الكتاب: القرآن وإعجازه العلمي
المؤلف: محمد اسماعيل إبراهيم
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر العربي
ردمك:
ملاحظات:

إسماعيل إبراهيم
القرآن
وإعجازه العلمي
الطبع والنشر
دار الفكر العربي
1

دار الثقافة العربية للطباعة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المقدمة
لا أراني في حاجة إلى التأكيد على من يطالع هذا الكتاب أنني أعددته
رغبة منى في إثبات إعجاز القرآن بأي وجه من الوجوه، لان إعجازه حقيقة ثابتة
وقضية واضحة وضوح الشمس منذ أن نزل القرآن على النبي معجزة كبرى تحدى
بها البلغاء والحكماء وأهل الكتب السماوية فعجزوا عن تحديها وأقروا بصدقها
وتساميها، ويكفي للدلالة على علو شأنها قوله تعالى: (وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وقوله تعالى: (قل
لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو
كان بعضهم لبعض ظهيرا)، وها هي القرون تلو القرون تمر، وها هي العلوم قد
ازدهرت والفنون قد أينعت؟ ولم يقدر أحد أن يأتي بمثل هذا الكتاب في أسلوبه
أو منهجه أو هديه.
وغاية قصدي من وضع هذا الكتاب أو قصد غيري مما كتبوا على نسقه
وفى موضوعه من العلماء الاجلاء في إعجاز القرآن إنما كان أولا وقبل كل شئ
للتشرف والاستمتاع بالنظر في كتاب الله بعين الاجلال والاعظام والايمان
بقداسته، ثم للإشادة بسموه وروعته والتذكير بعلو مكانته بين الكتب السماوية
3

الأخرى فقد حفظه الله من أي تبديل أو تغيير في نصه أو رسمه تحقيقا لقول الله
تبارك وتعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) بل إنه جل شأنه كرم
هذا الكتاب فقال: (لا يمسه إلا المطهرون) فليس بعد ذلك غاية لتكريم
أو تعظيم هذا القرآن المجيد.
واعتقادي أن أي محاولة من البشر لاظهار عظمة القرآن وقدسيته إنما هي
وليدة رغبة إيمانية مخلصة فيها ما يشبه التأسي بموقف نبي الله إبراهيم عليه السلام
وهو خليل الله عندما قال بروح الواثق من قدرة الله تعالى: (رب أرني كيف
تحيى الموتى، قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي).
والقرآن المجيد حافل بالكثير من الآيات الدالة على علم الله المحيط بكل
ما في الكون من مخلوقات وكائنات وما فيه من نواميس وسنن وقوانين أوجدها
سبحانه خاضعة لإرادته وأمره، وقد نزلت هذه الآيات الكونية وغيرها من آيات
الاعجاز العلمي في وقت لم يكن أهل الجزيرة العربية ومن حولها من الأقطار على
علم بأسرارها فلما تقدم الانسان وازدادت علومه ومعارفه بدأت آيات القرآن تظهر
أمام بصيرته بمعانيها العلمية الباهرة، وتكشف عن إعجازها الرائع.
والمسلمون يعيشون الآن في عصر زاهر بالعلم وقد بهرهم فيه ما وصل إليه
أهل أوروبا وأمريكا من تفوق ظاهر في العلوم والفنون والآداب وبخاصة علم
التكنولوجيا وقد سبقوا فيها الدول الاسلامية بأشواط بعيدة الامر الذي جعل
ضعاف العقول يسيئون الظن بالاسلام ويحسبون أنه سبب قصورهم وتخلفهم
في ذلك المضمار، وهم في ذلك الوهم نسوا أو تناسوا أن الدين الاسلامي بقرآنه
المجيد وسنته المطهرة هو الذي خلق من العرب أهل البادية خير أمة أخرجت
للناس وأسسوا أعظم الدول وأرقى الحضارات وأكثر الأصول العلمية التي اقتبس
أهل الغرب منها علومهم وفنونهم.
4

وواجب كل مسلم ألا يختلط عليه الامر في حقيقة كل من الدين والعلم،
أو أن ينظر إليهما على اعتبار أن كلا منهما مستقل عن الآخر، إذ الواقع أنهما
صنوان متكاملان أصلا ومتحدان غاية ومنهجا لخدمة البشرية، فلا الدين يجافي
العلم ولا العلم يعارض الدين، بل إن الدين بدوره يحض على طلب العلم والاستزادة
منه، كما أن نور العلم يظهر لنا ما في الدين من جلال وبهاء وسمو روحي.
والقرآن كتاب الله المجيد الذي يجب على المسلمين أن يحرصوا على حفظه
كله أو بعضه عن ظهر قلب والعمل به بحيث يكلف الآباء أبناءهم منذ نعومة
أظفارهم باستظهار قصار سوره، ويكلف الشباب بتلاوته دائما وفهمه، كما يجب
ألا يتوانى الكهول عن دراسته وتطبيقه في حياتهم قولا وعملا، لان القرآن
هو الكتاب الجامع لكنوز العلم النافع وهو الدستور الهادي إلى الطريق المستقيم
وأن اتباعه نصا وروحا هو الوسيلة العملية الموصلة إلى سعادة الدارين.
وقد نشط علماء الدين على مر العصور واجتهدوا في فهم القرآن والتدبر في
آياته وتفسيرها وألفوا في ذلك كتبهم القيمة التي تعتبر من أجل وأبرك ما تركه
السلف للخلف، ولكن أغلب ما صدر عنهم من التفسير يدل على أنهم نظروا
إلى للقرآن على أنه كتاب دين وهداية وتهذيب وترغيب وترهيب دون تعمق فيما
انطوى عليه من معاني علمية أخرى أبعد غاية وأجل شأنا، وقد عنيت الأجيال
التالية للسلف الصالح بإعادة النظر في القرآن في ضوء ما كان يجد في مجال العلم الحديث
من تطور وتقدم في كل عصر.
وفى عصرنا الحديث أخذت دولة العلم تزداد إتساعا وعمقا في أبحاثها وتنوعا
في موضوعاتها، وذلك بفضل الطرق التي استحدثها الانسان في الكشف عن
الحقائق بالمشاهدة والملاحظة والمقارنة واستعمال الأجهزة والمجاهر والمختبرات وإجراء
5

التجارب حتى تمكن بذلك من الوصول إلى نظريات وقوانين وعلوم وفنون
لم تكن موجودة من قبل في معارف من سبقوه من العلماء والباحثين.
وعندما جدد العلماء النظر في القرآن الكريم وحاولوا فهمه فهما عصريا
وتفسيره في ضوء هذه العلوم الحديثة ظهر بوضوح أن آيات القرآن الكريم لها
معان أوسع وأشمل مما فهم العلماء السابقون منها، وتبين بجلاء أن القرآن الكريم
جاء بكثير من حقائق الكون ونواميسه وأصول العلوم الحديثة قبل أن يهتدى
الانسان إلى معرفتها بمئات السنين وهذا هو الاعجاز كل الاعجاز الكامن في
القرآن وأسرار آياته.
وهكذا يتجلى لنا الدين الاسلامي بقرآنه المجيد وسنة المطهرة وكأنه كنز العلوم
والمعارف لأنه متصل أشد الاتصال بالعلم قديمه وحديثه، وأنه ليس بمعزل عن الحياة
ومشاكلها وتطوراتها، وأنه ما جاء ليعادي العلم وأهله وإنما جاء ليقدم للبشرية
منتهى العلم وأنفعه ويقودها إلى طريق الحق واليقين في كل أمر من أمور ديننا
ودنيانا، وهو بذلك يؤكد ويحقق قول الله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من
شئ). (سورة الأنعام آية 38)
وتحدثا بنعم الله علي أذكر أنني بعد أن قمت بعون من الله بتأليف كتابي
(معجم الألفاظ والاعلام القرآنية) وجدتني راغبا بل مشدودا ومساقا إلى خدمة
كتاب الله مرة أخرى في محاولة ترادوني أن أكتب في إعجاز القرآن العلمي
على قدر بضاعتي الضئيلة في هذا المجال وقد عزمت وتوكلت مستعينا بحول الله
وقوته وبما ألفه العلماء في ذلك، أملا في أن يكون في عملي هذا ما يزيد القارئ
للقرآن علما بجلال حقائقه وروعة أسراره وأن يمحو الله به الغشاوة عن أعين الذين
عميت أبصارهم عن أنواره، وطمعا في أن يزيل به ظلمات الشكوك والريب
6

من قلوب الذين كفروا بما جاء في هذا الكتاب من الحق ويهديهم إلى
سواء السبيل.
ومما يشجعني على تأليف هذا الكتاب أنى آنست في كثير من شبابنا
المثقف رغبة ملحة في استجلاء معاني الآيات القرآنية بفهم عصري وميلا إلى الاستزادة
من أسرارها ومراميها، وهذه ظاهرة تدعو إلى الاستجابة لها والحث على دوامها
وتشجيعها وأرجو أن يقابلها العلماء ورجال الدين من أئمة الدعوة إلى الله تعالى بكل
ترحيب واهتمام وأن يرووا ظمأ الظامئين من فيوض القرآن العذبة وأرجو الله أن
يجعل من كتابي هذا منهلا سائغا رويا لمن يطالعه بوعي سديد.
وإنه من المفيد لمن يقرأ هذا الكتاب أن يتعرف على محتوياته واتجاهاته
فهو يشمل الأبواب الثلاثة الآتية:
الباب الأول: وفيه تمهيد لزيادة التعريف بالقرآن والتأكيد على أنه كتاب
الله الذي لا ريب فيه والذي يأمر الشرع بتلاوته.
إظهار موقف العرب من القرآن وقت نزوله وتصديهم له بالتكذيب
والجحود.
الباب الثاني: وفيه بيان عن سبب نزول القرآن معجزة معنوية دون غيرها.
من المعجزات الحسية التي كانت لغيره من الأنبياء.
عرض لعلم تفسير القرآن والأدوار التي مر بها في مختلف العصور.
الباب الثالث: وفيه طائفة من الآيات التي تدل على إعجازها العلمي مع تفسيرها
الديني أولا ثم شرحها في ضوء العلوم الحديثة بفهم عصري لها.
7

وقد اقتضى هذا الباب الأخير الاهتمام بعرض موجز لبعض مبادئ العلوم
الحديثة في أبسط أسلوب ومن غير تعمق في تفصيلاتها لبيان توافقها وتطابقها مع
منهج القرآن إذا اقتضى الامر زيادة الايضاح.
ولا يسعني وأنا أختم هذه المقدمة إلا أن أحمد الله حمدا كثيرا، وأثنى على
فضله ثناء جميلا على ما أو لأني من إتاحة الفرصة لتحقيق أمنية عزيزة على نفسي
كنت أتمناها لاعداد هذا الكتاب وطبعه ونشره عسى أن يكون لي من وراء
ذلك ما أنشده وهو إظهار أقباس من نور القرآن في إعجازه العلمي الذي أعتقد
أن كثيرا من المتعلمين المتقين يتطلعون إلى استجلاء أسراره العليا لكي يحققوا
لأنفسهم مزيدا من العلم والايمان ومزيدا من التمكن والعرفان ببعض ما جاء
في آيات القرآن من إعجاز علمي غاية في الروعة والبيان، ولعل في مطالعة غير
المسلمين لها ما يحملهم على الايمان بالقرآن وأنه كتاب الاسلام حقا وصدقا.
ولابد لي وأنا أقدم كتابي هذا أن أقول وحق أن ليس لي فيه من فضل
يذكر في تأليفه أكثر من أنى تتبعت آيات الاعجاز العلمي: بالبحث والتنقيب
عنها ثم جمعها والتنسيق لها، ثم عرض ما قطفته من ثمرات العلماء الاجلاء وآراء
الخبراء النجباء الذين كان لهم فضل السبق في فهم القرآن وتفسير آياته في ضوء
العلوم الحديثة التي هدى الله عباده إلى وضع قواعدها وهي العلوم التي أصبحت
حقائق لا يعتورها شك لان العلماء كرسوا حياتهم في بحثها ودارستها بالفحص
والتجريب حتى صارت لهم حصيلة تزداد نماء ورسوخا وتنوعا وتفرعا، وصارت
لها مع آيات الله توافق عجيب وتطابق رائع حقا.
وهناك حقيقة أخرى في هذا الاعجاز العلمي المشهود في قرآننا وهو أن هذا
الاعجاز لم ينته بعد بل هو قائم وممتد على طول العصور القادمة، وسوف تشهد
8

القرون المقبلة من إعجاز القرآن آفاقا جديدة لان الشواهد دلت على أنه كلما
تقدم العلم وتعمق الانسان في بحوره يجد مع كل ظاهرة علمية كانت في طي الخفاء
أن لها أصولا في القرآن سابقة عليها، وسوف يبقى هذا السبق سمة ملازمة للقرآن
ومستوعبة لكل ما سوف تأتى به العلوم على مدى الأزمان، وفى هذا ما يؤكد
ويحقق قول الله تبارك وتعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين
لهم أنه الحق).
وإني أدعو الله الكريم أن يقبل عملي هذا قبولا حسنا وأن يجعل منه
كتابا ينطق بالصدق ويدعو إلى ذكر الله والتذكير بجلاله وعظمته وأن يحيى به
قلوب من قرأه بوعي وانتفع به في دينه ودنياه، وتأكد أن كل ما يدعوا إليه هو
التدبر في ملك الله بقلب سليم.
والله الهادي إلى سواء السبيل؟
المؤلف
محمد إسماعيل إبراهيم
22 شارع المنتزه بالزمالك بالقاهرة
9

الباب الأول
بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ
(سورة البروج آية 21)
11

القرآن
القرآن الكريم هو كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين على خاتم
الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد لهداية الناس أجمعين، وقد جاء معجزة خالدة تحدى
بها الاسلام العرب فعجزوا عن مجاراتها فيما حوت من إعجاز في نظمها وأسلوبها
وما اشتملت عليه من روائع الشرائع والحكم والعلوم والأمثال، وإن أفضل
استهلال لموضوع هذا الكتاب هو أن نبدأ بذكر بعض ما ورد من وصف للقرآن
في كتاب الله الكريم وما جاء في سنة رسوله العظيم عنه، وما نطق به لسان الحق
من الخلق أجمعين تمهيدا للتعريف بجلال القرآن وحقيقة قدسيته، ثم نشفع ذلك
بما يجب معرفته بالضرورة من أنه معجزة الاسلام الكبرى:
آيات من كتاب الله تعالى في وصف القرآن:
يقول الله تبارك وتعالى في أول سورة البقرة تعريفا بالقرآن:
(ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون).
ويقول سبحانه وتعالى في أول سورة الكهف:
(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا
شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين
فيه أبدا).
ويقول جل من قائل في سورة المائدة آية - 16:
12

(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من أتبع رضوانه سبل
السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم).
وقال تعالى في سورة الأنعام آية - 155:
(وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون).
وقال تعالى في سورة فصلت آية (1 - 4):
حم، تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون
بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون).
ما جاء في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن القرآن:
(أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن)
(القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم)
(نوروا منازلكم بالصلاة وتلاوة القرآن)
(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)
(أهل القرآن أهل الله وخاصته) (وهم الحافظون له والعاملون بما فيه)
(إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، فقيل يا رسول الله وما جلاؤها؟
فقال: (تلاوة القرآن وذكر الموت)
(ما من أحد يعلم ولده القرآن إلا نوج يوم القيامة بتاج في الجنة)
وفى حديث طويل للرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (ستكون
فتن كقطع الليل المظلم، قيل يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله
13

تبارك وتعالى، فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل
ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن أتبع الهدى من غيره أضله الله
فهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو
الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء،
ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة التكرار،
ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا: (إنا سمعنا قرآنا
عجبا) من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا
إليه هدى إلى صراط مستقيم).
وفى خطبة من خطبه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أصدق الحديث
كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنة
سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اقرأ القرآن) قال: (فقلت يا رسول الله أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟
قال: (إني أشتهي أن أسمعه من غيري).
أقوال بعض العلماء في القرآن:
ذكر السيوطي في تعريف القرآن: إن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء
بأفصح الألفاظ في أحسن نظم التأليف متضمنا أصح المعاني من توحيد الله تعالى
وتنزيهه في صفاته، ودعائه إلى طاعته، وبيان لطريق عبادته من تحليل وتحريم
؟ وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم، وأمر بمعروف ونهى عن منكر وإرشاد
إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها، واضعا كل شئ منها موضعه الذي
14

لا يرى شئ أولى منه، ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه، مودعا
أخبار القرون الأولى الماضية، وما نزل من مثلات الله بمن مضى، وعائد منهم
منبئا عن الكوائن المستقبلة والأعصار الآتية من ذلك، جامعا في ذلك بين الحجة
والمحتج له، والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك أكد اللزوم ما دعا إليه وأنبأ عن
وجوب ما أمر به ونهى عنه.
وقال بعض العلماء عن مضمون القرآن أنه اشتمل على أنواع من الأعمال
كلف الله بها عبادة للقيام بأدائها وهي:
أولا: معاملة بين الله والعبد وهي العبادات التي لا تصح إلا بالنية، ومنها
عبادات محضة وهي الصلاة والصوم، وعبادة مالية اجتماعية وهي الزكاة، وعبادة
بدنية اجتماعية وهي الحج وقد اعتبرت هذه العبادات بعد الايمان أساس الاسلام.
ثانيا: معاملة بين العباد بعضهم مع بعض وهي أقسام منها:
(ا) مشروعات لتأمين الدعوة بالجهاد بالنفس والمال في سبيل الله.
(ب) مشروعات للأسرة وهي ما يتعلق بالزواج والطلاق والمواريث.
(ج) مشروعات لبيان المعاملة بين الناس من بيع وإجارة وهي بالمعاملات.
(د) مشروعات لبيان العقوبات على الجرائم وهي القصاص والحدود.
وقد عرف الأستاذ فريد وجدي مقاصد القرآن بقوله: (القرآن وحى إلهي
نزل به الروح الأمين جبريل على قلب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليكون
للعاملين نذيرا وبشيرا، وعقيدتنا معشر المسلمين أنه الكتاب الجامع لأشتات
الحكم ومتفرقات الأصول، وأنه فيه خلاصة سائر الكتب السماوية المتقدمة وأنه
15

جاء بالناموس الأعظم لكمال الحياتين الدنيوية والأخروية، وأنه آخى بين
طبيعتي الانسان الجسدية والروحية، وأنه أنزل للعالمين أجمعين وروعيت فيه
مصالحهم على قسطاس مستقيم، ولا جرم أن كتابا هذا شأنه لابد أن يكون راميا
إلى قصد ومتوخيا في تعاليمه دستورا، ولابد أن يكون قد وعد وأوعد، وبشر
وأنذر، ورغب ونفر، وبنى وهدم، وقوى ووهن، ووصل وقطع، وسلك
لكل ذلك مسالك خاصة أدته إلى المكانة التي بلغها في نفوس الآخذين به
قديما وحديثا.
القرآن آخر الكتب السماوية:
جاء في بعض الآثار عن عدد الصحف السماوية المنزلة ما روى عن أبي ذر
الغفاري قال: (قلت يا رسول الله كم كتابا أنزل على أنبيائه؟ قال الرسول:
مائة صحيفة وأربعة كتب، فقد أنزل على آدم عشر صحائف وعلى شيث خمسين
صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل التوراة
والإنجيل والزبور والفرقان (وهو القرآن) وقد نزلت الكتب المقدسة جميعها دفعة
واحدة إلا القرآن فقد نزل منجما أي مفرقا.
فالقرآن آخر الكتب السماوية أنزله رب العزة جل جلاله على خاتم أنبيائه ورسله
محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت نزوله بكل من الدليلين العقلي والنقلي،
أما الدليل العقلي فهو ما تضمنه هذا الكتاب من وجوه الاعجاز الذي تحدى
الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عجزا مطلقا وما يزال التحدي قائما إلى
يوم القيامة.
وأما الدليل النقلي فهو ما نقله إلينا السلف الصالح الذين عاشوا في زمن النبي
وعاصروه، فقد ثبت بالتواتر الذي لا يرقى إليه شك أن القرآن كلام الله الذي
16

كان ينزل على النبي ويوحى إليه به بمرأى ومسمع من عشيرته وصحابته المعاصرين
والملازمين له، وكان النبي يأمر كتاب الوحي أن يسجلوا آياته فور نزولها
على رقاع من العظم أو الجلد أو الجريد أو الحجارة وعلى كل ما كان ميسورا
وصالحا للكتابة عليه وقتئذ.
موقف العرب إزاء الدعوة الاسلامية والقرآن:
لم يجد النبي من العرب عامة ومن قريش خاصة عندما أعلن دعوته بدين
الاسلام سوى الصد والتكذيب والسخرية والاستهزاء والايذاء، فقد رموه
بالكهانة تارة وبالجنون تارة أخرى، كما أعلنوا التنكر للقرآن وقالوا عنه إنه سحر
مفترى، وقد تعرض النبي وكل أتباعه من المؤمنين لأشد ألوان الأذى والاعتداء
ولم يثنه ذلك عن مواصلة جهاده وإعلان دعوته للتوحيد والحط شأن معبوداتهم
من الأصنام والأوثان، وقد حاولوا أن يصرفوه عن دعوته بكل وسائل الارهاب
وبالوعد والوعيد فكان يرد عليهم قائلا: (إن الله بعثني رسولا وأنزل علي
كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربى ونصحت
لكم فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه
على أصبر لأمر ربى حتى يحكم بيني وبينكم).
استعانة قريش باليهود في معارضة النبي وتحدى القرآن:
استعان القرشيون في معارضة الدعوة الاسلامية وقرآنها بأحبار اليهود لأنهم
أهل كتاب يدعو للتوحيد لعلهم يجدوا لديهم أدلة يدحضون بها ما أنزل من
الوحي على النبي، وكان اليهود يومئذ من ألد أعداء الاسلام ورسوله لأنهم
17

يعتقدون أن النبي المنتظر سيكون من بني إسرائيل لا من العرب، فأوعز اليهود
لقريش أن يسألوا النبي عن ثلاثة أشياء فإن أخبرهم بهن فهو نبي مرسل، وإن
لم يجب عنها فهو مدع منتحل للنبوة، وقالوا سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول،
وعن رجل طواف، وعن الروح، وقد نزل الوحي بالإجابة عن هذه الأسئلة
بأن الفتية الذين ذهبوا في الدهر هم أهل الكهف، وقد ذكر القرآن قصتهم،
وأن الرجل الطواف هو ذو القرنين المذكورة قصته أيضا في القرآن، أما عن
الروح فكانت الإجابة عليها قوله تعالى: (الروح من أمر ربى وما أوتيتم من
العلم إلا قليلا).
عناد قريش وتخبطهم في تكذيب القرآن:
لقد كانت قريش أحرص الناس على إطفاء نور القرآن والطعن في إعجازه
والسعي في إخفاء حقائقه وإبعاد تأثيره القوى في نفوس من يسمعه عن القبائل
وذلك بالدعايات الكاذبة، ولو كان في مقدورهم معارضة القرآن والآتيان بشئ
من مثلة لفعلوا، ولكنهم قالوا عن القرآن إنه سحر كما جاء ذلك في قوله تعالى:
(وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين)
(سورة الأحقاف آية - 7) ثم قالوا عن القرآن إنه شعر شاعر فرد القرآن
عليهم بقوله تعالى: وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين
(سورة يس آية - 69) ثم عادوا فقالوا أنه أساطير الأولين علمها له غيره من
العارفين بها فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله: (وقالوا أساطير الأولين
اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) (سورة الفرقان آية - 5) وقد اتهمه
بعضهم بالجنون فرد القرآن عليهم بقوله تعالى: (ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا
لشاعر مجنون، بل جاء بالحق وصدق المرسلين): (سورة الصافات
آية - 36، 37).
18

شهادة الوليد بن المغيرة أبلغ فصحاء العرب في القرآن:
أعيت الحيل القرشيين في محاربة القرآن بتكذيبه وإطفاء نوره والحد من
تأثيره في قلوب سامعيه فاجتمعوا عند الوليد بن المغيرة أحد بلغاء العرب يتشاورون
فيما يمكن عمله لابطال سحر البيان في هذا القرآن العجز الذي كانت وفود
القبائل الآتية إلى مكة للحج تستمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرتله فيبلغ
تأثير القرآن أعماق نفوسهم ويروعهم أسلوبه ومعناه، وحارت قريش في أمرها وكيف
يصدون هذه القبائل عن الاجتماع بمحمد والاستماع لرسالته فكانوا يقولون لهم
مرة إنه كاهن، ومرة أخرى يقولون عنه أنه ساحر ومرة ثالثة يقولون عنه إنه
شاعر ولكن عقلاء القبائل ما كانت في قرارة نفسها تصدق هذا الكلام المناقض
لجلال ما يسمعون من آيات القرآن والذكر الحكيم.
وأخيرا استقر رأى قريش أن يوزعوا أنفسهم عند مفارق الطريق الموصلة إلى
مكة ويجلسون عند مداخلها لمقابلة القادمين وتحذيرهم من مقابلة محمد أو الاستماع
إلى حديثه وقرآنه، ولما كانت قريش مسموعة الكلمة في العرب فكان كثير
من هؤلاء الوافدين ينقادون لرأيهم، وكان الوليد بن المغيرة أشد المؤمنين بأن
ما يتلوه محمد من القرآن حق لا ريب فيه، وكان يقول لقومه عن القرآن:
(إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو
ولا يعلى عليه، وكان ينصح قومه أن يتركوا محمدا وشأنه لأنه توسم مجسه المرهف
أن دعوة محمد ستكون لها شأن وأي شأن.
معجزة النبي الكبرى هي القرآن:
إن كلمة القرآن لفظ مشتق من مادة قرأ وهي أول كلمة نزل بها الوحي على
النبي في غار حراء إشارة إلى مكانة القراءة التي هي السبيل إلى العلم وسر التقدم
19

والارتقاء في الحياة وكانت معجزة النبي هي القرآن الذي كان يتلوه المسلمون في
حياته والذي سوف يتلوه من بعده ألوف مؤلفة لا حصر لها إلى يوم القيامة
ولم تكن معجزته معجزة مادية محسوسة كمعجزات الأنبياء السابقين وقد طالبه
قومه بإلحاح بمعجزة حسية ملموسة حتى يؤمنوا برسالته، والقرآن يقص علينا ذلك
في قوله تعالى في سورة الإسراء - آية 92. (لن تؤمن لك حتى تفجر لنا من
الأرض ينبوعا، أو يكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا،
أو تسقط السماء علينا كما زعمت كسفا، أو تأتى بالله والملائكة قبيلا، أو يكون
لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا
كتابا تقرأه) فكان الجواب على هذا التحدي أن قال الرسول بأمر الله (قيل
سبحان ربى! هل كنت إلا بشرا رسولا؟) وكان هذا هو الجواب المفحم بالحق
والصدق أمام تعنت المتعنتين المطالبين بالبراهين المادية.
لماذا كانت معجزة محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن؟
إن السر في أن يكون القرآن هو معجزة النبي الكبرى تتجلى في أنها
المعجزة المعنوية القدسية ذات الاسرار الروحية المتصلة بالملأ الأعلى، وأن فيه
علوما وفيوضات آلهية جعلته الكنز الرباني الخالد على الدهر وأن له البقاء والنماء
المعنوي والروحي ما دامت الألسنة ترتل آياته والقلوب تخشع عند سماعها والجلود
والجوارح تلين وقت التأثر بها، ولم تشأ إرادة الله الحكيم العليم أن يجعل معجزة
النبي معجزة مادية حسية كما كانت معجزات الأنبياء من قبل عندما ظهرت للعيان
ثم اختفت لأنها عاشت في ذاكرة الناس مع حياة أنبيائها فقط، فلما ذهبوا ذهبت
وانطوت بموتهم، وإنما أرادها الله لنبيه محمد أن تكون معجزته قرآنا خالدا
على الدهر، وتبقى معجزة حية ما دام النبي حيا وأن تظل كذلك حية بعد موته
20

وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وذلك لأنها خاتمة الرسالات للناس أجمعين
وليست بعدها رسالات ولا معجزات أخرى، ويكفي في تفوقها أنها جمعت
فأوعت كل ما تحتاج إليه البشرية من أصح العقائد الحقة وأسمى المبادئ القويمة
وأرقى المناهج للصلاح والاصلاح والفلاح، وأخلص العبادات الموصلة قولا وعملا
إلى رضوان الله تعالى وسعادة الدارين.
وكل الذين هداهم الله ووفقهم إلى قراءة القرآن وتدبر آياته من يوم أن نزل
على النبي صلى الله عليه وسلم وإلى ما شاء الله يؤمنون بقدسيته ويقرون بروعته
البيانية ويشعرون بلمساته الروحية ويأنسون بنفحاته السماوية، ويرجع ذلك إلى
حقيقة ذاتية في القرآن تتمثل في كيانه القائم على الحق وفى أسراره العلوية التي
تكمن وراء ألفاظه ومعافيه والتي تتجلى في جاذبيته الآلهية التي تأخذ بقلوب مرتليه
وسامعيه، وليس أدل على ذلك من أن أبلغ بلغاء العرب من قريش كانوا إذا
سمعوا آيات الله تتلى عليهم يستولي على مشاعرهم سحر بلاغتها، وقد بلغ من
افتتان بعضهم بها أنهم كانوا يتسللون فرادى في دجى الليل على مقربة من دار
النبي ينصتون إلى تلاوة القرآن فتملأهم تلاوته إعجابا وتقديرا واستمتاعا بما فيه
من حلاوة وطلاوة وسمو روحي يأخذ بألبابهم، ومن عجيب أمر هؤلاء العرب
الذين أنكروا القرآن وإعجازه في الأداء والبيان هم أبناء الأمة التي كان
لها غرام بالبلاغة والفصاحة حتى أنهم كانوا يعقدون الأسواق الأدبية كل عام
ليعرض فيها الأدباء والشعراء إنتاج مواهبهم ويدعون الحكام للحكم بين الشعراء
والأدباء لتكريمهم والاحتفال بالنوابغ منهم.
دلائل إعجاز القرآن:
اشتمل القرآن الكريم على عدة دلائل قوية وبراهين دامغة على أنه المعجزة
الكبرى وأنه آية من آيات الله العظمى الخالدة على الدهر ومن ذلك:
21

أولا: بلاغته الفريدة في نظمه ولفظه وأسلوبه ومخالفته لمناهج العرب في
فصاحتهم وبلاغتهم التي كانوا يعتزون بنبوغهم فيها، إذا لم يكن شعرا موزونا
ولا نثرا مرسلا ولا سجعا مقفى وإنما هو نهج مستقل قائم بذاته في جمال عباراته
العذبة وصياغة معانيه السامية التي لم يكن للعرب عهد بمثلها من قبل حتى أن بلغاءهم
ما كانوا لا يدرون من أي ناحية من نواحيه يتملك مشاعرهم ويستولي على عقولهم
وكانوا من فرط حيرتهم في وصفه يقولون عنه إنه السحر وما هو بالسحر.
ثانيا: حفل القرآن بالكثير من قصص الأنبياء والرسل وأخبار الأمم السابقة
وأحوالهم بما يطابق الصادق المؤكد مما جاء في كتب أهل الكتاب من اليهود
والنصارى، مع أن النبي صلوات الله وسلامه عليه نشأ أميا لا يقرأ ولا يكتب وقومه
يعلمون أنه لم يدرس ولم يتعلم على يد أحد شيئا من العلم، فمن أين له هذه الانباء
والمعلومات عن الرسل والأنبياء وعن التاريخ القديم للأمم والشعوب؟ إنه لا شئ
سوى الوحي الذي يوحى إليه من ربه الذي يقول في كتابه العزيز في سورة
العنكبوت - آية 48: (وما كنت تتلو قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن
لارتاب المبطلون)، ولما تملكتهم الحيرة في شأن القرآن وروعته افتروا على الله
الكذب وأدعوا أن أحد فتيان الروم علمه سرا هذه الأخبار كلها وهذا كذب
صراح لان هذا الرومي المزعوم كان أعجميا لا يحسن العربية، ويكذب القرآن
افتراءهم هذا بقوله تعالى في سورة النحل آية - 103: (ولقد نعلم أنهم يقولون
أنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين).
ثالثا: لم يقتصر القرآن على ذكر أخبار أحوال الأمم الماضية وأنبيائهم
ورسلهم وما جرى من الحوادث التي مضى عليها زمن طويل بل أخبر كذلك
عن أمور سوف تقع في المستقبل وقد تحقق فعلا وقوعها، ومن ذلك ما أخبر به
22

القرآن عن دولة الروم المسيحية التي غلبتها دولة الفرس الوثنية أولا، ثم أخبر
القرآن بأن دولة الروم المغلوبة سوف تنتصر بعد بضع سنين كما جاء ذلك في قوله
تعالى في سورة الروم آية 1 - 4: (ألم، غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من
بعد عليهم سيغلبون في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ
يفرح المؤمنون).
ومن ذلك أيضا ما أخبر به القرآن عن وعد الله لرسوله بأنه سوف يفتح مكة
ويدخل المسجد الحرام، وقد تحقق ذلك فعلا بعد فترة وجيزة من الزمن فقال
تعالى في سورة الفتح آية - 27: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن
المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا
فجعل من دون ذلك فتحا قريبا).
رابعا: ما تضمنه القرآن من أمور دينية ما كان العرب يعرفون عنها شيئا
مثل عقيدة التوحيد والايمان بالغيب وبيوم القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار
والملائكة وغيرها من المسائل الأخرى الخاصة بالتشريع ومعرفة الحلال والحرام
والحقوق والواجبات للأسرة والوطن ثم بيان ما يجب على الانسان من مكارم الأخلاق
وروح الاخوة والتعاون والبر والتقوى مما يؤدى إلى سعادة الدارين.
وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يتلو على الناس ما أنزل إليه بلسان
عربي مبين في موضوعات أخرى شتى وهو الأمي الذي لم يدرس من أمور التشريع
ولا من أمور الغيب ولا من أصول الأخلاق أو علم النفس أو علم الاجتماع شيئا،
فمن أين له هذا الكنز الفياض بهذه العلوم والمعارف في دقة وروعة وإحكام؟
أنه النبوة الموحية إليه بهذا كله من عند الله تعالى.
23

خامسا: لقد انطوى الكريم على آيات بينات كثيرة فيها حقائق علمية غاية
في الأصالة والموضوعية فيما يتعلق بالكون والسماوات والأرض والنجوم
والكواكب التي تجرى في أفلاكها وتعاقب الليل والنهار ثم ما جاء عن خلق
الانسان وتطوره جسما وعقلا وروحا ثم ما ذكره عن النبات والحيوان والحشرات
كما أن القرآن تكلم عن السحب والأمطار والعواصف والجبال والأشجار والأنهار
والبحار وغير ذلك من الكائنات والمخلوقات كبيرها وصغيرها وكل ذلك لم يكن
الانسان قبل نزول القرآن ولا بعد نزوله بزمن طويل يعلم عن حقائقه شيئا ولا يدرى
من أسبابه وأسراره أي شئ بل ظل ذلك كله سرا مطويا عن العقل البشرى
إلى أن جاءت عصور النهضة العلمية التي أخذ الانسان خلالها يدرس ويبحث
وينقب بحثا عن الحقائق الكونية والكشف عن أسرارها ونواميسها شيئا فشيئا
حتى صارت لديه حصيلة قيمة من العلوم والمعارف والقوانين والنظريات التي عن
طريقها بدأ الانسان يعرف ما جاء به القرآن منها وذلك قبل نهضته العلمية الحديثة
بزمن بعيد.
سادسا: أن القرآن الكريم وقد مضى على نزوله حتى الآن نحو أربعة عشر
قرنا لم يظهر في نصوصه ولا في معانيه أو مراميه أي خلل أو تناقض أو اضطراب
أو قصور فيما عبر به عن الحياة الدنيا وأحوالها أو ما جاء به من حقائق ومبادئ
وتشريع وأحكام ونظام وقد حاول أعداء الاسلام خلال هذه القرون وبعد أن
قرأوا القران مرارا ونخلوه وغربلوه. تكرارا لكي يجدوا فيه أي ثغرة من خطأ
أو نقص أو ضعف في أي شئ فما وجدوا فيه غير الحق الصراح والعقائد القويمة
والهداية الشاملة في أروع ظواهرها وبواطنها ويقول الله تعالى في سورة النساء
آية - 82: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
24

