليه أمران (أحدهما) التفكيك بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها من حيث الإطلاق والاشتراط (والثاني) عدم تعلق التكليف ببعض العصاة وهو من لو أتى بالمقدمة لم يأت بذيها عصيانا وان كان المراد الثاني وهو ان يكون القيد في هذا الفرض راجعا إلى المطلوب فيرد عليه ان تقييد المأمور به بأمر خارج عن اختيار المكلف تكليف بما لا يطاق وهو قبيح وهذا العنوان ليس في حيز اختيار المكلف (لا يقال) انه يكفي في كونه مختارا له كونه منتزعا من فعله الاختياري نظير الأفعال التوليدية من الأسباب الاختيارية للمكلف فان الحق انها اختيارية بواسطة تلك الأسباب ويصح تعلق التكليف بنفس تلك الأفعال ولا يجب إرجاع التكليف إلى الأسباب كما يأتي إن شاء الله (لأنا نقول) فرق بين الصفات المنتزعة من الأفعال الخارجية للمكلف في ظرف وجودها كعنوان الاتصال والانفصال ونظائرهما مما ينتزع من إيجاد ما هو منشأ لانتزاعه فحينئذ يصح ان يكلف بالاتصال والانفصال مثلا لكونهما في
115

حيز اختياره بواسطة اختيارية منشأ انتزاعهما وبين الصفات المنتزعة من الأفعال الموجودة في المستقبل نظير كونه بحيث يضرب أو يجلس في المستقبل وأمثالهما من العناوين المنتزعة من الأفعال الموجودة في الزمن المتأخر في علم الله فان ثبوت تلك العناوين أو نقيضها مما ليس باختيار الشخص كيف وهي أو نقيضها ثابتة مع غفلته ونومه بل قبل وجوده في الخارج فان ماهية زيد يوجد في الخارج ويضرب عمرا في علم الله وهذا بعد أدنى تأمل لعله من الواضحات وان أراد الثالث وهو ان يكون المقصود الإيصال الخارجي ويكون القيد راجعا إلى الطلب فهو أيضا باطل قطعا لأن التكليف راجع إلى طلب المقدمة على فرض وجود ذيها وهو طلب الحاصل وأيضا يلزم التفكيك بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها في الاشتراط والإطلاق وكذا يلزم عدم كون العصاة مكلفين بالمقدمة وبالجملة هذا الاحتمال أيضا لا ينبغي ان يسند إليه قد ولا إلى أحد من العقلاء وان أراد الرابع وهو ان يكون القيد في هذا الفرض راجعا إلى المطلوب فيرد عليه قد أمور (أحدها) ان لا يكون ممتثلا للأمر المقدمي الا بعد إتيان ذي المقدمة وقضية الوجدان خلاف ذلك (والثاني) ان لا يحصل الطهارة بالوضوء والغسل الا بعد إتيان الصلاة لأن الطهارة لا تحصل الا بعد امتثال الأمر المقدمي والمفروض انه لا يحصل الا بعد إتيان الصلاة فلزم تحقق الصلاة من دون تحقق الطهارة بل يلزم عدم حصول الطهارة بعد الصلاة أيضا أدهى بدون الطهارة كعدمها (والثالث) ان هذا القيد لا يخلو اما ان يكون له دخل في مقدمية المقدمة أو لا فعلى الأول يلزم الدور لأن الإيصال عنوان ينتزع من تأثير المقدمة في وجود ذيها فيتوقف على المقدمية فلو توقف المقدمية على الإيصال لزم الدور وعلى
116

الثاني يلزم صيرورة الطلب نفسيا لأن الأمر إذا تعلق بشيء لا يكون له جهة المقدمية فلا بد من كون ذلك الأمر نفسيا ولا يخلو هذه الوجوه من نظر اما الأول فلان لزوم كون امتثال الأمر المقدمي بعد الإتيان بذي المقدمة لا مانع له عقلا وليس ما ذكر الا مجرد استبعاد ولا يمكن جعل هذا الاستبعاد في قبال الوجدان الذي يدعيه القائل واما الثاني فلان كون الامتثال منوطا بإتيان ذي المقدمة لا يستلزم كون الطهارة منوطة به لإمكان ترتب الطهارة على الغسلتين والمسحتين مع قصد التوصل ولو لم يتوصل إلى ذي المقدمة أو يقال يشترط مع القصد المذكور كون الفعل بحيث يترتب عليه الصلاة في علم الله تعالى والحاصل انه بعد قضاء العقل بكون القيد مأخوذا في موضوع الواجب وتحقق الإجماع على توقف الصلاة على الطهارة يستكشف ان الطهارة ليست من أثر امتثال الأمر المقدمي للوضوء
بل هي مرتبة على فعل الوضوء مع قصد الإيصال قبل تحققه واما الثالث فبأنا نختار الشق الثاني أعني عدم مدخلية هذا القيد في مقدمية المقدمة ولا يلزم من ذلك محذور أصلا لشيوع مثل هذا التقييد الذي لا دخل له في المقدمية بحيث ليس لأحد إنكاره مثل ما إذا كان للواجب مقدمتان إحداهما مباحة والأخرى محرمة فإنه لا إشكال في تعلق الأمر الغيري بالمباح منهما مع القطع بعدم دخل الخصوصية في المقدمية.
فان قلت تقييد الموضوع في المثال المذكور انما يكون من جهة المانع الخارجي وهو كون الفرد الأخير مبغوضا غير قابل لتعلق الأمر به قلت بعد ما صار مثل هذا التقييد الذي ليس له دخل في المقدمية ممكنا ولا يرجع الطلب المتعلق به إلى الطلب النفسي فللمدعي ان يدعى هنا ان المقتضى للطلب الغيري ليس الا فيما كان متصفا بقيد الإيصال.
فالأولى في الجواب ان يقال بعد بداهة عدم كون مناط الطلب الغيري الا التوقف واحتياج ذي المقدمة إلى غيره ان تقييد موضوع الطلب بقيد يجب اما
117

ان يكون لكونه دخيلا في الغرض وبعبارة أخرى المصلحة المقتضية للطلب لا تحصل الا في المقيد واما ان يكون من جهة غرض اخر مع تحقق المناط والجهة الموجبة للإيجاب في ذات الموضوع من دون ذلك القيد أيضا والأول كتقييد الصلاة بالطهارة والثاني كتقييدها بوقوعها في المكان المباح فان هذه الخصوصية لا دخل لها في تحقق الجهة الموجبة للصلاة بل انما هي جاءت من قبل مبغوضية الغصب وبعبارة أخرى هذا التقييد انما نشأ من الجمع بين الفرضين لا من جهة مدخليته في تحقق غرض الصلاة ولا إشكال في ان هذا القيد ليس من قبيل الثاني فانحصر في الأول وهو كونه من جهة دخله في مناط طلب المقدمة وهذا بعد بداهة ان المناط ليس الا التوقف غير معقول لأن الإيصال عنوان ينتزع من وجود ذي المقدمة فهو موقوف عليه فلو توقف ذو المقدمة على الفعل المقيد بالإيصال لزم الدور وهذا واضح بأدنى تأمل.
وأيضا يلزم من وجوب المقدمة الموصوفة وجوب ذاتها مقدمة لتحقق هذا الموصوف لا يقال ان المطلق عين المقيد وجودا في الخارج وليس مقدمة له حتى يجب بوجوبه لأنا نقول فرق بين القيود المتحدة في الوجود مع المقيد كما في الفصول اللاحقة للأجناس والقيود المغايرة في الوجود له كما إذا امر المولى بإتيان زيد المتعقب بعمرو أعني إتيان زيد المتصف بهذا العنوان لا إشكال في ان الواجب على الصورة الأولى امر واحد في الخارج لا ينفك القيد فيها عن المقيد ولو أراد المكلف امتثاله ولا وجه للقول بأنه يجب إيجاد المطلق مقدمة لإيجاد المجموع وإيجاد القيد مقدمة لإيجاده إذ المفروض وحدة الوجود فيهما ولا يعقل التفكيك بين أمرين متحدين في الوجود بالسبق واللحوق كما انه لا ينبغي الإشكال في ان الواجب على الثانية إيجاد ذات المطلق ثم إيجاد القيد ليتصف به المقيد لأن المفروض تغايرهما في الوجود.
118

إذا عرفت هذا فنقول لا إشكال في ان التقييد في المقدمة الموصلة من قبيل الثاني لأن ما يصير منشأ لانتزاع صفة الإيصال هو وجود الغير فلو وجب عليه المقدمة المقيدة بوصف ينشأ من وجود الغير فالواجب عليه من باب المقدمة إيجاد ذات المقدمة ثم إتيان ما يوجب اتصافها بتلك الصفة وأيضا يلزم من وجوب المقدمة الموصلة وجوب ذي المقدمة من باب المقدمة لأن اتصاف المقدمة بالإيصال يتوقف على إيجاد ذي المقدمة وهو من الغرائب ويمكن ان يقال ان الطلب متعلق بالمقدمات في لحاظ الإيصال لا مقيدا به حتى يلزم المحذورات السابقة والمراد ان الأمر بعد تصور المقدمات بأجمعها يريدها بذواتها لأن تلك الذوات بهذه الملاحظة لا تنفك عن المطلوب الأصلي ولو لاحظ مقدمة منفكة عما عداها لا يريدها جزما فان ذاتها وان كانت موردا للإرادة لكن لما كانت المطلوبية في ظرف ملاحظة باقي المقدمات معها لم تكن كل واحدة مرادة بنحو الإطلاق بحيث تسرى الإرادة إلى حال انفكاكها عن باقي المقدمات وهذا الذي ذكرنا مساوق للوجدان ولا يرد عليه ما ورد على القول باعتبار الإيصال قيدا وان اتحد معه في الأثر
[صحة الامر بالافعال التوليدية]
الأمر السادس هل الأمر المتعلق بالمسبب يجب إرجاعه إلى السبب عقلا أو هو حقيقة متعلق بنفس المسبب والسبب ان وجب انما يجب من باب المقدمة الوجوه المتصورة في المقام ثلاثة أحدها ان يقال ان الأمر بالمسبب مطلقا راجع إلى السبب عقلا والثاني ان يقال ان الأمر بالمسبب متعلق بنفسه مطلقا والثالث التفصيل بين ما إذا كانت الواسطة من قبيل الآلات مثل انكسار الخشبة المتحقق بإيصال الآلة قوة الإنسان إليها وبين ما إذا لم يكن كذلك كما لو كان في البين فاعل آخر كما في إلقاء النفس إلى السبع فيتلفها
119

أو إلقاء شخص في النار فتحرقه احتج للأول بان متعلق الإرادة والتكليف انما هو فعل المكلف إذ لا معنى للأمر بما ليس من فعله والأفعال المترتبة على أسباب خارجية ليست من فعله بل هي من فعل تلك الأسباب والوسائط لانفكاكها عن المكلف في بعض الأحيان كما إذا رمى سهما فمات فأصاب زيدا بعد موت الرامي فلو كان الفاعل هو الرامي لما جاز وجود القتل في ظرف عدم الرامي لامتناع انفكاك المعلول عن علته زمانا فيكشف ذلك عن عدم كون الفاعل في المثال هو الرامي بل هو السهم غاية الأمر انه لم يكن فاعلا بالطبع وانما يكون فاعليته من جهة احداث الرامي القوة فيه وقس على ذلك ساير الأمثلة وأجيب عنه بأنا نسلم ان التكليف لا يتعلق الا بما يعد فعلا للمكلف الا انا نقول
ان الفعل الصادر عنه له عنوان أولى وعناوين ثانوية متحدة معه بواسطة ترتب الآثار عليه مثلا حركة اليد المؤثرة في حركة المفتاح لها عنوان أولى وهو حركة اليد وتحريك اليد وبملاحظة تأثيرها في حركة المفتاح ينطبق عليها تحريك المفتاح وبملاحظة تأثيرها في انفتاح الباب ينطبق عليها فتح الباب ولا إشكال في ان كما انه حركة اليد التي هي الفعل الأول للفاعل فعل له كذلك العناوين المتحدة معها لمكان اتحادها مع فعله الأول في الخارج و ح لو تعلق التكليف بتحريك المفتاح الذي يتحد مع تحريك اليد الذي هو فعل للمكلف فلا موجب لإرجاعه إلى التعلق بتحريك اليد إذ كما انه فعل اختياري له كذلك ما يتحد معه وقد يناقش في هذا الجواب بان تحريك المفتاح في المثال لا يمكن ان ينطبق على تحريك اليد لأنه عين حركة المفتاح في الخارج لما تقرر من وحدتهما في الخارج وانما الفرق من حيث الاعتبار وهي غير حركة اليد المتحدة مع تحريكها فيجب ان يكون تحريك المفتاح أيضا غير تحريك اليد والا لزم كون حركة اليد وحركة المفتاح متحدتين أيضا والمفروض خلافه
120

والجواب انا لا نقول بانطباق العنوانين في عرض واحد بل نقول ان الفعل الذي يكون عنوانه تحريك اليد في الآن الأول ينقلب عنوانه إلى تحريك المفتاح في الآن الثاني (1) فافهم هذا ولكن لا يخفى ان هذا انما يصح فيما إذا
كانت الواسطة من قبيل الآلة واما إذا كان هناك فاعل اخر يصدر عنه الفعل فلا يمكن القول باتحاد الفعل الصادر عنه مع الفعل الصادر عن الفاعل الأول وهذا واضح وقد يجاب أيضا عن أصل الدليل بأنا لا نسلم لزوم تعلق الإرادة بالفعل الصادر عن الفاعل بل يكفي في قابلية تعلق الحكم بشيء كونه مستندا إلى المكلف بنحو من الاستناد سواء كان بنحو الفاعلية أم بنحو تأثير الشرط في وجود المشروط أم غير ذلك وبعبارة أخرى الكلام في المقام انما هو في ان متعلق الإرادة بحسب حكم العقل ما ذا فنقول ما يقطع العقل باعتباره في متعلق الطلب هو ارتباط المطلوب بالمكلف بنحو من أنحاء الارتباط فخرج به ما ليس للمكلف تأثير فيه بنحو من الأنحاء واما لو كان له ربط بالمكلف بوجه بحيث يكون وجوده منوطا باختياره بحيث لو شاء يوجد ولو لم يشأ لم يوجد فنمنع استحالة تعلق التكليف به عقلا (2) وفيه انه لو أراد ان التكليف فيما ليس بيد المكلف الا إيجاد شرطه كالإحراق بالنار مثلا متعلق بما هو شأن الواسطة كما إذا تعلق التكليف بما هو شأن

(1) حاصل الجواب انه لا مانع من ان يطرأ على فعل واحد في آنين متعددين عنوانان بملاحظة ترتب أمرين طوليين عليه مثلا بملاحظة تأثير حركة اليد في حركة المفتاح يطرأ عليها تحريك المفتاح وبملاحظة تأثير حركة المفتاح في انفتاح الباب يطرأ على حركة اليد عنوان فتح الباب في الآن الثاني ولا يزول عنها عنوان تحريك المفتاح كما هو ظاهر المتن حيث عبرنا بالانقلاب بل كلا العنوانين ثابتان كل واحد في ان غير ان الاخر (منه)
(2) ويمكن ان يقال ان المناط في صحة تعلق الأمر عقلا كون المأمور به بيده وتحت اختياره وان كان من قبيل الواسطة (منه)
121

النار في المثال فهذا غير معقول وان أراد ان التكليف متعلق بما هو شأن المكلف فهو راجع إلى الأمر بإيجاد الواسطة توضيح المقام على وجه يرفع الإبهام عن وجه المرام ان الاعراض باعتبار النسبة إلى محالها تختلف تارة تكون نسبتها إليها بمجرد كونها حالة بها من دون ان تكون صادرة عن محالها كالموت والحياة والسواد والبياض وأخرى تكون نسبتها إليها من جهة انها صادرة عنها كالضرب والقيام اما ما كان من قبيل الأول فلا إشكال في عدم قابلية تعلق الطلب به ضرورة ان الطلب يقتضى صدور الفعل عن الفاعل وما ليس من
مقولة الحركة والفعل لا يمكن تعلق الطلب به لأن إرادة الأمر مثل إرادة الفاعل في كونها موجبة لتحريك العضلات غاية الأمر ان الأولى موجبة لتحريك عضلات المأمور والثانية موجبة لتحريك عضلات المريد وظاهر ان ما ليس من قبيل الحركة لا يمكن تعلق إرادة الفاعل به فكذلك إرادة الأمر فلو تعلق الطلب بحسب الصورة بمثل ما ذكر يجب إرجاعه إلى ما يرجع إلى فعل المأمور والحاصل ان متعلق الطلب لا بد وان يكون معنى مصدريا صادرا عن المخاطب بالخطاب فلو لم يكن كذلك بان لم يكن من معنى المصدر أو كان ولم يكن صادرا من المأمور لم يمكن تعلق الأمر به اما الأول فلما عرفت واما الثاني فلما مضى من ان الإرادة ما يوجب تحريك عضلات الفاعل إلى الفعل ولا يمكن تحريكها الا إلى فعل نفسه فتحصل مما ذكرنا ان الطلب إذا تعلق
صورة بما ليس من الفعل الصادر من الفاعل يجب توجيهه بما يرجع إلى ذلك ومن هنا يقوى التفصيل بين ما إذا تعلق التكليف بما ليس بينه وبين المكلف الا آلة توصل قوة الفاعل إلى القابل وما إذا تعلق بالافعال التي ليست فعلا له بل هي افعال الواسطة ففي الأول التكليف متعلق بنفس ذلك الفعل وفي الثاني يجب إرجاعه إلى السبب فليتأمل جيدا
122

[في المقدمات الداخلية]
الأمر السابع: لو بنينا على وجوب المقدمة فهل اجزاء المركب المتصف بالوجوب النفسي تتصف به أو بالوجوب المقدمي والحق هو الثاني فهنا دعويان إحداهما عدم اتصاف الاجزاء بالوجوب النفسي والثانية اتصافها بالوجوب المقدمي لنا على الأولى ان الأوامر تتعلق بالأمور الموجودة في الذهن باعتبار حكايتها عن الخارج فالشيء ما لم يوجد في الذهن لا يعقل تعلق الأمر به وهذه المقدمة في
الوضوح مما يستغنى عن البرهان فحينئذ الاجزاء الموجودة في ذهن الأمر لا تخلو من انها اما ان يلاحظ كل واحد منها بوجوداتها المستقلة الغير المرتبط بعضها ببعض نظير العام الأفرادي واما ان يلاحظ المجموع منها على هيئتها الاجتماعية فعلى الأول لا بد وان ينحل الإرادة بإرادات متعددة كما في العام الأفرادي إذ الإرادة امر قائم بنفس المريد متعلق بالافعال فكما انها تتعدد بتعدد المريد كذلك يتعدد بتعدد المراد إذ لا يعقل وحدة العرض مع تعدد المعروض وعلى الثاني أي على تقدير كون الملحوظ الاجزاء على نحو الاجتماع فالملحوظ بهذا الاعتبار امر واحد ولا يعقل ان يشير اللاحظ في هذا اللحاظ إلى أمور متعددة فوجود الاجزاء بهذا اعتبار في ذهن الأمر نظير وجود المطلق في ذهن من لاحظ المقيد في انه وان كان موجودا الا انه لا على وجه يشار إليه بل هو موجود تبعا للمقيد ومندكا فيه والحاصل ان الموجود بهذا الاعتبار ليس الا الكل والاجزاء بوجوداتها الخاصة لا وجود لها فمتعلق الأمر النفسي لا يعقل الا ان يكون الكل الموجود في الذهن مستقلا والاجزاء لعدم وجودها في الذهن بهذا اللحاظ لا يمكن ان يكون متعلقة للأمر نعم يمكن استناد الأمر إليها بالعرض نظير استناد الأمر المتعلق بالمقيد إلى ذات المطلق أعني الطبيعة المهملة وهذا هو المراد من كلام شيخنا المرتضى قد في التقريرات:
123

ان الجزء إذا لو حظ لا بشرط فهو عين الكل وإذا لو حظ بشرط لا فهو غيره ومقدمة لوجوده والمراد من قوله قده لا بشرط عدم اشتراط ان يكون في ذهن الأمر معه شيء أم لا وهو الصالح لأن يتحد مع الكل ومن قوله بشرط لا عدم ملاحظة الأمر معه شيئا أعني ملاحظته مستقلا ولا إشكال في ان الجزء بهذا اللحاظ لا يصلح ان يتحد مع الكل ويحمل عليه إذ لا يصدق على الحمد ولا على غيره من اجزاء الصلاة انه صلاة ولنا على الثانية ان الأمر إذا لاحظ الجزء بوجوده الاستقلالي أي غير ملحوظ معه شيء يرى انه مما يحتاج إليه تلك الهيئة الملتئمة من اجتماع الاجزاء فحاله حال سائر المقدمات الخارجية من دون تفاوت أصلا (1) هذه خلاصة الكلام في المقام وعليك بالتأمل التام
[في استدلال القائلين بوجوب المقدمة]
الأمر الثامن: في ذكر حجج القائلين بوجوب المقدمة أقول ما تمسك به في

(1) بعد ما عرفت ان الفرق بين الجزء والكل انما هو باللحاظ اللا بشرطي والبشرط لائي بمعنى ان الجزء ما كان ملحوظا بحده والكل عبارة عن عدة أشياء يجمعها اللحاظ ويشير إليها بإشارة واحدة وقد عرفت أيضا ان لحاظ الإيصال في المقدمة عبارة عن لحاظ ذوات المقدمات بهيئة الاجتماع والإشارة إليها في الذهن بإشارة واحدة ويتحد هذا المعنى مع لحاظ الكل في المقدمات الداخلية فيلزم تكرر الطلب على معنى واحد أحدهما نفسي والاخر غيري وهو خلاف الوجدان وهذا شاهد صدق على صدق إنكار الوجوب المقدمي رأسا كما اختاره صاحب القوانين مضافا إلى ما سنشير إليه في الحاشية الآتية من عدم مساعدة الوجدان على الوجوب بيانه ان الوجوب المقدمي لا يخلو من أنحاء ثلاثة اما يكون على وجه الإطلاق واما على وجه الاشتراط واما على نحو اعتبار لحاظ الإيصال وكلها باطلة اما النحو الأول فلبداهة ان من يضع قدما سمت بلدة كربلاء بلا عزم المسافرة بل مع العزم على العدم فليس هذا الوضع منه متصفا بالمطلوبية المقدمية لأجل استحباب الزيارة واما الثاني فقد ذكر في المتن وجوه فساده بأقسامه واما الأخير فقد علم من هنا حاله (منه)
124

هذا المقام وجوه:
أسدها وأمتنها ما احتج به شيخنا المرتضى قده من شهادة الوجدان (1) فان من راجع وجدانه وأنصف من نفسه يقطع بثبوت الملازمة بين الطلب المتعلق بالفعل والمتعلق بمقدماته لا نقول بتعلق الطلب الفعلي بها كيف والبداهة قاضية بعدمه لجواز غفلة الطالب عن المقدمة إذ ليس النزاع منحصرا في الطلب الصادر من الشارع حتى لا يتصور في حقه ذلك بل المقصود ان الطالب للشيء إذا التفت إلى مقدمات مطلوبه يحد من نفسه حالة الإرادة على نحو الإرادة المتعلقة بذيها كما قد يتفق هذا النحو من الطلب النفسي أيضا فيما إذا غرق ابن المولى ولم يلتفت إلى ذلك أو لم يلتفت إلى كونه ابنه فان الطلب الفعلي في مثله غير متحقق لابتنائه على الالتفات لكن المعلوم من حاله انه لو التفت إلى ذلك لأراد من عبده الإنقاذ وهذه الحالة وان لم يكن طلبا فعليا الا انها تشترك معه في الآثار ولهذا نرى بالوجدان في المثال المذكور انه لو لم ينقذ العبد ابن المولى عد عاصيا ويستحق العقاب.
ومنها اتفاق أرباب العقول كافة عليه على وجه يكشف عن ثبوت ذلك عند العقل نظير الإجماع الذي ادعى في علم الكلام على وجود الصانع أو على حدوث العالم فان اتفاق أرباب العقول كاشف قطعي إجمالا عن حكم العقل فلا يرد على المستدل ان المسألة لكونها عقلية لا يجوز التمسك لها بالإجماع لعدم كشفه عن رأي المعصوم لأن الإيراد متوجه لو أراد من الإجماع المستدل به عليه الإجماع الاصطلاحي اما على الوجه الذي قررناه فلا مجال للإيراد هذا ولكن الشأن في إثبات مثل هذا الاتفاق

(1) فيه منع كما سنشير إليه في الحاشية الآتية (منه).
125

ومنها ان المقدمة لو لم تكن واجبة لجاز تركها فحينئذ فان بقي الواجب على وجوبه
يلزم التكليف بالمحال والا يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا وبطلان اللازمين مما لا كلام فيه فكذا الملزوم والجواب ان ما أضيف إليه الظرف (1) في قوله فحينئذ ان كان الجواز نختار الشق الأول أعني بقاء الواجب على وجوبه ولا يلزم المحذور قطعا لعدم معقولية تأثير الوجوب في القدرة وان كان الترك مع كونه جائزا فان فرض إمكان إيجاد المقدمة عند ذلك بان كان الوقت موسعا فنختار أيضا الشق الأول ولا يلزم التكليف بالمحال وهو واضح وإلا بأن انقضى زمان الإتيان بها فنختار الشق الثاني وقوله قده يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا ان أراد خروجه من أول الأمر عن كونه كذلك كما هو ظاهر عبارته فمنع الملازمة وان أراد خروجه بعد ترك المقدمة
وانقضاء زمانها فليس اللازم باطلا لأن الوجوب قد يسقط بالإطاعة وقد يسقط بالعصيان.

(1) والأولى في الجواب ان يقال انه ان أريد من الجواز الترخيص الشرعي نمنع الملازمة بمعنى انه متى راجعنا وجداننا نجد من أنفسنا انا في أوامرنا لسنا بمقهورين في إرادة مقدمات المطلوب بل لا بأس بالتصريح بأني لا ألزمك على فعل المقدمة وان كان لا يجوز لنا الترخيص في الترك أيضا أو المنع من فعلها فلا بأس بالتصريح ينفي جميع الأحكام الخمسة عنها نعم هذا حال الأمر واما الفاعل فحيث ان إرادته محركة إلى الفعل والمفروض انه فاعل مختار والتحرك نحو الفعل أيضا لا يتمشى من دون التحرك نحو المقدمات فلا محالة ينقدح في نفسه إرادة المقدمات واما الأمر فلا فائدة في امره الا تحريك العبد وهو يحصل بمجرد الأمر النفسي من دون حاجة إلى الأمر المقدمي ولا يرى أيضا فائدة في نفس المقدمة حسب الفرض غير القرب إلى ذيها ولا فائدة له في محض القرب أيضا فلم يبق الا انه ملجأ بإرادة المقدمة من دون فائدة وقد عرفت خلافه بمراجعته الوجدان أيضا نعم لا بد من إرادة العبد المقدمات لما عرفت في الإرادة الفاعلية هذا لو أريد الجواز الشرعي واما لو أريد الجواز بمعنى عدم المنع ففيه ما ذكر في المتن (منه).
126

ومنها ما حكى عن المحقق السبزواري وهو انها لو لم تكن واجبة يلزم عدم كون تارك الواجب المطلق مستحقا للعقاب بيان الملازمة انه إذا كلف الشارع بالحج ولم يصرح بإيجاب المقدمات فتارك الحج بترك قطع المسافة الجالس في بلده اما ان يكون مستحقا للعقاب في زمان ترك المشي أو في زمان ترك الحج في موسمه المعلوم لا سيل إلى الأول لأنه لم يصدر منه في ذلك الزمان الا ترك الحركة والمفروض انها غير واجبة عليه ولا إلى الثاني لأن الإتيان بافعال الحج في ذي الحجة ممتنع بالنسبة إليه فكيف يكون مستحقا للعقاب بما يمتنع صدوره عنه الا ترى ان الإنسان إذا امر عبده بفعل معين في زمان معين في بلد بعيد والعبد ترك المشي إلى ذلك البلد فان ضربه المولى عند حضور ذلك الزمان معترفا بأنه لم يصدر منه إلى الآن فعل قبيح يستحق به التعذيب لكن القبيح انه لم يفعل في هذه الساعة هذا الفعل في ذلك البلد لنسبه العقلاء إلى سخافة الرأي وركاكة العقل بل لا يصح العقوبة الا على الاستحقاق السابق قطعا ثم نقول إذا فرضنا ان العبد بعد ترك المقدمات كان نائما في زمان الفعل فاما ان يكون مستحقا للعقاب أولا لا وجه للثاني لأنه ترك المأمور به مع كونه مقدورا فثبت الأول فاما ان يحدث استحقاق العقاب في حالة النوم أو حدث قبل ذلك لا وجه للأول لأن استحقاق العقاب انما يكون لفعل القبيح وفعل النائم والساهي لا يتصف بالحسن والقبح بالاتفاق ولا وجه للثاني لأن السابق على النوم لم يكن الا ترك المقدمة والمفروض عدم وجوبها هذا حاصل ما أفاده قده وقد نقلناه ملخصا.
والجواب انه لا محذور في اختيار كل واحد من الشقين فلنا ان نختار الشق الأول وهو استحقاق العقاب في زمان ترك المشي لا على ترك المشي بل على ترك الحج المستند
إلى ترك المقدمة اختيارا فان طريقة الإطاعة والمعصية مأخوذة من العقلاء وهم يحكمون بحسن عقاب العبد التارك للمقدمة في زمن تركها ولا يلزمون على المولى انتظار زمن الفعل وليس هذا التزاما
127

بترتب العقاب على ترك المقدمة بل المقصود إثبات العقاب المترتب على ترك ذيها في زمن ترك المقدمة وامتناع ذيها اختيارا.
ولنا ان نختار الشق الثاني فنقول ان تارك المقدمة مستحق للعقاب في زمان الحج وقوله قده ان فعل الحج هناك غير مقدور فلا يمكن اتصافه بالقبح غير وجيه لأنا نقول يكفي في اتصافه بالمقدورية كون المكلف قادرا على إتيان مقدمته في زمانها فاتصاف مثل هذا الفعل المقدور بواسطة مقدورية مقدماته بالقبح لا مانع له وأي قبح أعظم من ترك الواجب مع الاقتدار عليه (واما) ما ذكره أخيرا من فرض كون تارك المقدمة نائما في زمن الفعل (فالجواب عنه) ان ما لا يمكن ان يتصف بالحسن والقبح من فعل النائم انما يكون فيما استند إلى النوم مثل ما إذا ترك الصلاة مستندا إلى النوم وليس هذا الترك مما نحن فيه مستندا إلى النوم حتى لا يمكن اتصافه بالقبح بل هو مستند إلى ترك المقدمة في زمانها اختيارا وهذا النوم المفروض وقوعه زمن امتناع الفعل وجوده وعدمه سيان وهذا واضح.
ومنها ما حكى عن المحقق المذكور أيضا وهو انها لو لم تكن واجبة لزم ان لا يستحق تارك الفعل العقاب أصلا وبيانه ان المريد للشيء إذا تصور أحوالا مختلفة يمكن وقوع كل واحد منها فاما ان يريد الإتيان بذلك على أي تقدير من تلك التقادير أو يريد الإتيان به على بعض تلك التقادير وهذا مما لا إشكال فيه و ح نقول إذا امر أحد بالإتيان بالواجب في زمانه وفي ذلك الزمان يمكن وجود المقدمات ويمكن عدمها فاما ان يريد الإتيان به على أي تقدير من تقديري الوجود والعدم فيكون في قوة قولنا
ان وجدت المقدمة فافعل وان عدمت فافعل واما ان يريد الإتيان به على تقدير الوجود والأول محال لأنه يستلزم التكليف بما لا يطاق فثبت الثاني فيكون وجوبه مقيدا بحضور المقدمة فلا يكون تاركه بترك المقدمة مستحقا للعقاب لفقد ان شرط الوجوب
128

والمفروض عدم وجوب المقدمة فينتفي استحقاق العقاب رأسا.
والجواب اما أولا فبأنه لو تم ما ذكره هنا لزم ان لا يقع الكذب في الاخبار المستقبلة بيان الملازمة انه لو أخبر المخبر بأني غدا اشترى اللحم فعلى تقدير عدم الشراء لا وجه لتكذيبه إذ له ان يقول ان الاخبار بشراء اللحم اما ان يكون على تقدير إيجاد جميع المقدمات أو الأعم من ذلك وعدمها لا سبيل إلى الثاني لا وله إلى الاخبار عن الممتنع فثبت الأول فيؤل إلى الاخبار بشراء اللحم على تقدير وجود جميع المقدمات والمفروض عدم وجود واحدة منها إذ لا أقل من ذلك فلا يكون كذبا إذ عدم تحقق اللازم في صورة عدم تحقق الملزوم ليس كذبا في القضية الشرطية الخبرية واما ثانيا فبان اللازم على ما ذكره عدم استحقاق العقاب على ترك واجب أصلا لرجوع الواجبات بأجمعها إلى الواجب المشروط بيان ذلك ان كل واجب لا بد له من مقدمة ولا أقل من إرادة الفاعل فحينئذ نقول اما ان يريد ذلك الفعل في حالتي وجود المقدمة وعدمها أو في حالة وجودها فقط والأول مستلزم للتكليف بما لا يطاق والثاني مستلزم لعدم استحقاق العقاب على ترك واجب من الواجبات إذ ترك الواجب المشروط بترك شرطه ليس موجبا للعقاب وليست شعري هل بنفعه وجوب المقدمة في دفع هذا الإشكال واما ثالثا فبان الحالات التي تؤخذ في موضوع الطلب إطلاقا أو تقييدا هي ما يمكن تعلق الطلب بالموضوع معه ويجوز كونه في تلك الحالة باعثا للمكلف نحو الفعل واما ما لم يكن كذلك بان لا يمكن معه ان يكون الطلب باعثا للمكلف نحو الفعل فلا يعقل تقييد الطلب به ولا إطلاقه اما
الأول فللزوم لغوية الطلب واما الثاني فلأنه تابع لإمكان التقييد وحالتا وجود المقدمة وعدمها من قبيل الثاني لأنه على الأول يصير الفعل واجبا فلا يمكن تعلق الطلب به على تقدير وجوبه وعلى الثاني يصير ممتنعا فلا يمكن أيضا تعلق
129

