الكتاب: نهاية النهاية
المؤلف: المولى محمد كاظم الخراساني
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٢٩
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

نهاية النهاية الجز الأول
على يد مصنفه علي بن المرحوم
الشيخ عبد الحسين الغروي الإيرواني في المشهد المقدس الغري غرة
شهر جمادى الثانية من شهور سنة الف وثلاثمائة وخمس وأربعين
1345 هجرية
1

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
إلى
قيام يوم الدين (وبعد) فهذا ما سنح بالخاطر وجادت به الفاكرة من
المباني الأصولية أبان تدريسها على ما نضدها شيخنا الأستاذ
الأعظم ملاذ المجتهدين وآية الله في العالمين المولى محمد كاظم
الخراساني (قده) علقتها على كتابه كفاية الأصول الذي أصبح اليوم
منتجع العلم ومحور الدراسة فجأ ما استفدناه من دروسه العالية
مشفوعا بما خطر بالبال حول أبحاثه فعسى أن تكون تبصرة لغيري
كما انها تذكرة لي وان تعود ذخرا ليوم فاقتي
في موضوع العلم
قوله (قده) ان موضوع كل علم
اعلم أنه لا وجه لتقييد موضوع العلم بما يبحث فيه عن عوارضه
الذاتية كما هو المعروف عند أهل الفن (وذلك) لان موضوع العلم انما
هو
الامر الجامع المنتزع من جزئيات موضوعات مسائله أعني بها القضايا
الجزئية المبحوث عنها في العلم (ومن الواضح) عدم اختصاص
موضوعها بما يكون المحمول فيها عرضا ذاتيا له لامكان كونه من
العوارض الغريبة إذا تعلق غرض المدون في مثل هذه القضايا
بالبحث عن حيثية لحوقها لذي الواسطة ولم يمكن تصوير الجامع بين
الواسطة وسائر موضوعات المسائل ليكون هو الموضوع للعلم
كي يترتب عليه كون جميع المحمولات من العوارض الذاتية (فاتضح)
انه لا يختص البحث في العلوم بالبحث عن العوارض الذاتية
للموضوع (وإن كان) لتوهم إرجاع البحث في مثل تلك القضايا إلى
البحث عن الوسائط (وجه) فيما إذا أمكن تصوير الجامع بينها وبين
سائر الموضوعات التي تكون محمولاتها عوارض ذاتية لها (وملخص
الكلام) ان البحث في القضايا التي تكون محمولاتها عوارض
غريبة بحث عن العوارض الغريبة حقيقة إذا كان غرض المدون متعلقا
بالبحث عن حيثية لحوقها لذي الواسطة
قوله جمعها اشتركها
بل المدار في وحدة العلم مع تشتت مسائله
2

على اعتبار المعتبر ولحاظه المجموع أمرا واحدا فيقتطع المقنن للفن
طائفة من القضايا والابحاث لقيام غرضه الشخصي بمجموعها
فيجعلها علما واحدا (فالوحدة) أذن تكون اعتبارية كوحدة العشرة (و
اما) وحدة الغرض فهي المصححة لذلك الاعتبار (وعليه) فللمقنن
ان يعتبر مجموع علمين علما واحدا (أو) يعتبر العلم الواحد علمين
فيما إذا كان هناك غرضان يقوم كل منهما بشطر من ذلك العلم مع
فرض اندراجهما تحت غرض واحد عام (ولولا) حديث الاعتبار لم
ينضبط الامر بما ذكره (قده) من جعل المعيار وحدة الغرض فان كل
باب من أبواب علم واحد يلزم ان يكون بمقتضى هذا الضابط علما
واحدا لاشتراك قضاياه في تحصيل الغرض من تدوين ذلك الباب
(بيان ذلك) ان كل باب من كل علم يشتمل على مسائل تشترك في
ترتب غرض واحد عليها (كما أنه) يشترك مع باب آخر في ترتب
غرض واحد جامع على كل منهما (وكذا الحال) في مسائل بعض
العلوم بالإضافة إلى مسائل علم اخر (فان هناك) غرضا واحدا مترتبا
على مسائل علم دون آخر (كما أن) هناك غرضا جامعا يترتب على
مسائل كل من العلمين (مثلا) حفظ اللسان عن الخطأ في المقال غرض
مترتب على خصوص مسائل علم النحو (كما أن) صيانة الفكر عن
الخطأ غرض مترتب على خصوص علم المنطق (فالحفظ) عن
الخطأ
بنحو
الاطلاق غرض جامع بينهما (فإن كان) الاعتبار في وحدة العلم
بالاغراض الجزئية (فاللازم) جعل كل باب علما على حدة (وإن كان)
الاعتبار فيه بالغرض الجامع الكلي (فاللازم) جعل علمي النحو و
المنطق مثلا علما واحدا (بل لازم) ذلك جعل جميع العلوم واحدا
(لان)
كمال النفس غرض جامع بين جميع أغراض العلوم (فجعل) الاعتبار
بالاغراض المتوسطة بين الأغراض المترتبة على الأبواب والغرض
الكلي المترتب على مسائل علمين بل أكثر (بلا موجب ومرجح) فلا
مناص من الالتزام بما ذكرناه من كون ملاك الوحدة هو اعتبار
المعتبر الناشئ عن غرضه الشخصي
قوله لا يكاد يصح لذلك
يريد بذلك ان مجرد تعدد الغرض لا يصحح تدوين علمين (وانما)
المدعى ان امتياز كل علمين لا بد من أن يكون بتعدد الغرض (لا انه)
كلما تعدد الغرض صح تدوين علمين (ويرد عليه) ان محل الكلام في
المقام في تعيين ما به يمتاز كل علم عن علم اخر (فلو كان) الملاك
في ذلك هو تعدد الغرض فقط كما في المتن (كان) اللازم صحة تدوين
علمين في مفروض
3

الكلام (كما أنه) لو كان هناك ملاك اخر (كان) اللازم ذكره أيضا والحق
عندي ان امتياز العلوم بامتياز الموضوع أو المحمول أو كليهما
لان العلم عبارة عن طائفة من القضايا ومعلوم ان امتياز قضيتين اما
بالموضوع أو بالمحمول أو بكليهما ومع اتحاد الطرفين كانت
القضية واحدة لا تعدد فيها (وعليه) فجملة من المسائل المترتب
عليها غرضان تكون علما واحدا لا علمين (نعم) يجوز ان يكون مسألة
واحدة أو أكثر من مسائل علمين وحينئذ يكون امتياز هما بامتياز
الموضوع أو المحمول أو كليهما في بقية مسائلهما (فصح ان يقال) ان
امتياز العلمين بامتياز الموضوع أو المحمول اما مطلقا أو في بعض
مسائلهما فيما إذا كان ذلك البعض مقدارا معتدا به (واما) إذا كان
ذلك البعض قليلا جدا (كان) تدوين علمين لغوا أو عبثا بل لا بد
حينئذ من تدوين علم واحد يبحث فيه عن المسائل المترتب عليها
الغرض
المشترك والمختص
قوله وقد انقدح بما ذكرنا
بل انقدح من جواب الاشكال المتقدم عكس ذلك وان المعيار في
تمايز العلوم ليس مجرد تعدد الغرض ومن الواضح انه ليس غير
الغرض شيئا اخر يصلح للميز أو الدخل فيه إلا اختلاف الموضوع أو
المحمول أو كليهما (واما ما ذكره قده) في بيان ضابط المسائل
فذلك أجنبي عن مقام امتياز العلوم المتعددة وراجع إلى بيان ضابط
وحدة علم واحد مع تكثر مسائله وتباينها ولا ملازمة بين الامرين
ليكون وحدة المتشتتات بوحدة الغرض مستلزمة لتعدد العلم بتعدده
(هذا) مع ما عرفت من فساد هذا الضابط هناك (واما) ما أفاده
(قده) من حسن تدوين علمين مع اشتراك مسائلهما في جملة من
القضايا (فهو) لا يكون جزافا بل يكشف ذلك عن تحقق ضابط التعدد
فيه
وعليه فالضابط شئ اخر وراء تعدد الغرض فلذلك حسن هناك
تدوين علمين ولم يحسن فيما اشتركت القضايا بأجمعها أو بأكثرها
قوله لا الموضوعات،
ينبغي ان يريد بالمنفي الجامع الصوري الموجود بين موضوعات
المسائل الذي حسبه القدماء موضوعا لا الجامع الذي التزم (قده) به
من
جهة كشف وحدة الغرض عنه وان لم يكن له اسم مخصوص إذ لا
يمكنه نفى التمايز بذلك الجامع بعد كشف وحدة الغرض عن وحدة
محصله في رتبة سابقة عليه وإذا لم يمكنه نفى دخل الموضوع في
التمايز على مبناه لا يمكنه حصر التمايز به أيضا (ووجهه) ان تلك
الوحدة السابقة رتبة اما ان يكون بالموضوع أو بالمحمول أو بكليهما
فلا ينحصر الميز بالموضوع
4

بعد فرض لا بدية الالتزام به على مبناه
قوله كما لا يكون وحدتهما
بل وحدتهما سبب لان يكون من الواحد كما هو المصرح به في
جواب الاشكال المتقدم
قوله لو كان المراد
الظاهر أن المراد بالسنة ليس ذوات هذه الأمور بما هي هي ليكون لفظ
السنة مساوقا للفظ القول والفعل والتقرير بل المراد بها هي
تلك الذوات بما هي حاكيات عن الأحكام الشرعية والقوانين الإلهية
أو نفس المحكيات بها ليكون إطلاقها على الحاكي من باب التوسع
كتوصيف الحاكي بالكلية والجزئية باعتبار المعنى فالبحث عن
عوارضها بما هي هي أعني البحث عن حكايتها وظهورها كمباحث
الألفاظ التي هي عمدة مباحث الأصول لا يكون بحثا عن عوارض
السنة ولو فرض كون السنة المبحوث عنها هي نفس قول المعصوم و
فعله وتقريره
قوله ليس بحثا عن عوارضه
حتى لو عممنا العوارض المبحوث عنها إلى العوارض في مقام التعقل
فان الوجود الخارجي الذي يقع البحث عنه ليس عارضا للماهية لا
عروضا خارجيا ولا عروضا عقليا والعروض العقلي مختص بالوجود
العقلي والبحث ليس فيه
قوله يكون مفاد كان الناقصة
بل لا يكون إلا مفاد كان التامة لأنه بحث عن ثبوت الحكم وثبوت
التعبد والتنزيل ولكن لا يعتبر في العلوم وقوع البحث عن مفاد
كان الناقصة بل عن العوارض ولو على سبيل مفاد كان التامة كالبحث
عن ثبوت قيام زيد في علم كان موضوعه زيد (ولكن الاشكال)
هو ان الحكم ليس من عوارض الخبر وانما هو إرادة قائمة بنفس
المولى (ولو سلم كونه من عوارض غير النفس (فهو) من عوارض فعل
المكلف وعمله المطابق للخبر لا عوارض الخبر الا على مسلك
المصنف (قده) في جعل الامارات من أنه جعل الحجية لا انشاء
الحكم (لكن
ذلك) خلاف ما فسر به الثبوت التعبدي هنا (نعم) لو ارجع البحث في
الثبوت التعبدي إلى البحث عن ثبوت خصوصية تكوينية في قول
العادل تدعو وتحرك المولى إلى الحكم بالعمل على طبقه (كان)
البحث بحثا عن العوارض (ومما ذكرنا) يظهر النظر في قوله (قده) بل
الخبر الحاكي وقوله (قده) واما إذا كان المراد من السنة ما يعم
حكايتها إلى اخر ما أفاده فتدبر
قوله لا يخص الأدلة
بل لا يمس الأدلة لما عرفت ان البحث عن الظهور ليس بحثا عن
أحوال السنة لان الظهور من عوارض ذات الأدلة والكواشف (والسنة)
عبارة عنها بما هي كواشف ان لم تكن عبارة عن نفس المستكشفات
(ومع الإغماض) عن ذلك فعدم الاختصاص لا ينافي كون
5

البحث بحثا عن العوارض الذاتية بالمعنى الذي فسرت به العوارض
الذاتية أعني به ما كان بلا واسطة في العروض لشمول ذلك للعارض
لأمر أعم يتحد مع الموضوع
قوله ويؤيد ذلك
يعنى عدم كون محل البحث في تلك المباحث أحوال خصوص
الأدلة بل ما يعم غيرها وإن كان الغرض معرفة خصوص أحوالها إذا
كان
الغرض هو الاستنباط (ووجه التأييد) في هذا التعريف هو عموم لفظ
القواعد الواقع فيه وشموله لكل ما كان محصلا لهذا الغرض من
غير اختصاص بما كان من أحوال خصوص الأدلة (ولكن) يمكن ان
يقال إن الدخيل في ترتب هذا الغرض أعني به الاستنباط ليس الا
معرفة أحوال الأدلة فالباحث بهذا الغرض ليس له ان يبحث إلا عما
يحصل غرضه دون ان يتخطى عنه بتعميم عنوان بحثه إلى مالا دخل
له في حصول غرضه (ويحتمل) ان يكون المشار إليه بذلك هو ما
تقدم في صدر الكلام من كون موضوع علم الأصول هو الكلي المنطبق
على موضوعات مسائله دون خصوص الأدلة الأربعة ووجه التأييد هو
ما ذكرناه بعينه
قوله وإن كان الأولى تعريفه
وذلك أن الأصول ليس هو العلم بمعنى الادراك بل العلم بمعنى
الصناعة والفن والقواعد المدونة المرتبة بترتيب خاص وطرز
مخصوص (واما) العلم بتلك القواعد فهو علم بالأصول لا انه بنفسه
هو الأصول (نعم) يرد على تعريف المصنف (قده) ان ترك قيد
الممهدة يوجب دخول جميع العلوم المتوقف عليها الاستنباط في
الأصول كما أن إضافة ما ينتهى إليه المجتهد في مقام العمل يوجب
دخول جميع القواعد الفقهية بل الاحكام الفرعية الجزئية فيه (الا ان)
يقيد ذلك بما ينتهى إليه بعد اليأس عن الظفر بالوظيفة الشرعية فلا
يشمل حينئذ ما يؤخذ من الشارع وعليه فتخرج الأصول العملية
الشرعية أيضا ولا يبقى تحت القيد الا الأصول العملية العقلية والظن
على
الحكومة
مبحث الوضع
قوله الوضع هو نحو اختصاص
أقول دلالة اللفظ على المعنى هل هي ذاتية قديمة أم جعلية حادثة اما
بجعل من الله تعالى أو بجعل من غيره فيه أقوال (والحق) انها ذاتية و
جعلية جميعا يعنى ان أصل الدلالة والإشارة باللفظ إلى المعنى ذاتية
وكون هذه الإشارة إلى معنى خاص من بين سائر المعاني جعلية
وضعية فاصل
6

ثبوت صفة الدلالة للفظ ليست بالجعل وانما المجعول دلالته على
المعنى الخاص (بيانه) ان الإشارة باللفظ إلى نوع لفظه وكذلك إلى
صنفه ومثله إشارة ودلالة ذاتية وليست بجعل جاعل واعتبار معتبر و
لذلك تكون هي موجودة في المهملات أيضا (ثم) العلة الموجبة
لصرف دلالة اللفظ إلى معنى خاص من بين سائر المعاني انما هو
التنزيل وادعاء العينية والهوهوية بين لفظ خاص متخصص بمادته و
هيئته وبين ذلك المعنى وبعد هذا التنزيل يصبح اللفظ آلة إشارة إلى
المعنى يشار به إليه كما كان من قبل يشار به إلى نفس اللفظ و
هذا التنزيل والادعاء يسمى بالوضع ولا معنى للوضع سواه كما أنه لا
يترتب الغرض من الوضع وهو فتح باب الدلالة الا عليه (وأنت) لا
تستغرب هذا الادعاء فان الادعاء باب واسع وهي محور علم البيان و
هي خفيفة المئونة هينة الامر فمع ترتب غرض عليها لا سيما مثل
هذا الغرض المهم كانت معتبرة عند العقلا (وممن) أطال الكلام في
بيان حقيقة الوضع ونسج نسجا معجبا ومع ذلك لم يأت بشي ينتج
الأثر المقصود من وضع الألفاظ هو المحقق النحرير الملا علي
النهاوندي قدس سره فإنه ذهب إلى أن الوضع هو التعهد والبناء بعدم
ذكر اللفظ إلا عند إرادة تفهيم المعنى وأوضحه بما لا مزيد عليه (قال)
بعد مقدمات ذكرها ما حاصله ان الغرض من الوضع بالبداهة هو
حصول التفهيم والتفهيم وذلك إلجاء إلى الوضع حيث إنه
أسهل طرق التفهيم والتفهم إلى أن قال وما ذكرناه من الواضحات و
انما هو توطئة لبيان حقيقة الوضع وهي ليست الا تعهد الواضع
لغيره بان لا يتكلم باللفظ الفلاني إلا عند إرادة تفهيم المعنى الفلاني
إلى أن قال فلنا مقامان الأول ان الغرض من الوضع وثمرته يترتب
على التعهد المذكور (وبيانه) ان غير الواضع إذا علم منه ذلك التعهد
ينكشف لهذا الغير عند تلفظ الواضع باللفظ المخصوص انه أراد
تفهيم معناه لان التعهد المذكور سبب لعدم انفكاك اللفظ عن إرادة
تفهيم المعنى وهو عين الملازمة بين اللفظ والإرادة المذكورة ولا
ريب في دلالة أحد المتلازمين على صاحبه فالتعهد المذكور سبب
لتحقق الملازمة ووجود أحد المتلازمين والعلم به سبب للعلم بالآخر
إلى اخر ما ذكره (وعلى ما أفاده) (قده) يكون معنى جملة زيد قائم
إرادات ثلث إرادة إحضار صورة زيد وإرادة إحضار صورة قائم و
إرادة إحضار صورة النسبة وهو بمعزل عن مفاد تلك الجملة لان
المستفاد منها هو ثبوت القيام لزيد وعليه فلا يترتب الغرض من
الوضع على ما ذكره (قده)
7

من التعهد فتدبر
قوله ناش من تخصيصه به تارة
الانفعال لا ينشأ من الفعل فان حقيقتهما واحدة والتفاوت بالاعتبار و
الوضع أبدا هو التخصيص ودعوى العينية والهوهوية بين اللفظ و
المعنى وليس مما يحصل قهرا ويتعين قسرا بسبب كثرة الاستعمال
من غير قصد التعيين بل كثرة الاستعمال كاشفة عن تعيين
المستعمل اللفظ بإزاء المعنى ككشف قول وضعت عنه بل ربما يكون
استعمال واحد كاشفا عن ذلك وسيأتي بيانه في مبحث الحقيقة
الشرعية فدعوى التعين القهري بعد إن كان الوضع من مقولة التنزيل و
الادعاء غير معقولة (اللهم) الا ان يفسر الوضع بغير ما ذكرناه و
بغير التعهد ليكون أمرا خارجيا يعقل فيه التحصل القهري ولكنا لم
نتعقله ولم نتصور لأنس اللفظ بالمعنى وعلقته معه معنى متحصلا (و
الحاصل) ان الاستعمال وان بلغ ما بلغ لا يؤثر بوجوده الخارجي في
حصول التعين والوضع القهري ما لم يكشف عن جعل المستعمل و
التزامه
قوله ولافراده ومصاديقه أخرى
قد عرفت ان الوضع أمر نفساني وتنزيل بين أمرين فيحتاج إلى حضور
طرفيه في النفس فما وجد في النفس من المعنى صح ان يكون
طرفا لذلك التنزيل وما لم يوجد لم يصح (وعليه) فالوضع و
الموضوع له يتوافقان في العموم والخصوص ولا يختلفان أبدا فقوله
(قده) ولافراده ان أراد به مفهوم الفرد فذاك أيضا عنوان عام متصور و
ان أراد به مصداقه اتجه عليه انه كيف يعقل تعلق الوضع الذي هو
ضرب من الحكم بما لم يتصور
قوله ومعرفة وجه الشئ معرفته بوجه
ان أراد أن الوضع يكون لهذا الوجه المعروف فالموضوع له يكون عاما
كالوضع وان إراداته لذي الوجه الذي هو غير معروف أعني به
ذوات المصاديق فالوضع لغير المعروف عندنا غير معروف ولا فرق
بين غير المعروف بالنحو المزبور وغير المعروف رأسا بعد
فرض توجه الوضع إلى الجهة غير المعروفة (وبالجملة) ما لا يدخل
تحت التصور لا يدخل تحت الوضع فأقسام الوضع لا تتجاوز الاثنين
كما حكى عن القدماء.
في معاني الحروف
قوله توهم انه وضع الحروف
ينبغي قبل الدخول في محل البحث التنبيه على أمور (الأول) ان
الروابط والنسب الخارجية التي ليس بحذائها شئ في الخارج ولا
وجود
8

لها الا بوجود طرفيها كالرابطة التي بين السير والبصرة وكالتي بينه و
بين الكوفة في قولنا سرت من البصرة إلى الكوفة وكالتي بين
زيد والسطح في قولنا زيد على السطح وبينه وبين المسجد في قولنا
زيد في المسجد إلى غير ذلك من أطوار الروابط وأنحاء العلائق
(قد توجد) في النفس تبعا لوجود الأطراف كطور وجودها في الخارج
وذلك كما إذا توجهت النفس إلى الأطراف بما لها من الربط
الخاص والعلاقة المخصوصة كتصور زيد على شكله المخصوص من
كونه في الدار أو كونه على السطح فان الظرفية في الأول والربط
الاستعلائي في الثاني موجودان في النفس لكن لا على وجه الالتفات
التفصيلي من النفس إليهما بل تبعا للالتفات إلى الأطراف على
شكلها الخاص وربطها المخصوص (وقد توجد) في النفس استقلالا
على خلاف طورها في الخارج وذلك كما إذا توجهت النفس توجها
استقلاليا إلى نفس تلك الرابطة وتصورت نفس تلك العلاقة (لا أقول)
تتجرد العلاقة عن المتعلق في أفق النفس فان تصور تلك العلائق
التي هي أطوار المتعلقات بدون تصور المتعلقات غير معقول (بل
أقول) التوجه بالاستقلال هنا يكون إلى الروابط ابتدأ والتوجه إلى
المتعلقات يكون بالتبع وبما هي قيد الروابط على عكس السابق
(الثاني) ان هذه الروابط انما تتصف بالجزئية والكلية بتبع جزئية
متعلقاتها أو كليتها ولا تتصف بشي منهما في حد ذاتها
فالربط المتصور بين زيد والدار المشخصة في الخارج شخص من
الظرفية لا يصدق على غيره من الروابط الظرفية والربط المتصور
بين الانسان والدار الكليين كلي قابل للصدق على الروابط الخاصة
أعني بها اشخاص الروابط الكائنة بين كل فرد من افراد الانسان و
فرد من افراد الدار (الثالث) ان الروابط كما تكون جزئية بتبع جزئية
المتعلقات الخاصة الخارجية كما في المثال المتقدم كذلك تكون
جزئية بتبع جزئية المتعلقات الذهنية من غير فرق في ذلك بين
لحاظها تبعا كما إذا لوحظ زيد والسطح الشخصي على الهيئة الخاصة
الاستعلائية أو لوحظ الانسان والسطح كذلك وبين لحاظها استقلالا
كما إذا لوحظت الظرفية التي ذكرنا ان لحاظها لا ينفك عن
ظرفية شئ لشئ فان هذه الظرفية المتصورة جزئية ما لم يجرد
بتحليل من العقل عن شخص وجودها الخاص وإن كانت هي في عين
تجريدها محلاة بذلك الوجود الجزئي الخاص الحاصل في الأطراف
المخصوصة والصور النفسانية الملحوظة كالانسان والدار فيما إذا
لوحظت ظرفية الدار للانسان فان هذه الظرفية
9

المتصورة أعني بها الظرفية المتصورة بين الانسان والدار الملحوظين
جزئي من جزئيات مفهوم الظرفية وكل منهما ومنها باعتبار
شخص تصوره جزئي حقيقي لا يصدق الا على شخص نفسه فلو
أردت ان تصف هذه الظرفية بالكلية فلا بد لك من تجريد الطرفين عن
شخص وجودهما النفساني كما لا بد لك من تجريد الظرفية المتصورة
عن شخص تصورها الفعلي وتصفها (ح) بالكلية فتكون عبارة
عن كلي ظرفية الدار للانسان القابلة للصدق على آحادها القائمة كل
منها بفرد من افراد الدار وفرد من افراد الانسان (الرابع) ان
الملحوظ باللحاظ التبعي الفنائي الذي يكون غير ملتفت إليه باستقلاله
وحاصلا في الذهن بتبع حصول ما هو ملحوظ بالاستقلال لا
يكون موردا للوضع ولا موردا للاستعمال (وذلك) لان الوضع و
الاستعمال ضربان للحكم ولا يتوجه الحكم من النفس إلى ما لم
تتوجه
إليه النفس توجها تاما استقلاليا فان التوجه التبعي بما انه في حكم
عدم التوجه لا يصحح الوضع ولا الاستعمال لا لشخص نفسه
المتصور
بما هو كذلك ولا لذات المتصور الملغى عنها شخص هذا التصور (إذا
عرفت ما ذكرناه فنقول) التحقيق ان الحروف لا وضع لها أصلا و
انما الوضع للهيئات التركيبية الدالة على أنحاء الروابط الخاصة (و
توضيح ذلك) انه إذا كان للحروف وضع فاما أن تكون موضوعة بإزاء
مفاهيم النسب المستقلة في اللحاظ أو تكون موضوعة بإزاء الروابط
الخاصة بما هي روابط غير
المستقلة في اللحاظ وكل منهما لا يجدى في تفهيم المراد من الكلام
(مضافا) إلى أن الثاني غير معقول في نفسه (بيان ذلك) ان الوضع ان
تعلق بمفاهيم النسب المستقلة باللحاظ لم يتم بذلك الكلام بل احتاج
إلى رابط يربطه (مضافا) إلى أن المفهوم الذي لا ربط له في ذاته لا
يعقل ان يرتبط وانما المرتبط مرتبط من أول يومه وأخذ الربط في متن
ذاته باشتمال مفهومه على ذات ونسبة فكان معناه معنى جمليا
ولو بالانحلال وان تعلق بالروابط بما هي روابط لزم ذلك أيضا لان
المفاهيم المتعددة إذا انضمت وتراكمت لم يتحصل منها المعنى
الجملي بل كان هناك مفاهيم متعددة متباينة فالوضع بإزاء المواد
الثلاثة البسيطة لا يكاد يجدى في تحصل الغرض من الوضع ولا
تتألف
منها الجملة (هذا مضافا) إلى ما عرفت من أن الروابط بما هي كذلك
غير قابلة للحكم عليها وبما ان الوضع ضرب من الحكم لا يعقل تعلق
الوضع بها وعليه فلا بد في إفادة المعاني الجملية من تعلق الأوضاع
بمفاهيم هي ذوات ربط في نفسها ليكون الربط مأخوذا في بطن
أنفسها فان المعنى الجملي هو كذلك بمعنى
10

انه مفهوم بسيط ينحل إلى أمور متعددة من جملتها الربط فلم يكن
حينئذ بد من إنكار الوضع للحروف والالتزام بالوضع للمركبات
وضعا نوعيا غير الوضع المتعلق بموادها (وظني) ان حسبان الوضع
للحروف ناشئ مما يرى من حصول الاختلاف في المعنى باختلافها
فيظن استناد ذلك إلى معنى الحروف غفلة عن أن ذلك غير معقول و
مع ذلك فهو غير مجد وعن ان الاختلاف المذكور ناشئ من
اختلاف أوضاع المركبات بهيئاتها المتولدة من تخلل الحروف بلا
وضع متعلق برقاب الحروف ولعل هذا معنى قوله عليه السلام و
الحرف ما أوجد معنى في غيره يعنى أوجد معنى في متعلقاته بإيجاده
هيئة خاصة فيها كان لها بتلك الهيئات وضع يخصها وبما ذكرناه
يظهر بطلان القول بجزئية المعاني الحرفية سوأ أريد بها الجزئية
الخارجية أم الجزئية الذهنية (إذا عرفت ما حققناه) فلنعطف الكلام
إلى النسب الخبرية ومفاد الجمل التامة سوأ أفيدت بهيئة الكلام كما
في زيد قائم أم بالأدوات والحروف كما في زيد في الدار (فنقول)
ان الجمل التامة حاكية عن ثبوت النسبة ولا ثبوتها في أية وعاء كانت
من ذهن أو خارج أو نفس أمر وهذه الحكاية لا تكون الا بتنزيل
هيئة الجملة منزلة وجود النسبة أولا وجودها فتكون هيئة زيد قائم
عبارة عن ثبوت القيام لزيد في الخارج فحمل قائم على زيد هو عين
صدور القيام من زيد في الخارج
ادعاء فكأنما قام زيد ومن أجل ذلك تحكى هذه الجملة عن ذلك ولا
تحكى جملة قيام زيد عن ثبوت القيام لزيد مع وضعها أيضا للذات
المنتسب والسر في ذلك ان هذه للذات المنتسب خارجا وتلك
للمفهوم المقيد بمفهوم اخر الذي هو مفهوم ثالث
قوله حيث إنه لا يكاد
هذا تعليل لكونه جزئيا ذهنيا وحاصل ذلك أنه بعد ان بطل احتمال
الجزئية الخارجية تعين كونه جزئيا ذهنيا إذ لا يحتمل وضعه بإزاء
مفاهيم الروابط الموجودة في الذهن على وجه الاستقلال والا لم يكن
المعنى حرفيا موجودا في الغير ومن خصوصياته القائمة به فلا بد
من الاحتفاظ به وذلك يلازم الجزئية اما خارجا أو ذهنا فإذا بطل الأول
تعين الثاني
قوله فلا بد من لحاظ اخر متعلق
لا محذور في ذلك بل لا بد من هذا اللحاظ فان اللحاظ الآلي لا يكاد
يصح معه الاستعمال كما لا يصح معه الوضع لما عرفت من أن الوضع
والاستعمال نحوان من أنحاء الحكم ولا يكون ذلك مع عدم التوجه
الاستقلالي نحو الموضوع ومجرد وجود الموضوع في النفس بأي
نحو كان لا يصحح الحكم كما هو واضح فالمستعمل أو الواضع
11