ويتجلي إعجاز القرآن بصفة خاصة في وجهين هامين من إعجازه:
أولهما ما يتعلق بمنهاجه البياني وثانيهما منهاجه العلمي.
أما منهاجه البياني فقد لمسه العرب لأنهم كانوا أول من خوطبوا به وأدركوا
ما في آياته من بلاغة وفصاحة وجزالة في ألفاظه ومعانيه، وقد أقروا بعجزهم
عن تحديه، وظل إعجازه البياني قائما في الجزيرة العربية طيلة عصر النبوة
وما بعده إلى ما شاء الله تعالى.
وأما منهاجه العلمي فقد كان إعجازا ممتدا على مدى العصور وإلى أن يرث
الله الأرض ومن عليها، وذلك لما اشتمل عليه القرآن من علوم كونية وحقائق
علمية وتشريعية لم تكن معروفة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وسيظل هذا
المنهاج العلمي هو معجزة الأجيال كلها بما يظهر منها تباعا.
ومنهج الاعجاز البياني يتمثل في تأليف كلماته وتآخيها، وتلاقيها في عباراته
المنسجمة وفى نظمها المحكم ورنينها الموسيقى، وقد جاءت المعاني القرآنية مؤاخية
للألفاظ وكأن الألفاظ قطعت لها وسويت على حجمها، ومن أمثلة التناسق بين
الألفاظ ومعانيها قوله تعالى: (والصبح إذا تنفس) فإن استعمال لفظ تنفس
لا يمكن أن يوضع مكانه لفظ آخر ليؤدي معناها، وذلك لان التنفس يندرج
فيه ثلاثة معان تتصل بالحياة الدائمة المستمرة أولها التنفس بمعنى الحياة وثانيها
حركتها واستمرارها وثالثها تدرجها في الظهور شيئا فشيئا، فلو وضعت كلمة
أشرق بدل تنفس أو أصبح أو أنار أو أضاء لا تقوم مقام تنفس ولا تغنى
غناءها.
ومثل آخر للعبارات التي ترد في القرآن ولها معان لا يحل محلها أي تعبير آخر
25

كما في قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان
فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض وأتبع
هواه، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث ذلك
مثل، الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) (الأعراف
175 - 176).
وتصور هذه الآيات رجلا أتاه الله العلم بالآيات الموجبة للتصديق بالحق، وأن
هذه الآيات أحاطت بقلبه ونفسه كما يحيط الإهاب أي الجلد بالجسم ولكنه ترك الاخذ
بالهدى استجابة لداعي الشيطان، وصار من الضالين الذين أغواهم إبليس اللعين فكان
مثله كمثل الكلب يلهث دائما، إن ترك يلهث، وإن حمل عليه يلهث، فكل
كلمة في هذه الآيات تؤدى معنى لا تعنى عنه كلمة أخرى مهما حاول الانسان
ذلك، والعبارات صادقة ومطابقة للحال في تصوريها.
وأما المنهج العلمي من الاعجاز فهو موضوع هذا الكتاب بالذات وسوف
فعرض له مجموعة من الآيات التي تبين كيف حفل القرآن بأصول العلوم المتصلة
بنشأة الكون وخلق الانسان والكائنات كلها، وكيف أنه طلب منا التفكر
والتدبر في أسرارها وحكمتها.
القرآن والعلم:
فليس غريبا ولا عجيبا أن يأتي القرآن وهو المعجزة الكبرى بكل الموافقات
والمطابقات لكل ما وصلت إليه العلوم الحديثة من نتائج ووصل إليها العلماء
بعد مئات السنين من الدراسة والبحث والتأمل لأنه كلام الله العليم بالسر وأخفى
في ملكه العظيم وإن كثيرا من القضايا الاجتماعية والسياسية والحربية والتشريعية
26

والأخلاقية وغيرها جاء بها القرآن قبل أن تكون شيئا مذكورا في معارف
الانسان وقت نزول القرآن ثم ظهرت معالمها واضحة بعد موت النبي صلى الله
عليه وسلم بزمن طويل، بل أن في القرآن ما هو أكثر من الاعجاز العلمي ألا وهو
ما أخبر به القرآن في عدة آيات بأمور لم يكن أحد يعلم أسرارها الغيبية مثل ما حدث
في الملاء الاعلى قبل ظهور الانسان عندما خلق الله آدم عليه السلام وما كان من
سجود الملائكة له وهبوطه إلى الأرض وخلافته فيها، فهل ذلك كله من علم
محمد رسول الله حتى يذكره لنا مفصلا؟ كلا أنه كتاب الله الذي يتحدث عن علم
الله المحيط يكل شئ.
المصحف كيف توحد وانتشر:
إن كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم سورا أو آيات متفرقة في
في مدى ثلاث وعشرين سنة والمنقول تواترا صحيحا والمتعبد به تلاوة وعملا
والمجموع كله بين دفتي المصاحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس،
كان في أول الامر وعلى عهد النبي مكتوبا على رقاع متفرقة من الجلد أو العظم
أو جريد النخل أو قطع الحجارة كما كان محفوظا في صدور الصحابة الذين حفظوه
عن ظهر قلب، فلما قامت حروب الردة في خلافة أبى بكر الصديق وقتل فيها
أكثر الصحابة المجيدين لحفظ القرآن، هال هذا الامر عمر بن الخطاب وأشار
على أبى بكر بجمع الرقاع ونسخها، فاستجاب أبو بكر لذلك وأمر زيدا بن ثابت
وهو من أبرز كتاب الوحي أن يقوم بجمع القرآن من الرقاع المكتوب عليها ومن
صدور الحفاظ فنسخه وحفظت هذه الأصول المنسوخة عند أبي بكر فلما مات
حفظتها السيدة حفصة ابنة عمر عندها، وفى عهد سيدنا عثمان بن عفان ظهرت
بعض اختلافات في القراءات بين المسلمين فرأى عثمان منعا لهذه الاختلافات أن
27

يدون مصحفا واحدا مأخوذا من الأصول المحفوظة عند حفصة وأن ينسخ منها
عدة مصاحف أعدها وأرسلها إلى الأمصار الاسلامية ثم أحرق جميع الرقاع الأخرى
كما أعدم كل ما سوى المصحف الموحد حتى لا يفتح باب الزيادة أو النقص
أو التحريف في كتاب الله وخاصة بعد اختلاط العرب بأهالي البلاد غير العربية
التي فتحوها وبذلك تحقق قول الله تعالى: إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
وسوف يبقى القرآن إلى ما شاء الله المعجزة الآلهية الخالدة وسوف يبقى كلام
الله عزيزا بقدسيته غنيا بنفسه متلألأ بآياته التي كلما مضى عليها الزمن ازدادت
إشراقا وبهاء لأنها أنوار آلهية وضاءة وطاقة علوية خلاقة وقوة روحية وثابة تدفع
كل من يؤمن بها إلى العمل والجهاد والرقى حسا ومعنى، ولا يغيب عن البال أن
كتاب الله حليف العلم والعلماء، وعدو الجهل والجهلاء وداعية الهدى والاهتداء
ثم هو كتاب الله الذي لا يرضى مطلقا عن الجمود والركود والاستخذاء وما كان
في أي حال أو في أي عهد من عهود الزمان متعارضا أو متناقضا مع أصول العلم
ومناهج الحكمة ونواميس الكون بل إنه كلما اكتشف العلماء جديدا من كليات
العلوم وأصولها أو أي شئ من كنوز الحكمة وجدوا لها في كتاب الله مواضع
وإشارات تنم عليها وتدل عليها.
إن هذا القرآن هو كلام الله الحق وقد وعد المسلمين فيه بالتمكن في الأرض
والاستخلاف فيها بقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي
ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن
كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) فماذا جرى ونحن المسلمون المخاطبون بهذه
الآيات وقد تخطانا هذا الوعد بأن يستخلفنا الله في الأرض؟ أما آن لنا معاشر
28

المسلمين ونحن في كثرة من العدد ووفرة من الموارد أن نتحد ونتعاون ونستعيد
أمجادنا بأن نتعلم كل ما هيأ الله في الأرض من علم، وما يلهم به من عمل وصناعة
ورقى مادي واختراع لكي نعد أنفسنا لحياتنا العصرية التي لا تتفوق فيها الأمم
إلا بالايمان وبالعلم وتطبيقاته، ولدينا من الحوافز القوية من كتاب الله وسنة
رسوله ما يجعلنا خير أمة أخرجت الناس.
وفى ختام هذا الباب يطيب لي أن أسجل ما سبق لي أن كتبته ونشرته
في كتابي (مع الله) في باب كلام الله وهو القرآن ما يأتي بأسلوب الشعر الحر:
كلام الله يتلوه أهل الذكر على مكث فيحدون هديه أجمل ما يكون.
وهم يرددون تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ما استطاعوا ولا يسأمون.
وكل الذين يرتلونه بفهم يحسون قدسيته فتقشعر منهم الجلود ثم تلين.
وكل الذين يتدبرون آياته يلهمون من أسراره وأهدافه أكثر وامتنع مما يعلمون.
وكل الذين يتفرغون لدراسته تنكشف لهم كنوز قيمة من العلوم والفنون
وهكذا كل من يقرأ القرآن بفهم يجد فيه ينابيع من التقى تروى قلوب المؤمنين.
فتعلق يا أخي بحبل القرآن وأحرص على تلاوته وفهمه ولا تكن عنه من الغافلين
لقد أنزل الله كتابه وقال له: كن لقرائك الأبرار شفاء لما في الصدور.
وكن نورا يهتدى به من يتعلمه ويحفظه ويتلوه خاشعا في مساء وبكور.
وكن أيها القن آن مذكرا بالغيب وبحقيقة الحساب يوم البعث والنشور.
وكن أيها القرآن معلما ومرشدا للناس بأن الآخرة هي دار القرار والمصير
وأن هذه الحياة الدنيا متاع قليل، فلا يلههم الامل عن مآلهم بالغفلة والغرور.
وأن الله سبحانه حسيب رقيب لا يغفل عن صغير من عملهم أو كبير.
وهكذا القرآن على منوال الهدى ينسج الوعظ وعلى محور التقوى يدور.
29

والقرآن معجزة الله الباقية من المعجزات التي جاءت وانتهى أمرها بزمانها.
ومعجزة القرآن جاءت كاملة خالدة لندوم إلى ما شاء الله تعالى لدوامها.
وكل الكتب السماوية السابقة حرفت ولم يبق غير الاطلال من جلال أصولها.
أما القرآن الكريم فهو باق على الدهر لا يتغير وآياته حافظة لرسمها ونصوصها.
أليس في ذلك ما يقنع أهل الشك بالدليل القاطع على صدق آياته وإعجازها.
وكم من جاحدين حاقدين يتمنون لو يعثرون على تناقص أو نقص في كمالها.
وقد مضت القرون وما وجد المنقبون في آيات القرآن غير الحق في طياتها.
30

الباب الثاني
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين
31

القرآن روح الدعوة الاسلامية ومحور ثقافتها
إن القرآن الكريم منذ نزل على محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهو
ركيزة التوحيد الخالص وكنز العقائد الايمانية ومصدر الأحكام الشرعية ودليل
الحقائق الكونية كما أنه الملهم بالفتوحات الإلهية والباعث على الجهاد والاجتهاد
في العبادة والطاعات، والحافز للعقول إلى التفكر في خلق السماوات والأرض
وغير ذلك من المجالات المتعلقة بالحسيات والمعنويات، فهو بحق مدار لكل
حركات فكرية أو نهضات إصلاحية أو أعمال عمرانية وتقدمية على مدى الزمن.
الله هو الخلاق العظيم:
خلق الله الأكوان كلها من العدم، وأبدع صنعها وأتقن كل شئ من
ظواهرها وخوافيها وجلائها ودقائقها، ولا تخفى عليه ذرة من مقوماتها وسننها
ونواميسها فإذا ذكر سبحانه عنها شيئا في قرآنه فهو قول العليم الخبير الذي
لا يعزب عن علمه شئ منها في الأرض ولا في السماء، والقرآن بهذه المزايا الربانية
هو المرجع الجامع لكل علم نافع أو نهج قويم يوصل إلى سعادة الدارين،
والرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول في حديث له: (من ابتغى الهدى في غير
القرآن أضله الله).
ولا يتاح للبشرية إن تنتفع بالقرآن وتهتدي بنوره إلا إذا فهمت نصوصه
لفظا ومعنى عن طريق تفسير واضح قائم على حقائقه المؤكدة التي تبين مقاصده
ومراميه بغير تأويل له يراد به غايات دنيوية أو منافع ذاتية، ولهذا عنى المسلمون
بتفسير القرآن واهتموا بفهم حقائقه اهتماما عظيما على مدى العصور، ولابد لنا قبل
32

الكلام عن موضوع الاعجاز العلمي للقرآن أن نمهد بنبذة موجزة عن التفسير
ووسائله وأهدافه اتجاهاته المختلفة المنازع.
القرآن كتاب الله المبين:
يقول الله تبارك وتعالى في وصف القرآن بأنه كتاب مبين في عدة آيات منها:
(ألم، تلك آيات الكتاب المبين) (يوسف آية - 1)
(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) (المائدة آية - 15) (ولقد أنزلنا إليكم آيات بينات) (النور آية - 34)
(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)
(النحل آية - 44).
وهذه الآيات ومثيلاتها تبين بكل وضوح أن القرآن بين ولا يحتاج إلى تبيين
وقد نزل على العرب بلغتهم التي يعرفون ألفاظها وأساليبها وبلاغتها، وإذا كان
في القرآن شئ مجمل أو شئ غامض المعنى فكان الرسول صلوات الله وسلامه
عليه يفسره، هذا مع العلم بأن كثيرا من الآيات القرآنية يفسر بعضه بعضا.
تفسير القرآن:
التفسير علم من العلوم الدينية التي يقصد به إيضاح القرآن وتبيانه للكشف
عن مراميه وأسراره، وقد وضع المفسرون له قديما وحديثا المؤلفات الكثيرة
للشرح ألفاظه بما يتفق مع سياق المنهج القرآني وإظهار المعاني التي وراء الألفاظ
سواء في ذلك المعاني الحقيقية أو المعاني المجازية، وفى ذلك يقول الله تعالى في سورة
الفرقان آية 33: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا)،
33

وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه أول مفسرا للقرآن لأصحابه فيما يتعلق
بالآيات التي تحتاج إلى تفصيل لما أجمل فيها من أحكام أو إيضاح لما غمض فيها
من معان دقيقة.
ومع مرور الزمن صار التفسير علما ضروريا لفهم كتاب الله فهما صحيحا،
وهو علم قائم ومدون منذ عهد التابعين للصحابة، ولا ريب أن القرآن مقصود
بذاته لكل مسلم لوجوب تلاوته والتعبد به والاستماع إليه والتفقه فيه ما استطاع
إلى ذلك سبيلا، مع الاجتهاد في فهم الروابط التي تربط معاني القرآن بما ورد في
السنة النبوية من أحاديث توضحها.
وقد تجمعت من مجهودات المفسرين للقرآن قديما وحديثا حصيلة ضخمة من
شروح قيمة تدعو للاعجاب التقدير لهؤلاء العلماء الاجلاء الذين خدموا كتاب
الله بما لم يخدم به أي كتاب عرفه الناس في هذه الدنيا، فقد خدموه ضبطا وشرحا
واستنباطا وتقديرا وإعزازا وإكبارا على مدى أربعة عشر قرنا سوف تتلوها إن
شاء الله قرون أخرى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومع كل هذه لدراسات
والتفسيرات والشروح المستفيضة للقرآن فإنه ما يزال كنزا لا ينفد من العلوم الربانية
المنطوية في ثناياه، والتي سوف تظهر رويدا رويدا مع التعمق في بحاره والغوص
وراء جواهره ولآلئه المكنونة فيه، ويقول الله تعالى في سورة فصلت آية 53:
سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق.
مراحل التفسير ومناهجه:
يمكن القول بأن علم التفسير مر بعدة مراحل كان لكل مرحلة منهاجها
العلمي الموافق لأحوال الزمان والمكان للانسان وعلى مبلغ تفتح القلوب واستنارة
34

العقول التي استجابت لدولة العلم في تطورها واتساع آفاقها وازدهار ثمارها، وهذه
المراحل هي:
أولا: مرحلة التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: مرحلة التفسير المأثور عن أقوال الصحابة وتلاميذهم من التابعين.
ثالثا: مرحلة التفسير المعتمد على اللغة لأنها أداة التعبير.
رابعا: مرحلة التفسير المعتمد على رأى التابعين وتأويلاتهم واجتهاداتهم.
خامسا: مرحلة التفسير العصري لبعض الآيات ذات المفاهيم العلمية أو التشريعية.
في ضوء العلوم الحديثة التي اتسع مجال أبحاثها وما زال يتسع يوما بعد يوم.
وإليك توضيحا لكل مرحلة منها:
التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلوات الله وسلامه عليه هو المفسر الأول للقرآن وكان تفسيره
شاملا لكل ما جاء فيه من عبادات ومعاملات ومعتقدات وكل ما يتعلق بالمجتمع
الانساني، ابتداء من الأسرة إلى الجماعة إلى الأمة وعلاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة
المسلمين بغيرهم من الأمم في الحرب والسلم، وقد وردت عن النبي أحاديث صحيحة
توضح وتفسر ما جاء في القرآن زيادة في الايضاح والبيان وهي الأحاديث المتواترة
بالسند الصحيح ولذلك كانت السنة النبوية خير مفسر للقرآن الكريم.
التفسير المأثور عن أقوال الصحابة وتلاميذهم والتابعين لهم:
يعتمد هذا التفسير أولا وقبل كل شئ على ما سمعه الصحابة من مفسره
الأول وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حفظوا هذا التفسير ووعوه لأنهم كانوا
35

أول من سمع القرآن عقب نزوله والنبي يتلوه عليهم، وكانوا أول من علموا أسباب
نزول كل آية ومناسباتها، وكان ذلك خير معين لهم على فهم المقصود من كل آية
فهما صحيحا، وكانوا يعنون كل العناية بتفسير كل ما يتعلق بالأمور الدينية من
حيث العقائد والعبادات وأركان الاسلام وأصوله وأحكامه لان هذا في نظرهم
هو جوهر الدين، وما كانوا يشغلون عقولهم بالحقائق الكونية وأسرارها
ونواميسها ولا يفكرون في أمرها إلى بقدر ما تدل عليه في نظرهم من قدرة الله
تعالى وعظمته، وما كانوا يهتمون بالقصص القرآني ولا الخوض في شئ من
أخباره إلا بقدر ما أتى به القرآن ولا يتعدون نطاقه ولا يلتفتون إلى ما يقوله
القصاص الذين زادوا فيه كلاما دخيلا عليه من الإسرائيليات وخلافها.
التفسير القائم على اللغة ومعاجمها اللغوية:
إن معرفة اللغة العربية هي بلا شك الأساس في فهم القرآن لان الألفاظ
القرآنية في ذاتها هي الوعاء له وهي أداة التعبير عن معاني القرآن وأهدافه ولا يمكن
الاستغناء عن معرفتها، ومعلوم أن القبائل العربية وقت نزول القرآن لم تكن
موحدة اللغة أو اللهجة بل كانت لكل قبيلة ألفاظها وتعابيرها الخاصة بها في إطار
اللغة العربية العام، وقد امتازت قبيلة قريش بأنها وسط بين هذه اللغات واللهجات
ولذا أنزل القرآن بها لأنها أقومها لسانا، وأعذبها بيانا، ولذلك كانت لغة القرآن
هي أصح وأدق الأصول اللغوية والبيانية وصارت هي المقياس والميزان لكل
ما يراد الاستشهاد على صحة عربيته.
وقد اتجهت عناية المسلمين وغيرهم من المستشرقين إلى دراسة مفردات القرآن
الكريم وشرحها ووضع المعاجم والفهارس لألفاظه الغريب منها وغير الغريب
للدلالة على معانيها لان القرآن أتى بألفاظ جديدة لم تكن معروفة ولا مألوفة قبل
36

الاسلام ولها مدلولات خاصة مثل كلمات الشرك والنفاق والصور والحشر
والأعراف والصراط والعرش والكرسي وغيرها مما لا عهد للعرب بها، وقد وضح
النبي معانيها بجلاء للصحابة وغيرهم، وقد استعمل القرآن ألفاظا من لغات أخرى
مثل كلمات الجبت وحصب وأرائك وهي ألفاظ حبشية، وكلمات السجل
والسرادق وزنجبيل وهي ألفاظ معربة من الفارسية، وكلمات قسط والرقيم والدراهم
وفردوس وهي كلمات رومية الأصل، وكلمات صلوات ولينا وفوم وهي من أصل
عبرى، وأمثال هذه الكلمات الغربية أصلا والدخيلة على اللغة العربية لابد لها
من معاجم تبين المقصود منها، هذا مع ملاحظة أن أمما كثيرة غير عربية دخلت
الاسلام وهي لا تعرف العربية كما أن عامة المسلمين الذين لم ينالوا قسطا كافيا من
الثقافة بحاجة شديدة إلى فهم معاني الألفاظ القرآنية من المعاجم اللغوية التي هي
خير وسيلة لشرحها.
مرحلة التفسير بالرأي:
وهو التفسير القائم على اجتهاد التابعين للصحابة ومن جاء بعدهم من العلماء
الأتقياء ذوي الفطن وهم الذين اتخذوا من سعة علومهم باللغة وإلمامهم بأصول
الشريعة وفهمهم لروح الدعوة الاسلامية اتخذوا من ذلك وسيلة للتمحيص
والتخريج واستنباط آراء وشروح مفصلة لقضايا وردت في القرآن بطريق الإشارة
إليها أو الاجمال لها، وقد فتح ذلك باب التفكر والتدبر في آيات الله وعدم
الاقتصار على ظواهرها وعلى آراء السلف فقط في تفسيرها بل حاولوا الاجتهاد
والتعمق في فهمها واستخراج المعاني الدقيقة المنطوية عليها بحيث لا يخالف هذا
الاجتهاد روح الشريعة وأهدافها.
وكان أول من استعمل راية في التفسير الامام بن جرير الطبري وذلك بعد
37

استعراضه لمختلف التفاسير في زمنه وتمحيصها وترجيح بعضها على بعض وإيداء
رأيه الخاص مستعينا في ذلك باللغة وأسرارها وبمعرفته لتقاليد العرب وآدابهم
وثقافته الواسعة في فهم طبائع الأشياء، وقد سلك مسلكه الامام
الزمخشري ومن جاء بعده ممن استعملوا عقولهم وخبراتهم وعلومهم في تفسيرهم
القرآن، وكذلك فعل أئمة المذاهب الأربعة في تمحيص القرآن وفهمه واستنباط
الاحكام منه.
وقد أجاز هذا التفسير بالرأي الامام الغزالي وغيره ما دام الرأي لا يخالف
القرآن ولا يعارض السنة النبوية ويحقق ما أمر به الله في قوله تعالى في سورة
محمد آية 24: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟) وفى هذا
تحريض على التدبر والتفكر في القرآن بقلوب مفتوحة وعقول مستنيرة
غير مغلقة.
وأنه على الرغم من الدعوة إلى تعقل آيات الله والتعمق في معانيها إلا أن
هناك من المحاذير ما يمنع بل يحرم تحريما باتا استعمال الرأي إذا كان هذا الرأي
نابعا عن هوى شخصي في نفس المفسر ما يتنافى مع الشرع ويأباه العرف، أو كان
رأيا صادرا عن تحميل الآيات ما لا تتحمله لاقرار مذهب معين يتعصب له المفسر
ويقحمه إقحاما لا مبرر له أصلا في نصوص الآيات لان ذلك يفتح أمام القلوب
المريضة المجالات للتهجم على القرآن بما لم ينزل به الله سلطانا.
ولئن كان بعض العلماء أجاز التفسير بالرأي والتأويل استنادا إلى دعاء النبي
صلى الله عليه وسلم لابن عباس بأن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل إلا أن ذلك
التوسع في التأويل قد فتح باب الشطط في التخيل والتصور وأوقع الكثير من
المؤولين في مزالق خطيرة في فهم الآيات وتحميلها معاني بعيدة عنها ومن ذلك
38

ما يفسر به الشيعة بعض الآيات على هواهم لاعتقادهم بأن للقرآن ظاهرا وباطنا
وأن الباطن له عدة بواطن لا يعرفها حق المعرفة إلا الامام المعصوم الذي يعتقدون
أنه يوحى إليه وأنه يسمع الكلام الموحى به ولكنه لا يرى من يكلمه.
ومن أمثلة تفاسيرهم وتأويلاتهم ما ورد مرويا عن الإمام الباقر في شرح
قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون، ومن جاء
بالسيئة فكبت وجوهم في النار) أنه فسر الحسنة بأنها هي معرفة الامام وحب
آل البيت وأن السيئة هي إنكار الامام وبغض آل البيت، وكذلك ما روى
عن جعفر الصادق في قوله: (فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) أنه فسرها
بأن أعمال الناس تعرض على الأئمة من آل البيت.
وقد كان هناك فريق من علماء المسلمين يستمعون إلى ما يقوله أهل الكتاب
من اليهود والنصارى نقلا عن كتبهم المقدسة فيصدقونها ويعتمدون عليها في
تفسيرهم للقرآن، والحقيقة أن كتب أهل الكتاب وتفسيرها قد دخلها التحريف
والتغيير على يد رجال الدين السابقين الذين حرفوها ودسوا فيها ما ليس منها
طعما في حطام الدنيا أو إرضاء للحكام كما أنها عندما ترجمت من لغاتها الأصلية
إلى اللغات الأخرى فقدت الكثير من حقائقها ومعانيها الأصلية، وذلك علاوة
على ما خالط تفسير هذه الكتب من أساطير وخرافات وإسرائيليات كان خليقا
بعلماء المسلمين الذين اعتمدوا عليها ألا يركنوا إليها ويحشروها في تفاسيرهم وفاتهم
أن المقصود من هذه الإسرائيليات هو الافتراء على الدين الاسلامي بما هو براء منه
ونتج عن ذلك تحقيق ما أراده أعداء الاسلام من البلبلة والتضليل، ومن أمثلة
ذلك ما جاء في تفسر الثعالبي وغيره.
وكان الأحرى بالعلماء القدامى الذين عاشوا في العصور المضطربة اجتماعيا
والمتأخرة عقليا أن يتنبهوا إلى ما جاء في كتاب الله من الحض على فهم القرآن
39

والتدبر في الآيات ومعانيها بفكر قويم وعقل سليم غير متأثر بترهات أو فلسفات
دخيلة على الاسلام من معتقدات الأمم التي دخلت في الاسلام وخلطوا عقائدهم
ومبادئهم الخاطئة ومفاهيمهم المنكرة في ساحة الاسلام النقية الخالية من الخرافات.
لماذا تتفاوت تفاسير القرآن:
إن تراث التفاسير الذي خلفه السلف يختلف بعضه عن بعض في اتجاهاتها
ومشاربها اختلافا واضحا، ومنشأ ذلك هو اختلاف مصادر الثقافة التي تأثر بها
أصحاب هذه التفاسير، فمن غلبت عليه النزعة الدينية توسع في شرح العقيدة
وأركان الاسلام، ومنهم من غلبت عليه الناحية اللغوية من بلاغة وبيان فأولى
هذه الأبحاث اهتمامه في تفسيره منهم من غلبت عليه النزعة الفقهية التشريعية
فانصرف إلى استنباط الاحكام والقوانين الدينية في المعاملات والحقوق والواجبات
ومنهم من تعلقت نفسه بالعبادة والتصوف والنظر إلى الحياة الدنيا يعين الزهد فيها
والتأمل في تقلباتها والاعتبار بصرفها فاجتهد في تفسير الآيات على منهج الوعظ
والتذكير بخشية الله والعمل على مرضاته والاخلاص في طاعته.
وبعض التفاسير القديمة مليئة بالكثير من الآراء التي لا تخلو من الخطأ
والصواب والراجح منها والمرجوح والقوى والضعيف، كما أن بعض المفسرين
قديمهم حديثهم لهم في تفسير الآيات آراء متعددة ومتشعبة، وقد تكون للآية
الواحدة في نظرهم عدة وجوه مختلفة، وواجب المفسر في العصر الحديث أن
يمحص ويقارن بين هذه الآراء ويكشف عن الآراء الضعيفة منها ليبين عوامل
الضعف والخطأ فيها، وقد يقتضى الامر البحث عن رأى آخر أقرب للحق
والصواب دون مجافاة أو معارضة لنصوص الدين ومنهجه ولا بأس من الاستعانة
بكل ما هو صحيح تماما من القوانين العلمية.
40

وبديهي أن القرآن لم ينزل ليكون كتاب طبيعة أو كيمياء أو فلك أو طب
أو تاريخ أو غير ذلك من مختلف العلوم بل هو كتاب هداية، لأنه لو نزل مفصلا
للنظريات العلمية الحديثة لما فهمه العرب الأميون وقتئذ، ولم يؤد القرآن رسالته
التي نزل من أجلها وهي نزع الشرك والجهالة والضلال والشرور والمفاسد
المتأصلة في النفوس، وقد كانت أكثر الآيات الملكية التي نزلت خلال ثلاث
عشرة سنة تدعو بصفة عامة إلى التوحيد ومحاربة الشرك بأساليب الوعد والوعيد
والترغيب والترهيب والتفقه في أصول الدين، ثم نزلت الآيات المدنية بعد ذلك
لكي تمكن الايمان في القلوب وتدعو إلى أهداف أخرى تقوم على التشريع وتنظيم
المجتمع وبث روح الاخوة والتعاون والحض على الجهاد في سبيل الله وغير ذلك
من سياسة الجماعات والدول الرشيدة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجه إليه أحد سؤالا عن أمور كونية
أو مسائل طبيعية أو غير ذلك مما يستلزم الإجابة عليه الدخول في تفاصيل علمية
فوق مستوى ثقافة عصره فإن الله سبحانه يوحى إلى رسوله بإجابات سديدة مبسطة
تقبلها العقول قبولا حسنا، فمن ذلك مثلا قوله تعالى في سورة البقرة آية 189:
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) وهكذا يأتي الجواب سهل
الفهم كافيا للاقناع بأن اختلاف أوجه القمر هي لحكمة معرفة الأوقات وبخاصة
مواقيت الشهور ومواعيد الحج التي تهم السائلين.
وقد جاءت في بعض التفاسير القديمة آراء غير صحيحة وتأويلات خاطئة لا تقبلها
العقول السليمة فكان لابد من معارضتها ودحضها بإعادة النظر في تفسيرها على
وجهها الصحيح لان السكوت على ذلك وترك القديم على قدمه وخطأه هو نوع
من الجمود والتخلف وحجر على العقول والقلوب المتفتحة لرؤية حقائق القرآن
بنور العلم والايمان.
41

الاعجاز العلمي في آيات القرآن:
يجب على المسلم ألا يختلط عليه الامر بين رسالتي الدين والعلم وألا ينظر
إليهما على أنهما أمران مختلفان تجب المقارنة والمفاضلة بينهما بل هما في حقيقة
أمرهما رسالتان متكاملتان، وكلاهما يساعدان على تثبيت الايمان في القلوب،
لان العلم نور يهدى إلى الحق ما دام علما نافعا، والدين في جوهره هداية ربانية
للعقول والقلوب ونفحات سماوية للأرواح والنفوس.
ويجب على المسلم ألا تخدعه مظاهر التقدم العلمي المادي الذي برع فيه
أهل أوروبا وأمريكا وبخاصة في علوم الذرة والتكنولوجية وغزو الفضاء
فهذه كلها ليست كل شئ لاسعاد البشرية وشقاء عللها، وإنما العلوم الدينية المستمدة
من القرآن والسنة وأنباع هديها إلى جانب العلوم الدنيوية هي البلسم الواقي
من العلل والشافي من أمراض النفوس.
والقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وكلامه جل جلاله صفة من
صفاته التي تجلى بها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فكانت تلك الآيات التي
بهرت العقول بروعتها وأدخلت الايمان في القلوب بقدسيتها وروحانيتها، وبصدق
حقائقها المطلق الذي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وإن صدق اليقين
الذي نزل به القرآن جعل لكلماته تأثيرا قويا لا تنال منه الأيام، وبهذا يظل
هدى القرآن على الدهر شبابا ناضرا دائما، وإعجازا متجددا لا ينقطع مدده
وإلهامه للمؤمنين العاملين به.
ويكفي للدلالة على حيوية القرآن وقوة تأثيره أن من يسمعه بوعي أو يقرأه
بتدبر لمبانيه ومعانيه أو يدرسه للوقوف على أسراره يؤمن إيمانا عميقا أنه وحى السماء،
42

وليس من كلام بشر، فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد ما قرأ بعض
آيات من القرآن في بيت أخته التي ذهب للانتقام منها لاسلامها نراه يتحول من
مشرك عنيد وعدو لدود للاسلام والمسلمين يتحول إلى مؤمن قوى، ويسارع إلى
مقابلة النبي حيث كان مجتمعا مع أتباعه المسلمين يعلمهم ويزكيهم في دار الأرقم
بن الأرقم ويعلن له إسلامه وانضمامه إلى جماعة المسلمين بمكة، أسلم وهو يعلم
ما سوف يلقاه من عشيرته وقومه من معارضة وإيذاء.
مفهوم العلم والعلماء قديما وحديثا:
لقد صارت كلمة العلم مع تطور الزمن ذات مدلولين، فقديما كان مدلولها
العلم القائم على العلوم الدينية وما يتفرع عنها من علوم التوحيد وعلم الفقه وعلم
التفسير وعلم اللغة والبلاغة وعلم الحديث إلى غير ذلك من العلوم المتصلة بالدعوة
الاسلامية وتاريخها وقرآنها وأحاديثها النبوية، وكان الدارسون لهذه العلوم هم
العلماء والفقهاء وأهل العلم وقتئذ، وكانوا هم قادة الفكر والرأي والعلم قبل عصرنا
هذا، ويقول الامام الغزالي في هذا الموضوع: إن العلم المقصود هو العلم بالله
وصفاته وملائكته ورسله وملكوت السماوات والأرض وعجائب النفوس
الانسانية والحيوانية من حيث أنها مرتبة بقدرة الله لا من حيث ذواتها لان المقصود
الأقصى هو العلم بالله، وأما العمل فمقصود به أساسا مجاهدة الهوى حتى تزول
الحوائل التي ربما أعاقت الانسان عن العلم بالله تعالى.
أما مدلول العلم حديثا فإنه يختلف عن المعنى القديم المشار إليه سابقا، إذ
ظهر من وقت قريب جماعة تقول عن عصرنا الحاضر إنه عصر العلم والعمل
ويقصدون بذلك أن العلم بمفهوم عصرنا هو العلم الطبيعي القائم على دراسة ما في الكون
من مواد وعناصر وكائنات لها خصائصها الذاتية ونواميسها التي تحكمها من كيمياء
43