الطلب به على هذا التقدير وبعد عدم إمكان تقييد الطلب بأحدهما لا يمكن ملاحظة الإطلاق أيضا بالنسبة إليهما بل الطلب متعلق بذات الفعل مع قطع النظر عنهما إطلاقا وتقييدا وهو يقتضى إيجاد الفعل ولو لم يوجد يستحق العقاب وهذا واضح وقد ذكروا وجوها اخر غير ناهضة على المطلوب طوينا ذكرها اقتصارا على ما هو الأهم في الباب وهو الهادي إلى الصواب.
[في مقدمات الحرام]
الأمر التاسع: في بعض من الكلام في مقدمات الحرام وليعلم أولا ان الالتزام بحرمة مقدمة الحرام بقصد التوصل إليه ليس قولا بحرمة مقدمة الحرام لأن هذا من جزئيات مسألة التجري فعد بعض الأساطين حرمة مقدمات الحرام بقصد التوصل إلى ذيها من باب مقدمة الحرام واقتضاء النهي المتعلق بذيها لها مما لم يعرف له وجه لأن الجهة المقبحة الموجودة في إتيان المقدمة بقصد التوصل إلى الحرام ليست منوطة بوجود محرم واقعي يكون هذه المأتي بها بقصد التوصل مقدمة له بل هي بعينها موجودة فيما لو اعتقد حرمة شيء وأتى بمقدماته بقصد التوصل إليه ولم يكن ذلك الشيء محرما في الواقع أو اعتقد مقدمية شيء لمحرم وأتى به بقصد التوصل إلى ما اعتقد ترتبه عليه وأعجب من ذلك قياسه بباب مقدمة الواجب فان ما تحقق هناك ان إتيان ذات المقدمة من دون قصد التوصل إلى ذيها لا يعد إطاعة لا ان موضوع الطلب التبعي هو الفعل المقرون بهذا القصد وكيف كان فالمهم في هذا الباب بيان ان المقدمات الخارجية للحرام هل تتصف بالحرمة نظير ما قلنا في المقدمات الخارجية للواجب أم لا تتصف أصلا أم يجب التفصيل بينها.
فنقول ان العناوين المحرمة على ضربين أحدهما ان يكون العنوان بما هو
130

مبغوضا من دون تقييده بالاختيار وعدمه من حيث المبغوضية وان كان له دخل في استحقاق العقاب إذ لا عقاب الا على الفعل الصادر عن اختيار الفاعل والثاني ان يكون الفعل الصادر عن إرادة واختيار مبغوضا بحيث لو صدر عن غير اختياره لم يكن منافيا لغرض المولى فعلى الأول علة الحرام هي المقدمات الخارجية من دون مدخلية الإرادة بل هي علة لوجود علة الحرام وعلى الثاني تكون الإرادة من اجزاء العلة التامة إذا عرفت هذا.
فنقول نحن إذا راجعنا وجداننا نجد الملازمة بين كراهة الشيء وكراهة العلة التامة له من دون سائر المقدمات كما إذا راجعنا الوجدان في طرف إرادة الشيء نجد الملازمة بينها وبين إرادة كل واحدة من مقدماته وليس في هذا الباب دليل امتن وأسد منه وما سوى ذلك مما أقاموه غير نقي من المناقشة وعلى هذا ففي القسم الأول ان كانت العلة التامة مركبة من أمور يتصف المجموع منها بالحرمة وتكون إحدى المقدمات لا بشخصها محرمة (1) الا إذا وجد باقي الاجزاء وانحصر اختيار المكلف في واحدة منها فتحرم عليه شخصا من باب تعين أحد افراد الواجب التخييري بالعرض فيما إذا تعذر الباقي فان ترك أحد الاجزاء واجب على سبيل التخيير فإذا وجد الباقي

(1) ان قلت على القول بالمقدمة الموصلة في مقدمة الواجب لا بد ان نقول بحرمة جميع المقدمات للحرام فان المولى انما يبغض المقدمات المبغوضة في لحاظ إيصالها إليه فلم يتعلق المبغوضية في الواقع الا بالمقيد وان كان التقييد غير ملحوظ بعنوانه وبالجملة عين الكلام في مقدمة الواجب يأتي في مقدمة الحرام من غير فرق بينهما قلت ان المطلوب في جانب النهي انما هو عدم الفعل ومبغوضية الفعل من مبادئ انقداح هذا الطلب في نفس الأمر كما انها من مقدمات انقداح الإرادة في نفس الفاعل وبالجملة فالطلب في جانب النهي يتعلق بالعدم كما يتعلق بالفعل في طرف الأمر وعلى هذا فنقول مقدمة عدم الفعل عبارة عن عدم إحدى مقدمات الوجود فاللازم من مطلوبيته مطلوبية عدم أحدها وهي عبارة أخرى عن حرمة إحدى المقدمات لا بشخصها (منه).
131

وانحصر اختيار المكلف في واحد معين يجب تركه معينا واما القسم الثاني أعني فيما إذا كان الفعل المقيد بالإرادة محرما فلا يتصف الاجزاء الخارجية بالحرمة لأن العلة التامة للحرام هي المجموع المركب منها ومن الإرادة ولا يصح اسناد الترك الا إلى عدم الإرادة لأنه أسبق رتبة من ساير المقدمات الخارجية فقد فهم مما ذكرنا ان القول بعدم اتصاف المقدمات الخارجية للحرام بالحرمة مطلقا لسبق رتبة الصارف وعدم استناد الترك الا إليه مطلقا مما لا وجه له بل ينبغي التفصيل لأنه في القسم الأول لو فرض وجود باقي المقدمات مع عدم الإرادة تحقق المبغوض قطعا فعدم إحداها علة لعدم المبغوض فعلا واما في القسم الثاني فلو فرضنا وجود باقي المقدمات مع الصارف لم يتحقق المبغوض لكونه مقيدا بصدوره عن الإرادة فالمقدمات الخارجية من دون انضمامها إلى الإرادة لا توجد المبغوض ففي طرف العدم يكفي عدم إحدى المقدمات ولما كان الصارف أسبق رتبة منها يستند ترك المبغوض إليه دون الباقي فيتصف بالمحبوبية دون ترك إحدى المقدمات الخارجية فلا يكون فعلها متصفا بالحرمة.
132

المقصد الثالث
[في الضد]
هل الأمر بالشيء يقتضى النهي عن ضده الخاص أولا أقول لما كانت المسألة مبنية على مقدمية ترك الضد لفعل ضده (1) فاللازم التكلم فيها فنقول هل ترك الضد مقدمة لفعل ضده أو فعله مقدمة لترك ضده أو كل منهما مقدمة للآخر أو لا توقف في البين والمعروف
من تلك الاحتمالات هو الأول والاخر فلا نعترض لغيرهما وستطلع على بطلانه في أثناء البحث والقائل بتوقف فعل الضد على ترك ضده الاخر اما ان يقول مطلقا كما عليه جل أرباب هذا القول أو يفصل بين الرفع والدفع بمعنى انه لو كان الضد موجودا وأراد إيجاد الاخر يتوقف إيجاده على رفع
ضده وان لم يكن موجودا وأراد إيجاد ضده لم يكن موقوفا على ترك الضد

(1) يمكن ان يقال بمنع الابتناء بمعنى انا وان أنكرنا المقدمية يمكن ان نقول باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد الخاص تقريبه انا إذا راجعنا وجداننا نجد من أنفسنا انه إذا أردنا فعلا نترك أضداده بإرادة منا واختيار بحيث يصح المؤاخذة على ذلك الترك ولو لم يكن مسبوقا بالإرادة والاختيار لما صح وبالجملة نجد الملازمة بين إرادة الشيء وإرادة ترك أضداده الخاصة كما نجد الملازمة بين إرادة الشيء وإرادة مقدماته الا ترى انك لو أردت الخلوة مع أحد وكان عندك شخص اخر فإنك تتوسل إلى قيامه من المجلس بأي وسيلة أمكنت وعلى هذا فنقول ان كان حال إرادة الأمر حال إرادة الفاعل بعينها لزم القول بهذه الملازمة في الأولى أيضا ولكن قد عرفت منع المقايسة المذكورة (منه)
133

ثم ان وجه التوقف يمكن ان يكون أحد أمور ثلثه (الأول) ان يقال بان ترك الضد ابتداء مقدمة لفعل الضد (والثاني) ان يكون مقدمية الترك من باب مانعية الفعل (والثالث) ان يكون من جهة عدم قابلية المحل فان المحل لما لم يكن قابلا لأن يرد عليه كلاهما صار وجود كل منهما متوقفا على خلو المحل عن الاخر وكيف كان فلنشرع فيما هو المقصود وقبل ذكر أدلة الطرفين لا بد وان يعلم حكم حال الشك لنرجع إليه إذا عجزنا من القطع بأحد الطرفين.
فنقول لو شك في كون ترك الضد مقدمة بعد علمه بوجوب مقدمة الواجب وعلمه بوجوب فعل الضد الاخر فهل الأصل يقتضى الحكم بصحة العمل ان كان من العبادات أو الفساد.
قد يقال بالأول لأن فعلية الخطاب مرتفعة بواسطة الشك خصوصا في الشبهة
الموضوعية التي قد أطبقت على إجراء البراءة فيها كلمة العلماء رضوان الله عليه من الأصوليين والأخباريين وإذا لم يكن الوجوب فعليا لا مانع من صحة العمل لأن المانع قد تحقق في محله انه الوجوب الفعلي ولذا أفتى العلماء بصحة الصلاة في الأرض المغصوبة في صورة نسيان الغصبية ولو انكشف الخلاف بعد ذلك لم يجب عليه الإعادة والقضاء وما نحن فيه من هذا القبيل وأوضح من ذلك صورة القطع بعدم المقدمية وانكشاف خطاء قطعه بعد ذلك فان الحكم بفساد صلاته موجب لفعلية الخطاب حين القطع بعدمه.
والحق ان الشك في المقام ليس موردا لأصالة البراءة لا عقلا ولا شرعا اما الأول فلان مقتضاها هو الأمن من العقاب على مخالفة التكليف الواقعي على تقدير ثبوته ولا يمكن جريانها هنا لأن العقاب لا يترتب على مخالفة التكليف المقدمي ولا يمكن الحكم بسقوط العقاب عن التكليف النفسي إذا استند تركه إلى هذه المقدمة المشكوك مقدميتها لأن التكليف النفسي معلوم ويعلم ان الإتيان به ملازم لهذا الترك الذي يحتمل كونه مقدمة انما الشك في ان هذا الترك الذي قد علم كونه ملازما لفعل الواجب المعلوم
134

هل هو مقدمة أو لا وهذا لا يوجب سقوط العقاب عن الواجب النفسي المعلوم كما هو واضح واما الثاني فلأنه على تقدير كون الترك مقدمة فالوجوب المتعلق به بحكم العقل على حد الوجوب المتعلق بفعل ضده فكما انه في هذا الحال يكون فعليا منجزا كذلك مقدمته وعلى هذا الفرض لا يعقل الترخيص والمفروض احتمال تحقق الفرض في نظر الشاك وإلا لم يكن شاكا ومع هذا الاحتمال يشك في إمكان الترخيص وعدمه عقلا فلا يمكن القطع بالترخيص ولو في الظاهر.
لا يقال بعد احتمال كون الترخيص ممكنا لا مانع من التمسك بعموم الأدلة الدالة على إباحة جميع المشكوكات واستكشاف الإمكان بالعموم الدال على الفعلية. لأنا نقول فعلى هذا يلزم من ثبوت هذا الحكم عدمه إذ لو بنينا على انكشاف الإمكان بعموم الأدلة فاللازم الالتزام بدلالة العموم على عدم كون ترك الضد مقدمة إذ مع بقاء هذا الشك لا يمكن انكشاف الإمكان فلو علم من عموم الحكم عدم كون ترك الضد مقدمة فلا مجرى له لأن موضوعه الشك وبالجملة فلا أرى وجها لجريان أصالة الإباحة في المقام هذه خلاصة الكلام في حكم الشك فلنعد إلى أصل البحث.
فنقول الحق كما ذهب إليه الأساطين من مشايخنا هو عدم التوقف والمقدمية لا من جانب الترك ولا من جانب الفعل اما عدم كون ترك الضد مقدمة لفعل ضده فلان مقتضى مقدمته لزوم ترتب عدم ذي المقدمة على عدمه لأنه معنى المقدمية والتوقف فعلى هذا يتوقف عدم وجود الضد على عدم ذلك الترك المفروض كونه مقدمة وهو فعل الضد الاخر والمفروض ان فعل الضد أيضا يتوقف على ترك ضده الاخر
135

ففعل الضد يتوقف على ترك ضده كما هو المفروض وترك الضد يتوقف على فعل ضده لأنه مقتضى مقدمية تركه هذا مضافا إلى عدم إمكان تأثير العدم في الوجود وهو من الواضحات والا لأمكن انتهاء سلسلة الموجودات إلى العدم واما عدم كون فعل الضد علة ومؤثرا في ترك ضده فلأنه لو كان كذلك لزم مع عدمه وعدم موجود يصلح لأن يكون علة لشيء اما ارتفاع النقيضين أو تحقق المعلول بلا علة أو استناد الوجود إلى العدم.
بيان ذلك انه لو فرضنا عدم الفعل الذي فرضناه علة لعدم الضد وعدم كل شيء من السكنات يصلح لأن يكون علة لشيء فلا يخلو الواقع من أمور لأنك اما ان تقول بوجود ذلك الفعل الذي كان عدمه معلولا أولا فعلى الأول يلزم استناد الوجود إلى العدم إذ المفروض عدم وجود شيء في العالم يصلح لأن يكون علة وعلى الثاني اما ان تقول بعدم تحقق العدم المفروض معلولا أولا فعلى الثاني يلزم ارتفاع النقيضين وعلى الأول يلزم تحقق المعلول
بلا علة مضافا إلى ان مقتضى كون الفعل علة لترك ضده كون تركه مقدمة لفعل ضده الاخر لأن عدم المانع شرط فيلزم الدور.
فان قلت ان الدور الذي أوردت على القائل بمقدمية ترك الضد لفعل ضده الاخر انما يتوجه لو التزم بكون الفعل أيضا علة للترك وهو لا يلتزم به وانما يقول بكون ترك الضد مستندا إلى الصادف لكونه أسبق رتبة من الفعل ومعلوم ان المعلول إذا كانت له علل فهو يستند إلى أسبق علله فحينئذ نقول بان فعل الضد يتوقف على ترك ضده الاخر ولكن ترك الضد لا يتوقف على فعل ضده الاخر بل يكفي فيه الصارف فاندفع بذلك الدور.
قلت الإسناد الفعلي وان كان إلى الصارف ليس الا لما ذكر من كونه أسبق العلل الا انه يكفي في البطلان وقوع الفعل في مرتبة علة الترك لاستلزام ذلك التقدم عليه مع كون الترك أيضا مقدما على الفعل بمقتضى
136

مقدميته لأن وجه بطلان الدور تقدم الشيء على نفسه وهذا الوجه موجود هنا بعينه فان ترك الضد بمقتضى المقدمية مقدم طبعا على فعل ضده وكذلك فعل الضد بمقتضى شأنيته للعلية يجب ان يكون مقدما على ترك ضده فترك الضد مقدم على فعل ضده الذي هو مقدم على ذلك الترك فيجب ان يكون ترك الضد مقدما على نفسه وكذلك فعل الضد ومما ذكرنا يظهر عدم الفرق بين الرفع والدفع لأن البرهان الذي ذكرناه على عدم التوقف يجري فيهما على نهج واحد وأنت إذا تأملت فيما ذكرنا لم تجديدا من القول بعدم التوقف فلا نطيل المقام بذكر ما أوردوه في بيان المقدمية والمناقشة فيه.
انما المهم التعرض للمسألة التي فرعوها على مقدمية ترك الضد وعدمها أعني بطلان فعل الضد لو كان عباديا وقد وجب ضده على الأول (1) وصحته على الثاني.
فنقول اما بناء على كون ترك الضد مقدمة فلا إشكال في بطلان العمل بناء على بطلان اجتماع الأمر والنهي بل قد يقال بالبطلان حتى على القول بإمكان الاجتماع لأن محل النزاع في مسألة
جواز اجتماع الأمر والنهي فيما إذا كان هناك عنوانان يتفق تحققهما في وجود واحد وليس المقام من هذا القبيل

(1) يمكن ان يقال بمنع ترتب هذه الثمرة بمعنى انا وان اخترنا اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد يمكن ان نقول بصحة العبادة المذكورة فان الطلب الغيري أمرا كان أو نهيا لا يوجب موافقته قربا ولا مخالفته بعدا فلو كان في متعلق النهي الغيري جهة حسن لم يمنع النهي المذكور عن مقربيته وعباديته فان قلت مخالفة النهي الغيري وان لم توجب بعدا من حيث نفسها ولكنها توجبه من حيث أدائها إلى مخالفة الطلب النفسي والذي يوجب بعد العبد لا يمكن ان يكون مقربا قلت وان كان وجوده مفضيا إلى وجود المبغوض النفسي لكن البعد من آثار وجود الثاني والذي ينافي المقربية كون الشيء مبعدا بنفسه وبلا واسطة (منه).
137

لأن عنوان المقدمية ليس مما يتوقف عليه المطلوب بل المطلوب انما يتوقف على نفس ترك الصلاة مثلا إذا كان ضدها مطلوبا فلو جاز تعلق الأمر بها لزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد فيكون ذلك من باب النهي في العبادات هذا على القول بكون ترك الضد مقدمة واما على القول بعدم مقدميته فان قلنا بكفاية الجهة في صحة العبادة وان لم يتعلق به الأمر لمانع عقلي (1) كما هو الحق فلا إشكال في الصحة واما لو لم نقل بكفاية الجهة فيشكل الأمر بان الأمر بالضد وان لم يقتض النهي عن ضده لعدم المقدمية ولكنه يقتضى عدم الأمر به لامتناع الأمر بإيجاد الضدين في زمان واحد وحيث لا امر فلا يقع صحيحا لأن المفروض عدم كفاية جهة الأمر في الصحة فالمناص حينئذ منحصر في تصحيح تعلق الأمر فعلا بالضد مع كون ضده الاخر مأمورا به والذي يمكن ان يكون وجها لذلك أحد أمرين.
الأول ما نقل عن بعض الأساطين من ان الأمر بالضد انما ينافي الأمر بضده الاخر لو كانا مضيقين اما لو كان أحدهما مضيقا والاخر موسعا فلا مانع من الأمر بكليهما لأن المانع ليس الا لزوم التكليف بما لا يطاق وهذا

(1) لا إشكال في تصوير هذا الوجه بناء على القول بالحسن الذاتي في جميع العبادات أعني كونها بحسب ذواتها مع قطع النظر عن تعلق الأمر بها معروضات للحسن الفعلي واما بناء على تبعية حسنها لتعلق الأمر بها كما هو اللازم من تصحيح الأمر العبادي بأخصية الغرض فيشكل بأنه مع سقوط الأمر بمزاحمة الأهم لا يبقى حسن حتى يصير داعيا ويمكن الجواب بان الذي نقول بسقوطه للمزاحمة انما هو الأمر الفعلي واما الأمر الذاتي التشريعي فباق بحاله وهو كاف في عروض الحسن العقلي بل لو قلنا بالمبنى الأول أعني عروض الحسن لذات الفعل العبادي أيضا لا بد ان نقول بتوقف صحة العبادة على وجود الأمر التشريعي الا ترى عدم صحة الظهر ممن اشتغل ذمته بالعصر وقد ضاق الوقت الا عن أربع ركعات (منه).
138

المانع منحصر فيما إذا كانا مضيقين إذ لو كان أحدهما موسعا فلا يلزم ذلك قطعا سواء كان الاخر موسعا أيضا أم لا وأي مانع من ان يقول المولى لعبده أريد منك من أول الظهر إلى الغروب إنقاذ هذين الغريقين أو يقول أريد منك إنقاذ هذا الغريق فعلا وأريد منك أيضا إنقاذ الغريق الاخر في مجموع الوقت الذي يكون أعم من هذا الوقت وغيره.
أقول تمامية ما أفاده قده مبنية على مقدمتين (إحداهما) ان يكون الوقت المضروب ظرفا للواجب من قبيل الكلي الصادق على جزئيات الوقت فيصير المحصل من التكليف بصلاة الظهر إيجاب إيجاد الصلاة في طبيعة الوقت المحدود بحدين إذ لو كان التكليف راجعا إلى التخيير الشرعي بين الجزئيات من الأزمنة فلا يصح ذلك لأن البعث على غير المقدور قبيح عقلا وان كان على سبيل التخيير بينه وبين فعل اخر مقدور الا ترى قبح الخطاب التخييري بين الطيران إلى السماء وإكرام زيد مثلا (والثانية) ان الأمر بالطبيعة لا يستلزم السراية إلى الافراد والا لكان اللازم منه المحذور الأول بعينه وحيث ان عدم السراية إلى
الافراد هو المختار كما يجيء تحقيقه في مسألة اجتماع الأمر والنهي إن شاء الله ولا يبعد صحة المقدمة الأولى فلا بأس بالالتزام بتحقق الأمر الفعلي بالصلاة في مجموع الوقت مع إيجاب ضدها في أول الوقت ضيقا بل يمكن ان يقال لا مانع من الأمر حتى على القول بالتخيير الشرعي أو على القول بسراية حكم الطبيعة إلى الافراد لأن المانع من التكليف بما لا يطاق ليس الا اللغوية وهي مسلمة فيما إذا كان نفس الفعل غير مقدور كالطيران إلى السماء واما إذا كان نفسه مقدورا كما فيما نحن فيه غاية الأمر يجب عليه بحكم العقل امتثال امر اخر من المولى ولا يقدر مع الامتثال على إتيان فعل
139

آخر (1) فلا يلزم اللغوية إذ يكفى في ثمرة وجود الأمر انه لو أراد المكلف عصيان الواجب المعين يقدر على إطاعة هذا الأمر ومن ذلك يظهر ان قياس مقامنا هذا بمثال الطيران إلى السماء ليس في محله
[مسألة الترتب]
والوجه الثاني ما أفاده سيد مشايخ عصرنا الميرزا الشيرازي قده وشيد أركانه وأقام برهانه تلميذه الجليل والتحرير الذي ليس له بديل سيدنا الأستاذ السيد محمد الأصفهاني جزاهما الله عن الإسلام وأهله أفضل الجزاء وهو ان يتعلق الأمر أولا بالضد الذي
يكون أهم في نظر الأمر مطلقا من غير التقييد بشيء ثم يتعلق امر اخر بضده متفرعا على عصيان ذلك الأمر الأول.
وإثبات هذا المطلب يستدعى رسم مقامات.
الأولى ولعلها العمدة في هذه المسألة توضيح الواجب المشروط وهو وان مر ذكره في مبحث مقدمة الواجب مفصلا الا انه لا بد من ان نشير إليه ثانيا توضيحا لهذه المسألة التي نحن بصددها نقول وعلى الله التوكل ان الإرادة المنقدحة في النفس المتعلقة بالعناوين على ضربين تارة تكون على نحو تقتضي إيجاد متعلقها بجميع ما يتوقف عليه من دون إناطتها بوجود شيء أو عدمه وأخرى على نحو لا تقتضي إيجاد متعلقها الا بعد تحقق شيء اخر وجودي أو عدمي مثلا إرادة إكرام الضيف تارة تكون على نحو يوجب تحريك المريد إلى تحصيل الضيف وإكرامه وأخرى على نحو لا يوجب تحريكه إلى تحصيل الضيف بل يقتضى إكرامه على تقدير مجيئه

(1) فيه ان إطلاق كل من الأمرين الموسعين بالنسبة إلى جميع اجزاء الزمان الموسع وكذلك إطلاق ما كان موسعا فيما كان أحدهما كذلك والاخر مضيقا بالنسبة إلى الجزء الذي عين للمضيق يلزم منه طلب الجميع تخييرا فكأنه قال اما افعل هذا الضد وذلك الضد في هذا الجزء الذي لا يسع الا لأحدهما واما افعل أحدهما في هذا الجزء والاخر في الجزء الاخر وهو أيضا في البطلان مثل ان يقال اما طرو إلى السماء أوصل (منه)
140

ثم ان الثاني على أنحاء تارة تقتضي إيجاد متعلقها بعد تحقق ذلك الشيء المفروض وجوده في الخارج كما في مثال أكرم زيدا ان جاءك وأخرى تقتضي إيجاده مقارنا له (1) كما في إرادة الصوم مقارنا للفجر إلى غروب

(1) لا يخفى ان الشرط إذا كان أمرا زمانيا ممتدا كسير الشمس قدر نصف القوس مثلا فلا يمكن جعله شرطا للطلب باعتبار وجوده الخارجي مع ملاحظة اقتران الفعل المأمور به به أو سبق الفعل عليه فان ملاحظته بوجوده الخارجي يقتضى الفراغ عنه ومع الفراغ عن وجوده لا يبقى للفعل محل فلا بد في أمثال ذلك من ملاحظته باعتبار وجوده الاستقبالي شرطا بمعنى ان الشرط كون الشمس مثلا بحيث يسير هذا المقدار من المسافة فاما يطلب الفعل قبل شروعها بالسير واما مقارنا له لكن هذا المعنى لا يصحح الترتب المقصود تصحيحه في مسألة الأمر بالضدين بيان ذلك ان ترك الأهم بمقدار نصف ساعة مثلا لو جعل بتحققه الخارجي شرطا للأمر بالمهم يلزم خلاف المقصود إذ لازمه الفراغ الذهني عن مضى نصف الساعة والمقصود فعل المهم في ذلك النصف ولو جعل بوجوده الاستقبالي شرطا بمعنى ان يقال ان كنت ممن يترك في المستقبل فعل الأهم في نصف ساعة فافعل في ذلك النصف الضد المهم فلازمه طلب الجمع بين الضدين إذ طلب الأهم موجود والمفروض اجتماعه مع طلب المهم فان قلت إطلاق الأمر لا يمكن ان تشمل حال عصيانه فلا يمكن ان يقال أيها الذي تعصي افعل ولا تعص فإذا خرج عنوان من يعصى الأمر بالأهم عن تحت إطلاقه فلا مانع من مجيء الأمر بالمهم قلت وان كان لا يصح تعلقه بهذا العنوان لكن تعلقه بالذات الواقعة تحت هذا العنوان صحيح بمعنى ان المكلف الذي في علم الله سبحانه يكون ممن يعصى ليس خارجا عن التكليف كيف والا يلزم خروج العصاة عن تحت عامة التكاليف و ح فيلزم طلب الجمع من هذه الذات أحد الطلبين متعلق بذاته والاخر بعنوانه فان قلت فما الحيلة في تصحيح الأمر بالضدين في زمان واحد بعد بطلان طريقة الترتب المذكور قلت طريق تصحيحه ان نقول الفعل الزماني المحتاج إلى مقدار نصف ساعة من الزمان مثلا لا يكون تركه زمانيا ومحتاجا إلى الزمان بل هو نظير الفصل والوصل من الأمور الحاصلة في الآن الذي هو ليس جزء من الزمان وإلا لزم تركب الزمان من الجزء الذي لا يتجزى وقد تسالموا على بطلانه وعلى هذا فالامر بالمهم يقتضى المهم في تقدير هذا الترك الإني والأمر بالأهم في هذا الآن ساقط وانما يكون فيما قبل هذا الآن فالزمان واحد والآن مختلف وان شئت توضيح الحال بالمثال فافرض ان إنقاذ الغريق محتاج إلى إعمال القوة بمقدار نصف ساعة
الشيء كما نرى من أنفسنا ان الإنسان إذا أراد إكرام زيد على تقدير مجيئه وعلم بمجيئه في الغد وتوقف إكرامه في الغد على مقدمات قبله يهيئ تلك المقدمات وهكذا حال إرادة الأمر فلو امر المولى بإكرام زيد على تقدير مجيئه وعلم العبد بتحقق مجيئه غدا وتوقف إكرامه غدا على إيجاد مقدمات في اليوم وجب عليه إيجادها ولا عذر له عند العقل لو ترك تلك المقدمات وهذا واضح لا سترة عليه وعلى التقدير الثاني باعثية الإرادة بالنسبة إلى الفاعل انما تكون بالعلم بتحقق ذلك الشيء المفروض وجوده في الآن الملاصق للآن الذي هو فيه كما انه على الثالث تؤثر إذا علم بتحققه في الزمن الآتي وان شئت قلت ولا يمكن في الأقل من هذا المقدار فالفعل ح وان كان محتاجا إلى هذا المقدار ولكن الترك يتحقق في الآن من دون حاجة إلى مضى شيء من اجزاء الزمان المذكور الذي فرضناه زمانا للفعل على تقدير وجوده بمعنى انه بعد انصراف العبد عن الامتثال يتحقق الترك منه في الخارج في الآن المتصل بأول الزمان المذكور من دون حاجة إلى مضى شيء من اجزائه نظير تحقق الفصل والوصل في الخارج فطلب فعل الإنقاذ يقتضى اشتغال هذا الوقت بالإنقاذ وطلب المهم كالصلاة يقتضى إشغاله بجميعه بالمهم لكن الأول في الآن السابق على ان تحقق الترك والثاني في الآن المتأخر عن ذلك الآن ولا يضر هذا التقدم والتأخر الإتيان باجتماعهما في الزمان كما لا يضر في العلة والمعلول بل ولو فرض أضداد كثيرة مترتبة في الأهمية فيتحقق هناك أوامر في آنات كثيرة ولا يضر باجتماعها كلها في زمان واحد نظير العلل الكثيرة الطولية الموجودة كل منها مع الأخرى ومع المعلول في زمان واحد فان قلت هذا متمش في مثل المثال المذكور من الإنقاذ مما ليس له الا فرد واحد زماني واما في مثل الإزالة مما يمكن له افراد زمانية تدريجية فمتى انقضى زمان الفرد الأول تصل النوبة إلى الفرد الثاني فلا يبقى مجال للأمر بالصلاة مثلا قلت بعد تصحيح الأمر في المثال الأول لا يبقى وقع لهذا السؤال فاما نفرض ان الأمر بالصلاة متعلق بجزء جزء منه مستقلا حسب أزمنة الأزالات ففي أول زمان كل فرد من الإزالة يتحقق امر بجزء من الصلاة يسعه ذلك الزمان نظير من توجد له القدرة على اجزاء الصلاة شيئا فشيئا كما لو قام عنده أحد ويلقنه أقوالها وأفعالها شيئا فشيئا من أول الصلاة إلى آخرها مثلا فتدبر جيدا (منه)
141

الشمس وكما في إرادة الوقوف في العرفات مقارنا لأول الزوال إلى الغروب وأمثال ذلك وتارة تقتضي إيجاده قبل تحقق ذلك الشيء كما لو أراد استقبال زيد في اليوم على تقدير مجيئه غدا وهذه الأنحاء الثلاثة كلها مشتركة في انها مع عدم العلم بتحقق ذلك
142

المفروض تحققه لا تؤثر الإرادة في نفس الفاعل كما انها مشتركة في انه على تقدير العلم بذلك مؤثرة في الجملة انما الاختلاف في انه على التقدير الأول العلم بتحقق ذلك في الزمن الآتي لا يوجب تحريك الفاعل إلى نحو المراد لأن المقصود إيجاد الفعل بعد تحقق ذلك الشيء لا قبله نعم لو توقف الفعل في زمان تحقق ذلك الشيء على مقدمات قبل ذلك اقتضت الإرادة المتعلقة بذلك الفعل على تقدير وجود شيء خاص إيجاد تلك المقدمات قبل تحقق ذلك الشئ، كما نرى من أنفسنا ان الانسان إذا أراد اكرام زيد على تقدير مجيئه وعلم بمجيئه في الغد وتوقف اكرامه فلو امر المولى باكرام زيد على تقدير مجيئه وعلم العبد بتحقق مجيئه غدا وتوقف اكرامه غدا على ايجاد مقدمات في اليوم وجب عليه ايجادها، ولا عذر له عند العقل لو ترك تلك المقدمات، وهذا واضح لا سترة عليه.
وعلى التقدير الثاني باعثية الإرادة بالنسبة إلى الفاعل انما تكون بالعلم بتحقق ذلك الشئ المفروض وجوده في الآن الملاصق للآن الذي هو فيه.
كما انه على الثالث تؤثر إذا علم بتحققه في الزمن الآتي.
وان شئت قلت: هذه الإرادة المعلقة على وجود شئ إذا انضم إليها العلم بتحقق ذلك الشئ تقتضى ايجاد كل من الفعل ومقدماته في محله، فمحل الاكرام في الفرض الأول بعد تحقق المجئ ومحل مقدماته قبله، ومحل الفعل في المثال الثاني مقارن للشرط ومحل مقدماته قبله، كما في الوقوف في العرفات مقارنا للزوال، ومحل الفعل في المثال الثالث قبل تحقق الشرط.
والحاصل انه لا نعنى بالواجب المشروط الا الإرادة المتعلقة بالشئ مبتنية على تحقق امر في الخارج، وهذه الإرادة لا يعقل ان تؤثر في نفس الفاعل الا بعد الفراغ من حصول ذلك الامر، وبعبارة أخرى هذه الإرادة من قبيل جزء العلة لوجود متعلقها وإذا انضم إليها العلم بتحقق ذلك الشئ تؤثر في كل من الفعل
143

ومقدماته في محله فمحل الإكرام في الفرض الأول بعد تحقق المجيء ومحل مقدماته قبله ومحل الفعل في المثال الثاني مقارن للشرط ومحل مقدماته قبله كما في الوقوف في العرفات مقارنا
للزوال ومحل الفعل في المثال الثالث قبل تحقق الشرط والحاصل انه لا نعنى بالواجب المشروط الا الإرادة المتعلقة بالشيء مبتنية على تحقق امر في الخارج وهذه الإرادة لا يعقل ان تؤثر في نفس الفاعل الا بعد الفراغ من حصول ذلك الأمر وبعبارة أخرى هذه الإرادة من قبيل جزء العلة لوجود متعلقها وإذا انضم إليها العلم يتحقق ذلك الشيء تؤثر في كل من الفعل ومقدماته في محله كما عرفت فالإرادة المبتنية على امر مقدر سواء علم بتحقق ذلك الأمر أم لم يعلم بل ولو علم بعدمه موجودة ولكن تأثيرها في الفاعل يتوقف على العلم بتحقق ذلك الأمر.
المقدمة الثانية ان الإرادة المبتنية على تقدير امر في الخارج لا يعقل ان تقتضي إيجاد متعلقها على الإطلاق أي سواء تحقق ذلك المقدر أم لا والا خرجت عن كونها مشروطة بوجود شيء فمتى ترك الفعل بترك الأمر المقدر لا يوجب مخالفة لمقتضى الإرادة نعم المخالفة انما يتحقق فيما إذا ترك مع وجود ذلك المقدر وهذه المقدمة في الوضوح بمثابة لا تحتاج إلى البرهان. المقدمة الثالثة ان الإرادة المتعلقة بشيء من الأشياء لا يقدح في وجودها كون المأمور بحيث يترك في الواقع أو يفعل إذ لا مدخلية لهذين الكونين في قدرة المكلف فالإرادة مع كل من هذين الكونين موجودة ولكن لا يمكن ان يلاحظ الأمر كلا من تقديري الفعل والترك في المأمور به لا إطلاقا ولا تقييدا اما الثاني فواضح لأن إرادة الفعل على تقدير الترك طلب المحال وإرادة الفعل على تقدير الفعل طلب الحاصل واما
الأول فلان ملاحظة الإطلاق فرع إمكان التقييد وحيث تستحيل الثاني يستحيل الأول فالإرادة تقتضي إيجاد ذات متعلقها لا انها تقتضي إيجاده في ظرف عدمه ولا إيجاده في ظرف وجوده ولا إيجاده في كلتا الحالتين لأن هذا النحو من الاقتضاء يرجع إلى طلب الشيء مع نقيضه أو مع حصوله فظهر ان الأمر يقتضى وجود ذات الفعل من دون ملاحظة تقييد الفعل بالنسبة إلى الحالتين المذكورتين ولا إطلاقه بالنسبة إليهما نعم الأمر المتعلق بذات الفعل موجود سواء كان المكلف ممن يترك أو يفعل ولكن هذا الأمر الموجود يقتضى عدم تحقق الترك وتحقق الوجود لا انه يقتضى الوجود على تقدير الترك وبعبارة أخرى يقتضى عدم تحقق هذا المقدر لا انه يقتضى وجود الفعل في فرض وقوعه لأن الثاني يرجع إلى اقتضاء اجتماع النقيضين دون الأول فافهم فإنه لا يخلو عن دقة.
144