لا بد له بعد لحاظ الشئ بنحو الربط والالية من لحاظه على سبيل
الاستقلال ليصح منه الوضع والاستعمال (ومع الغض) عن ذلك نقول إن
المصنف (قده) يلزمه هذا المحذور أيضا إذ لا فرق في الاحتياج
إلى لحاظ اخر بين كون اللحاظ الأول داخلا في الموضوع له أو في
المستعمل فيه وبين كونه شرطا للاستعمال كما اختاره المصنف (قده)
فكما لا بد من لحاظ المستعمل فيه كذلك لا بد من لحاظ شرط
الاستعمال والتصديق بتحققه ليصح منه الاستعمال (هذا) مع أن
دعوى احتياج الاستعمال إلى لحاظ اخر غير اللحاظ المأخوذ في
الموضوع له في حيز المنع فان لزوم لحاظ المعنى عند استعمال اللفظ
فيه انما يتم فيما إذا كان المعنى من قبيل الأمور الخارجية تحتاج
النفس في الحكم عليه إلى إحضار صورته في النفس (واما) إذا كان
المعنى من سنخ اللحاظ وحاضرا بنفسه في الذهن بلا وساطة أمر
اخر فلا حاجة في الحكم عليه إلى إحضار صورته في النفس زائدا
على حضوره فيه بنفسه إذا يستغنى بذلك الحضور عن إحضاره ثانيا و
هذا كما في العلم بالعلم فان العلم حاضر للنفس بنفسه لا بحضور
قوله لامتناع صدق الكلي العقلي
ليس كل مالا موطن له الا العقل كمفهوم العلم والإرادة وكذا كل ما قيد
باللحاظ من المفاهيم كليا عقليا فان الكلي العقلي انما هو المفهوم
بوصف الكلية الذي لا موطن له الا العقل وهو مع ذلك جزئي ذهني
فكل كلي عقلي جزئي ذهني ولا عكس فان زيدا الذهني أعني
الصورة
الشخصية الحاصلة منه في الذهن جزئي ذهني وليس كليا عقليا و
كذلك المعاني الحرفية إذا قيل بوضعها لجزئيات الصور الذهنية و
اشخاص الروابط الحاصلة في النفس بتبع تصور المتعلقات جزئيات
ذهنية لا كليات عقلية (نعم) لا تصدق على كثيرين بعين ملاك عدم
صدق الكلي العقلي ولعل المراد من العبارة أيضا ذلك أي يمتنع
صدق المعنى الحرفي على الخارج بعين وجه امتناع صدق الكلي
العقلي
عليه لكنه بعيد إذ لا يكون حينئذ وجه للحوالة إلى وجه امتناع صدق
الكلي العقلي مع أنه صرح في باب المشتق بخلاف ذلك وان المعنى
الحرفي بناء على جزئيته كلي عقلي
قوله الا كلحاظه في نفسه في الأسماء
المراد من الأسماء الأسماء المؤدية لمعان الحروف كلفظ الابتداء و
الانتهاء والظرفية كما هو صريح عبارته الآتية وعليه نقول إن من
يعتبر اللحاظ الآلي في الحروف يعتبر اللحاظ الاستقلالي في الأسماء
كي تقابلها ولا يصح استعمال إحداهما مكان الأخرى فإنه لو التزم
بكون الأسماء موضوعة للقدر المشترك في كلا اللحاظين لكان
12

اللازم صحة استعمال الأسماء مكان الحروف وان لم يصح العكس (و
اما دعوى) ان التزامه بعدم صحة الاستعمال لعله من جهة اعتباره
اللحاظ الاستقلالي في صحة الاستعمال دون الموضوع له (فهي
مدفوعة) بان هذا الاعتبار انما أبدعه المصنف (قده) ولم يسبقه إليه
غيره
(هذا) مع أنه لا وجه للتفكيك بين الأسماء والحروف بالالتزام بأخذ
اللحاظ الآلي في الموضوع له في الحروف وأخذه اللحاظ الاستقلالي
معتبرا في صحة الاستعمال دون الموضوع له في الأسماء مع اتحاد
الملاك فيهما
قوله قلت الفرق بينهما
هذه الدعوى مع بعدها في نفسها قد عرفت انها لا تسلم عن إشكال
تعدد اللحاظ إذ كما يلزم لحاظ المستعمل فيه كذلك يلزم لحاظ
شرط الاستعمال والتصديق بتحققه ليصح الاستعمال (مع ما عرفت)
من أن اللحاظ الآلي لا يصح معه الاستعمال بل لا بد فيه من اللحاظ
الاستقلالي كما لا بد من ذلك في كل حكم (مضافا) إلى أن شأن
الواضع هو الوضع واما ما خرج عن حد الوضع فهو ليس من وظيفته
الا ان
يرجع إلى تضييق دائرة الموضوع له لكن المفروض عدم ذلك وان
الموضوع له على سعته قد منع الواضع عن استعمال اللفظ فيه في
حال دون حال
قوله ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف
الانشاء لغة هو الايجاد وإطلاقه في المقام بماله من المعنى لغة
(توضيح ذلك) ان التكلم والتلفظ انشاء وإيجاد للصوت أولا وبالذات
و
انشاء لعنوان الاخبار والحكاية عن المعنى ثانيا وبالعرض باعتبار
تعلق الوضع من الواضع بتلك الأصوات الخاصة وتعيينها بإزاء معان
خاصة وانشاء في المرتبة الثالثة لكل عنوان من عناوين إظهار ما في
الضمير ومنطبق على إبراز ما في مكنون الخاطر كان ذلك
بالقول أو بسائر الدوال كعناوين العقود والايقاعات وعنوان الطلب و
النداء والاستفهام إلى غير ذلك فان مواد هذه العناوين وإن كانت
إرادات قائمة بأنفس المتكلمين لكن عناوينها وفعلياتها تلحق
إظهارات تلك الإرادات بداعي إنفاذها وإنجازها فعنوان
الاستفهام مثلا هو إظهار إرادة الفهم من المخاطب لغرض حصول
مقصوده فإذا قال المتكلم انا مريد لفهم هذا المطلب منك لغرض ان
يفهمه المخاطب فقد انشاء الاستفهام إذا نشأ وأظهر إرادته بذلك و
قد وضع لذلك أدوات خاصة من الهمزة وهل وغيرهما وكذلك
الطلب فان إظهار إرادة الفعل للغير بداعي تحريكه نحو الفعل هو بعينه
عبارة عن الطلب فإنشاء الاظهار المذكور أنشأ للطلب سوأ
كان ذلك بجملة أريد منك الفعل الكذائي أم بصيغة الطلب وكذلك
عنوان البيع
13

مثلا عبارة عن إظهار ان المتكلم مريد لمبادلة مال بمال لغرض ان ينجز
إرادته بأخذ المخاطب للمبيع ودفعه للبدل وليست الإرادة
بوجودها النفساني المكنون في الضمير بيعا ولا طلبا ولا استفهاما بل
هي مادة للبيع والطلب والاستفهام ولولاها لم يكن إظهارها
بيعا حقيقيا ولا طلبا جد يا ولا استفهاما واقعيا بل صورة بيع وطلب و
استفهام فعناوين البيع والطلب والاستفهام تلحق إظهار
إراداتها بداعي تنفيذ تلك الإرادات فلا الإرادات المجردة عن الاظهار
مصاديق لهذه العناوين ولا الاظهارات الخالية عن الواقع مصاديق
لها فما لم يكن المريد للمبادلة في مقام تنفيذ إرادته بإظهارها لأجل
تنجيزها لم يكن بائعا وموجدا للبيع وانما يكون موجدا أو منشئا
له بقوله انى أريد المبادلة إذا كان ذلك لغرض إنفاذ إرادته التي أخبر بها
لا لمجرد الاعلام بوجودها ولأجل هذا الغرض يكون إظهاره
بيعا لا خبرا عن تحقق البيع (هذا) حقيقة البيع ويتضح بذلك حقيقة
سائر العناوين الانشائية من العقود والايقاعات وغيرها فان كلها
من واد واحد (واما) صيغة بعت التي ينشأ بها البيع فإنها تنبئ عن تلك
الإرادة على طريق الكناية بإنبائه عن تحقق البيع الخارجي فان
كل فعل اختياري يكشف بطريق الان عن تحقق إرادته فيكون اللفظ
المنبأ عن البيع الفعلي منبئا عن إرادته ثانيا وبالعرض فيطلق
لغرض هذا الانباء لأجل
ان يكون بنفسه بيعا لا لغرض الانباء عن وقوع بيع خارجي آخر وانما
عبر عن تحقق الإرادة بهذا التعبير ولم يعبر بمثل أريد المبادلة
من جهة ان كشف هذا عن تحقق الإرادة يكون بطريق أبلغ والإرادة
المستكشفة به أقوى من المستكشفة بعبارة أريد لان التعبير عن
تحقق الإرادة بتحقق الفعل المراد يكشف عن شدة تأكد الإرادة حتى
عبر عنها بوقوع الفعل المراد فعليته كما قد يعبر عن المضارع
بصورة الماضي فالمدلول المطابقي لقول بعت هو البيع وإذا صدر
بداعي الحكاية عن تحقق إرادة المبادلة تنجيزا لها كان بنفسه
مصداقا للبيع لما عرفت من أن البيع عبارة عن نفس إظهار الإرادة
الخاصة بداعي تمشية تلك الإرادة فمدلول الصيغة يكون مصداقا
للمفهوم الكلي المستفاد من مادتها (ومن هنا) نشأ توهم من عرف
الانشاء بأنه قصد تحقق المدلول وإيجاده باللفظ إذ رأى أن اللفظ
هاهنا بيع ومدلوله أيضا مفهوم البيع فزعم أن حقيقة الانشاء تكون
بذلك ولم يتنبه إلى أن ذلك من باب الاتفاق ومن باب اختلاط
حيثيتين في أنشأ المعاملات والاشتمال على
14

جهتين جهة أنشأ البيع الذي سمعت أنه يكون بالأعلام يتحقق إرادة
المبادلة لغرض تنجيزها وهذه الجهة موجودة في قول القائل أريد
المبادلة أيضا وجهة التعبير عن تلك الإرادة بالتعبير عن فعلية المراد
لنكتة التنبيه على كمال تأكدها وهذه الجهة أجنبية عن جهة الانشاء
فان قوام الانشاء بالجهة الأولى وهذه الضميمة لا تضر ولا تنفع فلا
ينبغي خلطها بحيثية الانشاء (مع) ان دعوى ان الانشاء هو قصد
تحقق المعنى مجرد قول ولقلقة لسان لم أتحصل معناه فليس الانشاء
كما سمعت الا بمعنى الايجاد ولا ينشأ بالقول وراء نفس الصوت و
القول الا الاعلان بالإرادة وكذلك كل عنوان هو عنوان للاعلان
المذكور مثل عنوان الامر والنداء والبيع إلى غير ذلك من العناوين
(فقد تحقق) مما ذكرنا ان استعمال الجمل الاخبارية في مقام الانشاء
(تارة) يكون من قبيل الكنايات كما في صيغ العقود والايقاعات و
عليه فلا تحمل الجملة على الانشاء الا مع القرينة الصارفة عن الحمل
على الاخبار كما لا يصار إلى كل كناية ما دام الحمل على المعنى
الصريح ميسورا وإن كان المستعمل فيه في الصورتين واحدا (وتارة)
يكون من قبيل الصريح لكن داعي الاستعمال فيه غير داعيه في
صورة الاخبار كما في قول (أريد) لغرض تحريك الغير نحو إتيان
المراد فيكون ح طلبا وامرا وانشاء فيما كان غرضه من الاعلام
بالإرادة تنفيذ إرادته لا مجرد الاخبار بتحقق إرادته لغرض من
الأغراض غير غرض تنفيذ إرادته والظاهر أن الجملة مع ذلك لا
تحمل على الانشاء ما دام الحمل على الاخبار ممكنا (ثم) ان عبارة
المصنف (قده) هذه ناظرة إلى بيان الفرق بين الانشاء والاخبار في
الصيغ المشتركة التي تستعمل في كلا المقامين (واما) الصيغ
المختصة بالانشاء كصيغة افعل فليس فيها جهة مشتركة بين الانشاء و
الاخبار ليبحث عن الجهة المائزة لهما فهي بتمام مدلولها ممتازة
عن الاخبار وأجنبية عنه (ولتحقيق) الحال في بيان مداليل الصيغ
الانشائية كصيغة الامر وسائر أدوات الانشاء مقام اخر
قوله ليستعمل في حكاية ثبوته
ليت شعري إذا لم تكن الجملة بنفسها حاكية عن الثبوت كيف يتأتى
قصد الحكاية بها عنه فلا محيص عن أن تكون الحكاية مدلولا للجملة
ولو بكشف هيئتها عن ثبوت النسبة الخارجية أولا ثبوتها كما تقدم
تحقيق ذلك (نعم) هذه الحكاية قد تكون مقصودة بالذات وقد
يكون المقصود بالذات إفادة ملزوم ثبوت النسبة أولا ثبوتها وهو
تحقق الإرادة من المتكلم لذلك الثبوت أو اللا ثبوت
15

لغرض إنفاذ ما يريده فإذا كان كذلك سميت الجملة بالانشاء فوضع
اللفظ والموضوع له والمستعمل فيه وشرط الاستعمال في الاخبار
والانشاء أمر واحد وإطلاق الجملة الخبرية في مقام الانشاء ليس
مجازا بل هو من قبيل الكنايات ومن باب إطلاق اللفظ لغرض الانتقال
إلى ملزومه وليس ذلك تجوزا في الكلمة ولا في النسبة وإن كان لا بد
فيه من عناية تحتاج معها إلى القرينة
قوله وضعت ليشار بها
ان أراد الإشارة بلفظها إلى معناها فجميع الألفاظ وضعت ليشار بها إلى
معانيها فأي امتياز لها عن سائر ما عداها وان أراد انها وضعت
لتستعمل مقرونة بالإشارة الحسية مطلقا إياها على محل الإشارة
الحسية الذي هو جزئي حقيقي (فبعد) وضوح بطلانه بعدم اعتبار
اقتران استعمالها بالإشارة الحسية فإنها تستعمل للإشارة إلى معان
ذهنية غير قابلة للإشارة إليها حسا (يتجه عليه) ان اعتبار إطلاقها
على محل الإشارة الحسية هو بعينه معنى وضعها له ان أريد إطلاقها
عليه بعنوانه الخاص وان أريد إطلاقها عليه بما هو مصداق لمعناها
(ففيه) انه مع إمكان الوضع نفس المصداق ابتدأ يكون الوضع
لمفهوم عام مع المنع عن استعماله فيه إلا حيث يطلق على الفرد لغوا
وعبثا
(ثم) ان التأمل في مفهوم الإشارة لعله بنفسه يرشد إلى جزئية معاني
أسماء الإشارة (فان الظاهر) ان مفهوم الإشارة وما هو مفاد هذه
العبارة أعني لفظ (الإشارة) عبارة عن التسبب إلى إحضار صورة معنى
على وجه التفصيل في ذهن الغير بإحضار إجمال من ذلك المعنى
وجهة من جهاته الموجبة للالتفات إلى تفصيله (وبعبارة أخرى)
صرف النفس إلى جانب المقصود من غير ذكره بل بذكر أمر وحيثية
من حيثيات المقصود لغرض ان تنتقل النفس بنفسها إليه فلفظ هذا
مثلا وكذلك الإشارة الحسية الخارجية انما يسمى
إشارة لأجل انه يوجب ابتدأ توجه النفس والتفاتها إلى محل الإشارة
فحينئذ يرى هنا لك صورة المقصود وصورة المعنى المشار إليه
على وجه التفصيل فمحل الإشارة ومركزها جهة من جهات المعنى
المشار إليه فإذا صرفت أبصارنا بسبب أداة الإشارة تلقاء المشار إليه
وإلى جانب مركزه نرى المشار إليه هنا لك بصورته التفصيلية فتدرك
النفس ذلك التفصيل من غير توسيط عبارته وسماع لفظه
الموضوع بإزائه فاسم الإشارة هو الاسم الذي عينه الواضع لغرض
صرف نفس المخاطب إلى جانب معنى يراد حصول صورة ذلك
المعنى بتوجهه إليه فحيثما يطلق يعلم إجمالا ان هنا لك في الخارج
أو في الذهن أمرا
16

أراد المتكلم توجيه مخاطبه إليه فبمجرد ان التفت إلى جانب الخارج
أو الذهن تحصل صورة ذلك الخارج في ذهنه ويحصل بذلك ما هو
المقصود للمتكلم (إذا عرفت) ذلك ظهر لك ان مورد الإشارة ومحل
توجيه النفس إليه لا بد أن يكون جزئيا خارجيا أو ذهنيا ليتعقل
صرف حواس الغير إلى جانبه وتوجيهها شطره لغرض الإحاطة
بتفصيله فان ذلك لا يكون في معنى كلي بل المعاني الكلية إجمالية
كانت أو تفصيلية ان حصلت في الذهن بتوسيط ألفاظها حصلت
بأنفسها من نفس اللفظ بلا واسطة أخرى ومن غير جذب اللفظ للنفس
إلى معان اخر وإلى جهات ذلك المعنى الكلي لتنتقل بنفسها إلى ذلك
الكلي (وذلك) ان الكلي لا يدرك بالحواس الظاهرة ليعقل التوسل
إلى تحصيله في نفس الغير بصرف حواسه إلى جانب ذلك ليدركه
بحواسه وبالمباشرة هذا ما اختلج بالبال عاجلا واما الإحاطة بحقيقة
الموضوع له في أسماء الإشارة والضمائر والموصولات وميز بعضها
من بعض فتحتاج إلى توسعة في مجال الفكر وصفاء من النفس
أرشدنا الله تعالى إلى حقائق الأمور
الاستعمال في المجاز بالطبع أو بالوضع
قوله أظهرهما انها بالطبع
الذوق والطبع انما يجولان في ميدان المعاني بإلحاق بعضها ببعض و
دعوى العينية بينهما فيدعى ان حقيقة الأسد مثلا حقيقة سيالة
يدخل فيها الرجل الشجاع والمنية وكل ما يشابهها في الجهات و
الأوصاف التي يمتاز بها الأسد عن ما عداه ولا يعرج الذوق والطبع
إلى مقام الألفاظ ولا يحكم بحسن استعمال لفظ في معنى قط فإنه
عين الالتزام بالدلالة الذاتية أو ما يقرب من ذلك (والظاهر) ان
المصنف (قده) أراد أن حسن الاستعمال يكون بواسطة الطبع لا ان
الطبع هو المقتضى التام له فان الأوضاع الحقيقية وتنزيل الألفاظ
منزلة معانيها الأولية تنزيل لها ثانيا وبالعرض منزلة ما هو منزل من
المعاني منزلة تلك المعاني الأولية فان المتحد مع ما هو متحد مع
الشئ متحد مع ذلك الشئ الآخر ففي الحقيقة يكون المصحح
للاستعمالات المجازية هي الأوضاع الحقيقية غاية الأمر انه بضميمة
التوسع في المعاني الحقيقية (فصح ان يقال) ان الاستعمالات
المجازية تكون بالوضع لكن لا بوضع
17

بل بعين الأوضاع الحقيقية فكما ان نفس معانيها من تنزلات المعاني
الأولية كذلك أوضاعها من تنزلات الأوضاع الأولية فكما يصح
ادعاء ان الرجل الشجاع هو السبع الخاص جاز ادعاء ان لفظ الأسد
موضوع له أيضا (ويمكن) حمل كلام المصنف (قده) على حقيقته
بتقريب ان إعطاء آثار المشبه به وأحكامه للمشبه انما يكون
باستحسان من الطبع كإثبات الأظفار للمنية وبما ان من جملة تلك
الآثار
هو لفظ المشبه به يكون إعطاء هذا اللفظ للمشبه باستعماله فيه بحكم
الذوق من غير دخل لترخيص الواضع في ذلك بل الاستعمال
الحاصل بترخيص وأذن منه خارج عن اللطف.
قوله وباستهجان الاستعمال
إذا كان الاستعمال في المعنى المجازي بترخيص الواضع فأي
استهجان يلزم في الاستعمال بعد ذلك (نعم) يستلزم ذلك خروج
الاستعمالات المجازية عن اللطف وكونها كسائر الاستعمالات
الحقيقية وإن كان الوضع فيها طوليا ومختصا بصورة قيام الصارف عن
المعنى الحقيقي الأولى
استعمال اللفظ في صنفه ونوعه وشخصه
قوله كضرب في المثال
الصواب ان يقال كزيد في المثال ولعل هذا من غلط الناسخ
قوله وقد أشرنا إلى أن صحة الاطلاق.
قد تقدم ان دلالة اللفظ بمعنى الإشارة به إلى نوعه المنطبق عليه دلالة
ذاتية أولية وعليه أسسنا بناء الوضع وانه لا تحدث الدلالة بالوضع
بل شأن الوضع صرف الدلالة الأولية الذاتية عن ناحية نوع اللفظ إلى
جانب المعنى وتغيير وجهتها إليه بتنزيل المعنى منزلة اللفظ و
ادعاء انه هو هو فيشار به إلى المعنى بعد ذلك التنزيل كما كان يشار به
إلى نفس اللفظ قبله فتكون نسبة الاستعمال في المعنى الحقيقي
إلى الاستعمال في نوع اللفظ نسبة الاستعمال في المعنى المجازي إلى
الاستعمال في المعنى الحقيقي (نعم) التنزيل المسمى بالوضع
يكون بلا مناسبة بين اللفظ والمعنى أعني بين المنزل والمنزل عليه
لغرض حصول التفهيم والتفهم واما التنزيل الحاصل بين المعنى
المجازي والحقيقي فهو يكون بإحدى المناسبات التي تسمى
بالعلائق (وبالجملة) إطلاق اللفظ على نوعه أساس سائر الاطلاقات و
أصلها ومنه تتولد سائر الاطلاقات وتتحصل
18

الإشارات من دون فرق بين الحقيقية منها والمجازية الا من جهة ان
تفرع الأولى بالمباشرة ومن دون فصل والثانية مع الواسطة و
الفصل فهي بمنزلة أولاد الأولاد في باب الانتاج والتناسل كما أن
المجاز المنسبك من المجاز ان سوغناه يبعد بمرتبة أخرى وهكذا
حتى ينتهى الامر إلى مرتبة لا يحسن التعدي عنها ولا يستحسن
فتكون ح عقيمة منقطعة النتيجة
قوله والا كانت المهملات موضوعة
لا محذور في الالتزام بوضعها وتوصيفها بالاهمال انما هو بلحاظ
المعاني الخارجية في مقابل الألفاظ الموضوعة فالعمدة دعوى القطع
بعدم وضعها كذلك كعدم وضع المستعملات فذكر خصوص
المهملات مغالطة صورية
قوله أو تركب القضية من جزين
القضية الملفوظة في المقام تكون مؤتلفة من جزين المحمول و
النسبة حيث لم يذكر فيها الموضوع بلفظه وانما هو اللفظ بنفسه واما
القضية المعقولة فلم يوجد من اجزائها غير المحمول لعدم تعقل
النسبة بين الخارج والامر المعقول كما يأتي توضيحه (بل أقول) ان
القضية اللفظية أيضا لم يوجد من اجزائها غير المحمول فان النسبة
اللفظية الحاكية عن النسبة الخارجية هي النسبة القائمة بين الموضوع
اللفظي والمحمول اللفظي دون النسبة القائمة بين نفس الموضوع و
لفظ المحمول كما في المقام
قوله يمكن ان يقال
يقال بل لا يمكن المصير إلى ذلك فان حقيقة الدلالة هي حصول العلم
بشي من العلم بشي اخر فلا يتحقق الا بحصول علمين وتحصل
صورتين نفسانيتين ولا تتحصل الصورتان النفسانيتان الا بثبوت
معلومين فمع وحدة المعلوم يكون العلم واحدا البتة ما لم يتعدد
العالم
والتعدد الاعتباري لا يجدى في حصول الدلالة وتكثر العلم تكثرا
طوليا بحيث يكون أحدهما علة والاخر معلولا له فهل بعد العلم
باللفظ
علم اخر به يكون حاصلا من العلم الأول كي يقال إن نفسه دال على
نفسه بالاعتبارين فبمجرد تعدد الاعتبار لا يتحقق الدلالة ما لم
يتعدد العلم (هذا مضافا) إلى بطلان ما أفاده (قده) من تعدد الاعتبار
في المقام و ذلك لعدم اعتبار حيثية صدور اللفظ من اللافظ في
كون اللفظ دالا فان الدال هو ذات اللفظ ومتنه من غير ملاحظة أمر اخر
فيه كما لا يعتبر إرادة شخص نفسه في كونه مدلولا فان هذه
الحيثية مساوقة لعنوان كونه مدلولا الذي يتصف به المعنى في مرتبة
الدلالة فكيف تكون مأخودة في صقع ذات المدلول السابق على
مرتبة حدوث عنوان الدلالة والمدلولية (مع أن) كون اللفظ مرادا أعني
به إرادة إحضاره لدى السامع هي حيثية
19

قائمة بالدال دون المدلول فان اللفظ في مقام التكلم يذكر لغرض
اسماع المخاطب وإحضاره في نفس المخاطب ابتدأ لينتقل ذهنه
من
ذلك إلى إرادة المعنى والمفروض انه هاهنا لم يرد هذا الانتقال الأخير
بل أريد الأول خاصة فصار اللفظ دالا ومدلولا بحيثية واحدة و
هي حيثية كونه مرادا به إحضار صورة شخص نفسه (وبالجملة) لا
نعقل معنى لكون اللفظ دالا على شخص نفسه بحيث يكون سماعه
الذي هو حضوره في النفس بطريق السمع موجبا لاحضار شخص
نفسه
قوله مع أن حديث تركب القضية من جزين
لا يخفى ان إشكال تركب القضية من جزين انما هو على هذا التقدير
أعني به ما إذا كان المذكور في القضية نفس الموضوع والحكم
عليه دون حاكيه (ووجه الاشكال) ان القضية ح لا تكون لفظية لفرض
ان الموضوع لم يذكر فيها بلفظه وحاكيه بل الموضوع هو بنفسه
لفظ ولا تكون خارجية لان كونها خارجية مع عدم كون المحمول و
النسبة فيها خارجيين غير معقول فان القضية من أي موطن كانت و
في أي محيط تحققت لا بد من أن تكون باجزائها الثلاثة من ذلك
الموطن والمحيط ولا يعقل ان تختلف اجزائها من هذه الجهة
(توضيح
ذلك) ان القضية تتنزل من الخارج إلى العقل وتتنزل من العقل إلى
اللفظ فتكون القضية لفظية بعد إن كانت عقلية كما انها تكون عقلية
بعد إن كانت خارجية فزيد الخارجي إذا قام في الخارج تحصلت
قضية خارجية من موضوعها ومحمولها ونسبتها فإذا تنزلت هذه
القضية إلى العقل وتصورناها باجزائها الثلاثة تحصلت ح قضية عقلية
مستقرة باجزائها الثلاثة في محيط العقل (ثم) ان تكلمنا على طبق
هذه القضية وتلفظنا بجملة زيد قائم تحصلت قضية لفظية حاكية عن
القضية الخارجية فللقضية مواطن ثلاثة موطن الخارج وموطن
العقل وموطن اللفظ ولا نسبة بين بعض أجزأ موطن وبعض أجزأ
موطن آخر كي يمكن تأليف قضية مختلفة الأطراف من حيث الموطن
فزيد الخارجي
يكون قيامه البتة في الخارج دون العقل واللفظ وكيف يحمل القيام
اللفظي على زيد الخارجي أ فهل هناك نسبة بين ذاك الموضوع و
هذا المحمول وعليه فلا يعقل تركب القضية من نفس الموضوع
الخارجي أعني به زيدا الملفوظ بشخصه في قولنا زيد لفظ وما يكون
حاكيا عن المحمول والنسبة لما عرفت من أن القضية ح لا تكون لفظية
ولا خارجية (هذا كله) فيما إذا لم يأت في القضية بما يكون مشيرا
وحاكيا عن الموضوع كلفظ هذا وأشباهه (وبالجملة) ان مفاد القضية
الذي هو الحكم بالاتحاد بين شيئين اما وجودا أو ماهية
20

يستدعى اجتماع المتحد والمتحد معه في ظرف الاتحاد وليس شئ
مما هو موجود في أحد المواطن المذكورة متحدا مع شئ اخر مما
هو موجود في غير ذلك الموطن لوضوح ان بينهما كمال البينونة و
الاختلاف (ثم) انه لو سلمنا ذلك من المصنف (قده) مما شاة فإنما
نسلمه فيما أريد بلفظ شخص نفسه واما إذا أريد به نوعه أو صنفه فلا
بد فيه من استعمال اللفظ في النوع أو الصنف وذلك لان الحكم
إذا تعلق بالخارج لا يعقل ان يكون ذلك الحكم متعلقا بنوع ذلك
الخارج المنطبق عليه وعلى غيره ولو بحذف تمام خصوصياته و
تشخصاته فان الوجود الشخصي إذا كان ملحوظا في جانب الموضوع
سوأ كان دخله فيه على نحو القيدية أم على نحو التقيد فلا محالة
يكون الحكم مقصورا على ذلك الوجود أو الحصة المتحصلة بذلك
الوجود من غير أن يتجاوزه ويتعداه وإلا لزم ان لا يكون الفرد فردا
من الكلي بل هو الكلي بحد كليته وإذا لم يكن الوجود الشخصي
ملحوظا في جانب الموضوع بأحد النحوين المذكورين لم يعقل تعلق
الحكم بما في الخارج وهاتان الكلمتان أعني بهما كون الحكم متوجها
إلى الخارج وكون الطبيعة الكلية بما هي كلية لا مهملة التي هي
في قوة الجزئية موضوعا للحكم لا يجتمعان فأية واحدة منهما ثبتت
انتفت الأخرى فإذا قلت إن الخارج موضوع للحكم نفيت كون
الطبيعة
الكلية المندرج فيها الخارج موضوعا له وان قلت إن موضوعه هي
الطبيعة الكلية السيالة نفيت كون الخارج موضوعا له ولا بد ح من
وجود حاك عن الموضوع أعني به تلك الطبيعة وإذ ليس في القضية
إلا مصداق من مصاديقها فلا محيص لك من جعل هذا المصداق
حاكيا
عن الطبيعة وهذا هو استعمال اللفظ في نوعه وصنفه (نعم) لا نأبى ان
يكون الحكم متوجها إلى الخارج لا بما هو هو بل بما هو مصداق
للكلي لكن ليس هذا الحكم بعينه حكما متوجها إلى الكلي بل يستفاد
منه حكم الكلي باستفادة مناط الحكم وملاكه من ذلك الحكم
الشخصي
قوله كما في مثل ضرب فعل ماض
المراد من قولنا فعل ماض هو انه في مرحلة الوضع وتعيين الألفاظ
بإزاء المعاني موضوع بإزاء المعنى الماضوي لا انه مستعمل في ذلك
المعنى فعلا وعلى ذلك فالحكم المذكور في القضية يعم شخص هذا
اللفظ أيضا وان لم يكن بالفعل مستعملا في المعنى الماضوي فإنه
داخل تحت الطبيعة الكلية التي عينها الواضع بإزاء المعنى الماضوي
وان لم يكن اللفظ مستعملا
21