وطبيعية وميكانيكا وغير ذلك من علوم الطب والرياضة والفلك وما يتضمنه ذلك
من حقائق كونية، وأن العمل في إطار هذا المفهوم للعلم فهو تطبيق العلم عمليا
باستعمال الأجهزة والأدوات والوسائل الأخرى الحديثة من مختبرات ومراصد
وتجارب واستنباطات منطقية وغير ذلك: وفى ضوء هذين المدلولين للعلم يرى
المفسرون العصريون لآيات القرآن أنه من الضروري أن يشتمل تفسيرهم الناحيتين
الدينية والعلمية ودون الاكتفاء بناحية واحدة منهما.
تفسير القرآن في ضوء العلوم الحديثة:
إن هذا النوع من التفسير لبعض الآيات الكونية والطبيعية وغيرها ذات
الطابع العلمي منهج جديد ومحاولة موفقة إن شاء الله تعالى لاظهار ما في القرآن
من إعجاز علمي أو تشريعي لم يعرفه المفسرون القدامى المعرفة التامة، ولم يكن
ذلك عن إغفال لشأنها وإنما كان ذلك منهم لأنهم نظروا إليها نظرة تأمل وإجلال
وتقديس باعتبارها مظهر لقدرة الله العظيمة في خلق هذا الكون وروعة حكمته
وتدابيره؟ لجميع ما فيه من كائنات ومخلوقات، ولكن عندما تقدم العلم واتسعت
آفاقه مع تطور المدنية والحضارة أخذت أنظار العلماء تتجه إلى ما جاء به القرآن
من حقائق علمية سبقت نهضة الانسان العلمية بعدة قرون.
فمن المعلوم أن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم خلال القرن السادس
الميلادي أي قبل عصر نهضة أوروبا التي بدأت طلائعها في القرن الرابع عشر
الميلادي واستمرت في نمو وازدهار وحققت نتائج قيمة من الكشوف العلمية
في مختلف العلوم والفنون والآداب التي حررت العقول من الجهل والخرافات
التي كانت سائدة ومسيطرة في العصور الوسطى
ومما يذكره التاريخ من قضايا هذا العصر الوسيط أنه قامت بين رجال الدين
44

المسيحي وبين رجال العلم مخاصمات ومنازعات خطيرة في أمور علمية اعتبرها رجال
الدين خروجا على ما في الكتب المقدسة من نصوص لم يفهموها وحرفوها وغيروا
وبدلوا فيها تبعا لأهوائهم وتحقيقا لمصالحهم ومنافعهم الخاصة.
ومن أمثلة هذه الخلافات ما قرره علماء الفلك بعد الدراسة والبحث الوثيق
من أن الأرض ليست مركز الكون كما كان يعتقد رجال الدين الذين اعتبروا
ذلك الرأي خروجا على حرمة الدين فكفروا كل من اعتقد ذلك الرأي
واضطهدوهم بل أهدروا دماءهم.
وإليك نموذجا يوضح اختلاف التفاسير قديما وحديثا وكيف أن إدراك المعاني
للآيات يتفاوت من فهم إلى فهم ومن عصر إلى عصر كما في الآيات الآتية: قال
الله تعالى في سورة ص آية - 31، 32: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه
أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر
ربي حتى توارت بالحجاب ردوها على فطفق مسحا بالسوق والأعناق) فقد فسرت
هذه الآية الكريمة قديما بأن سيدنا سليمان عليه السلام لما عرضت عليه الخيل في
وقت صلاة العصر شغلته وألهته عن الصلاة فتملكه الغضب وأخذ يقطع سيقان هذه
الخيول وأعناقها بالسيف.
وهذا التفسير ينافي ما جاء في الآية من أن سليمان عليه السلام كان نعم
العبد الأواب فكيف يصدر عن نبي أثنى عليه القرآن هذا الثناء أن يكون قاسيا
إلى حد قتل الخيول البريئة التي هي عدة المؤمنين في قتال أعداء الدين والزود عن
حياض الأوطان بغير ذنب جنته.
وقد فسرت الآيات بعد ذلك تفسيرا معقولا أقرب إلى الواقع المفهوم وهو أن
سليمان عليه السلام عرضت عليه بعد الظهر الخيل الأصيلة التي تسكن حين وقوفها
45

وتسرع حين سيرها، فقال سليمان إني أشربت حب الخيل لأنها عدة الخير
وهو الجهاد في سبيل الله وأن حبها نشأ عن ذكرى لربي، وما زال مشغولا
بعرضها حتى غابت عن ناظريه، ثم إنه أمر بردها عليه ليتعرف أحوالها، فأخذ
يمسح سوقها وأعناقها ترفقا بها وحبا لها واستئناسا لها.
وبعد أن تقدم العلم كثيرا نجد أن الانسان قد توصل في مجال الطب البيطري
إلى أن ما فعله سيدنا سليمان عليه السلام كان هو الأسلوب الأمثل في معاملة
الحيوانات واستئناسها بإدخال الطمأنينة والهدوء عليها بأن يربت على رؤوسها
ورقابها وظهورها عندما يريد فحصها أو استخدامها، ومن ذلك يتضح ما بين
التفسيرين من فرق شاسع.
القرآن يهدى القلوب التي تتدبره وتنير العقول التي تتفهمه:
لقد آمن بالاسلام وبالقرآن أفراد وجماعات كثيرة من غير المسلمين، وكان
إسلامهم نتيجة تأثير القرآن في نفوسهم بطريق مباشر أو غير مباشر، فأما عن
تأثيره المباشر فقد اعترفت به أفراد من علماء أوروبا ذوي الألباب والفطر السليمة
ممن سمعوا القرآن أو قرأوه وفهموا بعض أسراره وإعجازه، ومن أمثلة ذلك
ما فهمه أحد الأطباء من قوله تعالى في سورة النساء آية - 56: كلما نضجت
جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) فأدرك أن وراء هذه الآية حقيقة
علمية ما كانت معلومة للناس وقت نزول القرآن، وأنه لابد أن يكون من
كلام عليم خبير بتركيب جسم الانسان، وبشبكة الأعصاب الدقيقة التي تنتشر
أطرافها في الطبقة الجلدية وهي التي نستقبل الاحساس بالحرارة والبرودة
والألم والراحة.
فهم ذلك الطبيب من الآية أن تجدد الألم الذي انقطع بحرق الجلد لا يكون
46

إلا بإعادة الجلد حيا كما كان لكي يتجدد ألمه مرارا وتكرارا كلما تبدل الجلد
في كل مرة بعد حرقه، وتأكد الطبيب بأن هذا الكلام لا يصدر إلا من عالم
خبير بتركيب الجسم البشرى ووظيفة الأعصاب المنتشرة في كيانه، وأن هذا
الكلام نزل منذ قرون بعيدة على لسان نبي أمي لم يدرس علم الطب ولا التشريح
فأيقن أن هذا كلام من أرسل محمدا رسولا فآمن به وأسلم.
ومثل آخر لربان بحري كان يجول البحار ويشاهد أحوالها ومظاهرها ليلا
ونهارا وما تتعرض له عن عواصف وسحب وأمواج متلاطمة ورياح عاتية وظلمات
وغير ذلك مما كابده خلال سنين عمله في البحار والمحيطات، فإنه لما قرأ في سورة
النور آية - 40 قوله تعالى: (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج
من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها) قال في
نفسه إن أحدا لا يستطيع أن يصف هذا الوصف الدقيق لأحوال البحار وظواهرها
الجوية إلا من كان بحارا شق عباب الماء وعاين تقلبات الأحوال فيه، وأن محمدا
الذي نزل عليه هذا الكلام لم يكن في يوم من أيامه بحارا كما أنه لم يركب البحر
في حياته وعاش في وسط الصحراء البعيدة كل البعد عن عالم البحار فمن أين له
هذه المعلومات الدقيقة التي لا يعرفها سوى الملاحون؟ إنه ولا شك كلام عليم
خبير وهو الله سبحانه فآمن وأسلم بأن محمدا رسول الله حقا وصدقا.
وهناك شعوب أسلمت وآمنت بالقرآن بطريق غير مباشر ومن أمثلة هؤلاء
سكان إندونيسيا وما حولها وسكان شرق قارة أفريقية ووسطها حيث نزل بساحتهم
التجار العرب المسلمون الذين ذهبوا إلى هذه الجهات النائية للاتجار وتعاملوا مع أهلها
معاملة كلها الصدق والأمانة والوفاء ومكارم الأخلاق فراعتهم هذه الأخلاق
السامية والمبادئ العالية التي كانوا عليها وعلموا أن مزاياهم الجميلة هذه هي من
47

أثر القرآن وتعاليم الاسلام التي أكسبتهم هذه الفضائل والمكارم وصاغتهم هذه
الصياغة الكريمة التي لا مثيل لها فيمن عرفوا من الناس فآمنوا بالاسلام دينا
وبالقرآن معجزة لرسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
بمثل هذه الآيات السالفة الذكر وآثارها في العقول والنفوس كان إيمان كثير
من المسيحيين وغيرهم من الملل الأخرى من ذوي الألباب والفطن الذين ما كانوا
يعرفون معنى الاعجاز البياني أو البلاغي في لغة القرآن وإنما عرفوا منه الاعجاز
العلمي الذي وجدوه في كثير من الآيات العلمية مثل قوله تعالى:
(خلق الانسان من علق)
(يخرج الميت من الحي ويخرج الحي من الميت)
(وجعلنا الرياح لواقح)
(يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل)
وإن من شئ إلا يسبح بحمده)
(والسماء ذات الحبك)
(لا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)
وفى هذا ما يؤكد أن الكون هو كتاب الله الصامت، وآن القرآن
هو كتاب الله الناطق بما يدل على علم الله بأسراره).
وهذه الآيات وأمثالها لم يفهمها السلف الصالح على وجهها العلمي وإنما
رأوا فيها أنها دلائل على قدرة الله تعالى وعظمته، وأنها شاهدة على أنه سبحانه
بديع السماوات والأرض، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض في
48

تفسيره لمثل هذه الآيات من الناحية العلمية التفصيلية التي هي فوق مستوى عقولهم
فقد أمر الله نبيه أن يخاطب الناس على قدر عقولهم.
وقبل الكلام عن الاعجاز العلمي للقرآن يجب أن نعرف أن المعجزة هي
أمر خارق للعادة يظهره الله على يد النبي تأييدا لنبوته، ومعجزات القرآن كثيرة
ومتنوعة كان أبرزها عند نزولها الاعجاز البياني الذي تحدى به العرب أهل
الفصاحة والبلاغة أن يأتوا بشئ من مثله فعجزوا، وللقرآن إعجازات أخرى
منها الاعجاز العلمي والاعجاز التشريعي والسياسي والحربي والنفسي وكلها
شاهدة على روعة القرآن وعظمته وقدسيته وأنه كلام الله الحق.
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز مطلقا أن نخضع القرآن للتفسير العلمي لان
من نظريات العلم ما يتغير ويتطور ولا يثبت على حال، وإذا اختلفت النظرة
العلمية في وقت من الأوقات مع الآية القرآنية فيرجع ذلك إلى أن العلم الذي
يتطور من وقت لآخر لم يصل بعد إلى مستوى مفهوم الآية، والله سبحانه وتعالى
يقول في كتابه العزيز: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) أي أن ما لم
يتفق مع الآية القرآنية من النظريات العلمية فإنه سوف يظهر مستقبلا بعد طول
الدرس وللبحث والتنقيب لان كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه، ثم أنه سبحانه يقول عن القرآن: (ثم إن علينا بيانه) أي أنه سوف
يشرحه ويبين أسراره في مستقبل الأعصر والدهور.
49

مقارنة بين بعض ما جاء به القرآن وبين ما في الكتب السماوية الأخرى:
إن القرآن الكريم فيه من العلوم والمعارف والمبادئ والآداب أضعاف
أضعاف ما جاء في الكتب المقدسة السابقة، فالعهد القديم مثلا كان أكثر
الكتب السماوية تناولا للناحية العلمية قبل القرآن، ونجده لم يتعرض إلا لثلاثة
موضوعات فقط بإيجاز وهي: خلق الأرض وخلق ما عليها من كائنات وبعض
سير الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أنبياء بني إسرائيل فقط، وكان تناوله
لهذه الموضوعات محدودا، أما القرآن فقد تناول الحقائق الكونية وما يدور
حولها من مظاهر ثم ما يتعلق بقصص الأنبياء بصورة أصح وأدق بكثير عما جاء
في الكتب السماوية الأخرى، كما أنه رسم الطريق الصحيح للبحث العلمي عن
طريق النظر والتدبر والتأمل واستعمال الفكر القويم في فهم القرآن.
وعلى سبيل المثال ما ورد في التوراة عن نبي الله سليمان عليه السلام كان
شيئا يحط من قدره ويصفه بأنه حاد عن طريق الايمان باستخدام الجن، واعتبرت
خوارق المعجزات التي ظهرت على يديه من قبيل السحر، ولكن القرآن الكريم
نفى عنه هذه التهم الباطلة نفيا باتا بقوله تعالى في سورة البقرة آية - 102:
(وما كفر سليمان، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر وما أنزل
على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة؟
فلا تكفر) وشتان بين ما جاء به القرآن عن نبي معصوم وبين ما جاء في
التوراة كتاب العهد القديم من قدح وذم في نبي كريم.
وفيما يلي طائفة من الآيات القرآنية ذات المدلولات العلمية التي لا شك
مطلقا في توافق العلم معها توافقا تاما لا تناقض فيه لاثبات الاعجاز العلمي في
آيات القرآن، وقد أتبعت في عرض هذه الآيات الخطوات الآتية:
50

أولا: ذكر الآية ومكانها من القرآن الكريم.
ثانيا: التفسير الديني الوارد في كثير من التفاسير المعتبرة لرجال الدين.
ثالثا: التفسير بالرأي العلمي المطابق لأحدث ما وصل إليه العلماء من
نظريات صحيحة متفقة مع القرآن.
رابعا: عرض مبسط لبعض مبادئ العلوم المتصلة بالآيات بأسهل أسلوب
يفهمه القارئ العادي إذا لزم الامر ذلك لزيادة التأكيد بين صلة العلم بالقرآن.
ويجب ألا يغيب عن البال مطلقا أن الله سبحانه وهو خالق السماوات والأرض
وما فيهن هو الذي أنزل القرآن مبينا فيه علمه القديم بكل حقائقه وأسراره
وأحكامه وظواهره وخوافيه، ويكفي للدلالة على ذلك قوله تعالى في سورة الحج
آية - 7: (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض إن ذلك في كتاب
إن ذلك على الله يسير).
وقد قلت في كتابي: (مع الله) في باب (كلام الله) بأسلوب الشعر
المنثور ما يأتي:
كلما سمعنا كلام الله يتلى حق تلاوته اهتزت منا النفوس تأثرا بروح معانيه
وسمت بنا الروح تعرج إلى ملكوت الله متطلعة إلى الملأ الأعلى ومغانيه.
وكأننا كلما سمعناه يتلى بخشوع نسمع جديدا من الوحي يسمو ويعلو في مراميه
وكأن هذا الجديد منطلق لا يقف عند حد في قلوب السامعين المستغرقين فيه
وهذا لون من الاعجاز لا تجده في غيره أبدا لأنه لا شئ من القول يدانيه
فأي كلام هذا الذي كلما تلوناه ووعيناه وجدناه أعمق وأوسع من مبانيه
أنه كلام الله الحق، وكفاه شرفا أنه تنزيل من رب العالمين ولا ريب فيه.
والقرآن كلام الله القدسي والكتاب العلوي الذي أودعه الله أخبار الغابرين
وجعل في قصصه مواعظ حسنة ودروسا قيمة وكلها ذكرى للذاكرين
51

وما فرط الله في القرآن من شئ يصلح شأن العباد في دنياهم والدين
وقد دامت آياته الباهرة تتلى وهي تتألق بأنوارها في قلوب المؤمنين
وقد سبقت علومه مستحدثات العلم والعلماء ولم يكونوا لها سابقين
لان القرآن أتى بكليات العلوم دون تفصيل لها لأنه كتاب شرع ودين
لقد ظن البعض أن معجزة القرآن في بلاغته وفاتهم أنه كنز من العلم ثمين.
وقد أنزل الله في القرآن كل ما تحتاج إليه البشرية من دستور عالمي رشيد
ووضح فيه بأسلوب عذب ما يسعد وما يشقى وما يضر الناس وما يفيد
وحذر العباد من فتنة الدنيا وزينتها، وخوفهم من هول يوم القيامة الشديد
وبين لهم فيه طرق الهدى بيانا يقبله العقل ولا حاجه بعده إلى مزيد
فهو كتاب الله الذي يتمشى مع الفطرة السليمة وأنه عنها لا يحيد
وهو بهذه الحقيقة يغزو القلوب التي آمنت به طوعا بغير ترهيب أو تهديد
لأنه كلام مشرق بنور الحق لا غموض فيه أبدا وفيه إقناع ومنطق سديد.
52

الباب الثالث
قال تعالى:
قل انظروا ماذا في السماوات والأرض
[سورة يونس آية - 101]
53

العلوم الكونية في القرآن
عرض القرآن الكريم الكثير من الحقائق الكونية ولكنه عندما يعرض
أي قضية من قضايا الكون العلمية لا يعرضها بأساليب البشر باستعمال المقدمات
والدلائل والمعادلات واستنباط النتائج وإنما يقدمها بالإشارة أو الرمز أو المجاز
أو الاستعارة أو بالعبارات التي تومض في العقل بنور روحي باهر، إنه سبحانه
ينزل آيات قد لا يدرك معناها أو يفهم حقائقها وأسرارها في وقتها كل المعاصرين
لنزولها لان العلم بقوانين الكون كان محدود الآفاق وقتئذ، ولكنه سبحانه
يعلم أن المستقبل سوف يأتي بشرح لهذه الآيات في ضوء علوم عصورها،
ومصداق ذلك قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين
لهم أنه الحق).
وتدل الدلائل على أن العلماء الذين درسوا الآيات الكونية في القرن
فيما بعد وطبقوها على ما وصل إليه العلم في زمانهم في الفلك أو الطب أو الطبيعة
أو الكيمياء أو الاحياء وغيرها من العلوم وجدوا تطابقا وتوافقا علميا رائعا أكد
لهم أن القرآن كتاب الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا
من خلفه.
لذلك كان علماء الفلك وعلماء الطب أكثر الناس إيمانا بعظمة الخالق
المبدع وأسبقهم إقرارا بألوهيته لما رأوه رأى العين من أن القرآن الكريم الذي
نزل على نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه منذ أربعة عشر قرنا من الزمان
كان هو نهاية العلم الذي يصلون إليه كلما جد جديد في بحثهم، وهذا هو العلم الذي
54

جاء به النبي الأمي محمد الذي لم يكن هو ولا قومه ولا عصره يعرف شيئا من فلك
أو جيولوجيا أو كيمياء أو طب أو غير ذلك.
وقد أدرك الناس مكانة العلم في القرآن الذي هو دستور الاسلام، من أن أول
ما نزل من وحى السماء على النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى: (اقرأ باسم
ربك الذي خلق) ثم إنه سبحانه أقسم بأداة العلم وهي القلم في قوله تعالى:
(ن والقلم وما يسطرون) فدين الاسلام وكتابه هو كنز العلوم التي حثنا القرآن
في آياته مرارا على النظر إلى صنع الله في مخلوقاته والتأمل فيها والتفكير في
خواصها وأسرارها والعلم بها.
وإنه من الخطأ أن يتوهم الواهمون بأن العلم هو ما أتى به أهل الغرب،
أو أنه علم العصور الذي يتطور من حين إلى حين، إذ الحقيقة أن علوم الدين
الاسلامي هي نهاية العلم، وقد ثبت أن مبادئه وشرائعه منذ نزلت وإلى أن يرث الله
الأرض ومن عليها هي خير المبادئ والشرائع لكل زمان ومكان. وأن الاسلام
دين واحد لا يتعدد في نظمه ولا يتطور في أصوله، وليس هناك إسلام قديم
يناسب عصره وإسلام جديد يتفق مع أهواء البشر وتقلباتهم.
ويجب أن يؤمن كل مسلم بأن ما يجد في عصرنا من إدراك علمي لآيات القرآن
ليس معناه أن حقائق القرآن تغيرت أو تطورت في ذاتها، وإنما الذي يتغير
ويتطور هو عقل الانسان الذي يتسع إذا استنار وفكره إذا استقام مع كثرة
البحث والدرس والتجريب فيبدو له القرآن على حقيقته الأصلية الخالدة.
55

لمحة في كوكبنا الأرضي
جاءت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن السماء والأرض والنجوم
والشمس والقمر، وعن ظاهرات اختلاف الليل والنهار وجريان الشمس وتكون
السحب ونزول الأمطار وكذلك ذكرت ما يوجد على الأرض من جبال وأنهار
ونبات وأشجار وحيوان وحشرات، كما وردت آيات تبين خلق الانسان وسلالاته
وما يتعلق بحياته وجهاده وسعادته أو شقائه وذكرت غير ذلك كثيرا من شتى
المخلوقات التي أوجدها لله في ملكه وحثنا على مشاهدتها والتدبر في روائعها.
وقد اهتدى الانسان بما وهبه الله من ملكات واستعدادات عقلية أن يعرف
الكثير عن عالمنا الذي نعيش فيه واستطاع أن يكشف لنا عن أن الكرة الأرضية
لبثت زهاء عشرين مليونا من القرون بلا حياة ولا أحياء تدب عليها، وذلك
خلال الأزمنة والحقب الجيولوجية وقبل ظهور الحياة عليها.
ولم يكن هناك على سطح الكرة الأرضية وقتئذ سوى الصخور والمياه
ولا شئ غير ذلك وفي تلك الأزمنة السحيقة أخذت العوامل الجوية والحركات
والاضطرابات الباطنية تفتت الصخور ويترسب فتاتها على هيئة طبقات رسوبية
يستقر بعضها فوق بعض على قيعان البحار والمحيطات كما تنتظم الصحف
في الكتب ورقة فوق أخرى.
وبعد هذا النوم العميق في حياة الكرة الأرضية بدأت معالم الحياة ومواكبها
تظهر في صور بدائية من عوالم الحشرات والنباتات والأشجار والغابات، وتغير
وجه الأرض مرارا وصار عاليها سافلها تحت تأثير العوامل الجوية والحركات
الباطنية فكانت الكائنات الحية من نبات وحيوان تنطمر في باطن الأرض،
56

وتترك آثارها فيه كما كانت عليه من حجم وهيئة وكيان في حياتها، وهذه هي
الحفريات التي يعثر عليها علماء الجيولوجيا في بحثهم ودراستهم لطبقات الأرض،
وهم يشبهون الصخور الرسوبية وما فيها من حفريات بأنها السطور التي كتبتها
الأرض في سجل تاريخها الطويل الحافل بتطوراتها وتقلباتها، وهذا هو سفر
التاريخ الأعظم الذي ما يزال علم الجيولوجيا يستمد منه الحقائق تلو الحقائق مع
كل حفر وتعمق في البحث لاظهار معالم الحياة والاحياء في عهودها القديمة جدا،
وهي عهود لها أزمان تقدر بآلاف الملايين من السنين ولا يعرف مددها إلا الله
الأزلي الذي لا أول له ولا آخر.
الكون كتاب مفتوح لكل قارئ له ومتدبر فيه
إن الأرض التي يعيش عليها الانسان وغيره من المخلوقات هي جزء ضئيل
جدا في ملكوت الله، بل هي ذرة أول أو أقل في عالم الأكوان الذي هو مجموعات
هائلة من مجرات هائلة ونجوم لا حصر لعددها ولا نهاية لامتدادها خلقها الله
سبحانه بقدرته وإرادته، وأوجد فيها أنواعا شتى من مخلوقاته، ودبر أمورها
تدبيرا محكما قائما على العدل والرحمة والاحسان والاتقان لأنه جل جلاله لم يخلقها
عبثا بل أوجدها لحكمة عليا أرادها هي معرفة عباده له وواجب عبادته وحده.
وقد شاءت إرادة الله أن يجعل هذا الكون العجيب كتابا مفتوحا يقرأه
كل من يتأمله ويتدبره بعين العقل والفكر والوجدان ليتضح أماما بصيرته ما فيه
من روعة وجمال وبهاء وما أودعه الله في نظامه الدقيق من قوانين ونواميس
تحكمه وتنظمه، وقد اجتهد في قراءة صحف هذا الكتاب الكوني علماء
مفكرون وباحثون ملهمون وخبراء متخصصون استطاعوا مع طول الدرس
والبحث أن يكشفوا في عصورنا الحديثة عن كثير من أسرار الكون في ضوء
57

العلوم التي وضعوا قواعدها في الطب والفلك والرياضيات والكيمياء والجيولوجيا
والهندسة والتكنولوجيا وعلوم الانسان والحيوان والنبات والحشرات وغير ذلك
من مختلف العلوم التي هدى الله بها الانسان أن يتعلم ما لم يعلم من علم الله
الواسع في ملكوت السماوات والأرض.
وقد نزل في كثير من آيات القرآن إشارات إلى العلوم الكونية وغيرها
مما تمكن الانسان بواسطتها أن يصل إلى معرفة قوانينها وقواعدها ونظرياتها
بعد نزول القرآن بعدة قرون، وكان من فضل الله على الناس أنه وجه أنظارهم
إلى الكون ليدرسوه ويتعرفوا على ما جاء في الآيات القرآنية عن حقائق عنه،
وقد استطاع أولو الألباب من العلماء أن يلمسوا الصلة الوثيقة بين ما أوحى به
القرآن من قبل وما كشف عنه العلم من بعد وما تأكد من سبق القرآن بأكثر
من أربعة عشر قرنا بهذه المعلومات عن الكون وما فيه وأنها في جوهرها تتفق
مع العلم الحديث الصحيح في معظم نظرياته التي انتهى من إقرارها بعد ثبوتها.
وفيما يلي عرض لمختلف الآيات الكونية وغيرها، وكل آية منها مفسرة
أولا تفسيرا يتفق مع وجهة نظر علماء الدين، وثانيا مفسرة تفسيرا عصريا يتمشى
مع الآراء العلمية التي ثبتت صحتها، وزيادة في توثيق الصلة بين النص القرآني
والعلوم الحديثة وتوافقهما أضفت فقرات موجزة لبعض النظريات العلمية المؤيدة
للقرآن مع شرح مبسط لها.
58

آيات قرآنية مع تفسير لها قديما وحديثا
عن نشأة الكون
قال الله تعالى في سورة فصلت آية - 11:
(ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها
قالتا أتينا طائعين، فقضاهن سبع سماوات في يومين)
تفسير علماء الدين:
ثم عمد سبحانه إلى خلق السماء وهي على هيئة دخان فوجدت، ثم إن خلقه
للسماوات والأرض - على وفق إرادته - هين عليه بمنزلة ما يقال للشئ
أحضر - راضيا أو كارها فيطيع وأتم خلق السماوات سبعا في يومين آخرين.
النظرة العلمية:
يقول العلم إن للقصود بكلمة دخان في الآية السديم وهو السحب الكونية
أو المجرات التي نشأت فيها السماء والأرض، والسماوات السبع التي يرد ذكرها
في كثير من الآيات هي على أرجح الأقوال الكواكب السبع السيارة المعروفة،
وأن اليومين المذكورين في الآية هما في رأى الجيولوجيا الزمنين الذين
استغرق كل منهما ملايين السنين لتكوين هذه السماوات، وأحد هذين الزمنين
انقضى وقت أن كانت الأرض مرتوقة أي متصلة بالسديم، والآخر بعد أن
انفتقت الأرض أي انفصلت عن السديم، وإليك وصفا علميا للمجرات.
المجرات (الصدم)
المجرات جمع مجرة وهي كما يفسرها العلم سحابة ضخمة من غازات ومواد
صلبة وعناصر أخرى مختلفة تتحرك بسرعة داخلها، وهي تتجاذب فيما بينها،
59

وقد أطلق عليها علماء الفلك من العرب اسم المجرة لأنها تشبه النهر الجاري،
وقوام الكون المرئي يربو حتى الآن على ألف مليون مجرة تظهر على الألواح
الفوتوغرافية التي يستخدمها العلماء لتصويرها، أما الكون غير المرئي فلا يعلمه
إلا الله الذي وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم
وتتباعدا المجرات بعضها عن بعض بسرعة هائلة فيتسع تبعا لذلك حجم الكون
وتتولد فيه مجرات جديدة من الغازات الكونية بنفس الطريقة التي تكونت
بها المجرات القديمة وهذا ما يطلق عليه العلماء نظرية تمدد الكون مصداقا
لقوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) والكرة الأرضية موجودة
في إحدى هذه المجرات المعروفة باسم طريق التبانة لأنها تشبهه منظر التبن عندما
يتبعثر على الطريق، والكرة الأرضية هي إحدى أقراد المجموعة الشمسية التي
سيأتي الكلام عنها فيما بعد.
معنى السماء
ترد كلمة السماء والسماوات مرارا وتكرارا في القرآن، وإليك بيانا
وتعريفا علميا عنها:
يفسر العلم السماء بأنها الكرة الكونية الجامعة لكل الأفلاك والنجوم في
مجرتنا أي حدود عالمنا المادي، وهذا يوافق تفسير الإمام محمد عبده إذ يقول:
السماء اسم لما علاك وارتفع فوق رأسك، وأنت إنما تتصور عند سماعك لفظ أسماء
هذا الكون الذي فوقك، وفيه الشمس والقمر وسائر الكواكب تجرى
في مسالكها وتتحرك في مداراتها، وهذا هو السماء، وقد بناه الله أي رفعه وجعل
كل كوكب منه لبنة من بناء سقف فيه أو جدران تحيط به، وقد تجاذبت هذه
الكواكب السيارة بعضها إلى بعض برباط الجاذبية العامة كما تربط أجزاء البناء
60

الواحد بما يوضع بينها من مواد تتماسك بها. ومما تجدر الإشارة إليه أن السماء
تدل على الفراغ اللانهائي في الكون والذي لا يمكن أن يكون خلوا لا يشغله
شئ بل يمله وسط غير مادي اسمه الأثير وفي هذا الوسط غير المادي تنتقل
الطاقات غير المادية مثل موجات اللاسلكي أو الراديو والرادار والضوء والحرارة،
ويطلق على هذه الطاقات اسم أمواج الأثير.
وقال تعالى في سورة الأنبياء آية - 30:
(أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)
تفسير علماء الدين:
أو لم يعلم الذين كفروا بمحمد عليه السلام وبالقرآن أن السماوات والأرض
كانتا رتقا لم تنزل منها قطرة من مطر، ولم ينبت على الأرض شئ من النبات
ملتزقا بعضها على بعض ففرقناهما عن بعض بالمطر والنبات؟
ويقول تفسير آخر: أعمى الذين كفروا ولم يبصروا أن السماوات والأرض
كنتا في بدء خلقهما ملتصقتين بقدرتنا ثم فصلنا كلا منهما عن الأخرى.
النظرة العلمية:
يتفق نص هذه الآية مع أحدث النظريات في نشأة الأرض والسماء وذلك
أنهما كانتا في أول أمرهما ملتصقين داخل السديم الذي يحتويهما، ثم إنهما انفصلتا
نتيجة انفجارات شديدة حدثت داخل السديم وتم الانفتاق المذكور في الآية
بعد أن كانتا مرتوقتين أي متصلتين بعضها ببعض وفي ذلك إشارة لما حدث
في الكون من انفجارات انتشرت بسببها مادة الكون فيما حولها من فضاء
وفراغ انتهت بتكوين مختلف أجرام السماء المختلفة.
61

وقال تعالى في سورة الواقعة آية - 75، 76:
(فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه قسم لو تعلمون عظيم).
تفسير علماء الدين:
فأقسم حقا بمساقط النجوم عند غروبها آخر الليل وهي أوقات التهجد
والاستغفار وأنه لقسم - لو تفكرون في مدلوله - عظيم الخطر بعيد الأثر.
النظرة العلمية:
يقسم المولى تبارك وتعالى بمواقع النجوم لان القسم بمواقعها يوجه الانتباه
إلى أن المسافات بين النجوم تبلغ حدودا لا يتصورها الخيال فمثلا نجد أن أقرب
نجم إلينا في مجرتنا وهي الشمس تبعد عنا بمقدار 500 ثانية ضوئية بينما النجم الذي
يليها في القرب يبعد عنا بمقدار أربع سنوات ضوئية تقريبا، والسنة الضوئية تدل
على مدى المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة علما بأن سرعة الضوء تساوي
300 ألف كيلومتر في الثانية، ثم إن هناك مدلولا علميا آخر عن مواقع النجوم
وهي أن موقع الشمس موقع بالغ الدقة في وضعه لكي تستقيم معه الحياة على
كوكبنا الأرضي، لأنها لو تقدمت عن موضعها الحالي لاحترقت الأرض من شدة
حرارتها ولو تأخرت عن موضعها لبردت الأرض وتجمدت فيها البحار والمحيطات
وتصير غير صالحة لحياة البشر عليها.
ويلي هذه الآية قول الله: (أنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه
إلا المطهرون) وهذا القسم للإشادة بشأن القرآن وأنه كثير المنافع وأنه محفوظ في
لوح مصون لا يطلع عليه غير المقربين من الملائكة.
62

وقوله تعالى في سورة الرحمن آية - 19، 20:
(مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، فبأي آلاء ربكما
تكذبان؟).
تفسير علماء الدين:
أرسل الله البحرين العذب والملح يتجاوران وتتماس سطوحهما وبينهما حاجز
من قدرة الله لا يطغى أحدهما على الآخر فيمتزجان، وقد ذهب بعض المفسرين
القدماء في تفسير هذه الآية إلى القول بأن المقصود بالبحرين الأنهار والبحار
ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا
ملح أجاج، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا، فبأي نعمة من تعم ربكما
تجحدان؟.
النظرة العلمية:
تشير هذه الآية إلى نعمة الله على عباده وهي عدم اختلاط مياه البحار
المتجاورة بل جعل بينهما قانونا ثابتا يحكم فيهما العلاقة بينهما من حيث الكثافة
والملوجة وما فيهما من أحياء مائية كأن بين كل بحر وآخر حاجزا غير ظاهر للعيان
لم تقمه يد الانسان ولكن أقامته يد الرحمن ومن عجائب قدرة الله تعالى أنه
جعل ماء النهر لا يؤثر في ماء البحر فيغير ملوحته كما لا يؤثر ماء البحر في ماء
النهر لان النهر الذي يصب في البحر يكون عادة في مستوى أعلى من مستوى
سطح البحر، وتدل المشاهدة على أن مياه نهر الأمزون الذي يصب في المحيط
الأطلسي تندفع مسافة 200 ميل في المحيط حافظة لعذوبتها طول هذه المسافة،
وفي الخليج العربي نجد عيونا من الماء العذب تفيض داخل ماء الخليج الملح
بماء عذب.
63

وقال تعالى في سورة الطارق آية - 11: 12:
والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع (إنه لقول فصل وما هو بالهزل).
تفسير علماء الدين:
أقسم بالسماء ذات المطر الذي يعود ويتكرر عل الأرض ذات الانشقاق
عن النبات الذي يخرج منها، إن القرآن فاصل بين الحق والباطل، وليس فيه
شائبة من لهو ولعب بل هو الحق لا مرية فيه.
النظرة العلمية:
يتجلى إعجاز القرآن في كلماته الحقة التي تنطوي على معان دقيقة وتحمل
علما إلهيا لا علما بشريا، ففي قوله تعالى والسماء ذات الرجع أي أنها ترجع وتعيد
لأرض ما يصعد من بحارها ومحيطاتها من بخار الماء الذي يتجمع مكونا سحبا
ثم يتكاثف ويسقط الأمطار الغزيرة على الأرض كما أقسم سبحانه بالأرض ذات
الصدع أي التي تتصدع وتتشقق ليخرج منها النبات بعد ارتوائها بماء المطر،
كما أنها أيضا ذات الصدوع التي تكونت في باطنها وصارت مكامن تتفجر منها
مواد الغاز الطبيعي والبترول وينابيع المياه الكبريتية وكأنها تعيد لنا ما انطوى
في باطنها من النبات بعد تحوله وتحلله إلى مواد أخرى.
وقال تعالى في سورة النبأ آية 6:
(ألم نجعل الأرض مهدا والجبال أوتادا)
تفسير علماء الدين:
ألم نجعل الأرض مهادا أي فراشا ومناما، والجبال أوتادا لها لكي لا تميد بهم
64