المقدمة الرابعة انه لم يرد في خبر ولا اية بطلان تعلق الأمرين بالضدين في زمان واحد حتى يتمسك بإطلاق ذلك الخبر وتلك الآية في بطلانه انما المانع حكم العقل بقبح التكليف بما لا يطاق وهو منحصر في ما إذا كان الطلبان بحيث يقتضى كل واحد منهما سلب قدرة المكلف عن الإتيان بمقتضى الاخر لو أراد الإتيان بما يقتضيه اما لو كانا بحيث لا يوجب ذلك فلا مانع أصلا إذا عرفت المقدمات المذكورة.
فنقول لو امر الأمر بإيجاد فعل مقارنا لترك ضده الاخر فهذا الأمر باعث في نفس المأمور لو علم بتحقق ذلك الترك في الآن المتصل بالآن الذي هو فيه إذ لو صبر إلى ان يتحقق ذلك الترك لم يقع المأمور به بالعنوان الذي امر به وهو المقارنة فمحل تأثير هذا الأمر في نفس المأمور انما يكون مقارنا لوقوع الترك فيجب ان يؤثر في ذلك المحل بمقتضى المقدمة الأولى وهذا الأمر المبتني على ترك الضد لا يوجب التأثير في المتعلق مطلقا حتى يستلزم لا بدية المكلف من ترك الضد بحكم المقدمة الثانية والأمر المتعلق
بالضد الاخر الذي فرضناه مطلقا لا يقتضى إيجاد المتعلق في ظرف عدمه بحكم المقدمة الثالثة حتى يلزم منه وجود التكليف بالضدين في ظرف تحقق هذا الفرض بل الأمر بالأهم يقتضى عدم تحقق هذا الفرض والأمر بالمهم يقتضى إيجاده على تقدير تحقق الفرض ومن هنا يتضح عدم تحقق المانع العقلي في مثل هذين الأمرين لأن المانع كما عرفت ليس الا لزوم التكليف بما لا يطاق لأن ذلك انما يلزم من الخطابين لو كانا بحيث يلزم من امتثال كل منهما معصية الاخر وقد عرفت انه لا يلزم منهما فيما نحن فيه ذلك لأن المكلف لو امتثل الأمر بالأهم لم يعص الأمر الاخر الذي تعلق بالمهم انما ترتب على هذا الامتثال انتفاء ما كان شرطا للأمر بالمهم وقد عرفت ان عدم إتيان الواجب المشروط بترك شرطه ليس مخالفة للواجب والحاصل انه لا يقتضى وجود الخطابين بعث المكلف على الجمع بين الضدين.
ومما يدلك على هذا انه لو فرضنا محالا صدور الضدين من المكلف لم يقع
145

كلاهما على صفة المطلوبية بل المطلوب هو الأهم لا غير لعدم تحقق ما هو شرط لوجوب المهم فان قلت سلمنا إمكان الأمر بالضدين على نحو فرضته ولكن بم يستدل على الوقوع فيما إذا وجب الإزالة عن المسجد مطلقا وكان في وقت الصلاة فان حمل دليل الصلاة على الوجوب المعلق على ترك إزالة النجاسة يحتاج إلى دليل قلت المفروض ان المقتضى لوجوب الصلاة محقق بقول مطلق وليس المانع الا حكم العقل بعدم جواز التكليف بما لا يطاق وبعد ما علمنا عدم كون هذا النحو من التكليف تكليفا بما لا يطاق يجب بحكم العقل تأثير المقتضى هذا غاية ما يمكن ان يقال في المقام وعليك بالتأمل التام فإنه من مزال الإقدام.
حجة المانع ان الضدين مما لا يمكن إيجادهما في زمان واحد عقلا وجعلهما في
زمان واحد متعلقين للطلب المطلق تكليف بما لا يطاق وهاتان المقدمتان مما يقبل الإنكار انما الشأن بيان ان تعلق الطلبين بالضدين في زمان واحد ولو على نحو الترتب يرجع إلى الطلب المطلق بهذا والطلب المطلق بذاك في زمان واحد وبيانه ان الأمر بإيجاد الضد مع الأمر بإيجاد ضده الاخر لا يخلو من انه اما امر بإيجاده مطلقا في زمان الأمر بضده كذلك واما امر بإيجاده مشروطا بترك الاخر والثاني على قسمين لأنه اما ان يجعل الشرط هو الترك الخارجي للضد الاخر أو يجعل الشرط كون المكلف بحيث يترك في علم الله اما الأول فلا يلتزم به كل من أحال التكليف بما لا يطاق واما الأول من الأخيرين فلا مانع منه الا انه عليه لا يصير الأمر مطلقا الا بعد تحقق الترك ومضى زمانه وهذا وان كان صحيحا لكنه خارج عن فرض القائل بالترتب لأنه يدعى تحقق الأمرين في زمان واحد واما الأخير منهما فلازمه القول بإطلاق الأمر المتعلق بالمهم في ظرف تحقق شرطه والمفروض وجود الأمر بالأهم أيضا لأنه
146

مطلق ففي زمان تحقق شرط المهم يجتمع الأمران المتعلقان بالضدين وكل واحد منهما مطلق اما الأمر المتعلق بالأهم فواضح واما الأمر المتعلق بالمهم فلان الأمر المشروط بعد تحقق شرطه يصير مطلقا والجواب يظهر مما قدمناه في المقدمات وحاصله ان الأمر بالأهم مطلق والأمر بالمهم مشروط اما قولك بان الشرط اما هو الترك الخارجي أو العنوان المنتزع منه فنقول انه هو الترك الخارجي وقولك انه على هذا يلزم تأخر الطلب عن زمان الترك مدفوع بما عرفت من عدم لزوم اقتضاء الطلب المشروط إيجاد متعلقه بعد تحقق الشرط بل قد يقتضيه كذلك وقد يقتضى مقارنة الفعل للشرط كما عرفت ذلك كله مشروحا فان قلت سلمنا كون الشرط نفس الترك الخارجي للضد ولا يلزم من ذلك تأخر الطلب عن مضى زمان الترك ولكن نقول في ظرف فعلية الطلب المشروط اما تقول ببقاء الطلب المطلق أولا والثاني خلاف
الفرض والأول التزام بالأمر بما لا يطاق قلت نختار الشق الأول ولكن لا يقتضى الطلب الموجود ح الا عدم تحقق الترك الذي هو شرط لوجوب الاخر لا انه يقتضى إيجاد الفعل في ظرف تحقق هذا الترك كما أوضحناه في المقدمات فليتأمل في المقام فإنه مما ينبغي ان يصرف لأجله الليالي والأيام
147

المقصد الرابع
في جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه
وليعلم أولا ان النزاع المذكور انما يكون بعد فرض وجود المندوحة وتمكن المكلف من إيجاد عنوان المأمور به في غير مورد النهي والا فالمسلم عند الكل عدم الجواز لقبح التكليف بما لا يطاق
نعم ذهب المحقق القمي قده إلى التفصيل بين ما كان العجز مستندا إلى سوء اختيار المكلف وعدمه فخص القبح بالثاني ومن هنا حكم بان المتوسط في الأرض المغصوبة منهي عن الغصب فعلا ومأمور بالخروج كذلك ولكنك خبير بان هذا التفصيل يأبى عنه العقل بل لعل قبح التكليف بما لا يطاق مطلقا من البديهيات الأولية وكيف كان فقبل الشروع في المقصود ينبغي رسم أمور أحدها قد يتوهم ابتناء المسألة على كون متعلق التكاليف هو الطبيعة أو الفرد فينبغي التكلم في هذه المسألة على وجه الاختصار حذرا من فوت المهم والنظر فيها يقع في مقامات أحدها في تشخيص مرادهم والثاني في انه هل يبتنى النزاع في مسألتنا هذه عليها بمعنى انه لو أخذ بأحد طرفي النزاع فيها لزم الأخذ بأحد طرفي المسألة فيما نحن فيه أم لا والثالث في أدلة الطرفين اما المقام الأول فنقول يمكن ان يكون مرادهم انه بعد فرض لزوم اعتبار الوجود في متعلق الطلب فهل الوجود المعتبر هو وجود الطبيعة أو وجود الفرد ويمكن ان يكون
مرادهم انه بعد فرض اعتبار الوجود هل المعتبر اشخاص الوجودات الخاصة أو المعنى الواحد الجامع بين الوجودات اما المقام الثاني فالحق عدم ابتناء مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه
148

عليه إذ يمكن القول بان متعلق الأحكام هو الطبائع بكلا المعنيين اللذين احتملنا في مرادهم ومع ذلك يمنع جواز اجتماع الأمر والنهي اما لما ذكره صاحب الفصول قده من ان متعلق الطلب انما يكون الوجودات الخاصة لعدم جامع لها في البين واما لأنه على تقدير تعلق الطلب بالجامع يلزم سرايته إليها لمكان الاتحاد والعينية وكذلك يمكن القول بتعلق الطلب بالفرد بكلا الاحتمالين أيضا والالتزام بجواز الاجتماع لأن الفرد الموجود في الخارج يمكن تعريته في الذهن عن بعض الخصوصيات ومع ذلك لا يخرج عن كونه فردا مثلا الصلاة في الدار المغصوبة الموجودة بحركة واحدة شخصية لو لوحظت تلك الحركة الشخصية من حيث انها مصداق للصلاة وجود النظر عن كونها واقعة في الدار المغصوبة لم تخرج عن كونها حركة شخصية فالمجوز بعد اختياره ان متعلق التكاليف هو الافراد ان يقول ان هذه الحركة من حيث كونها مصداقا للصلاة محبوبة ومأمورها ومن حيث انها مصداق للغصب منهي عنها واما المقام الثالث فالذي يمكن ان يحتج به على كون متعلق التكاليف هو الافراد على المعنى الأول أمران أحدهما عدم كون الطبيعة موجودة في الخارج وانما الوجود مختص بأفرادها وليس لها حظ من الوجود بناء على عدم وجود الكلي الطبيعي في الخارج كما ذهب إليه بعضهم والثاني ان المقدور ليس الا الفرد ولا يمكن الطلب بغير المقدور اما الثاني فواضح واما الأول فلان الطبيعة مجردة عن الخصوصيات وانضمام الأمور الخارجية لا يمكن ان تتحقق في الخارج فلو أراد إيجادها فاللازم إيجاد الفرد مقدمة حتى
يتحقق الطبيعة في ضمنه والجواب عن الأول بالمنع عن الأصل المذكور أعني امتناع وجود الكلي الطبيعي في الخارج بل نقول عند التحقيق يمتنع إضافة الوجود في الخارج الا إليه بداهة ان الفرد المتشخص الموجود في الخارج الذي هو مجمع الحيثيات
149

والعناوين كالجسمية والحيوانية والناطقية وانه طويل أو قصير أو ذو لون كذا لو جرد النظر فيه عن هذه الحيثيات لم يبق شيء حتى يكون الوجود مضافا إليه فعلم ان فردية الفرد لا تتحقق الا بعد اجتماع هذه الحيثيات المتعددة في الوجود واما الجواب عن الثاني فبان الممتنع ما إذا قيدت الطبيعة بشرط عدم انضمامها بالخصوصيات واما إذا جردت عن هذه الاعتبار فلا إشكال في تعلق القدرة بها واما وجود الفرد فليس مقدمة لوجود الطبيعة لمكان اتحادهما في الخارج كما هو واضح حجة من يقول بان الطلب يتعلق بوجود الطبيعة ان الطلب يتوقف على تصور المحل والفرد لا يمكن ان يتصور الا بعد التحقق و ح غير قابل لتعلق الطلب به اما انه لا يمكن ان يتصور الفرد قبل تحققه فلان الصور الذهنية مأخوذة من الخارج فحيث لم يتحقق الفرد بعد في عالم الخارج لا يمكن ان يحيط به الذهن وينتقش فيه صورة فكلما يتصور ح لا يخرج عن كونه كليا غاية الأمر يمكن تقييده في الذهن بقيود عديدة حتى يصير منحصرا في فرد واحد ولكنه مع ذلك لا يخرج عن كونه كليا قابلا للصدق على كثيرين واما انه بعد تحققه غير قابل للطلب فواضح والجواب ان ما ذكرت من توقف الطلب على تصور المحل ان أردت لزوم تصوره تفصيلا فهذه المقدمة ممنوعة ولو أردت لزوم تصوره ولو بالوجه والعنوان الإجمالي فهو مسلم ولكن استحالة تصور الفرد قبل وقوعه وهذا النحو من التصور ممنوعة ضرورة إمكان تصور افراد الطبيعة بعنوان انها افراد لها والذي يمكن ان يحتج به لتعلق الطلب
بالفرد بالمعنى الثاني ان الوجودات بأسرها متباينات بمعنى انه ليس لها جامع واستدل القائل بتعلق الطلب بالطبيعة بالمعنى الثاني أيضا بوجهين أحدهما ان وجود الشخص لا يدخل في الذهن والا لانقلب خارجا والثاني ان إمكان تصور الوجود
150

الشخصي انما يكون بعد تحققه وفي ذلك الوقت لا يمكن تعلق الطلب به والجواب عن حجج الأولين منع عدم الجامع بين الوجودات كما ترى بالوجدان انه قد تتعلق الإرادة بإيجاد الماء لرفع العطش من دون مدخلية خصوصيات الوجود في الإرادة وستطلع على زيادة توضيح في ذلك إن شاء الله وعن حجج الآخرين اما عن الأول فبأنه لا يلزم من تعلق الطلب بالموجودات الشخصية كونها بوصف تحققها في الخارج متصورة في الذهن حتى يلزم الانقلاب بل يكفي انتقاش صورها في الذهن ويتعلق الطلب بهذه الصور الذهنية حاكية عن الخارجيات واما عن الثاني فبما عرفت مما سبق فلا نعيد الأمر الثاني ان الموجود الخارجي من أي طبيعة كان امر وحداني محدود بحد خاص سواء قلنا بأصالة الوجود أو أصالة الماهية غاية الأمر انه على الأول يكون الثاني منتزعا وعلى الثاني يكون الأول منتزعا نعم يمكن ان ينحل في الذهن إلى مهية ووجود وإضافة الوجود إلى الماهية فحينئذ لو قلنا بان الوحدة في الخارج مانعة عن اجتماع الأمر والنهي فاللازم ان نقول بالامتناع سواء قلنا بأصالة الوجود أو الماهية ولو قلنا بعدم كونها مانعة ويكفي تعدد المتعلق في الذهن فاللازم القول بالجواز سواء قلنا أيضا بأصالة الوجود أو الماهية الأمر الثالث ان الظاهر من العنوان الذي يجعلونه محلا للنزاع ان الخلاف في جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه ولا يخفى انه غير قابل للنزاع إذ من البديهيات التضاد بين الأحكام وملاكاتها انما النزاع في انه هل يلزم على القول ببقاء إطلاق دليل وجوب الصلاة مثلا بحاله وكذا إطلاق دليل الغصب في مورد اجتماعهما اجتماع الأمر والنهي في
شيء واحد حتى يجب عقلا تقييد أحدهما بغير مورد الاخر أو لا يلزم بل يمكن ان يتعقل للأمر محل وللنهي محل اخر ولو اجتمعا في مصداق واحد فهذا النزاع في الحقيقة راجع إلى الصغرى نظير النزاع في حجية المفاهيم. الأمر الرابع انه لا إشكال في خروج المتباينين عن محل النزاع بمعنى عدم
151

الإشكال في إمكان ان يتعلق الأمر بأحدهما والنهي بالاخر الأعلى تقدير التلازم بينهما في الوجود كما لا إشكال في خروج المتساويين في الصدق لما عرفت من اعتبار وجود المندوحة كما لا إشكال في دخول العامين من وجه في محل النزاع انما النزاع في ان العام المطلق والخاص أيضا يمكن ان يجري فيه النزاع المذكور أم لا قال المحقق القمي قده ان العام المطلق خارج عن محل النزاع بل هو مورد للنزاع في النهي في العبادات واعترض عليه المحقق الجليل صاحب الفصول قده بأنه ليس بين العامين من وجه والمطلق من حيث هاتين الجهتين فرق بل الملاك انه لو كان بين العنوان المأمور به والعنوان المنهي عنه مغايرة يجري فيه النزاع وان كان بينهما عموم مطلق كالحيوان والضاحك وان اتحد العنوانان وتغايرا ببعض القيود لم يجري النزاع فيهما وان كان بينهما عموم من وجه نحو صل الصبح ولا تصل في الأرض المغصوبة هذا ويشكل بأنه لو اكتفي العجوز بتغاير المفهومين ووجود المندوحة فلا فرق بين ان ان يكون بينهما عموم من وجه أو مطلقا وان يكون العنوان المأخوذ في النهي عين العنوان المأخوذ في الأمر مع زيادة قيد من القيود أو غيره ضرورة كون المفاهيم متعددة في الذهن في الجميع ولو لم يكتف بذلك فليس لتجويز الاجتماع في العامين من وجه أيضا مجال فاللازم على من يدعى الفرق بيان الفارق قال شيخنا المرتضى في التقريرات المنسوبة إليه بعد نقل كلام المحقق القمي وصاحب الفصول ما هذا لفظه أقول ان ظاهر هذه الكلمات يعطى انحصار الفرق بين المسألتين في
اختصاص إحداهما بمورد دون أختها وليس كذلك بل التحقيق ان المسؤول عنه في إحداهما غير مرتبط بالأخرى وتوضيحه ان المسؤول عنه في هذه المسألة هو إمكان اجتماع الطلبين فيما هو الجامع لتلك الماهية المطلوب فعلها والماهية المطلوب تركها من غير فرق في ذلك بين موارد الأمر والنهي فإنه كما يصح السؤال عن هذه القضية فيما إذا كان بين المتعلقين عموم
152

من وجه فكذا يصح فيما إذا كان عموم مطلق سواء كان من قبيل قولك صل ولا تصل في الدار المغصوبة أو لم يكن كذلك والمسؤول عنه في المسألة الآتية هو ان النهي المتعلق بشيء هل يستفاد منه ان ذلك الشيء مما لا يقع به الامتثال حيث ان المستفاد من إطلاق الأمر حصول الامتثال بأي فرد كان فالمطلوب فيها هو استعلام ان النهي المتعلق بفرد من افراد المأمور به هل يقتضى دفع ذلك الترخيص المستفاد من إطلاق الأمر أو لا ولا ريب ان هذه القضية كما يصح الاستفسار عنها فيما إذا كانا بين المتعلقين إطلاق وتقييد فكذلك يصح فيما إذا كان بينهما عموم من وجه كما إذا كان بينهما عموم مطلق وبالجملة فالظاهر ان اختلاف المورد لا يصير وجها لاختلاف المسألتين كما زعموا بل لا بد من اختلاف جهة الكلام انتهى موضع الحاجة من كلامه، قدس سره (1).
أقول والحق ان العنوانين لو كانا بحيث أخذ أحدهما في الاخر وكان بينهما عموم مطلق أيضا لا يطرق فيهما هذا النزاع وتوضيحه انه لا إشكال في تغاير المفاهيم بعضها مع الاخر في الذهن سواء كان بينها عموم مطلق أو من وجه أو غيرهما وسواء كان أحدهما مأخوذا في الاخر أم لا الا انه لا يمكن ان يقال فيهما إذا كان المفهومين عموم مطلق وكان أحدهما مشتملا على الاخر ان المطلق يقتضى الأمر والمقيد يقتضى النهي لأن معنى اقتضاء الإطلاق شيئا ليس الا اقتضاء نفس الطبيعة إذ لا يعقل الاقتضاء لصفة الإطلاق والمقيد ليس الا نفس تلك الطبيعة منضمة إلى بعض الاعتبارات ولو اقتضى المقيد شيئا منافيا للمطلق لزم ان
يقتضى نفس الطبيعة أمرين متنافيين وبعبارة أخرى بعد العلم بان صفة الإطلاق لا تقتضي تعلق الحب بالطبيعة فالمقتضى له نفسها وهي متحدة في عالم الذهن مع المقيد لأنها مقسم له وللمطلق فلو اقتضى المقيد الكراهة لزم ان يكون المحبوب والمبغوض

(1) مطارح الأنظار، الهداية الثانية من بحث اجتماع الامر والنهى، ص 128
153

شيئا واحدا حتى في الذهن وهذا غير معقول بخلاف مثل مفهوم الصلاة والغصب مثلا لعدم الاتحاد في الذهن أصلا (الأمر الخامس) قد يتراءى تهافت بين الكلمات حيث عنونوا مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي ومثلوا له بالعامين من وجه واختار جمع منهم الجواز وانه لا تعارض بين الأمر والنهي في مورد الاجتماع وفي باب تعارض الأدلة جعلوا أحد وجوه التعارض التعارض بالعموم من وجه وجعلوا علاج التعارض الأخذ بالأظهر إن كان في البين والا التوقف أو الرجوع إلى المرجحات السندية على الخلاف وكيف كان ما تمسك أحد لدفع المنافاة بجواز اجتماع الأمر والنهي والجواب ان النزاع في مسألتنا هذه مبنى على إحراز وجود الجهة والمناط في كلا العنوانين وان المناطين هل هما متكاسران عند العقل إذا اجتمع العنوانان في مورد واحد كما يقوله المانع أولا كما يقوله المجوز ولا إشكال في ان الحاكم في هذا المقام ليس الا العقل وباب تعارض الدليلين مبنى على وحدة المناط والملاك في الواقع ولكن لا يعلم ان الملاك الموجود في البين هل هو ملاك الأمر أو النهي مثلا فلا بد ان يستكشف ذلك من الشارع بواسطة الأظهرية ان كان أحد الدليلين أظهر والا التوقف أو الرجوع إلى المرجحات السندية حسبما قرر في محله نعم يبقى سؤال ان طريق استكشاف ما هو من قبيل الأول وما هو من قبيل الثاني ما ذا وهذا خارج عن المقام إذا عرفت ذلك فلنشرع فيما هو المقصود
من ذكر حجج المجوزين والمانعين
فنقول وعلى الله التوكل أحسن ما قيل في تقريب احتجاج المجوزين هو ان المقتضى
موجود والمانع مفقود اما الأول فلما عرفت من ان فرض الكلام ليس الا فيما يكون المقتضى موجودا واما الثاني فلان المانع ليس الا ما تخيله الخصم من لزوم اجتماع المتضادين من الحكمين والحب والبغض والمصلحة والمفسدة في شيء واحد وليس كما زعمه وتوضيحه يحتاج إلى مقدمة وهي ان الاعراض على ثلاثة أقسام
154

(منها) ما يكون عروضه واتصاف المحل به في الخارج كالحرارة العارضة للنار والبرودة العارضة للماء وأمثالهما من الاعراض القائمة بالمحال في الخارج ومنها ما يكون عروضه في الذهن واتصاف المحل به في الخارج (1) كالأبوة والبنوة والفوقية والتحتية وأمثالها (ومنها) ما يكون عروضه في الذهن واتصاف المحل به فيه أيضا كالكلية العارضة للإنسان حيث ان الإنسان لا يصير متصفا بالكلية في الخارج قطعا فالعروض في الذهن لأن الكلية انما تنتزع من الماهية المتصورة في الذهن واتصاف الماهية بها أيضا فيه لأنها لا تقبل الكلية في الخارج فنقول حينئذ لا إشكال في ان عروض الطلب سواء كان امرا أم نهيا لمتعلقه ليس من قبيل الأول وإلا لزم ان لا يتعلق الا بعد وجود متعلقه كما ان الحرارة والبرودة لا تتحققان الا بعد تحقق النار
والماء فيلزم البعث على الفعل الحاصل والزجر عنه وهو غير معقول ولا من قبيل الثاني لأن متعلق الطلب إذا وجد في الخارج مسقط للطلب ومعدم له ولا يعقل ان يتصف في الخارج بما هو يعدم بسببه فانحصر الأمر في الثالث فيكون عروض الأمر والنهي لمتعلقاتهما كعروض الكلية للماهيات إذا عرفت ذلك فنقول ان طبيعة الصلاة والغصب وان كانتا موجودتين

(1) هذا القسم على حسب تسليم ما قرره أهل المعقول والا فما ذكره لا يخلو من إشكال من جهة ان الأبوة والبنوة والفوقية والتحية وأمثال ذلك أمور خارجية لها نفس أمرية وراء عالم الخيال ولها الصدق والكذب باعتبار المطابقة للواقع وعدمها و ح فان أراد أهل المعقول بعدم وجود هذه الأمور في الخارج عدم وجودها بحد مستقل كالجواهر فهو من البديهيات ولكن لا يلزم ان يكون كلما له نفس أمرية في الخارج من هذا القبيل وان أرادوا سلب الوجود عنها في الخارج رأسا وحصره في الذهن وعالم الخيال فيمكن دعوى القطع بخلافه للفرق الواضح بين هذه الأمور وبين ما يتخيله الإنسان مما لا واقع له وان كان له منشأ خارجي (منه).
155

بوجود واحد وهي الحركة الشخصية المتحققة في الدار المغصوبة الا انه ليس متعلق الأمر والنهي الطبائع الموجودة في الخارج لما عرفت من لزوم تحصيل الحاصل بل هي بوجوداتها الذهنية ولا شك ان طبيعة الصلاة في الذهن غير طبيعة الغصب كذلك فلا يلزم من وجود الأمر والنهي ح اجتماعهما في محل واحد فان قلت لا معنى لتعلق الطلب بالطبائع الموجودة في الذهن لأنها ان قيدت بما هي في ذهن الأمر فلا يتمكن المكلف من الامتثال وان قيدت بما هي في ذهن المأمور لزم حصول الامتثال بتصورها في الذهن ولا يجب إيجادها في الخارج وهو معلوم البطلان قلت نظير هذا الإشكال يجري في عروض الكلية للماهيات لأنه بعد ما فرضنا ان الماهية الخارجية لا تقبل ان تتصف بالكلية وكذا الماهية من حيث هي لأنها ليست الا هي فينحصر معروض الكلية في الماهية الموجودة في الذهن فيتوجه الإشكال بأنه كيف يمكن ان تتصف بالكلية مع انها من الجزئيات ولا تنطبق على الافراد الخارجية ضرورة اعتبار الاتحاد في الحمل ولا اتحاد بين الماهية المقيدة بالوجود الذهني وبين الافراد الخارجية وحل هذا الإشكال في كلا المقامين انه بعد ما فرضنا ان الماهية من حيث هي مع قطع النظر عن اعتبار الوجود ليست الا هي ولا تتصف بالكلية والجزئية ولا بشيء من الأشياء فلا بد من القول بان اتصافها بوصف من الأوصاف يتوقف على الوجود وذلك الوجود قد يكون وجودا خارجيا كما في اتصاف الماء والنار بالبرودة والحرارة وقد يكون وجودا
ذهنيا لكن لا من حيث ملاحظة كونه كذلك بل من حيث كونه حاكيا عن الخارج مثلا ماهية الإنسان تلاحظ في الذهن ويعتبر لها وجود مجرد عن الخصوصيات حاك عن الخارج فيحكم عليها بالكلية فمورد الكلية في نفس الأمر ليس الا الماهية الموجودة في الذهن لكن لا بملاحظة كونها كذلك بل باعتبار حكايتها عن
156

الخارج فنقول موضوع الكلية وموضوع التكاليف المتعلقة بالطبائع شيء واحد بمعنى ان الطبيعة بالاعتبار الذي صار مورد العروض وصف الكلية تكون موضوعة للتكاليف من دون تفاوت أصلا فان قلت سلمنا ذلك كله لكن مقتضى كون الوجود حاكيا عن الخارج بلحاظ المعتبر ان يحكم باتحاده مع الوجودات الخارجية فاللازم من تعلق إرادته بهذا الوجود السعي تعلقها أيضا بالوجودات الخارجية لمكان الاتحاد الذي يحكم به اللاحظ.
قلت الحكم باتحاد الوجود السعي مع الوجودات الخاصة في الخارج لا بد له من ملاحظة مغايرة بين الموضوع والمحمول حتى يجعل أحدهما موضوعا والاخر محمولا ولا ينافي ذلك الحكم بالاتحاد لأنه بنظر اخر وبعبارة أخرى لللاحظ ملاحظتان إحداهما تفصيلية والأخرى إجمالية فهو بالملاحظة الأولى يرى المغايرة بين الموضوع والمحمول ولذا يجعل أحدهما موضوعا والاخر
محمولا وبالملاحظة الثانية يرى الاتحاد فحينئذ لو عرض المحمول شيء في لحاظه التفصيلي فلا وجه لسريانه إلى الموضوع لمكان المغايرة في هذا اللحاظ وبهذا اندفع الإشكال عن المقام ونظائره مما لم تسر الأوصاف القائمة بالطبيعة إلى افرادها من قبيل الكلية العارضة للإنسان وكذا وصف التعدد العارض لوجود الإنسان بما هو وجود الإنسان مع ان الفرد ليس بكلى ولا متعدد وكذا الملكية العارضة للصاع الكلي الموجود في الصيعان الموجودة في الصبرة حيث
حكموا بان من اشترى صاعا من الصبرة الموجودة يصير مالكا للصاع الكلي بين الصيعان والخصوصيات ليست ملكا له وفرعوا على هذا لو تلف منها شيء فالتالف من مال البائع ما بقي مقدار ما اشترى المشتري فافهم واغتنم فان قلت كيف يمكن ان يكون هذا الوجود المجرد عن الخصوصيات محبوبا أو مبغوضا وليس له في الخارج عين ولا أثر لأن ما في الخارج ليس الا
157

الوجودات الخاصة ولا شبهة في ان المحبوب والمبغوض لا يمكن ان يكون الا من الأمور الخارجية لأن تعلق الحب والبغض بشيء ليس الا من جهة اشتماله على آثار توجب ملائمة طبع الأمر له أو منافرته عنه وليس في الخارج الا الوجودات الخاصة المباين بعضها مع بعض قلت ان أردت من عدم كون الوجود الجامع في الخارج عدمه مع وصف كونه جامعا ومتحدا مع كثيرين فهو حق لا شبهة فيه لأن الشيء مع وصف كونه جامعا لا يتحقق الا في الذهن وان أردت عدمه في الخارج أصلا فهو ممنوع بداهة ان العقل بعد ملاحظة الوجودات الشخصية التي تحويها طبيعة واحدة يجد حقيقة واحدة في تمام تلك الوجودات وأقوى ما يدل على ذلك الوجدان فانا نرى من أنفسنا تعلق الحب بشرب الماء مثلا من دون مدخلية الخصوصيات الخارجية في ذلك ولو لم تكن تلك الحقيقة في الخارج لما أمكن تعلق الحب بها والذي يدل على تحقق صرف الوجود في الخارج ملاحظة وحدة الأثر من افراد الطبيعة الواحدة ولو لم يكن ذلك الأثر الواحد من المؤثر الواحد لزم تأثر الواحد من المتعدد وهذا محال عقلا. فان قلت ما ذكرت انما يتم في الماهيات المتأصلة التي لها حظ من الوجود في الخارج كالإنسان ونحوه واما ما كان من العناوين المنتزعة من الوجودات الخارجية كالصلاة والغصب فلا يصح فيه ذلك لأن هذه العناوين ليس لها وجود في الخارج حتى
يجرد من الخصوصيات ويجعل موردا للتكاليف بل اللازم في أمثالها هو القول بان مورد التكاليف الوجود الخارجي الذي يكون منشأ لانتزاع تلك المفاهيم ولا ريب في وحدة الوجود الخارجي الذي يكون منشأ للانتزاع وبعبارة أخرى تعدد العناوين مفهوما لا يجدى لعدم الحقيقة لها الا في العقل وما يكون موردا للرجز والبعث ليس الا الوجود الخارجي الذي ينتزع منه هذه العناوين ولا شبهة في وحدته قلت بعد ما حققنا تحقق صرف الوجود في الخارج لا مجال لهذه الشبهة
158

لأن العناوين المنتزعة لا تنتزع الا من صرف الوجود من دون ملاحظة الخصوصيات مثلا مفهوم ضارب ينتزع من ملاحظة حقيقة وجود الإنسان واتصافه بحقيقة وجود المبدأ من دون دخل لخصوصيات افراد الإنسان أو كيفيات الضرب في ذلك إذا عرفت هذا فنقول مفهوم الغصب ينتزع من حقيقة التصرف في ملك الغير من دون مدخلية لخصوصيات المتصرف من كونه من الأفعال الصلاتية أو غيرها في ذلك ومفهوم الصلاة ينتزع من الحركات والأقوال الخاصة مع ملاحظة اتصافها ببعض الشرائط من دون مدخلية خصوصية وقوعها في محل خاص وقد عرفت مما قررنا سابقا قابلية ورود الأمر والنهي على الحقيقتين المتعددتين بملاحظة الوجود الذهني المتحدتين بملاحظة الوجود الخارجي وهنا نقول ان المفاهيم الانتزاعية وان كان حقيقة البعث أو الزجر المتعلق بها ظاهرا راجعا إلى ما يكون منشأ لانتزاعها لكن لما كان فيما نحن فيه منشأ انتزاع الصلاة والغصب متعددا لا بأس بورود الأمر والنهي وتعلقهما بما هو منشأ لانتزاعهما هذا غاية الكلام (1) في المقام وعليك بالتأمل التام فإنه من مزال الإقدام وينبغي التنبيه على أمور

(1) ان قلت: ما ذكرت في تقريب الجواز في اجتماع إرادة الأمر وكراهته آت بعينه في جانب الفاعل فما سر ما نشاهده من ان الفاعل مع ذلك لا يتمشى منه الحركة سمت ما كان متحدا مع المبغوض من افراد محبوبه بل ينصرف إرادته قهرا نحو سائر لافراد فقضية المقايسة بين إرادتي الأمر والفاعل ان نقول هنا أيضا بانصراف إرادة الأمر نحو سائر الافراد قلت سر ذلك ان دواعي الإرادة ومرجحات الخصوصية الفردية كليهما حاضرة في نفس المريد في طرف الفاعل ومتفرقة في جانب الأمر بدواعي الإرادة في نفس المريد ومرجحات الفرد في نفس المأمور وهو بسوء اختياره مختار الفرد المبغوض من الطبيعة التي أرادها مولاه (منه)
159