فيه بالفعل كما هو الحال بعينه فيما استعمل الفعل الماضي في معنى
اخر ولولا ما ذكرنا لا يتم الاستعمال في النوع والصنف أيضا لان
النوع أيضا بنوعيته الشامل لهذا الفرد ليس فعلا ماضيا بمعنى ان يكون
الاستعمال فيه فعلا بل الفعل الماضي ما عداه من الافراد
المستعملة في المضي فلا جرم يكون ذلك من استعمال اللفظ في
مثله.
تبعية الدلالة للإرادة وعدمها
قوله لا ريب في كون الألفاظ موضوعة
لا يريد بلفظ المرادة ما أريد إحضار صورته في ذهن المخاطب بل
يريد بذلك المعنى المتصور وان لم أعهد لاطلاق هذا اللفظ عليه
وجها (ثم) ان في المسألة احتمالات ثلاثة (الأول) أن تكون المعاني
الخارجية بما هي خارجية هي التي وضع بإزائها الألفاظ (الثاني) هي
المعاني والصور الذهنية بما هي ذهنية (الثالث) أن تكون معانيها هي
ذوات المعاني من دون اعتبار شئ من الامرين فيها ليكون
الموضوع له هو القدر المشترك المنطبق على كل من الخارج والذهن
وهذا هو الذي اختاره المصنف (قده) وقد أشار إلى بطلان
الاحتمال الثاني مضافا إلى الوجهين الذين أشار إليهما في ما تقدم في
بطلان كون المعاني الحرفية جزئيات ذهنية من لزوم تعدد
اللحاظ في الاستعمال (مع أنه) ليس هناك إلا لحاظ واحد وتقدم منا
بطلان الاستلزام المزبور فراجع (واما) ما يدل على بطلان الاحتمال
الأول أعني به كون وضع الألفاظ بإزاء المعاني الخارجية فهو ان لازم
ذلك انتفاء اسم الجنس وعدم صدق شئ من الألفاظ على كثيرين
الاعلى سبيل الاشتراك اللفظي أو الوضع العام والموضوع له الخاص
(وأيضا) يلزم ان يكون لفظ زيد مثلا جملة تامة يصح السكوت
عليها لأنه بمعنى زيد موجود ويلزم ان يكون الكلام الكاذب غلطا غير
مستعمل في المعنى الموضوع له والكل باطل
قوله إلى دلالتها على كونها مرادة
فالمرادة في كلام العلمين تكون بمعناها الظاهر منها أعني المراد
إحضارها في ذهن المخاطب لا المرادة بمعنى المتصورة كما في كلام
المصنف (قده) (ثم) ان القائل بان الوضع عبارة عن التعهد بعدم ذكر
اللفظ الا عند إرادة إحضار صورة المعنى لا محيص له من القول بان
الموضوع له للألفاظ هو إرادات المعاني لا ذواتها فتكشف الألفاظ عن
تحقق تلك الإرادات بمقتضى الملازمة الجعلية الناشئة عن التعهد
22

(ثم إنه) يحتمل ان يكون مراد العلمين ان دلالة الجمل التامة على
وقوع النسبة أولا وقوعها تتبع إرادة اللافظ من مفرداتها إحضار صور
معانيها بحيث لولا تلك الإرادة لم تكن هذه الدلالة والوجه في هذه
التبعية واضح فان هيئة الجملة انما تدل على النسبة فيما أريد من
مفرداتها من المعاني الحقيقية لها أو المجازية (ويحتمل) ان يكون
مرادهما ان دلالة مفردات كلام المتكلم على معانيها تتبع كون
المتكلم مريدا للأفهام وفي مقام تفهيم المراد فإذا علم هذا الاجمال
من حاله دلت تفاصيل ألفاظه على معانيها بالتفصيل فلو لا إرادة
تفهيم المعنى كما في اللاغي والغافل لم يكن للكلام تلك الدلالة
التفصيلية
قوله نعم لا يكون ح دلالة بل تكون
ولازم ذلك استحالة الكذب لان الكشف عن تحقق النسبة يتبع
تحققها واقعا فإذا لم يكن للنسبة واقع وتحقق لم يكن للفظ دلالة فأين
الكذب نعم ذلك من توهم الدلالة (الا ان يقال) ان الكذب حيث يطلق
يراد منه هذا المعنى بعينه أعني القول المتوهم منه الدلالة لكن لا
مطلق
التوهم والاشتباه بل الذي يقتضيه ظهور الكلام اما بمقتضى وضعه
الأولى أو بانضمام قرائن المقام (لكن يتجه عليه) انه لا وجه لتوهم
الدلالة من مجرد وضع اللفظ بل كانت الجهالة مختلطة ومشتبهة
بالدلالة فلا تكون دلالة ليكشف عن وجود الإرادة ومعه لا تبقى حاجة
إلى الدلالة (فدلالة) اللفظ لا ينبغي ان تقاس بالعلم في التبعية للواقع
المكشوف (لوضوح) ان دلالة اللفظ الناشئة عن وضعه أو قرائن
المقام تجتمع مع القطع بعدم تحقق الواقع المكشوف فضلا عن
احتماله وهذا بخلاف العلم.
ثبوت الوضع للمركبات وعدمه
قوله وغيرها نوعيا
إحدى كلمتي نوعيا اما هذه أو المذكورة قبلها زائدة (ثم انى) احتمل
ان القائل بالوضع للمركبات حيث رأى أن في المركبات التامة دلالة
تصديقية لا يقتضيها وضع مفرداتها التجأ إلى الالتزام بالوضع المستقل
للمركبات فان غاية ما يقتضيه وضع زيد ثم وضع قائم ثم وضع
هيئة زيد قائم عند التركب والانضمام هو إحضار صورة زيد على هيئة
القيام في ذهن المخاطب واما ان زيدا في الخارج ثابت له القيام
فليس ذلك قضية شئ من الأوضاع المتعلقة بمفرداتها إذا ليس شئ
من تلك المفردات موضوعا
23

المعنى الخارجي لا زيد ولا القائم ولا الهيئة التركيبية بل مفاد الهيئة
أيضا نفس النسبة وذاتها دون النسبة المتحققة في الخارج فإفادة
الجملة لتحقق النسبة خارجا لا بد وأن تكون عن وضع متعلق بها غير
تلك الأوضاع الثلاثة المتعلقة بموادها (ونحن) قد استرحنا من هذه
الشبهة سابقا بالالتزام بان مفاد هيئة الجملة الخبرية ليس هو ذات
النسبة بل النسبة الخارجية فيخالف وضعها وضع سائر مواد القضية و
عليه فلا حاجة إلى وضع اخر متعلق بالجملة بل نفس وضع المفردات
كذلك أعني وضع موادها لذوات المعاني وهيئاتها لنسبها الخارجية
يكون كافيا وبالمقصود وافيا
قوله مع استلزامه الدلالة على المعنى
تارة هذا إذا تعلق الوضع بالمجموع المركب من غير أن يكون جز من
لفظه واقعا بإزاء جز المعنى مطابقا لوضعه الافرادي فتكون
حينئذ دلالتان على المعنى دلالة قائمة بالمفردات وأخرى قائمة
بالمجموع المركب (اما) إذا كان وضع المركب أيضا على نحو يقع جز
منه بإزاء جز المعنى الذي هو له في وضعه الافرادي فتكون حينئذ
دلالة واحدة لكل جز من أجزأ المركب على كل جز من أجزأ
المعنى
التركيبي ناشئة هذه الدلالة عن سببين ومنشاءين وضعه الاستقلالي و
وضعه في ضمن وضع المجموع المركب (هذا) ولكن قد عرفت ان
مداليل المركبات معان تصديقية وهي غير مداليل المفردات فلا ضير
في تعدد الدلالة مع تعدد المداليل بل يلزم تعددها ولا يتم
المقصود بدون ذلك الاعلى ما عرفت من مسلكنا في وضع الهيئات
التركيبية.
في علائم الحقيقة
قوله السابع لا يخفى ان تبادر المعنى من اللفظ
التبادر معلول للمعاني الارتكازية الحاصلة في النفس من مداليل
الألفاظ وهذا الارتكاز اما ان يكون ناشئا من الاطلاع على موارد
استعمال أهل اللغة كالارتكاز الحاصل لنا من معاني الألفاظ التي
تداولها أهل العرف واما ان يكون ناشئا من ممارسة كلمات الناقلين
للغة ومن المعلوم ان الكاشف عن الوضع هو التبادر الأول واما التبادر
الأخير فلا يزيد عن منشأه الذي هو قول أهل اللغة والمفروض
عدم اعتباره فكيف يعتبر الكاشف عنه (ومما ذكرنا ظهر) انه ليس كل
تبادر معلولا للعلم بالوضع ليكشف عنه كشفا إنيا إذ كثيرا ما
يرتكز في الذهن معاني
24

متلقاة على جهة التقليد والسماع من النقلة فلا بد في الاتكال على
التبادر من إحراز منشأه ولولاه لم يعتد به (والظاهر) ان منشأه في
كثير من الموارد هو الاستعمالات العرفية فيكشف التبادر عن المعنى
العرفي ولا بد في إثبات اللغة بذلك من ضميمة أصالة عدم النقل
فقوله لا يقال كيف يكون علامة مع توقفه
محصل الاشكال هو ان التبادر لو كان معلولا لواقع الوضع يكشف عنه
بطريق الان ومن الواضح انه ليس كذلك بل هو معلول للعلم
بالوضع فكيف يعقل ان يكون علة للعلم بالوضع (وحل ذلك) هو ان
في المقام علمين أحدهما علة وهو العلم الارتكازي ويوصف
بالاجمالي والاخر معلول وهو العلم بذلك العلم الأول والالتفات إليه
تفصيلا وحصوله في الحس المشترك المعبر عنه بالبنطاسيا
فالموقوف غير الموقوف عليه وتوهم الدور نشأ من الاشتراك في
الاسم وإطلاق لفظ العلم على كلا العلمين (ثم) ان المراد من كون
العلة
هو العلم الارتكازي ليس بمعنى انحصار العلة فيه بل بمعنى ان العلة
هو الأعم من العلم التفصيلي والاجمالي الارتكازي فتوجد في ضمن
الارتكازي أيضا وبه يتخلص عن شبهة الدور
قوله واما فيما احتمل استناده إلى قرينة
لا يبعد جريان أصالة عدم القرينة في مثل ذلك وان بناء العرف على
حمل لفظ كل لغة على المعنى الذي يرى إطلاق لفظه عليه من أهل
تلك اللغة ولو دفعة واحدة أو فهمهم ذلك عند إطلاقه ولا يعبئون
باحتمال ان ذلك من جهة القرينة وهذا معنى اعتبار أصالة عدم
القرينة
قوله والتفصيل ان عدم صحة السلب عنه
مفاد الحمل الذي هو الحكم بالاتحاد اما هو الاتحاد في المفهوم أو هو
الاتحاد في الوجود أو سلب الاتحاد الأول أو سلب الاتحاد الثاني
فهذه أربع صور اثنان منها وهو الحكم بالاتحاد بقسميه ان صحا ولم
يصح سلب الاتحاد يكشفان عن الحقيقة والأخريان وهما سلب
الاتحاد بقسميه ان صحا يكشفان عن المجاز لكن إحدى كل من
الامارتين أمارة تامة على الحقيقة أو المجاز والاخرى من كل منهما
أمارة
ناقصة وفي الجملة (فالتي) هي أمارة الحقيقة بقول مطلق صحة
الحمل بالحمل الأولى الذاتي الذي ملاكه الاتحاد في المفهوم كصحة
حمل
الانسان على الحيوان الناطق وعدم صحة سلبه عنه فان ذلك أمارة ان
الحيوان الناطق عين معنى الانسان أو ان استعمال لفظ الانسان
فيه حقيقة أبدا (والتي) هي أمارة لحقيقة في الجملة
25

صحة الحمل بالحمل المتعارف الذي ملاكه الاتحاد بحسب الوجود
فان هذه أمارة كون مورد الحمل من مصاديق الموضوع فيكون إطلاق
اللفظ عليه على وجه الحقيقة دون استعماله فيه آخذا للخصوصيات
في المستعمل فيه (وفيه) ان ملاك الحمل في حمل الجنس على
النوع
كحمل الحيوان على الانسان ليس هو الاتحاد في الوجود ومع ذلك
أماريته كأمارية الحمل الذي ملاكه الاتحاد في الوجود أعني انه أمارة
على الحقيقة في الجملة فتنحصر أمارة الحقيقة المطلقة في الاتحاد
المفهومي وكل ما عداه من الحمل فهو أمارة الحقيقة في الجملة هذا
حال
أمارتي الحقيقة (واما) أمارتا المجاز فصحة السلب بمعنى نفى الاتحاد
المفهومي أمارة المجاز في الجملة حيث إنها لا تنافي كون المسلوب
عنه من افراد المسلوب وصحة إطلاق المسلوب عليه حقيقة (نعم)
يكون استعماله فيه بقيد الخصوصية مجازا بعكس صحة الحمل بهذا
الحمل التي كانت أمارة الحقيقة بقول مطلق (واما) صحة السلب
بمعنى عدم الاتحاد وجودا فلازمها عدم الاتحاد مفهوما أيضا فيكون
المسلوب عنه أجنبيا محضا عن المعنى الحقيقي لا هو نفسه ولا من
مصاديقه فيكون استعمال ما صح سلبه فيه مجازا أبدا عكس صحة
الحمل بهذا الحمل التي كانت أمارة الحقيقة في الجملة فالحمل و
السلب الذاتي وكذلك الحمل والسلب المتعارف
يكونان متعاكسين في أمارية الحقيقة والمجاز من حيث الاطلاق و
عدمه
قوله لما عرفت في التبادر من التغاير
إشكال الدور لا مدفع له هاهنا وقياسه على التبادر في غير محله فان
التبادر ينشأ من العلم الارتكازي فيستدل به على العلم الارتكازي
فيحصل حينئذ العلم بذلك العلم الارتكازي وهو معنى العلم
التفصيلي الحاصل من التبادر (واما) صحة الحمل أو صحة السلب
فهما امران
انتزاعيان من مطابقة الاستعمال لقانون الوضع ومخالفته له ولا بد في
مقام الاستدلال من العلم بكل من الصحتين تفصيلا فإذا كانت
الصحتان معلومتين تفصيلا فالوضع أو عدمه معلوم تفصيلا فعلى أي
شئ يستدل بذلك فيكون العلم بصحة الحمل عين العلم بمطابقة
الاستعمال لقانون الوضع وهو عين العلم بالوضع فيلزم توقف العلم
بالوضع على العلم بالوضع بلا واسطة وهو أشد فسادا من الدور
الذي هو عبارة عن توقفه عليه مع الواسطة (نعم) محذور الدور الذي
بطل الدور من أجله هو هذا (ويمكن) دفع الاشكال بان الحمل و
الاتحاد يجري بين المعاني ويكون
26

بين معنى ومعنى اخر ولا دخل له بعالم الألفاظ ومقام الاستعمال
لتكون صحته بمعنى مطابقته لقانون الوضع ليتجه الاشكال المتقدم
فصحة الحمل معناها صدق الاتحاد بين ما هو المرتكز في الذهن من
معنى المحمول وبين مورد الاستعمال الذي يراد استعلام حاله و
صدقه هو مطابقته للواقع في مقابل كذبه من غير دخل لذلك بقانون
الوضع فهذا طريق لاستعلام المرتكز الذهني كما أن التبادر كان
طريقا اخر له والمفروض ان المرتكز في الذهن هو المعنى الحقيقي و
ان مر الاشكال منا في ذلك
قوله ثم إنه قد ذكر الاطراد
الظاهر أن المراد من الاطراد هو الاطراد عند أهل اللسان دون
المستعلم فإنه ان صح عنده الحمل وأذعن بذلك فمن حمل واحد
يستنتج
المقصود لدخوله تحت عنوان صحة الحمل ولا يحتاج إلى تكرره و
ان لم يصح أو لم يدرك صحته فتكرره لا يجديه شيئا (ثم) ان المراد
من الاطراد ليس هو الاطراد بحسب الحالات والعوارض الطارية على
محل الاستعمال والا اختص الاطراد بأسماء الذوات ولم يجر في
مثل ضارب وقائم لعدم اطراده في غير حال الضرب والقيام واعتبار
الخصوصيات جميعا في مورد الاطراد يوجب توجه إشكال
المصنف (قده) بان المجاز أيضا مطرد في موارد العلاقة المجوزة
للاستعمال بل المراد هو الاطراد في الهيئات والتراكيب المختلفة
الكلامية مع حفظ وحدة المستعمل فيه بذاته وخصوصياته فيصح
التعبير عنه بهذا اللفظ في أي تركيب من تراكيب الكلام فان المجاز غير
مطرد مع حفظ جميع الخصوصيات في جانب المستعمل فيه
كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع فإنه يصح في مثل جاءني
أسد ولا
يصح في مثل نام أسد وقام أسد وتزوج أسد إلى غير ذلك من
التراكيب المستبشع فيها إطلاق لفظ أسد وكذلك يقال أعتق رقبة ولا
يقال صاحب رقبة وصافح رقبة وسلم على رقبة فليس مجرد
الاشتمال على العلاقة مصححا للاستعمال
بل لا بد مع ذلك من رعاية بعض أمور اخر فمجرد اشتمال زيد على
أظهر صفات الأسد لا يكون مسوغا لاطلاق لفظ الأسد عليه في أي
تركيب فيقال صلى الأسد وصام الأسد بل لا بد ان يكون المقام مقام
إظهار شجاعته ولا مناسبة للصلاة مع إظهار الشجاعة وهذا
بخلاف الأسد الحقيقي فإنه يطلق لفظه عليه في كل حال ولا يعتبر فيه
رعاية شئ اخر وكذا لفظ الرقبة فإنه يناسب العتق ولا يناسب
السلام والكلام وذلك أن العنق محل وضع القيد والحبل وقود
الشخص
27

به فشبه الاستيلاء المعنوي الحاصل بملك اليمين بذلك الاستيلاء
الحسي فنسب لفظ العتق إلى الرقبة فكان الحبل والقيد الموضوع على
الرقبة بالعتق قد انحل وأطلق وهذا المناسبة والنكتة منتفية في مثال
سلم على رقبة وصافح رقبة وصاحب رقبة.
الأصول الوضعية والمرادية
قوله الثامن انه للفظ أحوال خمسة
هذه الأحوال ثلاثة منها راجعة إلى مقام الاستعمال وهي المجاز و
التخصيص والإضمار فإذا شك في إرادة شئ منها مع احتمال إرادة
الحقيقة ينفى ذلك بأصالة الحقيقة (واما) إذا دار الامر بين بعضها مع
بعض اخر مع القطع بان الحقيقة غير مرادة فالضابط في التقديم
كون بعضها أقرب إلى المعنى الحقيقي بحسب العلاقة والمناسبة أو
كثر استعمال اللفظ فيه حتى صار اللفظ مع القرينة الصارفة عن
المعنى الحقيقي ظاهرا فيه ومع انتفاء ذلك يحصل الاجمال ويسقط
اللفظ عن الحجية (واثنان) من هذه الأحوال وهما الاشتراك والنقل
يرجعان إلى مقام الوضع فإذا شك ان اللفظ متحد المعنى أو متعدده
يحكم بعدم التعدد كما أنه إذا شك في حصول النقل يحكم بعدمه
فالأصل الذي يتعين به حال الوضع أعني به أصالة عدم الاشتراك و
أصالة عدم النقل أصل وضعي والأصل الذي يتعين به حال المراد
كأصالة عدم التخصيص وأصالة عدم التقدير والإضمار وبعبارة
جامعة أصالة الحقيقة أصل مرادي والمصنف (قده) قد خلط بين
القسمين ثم في مقام بيان الحكم قد أتى بعبارة لا تنطبق الا على الشك
في المراد ولا يرتبط الا بثلاث من تلك الحالات.
مبحث الحقيقة الشرعية
قوله التاسع انه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية
لظاهر ان المراد من الحقيقة الشرعية ما تم وضعه في لسان الشارع لا
خصوص ما كان هو تمام علته مثل ما كان بتعيين منه أو بتعين
ناشئ من استعماله فقط وعليه فيعم ما كان وضعه بمجموع استعماله
واستعمال غيره حتى وصل إلى حد الحقيقة في لسانه (ثم) انه لا
ثمرة مترتبة على ثبوت خصوص الحقيقة الشرعية وما ذكر لها من ثمرة
أعني به حمل ألفاظ الشارع المتأخر صدورها عن الوضع على
المعاني الجديدة مترتب على الأعم من ثبوت الحقيقة الشرعية ومن
كون الأوضاع من أهل اللغة لمعرفتهم هذا المعاني ونقلهم الألفاظ
عن معانيها الأولية
28

ووضعها بإزاء الماهيات المخصوصة وتبعهم الشارع في ذلك (ومن)
استعمال الشارع للألفاظ في المعاني الجديدة متجوزا بها بقرائن
عامة نصبها لأصحابه (ومن) استعماله لها في المعاني اللغوية ونصب
ما يدل على إرادة الخصوصيات (فينبغي) للباحث تعميم عنوان
بحثه بعد ما عرفت من عدم أثر وثمر مخصوص بالحقيقة الشرعية
(هذا مع) ان هذه المسألة غامضة لا سبيل للوقوف عليها والاطلاع
على جوانبها وكيف يدعى التبادر فيها من بينه وبين الشارع مئات من
السنين (نعم) من المحاورات الواردة في الاخبار يكاد يحصل
القطع بالوصول إلى حد الحقيقة الشرعية في زمان الصادقين عليهما
السلام لكن ذلك لا يجدى في الألفاظ الصادرة قبل زمانهما عليهما
السلام فالمتبع قرائن المقام ومع عدمها يحصل الاجمال لعدم إحراز
بناء من العقلا وأهل المحاورات على تأخر النقل بعد تحقق أصله
قوله وهو ان الوضع التعييني كما يحصل
حقيقة الوضع سوأ قلنا إنه التعهد أو التنزيل أو غير ذلك عبارة عن
فعل نفساني لا قول وضعت وانما هو كاشف عنه ومن المعلوم انه لا
فرق في الكاشف بين ان يكون قول وضعت أو الاستعمال الواحد أو
كثرة الاستعمال فليس شئ من ذلك علة للوضع ولا بنفسه هو
الوضع بحيث يكون عنوانه منطبقا عليه كي لا يتحقق الوضع لولا قول
وضعت كبعض العناوين الانشائية مثل النداء والاستفهام و
شبههما (نعم) يطلق عليه ذلك كإطلاق الطلب على صيغة افعل مع أن
حقيقته تلك الإرادة القائمة بالنفس فقول وضعت انشاء للوضع
بالمدلول المطابقي (واما) الاستعمال الواحد المقصود به الوضع فهو
انشاء له بالمدلول الالتزامي كما أن كثرة الاستعمال كاشفة عنه من
غير انشاء وقد تقدم بعض القول في ذلك عند التكلم في الوضع (ثم)
ان الاستعمال عبارة عن ذكر اللفظ منزلا إياه منزلة المعنى ومدعيا
انه عينه فهو إنفاذ للوضع وإعمال له وفعلية لما صنعه الواضع (واما)
قصد الحكاية فلا يكون قبل العلم بالوضع فلا يعقل ان يقصد
المستعمل المريد للوضع باستعماله الحكاية بنفس اللفظ وكيف
يقصد الحكاية بما لا حكاية له (نعم) يمكن قصد حصول الحكاية بعد
معرفة الوضع بسبب القرينة المقترنة بالاستعمال الكاشفة عن قصد
المستعمل الوضع (وذلك) لان قوام الحكاية بمعرفة الوضع سبقت
تلك المعرفة
على الاستعمال أم لحقت أم اقترنت فكما انه في سائر الاستعمالات
تكون الألفاظ دالة بضميمة قول المستعمل ابتدأ وضعت أو سائر ما
يدل على الوضع ومنه تبعية
29

المستفادة من حال المستعملين باختيارهم لغته في المكالمات كذلك
في هذا الاستعمال يدل اللفظ بعد العلم بالوضع بسبب ما اقترن
بالاستعمال من القرينة الكاشفة عن الوضع
قوله فلا يكون بحقيقة ولا مجاز
قد تقدم ان الوضع عبارة عن الجعل النفساني وهو سابق على
الاستعمال لا نفس الاستعمال ولا هو معلول له وعليه فالاستعمال
المذكور حقيقة وان لم يعلم بكونه حقيقة الا بعد الاستعمال لتقدم
نفس الوضع الذي هو ملاك اتصاف الاستعمال بكونه حقيقة وان تأخر
كاشفه عن الاستعمال أو اقترن به
قوله ويدل عليه تبادر المعاني الشرعية منها
ظاهر العبارة وصريح قوله بعد هذا ويؤيد ذلك أنه يريد الاستدلال
على الوضع التعييني لا مطلق الوضع وعليه فلا بد أن يكون مراده
من التبادر التبادر في أوائل استعمالات الشارع وقد عرفت ان دعوى
أصل التبادر لا تخلو عن مجازفة فكيف بادعائه في أوائل
استعمالات الشارع فإنه أشد مجازفة فالأحسن تتميم الدليل بضم ما
جعله مؤيدا أعني به عدم العلاقة كي ينتفي به احتمال الوضع التعيني
المتوقف على الاستعمال مجازا برهة من الزمان (لكن) المصنف
(قده) يرى حصول التعين وأنس اللفظ بالمعنى بدون استعمال اللفظ
فيما تعين فيه ولو مجاز إبل كان استعمال اللفظ في معناه الأصلي و
تعيين الخصوصيات بدال اخر وسيجئ منه في طي بعض المباحث
الآتية التصريح به
قوله ويؤيد ذلك أنه ربما لا يكون
هذا انما ينفى احتمال الوضع التعيني فيبقى الامر مرددا بين الوضع
التعييني ومذهب الباقلاني (هذا) مع أن انتفاء العلاقة ممنوع فان
طلب
التوجه من الغير دعاء فكل الصلاة دعاء وطلب منه تعالى التوجه إلى
تسبيحه وتمجيده وتقديسه بل المخاطبة والتكلم دعاء ضمني و
طلب من المخاطب التوجه والالتفات إلى الكلام ومن أجل ذلك
يتأذى المتكلم لو لم يلتفت المخاطب ويتوجه إلى كلامه (مضافا) إلى أنه
يمكن دعوى ان استعمال الصلاة عند ابتدأ التجوز كان في الدعاء
الخاص بعلاقة الكلية والفردية أعني الدعاء الصلاتي وهو الدعاء
المتخصص بالخصوصيات الصلاتية من الأقوال والافعال على أن
يكون التقيد بها مأخوذا في المستعمل فيه لا ان يكون مستعملا في
ذوات الأقوال والافعال منضمة إلى ما في الصلاة من الدعاء (نعم) لا
تبعد دعوى حصول التعدي بعد ذلك واستعماله في المجموع
المركب من ذوات الأقوال والافعال وما فيها من الدعاء بعلاقة
المشابهة بل على ما نقلناه من المصنف (قده) في الحاشية السابقة
تكفي
كثرة
30

الاستعمال في الدعاء الخاص على سبيل تعدد الدال والمدلول فضلا
عن دخل التقيد في المستعمل فيه في حصول التعين في المجموع
المركب
قوله هذا كله بناء على كون معانيها مستحدثة
حدوث معرفة تلك المعاني غير دخيل في جريان النزاع بل يمكن
النزاع حتى مع قدم المعرفة فان معرفة أهل اللغة بها لا يستلزم وضع
تلك الألفاظ بإزائها على سبيل الاشتراك مع المعاني الأصلية أو نقلا
عن معانيها الأصلية فلعلهم لم يستعملوا تلك الألفاظ فيها بل تبعوا
اصطلاح أهالي الشرائع السابقة أو انهم استعملوا تلك الألفاظ فيها
مجازا أو كانوا يستعملونها في معانيها ويفهمون الخصوصيات بنصب
دوال اخر ثم لما وصلت النوبة إلى صاحب شرعنا حصل الوضع و
التعين (وبالجملة) النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعية يعم صورتي قدم
معرفة المعاني وحدوثها (نعم) الوثوق بثبوت الحقيقة الشرعية لا
يكون مع قدمها لا أنه يكون قطعي العدم كما أفاده المصنف. (قده) و
قد نفى الوثوق في صورة احتمال القدم (مع) انه يمكن دعوى الوثوق
بحصول انحصار الألفاظ في المعاني المعروفة في شرعنا فإنها لو
كانت موضوعة لها قديما وبوضع واضع اللغة فلا ريب انها على سبيل
الاشتراك مع المعاني الاخر اللغوية لا على سبيل النقل عنها و
هجرها (واما) في شريعتنا فقد حصل التعيين فيكون الانحصار شرعيا
وأصل الوضع لغويا وهذا كاف في ترتب ثمرات المسألة (هذا)
بحسب الكبرى (واما) ما استدل به على إثبات الصغرى وقدم
المعاني من الآيات فدلالتها إنما تتم على تقدير
كون المراد من لفظ الصلاة والصيام والحج والزكاة المذكورة فيها
المعاني المتنازع فيها ولا قرينة على ذلك والوضع لها أول الكلام
نعم تكون الآيات إلزاما على القائل بالحقيقة الشرعية (واما) قوله
تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم فلا دلالة فيه
على أن المأمور به في حقنا هو المعنى المستعمل فيه لفظ الصيام
حتى يثبت به قدم معنى الصوم فلعل المراد منه مطلق الامساك و
تصدق
كتابة الجنس بكتابة نوع منه ولا دلالة في الآية على أن النوع المكتوب
في حق من قبلنا هو نوع المكتوب في حقنا فلعل النوع المكتوب
على من قبلنا هو الامساك عن الكلام أ ترى ان قولنا في الحمام اليوم
إنسان كما كان في الأمس إنسانا أو في الدار اليوم حيوان كما كان
في الأمس حيوانا ظاهر في اتحاد ما في اليوم والأمس في أزيد من
جهة الانسانية والحيوانية المذكورة
31