النظرة العلمية:
تمكن الانسان بوسائله العلمية المختلفة أن يثبت أن الجزء الصلب من القشرة
الأرضية يبلغ سمكه 60 كيلو مترا، وأن بعض هذه القشرة يرتفع مكونا الجبال
وينخفض بعضها ليكون قيعان البحار والمحيطات، وأن وجود الجبال على سطح
الكرة الأرضية موزعة بدقة وحكمة يساعد على التوازن بين المرتفعات
والمنخفضات بحيث لا تميد الأرض ولا تضطرب، فكأن هذه الجبال تعمل عمل
الأوتاد التي تحفظ توازن الخيمة واستقرارها.
وهناك حقيقة علمية أخرى وصل إليها البحث العلمي في توزيع الجبال واليابس
والماء على سطح الأرض بنسب أحجامها الحالية علاوة على التوازن بحيث لا تميد
الأرض ولا تحيد عن موضعها، وهي أنه لو كانت الأرض بحجمها الحالي مكونة
من الماء بنسبة أكبر لبلغ وزنها أقل مما هي عليه الآن ولما تمكنت من حفظ
نسبة بعدها عن الشمس بل لانجذبت إليها واحترقت ولو كان أكثرها مكونا
من اليابس لزاد وزنها عما هي عليه الآن ولبعدت عن الشمس البعد الذي لا تتحقق
معه الحياة لأنها في هذه الحالة تتجمد من شدة البرودة.
وقال تعالى في سورة آل عمران آية - 137:
(قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة
المكذبين).
تفسير علماء الدين:
قد مضت من قبلكم أيها المؤمنون سنن الله في الأمم المكذبة بإمهالهم
ثم أخذهم الله بذنوبهم فتأملوا عواقبهم.
65

النظرة العلمية:
يقرر العلم أنه يكفي لتحصيل العلم قراءته ودراسته بل يختط لنا منهجا
عمليا للوصول إلى العلم الصحيح هو منهج (السير والنظر) ففي السير مشاهد
مختلفة يراها السائر، وفي تأملها تبدو له ملاحظات هامة يجمعها ثم يستقرئها ليستنبط
منها القوانين العامة التي تربط بعضها وهذا هو المنهج الاستقرائي الذي
توصل إليه بيكون أحد العلماء الإنجليز بعد نزول القرآن بألف سنة.
وقال تعالى في سورة هود آية - 7:
(وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء
ليبلوكم أيكم أحسن عملا).
تفسير علماء الدين:
والله خلق السماوات والأرض وما فيهما في ستة أيام، ومن قبل ذلك لم يكن
في الوجود أكثر من عالم الماء ومن فوقه عرش الله، وقد خلق الله هذا الكون
ليظهر بالاختبار أحوالكم وأعمالكم ويعلم من يقبل على الله بالطاعة ومن يعرض
عن ذلك.
النظرة العلمية:
ترد كلمة العرش في اللغة بمعنى سرير الملك، ورب العرش هو الله جل جلاله
الذي وسع كرسيه السماوات والأرض جميعا، وتعني كلمة السماء كل ما أظلك
وعلاك، وتشمل طبقات الهواء الذي تقل كثافته تدريجا كلما علونا حتى تصل هذه
66

الطبقات العليا إلى مناطق الفراغ الكوني والفضاء اللانهائي حيث تسبح النجوم
والكواكب في أفلاكها بنظام دقيق طبقا لقانون الجاذبية، وتوضح هذه الآية
الكريمة ما توصلت إليه النظريات الحديثة عن نشأة الأرض، وخلاصتها أن
أرضنا كانت جزءا متصلا بجرم الشمس ثم انفصلت وابتعدت عنها بتأثير عوامل
خارجية طارئة عليها، وبعد انفصالها صارت كرة ملتهبة بداخلها مواد منصهرة
لشدة حرارتها، وتحيط بها طبقات كثيفة من غازات وأبخرة أخذت تشع حرارتها
الشديدة في الفضاء وتبرد شيئا فشيئا، واقترنت برودتها بانكماشها وتغضن في
سطحها أي بارتفاع أجزاء منها وانخفاض أخرى، وهبوط المواد الثقيلة من عناصرها
إلى مركز الأرض الباطني وطفو المواد الخفيفة منها حول قشرتها، وقد استغرقت
برودة قشرة الأرض ملايين سنين التي عبر عنها القرآن بستة أيام، وأيام الله
لا يعلم مدى مدتها وأزمانها إلا الله سبحانه وتعالى لأنها تحسب بملايين السنين
وفي خلال الزمن الطويل الذي استغرقته برودة القشرة الأرضية تكاثرت فوقها
كتل كثيفة من الغازات والأبخرة، مكونة سحبا متراكمة سميكة ظللت الأرض
بظلمات جو قاتم يتخلله برق ورعد وانهمار للمطر بكميات هائلة من المياه التي غمرت
سطح الأرض وغمرت جميع المنخفضات في الأرض وكونت البحار والمحيطات،
كما أنها تسربت إلى الفجوات والانكسارات والشقوق داخل الأرض مكونة بها
المياه الجوفية، وقد استمر انهمار المطار بدون انقطاع حتى زاد وعلا التلال
والهضبات والجبال وغطاها كلها ولم يبق ظاهرا على وجه الأرض سوى عالم الماء
ولا شئ غيره يحيط بالكرة الأرضية من جميع أقطارها، ومعنى ذلك أن الأرض
قبل أن تقوم عليها الحياة بصورتها الحاضرة من يابس وماء ونبات وحيوان كانت
عالما واحدا فقط من الماء يمتد تحت عرش الله المسيطر والمهيمن بسلطانه على
الأكوان كلها.
67

وهذا يذكرنا بكل جلاء ووضوح معنى الآيات التي فيها تسأل يلفت النظر
إلى قدرة الله عظمته وحكمته وإرادته في ملكه بقوله تعالى:
(أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج
ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها
متاعا لكم ولأنعامكم).
فسبحانه من إله قادر مقتدر خلق فسوى وقدر فهدى وأمرنا بالتفكير والتدبر
في مخلوقاته ومصنوعاته كما يقول تعالى في سورة العنكبوت آية - 20: (قل
سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة،
إن الله على كل شئ قدير))
وها هو القرآن يدعونا إلى التفكر في بدء الخلق منذ أن تصلبت قشرة
الأرض الخارجية وتكونت عليها القارات والمحيطات لذلك اجتهد علماء الجيولوجيا
أن يقرأوا تاريخ الأرض من طبقات الصخور الرسوبية التي تراكمت عليها وفى
طياتها الكثير من بقايا الكائنات الحية التي عاشت عليها سواء كانت لحيوان
أو نبات وهذه البقايا المتحجرة هي ما نسميه اليوم بالحفريات، وهي في واقعها
سجل حافل بتاريخ الخليقة منذ بدايتها، وقد استطاع العلم بوسائله المتقدمة أن
يقرأ كثيرا من صفحات هذا السجل ويعرف حقائق كثيرة عن نشأة الأرض
وتطوراتها خلال الأزمنة الجيولوجية.
وقال تعالى في سورة البقرة آية - 29:
(هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع
سماوات وهو بكل شئ عليم).
68

تفسير علماء الدين:
إن الله هو الذي تفضل عليكم بأن خلق لمنفعتكم وفائدتكم كل النعم
الموجودة في الأرض، ثم توجهت إرادته إلى السماء فجعل منها سبع سماوات فيها
ما ترون وما لا ترون والله محيط بكل شئ.
النظرة العلمية:
جاء في تفسير علماء الفلك لهذه الآية أنه يصح أن يراد بالسماوات السبع
مدارات الكواكب السيارة التي تدور حول الشمس، ويصح أن يراد بها
الطبقات المختلفة لما يحيط بالأرض، ذلك أن الله تعالى بعد أن أكمل تكوين
الأرض ودبت الحياة على سطحها وجعل حولها أجواء من طبقات أودع فيها
وسائل لوقايتها من أهوال الفضاء الذي يرسل باشعاعات مهلكة وتتهاوى فيه
شهب ونيازك مدمرة، وهذه الطبقات لم تعرف خواصها إلا في العصور الحديثة
فأنى لمحمد النبي الأمي العلم بها؟
وقال تعالى في سورة الأنبياء آية - 32:
(وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون).
تفسير علماء الدين:
وجعلنا السماء فوقهم كالسقف المرفوع، وحفظناها أن تقع، أو يقع ما فيها
عليهم، وهم مع ذلك منصرفون عن النظر والاعتبار بآياتنا الدالة على قدرتنا
وحكمتنا ورحمتنا.
69

النظرة العلمية:
تقرر هذه الآية الكريمة أن السماوات وما فيها من أجرام حافظة لكيانها
ومتماسكة فيما بينها ولا خلل يعتورها ومحفوظة من أن تقع على الأرض، هي كل
ما علانا وهي تبدأ بالغلاف الهوائي الذي يحمى أهل الأرض من كثير من أهوال
الفضاء التي لا تستقيم معها الحياة بأي حال، مثل الشهب والنيازك والأشعة الكونية
وفوق الأرض الغلاف الهوائي الذي تحتفظ به الأرض بقوة الجاذبية ولا سبيل
إلى فقده في خضم الفضاء المتناهي، وفوق الغلاف الهوائي أجرام السماء على أبعاد
مختلفة وتدور دوراتها المنتظمة في أفلاكها منذ أن خلقها الله تعالى.
قانون الجاذبية
توجد في الكون نظم لها قوانين لا تتبدل ولا تتغير منذ الأزل ومن أول
هذه القوانين قانون الجاذبية الذي يعمل على تجميع شتات الاجزاء المادية المتقاربة
في أبعاد دقيقه محددة، ولولا قوة هذا القانون لسقطت الكائنات في هاوية
الفضاء، ويتركز ثقل الأرض في مركز تكورها أي أن الأرض تجذب الأجسام
التي عليها نحوه، وقد اكتشف هذا القانون نيوتن العالم الإنجليزي الذي لاحظ يوما
أن تفاحة سقطت من شجرتها على الأرض فأخذ يفكر في سبب سقوطها إلى أن
وصل إلى قانون الجاذبية الذي يثبت أن كل جسم مادي يجذب غيره من الأجسام
المادية بقوة تزيد أو تنقص حسب الكتلة والمسافة بينهما، كما يدل على ذلك علم
الديناميكا، وهذا هو القانون الذي يربط الأجرام السماوية ويحفظ تماسكها وانتظامها
في مداراتها.
70

وقال تعالى في سورة الفرقان آية - 61:
(تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا)
تفسير علماء الدين:
تعالى الرحمن وتزايد فضله، أنشأ الكواكب في السماوات وجعل لها منازل
تسير فيها وجعل من الكواكب الشمس سراجا مضيئا وقمرا منيرا.
النظرة العلمية:
يرى سكان الأرض نجوم السماء على هيئة مجموعات تكاد تحتفظ بصورها
على مر الأجيال، والبروج هي تلك المجموعات من الاجرام التي تمر أمامها الشمس
أثنا دورانها الظاهري من حول الأرض، فالبروج كأنها منازل الشمس في دورانها
أثناء السنة. وكل ثلاثة منها تؤلف فصلا من فصول السنة، وعدد هذه البروج
اثنى عشر وهي: الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان
والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وفي قوله تعالى في وصف الشمس
أنها سراج إشارة إلى أنها مصدر الطاقة الحرارية نظرا للتفاعلات الذرية في داخلها،
والاشعاع الشمسي المنبعث من هذه الطاقة يسقط على الكواكب والأرض والأقمار
وسائر أجرام السماء غير المضيئة، أما القمر فينير بضياء الشمس المرتد على سطحه.
وقال تعالى في سورة يس آية - 38:
(والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم).
71

تفسير علماء الدين:
إن الشمس تجرى ليلا ونهار لغاية محددة لها وإلى مستقر قدره الله لها زمانا
ومكانا وذلك تدبير الله الغالب بقدرته والمحيط علما بكل شئ.
النظرة العلمية:
يقرر علم الفلك بأن الشمس لها مجموعة من الكواكب والأقمار والمذنبات
تتبعها دائما وتخضع لقوة جاذبيتها وتجعلها تدور من حولها في مدارات متتابعة
بيضاوية الشكل، وجميع أفراد هذه المجموعة تنتقل مع الشمس خلال حركتها
الذاتية، والخلاصة أن المجموعة الشمسية تجرى في الفضاء بسرعة محدودة وفي اتجاه
محدود، وتبلغ هذه السرعة حوالي 700 كيلومتر في الثانية، وتتم دورتها حول
المركز في مدى 200 مليون سنة ضوئية، ولم يتوصل علماء الفلك إلى معرفة هذه
الحركة واتجاهها إلا في أوائل القرن العشرين فأين هذا من وقت نزول القرآن
حيث لم يكن محمد النبي الأمي ولا قومه يعرفون شيئا من ذلك.
وقال تعالى في سورة الرحمن آية 33 - 35:
(يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات
والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان، يرسل عليكما
شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران).
تفسير علماء الدين:
يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض
هاربين فأخرجوا، لا تستطيعون الخروج إلا بقوة وقهر، ولن يكون لكم ذلك،
72

فبأي نعمة من نعم ربكما تكذبان؟ يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب
فلا تقدران على دفع العذاب
النظرة العلمية:
قد يتوهم العامة من أهل عصرنا هذا عصر غزو الفضاء أن الانسان قد حقق
أعظم انجاز علمي وعملي بالصعود إلى القمر وأنه تمكن بفضل مخترعاته وأجهزته أن
يسير فوق سطح القمر، وأن يحضر معه في عودته عينات من صخوره وترابه
لتحليلها والتعرف على عناصرها، وظن بعض البسطاء والجهلاء بآيات القرآن أن
الانسان بعمله هذا قد تمكن من النفاذ إلى أقطار السماوات وأنه حقق هذا النفاذ
بسلطان العلم، والحقيقة أن هذا الزعم لا أساس له مطلقا من الصحة لان كلمة
سلطان التي أولها المتأولون خطأ بمعنى سلطان العلم إنما هي في حقيقة الامر سلطان
الله سبحانه وهو السلطان الإلهي الذي نفذ بقوته النبي صلى الله عليه وسلم إلى
أقطار السماوات ليلة معراجه، لأنه هو السلطان القاهر على إخضاع سنين
الكون وقوانينه لإرادة الله تعالى.
ويرى العلم الحديث في هذه القضية أن القمر الذي وصل إليه الانسان بقوة
صواريخه إنما هو جرم صغير تابع للأرض، وكأنما هو ضاحية قريبة من ضواحيها
إذا لا يبعد عنها بأكثر من 240000 كيلومتر، فأين هذا البعد من أقطار
السماوات التي يبلغ أبعاد القريب منها عن الأرض بألف سنة ضوئية، مع العلم
بأن الضوة يسير بسرعة 300000 كيلومتر في الثانية فكم من الكيلو مترات
يقطع الضوء في الدقيقة ثم في الساعة ثم في اليوم ثم في الشهر ثم في السنة أنه
يقطع في السند مسافات لا تقدر بأرقامنا الحسابية وإنما هي أرقام فلكية خيالية.
ولنضرب مثلا يبين لنا استحالة الوصول إلى هذه الأقطار السحيقة أننا لو أردنا
73

الوصول إلى الشمس وهي أقرب النجوم إلى الأرض واستخدمنا قطارا من قطر
السكة الحديدية وجعلناه يسير بسرعة 60 كيلو مترا في الساعد ليلا ونهارا بدون
انقطاع لوصل إليها بعد 300 سنة، فما بالك بمدة الزمن اللازم للوصول إلى نجم
يبعد عن الأرض بألف سنة ضوئية.
المجموعة الشمسية
الشمس والأرض والقمر والنجوم والكواكب والشهب ألفاظ جاءت في
القرآن كثيرا، فالشمس ذكرت 33 مرة، والأرض ذكرت 461 مرة، والقمر
ذكر 27 مرة، وهذه الأجرام السماوية هي وحدات من المجموعة الشمسية التي
هي المجموعة الوحيدة من بين آلاف المجموعات التي يتألف منها الكون والتي
يمكن القول بأننا نعرف عنها بعض الحقائق لأننا نعيش فيها.
وتتكون المجموعة الشمسية من نجم عظيم يشغل مركزها وهو الشمس،
ومن عشر كواكب سيارة تدور حول هذا النجم في اتجاه واحد من الغرب إلى
الشرق وفي مستوى واحد، وكأنها كرات مختلفة الاحجام تطفو فوق الماء،
وهذه الكواكب هي: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والكويكبات والمشتري
وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو، وتختلف أحجام هذه الكواكب، وإن
أكبرها حجما هو المشترى الذي يقع في مركز متوسط بينها، أما بقية الكواكب
فإن أحجامها تتدرج في الصغر كلما بعدت عنه في كلا جانبيه، ولبعض هذه
الكواكب أقمار تابعة لها تدور حولها، وللأرض قمر واحد يدور حولها، وإليك
تعريفات موجزة عن بعض أفراد المجموعة الشمسية وهما الشمس والقمر:
74

الشمس: نجم عظم الحجم يبلغ حجمه بالنسبة لحجم الأرض 000, 1305
مرة وتصدر منه الحرارة والضوء، وتندلع في بعض نواحيه ألسنة من اللهب
تمتد آلاف الكيلو مترات في الفضاء، وتدور الشمس حول محورها كما تدور
الأرض حول محورها، وتكمل الشمس دورتها في 26 يوما وقد تمكن العلماء
من تحديد هذه المدة بملاحظة دورة البقع الشمسية وهي المعروفة باسم الكلف
الشمسي على سطحها، وينبعث من هذه البقع غازات وأعاصير يمكن تسجيلها
عن طريق التحليل الطيفي، لمعرفة عناصرها، وتبلغ درجة حرارة الشمس عند
سطحها 6000 درجة مئوية ولكنها في مركزها الباطني تربو على 15 مليون درجة،
ورغم أن الشمس تدور حول نفسها، فإنها ليست ثابتة في مكان واحد بل إنها
تسير في الفضاء وتسير معها أسرتها تنبعها وهي تجرى لمستقر لها.
القمر: تابع للأرض يدور حولها مرة في كل شهر قمري، والأرض تدور
في نفس الوقت حول شمس، وتبلغ سرعة القمر أثناء دورته حول الأرض
3300 ميلا في الساعة، وتبلغ كتلة الأرض 80 مرة قدر كتلة القمر، ويبعد القمر
عن الأرض بمقدار 240000 كيلومتر، ويستخدم الرادار في قياس أبعاد الأجرام
السماوية القريبة فقط: مثل القمر وذلك بمعرفة الزمن الذي تقطعه الموجة اللاسلكية
في الذهاب إلى القمر والعودة منه، ويدور القمر حول محوره ببطئ شديد، ولذا
كان يومه أطول من يومنا كثيرا، فيستغرق كل من الليل والنهار أسبوعين،
أي أن الشهر القمري نصفه نهار على وجه من القمر، ونصفه ليل على وجهه المقابل،
ولذا تصل الحرارة في النصف المقابل للشمس حوالي 130 درجة مئوية، بينما
تهبط أثناء الليل في النصف الآخر إلى حوالي 150 درجة مئوية تحت الصفر.
75

معجزة القرآن في وصف الكائنات
لقد جاء حديث القرآن عن الكائنات التي أبدعتها يد القدرة مناسبا لجميع
الناس على اختلاف درجات عقولهم وأفهامهم فكان لهم من ظاهره معان واضحة
سهلة تصور لهم روعة صنعة الخالق كما يشاهدونها أمامهم، وتبين لهم ما فيها من
آيات القدرة العظيمة المبدعة ودلائل العلم الواسع المحيط بكل شئ والموجه
للعقول إلى فهم رحمة الله ومبلغ لطفه بعباده لكي يتعرفوا منها بالتعقل والتبصر
على خالق الخلق وجلال ذاته وكمال صفاته إذ الصنعة دليل ساطع على قدرة الصانع
وإبداعه.
ولكن المتأملين في حديث القرآن من أهل العلم والخبرة بالكائنات يرون
في ألفاظ القرآن وعباراته أنها فوق معانيها الظاهرة وأن لها معان دقيقة تنطوي
على أصول وجوامع من العلم الواسع الدقيق الذي لم يكن معروفا
للناس من قبل ولم يتعرفوا عليه إلا بعد انتشار العلم الحديث بينهم في القرنين
الأخيرين، وانكشفت هذا المعاني للمتأملين من أصحاب العقول الراجحة في ضوء
علومهم الخاصة إما من صريح النص القرآني أو من إشارات ورموز لها.
وقال تعالى: في سورة يس آية - 39:
" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم "
تفسير علماء الدين:
والقمر جعلنا له منازل كمنازل الشمس، وهو يزيد وينقص حتى يصير كالعذق
للقوس أو السباطة اليابسة إذا حال عليها الحول وجفت.
76

النظرة العلمية:
دلت الدراسات الفلكية على أن القمر يدور حول نفسه، وفي نفس الوقت
يطوف حول الأرض مرة واحدة في كل شهر، ولا يظهر لنا من القمر مدة دورته
هذه سوى وجه واحد هو الوجه المواجه للأرض، أما جهة الآخر فلم ولن يراه
سكان الأرض، وتعرف دورته هذه بالشهر القمري، وفي كل يوم من هذا الشهر
يبدو لنا القمر بأوجه مختلفة، ففي أول الشهر يكون في المحاق لانمحاق نوره أي
اختفائه ثم يكون بعد سبعة أيام في التربيع الأول، ثم يكون بدرا في وسط الشهر
ثم يكون في التربيع الثاني بعد الأسبوع الثالث، ثم يكون في المحاق آخر الشهر
وهكذا دواليك، وبذلك يعرف الناس المواقيت.
وتعبير القرآن بالعرجون القديم الذي لا خضرة فيه ولا ماء ولا حياة هو تشبيه
علمي يمثل لنا حالة القمر الواقعية بأنه لا حضرة فيه ولا ماء ولا حياة، وقد تحقق
ذلك فعلا بعد أن تمكن الانسان أخيرا من النزول على سطح القمر والسير فوقه
ومشاهدة معالمه المقفرة، فسبحان من بيده ملكوت كل شئ وهو على كل
شئ قدير.
وقال الله تعالى في سورة يس آية 40:
(لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك
يسبحون).
تفسير علماء الدين:
إن الشمس لا يصلح لها أن تطلع في سلطان القمر فيذهب ضوؤه، ولا الليل
77

يطلع في سلطان النهار فيذهب ضوؤه بل إن الشمس والقمر والنجوم كل منها في
أفلاكها تدور ولا تخرج عنها.
وتفسيرا آخر يقول: لا الشمس يتأتى لها أن تخرج على نواميسها فتلحق
القمر وتدخل في مداره ولا الليل يتأتى له أن يغلب النهار ويحول دون مجيئه بل هما
متعاقبان وكل الأجرام السماوية تسبح في أفلاك لا تخرج عنها.
النظرة العلمية:
يثبت العلم الحديث أنه لا يمكن أن تدرك الشمس القمر ولا يمكن أن يتلاقيا
لان كلا منهما يجرى في مدار مواز للآخر فيستحيل أن يتقابلا لان الخطين المتوازين
لا يتلاقيان أبدا، كما يستحيل أن يسبق الليل النهار لان ذلك يتطلب من الأرض
أن تدور عكس اتجاهها الطبيعي الذي هو من الغرب إلى الشرق، وهو أمر
مخالف لناموس الكون والله سبحانه يقول في كتابه العزيز: (إنا كل شئ
خلقناه بقدر).
وقال تعالى في سورة يونس آية - 5:
(هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين
والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون).
تفسير علماء الدين:
إن ربكم هو الذي جعل الشمس تشع بالضياء وجعل القمر يرسل النور،
وجعل للقمر منازل ينتقل فيها فيختلف نوره تبعا لهذه المنازل لتستعينوا بهذا
78

في تقدير مواقيتكم وتعلموا عدد السنين والحساب، وما خلق الله ذلك إلا بالحكمة
وهو سبحانه يبسط في كتابه الآيات الدالة على ألوهيته وكمال قدرته لكي تتدبروها
بعقولكم وتستجيبوا لما يقتضيه العلم.
النظرة العلمية:
كشفت هذه الآية الكريمة عن حقائق لم تكن معروفة للناس قبل نزولها،
كشفت عن أن الشمس نجم تنبعث منه حرارة وضوء كما هو شأن سائر النجوم
التي هي أجرام ملتهبة ومضيئة في آن واحد، وأن القمر كوكب أي جسم بارد
مظلم يستمد ضوءه وحرارته من الشمس، وأن القمر يتحرك في مداره مرة في كل
شهر بتوقيت دقيق يعرف منه عدد الأيام وحسابها في الشهور والأعوام فلولا
هذه الحركة المنتظمة ما عرف الانسان وقته ولا كيف يحسب الشهور والأعوام.
فهل كل هذا النظام الدقيق والتدابير المحكمة يحدث عبثا واعتباطا وبلا غاية؟
كلا! إنه تقدير العزيز الحكيم الذي أراده رحمة بمخلوقاته وكائناته التي جعل
الأرض مستقرا لها ومجالا لنشاطها.
وقال الله تعالى في سورة يونس آية - 6
(إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات
لقوم يتقون).
تفسير علماء الدين:
إن في تعاقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة والنقصان وفى خلق السماوات
79

والأرض وما فيهما من الكائنات لأدلة واضحة وحججا بينة على ألوهية الخالق
وقدرته لمن يتجنبون غضبه ويخافون عذابه.
النظرة العلمية:
يقرر العلم الحديث أن طول كل من الليل والنهار يختلف باستمرار على مدار
السنة، وأن هذا الاختلاف في التوقيت يرجع إلى دوران الأرض حول الشمس
وحول محورها المائل على مداره بمقدار 2 / 1 و 23 مما يجعل الليل يطول أو يقصر
بحسب تعامد الشمس على المكان أو ميلها عنه، وهذه حقائق كونية تكون
في حكم البدهيات لمن يدرس مبادئ الجغرافيا.
وقال تعالى في سورة الرعد آية 41:
(أو لم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها؟ والله يحكم لا معقب
لحكمه وهو سريع الحساب).
تفسير علماء الدين:
إن الأرض التي استولى عليها الكافرون يأخذها منهم المؤمنون جزءا بعد
جزء وبذلك تنقص عليهم الأرض من حولهم، والله وحده هو الذي يحكم
بالنصر أو الهزيمة وبالثواب أو العقاب ولا راد لحكمه، وحسابه سريع في وقته
فلا يحتاج حكمه إلى وقت طويل لان عنده علم كل شئ.
النظرة العلمية:
تحتمل هذه في تفسيرها علميا أنها تطابق ما وصل إليه علماء الفلك من أن
الكرة الأرضية تفلطحت عند القطبين وانبعجت عند خط الاستواء بسبب
80

سرعة دورانها حول نفسها التي تبلغ سرعتها نحو ألف ميل في الساعة وأن جزئيات
من الغازات والعناصر المحيطة بوسط الكرة الأرضية تنطلق بقوة الطرد المركزية
إلى الخارج حول خط الاستواء مما يساعد على الانبعاج أي زيادة في شكلها عند
خط الاستواء ونقص في طرفي القطبين.
وقال تعالى في سورة النمل آية - 88:
(وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل
شئ إنه خبير بما تفعلون)
تفسير علماء الدين:
إنك يا محمد ترى الجبال وقت النفخة الأولى تحسبها جامدة ساكنة مستقرة
وهي تمر في الهواء مر السحب صنع الله الذي أتقن كل شئ من الخلق وأنه خبير
بما تفعلون من الخير والشر (ومعنى ذلك في رأيهم أن حركة الجبال هذه لا تكون
إلا يوم القيامة فقط).
النظرة العلمية
يقرر العلم الحديث أن الكرة الأرضية منذ نشأتها تدور حول نفسها باستمرار
أمام الشمس مرة في كل يوم، وأنها تدور مرة كل سنة حول الشمس، شأنها في
ذلك شأن جميع الأجرام السماوية التي تسبح في أفلاكها بانتظام، وعلى ذلك فكل
ما على الأرض من جبال وبحار وغلاف جوى كلها تشترك مع الأرض في دورتها
اليومية حول محورها ودورتها السنوية حول الشمس مع ملاحظة أن كلمة تحسب
الواردة في الآية بمعنى تظن لا تتفق مطلقا مع ثبوت كل شئ يوم القيامة الذي
81

لا شئ فيه سوى اليقين الذي لا شك فيه، ولا ظنون بأي حال من الأحوال،
والذي لا شك فيه أن الأرض متحركة حول نفسها وحول الشمس في وقت واحد
وليست ثابتة لأنها لو كانت ثابتة لما حدث الليل والنهار ولما حدثت الفصول الأربعة.
وقال تعالى في سورة الفرقان آية - 45، 46:
(ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس
عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا).
تفسير علماء الدين:
أنظر إلى صنع ربك كيف بسط الظل بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس
من المشرق إلى المغرب ولو شاء لتركه دائما ثم جعل الشمس تزيل منه بما يحل محله
من أشعتها فكانت الشمس دالة عليه ولولاها ما عرف الظل، ولو شاء الله لجعل
الظل ساكنا مطبقا على الناس فتفوت مصالحهم ومرافقهم.
النظرة العلمية:
في هذه الآية دليل قوى على دوران الأرض حول نفسها، وأن هذا الدوران
ضروري للكائنات الحية فوق الأرض لأنها لو كانت غير متحركة لسكن الظل
ولم يتغير طولا أو قصرا، ولظلت أشعة الشمس مسلطة على نصف الكرة الأرضية
باستمرار، بينما يظل النصف الآخر ليلا دائما وهذا ما يسبب اختلافا كبيرا في
التوازن الحراري على الأرض ويؤدى ذلك إلى هلاك البشر من شدة الحرارة
أو من شدة البرودة، والله سبحانه قد جعل نسخ الظل بالشمس تدريجيا وبمقدار،
ولم يجعله دفعة واحدة وفي ذلك منافع للناس تحفظ عليهم نظام حياتهم ونشاطهم.
82

وقال الله تعالى في سورة الزمر آية - 5:
(خلق السماوات والأرض بالحق، يكور الليل على النهار ويكور النهار
على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار).
تفسير علماء الدين:
يقول المفسرون الأوائل إن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض
متلبسة بالحق والصواب على ناموس ثابت يلف الليل على النهار، ويلف النهار
على الليل على صورة الكرة وذلل الشمس والقمر لإرادته ومصلحة عباده وكل
منهما يسير في فلكه إلى وقت محدود عنده وهو يوم القيامة.
النظرة العلمية
تدل الآية على شيئين هما كروية الأرض ودورانها حول نفسها لان معنى
التكوير هو لف الشئ على الشئ على سبيل التتابع أي الدوران كما تدل على أن
كلا من الشمس والقمر يجرى أي يتحرك في مداره وأن لكل حركة زمنا محددا
فالقمر له حركته الشهرية وللشمس حركتها حول نفسها ثم حركتها في مسارها
وقد ثبت ذلك بالمشاهدة وبالوسائل والأجهزة الفلكية ويرى العلماء أن للشمس
نهاية عندما تستنفد وقودها الذرى ولا يكون ذلك إلا عند فناء الكون حسب
تقدير الله وتدبيره لأنه سبحانه قدر كل شئ تقديرا.
وقال تعالى في سورة النازعات آية 30:
(والأرض بعد ذلك دحاها)
83

تفسير علماء الدين:
والأرض بعد ذلك بسطها على الماء ومهدها لسكني الناس.
النظرة العلمية:
توضح المعاجم اللغوية أن كلمة دحاها تؤدى معنى أنه جعلها كالدحية أي
كالبيضة لان الأدحوة معناها بيضة النعام أو مكان بيض النعام ويكون عادة
مستدير الشكل، ولا شك أن هذا يطابق شكل الأرض الحقيقي الذي تدل عليه
البراهين النظرية والعملية، كما تؤكده الصور التي سجلتها آلات التصوير أثناء
رحلات الأقمار الصناعية في الفضاء، ولفظ دحا يدل على شيئين هما البسط مع
الاتساع والتكوير في التكوين، وهذه روعة في التعبير عن أن الأرض التي
نراها أمامنا في الظاهر مبسوطة فسيحة الارجاء هي في واقع الامر مستديرة
كالبيضة، وهذا تقدير العزيز الحكيم الذي أتقن كل شئ خلقه.
والانسان في سيره على سطح الأرض لا يزيد في حجمه عن نملة ضئيلة جدا
تتحرك فوق منطاد ضخم جدا ولا ترى حولها غير استواء طريقها عليه ولا ترى
أي انحناء أو استدارة أينما كانت فوقه.
وقال الله تعالى في سورة البقرة آية - 22:
(الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج
به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون).
تفسير علماء الدين:
إن الله وحده هو الذي مهد لكم الأرض وبسط رقعتها ليسهل عليكم
84

الإقامة فيها والانتفاع بهما، وجعل ما فوقكم من السماء وأجرامها وكواكبها
كالبنيان المشيد وأمدكم بالماء الذي هو سبب الحياة والنعمة أنزله عليكم من السماء
فجعله سببا في إخراج النبات والأشجار المثمرة التي رزقكم بفوائدها فلا يصح
مع هذا أن تتصوروا أن لله نظراء تعبدونهم لأنه ليس له مثيل ولا شريك، وأنتم
بفطرتكم الأصلية تعلمون أنه لا مثيل له ولا شريك فلا تنحرفوا عن ذلك.
النظرة العلمية:
يرى العلم الحديث أن موضع الاعجاز في هذه الآية قوله تعالى والسماء بناها،
فقد أثبت العلم بما لا يقيل الشك أن السماء في معناها الواقعي والطبيعي هي كل ما يحيط
بالأرض من جميع أقطارها ابتداء من الغلاف الجوى الذي يرتفع بنحو ثلاثمائة
كيلومتر فوق سطح الأرض وكأنه بحر من الهواء حول الكرة الأرضية
ثم إنه بعد هذا الغلاف الجوى يوجد فراغ كوني تسبح فيه ملايين الأجرام
السماوية في أعماقه السحيقة وهي تتجاذب فيما بينها وتتحرك في تماسك واتزان
في طبقة بعد طبقة وكأنها البناء المحكم، أو كأنها السقف المبنى فوق الأرض،
فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقال تعالى في سورة الأنبياء آية 30:
(وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون)
تفسير علماء الدين:
فسرها المفسرون السابقون بأن الله خلق جميع الاحياء من ماء الذكر والأنثى،
وأن كل شئ من الكائنات الحية يحتاج إلى الماء في حياته، أفلا يؤمن أهل مكة
بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن؟
85

النظرة العلمية:
يقرر العلم الحديث في تفسير هذه الآية الكريمة أن الماء يدخل في بناء أي
جسم حي إذ هو في الحقيقة قوام حياته، فالماء في نظر العلم هو المكون الأصلي
في تركيب مادة الخلية، والحلية هي وحدة البناء في كل شئ حي نباتا كان
أو حيوانا، كما أن علم الكيمياء في أبحاثه الحديثة قد أثبت أن الماء عنصر لازم
وفعال في كل ما يحدث من التحولات والتفاعلات التي تتم داخل الأجسام فهو
إما وسط أو عامل مساعد أو داخل في هذا التفاعل أو ناتج عنه، وتقول الآيات
الكريمة في قصة خلق آدم أبى البشر عليه السلام أنه خلق من طين، والطين
هو خليط من الماء والتراب أي أن الماء عنصر أساسي في تكوين أي شئ حي.
وقال تعالى في سورة طه - آية 50:
(قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى)
تفسير علماء الدين:
ربنا الذي منح نعمة الوجود لكل موجود، وخلقه على الصورة التي
اختارها سبحانه له، ووجهه لما خلق.
النظرة العلمية:
يرى العلم بنور الايمان أن قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته قد أودعت في كل
شئ خلقه صفاته الخاصة التي تؤهله لأداء وظيفته التي خلق لها ومن أجلها بصورة
مدهشة تجعل الانسان يقر بعظمة الله جل جلاله ووحدانيته، فكل مخلوق
86