[في من توسط أرضا مغصوبة]
الأول: انه لا إشكال في ان من توسط أرضا مغصوبة لا مناص له من الغصب بمقدار زمن الخروج بأسرع وجه يتمكن منه لأنه في غيره يتحقق منه هذا المقدار مع الزائد وفيه يتحقق منه هذا المقدار ليس الا وهذا لا شبهة فيه انما الإشكال في ان الخروج من تلك الدار ما حكمه والمنقول فيه أقوال أحدها انه مأمور به ومنهي عنه وهذا القول محكي عن أبي هاشم واختاره الفاضل القمي قده ونسبه إلى أكثر أفاضل المتأخرين وظاهر الفقهاء وصحته تبتنى على أمرين أحدهما كفاية تعدد الجهة في تحقق الأمر والنهي مع كونهما متحدتين في الوجود الخارجي والثاني جواز التكليف فعلا بأمر غير مقدور إذا كان منشأ عدم القدرة سوء اختيار المكلف والأمر الأول قد فرغنا منه واخترنا صحته ولكن الثاني في غاية المنع بداهة قبح التكليف بما لا يقدر عليه لكونه لغوا وعبثا واما ما يقال من ان الامتناع أو الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار فهو في قبال استدلال الأشاعرة للقول بان الأفعال غير اختيارية بان الشيء ما لم يجب لم يوجد فكل ما تحققت علته يجب وجوده وكل ما لم يتحقق علته يستحيل وجوده وحاصل الجواب ان ما صار واجبا بسبب اختيار المكلف وكذا ما صار ممتنعا به لا يخرج عن كونه اختياريا له فيصح عليه العقاب لا ان المراد انه بعد ارتفاع القدرة يصح تكليفه بغير المقدور فعلا القول الثاني انه مأمور به مع جريان حكم المعصية عليه كما اختاره صاحب الفصول قده سره
القول الثالث انه مأمور به بدون ذلك
160

والحق ان يقال ان بنينا على كون الخروج مقدمة لترك الغصب الزائد فالأقوى هو القول الثاني سواء قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي أم لم نقل وان لم نقل بمقدمية الخروج بل قلنا بصرف الملازمة بين ترك الغصب الزائد والخروج كما هو الحق وقد مر برهانه في مبحث الضد فالأقوى انه ليس مأمورا به ولا منهيا عنه فعلا ولكن يجري عليه حكم المعصية لنا على الأول انه قبل الدخول ليس للخروج عنوان المقدمية ضرورة إمكان ترك الغصب بأنحائه ولا يتوقف ترك شيء منه على الخروج فيتعلق النهي بجميع مراتب الغصب من الدخول في الأرض المغصوبة والبقاء والخروج لكونه قادرا على جميعها ولكنه بعد الدخول فيها يضطر إلى ارتكاب الغصب مقدار الخروج فيسقط النهي عنه بهذا المقدار لكونه غير قادر فعلا على تركه والتكليف الفعلي قبيح بالنسبة إليه وهذا واضح ولكنه يعاقب عليه لكونه وقع هذا الغصب بسوء اختياره ولما توقف عليه بعد الدخول ترك الغصب الزائد كما هو المفروض وهذا الترك واجب بالفرض لكونه قادرا عليه فيتعلق به الوجوب بحكم العقل الحاكم بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب مقدمته فالخروج عن الدار المغصوبة منهي عنه قبل الدخول ولذا يعاقب عليه ومأمور به بعد الدخول لكونه بعده مقدمة للواجب المنجز الفعلي فان قلت ما ذكرت انما يناسب القول بكفاية تعدد الجهة في الأمر والنهي واما
على القول بعدمها فلا يصح لأن هذا الموجود الشخصي أعني الحركة الخروجية مبغوض فعلا وان سقط عنها النهي لمكان الاضطرار وكما ان الأمر والنهي لا يجتمعان في محل واحد كذلك الحب والبغض الفعليان ضرورة كونهما متضادين كالأمر والنهي قلت اجتماع البغض الذاتي مع الحب الفعلي مما لا ينكر الا ترى انه لو غرقت بنتك أو زوجتك ولم تقدر على إنقاذهما ترضى بان ينقذهما الأجنبي وتريد هذا الفعل منه مع كمال كراهتك إياه لذاته
161

فان قلت الكراهة في المثال الذي ذكرته ليست فعلية بخلاف المقام فان المفروض فعليتها فلا يجتمع مع الإرادة قلت ليت شعري ما المراد بعدم فعلية الكراهة في المثال وفعليتها في المقام ان كان المراد انه لا يشق عليه هذا الفعل الصادر من الأجنبي بل حاله حال الصورة التي يصدر هذا الفعل من نفسه بخلاف المقام فان الفعل يقع مبغوضا للأمر فالوجدان شاهد على خلافه ولا أظن أحد تخيله وان أراد به ان الفعل وان كان يقع في المثال مبغوضا ومكروها للشخص المفروض الا ان هذا البغض لا أثر له بمعنى انه لا يحدث في نفس الشخص المفروض إرادة ترك الفعل المفروض لأن تركه ينجر إلى هلاك النفس ومن هذه الجهة هذا البغض المفروض لا ينافي إرادة الفعل فهو صحيح ولكنه يجري بعينه في المقام فان الحركة الخروجية وان كانت مبغوضة حين الوقوع لكن هذا البغض لما لم يكن منشأ للأثر وموجبا لزجر الأمر عنها فلا ينافي إرادة فعلها لكونه فعلا مقدمة للواجب الفعلي ومحصل ما ذكرنا في المقام ان القائل بامتناع اجتماع الأمر
والنهي انما يقول بامتناع اجتماعها واجتماع ملاكيهما إذا كان كل واحد من الملاكين منشأ للأثر وموجبا لإحداث الإرادة في النفس واما إذا سقط جهة النهي عن الأثر كما هو المفروض
فلا يعقل ان يتخيل ان الجهة الساقطة عن الأثر تزاحم الجهة الموجودة المؤثرة في الأمر مثلا لو فرضنا ان المولى نهى عبده عن مطلق الكون في المكان الفلاني فأوقع نفسه في ذلك المكان بسوء اختياره ثم لم يمكنه الخروج من ذلك المكان أبدا فلا شك ان الأكوان الصادرة من العبد كلها تقع مبغوضة للمولى ويستحق عليها العقاب وان سقط عنها النهي لعدم تمكن العبد من الترك فعلا ثم انه لو فرضنا ان خياطة الثوب مطلوبة للمولى من حيث هي فهل تجد من نفسك ان تقول لا يمكن للمولى ان يأمره بخياطة الثوب في ذلك المكان لأن أنحاء التصرفات والأكوان المتحققة في ذلك المكان مبغوضة
162

للمولى ومنها الخياطة فلا يمكن ان يتعلق إرادته بما يبغضه وهل ترضى ان تقول ان المولى بعد عدم وصوله إلى الغرض الذي كان له في ترك الكون في ذلك المكان يرفع يده من الغرض الاخر من دون مزاحم أصلا وهل يرضى أحد ان يقول انه في المثال المذكور يكون أنحاء التصرفات في نظر المولى على حد سواء وبالجملة أظن ان هذا من الوضوح بمكان بحيث لا ينبغي ان يشتبه على أحد وان صدر خلافه عن بعض أساتيذ العصر دام بقائه فلا تغفل والحاصل ان جهة النهي انما تزاحم جهة الأمر إذا أمكن للمكلف بعث المكلف إلى ترك الفعل واما إذا لم يمكنه ذلك لكون الفعل صادرا قهرا من غير اختيار المكلف فلو وجدت فيه جهة الأمر ولم يأمر به لزم رفع اليد عن مطلوبه وغرضه من دون جهة ومزاحم هذا إذا اخترنا أول شقي الترديد وهو كون الخروج مقدمة لترك الغصب الزائد واما على ثانيهما فعدم كون الخروج موردا للحكم الشرعي واضح لعدم كونه مقدمة للواجب حتى يصير واجبا كما هو المفروض وعدم قدرة المكلف على ترك الغصب بمقدار الخروج حتى يصير حراما ولكن لو طبق تلك الحركة الخروجية على عبادة كان يصلى
في تلك الحالة نافلة بحيث لا يستلزم غصبا زائدا على المقدار المضطر إليه أو يصلى المكتوبة كذلك في ضيق الوقت كانت تلك العبادة صحيحة لما ذكرنا من الوجه وهو عدم قابلية الجهة الغير المؤثرة في نفس المريد للمزاحمة مع الجهة المؤثرة فان قلت هب صحة الأمر التوصلي في أمثال المقام ولكن نمنع صحة الأمر التعبدي والسر في ذلك ان الغرض في الأوامر التوصلية وقوع الفعل في الخارج كيف ما كان لترتب الغرض عليه وان اتحد مع مبغوض اخر واما الغرض في التعبديات فليس ذلك بل الغرض وقوع العبادة على وجه يحصل به القرب ولا يحصل القرب بما هو مبغوض فعلا لأنه موجب لاستحقاق العقوبة
163

والبعد عن ساحة المولى قلت بعد وجود جهة القرب في الفعل كما هو المفروض وعدم مزاحمة شيء للأمر كما عرفت لا وقع لهذا الإشكال لأنه لا نعنى بالقرب المعتبر في العبادات الا صيرورة العبد بتلك العبادة ذا مرتبة لم تكن له على تقدير عدمها ولا إشكال في ان العبد بعد اضطراره إلى مخالفة المولى بمقدار ساعة مثلا لو عمد إلى إتيان مقصود اخر له يكون أقرب إلى المولى بحكم العقل منه لو لم يفعل ذلك وهذا واضح جدا وعلى هذا نقول لا منافاة بين كون هذا الفعل موجبا للبعد والعقوبة من جهة اختياره السابق وموجبا للقرب إذا طبقه على عبادة من العبادات بمعنى انه في الحال التي يقع منه هذا المقدار من الغصب قطعا لو طبقه على عبادة من العبادات التي فيها جهة حسن أحسن من ان يوجده مبغوضا صرفا وهذا المقدار من القرب يكفي في العبادة. وبعبارة أخرى لو فرضنا عبدين أوقعا نفسهما في المكان الغصبي بسوء اختيارهما فاضطرا إلى ارتكاب الغصب بمقدار من الخروج فأوجد أحدهما في حال الخروج عملا راجحا في حد ذاته طلبا لمرضاة الله دون الاخر فالعبدان مشتركان في استحقاق العقاب على الدخول في المكان الغصبي والخروج ويختص الأول بما ليس للثاني ولا نعنى بالقرب الا هذا المعنى (1)

(1) فان قلت ما ذكرته من التقريب في حال الاضطرار جار بعينه في حال الاختيار أيضا بمعنى انا لو فرضنا عبدين مختارين في الغصب ولكن يختار أحدهما طلبا لمرضاة الله تعالى فعل الصلاة دون الاخر فهما مشتركان في معصية الغصب ويختص أحدهما بما ليس للآخر غاية الفرق بين الحالين انه في حال الاضطرار النهي ساقط فلا مانع من الأمر وفي حال الاختيار اما نقول بوجود الأمر مترتبا على عصيان النهي ان صححنا الترتب في مبحث الضد واما نقول بكفاية الجهة ان لم نصححه هناك قلت بعد ما فرضنا تعلق النهي بالفرد بتمام مشخصاته كما هو مبنى القائل بالامتناع فلا يبقى للأمر مجال وهل هو الا اجتماع الضدين في محل واحد واما وجود الجهة المحسنة فلا ينفع شيئا بعد فرض قيامها بالاختيار السوء المؤثر في بعد البعد عن ساحة المولى ولا يمكن ان يصير العبد باختيار واحد مبعدا ومقربا والحاصل ان الفرق بين الحالين عدم سقوط ملاك النهي عن التأثير فيه في إحداهما وسقوطه في الأخرى بواسطة لا بدية وقوع المتعلق ومجرد المبغوضية الساقطة عن الأثر لا تضاد الأمر والا لما اجتمعت مع الأمر في المثال المذكور في المتن أيضا ان قلت غائلة التضاد بين الأمر والنهي لا ترتفع بمجرد كون النهي قبل الدخول والأمر بعده لوحدة الموضوع وبقاء ملاك النهي وانما المجدي لرفع التضاد اختلاف زمان الموضوع ولو مع وحدة زمان الحكمين قلت ان أريد امتناع تعلق الأمر بذات الخروج من حيث هو مع قطع النظر عن جهة أخرى طارئة فهو حق لا محيص عنه وان أريد امتناعه ولو بملاحظة الجهة الطارية ففيه منع وأصح لأن المبغوضية الساقطة عن الأثر لا تمنع عن الأمر إذا وجد له جهة طارئة ثم انا قد حققنا عدم مقدمية فعل أحد الضدين لترك الاخر وعليه فلا وجه لتوهم المقدمية في المقام ولو فرض الغض عن ذلك وسلمنا المقدمية فلا إشكال في ان الخروج ليس مقدمة لترك الغصب الزائد والا لزم تحصيله ولو بتحصيل مقدمية طارئة عليه بعد الدخول و ح فلا مانع من الأمر المقدمي لكون هذه الجهة أيضا من الجهات الطارية (منه)
164

ومما ذكرنا يظهر ان الحكم بصحة العبادة المتحدة مع الحركات الخروجية لا يحتاج إلى إحراز ان في تلك العبادة مصلحة راجحة على مفسدة الغصب وانها أهم عند الشارع من ترك الغصب لأن ملاحظة الأهم وتقديمه على غيره انما يكون فيما إذا كان كل منهما تحت اختيار العبد فيجب عليه اختيار الأهم وترك غيره واما إذا لم يكن المكلف مختارا على ترك الغصب أصلا فلا يكون مجرد المفسدة الخالية عن الأثر مانعا للأمر بعنوان آخر متحد مع فعل الغصب وان كان ترك الغصب أهم من فعل ذلك بمراتب فلا تغفل
[العبادات المكروهة]
الأمر الثاني
ومما استدل به المجوزون انه لو لم يجز لما وقع نظيره وقد وقع
165

كما في العبادات المكروهة كالصلاة في الحمام ومواضع التهمة وأمثال ما ذكرنا مما لا يحصى بيان الملازمة انه ليس المانع الا التضاد بين الوجوب والحرمة وعدم كفاية تعدد الجهة مع وحدة الوجود في الخارج وهو موجود بعينه في اجتماع الوجوب مع الكراهة واجتماع الوجوب مع الاستحباب إذ الأحكام متضادة بأسرها والتالي باطل لوقوع الاجتماع في موارد كثيرة فيكشف عن بطلان المقدم وهو عدم جواز اجتماع الوجوب والحرمة وأجيب عنه بأجوبة كثيرة لا نطيل بذكرها والتحقيق في الجواب عن النقض بالعبادات المكروهة انها على ثلاثة أصناف أحدها ما تعلق النهي بعنوان آخر يكون بينه وبين العبادة عموم من وجه كالصلاة في موارد التهمة
بناء على ان يكون كراهتها من جهة النهي عن الكون فيها المجامع مع الصلاة والثاني ما تعلق النهي بتلك العبادة مع تقيدها بخصوصية وهو على قسمين أحدهما ما يكون للفرد المكروه بدل كالصلاة في الحمام والثاني ما ليس كذلك كالصوم يوم العاشوراء والنوافل المبتدئة في بعض الأوقات اما القسم الأول فمحصل الكلام فيه انه بعد دلالة الدليل على وجوب الصلاة من حيث هي أعني مع قطع النظر عن اجتماعها في الوجود مع الحرام التعييني أو مع المكروه كذلك فكما ان اللازم بحكم العقل عدم فعلية الأمر بالصلاة في صورة الاجتماع مع الحرام التعييني بناء على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي كذلك اللازم على هذا القول عدم فعلية وصف الكراهة في صورة الاجتماع مع العنوان المكروه والوجه في ذلك ان الحرمة التعيينية تقتضي عدم
166

وجود كل شخص من افراد الطبيعة المنهي عنها ومنها الفرد المجتمع مع عنوان الواجب والوجوب المتعلق بالطبيعة التي قد يتفق اجتماعها مع الحرام لا يقتضى خصوص ذلك الفرد المجتمع مع الحرام بل أي فرد وجد وطبقت عليه تلك الطبيعة يحصل الغرض الداعي إلى الأمر بها فعلى هذا مقتضى الجمع بين الغرضين ان يقيد الأمر مورد الأمر بغير الفرد الذي اجتمع مع الحرام ومن هنا ظهر ان تقيد عنوان المأمور به وإخراج الفرد المنهي عنه عن موضوع الوجوب لا يبتنى على إحراز ان مصلحة ترك الحرام أعظم وأهم عند الشارع من مصلحة إيجاد المأمور به لأن هذا الكلام انما يصح فيما إذا كان بينهما تزاحم بحيث لا يمكن الجمع بينهما واما بعد فرض إمكان الجمع بينهما كما فيما نحن فيه فالواجب يحكم العقل تقييد مورد الوجوب ولو كان من حيث المصلحة أهم وأعظم من ترك الحرام والحاصل انه إذا اجتمع عنوانان أحدهما فيه جهة الوجوب والاخر فيه جهة الحرمة والأولى تقتضي فرد اما والثانية ترك كل فرد تعيينا وقلنا بعدم
كفاية تعدد الجهة في تعلق الأمر والنهي فاللازم بحكم العقل تقييد مورد الوجوب وهذا لا شبهة فيه بعد أدنى تأمل واما إذا اجتمع عنوان الواجب مع المكروه فالامر بالعكس لأن جهة الكراهة وان كان تقتضي عدم تحقق كل فرد تعيينا بخلاف جهة الوجوب كما في الواجب والحرام الا ان الكراهة لما لم تكن مانعة للفعل على وجه اللزوم فلا تقاوم جهة الوجوب الملزمة للفعل فعلى هذا إذا اجتمع عنوان الواجب مع المكروه فاللازم بحكم العقل انتفاء وصف الكراهة فعلا ولكن لما كان الفرد الموجود الخارجي مشتملا على جهة الكراهة يوجد فيه حزازة فيكون امتثال الواجب في هذا الفرد أقل فضلا وثوابا من امتثاله في غيره لمكان تلك الحزازة فان قلت فما معنى الكراهة مع ان الفعل المفروض مصداق للواجب ويعتبر في صدق الكراهة رجحان الترك
167

قلت الأحكام الشرعية التي تدل عليها الأدلة على قسمين تارة يستظهر من الأدلة انها أحكام فعلية تعلقت بالموضوعات بملاحظة جميع الخصوصيات والضمائم وأخرى يستظهر منها أحكام حيثية
تعلقت بموضوعاتها من حيث هي أعني مع قطع النظر عن الضمائم الخارجية وما يكون من قبيل الثاني يتوقف فعليته على عدم عروض مانع للعنوان يقتضى خلاف ذلك الحكم الجاري عليه نظير قوله الغنم حلال فان الحلية وان كانت مجعولة الا ان هذا الجعل لا يلازم الفعلية في جميع افراد الغنم فان الغنم الموطوءة أو المغصوبة حرام مع كون الغنم من حيث الطبع حلالا وليس إطلاق الحلال على طبيعة الغنم مع كون بعض افرادها حراما جاريا على خلاف الاصطلاح بل يصح إطلاق الحلال بالمعنى المذكور على خصوص الفرد الحرام أيضا إذ المعنى ان هذا الفرد مع قطع النظر عن كونه مغصوبا مثلا حلال إذا عرفت ما ذكرنا فنقول إطلاق المكروه على الوجود الذي يكون فعلا مصداقا للواجب لاتحاده
معه نظير إطلاق الحلال على الفرد المجامع مع الحرام من الغنم بمعنى ان هذا الوجود مع قطع النظر عن اتحاده مع الواجب يكون مكروها هذا واما أول القسمين من الثاني أعني ما إذا تعلق النهي بالعبادة مع خصوصية زائدة كالصلاة في الحمام فمحصل الكلام فيه ان النهي المتعلق بتلك العبادة الخاصة لا بد وان يرجع إلى نفس الخصوصية أعني كونها في الحمام وقد مر بيانه في مقدمات المبحث فحينئذ نقول هذا النهي اما لبيان الكراهة الذاتية لهذه الخصوصية وان لم يكن وصف الكراهة الفعلية موجودا نظير ما قدمنا فيكون اللازم كون هذا الفرد أقل ثوابا من ساير الافراد وعلى هذا يكون هذا النهي مولويا يستفاد منه الكراهة الشرعية واما ان يحمل على الإرشاد وترغيب المكلف إلى إتيان فرد آخر من الطبيعة يكون خاليا عن المنقصة ويستكشف الكراهة الذاتية منه بطريق الآن
168

واما ثاني القسمين وهو ما إذا تعلق النهي بالعبادة ولا بدل لها كالصوم في يوم عاشوراء وأمثاله فيشكل الأمر فيه من حيث ان حمل النهي فيه على بيان الكراهة الذاتية مع الالتزام بكونه راجحا ومستحبا فعليا ينافي التزام الأئمة بتركه وأمرهم شيعتهم بالترك أيضا وحمله على الإرشاد يستلزم الإرشاد إلى ترك المستحب الفعلي من دون بدل والقول بكونه مكروها فعلا ينافي كونه عبادة والذي يمكن ان يقال في حل الإشكال أمران (أحدهما) ما أفاده سيدنا الأستاذ نور الله مضجعه وهو ان يقال برجحان الفعل من حيث انه عبادة ورجحان الترك من حيث انطباق عنوان راجح عليه ولكون رجحان الترك أشد من رجحان الفعل غلب جانب الكراهة وزال وصف الاستحباب ولكن الفعل لما كان مشتملا على الجهة الراجحة لو أتى به يكون عبادة إذ لا يشترط في صيرورة العمل عبادة وجود الأمر بل يكفي تحقق الجهة فيه على ما هو التحقيق فهذا الفعل مكروه فعلا لكون تركه أرجح من فعله وإذا أتى
به يقع عبادة لاشتماله على الجهة ويشكل بان العنوان الوجودي لا يمكن ان ينطبق على العدم لأن معنى الانطباق هو الاتحاد في الوجود الخارجي والعدم ليس له وجود (والثاني) ان يقال ان فعل الصوم راجح وتركه مرجوح وأرجح منه تحقق عنوان آخر لا يمكن ان يجتمع مع الصوم ويلازم عدمه ولما كان الشارع عالما بتلازم ذلك العنوان الأرجح مع عدم الصوم نهى عن الصوم للوصلة إلى ذلك العنوان فالنهي على هذا ليس الا للإرشاد ولا يكون للكراهة إذ مجرد كون الضد أرجح لا يوجب تعلق النهي بضده الاخر بناء على عدم كون ترك الضد مقدمة كما هو التحقيق ولعل السر في الاكتفاء بالنهي عن الصوم بدلا عن الأمر بذلك العنوان الأرجح عدم إمكان إظهار استحباب ذلك العنوان هذا ومما ذكرنا يظهر الجواب عن النقض بالواجبات التي تعرض عليها جهة
169

الاستحباب كالصلاة في المسجد ونحوها هذا تمام الكلام في المقام وعليك بالتأمل التام
[في تداخل الأسباب والمسببات]
ثم انه نسب إلى بعض ان اجزاء غسل واحد عن الجنابة والجمعة انما هو بواسطة اجتماع الواجب والمندوب في فرد واحد فيكون من موارد اجتماع حكمين متضادين ومثله ما عن البعض من عد مطلق تداخل الأسباب كما في منزوحات البئر ونحوها من هذا القبيل ولا بأس بتحقيق مسألة الأسباب والمسببات في الجملة ليعرف ان الاستدلال بما ذكر مما لا وجه له أقول إذا جعل الشارع طبيعة شيء سببا فلا يخلو هذا في نفس الأمر من وجوه - أحدها - ان يكون السبب صرف الوجود لتلك الطبيعة أعني حقيقته التي هي في مقابل العدم الكلي وكذلك المسبب مثل ان يقول إذا انتقض عدم النوم بالوجود يوجب انتقاض عدم الوضوء بالوجود «وثانيهما» ان يكون الطبيعة باعتبار مراتب الوجود
سببا لوجود طبيعة أخرى كذلك مثل قولك النار سبب للحرارة والمراد ان النار باعتبار مراتب الوجود سبب للحرارة كذلك بمعنى ان كل وجود ثبت للنار يؤثر في حرارة خاصة «وثالثها» ان يعتبر في طرف السبب صرف الوجود وفي طرف المسبب مراتبه (ورابعها) العكس لا إشكال في ما إذا ثبت أحد الوجوه لأنه على الأول لا يكون السبب ولا المسبب قابلا للتكرار بداهة ان ناقض العدم لا ينطبق الا على أول الوجودات ان وجدت مرتبة وعلى المجموع ان وجدت دفعة وعلى هذا لا يكون السبب الا واحدا وكذا المسبب كما انه على الثاني يتكرر السبب بتكرر السبب بلا
170

إشكال وعلى الثالث لا تؤثر الافراد الموجودة من طبيعة واحدة آثارا متعددة لأن المفروض وحدة السبب نعم لو اختلف السبب نوعا ووجد من كل من النوعين فرد يجب ان يتعدد المسبب لأن المفروض قابلية التعدد في طرف المسبب وعلى الرابع لا يتكرر المسبب وان تكرر السبب سواء كان التكرر من جهة فردين من طبيعة واحدة أم من طبيعتين مختلفين لعدم قابلية المسبب للتكرار ولا إشكال في شيء مما ذكرنا ظاهرا انما الإشكال في الاستظهار من القضايا الملقاة من الشارع وانها ظاهرة في أي شيء حتى يكون هو الأصل المعول عليه حتى يثبت خلافه والذي يظهر من مجموع الكلمات المتفرقة في مصنفات شيخنا العلامة المرتضى قده ان مقتضى إطلاق أدلة السببية كون كل واحد من افراد الطبيعة سواء وجدت دفعة أم بالتفاوت سببا مستقلا مثلا لو قال الشارع ان نمت فتوضأ فالنوم اللاحق إذا أثر في وضوء آخر فهو المطلوب واما إذا لم يؤثر فاللازم تقييد موضوع الشرط بالنوم الخاص وهو النوم الأول أو الغير المسبوق بمثله فان قلت ظاهر القضية وحدة المسبب وهو حقيقة الوضوء في القضية المفروضة فلم لا يكون هذا صارفا عن ظهور إطلاق السبب لو سلم مع انه لنا ان نمنع اقتضاء إطلاق
السببية كون كل فرد سببا مستقلا الا ترى انه لو جعلت الطبيعة معروضة للأمر لا يقتضى إطلاقها كون كل واحد من افرادها واجبا مستقلا وأي فرق بين كون الشيء معروضا للأمر وبين كونه معروضا للسببية قلت قد حقق في محله ان الألفاظ الدالة على المفاهيم لا تدل بحسب الوضع الأعلى الطبيعة المهملة المعراة عن اعتبار الإطلاق والتقييد والوجود والعدم لكنها بهذا النحو لا يمكن ان تكون معروضة لحكم من الأحكام فاللازم بحكم العقل اعتبار الوجود حتى يصح بهذا الاعتبار كونها موضوعة للحكم والوجود اللازم اعتباره بحكم العقل أعم من ان يكون وجودا خاصا مقيدا بقيد وجودي أو
171

عدمي أو كل واحد من الوجودات الخاصة أو صرف الوجود في مقابل العدم الكلي فلو دل دليل على اعتبار الوجود بوجه من الوجوه المذكورة فهو المتبع والا فاللازم هو الأخذ بصرف الوجود لأنه ثابت على كل حال وهو المتيقن إذا عرفت هذا فنقول السر في الأخذ بصرف الوجود في موضوع الأمر والاكتفاء في مقام الامتثال بفرد واحد هو كونه متيقنا وعدم دلالة دليل على أزيد منه فلو دل دليل على اعتبار أزيد فلا تعارض بينهما لما عرفت من ان الأخذ به هو من باب القدر المتيقن وعدم ما يبين الزائد و ح نقول لو قال الشارع إذا نمت فتوضأ فمقتضى الجزاء مع قطع النظر عن الشرط كون موضوع الأمر صرف الوجود لما عرفت آنفا ومقتضى السببية الفعلية المستفادة من القضية الشرطية كون كل فرد من افراد النوم سببا فعليا لأن الأسباب العادية والمؤثرات الخارجية تكون بهذه المثابة بمعنى ان كل طبيعة تكون في الخارج مؤثرة يؤثر كل فرد منها ومن هذه الجهة يحمل السببية المستفادة من القضية الملقاة من الشارع على ما هو المتعارف من الأسباب وبعبارة أخرى يفهم من القضية الشرطية أمران أحدهما يكون
مدلولا لأداة الشرط وهو العلية الفعلية لما جعل شرطا في القضية والثاني يكون مفهوما من القضية من جهة ما ارتكز في أذهان أهل العرف من الأمر المتعارف وهو كون كل وجود لهذا الشرط علة فعلية وعلى هذا فاللازم هو الحكم بتعدد التأثير عند تعدد تلك الافراد لأنه لو حكمنا به لم نرتكب خلافا لظاهر القضية لما عرفت من ان الأخذ بصرف الوجود في موضوع الأمر انما كان من جهة عدم البيان وهذا الظهور العرفي للقضية يصير بيانا له بخلاف ما لو حكمنا بعدم تعدد التأثير فإنه لا بد ح من التصرف اما في الظاهر المستفاد من أداة الشرط بحملها على إفادة كون تاليها مقتضيا لا علة تامة واما في الظاهر الاخر المستفاد من العرف من غير دليل فان قلت سلمنا ذلك كله ولكن المسبب ليس فعل المكلف حتى يقتضى تعدد افراد السبب الفعلي تعدده بل المسبب هو الوجوب ولا يقتضى تعدد أسباب
172

الوجوب تعدده بل يتأكد بتعدد أسبابه قلت ظاهر القضية ان السبب الشرعي يقتضى نفس الفعل وامر الشارع انما جاء من قبل هذا الاقتضاء بمعنى ان الشارع أمرنا بإعطاء كل ذي حق حقه فافهم فإنه دقيق فان قلت يمكن ان يكون السببان مؤثرين في عنوانين مجتمعين في فرد واحد فلا يقتضى تعدد السبب تعدد الوجود كما لو قال الأمر ان جاءك عالم فأكرمه وان جاءك هاشمي فأكرمه فجاءك عالم هاشمي فلا شبهة في انه لو أكرمت ذلك العالم الهاشمي امتثلت كلا من الأمرين قلت اما أولا فظاهر القضية وحدة عنوان المسبب ولا شك في انه مع وحدة عنوان المسبب لا يمكن القول بتعدد التأثير الا بالتزام تعدد الوجود لعدم معقولية تداخل الوجودين من طبيعة واحدة وثانيا نقول بعد الإغماض عن هذا الظهور لا أقل من الشك في ان المفهومين المتأثرين من السببين هل يجتمعان في مصداق واحد أولا ومقتضى
القاعدة الاشتغال لأن الاشتغال بالتكليفين ثابت ولا يعلم الفراغ الا من إيجادين هذا محصل ما استفدنا من كلمات شيخنا الأجل المرتضى قده مع تنقيح منا.
أقول: والتحقيق عندي ان القضايا الشرطية لا يستفاد منها كون الشرط أعني ما جعل تلو إن وأخواتها علة تامة بل انما يستفاد منها ان الجزاء يوجد في ظرف وجود الشرط مع ارتباط بين الشرط والجزاء على نحو الترتب سواء كان الشرط علة تامة للجزاء أم كان أحد اجزاء العلة التامة بعد الفراغ من باقيها وما قيل في بيان دلالة أدوات الشرط على كون تاليها أعني مدخولها علة تامة للجزاء مخدوش وسيأتي توضيح ذلك في بحث المفاهيم إن شاء الله.
إذا عرفت هذا
فنقول يكفي في صدق القضايا الشرطية المتعددة التي جزائها حقيقة واحدة تحقق تلك الحقيقة مرة واحدة ولو تعدد ما جعل شرطا في الخارج
173

وكذا في صورة تعدد افراد الطبيعة الواحدة التي جعلت شرطا نعم لو وجد الجزاء ثم تحقق فرد من افراد ما جعل شرطا يجب إتيان الجزاء ثانيا لأن مقتضى القضية الشرطية تحقق الجزاء في ظرف وجود الشرط فالفعل الموجود قبل تحقق الشرط لا يكفي ومما ذكرنا يظهر ان الأصل في باب الأسباب كفاية المسبب الواحد في صورة تعدد السبب وعدم تخلل المسبب واما في صورة التخلل فيجب الإتيان بفعل آخر للوجود اللاحق فتدبر جيدا هذا (1).