في العبارة كالاتحاد الشخصي أو الصنفي أو النوعي كلا ثم كلا
قوله نعم حصوله خصوص لسانه
المدار على حصوله في لسانه ولولا بلسانه وباستعمال شخص نفسه
بل بمجموع استعمالاته واستعمالات تابعيه فلا أثر لما لم يكن في
لسانه وإن كان بلسانه كأن استعمل اللفظ في المعنى المجازي فلما ان
بلغ إلى حد التعين ارتحل من الدنيا ولم يصادف شئ من
استعمالاته زمان التعين بل استنتج تابعوه ثمرة استعمالاته
قوله وأصالة تأخر الاستعمال مع معارضتها
المعارضة انما تكون على فرض الجهل بتاريخهما اما على تقدير العلم
بتاريخ أحدهما فالأصل في الطرف الآخر بلا معارض
قوله الا على القول بالأصل المثبت
بل حتى على القول بالأصل المثبت إذ لا أثر شرعي يترتب على
استعمال اللفظ في المعنى (نعم) مع ثبوت الاستعمال ولو بمقتضى
أصل
من الأصول اللفظية يكون اللفظ حجة على المعنى إذا كان حكما
شرعيا لكن هذا الحكم ليس متوجها إلى استعمال اللفظ في ذلك
الحكم
كي يترتب على التعبد بذلك الاستعمال.
مبحث الصحيح والأعم
قوله وغاية ما يمكن ان يقال في تصويره
ما يمكن ان يقال في تصويره أمور ثلاثة (الأول) ان يكون النزاع في أن
أي المعنيين أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي وأقوى علاقة
من صاحبه حتى يتعين حمل اللفظ عليه عند قيام القرينة الصارفة عن
المعنى الحقيقي (الثاني) ان يكون النزاع في أن أي المعنيين مجاز
عن المعنى الحقيقي وذو علاقة معه والاخر مجاز عن المجاز ويمكن
ان يكون القائل بالأعم في هذين الوجهين مدعيا مساواة الصحيحة
مع الفاسدة في مرتبة العلاقة وكون علاقتيهما جميعا مع المعنى
الحقيقي فمع قيام الصارف عن المعنى الحقيقي لا يحمل على
خصوص
أحدهما الا مع قرينة معينة والفرق بين الاحتمالين انه على الأول قائل
بضعف علاقة الصحيحة أو عدم كون علاقتها ملحوظة مع المعنى
الحقيقي بل مع الأعم الذي هو أيضا معنى مجازي بخلافه على الأخير
ولكن الاحتمالين مشتركان في الأثر (ثم لا يخفى) ان التصوير
الثاني يبتنى على جواز سبك المجاز من المجاز (الثالث) ان يكون
النزاع في أن أي المعنيين متعين للإرادة بحسب القرينة العامة ولو
كانت تلك القرينة هي اشتهار استعمال اللفظ في لسان
32

الشارع فيه وجريان عادته بإرادته بعد قيام الصارف عن المعنى
الحقيقي مع تساوى المعنيين في العلاقة وكون علاقتيهما جميعا مع
المعنى الحقيقي (ولا يخفى) ان المصنف (قده) لم يتعرض للوجه
الأول وخلط بين الوجهين الأخيرين وأبرزهما بصورة وجه واحد ولا
يمكن تصوير النزاع على مذهب الباقلاني الا بهذا الوجه الأخير
قوله وأنت خبير بأنه لا يكاد يصح هذا،
وإحراز هذا المعنى يكون بالتبادر الحاصل بعد قيام الصارف عن
المعنى الحقيقي فكما بالتبادر من حلق اللفظ يفهم تحقق الوضع
الشرعي كذلك بالتبادر مع القرينة الصارفة يستكشف تقدم أحد
المجازين بأحد أنحاء التقدم المتقدم ذكرها فان المجاز يتبادر كما
تتبادر الحقيقة (غاية الأمر) ان هذا من حاق اللفظ وفي المرتبة الأولى
وذاك بمعونة القرينة الصارفة وبعد قيام الصارف عن المعنى
الحقيقي فليس إثبات المدعى على تقدير القول بالمجاز الشرعي أو
القول بما اختاره الباقلاني أصعب من إثباته على تقدير القول
بالحقيقة الشرعية
قوله إن الظاهر أن الصحة عند الكل،
التمام والنقصان لا يلاحظان بالنسبة إلى الطبيعة المندرج فيها
الصحيح والفاسد وإلا كان الفاسد خارجا عن تحت تلك الطبيعة غير
مشتمل على تمام حدودها من جنسها وفصلها مع أنه بالضرورة منها و
داخل فيها ولا يتخلف عن الصحيح في الذاتيات والا لم يكن
الفاسد فاسد تلك الطبيعة بل طبيعة أخرى أجنبية عنها (وانما)
يلاحظان بالنسبة إلى الخصوصيات الخارجة والضمائم اللاحقة
للطبيعة
لحوقا نوعيا أكثريا فما اشتمل على تلك الخصوصيات هو صحيح
تلك الطبيعة وما تخلف عنها هو ناقصها وفاسدها فالصحة تكون
بالاشتمال على جميع تلك الخصوصيات وبسبب ذلك الاشتمال
يكون محلا لبروز آثار مرغوبة والفساد يكون بعدم الاشتمال على
جميعها ولو بفقد بعض منها وبسببه يتخلف عنه مجموع تلك الآثار
الصادق ذلك بتخلف بعض منها ولو كان ذلك واحدا منها فصفتا
الصحة والفساد منتزعان من اشتمال الفرد على الخصوصيات التي
تقتضيها الطبيعة في حد ذاتها لولا القاسر الخارجي وعدم اشتماله
عليها وترتب جميع الآثار وعدم ترتبها لازم لهما (ومنه يظهر) ان
الصحيح ما كان مشتملا على تمام الآثار ويقابله الفاسد وهو ما لا
يكون مشتملا على تمام الآثار وان ترتب عليه جميع الآثار ما عدا
واحدا وعليه فلا يختلف
الشئ الواحد صحة وفسادا بحسب أثرين ليكون صحيحا بلحاظ
الأثر المترتب وفاسدا
33

بلحاظ المتخلف بل بمجرد تخلف أثر واحد يكون فاسدا بقول مطلق
(واما توهم) كون الصحة والفساد امران إضافيان فتكون صلاة
واحدة صحيحة من شخص كالقصر من المسافر وفاسدة من اخر
كالقصر من الحاضر (ففاسد) فان إلغاء قيد السفر والحضر الدخيلين
في الصحة يكون كإلغاء سائر الخصوصيات من الاجزاء والشرائط و
مع عدم الالغاء لا يتأتى القول بان صلاة المسافر فاسدة من الحاضر
فإنها بهذا القيد لا تكون من الحاضر فهي بهذا القيد صحيحة لا تتصف
بالفساد وكذا كل نوع من الصلاة ممن كلف به فخصوصية المكلف
دخيلة كخصوصية المكلف به فمع اجتماع الخصوصيتين لا يعقل
الاتصاف بالفساد ولا يكون الفساد الا بالخلل في شئ من
الخصوصيات
قوله ومنها انه لا بد على كلا القولين من قدر جامع
وذلك لوضوح فساد القول بالاشتراك اللفظي واحتياج كل من القول
بالاشتراك المعنوي والقول بالوضع العام والموضوع له الخاص
إلى الجامع ففي أحدهما الجامع بنفسه هو الموضوع له وفي الاخر آلة
للحاظ الموضوع له (ثم) ان ما أفاده (قده) من إمكان الإشارة إلى
الجامع بين الافراد الصحيحة ب آثارها وخواصها لمكان ان الاشتراك
في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد هو المؤثر لقاعدة ان
الواحد لا يصدر الا من الواحد فذلك ان صح فإنما يتم إذا اختص هذا
الأثر بافراد الصلاة واما إذا عم سائر افراد العبادات أو احتمل
عمومه لها أو لبعضها فهو انما يصح الإشارة به إلى الجامع بين الجميع
وليس ذلك صلاة بالقطع
قوله إذ كل ما فرض جامعا،
هذا إذا فرض الجامع مركبا شخصيا كالمؤلف من أجزأ خاصة معينة
فإنه مضافا إلى ما أشكله المصنف (قده) لا يكاد يكون ذلك جامعا
بين جميع الصحاح وساريا فيها بأجمعها لاختلافها بحسب الاجزاء و
الشرائط اختلافا فاحشا بل ربما لا يكون من أجزأ أحدها في غيره
شئ (واما) إذا فرض مركبا نوعيا صادقا على جميع المركبات كأن
يقال الصلاة اسم لعدة أجزأ ثابت لها الأثر الخاص كالنهي عن
الفحشاء فلا يتجه عليه شئ فبهذا الأثر يشار إلى الذوات المركبة
المختلفة بحسب الاجزاء والشرائط المؤثرة في هذا الأثر بجامع واحد
أو بدون جامع واحد (نعم) الموضوع له على هذا لا يكون إلا خاصا
لعدم الوضع بإزاء الجامع الواحد البسيط المستكشف وجوده من
وحدة
الأثر سوأ لم يستكشف وجود هذا الجامع أصلا أم استكشف ولكن
لم يجعل الواضع اللفظ له بل
34

جعله لافراده ومصاديقه المركبة من عدة أجزأ وشرائط
قوله لبداهة استحالة أخذ ما لا يتأتى،
هذا إذا أريد من عنوان المطلوب عنوان المطلوب الحاصل من شخص
الطلب في أقيموا الصلاة مثلا والا مفهوم مطلوب العام لا يتأتى من
قبل طلب خارجي ولا يتوقف عليه فضلا عن هذا الطلب الشخصي
الخارجي (وأيضا) ما أشكله (قده) انما يتجه إذا أريد أخذ هذا العنوان
في مدلول اللفظ واما إذا أريد الإشارة به إلى ذات ما هو المدلول
كالإشارة بالأثر الذي هو في كلام المصنف (قده) فلا يتجه عليه شئ
فيقال ان الصلاة اسم لما تعلق به الطلب في أقيموا الصلاة فان وحدة
الطلب تكشف عن اتحاد المتعلق ووجود جامع واحد بين جميع
الافراد المتعلقة للامر يكون هو المأمور به دون الافراد كما يكشف عن
ذلك وحدة الأثر
قوله مع لزوم الترادف بين،
يحتمل ان يكون مراده لزوم الترادف بين لفظ الصلاة وهذا المفهوم
العام الصادق على الصوم والحج وكل ما هو مطلوب فيلزم ان
يكون كلها صلاة وهو باطل قطعا لكن ذلك لا يجتمع مع ما أورده
(قده) أولا المبتني على أن يكون المراد من المطلوب المطلوب
الشخصي الحاصل من الامر في أقيموا الصلاة لوضوح عدم صدق
ذلك على سائر المطلوبات (ويحتمل) ان يكون مراده من الترادف
الترادف بين لفظ الصلاة الذي هو اسم للذات وبين لفظ مطلوب
الموضوع لمعنى وصفي اشتقاقي فيكون لفظ الصلاة مشتملا على
معنى
وصفي فلا يكون فرق بين ان يقال هذا مطلوب بطلب أقيموا وبين ان
يقال هذا صلاة بل يكون قضية الصلاة مطلوب بطلب أقيموا معناها
المطلوب بطلب أقيموا مطلوب بطلب أقيموا وقد تقدم ان هذا انما
يتجه إذا جعل العنوان دخيلا في المدلول لا لمجرد الإشارة إلى ما هو
المدلول
قوله وعدم جريان البراءة مع الشك في أجزأ
اعلم أن هناك مسائل ثلاث (إحداها) ان يكون متعلق التكليف مركبا
مرددا بين زائد وناقص والاشكال في جريان البراءة في هذا القسم
بناء على القول بالبرأة في الأقل والأكثر (ثانيتها) ان يكون مصداق
متعلق التكليف مرددا بين زائد وناقص مع بساطة نفس المتعلق و
تبين مفهومه كما إذا وجب صوم شهر فتردد مصداقه الخارجي بين
ثلثين يوما وتسعة وعشرين يوما وفي جريان البراءة في هذا
القسم خلاف بين القائلين بالبرأة في الأقل والأكثر فالشيخ الأنصاري
(قده) في رسالة البراءة في المسألة الرابعة من مسائل الأقل و
الأكثر ذهب إلى الاحتياط نظرا إلى أن متعلق التكليف مفهوم مبين و
الاجمال و
35

في أمر خارج والعقل في مثل ذلك يحكم بالاحتياط ووجوب
تحصيل ذلك المفهوم المبين المكلف به على سبيل القطع وقد أول
المصنف (قده) في الحاشية كلامه مع صراحته وحمله على الشك في
المحصل وتردده بين الأقل والأكثر مؤذنا ببطلان ظاهره وهو
الذي صرح به هنا (ثالثتها) ان يكون المكلف به بمفهومه ومصداقه
مبينا ويكون الاشتباه والتردد بين الزائد والناقص في السبب
المحصل له وهذا أيضا لا إشكال في وجوب الاحتياط فيه (ولا
يخفى) ان المستشكل بان اللازم على تقدير كون الصلاة اسما لمفهوم
واحد بسيط اما هو عنوان المطلوب أو ملزومه المساوي له أراد ان
المقام يندرج تحت المسألة الثانية من المسائل الثلث التي أشرنا إليها
لا تحت المسألة الثالثة فنزاع المصنف (قده) معه يكون كبرويا وفي
وجوب الاحتياط فيها لا صغرويا وان المستشكل قد أخطأ في
حسبان ان ذلك يكون من الشك في المحصل كما يلوح من عبارته في
الجواب
قوله وبهذا يشكل،
بل ويشكل بسابقة وكذا سابق سابقه إذا كان المراد من ملزوم
المطلوب مفهوم ملزوم المطلوب (نعم) لا يتجه ذانك الاشكالان إذا
كان
المراد مصداقه أعني به عنوان الناهي عن الفحشاء أو معراج المؤمن
قوله فتصوير الجامع في غاية الاشكال،
إذا صحت الإشارة بالمؤثر في النهي عن الفحشاء إلى الجامع بين
الافراد الصحيحة صحت الإشارة بالمجاور لهذا الأثر والقريب منه و
غير البعيد عنه إلى الجامع بين الأعم فتدخل في ذلك الافراد
الصحيحة لمجاورتها لهذا الأثر مجاورة اتصال وملاصقة ويدخل فيه
أيضا
معظم الاجزاء من الافراد الفاسدة فإنها مجاورة للأثر وغير بعيدة عنه
فكما ان المؤثر الفعلي يختلف بحسب الحالات كذلك الكون في
طرف للأثر وحاشيته يختلف بحسب الحالات فمن شخص شئ و
من الاخر شئ اخر فمعظم أجزأ صلاة المسافر صلاة بالنسبة إلى
المسافر وليس بصلاة بالنسبة إلى الحاضر وهكذا فليس المراد من
المعظم معظما شخصيا واحدا كي يتجه عليه ما سيجئ في تصوير
الجامع بمعظم الاجزاء ولا مفهوم المعظم بل هو المفهوم الجامع
الصادق على معظم ما كان في صراط التأثير الفعلي وعلى جميع الأجزاء
المؤثرة بالفعل
قوله وما قيل في تصويره أو يقال وجوه
ان ما عدا الوجهين الأولين من هذه الوجوه ليس من تصوير الجامع بل
يصحح القول بالأعم ولو بأوضاع متعددة ملفقة من تعيينية و
تعينية أو باستعمالات مسامحية بل في الحقيقة بعض ما ذكره يرجع
إلى القول بالصحيح
36

بل إلى القول بالوضع لفرد خاص من الصحاح فلاحظ (واما الوجهان
الأولان) فهما أيضا ليسا من تصوير الجامع المنطبق على الصحيح و
الأعم لوضوح ان مجموع الاجزاء ليس مصداقا لبعض الاجزاء سوأ
كان ذلك البعض مجموع الأركان أم معظم الاجزاء بل يباينه مباينة
الكل واجزائه (نعم) يوجد هذا الجامع فيه ويصدق على أركانه و
معظم اجزائه كما يصدق على كل من الأركان ومعظم الاجزاء
بالاستقلال وإلى ذلك يؤل ما أورده المصنف (قده) عليهما من أنه
يلزم ان يكون الاستعمال فيما هو المأمور به باجزائه وشرائطه مجاز
أو يكون من باب استعمال اللفظ الموضوع للجز في الكل لا من باب
إطلاق الكلي على الفرد والجزئي (وغرضه) انه لا تكون له حالة
حقيقة مع أن لازم وضع اللفظ بإزاء الجامع ان يكون إطلاقه على كل
فرد من افراده حقيقة والا فمجازية استعمال اللفظ فيما ذكره ثابتة
حتى على فرض ان يكون اللفظ موضوعا بإزاء الجامع المنطبق على
الصحيح الجامع للاجزاء والشرائط
قوله وفيه مضافا إلى ما أورد،
هذا انما يتجه إذا كان التحديد بالمعظم من جانبي الزيادة والنقيصة
(اما) إذا كان التحديد به من جانب النقيصة خاصة فيخرج الناقص
عن المدلول ويبقى المعظم والجميع تحته (واما) الجامع بين المعظم
والمجموع فيمكن تصويره بما يقرب من التأثير الفعلي في النهي
عن الفحشاء وهذا ينطبق على جميع الأجزاء وعلى معظمها وهذا
الجامع يختلف بحسب الحالات كما يختلف المؤثر الفعلي الجامع
على
المذهب الصحيحي بحسبها (وعليه) فيندفع الاشكال بان معظم
الاجزاء يختلف باختلاف الصحيح من الصلاة فمعظم أي منها هو
المراد (و
هذا) الاشكال بعينه جار في الوجه الأول (وذلك) لاختلاف الأركان
حسب اختلاف الصلوات الصحيحة فأركان أي منها هو المراد وإرادة
الجامع بين الأركان المنطبق على أركان كل من تلك الصلوات
الصحيحة لازمه أن تكون الإشارات الركنية من المريض صلاة إذا
صدرت
من الصحيح
قوله إنه عليه يتبادل ما هو المعتبر،
الصحيح انه لا يتبادل ما هو المعتبر في المسمى (اما) على القول بان
المسمى هو مفهوم معظم الاجزاء وان لفظ الصلاة يرادف كلمة معظم
الاجزاء (فواضح) لأنه لا تبادل في هذا المفهوم فإن كان تبادل فهو في
جزئياته ومصاديقه كما في مفاهيم مراتب الاعداد (واما) على
القول بان المسمى هو مصداق هذا المفهوم فليس المسمى مصداقا
واحدا معينا بل جميع المصاديق مسمى بلا تبادل فكل معظم يفرض
فهو
موضوع له فالواضع
37

بلحاظ هذا المفهوم العام وضع اللفظ بإزاء جزئيات هذا المفهوم و
مصاديقه في أي تركيب فرض (ومنه يظهر) ما في قوله (قده) بل
مرددا بين ان يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الاجزاء (و
ذلك) لعدم الترديد بل الجميع مصاديق للمسمى من أي جانب لوحظ
واعتبر أو بأنفسها هي المسمى لا مصاديق المسمى لكن بالوضع العام
والموضوع له الخاص بل على ما ذكرنا يكون الكل مصداقا اخر
للمسمى
قوله سيما إذا لوحظ هذا مع ما عليه،
هذه العبارة توهم ان مقصوده تقوية إشكال التبادل والتردد لكنه ليس
كذلك بل مقصوده إيراد إشكال مستقل لا دخل له بذلك
الاشكال (ومحصله) ان المعظم بالقياس إلى أي صحيح من الصحاح
يلاحظ فان بين الصحاح اختلافا فاحشا فيكون بين معظم كل مع
معظم الاخر ذلك الاختلاف الفاحش (ويمكن دفعه) بان المقيس
عليه للمعظم يمكن ان يكون هو الجامع بين الصحاح الذي تصوره
المصنف (قده) فيقال ان المسمى هو معظم أجزأ الناهي عن الفحشاء
فينطبق على كل معظم لو تممه الآتي به لصار صحيحا وناهيا فعليا
فمعظم أجزأ صلاة الحاضر غير المعذور صلاة بالنسبة إليه وكذلك
المعظم بالنسبة إلى المسافر والمريض والخائف فمعظم صحيح
كل شخص صلاة بالنسبة إليه فكما انه على القول بالصحيح صلاة كل
طائفة تختلف عن صلاة الآخرين كذلك على القول بالأعم
قوله ثالثها ان يكون وضعها كوضع الاعلام
مقتضى كون وضعها كوضع الاعلام الشخصية ان يكون هناك جهة
واحدة بوحدة شخصية محفوظة في طي المتخالفات وموجودة
بوجود شخصي في تمام تلك الأطوار (مع أن الواضح ان ليس صحيح
العبادات واحدا شخصيا وجزئيا خارجيا تتبادل عليه الحالات
المتخالفة بل هو متخالف الاشخاص فإن كانت هناك وحدة بين تلك
المختلفات بالشخص فلا بد أن تكون وحدتها وحدة جنسية أو
نوعية أو صنفية لا شخصية كي يقال إن الوجود الشخصي هو الجامع
لتمام تلك الحالات المتخالفة الطارية وحينئذ يقع السؤال عن ذلك
الواحد الذي يجمع تمام الافراد الصحيحة المختلفة الاشخاص زيادة
ونقيصة ولعل ما ذكرنا هو مراد المصنف (قده) في الجواب وإن كانت
عبارته لا تخلو عن قصور
قوله وتنزيلا له منزلة الواجد،
أو يدعى بان اللفظ موضوع للأعم من الواجد والفاقد
قوله ولا يكاد يتم في مثل العبادات
اختلاف الصحيح لا يضر بذلك كما لا يضر به كون الصحيح بحسب
حال فاسدا بحسب حال اخر (فإنه) اما ان يجعل فرد معين من الافراد
الصحيحة وهو الصحيح بالنسبة إلى الحاضر
38

غير المعذور موضوعا له للفظ ابتدأ كما هو ظاهر عبارة المصنف
(قده) في هذا الوجه ثم يتعدى إلى الافراد الصحيحة الاخر بجامع
المشاركة في الأثر وإلى فاسد هذا الصحيح أعني به معظم اجزائه
بجامع المشابهة الصورية فلا يكون إشكال من جهة اختلاف الصحاح
(وانما الاشكال) من جهة ان الصحيح الذي يفرض موضوعا له ابتدأ
لا يكون صحيحا في جميع الأحوال (ومن حيث) ان التعدي بجامع
المشاركة في التأثير إلى سائر الصحاح لا يتم لعدم كون الموضوع له
مؤثرا دائما بحيث يكون من لوازمه التأثير بل يثبت له التأثير تارة
وينفك عنه أخرى (الا ان الامر هين) فإنه يلتزم بان الموضوع له ما هو
الصحيح المؤثر غالبا لا ما هو كذلك دائما (ومن المعلوم) ان
جميع الأجزاء كذلك لقلة ذوي الأعذار بالنسبة إلى غيرهم فلا يلزم
الخلف (ومنه يظهر) الجواب عن الجهة الثانية فان غلبة اتصاف
الموضوع له بالتأثير كافية في التعدي عنه بجامع هذه الصفة الغالبة
(نعم) يبقى إشكال لا مناص عنه وهو ان هذا الوجه ليس من تصوير
الجامع الأعم فإنه قول بالوضع لخصوص بعض الصحيح تعيينا و
الاستعمال في البقية وكذا في الفاسدة تسامحا اما دائما أو مع حصول
التعين فيدخل في الأوضاع المتعددة (ومن ذلك) يظهر انه لو جعل
الموضوع له ابتدأ هو الجامع بين الافراد الصحيحة وذلك بالإشارة
إليه بأثره ثم التعدي عنه إلى الافراد الفاسدة حسب
الترتيب المقرر في العبارة كان ذلك أبعد من الاشكال وأوسع دائرة من
الأول لحصول التعدي إلى فاسد كل نوع من أنواع الصحاح
بجامع المشابهة الصورية بخلافه على الأول الا بعد حصول التعين في
بقية الصحاح أو القول بجواز سبك المجاز من المجاز
قوله الا انه لم يضع له بخصوصه بل للأعم،
الكلام في تصوير ذلك الأعم وبيان حده فليس ما أفاده (قده) الا
إعادة للدعوى لا تصويرا للجامع كما أن الاحتمال الاخر أعني به قوله
أو
انه وان خص به أولا إلى آخره هو الوجه الرابع بعينه فالوجه الخامس
مردد بين ما هو باطل وما يرجع إلى الوجه الرابع، فالصواب اذن
تركه وترك الوجه الرابع بل والثالث وقد عرفت ما في الوجهين
الأولين أيضا وانهما أجنبيان عن تصوير الجامع
قوله وفيه ان الصحيح كما عرفت،
وقد عرفت الجواب عنه غير مرة فالعمدة في الاشكال هو ما ذكرناه
من رجوع هذا الوجه إلى الوجه الرابع على أحد احتماليه وكونه
إعادة للدعوى على احتماله الاخر
قوله واحتمال كون الموضوع
39

له خاصا بعيد جدا،
ولا سيما مع تعدد الأوضاع دون الوضع للواحد العام وقد عرفت ان
مقتضى بعض الوجوه المتقدمة لتصوير الجامع هو تعدد الوضاع
(غاية الأمر) انها ملفقة من أوضاع تعيينية وتعينية واحتماله ليس
بذلك البعيد بل قريب جدا فتكون استعمالات التي أشار إليها
المصنف
(قده) من باب عموم الاشتراك ولا بعد في ذلك
قوله ومنها ان ثمرة النزاع إجمال الخطاب
هذا إذا كان القائل بالصحيح قائلا بالوضع لافراد الصحيح فإذا لم يعلم أن
الصحيح ما هو لم يعلم أن الصلاة ما هي بل لزوم الاجمال على
هذا المبنى لا يختص بالقول بالصحيح ويجري على القول بالأعم
أيضا (واما) على مختاره (قده) من الوضع للجامع العام المشار إليه
بالناهي عن الفحشاء فيكون الخطاب مبينا ويكون معنى صل آت
بالناهي عن الفحشاء (ولكن) لا يمكن التمسك به عند الشك والتردد
بين الأقل والأكثر لاثبات وجوب الأقل لعدم إحراز الموضوع وعدم
العلم بتحقق مصداق ذلك الخطاب المبين كما إذا قال أكرم العالم و
لم يعلم أن زيدا عالم أم لا فإنه لا يتمسك بما دل على حكم عنوان
العالم لاثبات وجوب إكرامه حتى على القول بجواز التمسك بالعام
في
الشبهات المصداقية كما هو واضح (وبالجملة) عدم التمسك بعموم
الحكم لعدم إحراز تحقق الموضوع غير عدم التمسك بالخطاب
لاجماله (ثم) ان ما ذكره المصنف (قده) من الثمرة جزئي من جزئيات
ثمره البحث والا فالثمرة في المقام على حد ثمرة النزاع السابق
تظهر في الألفاظ الواردة في لسان الشارع فتحمل على الصحيح على
القول بالصحيح وعلى الأعم على القوم بالأعم فإذا دل الدليل على
صحة الاقتداء بصلاة العادل فعلى الصحيح لا يجوز الاقتداء الا بمن
أحرز صحة صلاته ولو بأصل وعلى الأعم
تصح الصلاة ولو خلف من علم فساد صلاته بعد إتيانه بالمسمى
قوله وجواز الرجوع إليه في ذلك،
لكن الرجوع إليه يقضى بجزئية المشكوك وشرطيته للواجب
التخييري العقلي لصدق الطبيعة المشتركة بين الزائد والناقص على
الزائد
كصدقها على الناقص فإذا كان المولى في مقام البيان ووجه الطلب إلى
مثل هذه الطبيعة حكم العقل بجواز امتثاله في ضمن أي فرد شاء
من افراده فيمتثل بالزائد بحد الزيادة حيث إنه بحده مصداق للطبيعة
كما يمتثل بالناقص بحده كما هو الحال في التخيير الشرعي بين
الزائد والناقص
قوله وقد انقدح بذلك ان الرجوع،
لم يتعرض هنا إلى ما ينقدح منه ذلك
40