لم يخلق عبثا وإنما خلق ليؤدي الدور الذي أهلته له مقوماته وقدراته
واستعداداته.
الكائنات الحية والخلايا
توصل العلم عن طريق الدراسات المجهرية وهي التي تستعمل فيها المجاهر أي
مكبرات الصور إلى درجة كبيرة من التقدم فقد توصل إلى اكتشاف أن الحيوانات
والنباتات لا تتركب أجسامها من كتلة واحدة تندمج أجزاء مادتها بعضها في بعض،
وإنما تتركب من عدد ضخم من الوحدات الصغيرة التي تعرف بالخلايا
(جمع خلية).
ولا توجد الخلايا منفردة ومتباعدة وإنما تتجمع في كتل وتتراص على هيئة
صفائح دقيقة، ويطلق على هذه التجمعات اسم الأنسجة، وهذه الأنسجة تتجمع
بدورها لتكون الأعضاء.
ويتم التكاثر التزاوجي بأن ينتج الحيوان خلايا اصطلح على تسميتها بالخلايا
الشقيقة، وهي إما خلايا مؤنثة (أي بويضات) وإما خلايا مذكرة (أي حيوانات
منوية) والبويضة عادة كبيرة الحجم عديمة الحركة وهي مزودة بكميات من المواد
الغذائية، أما الحيوانات المنوية فهي صغيرة جدا ورفيعة، وهي مزودة بأعضاء
للحركة تساعدها على بلوغ البويضة، فإذا ما أخصبت البويضة بحيوان منوى فإنها
تندمج معه وتتحد به وتدخل في مرحلة تعرف بمرحلة التكوين، وبعد ذلك
تنقسم خلايا البويصة إلى عدد كبير من الخلايا، وتأخذ هذه الخلايا بعد ذلك
في التمايز والتخصص لان لكل نوع منها وظائف معينة.
87

ويتركب جسم الكائن الحي إما من خلية واحدة ويسمى وحيد الخلية
أو يتركب من عدد كبير من الخلايا ويسمى عديد الخلايا، وهناك خلايا نباتية
للنبات وأخرى حيوانية للحيوان، وقد ساعدت المجاهر على تكبير الخلية إلى
درجة عظيمة وأمكن بذلك دراسة مقومات الخلية وتركيبها لان العين المجردة
ما كانت لتستطيع الكشف عنها لشدة صغرها.
وتتركب الخلية الحيوانية من:
1 - جدار وهو غشاء رقيق شفاف يحيط بالخلية.
2 - البروتوبلازم وهو المادة الحية في الخلية ويتكون من مادة هلامية
شفافة قوامها مادة بروتينية معقدة التركيب ومختلطة بمادة دهنية، وتحتوي الخلية
على نسبة كبيرة من الماء وبعض العناصر الأخرى من الكربون والأكسجين
والأروت والكبريت والفسفور، وللبروتوبلازم القدرة على هضم الغذاء وتمثيله
وأكسدته وإخراج الفضلات، كما أن له القدرة على النمو والحركة والتكاثر.
وقال تعالى في سورة الأنعام آية - 125:
(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام، ومن يرد أن يضله يجعل
صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين
لا يؤمنون).
تفسير رجال الدين:
فمن يرد الله أن يرشده لدينه يشرح قلبه لقبول الاسلام حتى يسلم ومن يرد
88

أن يضله يتركه ضالا كافرا ويترك قلبه ضيقا لا يجد النور إلى قلبه منفذا ولا مجازا
كالمكلف الصعود إلى السماء.
النظرة العلمية:
يرى العلم الحديث في هذه الآية حقيقة علمية تؤكد وجود الضغط الجوى
الذي اكتشفه أحد العلماء الطليان المسمى تورشيلي في منصف القرن السابع عشر،
فقد قاس هذا الضغط وقدره بما يساوى وزن 76 س. م مكعب من الزئبق،
وقد اجتهد بعد ذلك علماء الطبيعة في دراسة الغلاف الجوى وغازاته وارتفاعه
ومقدار وزنه وتخلخله، وأن الانسان على سطح الأرض يتحمل قدرا معينا من هذا
الضغط على جسمه، فإذا ارتفع الانسان بالصعود على جبل أو ركوب الطائرة فإن هذا
القدر من الضغط يقل تدريجا بحسب مقدار الارتفاع ويؤثر ذلك في تنفسه ويشعر
بضعف حتى إذا وصل إلى ارتفاع 12000 قدم فوق سطح البحر يحس بصعوبة
شديدة في التنفس وضيق في الصدر يجعل مجرد الكلام متعذرا عليه، فهل بعد
ذلك برهان على أن هذا القرآن كلام الله الذي يعلم السر وأخفى؟ وليتأمل ذوو
الألباب في هذا الاعجاز العلمي الباهر ما عرفه أحد قبل نزول القرآن فسبحان
من هذا كلامه.
قال تعالى في سورة الفرقان آية - 48:
(وأنزلنا من السماء ماء طهورا).
تفسير علماء الدين:
ولقد أنزلنا من السماء ماء طاهرا مزيلا للأنجاس والأوساخ.
89

النظرة العلمية:
يقول العلم في معنى هذه الآية الكريمة أن الله يمن على البشر بإنزال الماء
طاهرا إليهم من السماء، وفى ذلك إشارة إلى أن ماء المطر عند بدء تكوينه يكون
في أعلى درجات النقاء بعد تبخره وتخلصه من جميع شوائبه فإنه يكون نقيا وخاليا
من أي شئ ينجسه أو يكدره فهو لذلك صالح للتطهر به من الأوضار والأدران
حسية كانت أو للتطهر به من الاحداث الصغرى والكبرى.
ظهور الحياة على الأرض
دلت أبحاث علماء الفلك والرياضيات والجيولوجيا وغيرها من العلوم الطبيعية
والكونية التي كرسوا حياتهم للتعمق في دراستها وفهمها أن ظهور الحياة على
الأرض لها قصة استغرقت بلايين السنين وهي تمثل كيفية التدرج في نشأة الحياة
النباتية والحيوانية على سطح الأرض.
وتبدأ القصة بعدما بردت الأرض وتكونت بحارها وجبالها وسهولها وغلافها
الجوى واستعدت لاستقبال الحياة عليها وذلك بعد تعرضها خلال ملايين السنين
لتطورها من حال إلى حال.
ثم جاء ميلاد الحياة على الأرض سرا أزليا لا يعلم حقيقته إلا الله الخالق البارئ
المصور سبحانه، ولكن الانسان الذي وهبه الله العقل ورأى آثار قدرة الله في
مخلوقاته حاول أن يكشف هذا السر فهداه تفكيره وبحثه وإلهام الله له إلى
معرفة ما يأتي:
1 - أن أول ظهور للحياة على الأرض كان فوق سطح الماء والمحيطات
والمستنقعات وعلى شواطئ المسطحات المائية التي تكونت عندها مادة الطين حيث
اختلط الماء بالتراب
90

2 - أن من عفن الطين المنتن نشأت أبسط وأصغر أنواع الحياة التي نراها
ممثلة في بعض أنواع البكتيريا وبعض الكائنات وحيدة الخلية التي لم تتميز بعد
على أنها نبات أو حيوان.
3 - أن من هذا الأصل المشترك لجميع الكائنات نبت فرعان من الخلايا
المجهرية أي التي لا ترى إلا بواسطة المجاهر المكبرة تولد من أحدهما النبات ومن
الآخر الحيوان.
4 - أن فرع الخلايا المكونة للنبات؟ رعان ما استحدثت طريقة عجيبة
لتركيب مادة الكلوروفيل الخضراء في هيكلها لتكسب بها الطاقة من ضوء
الشمس وتستعين بها على استخلاص الكربون من غاز ثاني أكسيد الكربون
الموجود في الجو ثم تحويله إلى مواد سكرية ونشوية وكان هذا بدء ممارسة عملية
التمثيل الضوئي لنمو النبات.
5 - أن الخلايا أخذت بعد ذلك تحيط أجسامها الدقيقة بجدران من هذه
المواد الكربونية في هيئة السليولوز، وكانت تستعمل الطاقة التي تنبعث في أجسامها
نتيجة التمثيل الضوئي داخل هذه الجدران في التحرك.
6 - أن هذه الخلايا كانت أول الخلق وهي كائنات متناهية في الدقة
تعيش في غير جلبة أو ضوضاء ويأتيها رزقها رغدا من الهواء وماء البحر وأملاحه.
7 - أن زمنا طويلا من العصور والأحقاب مضى على هذه الخلايا وهي
تنمو وتتطور وأن البحار كانت تغص بكائنات لا عدد لها من هذه العضويات
الأولى التي كانت الأصل في جميع أعضاء مملكة النبات التي تكاثرت وغطت
الأرض بأعشابها وأشجارها وغاياتها الضخمة الكثيفة قبل وجود الانسان.
91

8 - أن عالم الحيوان قام كذلك مع الخلايا التي انقسمت وكونت الحيوانات
التي عاشت على النبات وغيره وصارت أنواعا مختلفة من الاحياء على الأرض.
قال تعالى في سورة نوح آية - 13، 14:
(ما لكم لا ترجون لله وقارا، وقد خلقكم أطوارا)
تفسير علماء الدين:
ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته حتى ترجو تكريمكم بإنجائكم من
العذاب، وقد خلقكم كرات متدرجة نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحما.
النظرة العلمية:
تدل الأبحاث العلمية في خلق الانسان أنه كانت هناك قبل ظهور آدم عليه
السلام صور وصنوف من المخلوقات جاء الانسان ذروة لها في التكوين والتقويم،
ويقول القرآن عن الله أنه هو: (الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) أي أنه
هدى مسيرة التطور حتى بلغت ذروتها في نوع الانسان المتفوق وذلك بعد أن مر
بالانسان قبل وجوده حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، ونظرية التطور
في خلق الانسان أصبحت حقيقة ولها براهين تؤيدها.
قال تعالى في سورة نوح آية - 17، 18:
(والله أنبتكم من الأرض نباتا، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا)
92

تفسير علماء الدين:
والله أنشأكم من الأرض فنبتم نباتا عجيبا، ثم يعيدكم في الأرض بعد الموت،
ويخرجكم منها إخراجا محققا لا محالة.
النظرة العلمية:
يقرر العلم أن الانسان هو ابن هذه الأرض ومصداق ذلك قوله تعالى:
(منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)
وأكثر من ذلك يحدثنا القرآن في صراحة أن الانسان نبتة من نبات الأرض،
وقد أكد القرآن الكريم حقيقة معدن آدم وهو الطين في أشكاله التي ذكرها
القرآن في قوله أنه من طين، أو من حمأ مسنون، أو من طين لازب أو من
سلالة من طين، أو من صلصال كالفخار.
وأن الانسان الأول وهو آدم عليه السلام بعد خلقه من الطين وصار جسما
حيا من لحم وعظم ودم وأعصاب ثم صار تكوينه بعد ذلك عن طريق آخر هو
من نطفة من منى يمنى.
قال تعالى في سورة الطارق آية - 5، 6، 7:
(فلينظر الانسان مم خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب
والترائب).
تفسير علماء الدين:
فليفكر الانسان من أي شئ خلق؟! خلق من ماء متدفق، يخرج هذا
الماء من بين صلب الرجل وعظام الصدر وهي الترائب للمرأة.
93

النظرة العلمية:
ظهر من الدراسات الطبية الحديثة أن الصلب هو منطقة العمود الفقرى للرجل
وأن الترائب هي عظام الصدر للمرأة، كما أظهرت للتحاليل الكيمائية أن الماء
الدافق هو سائل الرجل المنوي الذي يحتوي على الحيوانات الحية في النطفة،
وقد سمى دافقا لأنه يندفع وقت الملامسة الجنسية من ذكر الرجل وحده دون
الأنثى التي لا يتدفق منها سوى إفرازات تسيل لمجرد تليين الجهاز التناسلي وترطيبه.
وقال تعالى في سورة الجاثية آية - 3 - 5:
(إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين، وفي خلقكم وما يبث من دابة
آيات لقوم يوقنون، واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق
فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون).
تفسير علماء الدين:
أن في خلق السماوات والأرض من بديع صنع الله لدلالات قوية على ألوهيته
ووحدانيته يؤمن بها المصدقون بالله بفطرهم السليمة، وفي خلق الله لكم على ما أنتم
عليه من حسن الصورة وبديع الصنع وما يفرق وينشر من الدواب على اختلاف
الصور والمنافع لدلالات قوية واضحة لقوم يستيقنون بأمورهم بالتدبر والتفكر،
وفي اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر والنور والظلام مع تعاقبهما على نظام
ثابت، وفيما أنزل الله من السماء من مطر فأحيا به الأرض بالانبات بعد موتها
بالجدب، وتصريف الرياح إلى جهات متعددة مع اختلافها برودة وحرارة وقوة
وضعفا علامات واضحة على كمال قدرة الله لقوم فسكروا بعقولهم فخلص يقينهم.
94

النظرة العلمية:
توجه هذه الآيات نظر الانسان إلى عدة آيات بينات من قدرة الله وإبداعه
في كل ما صنع من آيات ملكه، ومن ذلك إنها تلفت النظر إلى قوله تعالى:
(وتصريف الرياح) فهذه العبارة الموجزة في كلماتها وراءها حقائق علمية رائعة،
فهذه الرياح التي هي الهواء المتحرك فوق غلاف الأرض الجوى إنما تتحرك بتأثير
حرارة الشمس التي تجعله يخف ويرتفع ويحل محله هواء بارد ثقيل يندفع نحو
منطقة الضغط المنخفض بنظام دقيق فيه تصريف للرياح وتوجيه لها في هبوبها
من مكان إلى مكان معين، وينشأ عن حركة الرياح نتائج لها أهميتها في حياة
الناس فهي تسوق السحاب المطرة إلى الأرض المجدبة، وتساعد السفن الشراعية
في سيرها، وتحمل اللقاح إلى النباتات النامية وتوزع الحرارة والبرودة في دورات
منتظمة على الأرض وغير ذلك من حكمة الله في تصريف الرياح فقد قال تعالى
في سورة الأعراف آية - 57 (وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي
رحمته، حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء، فأخرجنا به
من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون)، وقد أثبت العلم الدورة
الهوائية على سطح الكرة الأرضية وكيف يكون تصريفها من جهة إلى أخرى.
الماء
ورد ذكر الماء في القرآن 63 مرة، وهو سائل شفاف لا لون له ولا طعم ولا
رائحة، ويتكون أساسا من اتحاد غازي الأكسيجين والأيدروجين مع غيرهما.
والماء أكثر المواد مقدارا وحجما بالكرة الأرضية وهو يكون الغلاف
95

المائي على سطحها، ولو أن الأرض كانت كرة ملساء لا تعاريج ولا تضاريس
في سطحها لغطاها ذلك الماء بغلاف سمكه نحو ميلين، أما وسطح الأرض بين
منخفض ومرتفع فقد تجمع الماء منذ النشأة الأولى في مناطق هبوط القشرة
الأرضية مكونا المحيطات والبحار التي تشغل أكثر من ثلثي مساحة الكرة
ومياهها ملحة وهذه الملوحة ضرورية لحفظها من التغير والعطن، أما مياه الأنهار
فعذبة لأنها تنزل من السحب التي تبخرت من المحيطات ثم تكاثفت وسقطت
أمطارا غزيرة خالية من أي شائبة.
والماء عماد الحياة في الأرض لكل كائن حي من نبات وإنسان وحيوان
وقد أشار القرآن الكريم في كثير من آياته عن عظم أهميته في إحيائها
فيقول تعالى:
(والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها) سورة النحل
آية - 65.
(وجعلنا من الماء كل شئ حي) سورة الأنبياء آية - 30:
(والله خلق كل دابة من ماء) سورة النور آية - 45.
(وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) سورة الفرقان
آية - 54.
(وأنزلنا من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى) سورة طه
آية - 53.
ويحتوي جسم الانسان على حوالي 70 % من وزنه ماء لان له أهمية خاصة
في الجسم كموصل لعناصر الغذاء إلى خلايا الجسم وإفراز للمواد الضارة في الجسم
وتلطيف لدرجة حرارة الجسم عن طريق تبخره في الرئتين والجلد، ومصادر المياه
96

في الجسم هو ما نشربه منه، وما تحتوي الأطعمة عليه من نسب مختلفة من الماء
ومما ينتج عن أكسدة بعض المواد الغذائية وتفاعل بعضها مع بعض
داخل الجسم.
والماء يعمل على إذابة المواد الغذائية بعد هضمها حتى يتمكن الجسم من
امتصاصها، والماء أساس تكوين الدم والسائل اللمفاوي والسائل النخاعي
وغيرها من السوائل التي تتكون منه في الجسم من إفرازات كالعرق والبول
والدموع والمخاط، ويثبت العلم أن الماء أكثر ضرورة للانسان من الغذاء فبينما
الانسان يمكنه أن يعيش نحو 60 يوما بدون أكل لا يمكنه أن يعيش بدون
الماء أكثر من أسبوع على أقصى تقدير ولو فقد الجسم 20 % من مائه فإنه
يكون معرضا للموت.
قال الله تعالى في سورة ص آية - 71، 72:
(وإذا قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين، فإذا سويته ونفخت
فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
تفسير علماء الدين:
قال الله لملائكته إني خالق بشرا أي آدم من طين فإذا جمعت خلقه وجعلت
الروح فيه فخروا له ساجدين.
النظرة العلمية:
تصرح الآية بأن الأصل الذي خلق الله منه آدم أبا البشر هو الطين الذي
هو مزيج من الماء والتراب، ويقرر العلم الحديث أن الحياة ظهرت على هذه
97

الأرض أول ما ظهرت على شواطئ المسطحات المائية حيث يتكون بجوارها
الطين الذي ينشأ، منه الزبد والحمأ المسنون والطحالب فالنبات فالحيوان فالانسان،
وأن هذا التطور في حالات الطين وأشكاله السالفة الذكر حدثت عبر ملايين
السنين حتى أثمرت شجرتها الأولى، وكان أكمل وأكرم ثمره من ثمارها
في النهاية هو الانسان.
والقرآن الكريم لم يبين لنا كيف تفرعت هذه الشجرة حتى كان الانسان
أحد فروعها، ولكن أشار في أكثر من آية إلى الصلة الوثيقة بين الانسان
وعالم الاحياء الناشئ من الماء الممزوج بالتراب.
ففي قوله تعالى: (والله خلق كل دابة من ماء (سورة النور آية 45):
وقوله سبحانه: (وجعلنا من الماء كل شئ حي) سورة الأنبياء
آية 30: دلالة قوية على أن الاحياء كلها - ومنها الانسان - مخلوقة من
مادة واحدة هي الماء، وللماء هو المادة اللازمة بل الأصيلة لتكوين الطين،
إذ لا وجود للطين إلا مع الماء وبالماء.
يقول الله تعالى في سورة الإسراء آية - 70:
(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
وتدل هذه الآية الكريمة على أن الله كرم أولاد أبينا آدم عليه السلام بحسن
القوام والقدرة على النطق والكلام وتخير الأشياء اللازمة لهم، وأنه أعطاهم
98

الكرامة والعزة، وأنه هيأ الوسائل لحملهم في البر على الدواب وفي البحر على السفن
ورزقهم من خير الطعام وفضلهم على كثير من المخلوقات بالعقل والتفكير
تفضيلا عظيما.
والرأي العلمي السائد أن الانسان وحيد النشأة أي أن السلالة البشرية كلها
انحدرت من أب واحد هو آدم ولكن هجرات ذريته القديمة واستقرارهم في
بيئات طبيعية مختلفة جعلت كل جماعة تتشكل بحسب ظروف تلك البيئة، وكان
من الممكن أن تلتزم كل جماعة بصفاتها ومميزاتها الجنسية ولكنها اختلطت
بالزواج من الأجناس الأخرى فأخذ عامل الوراثة يعمل عمله في الصفات الجسمية
لكل جنس فخلطها بعضها ببعض حتى لا يمكن أن نجد جنسا نقيا في أي دولة في
الوقت الحاضر.
الجسد والروح
الانسان مكون من جسد وروح، أما الجسد فقد قام علم الطب بدراسته
وتشريح جميع أجزائه وأعضائه وقد تبين له ما في خلق الانسان من معجزات وآيات
تدعو إلى الايمان بقدرة الله وحكمته وإبداعه في خلق أجهزته الدقيقة التكوين،
فسبحان الله الخالق البارئ المصور الذي له الأسماء الحسنى.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى الانسان خليفته في أرضه، وكان أبو البشر آدم
أول خليفة له، وقد علمه الأسماء كلها وأمر الملائكة بالسجود له سجود تكريم
وتعظيم لشأنه، فقد قال تعالى في سورة الحجر آية 28 وما بعدها: (وإذ قال ربك
للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون، فإذا سويته ونفخت فيه من
روحي فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس أبى أن يكون
99

مع الساجدين، قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين، قال لم أكن لأسجد
لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون، قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك
اللعنة إلى يوم الدين).
وقد ذكرت الكتب المقدسة قصة آدم وما جرى من مخالفته لأمر ربه
وهبوطه إلى الأرض، وهي قصة تدل بوضوح على أن الشجرة المحرمة ووسوسة
الشيطان لآدم بالاكل منها ثم إبداء الندم وطلب المغفرة إنما كانت التجربة البشرية
المستمرة التي قدرها الله لعباده في هذه الدنيا ما دامت السماوات والأرض ليبتلى
الخلق أيهم أحسن عملا، وكان القرآن أصدق الحديث عن قصة آدم عليه السلام.
نظرة عابرة في عالم الانسان
وصف بعض العلماء القدماء الانسان بأنه عالم أصغر انطوى فيه العالم الأكبر
حسا ومعنى، وشبهوا جسده بأنه كالأرض وعظامه كالجبال وجوفه كالبحر وأمعاؤه
كالأنهار وعروقه كالجداول وشعره كالنبات، وهذا تشبيه عادى لاظهار حالته
الموافقة لصورة الأرض، أما حالته المعنوية والنفسية والروحية فقد ورد في القرآن
الكريم آيات كثيرة تصفها وصف العليم الخبير بكل أحوالها ظاهرها وخافيها،
وقد أجمل المولى سبحانه وصف طبائع الانسان فقال تعالى في سورة الأحزاب
آية - 72: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن
يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا) وتدل هذه الآية
الكريمة على أن التكاليف من الواجبات التي يفرضها الدين ويأمر بها الشرع
أمر صعب التنفيذ يخافه ويخشاه أقوى الأقوياء وتنوء بحمله الجبال على مكانتها
وضخامتها إذا حاولت القيام به، ولكن الانسان على ضعفه وجهله غامر وحملها
فظلم نفسه لأنه حملها ما لا تطيق حمله.
100

وإليك طائفة من الآيات البينات في رسم صورة واضحة المعالم لطبائع هذا
الانسان المعنوية في قوله تعالى:
(إن الانسان لظلوم كفار) سورة إبراهيم - 34
(وكان الانسان أكثر شئ جدلا) سورة الكهف - 54
(وكان الانسان عجولا) سورة الإسراء - 11
(إن الانسان خلق هلوعا) سورة المعارج - 19
(إن الانسان لربه لكنود) سورة العاديات - 6
(إن الانسان لفي خسر) سورة العصر - 2
(قتل الانسان ما أكفره) سورة عبس - 17
وقال تعالى في سوره الأعراف آية 172:
(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم
ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين).
تفسير علماء الدين:
إن الله سبحانه وتعالى قد أخذ أي أخرج من أبناء آدم أي من ظهورهم
ذريتهم، وأنه سبحانه أشهدهم على أنفسهم - وهم في عالم الروح - حيث تشعر
كل روح بذاتها ووجودها - أليس الله سبحانه وتعالى هو ربكم وخالقكم؟
فشهدوا جميعا - وقالوا: أنت ربنا وخالقنا، وإن هذا اعتراف منهم بالتوحيد
حتى لا يقولوا يوم القيامة إنا كنا غافلين لا نعرف ذلك.
101

النظرة العلمية:
في هذه الآية ما يشير إلى أن الذرية أصلها من الأصلاب، وقد عبر عنها
القرآن بكلمة ظهورهم للدلالة على معنى علمي يقصد به التعريف بالجهاز التناسلي
الذي هو أحد أجهزة جسم الانسان وبيان موقعه ووظيفته وهو أسفل الكليتين
وينتهي بالخصيتين، وفى هذا دليل على أن الله القادر هو الذي أخرج من أصلاب
بني آدم ونسلهم وما يتوالدون قرنا بعد قرن ذرية تعرف الربوبية والتوحيد بطريق
الدلائل الملموسة المحسوسة والبصائر المستنيرة.
قال تعالى في سورة المؤمنون آية - 12 - 14:
ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين،
ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام
لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
تفسير علماء الدين:
لقد خلقنا الانسان من خلاصة الطين ثم خلقنا نسله فجعلناه نطفة - أي ماء
فيه كل عناصر الحياة الأولى - تستقر في الرحم وهو مكان أمين حصين ثم صيرنا
هذه النطفة بعد تلقيح البويضة والاخصاب دما - ثم صيرنا الدم بعد ذلك قطعة
لحم، ثم صيرناها هيكلا عظميا، ثم كسونا العظام باللحم، ثم أتممنا خلقه فصار
في النهاية بعد نفخ الروح فيه خلقا مغايرا لمبدأ تكوينه فتعالى شأن الله في عظمته
وقدرته فهو لا يشبهه أحد في خلقه وتصويره في إبداعه.
102

النظرة العلمية:
أشارت الآية الكريمة إلى أول طور من أطوار خلق الانسان هو طور
خلق آدم أبى البشر من طين، والطين كما هو معلوم خليط من ماء وتراب،
والتراب يتكون أصلا من عدة عناصر مختلفة والعناصر في الطبيعة يبلغ عددها نحو
تسعين عنصرا، والطينة التي خلق منها آدم كانت خلاصة مستخرجة من هذه
العناصر، وأشارت الآية بعد ذلك إلى العلقة والنطفة والمضغة وما تلا ذلك من
تطورات في تكوين الجنين وقد أثبتت هذه التطورات التي ذكرها القرآن الصور
الفوتوغرافية التي سجلتها آلات التصوير الدقيقة لها وهي تطابق ما جاء في القرآن
عن تسلسلها حالة بعد حالة وشكلا بعد شكل في بطن الام، فهل كان محمد رسول
الله صلى الله عليه وسلم على علم بكل هذه الحقائق الخفية عن العيون والتي لم يتوصل
الانسان إلى معرفتها وكشف خفاياها إلا بعد مئات السنين، أليس هذا هو كلام
الله الحق الذي أعجز الناس ببلاغته ثم بأصالته في المعرفة الدقيقة التي تحيط بكل
شئ علما؟
وقال تعالى في سورة الأنعام آية - 98:
(وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات
لقوم يفقهون).
تفسير علماء الدين:
هو الله الذي أنشأكم من أصل واحد هو آدم أبو البشر، وآدم من الأرض
فالأرض هي مكان استقراركم مدة حياتكم ومستودع لكم بعد مماتكم قد بينا
الآيات لقوم يدركون ويفهمون الأشياء على وجهها.
103

النظرة العلمية:
يقول الله تعالى وهو أصدق القائلين أنه أنشأكم من نفس واحدة أي من خلية
واحدة حية ذات حياة واحدة ونفس واحدة أي من العلقة التي هي البويضة الملحقة
بالحيوان المنوي الذي يستقر في الرحم، وتكون البويضة مستودعا لكم، وعلم
الأجنة يؤكد ذلك عن خبرة ومشاهدة للصور المأخوذة خلال جميع حالات الحمل.
وقال تعالى في سورة الزمر آية - 6:
(خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من
الانعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في
ظلمات ثلاث).
تفسير رجال الدين:
الله سبحانه خلق الناس من نفس واحدة هو آدم أبو البشر، وخلق من هذه
النفس زوجه حواء وأنزل لمصالحكم ثمانية أنواع من الانعام ذكرا وأنثى وهي
الإبل والبقر والضأن والماعز، ويخلقكم في بطون أمهاتكم طورا بعد طور
في ظلمات ثلاث هي ظلمة البطن والرحم والمشيمة.
النظرة العلمية:
دلت الأبحاث في علم الأجنة أنه وقت تكوين الجنين في أرحام الأمهات
تنشأ البويضة في أحد مبيضي المرأة حتى إذا اكتمل نضجها انطلقت منه فيتلقفها
أحد بوقي فالوب وهو اسم العالم الذي اكتشف هذين البوقين ثم تمضي إلى الرحم
وتبدأ مراحل التطور، وفى الرحم يمضى الجنين بقية مدة الحمل حتى يكون لنفسه
104

الأغلفة الثلاث التي تحيط به، ويقرر العلم في تفسير الظلمات الثلاث أنها المبيض
وقناة فالوب والرحم لأنها تقع في مواضع متفرقة، أما تفسيرها بأنها البطن والرحم
والمشيمة فهي تعتبر ظلمة واحدة لأنها في مكان واحد، وهكذا نرى القرآن قد أومأ
إلى هذه الحقائق في وقت لم يكن العلم قد عرفها، فهل لهؤلاء المكذبين للقرآن
ورسالة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم أن يراجعوا أنفسهم ويؤمنوا بالله
الواحد الأحد منزل القرآن معجزة من لدنه ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا.
وقال تعالى في سورة التين آية - 4.
(لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم).
تفسير علماء الدين:
لقد خلقنا جنسي الانسان مقوما في أحسن ما يكون من التعديل، متصفا
بأجمل ما يكون من الصفات).
النظرة العلمية:
إن تعبير القرآن الكريم بعبارة (في أحسن تقويم هو تعبير موجز أشد
الايجاز، ولكنه ينطوي على معان جمة يعجز الانسان عن إيفائها حقها من البيان،
لان الله الذي أتقن كل شئ خلقه قد أودع في الأجسام البشرية من عجائب
الاسرار ما يدل على حكم بالغة، وأقرب شئ يدل على روعة خلق الانسان يبدو لأول
وهلة في اعتدال قامته، وتناسب أطرافه ومرونة حركته واتزانها ووضع الرأس
في مكانها المحكم لكي يكون لها السيطرة التامة من مركزها وهو المخ على جميع
حركات الجسم وتصرفاته من خلال شبكة الأعصاب المنتشرة في جميع
أجزائه، ثم إننا لو شرحنا أي جهاز من أجهزة الجسم لبدت لنا عجائب ودقائق
105

لا يسع العقل إلا أن يقف أمامها خاضعا خاشعا لجلال الله الحكيم الخبير وهذا هو
منتهى التقويم الذي يتمثل فيه كل الاعتدال والاستواء.
وقال تعالى في سورة الأنبياء آية - 4:
(قال ربى يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم)
تفسير علماء الدين:
قال الرسول لهم وقد أطلعه الله على حديثهم الذي أسروه: ربى يعلم كل
ما يقال في السماء والأرض، وهو الذي يسمع كل ما يسمع، ويعلم كل ما يقع
في ملكه.
النظرة العلمية:
يرى العلم أن الآية تشير في صراحة واضحة وبساطة لفظية جلية إلى أن في
السماوات والأرض أقوالا تقال أي أن بها مخلوقات تتكلم بأي صورة من صور
التفاهم لفظا أو رمزا أو إشارة بين سائر الكائنات الحية ما يعقل منها وما لا يعقل
كالحشرات، وهذا يقودنا إلى قوله تعالى في سورة النمل: (قالت نملة يا أيها النمل
أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده) ويدل ذلك على أن النمل يعيش
في جماعات أي أن له مجتمعا له خصائصه من اليقظة والحذر وطرق التفاهم فيما بينها
لكي تنظم أعمالها الباهرة في حياتها القائمة بالالهام الإلهي على منتهى النظام
والاحكام، ويتم لها ذلك بطريق من طرق التفاهم بإشارات وحركات وأصوات
خاصة لها دلالاتها فيما بينها كما للكلام دلالاته بين بنى الانسان.
106

وقال تعالى في سورة الحج آية - 5:
(يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من
نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام
ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى
ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا).
تفسير علماء الدين:
يا أيها الناس إن كنتم في شك من بعثنا لكم بعد الموت ففي خلقكم الدليل
على قدرتنا على البعث، فقد خلقنا أصلكم من تراب، ثم جعلنا منه نطفة حولناها
بعد مدة إلى قطعة دم متجمدة ثم جعلناها قطعة من اللحم مصورة فيها معالم
الانسان أو غير مصورة لنبين لكم قدرتنا على الابداع والتدرج في التكوين
والتغيير من حال إلى حال، ونسقط من الأرحام من نشاء، ونقر فيها ما نشاء حتى
تكمل مدة الحمل ثم نخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا.
النظرة العلمية:
تناول علم الأجنة أطوار خلق الجنين ويقرر في ذلك الشأن أن العلق ليس
بدم جامد وإنما هو مجموعة من الخلايا نشأت بطريقة الانقسام عن البويضة الملقحة
التي تمثل الخلية الانسانية الأولى، وهي لا تحتوي على خلايا دموية على الاطلاق
بل إن هذه الخلايا الدموية لا تتكون طلائعها إلا حول اليوم الثامن عشر من
حياة الجنين، ثم يأتي بعد ذلك دور المضغة التي تأخذ في التخلق والتشكل ويستمر
هذا التطور حتى اليوم الستين من عمر الجنين حيث تظهر الملامح الانسانية مخلقة
في جسم الجنين، وقد يحدث شذوذ في نمو الجنين كأن يغوص كيانه في غير المكان
الطبيعي من جدار الرحم فلا يتخلق ويموت وهذه هي حالة السقط، ورغم ما وصل
107

إليه العلم في عصرنا من تقدم مذهل في البحث لا يزال تخلق الأجنة أمرا محيرا
للعلماء لا يستطيعون تفسيره أو تعليله ولا يدرون كيف تميزت الخلية الانسانية
وتحولت إلى الأعصاب والعظام والعضلات وأجهزة السمع والبصر وغيرها،
إن هذا هو سر الله الكامن في قدرته وإبداعه لأنه على كل شئ قدير، ولا يحيط
أحد بشئ من علمه، سبحانه لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو
اللطيف الخبير.
علم الأجنة
ظهر من دراسات الأجنة لكثير من الانسان والحيوان أن الجنين أثناء
نموه يعيد تاريخه التطوري الذي يقول إن كل حيوان أثناء المراحل المتعاقبة
لنموه إنما يعرج في سلم التطور الذي سلكه أجداده من قبل أثناء الأزمنة
الجيولوجية السحيقة.
ولنأخذ جنين الانسان مثلا لنلاحظ التغيرات التي يمر بها حتى يولد طفلا
مكتمل النمو، فهو أول أطواره يكون خلية مفردة تنتج من تزاوج خلية الذكر
بخلية الأنثى، ثم هو ينقسم وينقسم - شأن الحيوانات الدنيا - ويتزايد في
الحجم حتى يصير شيئا يشبه العلقة بداخلها تجويف لقناة الطعام، ثم يأخذ في التصلب
فوق هذه القناة هيكل غضروفي ممتد، وفى هذه الفترة يتكون للجنين أربعة
أزواج من الفتحات خلف منطقة الاذن تذكرنا بخياشيم التنفس في الأسماك،
ويصير الجنين كله أشبه بالسمكة في تلك الفترة، ثم هو ينمو ويتصلب عموده
الفقرى، ويقوى شيئا فشيئا، وفى الأسبوع السابع عندما تستبين الأطراف نجد له
ذيلا مكونا من خمس أو ست فقرات يجاوز طول الساقين، ثم يبدأ هذا الذيل
108