(1) هذا ما حققناه سابقا ولكن رجعنا عنه أخيرا واخترنا القول بعدم التداخل بتقريب ان الأسباب شرعية كانت أو غيرها انما تؤثر في حقيقة وجود المسببات وعنوان الصرفية والوحدة والتعدد عناوين منتزعة بعد تأثيرها بمعنى ان السبب الواحد يقتضى مسببا واحدا لا ان الوحدة مأخوذة في المسبب بل لوحدة السبب وكذا الحال في التعدد وعلى هذا فيزداد المسبب بازدياد السبب سواء كان السبب من جنس واحد أو من أجناس متعددة فان إطلاق دليل السببية يقضى بثبوتها لجميع الافراد.
وبالجملة بعد ما استفدنا من تالي ان وأخواتها السببية المطلقة وقلنا ان طبيعة الجزاء مأخوذة باعتبار حقيقة الوجود بلا أخذ قيد من كونه صرف الوجود أو قيد الوحدة ونحو ذلك الذي لازمه الصدق على جميع مراتب الوجود لم يبق محيص عن القول بعدم التداخل سواء وجد الأسباب دفعة أم على التعاقب فان المقتضى متعدد حسب ظاهر القضية وقابلية المحل قهرية مع كون الجزاء حقيقة الوجود والمانع مفروض العدم.
فان قلت هذا صحيح فيما إذا جعل الشارع طبيعة سببا لطبيعة أخرى واما إذا جعل شيئا سببا للأمر بطبيعة فلا بد من ملاحظة ان الطبيعة الواقعة تلو الأمر ملحوظة بلحاظ صرف الوجود أم بلحاظ حقيقة الوجود فعلى الأول لا محيص عن التداخل فان السبب وان كان متكررا وعلى حسب تكرره يتكرر الأمر لكن الطبيعة المأمور بها غير قابلة للتكرار.
قلت بعد الاعتراف بكون المسبب في سائر الأسباب حقيقة الوجود لا مجال لهذا السؤال فان الأمر أيضا من أحد الأسباب فيجري فيه الكلام المتقدم بعينه بمعنى ان الإرادة من أحد أسباب وجود المراد فالإرادة الواحدة تقتضي وجودا واحدا والوحدة غير جائية من تأثيرها بل منتزعة قهرا بعد تأثيرها وكذا التعدد ولازم ذلك ازدياد المراد بازدياد الإرادة ومن هنا يظهر.
انه لا فرق في لزوم القول: بعدم التداخل بين جعل الجزاء في القضايا الشرطية وجود فعل الجزاء أو وجوبه وان كان عبارة شيخنا المرتضى رحمه الله تعالى ظاهرة في الفرق بينهما ولا يتوهم تهافت ما هنا مع ما مر في مقدمات المبحث من عد الأمر من أقسام العرض فان ما هنا باعتبار الوجود الخارجي للمأمور به وما هناك باعتبار الوجود الذهني له (منه)
174

وأنت بعد الإحاطة بما ذكرنا تعرف ان استدلال المجوز باجتماع المثلين أو الضدين في باب الأسباب مما لا وجه له أصلا وتوضيحه انه في صورة تعدد الافراد من الطبيعة الواحدة ان قلنا بان السبب ليس الا صرف الوجود وكذا المسبب فلا يكون هناك الا سبب واحد ومسبب واحد وليس من مورد اجتماع المثلين أصلا وكذا ان قلنا بصرف الوجود في طرف المسبب
فقط أو السبب كذلك وان قلنا بكون السبب مراتب الوجود وكذلك المسبب فالأسباب متعددة وكذلك المسببات فلا اجتماع للمثلين أيضا وهكذا الأمر في صورة تعدد الفردين من طبيعتين لأنه ان جعلنا المسبب صرف الوجود فالواجب واحد بوجوب واحد وان جعلناه مراتب الوجود فالواجب متعدد بتعدد السبب والوجوب أيضا كذلك فلا اجتماع للمثلين أيضا واما قضية اجتماع الضدين كالوجوب والاستحباب في غسل الجمعة والجنابة فنقول ان قلنا بتعدد الحقيقة في الغسلين فلا يكون من مورد اجتماع الضدين لأنه على هذا يكون من قبيل وجوب إكرام العالم واستحباب إكرام الهاشمي وان قلنا بوحدتهما حقيقة فان بنينا على عدم كفاية غسل واحد عنهما فلا شبهة أيضا في عدم اجتماع الضدين وان بنينا على كفاية غسل واحد فالموجود في الخارج من قبيل الصلاة في المسجد في كونه مصداقا للواجب فقط مع أفضليته من ساير المصاديق من جهة اشتماله على جهة الوجوب وجهة الاستحباب هذا تمام الكلام في حجج المجوزين وقد عرفت ان أمتنها ما ذكر أولا
175

في بيان حجة المانع
اعلم ان أحسن ما قرر في هذا المقام ما أفاده شيخنا الأستاذ دام بقاؤه في فوائده ونحن نذكر عباراته لئلا يسقط شيء مما اراده قال بعد اختيار القول المشهور وهو الامتناع ما هذا لفظه وتحقيقه على وجه يتضح فساد ما قيل أو يمكن ان يقال للقول بالجواز من وجوه الاستدلال يتوقف على بيان أمور
أحدها انه لا إشكال في تضاد الأحكام الخمسة بأسرها في مقام فعليتها ومرتبة واقعيتها لا بوجوداتها الإنشائية من دون انقداح البعث والزجر والترخيص فعلا نحو ما أنشأ وجوبه أو حرمته أو ترخيصه فلا امتناع في اجتماع الإيجاب والتحريم في فعل واحد إنشاء من دون بعث نحوه وزجر عنه مع وضوح الامتناع معهما ومن هنا ظهر انه لا تزاحم بين الجهات المقتضية لها الا في مرتبة فعليتها وواقعيتها وانه يمكن إنشاء حكمين اقتضائيين لفعل واحد وان لم يمكن ان يصير فعليا الا أحدهما ومما ذكرنا ظهر ان تعلق الأمر والنهي الفعليين بشيء واحد محال ولا يتوقف امتناعه على استحالة التكليف بالمحال (ثانيها) انه لا ريب في ان متعلق الأحكام انما هو الأفعال بهويتها وحقيقتها لا بأسمائها وعناوينها المنتزعة عنها وانما يكون أخذ اسم أو عنوان خاص في متعلق الأمر والنهي لأجل تحديد ما يتعلق به أحدهما منها وتعيين مقداره فلا ينثلم وحدة المتعلق بحسب الهوية والحقيقة واقعا بتعدد الاسم أو العنوان ولا تعدده كذلك بوحدتهما فالحركة الخاصة الكذائية المحدودة بحدود معينة لا تتعدد إذا سميت باسمين أو انتزع عنها عنوانان من وجهين كما ان الحركتين الخاصتين اللتين تكون كل منهما محدودة بحدود معينة لا تصيران واحدا إذا سميتا باسم واحد وانتزع عنهما مفهوم واحد وهذا من أوائل البديهيات وبالجملة انما يتعلق الأحكام في الأدلة بالأسامي والعنوانات بما هي حاكية عن
176

المسميات والمعنونات وفانية فيها لا بما هي بنفسها ومن الواضح انه لا يتكثر المحكي والمرئي الواحد بتكثر الحاكي والمرآة ولا يتحد المتكثر بوحدتها (ثالثها) ان الطبيعتين اللتين يتعلق بإحداهما الأمر وبالأخرى النهي إذا تصادقتا في مورد يكشف عن انهما ليستا بحاكيتين عن هويتين وحقيقتين مطلقا بل في غير مورد التصادق والا يلزم
ان يكون له هويتان وماهيتان ولا يكون لوجود واحد الا ماهية وحقيقة واحدة ولا عن موجودين متغايرين في الخارج ولو كانا متحدين بحسب الحقيقة والماهية كالضرب الواقع في الخارج تارة ظلما وأخرى تأديبا الا في غير المورد وبالجملة تعدد الوجه واختلاف الجهة المأخوذ في أصل عنوان المسألة لا يجدى شيئا في مورد الاجتماع لا تعدده بحسب الحقيقة والماهية ولا بحسب الوجود في الخارج بل هو واحد ماهية ووجودا نعم يجدى تعدد ما يحكيه ويراه وهو لا يجدى مع وحدة المرئي والمحكي ذاتا ووجودا لما عرفت من ان متعلقات الأحكام نفس الأفعال الخاصة المسماة بأسماء أو المعنونات بعناوين متباينات أو متصادقات مطلقا أو في الجملة من غير تفاوت في ذلك بين القول بأصالة الوجود والقول بأصالة الماهية لوحدة المورد ماهية ووجودا واما الطبيعة المأمور بها والطبيعة المنهي عنها فان كان كل منها عنوانا للفعل الذي تعلق به الأمر والنهي فهما مفهومان اعتباريان انتزعا عن الفعل المعنون بهما ولو قلنا بأصالة الماهية والا فخصوص ما كان عنوانا منهما لبداهة اعتبارية المفاهيم التي ليست بإزائها شيء في الخارج ولا وجود لها الا بوجود ما انتزعت عنه ولا موطن لها الا الذهن واختصاص الأصالة على القول
بأصالة الماهية بالحقائق الخارجية التي يكون بإزائها شيء في الخارج ويكون لها موطنان الذهن والخارج غاية الأمر تلزمها الجزئية في الخارج ويعرضها الكلية تارة والجزئية أخرى في الذهن ومن هنا ظهر عدم ابتناء المسألة على القول بأصالة الوجود والماهية أصلا كما تخيله الفصول وان الأصيل في مورد الاجتماع واحد وجودا كان أو مهية
177

فظهر مما بيناه ان مورد الاجتماع لوحدته ذاتا ووجودا لما حقق في هذا الأمر وكونه بنفسه متعلقا للحكم واقعا وحقيقة وان أخذ في الدليل اسمه أو عنوانه لما حقق في سابقه لا يمكن ان يكون بالفعل واجبا وحراما يبعث نحوه ويزجر عنه فعلا
للتضاد بين الأحكام في هذا المقام وان لم يكن بينهما التضاد بحسب وجوداتها الإنشائية كما عرفت في الأمر الأول ولا يخفى ان تعلق الأحكام بالطبائع لا الافراد لا يرفع غائلة هذا التضاد في مورد الاجتماع فان غاية تقريبه ان يقال ان الطبائع من حيث هي وان كانت ليست الا هي ولا تصلح لأن يتعلق بها الأحكام الشرعية كالآثار العادية والعقلية الا انها مقيدة بالوجود بحيث كان الوجود خارجا والتقييد به داخلا صالحة لتعلق الأحكام بها ومن الواضح ان متعلقي الأمر والنهي على هذا ليسا بمتحدين أصلا لا في مقام تعلق البعث والزجر بهما ولا في مقام الامتثال لأحدهما وعصيان الاخر بإتيان المورد بسوء الاختيار اما في المقام الأول فلبداهة تعددهما ومباينة أحدهما عن الاخر بما هو متعلق الأمر أو النهي وان اتحدا فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك واما في المقام الثاني فلسقوط أحدهما بالإطاعة والاخر بالعصيان بمجرد الإتيان فأين اجتماعهما في واحد وانتزاع المأمور بهية والمنهي عنهية عنه انما هو لمجرد كونه مما ينطبق عليه ما امر به ونهى عنه من دون ان يتعلق به بنفسه البعث والزجر وهذا لا يجدى بعد ما عرفت بما لا مزيد عليه ان تعدد ما يؤخذ في دليلهما من الاسم أو العنوان لا يوجب تعدد ما هو المتعلق لهما في مورد الاجتماع لا مهية ولا وجودا بل الاسمان أو العنوانان حاكيان في هذا المورد عن واحد يكون متعلقا لهما حسب توسعة متعلقهما واقعا بحيث يعمانه وتوهم الجدوى في ذلك اما لتخيل ان تعدد العنوان حاك عن تعدد المحكي ماهية وذاتا مط ولو فيما اتحدا وجودا كما في مورد التصادق أو ان تعدده كاف بان يكون بنفسه متعلقا للبعث أو الزجر لا بما حاك وفان وقد عرفت بما لا مزيد عليه فسادهما
178

وان المورد الواحد واحد وجودا وماهية وان العنوان بما هو هو ليس الا امرا انتزاعيا
لا وجود له الا بوجود منشأ الانتزاع ولا واقعية له الا بواقعيته وليس ما يوجب البعث والطلب من الآثار المطلوبة والمبغوضة والصفات الحسنة والذميمة الا في المنشأ دونه فليس بما هو كذلك محكوما بالأمر أو النهي بل بما هو حاك فيكون المأمور به أو المنهي عنه هو المحكي وهذا فيما كان المأخوذ في الدليلين أو أحدهما من قبيل أسامي الماهيات أوضح من ان يخفى على عاقل فضلا عن فاضل هذا مضافا إلى ان هذا التقريب يقتضى الجواز مط ولو كان العنوانان متساويين لتعددهما في مقام البعث وسقوطهما بالإطاعة والعصيان بإتيان واحد من مصاديقهما ولا يقول به أيضا الا ان يدعى انه انما لا يقول به لأجل انه طلب المحال ح لا من أجل ان الطلب محال فتدبر جيدا ومما حققنا من كون العناوين بمعنوناتها تكون متعلقة للأحكام كما في الأسماء بلا إشكال ولا كلام ظهر ان غائلة التضاد في مورد الاجتماع في نفس الطلب على حالها سواء قلنا بتعلق الأحكام بالطبائع أو الافراد وقد عرفت بما لا مزيد عليه أو (1) بالاختلاف فإنه على هذا يكون افراد حقيقة واحدة متعلقة للبعثين إذ يكون الطبيعة المأمور بها على سعتها بحسب الوجود بحيث لا يشذ عنها فرد متعلقة للأمر وان كانت خصوصيات الافراد ومشخصاتها خارجة عنها بما هي مأمور بها ولازمة لهما وكان بعض ما يسعها من الافراد التي تكون بالفعل مبعوثا إليها حسب قضية البعث إليها على سعتها الذي لازمه عقلا التخيير فيها بما هي منهيا عنها فيكون هذا البعض بوجوده الشخصي بما هو وجود تلك الحقيقة والماهية من دون ملاحظة خصوصية مبعوثا إليه وبما هو وجودها مع ملاحظة الخصوصية ممنوعا فعلا وملاحظة الخصوصية وعدم ملاحظتها لا توجب تعدده

(1) لفظه: «او» ليست في نسخة الفوائد.
179

بل هو واحد حقيقة وماهية ووجودا كما لا يخفى على من له أدنى التفات انتهى كلامه (1)
أقول وأنت بعد الإحاطة بتمام ما قدمناه تعرف موارد الإشكال في كلامه فان ما أفاده في المقدمة الثانية من كون متعلق الأوامر والنواهي انما هي الأفعال بهوياتها وحقائقها غير معقول للزوم طلب الحاصل ان تعلق الطلب بنفس الحقيقة الخارجية ولا دفع لهذه الغائلة الا الالتزام بكون متعلق التكاليف صورا ذهنية من حيث حكايتها عن الخارج واما ما أفاده في طي كلماته من عدم تعلق التكاليف بالأسماء فهو من الواضحات ولا يتوهم أحد تعلق التكاليف بصرف الأسماء لأنها ليست الا ألفاظا كاشفة عن معاينها بل القائل يدعى تعلقها بالمفاهيم المتعلقة في الذهن باعتبار حكايتها عن الخارج كما حققنا واما ما أفاده في المقدمة الثالثة من وحده مورد تصادق العناوين فان أراد عدم كونها موجودات متميزا بعضها من بعض في الخارج فهو من البديهيات وان أراد عدم تحقق لها في نفس الأمر بمعنى كونها صورا ذهنية لا واقعية لها فهو مقطوع البطلان ويكفي في تعلق التكاليف بتلك العناوين تحققها في نفس الأمر وبالجملة أظن ان التأمل التام فيما ذكرنا من دليل المجوزين يوجب القطع بصحة هذا القول فتدبر
[حكم العبادة المجمع للعنوانين على القول بالامتناع]
تذييل لا إشكال في بطلان العبادة على تقدير القول بعدم جواز الاجتماع (2) إذا علم حرمة الفرد المنطبق عليه عنوان العبادة وذلك حاصل من

(1) الفوائد «المطبوعة ضميمة تعليقة الفرائد» الفائدة الآخرة، ص 7 - 335.
(2) ويمكن ان يقال بصحة الصلاة في الدار المغصوبة على تقدير القول بعدم جواز الاجتماع أيضا بان لم يجعل الأكوان الخاصة بأنفسها اجزاء للصلاة بل الاجزاء الأوضاع والهيئات الحاصلة منها لأن الصلاة في الدار المغصوبة على هذا لا تكون من موارد الاجتماع (منه)
180

العلم بفردية هذا الموجود للعنوان المحرم والعلم بكون ذلك العنوان محرما أيضا ولو لم يكن له علم بالصغرى
أو بالكبرى فهل يحكم بصحة العبادة أو البطلان على القول المذكور تحقيق المقام ان الفرض المذكور تارة يتحقق بالنسيان لإحديهما وأخرى بالجهل وهو اما ان يكون بسيطا أو مركبا وجملة القول في المجموع انه لا يخلو محل الكلام من انه اما ان ورد فيه ترخيص من جانب الشارع أولا وعلى الثاني اما ان يكون المكلف معذورا بحكم العقل أولا (اما القسم الأول) فلا ينبغي الإشكال في صحة العبادة ضرورة عدم الفرق بين الترخيص والأمر فإذا صح الترخيص في ذلك المحل مع كونه في نفس الأمر محرما كذلك يصح الأمر لعدم الفرق بين الترخيص والأمر في كون كل واحد منهما ضدا للنهي وبعبارة أخرى اما ان يجمع بين النهي الواقعي والإباحة الظاهرية بحمل النهي الواقعي على النهي الشأني الذي لا ينافي جعل حكم فعلى على خلافه أو يقال بعدم التنافي بينهما لترتب موضوعها وعلى أي حال لا تفاوت بين الترخيص والأمر (1) وهذا واضح جدا

(1) هذا انما يتم بناء على القول بشأنية الحكم الواقعي عند اجتماعه مع الظاهري فان النهي الواقعي في مقامنا على هذا صار شأنيا بواسطة الترخيص الظاهري وحيث لا مضادة بين الأحكام الا في مرتبة الفعلية فلا مانع من التمسك بإطلاق الأمر بالأشخاص مثلا لصيرورة النهي شأنيا واما بناء على قول من يذهب إلى فعلية الحكم الواقعي المجامع مع الظاهري وانما يدفع محذور التضاد بالترتب فيشكل التمسك بإطلاق الأمر الأولى الوارد بالصلاة مثلا عند الشك في الغصب كما هو ظاهر العبارة وجه الإشكال ان النهي عن الغصب وان سقط عن الأثر بواسطة الشك فلا يلزم من توجه الأمر محذور التكليف بالمحال ولكن كيف يرتفع محذور التكليف المحال اللازم من اجتماعهما عند القائل بالامتناع وبعبارة أخرى متى يرى المولى ذات الغصب والصلاة لا يرى في نفسه الا النهي ويرفع اليد عن امره في هذا الموضوع الذي اجتمع فيه ذات الغصب والصلاة هذا ولكن الذي يسهل الخطب ان أوامر الصلاة ليست بأوامر فعلية ناظرة إلى حال طرو الغصب حتى يلزم الإشكال المذكور بل انما هي أوامر ذاتية تشريعية والأمر التشريعي إذا سقط النهي المزاحم له عن الأثر صار فعليا بحكم العقل (منه)
181

(واما القسم الثاني) فالأقرب فيه صحة العبادة أيضا لوجهين
أحدهما ان يقال ان الأمر وان امتنع تعلقه بهذا الفرد لكونه منهيا عنه في الواقع الا انه لا يتوقف صحة العبادة على الأمر بل يكفي فيها وجود الجهة كما مر في باب الضد ولا إشكال في وجود الجهة لأن النزاع مبنى على الفراغ منها فان قلت فعلى هذا ينبغي ان يحكم بالصحة في مورد العلم بالحرمة أيضا لأن الجهة موجودة فيه قلت الوجه في عدم الحكم بالصحة فيما إذا علم بالحرمة ان الجهة لا تؤثر في قرب الفاعل لوجود الجهة المبعدة بخلاف ما نحن فيه فان الجهة المقبحة لا تؤثر في البعد لمعذورية المكلف فلا مانع لإفادة الجهة المحسنة تأثيرها فان قلت ان الجهة المقبحة وان لم تؤثر في الفاعل الا انها منافية للجهة المحسنة في نفس الأمر ومزاحمة لها فلا يبقى للفعل الخارجي حسن في نفس الأمر حتى يتقرب به الفاعل في إتيانه قلت ليست الجهتان متضادتين من حيث ذاتهما الا ترى وجود الخاصية الموافقة للطبع والمنافرة له في شرب دواء خاص واحد بل التزاحم في رتبة تأثيرها كل منهما فيما تقتضيه من إرادة الشرب وعدمه وكذلك في مرحلة مدح العقلاء مرتكب ذلك الفعل
المشتمل على جهتين أو ذمهم إياه وكما ان الجهة الملائمة
182

للطبع لا تزاحم الجهة المنافرة له في الواقع كذلك الجهة الملائمة للقوة العاقلة والمنافرة لها وعلى هذا لو لم يؤثر الجهة المنافرة للعقل في استحقاق الفاعل للذم فلا مانع من تأثير الجهة الملائمة له في استحقاقه للمدح والوجه الثاني ان العناوين الطارية على التكاليف مما لا يشملها أدلتها يمكن ان تجعل موردا لحكم الاخر غير ما تعلق بنفس الواقع وبهذا يجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ومن العناوين الطارية على التكليف كون المكلف معذورا من ذلك التكليف المتوجه إليه واما القسم الثالث فالحق فيه بطلان العبادة فان الجهة المقبحة مؤثرة فعلا في تبعيد العبد عن ساحة المولى فلا يمكن ان يكون الجهة المحسنة مؤثرة في القرب وبه يعلم عدم إمكان تعلق الأمر به أيضا لأن العنوان الطاري لو كان بحيث لا يوجب عذبا للمكلف فحاله حال العلم بالحرمة فكما انه في مورد العلم بالحرمة لا يمكن بقاء الأمر وصحة العبادة كذلك في حال لا يعذر فيها عقلا فتأمل جيدا
[في النهي عن العبادة]
فصل هل النهي عن الشيء يقتضى فساده أو لا ولنقدم أمورا أحدها ان الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة ان المسؤول عنه في السابقة جواز بقاء الأمر والنهي فيما كان موردهما متحدا بحسب المصداق ومتعددا بالمفهوم وعدمه وفي هذه المسألة ملازمة النهي المتعلق بالشيء مع فساده قال المحقق القمي في بيان الفرق ان مورد المسألة السابقة هو ما كان بين المأمور به والمنهي عنه عموم من وجه
ومورد المسألة ما كان بينهما عموم مطلق ورد عليه في الفصول بان هذا الفرق ليس بسديد بل الفرق انه
183

إذا كان العنوانان بحيث لم يؤخذ أحدهما في الاخر فهو من المسألة السابقة سواء كان بينهما عموم من وجه أم مطلق الأول مثل صل ولا تغصب والثاني مثل جئني بحيوان ولا تجئني بضاحك وان كان أحد العنوانين مأخوذا في الاخر فهو من المسألة سواء كان بينهما عموم من وجه أم مط أيضا الأول مثل صل ولا تصل في الحمام والثاني مثل صل الصبح ولا تصل في الحمام أقول ان كان مرادهما ان المسألتين متحدتان من جهة المسؤول عنه وليس الفرق بينهما الا في اختلاف المورد ففيه ان مجرد اختلاف المورد لا يوجب تعددهما وصيرورتهما مسألتين وان كان المراد بيان اختصاص كل من النزاعين بمورد بمعنى ان النزاع في المسألة السابقة له مورد خاص لا يجري فيه النزاع في هذه المسألة وبالعكس ففيه ان ما محضه كل من الفاضلين للنزاع الثاني يجري فيه النزاع الأول لأن جهة كلام المجوز في المسألة السابقة هي تعدد العنوان كما ان جهة كلام المانع هناك الاتحاد في الوجود وكلاهما متحققان فيما فرضه الفاضلان مختصا بهذه المسألة كما هو واضح نعم في مثل صل ولا تصل في الحمام لو أحرز ان النهي تعلق بالمقيد لا بخصوصية إيجاده في المكان الخاص لا يمكن فيه النزاع السابق والسر فيه ان المطلق والمقيد وان كانا متغايرين بحسب المفهوم الا ان تغاير الأول للثاني انما هو بملاحظة الإطلاق إذ لو جرد النظر عن ذلك يكون المقسم المتحد مع المطلق والمقيد في الذهن ولا إشكال في ان الجهة التي بها يغاير المقيد ويصير في قباله في الذهن وهي جهة الإطلاق لا دخل لها في المطلوبية لأن هذه الجهة عبارة عن عدم مدخلية شيء في المطلوب سوى أصل الطبيعة في الحقيقة جهة المطلوبية قائمة بأصل الحقيقة التي تكون مقسما بين المطلق والمقيد ومع كون
المطلوب ما ذكر يمتنع تعلق النهي بالمقيد لاتحاد مورد الأمر والنهي حتى في الذهن فليتدبر الثاني ان النزاع في المسألة يمكن ان يكون عقليا فقط ويمكن ان يرجع إلى اللفظ ويمكن ان لا يكون ممحضا في أحدهما اما الأول فبان يكون في
184

صحة العبادة بعد الفراغ عن كون النهي متعلقا بالخصوصية ووجود الجهة الموجبة للأمر في الطبيعة فيرجع محصل النزاع إلى ان وجود الجهة في الطبيعة يكفي في كونها عبادة ومحصلة للقرب وان كان المأتي به الفرد المشتمل على الخصوصية المبغوضة فعلا أولا واما الثاني فبان يكون النزاع في ان القضايا الدالة على حرمة عبادة خاصة بعد كون أصلها مأمورا بها هل تدل عرفا على فساد تلك العبادة أولا واما الثالث فبان يكون المدعى في هذه المسألة صحة العبادة وبطلانها سواء كان طريق الإثبات في ذلك اللفظ أم العقل والظاهر كون النزاع هنا راجعا إلى المسألة العقلية كالسابقة والدليل على ذلك انهم يعنونون النهي في العبادات ويتمسك القائل بالبطلان بعدم إمكان صيرورة المبغوض عبادة وهذا يكشف عن ان مورد الكلام ما إذا فهم ثبوت المقتضى للطبيعة وانما النزاع في ان اتحادها مع المبغوض هل هو مانع من القرب أو لا ولو كان النزاع راجعا إلى اللفظ ما احتاج المانع إلى هذا الكلام ولا اختص ما ادعاه بالعبادة إذ كما يمكن ان يدعى ان النواهي الواردة في العبادة تدل على الفساد كذلك يمكن ان يدعى ان النواهي الواردة في المعاملات كذلك الثالث لا فرق بين النهي النفسي والغيري (1) والأصلي والتبعي لوجود الملاك في الجميع نعم يختص النزاع بالنواهي التحريمية لعدم قابلية النهي التنزيهي الوارد على الخصوصية لإسقاط الأمر بالطبيعة (2) والوجه في ذلك ان

(1) لا وجه لجريان النزاع في النهي الغيري بعد ما هو المسلم فيما بينهم من ان الطلب الغيري لا يوجب موافقته قربا ولا مخالفته بعدا نعم الدخول فبما يعتقد مقدميته لمبغوض المولى وان لم يكن مقدمة واقعا أو لم نقل بالطلب الشرعي للمقدمة موجب للقبح الفاعلي وهو كاف في بطلان العبادة (منه)
(2) فيه ان النهي التنزيهي في هذا الباب حاله حال النهي التحريمي بعينه ولو قلنا بالفرق بينهما في الباب المتقدم توضيحه ان الأمر هناك كان متعلقا بالطبيعة المغايرة مع الطبيعة المتعلقة للنهي فلا محاله عند تصادق الطبيعة على فرد واحد يفترق الحال بين النهي التحريمي والتنزيهي وهذا بخلاف الحال في هذا المقام المفروض فيه تعلق النهي بعنوان العبادة كما في صل ولا تصل في الحمام ومن المعلوم عدم الفرق بين كون النهي تحريميا أو تنزيهيا في عدم تصوير اجتماعه مع الأمر للزوم اجتماع ضدين في شيء واحد من جهة واحدة وهو الطبيعة المهملة فلا بد في كليهما من تقييد مورد الأمر بغير مورد النهي نعم يبقى ملاك الأمر في كليهما صالحا لإسقاط الأمر في التوصليات واما في باب العبادة المطلوب فيها رجحان الفعل فلا يكفي مجرد الملاك مع مرجوحية للفعل ولو لم تعمل بحد المنع من النقيض هذا كله لو تعلق النهي بالخاص ولو فرض تعلقه بالخصوصية فلا فرق أيضا في إمكان حصول القرب بالطبيعة المتخصصة كما يأتي الإشارة إليه في الحاشية الآتية (منه)
185

الكراهة لعدم منعها من النقيض لا تمنع الوجوب المانع عنه فإذا اجتمعت جهة الوجوب مع الكراهة فلا بد من صيرورة الوجوب فعليا والكراهة شأنية فيكون الفرد المشتمل على الخصوصية الموجبة للكراهة مجزيا عن الواجب ولكنه أقل ثوابا من باقي الافراد وقد مر تفصيل ذلك في البحث السابق الرابع محل النزاع انما هو في غير النواهي المستفاد منها الوضع ابتداء كالنهي المتعلق بالصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه وأمثال ذلك لأن تلك النواهي تنبئ عن عدم المصلحة في العمل الخاص فلا يتطرق إليه احتمال الصحة بعد ذلك وليس الفساد مرتبا على النهي بل النهي جاء من قبل الفساد
الخامس لو شك في اقتضاء النهي للبطلان فلا إشكال في عدم وجود أصل في هذا العنوان يعين أحد طرفي الترديد فيجب الرجوع إلى القواعد الجارية في نفس المسألة الفرعية فنقول لو تعلق نهى بالصلاة في محل خاص مثلا وشككنا في إيجابه لبطلان العمل فلو أتى المكلف بتلك الصلاة المنهي عنها فهل الأصل يقتضى البطلان أو الصحة يمكن ابتناء ذلك على كون النزاع في المسألة لفظيا أو عقليا فعلى الأول يرجع الشك في المسألة إلى الشك في التقييد (1) فان القائل بان الخطاب المشتمل على النهي يدل على فساد العمل

(1) كونه راجعا إلى الشك في التقييد حتى يجري فيه البراءة على القول بها في الأقل والأكثر مبنى على ان يكون الترديد بين كون النهي تحريميا وضعيا أو تنزيهيا عباديا إرشادا إلى أفضل الافراد إذ لا يلزم من إجراء البراءة ح محذور واما لو فرض كونه مرددا بين التحريم النفسي أو التنزيهي بمعنى المرجوحية أو التحريم الوضعي فلا يمكن إجراء البراءة للقطع ببطلان العبادة مطلقا (منه)
186

عرفا يرجع قوله إلى دعوى ان مورد الوجوب مقيد بغير الخصوصية المنهي عنها فالصلاة المأتي بها في محل ورد النهي عن إتيانها فيه باطلة لفقدان الشرط الشرعي على مذهب هذا القائل فلو شك في ذلك يرجع الشك إلى ان المأمور به هل هو مقيد شرعا بان لا يؤتى به في المحل المخصوص أو لا وعلى الثاني أعني على تقدير كون النزاع عقليا فمقتضى الأصل فساد العمل لأن المأمور به معلوم من حيث القيود والشروط بحيث لو كان توصليا لكان مجزيا وانما الشك في ان القرب المعتبر في العبادات هل يحصل بإيجاد العمل في ضمن فرد محرم أولا ولا إشكال في لزوم الإتيان ثانيا حتى يقطع بفراغ ذمته إذا عرفت ذلك كله فنقول ان الأفعال المتعلقة للنهي على قسمين قسم اعتبر في صحته قصد القربة وهو الذي يسمى بالعبادة وقسم لم يعتبر فيه ذلك فان جعلنا النزاع في المقام راجعا إلى الأمر
العقلي وهو انه بعد الفراغ عن وجود الجهة في الطبيعة هل يقتضى مبغوضية إيجادها في ضمن خصوص فرد فساد العمل لو أتى به في الفرد المحرم أولا فالحق انه لا يقتضى الفساد مطلقا اما في العبادات فلان ما يتوهم كونه مانعا عن الصحة كون العمل مبغوضا فلا يحصل القرب المعتبر في العبادات به وفيه انه من الممكن ان يكون العمل المشتمل على الخصوصية موجبا للقرب من حيث ذات العمل وان كان إيجاده في تلك الخصوصية مبغوضا للمولى وبعبارة أخرى فكما ان قلنا في مسألة اجتماع الأمر والنهي بإمكان ان يتحد العنوان المبغوض مع العنوان المقرب كذلك هنا من دون تفاوت فان أصل الصلاة شيء وخصوصية إيقاعها
187

في مكان مخصوص مثلا شيء آخر مفهوما وان كانا متحدين في الخارج نعم لو تعلق النهي بنفس المقيد وهي الصلاة المخصوصة فلازمه الفساد من جهة عدم إمكان كون الطبيعة من دون تقييد ذات مصلحة توجب المطلوبية والطبيعة المقيدة بقيد خاص ذات مفسدة توجب المبغوضية والحاصل انه كلما تعلق النهي بأمر آخر يتحد مع الطبيعة المأمور بها فالصحة والفساد فيه يبتنيان على كفاية تعدد الجهة
في تعدد الأمر والنهي ولوازمها من القرب والبعد والإطاعة والعصيان والمثوبة والعقوبة (1) وحيث اخترنا كفاية تعدد الجهة في ذلك فالحق في المقام الصحة وكلما تعلق النهي بنفس المقيد لا يمكن كون الفعل صحيحا وان قلنا بكفاية تعدد الجهة فان الجهة الموجبة للمبغوضية ليست مباينة لأصل الطبيعة حتى في عالم الذهن فلا يمكن ان تكون مبغوضة ويكون أصل الطبيعة محبوبة من دون تقييد وبعبارة

(1) فيه ان الجهتين المتغايرتين مفهوما المتحدتين وجودا في باب الاجتماع كان اتحادهما مصححا للحمل فلهذا وقع اجتماع الأمر والنهي في مورد تصادقهما محلا للنزاع المتقدم واما إذا كان أحد المفهومين منطبقا على ذات الفعل والاخر كان من قبيل الخصوصية فمن الواضح عدم صحة حمل أحدهما على الاخر وان كان حد الواحد من الوجود محيطا بكليهما فالقائل بالامتناع في الفرض الأول لا يلزم ان يقول به في الثاني لعدم الاتحاد الحملي نعم حيث ان المتخصص والخصوصية متلازمان في الوجود لا يمكن اختلافهما في الحكم بان يتعلق الأمر بالذات مثلا والنهي بالخصوصية بناء على ما هو المفروض من سراية الأمر من الطبيعة إلى الافراد فلا بد من تقييد الأمر بغير هذا المورد ولكن هذا لا يوجب فساد العبادة لقيام الملاك في ذات الفعل فيكون الفاعل متقربا بنفس فعل الصلاة مثلا ومسخوطا عليه لوصف كينونته في الحمام.
فتحصل مما ذكرنا هنا وما ذكرنا في المتن انه متى تعلق النهي بالخصوصية فالحق صحة العبادة حتى على القول بالامتناع في المسألة السابقة ومتى تعلق بالخاص البطلان حتى على القول بالجواز هناك (منه)
188

أخرى لو بقيت المحبوبية التي هي ملاك الصحة في العبادة في المثال يلزم كون الشيء الواحد خارجا وجهه محبوبا ومبغوضا وهو مستحيل هذا حال العبادات واما غيرها فلا ينافي النهي فيها مع الصحة مطلقا لوضوح إمكان ان تكون الطبيعة مشتملة على غرض من أغراض الأمر مط فيحصل ذلك الغرض في الفرد المبغوض ولا نعنى بالصحة الا ذلك هذا في غير العقود والإيقاعات واما فيها فالنهي يدل على الصحة إذا تعلق بهما بلحاظ الآثار إذ لو لا ذلك لزم التكليف بالمحال كما هو واضح نعم لو تعلق بنفس الأسباب مع قطع النظر عن ترتب المسببات فليس النهي دليلا على الصحة ولكنه لا ينافيها أيضا لوضوح إمكان ترتب الآثار المتوقعة من تلك الأسباب على ما يكون مبغوضا منها نعم قد يستفاد من بعض النواهي ان ورودها إرشاد إلى فساد متعلقها وهذا لوجود قرائن في المقام ولولاه لزم حمله على ما هو ظاهر فيه من التحريم الغير المنافي للصحة بل موجب لها في بعض المقامات كما عرفت هذا
وقد يقال ان مقتضى القواعد وان كان كذلك الا ان في الاخبار ما يدل على ان التحريم ملازم للفساد شرعا (1) مثل ما رواه في الكافي الفقيه عن زرارة عن الباقر عليه السلام سأله عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذاك إلى سيده إنشاء أجازه وإنشاء فرق بينهما قلنا أصلحك الله تعالى ان حكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون ان أصل النكاح فاسد ولا يحل إجازة السيد له فقال أبو جعفر عليه السلام انه لم يعص الله وانما عصى سيده فإذا أجاز فهو له جائز (2) حيث انه يدل على انه لو كان النكاح