وانما أشار إليه في ذيل تصوير الجامع بين الافراد الصحيحة وقد
عرفت تفصيل ما ينفعك في المقام (والحق) صحة ما ذكروه من
الثمرة وانه لا محيص على القول بالصحيح مع جعل الموضوع له
الجامع المبين المفهوم بين الافراد الصحيحة وتوجه الطلب إلى هذا
الجامع من الاحتياط وإتيان ما يعلم بانطباق ذلك الجامع المبين
المفهوم عليه ولا مجال للبرأة عن الجز المشكوك (نعم) على القول
بكون الموضوع له ذوات المصاديق اما بالوضع العام والموضوع له
الخاص أو باختصاص كل صحيح من أنواع الصحاح بوضع مستقل
يكون خطاب صل مجملا والمتيقن وجوب الأقل فتجري البراءة عن
الزائد على القول بالبرأة في مسألة الأقل والأكثر (ولعل) المشهور
القائلين بالبرأة مع ذهابهم إلى الصحيح اختاروا هذا المسلك دون
الوضع للجامع بين الصحاح الذي عرفت ان لازمه إيجاب الاحتياط
قوله ولا منافاة بين دعوى ذلك:
لا مجال لتوهم المنافاة بعد اختيار ان الموضوع له جامع مبين المفهوم
بل ولا لتوهمه على القول بان الموضوع له افراد الصحيح فان
جميعها يتبادر عند ذكر اللفظ كتبادر جميع معاني المشترك عند ذكر
لفظه إذ في مقام دعوى التبادر يفرض معرفة جميعها وجميع
الافراد الفاسدة ثم يدعى ان المتبادر هذه الطائفة دون الأخرى (واما)
الجهل وتردد الصحيح بين الزائد والناقص الذي كان محل
الكلام عند ذكر الثمرة وهو المقام السابق فلا دخل له بمقامنا وكان
ذلك بقي في ذهنه (قده) إلى هذا المقام فتوهم ان المقام مقام توهم
المنافاة (ثم) مع الإغماض عن ذلك كله نقول إنه لا يضر الجهل
بالمفهوم على القول بان الموضوع له هو المفهوم الجامع بين الصحاح
ولا
المصداق على القول بأنه مصاديق الصحاح في حصول التبادر فإنه
يتبادر من اللفظ إجمالا معنى متصف بالصحة وهذا المقدار من
المعرفة كاف في التبادر أو يقال إنه لا يتبادر من اللفظ الفاسد هو كاف
في الحكم بخروج الفاسد عن مدلول اللفظ فان كل مجمل مبين
بحد عدمي وانه ليس ذلك المعنى ولا ذلك الاخر ولا ذلك الثالث
فيخرج عن دائرة إجماله عدة أمور معلوم الخروج
قوله ثالثها الاخبار الظاهرة
التمسك بالاخبار في المقام من واضح الاشتباه فان نظير ما تضمنه
الاخبار قد يصدر من اللغوي فيقول لمن يعرف اللفظ والمعنى و
يجعل وضع اللفظ للمعنى ان الصلاة شئ ينهى عن الفحشاء وهو في
هذا الاستعمال لم يستعمل لفظ الصلاة في المعنى بل استعمله في
41

لفظه وقد أشار إلى المعنى الموضوع له بأثره وخاصيته (واما) العبارة
التي تضمنتها الاخبار فهي في مقام بيان آثار الصلاة لمن يعلم
معنى هذا اللفظ ويجهل آثاره فاللفظ فيها مستعمل في معناه (وان
شئت قلت) ان المراد من هذه الأخبار غير مشتبه وهو الصحيح إذا
الثابت له تلك الآثار والخواص وكذلك المنتفي بانتفاء بعض الاجزاء
أو الشرائط هو خصوص هذا القسم ومع تبين المراد لا معنى للاخذ
بأصالة الحقيقة والحكم بان المستعمل فيه اللفظ هو المعنى
الحقيقي فان أصالة الحقيقة انما تجري عند الشك في المراد ودورانه
بين
المعنى الحقيقي والمجازي لا مع تبين المراد والشك في أنه هو
الموضوع له للفظ أولا فان هذا مورد ما قيل من أن الاستعمال أعم من
الحقيقة (مع) ان لنا منع استعمال اللفظ في خصوص الصحيح أيضا و
انما يعلم إرادة الصحيح بدال اخر وبقرينة الحكم في القضية
قوله ممكن المنع
لعل المدعى لكثرة استعمال هذا التركيب في نفى الصحة أو الكمال لا
يعنى أزيد مما يشمل نفى الحقيقة بانتفائهما ادعاء مع أن المنع
المذكور لا يضر بالمدعى ولا ينفع المصنف (قده) إذا كانت كثرة
الاستعمال في نفى الحقيقة ادعاء بالغة حدا يزاحم ظهور اللفظ في
نفى
الحقيقة حقيقة (كما أنه) لا حاجة إلى إبطال جواب المجيب إلى هذا
المنع ان لم تكن بالغة ذلك الحد (بل تندفع مقالته) بان استعمال هذا
التركيب في نفى الصفة خلاف الظاهر لا يصار إليه سوأ كان استعماله
في ذلك على سبيل المجاز في التقدير أم على سبيل الحقيقة
الادعائية فان كلا من الامرين يحتاج إلى القرينة ويشتمل على العناية
قوله كما هو قضية الحكمة الداعية إليه
انما يكون قضية الحكمة ذلك إذا كانت الحاجة إلى استعمال اللفظ في
الناقص نادرة (ولكنها ممنوعة) فإنها ان لم تزد على الحاجة إلى
استعماله في التام لم تنقص عنها
قوله والظاهر أن الشارع غير متخط
نحتاج هاهنا إلى ظهورين (ظهور) عدم تخطي الشارع عن هذه الطريقة
باتخاذها طريقة لنفسه (ثم ظهور) عدم تخطيه عما اتخذه من
الطريقة في وضع ألفاظ العبادات (وكل) من الامرين في محل المنع
(كما) ان أصل كون طريقة الواضعين ذلك في محل المنع أيضا (مع)
ان غاية ما يقتضيه هذا الدليل الظهور والظن دون القطع
قوله وفيه انه قد عرفت الاشكال
كما قد عرفت عدم إناطة التبادر بتصوير الجامع بل يتبادر من اللفظ
الكلي المنطبق على جميع الافراد وان لم يعرف ذلك الكلي بعده و
لا يمكن الإشارة إليه بخاصيته
42

وانما عرف بأنه كلي هذه الافراد كما أفاده (قده) في موضوع العلوم و
انه لا يلزم معرفته بل يكفي للمباحث ان يعرفه بعنوان انه الكلي
المنطبق على موضوعات المسائل (هذا) مع أنه يكفي للمستدل ان
يستدل بعدم تبادر خصوص الصحيح فإنه أمارة المجاز في خصوص
الصحيح وحيث لم يكن خصوص الفاسد أيضا متبادرا بل لا يحتمل
الوضع لخصوصه فيستكشف من ذلك ان الموضوع له ليس خصوص
هذا ولا خصوص ذلك وان هناك جهة جامعة بين القسمين هي
الموضوع له فبالطريق المزبور يمكن ان يستدل على إثبات أصل
وجود
الجامع ثم إثبات الوضع له
قوله وفيه منع لما عرفت
من عدم تصوير الجامع اللابد منه في الحمل ولو إجمالا وارتكازا (و
يحتمل) ان يكون مراده ما تقدم في دليل الصحيحي من صحة السلب
قوله لو لم تكن هناك دلالة
بل لا شهادة فيه ولو لم تكن هناك دلالة فان التقسيم يدل على
استعمال المقسم في الجامع الأعم والاستعمال أعم من الحقيقة (و
جواب)
المصنف (قده) عن دليل التبادر بعدم تصوير الجامع يتوجه هنا أيضا و
يبطل صحة التقسيم ولو بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ إذ لا
جامع ليستعمل فيه اللفظ ولو مجازا (واما) صحة التقسيم بالوجدان
كما اعترف به هنا فهو طريق يصح الاستدلال به على إثبات وجود
الجامع وان لم يثبت بها الوضع له لما سمعت من أن غاية ما يقتضيه
التقسيم استعمال لفظ المقسم في الجامع الأعم والاستعمال أعم من
الحقيقة (اللهم) الا ان يدعى صحة تقسيم هذا اللفظ بمدلوله الحقيقي
الأولى
قوله فان الاخذ بالأربع لا يكون
محصله ان الأربع المأخوذة فاسدة قطعا فيكون ذلك قرينة على أن
المراد من الصلاة والزكاة إلخ هو الفاسدة منها لصراحة الفقرة في أن
الأربع المأخوذة هي الأربع المبنى عليها الاسلام فبقرينة الفقرة
الأخيرة يستدل بالفقرة الأولى (وأيضا) الفقرة الأخرى المذكورة
في ذيل الرواية أعني بها قوله عليه السلام فلو ان أحدا صام نهاره وقام
ليله، دليل اخر على المطلوب (ولا يخفى) ان بناء هذا الاستدلال
على مجرد الاستعمال فلو قنع المستدل بالاستعمال أمكن ان يذكر له
اخبارا لا تحصى في ذلك ولا وجه لتخصيص هاتين الروايتين
بالذكر بعد عدم امتيازهما عن سائر ما عداهما
قوله مع أن المراد في الرواية الأولى
هذا الاشكال نشأ مما أدعاه المستدل من وقوع الاستعمال في
خصوص الفاسدة (ولكن) لا ملزم للالتزام به ولا يتوقف إثبات مدعاه
عليه
43

فإنه لو ادعى الاستعمال في الأعم لاندفع عنه هذا الاشكال (وذلك)
لصدق بناء الاسلام على طبيعة الخمس العامة ببنائه على خصوص
قسم منها وصدق الاخذ بالأربع منها بالأخذ بقسم اخر منها (الا ان
يدعى) ظهور الرواية في أن القسم المأخوذ هو بعينه القسم المبنى
عليه
الاسلام واقعا لا انهما مشتركان في الاندراج تحت طبيعة واحدة وإن كان
النوع المأخوذ منها غير النوع المبنى عليه الاسلام (ويمكن ان
يقال) ان البناء على الخمس وعد الولاية التي هي شرط قبول الأربع
من جملتها وفي عرضها قرينة إرادة الفاسدة منها أو الأعم والا
كان البناء على الأربع لا الخمس وكانت الولاية مأخوذة فيها لا مبنية
عليها في عرضها (اللهم الا ان يقال) بان للولاية حيثيتين حيثية
استقلال وهي من هذه الحيثية أهم - الواجبات وحيثية الشرطية
لصحة العبادات وعدها في عرض البقية انما هو باعتبار حيثيتها
الأولى
(ثم) لو فرضنا قرينية بناء الاسلام على إرادة الصحيحة لعارض هذه
القرينة ظهور الاخذ في الاخذ الواقعي دون الاعتقادي فلا بد من
التصرف ورفع اليد عن أحد الظهورين (اما) بحمل الاخذ على الاخذ
الاعتقادي (أو) بحمل البناء على الخمس على البناء على - الجامع
الأعم من الصحيح والفاسد باستعمال ألفاظها في الأعم لصدق البناء
على الطبيعة - المشتركة بالبناء على نوع منها ويكون الاخذ بها
بالأخذ بنوع اخر منها (ولا يبعد)
أولوية هذا التصرف من التصرف الأول لوجوه (الأول) ان حمل الاخذ
على الاخذ الاعتقادي مبنى على جواز نسبة الفعل إلى الشخص
بمجرد الاعتقاد فيقال فلان قام وركب الحمار وسافر إلى الإسكندرية
بمجرد اعتقاد صدور كل ذلك منه أو زيد أعلم من في الأرض
وافقه فقهاء الاسلام إذا كان معتقده ذلك (وذلك) باطل بالقطع فان
مفاد أخذ هاهنا هو النسبة التي هي مفاد هيئات الافعال الدالة على
نسبة الحدث إلى الفاعل فلا فرق بين ان يقال فلان أخذ في القيام وبين
ان يقال قام ونظيره في ذلك لفظ شرع وتلبس وتصدى وقام
وارتكب (ومن المعلوم) ان نسبة الفعل إلى الشخص لا يسوغ بمجرد
اعتقاده بقيام تلك النسبة به ولو صحت النسبة بمجرد الاعتقاد
لصح التجوز في الكلمة بمجرد الاعتقاد فيطلق لفظ الأسد على ما
اعتقد انه أسد ولفظ الصلاة على ما اعتقد انه صلاة (الثاني) ان الاخذ
و
الترك في الرواية تحت سياق واحد وكيف يسوغ حمل أحدهما على
الاعتقادي والاخر أعني به الترك على الواقعي (الثالث) ان التعريض
حينئذ بتركهم للجميع واقعا كان أولى
44

من التعريض بالتبعيض وانهم أخذوا بعضا اعتقادا وتركوا بعضا واقعا
إذا أخذهم الاعتقادي لغو لا أثر له الا ان يحمل الاخذ على
الاعتقاد دون الاخذ الاعتقادي بمعنى انهم اعتقدوا بالأربع وكونها من
الدين وتركوا الاعتقاد بالخامس ويأتي الكلام السابق هنا أيضا
وهو انهم لم يعتقدوا بما بنى عليه الاسلام أعني الأربع الصحيحة
الموقوفة على اعتقاد الولاية وما اعتقدوه لغو لم يبن عليه الاسلام
قوله ولا أظن أن يلتزم به المستدل
فإنه وان ذهب إلى حرمة عباداتها ذاتا لكن لا يظن أن يلتزم بحرمة
المسمى بل يعتبر في الحرام جميع ما هو معتبر في الصلاة ما عدى
الطهارة من حدث الحيض (ثم) ان حمل النهي على الارشاد تصرف لا
يصار إليه والمستدل يأخذ بظهور النهي ويستكشف من ذلك كون
الصلاة اسما للأعم (وعدم التزامه) في مقام الفتوى بحرمة مطلق ما
يسمى بالصلاة للاجماع لأنه يستظهر من دليل النهي تحريم خصوص
الصلاة التي تصح في غير أيام حيضها في أيام حيضها (لا يوجب)
التصرف في النهي بحمله على الارشاد
قوله إنه لا شبهة في صحة تعلق النذر:
النذر اما ان يكون متعلقا بالصلاة الصحيحة لولا النذر أو الفاسدة لولا
النذر أو الأعم من الامرين أو الصحيحة حتى مع ملاحظة النذر و
الأخير يأتي في كلام المصنف (قده) (واما الأول) فيلزم من القول
بصحته جواز نذر ترك الراجح وفعل المرجوح فان الصلاة في الحمام
راجحة ولذا تتصف بالصحة وليس المراد من كراهتها مرجوحيتها كما
يأتي تفصيل الكلام في ذلك في مبحث اجتماع الأمر والنهي (و
من ذلك) يظهر الكلام في الصورة الثالثة فان ترك الأعم والطبيعة
الشاملة للصحيح والفاسد بقول مطلق مرجوح ولو من أجل
مرجوحية ترك قسم خاص منها أعني الصحيحة فان صح النذر فإنما
هو فيما إذا تعلق بالفاسدة من حيث إنها لغو والاعراض عن اللغو
راجح لكن يلزمه جواز الاتيان بالصلاة الصحيحة الجامعة للاجزاء و
الشرائط وعدم حصول الحنث بها لعدم كونها هي المنذر تركها نعم
لو أتى بها ناقصة حصل الحنث بها إذ هي المنذور تركها
قوله بل يلزم المحال فان النذر:
وأيضا يلزم تعلق النذر بغير المقدور ونذر غير المقدور باطل وسيأتي
بيان ما ذكره (قده) من المحالية
قوله لا عدم وضع اللفظ له شرعا
لكن المستدل أن يقول لا شبهة في صحة نذر ترك ما هو مدلول هذا
اللفظ أعني به لفظ الصلاة مدلولا حقيقيا ثم لا شبهة في حصول
الحنث في الخارج بفعل الصلاة التي لا تتصف بعد النذر الا بالفساد و
نتيجة المقدمتين عدم الوضع
45

لخصوص الصحيح وثبوت الوضع للأعم أو لخصوص الفاسد لكن
الأخير باطل لعدم قائل به فيتعين الأول
قوله مع أن الفساد من قبل النذر لا ينافي
كيف لا ينافي وهل يريد القائل بالصحيح سوى الصحيح بقول مطلق و
الا فكل فاسد صحيح على تقدير وحال (وبالجملة) ليس هذا الا
التزاما بالاشكال وبالاستعمال في الفاسد ومجرد كونه صحيحا لولا
النذر لا يخرجه عن الفساد (مع) ان الصحة لولا النذر مجرد لقلقة
اللسان وعبارة لا محصل لها (وذلك) ان الصحيح لولا النذر و
الصحيح مع النذر لا يختلف وما هو صحيح لولا النذر وهو الصلاة
المتقرب بها صحيح مع النذر نعم لا يتمكن منها مع النذر لا انها تقع
فاسدة لو أتى بها متقربا بها واقعا كما أن ما هو فاسد بعد النذر
لأجل خلو وصف التقرب فاسد قبل النذر أيضا فليس شئ أولى من
الالتزام بعدم الحنث وذلك ليس بعزيز في النذور فان نذر النتيجة
كلية لا حنث له
قوله لكان منع حصول الحنث
بل كان نفس هذا النذر محالا يلزم من وجوده عدمه فان م آل نذر ترك
الصلاة الصحيحة في ظرف الترك إلى نذر ترك ما لم ينذر تركه
حتى بهذا النذر لان النذر يوجب الفساد البتة وتعلق النذر بشي بقيد
ان لا يكون متعلقا به محال بالضرورة وجمع بين النقيضين البتة
قوله الأول ان أسامي المعاملات
النزاع في أن أسامي المعاملات موضوعة للصحيح أو الأعم (تارة)
يكون مع فرض التصرف الشرعي واستعمال الشارع تلك الأسامي،
في المعاني المقيدة بقيود خاصة قد اعتبرها في تأثير العقد فينازع في
استعماله اما حقيقة أو مجازا في المقيد بمجموع القيود أو في
الأعم من المقيد بمجموع القيود والمقيد بالبعض فيكون النزاع في
تعيين المدلول الشرعي (وأخرى) يكون مع فرض عدم التصرف و
استعمالها في المعاني العرفية فيكون النزاع في تعيين المدلول العرفي
وانه خصوص الصحيح أو الأعم منه ومن الفاسد وهذا كما في
سائر مباحث الألفاظ مثل مبحث ان الامر للوجوب وانه دال على
المرة وانه للفور إلى غير ذلك والصحيح والفاسد على هذا يكون
بمعنى الصحيح والفاسد العرفي دون الشرعي كما في الفرض الأول و
الثالث (وثالثة) يكون القائل بالصحيح قائلا بالتصرف و
استعمال الشارع للأسامي في خصوص المقيد بالقيود التي اعتبرها و
القائل بالأعم قائلا باستعمالها في المعنى العرفي الأعم من أن
يكون واجدا للقيود وفاقدا لها (ولا يخفى) ان ظاهر لفظ الصحيح و
الأعم هو الصحيح والأعم الشرعيين
46

على حذو إطلاقهما في العبادات وعليه فيتعين ان يكون البحث على
أحد النحوين السابق واللاحق دون النحو الوسط الذي عرفت ان
الصحيح والأعم فيه يكون بمعنى الصحيح والأعم العرفي
قوله فلا مجال للنزاع في كونها
كما لا مجال للنزاع إن كانت موضوعة للعناوين المنتزعة للأسباب
بلحاظ فعلية المسببات كعنوان النقل والتمليك فان هذا العنوان أيضا
اما موجود وذلك فيما إذا كان المسبب موجودا أوليس بموجود وهو
فيما إذا لم يكن المسبب موجودا (ثم) انه يمكن تصوير النزاع على
تقدير الوضع للمسببات بان يكون النزاع في أن الوضع هل هو
للمسبب الشرعي والأثر الحاصل في نظر الشارع كما يقوله القائل
بالصحيح أو للمسبب العرفي والأثر الحاصل في نظر العرف سوأ كان
حاصلا في نظر الشارع أيضا أم لا كما يقوله القائل بالأعم
قوله وان الموضوع له هو العقد المؤثر
التأثير والتأثر في قاطبة المعاملات اعتباري لا واقع له وراء الاعتبار كما
في التأثير والتأثر الثابت بين العلل ومعاليلها فلا يعقل فيها
الإصابة من أحد والخطأ من اخر على أن يكون المستعمل فيه لألفاظها
شرعا وعرفا ذلك المؤثر الواقعي الذي لا يزال مؤثرا وان أخطأ
العرف في تطبيقه على ما ليس مصداقا له بل المؤثر في نظر هم أعني
ما يعتبرون عقيبه تحقق النقل والانتقال غير ما يعتبره الشارع و
أوسع منه من جهة عدم اعتبار الشارع للنقل الا مع انضمام عدة أمور
راجع بعضها إلى المتعاقدين وبعضها إلى العوضين وبعضها إلى
الصيغة فعلى القول باستعمال الشارع للألفاظ في الصحيح لا بد ان
يكون مستعملا اما في الصحيح العرفي وما يعتبره العرف مؤثرا واما
في الصحيح الشرعي وما يعتبره الشارع مؤثرا واستعماله فيما هو
المؤثر شرعا وعرفا يرجع إلى هذا الأخير فان ما يراه هو مؤثرا
يراه العرف أيضا مؤثرا ولا عكس (ولكن) ليس مقصود المصنف
(قده) ذلك بل هو المؤثر الواقعي الذي لا يختلف فيه العرف والشرع
و
ان اختلفا في تطبيقه (وقد عرفت) انه لا واقعية لهذا التأثير وراء
الاعتبار وان العرف والشرع مختلفان في أصل الاعتبار لا في تطبيق
المؤثر الواقعي أو ما اتفقا على اعتباره مؤثرا على المصاديق و
الصغريات
(والحق) ان الاستعمالات الشرعية لم تجر الاعلى المعاني العرفية وما
اعتبره الشارع من القيود قيود في الحكم غير دخيل فيما وضع له
لفظ البيع أو فيما استعمل فيه فالمختار هاهنا هو مختار الباقلاني في
ألفاظ العبادات وعليه فيتمسك بالاطلاق عند الشك
47

اعتبار قيد كما أنه لا يصح التمسك به على الاحتمال الاخر وهو ان
يكون الاستعمال في الصحيح الشرعي فلا يفترق ألفاظ المعاملات عن
ألفاظ العبادات على القول بالصحيح ليجوز التمسك بالاطلاق في
المعاملات دون العبادات (واما) تمسك الفقهاء بالاطلاق في ألفاظ
المعاملات (فهو) ينبئ عن اختيارهم لما ذكرناه من عدم استعمال
الشارع لألفاظ المعاملات الا في معانيها الصحيحة العرفية
قوله وذلك لان إطلاقها لو كان مسوقا
إذا كانت أسامي المعاملات موضوعة بإزاء الأسباب المؤثرة في
حصول النقل واقعا كما زعمه (قده) لا ما يراه العرف مؤثرا لم يكن
القطع
بإرادة الطبيعة السارية رافعا لهذا الشك أعني به الشك في كون ما هو
مصداق لها في نظر العرف مصداقا لها واقعا فكيف يرفعه الحمل
على إرادة الاطلاق بمقدمات الحكمة فان أصالة الاطلاق يرفع بالتعبد
ما يرفعه القطع بالاطلاق وجدانا ولا يزيد التعبد بالاطلاق على
إحراز واقع الاطلاق لان الاطلاق انما يرفع احتمال التقييد لا احتمال
عدم فردية فرد للطبيعة فلا مجال للتمسك بالاطلاق لتبيين حال
شئ من الصغريات والمصاديق إذ يستحيل صدور الاطلاق لأجل
بيان مصداقية شئ للطبيعة فكيف يتمسك به لاثبات مصداقيته لها

اما) صدوره لأجل بيان الحكم في نفس الطبيعة (فهو) أجنبي عن
تعرفة حال المصاديق وانها مصاديق للطبيعة أم لا (ومن ذلك) ظهر ما
في عبارة المصنف قده من قوله لان إطلاقها لو كان مسوقا في مقام
البيان ينزل إلخ (نعم) الظاهر أن ذلك قسم اخر من الاستدلال لا
دخل له بالتمسك بإطلاق الطبيعة ومحصله يرجع إلى التمسك بان
عدم الدليل دليل العدم وسيجئ نظير ذلك في كلام له في القيود
التي يشك في اعتبارها في العبادة مما لا يمكن اعتباره في المطلوب و
أخذه في حيز الطلب
وكان مما يغفل عنه العامة نظير قصد الوجه والتمييز فان من عدم
التنبيه عليه ولو في دليل منفصل يستكشف كشفا قطعيا عن عدم
اعتباره وإلا لزم الاخلال بالغرض فيقال نظير ذلك في المقام أيضا
قوله ولذا يتمسكون بالاطلاق
لعل الوجه في ذلك ذهابهم إلى وضع ألفاظ المعاملات بإزاء الصحيح
العرفي من المعاملات دون الصحيح عند الشارع حتى يمنع ذلك من
التمسك بإطلاق كلام الشارع عند الشك في اعتباره أمرا اخر
قوله الثالث ان دخل شئ وجودي
المراد من دخل شئ في المأمور به دخله في مصداقه أعني به ما هو
المأمور به بالحمل الشائع لا دخله في عنوان المأمور به أعني به ما هو
48

المأمور به بالحمل الذاتي فان ذلك لا يتوقف على شئ وراء الامر
بفعل ما فإذا تعلق الامر بفعل اتصف ذلك الفعل بكونه مأمورا به لا
محاله (ثم إن) الدخيل اما ان يكون دخيلا في قوام المأمور به أو مصنفا
له (والمصنف) اما ان يكون موجبا لمزية أو منقصة في المأمور به
أولا (وما لا يوجب) اما ان يكون بنفسه مطلوبا في المأمور به أولا (و
اما) التشخص فالصحيح انه انما يكون بنفس حقيقة الوجود
الخارجي كما أن تشخص الماهيات المتأصلة انما يكون بنفس حقائق
الوجودات الجزئية الخارجية دون العوارض التي هي من لوازم
حقيقة الوجود في الممكن إذ لا تكون حقيقة الوجود فيه منفكة عن
عدة منها على سبيل البدل (ولأجل ما ذكرناه) يكون الشخص مستمرا
باستمرار شخص وجوده وان تبادلت بعض عوارضه بل ارتفعت حتى
لم يبق في الحال الثاني شئ من عوارض الحال الأول (اما) مثال
الأمور الدخيلة في حقيقة المأمور به فهو جميع الأجزاء والشرائط و
عدم الموانع المعتبرة في المأمور به كأجزاء الصلاة وشرائطها و
عدم موانعها (ومثال) الأمور الدخيلة المصنفة للمأمور به مع اقتضائها
مزية أو منقصة في المأمور به هو الشرائط والأوصاف المندوبة أو
المكروهة في المأمور به كوقوع الصلاة في المسجد أو في الحمام (و
مثال) المصنفة غير الدخيلة في فضل المأمور به أو نقصها مع الندب
إليها
بنفسها في المأمور به هو قراءة القرآن أو الدعاء أو مطلق الذكر في
الصلاة فان الصلاة المشتملة على شئ منها صنف من الصلاة في
قبال الصلاة غير المشتملة على شئ منها (ومثال) المصنفة غير
الدخيلة مع عدم الندب إليها أيضا جميع الخصوصيات المباحة
المشتملة
عليها الصلاة من وصف كونها في الدار أو في السطح أو غير ذلك (و
بالجملة) جميع الخصوصيات الكلية اما مقومة للمأمور به أو مصنفة له
بأنحاء التصنيف وإطلاق المشخص عليها في غير محله إذا التشخص
انما يكون بحقيقة الوجود وهذه الخصوصيات انما هي من لوازم
الوجود الخارجي كما عرفت ومن ذلك تعرف ما في المتن من الخلل
قوله فيمكن الذهاب أيضا:
المراد من الامكان هو الاحتمال بمعنى انه يحتمل ان يكون القائل
بالأعم قائلا به من حيث الشرائط دون الاجزاء كما يحتمل ان يكون
قائلا به من كلتا الحيثيتين والا فقد عرفت استحالة أصل القول بالأعم
لعدم إمكان تصوير قدر جامع في البين هذا حسب ما أفاده
المصنف (قده) ولكن تقدم منا تصوير الجامع فراجع
49

مبحث الاشتراك
قوله الحق وقوع الاشتراك للنقل والتبادر:
اعلم أن الظاهر من أدلة استحالة الاشتراك أو وجوبه هو ان محل النزاع
ما يعم الاشتراك الاصطلاحي أعني به متعدد الوضع والمعنى و
غيره أعني به متحد الوضع ومتعدد المعنى كما في الوضع العام و
الموضوع له الخاص (ثم) ان المراد من الوجوب والاستحالة في
المقام
هو الوجوب والمنع العقليين أعني القبح في الترك أو الفعل (كما أن)
المراد من الامكان هو عدم القبح في الفعل والترك معا لا الوجوب و
الاستحالة والامكان المعدودة من مواد القضايا فإنه لا ريب في إمكان
الاشتراك بذلك المعنى وعدم استحالته أو وجوبه لا ذاتا وهو
واضح ولا وقوعا لعدم لزوم محال ذاتي من اجتماع النقيضين أو
الضدين من ذلك فالقائل بالوجوب قائل بان العقل يلزم بالوضع
الاشتراكي كما أن القائل بالاستحالة قائل بإلزام العقل يعدمه لما فيه من
نقض الغرض فان الغرض من الوضع هو حصول التفهيم وذلك
لا يحصل مع تعدد الوضع فالوضع الاشتراكي سفه وعبث (ثم) الحكم
بالامكان لا يحتاج إلى مئونة أزيد من إبطال كل ما استدل به على
الوجوب أو الاستحالة فليس على القائل بالامكان الا إبطال أدلة القول
بالوجوب أو الاستحالة وحيث إن المختار عندنا هي الاستحالة
فلنذكر ما هو دليلنا على ذلك إذ لم يبين المصنف (قده) دليل
الاستحالة حق البيان (فنقول)
ان الغرض من الوضع ومن تعيين اللفظ للمعنى اما ان يكون هو
حصول تفهيم المعنى بذلك اللفظ عند ذكره وكونه آلة لاحضار
المعنى
في ذهن المخاطب أو يكون الغرض عدم حصول هذا التفهيم أو يكون
حصول أمور خارجية اخر مثل إيقاظ النائم أو حصول تفهيم
المعاني الاخر غير المعنى الموضوع له وكل من الأخيرين باطل
بالضرورة لعدم ترتب شئ من ذلك على وضع اللفظ ليصح ان يكون
غرضا منه فان عدم حصول للتفهيم كان حاصلا من أول الأمر وقبل
هذا الوضع والاغراض الاخر مثل إيقاظ النائم لا يتوقف على الوضع
بل يحصل مطلق إعلاء الصوت ولو كان مهملا فتعين ان يكون الغرض
هو حصول التفهيم والتفهيم لكن هذا الغرض لا يحصل مع تعدد
الوضع لعدم حصول تفهيم خصوص المعنى الأول الذي وضع له
اللفظ ولا خصوص المعنى الثاني الذي وضع له اللفظ
50