في القصر والانكماش شيئا فشيئا حتى يصير عند الولادة عصعصة تختفي تحت الجلد
في مكان العجز، وفى الأشهر الأخيرة يكون جسم الجنين كله مكسوا بالشعر
الذي يبدأ في الزوال قبل الولادة، وهذه هي المراحل التي يمر بها جنين الانسان
وهو في ظلام الرحم من أمه يعيد فيها باختصار كل الخطوات التطورية الكبرى
التي مر بها أجداده وأسلافه خلال ليل التاريخ الجيولوجي الطويل، ومن أنصع
الأدلة على هذه التطورات ما ورد في علوم الحفريات من تتبع أطوار النمو في
الحيوانات من طبقة إلى طبقة في الصخور، وقد أثبتت الصور الفوتوغرافية الدقيقة
التي أخذت للجنين هذه الحالات في بطن أمه يوما بعد يوم بشكل ظاهر للعيان.
قال الله تعالى في سورة النحل آية - 78:
(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع
والابصار والأفئدة لعلكم تشكرون).
تفسير علماء الدين:
والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تدركون شيئا مما يحيط بكم وجعل
لكم السمع والابصار والأفئدة وسائل للعلم والادراك لتؤمنوا به عن طريق العلم
وتشكروه على ما تفضل به عليكم.
النظرة العلمية:
يؤكد لنا العلم بدلائله الكثيرة أن حاسة السمع تسبق حاسة البصر في أداء
وظيفتها، ولم يكن أحد يعلم ذلك وقت نزول القرآن، وقد ورد تقديم السمع على
البصر في أكثر من سبعة عشر موضعا منها قوله تعالى:
109

(وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة) (الأحقاف آية 26)
(حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم) (فصلت آية 20)
(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (الاسراء 36)
ويقرر العلم أن حاسة السمع تبدأ مبكرة في أداء عملها في الأسابيع القليلة
الأولى بعد ولادة الطفل، أما البصر فيبدأ عمله في الشهر الثالث ولا يتم تركيز
الابصار إلا بعد الشهر السادس، ودليل ذلك أن أذن الطفل تؤدى وظيفتها عقب
ولادته لأنه إذا سمع صوتا شعر به وأحسه فورا وصدر عنه ما يدل على التأثر به،
أما عين الطفل فإنها لا تؤدى وظيفتها إلا بعد فترة من ولادته، ودليل ذلك أنك
إذا مددت يدك قريبا منها لا ترمش ولا تتحرك.
ومن روعة الاعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه يذكر
الفؤاد بعد السمع والبصر لمعنى علمي دقيق أيضا وهو أن اكتساب العلم يحصل بعد
الانتقال من مرحلة الادراك الحسى بالسمع والبصر إلى مرحلة الادراك العقلي،
وهذه هي طريقة تعلم المعارف والخبرات وكلها تجيئ بحسب الترتيب الذي ذكره
القرآن وهو الادراك الحسى أولا ثم الادراك العقلي، ودليل ذلك وأضح في أن
الطفل يولد لا يعلم شيئا ثم تتوالى عليه المدركات الحسية وتتكاثر عن طريق السمع
ثم البصر فإذا ما صارت مجموعة المدركات الحسية كافية يأتي دور الفؤاد ليعقل
ويعي ما أدركه الطفل منها بحواسه.
وهناك حقيقة أخرى في تقديم السمع على البصر وهو أن القرآن يذكر
السمع مفردا ويذكر الابصار بصيغة الجمع وفى ذلك سر من أسرار الاعجاز أيضا
لان استقبال الاذن للمسموع لا خيار للانسان فيه حيث لا حجاب يحجب وصول
110

الصوت إلى طبلة الاذن، أما العين فللانسان الخيار في أن يرى أو لا يرى ولها
جفون تساعد على ذلك.
وقال تعالى في سورة القيامة آية - 3، 4:
(أيحسب الانسان ألن نجمع عظامه، بلى قادرين على أن نسوي بنانه).
تفسير علماء الدين:
أيحسب الانسان بعد أن خلقناه من عدم أن لن نجمع ما بلى وتفرق من عظامه؟
نعم إننا نقدر على أن نسوي أطراف أصابعه الصغيرة ونجعلها كما كانت قبل
الموت فكيف بالعظام الكبار.
النظرة العلمية:
تدل عبارة تسوية البنان على معنى لم يكشف العلم سره إلا بعد نزول الآية
بأكثر من ألف سنة حينما عرف أن لكل بنان بصمة خاصة به، تختلف فيها
اتجاهات خطوطها اختلافا واضحا بين فرد وآخر، وبين جميع البشر وقد استخدم
الانسان هذه الاختلافات في تحقيق الشخصية عن طريق البصمات وقد أفادت
هذه الحقيقة في التعرف على الأشخاص عن طريق بصماتهم في حالة وقوع جرائم
يترك الجناة فيها بصماتهم على أي شئ تناولوه.
وقال تعالى في سورة فصلت آية - 53، 54:
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف
111

بربك أنه على كل شئ شهيد، ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل
شئ محيط).
تفسير علماء الدين:
سنريهم آيات وحدتنا وقدرتنا في أقطار السماوات والأرض والشمس والقمر
والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والنبات والأشجار والجبال والبحار
وغيرها وسنريهم ما أودعنا في نفوسهم من الحواس والقوى والعقل والروح
وما يصيبهم من البلايا والمحن وما نجريه عليهم من النعم، حتى يظهر لهم ما جئت
به يا محمد من الحق، أينكرون إظهارنا لهم الآيات؟ أو لم يكف بربك أنه مطلع
على كل شئ، ألا إن الكفار في شك من لقاء ربهم لاستبعادهم البعث، ألا إن
الله بكل شئ محيط بعلمه وقدرته.
النظرة العلمية:
تصرح هذه الآية بحقيقة كبرى في ذات الانسان وهي نفسه التي تناول علم
النفس دراستها وكشف ما في النفوس البشرية من عوالم مكنونة حافلة بالاسرار
وبالعجائب والغرائب من السلوك والمشاعر ومن تقلبات بين طمأنينة وقلق وبين
انشغال واستقرار وبين هدوء وانفعال، وكيف أن النفس لها حالات من الرشد
والهداية مع النفس اللوامة وحالات من للفجور والطغيان مع النفس الامارة،
وإليك بعض الآيات التي تفصح عن أمثال هذه الحالات فقد قال تعالى:
(ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب
من دساها) (سورة الشمس آية 7 - 10).
(وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربى) (سورة
يوسف آية - 53)
112

وما أصابك من سيئة فمن نفسك) (سورة النساء - 79)
(فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين) (سورة المائدة
آية - 30).
(وفى الأرض آيات للمؤمنين وفى أنفسكم أفلا تبصرون) سورة الذاريات
(آية - 10).
والحقيقة أن علم النفس قد صارت له أهمية في تفسير تصرفات الناس ودوافعها
وأمراضها وعللها، كما أن فيه مجالات لكشف مناطق اللاشعور في الانسان
وإظهار عوامل الكبت التي هي سبب العقد النفسية وبيان طرق معالجتها وغير ذلك
من مجالات أبحاثه الحيوية المتعددة.
وقال تعالى في سورة المائدة آية - 6:
(يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنبا فاطهروا،
وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء
فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد
الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم
تشكرون).
113

تفسير علماء الدين:
يا أيها المؤمنون إذا قمتم للصلاة ولم تكونوا متوضئين فتوضئوا بغسل
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا رؤوسكم كلها أو بعضها واغسلوا
أرجلكم مع الكعبين، وإن كنتم جنبا فاغسلوا جميع أبدانكم بالماء، وإن كنتم
مرضى مرضا يمنع استعمال الماء أو كنتم مسافرين وتعذر وجود الماء فعليكم
بالتيمم بالتراب الطهور، ما يريد الله فيما أمركم به التضيق عليكم ولكنه شرع
ذلك لتطهيركم ظاهرا وباطنا وليتم نعمه عليكم بالهدية والبيان والتيسير لتشكروا
الله على هدايته وتمام نعمته بالمداومة على طاعته.
النظرة العلمية:
يقرر العلم الحديث أن هذه الآية الكريمة تظهر لنا علاقتها بالطب ولا سيما
الطب الوقائي للانسان من الأمراض الجلدية التي يتعرض لها الانسان إذا لم ينظف
أعضاء جسمه وبخاصة المعرضة للعوامل الجوية وما فيها من أتربة وجراثيم وغازات
ضارة، ولا شك أن الوجه والأيدي والأرجل هي أكثر أجزاء الجسم تعرضا
للتلوث والتأثر بهذه الميكروبات وهي تعد بملايين الملايين في كل سنتيمتر مكعب
من الهواء، وأن الوضوء خمس مرات في اليوم لا يترك مطلقا أي درن على الجسم
يخشى منه الضرر وهكذا نرى آيات الله سبقت الحكمة القائلة بأن الوقاية خير
من العلاج.
وقال تعالى في سورة البقرة آية - 222:
(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن
114

حتى يطهرن فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين
ويحب المتطهرين).
تفسير علماء الدين:
يسألونك يا محمد عن إتيان الزوجات زمن المحيض فأجبهم أن المحيض أذى
فامتنعوا عن إتيانهن خلال مدته، ولا تأتوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن
في المكان الطبيعي، ومن كان وقع منه شئ من ذلك فليتب فإن الله يحب من
عباده كثرة التوبة والطهارة من الأفذار والفحش.
النظرة العلمية:
لا يقتصر الاعجاز في هذه الآية على أسلوبها الرفيع ونظمها البديع الذي
يجد فيه رجل البلاغة والبيان روعة اللفظ والأداء ودقة التعبير عن الأمور الجنسية
بل إن إعجازها يتجلى فيما حوت من جلال المعاني الطبية وأغراضها النبيلة،
وإليك ما يقرره علم الطب في شأن المرأة الحائضة وضرورة اعتزالها في مدته،
وذلك لان دورة الحيض رغم كونها حالة طبيعية إلا أنها تسبب للمرأة آلاما في
بدنها وانحرافا في مزاجها يصرفها عن الرغبة في الاتصال الجنسي، وتعاني منه
حدة في طبعها، وقد تشعر بمغص شديد تصحبه أحيانا أعراض اضطرابات نفسية،
كما أن الجهاز التناسلي للمرأة أيام الحيض يكون معرضا لكثير من العلل لان
المهبل في أوقات الحيض يكون ميدانا مفتوحا لغزو أسراب مختلفة من الجراثيم،
وإن الوطئ في هذه الفترة يؤدى إلى التهابات بالمبيض قد يسبب العقم أحيانا، كما
أنها قد تصيب الرجل بالعدوى فتحدث عنده التهابات في أعضائه التناسلية،
ولا شك أن الجماع في المحيض ينذر الرجل بخطر داهم هو في غنى عنه لو خالف هوى
115

نفسه وأطاع أمر ربه، وهذا هو ما وجهه القرآن للناس لاتباعه والتزامه حرصا
على صحتهم وسلامتهم، وما كان أحد يعلم ذلك ولكن كان علمه عند خالق كل
شئ وأنزله في قرآنه لحماية عباده من أضرار وأمراض محققة، لان ربنا رؤوف
رحيم بعباده.
قال تعالى في سورة محمد آية - 4:
(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)
تفسير علماء الدين:
(فإذا لقيتم الذين كفروا في الحرب فأضربوا رقابهم)
النظرة العلمية:
تبين الآية الكريمة أن أ؟ - ع وأسرع وسيلة للإجهاز على المراد قتله من
الأعداء بغير تعذيب له ولا تمثيل به هو ضرب الرقاب لقطعها، إذ ثبت أن الرقبة
هي حلقة الاتصال بين الرأس وسائر الجسد، فإذا قطع ما في الرقبة من الجهاز
العصبي شلت وظائف الجسم الرئيسية، كما أن قطعها فيه قطع للشرايين والأوردة
وبذلك يمتنع وصول الدم إلى المخ، كما تنقطع الممرات الهوائية ويتوقف التنفس
وهذا يؤدى إلى إنهاء حياة المضروب سريعا، فسبحان من أحاط علمه بكل ما في
جسم الانسان من أعضاء وأعصاب فيها الأسباب المؤدية إلى حياته أو موته،
وقد نزلت الآية في وقت كانت السيوف فيه هي أكثر الأسلحة استعمالا وما تزال.
116

وقال تعالى في سورة محمد آية - 15:
(مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن
لم يتغير طعمه).
تفسير علماء الدين:
صفة الجنة التي وعد الله المتقين فيها أنهار من ماء غير متغير وأنهار من لبن
لم يتغير طعمه.
النظرة العلمية:
قررت الآية الكريمة حقيقة علمية قبل أن يكشف العلم بوسائله وأدواته
عالم الميكروبات أي الجراثيم التي توجد في الماء الراكد الذي يصير مستودعا
لملايين البكتيريا والطفيليات الضارة التي تصيب الانسان والحيوان بالأمراض،
فإنه لما اخترع الانسان المناظير المكبرة رأى بواسطتها كيف أن الماء الراكد يموج
بملايين الكائنات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة وتتكاثر بسرعة هائلة فتفسد
الماء وتجعله متغير الرائحة والطعم وسببا في الأمراض والأوبئة التي ما كان أحد
يعرف مصدرها قبل اكتشافها بواسطة المجهر (الميكروسكوب) أي مكبر
الصور إلى درجة كبيرة.
وقال تعالى في سورة فصلت آية - 39:
ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت
إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير.
117

تفسير علماء الدين:
ومن دلائل قدرة الله تعالى أنك ترى الأرض يابسة فإذا أنزلنا عليها الماء
تحركت بالنبات وانتفخت وزادت إن الذي أحيا الأرض بعد موتها لخليق أن
يحيى الموتى من الحيوان إنه على كل شئ تام القدرة.
النطرة العلمية:
يؤكد القرآن الكريم في كثير من آياته التي نزلت في بيان أهمية الماء بل
ضرورته للحياة والاحياء في قوله تعالى:
(وجعلنا من الماء كل شئ حي)
(والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدا ميتا)
(وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد)
وتدل أبحاث علم النبات على أن عناصر التربة ومركباتها المختلفة الميتة عندما
ينزل عليها ماء المطر تذوب فيه وتتحلل فيسهل وصوله إلى بذور النبات وجذوره
حيث تتحول إلى خلايا وأنسجة حية، ولذلك تبدو حية ويزيد حجمها بما يتخللها
وما يعلوها من نبات، وقد سبقت الإشارة إلى الماء وأهميته.
وقال تعالى في سورة فصلت آية - 9:
(قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا
ذلك رب العالمين).
118

تفسير علماء الدين:
قل يا محمد لهؤلاء المشركين: عجبا لكم! تكفرون بالله الذي خلق الأرض
في يومين وأنتم مع هذا تجعلون له شركاء متساوين مع ذلك الخالق للأرض ومالك
العوالم كلها رب العالمين.
النظرة العلمية:
ذكر الله تبارك وتعالى كلمة اليوم والأيام في عدة آيات منها:
(وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) سورة الحج آية - 47.
(يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف
سنة مما تعدون) سورة السجدة آية - 5.
(تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)
سورة المعارج آية - 4
يقول علماء الفلك إن وحدات الزمن التي يستخدمها الناس لتقدير الوقت
في دنيانا مرتبطة بالأرض ودورانها حول محورها مرة كل 24 ساعة، وحول
محورها كل سنة، فإذا ما غادر أحد الأرض إلى أي جرم سماوي آخر اختلفت
الوحدات الزمنية طولا وقصرا، والآيات الكريمة السابقة تشير إلى هذه الحقيقة
العلمية وإلى أن الزمن مختلف في مقداره، وأن هناك سنوات فلكية نسبية يمكن
التفرقة بينها، فالسنة الشمسية على الأرض تحسب بمقدار الزمن الذي تقطع فيه
الأرض دورة كاملة حول الشمس في 365 يوما شمسيا على حين أن السيارات
القريبة من الشمس مثل عطارد فإنه يقطع دورته حول الشمس في 88 يوما،
119

على حين أن بلوتو وهو أبعد الكواكب السيارة من الشمس وأبطؤها حركة
يتم دورته حولها في 250 سنة من سنواتنا، فالأيام في ملك الله مختلفة طولا وعددا.
وقال الله تعالى في سورة الإسراء آية - 32:
(ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا)
تفسير رجال الدين:
ولا تقربوا الزنى بمباشرة أسبابه ودواعيه لأنه رذيلة واضحة القبح ويئس
طريقا طريقه.
النظرة العلمية:
لقد أثبت علم الطب أن الزنى فيه أضرار صحية خطيرة تهدد البشرية
بالأمراض الخبيثة التي يصعب علاجها، فهو السبب المباشر في الزهري وهو مرض
يعدى بمجرد اللمس ويؤثر تأثيرا سيئا في الجهار العصبي، وكذلك بسبب مرض
السيلان الذي هو من المعضلات المرضية الخطيرة التي حار في علاجها الطب وهو يترك
المصاب به في حالة من الألم والمرض يعطلان حركته ويشلان تفكيره ويجعلانه
عضو أشل لا فائدة فيه، كما أنه سبب تشويه النسل، وقد ثبت أن كل امرأة
اتصلت برجل مصاب بهذه الأمراض الخبيثة لابد أن تصاب هي الأخرى بها
وإننا نحمد الله تعالى ونشكره على تفضله تعالى بالارشاد إلى كل ما فيه صحة عباده
وسلامتهم، فهو سبحانه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين يريد بهم الخير دائما.
120

قال تعالى في سورة الشعراء آية - 165:
(أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم من أزواجكم بل أنتم
قوم عادون).
تفسير علماء الدين:
قال نبي الله لوط لقومه: أتستمتعون بوطئ المذكور دون الإناث وقد خلقها
الله لكم؟ بل أنتم قوم متجاوزون الحد بارتكاب هذه الفاحشة المنكرة.
النظرة العلمية:
يرى علماء الاجتماع أن هذه الفاحشة المنكرة التي تنفر منها الطباع الكريمة
هي أسوأ ما ينزل بالانسان إلى أحط الحضيض من الكرامة الآدمية، وأن
إشاعتها وتفشيها وتعودها يؤدى إلى تعطيل سنة الزواج التي هي سنة الله في خلقه
والتي هي طريقة التناسل الطبيعية والتكاثر الذي عليه عمارة الأرض وإصلاحها،
ثم إن علماء الطب يرون في جريمة اللواط من الاخطار الصحية لفاعلها مثل ما يصيب
الزناة من أمراض جنسية خبيثة يصعب البرء منها مثل الزهري والسيلان والقرحة
والجرب كما أنه يفقد الانسان السيطرة على عملية التبرز فيحدث منه عن غير إرادة،
وقد يفضى الامر بالمجنى عليه في هذا الفسق أن يصير مخنثا إذا لزمته هذه العادة من
صغره ويفقد بذلك رجولته.
قال الله تعالى في سورة النور آية 20:
الزاني والزانية فاجلدوا كلا منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله)
121

تفسير علماء الدين:
اضربوا كلا من الزاني والزانية مائة جلدة ولا يمنعكم شئ من الرأفة عند
تنفيذ الحكم.
النظرة العلمية:
يرى علماء التشريع أن ضرب الزاني أو الزانية مائة جلدة لا رحمة فيها أمام
الناس هو العقاب الرادع لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة النكراء
وبروا أن القوانين الوضعية التي تعاقب الزاني بالحبس أو التهاون في مؤاخذته
باستعمال توافه العقوبات قد أدى إلى إشاعة الفسق والفجور وهانت الاعراض
وفسدت النفوس وضاعت الأنساب وضاعت كرامة العائلات وقد يؤدى ذلك إلى
الدفاع عن الشرف بالقتل والاخذ بالثأر في أعراض المعتدين كرها وغير ذلك من
عوامل الهدم والتخريب للمجتمعات.
وقال تعالى في سورة النور آية - 3:
الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك
وحرم ذلك على المؤمنين).
تفسير علماء الدين:
المجرم الخبيث الذي من دأبه الزنا ولا يرغب إلا في نكاح مجرمة خبيثة
عرفت بالزنا أو الشرك، والخبيثة التي من دأبها الزنا لا يرغب في نكاحها
122

إلا خبيث عرف بالزنا أو الشرك، ولا يليق هذا النكاح بالمؤمنين لما فيه من
مقارفة الفسق والتعرض للتهم.
النظرة العلمية:
ينظر علم النفس وعلم الاجتماع إلى هذه الآية نظرة علمية تحليلية، فيرى في
طبيعة الزاني أنه مخلوق شاذ لا يتفق سلوكه مع سلوك الرجل العادي السوي من
الناحية العقلية والنفسية والأخلاقية، وهو يقدم على جريمته النكراء مع من ثمائله
الشذوذ في الحالة النفسية والعقلية والأخلاقية ولو أردنا معرفة العوامل التي تحمل
الزاني على فحشه هذا نجد أنها شذوذ عن الطبيعة وانحلال في الأخلاق واستسلام
للأهواء الشهوانية الفاسدة، وأنه لا يقع في جريمة الزنا إلا من كان فاسقا مستهترا
بدينه، أما الرجل المتدين الذي يعبد الله ويخشاه فإنه لا يقع في هذه الفاحشة مهما
كانت المغريات لان له من الدين حصانة تحميه وتحفظه من الوقوع في هذه
الجريمة النكراء.
قال تعالى في سورة ق آية - 3، 4:
(أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد، قد علمنا ما تنقص الأرض منهم
وعندنا كتاب حفيظ)
تفسير علماء الدين:
أبعد أن نموت ونصير ترابا نرجع أحياء؟ ذلك البعث بعد الموت رجع بعيد
الوقوع، قد علمنا ما تأخذه الأرض من أجسامهم بعد الموت وعندنا كتاب
دقيق الاحصاء والحفظ.
123

النظرة العلمية:
تحمل هذه الآية في طياتها معنى القانون العلمي الذي يقول بأن المادة لا تفنى،
ودليل ذلك أن الشمعة التي احترقت لم تفن مادتها بل إنها تحولت أثناء احتراقها
إلى مواد غازية وأخرى سائلة لو جمعها الانسان ووزنها لم يجد بها نقصا عن وزنها
السابق قبل احتراقها، وحقيقة عدم فناء المادة قانون الله وسنته في خلقه، ولن
تجد لسنة الله تبديلا، وقد تكونت الخلائق في أول أمرها من التراب،
وبعد ذلك تناسلوا وتغذوا بما تخرجه الأرض من نبات وبما يتغذى من الأرض من
حيوان، ثم إنهم بعد ذلك يقبرون ثم يبعثون ولا ينقصون، أي أن الناس نشئوا
نشأتهم الأولى من الأرض ثم إنهم إلى الأرض يعودون، ويؤيد ذلك قوله
تعالى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم، ومنها نخرجكم تارة أخرى) ومعنى ذلك أن
جثة الميت التي تحللت وصارت سائلا تسرب في التراب وغارات انتشرت لم تتبدد،
وإنما ترجع إلى أصلها كما كانت دون نقص، وسبحان الله الذي عنده كتاب
حفيظ لكل ذرة في السماوات والأرض فهو القائل: (وعنده مفاتيح الغيب
لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة
في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) فكيف يذهب
الانسان وهو أشرف المخلوقات هباء ويتبدد سدى، قال تعالى، (أفحسبتم أنا
خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) كلا إن مادة الأجسام لا تفنى بعد موتها
بل هي باقية موجودة بصور مختلفة وفى حفظ من التبدد والضياع بأمر الله.
124

وقال تعالى في سورة الغاشية آية - 19:
(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال
كيف نصبت؟).
تفسير علماء الدين:
أيهمل الناس التدبر في آيات الله فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت خلقا
بديعا يدل على قدرة الله، وإلى السماء التي يشاهدونها دائما كيف رفعت
رفعا بعيد المدى بلا عمد تحملها، وإلى الجبال كيف أقيمت شامخة تمسك
الأرض فلا تميل ولا تميد؟
النظرة العلمية:
تدعو هذه الآية الكريمة إلى التفكر في عجائب صنع الله الماثلة في الإبل
لتكون سفن الصحراء، ويدخل التفكر في خلقها وتكوينها في علم الاحياء،
وإلى رفع السماء لتكون سقفا واقيا للأرض من الرجوم التي تتساقط عليها من
شهب ونيازك وأشعة كونية مهلكة، ويدخل ذلك في علم الفلك، وتدعو هذه الآية
إلى التفكر في الجبال وكيف أنها تكونت من حركات الأرض الباطنية التي
لا يهدأ باطنها من الثوران وكذا التفكر في صخورها المختلفة الأنواع ويدخل
ذلك في علم الجيولوجيا، وهكذا تبدو آيات الله الخلاق العظيم في قرآنه الكريم
لتذكر الناس وتحثهم على التأمل والتفكر والتدبر في آيات الله المحيطة بهم
في الأرض وفى السماء.
125

وقال تعالى في سورة الإسراء آية - 85:
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)
تفسير علماء الدين:
يسألك قومك يا محمد بإيعاز من اليهود عن حقيقة الروح، فقل لهم الروح
من علم ربى الذي استأثر به، وما أوتيتم من العلم إلا شيئا قليلا في جنب علم الله.
النظرة العلمية:
يقرر الفلاسفة والعلماء أنه مهما بلغ اجتهادهم وتبحرهم في العلم وأكثروا من
التأمل والتفكير في الكون فإنهم أعجر من أن يقطعوا برأي حاسم في حقيقة
الروح أو التعرف على أي شئ من ماهيتها، وقد حاول بعض كبار الفلاسفة
القدماء أن يحلوا لغز الروح ويكشفوا عن سرها فحاموا حول حماها وأكثروا من
التأمل والتفكير في أمرها ولكنهم لم يصلوا إلى شئ يكشف عن جوهرها،
وخير ما قيل في الروح ما جاء في آيات الله وأحاديث رسوله عن النفس الانسانية
ذاتها وأنها سر مكنون في كيان الانسان مثل الروح من حيث أنها شئ يحس
بمختلف الأحاسيس من اطمئنان وقلق وسعادة وشقاء وغير ذلك من تقلب
في شتى الانفعالات والحالات الشعورية والوجدانية.
وقد اختلف العلماء في معنى الروح الانسانية وكيفية تعلقها بالبدن وسريانها
فيه أو في تجردها عنه وأشهر الآراء في ذلك قولان:
أولهما - أنها ليست جسما ولا عرضا بل هي جوهر مجرد قائم بنفسه وليس
حالا في بدن الانسان ولا متعلقا به تعلقا يسهل زواله بل هو تعلق وسط بين بين
126

كتعلق العاشق بالمعشوق عشقا جبليا إلهاميا لا ينقطع ما دام البدن صالحا
لان يتعلق به.
ثانيهما أنها جسم نوراني سرى في الأعضاء سريان الماء في الورد والدهن
في الزيتون والنار في الفحم لا يتبدل ولا يتحلل، وهو الجسم المعنوي الحامل
لصفات الكمال من العقل والفهم داخل الهيكل المحسوس القابل للزوال الذي
يطلق عليه مجازا اسم إنسان كما يسمى ضوء الشمس شمسا لان ضوء الشمس
قائم بها وتابع لها ويستدل به عليها، كذلك الانسان الظاهر فهو ظل وشبح للانسان
الحقيقي لأنه مظهر انفعاله ومحل تصرفاته وهو المراد بقوله تعالى: (لقد خلقنا
الانسان في أحسن تقويم) أي في أحسن حالة من الفطرة التي تقر وتعترف
بالربوبية لخالقها والمزودة بالغرائز المستعدة لادراك الحقائق الكلية والجزئية.
ويقول ابن القيم وهو من أصحاب الرأي في هذا البحث: إن الأرواح
أجساد حاملة لأغراضها من التعارف والتناكر وأنها عارفة ومميزة للأشياء وأنها
مخالفة في الماهية لهذه الأجسام المحسوسة، وأن الروح جسم نوراني خفيف متحرك
في جوهر الأعضاء يسرى فيها سريان الماء في الورد والدهن في الزيتون، والنار
في الفحم.
وقال تعالى في سورة الحج آية - 73:
(يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله
لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، وأن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه
ضعف الطالب والمطلوب)
127

تفسير علماء الدين:
يا أيها الناس (والمراد أهل مكة وغيرهم): إنا نبرز أمامكم حقيقة عجيبة في شأنها
فاستمعوا إليها وتدبروها: إن أصنامكم لن تستطيع أبدا خلق شئ مهما يكن
تافها حقيرا كالذباب وإن تضافروا جميعا على خلقه، بل إن هذا المخلوق التافه
لو سلب من الأصنام شيئا من القرابين التي تقدم إليها فإنها لا تستطيع بحال من
الأحوال أن تمنعه عنه أو تسترده منه، وما أضعف الذي يهزم أمام الذباب عن
استرداد ما سلبه منه، وما أضعف نفس الذباب، كلاهما شديد الضعف، بل
الأصنام أشد ضعفا، فكيف يليق بإنسان عاقل أن يعبدها ويلتمس النفع منها؟!
النظرة العلمية:
لقد جاءت في القرآن آيات نزلت تتحدى العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة
أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، وتكرر في القرآن هذا التحدي البياني الذي
كانوا يفتخرون ببراعتهم وتفوقهم فيه فعجزوا عن أن يأتوا بأصغر سورة من
مثله، ثم إن القرآن بعد ذلك تحدى الناس جميعا تحديا ماديا أن يخلقوا ذبابة وهي
حشرة ضئيلة فلم يقدروا كذلك، واستمر هذا التحدي قائما إلى عصرنا هذا
أي بعد أكثر من ألف سنة من نزول القرآن وبعد أن تقدم العلم تقدما هائلا
وبلغت التكنولوجيا ذروتها في التطور والاختراع، فهل تستطيع دولة العلم بعد
ما بلغت ما بلغت من التفوق أن يقف الناس أمام هذا التحدي المادي ويصنع ذبابة
واحدة؟ ثم يسألهم هل لو بسلبهم الذباب حياتهم بمرض فتاك ينفل جراثيمه إليهم
هل يمكنهم استرداد حياتهم؟ إن القرآن الكريم هو كلام الله المعجز حقا قديما
وحديثا، وكتابه الذي لا ريب فيه، ونختم كلامنا بأن القرآن معجزة خالدة
ولكن إعجازها لا يقتصر على الأسلوب البياني المعجز وإنما فيما حوى من منهج
128

على تناول حقائق الأكوان والانسان والحيوان والنبات والحشرات وغير ذلك
لان القرآن لم ينزل للعرب فقط وإنما نزل للناس كافة وفيهم من لا يعرفون
العربية فكيف يكون الاعجاز القرآني مفهوما لديهم؟ لقد تبين لهم هذا الاعجاز
عن طريق المناهج العلمية والتشريعية والاصلاحية التي هي من أسرار الاعجاز
العليا للقرآن والتي كلما تجلت علميا زانها الأداء البياني البليغ والأسلوب القرآني
الرائع في مبناه ومعناه.
قال تعالى في سورة الرعد آية - 3:
ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين)
تفسير علماء الدين:
وجعل الله سبحانه من الثمرات الأنواع المتقابلة أصنافا منها الحلو والحامض
ومنها الأبيض والأسود.
النظرة العلمية:
يقرر العلم الحديث أن أزهار النباتات على اختلاف أنواعها تنقسم ثلاثة
أقسام: أزهار مذكرة وأزهار مؤنثة وأزهار خنثى تجمع الناحيتين من عضو التذكير
وعضو التأنيث معا، ومن الأمثلة الموضحة لذلك النخيل فمنه نوع مذكر وآخر
مؤنث، ونبات الذرة يحمل في وقت واحد أزهارا مذكرة وأخرى مؤنثة ونبات
القول له زهرة تجمع بين عضوي التأنيث والتذكير معا
129

وقال الله تعالى في سورة يس آية - 65:
(اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا
يكسبون).
تفسير علماء الدين:
اليوم نغطي على أفواههم فلا تنطق وتكلمنا أيهديهم وتنطق أرجلهم شاهدة
عليهم بما كانوا يعملون).
النظرة العلمية:
رأى العلم في هذه الحقيقة الكبري أن الأعضاء وهي حية ليست مركبة إلا من
جزئيات وذرات تكونت وتجمعت فكانت أجساما وسيبعث الانسان على هيئته
الأولى كما كان في الحياة بأعضائه جميعا وما انطبع عليها من آثار، وهذه عملية سهلة
بالنسبة للخالق القادر الذي يقول في كتابه الحكيم: (وهو الذي يبدأ الخلق
ثم يعيده، وهو أهون عليه، وله المثل الاعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم).
وقد أنطق الانسان الجماد في عديد من مخترعاته في الحاكي وفى شرائط
التسجيلات الصوتية، ولم يقتصر على هذا بل اخترع جهازا اليكترونيا يقرأ
الصحف والمجلات وغيرها من المطبوعات للعميان الذين فقدوا نعمة الابصار، كما
اخترع تليفونا يسجل الرسائل التي تصل إلى صاحبه في أثناء غيابه عن منزله
أو عمله ثم يعيد عليه ما سجله عند عودته.
وها هم رجال المخابرات يسجلون أقوال المتهمين آليا وهم لا يشعرون،
ويجب أن يعرف كل إنسان أن مخابراتنا موجودة في أجسامنا ومنطبعة في حواسنا
130

وكأنها شرائط تسجيل، وهي شهود لنا أو علينا يوم الجزاء في المحكمة الكبرى
التي لن يكون قاضيها من قضاة البشر إنما قاضيها رب العالمين أحكم الحاكمين.
فإذا كان الانسان هذا المخلوق الضعيف توصل بعلمه المحدود إلى هذه
المخترعات فهل يشك أحد في قدرة الخالق على إنطاق أعضاء الجسم بكل أعمالها
المسجلة عليها.
وقال تعالى في سورة النحل آية - 70:
والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد
علم شيئا إن الله عليم قدير "
تفسير علماء الدين:
والله خلقكم وقدر لكم آجالا مختلفة، منكم من يتوفاه مبكرا، ومنكم
من يبلغ أرذل العمر فيرجع بدلك إلى حال الضعف إذ تأخذ حياته في الهبوط
التدريجي فيقل نشاط الخلايا وتهن العظام والعضلات والأعصاب فتكون عاقبته
أن يفقد كل ما كان عليه، إن الله عليم بأسرار خلقه، قادر على تنفيذ ما يريده.
النظرة العلمية:
من عجائب بلاغة القرآن وأسرار إعجازه أنه يأتي بتعبيرات علمية غاية في
الدقة ولا يعقلها إلا العالمون، فعبارة - لكيلا يعلم بعد علم شيئا - وهي مكونة
من ست كلمات معناها بكل بساطة (ينسى)، وإذا كانت كلمة ينسى تغنى
131

عن الكلمات الست فلم كان هذا الاطناب الذي لا داعي له؟ ولكن الطبيب
المختص بالأمراض العقلية يبين لنا الفرق بين ينسى وبين لا يعلم من بعد علم شيئا
وهذا سر الاعجاز العلمي في هذه القضية العلمية.
وذلك أن الشخص إذا نسى شيئا يمكنه بعد تذكر بعض الظروف أن يستعيد
ما نسيه، أما الذي لا يعلم بعد علم شيئا فلا يمكن أن يتذكر مهما حاول ذلك، بل
إنه في هذه الحالة قد ينسى اسمه، وهذه حالة من عوارض مرض انسداد شرايين
صغيرة في المخ، وهذا الانسداد يكثر كلما تقدم الانسان في السن
والذي يقول هذا الكلام بهذا الأسلوب الدقيق جدا علميا هو رب محمد
صلى الله عليه وسلم، وهو رب العاملين، وهي كلمات مضيئة بنور العلم الرباني
ويسجد أمام إعجازها علماء الطب وغيرهم من ذوي الألباب.
وقال الله تعالى في سورة الأنبياء آية - 104:
(يوم نطوي السماء كطى السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا
علينا إنا كنا فاعلين)
تفسير علماء الدين:
يوم نطوي السماء كما تطوى الورقة في الكتاب ونعيد الخلق إلى الحساب
والجزاء، لا تعجزنا إعادتهم فقد بدأنا خلقهم، وكما بدأناهم نعيدهم، وعدنا بذلك
وعدا حقا، إنا كنا فاعلين دائما ما نعد به.
النظرة العلمية:
لقد وصل العلم أخيرا وبعد جهاد شاق في الدراسات والأبحاث وبعد استعمال
132