(1) وقد ادعى سيدنا الأستاذ طاب ثراه اتفاق العلماء أيضا على ان كل معاملة ورد النهي عنها بعنوانها فهي فاسدة ولعل منشأ هذا الإجماع مثل هذه الاخبار مع إمكان ان يقال بمنافاة النهي للرضي بوقوع الأثر بناء على مدخلية رضا الشارع في ترتب السبب (منه).
(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من ابواب نكاح العبيد والاماء، الحديث 1، الكافي ج 5 ص 478، باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه، الحديث 3. من لا يحضره الفقيه، باب طلاق العبد، الحديث 4.
189

محرما شرعا لبطل بل يشعر بان الملازمة بين المعصية والفساد من المسلمات بين الأصحاب وانما اشتبه من قال بفساد النكاح في الفرض من جهة تخيل ان التحريم المستلزم للفساد أعم من ان يكون متعلقا بعنوان المعاملة بأصل الشرع أو يكون من جهة وجوب متابعة السيد ويمكن ان يقال ليس المراد من المعصية في الرواية مخالفة النهي التحريمي بل مخالفة النهي الوضعي إذ من المتعارف إطلاق المعصية عرفا على عقد لم يشرعه الشارع ولم يمضه ومن المعلوم ان العصيان بهذا المعنى ملازم للفساد فتأمل (1).
[في المفاهيم]
فصل والمراد من المفهوم هو القضية الغير المذكورة التابعة للمذكورة لخصوصية مستفادة منها واعلم ان النزاع في باب المفاهيم راجع إلى الصغرى وان القضية الكذائية هل لها مفهوم أولا فلو أحرز المفهوم فلا إشكال في حجيته

(1) وجه التأمل ان كون عصيان السيد في مورد الرواية من جهة مخالفة النهي الوضعي وعدم الاذن لا ينافي شمولها لمخالفة النهي التكليفي بعد أشديتها من من الأولى في ملاك العصيان فان قلت كيف يتصور في مورد الرواية عصيان السيد إذ لو فرض نهى السيد سابقا على النكاح فهو مانع عن لحوق الإجازة وان لم يصدر عنه نهى بل كان مجرد عدم الاذن فلا موضوع للعصيان.
قلت: مقتضى وظيفة العبودية ان لا يتجاوز في افعاله خصوصا مثل النكاح عن اظهار الرضا من المولى ولا يكتفى بمجرد الرضا الباطني فلو تجاوز عن هذه الطريقة صح اطلاق العصيان عليه حينئذ وبذلك يصير محرما شرعيا بهذا العنوان الثانوي ويصححه لحوق الإجازة (منه).
190

[مفهوم الشرط]
ومن المفاهيم مفهوم الشرط واختلف في ان الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتقاد كما تدل على الثبوت عند الثبوت اما بالوضع واما بقرينة عامة يظهر منها ذلك بحيث لو أراد المتكلم غيره فلا بد له من إقامة قرينة خاصة أولا إذا عرفت هذا فنقول ما يحتمل ان يكون مدلولا للقضية أمور (أحدها) ان يكون مدلولها مجرد الثبوت عند الثبوت على أي نحو كان ولو من باب المقارنات الاتفاقية من دون دلالة على الارتباط واللزوم أصلا فضلا عن ان تكون دالة على الحصر (ثانيها) ان يكون مفادها ما ذكر مع زيادة ارتباط ولزوم بين المقدم والتالي بأي نحو من اللزوم سواء كان الأول علة للثاني أو الجزء الأخير لها أم كان الثاني علة للأول أم كانا معلولين لثالثة ونحو وذلك (ثالثها) ان يكون اللزوم المستفاد منها تأثير المقدم في الجزاء سواء كان علة تامة أم
كان أحدا اجزائها (رابعها) ذلك مع زيادة ان المقدم علة تامة للتالي (خامسها) أحد الأخيرين مع زيادة دلالتها على الحصر الإنصاف ان الاحتمال الأول ليس مفادا للقضية ولا يبعد دعوى ظهورها في ترتب التالي على المقدم واما كون المقدم من قبيل العلة المنحصرة أو جزئها المنحصر فلا نجزم به بعد مراجعة الوجدان مرارا أترى انه لو قال المتكلم ان جاءك زيد فأكرمه فسئل المخاطب ان لم يجئ ولكنه أكرمني هل أكرمه أولا فأجاب أكرمه هل يكون كلاما منافيا للظهور المنعقد لكلامه الأول لا أظنك تجزم بذلك بعد التأمل واما الأدلة التي يستدل بها في المقام فكلها مخدوش
191

(منها) ان القضية المشتملة على كلمة لو تدل على امتناع التالي لامتناع المقدم بالاتفاق وبشهادة التبادر والوجدان وليس ذلك الا لدلالتها على حصر العلة إذ لو لا ذلك فمجرد امتناع العلة التي جعلت مدخولة لكلمة لو لا يستلزم انتفاء المعلول فعلم ان كلمة لو تدل على ان مدخولها علة منحصرة للجزاء ومن البعيد التفكيك بينها وبين ساير أدوات الشرط وفيه انه من الممكن ان يقال ان امتناع التالي يستفاد من مفاد كلمة لو كامتناع المقدم في عرض واحد لا انه مستفاد من حصر العلة هذا مضافا إلى ان مجرد الاستبعاد لا يعد دليلا يعتمد عليه (1).
(ومنها) انه بعد فهم اللزوم بين المقدم والتالي يحمل على العلية المنحصرة لكونها أكمل افراد اللزوم وفيه أولا ان انحصار العلية في شيء لا يوجب أكمليتها إذ بعد كون شيء علة فوجود شيء آخر مثله في العلية لا يوجب نقصا فيه كما ان عدمه ليس كمالا له كما هو واضح وثانيا انصراف الشيء إلى الفرد الكامل ممنوع

(1) مع انه يمكن منع دلالته على الحصر ولو سلمنا دلالته على ترتب امتناع الشرط لإمكان ان يكون للجزاء أسباب متعددة وكانت كلها منتفية وانما أفرد بالذكر أحدهما للاستغناء عن ذكر الباقي ولهذا لو صرح في الكلام بذكر تلك الأسباب عقيب الكلام الأول لم يكن منافيا للظاهر كما إذا قال لو كان هذا إنسانا لكان
لكان حيوانا ثم قال ولو كان هذا فرسا لكان حيوانا نعم يبقى في البين كلام آخر مشترك بين لو وساير أدوات الشرط وهو ان ذكر خصوص شرط عقيب الأدوات ظاهر في انه لخصوصية مناط للجزاء لا بما يكون جامعا بينه وبين شيء آخر و ح فان كان شيء آخر مناطا أيضا يلزم خلاف القاعدة العقلية من استحالة تأثير المتعدد في الواحد والجواب ان اسناد المعلول إلى مصداق العلة شايع متعارف كما يقال النار علة للحرارة مع كون العلة هو الجامع بينها وبين الشمس (منه)
192

لأنه ليس منشأ للانصراف وهل ترى من نفسك ان الإنسان ينصرف إلى خاتم الأنبياء ص والحاصل ان ميزان الانصراف أنس اللفظ إلى معنى خاص بحيث يفهم العرف منه ذلك المعنى وأكملية الشيء لا ربط لها بهذا المقام (ومنها) ان اللزوم المستفاد من الجملة يحمل على العلية المنحصرة بمقدمات الحكمة كما ان الطلب يحمل على النفسي عند الإطلاق دون الغيري كما انه يحمل على التعييني دون التخييري وفيه أولا انه ليس حمل الطلب على النفسي والتعييني من جهة الإطلاق بل يحمل على النفسي عند الشك في كونه نفسيا أو غيريا وعلى التعييني عند الشك في كونه تعيينا أو تخييريا اما من جهة ظهوره عرفا فيها عند خلو اللفظ عما يدل على غيرهما واما من جهة ان الطلب المتعلق بشيء حجة عقلا على كونه واجبا نفسيا تعيينيا بمعنى انه لو كان كذلك في الواقع يصح العقوبة على مخالفته ولا يجوز عند العقل الإتيان بما يحتمل ان يكون بدلا له ولو سلم ان حمله عليهما انما يكون من جهة مقدمات الإطلاق فقياس ما نحن فيه عليه قياس مع الفارق فان حمل الطلب على النفسي والتعييني عند الإطلاق من جهة انهما قسمان من الطلب في قبال قسمين آخرين منه ولكل من الأقسام أثر خاص فلو لم يحمل على قسم خاص فلا بد
من الالتزام بالإهمال والمفروض كونه في مقام البيان فيجب ان يحمل على ما هو أخف مئونة من الأقسام والنفسي أخف مئونة من الغيري فان الغيري يحتاج إلى لحاظ الغير وكذا التعييني أخف مئونة من التخييري لأنه يحتاج إلى ذكر البدل وهذا بخلاف انحصار العلة فإنه عنوان منتزع من عدم علة أخرى ومن المعلوم ان وجود علة أخرى وعدمها ليسا موجبين لتفاوت العلة أصلا فلو أراد بيان الانحصار يحتاج إلى دال مستقل آخر كما انه لو أراد بيان عدمه يحتاج إلى مبين آخر فافهم ومما استدل به المثبتون إطلاق ترتب الجزاء على الشرط وتقريب
193

الاستدلال به ان مقتضى إطلاق ذلك ان يكون الجزاء مستندا إلى خصوص الشرط دائما سواء وجد شيء آخر سابقا عليه أو مقارنا له أم لا وهذا لا ينطبق الا على العلة المنحصرة فإنه لو
تعددت العلة فلو كانت سابقة على ما ذكر في القضية يكون الجزاء مستندا إليها وان كانت مقارنة له يكون الجزاء مستندا إلى مجموع العلتين والجواب انه لو تكرر المسبب بتعدد الأسباب فلا يلزم إهمال السبب أو استناد المسبب إلى مجموع السببين فيحفظ الإطلاق المستفاد من القضية وهو انه متى يوجد الشرط يترتب عليه الجزاء من دون لزوم القول بالحصر واما لو فرضنا الجزاء واحدا على كل حال فاللازم على تقدير تعدد الأسباب وان كان عدم ترتبه على الشرط أصلا أحيانا وعدم كونه مستقلا كذلك لكنك عرفت مما تقدم انا ما سلمنا دلالة القضية على كون الشرط علة تامة بل المقدار المسلم وقوع الجزاء عقيب الشرط مع ربط بينهما وتكفي في الربط كونه صالحا للتأثير فيه وان منع من تأثيره سبق علة أخرى ثم ان كل من استدل على ثبوت المفهوم بالإطلاق المستفاد من الحكمة فكلامه على فرض تماميته خارج من المدعى لأن المدعى ثبوت المفهوم للقضية الشرطية دائما وان القضية الشرطية تنحل
إلى عقد إيجابي وسلبي والإطلاق المستفاد من المقدمات ليس دائميا لأنه تابع لوجود المقدمات حجة المنكرين أمور (أحدها) ما استدل به السيد قده من ان تأثير الشرط هو تعليق الحكم به وليس يمتنع ان يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ولا يخرج عن كونه شرطا فان قوله تعالى فاستشهدوا شهيدين من رجالكم (1) يمنع من قبول الشاهد الواحد حتى ينضم إليه شاهد آخر فانضمام الثاني إلى الأول

(1) سورة البقرة، الآية 282.
194

شرط في القبول ثم علمنا ان ضم اليمين يقوم مقامه أيضا فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من ان تحصى مثل الشمس فان انتفائها لا يستلزم انتفاء الحرارة لاحتمال قيام النار مقامها والأمثلة لذلك كثيرة عقلا وشرعا انتهى والظاهر انه قده قد استظهر من كلام القائلين بالمفهوم ان ذلك من جهة الشرطية وان لازمها انتفاء المشروط بانتفاء الشرط فورود ما أفاده على هذا الكلام واضح لا إشكال فيه ولكن المدعين لم يتشبثوا بمجرد إطلاق الشرط بل يدعون ظهور الجملة في كون مدخول أداة الشرط علة منحصرة للجزاء فلا يصح التقابل معهم الا بنفي هذا الظهور (الثاني) انه لو دل لكان بإحدى الدلالات والملازمة كبطلان التالي واضحة وأجيب بمنع بطلان التالي (1) وان الالتزام ثابت وقد عرفت الكلام في ذلك (الثالث)
قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان أردن تحصنا (2).

(1) والحق في الجواب ان يقال بمنع بطلان التالي مرة وبمنع الملازمة أخرى توضيحه انا ان استندنا في إثبات المفهوم إلى دلالة الأدوات على الحصر منعنا بطلان التالي لأن حصر الشرطية في التالي يلزمه الانتفاء عند الانتفاء باللزوم البين بالمعنى الأخص الذي هو مناط الدلالة الالتزامية وان استندنا إلى ما أشرنا إليه في الحاشية السابقة من كون ذكر شرط خاص ظاهرا في كونه شرطا لخصوصية منعنا الملازمة بين ثبوت المفهوم وبين كونه بإحدى الدلالات الثلث لكفاية كونه بالدلالة العقلية وهي ثابتة فيما نحن فيه وان كانت الدلالة اللفظية غير ثابتة لأن الانتفاء عند الانتفاء ليس من اللوازم البينة بالمعنى الأخص للمعنى المذكور أعني كون الشرط سببا خاصا بخصوصيته بل يحتاج إلى ضم المقدمة العقلية أعني امتناع تأثير المتعدد في الواحد فيكون لازما بينا بالمعنى الأعم (منه)
(2) سورة النور، الآية 33.
195

وفيه ان القائل بالمفهوم يشترط ان لا يكون الشرط محققا للموضوع والشرط في القضية المذكورة محقق للموضوع فان الإكراه لا يتحقق الا مع إرادة التحصن هذا مضافا إلى ان استعمال القضية الشرطية فيما لا مفهوم له أحيانا مما لا ينكر انما الكلام في ظهورها فيما له المفهوم وضعا أو بقرينة عامة وعدمه والمدعى يقول بالأول ومجرد الاستعمال بقرائن خارجية في بعض المقامات لا ينافي دعواه وينبغي التنبيه على أمور أحدها المفهوم لو قلنا به هو انتفاء سنخ الحكم عن الموضوع المذكور في القضية في غير مورد الشرط لا شخصه ضرورة ان ارتفاع شخص الحكم بارتفاع بعض قيود الموضوع عقلي وهذا ليس من المفهوم المتنازع فيه وهكذا مفهوم الوصف وباقي المفاهيم التي وقعت موردا للنزاع فيكون مورد النزاع منحصرا فيما كان الحكم بسنخه قابلا للثبوت وعدمه في غير مورد الشرط ومن هنا ظهر انه ليس من باب المفهوم الحكم بالانتفاء عند الانتفاء في باب الوصايا والأوقاف ونظائرهما فإنه لو أوصى بثلث ماله مثلا للعلماء فمن كان خارجا عن العنوان لا يكون موردا لهذه الوصية قطعا ولا يمكن ان يكون المال بعد انتقاله إلى العلماء بموت الموصى وكونه ملكا لهم ما لا لغيره وهكذا حال الوقف وأمثاله فعدم كون المال لغير المتصف في مثال الوصية وكذا عدمه لغير المتصف بعنوان الموقوف عليه فيما لو وقف على عنوان خاص ليس من باب مفهوم اللفظ هذا وقد خالف فيما ذكرنا من ان المناط في باب المفهوم انتفاء سنخ الحكم بعض أساطين الفن وجعل المفهوم في قولنا أكرم زيدا ان جاءك انتفاء شخص الوجوب المتحقق في هذه القضية على تقدير انتفاء الشرط ولعل نظره إلى ان هيئة افعل موضوعة بالوضع العام والموضوع له الخاص بإزاء جزئيات
196

الطلب فما هو جزاء في القضية المذكورة هو الوجود الجزئي الشخصي المتعلق بإكرام زيد دون حقيقة الوجوب المتعلق بإكرام زيد ولم تحضرني عبارته حتى أتأمل في مراده قده أقول لو كان الوجه ما ذكرنا ففيه أولا ما عرفت في تحقيق معنى الحروف وانها موضوعة كأسماء الأجناس للمعنى العام ومستعملة فيه و ح لا مورد لهذا الكلام وثانيا ان الشرط في قولنا ان جاءك زيد فأكرمه يستدعى حقيقة ليجاب الإكرام لا الإيجاب الجزئي الشخصي المتحقق بجميع الخصوصيات إذ ليس لنا شرط في القضايا الشرطية يكون كذلك (1) غاية الأمر حقيقة الإيجاب لا تتحقق الا في ضمن الإيجاب الخاص ونسلم منك انه ليس لتلك الحقيقة لفظ موضوع ولكنا نفهم ان الإيجاب الجزئي المدلول عليه باللفظ الخاص ليس معلولا للشرط المذكور في القضية بل المعلول هو الحقيقة الموجودة في ضمنه وحينئذ فبعد فهم حصر السبب من القضية لازمه ارتفاع حقيقة وجوب إكرام زيد في مورد عدم الشرط الثاني لا بد في مفهوم القضية الشرطية على القول به من حفظ الموضوع مع تمام
ما اعتبر قيدا في الموضوع أو الشرط أو في طرف الجزاء وينحصر اختلافه مع المنطوق في أمرين أحدهما انتفاء الشرط في المفهوم وثبوته في المنطوق والثاني الحكم الثابت في المفهوم يكون نقيض ما ثبت في المنطوق فمفهوم قولك ان جاءك زيد راكبا يوم الجمعة فاضربه ضربا شديدا ان لم يجئك زيد راكبا يوم الجمعة فلا يجب عليك ان تضربه ضربا شديدا ومن الاعتبارات الراجعة إلى القضية الشرطية الكل المجموعي فلو قال

(1) كيف؟ ولو كان كذلك لجرى مثله في القضايا الإخبارية التعليقية كما في قولنا ان جاءك زيد يجيئني عمرو فلا يمكن ان يقال بنفي سنخ الاخبار لمجيء عمرو عن هذا المتكلم عند عدم مجيء زيد إذ المنفي نفس هذا الاخبار الجزئي المتخصص بخصوصيات الزمان والمكان وغيرهما ولعل له اخبارا جزئيا آخر على وجه الإطلاق وهو من الفساد بمكان (منه)
197

ان جاءك زيد فتصدق بكل مالك على نحو الكل المجموعي فمفهومه عدم وجوب التصدق بمجموع المال على تقدير عدم الشرط وهذا مما لا إشكال فيه (1) اما لو وقع العموم الاستغراقي في موضوع الجزاء فهل يقتضى القاعدة مراعاته في طرف المفهوم فيكون المفهوم من قولنا ان جاءك زيد فأكرم كل عالم على نحو الاستغراق الأفرادي عدم وجوب إكرام
الكل على تقدير عدم الشرط حتى لا ينافي وجوب إكرام البعض أو عدم مراعاته حتى يكون المفهوم من القضية المذكورة السالبة الكلية ومن هنا وقع النزاع بين إمامي الفن الشيخ محمد تقي وشيخنا المرتضى قدس سرهما في حديث إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء فادعى الأول بداهة ان المفهوم هو الإيجاب الكلي واستدل في الطهارة على ما هو ببالي (2) بان العموم لو حظ مرآة وآلة لملاحظة الافراد فكأنه لم

(1) لا يخفى انه لو قيل: بإفادة الأداة للعلية التامة مضافا إلى الانحصار الذي هو معنى أخذ المفهوم لزم في الكل المجموعي أيضا إذا أخذ في الجزاء كون المفهوم السالبة الكلية وارتفاع الكل بجميع اجزائه عند ارتفاع الشرط إذ لو بقي بعضها مستندا إلى شيء اخر لكان خلفا فيما فرضنا من كون الشرط قيام العلة المنحصرة للكل بجميع اجزائه إذ ح لا بد ان يكون هو العلة لكل واحد واحد من الاجزاء وللهيئة الاجتماعية من غير شركة شيء اخر معه في شيء منها ولكن الذي يسهل الخطب ان غاية ما يستفاد من تركيب اجزاء القضية الشرطية اللفظية ليس بأزيد من كون الشرط متى حصل في الخارج يترتب عليه بلا مهلة حصول الجزاء وهذا أعم من ان تكون تمام العلة أو جزء أخيرا منها و ح فان قلنا باستفادة الحصر كان ملحوظا بالنسبة إلى هذا المعنى (منه)
(2) واليك نص عبارته: «والقول باهماله [يعني اهمال المفهوم] ضعيف في الغاية، منشأه توهم كون كرية الماء علة لعدم تنجسه بجميع النجاسات، لا لعدم تنجسه بكل فرد، لكن ظاهر السياق، هو الثاني، فانتفاء الكرية يوجب تنجسه بكل فرد، لان النفي عن كل فرد يفرض من النجاسة إذا استند إلى الكرية انتفى بانتفائها، وليس هذا من قبيل إذا صحبت زيدا فلا تخف أحدا، لقيام القرينة في المثال». كتاب طهارة الشيخ الأنصاري، في البحث عن الماء المحقون، ص 11.
198

يذكر في القضية الا الأحكام الجزئية المتعلقة بالافراد فيكون تعليق هذا الحكم المنحل إلى أحكام جزئية عديدة على بلوغ الكرية منحلا إلى تعليقات عديدة ولازم حصر العلة كما هو المفروض انه في صورة انتفاء الكرية ينقلب كل نفى إلى الإثبات ويمكن ان يستدل لهذا المطلب بوجه اخر وهو انه بعد فرض حصر العلة في الكرية يلزم ان لا يكون لبعض افراد العام علة أخرى إذ لو كان لبعض الافراد علة أخرى يتحصل المجموع من علتين وهذا خلف ولازم ذلك في القضية المذكورة الإيجاب الكلي في صورة عدم الكرية وهذا واضح والحق ان القضية المذكورة وأمثالها ظاهرة في ان عمومها ملحوظ وان المفهوم في القضية المذكورة هو الإيجاب الجزئي والدليل على ذلك التبادر ولا ينافي دعوى التبادر المذكور ما تقدم سابقا من إنكار أصل المفهوم في القضايا الشرطية فان هذا التبادر المدعى هنا يكون في كيفيته مفهوم القضية وفائدته انه لو علمنا من الخارج ان القضية المشتملة على الكل الاستغراقي جيء بها لبيان المفهوم وبنينا على الأخذ بالمفهوم في قضية شخصية من جهة وجود القرائن الخارجية نأخذ به على نحو ما ذكرنا فلا تغفل
واما الاستدلال الأول فجوابه ان العموم وان لو حظ مرآة في الحكم الذي أسند إلى موضوعه الا انه لا منافاة بين هذا وبين ملاحظة هذا العموم الاستغراقي أمرا وحدانيا بملاحظة التعليق على الشرط (1) وهذا امر واضح لا يحتاج إمكانه في

(1) لا يقال: ملاحظة العموم في مقام اسناد الحكم مرآة وفي مقام التعليق موضوعا محتاجة إلى نظرة ثانية إلى وصف العموم والإشارة إليه بالمعنى الاسمي وهو خارج عن طريقة المحاورة المتعارفة قطعا لأنا نقول اما الاحتياج إلى النظرة الثانية فلا فرق فيه بين الإرجاع إلى الافراد أو إلى وصف العموم كيف والتعليق ربط والربط محتاج إلى لحاظ الطرفين واما لزوم الإشارة إلى العموم بالمعنى الاسمي فمحل إنكار جدا الإمكان الإشارة إليه مع حفظ كونه حرفيا ولعله لوضوحه غني عن البيان و ح فنقول بعد إمكان كل من الأمرين في مرحلة الثبوت فالميزان في مرحلة الإثبات هو التبادر والمدعى انه مع الإرجاع إلى العموم دون الآحاد كما يتضح ذلك بملاحظة الأمثلة العرفية (منه)
199

مرحلة الثبوت إلى مزيد برهان واما الدليل عليه في مرحلة الإثبات فهو التبادر فان مفهوم قولنا لو كان معك الأمير فلا تخف أحدا ليس انه في صورة عدم كون الأمير يجب الخوف من كل أحد
واما الاستدلال الثاني فهو مبنى على الالتزام بان تالي الأدوات علة وهذا غير مسلم حتى بناء على القول بالمفهوم إذ يكفي في المعنى المستفاد من تعليق الجزاء كون تالي الأدوات جزء أخيرا للعلة اما منحصرا بناء على القول بالمفهوم أو أعم من ذلك بناء على عدمه (الثالث) لو تعددت القضايا وكان الجزاء واحدا فلا يمكن الجمع بين مداليلها
الأولية ضرورة وقوع التعارض بين مفهوم كل منها مع منطوق الأخرى فلا بد من التصرف اما بتخصيص مفهوم كل منها بمنطوق الأخرى واما بحملها على بيان مجرد الوجود عند الوجود والفرق بينهما انه على الأول يؤخذ بالمفهوم في غير مورد المنطوق بخلاف الثاني واما بحمل الشرط في كل من القضايا على جزء السبب وأخذ المفهوم من المجموع واما بالالتزام بان المذكور في القضايا مصداق للسبب وما هو سبب هو الجامع بين ما ذكر ولعل الأظهر هو الوجه الثاني عرفا واما احتمال أخذ إحدى القضايا منطوقا ومفهوما فلا وجه له أصلا فإنه يوجب طرح غيرهما كما لا يخفى
في مفهوم الوصف
ومن جملة المفاهيم التي قد وقع النزاع في ثبوتها مفهوم الوصف والحق عدم
200

دلالة القضية المشتملة على ذكر الوصف على عدم سنخ الحكم في غير مورده لا وضعا ولا من جهة قرينة عامة والتحقيق عدم دلالتها على كون الوصف المذكور في القضية علة للحكم فضلا عن كونه علة منحصرة لاحتمال كون ذكره في القضية من جهة وجود مانع من تعلق الحكم بالمطلق في مرحلة الإثبات وان كان ثابتا له في مرحلة الثبوت أو لكون الاهتمام بشأنه أو لعدم احتياج غيره إلى الذكر وغير ذلك من النكات نعم قد يستظهر العلية من جهة المناسبة بين الحكم والموضوع كوجوب الإكرام المتعلق بالعالم أو وجوب التبين المتعلق بخبر الفاسق ولا فرق في ما ذكرنا بين الوصف المعتمد على الموصوف وغيره نعم لازم التقييد بالوصف عدم شمول الحكم في تلك القضية لغير مورد الوصف وهذا غير المفهوم المتنازع فيه كما عرفت ومن هنا يظهر ان بعض الكلمات الذي ينقل من الاعلام في الاستدلال على المقام ليس في محله مثل ما قيل انه لو لم يكن للوصف مفهوم لما صح القول بالتخصيص في مثل قولنا أكرم العلماء الطوال ولما صح حمل المطلق على المقيد
إذ لا تنافي بينهما الا من جهة دلالة المقيد على سلب الحكم من غيره إذ هذه الكلمات أجنبية عما نحن بصدده ضرورة ان نفي وجوب إكرام القصار ليس من جهة ان تقييد العلماء بالوصف دل على عدم الحكم في غير مورده حتى يكون من باب المفهوم بل من حيث ان وجوب الإكرام في غير المنصوص يحتاج إلى دليل والنص لا يشمله وكذا حمل المطلق على المقيد في مورد نقول به وهو في صورة إحراز وحدة التكليف المتعلق بهما وأظهرية دليل المقيد في اعتبار القيد من دليل المطلق في الإطلاق انما هو من جهة تضييق دائرة الحكم الثابت في القضية فكأنه من أول الأمر ورد الحكم على المقيد وأين هذا من المفهوم المدعى في المقام ونظير ما ذكر الاستدلال بقولهم الأصل في القيود ان تكون احترازية فإنه بعد تسليم ظهور كل قيد في ذلك يوجب تضييق دائرة الموضوع ولا يفيد
201

انتفاء سنخ الحكم من غير مورد القيد كما هو واضح ومما استدل به على مفهوم الوصف ان أبا عبيدة مع كونه من أهل اللسان الذين ينبغي الرجوع إليهم في تشخيص المعاني قد فهم من قوله عليه السلام لي الواجد يحل عقوبته (1) ان لي غيره لا يحل وفيه انه ليس أبو عبيدة وغيره بأولى منا في فهم هذا المعنى من القضية بعد القطع بوضع مفرداتها والقطع بعدم وضع اخر للمجموع وانما يفهم المفهوم من خصوص هذه القضية لأن الوصف المأخوذ فيها مناسب لعلية الحكم مع العلم بعدم علة أخرى كما لا يخفى تنبيهان الأول مما تقرر عند القائل بثبوت المفهوم للوصف انه يشترط ان لا يكون الوصف واردا مورد الغالب كما في قوله تعالى وربائبكم الآتي في حجوركم (2) ويمكن توجيهه بان المفهوم بعد غلبة وجوده في افراد ينصرف إليها ولا يحتاج في ذلك إلى ذكر القيد فذكر القيد وعدمه سيان فهو بمنزلة القيد المساوي وسيجئ خروجه عن
محل النزاع وفيه منع انصراف المفهوم إلى الافراد الغالبة فان ميزان الانصراف أنس اللفظ عرفا بالنسبة إلى المعنى الخاص (3) وليس دائرا مدار الغلبة في الوجود

(1) الوسائل ومستدركه، الباب 8 من أبواب الدين والقرض.
(2) سورة النساء، الآية 23.
(3) الأولى في الجواب ان يقال علي تقدير تسليم الانصراف لا بد من أخذ المفهوم من المطلق أيضا بملاحظة انصرافه إلى المقيد فان القيد المنصرف إليه بمنزلة المذكور نظير إضمار زيد في قولك دنف في جواب من قال كيف زيد إذ ليس المراد من الانصراف مجرد تطبيق المفهوم على مصداق خاص كيف وكثير اما لا ينطبق المفهوم في نظر المخاطب الا على الافراد الحاضرة عنده لكن مع بقاء دائرة المفهوم المنطبق على سعتها فميزان الانصراف ان يصير غلبة الوجود على حد كلما يذكر اللفظ كان في جنب مفهومه في ذهن كل من السامع والمتكلم مفهوم آخر مقدر كما أو تلفظ به فكما انه في صورة التلفظ القائل بالمفهوم يأخذ بالمفهوم فكذا الحال في صورة التقدير الحاصل من الانصراف فان قلت الانصراف موجب لتضييق دائرة المفهوم الأول بحيث يكون في البين مفهوم واحد مضيق لا ان هنا مفهومين أحدهما منضم إلى الاخر قلت كلا بل باب الانصراف باب تعدد الدال والمدلول فلهذا يكون اللفظ في فاقد القيد حقيقة بالوضع الأول (منه)
202

ويمكن ان يكون وجهه ان الورود مورد الغالب يخرج القيد عن اللغوية فلا يكون ح دليلا على إرادة المفهوم وفيه انه لو كان القول بالمفهوم من جهة الخروج عن اللغوية لما يصح القول به في كثير من الموارد لوجود احتمال نكتة في ذكر القيد وهذا في الحقيقة إنكار للمفهوم للقضية وإثبات لها في بعض المقامات لقرينة خاصة مع ان خروج القيد عن اللغوية يكفي فيه كونه دخيلا في الحكم ولا يدل على الانحصار حتى يلزم منه العدم عند العدم
(الثاني) محل النزاع في المقام ما لو كان هناك موضوع محفوظ في كلتا الحالين أعني حال وجود الوصف وعدمه فيدعى مدعى المفهوم دلالة القضية على عدم سنخ الحكم المتعلق بالموضوع المفروض فينحصر مورد النزاع فيما تخلف الموصوف عن الوصف وهو في الأوصاف التي تكون أخص من الموصوف أو أعم من وجه في مورد تخلف الموصوف كما أشرنا في المبحث السابق إلى ان الموارد التي يكون الشرط محققا للموضوع ليست محلا للبحث ففي مثل قولنا في الغنم السائمة زكاة لو قلنا بالمفهوم نقول بدلالته على نفي الزكاة في المعلوفة واما الإبل فان قلنا بان في سائمتها زكاة فمن جهة فهم المناط وان العلة لأصل الزكاة السوم فيجري المعلول في غير المذكور تبعا للعلة وان قلنا بدلالة القضية المذكورة على عدم الزكاة في معلوفة الإبل فمن جهة حصر مناط أصل الزكاة في السوم ولا دخل لشيء مما ذكر بمفهوم الوصف المدعى كما لا يخفى
203

[مفهوم الغاية]
ومن المفاهيم التي وقع الاختلاف فيها مفهوم الغاية والمنسوب إلى المشهور دلالة الغاية المذكورة في القضية على ارتفاع الحكم وإلى جماعة منهم الشيخ والسيد قدس سرهما عدم الدلالة والحق ان يقال ان الغاية بحسب القواعد العربية تارة تكون غاية للموضوع وأخرى تكون غاية للحكم (الأول) مثل سر من البصرة إلى الكوفة (والثاني) مثل اجلس من الصبح إلى الزوال ففي الأول حالها حال الوصف في عدم الدلالة وان كان تحديد الموضوع بها يوجب انتفاء الحكم المذكور في القضية عند حصولها لكن قد مر ان هذا ليس قولا بالمفهوم وفي الثاني الظاهر الدلالة فان الغاية
جعلت بحسب مدلول القضية غاية للحكم المستفاد من قوله اجلس وقد حققنا في محله ان مفاد الهيئة إنشاء حقيقة الطلب لا الطلب الجزئي الخارجي فيكون الغاية في القضية غاية لحقيقة الطلب المتعلق بالجلوس ولازم ذلك ارتفاع حقيقة الطلب عن الجلوس عند وجودها نعم لو قلنا ان مفاد الهيئة هو الطلب الجزئي الخارجي فالغاية لا تدل على ارتفاع سنخ الوجوب وبعبارة أخرى لا إشكال في ظهور قولنا اجلس من الصبح إلى الزوال في ان الزوال غاية للطلب المستفاد من قولنا اجلس فان جعلنا مفاد الهيئة حقيقة الطلب المتعلق بالجلوس فمقتضى جعل الغاية لها ارتفاعها عند تحقق الغاية وان جعلنا مفادها هو الطلب الجزئي فلازم ذلك ارتفاع ذلك الطلب الجزئي ولا ينافي وجود جزئي آخر بعد الغاية وحيث ان التحقيق هو الأول تكون القضية ظاهرة في ارتفاع سنخ الحكم عن الجلوس في المثال هذا (1)