أيضا فلا يمكن ان يقصد المتكلم تفهيم كل من المعنيين واما القدر
المشترك بين المعنيين أو أحد المعنيين مرددا فلم يوضع له اللفظ ولا
يكون الغرض من الوضع لمعنى حصول تفهيم معنى اخر (وبالجملة)
ما وضع له اللفظ لا يمكن افهامه واما غيره فلا يكون افهامه غرضا
من الوضع فالوضع الاشتراكي يكون لغوا لا يترتب عليه الغرض
المقصود واللغو لا يصدر من الحكيم وقبيح في حكم العقل و
ستعرف ما
في الجوابين اللذين أفاد هما المصنف (قده) عما ذكرناه من الاستدلال
(ان قلت) كيف الحال في الأوضاع المتعددة الصادرة من
الواضعين وجدانا (قلت) لا بد ان يكون الوضع الأخير ناسخا للوضع
الأول بعد قيام البرهان العقلي على امتناع تعدد الوضع على الحكيم
لقبحه عقلا
قوله لامكان الاتكال على القرائن الواضحة:
هذا الجواب نشأ من إدراج المستدل في البرهان المزبور مالا دخل له
فيه أعني به قوله لخفاء القرائن لما عرفت من تمامية الاستدلال
بدون ذلك فان الغرض من الوضع لا يكاد يكون إلا حصول التفهيم
بنفس اللفظ واما حصول التفهيم بمعونة القرينة فكونه غرضا يفضي
إلى كون القرينة جزا من اللفظ الموضوع لمعناه وقد فرض ان اللفظ
بنفسه هو تمام ما وضع لمعناه فهو تمام العلة المفهمة وتمام
الواسطة في الافهام وما يتوسل به إلى إحضار المعنى في ذهن
المخاطب (وبالجملة) لا يكون الغرض من الوضع حصول التفهيم
بمعونة
القرينة بل يصح ان يقال في تقرير برهان الاستحالة بان القرائن كثيرا ما
تختفي فلا يحصل هذا الغرض ويجاب عنه بإمكان الاتكال
على القرائن الواضحة، بل الغرض من الوضع كما عرفت انما هو
حصول تفهيم المعنى بنفس اللفظ وذلك لا يتحقق في فرض الوضع
الاشتراكي (ثم) ان الظاهر من عبارة الاستدلال إمكان اختفاء نفس
القرائن على المخاطب بغفلته عنها ونحو ذلك لا إمكان خفاء دلالتها
كي يقال في مقام الجواب عنه بإمكان الاتكال على القرائن الواضحة
(فالصواب) في الجواب ان يقال بإمكان التحفظ على القرائن كي لا
تختفي على السامع:
قوله لتعلق الغرض بالاجمال أحيانا:
الاجمال هو عدم حصول تفهيم الموضوع له تفصيلا مع تفهيمه في
الجملة وقد عرفت ان الغرض من الوضع لا يكاد يكون عدم حصول
تفهيم المعنى بل لا يكون الغرض منه إلا حصول تفهيم المعنى باللفظ
الموضوع له فالغرض
51

من الوضع رفع الاجمال لا حصول الاجمال فالاجمال من نتائج عدم
الوضع كما في الاشتراك المعنوي فان إجمال الخصوصيات وعدم
حصول تفهيمها انما هو من جهة عدم أخذها في الموضوع له وكون
للفظ موضوعا لنفس القدر المشترك فما وضع له اللفظ يفهم تفصيلا
بذلك الحد الذي تعلق به الوضع واما ما لا يفهم ويبقى تحت
الاجمال فهو لأجل انه لم يوضع له اللفظ فلا يعقل الوضع للمحدود
بحدود و
المقيد بقيود مع عدم انفهام ذلك منه عند العالم بالوضع
قوله وذلك لعدم لزوم التطويل:
ولو سلم استلزامه للتطويل فلا يسلم كون التطويل غير لائق بكلامه
تعالى فان الحال قد تقتضي إطالة الكلام قال الله تعالى حكاية عن
موسى على نبينا وآله وعليه السلام هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها
على غنمي ولى فيها مئارب أخرى مع أنه ربما لا يكون للمعنى
المقصود افهامه لفظ مختص به فلا بد من التعبير عنه بلفظه المشترك
مع نصب القرينة على التعيين
قوله لاستدعائه الأوضاع الغير المتناهية:
يرد عليه ان الوضع بإزاء جميع المعاني غير المتناهية وإن كان
يستدعى الأوضاع غير المتناهية الا ان الالتزام بلزوم الوضع لها على
نحو
الاشتراك الاصطلاحي بلا ملزم لامكان الوضع لها بنحو الوضع العام و
الموضوع له الخاص وقد أشرنا سابقا إلى أن أدلة القول بوجوب
الاشتراك لا تستدعى وجوب خصوص الاشتراك الاصطلاحي أعني
به ما تعدد فيه الوضع والموضوع له بل تستدعى وجوب الأعم منه و
مما اتحد فيه الوضع وتعدد الموضوع له أعني به الوضع العام و
الموضوع له الخاص (فالأولى) في الجواب منع تناهي الألفاظ فان
الحروف الهجائية وإن كانت متناهية الا ان المركب منها لا يتناهى إلى
حد غاية الأمر انه ربما تطول الكلمة (هذا مع) ان لنا أضعاف
الكلمات المستعملة ألفاظا مهملة ومع بقاء هذه الألفاظ معطلة عن
المعنى كيف يجب الاشتراك (نعم) إذا استوعب الوضع تمام هذه
الألفاظ حتى لم يبق لفظ مهمل وجب الاشتراك على أن مجرد وضع
اللفظ للمعنى ليس أمرا يحكم بوجوبه تعبدا بل انما ذلك لغرض
حصول التفهيم وقد عرفت ان اشتراك اللفظ ينافي هذا الغرض
لاحتياج التفهيم ح إلى قرينة معينة والقرائن الحالية غالبا غير متيسرة
ولا سيما في المكاتبات فتدعوا الحاجة إلى قرائن لفظية متعددة
بمقدار المعاني غير المتناهية التي تشترك فيها
الألفاظ إذا القرائن المشتركة لا تفي بهذا الغرض لاحتياجها أيضا إلى
قرائن معينة وهلم جرا فإذا كانت لنا قرائن متعددة غير متناهية
حسب المعاني غير المتناهية لم تكن لنا حاجة للأوضاع الاشتراكية
52

بل نفس تلك الألفاظ المنصوبة للقرينية توضع ابتدأ لتلك المعاني
غير المتناهية بلا اشتراك (وبالجملة) يلزم من وجوب الاشتراك عدم
وجوبه فهذه أجوبة ثلاثة
قوله ولو سلم لم يكد يجدى الا في مقدار متناه
لعل المقصود انه ولو سلم عدم استلزام الوضع للمعاني غير المتناهية
الأوضاع غير المتناهية وعدم توجه هذا المحذور الا ان الوضع
للمعاني غير المتناهية لا فائدة فيه إذ لا حاجة تدعوا إلى تفهيمها و
تفهمها ضرورة ان محل الحاجة من تلك المعاني مقدار متناه فإذا كان
محل الحاجة مقدارا متناهيا بطل الاستدلال إذ لعل بمقدار ذلك
المتناهي ألفاظا مستقلة يفي بها فلا يكون هناك ملزم للوضع
الاشتراكي
فيحتاج المدعى لوجوب الاشتراك ح إلى إثبات زيادة المعاني
المحتاج إليها على الألفاظ وانى له طريق إلى إثبات ذلك
قوله مضافا إلى تناهي المعاني الكلية:
مراتب الكليات متدرجة مترتبة حتى ينتهى إلى الكلي المنحصر في
فردا والقدر المشترك بين فردين وثلاثة افراد وهكذا صعودا و
عليه فيمكن دعوى عدم تناهي بعض مراتب الكليات أيضا كعدم
تناهي الافراد (ثم الظاهر) من عدم التناهي هو عدم التناهي العرفي و
الا
فجميع العالم متناه دون خصوص عالم المادة فان المعاني الأخروية
أيضا تمس الحاجة إلى التعبير عنها كشجرة طوبى وسدرة المنتهى
وغير ذلك
قوله يغنى عن وضع لفظ بإزائها:
فيه ان وضع الألفاظ للكليات لا يغنى عن وضعها بإزاء الجزئيات لعدم
تيسر القرائن الحالية المعينة للمراد غالبا فيحتاج تعيينه إلى قرينة
لفظية (ودعوى) ان الجزئيات لا حاجة إلى تفهيمها وتفهمها غالبا بل
الحاجة انما هي إلى تفهيم الكليات (رجوع) إلى الجواب الثاني على
ما ذكرنا له من التوجيه مع زيادة تعيين المحتاج إليه من المعاني غير
المتناهية وتميزه عن غير المحتاج إليه وان المحتاج إليه انما هي
الكليات وغير المحتاج إليه هي الجزئيات (ومما ذكرنا) يظهر الجواب
عن قوله مع أن المجاز باب واسع فان المجاز وإن كان بابا
واسعا الا انه محتاج إلى القرينة فإذا كانت المجازات غير متناهية
احتاجت إلى قرائن غير متناهية وقد عرفت عدم تيسر القرائن الحالية
غالبا فتدعوا الحاجة إلى وضع ألفاظ لكونها قرينة لأجل تعيين ما أريد
من تلك المعاني غير المتناهية وإذ قد عرفت ان الألفاظ متناهية
والمعاني غير متناهية فلا جرم تنتهي الحاجة إلى الوضع الاشتراكي
في تلك الألفاظ (هذا كله) مع الإغماض عما ذكرناه وإلا فقد عرفت
ان المشترك لا يصلح للقرينية وانما يتقوم
53

القرينية بالألفاظ المختصة وبذلك أبطلنا برهان وجوب الاشتراك
سابقا فراجع.
مبحث استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
قوله على سبيل الانفراد والاستقلال:
لا إشكال عندهم في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
على سبيل الانضمام والتركيب بان كان كل من المعنيين أو المعاني
جز للمستعمل فيه لا تمامه وكان المجموع هو تمام المستعمل فيه
فان اللفظ ح انما يكون مستعملا في معنى واحد أعني به المجموع
المركب من المعنيين أو المعاني كما لا إشكال أيضا في جواز استعماله
في القدر المشترك بين المعنيين وهو المسمى بعموم الاشتراك
أو عموم المجاز (والذي هو) محل النزاع في المقام هو استعمال اللفظ
في معنييه الحقيقيين أو المجازيين أو بالاختلاف أو معانيه كذلك
على سبيل الاستقلال بان يكون كل من المعنيين تمام المستعمل فيه
لا جزأه ليكون اللفظ في إطلاق واحد واستعمال فارد ذا معاني
متعددة (إذا عرفت ذلك) فاعلم أن جعل العنوان المزبور محلا للبحث
أمر لم أتعقله بل هو من صريح المناقضة لان الاستعمال في معنى
على سبيل الاستقلال معناه انه ليس وراء ذلك المعنى معنى اخر أريد
من اللفظ ليكون هو جز المراد وهذا لا يجتمع مع كون معنى اخر
أيضا مرادا من اللفظ فان لازم ذلك كون هذا جز المراد لا تمامه وقد
فرض انه تمام المراد (وبالجملة) لازم إرادة المتعدد في استعمال
واحد كون كل واحد من ذلك المتعدد جز المراد لا تمامه و
استقلاله بالإرادة وقد عرفت ان إرادة المتعدد كذلك مما لا إشكال فيه
فلا، بقي معنى معقول ليقع النزاع فيه (نعم) استقلال كل من
المعنيين في الحكم وفي مقام توجه النفي والاثبات في القضية إليه
أمر معقول كما في العموم الاستغراقي لكن ذلك أجنبي عن
الاستعمال
في المعنيين استقلالا بل الاستعمال وقع في معنى واحد أعني به
المجموع وإن كان الحكم تعلق بكل واحد من المعنيين أو المعاني
على
استقلاله كما هو الحال في العموم الاستغراقي (فهناك امران) استعمال
وحكم اما الاستعمال فقد تعلق بالمجموع واما الحكم فقد تعلق
بكل واحد واحد بلا منافاة بين الامرين ولذا لا يعد العموم الاستغراقي
من استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد مع تعلق الحكم فيه بكل
واحد واحد من
54

الافراد التي أريدت من اللفظ وسيجئ من المصنف (قده) في مبحث
العام والخاص ان اختلاف أنحاء العمومات الثلاثة من الاستغراقي و
المجموعي والبدلي ليس باختلاف لحاظ المعنى في مرحلة
الاستعمال بل انما هو باختلاف الحكم في القضية (وبالجملة) لا
أتعقل معنى
يتنازع فيه في المقام بعد خروج الاستعمال في مجموع المعنيين عن
محل البحث فان الاستعمال في المعنيين استعمال في مجموع
المعنيين لا محالة إذ لا يعقل الاستعمال في المعنيين من دون ان يكون
ذلك الاستعمال استعمالا في مجموع المعنيين ليكون ذلك محلا
للبحث وموردا للنفي والاثبات
قوله وبيانه ان حقيقة الاستعمال ليس مجرد:
بل الصحيح ان حقيقة الاستعمال انما هو مجرد جعل اللفظ علامة و
آلة للانتقال إلى المعنى واما ما يرى من غفلة المتكلم عن نفس اللفظ
في مرحلة استعماله فكان الملقى في الخارج هو عين المعنى
المستعمل فيه وذلك أية كون اللفظ فانيا في معناه ومتحدا معه
وجودا (فهو
مدفوع) بان ذلك ناشئ عن الانس الحاصل من تكرر الاستعمال و
كثرته ولذا لا يكون ذلك في أوائل تعلم اللسان فحقيقة الاستعمال لا
يزيد على جعل اللفظ علامة للمعنى المختص به والعينية المتخيلة
أمر زائد على أصل الاستعمال لا انها عينه (نعم) بناء على أن الوضع
هو
تنزيل اللفظ منزلة المعنى يكون الاستعمال أيضا فعلية ذلك التنزيل
(لكن المصنف قده) لم يختر ذلك المبنى في حقيقة الوضع وعليه
فلازم ما ذكره (قده) هو جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
بان يجعل اللفظ علامة وآلة لانتقال المخاطب إلى كل من المعنيين
أو المعاني (اللهم) الا ان يمنع من صحة الاستعمال كذلك وحصر
جواز الاستعمال في الاستعمال بمعنى جعل اللفظ عين المعنى لكن
لا وجه
له بعد تحقق الوضع كما هو ظاهر (هذا) وقد عرفت ان استعمال اللفظ
في أكثر من معنى واحد على نحو الاستقلال غير معقول لما
ذكرناه من أنه يؤدى إلى التناقض فان إرادة المتعدد مع استقلال كل
واحد
بالإرادة مرجعه إلى إرادة المتعدد وعدم إرادة المتعدد في استعمال
واحد
قوله فان اعتبار الواحدة:
بيان ذلك ان الوحدة المعتبرة في المعنى (اما) أن تكون بمعنى الوحدة
الذاتية أو تكون بمعنى الوحدة الاعتبارية (اما) الوحدة الذاتية
أعني بها كون كل معنى في نفسه واحدا لا اثنان وهو هو لا مركبا من
نفسه وغيره فهي لا تنافي للاستعمال في الاثنين فإنه في عين
الاستعمال في الاثنين قد استعمل في كل واحد منها وحده ولم يعتبر
كل واحد
55

الا واحدا بوحدته الذاتية لا اثنين (واما) الوحدة الاعتبارية فذلك اما
ان تعتبر في اتصاف معنى بكونه موضوعا له أو تعتبر في اتصافه
بكونه مستعملا فيه (اما الأول) فغير معقول فان هذه الوحدة انما تكون
بعد رتبة الوضع فان الواضع إذا وضع اللفظ بإزاء معنى اتصف
ذلك المعنى بأنه واحد في مرحلة الوضع وانه وضع اللفظ بإزائه
مستقلا لا انه جز للموضوع له بان يكون هو منضما إلى غيره موضوعا
له فكيف يمكن أخذ الصفة المتأخرة عن الوضع في الموضوع له فان
ذلك أشبه شئ بأخذ قصد التقرب في العبادات في متعلق الأمر
(هذا) مع أن أخذ الوحدة بهذا المعنى في الموضوع له يستلزم الخلف
فان المعنى ح لا يكون وحده ومستقلا موضوعا له بل يكون جزا
للموضوع له والجز الاخر له هو قيد الوحدة والاستقلال (اما الثاني)
فم آله إلى اعتبار عدم الاستعمال الا في واحد بعنوان الاشتراط في
الوضع لا بكونه جزا للموضوع له وذلك لتأخر مرتبة الاستعمال عن
مرتبة الوضع فاعتبار كون الاستعمال على نحو خاص لا يكون
جزا للموضوع له فان صح ذلك فلا محالة يكون شرطا في الوضع و
عليه فدعوى اشتراط الواضع بان لا يستعمل المشترك الا في واحد
مصادرة بالمطلوب ولم يقم عليه دليل (مع أن) حديث الاشتراط
شئ أحدثه المصنف (قده) في بيان معاني الحروف حينما وقع في
ضيق
الخناق وليس منه ذكر في كلمات القوم مع أنه غير صحيح في نفسه
لما عرفت من أنه ليس للواضع
بعد وضعه ان يمنع عن الاستعمال الا ان يرجع عن وضعه
قوله وكون الوضع في حال وحدة
يعنى ان تعلق الوضع بمعنى كان حال الوضع واحدا ومستقلا وغير
ملحوظ معه أمر اخر لا يستدعى لزوم كونه واحدا في مقام الاستعمال
بعد ما لم تكن الوحدة قيدا مأخوذا في الموضوع له ولا في الوضع
بالمعنى المتقدم أعني به اشتراط الواضع في وضعه ان يستعمل اللفظ
في المعنى حال انفراده وان لم يكن وصف الانفراد جزا من
الموضوع له فالفرق بين تقييد الموضوع له وتقييد الوضع كالفرق بين
تقييد المبيع بصفة كبيع العبد الكاتب وبين تقييد البيع بشرط بمعنى
اشتراط أمر فيه كبيع العبد واشتراط ان يكون كاتبا في ضمن البيع
(نعم) إذا لم يحرز إطلاق الوضع بان كانت العبارة الدالة على الوضع
مهملة اقتصر على المتيقن ولم يجز التعدي إلى الاستعمال في فاقد
القيد المحتمل دخله في الوضع أو الموضوع له وهو معنى توقيفية
الوضع بخلاف ما إذا أحرز إطلاقه فإنه حينئذ يتعدى إلى جميع
حالات
الموضوع له التي أحرز إطلاق الوضع وسريانه بالنسبة إليها وان
56

كان الموضوع له حال الوضع على حال مخصوص فان الاخذ
بالاطلاق لا ينافي كون الوضع توقيفيا كما هو ظاهر.
قوله ثم لو تنزلنا عن ذلك:
هذا تنزل ثان لأنه (قده) تنزل أولا عن دعوى الاستحالة العقلية فحكم
بجواز الاستعمال في الأكثر وبان الوجهين المذكورين لا ينهضان
بإثبات المنع وتنزل ثانيا عن ذلك بتقريب انه لو سلم نهوض الوجهين
بإثبات المنع فهو يستلزم المنع على الاطلاق لا المنع على وجه
الحقيقة فقط ليجوز الاستعمال حينئذ مجازا وذلك لعدم العلاقة بين
المعنى حال انفراده وذلك المعنى وحال انضمام معنى اخر إليه
ضرورة ان الثاني ليس جزا من الأول بل هو مباين له فلا يكون من
قبيل استعمال اللفظ الموضوع للمركب في جزئه كما توهمه القائل
بالتفصيل (وفيه أولا) ان المفروض في محل البحث هو استعمال
اللفظ في المعنيين على سبيل الاستقلالي لا على سبيل الاجتماع بان
يكون المستعمل فيه مجموع المعنيين لتكون الهيئة الاجتماعية
الانضمامية جز المستعمل فيه فيلزم مباينة المستعمل فيه للموضوع
له و
عليه فالمستعمل فيه حال الاستعمال في المعنيين هو ذات كل من
المعنيين بإلغاء قيد الوحدة منهما فكل من المعنيين المستعمل فيهما
اللفظ
جز من المعنى الموضوع له اللفظ فيكون ذلك من باب استعمال
اللفظ الموضوع للمركب في جزئه (وثانيا) ان المعنى اللابشرط
المقسمي بما انه جز من المعنى المأخوذ بشرط لا يمكن ان يتجوز
من الثاني إلى الأول بعلاقة الجز والكل (ثم)
المعنى المأخوذ بشرط شئ بما انه فرد من المعنى الملحوظ لا بشرط
يمكن ان يتجوز من الثاني إلى الأول بعلاقة الكلية والفردية
فيكون استعمال المشترك في أكثر من معنى من قبيل سبك المجاز من
المجاز (لكن) لا بد حينئذ من أن يكون الاستعمال في كل واحد
من المعنيين مقيدا بالآخر لا فيهما على أن يكون كل منهما جز
المستعمل فيه وشطره
قوله والتثنية والجمع وإن كانا بمنزلة التكرار:
اعلم أن محل الكلام في التثنية والجمع وجواز استعمالهما في أكثر
من معنى واحد هو استعمال اللفظ المشترك الذي ثني أو جمع في
أكثر من معنى واحد لا استعمال نفس المثنى والمجموع في أكثر من
معنى واحد لو فرض كونهما مشتركين بين معنيين أو معان و
بعبارة أخرى المفرد المشترك
57

المدخول لأداة التثنية أو الجمع هو الذي وقع محلا للبحث في المقام
وانه هل يجوز استعماله في هذا الحال في أكثر من معنى واحد من
معاني مفرده بعد ان لم يكن ذلك جائزا حال الافراد فتكون أداة التثنية
أو الجمع قرينة على ذلك أو انه لا يجوز استعماله في هذا الحال
أيضا الا في معنى واحد فينحصر مفاد الأداة في إفادة تكرر ذلك
المعنى الواحد لا إفادة إرادة المتعدد من معانيه (إذا عرفت ذلك)
فاعلم أنه
لا إشكال في أن التثنية والجمع يفيدان التعدد في الجملة كما لا
إشكال في عدم كون ذلك بالوضع الشخصي لمجموع الهيئة والمادة
بإزاء المتعدد بل انما ذلك بوضع الهيئة نوعيا بعد وضع المادة
شخصيا والا لم يكن من التثنية والجمع في شئ وكانت الأداة فيهما
من
قبيل الألف والنون في عمران (غاية الأمر) انهما وضعا للدلالة على
الاثنين أو الثلاث كلفظ الاثنين والثلاث وذلك وضع الدلالة على
الواحد ومن الواضح ان مجرد ذلك لا يجعله تثنية أو جمعا و حينئذ
فيحتمل ان يكون مدخول الأداة مستعملا في المتعدد وتكون الأداة
من قبيل القرينة على ذلك كما في كلمة يرمي التي هي قرينة على إرادة
الرجل الشجاع من لفظ الأسد (ويحتمل) ان يكون المدخول
مستعملا في الجنس وفي معنى مفرده والتعدد مستفادا من الأداة
كاستفادة قيد الوحدة في النكرة من التنوين (ويحتمل) ان يكون أحد
المعنيين مستفادا من المادة والاخر من الهيئة والأداة والأخير باطل
بالقطع (واما الأولان) (فان صح الأول منهما) بان قلنا بجواز ان
يكون ذلك المتعدد المراد من المدخول معنيان من معانيه لا فردان
من معنى واحد لزمه جواز استعمال المفرد أيضا في المتعدد ولم
يكن ح وجه للتفصيل بين المفرد وغيره إذ لا يزيد التثنية والجمع
على المفرد في ذات المستعمل والمستعمل فيه فان ما هو المستعمل
في المتعدد في التثنية والجمع هو عين ما استعمل في المتعدد في
المفرد (غاية الأمر) ان التثنية والجمع مشتملان على القرينة في
أنفسهما دون المفرد ومن الواضح ان أمر القرينة هين ففي المفرد أيضا
يمكن نصب القرينة على ذلك ولم يكن البحث في المقام عن
الحاجة إلى القرينة بل عن أصل جواز الاستعمال وعدمه (وان صح
الثاني منهما) لم تكن شأن الأداة الا تقييد الطبيعة التي أريدت من
مدخولها بالمتعدد من افرادها فان صح إرادة الطبائع المتعددة من
المدخول أفادت الأداة تكرر تلك الطبائع المتعددة في فردين أو
ثلاثة افراد من افرادها وان لم تصح
58

الا إرادة طبيعة واحدة لم تفد الأداة الا تكرر تلك الطبيعة الواحدة
فالأداة بنفسها لا تقتضي جواز استعمال المدخول في طبيعتين ان لم
يجز استعماله في حال افراده في طبيعتين بل كان شأنها إفادة التكرار
الفردي في الطبيعة المرادة من المدخول واحدة كانت أم أزيد
(واما) ما يرى من جواز التثنية والجمع في الاعلام وإرادة المتعدد من
معانيه مع عدم جواز استعمال مدخولها في المتعدد (فالوجه فيه)
ان اللفظ هناك لم يستعمل في المعنى بل استعمل في اللفظ كما في
ضرب فعل ماض وبعد الاستعمال في اللفظ ثني أو جمع وقد أفادت
الأداة تكرار افراد الطبيعة المرادة من المدخول أعني بها طبيعة اللفظ و
فيما نحن فيه أيضا يصح مثل ذلك فيقال عينان وعيون ويراد
به فردان أو افراد من هذا اللفظ لكن المراد ح لا يكون نفس اللفظ بما
هو بل بما هو فان في المعنى كما في إرادة المعلوم من العلم
فبالم آل يكون المراد هو المعنيان لكن بهذه المئونة لا باستعمال اللفظ
في المعنيين ابتدأ كما توهم أو في المسمى بالعين كما في المتن
قوله والتثنية والجمع في الاعلام
مفهوم المسمى ليس بمسمى ولا ذي علاقة بالمسمى فكيف يسوغ
الاستعمال فيه فالوجه ما عرفت من أن ذلك من استعمال اللفظ في
اللفظ ثم تثنيته أو جمعه (نعم) ليس اللفظ المستعمل فيه اللفظ مرادا
بما هو هو بل بما هو حاك عن معناه كما عرفت
قوله لما كان هذا من باب استعمال اللفظ في الأكثر:
قد عرفت انه من باب استعمال اللفظ في الأكثر إذا كانت الهيئة قرينة
على إرادة المتعدد من المدخول لما مر من أن المراد من استعمال
التثنية والجمع في الأكثر انما هو استعمال مدخول أداتيهما في أكثر
من معنى لا استعمال نفس التثنية أو الجمع في الأكثر ليلزمه
تضاعف التكرار المعتبر في مفهومهما باستعمالهما في الأكثر (و
بالجملة) ان محل الكلام انما هو في استعمال اللفظ المشترك
المدخول
لأداتيهما في أكثر من معنى واحد لا استعمال نفس الأداة إذا فرض
اشتراكها بين معنيين أو معان
قوله نعم لو أريد مثلا من عينين فردان:
يكفي في تحقق الاستعمال في الأكثر من معنى إرادة فردين من الجارية
ونفس العين الباصرة وطبيعتها بلا حاجة إلى تقييدها أيضا
بفردين كما هو ظاهر (ثم) ان كون ذلك من قبيل استعمال العينين في
المعنيين مبنى على أن يكون الأداة موضوعة للمعنيين على سبيل
الاشتراك اللفظي اما إذا كانت موضوعة للقدر الجامع بين المعنيين ثم
استعمل في القدر الجامع المذكور مع إطلاقه على فردين
59

افراده لم يكن ذلك من استعمالها في المعنيين الا إذا استعملت في
الفردين بقيد الخصوصية فيكون ح أيضا من استعمال اللفظ في معنييه
المجازيين
قوله الا ان حديث التكرار لا يكاد يجدى
وذلك لان التثنية والجمع بمنزلة تكرار المدخول لا بمنزلة تكرار
مجموع الداخل والمدخول فالعينان بمنزلة عين وعين لا بمنزلة
عينين وعينين (وبالجملة) يجري على الهيئة ما يجري على المفرد
فإن لم يجز استعمال المفرد في أكثر من معنى واحد لا يجوز
استعمال الهيئة في أكثر من معنى من معانيها.
قوله فلعله كان بإرادتها في أنفسها إلخ:
ليت شعري ما الذي أراد المصنف (قده) من إرادة تلك المعاني في
أنفسها حال الاستعمال (فان) أراد إرادة تفهيمها لكن لا بهذا اللفظ
فذلك غير معقول بعد عدم نصب ما يدل على تلك الإرادة و
المفروض عدم دلالة هذا اللفظ أيضا عليها (وان) أراد مجرد إخطارها
بالبال مقارنا لذكر اللفظ فذلك لا يجعلها من بطون القرآن وأي مساس
له بالقرآن ليكون من بطونه وهل مجرد تصور أمر مقارنا
لذكر اللفظ يجعله من بطون ذلك اللفظ ومعانيه وعلى كلا التقديرين
لا يكون ذلك مدحا وتفخيما للقرآن ومقاما يختص أبا (ثم إن)
المصنف (قده) ذكر في مجلس بحثه جوابين آخرين (أحدهما) ان
المراد منها بيان دقة معاني كلام الله تعالى وخفائها عن الافهام بحجب
سبعة أو سبعين فشبه الحجاب المعنوي بالحجاب الصوري أعني به
جلد البطن الحاجب لما في البطن من الأمعاء فمعنى ان للقرآن سبعة
بطون أو سبعين بطنا ان معاني القرآن مما لا تنالها افهام غير
المخصوصين به كما لا ينال الشخص الشئ المحجوب بحجب
متعددة و
ليس معناه ان له معاني متعددة (ثانيهما) ان المراد منها ان المعاني و
المداليل الكلية القرآنية مصاديق خفية مستورة عن الأذهان قد
أطلقت عليها كما أطلقت أيضا على مصداقه الظاهري واما الاستعمال
فلم يقع الا في مفهوم واحد كلي مثل ان يستعمل لفظ الميزان في
قوله تعالى ولا تخسروا
الميزان في مفهومه الكلي وهو الذي يوزن به الأشياء لكن قد أطلق
على عدة مصاديق بعضها ظهر وبعضها بطن فالظهر هو الذي
ينصرف إليه أذهان أهل العرف أعني به الموازين المادية التي يوزن بها
الأعيان الخارجية واما بطنه فهو الميزان المعنوي الذي يوزن
به إيمان المؤمنين ويمتاز به مراتب إيمانهم بعضهم من بعض أعني به
ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده المعصومين سلام الله
عليهم الا ترى كيف خفي ذلك أي كون الولاية المزبورة من مصاديق
60