أدق الآلات من مجاهر ومحللات والطيف إلى أن هذا الكون الذي نعيش فيه
قد بدأ من كتلة من السحاب تفجرت واتسعت لتكون وحدات الكون من مجرات
وغيرها، وأنها لابد ستعود إلى التراجع لتعود كما كانت أول الخلق، وأن هذه
السماوات المتسعة لابد وأن تطوى يوما لتصبح كما كانت أول مرة وأنه بذلك
يكون فناء الكون، وقد يشاء الله المبدع فيخلق كونا جديدا لخلق آخرين، وقد
جاء نص صريح عن فناء الكون في قوله تعالى: (فإذا برق البصر وخسف
القمر وجمع الشمس والقمر ويقول الانسان يومئذ أين المفر) أي أنه يحدث وقت
التحام الشمس والقمر أي وقت حدوث اضطراب بين النجوم والكواكب
وتوابعها وتصادمها وتحطيم بعضها بعضا.
وقال تعالى في سورة الحديد آية - 25:
وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)
تفسير علماء الدين:
وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد في الحرب ومنافع للناس في السلم يستغلونه في
التصنيع لينتفعوا به في مصالحهم ومعايشهم).
النظرة العلمية:
الحديد أكثر الفلذات (المعادن) انتشارا في الطبيعة فيوجد أساسا في الحالة
المركبة على هيئة أكاسيد وكبريتيد وكربونات وسلكات، وتوجد كذلك مقادير
صغيرة من الحديد الخالص في الشهب والنيازك الحديدية، وقد أشارت الآية إلى
أن الحديد ذو بأس شديد ومنافع للناس وليس أدل على ذلك من امتياز الحديد
133

وسبائكه المتنوعة بخواص متعددة ومتفاوتة الدرجات في مجال الحرارة والشد
والصدأ والبلى وفى تقبل المرونة والمغناطيسية وغيرها، ولذلك كان أنسب الفلذات
لصناعة أسلحة الحروب وأدواتها وأساسا لجميع الصناعات الثقيلة والخفيفة التي هي
دعامة للحضارات المادية، وللحديد منافع أخرى جمة للكائنات الحية إذ تدخل
مركبات الحديد في عملية تكوين الكلوروفل وهو المادة الأساسية في عمليات
التمثيل الضوئي التي ينشأ عنها تنفس النباتات وتكوين البروتوبلازم الحي وعن
طريقه يدخل الحديد جسم الانسان والحيوان ومن ذلك نجد أن الحديد له شأن
خطير في الحياة، ولذا سميت سورة باسمه في القرآن للإشادة بأهميته.
وقال تعالى في سورة النور آية - 40:
(أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب
ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا
فماله من نور)
تفسير علماء الدين:
ظلمات في بحر واسع عميق متلاطم بالأمواج التي يعلو بعضها فوق بعض
ويغطيها سحاب كثيف يحجب النور عنها ولا يستطيع راكب البحر معها أن يرى
يده، ومن لم يوفقه الله لنور الايمان فليس له نور يهديه إلى الخير.
النظرة العلمية:
تجمع هذه الآية أهم ظواهر عواصف البحر وأمواجه، فالمعروف أن عواصف
134

البحار العميقة تنطلق منها أمواج مختلفة الطول أو السعة أو الارتفاع بحيث يبدو
الموج منطلقا في طبقات بعضها فوق بعض فيحجب ضياء الشمس لما تثيره هذه
العواصف من سحب ركامية سمكية يخيم معها الظلام في سلسلة من عمليات الاعتام
التي تصل إلى حد انعدام رؤية الأجسام، ولما كانت نشأة الرسول صلى الله عليه
وسلم في البادية حيث قضى طول حياته في الصحراء بعيدا عن البيئة البحرية فإن ورود
هذه الدقائق العلمية عن الظواهر البحرية على لسانه وحيا من الله تعالى دليل على
أن القرآن الكريم من عند الله، وعلى أنه معجزة هذا الرسول الكريم.
وقال تعالى في سورة الأنعام آية - 15، 16:
(إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي
ذلكم الله فأنى تؤفكون، فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر
حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم)
تفسير علماء الدين:
إن الله بقدرته يشق الحب ويخرج منه النبات، ويشق النوى ويخرج منه
الشجر، ويخرج الحي من الميت كالانسان من التراب، ويخرج الميت من الحي
كاللبن من الحيوان ذلك القادر العظيم هو الاله الحق فليس هناك صارف يصرفكم
عن عبادته إلى عبادة غيره.
النظرة العلمية:
نرى النظرة العلمية في الآيتين معا أن هناك علاقة وطيدة بين قوله تعالى فالق
135

الاصباح وفالق الحب والنوى فظهور الضياء بانفلاق الصباح من الظلام هو في حد
ذاته عنصر أساسي في نمو النبات والأشجار وهو الضوء، وذلك أن الحب والنوى
بعد أن ينفلق كل منهما يحتاج إلى غذاء ينميها، وهذا الغذاء يتكون من عناصر
الأرض ومن ضوء الشمس، فضوء الشمس يقوم بعملية التمثيل الكلوروفلي
الذي تنتج عنه المادة الخضراء اللازمة لتكوين المادة الغذائية داخل عروق
النبات وفى ذلك دلالة على أن الحي من النبات يستمد حياته من الأرض ومن الضياء
وهما شيئان ميتان.
وقال الله تعالى في سورة يونس آية - 61:
(وما يعزب عن ربك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من
ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين).
تفسير علماء الدين:
إن الله جل جلاله لا يغيب عن علمه شئ في وزن الذرة في الأرض ولا في
السماء ولا أصغر من هذا ولا أكبر منه إن ذلك كله يسجل في كتاب عند الله
واضح بين.
النظرة العلمية:
كان الاعتقاد السائد قديما أن الذرة هي أصغر شئ يتصور عقل الانسان
وجوده من المادة، وأنه لا شئ أصغر منها حجما ووزنا، ولكن العلم أثبت أن
الذرة تلك الشئ الضئيل الذي لا تراه العين مادة قابلية للتجزئة، وهذا ما نطق
136

به القرآن قبل الكشوف العلمية الحديثة التي توصل إليها الانسان في أواخر
القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وقد تحقق قول القرآن بأن الذرة
يمكن تحطيمها وأن ذلك التحطيم الصناعي لها قد أوجد منها قوة رهيبة يمكن
استخدامها لدمار العالم أو عماره، وكل هذه الحقائق مسجلة في كتاب الله وعلمه
المحيط بكل شئ فيه لأنه هو الذي لا يعزب عنه شئ في الأرض ولا في السماء.
الذرة
في أوائل القرن العشرين ظهر أن بعض المواد كالراديوم واليورانيوم تتجزأ
من تلقاء نفسها وتخرج منها جسيمات ذات كهرباء موجبة تسمى (ألفا) وجسيمات
ذات كهرباء سالبة تسمى (بيتا) وأشعة تسمى (جاما)، وقد توصل العلماء
إلى وصف الذرة بأنها شئ ضئيل جدا يتكون من نواة مركزية مشحونة بشحنة
كهربية موجبة تدور حولها جسيمات صغيرة جدا مشحونة شحنة سالبة، وتسمى
هذه الجسيمات الكترونات بينها وبين النواة تجاذب، وقد توصل العلماء إلى
تحطيم الذرة تحطيما صناعيا، وقد نشأت عن تحطيمها قوى هائلة ذات حدين
أحدهما خطر مدمر والآخر صالح معمر.
قال تعالى في سورة الحجر آية - 22:
وأرسلنا الرياح لوافح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين)
تفسير علماء الدين:
لقد أرسلنا الرياح حافلة بالأمطار وحاملة بذور الانبات وأنزلنا منها المياه
وجعلناه سقيا لكم، ولا يقدر أن يتحكم منكم أحد في تخزينه.
137

النظرة العلمية:
تبين لنا الآية إعجازا علميا غاية في الدقة والاحكام فهي تدل على أن الرياح
أثناء هبوبها تحمل في طياتها حبوب اللقاح التي تأخذها من زهرة لتلقى بها في
مبيض زهرة أخري فيكون على أثر ذلك التلقيح بين النباتات، كما أن الرياح
علاوة على ذلك تحدث تلاقحا بين السحب المكهربة بالسلب والايجاب فينتج
عن ذلك البرق والرعد والمطر، والمطر عندما يسقط على الأرض بخصبها وتحيي
مواتها، وهذا هو التلقيح بأوسع معانيه في الطبيعة.
138

آيات في عالم الحيوان والحشرات
وغيرها من المخلوقات لها مدلول علمي
قال تعالى في سورة النور آية - 45:
(والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشى على بطنه، ومنهم من يمشى
على رجلين، ومنهم من يمشى على أربع يخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير)
تفسير علماء الدين:
والله خلق كل دابة على وجه الأرض من ماء الذكر والأنثى فمنهم من يمشى
على بطنه مثل الحية وأشباهها، ومنهم من يمشى على رجلين مثل الانسان وأشباهه
ومنهم من يمشى على أربع مثل الدواب، ويخلق الله ما يشاء إنه على كل
شئ قدير.
النظرة العلمية:
تنظر عين العلم الباحثة الفاحصة إلى هذه الآية الكريمة على أنها دليل قائم
على أن مصدر كل ما في العالم من كائنات حية هو الخلية الحيوانية المكونة من
الماء الذي جعل الله منه كل شئ حي من نبات وحيوان، ثم أنشأت في مملكة
الحيوان أنواعا شتى منها ما يمشى على بطنه كالزواحف وما يمشى على رجلين
كالانسان وما يمشى على أربع كالدواب، وقد ألف الناس رؤية هذه الحيوانات
فلم يتغير عجبهم منها، ولكن العلماء المشتغلين بعلوم الاحياء يرون فيها مع
الفحص والملاحظة والتشريح من عجائب الخلق ودقة الصنع ما يقوى إيمانهم
139

بقدرة الله البديع الذي أتقن كل شئ أراد خلقه بصورة تذهل العقول فتبارك
الله أحسن الخالقين.
ومما يدل على روعة الخلق وحكمته تعالى في إبداعه لها قوله تعالى:
(هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ألا هو العزيز الحكيم
(الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين)
(الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تفيض الأرحام وما تزداد وكل شئ
عنده بمقدار)
(وفي خلقكم وما يدب من دابة آيات لقوم يوقنون)
قال تعالى في سورة الأنعام آية - 38
(وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحين إلا أمم أمثالكم ما فرطنا
في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون)
تفسير علماء الدين:
ليس في الأرض من حيوان يدب في ظاهر الأرض وباطنها، أو طائر يطير
بجناحيه في الهواء إلا خلقها الله جماعات تماثلكم وجعل لها خصائصها ومميزاتها
ونظام حياتها، ما تركنا في الكتاب المحفوظ عندنا شيئا من الأشياء إلا أثبتناه
وإن كانوا قد كذبوا فسوف يحشرون مع كل الأمم للحساب يوم القيامة.
140

النظرة العلمية:
لقد اكتشف علماء الحيوان الذين يدرسون حياته الاجتماعية سواء منها
ما تسعى في الأرض أو تطير في السماء أو تسبح في الماء أنما هي شعوب وقبائل
وأمم تربطها صلات وعلاقات وثيقة فهي لا تختلف في أسلوب حياتها ونشاطها
عن أمم البشر الذين يعمرون الأرض، وقد ألف علماء علم الاحياء مؤلفات كثيرة
تبين نتائج ما وصلوا إليه من معلومات وحقائق عن نظام كل نوع من الحيوان
والحشرات في حالة السلم والحرب وفى السعي لطب الغذاء وفى رعاية الصغار
والضعفاء وما تلجأ إليه من حيل في التغلب على ما يواجهها من مصاعب وأخطار
وفى انقيادها لما هيأه لها الخالق العظيم من أعمال تتلاءم مع بيئتها وبنيتها،
والأهداف التي خلقت لها ويقول سبحانه وتعالى في سورة النحل (آية 6 - 9)
تبيانا لذلك:
(والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال
حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق
الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق
ما لا تعلمون)
وقال الله في سورة البقرة آية - 164:
(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، والفلك التي
تجرى في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض
بعد موتها، وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين
السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون).
141

تفسير علماء الدين:
إن من دلائل قدرة الله هذه السماوات التي ترونها تسير فيها الكواكب
بانتظام، والأرض وما فيها من البر والبحر وتعاقب الليل والنهار وما يجرى في
البحر من السفن تحمل الناس والمتاع ولا يسيرها إلا الله فهو الذي يرسل الرياح
لتسييرها، وهو الذي ينزل المطر يسقى النبات والحيوان، والسحاب المعلق بين السماء
والأرض، وكل هذه الآيات قامت بكل إحكام وإتقان بقدرة الله الذي لا يعجزه
شئ ويدرك حقائقها المتدبرون العاقلون.
النظرة العلمية:
تتجلى في هذه الآية مجموعة من العلوم الطبيعية التي بحث العلماء المتأخرون
في موضوعاتها ووجدوا من القرآن خير مرشد للتفكير فيها، فقد أشارت إلى علم
الفلك ونشأة الكون في قوله تعالى (خلق السماوات والأرض واختلاف الليل
والنهار) وأشارت إلى علم الملاحة البحرية في قوله تعالى، (والفلك التي تجرى
في البحر).
وأشارت إلى علم النبات والزراعة في قوله تعالى: (فأحيا به الأرض بعد موتها)
وأشارت إلى علم الحيوان في قوله تعالى (وبث فيها من كل دابة).
وأشارت إلى علم الأرصاد الجوية في قوله تعالى: (وتصريف الرياح والسحاب
المسخر بين السماء والأرض) وقد أدى التفكير فيها إلى معرفة نواميسها ومقوماتها
ونظامها، فسبحان من هذا كلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
ويهدى إلى سواء السبيل، ويوجه عقل الانسان وقلبه إلى ملك الله يتأمله ليرى
قدرته وحكمته وتدبيره الرائع في صنعه.
142

وقال الله تعالى في سورة المؤمنون آية - 18:
(وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون)
تفسير علماء الدين:
وأنزلنا من السماء مطرا بحكمة وتقدير في تكوينه وإنزاله وتيسيرا للانتفاع به
جعلناه مستقرا في الأرض على ظهرها وفي جوفها وإنا على إزالته وعدم الانتفاع
به لقادرون.
النظرة العلمية:
توجه هذه الآية النظر إلى المطر الذي ينزل من السماء وكيف أنه يتكون
نتيجة تبخر مياه المحيطات والبحار بحرارة الشمس وارتفاع هذه الأبخرة لخفتها
ثم تجمعها في السماء على شكل سحب لا تلبث أن تبرد ثم تتكاثف ويسقط منها
مطرها بمائه العذب على سطح الأرض مكونا بانحداره السريع من فوق الجبال
والهضاب التي يسقط عليها أخاديد في الأرض تجرى فيها مكونة الأنهار لتروى
الحقول وتخصبها، وإن من مياه الأمطار ما يتسرب إلى باطن القشرة الأرضية
ويستقر بها مكونا المياه الجوفية التي توجد أحواضها في باطن بعض صحراوات
العالم القاحلة والتي تخرج منها العيون والآبار لامداد الانسان والحيوان بالماء، والله
سبحانه قد جعل هذه الدورة المائية بين السماء والأرض متكررة بانتظام دائم،
ولو شاء ربك لأوقفها ولكنه رب رحيم كتب على نفسه الرحمة ولا يترك عباده
للهلاك، ويؤيد هذا الفضل من الله تعالى قوله تعالى في آيات أخرى:
(ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر
قد قدر) (القمر آية - 11، 12)
143

وقوله تعالى:
(أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا)
(الرعد آية - 17)
وقوله تعالى:
(وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم)
(البقرة آية 23)
وقال تعالى في سورة الرعد آية - 4:
(وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان
يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل إن في ذلك لآيات لقوم
يعقلون)
تفسير علماء الدين:
من عجائب قدرة الله أن في الأرض قطع يجاور بعضها بعضا، وهي مختلفة
التربة بعضها قاحل وبعضها خصب وإن اتحدت التربة، ففيها حدائق مملوءة
بكروم العنب، وفيها زرع يحصد، ونخيل مثمر وهي مجتمعة ومتفرقة، ومع أنها
تسقى بماء واحد يختلف طعمها، وإن في ذلك دلائل واضحة على قدرة الله تعالى
لمن له عقل يفكر به.
النظرة العلمية:
يقرر علماء الجيولوجيا وهو علم طبقات الأرض أن تربة القشرة الأرضية
144

التي تحطمت وتفتتت بفعل عوامل التعرية من رياح وعواصف وأمطار جعلتها لا تتحد
في عناصرها بل صار لكل تربة طبيعتها وخواصها الذاتية، ويقرر علماء النبات
أن جذور النباتات تمتد في التربة لتمتص الغذاء من عناصرها الملائمة لها وتحولها إلى
ثمار يتميز بعضها عن بعض في الشكل والطعم والرائحة، وهذا هو المعنى العلمي
الذي تشير إليه الآية بأن قطعة الأرض الواحدة تتكون من عدة أجزاء متجاورة
ومتلاصقة ولكنها تشمل في تكوينها مواد معدنية أو عضوية أو بكتيرية مختلفة،
وعندما تسقى قطعة الأرض الواحدة نجد أن ثمارها متنوعة لان بها أجزاء طينية
وأخرى رملية إلى ثالثة كلية وأن كلا منها يختلف عن الآخر اختلافا تاما
وعند ما تسقى قطعة الأرض نجد أن ثمارها متنوعة في أشكالها وألوانها وطعومها
من عنب وخضر ونخل ورمان مع أنها كلها سقيت بماء واحد.
وقال تعالى في سورة الرعد آية - 3:
وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها
زوجين اثنين يغشى الليل النهار، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)
تفسير علماء الدين:
هو سبحانه الذي بسط لكم الأرض وجعلها ذلولا تسيرون فيها شرقا وغربا،
وجعل في هذه الأرض جبالا ثابتة وأنهارا تجرى فيها المياه العذبة وجعل من
هذه المياه الثمرات المختلفة التي؟ توالد، وجعل منها الأنواع المختلفة المتقابلة
أصنافا منها الحلو والحامض، ومنها الأبيض والأسود، وأنه سبحانه يستر النهار
بالليل، وأن في هذا الكون وعجائبه لعلامات بينة تثبت قدرة الله العظيم
ووحدانيته لمن يتفكر ويتدبر.
145

النظرة العلمية: في طيات هذه الآية الكريمة ثلاث حقائق أيدها العلم بدلائل قوية وهي:
أولا أن الله مد الأرض وجعل فيها رواسي، ومد الأرض أي بسطها أينما
سار الانسان عليها وقد سبق القول في بيان ذلك عند شرح قوله تعالى والأرض
بعد ذلك دحاها والتعبير بلفظ دحاها يدل على الاستدارة مع البسط في نفس الوقت.
ثانيا أنه سبحانه جعل في الأرض رواسي أي جبالا لتحفظ التوازن
اللازم للكرة الأرضية التي تتكون من منخفضات عميقة في البحار والمحيطات
ومرتفعات شامخة من الجبال والهضاب، وأنه لابد في هذه الحالة من استقرار
للأرض واتزان لانتظام حركتها مع ثباتها، وقد أثبتت الأبحاث العلمية نظرية
التوازن في الكرة الأرضية بالبراهين الدامغة.
ثالثا - أنه سبحانه جعل من كل الثمرات زوجين اثنين، أي جعل في
الأشجار التي تحمل الثمار نوعي الذكر والأنثى حتى يتم تلقيح الأعضاء الأنثية بطريق
حبوب اللقاح الموجودة بالأعضاء الذكرية وبذلك تتوالد الأنواع وتتكاثر.
وقال تعالى في سورة الرعد آية - 2:
(الله الذي رفع السماوات والأرض بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش،
وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى يدبر الامر يفصل الآيات لعلكم
بلقاء ربكم توقنون)
تفسير علماء الدين:
إن الله هو الذي رفع ما ترون من سماوات تجري فيها النجوم بغير أعمدة
ترى ولا يعلمها إلا الله، وإن كان قد ربط بينها وبين الأرض بروابط لا تنقطع
146

إلا أن يشاء الله، وذلل الشمس والقمر بسلطانه ولمنفعتكم، وهما يدوران بانتظام
لزمن قدره الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه يدبر كل شئ في السماوات والأرض،
ويبين لكم آياته الكونية رجاء أن توقنوا بالوحدانية.
النظرة العلمية:
كلما نظر الانسان إلى نجوم السماء وكواكبها يراها متماسكة وثابتة في مواضعها
وهي سابحة في أفلاكها طبقا لنظام بديع لا تحيد عنه أبدا، وقد فسر العلم هذه
القوة الكونية التي تحفظ السماء والأرض والكون من التفكك وتصونه من
الاضطراب والخلل بأنها قوة الجاذبية التي اكتشفها عالم رياضيات إنجليزي هو نيوتن
في أوائل القرن السابع عشر عند ما لاحظ يوما أن تفاحة سقطت من شجرتها
على الأرض، فأخذ يفكر في أسباب سقوطها هي وغيرها من الأجسام التي تقع
تلقائيا على الأرض، وهداه تفكيره العميق إلى الوصول إلى استنباط نظرية
الجاذبية واستطاع أن يضع لها قوانين دقيقة أثبت صحتها بالتجارب العلمية،
ووضح بما لا يقبل الشك أن هناك علاقة بين كتل الأجسام المتجاذبة وبين
المسافات التي بينهما، وقد ساعد قانون الجاذبية علماء الفلك على فهم الكثير من
الحقائق الكونية التي كانت مجهولة تماما من قبل.
ويؤيد قانون الجاذبية هذا وأثره في تماسك الأكوان قوله تعالى في سورة
فاطر آية - 41:
(إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من
أحد من بعده إنه كان حليما غفورا)
وتدل هذه الآية على أن الله سبحانه هو الذي يمنع اختلال نظام السماوات
147

والأرض ويحفظهما بقدرته من الزوال، ولئن قدر لهما الزوال ما استطاع أحد
أن يحفظهما.
وقال تبارك وتعالى في سورة الأنعام آية - 97:
(وهو الله جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا
الآيات لقوم يعلمون)
تفسير علماء الدين:
هو الله الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بمواقعها إلى مقاصدكم وأنتم سائرون
في ظلمات الليل بالبر والبحر، إنا قد بينا دلائل رحمتنا وقدرتنا لقوم
ينتفعون بالعلم.
النظرة العلمية:
لقد ثبت بالملاحظة العلمية الدقيقة وبالمناظير المقربة أن النجم القطبي هو أحد
نجوم السماء التي تبعد عنا بآلاف الملايين من الأميال، وأنه يبعد عن الكرة الأرضية
بنحو 300 سنة ضوئية، لوحظ أن هذا النجم يقع جهة الشمال دائما بالنسبة لسكان
نصف الكرة الشمالي، أي أننا إذا اتجهنا نحوه تكون جهة الشمال أمامنا وجهة
الجنوب خلفنا وجهة الشرق على يميننا وجهة الغرب على يسارنا، وبواسطة هذا
النجم يمكننا أن نعرف مواضع الأماكن على سطح الكرة الأرضية سواء كنا
في سفر أو حضر، وقد استطاع الفلكيون بوسائلهم وأجهزتهم العلمية وحساب
المثلثات أن يرصدوا أكثر النجوم ويعملوا لها جداول تبين مواقعها بالنسبة للأرض
لتكون مرشدا للمسافرين في البر والبحر وفى رحلات الفضاء إلى الكواكب،
فسبحان الذي خلق هذا الكون الهائل في اتساعه الشاسع وفى امتداده الذي
148

لا نهاية له وأنه سبحانه برحمته وعونه يهيئ لنا سبل الاهتداء فيه ليلا بالنجوم
ونهارا بالشمس إلى مقاصدنا وقد أمتن علينا في ذلك بقوله تعالى أيضا: (وعلامات
وبالنجم هم يهتدون.
وقال تعالى في سورة المؤمنين آية - 18
(وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب
به لقادرون)
تفسير علماء الدين:
وأنزلنا من السماء مطرا بحكمة وتقدير في تكوينه وإنزاله وتيسيرا للانتفاع به
وجعلناه مستقرا في الأرض على ظهرها وفى جوفها وإنا على إنزاله أو إزالته وعدم
الانتفاع به لقادرون.
النظرة العلمية:
تشير هذه الآية وأمثالها إلى ظاهرة نزول المطر من السماء، وقد أثبت العلم
أن المطر هو نتيجة تبخر مياه المحيطات والبحار بحرارة الشمس وارتفاع بخار الماء
إلى طبقات الجو العالية الباردة وتجمعها على شكل سحب تتكاثف ويسقط مطرها بالماء
العذب على الأرض، وعندما يسقط المطر الغزير على الجبال والهضاب فإنه ينحدر منها
بشدة إلى السهول مكونا فيها مجاري وأودية للأنهار التي تحيى الأرض وتنبت الزرع،
ومن مياه الأمطار ما يتسرب إلى باطن الأرض مكونا المياه الجوفية التي تتجمع
في أحواض واسعة للمياه الباطنية التي تتفجر منها العيون وتنبثق منها الآبار بحسب
تضاريس الأرض، وقد جعل الله سبحانه هذه الدورة المائية بين السماء والأرض
مستمرة بانتظام دقيق وتقدير معلوم لا يزيد ولا ينقص ليفي بحاجة الانسان
149

والحيوان والنبات، ولو شاء الله أن يوقف هذه الدورة لفعل، والله سبحانه رحيم
بعباده، ويؤكد رحمته هذه بقوله تعالى في لآيات الآتية:
(ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر
قد قدر) (القمر آية - 11)
(أنزلنا من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) (الرعد آية - 16)
(وأنزل من السماء ماء فأخرج من الثمرات رزقا لكم) (البقرة آية 22)
وقال تعالى في سورة الرعد آية - 4:
(وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان
وغير صنوان يسقى بماء واحد، ونفضل بعضها على بعض في الاكل، إن في ذلك
لآيات لقوم يعقلون)
تفسير علماء الدين:
في الأرض قطع يجاور بعضها بعضا وهي مختلفة التربة، بعضها قاحل وبعضها
خصب وإن اتحدت التربة ففيها حدائق مملوءة بكروم العنب وفيها زرع يحصد
ونخيل مثمر وهي مجتمعة ومتفرقة، مع أنها تسقى بماء واحد يختلف طعمها وفى
ذلك دلالة على قدرة الله تعالى لمن له عقل يفكر به.
النظرة العلمية:
يقرر علم طبقات الأرض أن تربة القشرة الأرضية وهي الطبقة التي تحطمت
وتفتتت بفعل عوامل التعرية من رياح وأمطار لا تتفق عناصرها وطبيعتها في
كل جزء منها بل تختلف من مكان إلى مكان، كما أن علم النبات يقرر أن جذور
150

النبات هي التي تمتد في التربة وتمتص منها العناصر الملائمة لنموها ونضجها بحيث
يكون لكل ثمرة شكلها ولونها وطعمها المميز لها، وهذا هو المعنى العلمي الذي
تشير إليه الآية الكريمة على إيجازها وهي أن قطعة الأرض الواحدة تتكون
من أجزاء متلاصقة الجوار ولكنها تشمل بقعة طينية وأخرى رملية وثالثة كلسية
وكل واحدة منها إما أن تكون ذات مواد معدنية أو عضوية أو بكتيرية وعندما
تسقى هذه الأرض بماء واحد فإنها تنتج ثمارا متغايرة في شكلها ولونها وطعمها
ويفضل بعضها بعضا في الاكل.
وقال تعالى في سورة النحل آية - 68:
(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر
ومما يعرشون)
تفسير علماء الدين:
ألهم ربك النحل أسباب حياتها ووسائل معيشتها بأن تتخذ من الجبال بيوتا
في كهوفها وتتخذ من فجوات الشجر ومن عرائش المنازل والكروم بيوتا
لها كذلك.
النظرة العلمية:
إن بعض العلماء الذين كرسوا جهودهم لدراسة حياة الحشرات وقفوا على
حقائق عجيبة وألفوا مئات الكتب التي أثبتت صحة ما جاء في القرآن من
أن هناك فصائل برية من النحل تسكن الجبال وتتخذ من مغاراتها مأوى لها،
وأن منه سلالات تتخذ من الأشجار سكنا بأن تلجأ إلى الثقوب الموجودة في
جذوع الأشجار وتتخذ منها بيوتا تأوى إليها، ولما أراد الانسان أن ينتفع بعسل
151

النحل استأنسها وصنع لها خلايا من الطين أو الخشب يعيش فيها وهكذا تبين
الآية الكريمة كيف كانت هذه الحشرات بإلهام من الله تأوى إلى مساكنها
المختلفة منذ القدم إلى يومنا هذا.
وقال تعالى في سورة النحل آية - 69:
(ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها
شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون)
تفسير علماء الدين:
في هذه الآية بيان لالهام الله للنحل أن تأكل من ثمرات الشجر والأزهار
وسهل الله لها أن تسلك لذلك طرقا هيأها لها الله وجعلها مذللة سهلة، فيخرج من
بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن في ذلك الصنع العجيب لأدلة
قوية على وجود صانع قادر حكيم ينتفع بها قوم يستعملون عقولهم بالتأمل
فيفوزون بنعمة السعادة الدائمة.
النطرة العلمية:
تدل الدراسات المستفيضة لمملكة النحل أن إلهام الله لها يجعلها تطير
لارتشاف رحيق الأزهار فتبتعد عن خليتها آلاف الأمتار ثم ترجع إليها ثانية
دون أن تخطئها وتدخل خلية أخرى غير خليتها، علما بأن الخلايا في المناحل
تكون مرصوصة بعضها إلى جوار بعض، وذلك لان الله سبحانه سهل أمامها
طرقها وذللها لها بنوع من الاحساس الكهربي المغناطيسي في جسمها، وبعد أن
يجمع النحل رحيق الأزهار في جوفه يتحول هذا الجوف إلى مصنع يجعل من
هذا الرحيق شرابا فيه شفاء للناس، وتلفظ النحلة عسلها عن طريق فمها لا عن
152

شرجها، وفى قوله تعالى (شراب مختلف ألوانه) إشارة إلى أن لون العسل
يختلف بحسب لون الأزهار التي يرتشف النحل رحيقها، فالعسل الناتج من
رحيق أزهار القطن يكون قاتم اللون بخلاف عسل أزهار البرسيم فهو فاتح
اللون، ثم إن وصف القرآن لعسل النحل بأن فيه شفاء للناس هو حقيقة علمية
أثبتتها التحاليل لهذه المادة لأنها تجمع عدة عناصر متنوعة الأهمية في التغذية
والعلاج فضلا عن أنه الغذاء الوحيد المعقم طبيا وأنه قاتل للميكروبات ومبيد
للجراثيم بسبب احتوائه على مواد داخلة في تركيبه للقضاء عليها، فهل للانسان
أن يتأمل ذلك ويفكر في قدرة الله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ولا يخفى
عليه شئ؟!
وقال الله تبارك وتعالى في سورة النحل آية - 66:
(وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا
خالصا سائغا للشاربين)
تفسير علماء الدين:
إن لكم أيها الناس في الانعام وهي الإبل والغنم لموعظة تعتبرون بها
وتنتقلون في هداها من الجهل إلى العلم بالصانع المبدع الحكيم ويسقيكم من
بعض ما في بطونها من بين فضلات الطعام (وهو الفرث) والدم لبنا صافيا
لذيذا سهل التناول للشاربين.
النظرة العلمية:
توجه الآية عقولنا إلى الاعتبار بما في حكمه الله تعالى من إبداع بما في خلقه
وروعة في صنعه حيث جعل اللبن يخرج من بين فرث (وهو فضلات
153

الطعام) وبين الدم، وهذا يوضح ما كشف عنه علم وظائف الأعضاء في الأجسام
من أن الجهاز الهضمي للحيوان يقوم بهضم الطعام وامتصاص الصالح منه وتحويله
إلى دم يجرى في الأوعية الدموية لتغذية الجسم، ومن هذا الدم ما يصل إلى
إلى ضرع الحيوان حيث تبدأ الغدد اللبنية في هذا الضرع تستخلص من الدم
العناصر اللازمة لتكوين اللبن، وذلك بعد أن تنصب عليه عصارات خاصة
تحيله إلى لبن له مذاقه ولونه الخاص، ويخرج هذا اللبن من بين الفرث والدم سائغا
لذيذا للشاربين فسبحان الله الذي يجعل غذاء الحيوان من حشائش وحبوب
تتحول إلى لبن هو خير غذاء للانسان والحيوان لأنه غنى بكل ما يحتاج إليه
الجسم من عناصر ضرورية لحياته وصحته.
وقال الله تبارك وتعالى في سورة يس آية - 80:
(الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون)
تفسير علماء الدين:
الله جل جلاله هو الذي جعل لكم بتدبيره وحكمته من الشجر الأخضر
بعد أن يجف وييبس نارا تستعملونها وقودا.
النظرة العلمية
إن وراء هذه الآية حقائق علمية رائعة تدل على إعجاز القرآن العلمي في
تقريره أن الشجر الأخضر هو مادة الوقود أي مادة الطاقة التي هي عصب الحياة
الصناعية في عالمنا المعاصر، فقد دلت الأبحاث الجيولوجية على أن الفحم الحجري
والبترول والغازات القابلة للاشتعال تستخرج كلها من باطن الأرض، وذلك لان النباتات
والأشجار والغابات التي نمت فوق سطح الأرض في قديم الأزمان الجيولوجية
154

أتت عليها ظروف متعاقبة من اضطرابات وانكسارات وتقلبات في القشرة
الأرضية جعلت تلك الغابات والأشجار تنطمر في باطن الأرض، وتتعرض بعد ذلك
لضغوط قوية ولحرارة شديدة فتحولت من أشجار خضراء إلى فحم حجري
وبترول وغازات وهي من مواد الطاقة التي تستخدم نارها وحرارتها في الطهي
والإنارة والتدفئة وإدارة المصانع فسبحان الله القادر الذي هيأ لحياة الانسان على
سطح الأرض مواد نافعة من باطنها بعد أن تحولت من شجر أخضر إلى فحم
أسود وبترول وغازات.
وقال تبارك وتعالى في سورة النمل آية - 18:
(حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم
لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون)
تفسير علماء الدين:
حتى إذا بلغوا وادى النمل قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مخابئكم لكيلا
لا يميتكم سليمان وجنوده وهم لا يحسون بوجودكم.
النظرة العلمية:
صرحت الآية الكريمة بأن نملة تكلمت لكي تحذر جماعتها من خطر قد
يدهمها، وفى ذلك دليل على أن النمل له لغة يتخاطب ويتحدث بها وهذا ما أثبتته
الأبحاث الحديثة بوسائلها العلمية الدقيقة عن حياة النمل الاجتماعية القائمة على التفاهم
فيما بينها، وأن مجتمع النمل له كما لسائر الكائنات الحية لغة وأنها تتجاذب بها
أطراف الحديث بكلام خاص أو بإشارات مسموعة أو غير ذلك مما علمه الله لنبيه سليمان
عليه السلام، ويتفاهم النمل بعضه مع بعض في كل ما يتصل بشئونها المختلفة، والنمل
155