(1) يمكن ان يقال بمنع المفهوم حتى فيما أخذ فيه الغاية قيد للحكم كما في اجلس من الصبح إلى الزوال لمساعدة الوجدان على انا لو قلنا بعد الكلام المذكور وان جاء زيد فاجلس من الزوال إلى الغروب فليس فيه مخالفه لظاهر الكلام الأول فهذا يكشف عن ان المغيا ليس سنخ الحكم من أي علة تحقق بل السنخ المعلول لعلة خاصة سواء كانت مذكورة كما في ان جاء زيد فاجلس من الصبح إلى الزوال أم كانت غير مذكورة فإنه مع عدم الذكر أيضا تكون لا محاله هنا علة يكون الحكم المذكور مسببا عنها (منه)
204

وفي المقام نزاع آخر وهو ان الغاية هل هي داخله في المعنى أو خارجه عنها والتحقيق في هذا المقام ان الغاية التي جعلت محلا للكلام في هذا النزاع لو كان المراد منها هو الغاية عقلا أعني انتهاء الشيء فهذا مبنى على بطلان الجزء الغير القابل
للتقسيم وصحته فان قلنا بالثاني فالغاية داخلة في المغيا يقينا فان انتهاء الشيء على هذا عبارة عن جزئه الأخير فكما ان باقي الاجزاء داخله في الشيء كذلك الجزء الأخير وان قلنا بالأول فالغاية غير داخله لأنها ح عبارة عن النقطة الموهومة التي لا وجود لها في الخارج وان كان محل النزاع هو مدخول حتى وإلى وان لم يكن غاية حقيقة فإنه قد يكون شيئا له اجزاء متصلة كالكوفة وقولنا سر من البصرة إلى الكوفة والليل في قولنا صم من الفجر إلى الليل فالحق التفصيل بين كون الغاية قيدا للفعل كالمثال الأول وبين كونها غاية للحكم كالمثال الثاني ففي الأول داخله في المغيا فان الظاهر من المثال المذكور دخول جزء من السير المتخصص بالكوفة في المطلوب كما ان الظاهر منه دخول السير المتخصص بالبصرة أيضا في المطلوب وفي الثاني خارجة عنه فان المفروض انها موجبة لرفع الحكم فلا يمكن بعثه إلى الفعل المتخصص بها كما لا يخفى
[مفهوم الاستثناء]
ومن جملة ما يستفاد منه الحصر الجملة الملحوقة بأداة الاستثناء ولا شبهه في انها تدل على اختصاص الحكم بالمستثنى منه وثبوت نقيضه للمستثنى ولذا
205

يكون الاستثناء من الإثبات نفيا ومن النفي إثباتا وذلك للانسباق والتبادر القطعي ونسب الخلاف إلى أبي حنيفة (1) ولعله يدعى ان الاستثناء لا يدل الا على ان المستثنى لا يكون مشمولا للحكم المنشأ في القضية واما ثبوت نقيضه له في الواقع فلا ويقرب هذا المدعى القول بان الإسناد انما
يكون بعد الإخراج إذ على هذا حاله حال التقييد وقد عرفت ان التقييد لا يدل الا على تضيق دائرة الموضوع في القضية وكيف كان يدل على خلاف ما ذهب إليه التبادر القطعي واحتج على مذهبه بقوله عليه السلام لا صلاة الا بطهور (2) إذ لو كان الاستثناء من النفي إثباتا للزم كفاية الطهور في صدق الصلاة وان كانت فاقدة لباقي الشرائط وفيه أولا ان الملحوظ في القضية هو المركب المشتمل على تمام ما اعتبر فيه سوى الطهور ونفيت حقيقة الصلاة أو هي بقيد التمام عنه الا في مورد تحقق الطهور وثانيا على فرض التجوز في مثل التركيب المزبور لا يضرنا بعد شهادة الوجدان القطعي على ما ادعينا ومما استدل به على ما ذكرنا من المعنى قبول رسول الله صلى الله عليه وآله إسلام من قال كلمة لا اله الا الله إذ لو لم يدل الاستثناء من النفي على الإثبات في المستثنى لما كانت هذه الكلمة بمدلولها دالة على الاعتراف بوجود الباري عز شأنه والقول بان هذه الدلالة في كل مورد كانت مستندة إلى قرينة خاصة بعيد غاية البعد بل المقطوع خلافه كالقطع بخلاف ان هذه الكلمة

(1) لا يخفى ان هنا مقامين أحدهما ان كلمة الا هل تدل على الإخراج وإثبات نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى أولا والثاني بعد دلالتها على الإخراج هل تدل على الحصر حتى يكون منشأ لأخذ المفهوم بالنسبة إلى غير المستثنى من سائر الافراد أولا وأبو حنيفة انما خالف في المقام الأول فعده من المخالفين في استفادة الحصر لا وجه له (منه)
(2) الوسائل، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 1 ج 1، ص 256.
206

كانت سببا لقبول الإسلام شرعا مع قطع النظر عن مدلولها هذا وهذا الاستدلال وان كان حسنا لكن لا يحتاج إليه بعد كون المعنى الذي ذكرنا متبادرا قطعيا من القضية وهنا إشكال آخر معروف وهو ان الخبر المقدر للفظة لاء النافية للجنس اما موجود واما ممكن وعلى أي حال لا يدل الاستثناء على التوحيد الذي هو عبارة عن الاعتقاد بوجود الباري ونفي إمكان الشريك له عز شأنه فإنه على الأول الاستثناء يدل على حصر وجود الآلهة في الباري جل وعلا ولا يدل على نفي إمكان الشريك له جل شأنه وعلى الثاني يدل على إثبات الإمكان لوجوده تعالى شأنه لا على
تعالى ولا يدفع هذا الإشكال جعل لا تامة غير محتاجة إلى الخبر فإنه على هذا أيضا تدل القضية على نفي الآلهة وإثبات الباري جل اسمه ولا تدل على عدم إمكان غيره ويمكن ان يجاب بان المراد بالإله المنفي هو خالق تمام الموجودات وبعد نفي هذا المعنى مطلقا وإثباته في الذات المقدمة يلزم ان يكون كل موجود سواه جل جلاله مخلوقا له ولا يمكن مع كونه مخلوقا ان يكون خالقا فحصر وجود الإله في الباري جل وعلا يدل بالالتزام البين على عدم إمكان غيره تعالى فافهم بقي هنا شيء وهو ان الدلالة التي أشرنا إليها هل هي داخلة في المنطوق أو المفهوم وهذا وان كان خاليا عن الفائدة إذ ليسا بعنوانهما موردا لحكم من الأحكام الا انه لا بأس بذكر ذلك فنقول قولنا أكرم العلماء الا زيدا يشتمل على عقد إيجابي وسلبي ودلالة العقد الإيجابي بعد خروج زيد على وجوب إكرام باقي العلماء دلالة المنطوق ودلالة العقد السلبي على إثبات نقيض ذلك الحكم في المستثنى دلالة المفهوم إذ هي لازمة لخروج المستثنى عن تحت الحكم المتعلق بالمستثنى منه كما ان دلالته على حصر مورد وجوب الإكرام في الباقي وحصر مورد نقيضه في المستثنى أيضا داخلة في المفهوم فان ذلك كله لازم المعنى المستفاد من أداة الاستثناء
207

بالمطابقة وهو خروج المستثنى عن تحت الحكم السابق على وجه الحصر وان جعلنا كلمة الا زيدا قرينة على إرادة وجوب إكرام الباقي على وجه الحصر من العقد الإيجابي فتكون دلالة العقد الإيجابي للقضية على حصر مورد وجوب الإكرام في الباقي داخلة في المنطوق ودلالته على ثبوت نقيضه للمستثنى داخلة في المفهوم المستفاد من حصر وجوب الإكرام في غيره ويحتمل بعيدا ان يكون الحصر مستفادا من تركيب العقد الإيجابي مع السلبي بمعنى ان حصر مورد وجوب الإكرام في
الباقي يستفاد من نفي وجوب إكرام زيد المستفاد من الاستثناء وكذا حصر مورد نفى الوجوب في زيد يستفاد من نفي وجوب إكرام باقي العلماء المستفاد من قوله أكرم كل عالم فتدبر ومن جملة ما ذكروه في عداد ما يفيد الحصر كلمة انما وقد أرسله النحاة إرسال المسلم في كلماتهم وقالوا ان ذلك أعني افادته الحصر جوز انفصال الضمير في مثل قول الفرزدق
انا الذائد الحامي الذمار وانما * يدافع عن أحسابهم انا أو مثلي
كما جاز في قولنا ما يدافع عن أحسابهم الا انا أو مثلي ونقل تصريح أهل اللغة أيضا بإفادته الحصر والإنصاف كما اعترف به في التقريرات عدم حصول الجزم بذلك اما أولا فلعدم وجود ما يرادفه في عرفنا حتى يستكشف الحال منه بمراجعة الوجدان واما ثانيا فنحن متى راجعنا مواقع استعمال هذه الكلمة في كلمات الفصحاء لم نجد موضعا الا ويمكن المناقشة في استفادة الحصر من هذه الكلمة لأجل قيام القرينة المقامية على الحصر أو غيرها من تقديم ما حقه التأخير أو غير ذلك بحيث لو حذف لفظة انما عن الكلام لدلت القرائن على الحصر أيضا ولذا يستفاد الحصر من قولنا يدافع عن أحسابهم انا أو مثلي بقرينة عطف أو مثلي وهذا هو المجوز لانفصال الضمير الا ترى انه لو فرض مورد خال عن جميع
208

تلك القران كما في قولك انما زيد قائم لا يفهم منه الحصر وانما المستفاد هو التأكيد واما إرساله في كلمات النحاة من المسلمات وكذا تصريح أهل اللغة فلا يجدى شيء منهما في إفادة القطع خصوصا مع ذكر التعليلات العلية في كلامهم نعم الذي يمكن الجزم به ان مفاد تلك الجملة المصدرة بأنما حصرا كان أو غيره يصير آكد بواسطة تصديرها بهذه اللفظة وأين هذا من إفادة الحصر (1).

(1) البحث عن كلمة «انما» مما زيد في الطبعة الثالثة، وهو بعينه موجود في تعليقات المؤلف «قدس سره» الموجودة عند آية الله العظمى الأراكي مد ظله العالي بعنوان انه زيد في المتن. «المصحح».
209

المقصد الخامس في العام والخاص
اعلم ان العموم قد يستفاد من جهة وضع اللفظ كلفظة الكل وما يرادفه وقد يستفاد من القضية عقلا كالنكرة الواقعة في سياق النفي أو اسم الجنس الواقع في سياق النفي حيث ان نفي الطبيعة مستلزم لنفي افرادها عقلا وقد يستفاد من جهة الإطلاق مع وجود مقدماته كالنكرة في سياق الإثبات أو اسم الجنس كذلك والعموم المستفاد من الإطلاق قد يكون بدليا وقد يكون استغراقيا حسب اختلاف المقامات إشكال ودفع اما الإشكال فهو انه ليس لنا لفظ يدل على العموم بحيث يستغنى عن التشبث بمقدمات الحكمة فان الألفاظ الدالة على العموم كلفظة الكل وأمثالها تابعة لمدخولها فان أخذ مط فالكل يدل على تمام افراد المطلق وان أخذ مقيدا فهو يدل على تمام افراد المقيد والمفروض ان مدخول الكل ليس موضوعا للمعنى المطلق كما انه ليس موضوعا للمعنى المقيد بل هو موضوع للطبيعة المهملة الغير الآبية عن الإطلاق والتقييد فحينئذ قول المتكلم كل عالم لا يدل على تمام افراد العالم الا إذا أحرز كون العالم الذي دخل عليه لفظ الكل مط ومع عدم إحرازه يمكن ان يكون المدخول هو العالم العادل مثلا فيكون لفظ الكل دالا على تمام افراد ذلك المقيد ولذا لو صرح بهذا القيد لم يكن تجوزا أصلا لا في لفظ العالم ولا في لفظ الكل وهو واضح واما النكرة في سياق النفي وما في
210

حكمها فلا يقتضى وضع اللفظ الا في الطبيعة المهملة وهي تجامع مع المقيدة كما انها تجامع مع المطلقة والمحرز لكون الطبيعة المدخولة للنفي هي المطلقة لا المقيدة ليس الا مقدمات الحكمة كما ان المحرز لكون الطبيعة المدخولة للفظ الكل مطلقة
ليس الا تلك المقدمات إذ بدونها يردد الأمر بين ان يكون النفي واردا على المطلق وان يكون واردا على المقيد واما الدفع فهو ان الظاهر من جعل مفهوم موردا للنفي أو اللفظ الدال على العموم كون ذلك المفهوم بنفسه موردا لأحدهما لا انه أخذ معرفا لما يكون هو المورد ولا إشكال في ان ورود الكل على نفس مفهوم لفظ العالم مثلا يقتضى استيعاب تمام الافراد كما انه لا إشكال في ان ورود النفي عليه يقتضى نفي تمام الافراد نعم يمكن كون الرجل في قولنا لا رجل في الدار معرفا لفرد خاص منه ويكون النفي واردا عليه ولكن هذا خلاف ظاهر القضية فان الظاهر ان مفهوم لفظ الرجل بنفسه مورد للنفي ولا يرد انه بناء على هذا الظهور يلزم عدم الاحتياج إلى مقدمات الحكمة في الحكم الإيجابي أيضا توضيح الإشكال ان ظاهر القضية الحاكية لتعلق الإيجاب بالطبيعة انها بنفسها مورد للحكم لا بما هي معرفة لصنف خاص منها لعين ما ذكر في القضية المنفية ولازم تعلق الحكم بالطبيعة بنفسها سريانه في كل فرد فلا يحتاج فهم العموم من القضية إلى مقدمات الحكمة وبيان دفعه ان المهملة تصدق على وجود خاص حقيقة فان كان الثابت في نفس الأمر الحكم المتعلق بوجود خاص منها يصح نسبة الحكم إليها حقيقة فإسراء الحكم إلى تمام الافراد لا يقتضيه وضع اللفظ بل يحتاج إلى المقدمات وهذا بخلاف النفي المتعلق بالطبيعة المهملة فإنه لا يصح الا إذا لم تكن متحققة أصلا إذ لو صح نفي الطبيعة مع وجود فرد خاص منها لزم اجتماع النقيضين ومحصل الكلام انه لا شك في ان قولنا كل رجل وقولنا لا رجل يفيدان
211

العموم من دون احتياج إلى مقدمات الحكمة (1) والسر في ذلك ما قلنا ولو لا ذلك لما دل قولنا أكرم العالم مطلقا أيضا على الإطلاق إذ الإطلاق أيضا امر وارد على مفهوم لفظ العالم والمفروض انه مهملة يجتمع مع المقيد ولذا لو قال أكرم العالم العادل مط لم يكن تجوزا قط كما ذكرنا في تقرير الشبهة في مدخول لفظ الكل والنفي ولا شبهة في ان العرف والعقلاء لا يقفون عند سماع هذا الكلام ولا يطلبون مقدمات الحكمة في مفهوم لفظ العالم الذي ورد الإطلاق عليه ولعل هذا من شدة وضوحه خفي على بعض الأساتيذ فتدبر فيما ذكرنا.
[في حجية العام المخصص في الباقي]
فصل لا شبهة ان العام المخصص سواء كان بالتخصيص المتصل أم المنفصل حجه في الباقي وان كان قد يفرق بينهما من بعض جهات آخر كما يأتي إن شاء الله تعالى والدليل على ذلك ان التخصيص لا يستلزم التجوز في العموم حتى يبحث في انه بعد رفع اليد عن معناه الحقيقي هل الباقي أقرب المجازات أو هو متساو مع سائر المراتب إلى ان تنتهي إلى مرتبة لا يجوز التخصيص إليها لأن التخصيص ان كان متصلا فان كان من قبيل القيود والأوصاف فهو تضييق لدائرة الموضوع وان كان من قبيل الاستثناء فهو اما إخراج عن الموضوع قبل الحكم واما إخراج عن الحكم فيستكشف ان شمول العام له من باب التوطئة والإرادة الصورية الإنشائية لا الجدية وعلى كل حال ليس حمل العام على باقي الافراد تجوزا فيه بل ظهوره انعقد واستقر في الباقي من أول الأمر وان كان التخصيص منفصلا

(1) والحاصل انه فرق بين ان يكون المدخول مجملا مرددا بين المطلق والمقيد فيحتاج إلى المقدمات أو مهملا جامعا فيكفي لفظه الكل في تعيين الإطلاق (منه).
212

فالظاهر انه يكشف عن عدم كون الخاص مرادا في اللب مع استعمال لفظ العام في عمومه في مرحلة الاستعمال بأحد الموجهين الذين ذكرا في المتصل ولا يخفى ان هذا الظهور الذي يتمسك به لحمل العام على الباقي ليس راجعا إلى تعيين المراد
من اللفظ في مرحلة الاستعمال بل هو راجع إلى تعيين الموضوع للحكم جدا فان جعلنا المخصص كاشفا عن عدم كون الخاص موضوعا للحكم في القضية فنقول مقتضى الأصل العقلائي كون المعنى الذي ألقى إلى المخاطب موردا للحكم في القضية بتمامه وإذا علمنا عدم دخول جزء منه تحت الحكم فمقتضى الأصل دخول الباقي وان جعلناه كاشفا عن عدم كونه موردا للحكم الجدي بعد شمول الحكم الإنشائي المجعول في القضية له فنقول مقتضى الأصل كون الإرادة المنشأة في القضية مطابقة مع اللب وخرج عن تحت هذا الأصل الإرادة المنشأة في القضية المتعلقة بالخاص فبقي الباقي هذا لكن لا يخفى ان هذا انما يجري في العام الاستغراقي حيث انه ينحل إلى إرادات عديدة متعلقه بموضوعات كذلك فخروج واحدة منها عن تحت الأصل المذكور لا يضر بالباقي واما المجموعي فحيث ان الإرادة فيه واحدة فينحصر وجه حمله على الباقي بعد خروج البعض في الأول فتدبر فيه احتج النافي لحجية العام في الباقي بالإجمال لتعدد المجازات حسب مراتب العام وتعيين مرتبة خاصة تعيين بلا معين وقد أجيب بان الباقي أقرب المجازات وفيه ان المدار ليس على الأقربية بحسب الكم والمقدار (1) بل المعيار الأقربية بحسب زيادة الأنس الناشئة عن المناسبة الخاصة بين المعنيين

(1) والإنصاف ان الأقربية بحسب الكم موجبه لزيادة الأنس الا ترى انه قد تصل زيادة الخارج إلى حد موجب للاستهجان ان قلت هذا في العام المجموعي صحيح دون الاستغراقي قلت الاستغراقي أيضا متحد مع المجموعي في أصل المعنى فيجيء عليه أيضا ما قلناه في المجموعي (منه).
213

وفي تقريرات شيخنا المرتضى قده ما محصله ان دلالة العام على كل فرد غير منوطة
بدلالته على الاخر ولو فرض كون دلالة العام على الباقي دلالة مجازية فمجازيته انما هي بملاحظة عدم شموله للافراد المخصوصة لشموله لباقي الافراد فالمقتضى لحمله على الباقي موجود والمانع مفقود لاختصاص المخصص بغيره انتهى ملخص كلامه قده سره (1)
ولا يخفى ما فيه إذ الدلالة المستفادة من القضية المشتملة على لفظ الكل مثلا على كل فرد انما هي من جهة السور المحيط بتمام الافراد الدال عليه لفظ الكل حقيقة وبعد فرض صرف اللفظ عن هذا المعنى واستعماله في معنى آخر لا يعلم ان ذلك المعنى المجازي هل هو معنى محيط بالباقي أو الأقل وبعبارة أخرى ليس كل فرد مستقلا مدلولا ابتدائيا للفظ الكل حتى يكون له مداليل متعددة فيجب حفظ ما لم يعلم خلافه بل الانتقال إلى كل فرد مستقلا انما هو ببركة ذلك المعنى الواحد الذي جعل مرآة لملاحظة الأفراد وبعد رفع اليد عن ذلك المعنى من أين لنا طريق إلى الباقي والأولى في الجواب ما قررنا
[التمسك بالعام في الموارد المشتبهة]
فصل
إذا خصص العام بمخصص وكان مرددا بين المتباينين يسقط عن الاعتبار في كليهما سواء كان المخصص متصلا أم منفصلا وسواء كان الترديد من جهة الشبهة في المفهوم أم في المصداق واما إذا خصص بشيء مردد بين الأقل والأكثر فان كان من جهة الشبهة في المصداق فسيأتي الكلام فيه وان كان من جهة الشبهة في المفهوم فلا إشكال في سراية إجماله إلى العام لو كان المخصص متصلا لأن المجموع كلام واحد ولا يتم ظهوره الا بعد تماميته وخلوه عن الصارف اما بالقطع واما بأصالة عدمه

(1) مطارح الأنظار، الهداية الأولى بحث العموم والخصوص، ص 196.
214

وليس أحدهما في المقام اما الأول فواضح واما الثاني فلعدم بناء العقلاء على التشبث بها بعد وجود ما يصلح لأن يكون صارفا واما إذا كان منفصلا فقد استقر بناء مشايخنا على التمسك بالعموم في الفرد المشكوك انطباق عنوان المخصص عليه واستدلوا على ذلك بان العموم قد تم واستقر ظهوره في كل فرد اما بالقطع بعدم المخصص المتصل واما بواسطة الأصل حيث انه شك في أصل وجوده
فهو حجة في نفسه ولا يرفع اليد عنها الا بحجة أخرى أقوى منها والمخصص المجمل المردد بين الأقل والأكثر بحسب المفهوم ليس حجة الا في قدر المتيقن وفي هذا المقدار يرفع اليد عن ظهور العام قطعا واما الزائد فليس المخصص حجة فيه فرفع اليد عن العموم فيه طرح للحجة المستقرة من دون معارض وفيه نظر لإمكان ان يقال انه بعد ما صارت عادة المتكلم جارية على
ذكر التخصيص منفصلا عن كلامه فحال المنفصل في كلامه حال المتصل في كلام غيره فكما انه يحتاج في التمسك بعموم كلام سائر المتكلمين إلى إحراز عدم المخصص المتصل اما بالقطع واما بالأصل كذلك يحتاج في التمسك بعموم كلام المتكلم المفروض إلى إحراز عدم المخصص المنفصل أيضا كذلك فإذا احتاج العمل بالعام إلى إحراز عدم التخصيص بالمنفصل فاللازم الإجمال فيما نحن فيه لعدم إحراز عدمه لا بالقطع ولا بالأصل اما الأول فواضح واما الثاني فلما مضى من ان جريانه مخصوص بمورد لم يوجد ما يصلح لأن يكون مخصصا والمسألة محتاجة إلى التأمل (1).

(1) والإنصاف خلاف ما ذكرنا ووجهه انه لو صح ما ذكر لما جاز تمسك أصحاب الأئمة عليهم السلام بكلام امام زمانهم لأنه كالتمسك بصدر كلام متكلم قبل مجيء ذيله فحيث جرى ديدنهم على التمسك دل ذلك على استقرار ظهور الكلام وعدم كونه مع كلام الإمام اللاحق كصدر الكلام الواحد الصادر في المجلس الواحد مع ذيله غاية الأمر لو فرض صدور الحكم المخالف من الإمام اللاحق كشف ذلك عن كون مؤدى العام السابق حكما ظاهريا بالنسبة إلى أهل ذلك الزمان أعني ما قبل صدور الخاص (منه).
215

ولو كان المخصص مجملا بحسب المصداق بان كان المشتبه فردا للعام وتردد بين
ان يكون فردا للعنوان الخاص أو باقيا تحت عموم العام فلا إشكال في عدم جواز التمسك بالعام فيما إذا كان المخصص متصلا بالكلام لعدم انعقاد ظهور العام من أول الأمر الا في غير مورد العنوان الخاص واما إذا كان المخصص منفصلا فقد يتوهم جواز التمسك به فيما شك انطباق العنوان الخاص عليه بعد انطباق العنوان العام عليه قطعا وغاية ما يمكن ان يقال في تقريب ذلك ان قول القائل أكرم العلماء يدل بعمومه الأفرادي على وجوب إكرام كل واحد من العلماء وبإطلاقه على سراية الحكم إلى كل حالة من الحالات التي تفرض للموضوع ومن جملة حالاته كونه مشكوك الفسق والعدالة كما انه من جملة حالاته كونه معلوم العدالة أو معلوم الفسق وبقوله لا تكرم الفساق من العلماء قد علم خروج معلوم الفسق منهم ولا يعلم خروج الباقي فمقتضى أصالة العموم والإطلاق بقاء المشكوك تحت الحكم لا يقال ان قوله لا تكرم الفساق من العلماء قد اخرج الفاسق الواقعي من الحكم لا الفاسق المعلوم فالفرد المردد لو صدق عليه عنوان الخاص محكوم بحكمه واقعا فكيف يجتمع هذا الحكم مع الحكم الذي أتى من قبل العام لأنا نقول حال الحكم الواقعي المفروض مع الحكم الذي أتى من قبل العام حال الأحكام الواقعية مع الأحكام المتعلقة بالشيء في حال الشك فالكلام في المقام هو الكلام فيها إشكالا ودفعا وفيه ان الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي انما هو من جهة ان
الشك في أحدهما مأخوذ في موضوع الحكم الاخر (1) وليس شمول العام للفرد حال كونه

(1) ان قلت هذا على تقدير القول بطولية الحكم الظاهري بالنسبة إلى الواقع واضح الورود واما على القول بشأنية الواقعي فلا لإمكان ان يكون الحكم في بعض افراد العام بملاك الشك وفي الاخر بملاك آخر قلت بعد ورود لا تكرم الفساق يصير العام في حكم أكرم العلماء الغير الفساق وكما لا يجوز التمسك ح بعمومه الفردي في الفرد المشكوك الفسق كذلك لا يجوز بإطلاقه لأن انعقاد الظهور الإطلاقي متفرع على حجية العام في العموم الأفرادي (منه).
216

مشكوك العدالة والفسق بلحاظ كونه مشكوك الحكم لعدم إمكان ملاحظة الشك في حكم المخصص موضوعا في الدليل المتكفل لجعل الحكم الواقعي للزوم ملاحظة حال الشك إطلاقا وقيدا وهما ملاحظتان متباينتان فحينئذ لا يمكن الجمع بين كون الفرد المشكوك الفسق واجب الإكرام ولو كان فاسقا في الواقع وبين عدم وجوب إكرام كل فاسق في الواقع كما هو مفاد المخصص فالفرد المشكوك لو كان عادلا يجب إكرامه بحكم العموم ولو كان فاسقا لا يجب بحكم المخصص وتعيين ان الفرد المذكور هل هو عادل أو فاسق ليس على عهدة أحد الدليلين بل قد يكون المتكلم بكلا الدليلين أيضا شاكا فلا معنى للتمسك بأصالة العموم لتعيين مراده كما هو واضح وبعبارة أخرى بعد خروج الفساق في الواقع من قوله أكرم العلماء يبقى حجية العام بالنسبة إلى العلماء الغير الفساق فكأنه ورد من أول الأمر كذلك فكما انه لو ورد من أول الأمر مقيدا بعدم الفسق إذا شككنا في عدالة فرد من العلماء وفسقه لم يكن للتمسك بالعموم مجال كذلك لو ورد المخصص بعد صدور العام بصورة العموم نعم لو ظهر من حال المتكلم (1) ان تكلمه بالعموم مبنى على الفحص عن

(1) بل ولو لم يظهر وكان محتملا فان معيار صحة الرجوع إلى كلام المتكلم صحة السؤال عن نفسه بما هو متكلم ومع الاحتمال يصح السؤال فيصح الرجوع لا يقال ينافي هذا مع القول بان المخصص المنفصل سواء كان لفظيا أم لبيا يوجب كالمتصل تقييد عنوان القيام في مقام الحجية بحسب الكبرى ومن المعلوم ان الشك في مرحلة الصغرى لا يرجع فيه إلى عموم الكبرى لأنا نقول انما نسلم ذلك في القيد المنفصل مع القطع بعدم ابتناء عموم الكبرى على الفحص عن الصغريات واما مع الانفصال والاحتمال فلا نسلم التقييد في العام بحسب الكبرى لكن هذه المرجعية باقية بعد وجدان الخلاف
في مورد فيما عداه من الموارد أو انها ترتفع بعد ذلك إذ ينكشف بذلك عدم فحص المتكلم وقد كان مبنى الحجية احتمال الفحص الحق ان يقال قد يكون حجيته العموم في المصداق المشتبه من باب احتمال فحص المتكلم ثم تكلمه مبنيا على ذلك بالعموم وهذا لا يتحقق الا في القضايا الخارجية دون الحقيقة فاللازم السقوط بواسطة وجدان اتصاف بعض الافراد وقد يكون الحجية من باب احتمال طريقية عنوان العام وكشفه النوعي عن حال الافراد في نظر المتكلم وسوقه العموم مبنيا على هذه الجهة وهذا يتحقق في كلتا القضيتين كما في لعن الله بنى أمية قاطبة حيث يحتمل ان سوق هذا العموم مبنى على غلبة كون الانتساب إلى هذه الشجرة ملازما مع عدم إيمان صاحبه في نظر المتكلم فاللازم البقاء على الحجية لأن العام ح من الطرق الظاهرية التي شأنها الخطاء تارة والإصابة أخرى (منه).
217

حال افراده ووضوح انه ليس من بينها ما ينطبق عليه عنوان الخاص صح التمسك بالعموم واستكشاف ان الفرد المشكوك ليس داخلا في الخاص وهذا في المخصصات اللبية غالبا وقد يتحقق في اللفظية أيضا لكن بشرط كون النسبة بين الدليلين عموما من وجه نظير الدليل على جواز لعن بنى أمية والأدلة الدالة على حرمة سب المؤمن واما إذا كان المخصص أخص مط فلا مجال لما ذكرنا قطعا ضرورة انه لو كان حال افراد العام مكشوفة لدى المتكلم وانه لا ينطبق على أحد منها عنوان المخصص لكان التكلم بالدليل الخاص لغوا ومما ذكرنا يظهر انه ليس المعيار في عدم جواز التمسك كون المخصص لفظيا كما انه ليس المعيار في الجواز كونه لبيا بل المعيار ما ذكر فتأمل فيه
[استصحاب العدم الأزلي]
تنبيه بعد ما عرفت سقوط العام عن الاعتبار فيما شك في انطباق عنوان
218

المخصص من جهة الشبهة في المصداق فالمرجع في الفرد المشكوك فيه إلى الأصل المنقح للموضوع لو كان والا إحدى القواعد الاخر من البراءة أو الاحتياط أو التخيير
حسب اختلاف المقامات وهذا لا إشكال فيه كما انه لا إشكال في انه لو كان له حالة سابقة مع حفظ وجوده وشك في بقائها يحكم بواسطة الاستصحاب بكونه محكوما بحكم العام أو الخاص وانما الكلام في انه لو لم يكن له حالة سابقة مع حفظ وجوده فهل يكفي استصحاب العدم الأزلي المتحقق بعدم الموضوع في جعله محكوما بحكم العام أولا مثلا إذا شك في امرأة انها قرشية أولا فهل يصح استصحاب عدم قرشيتها والحكم بان الدم الذي تراه بعد الخمسين محكوم بالاستحاضة أولا قد يقال بالصحة نظرا إلى ان الباقي تحت العام لم يكن معنونا بعنوان خاص بل يكفي فيه عدم تحقق العنوان وعدم الوصف لا يحتاج إلى الموضوع الخارجي ولذا قالوا ان السالبة لا تحتاج إلى وجود الموضوع بخلاف الموجبة فالمرأة الموجودة لم تكن بقرشية قطعا فان النسبة بينها وبين قريش تتوقف على تحقق الطرفين وعلى هذا كان إحراز المشتبه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد الا ما شذ ممكنا وفيه ان الأثر الشرعي لو كان مترتبا على عدم تحقق النسبة أو على عدم وجود الذات المتصفة أو على عدم الوصف للذات مع تجريدها عن ملاحظة الوجود والعدم لصح الاستصحاب لتحقق الموضوع المعتبر في باب الاستصحاب واما لو كان الأثر مترتبا على عدم الوصف للموضوع مع عناية الوجود الخارجي فلا يمكن الاستصحاب الا بعد العلم بان الموضوع مع كونه موجودا في السابق لم يكن متصفا بذلك الوصف واستصحاب عدم النسبة إلى حين وجود الموضوع أو استصحاب عدم تحقق الموضوع المتصف كذلك أو استصحاب عدم الوصف للذات مع عدم ملاحظة الوجود والعدم كذلك لا يثمر في إثبات السالبة التي فرضناها موضوعة للأثر الا بالأصل المثبت ولا يبعد كون
219

المثال من قبيل الأول (1).
تذنيبات
(الأول) لو أخذ في موضوع حكم رجحانه واستحبابه أو جوازه من حيث هو كموضوع وجوب الوفاء بالنذر وكاطاعة الوالدين وأمثال ذلك فلا بد في الاستدلال بدليل ذلك الحكم من إثبات رجحان ذلك الموضوع أو جوازه ولا يمكن ان يستكشف ذلك من عموم الدليل المذكور فان التمسك بالعام يتوقف على إحراز موضوعه وهذا واضح لكنه نسب إلى بعض التمسك بعموم دليل وجوب الوفاء بالنذر للحكم بصحة الوضوء والغسل المنذورين بمائع مضاف لو شك في صحته وبطلانه وربما يؤيد ذلك ما ورد من صحة الإحرام قبل الميقات والصيام في السفر إذا تعلق بهما النذر ويؤيده أيضا حكمهم بصحة النافلة في وقت الفريضة إذا تعلق بها النذر والحق انه لا يجوز التمسك بالعام فيما شك من غير جهة تخصيصه والوضوء والغسل بالمائع المضاف لو كانا باطلين لم يلزم تخصيص في دليل النذر فكيف يستكشف صحتهما من عموم دليل النذر واما صحة الصوم في السفر بعد النذر والإحرام قبل الميقات كذلك بعد وجود الدليل على ذلك فبالجمع بين الدليل

(1) توضيح ذلك انه قد يستظهر من مناسبة الحكم والموضوع في بعض المقامات ان التأثير والفاعلية ثابت للموضوع المفروغ عن وجوده عند اتصافه بوصف كما في قضية إذا بلغ الماء قد كر لا ينجسه شيء ولهذا لا يجدى استصحاب عدم الكرية من الأزل وقد يستظهر من المناسبة المذكورة ان التأثير ثابت لنفس الوصف والموضوع المفروض وجوده انما اعتبر لتقوم الوصف به كما في قوله عليه السلام المرأة ترى الدم إلى خمسين الا ان تكون قرشية حيث ان حيضية الدم إلى ستين انما هي من ناحية التولد من قريش لا ان المرأة لها هذه الخاصية بشرط التولد فانتفاء هذا الوصف موجب لنقيض الحكم ولو كان بعدم الموضوع ولهذا يكون استصحاب العدم الأزلي نافعا (منه).
220