مفهوم الميزان على أذهان العامة ولعل هناك معنى اخر أخفى من هذا
فيكون ذلك بطنا لهذا البطن وهكذا إلى سبعة أو سبعين
مبحث المشتق
قوله أحدها ان المراد بالمشتق هاهنا:
اعلم أن جميع ما في العالم من المعاني على ثلاث طوائف (فقسم) هو
من قبيل الذوات أعني به متن عالم الوجود (وقسم اخر) هو من قبيل
العوارض والصفات أعني به جملة الأمور القائمة بالذوات وهو
حواشي عالم الوجود (وقسم ثالث) وهي النسب المتحققة بين تلك
الذوات والعوارض أو بين العوارض بعضها مع بعض وهي المعاني
الحرفية وفي قبال هذه الطوائف الثلاث من المعاني طوائف خمس
من الألفاظ ثلاثة منها بإزاء الطوائف الثلاث من المعاني المزبورة أعني
بها الألفاظ الموضوعة بإزاء الذوات كالاعلام وبعض أسماء
الأجناس والألفاظ الموضوعة بإزاء العوارض القائمة بتلك الذوات و
الألفاظ الموضوعة بإزاء النسب أعني بها الحروف والأسماء
المرادفة لها وهناك طائفة أخرى من الألفاظ قد وضعت بإزاء المركب
من المعاني الثلاثة المتقدمة أعني بها الذوات والعوارض والنسب
(وهذه) الطائفة المعبر عنها بالمشتقات على قسمين (قسم) منها قد
وضع بإزاء الذوات لكن لا مطلقة بل محدودة بحد خاص ومتخصصة
بمبدأ مخصوص من المبادي كاسم الفاعل والمفعول وأضرابها (و
قسم اخر) قد وضع بإزاء الاحداث المنتسبة إلى الذات بنحو من
النسبة
كالمصادر والافعال وهذا القسم وسابقه متعاكسان في اعتبار الذات و
الحدث في مدلوليهما ما بمعنى ان كلا من الذات والحدث
مأخوذ في مدلول كلا القسمين لكن الذات في الأولى بنفسها معتبرة
في المعنى والحدث معتبر فيه باعتبار تقيد الذات فيه ولذلك يحمل
على الذات بخلاف الثانية فان المعتبر فيها بنفسها هو الحدث والذات
انما اعتبرت فيه باعتبار تقيد الحدث بها (ومحل البحث في
المقام) انما هو القسم الأول وحاصل البحث هو ان مدلول اللفظ في
المشتقات ليس هو نفس الذات بما هي كما في الاعلام وأسماء
الأجناس ليصدق على الذات بتمام أطوارها وأحوالها ما دامت الذات
موجودة بل هو الذات حال كونها محدودة بحد خاص عرضي كالذات
الثابت له العلم أو الحركة أو البياض فلا يصدق على الذات الخالية عن
الحد
61

المتقيدة به الذات فإذا لاحظنا ذاتا مقيدة بمقولة خاصة عرضية
منتسبة إليها بنسبة خاصة كلحاظ زيد المقيد بالبياض المنتسب إليه
بنسبة
قيامية فتارة تكون هذا الذات حاملة لتلك المقولة ومتصفة بها في
جميع قطعات وجودها فلا كلام فيه في المقام وأخرى لا تكون متصفة
بها الا في قطعة خاصة من الزمان ولنفرض تلك القطعة متوسطة
محفوفة بقطعتين عاريتين عن تلك الكيفية ويعبر عن تلك القطعة
المتوسطة بالمتلبس بالمبدأ وعن القطعتين الحافتين بها بمن لم يتلبس
بعد ومن انقضى عنه المبدأ وغير خفي ان لكل من القطعتين
العاريتين عن المبدأ نحو اختصاص وإضافة بالمبدأ الحاصل في
القطعة الوسطى في قبال ذات لا يكون لها هذه الإضافة لأجل عدم
فعلية
المبدأ فيها أصلا كما أن للقطعة الحاملة للمبدأ نحو اختصاص آخر به
(ومن ثم) قد وقع البحث هنا في أن مدلول المشتق ومطابق لفظه
هو خصوص تلك القطعة الحاملة للمبدأ فتخرج القطعة اللاحقة عن
مدلولها كخروج القطعة السابقة بلا خلاف أو ان مدلوله ما يعم
القطعتين أعني بهما القطعة الحاملة للمبدأ والقطعة اللاحقة بها وهي
المعبر عنها بمن انقضى عنه المبدأ ومنه يعلم أنه لا بد للقائل
بالوضع للأعم من تصوير قدر جامع بين القطعتين بحيث يعمهما ولا
يشمل القطعة السابقة وهي قطعة عدم التلبس للاتفاق على
خروجها عن
المدلول وكون استعمال المشتق فيها مجازا وتصوير القدر الجامع
مشكل كما أن الالتزام بالاشتراك اللفظي والوضع للمتلبس بالمبدأ
تارة ولمن انقضى عنه أخرى أشكل
قوله واختلاف أنحاء التلبسات حسب تفاوت:
بل الاختلاف في جملة من المشتقات انما هو باختلاف الهيئات
الحاكية كل منها عن خصوص نسبة مغايرة لنسبة أخرى كما في ناطق و
نطاق وناجر ونجار وحامل وحمال فإذا اختلف ما يدل على النسبة
أعني به الهيئة اختلف المدلول أعني به النسبة المحكية (اما) اختلاف
المبدأ فهو أجنبي عن محل البحث ولا تختلف النسبة المحكية
باختلافها وانما يختلف المعنى القائم بالذات باختلافه فالمبدأ في
مثل
عادل وجواد وشجاع انما هو من الملكات فتدل الهيئة على قيام تلك
الملكات بالنفس وفي مثل أبيض وطويل وصبيح انما هو نفس
الاعراض فتدل الهيئة على قيام تلك الاعراض بالبدن فالنسبة نسبة
واحدة وان اختلفت المادة كما أن المادة في الأمثلة المتقدمة مادة
واحدة والنسبة مختلفة
62

قوله ثم إنه لا يبعد ان يراد بالمشتق في محل النزاع:
بل يبعد ذلك كل البعد ان لم نقل بعدم جوازه لعدم مناسبة وعلاقة
بين معنى المشتق الحقيقي وهذا المعنى العام الشامل للجوامد الا أن تكون
الشباهة معنوية لكون الجوامد التي أريد إدراجها في مفهوم
المشتق المبحوث عنه في المقام مشابهة بحسب المعنى للمشتق
الحقيقي لان معناها مؤلفة من ذات وتخصص بالمبدأ فتكون هي
العلاقة المصححة لاطلاق لفظ المشتق عليها فيطلق لفظ المشتق على
ما
يعم الجوامد المنتزعة من الذات بلحاظ قيام عرض أو عرضي بها
بعموم المجاز (ثم) ان ما ذكر (قده) من التعميم يستلزم دخول معظم
الجوامد في محل البحث بل لو قيل إن ملاك البحث لا يختص بما كان
مفهومه منتزعا من الذات بلحاظ قيام عرض أو عرضي بها بل يشمل
المفهوم المنتزع من الذات بلحاظ ذاتياتها أيضا لكان هذا القول صوابا
وعليه فلا يبقى شئ من المفاهيم القابلة للانطباق على الذات
خارجا عن البحث الا الاعلام الشخصية فأسماء الأجناس بأجمعها
تكون داخلة في محل البحث لتقوم مفاهيمها من ذات أعني بها
الجنس
العالي وامر اخر ذاتي أعني به الفصل فان الفصل ذاتي بالنسبة إلى
النوع المتقوم به فلفظ الانسان حاك عن ذات ثابت له النطق فيقع
البحث في أن هذا اللفظ مثلا هل وضع بإزاء ما ثبت له النطق فعلا أو
بإزاء الأعم
منه ومما انقضى عنه ذلك ومن المقطوع به ان النزاع ليس بهذه السعة
والشمول وحينئذ لا بد من ذكر ضابط اخر لما هو المبحوث عنه
وبيان ما به يمتاز الخارج من الداخل بعد عدم إمكان الالتزام بما هو
قضية عموم ملاك البحث أعني به شمول البحث لسائر الجوامد
أجمع الا الاعلام الشخصية المتعينة بإزاء الذوات بلا تحديد بحد
خاص عرضي أو ذاتي إذ لا تفاوت بين ذات وذات وحد خاص وحد
و
نسبة ونسبة فكل لفظ كان مدلوله مؤتلفا من ذات وتخصص بحد
خاص ينبغي ان يكون محلا للبحث
قوله مع الدخول بالكبيرتين
لا يعتبر الدخول بالكبيرة المرضعة الأخيرة بل لا يعتبر الدخول
بالكبيرة المرضعة الأولى إذا كان اللبن لبنه فان ذلك أمر معقول مع
عدم الدخول وتحرم الصغيرة ح بعنوان انها بنته وحرمة البنت غير
منوطة بالدخول بأمها (نعم) إذا كان اللبن لبن فحل اخر اعتبر
الدخول بها في حرمة الصغيرة إذ حرمتها حينئذ تكون بعنوان الربيبة و
حرمة الربيبة منوطة بالدخول بأمها (ثم) لا فرق في ابتناء نشر
الحرمة على نزاع المشتق بين المرضعة
63

الأولى والمرضعة الثانية فان عنواني الأمومة والبنتية يحصلان في
مرتبة واحدة عند تمامية الرضعات الناشرة للحرمة ففي المرتبة التي
صارت هذه اما لتلك خرجت تلك عن الزوجية فلم تكن هذه أم زوجة
فعلية بل أم زوجة سابقة
قوله الا انه ربما يشكل بعدم إمكان جريانه
الاشكال لا يختص باسم الزمان بل يعم كل مشتق كان الذات فيه هو
الزمان بل كل ما كان الذات فيه من الأمور المتصرمة زمانا كان أم
زمانيا مثل الحركة والجريان (وما أفاده المصنف قده من الجواب) انما
يدفع إشكال عدم إمكان البحث واما إشكال كون البحث لغوا و
بلا فائدة وثمرة فهو بعد باق على حاله (وربما يجاب) بان الزمان وإن كان
متصرما بتصرم المبدأ لكن ذلك بحسب الدقة والا
فبحسب الصدق العرفي ربما يصدق انه باق بعد انقضاء المبدأ فان
مجموع يوم واحد يعد واحدا فإذا كان جز منه وقع فيه المبدأ صدق
بعد انقضاء المبدأ ان الذات باقية وقد انقضى عنها المبدأ (وفيه) ان
البقاء فيه مبنى على المسامحة والعناية والا ففي الحقيقة لا يكون
الزمان المتصرم بذاته قابلا للبقاء فإذا تطرقت المسامحة كان إطلاق
المشتق عليه مجازا حتى على القول بكون المشتق حقيقة في الأعم
فضلا عن القول بأنه حقيقة في خصوص المتلبس فالبحث في أنه
حقيقة في الأعم أو في خصوص المتلبس لا يكون جاريا فيه بل بالبيان
المذكور يصح إطلاقه على الأجزاء السابقة على وقوع المبدأ فيقال هذا
اليوم مقتل زيد مع أن القتل لم يقع بعد فان المسامحة الجارية بعد
الانقضاء جارية بعينها قبل التلبس بالمبدأ أيضا
قوله والمصادر المزيد فيها:
وكذلك المصادر المجردة وانما قيد بالمزيد فيها لان دخول المصادر
المجردة في عنوان المشتق محل بحث وإشكال وإن كان
مختاره (قده) هو الدخول وان المصدر مشتق كسائر المشتقات كما أن
الفعل أيضا مشتق (ثم) ان مفاد هذا الامر قد تقدم في الأمر الأول
حيث خص النزاع هناك بما كان من المشتقات مفهومه منتزعا من
الذات بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضي ومتحدا معها نحو اتحاد
فيخرج بذلك المصادر والافعال لعدم هذا الاتحاد فيها فمضمون هذا
الامر مستدرك
قوله نعم لا يبعد ان يكون لكل من الماضي
يريد بذلك ان كلا من الماضي والمضارع وان لم يدل بنفسه على
الزمان الا انه يدل على خصوصية ملازمة لخصوص زمان إذا كان
مسندا إلى زماني فالدال على الزمان حينئذ وإن كان هي القرينة أعني
بها الاسناد إلى الزمانيات الا ان الدال على تلك
64

الخصوصية هو نفس الفعل وتلك الخصوصية هي التي يعبر عنها في
الفارسية (بشدة وخواهد شد) فان هذه الخصوصية في الزماني لا
تكون الا في الزمان الماضي أو المضارع (والظاهر) ان النحاة لم يعنوا
من دلالة الفعل على الزمان أكثر من ذلك وليس بنائهم على
التدقيق في أمثال ذلك ليكون قولهم إن الفعل يدل على الزمان ظاهرا
في كون الزمان مدلولا له بلا واسطة وحيث إن غالب استعمال
الافعال انما يكون في موارد الاسناد إلى الزمانيات لم يقيدوا كلامهم و
أطلقوا القول بدلالة الفعل على الزمان
قوله ولا معنى له الا ان يكون له خصوص معنى:
لعل الوجه في ذلك عدم تصوير قدر جامع بين الزمانين ليؤخذ ذلك
القدر الجامع في مدلول اللفظ فلا بد في تصحيح الاشتراك المعنوي
من أخذ خصوصية جامعة أخرى في مدلول اللفظ منطبقة على كل من
الزمانين عند كون الفاعل من الزمانيات (ولا يخفى) ان ذلك لو تم و
لم يكن قدر جامع بين الزمانين بحيث يخصهما ولا يشمل الزمان
الماضي ولو بمثل زمان لم يكن ذلك بماض لكان هذا دليلا اخر على
المدعى بل كان أقوى من الدليل الأول
قوله وربما يؤيد ذلك:
لا يصلح هذا للتأييد بعد كون العبرة في المضي والمضارع والحال
بالمضي والمضارع والحال بالإضافة إلى زمان النسبة لا بالإضافة
إلى زمان النطق كما أنه لو اعتبرنا الخصوصية الملازمة لخصوص زمان
عند اسناد الفعل إلى الزماني في مدلول الفعل كما هو مختار
المصنف (قده) لكان ذلك أيضا بالإضافة إلى زمان النسبة دون زمان
النطق وبالجملة لا محيص من الالتزام بكون المعنى المأخوذ في
مدلول الفعل الماضي أو المضارع سوأ كان ذلك نفس الزمان أم
الخصوصية الملازمة له مأخوذا بالإضافة إلى زمان النسبة دون زمان
النطق
قوله والكلي العقلي:
ليس كل ما لا موطن له الا العقل ولا يصدق الا على افراد ذهنية كما
في كل مفهوم مقيد بكلى اللحاظ لا بشخصه كليا عقليا بحسب
الاصطلاح بل الكلي العقلي أعني به ما يقابل الكلي الطبيعي و
المنطقي هو المفهوم بوصف الكلية الذي لا موطن له بهذا القيد الا
العقل لان
صفة الكلية وعاؤها العقل (ومنه) يظهر ان الكلي المنطقي الذي هو
نفس مفهوم الكلي أعني به الكلي بالحمل الأولى أيضا لا يكون الا في
العقل (نعم) الكلي الطبيعي الذي هو نفس المفهوم المعروض للكلية
لا بقيد العارض يصدق على ما في الخارج كما يصدق على ما في
العقل
فيكون
65

بعين وجود افراده في الموطنين فالمعنى إذا قيد بقيد اللحاظ أعني به
مفهوم اللحاظ لا شخصه كان كليا طبيعيا قابلا للانطباق على
افراده الخارجية أعني بها المفاهيم الملحوظة باللحاظات الشخصية
القائمة بالنفوس نظير مفهوم العلم الذي هو كلي طبيعي قابل
للانطباق على افراده أعني بها الصور العلمية الجزئية القائمة بالنفس
كما أنه إذا قيل المعنى بقيد اللحاظ الشخصي الخارجي كان حصة من
المعنى الموجودة في الذهن وذلك نظير المعنى بقيد الوجود
الخارجي كمفهوم الانسان المقيد بكونه موجودا بوجود زيد مثلا فإنه
حينئذ يكون في زيد حصة من حصص المعنى غاية الأمر انها حصة
خارجية والمعنى المقيد باللحاظ حصة ذهنية
قوله ومنه ظهر عدم اختصاص الاشكال:
يعنى إشكال امتناع الصدق على الخارجيات يعم الأسماء أيضا على
تقدير اعتبار قيد اللحاظ الاستقلالي في مداليلها كما أن دفع الاشكال
في الأسماء بإنكار أخذ اللحاظ في مداليلها جار في الحروف أيضا و
قد تقدم ان الاشكال بلزوم تعدد اللحاظ في مقام الاستعمال على
تقدير اعتبار اللحاظ في مداليلها يعم الأسماء أيضا وقد استوفينا
الكلام في مداليل الحروف فلا حاجة إلى الإعادة فراجع صدر الكتاب
ليتضح لك حقيقة الحال
قوله وكون المبدأ في بعضها حرفة:
ليس المبدأ في شئ من الموارد حرفة أو صناعة أو ملكة بل المبدأ في
الجميع هي الفعلية والاختلاف انما هو في أنحاء التلبس بذلك
المبدأ الفعلي فإنه قد يكون بنحو القيام بالفعل وقد يكون بنحو القيام
بالملكة وهكذا ولكل من أطوار هذه النسب عين طور من أطوار
الهيئات الاشتقاقية فهيئة ناجر تدل على نحو من النسبة وهيئة نجار
على نحو اخر والمادة مادة واحدة لكن النسبة بهذه المادة الواحدة
مختلفة فيها لا ان المادة في نجار استعملت في ملكة النجارة مجازا
(نعم) المادة في مثل عادل وشجاع وجواد بنفسها ملكة والتلبس
فيها مثل التلبس في ضارب وقاتل وآكل
قوله هو حال التلبس لا حال النطق:
ليس المراد من كلمة الحال في قولنا حال التلبس زمان الحال كما هو
المراد بها في قولنا حال النطق بل المراد بها حالة التلبس أعني بها
التلبس الفعلي والمراد من التلبس الفعلي ليس هو التلبس المتحقق في
الخارج فان مداليل الألفاظ انما هي ذوات المعاني لا المعاني بقيد
التحقق في الخارج ولذلك كان كلمة ضارب في زيد ضارب مستعملا
في معناه الحقيقي إذا أريد به الصورة المتلبسة بالضرب
66

الفعلي وان لم يتلبس زيد بالضرب في شئ من الأزمنة الثلاثة نعم
كانت القضية كاذبة ح وأحسن تقريب لبيان ذلك ما تقدم منا في
بعض الحواشي من تقطيع الذات كزيد مثلا بحسب استمرار وجوده
إلى ثلاث قطعات قطعة ملحوظة قبل التلبس بالمبدأ وقطعة ملحوظة
مشتملة بالمبدأ وقطعة بعد الاشتغال بالمبدأ وخلعه ويعبر عن
القطعة الأولى بمن لم يتلبس بالمبدأ وعن الثانية بمن تلبس بالمبدأ
فعلا وفي الحال وعن الثالثة بمن انقضى عنه المبدأ فالقطعة الأولى
خارجة عن مدلول المشتق بالاتفاق كما أن القطعة الثانية داخلة في
مدلوله بالاتفاق وانما النزاع في اختصاص مدلول المشتق بها و
عمومه للقطعة الثالثة أيضا (وقد مر) الاشكال في تصوير الجامع بين
القطعتين بحيث يختص بهما ولا يشمل القطعة الأولى الا ان يشار إليه
بحد عدمي بان يقال إن مدلول المشتق كل ذات له نسبة إلى المبدأ
ولم يكن ممن لم يتلبس به بعد (ثم) ان زمان النطق الذي هو زمان
النسبة اللفظية بعينه هو زمان الجري بمعنى توصيف الذات بالمبدأ و
من الواضح ان ذلك أمر يتحقق في الخارج بمجرد النطق وغير قابل
للتقييد بمثل أمس أو غد (ضرورة) ان القابل للتقييد انما يكون هو
المفهوم الكلي واما الموجود الخارجي كوجود زيد مثلا فهو غير قابل
للتقييد بل هو أمر لا يعقل بعد ان تحقق في الخارج ان لا يكون
متحققا فيه فعلا بل يكون متحققا في الأمس أو في الغد
هذا كله في زمان النطق (واما) زمان تلبس الذات بالمبدأ في الخارج
فالمراد به هو زمان اتصاف الذات بالمبدأ في الخارج وقد يعبر
عنه بزمان الجري الخارجي وزمان النسبة الخارجية فللجري والنسبة
معنيان ينطبق أحدهما على النطق فيكون زمانه زمان النطق و
الاخر على التلبس الخارجي بالمبدأ فيكون زمانه زمان التلبس فالجري
قد يكون لفظيا وقد يكون خارجيا كما أن النسبة قد تكون
لفظية وقد تكون خارجية (إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم) ان في مثل زيد
ضارب أمس أو ضارب غدا يحتمل رجوع قيد أمس أو غد إلى
كل من أجزأ القضية الثلاثة أعني بها زيد وضارب والنسبة (فعلى
الأول) يكون مفاد القضية ان زيدا المقيد بكونه في الأمس أو الغد
ضارب فيكون الموضوع في القضية قطعة من قطعات استمرار وجود
زيد قد حكم عليه باتحاده مع عنوان ضارب ولازم ذلك تقيد
المحمول أعني به الضارب في المثال بقيد الموضوع أيضا (وذلك)
لعدم تعقل اتصاف زيد المقيد بكونه في الأمس مثلا بكونه ضاربا
بالفعل كما أن تقييد
67

الموضوع والمحمول يستلزم تقييد النسبة أيضا بالضرورة فالقضية
اللفظية على هذا تحكى عن قضية خارجية يكون كل جز من
اجزائها الثلاث مقيدا بقيد الأمس مثلا وعليه فالمشتق لم يستعمل في
المثال الا في المتلبس بالمبدأ فعلا فيما إذا لوحظ زيد متصفا
بالضرب في الأمس سوأ كان كذلك خارجا أم لا (واما) لو لوحظ
متصفا به قبل أمس لكان ذلك داخلا في محل الخلاف كما أنه لو
لوحظ
متصفا به بعده كان مجازا بالاتفاق (وعلى الثاني) يكون مفاد القضية
ان زيدا فعلا هو الضارب المقيد بكونه في الأمس فلفظ أمس يدل
على ظرف نسبة المبدأ إلى الذات المستفادة من الضارب في المثال
فإذا لو حظ ثبوت الضرب لزيد في الأمس كان إطلاق المشتق على
نحو الحقيقة وكان حاكيا عن الذات المتلبس بالمبدأ فعلا (وعلى
الثالث) يكون أمس كما في الاحتمال الثاني ظرفا للنسبة المأخوذة في
الجملة التي هي بعينها النسبة المأخوذة في مدلول المشتق فان تلك
النسبة والنسبة المستفادة من حمل المشتق على الموضوع نسبة
واحدة فظرف أحدهما ظرف الاخر فإذا اعتبر ثبوت المبدأ لزيد في
ظرف أمس كان إطلاق المشتق على وجه الحقيقة في هذه الصورة
أيضا وكان مؤدى قولنا زيد ضارب في الأمس أو في الغد مؤدى قولنا
كان زيد ضاربا أو سيكون ضاربا (فتحصل) ان إطلاق المشتق
على جميع الاحتمالات الثلاث يكون على
وجه الحقيقة (نعم) ان صح إرجاع القيد إلى المبدأ الذي تضمنه لفظ
المشتق مع بقاء زيد والنسبة وهيئة المشتق على إطلاقه ليكون معنى
زيد ضارب في الأمس زيد ضارب فعلا بالضرب المتحقق في الأمس
أو زيد ضارب فعلا بالضرب المتحقق غدا كان من محل الخلاف في
الأول ومن المتفق على مجازيته في الثاني
قوله فجرى المشتق حيث كان بلحاظ حال التلبس:
يعنى بذلك ما إذا قصد الحكاية به عن قطعة التلبس من قطعات الذات
لا عن القطعة العارية عن المبدأ فكلما قصد الحكاية بالمشتق عن
قطعة التلبس كان الاستعمال حقيقيا سوأ كانت الحكاية مطابقة للواقع
أم لم تكن وكلما قصد الحكاية به عن قطعة الانقضاء كان داخلا
في محل الخلاف كما أنه كلما قصد الحكاية به عن قطعة ما لم يتلبس
بعد بالمبدأ كان مجازا من غير فرق في جميع ذلك بين تقارن
القطعة المحكية لزمان النطق وتقدمها عليه أو تأخرها عنه
قوله والغد انما يكن لبيان زمان التلبس:
رجوع القيد إلى كل من الموضوع أو المحمول في القضية خلاف
الظاهر وانما الظاهر من التقييد
68

هو رجوع القيد إلى مفاد الجملة أعني به ثبوت المحمول للموضوع
فيكون مفاد زيد ضارب أمس مفاد زيد كان ضاربا (واما) رجوع
القيد إلى جز مدلول المحمول وهو المبدأ ليكون مفاد زيد ضارب
أمس مفاد زيد ضارب فعلا بالضرب المتحقق في الأمس فصحته غير
معلومة ليحمل كلامهم على ذلك
قوله ويؤيد ذلك اتفاق أهل العربية:
يعنى يؤيد كون المراد من الحال في العنوان حال التلبس لا زمان النطق
ولا زمان التلبس اتفاق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على
الزمان إذ لو كان المراد من الحال زمان النطق أو زمان التلبس لزم دلالة
المشتقات على الزمان مع أنها من جملة الاسمء ثم إن التعبير
بالتأييد انما هو لعدم العبرة باتفاق النحاة لعدم حجيته ولو كان حجة
لكان دليلا على المدعى لا مؤيدا له
قوله الدلالة على أحدهما بقرينة
سوأ كانت القرينة قرينة على إرادة الزمان من اللفظ مجازا أو كانت
القرينة دالة على الزمان بنفسها وبلا واسطة على نحو تعدد الدال
والمدلول
قوله مع معارضتها بأصالة عدم:
إذا كانت أسماء الأجناس موضوعة للماهيات المهملة دون المرسلة
المطلقة كما هو مختار المصنف (قده) وفاقا لسلطان العلماء لم يكن
مجال لهذه المعارضة فان الماهية اللابشرط المقسمي خالية عن تمام
الحدود بحيث لم يلحظ في جانبها سوى نفس الماهية متيقن
الاعتبار في مدلول اللفظ واما الخصوصية الزائدة فاعتبارها مشكوك
فيه والأصل عدمها (نعم) لو اخترنا ما نسب إلى المشهور في
وضع أسماء الأجناس من اعتبار حد الارسال والسريان في مدلولها
لتمت هذه المعارضة (ثم) ان مسلك سلطان العلماء (قده) وإن كان
يرد عليه ما ذكرناه في محله من أن المهمل غير قابل لان يحكم عليه و
الوضع ضرب من الحكم مضافا إلى أن الماهية المهملة في حكم
الجزئية والوضع لها كالحكم عليها فكما ان الحكم عليها لا يسرى إلى
جميع المصاديق كذلك الوضع لها لا يسرى إلى جميع المصاديق و
لازمه عدم صحة إطلاق اللفظ الموضوع للطبيعة على جميع
مصاديقها مع أنه لا إشكال في صحة إطلاق اسم الجنس على كل
واحد من
مصاديق معناه الا انه على تقدير اختيار هذا المسلك لا دافع للاشكال
المتقدم منا على المعارضة فتدبر
قوله كما أن قضية الاستصحاب:
الموضوع في الاستصحاب المذكور لم يحرز بقائه لتردده بين ما هو
باق جزما أعني به الأعم من المتلبس
69

والمنقضى وما هو مرتفع جزما أعني به خصوص المتلبس ومعه لا
يجري الاستصحاب على ما بين في محله
قوله لأجل توهم اختلاف المشتق باختلاف:
لا إشكال في أن النظر في الأمثلة المختلفة للمشتقات يوجب القطع
بعدم كون جميعها على نسق واحد فان الناظر فيها يقطع بظهور
بعضها في المتلبس الفعلي وبعضها الاخر في الأعم منه ومن
المنقضى عنه التلبس ومن ذلك نشأ اختلاف الآراء في المسألة و
ظهرت
تفاصيل مختلفة فيها (والمختار عندنا) هو التفصيل تفصيلا ثلاثيا بين
اسم الفاعل واسم المفعول وسائر المشتقات (بان يقال) ان اسم
الفاعل لا يعتبر في مدلوله التلبس بالمبدأ أصلا لان مدلوله لا يزيد على
الذات مقيدة بكونه علة ومصدرا للمبدأ فالذات الفاعل للمبدأ
فاعلية اقتضائية مدلول اسم الفاعل سوأ كان هناك تأثير في الخارج
في إحدى الأزمنة أم لم يكن (واما) اسم المفعول فيعتبر في مدلوله
التلبس بالمبدأ في الجملة أعم من الفعلي والانقضائي ولا تكفي
القابلية الاقتضائية فيه (واما) بقية المشتقات فيعتبر في مداليلها فعلية
التلبس بالمبدأ ويدخل في هذا القسم كثير مما كان على زنة فاعل إذا
ليس كل ما كان على هذا الوزن اسما للفاعل بل يختص اسم
الفاعل بما كانت نسبة المبدأ فيه إلى الذات نسبة الايجاد والإصدار
كقاتل وضارب وشاتم ومنطلق ومكرم دون مثل قائم وعالم و
عادل مما كانت النسبة فيه حلولية فإنها داخلة في الصفات المشبهة و
يعتبر فيها فعلية التلبس إذ لا تختص الصفة المشبهة من وزن
فاعل بصيغة طاهر وأخواتها (وبالجملة) ما كان على وزن فاعل منه ما
هو اسم فاعل وهو الذي أفاد معنى الفاعلية والتأثير ومنه ما هو
صفة مشبهة وهو ما أفاد مطلق تطور الذات بالمبدأ (فالذي) تكتسبه
المادة من الارتحال إلى باب فاعل في القسم الأول زيادة على معنى
نفسها إفادة سببية الذات وعليته وفاعليته للمبدأ ونعني بالسببية تلك
الخصوصية الموجبة للتأثير سوأ أثرت فعلا لوجود بقية ما هو
دخيل في التأثير أم لا فالسم القاتل والسيف القاطع حقيقتان إذا ثبت
فيهما اقتضاء التأثير سوأ أثرا في الخارج أم لم يؤثرا بل ولو لم
يؤثرا إلى الأبد (نعم) المراد من الاقتضاء الاقتضاء القريب من الفعلية و
هو ما كان التخلف عن التأثير لفقد شرط أو اقتران مانع لا البعيد
المحتاج فيه الذات إلى الاستكمال كعلية الشجر الأخضر للاحتراق (و
الحاصل) انه لا يعتبر في معنى اسم الفاعل أزيد من علية الذات و
70