كما شوهد في مختلف بيئاته يقوم بمشروعات جماعية مثل مد الطرق وإقامة الجسور
وبناء مستعمراته، ولا يمكن أن يتم التعاون على إنجاز هذه الأعمال إلا بالتفاهم
بلغة متداولة بينها، وكل الذين درسوا حياة النمل وشاهدوا ما عليه حياة النمل من
النظام الدقيق في بناء مساكنها وما عليه أفرادها من الذكاء والدهاء وسعة الحيلة
وحب العمل والدأب الذي لا يعرف الكلل، ثم إن النمل هو الوحيد الذي
يتلاقى في مجتمعات للتعارف وتبادل المنافع، كما أنه هو الوحيد من بين سائر
الحشرات الذي يهتم بدفن موتاه وغير ذلك مما يدل على حياة منتظمة حية نشطة
لها كيان ودستور يحكمها في كل سلوكها.
وقد أدهشتني هذه المعلومات الرائعة عن حياة النمل والنحل التي قرأتها في
بعض المؤلفات فدعاني ذلك أن أنوه بشأنها في كتابي (مع الله) في باب
قدرة الله تعالى فقلت بأسلوب الشعر المنثور أي الشعر الحر ما يأتي:
إنها دول يدهشك نظمها ويروعك منها قيام الحياة فيها بالقسط والميزان
فلا شئ في مجتمعها يدل على مظاهر الأثرة أو الجشع أو الفقر أو الحرمان
وتعجب إذا رأيت أن دستورها الملهم لها يسوده التعاون فلا أثرة ولا طغيان
ولكل فرد من أفرادها عمل معين يتفرغ له ولكل حقه من الخير والأمان
فالملكة في مقصورتها موضع احترام وعليها أن تبيض بما فيه الكفاية من السكان
وحولها الشغالات تعمل بجد وتنقل البيض بكل عناية إلى موضع التفريخ والحضان
فإذا ما خرجت الحوريات من بيضها تعهدتها بالرعاية أيدي المربيات والقيان
ولكل منها قرى محصنة بأقوى المباني المؤسسة على أمتن القوائم والجدران
وفيها جنود بواسل على أهبة الاستعداد دائما للنجدة وصد المغير على الأوطان
جنود لهم رؤوس مخيفة المنظر ولها فكوك كأنها مخالب السباع أو السنان
وما داهم طارق حماهم بشر إلا برزت جموع إثر جموع مستعدة للنزال والطعان
وتحولت الشغالات إلى جنود تدافع عن العجائز والمرضى وتحمي صغار الولدان
156

وانقلبت بعضها إلى ممرضات خلال القتال تنقل الجرحى بعيدا عن معارك الميدان
ماذا يقول الفكر في هذه المشاهد العجيبة وهي تتكرر في كل زمان ومكان
يا رب ماذا يقول المتأمل كلما رأى مشاهد الروعة الباهرة في صنعك البديع؟
وكلما تدبر حكمتك في إيجاد هذه المخلوقات وإمدادها بهذا الالهام الرفيع
إن المؤمن المتعبد ليقف أمام هذه الآيات موقف الاجلال لقدرتك في خشوع
وينطق لسان حاله بالتسبيح ونحن جوارحه إلى التمجيد في سجود وركوع
وحق لعينه أن تذرف دمعها حنينا إلى من عمت رحمته الافراد والجموع
ولا خلاص لنا ونحن نعيش في معترك تتصارع فيه قوى الشر بجبروتها المريع
إلا أن نضرع إليك طالبين منك رحمتك لأنها هي حصننا الواقي المنيع
وقال تعالى في سورة العنكبوت آية - 41:
(مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن
أو هن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)
تفسير رجال الدين:
مثل هؤلاء الذين اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها ويعتمدون عليها
ويرجون نفعها كمثل العنكبوت في اتخاذها بيتا واهنا من نسجها لا يغنى عنها
في حر ولا قر ولا مطر ولا أذى.
النظرة العلمية:
إن الاعجاز العلمي كل الاعجاز في هذه الآية الكريمة يتجلى بأجلى معانيه
في لفظة (اتخذت) بصيغة الفعل المؤنث وهي إشارة علمية في غاية الروعة
والدقة للدلالة على أن ما يقوم ببناء بيوت العناكب هي الأنثى منه، وأن الذكر
من العناكب لا شأن له بذلك، وهذه حقيقة ما كان أحد مطلقا يفطن إليها
157

وقت نزول القرآن، ولكن لما اشتغل علماء الاحياء حديثا بدراسة الحشرات
ووضعوا في دراستها علما قائما بذاته تبينت لهم حقائق مذهلة عن حياة الحشرات
التي تبلغ مئات الآلاف في أنواعها، وأن كل نوع منها يتميز بأشكاله وأحجامه
وألوانه وطبائعه وغرائزه المميزة لكل نوع منها عما سواه، وقد دلت الدراسة
المستفيضة للحشرات أن بعضها له حياة اجتماعية ذات نظم ومبادئ وقوانين
تلتزم بها في إعداد مساكنها والحصول على أقواتها والدفاع عن نفسها والتعاون
فيما بينها بصورة تدهش العقول وذلك بإلهام من خالقها الذي يجعلها تبدو
وكأنها أمم لها كيان ونظام وعمران.
ومن دراسة حياة العناكب لاحظ العلماء أن بيت العنكبوت له شكل هندسي
خاص دقيق الصنع ومقام في مكان مختار له في الزوايا أو بين غصون الأشجار
وأن كل خيط من الخيوط المبنى منها البيت مكون من أربعة خيوط أدق منه،
ويخرج كل خيط من الخيوط الأربعة من قناة خاصة في جسم العنكبوت،
ولا يقتصر بيت العنكبوت على أنه مأوى يسكن فيه بل هو في نفس الوقت
مصيدة تقع في بعض حبائلها اللزجة الحشرات الطائرة مثل الذباب وغيره لتكون
فريسة يتغذى عليها، وإنه لمنظر يثير الدهشة حقا عندما يرى الانسان هذه الحشرة
الرقيقة تتحرك بأرجلها الدقيقة بسرعة بين خيوط بيتها الواهي لتمسك بفرائسها،
فسبحان الله الذي خلق كل شئ وقدر كيانه تقديرا وألهمه حياته تنظيما وتدبيرا
ومع أن عالم الحشرات من العوالم المحجبة بأسرارها عنا ولا يعلم بعض خفاياها
إلا الدارسون لها إلا أن القرآن الكريم اهتم بأمرها وسمى بعض سوره بأسماء
حشرات منها مثل سورة النمل وسورة النحل وسورة العنكبوت ليلفت أنظارنا
إلى قدرة خالقنا القدير وحكمة ربنا الحكيم وإحاطة ربنا العليم بعالمها، والله سبحانه
لم يخلقها عبثا بل له حكمة عليا في النافع منها والضار وفى الظاهر منها والخفي،
أنه سبحانه الذي أتقن كل شئ خلقه وله في كل شئ آية تدل على أنه الواحد.
158

وقال تعالى في سورة فاطر آية - 28:
(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن
الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب
والانعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء)
تفسير علماء الدين:
ألم تر - أيها العاقل - أن الله أنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرات مختلفا
ألوانها، منها الأحمر والأصفر والحلو والمر والطيب والخبيث، ومن الجبال جبال
طرائق وخطوط بيض وحمر مختلفة بالشدة والضعف وجيال شديدة السواد، ومن
الناس والدواب والإبل والبقر والغنم مختلف ألوانه كذلك في الشكل والحجم،
وما يتدبر هذا الصنع العجيب ويخشى صانعه إلا العلماء الذين يدركون أسرار
صنعه، إن الله غالب يخشاه المؤمنون غفور كثير المحو لذنوب من يرجع إليه.
النظرة العلمية:
ليس الاعجاز العلمي في هذه الآية هو التنويه فقط بما للجبال من ألوان
مختلفة ترجع إلى اختلاف المواد التي تكون صخورها من حديد يجعل لونها السائد
أحمر أو منجنيزا وفحم يجعله أسود أو نحاس يجعله أصفر وغير ذلك ولكن الاعجاز
هو الربط بين إخراج ثمرات مختلفات الألوان يروى شجرها ماء واحد، وخلق
جبال حمر وبيض وسود يرجع أصلها إلى مادة واحدة متجانسة التركيب أصلها من
باطن الأرض ويسميها علماء الجيولوجيا بالصهارة، وهذه الصهارة عندما تنبثق في
أماكن مختلفة من الأرض وعلى أعماق مختلفة من السطح يعتري تركيبها الاختلاف
فتتصلب آخر الامر في كتل أو جبال مختلفات المادة واللون وهكذا فسنة الله
واحدة لان الأصل واحد والفروع مختلفة ومتباينة وفي هذا متاع وفائدة لبني آدم.
159

وقال تعالى في سورة النحل آية - 14:
(وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها
وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)
تفسير علماء الدين:
وهو الذي ذلل البحر وجعله في خدمتكم لتصطادوا ولتأكلوا منه لحم
الأسماك طريا طازجا، وتستخرجوا منه ما تتحلون به كالمرجان واللؤلؤ، وترى
أيها الناظر المتأمل السفن تجرى فيه شاقة مياهه تحمل الأمتعة والأقوات، وقد
سخره الله لذلك لتنتفعوا بما فيه وتطلبوا من فضل الله الرزق عن طريق التجارة
وغيرها، ولتشكروه على ما هيأه لكم وذلك لخدمتكم.
النظرة العلمية:
يجد العلم في هذه الآية مجالا للنظر في أهمية لحم الأسماك في التغذية سواء
كان طازجا أو مجففا أو مملحا فهو لا يقل أهمية عن لحم الحيوانات والطيور،
وذلك لاحتوائه على المواد البروتينية وعلى نسبة من المواد الدهنية كما يحتوي أيضا
على بعض الأملاح المعدنية ولذلك فهو غذاء هام لنا ونأخذ منه بعض الزيوت
المحتوية على الفيتامينات الهامة لا سيما زيت سمك القرش والحوت كما أن الأسماك
مصدر من مصادر اليود وخصوصا الأسماك البحرية.
يقول الله تعالى في سورة الأعراف آية - 31:
(يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا
إنه لا يحب المسرفين)
160

تفسير رجال الدين:
يا بني آدم خذوا زينتكم من اللباس المادي الذي يستر العورة ومن اللباس
الأدبي وهو التقوى عند كل مكان للصلاة، وفى كل وقت تؤدون فيه العبادة،
وتمتعوا بالاكل والشرب غير مسرفين في ذلك فلا تتناولوا المحرم، ولا تتجاوزوا
الحد المعقول من المتعة، إن الله لا يرضى عن المسرفين.
النظرة العلمية:
يرى علماء الطب أن الآية تبصر الناس بضرر الاكثار من الأكل والشرب
لان الطب الحديث يقول إن للجسم حاجته المحدودة من الطعام والشراب
والكافية لعملياته الحيوية فإن زادت عن ذلك زادت أعباء الجهاز الهضمي
وإرهاقه، وزادت فضلاته ومخلفاته التي قد تتراكم في الجسم وتلقى عبئا على
الأجهزة الأخرى المختلفة فتجهد الكبد والقلب والكلى، كما أن الافراط في
الاكل يسبب التخمة التي تساعد على ظهور أمراض كثيرة مثل تصلب الشرايين
وارتفاع ضغط الدم والنقرس والروماتزم وأمراض القلب.
ويجب أن يعمل الانسان بقول الرسول: حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه.
ولنا في الصوم خير علاج لتطهير الجسم من شرور الافراط في الأكل والشرب.
وقال تعالى في سورة الرحمن آية - 62 - 68:
(ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فبأي آلاء ربكما
تكذبان فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان)
161

تفسير علماء الدين:
ومن دون الجنتين السابقتين جنتان أخريان فبأي نعمة من نعم ربكما
تجحدان، خضراوان قد اشتدت خضرتهما حتى مالت إلى السواد فبأي نعمة من
نعم ربكما تجحدان، فيهما عينان فوارتان بالماء لا تنقطعان، فبأي نعمة من نعم
ربكما تجحدان، فيهما فاكهة من صنوف مختلفة ونخل ورمان.
النظرة العلمية:
يثبت العلم أن أكثر الطعام فائدة للانسان الفاكهة بأنواعها المختلفة فقد جمع
سبحانه فيها من الغذاء والدواء ما جعلها مكتملة العناصر اللازمة لصحة الأبدان
وقد خص الله العليم الخبير بما خلق بعض أنواع الفاكهة التي ذكرها في هذه
الآية بأنها ذات فائدة غذائية أكثر من غيرها وهذه هي النخل والرمان، أما
النخل فقد دلت التحاليل الكيميائية على أن التمر يحتوي على نسبة مرتفعة من
السكريات (76 % تقريبا) ويستفيد الجسم من التمر في إنتاج طاقة عالية وسعر
حراري كبير علاوة على ما يحتوي عليه من عناصر الكلسيوم والحديد والفسفور
وكميات من الفيتامينات الواقية من مرض البلاجرا مما يجعل التمر غذاء كاملا،
أما الرمان فيحتوي لبه وعصيره على نسبة مرتفعة من حمض الليمونيك الذي
يساعد بتأثيره على تقليل أثر الحموضة في البول والدم مما يكون سببا في
تجنب مرض النقرس وتكوين حصى الكلى، كما أن عصير الرمان به نسبة
لا بأس بها من السكريات السهلة الاحتراق والمولدة للطاقة، كما أن به مادة
عفصية قابضة تقى الأمعاء مما يصيبها من إسهال، كما أن قشور سيقان أشجار
الرمان تستخدم في القضاء على الدودة الشرطية.
162

وقال تعالى في سورة البقرة آية - 173:
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله)
تفسير علماء الدين:
حرم الله عليكم أيها المؤمنون أكل الميتة التي لم تذبح من الحيوان وكذلك الدم
ومثله في التحريم لحم الخنزير وما ذكر وقت ذبحه غير اسم الله من أسماء الوثن وغيره.
النظرة العلمية:
تدل التحاليل الطبية لجسم الحيوان الميت أنه مات نتيجة مرض أصابه وهذا
المرض يجعل لحمه فاسدا ومضرا بالانسان إذا أكله وقد يكون مرضا معديا، ودلت
كذلك على أن في دم جميع المواد السامة والميكروبات التي تعرض الانسان
للأمراض الفتاكة بحياته، كما أظهرت التحاليل أن لحم الخنزير فيه مواد ضارة
وديدان إذا دخلت جسم الانسان أضرت بصحته.
قال تعالى في سور المؤمنون آية - 20:
(وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين)
تفسير علماء الدين:
وخلقنا لكم شجرة الزيتون التي تنبت في منطقة طور سيناء، وفى ثمارها
زيت تنتفعون به وهو إدام للآكلين.
النظرة العلمية:
يقرر العلم أن شجرة الزيتون من الأشجار الخشبية التي تعمر طويلا لمدد
تزيد على مئات السنين وتثمر أثمارا مستمرة بغير جهد من الانسان، كما
163

تتميز بأنها دائمة الخضرة جميلة المنظر، وتفيد الأبحاث العلمية أن الزيتون يعتبر
مادة غذائية جيدة ففيه نسبة كبيرة من البروتين كما يتميز بوجود الأملاح الكلسية
والحديدية والفسفاتية وهي مواد هامة وأساسية في غذاء الانسان، وعلاوة على
ذلك فإن الزيتون يحتوي على فيتامين ا، ب ويستخرج من ثماره زيت الزيتون
الذي يحتوي على نسبة عالية من الدهون السائلة التي تفيد الجهاز الهضمي عامة
والكبد خاصة، ويفضل زيت الزيتون كافة أنواع الدهون الأخرى نباتية
أو حيوانية لأنه لا يسبب أمراضا للدورة الدموية أو الشرايين كغيره من الدهون،
كما أنه ملطف للجلد إذ يجعله ناعما مرنا، ولزيت الزيتون استعمالات أخرى
كثيرة في الصناعة إذ يحضر منه بعض الصناعات ويدخل في تركيب أفضل أنواع
الصابون وخير ما نختم الكلام عن أهمية الزيتون من ناحيتيه الغذائية والدوائية
أن الله سبحانه وهو العليم الخبير بما خلق يقسم به في قوله تعالى: (والتين
والزيتون وطور سيناء، والبلد الأمين) للتنويه بشأن الزيتون وبركته وعظيم
منفعته، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إشادة بنعمة الزيتون، (ائتدموا
بزيته وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة).
يقول الله تعالى في سورة المرسلات آية - 1 - 7:
(والمرسلات عرفا، فالعاصفات عصفا، والناشرات نشرا فالفارقات فرقا
فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا، إنما توعدون لواقع)
تفسير علماء الدين:
أقسم الله بالآيات المنزلة على لسان جبريل إلى النبي بالعرف والخير وبالآيات
القاهرات سائر الأديان الباطلة تنسفها نسفا، وبالآيات الناشرات للحكمة والهداية
في قلوب العالمين نشرا عظيما، وبالآيات الفارقات بين الحق والباطل فرقا واضحا
164

وبالآيات الملقيات على الناس تذكرة تنفعهم - إعذارا لهم أو إنذارا - فلا تكون
لهم حجة بأن الذي توعدونه من مجئ يوم القيامة لنازل حتما ولا ريب فيه.
النظرة العلمية:
يرى العلم بتفسير العصري أن هذه الآيات قد يكون فيها وصف واقعي
دقيق ينطبق على الطائرات الحربية الحديثة بمختلف حركاتها وبجميع أفعالها فهي
تعصف بقنابلها المدمرة وتترك الناس كالعصف المأكول، وفى أثناء قيامها بذلك
تنشر المنشورات وتلقيها على الجنود وعلى غيرهم في ميادين الحرب وعلى الأهالي
والسكان المدنيين للاخبار عما تريده الدولة المحاربة، وتفرق بصولتها الجبارة بين
الكتائب والفصائل والتجمعات فرقا بحيث لا يستقر تحتها شئ ولا يثبت أي
جمع بلى إنه بمجرد رؤيتها يتفرق الناس ويختفون في الكهوف والملاجئ
والمخابئ، فالملقيات ذكرا يعنى ما تذكره وما تقصده من أعمال في منشوراتها
عذرا تعتذر به عن إلقاء الدمار والتخريب على الأماكن البريئة كالمساجد والمعابد
والمستشفيات، أو نذرا أي إنذارا للأعداء ومطالبتهم بالخضوع والاذعان
والتسليم، وهذه النظرة العصرية قد يكون فيها فكرة عن امتداد معاني الآيات
إلى عصورنا والله سبحانه أعلم بمراده، وإنما هذه محاولة قد يكون فيها رأى صحيح
أو غير صحيح وقد أوردناها مثلا من الأمثلة التي تخطر لبعض المفكرين في عصرنا.
وقال تعالى في سورة يونس آية - 24:
(إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض
مما يأكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها
أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس
كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون)
165

تفسير علماء الدين:
ما حالة الحياة الدنيا في روعتها وبهجتها، ثم في فناتها بعد ذلك إلا كحالة
الماء ينزل من السماء فيختلط به نبات الأرض مما يأكله الناس والحيوان فيزدهر
ويثمر وتزدان به الأرض نضارة وبهجة حتى إذا بلغت الزينة تمامها، وأيقن
أهلها أنهم مالكون زمامها ومنتفعون بثمارها وخيراتها أمرنا بزوالها، فجعلناها
شيئا محصودا، كأن لم تكن آهلة بسكانها وآخذة بهجتها من قبل، ففي كلتا
الحالتين نضارة وازدهارا يبتهج الناس بها ثم يعقبهما زوال ودمار، وكما بين الله
ذلك بالأمثال الواضحة يبين الآيات ويفصل ما فيها من أحكام وآيات لقوم
يتفكرون ويعقلون).
النظرة العلمية:
تتجه بعض النظرات العلمية في هذه الآية الكريمة إلى تفسيرها تفسيرا
عصريا في ضوء ما جد في العالم من القنابل الذرية، ويقول هذا التفسير أن الكفار
والأشرار ممن سكنوا الدنيا وظنوا أنهم بما تيسر لهم من المخترعات الحديثة
قادرون على إصلاح الدنيا عمارتها، كما أنهم قادرون عليها هدما وتخريبا وأنه
لم يقو عندهم هذا الظن إلا بعد حصولهم على العلم الموصل إلى اختراع القنابل
الذرية، ويفهم من هذه الآية أن أصحاب هذه القنابل سوف يسلط بعضهم على
بعض فيتحاربون بها ويكون ذلك سببا في خراب الدنيا وجعلها حصيدا، وتحمل
هذه الآية في طياتها رأيا آخر علميا وهو أن الدمار عندما يصيب الأرض يوم
القيامة يجئ ليلا أو نهارا، والحقيقة أن الوقت واحد ولكنه يكون نهارا في
نصف الكرة الأرضية وليلا في النصف الآخر لان الأرض بموقعها أمام الشمس
يكون نصفها مضيئا أي نهارا ونصفها الآخر مظلما أي ليلا.
166

وقال تعالى في سورة النحل آية - 58
(وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم)
تفسير علماء الدين:
وهم إذا أخبر أحدهم بأنه ولدت له أنثى صار وجهه مسودا من الحزن وهو
مملوء غيظا يكظمه.
النظرة العلمية:
لقد قررت الأبحاث الطبية والنفسية أن الوجه مرآة النفس وذلك لان شكل
الوجه يتوقف على الحالة التي تكون عليها العضلات التي تتحرك داخل الدهن
تحت الجلد، وتتوقف حركتها على حالة أفكارنا وانفعالاتها فالغيظ المكظوم
يظهر على الوجه فيحتقن ويظهر محمرا أولا، وإذا اشتد كظم الغيظ وطال أمد
احتقان الوجه يبدو مسودا وهو ما يشاهد فعلا.
وقال تعالى في سورة يس آية - 68:
(ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون؟)
تفسير علماء الدين:
ومن نطل عمره نرده من القوة إلى الضعف، أفلا يعقلون قدرتنا على ذلك
ليعلموا أن الدنيا دار فناء وأن الآخرة هي دار البقاء؟!
النظرة العلمية:
لقد قرر العلم أن طول العمر يؤدى إلى الشيخوخة وأن الشيخوخة مرحلة
من مراحل الضعف الذي ينتاب الكائن البشرى فتؤدى به إلى ضعف قواه وإلى
167

ضمور عضلاته وإلى انخفاض مستوى قدرات أعضائه وكفاءتها الوظيفية،
وقد عبر القرآن بكلمة نكس، وهي في معناها تدل على إطالة العمر إلى حد أن
يبلغ الانسان أرذله وتعود حالته إلى حالة الطفولة في الضعف والعجز، وفى نظر
العلم والعلماء أن حياة الانسان تأخذ ثلاث مراحل هي: النمو والنضج ثم الضمور
الذي من أهم أسبابه الشيخوخة لزيادة قوى الهدم للجسم على قوة بنائه، وذلك
لان خلايا الجسم كلها في تغير مستمر، وكذلك خلايا الدم ما عدا خلايا المخ
والنخاع فإنها لا تتغير مدى الحياة، فإذا كانت نسبة تجدد الخلايا كنسبة هلاكها
لا تظهر أعراض الضعف، أما إذا ازدادت نسبة هلاك الخلايا على تجددها في أي
عضو ظهر ضمور هذا العضو، وعلى ذلك فكلما تقدم السن تضاءلت نسبة
التجدد وظهر الضمور العام الذي هو فترة الضعف الأخيرة التي تشكل نهاية
حياة الانسان وخاتمه مطافه في دنياه، وقد أكد القرآن هذه الحالة في قوله تعالى:
هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم
لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل) (سورة غافر)
وقوله تعالى:
(الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل
من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) (سورة الروم)
وقوله تعالى:
والله خلقكم ثم يتوفاكم، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم
بعد علم شيئا إن الله عليم قدير) (سورة النحل)
168

خلاصة البيان في ثبوت الاعجاز العلمي للقرآن
إن خير ما نختم به هذا الكتاب هو التأكيد بأن إعجاز القرآن سواء
من ناحيته البيانية أو العلمية هو حقيقة كبرى واضحة وضوح الشمس في رابعة
النار، ويتجلي وضوحها لكل من درس علوم القرآن دراسة صحيحة، واستطاع
أن يزداد علما بما وصل إليه العلماء المتخصصون في مباحث العلوم الطبيعية من
فلك وكيمياء وطب ورياضة وهندسة، أو تزود من العلوم الاجتماعية والنفسية
والكونية بقسط وافر لوجد في القرآن الكريم ثروة من العلوم والمعارف
وكنزا من القوانين والنواميس التي أودعها الله في الكائنات والمخلوقات،
وهي السنن الكونية التي وصفها الله بقوله تعالى: (فلن تجد لسنة الله تبديلا،
ولن تجد لسنة الله تحويلا).
وهذه السنن والقوانين التي أوجدها الله في ملكوته بحكمته، وأجراها بتدبيره
قد استطاع الانسان المفكر أن يهتدى إلى بعض منها بتوفيق من الله، وظهر
له ما فيها من التوافق والتطابق بين ما وصل إليه من معلومات وما في الكون
من حقائق ثابتة فدل ذلك على إعجاز القرآن العلمي، ومعلوم أن القرآن نزل على
محمد رسول الله ليكون قبل كل شئ كتاب هداية للناس جميعا، وأنه في جملته
وتفصيله دعوة حق تهدى إلى عبادة الله وحده وترك ما يعبد الناس من الطواغيت
والأصنام والأوثان والايمان الوثيق بالله وكتبه ورسله وبالغيب وبالقضاء خيره
وشره، وأنه إلى جانب ما يدعو إليه من التقى ومكارم الأخلاق فإنه يحض
على النظر والتأمل والتدبر فيما خلق الله في الأرض وفى السماء من بدائع الكائنات
وروائع المخلوقات الدالة على جلال صانعها والشاهدة على قدرته وحكمته.
169

وقد شاءت إرادة الله العليم الخبير أن يودع في القرآن كنزا ثمينا من العلوم
القيمة المتعلقة بأمور الدين والدنيا، وقد عرض سبحانه هذه العلوم القرآنية في
كتابه المقدس بصورة تخالف تمام المخالفة ما عليه كتب البشر القائمة على عرض
مادتها بأسلوب المقدمات والتجارب والبراهين والنتائج بل جاء على نسق فريد
من البيان المعجز الذي يسوق روائع المعاني ودقائق العلوم والمعارف خلال
ما يلقيه من الحكم والمواعظ، وما يبديه من الترغيب والترهيب وما يبينه من
الأوامر والنواهي والاحكام والشرائع وما يعرضه من العبر في ثنايا القصص والأمثال
فصار بذلك كتابا مقدسا حافلا بكل رائع من الآيات لفظا ومعنى وحقيقة
وشريعة، فلا عجب أن يكون المعجزة الآلهية الخالدة، التي تدل على أن الاسلام
هو دين الله الحق، وأنه المنهج الرباني الصالح لكل زمان ومكان
وقد وصف الله في هذا القرآن كل ما أبدعه من مخلوقاته وصف العليم الخبير
بأسرارها وأحوالها ومقوماتها بعبارات وإشارات ودلالات كانت وقت نزولها
في عصر النبوة فوق إدراك عقول عامة الناس لتفشي البداوة والجهل في ذلك
الحين، ولكنها كانت مفهومة فهما دينيا رائقا في قلوب الذين آمنوا إيمانا
خالصا، وكانت روح الايمان تضئ أرواحهم فيرون آيات الله وبهائها في
نفوسهم ساطعة الرواء.
وتؤكد السيرة النبوية أن محمدا صلوات الله وسلامه عليه كان نبيا أميا
لا يقرأ ولا يكتب، وأنه عاش في صباه راعى غنم وفى شبابه مزاولا للتجارة وبعد
زواجه اشتغل في مال زوجته بالتجارة، ولم يكن له أي؟ شاط في تحصيل العلم
أو الاجتماع بأهل الكتاب لتلقى علومهم، ولذلك يتسأل الناس: من أين لمحمد
النبي الأمي هذا العلم الرباني الغزير؟ ومن أين له كل هذه الفيوضات من بحار
170

العلوم الإلهية والكونية التي هي فوق مدارك البسر في زمان نزولها؟،
إنها ولا شك من عند الله الذي أوحاها إليه في كتابه المبين، وما ألهمه إياها
لبيان رسالة الدين الاسلامي الحنيف لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق
عن الهوى.
ولما انتشر الاسلام وعم نوره شيئا فشيئا تقدمت العلوم بتأثيره خلال
العصور التالية التي أخذ العلماء والفقهاء فيها يدوسون القرآن دراسة مستفيضة
ويتوسعون في فهم معانيه وأسراره ومقاصده، وقد ساعدهم على تلك الدراسة
ما ابتكره المفكرون من وسائل وأجهزة ومختبرات، وما قدمه الامراء المسلمون
والحكام المستنيرون من تأييد وتشجيع للعلماء لاحياء دولة العلم حتى استطاعوا بفضل
جدهم واجتهادهم أن يضعوا أسس العلوم والمعارف التي قامت عليها الحضارة
الاسلامية الزاهرة، وقد مكنت كشوف علماء المسلمين الناس أن يعرفوا
ما في الكون من كائنات لها مقوماتها وقوانينها وعناصرها ذات المزايا
والخصائص والسنن التي تحكمها، وفى ضوء هذه الكشوف العلمية المادية ظهرت
آيات الاعجاز العلمي في القرآن واضحة جلية مع ما ظهر فيه من إعجازات
أخرى كثيرة فيه من أبرزها إعجازه التشريعي.
لقد بدأنا الباب الثالث من هذا الكتاب بلمحة عن كوكبنا الأرضي
وما يحيط به من سماء ونجوم وكواكب، وأشربا إلى أن هذا الكوكب كان في
وقت من الأوقات قطعة من جرم الشمس انفصلت عنها، وفى خلال مرور ملايين
السنين بعد الانفصال أخذت تبرد وتغمرها المياه التي تكونت من الغازات المنتشرة
حولها وصارت بذلك صالحة لقيام الحياة بها للنبات والحيوان والانسان
وقد برهن على ذلك علماء الفلك قديما بفضل اجتهادهم ومثابرتهم على المشاهدة
171

والملاحظة الدقيقة والاستنتاج مما يرونه ويدركونه من ظاهرات الكون حولهم
وتكرار حدوثها باستمرار وانتظام.
وبعد ذلك بقرون عديدة جاءت دولة العلم الحديئة بإمكانياتها الهائلة
واختراعاتها المدهشة لتؤكد للعالم بأدلة مادية محسوسة على صحة بعض ما قرره
العلماء والفلاسفة القدماء وذلك بعد ما تمكن العلم بوسائله المبتكرة من الوصول
إلى القمر والمريخ في رحلات الفضاء التي تحدث وتتكرر على مرأى ومسمع من
أهل عصرنا، وأتى رواد الفضاء بالدليل القاطع على أن القمر جزء من الأرض
وأن الأرض جزء من الشمس بما أحضروه من تراب القمر وصخوره التي فحصوها
وحللوها فوجدوها لا تختلف في مكوناتها وخصائصها عن تربة الأرض وصخورها
وأحوالها، كما وجدوا أنها متفقة في أعمارها التي تقدر بنحو خمسة بلايين
من السنين.
وقد أثبتت الأبحاث قديما وحديثا أن المجموعة الشمسية كانت كتلة واحدة،
وأن الشمس انفجرت تحت تأثير عوامل مختلفة وتناثرت أجزاء منها كانت
مختلفة الاحجام والأوزان وتباعدت هذه الاجزاء عن الشمس بمسافات تتناسب
مع أحجامها وأوزانها، واحتفظ كل منها بحركته حول نفسه وبدورته حول
الشمس في مداره الخاص ويدل على ذلك قول الله تعالى: (وكل في فلك يسبحون).
ويقرر العلم الحديث أن ملكوت الله العظيم والممتد بلا نهاية والمتسع
باستمرار فيه بلايين النجوم ذات الاقدار المختلفة حجما ولمعانا وكل واحد من
هذه النجوم يتفجر كما انفجرت شمسنا مكونة مجموعاتها من الكواكب الدائرة
حولها، وبهذه الانفجارات الكثيرة للنجوم يتسع نطاق ملك الله، ثم إن هذه
النجوم كانت أجزاء من سدم هائلة هي السحب الكونية التي كانت متصلة ثم انفصل
172

بعضها عن بعض بسبب هذه الانفجارات التي حدثت بصورة دقيقة ومحكمة وتركت
ما تناثر منها في حركة منتظمة بلا خلل ولا تصادم بينها، وهذا مصداق قوله
تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) سورة الذاريات آية - 47.
والحقائق الثابتة والمشاهدة بأجهزتنا الدقيقة في الصور الفوتغرافية العديدة
التي حصلنا عليها تدلنا دلالة واضحة على أن جميع ما في الكون الشاسع من حجم
الذرة إلى حجم أكبر النجوم لا تتحرك أو تدور أو تسبح في أفلاكها إلا بحكمة
فائقة وتقدير منتاه في الدقة حيث لا شئ مطلقا في ملك الله يتحرك حركة عشوائية
لأنه سبحانه قدر كل شئ تقديرا وأحكمه إحكاما.
وإليك هاتين الآيتين لزيادة التأكيد على الاعجاز العلمي للقرآن: الأولى قوله
تعالى في سورة الحجر آية 14 - 16: (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا
فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ولقد جعلنا في
في السماء بروجا وزيناها للناظرين) وتبين هذه الآية أن الله سبحانه يخبرنا بدليل
علمي أن أهل مكة ما كانوا يؤمنون حتى لو تحقق لهم ما يطالبون به من دلائل
مادية محسوسة يرونها إذا ما فتح الله لهم بابا يدخلون منه إلى أقطار السماوات
ليجولوا في أرجائها ليروا ما كان يبدو لهم من جمال الأنوار وبهجة الألوان
وقت الشفق والغسق فلا يرون وقتها إلا ظلاما دامسا خاليا من زينة الكواكب
كما يرى رواد الفضاء الظلام المطبق في رحلاتهم لان الشمس لا تظهر أنوارها إلا بوجود
ذرات التراب وذرات بخار الماء في الجو المحيط بنا لتعكس أنوارها وهذه الذرات غير
موجودة في الفضاء الخارجي ولذلك يقولون إمعانا في التكذيب لقد سحرنا محمد
وسكر أبصارنا فعميت بهذا السحر عن رؤية ما كنا نراه من قبل من زينة الكواكب.
والآية الثانية قوله تعالى في سورة النور آية - 43:
173

(ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما، وترى الودق
يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء
ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار) وتشير هذه الآية إلى السحب
الركامية التي تسوقها الرياح وتجعلها متراكمة فوق بعضها وينزل منها المطر ويتكون
فيها البرد كالحصى الذي يتساقط مع المطر الغزير كالجبال فينفع بعض الناس
ويضر بآخرين، وفى هذه السحب تتكون شحنات كهربائية سالبة وموجبة
ينشأ عن احتكاكها الرعد والبرق الذي يذهب شدة ضوءه بالابصار، وهذه
كلها حقائق أثبتها العلم الحديث ولم تكن معروفة من قبل، والخلاصة أن دولة
العلم كلما ازدادت اتساعا ورسوخا كلما ازدادت أسرار القرآن وعلومه وآياته تألقا
وتوهجا وذلك مصداق قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى
يتبين لهم أنه الحق) سورة فصلت آية - 53
ونختم هذا الكتاب بقول: (لا إله إلا الله) لأنها كلمة التوحيد التي نمت
وأورقت وأثمرت شجرة الايمان بالقرآن، ولهذا كانت فاتحة الكتاب هي تعريف
بالله وبالطريق الهادي إليه في إيجاز بليغ يلخص مضمون القرآن كله في سبع آيات
تشمل الحمد لله وطلب الهداية والنعم والحفظ من الضلال والمضلين، فاجعل اللهم
القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور بصائرنا وطريق سعينا إليك بالعمل بما فيه آمين.
[تم بحمد الله]
174