المفروض ودليل الوفاء بالنذر اما باستكشاف رجحانهما الذاتي (1) وانما المانع فيه ان مطلق الرجحان الذاتي وان لم ينضم إليه الأمر
في تعلق الأمر الاستحبابي أو الوجوبي بالعنوان الأولى واما بصيرورتهما راجحين بنفس النذر بعد ما لم يكونا كذلك لكشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح ملازم لتعلق النذر بهما واما
بالالتزام بالتخصيص في عموم دليل النذر المقتضى لعدم انعقاده الا فيما إذا كان المنذور راجحا وعلى الأخير يقصد التقرب بامتثال امر النذر ولا يضر تحقق القدرة بنفس الأمر كما حقق في محله واما صحة النافلة في وقت الفريضة بالنذر وان قلنا بكونها محرمة بدونه فلان النذر مخرج لها عن موضوع الحرمة فلا مانع لرجحانها ح فيعمها دليل الوفاء بالنذر وان قلت خروج النافلة المفروضة عن كونها محرمة يتوقف على تعلق الوجوب بها وهو يتوقف على خروجها عن كونها محرمة وهذا دور قلت خروجها عن موضوع الحرمة لا يتوقف على تعلق الوجوب الفعلي بل يكفى كونها بحيث لو لا جهة عروض الحرمة لكانت واجبة وهذه القضية التعليقية متحققة بالنذر قطعا ووجه خروجها بعد صدق هذه القضية التعليقية عن موضوع الحرمة ان النافلة المحرمة هي النافلة التي لو لا عروض جهة الحرمة كانت متصفة بالنفل الفعلي فتدبر فيه جيدا (الثاني) لو ورد عام وعلمنا بعدم كون فرد محكوما بحكم العام ولكن نشك في كونه فردا له حتى يكون تخصيصا أو ليس بفرد له مثلا لو علمنا بعدم وجوب إكرام زيد ونشك في انه عالم حتى يكون تخصيصا في العام المقتضى

(1) فيه ان مطلق الرجحان الذاتي وان لم ينضم اليه الامر التشريعي غير كاف في صحة النذر لعدم تحقق الطاعة مع عدم الجعل المذكور وما لم يتحقق الطاعة لم ينعقد النذر الا ترى عدم صحة نذر صلاة الظهر في أربع ركعات من آخر الوقت ومن هنا يظهر الإشكال في صحة نذر النافلة في وقت الفريضة فينحصر الجواب في سائر الأمثلة في الوجه الأخير وهو التخصيص (منه).
221

لوجوب إكرام العلماء أو ليس بعالم
فهل يحكم بواسطة عموم العام بعدم دخول ذلك الفرد المعلوم الحكم في افراد العام أولا يظهر من كلماتهم التمسك بأصالة عموم العام واستكشاف ان الفرد المفروض ليس فردا له إذ بعد ورود الدليل على وجوب إكرام كل عالم يصح ان يقال كل عالم يجب إكرامه وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كل من لا يجب إكرامه ليس بعالم وهو المطلوب ومن ذلك استدلالهم على طهارة الغسالة بأنها لا تنجس المحل فان كانت نجسة غير منجسة لزم التخصيص في قضية كل نجس ينجس وأمثال ذلك غير عزيز في كلماتهم وكلمات شيخنا المرتضى قده هذا ولكن للتأمل فيه مجال لا مكان ان يقال ان التمسك بأصالة عدم التخصيص عند العقلاء مخصوص بحال الشك في إرادة المتكلم فلو كان المراد معلوما ويشك في كيفية استعمال اللفظ لم نعلم من بناء العقلاء التمسك بها وهذا نظير ما يقال من ان الأصل في الاستعمال الحقيقة عند تميز المعنى الحقيقي من المجازي والشك في إرادة المعنى الحقيقي واما لو علمنا بمراد المتكلم ولم نعلم بأنه معنى حقيقي للفظ أو مجازي فبناء المشهور على عدم التمسك بأصالة الحقيقة وبالجملة يمكن التفكيك بين الموردين في التمسك وبعد إمكان ذلك يكفي في عدم جواز التمسك الشك في بناء العقلاء (1).
(الثالث) الحكم المتعلق بالعام إذا علل بعلة لو علم بعدم العلة في بعض افراد العام يقيد مورد الحكم بغيره واما لو شك في ذلك فيتمسك بظاهر العموم ويستكشف وجود العلة في الافراد المشكوك فيها ومن هنا علم ان تقييد مورد

(1) ولكن الإنصاف الفرق بين التمسك بأصالة الحقيقة في مورد القطع بالمراد لأن المراد الجدي هناك معلوم بخلاف المقام فيصح التمسك بأصالة العموم لتعيين المراد الجدي ولازم ذلك كشف حال الموضوع (منه).
222

الحكم بواسطة
العلة المنصوصة ليس بمثابة ورود موضوع الحكم مقيدا من أول الأمر فلو قال أكرم العلماء العدول لم يصح لنا التمسك به في مشكوك العدالة والفسق واما لو قال أكرم العلماء فإنهم عدول فلو شككنا في عدالة فرد يحكم بعدالته بحكم القضية فان الظاهر منها تحقق العدالة في كل فرد من العام
[في التمسك بالعام قبل الفحص]
فصل هل يجوز التمسك بالعام قبل الفحص عن مخصصه فيه خلاف الأقوى عدم الجواز لعدم سيرة العقلاء على التمسك ما دام العموم في معرض ان يكون له مخصص بحيث لو تفحص عنه لظفر ولا أقل من الشك ويكفي ذلك في عدم الحجية نعم العمومات التي ليست في معرض ذلك كغالب العمومات الواقعة في السنة أهل المحاورة لا شبهة في ان السيرة على التمسك بها بلا فحص عن المخصص وهذا مما لا ينبغي الإشكال فيه انما الإشكال في ان بنائهم على الفحص في القسم الأول هل من قبيل الفحص عن المعارض كما يجب الفحص عن معارض الخبر الجامع لشرائط الحجية أو من جهة إحراز شرط الحجية لا يبعد ان يكون الفحص من قبيل الثاني (1) فإنه بعد ما يرى من حال المتكلم ذكر قرائن كلامه غير متصلة به غير مرة فحال المخصص المنفصل في كلامه تصير كحال المتصل في كلام غيره فكما انه لا يجوز التمسك بالعام قبل إحراز عدم المخصص المتصل اما بالعلم أو بالأصل فكك لا يجوز التمسك به قبل إحراز عدم المخصص المنفصل في كلام المتكلم المفروض فلما كان الأصل غير جار الا بعد الفحص عن مظان الوجود يجب الفحص عن المخصص وتظهر الثمرة فيما إذا اطلع على مخصص مردد بين الأقل والأكثر فعلى الأول

(1) بل الأقوى ان يكون من قبيل الأول كما مر في بعض الحواشي المتقدمة (منه)
223

يؤخذ بالمتيقن من التخصيص ويرجع إلى عموم العام في غيره وعلى الثاني يسرى إجماله إلى العام وقد تقدم بعض الكلام في ذلك
في الخطاب الشفاهي
فصل هل الخطابات الشفاهية من قبيل يا أيها الذين آمنوا تختص بالمشافهين والحاضرين لمجلس الخطاب أو تعم الغائبين والمعدومين والذي يمكن ان يكون محلا للكلام وموردا للبحث بين الاعلام أمور (أحدها) هل يصح الخطاب بالمعدومين والغائبين بالألفاظ الدالة عليه وتوجيه الكلام نحوهم أولا (والثاني) هل يصح تعلق الحكم بالمعدومين كما يصح تعلقه بالموجودين أولا (والثالث) هل الألفاظ المشتملة على الخطاب تعم غير المشافهين بعد الفراغ عن الإمكان أولا والنزاع على الأولين عقلي وعلى الثالث لفظي إذا عرفت ذلك فنقول لا إشكال في عدم صحة التكليف فعلا على نحو الإطلاق بالمعدوم كما انه لا إشكال في عدم صحة توجيه الكلام نحوه بداعي التفهيم فعلا سواء كان بالأداة الدالة على الخطاب أم بغيرها وهذا مما لا يحتاج إلى بيان وبرهان واما إنشاء التكاليف فعلا لمن يوجد بملاحظة زمان وجوده واستجماعه ساير شرائط التكليف فهو بمكان من الإمكان نظير إنشاء الوقف فعلا للطبقات الموجودة بعد ذلك في الأزمنة اللاحقة بملاحظة ظرف وجودها كما ان توجيه الخطاب نحو المعدوم لا لغرض التفهيم بل لأغراض آخر بعد تنزيله منزلة الموجود خال عن الإشكال كمن يخاطب ولده الميت أو أباه الميت تأسفا وتحسرا ولا يوجب التجوز اللغوي في الأداة الدالة على الخطاب كما لا يخفى
والظاهر ان توجيه الخطاب نحو المعدوم حين الخطاب بملاحظة ظرف وجوده
224

وصيرورته قابلا للمخاطبة لا إشكال فيه فيكون حال النداء المشروط بوجود المنادى بالفتح كالوجوب المشروط بوجود من يجب عليه نعم نفس هذا النداء الصادر في زمان عدم وجود المنادى بالفتح لا يمكن ان يكون موجبا لتفهيمه حتى في زمان وجوده لعدم ثباته وبقائه في الخارج إلى ذلك الزمان بل يحتاج إلى شيء اخر يحكى عنه كالكتابة التي تبقى إلى حال وجوده ومثل ذلك إذا عرفت ذلك فنقول لو كان الكلام في تكليف المعدوم على نحو الإطلاق وكذا الخطاب لهم بغرض التفهيم فعلا فلا إشكال في عدم إمكانه عقلا وان كان على نحو اخر مر بيانه فالظاهر أيضا عدم الإشكال في إمكانه واما دلالة ألفاظ الكتاب العزيز على شمول التكليف والخطابات للمعدومين أيضا على نحو ما تصورنا فلا يبعد دعواها حيث أنزل لانتفاع عامة الناس إلى يوم القيامة وما كان هذا شأنه بعيد جدا ان يكون خطاباته والتكاليف المشتمل هو عليها مختصة بطائفة خاصة ثم علم من الخارج اشتراك سائر الطوائف معها في التكليف فتدبر ثم انهم ذكروا لعموم الخطابات الشفاهية ثمرتين (إحداهما) حجية ظهور خطابات الكتاب لنا أيضا كما انها حجة للمشافهين وفيه أولا ان هذا مبنى على اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه كما يظهر من المحقق القمي قده وقد ذكر في محله عدم صحة المبنى وثانيا لا ملازمة بين كون المشافهين مخصوصين بالخطاب وكونهم مخصوصين بالإفهام بل الناس كلهم مقصودون بالإفهام إلى يوم القيامة وان قلنا بعدم شمول الخطاب الا لخصوص المشافهين (الثانية) صحة التمسك بإطلاق الكتاب لمن وجد وبلغ منا وان كان مخالفا في الصنف مع تمام المشافهين وتقريب ذلك انه لو خصصنا الخطابات الواردة في القرآن العزيز بهم فلا بد في إثبات التكاليف الواردة فيه لنا من التمسك
225

بدليل الاشتراك وهو
لا ينفع الا بعد إحراز كل ما له دخل في التكليف المتوجه إليهم فإذا احتملنا ان التكليف المتوجه إليهم كان مشروطا بشرط كانوا واجدين له دوننا فلا يثمر دليل الاشتراك في التكليف فان قلت يدفع الشروط المحتمل بأصالة الإطلاق لأن المفروض عموم حجيتها بالنسبة إلينا فيثبت التكليف بضميمة دليل الاشتراك قلت أصالة الإطلاق لا تجري بالنسبة إلى الأمر الموجود الذي يحتمل دخله في التكليف والسر في ذلك انه على تقدير شرطيته لا يحتاج إلى البيان إذ لا يوجب عدم بيان شرطيته على تقدير كونه شرطا نقضا للغرض وفيه أنه ليس في الخارج امر يشترك فيه جميع المشافهين إلى اخر عمرهم ولا يوجد عندنا وحينئذ لو احتملنا اشتراط شيء يوجد في بعضهم دون آخرا وفي بعض الحالات دون أخرى يدفعه أصالة الإطلاق والله اعلم بالصواب
[في العام المتعقب بضمير البعض]
فصل: هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض افراده يوجب تخصيصه به أولا فيه خلاف ولا بد من ان يكون محل الخلاف ما إذا كان هناك قضيتان إحداهما ذكر فيها اللفظ الدال على العموم والأخرى ذكر فيها ضمير يرجع إليه مع إمكان شمول الحكم في القضية الأولى لتمام افراد العام والعلم بعدم شموله لها في الثانية مثال ذلك قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلى قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن حيث ان الحكم في القضية المشتملة على الضمير متعلق بخصوص الرجعيات فيدور الأمر بين التصرف في العام بحمله على البعض أو التصرف في الضمير بإرجاعه إلى بعض مدلول ما ذكر سابقا مع كون الظاهر منه ان يرجع إلى ما هو المراد من اللفظ الأول
226

والحق ان يقال لو دار الأمر بين أحد التصرفين في الكلام تصير القضية المذكورة أولا مجملة لأن القضيتين لاشتمال
الثانية على الضمير الراجع إلى الموضوع في الأولى في حكم كلام متصل واحد وقد ذكر في محله انه لو ذكر في الكلام الواحد ما يصلح لصرف سابقه عن ظاهره يصير مجملة ولكن يمكن ان يقال ان مجرد القطع باختصاص الحكم المذكور في الثانية ببعض افراد العام لا يوجب التصرف في إحدى القضيتين في مدلولهما اللفظي بل يصح حمل كلتا القضيتين على إرادة معناهما اللغوي في مرحلة الاستعمال مع الالتزام بخروج بعض افراد العام في الثانية عن الإرادة الجدية كما انه لو كان في القضية الثانية الاسم الظاهر مكان الضمير مثل وبعولة المطلقات فان مجرد العلم بخروج بعض الافراد من القضية الثانية لا يوجب الإجمال في الأولى فكذلك حال الضمير من دون تفاوت فتدبر جيدا
[في تخصيص العام بالمفهوم المخالف]
فصل اختلف في جواز تخصيص العام بالمفهوم المخالف بعد الاتفاق على الجواز في المفهوم الموافق ومجمل الكلام فيه ان أظهر ما قيل بالمفهوم القضية الشرطية وقد قلنا في محله ان ظهورها في مدخلية الشرط لثبوت الحكم مما لا يقبل الإنكار واما دلالتها على الحصر فهي قابلة للإنكار والمدعى للمفهوم لا بد له من ادعاء دلالتها على الحصر وان سلمت هذه الدلالة فلا إشكال في انها ليست بالمرتبة التي لا يصلح رفع اليد عنها بواسطة عام وإطلاق ونحوهما إذا عرفت ذلك فنقول إذا ورد عام وقضية شرطية دالة بمفهومها على خلاف الحكم الثابت في العام لبعض افراده فان كان المفهوم أخص مط فالحق تخصيص العام به فان التعارض وقع بين عموم العام ودلالة القضية على إناطة الحكم بالشرط ولو لم نقل بالحصر فان العام يدل على ان للحكم لكل فرد من دون الإناطة بشيء ومقتضى القضية إناطته به وظهور القضية في
227

ذلك أقوى من ظهور العام كقوله عليه السلام خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء (1) وقوله عليه السلام إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء (2) واما ان كان بينهما عموم من وجه كالدليل على عدم انفعال الجاري مط وما دل على توقف عدم الانفعال على الكرية فالحق رفع اليد عن المفهوم لأن العام المذكور يعارض حصر الشرط لا أصل الاشتراط لعدم المنافاة بين كون الكرية شرطا وكون الجريان شرطا آخر وقد عرفت ان دلالة القضية الشرطية على حصر العلة على فرض الثبوت ليست بدلالة قوية و ح فهل يرفع اليد عن المفهوم مطلقا بحيث لو احتملنا سببا ثالثا لعدم الانفعال لا تكون القضية الشرطية دالة على نفيه أو يرفع اليد في خصوص ما ورد الدليل وجهان
[في تخصيص الكتاب بخبر الواحد]
فصل هل يجوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد المعتبر أولا مقتضى القاعدة الأول لأن الخاص بواسطة دليل اعتباره يصلح لأن يكون قرينة على التصرف في العام بخلاف العكس وكون العام قطعي الصدور لا ينافي جواز رفع اليد عن عمومه بعد ورود الخاص المعتبر لأن هذا الجمع مما يشهد بصحته العرب وقد ادعوا سيرة الأصحاب على العمل بالأخبار الآحاد في قبال العمومات الكتابية إلى زمن الأئمة عليهم السلام هذا ولكن العمدة في المقام الاخبار الكثيرة المتواترة على ان الاخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها أو ضربها على الجدار أو انها زخرف أو انها مما لم يقل به الإمام عليه السلام

(1) الوسائل، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 9، ج 1، ص 101.
(2) الوسائل، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1 و 2، ج 1، ص 117، ولفظ الحديث: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء».
228

والجواب عنها بعد القطع بورود اخبار كثيرة مخالفة عمومات الكتاب وإطلاقه منهم عليهم السلام بحمل الاخبار المانعة من الأخذ بمخالف الكتاب على غير المخالفة على نحو العموم والخصوص ومثله كما إذا ورد الخبر في مقابل الكتاب بحيث لا يكون بينهما جمع عرفي وعدم وجود
مثله في الاخبار التي بأيدينا لا ينافي وجوده في ذلك الزمان وما وصل بأيدينا انما يكون بعد تهذيبه مما يخالف الكتاب بالمعنى الذي ذكرنا ويمكن حمل مورد الاخبار المانعة على ما لا يشمله دليل الحجية مثل ما ورد في أصول العقائد أو خبر غير الثقة
[في دوران الامر بين النسخ والتخصيص]
فصل العام والخاص اما ان يكونا متقارنين واما ان يكونا مختلفين بحسب التاريخ وعلى الثاني اما ان يكون العام مقدما على الخاص أو بالعكس لا إشكال في التخصيص في الصورة الأولى كما ان الظاهر كذلك في الصورتين الأخيرتين لو كان ورود الثاني قبل حضور وقت العمل بالأول فان الالتزام بالنسخ قبل حضور وقت العمل وان لم يكن بمستحيل بناء على إمكان وجود المصلحة في جعل حكم ونسخ ذلك قبل زمان العمل به لكنه بعيد بخلاف التخصيص فإنه شائع متعارف فيحمل الكلام عليه واما لو كان ورود أحدهما بعد مضي زمان العمل بالأول فان كان المقدم خاصا فالعام المتأخر يمكن ان يكون ناسخا له ويمكن ان يكون الخاص المقدم مخصصا للعام وتظهر الثمرة في العمل بعد ورود العام فإنه على الأول على العام وعلى الثاني على الخاص والظاهر أيضا البناء على التخصيص لشيوعه وندرة النسخ واما لو كان المقدم عاما والمؤخر خاصا فيشكل الحمل على التخصيص من حيث استلزام ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو وان لم يكن محالا من جهة إمكان وجود مصلحة في ذلك لكنه بعيد نظير النسخ
229

قبل حضور وقت العمل وأشكل من ذلك حمل الخاص الوارد في اخبار الأئمة عليهم السلام المتأخر عن العام على النسخ مع كثرته وكذلك حال المقيدات الواردة في كلامهم عليهم السلام بالنسبة إلى المطلقات فان الالتزام بالنسخ في جميع هذه الموارد الكثيرة في غاية الإشكال
نعم الخاص المتأخر عن العام في كلام النبي صلى الله عليه وآله حمله على النسخ ليس ببعيد فيرجح على التخصيص لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا محيص عن حمل الخاص المتأخر في كلام الأئمة عليهم السلام على التخصيص أيضا ولو كان واردا بعد مضي زمان العمل بالعام والالتزام بان حكم العام إلى زمان صدور الخاص كان حكما ظاهريا للمكلفين اقتضت
المصلحة ان يجعل لهم ذلك ولا يكشف لهم الواقع إلى حين صدور الخاص وهذا غير بعيد بعد العلم بأنه في الشرع أحكام واقعية وظاهرية فتدبر جيدا ثم انه لو بنينا على تقديم التخصيص على النسخ في تمام الصور المذكورة فلا إشكال في مجهولي التاريخ واما لو بنى على النسخ في الخاص المتأخر بعد مضي زمان العمل بالعام فلو شك في تاريخهما أو علم تأخر الخاص في الجملة لكنه لم يعلم انه ورد بعد حضور وقت العمل بالعام أو قبله فالوجه الرجوع إلى الأصول العملية لأن الشرط في الحمل على التخصيص عدم مضي زمان العمل بالعام كما ان الشرط في النسخ مضي زمان العمل به وما لم يحرز أحد الشرطين لا يجوز الحمل على أحدهما ومجرد أغلبية التخصيص وندرة النسخ وان كان يوجب الظن بالأول دون الثاني لكنه لا دليل على اعتبار هذا الظن والله العالم
230

[في المطلق والمقيد] (1)
فصل فيما وضع له بعض الألفاظ
فمنها اسم الجنس كالإنسان والبقر والفرس والضرب والضارب وغير ذلك مما هو نظيرها اعلم ان المفهوم العام قد ينقسم إلى الأقسام الخارجية كقولنا الإنسان اما أبيض واما أسود وقد ينقسم إلى أقسام ذهنية كقولنا الإنسان اما مطلق أي غير مشروط بشيء أو
مقيد بشيء أو مقيد بعدم شيء والمقسم وان كان في الواقع القسم الأول من هذه الأقسام الا انه لم يلاحظ كيفية ثبوته في ذهن اللاحظ بل أخذ مرآة لما يتحقق في ذهن آخر وقد ينقسم إلى موجود ومعدوم والموجود أعم من ان يكون في الذهن أو في الخارج وكذلك المعدوم كما تقول الإنسان اما موجود واما معدوم والموجود اما موجود في الذهن أو في الخارج والموجود في الذهن اما كذا واما كذا والموجود في الخارج اما كذا واما كذا إذا عرفت هذا فنقول الموضوع له في أسماء الأجناس هو المفهوم المعرى عن الوجود والعدم والذهن والخارج فضلا عن كيفية الوجود في الذهن من الإطلاق والتقييد وكيفية الوجود في الخارج من الطول والقصر والسواد أو البياض ونحو ذلك والشاهد على ذلك هو الوجدان الحاكم بصحة تقسم مفاد لفظ الإنسان بنحو ما قسمناه أخيرا من دون عناية والله اعلم بالصواب

(1) هذا البحث مما زيد على الكتاب في الطبعة الثالثة المنقحة في زمن المصنف «قدس سره». «المصحح».
231

ومنها علم الجنس:
كأسامة والمشهور انه موضوع للطبيعة لا بما هي هي بل بما هي متعينة بالتعيين الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف واستشكل على هذه المقالة شيخنا الأستاذ قده بما محصله انه لو كان كذلك لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتجريد ضرورة ان المفهوم مع ملاحظة وجوده في الذهن كلي عقلي لا ينطبق على الخارج مع انا نرى صحة الحمل بلا عناية وتصرف أصلا مع ان وضعه لمعنى يحتاج إلى تجريده عن الخصوصية عند الاستعمال لا يصدر عن جاهل فضلا عن الحكيم انتهى (1).
أقول وفيما أفاده نظر لإمكان دخل الوجود الذهن على نحو المرآتية في نظر اللاحظ كما انه ينتزع الكلية عن المفاهيم الموجودة في الذهن لكن لا على نحو يكون الوجود الذهني ملحوظا للمتصور بالمعنى الاسمي إذ هي بهذه الملاحظة مباينة مع الخارج ولا تنطبق على
شيء ولا معنى لكلية شيء لا ينطبق على الخارج أصلا إذا عرفت هذا فنقول ان لفظ أسامة موضوع للأسد بشرط تعينه في الذهن على نحو الحكاية عن الخارج ويكون استعمال ذلك اللفظ في معناه بملاحظة القيد المذكور كاستعمال الألفاظ الدالة على المعاني الحرفية فافهم فتدبر ومنها النكرة نحو رجل في قوله تعالى وجاء رجل (2) أو قولنا جئني برجل وقد يقال بجزئية الأول وكلية الثاني اما جزئية الأول فواضحة واما كلية الثاني فلان المادة تدل على الطبيعة الكلية والتنوين على مفهوم الوحدة وهو أيضا كلي وضم الكلي إلى الكلي لا يصيره جزئيا فمعنى رجل على هذا طبيعة الرجل مع قيد الوحدة وهذا يصدق على افراد الطبيعة المقيدة في عرض واحد

(1) الكفاية: ج 1، ص 379.
(2) سورة القصص، الآية 20.
232

وعدم صدقه على اثنين فصاعدا انما يكون لعدم المصداقية كما ان مفهوم الإنسان لا يصدق على البقر مثلا هذا ولكن يمكن دعوى كون النكرة مستعملة في كلا الموردين بمعنى واحد وانه في كليهما جزئي حقيقي بيانه انه لا إشكال في ان الجزئية والكلية من صفات المعقول في الذهن وهو ان امتنع فرض صدقه على كثيرين فجزئي والا فكلي وجزئية المعنى في الذهن لا تتوقف على تصوره بتمام تشخصاته الواقعية ولذا لو رأى الإنسان شبحا من البعيد وتردد في انه زيد أو عمرو بل إنسان أو غيره لا يخرجه هذا التردد عن الجزئية وكون أحد الأشياء ثابتا في الواقع لا دخل له بالصورة المنقشة في الذهن فإذا كان هذه الصورة جزئية كما في القضية الأولى فكك الصورة المتصورة في القضية الثانية إذ لا فرق بينهما الا في ان التعيين في الأولى واقعي وفي الثانية بيد المكلف وعدم إمكان وجود الفرد المردد في الخارج بداهة عدم معقولية كون الشيء مرددا بين نفسه وغيره لا ينافي اعتبار وجوده في الذهن كما يعتبر الكسر المشاع مع عدم وجوده بوصف الإشاعة في الخارج
ومنها المعرف باللام والمعروف بين أهل الأدبية ان اللام أو الهيئة الحاصلة منها ومن المدخول موضوعة لتعريف الجنس وللعهد بأقسامه من الذهني والذكرى والحضوري وللاستغراق والظاهر ان أقسام العهد راجعة إلى معنى واحد وهو المعهودية في الذهن غاية الأمر ان منشأ العهد قد يكون هو الذكر وقد يكون الحضور وقد يكون غيرهما بل يمكن ان يقال ان مرجع الجنس والاستغراق أيضا إلى ذلك وتوهم ان المعهود الذهني كلي عقلي ولا موطن له الا الذهن ولا ينطبق على الخارج مدفوع لما مر آنفا في علم الجنس
[مقدمات الحكمة]
ثم انه قد ظهر ان اسم الجنس وضع للمقسم بين المطلق والمقيد وكذا
233

النكرة وان قلنا بجزئيتها انما الكلام في المقام في انه عند عدم قرينة على إحدى الخصوصيتين من الإطلاق والتقييد هل يحتاج إلى مقدمات في الحمل على الإطلاق أولا قد يقال بالأول وبيانه انه لا إشكال في ان الأصل في كل كلام صادر عن كل متكلم صدوره بغرض الإفادة وتفهيم المعنى ولا يكفي هذا المقدار لتعيين الإطلاق في المقام إذ لا يثبت بهذا الا إرادة الطبيعة المهملة وقد فرضنا انها قابلة للإطلاق والتقييد فاللازم في المقام إحراز كون المتكلم بصدد بيان تمام مراده الجدي وبعد إحراز هذه الحالة للمتكلم نقول لو كان للمراد الجدي قيد لكان اللازم ذكره فحيث لم يذكر القيد يعلم ان المراد بحسب الجد هو المطلق الخالي عن القيد وعلى هذا فالحمل على الإطلاق بعد الفراغ عن الأصل المتقدم يتوقف على أمور (منها) كونه في مقام بيان تمام مراده الجدي (ومنها) عدم ذكر قيد في الكلام (ومنها) انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب على قول يأتي ويأتي الخدشة فيه إن شاء الله تعالى هذا ويمكن ان يقال بعدم الحاجة إلى إحراز كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد في الحمل على الإطلاق عند عدم القرينة بيانه ان المهملة مرددة
بين المطلق والمقيد ولا ثالث ولا إشكال انه لو كان المراد المقيد يكون الإرادة متعلقة به بالأصالة وانما ينسب إلى الطبيعة بالتبع لمكان الاتحاد فنقول لو قال القائل جئني بالرجل أو برجل يكون ظاهرا في ان الإرادة أولا وبالذات متعلقة بالطبيعة لا ان المراد هو المقيد ثم أضاف إرادته إلى الطبيعة لمكان الاتحاد وبعد تسليم هذا الظهور تسرى الإرادة إلى تمام الافراد وهذا معنى الإطلاق ان قلت ان المهملة ليست قابلة لتعلق الإرادة الجدية بها كيف وقد فرضناها مرددة بين المطلق والمقيد ولا يعقل كون موضوع الحكم مرددا عند الحاكم فنسبة الإرادة إلى المهملة عرضية في كل حال فيبقى تعيين الإطلاق
234

بلا دليل قلت عروض الإطلاق للمهملة ليس كعروض القيد لها في الاحتياج إلى الملاحظة والا لزم عدم الحمل على الإطلاق حتى بعد إحراز كونه في مقام البيان لعدم الترجيح بعد كونه بمثابة ساير القيود فإذا فرضنا عدم دخل شيء سوى المهملة في تعلق الحكم يحصل وصف الإطلاق قهرا وان لم يكن ملحوظا بنفسه ان قلت سلمنا لكنه من الممكن تقدير القيد أو جعل الطبيعة مرآة للمقيد يحتاج في نفي هذين إلى إحراز كونه بصدد البيان قلت يمكن نفي كل من الأمرين بالظهور اللفظي ولو لم يحرز كونه بصدد البيان كما لا يخفى على المتأمل ثم ان وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يضر بالحمل على الإطلاق ما لم يصل إلى حد الانصراف سواء قلنا بعدم الاحتياج إلى إحراز كون المتكلم بصدد البيان كما مر بيانه أو قلنا بالاحتياج إليه اما على الأول فواضح واما على الثاني فلأنه بعد فرض كونه كذلك فاللازم ان يكون اللفظ الملقى إلى المخاطب كاشفا عن
تمام مراده وهذا ملازم لصحة حكم المخاطب ان هذا تمام مراده والمفروض عدم صحة حكم المخاطب بكون القدر المتيقن تمام مراده فيقال لو كان مراده مقصورا على المتيقن لبينه لكونه في مقام البيان كما هو المفروض وحيث لم يبينه يكشف ان مراده نفس الطبيعة مط ويشهد لذلك انه لم يعهد من أحد من أهل اللسان التوقف في حمل المطلقات الواردة في الموارد الخاصة والاقتصار عليها فقط لأنها المتيقن بل يتجاوزون عنها حتى انه قد اشتهر ان العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المورد (إشكال ودفع) اما الأول فهو انه إذا كان الحمل على الإطلاق بمؤنة المقدمات على كلا الطريقين فيلزم بطلانها فيما إذا ورد بعد المطلق مقيد منفصل
235

موافقا كان أو مخالفا وعدم إمكان دفع ما سواه من القيود المحتملة بالإطلاق بيانه اما على طريقة المشهور فهو ان من جملة المقدمات عندهم كون المتكلم في مقام البيان وبعد ظهور المقيد منفصلا يعلم انه لم يكن بصدده واما على ما ذكرنا فلأنه بعد ما علم بصدور القيد المنفصل ينكشف أحد الأمرين اما تبعية إرادته المتعلقة بالطبيعة واما أخذ الطبيعة مرآة ومعرفا للمقيد (واما الثاني) فهو ان الإطلاق سواء على طريقة القوم أم على طريقنا انما يلاحظ بالنسبة إلى المراد الاستعمالي واما تطبيق الاستعمالي مع الجدي فإنما يحرز بأصل عقلائي آخر وظهور القيد انما ينكشف به عدم التطابق في هذا المورد مع بقاء الاستعمالي مط والأصل العقلائي في غير هذا المورد بحالها
[في حمل المطلق على المقيد]
فصل إذا ورد مطلق ومقيد فاما يكونان متخالفين في الإيجاب والسلب واما متوافقين لا محيص عن التقييد في الأول كما عتق رقبة كافرة سواء كان النهي بعنوان
الكراهة أو الحرمة لأن الظاهر من قوله أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة مثلا تعلق النهي بالطبيعة المقيدة لا بإضافتها إلى القيد فلو كان مورد الأمر هو المطلق لزم اجتماع الراجحية والمرجوحية في مورد واحد نعم لو أحرز ان الطبيعة الموجودة في المقيد مطلوبة كما في العبادة المكروهة فاللازم صرف النهي إلى الإضافة بحكم العقل وان كان خلاف الظاهر واما الثاني فان لم يحرز وحدة التكليف فالمتعين حمل كل منهما على التكليف المستقل أخذا بظاهر الأمرين وان أحرز وحدته فان كان الإحراز من غير جهة وحدة السبب فيدور الأمر بين حمل الأمر المتعلق بالمطلق على ظاهره من الوجوب والإطلاق والتصرف في الأمر المتعلق بالمقيد اما هيئة بحملها على الاستحباب واما مادة برفع اليد عن ظاهر القيد من دخله في موضوع الوجوب وجعله إشارة إلى الفضيلة الكائنة في المقيد وبين حمل المطلق على المقيد،
236

وحيث لا ترجيح لأحدها لاشتراك الكل في مخالفة الظاهر فيتحقق الإجمال وان كان الإحراز من جهة وحدة السبب فيتعين التقيد ولا وجه للتصرف في المقيد بأحد النحوين فإنه إذا فرض كون الشيء علة لوجوب المطلق فوجود القيد أجنبي عن تأثير تلك العلة فلا يمكن ان يقال ان وجوب المقيد معلول لتلك فلا بد له من علة واحدة أخرى والمفروض وحدتها وكذا كون الشيء علة لوجوب المطلق ينافي كونه علة الاستحباب للفرد الخاص إذ استناد المتباينين إلى علة واحدة غير معقول هذا وقد عرفت مما ذكرنا انه لا بد في حمل المطلق على المقيد من إحراز وحدة السبب ولا يكفي إحراز وحدة التكليف مع عدم إحراز وحدة السبب كما ذهب إليه المشهور ولعل وجهه ما ذكره شيخنا المرتضى طاب ثراه في باب التعادل والتراجيح من انه إذا دار الأمر بين التقييد ومخالفة ظاهر آخر فللتقييد أولى لأن ظهور المطلق متقوم بعدم البيان فبورود ما يصلح للبيانية يصير موهونا (1) وفيه ما لا يخفى نعم يتم ما ذكروه بناء على ما احتملناه سابقا من المعاملة مع القيود المنفصلة في كلام الشارع معاملة القيود المتصلة في كلام غيره لكن اللازم منه سراية الإجمال من المقيد المنفصل المردد بين الأقل والأكثر مفهوما إلى المطلق ولا يلتزمون به «تم بالخير».

(1) الفرائد، عند البحث عن المرجحات في الدلالة، طبعة المؤسسة، ص 792. وطبعة رحمة الله ص 457.
237