كونها مصدر المبدأ علية ناقصة (نعم) هناك شيئا وهو ان حمل اسم
الفاعل على موضوع خاص مع مشاركة غيره معه في الاقتضاء
يكشف عن خصوصية فيه وليست الخصوصية إلا فعلية التأثير لكن
هذا من جهة قرينة خارجية لا دخل له بمدلول اللفظ الذي كلامنا فيه

اما) الذي تكتسبه المادة بالارتحال إلى باب فاعل في القسم الثاني فهو
بعينه ما تكتسبه من الارتحال إلى سائر الهيئات الاشتقاقية مما
عدى اسم المفعول وهو فعلية التلبس والمعانقة مع المبدأ على
خلاف القسم الأول فلا يصدق قائم وعالم وعادل على من خلا عن
فعليات
هذه المبادي (والبرزخ) بين هذين القسمين هو اسم المفعول المعتبر
في مدلوله التلبس في الجملة أعم من الانقضاء والحال فارتحال
المبدأ إلى باب المفعول يوجب كسب معنى تحمل الذات للمبدأ و
المطاوعة والانفعال منه أعم من أن يكون ثابتا فيه أو زائلا عنه فصيغة
مضروب تؤدى وقوع الحدث على الذات لا مجرد قابلية الوقوع (لا
يقال) ان اسم الفاعل والمفعول من قبيل المتضايفين فإذا دلت هيئة
فاعل على اقتضاء الفعل لازم ذلك دلالة اسم المفعول على اقتضاء
الانفعال فلا وجه للتفكيك بينهما (فإنه يقال) المضايف لاسم الفاعل
هو
المفعول على اقتضاء الانفعال فلا وجه للتفكيك بينهما (فإنه يقال)
المضايف لاسم الفاعل هو المفعول المطلق لا غير واما اسم المفعول
فهو المفعول به وهو مفعول
مجازي كبقية المفاعيل وانما المفعول الحقيقي هو المفعول المطلق و
يشهد لذلك اختصاص صوغ اسم المفعول بالافعال المتعدية و
عموم صوغ اسم الفاعل في كل فعل كعموم المفعول المطلق فإنه
عبارة عن نفس الحدث الذي هو بنفسه فعل الفاعل ومفعوله كالوجود
والموجود ومنه يعلم أن معنى اسم الفاعل إن كان هو اقتضاء التأثير
كان معنى هذا المفعول بالخصوص اقتضاء التأثر دون سائر
المفاعيل وهذا هو المختار في المقام ولم أظفر بمن تفطن لذلك من
الاعلام أعني عدم اعتبار التلبس بالمبدأ أصلا (ولعل) مما ذكرناه
يظهر كيفية الحال في صيغ المبالغة وانها إن كانت مبالغة في الفاعلية
أفادت قوة السببية والتأثير فصيغة نجار مثلا تفيد سببية الذات
لنجارات متكررة ومنشئيته لها وان لم تؤثر في واحد منها خارجا و
هذه السببية لما لم تكن إلا عن قوة وملكة دون مجرد الاتفاق
أفادت صيغتها الملكة لا ان مدلولها ابتدأ هو الملكة وإن كانت مبالغة
في المفعولية أفادت تكرر تحمل الذات للحدث فعلا لا مجرد
القابلية
قوله فان ذلك لو سلم فإنما هو لأجل تعدد:
يعنى بذلك ان الأكثرية ليست ثابتة في نوع واحد من المجاز لان كل
نوع من
71

إذا لوحظ مع المعنى الحقيقي كان الاستعمال في المعنى الحقيقي أكثر
منه في المعنى المجازي (نعم) مجموع الاستعمالات الواقعة في
الأنواع المختلفة بحسب العلائق يكون أكثر من الاستعمالات الحقيقية
قوله لكن أين هذا مما إذا كان دائما كذلك:
يعنى في قاطبة باب المشتقات والتعبير بلفظ دائما لغرض استيعاب
الافراد لا يخلو عن حزازة لان مفاده الاستيعاب بحسب الأزمان
دون الافراد
قوله إن ذلك انما يلزم لو لم يكن:
مقصوده هو ان إطلاق المشتق في مواد الانقضاء لا يستلزم كون إطلاقه
بلحاظ حال الانقضاء ليكون مجازا في الأغلب فإنه على القول
بوضعه لخصوص المتلبس يمكن ان يكون الاطلاق بلحاظ حال
التلبس فرارا عن محذور لزوم غلبة المجاز (نعم) القائل بوضعه للأعم
ليس له محيص عن الالتزام باستعماله بلحاظ حال الانقضاء لأنها من
جملة افراد الحقيقة ولا وجه بعد ذلك للحاظ حال التلبس واستعمال
اللفظ بذلك اللحاظ فإنه من قبيل الاكل من القفا وبناء على هذا القول
لا يتم سبب الانصراف أعني به كثرة الاستعمال في المتلبس
قوله ضرورة انه لو كان للأعم:
تعليل للمنفي في قوله لا حينه يعنى ان الاستعمال في حين المجئ
الذي هو حال الانقضاء جائز بالضرورة على القول بالأعم ويكون على
وجه الحقيقة أيضا فلا وجه لملاحظة حالة أخرى
قوله وهذا غير استعمال اللفظ فيما لا يصح:
يعنى فيما لا يتيسر فيه الاستعمال الحقيقي كاستعمال الأسد مثلا في
الرجل الشجاع فإنه لا محيص هناك عن المجاز فلا بد من المصير
إليه بخلاف المقام الذي لا ضرورة فيه إلى الاستعمال المجازي و
يمكن الاستعمال على وجه الحقيقة كما عرفت
قوله وفيه انه ان أريد بالتقييد:
يعنى ان أريد من التقييد في عبارة المورد تقييد المسلوب أعني به
سلبه بعد استعماله في الخاص وإرادة خصوص المتلبس منه عن
مورد
الاستعمال فنختار الاطلاق وعدم تقييد المسلوب ونمنع كون سلب
المطلق غير سديد بل الضارب مثلا بمفهومه الارتكازي من غير
ملاحظة خصوصية زائدة على نفس مفهومه يصح سلبه عمن انقضى
عنه المبدأ وان أريد من التقييد تقييد السلب وقصره بخصوص زمان
الانقضاء فنختار التقييد وان السلب مقصور بزمان الانقضاء بمعنى ان
النسبة المحكية مقصورة بزمان الانقضاء لا ان النسبة اللفظية
السلبية مقصورة بزمانه ضرورة انه يصح الاخبار في كل زمان ولو كان
ذلك زمان تلبس زيد بالضرب عن عدم كونه ضاربا
72

في زمان انقضاء الضرب فالعبرة انما هي بالمحكي دون الحاكي
(فالمتحصل من ذلك) هو ان المسلوب مطلق من غير إعمال عناية
زائدة
على نفس ما هو المفهوم من المشتق عرفا واما السلب فهو وإن كان
مخصوصا بظرف الانقضاء الا ان ذلك لا ينافي كونه علامة المجاز
إذ لو كان المشتق بمفهومه الارتكازي عاما لم يصح سلبه في ظرف
الانقضاء كما لا يصح سلبه في ظرف التلبس فان المفروض على
القول بالأعم هو كون كل من المنقضى عنه المبدأ والمتلبس فردا
للمعنى الجامع على حد سوأ فلا يعقل صحة سلبه عن شئ منهما و
ظني
ان مراد المورد من الاطلاق والتقييد في كلامه هو لحاظ الاطلاق و
التقييد بالإضافة إلى المسلوب بان يراد بالاطلاق استعمال المشتق
في الأعم من المتلبس والمنقضى عنه المبدأ في قبال التقييد الذي هو
عبارة عن استعمال المشتق في الأعم من المتلبس والمنقضى عنه
المبدأ في قبال التقييد الذي هو عبارة عن استعماله في خصوص
المتلبس ومن المعلوم ان سلب المشتق المستعمل في الأعم عن
مورد
الانقضاء غير سديد كما أن تقييده غير مفيد (والجواب عنه) حينئذ
هو منع انحصار الأقسام في القسمين المذكورين في كلامه بل هناك
قسم ثالث وهو سلب المشتق بمفهومه المرتكز من غير لحاظ
استعماله في الأعم ولا في الأخص وهو المراد من الاطلاق في كلام
المصنف (قده)
قوله مع إمكان منع تقييده أيضا:
يعنى بذلك انه يمكن ان يكون السلب عاما وبحسب كل زمان حتى
زمان التلبس بالمبدأ لكن المسلوب عنه حصة خاصة من وجود
الموضوع أعني به قطعة الانقضاء من الذات فان زيدا مثلا المنقضى
عنه المبدأ بقيد انه المنقضى عنه المبدأ ليس بضارب حتى في زمان
التلبس بالضرب والذي هو ضارب في زمان التلبس هو قطعة أخرى
من وجود زيد غير قطعة الانقضاء كما أن الامر ينعكس في عكسه
بمعنى ان قطعة التلبس بالضرب من الذات ضارب حتى في حال
الانقضاء ولا يصح سلب الضارب عنه بلحاظ هذا الحال
قوله إنه أريد من المبدأ معنى يكون:
لا شئ يمكن ان يكون باقيا بعد انقضاء الضرب ليكون هو المراد
بالمبدأ في مضروب كي يكون التلبس به باقيا بعد انقضاء التلبس
بنفس الضرب نعم في مثل مقتول يكون المبدأ بمعناه الحقيقي باقيا و
المنقضى انما هو سببه وذلك لان القتل معناه الحقيقي هو استناد
الموت إلى سبب اختياري وهذا صادق إلى الأبد لان الموت فعلى
أبدا وهو مستند إلى سبب اختياري (ثم) ان مثال كلام المصنف (قده)
حيث التزم بالتجوز في المبدأ في الموارد المذكورة إلى إنكار عدم
صحة
73

سلب اللفظ في هذه الموارد إذا أريد به معناه الحقيقي مادة وهيئة و
عليه فيكون الاستعمال في موارد الانقضاء مجازا ضرورة ان علامة
المجاز هو صحة سلب اللفظ بمعناه الحقيقي دون الأعم منه ومن
المجازي
قوله وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد:
هذا البسط والتفصيل مما لا محل له والاستدلال تمام لا مخلص عنه
بعد تسليم أمرين (أحدهما) عدم تلبس المتصدين للخلافة بالظلم و
عبادة الأصنام حال تصديهم كما عليه بناء الاستدلال وهو المتسالم
عليه بين الطرفين (ثانيهما) كون استدلال الإمام عليه السلام بظاهر
الآية لا بمؤولها وما هو المراد بها واقعا وبعد تسليم هذين الامرين لا
محيص من كشف استدلال الإمام عليه السلام بالآية عن كون
المشتق حقيقة في الأعم إذ لولاه لم يصح الاستدلال بظاهرها (وغاية
ما يمكن ان يقال في الجواب) ان استعمال المشتق في الآية بلحاظ
حال التلبس وهو غير خارج عن كونه حقيقة (لكن يرد عليه) ان هذا
أيضا خلاف ظاهر المشتق عند الاطلاق وعدم تعيين زمان التلبس
فان ظاهره ح ان التلبس حاصل حال النسبة لا قبله وقد أطلق المشتق
بلحاظه فإنه وان لم يكن ذلك مجازا الا انه خلاف ظاهر الاطلاق و
المفروض وقوع الاستدلال بظاهر الاطلاق الذي عليه الآية لا بما أريد
بها واقعا الذي عرفه الإمام عليه السلام (واما) الشقوق التي أفادها
المصنف (قده) فكلها أجنبية لا يرتبط بها الجواب (وذلك) لأنه لا
ريب في أن الحكم بحسب مقام الاثبات يدور مدار ما هو المأخوذ
موضوعا في القضية اللفظية فكلما صدق عليه الموضوع ثبت له
الحكم وإذا انقطع الصدق انقطع حكمه من غير فرق بين ان يكون
الموضوع في القضية هو الموضوع واقعا أو ملازما لما هو الموضوع و
قد أتى به للإشارة إليه كما أنه على تقدير كون الموضوع في
القضية هو الموضوع الواقعي
وما به يقوم مناط الحكم يكون استفاده كون مناط الحكم هو التلبس
بالمبدأ في الجملة ولو فيما مضى أو التلبس الفعلي دائرا مدار كون
المشتق حقيقة في الأعم أو في خصوص المتلبس الفعلي فعلى الأول
يكون المناط له هو ثبوت المبدأ في الجملة بخلافه على الأخير فان
المناط فيه انما هو ثبوت المبدأ واستمراره (وبالجملة) مناط الحكم
في هذين القسمين متقوم بصدق عنوان المشتق فإن كان ثبوت
المبدأ في الجملة وفي زمان ما كافيا في صدقه أبدا كان المناط ثبوت
المبدأ في الجملة فان ذلك مساوق لصدق عنوان المشتق أبدا وان
لم يكن ذلك كافيا في صدق المشتق بل اعتبر فيه استمرار المبدأ كان
المناط ثبوت المبدأ حدوثا وبقاء فيستمر الحكم ما دام المبدأ
مستمرا وإذا ارتفع الصدق
74

ارتفع الحكم المترتب عليه إذ بارتفاع المبدأ يرتفع صدق عنوان
الموضوع (ومن هنا) كان استدلال الإمام عليه السلام كاشفا عن كفاية
حدوث المبدأ في صدق عنوان المشتق أبدا الذي فرض انه موضوع
للحكم المذكور في الآية ضرورة انه بدونه لا يتم الاستدلال لما عرفت
من أنه لا يبقى الحكم بعد ارتفاع موضوعه (نعم) لو كان الموضوع
لعدم نيل العهد في الآية هو الظالم ولو فيما مضى بأن يراد بلفظ
الظالم فيها خصوص معنى صادق بالفعل على من تلبس بالمبدأ ولو
فيما مضى صح الاستدلال بالآية على عدم نيل العهد بعد الانقضاء
أيضا حتى على القول بكون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس و
لكن المفروض خلافه وان عنوان الموضوع فيها هو الظالم بمعناه
الارتكازي من دون إعمال عناية فيه فيبتني صحة الاستدلال بها على
عدم لياقة من انقضى عنه المبدأ لنيل العهد على كون المشتق حقيقة
في الأعم المستلزم لصدق هذا العنوان فعلا بمجرد ثبوت المبدأ فيما
مضى وبما ذكرناه تعرف صحة التمسك باستدلاله عليه السلام على
كون المشتق حقيقة في الأعم
قوله ولا قرينة على أنه على النحو الأول:
ظاهر الآية كون الموضوع هو الظالم بالفعل وحين عدم نيل العهد لا
الظالم ولو فيما مضى فإنه يحتاج إلى قرينة على ذلك والمفروض
عدمها (واما) ما أفاده (قده) من وجود القرينة في المقام فيندفع انه
مجرد استحسان لا يصلح لان يكون صارفا عن إرادة ما هو
المستفاد من ظاهر الآية
قوله قلت لو سلم:
لا محيص له من التسليم إذ الاستدلال في مقام إلزام الخصم لا يكون
الا بما هو المتفاهم عرفا من الآية لا بما علمه الإمام عليه السلام من
المراد واقعا كما أنه بعد التسليم لا مناص من الالتزام بكشف ذلك عن
كون المشتق حقيقة في الأعم وذلك لان إطلاق المشتق بلحاظ حال
التلبس وان لم يكن مجازا لكن ظاهر إطلاقه هو كون حال التلبس هو
حال النطق أو حال أسند إليه الحكم كما في الآية فيحتاج خلافه
إلى نصب دال اخر عليه مثل ان يقال الظالم ولو فيما مضى لا ينال
عهدي أبدا أو يقال الظالم في أحد الزمانين الحال والمضي لا ينال
عهدي
قوله بسيط منتزع عن الذات:
يعنى بذلك ان الصورة الوحدانية التي تقع في النفس عند مشاهدة زيد
قائما وعلى صفة القيام وعمرو على هيئة القعود ونحوهما
بسيطة منتزعة عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدأ (تقريب ذلك) ان
النفس كما انها تدرك الذوات تارة وتدرك المعاني والمبادي أخرى
والنسبة بين المبادي والذوات ثالثة كذلك تدرك صورة أخرى بين
هذه الأمور وهي ليست بإحداها وانما هي منتزعة منها
75

فتلك الصورة وان لم تكن بإزائها شئ في الخارج الا انها موجودة
بوجود منشأ انتزاعها الذي له ما بإزاء في الخارج أعني به الذات و
المبدأ والنسبة (والتحقيق) ان مفهوم المشتق مفهوم واحد بسيط
أعني به الذات مقيدة بقيد التخصص بالمبدأ بضرب من التخصص و
من
أجله لا يحمل الا على الذات المزبورة واما الفعل فهو بعكس ذلك
لان مفهومه الحدث المتخصص بالذات المتعلق والمرتبط به بنحو من
التعلق والارتباط (وهذا) الذي ذكرناه من البساطة غير البساطة التي
تقدم ذكرها آنفا لأنها عند المصنف (قده) وغيره هو المفهوم
المنتزع عن الذات المتخصصة بالمبدأ وعندنا هو نفس الذات
المتخصصة بالمبدأ وهي بسيطة لخروج الخصوصية عنها (ثم) ان ما
أفاده
المحقق الشريف من البرهان على نفى التركيب استدلال بطرز عجيب
لأنه إثبات للغة بما يصان به كلمات أهل المعقول من الخطأ و
الفساد (مع) ان إطلاق الفصل على الناطق لا يدل على أنه بتمامه فصل
بل يكفي في صحة الاطلاق اشتماله على الفصل (مضافا) إلى أن ما
فر منه المستدل واقع فيه البتة إذ ليس ذلك المفهوم الانتزاعي الذي
اختاره هو الفصل وانما الفصل هو المبدأ الساذج فالبرهان المذكور
على تقدير صحته ينفى البساطة كما ينفى التركيب لكن سيجئ دفع
الاشكال حتى على القول بالتركيب فضلا عن البساطة
قوله ويدفع الاشكال بان كون الناطق:
قد عرفت ان إطلاق الفصل عليه باعتبار ان به يتحقق الفصل ويمتاز
النوع عن سائر ما عداه وإطلاق الفصل على الناطق واقعا لا يقتضى
بوجه كونه بتمام مدلوله فصلا بحيث لا يشتمل مفهومه على معنى
خارج عن الفصل فان أمير المؤمنين عليه السلام فاصل بين الحق و
الباطل وقسيم الجنة واللظى وليس معنى ذلك انحصار وصفه عليه
السلام بذلك وليس له وصف وراء ذلك
قوله والتحقيق ان يقال:
هذا أوهن مما أفاده صاحب الفصول (قده) لأنه يستلزم انحصار
الكليات في اثنين إذ كما لا طريق لنا إلى الفصل كذلك لا طريق لنا إلى
الجنس والنوع فكل المفاهيم التي تحصل في نفوسنا هي من قبيل
الاعراض اما عاما أو خاصا وهذا خلاف مبنى المنطقيين وصريح
تقسيمهم الكليات إلى خمس (مع) ان مفهوم الشئ كما أنه أجنبي عن
الفصل أجنبي عن ما هو لازم الفصل وما هو أظهر خواصه وانما
لازمه هو النطق وليس مفهوم الشئ بعد تقييده بالنطق لازم الفصل
نعم هو بعد هذا التقييد يكون خاصة للانسان وملازما لفصله
قوله وليس ثبوته حينئذ للموضوع بالضرورة:
لا يخفى ان المحمول وإن كان
76

ذات الموضوع وعينه وثبوت شئ لنفسه ضروري الا ان للذات جهة
إطلاق وسيلان بحسب الحالات والعوارض الطارية لها فإنها كما
تلحظ مقيدة بحالة خاصة من تلك الحالات تلحظ مطلقة سارية في
طي حالاتها فإذا كان ثبوت تلك الحالات والعوارض موجها بجهة
الامكان فلا بد من أن يكون تقيد الذات المهملة بتلك العوارض
موجها بجهة الامكان فإذا كان التقيد ممكنا كان اتحاد الذات المهملة
مع
الذات المقيدة ممكنا أيضا لان تحصل الماهية المأخوذة لا بشرط في
ضمن الماهية بشرط شئ أعني به اتحاد الماهية اللابشرط مع الماهية
بشرط شئ أمر ممكن غير ضروري مع أن اتحاد الماهية مع نفسها
ضروري غير ممكن (ومن ذلك) ظهر فساد ما أورده المصنف (قده)
من ضرورية ثبوت الذات المقيدة على أن يكون التقييد داخلا في
المحمول دون قيده فان الضروري انما هو ثبوت الذات المهملة
للذات
أو الذات المقيدة لنفسها واما ثبوت الذات المقيدة بقيد ممكن للذات
المهملة فلا محالة يكون ممكنا سوأ أخذ القيد داخلا أم كان القيد
خارجا والتقيد داخلا (واما) ما أفاده (قده) من أن القضية بعد فرض
أخذ الذات في المحمول تنحل إلى قضيتين إحداهما ما حكم فيها
بثبوت القيد للذات وهي ممكنة وثانيتهما ما حكم فيها بثبوت الذات
لنفسها وهي ضرورية (ففيه) انه إذا كان ثبوت القيد
للذات ممكنا كان ثبوت الذات المقيدة للذات المهملة الذي هو مفاد
أصل القضية لا محالة ممكنا فلا تكون القضية ضرورية لان الذات إذا
أخذت في طرف المحمول مقيدة لحقها حكم قيدها وليس المحمول
في أصل القضية الذات المهملة وان آلت القضية في مقام التحليل
إليها
وإلى ثبوت القيد للذات المهملة والمدار في جهات القضايا على ما
هو جهاتها فعلا لا على ما هو جهاتها في مقام تحليلها (وبالجملة)
الذات بعد تحديدها بحد ممكن تكون ثبوتها واتحادها مع الذات
المهملة موجهة بجهة الامكان غير جهة ثبوت أصل الذات للذات و
هذا
كما في مفهوم الشئ فإنه مع كونه عرضا عاما في نفسه يكون بعد
تقييده بالخاصة التي هي الضحك خاصة ويلحقه حكم قيده
قوله وذلك لان الأوصاف قبل العلم:
هذا بيان للانحلال ومحصله ان كل نسبة ناقصة نسبة تامة في الحقيقة و
انما ظهرت بكسوة النقصان لفرض علم المخاطب بها فان
الاخبار انما يكون غالبا لرفع جهل المخاطب فلا موقع له في فرض
علمه (ومنه يظهر) ان كل نسبة تامة لو فرض علم المخاطب بها كان
حق التعبير عنها
77

الاتيان بها ناقصة فصحت الكلية من الجانبين وان الأوصاف قبل العلم
بها اخبار والاخبار قبل العلم بها أوصاف أعني بذلك ان شأن
الأوصاف هو الاتيان بها قبل العلم بصورة الاخبار كزيد عالم وعمرو
منطلق كما أن شأن الاخبار هو الاتيان بها بعد العلم بصورة
الأوصاف كزيد العالم وعمرو المنطلق (وان شئت قلت) ان الصفات
الخارجية تعبر عنها بالجمل الخبرية التامة تارة وبالجمل التقييدية
الناقصة أخرى لكن كل في مقام ففي مقام علم المخاطب بثبوتها يعبر
عنها بعبارة الجمل الناقصة فيقال زيد العالم وعمرو المنطلق و
في مقام جهله بثبوتها يعبر عنها بعبارة الجملة الخبرية التامة فيقال زيد
عالم وعمرو منطلق
قوله كما أن عقد الوضع ينحل:
وعلى ذلك فالقضية الواحدة تنحل إلى قضايا ثلاث قضية ينحل إليها
عقد الوضع وقضية ينحل إليها عقد الحمل ونفس القضية الأصلية
فقضية الانسان ضاحك تكون بعد التحليل هكذا الذات الثابت له
الانسانية بالفعل وفي أحد الأزمنة على مذهب الشيخ أو بالامكان
على
مذهب الفارابي ذات ثابت له الضحك فيتولد من الحكم بثبوت
المحمول في القضية لموضوعه الحكم بثبوت أمور ثلاثة لموضوعاتها
(أحدها) ثبوت عنوان الانسانية لذات الانسان الموجه بجهة الفعلية
على مذهب الشيخ وبجهة الامكان على مذهب الفارابي (وثانيها)
ثبوت عنوان الضحك لذات الضاحك الذي هو مفاد تحليل عقد
الحمل (وثالثها) ثبوت الذات الثاني الذات الأول الذي هو مفاد أصل
القضية
التي حكم المصنف (قده) بضروريته خلا فالصاحب الفصول (قده) و
قد عرفت ان الحق مع صاحب الفصول وان المناط في جهات القضايا
على ما هو جهاتها بالفعل لا ما هو جهاتها عند التحليل وأصل القضية
أعني بها نسبة المحمول المقيد بقيد ممكن إلى الموضوع موجهة
بجهة الامكان كما لا يخفى
قوله لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة:
هذا هو المحمول والموضوع زيد المذكور في المعطوف عليه وانما
تركه اتكالا منه على تقدم ذكره (ويحتمل) ان يكون هذا مجموع
القضية ويكون الألف واللام في المحمول إشارة إلى الذات فيكون
مفاد العبارة زيد هو ذلك الزيد الكاتب بالقوة أو بالفعل بالضرورة
(ثم) ان الظاهر أن المصنف (قده) لم يحط بما هو مقصود صاحب
الفصول (قده) من هذه العبارة فأورد عليه بما أورد ونحن نذكر ما هو
مقصوده من العبارة ليتضح عدم اتجاه ما أفاده (قده) (فنقول) لا شبهة
في أن ثبوت الذات
78

لذاته واتحاد الذات مع نفسه ضروري ومعلوم ان الذات بما لها من
الطواري والعوارض الملتفات حولها عين الذات بالضرورة كما انها
بما هي عارية عن تلك العوارض والطواري عين ذاته بالضرورة فثبوت
نفس الذات للذات الواجدة لوصف ما والفاقدة له ضروري لا
محاله وعليه فإذا كانت الذات فاقدة لوصف ما في الخارج كان عدم
ثبوت الذات المقيدة بذلك الوصف له ضروريا ضرورة استحالة
اتحاد الذات المقيدة بعارض ما مع الذات الفاقدة له (وبالجملة)
الذات نفس ذاتها بالضرورة فإن كانت الذات في الخارج معروضة
للعوارض فالذات عين تلك الذات المعروضة للعوارض ويستحيل أن تكون
غيرها إذ يستحيل أن تكون غير نفسها والمفروض ان
نفسها في الخارج معروضة للعوارض (واما) إذا لم تكن معروضة
للعوارض في الخارج فالذات المهملة هي عين تلك الذات العارية عن
العوارض ويستحيل أن تكون ح عين الذات المعروضة إذ يستحيل أن تكون
غير نفسها والمفروض ان نفسها في الخارج غير معروضة
لا انها معروضة (ومن ذلك) ظهر ان ما أفاده (قده) أجنبي عن الضرورة
بشرط المحمول الذي أورد عليه المصنف (قده) فان الضرورة
بشرط المحمول انما هو أخذ المحمول الذي أورد عليه المصنف
(قده) فان الضرورة بشرط المحمول انما هو أخذ المحمول في جان
الموضوع فيقال
في زيد عالم زيد العالم عالم ومعلوم ان هذه القضية ضرورية وانها
غير القضية الأولى الممكنة لا انها هي هي وقد انقلبت من الامكان
إلى الضرورة كما هو التالي في كلام الشريف والذي أراد صاحب
الفصول (قده) موافقته بهذا الكلام على تقدير أخذ مصداق الذات
المجعول موضوعا في جانب المحمول (وهذا الذي ذكرناه) هو من
شرط الموضوع في جانب المحمول لا من شرط المحمول في جانب
الموضوع (وبالجملة) تحقق المبدأ الذي هو قيد المحمول وعدم
تحققه في وعاء الخارج الذي هو مقصود صاحب الفصول (قده)
أجنبي
من أخذه في القضية جزا من الموضوع
قوله وقد انقدح بذلك عدم نهوض:
العبارة قاصرة عن تأدية المراد جدا لان صاحب الفصول (قده) لم يزد
في المقام على قوله ويمكن التمسك بالبيان المذكور في الوجه
الثاني من كلام الشريف على إبطال الوجه الأول أيضا لان لحوق مفهوم
الذات والشي لمصاديقها أيضا ضروري ولا وجه لتخصيصه
بالوجه الأول: فقول المصنف (قده) فان لحوق مفهوم الشئ إلى اخر
العبارة ليس الا تقريرا لما أفاده في الفصول من الجواب
79

والتنظر الجاريين على تقدير إسراء الشرطية الثانية إلى الوجه الأول
فان الجواب والتنظر يسريان تبع سراية الاستدلال فليس هذا
الكلام من المصنف (قده) بيانا لوجه الانقداح (نعم) (قوله) وقد
عرفت حال الشرط بيان لما تقدم منه من الاعتراض على ما في
الفصول
من التنظر بتقريب ان ذلك من الضرورة بشرط المحمول وقد عرفت ما
فيه
قوله لزوم أخذ النوع في الفصل:
مع أن من جملة أجزأ النوع هو الفصل فيلزم بالآخرة أخذ الفصل في
نفسه (وبالجملة) أخذ الذات في المشتق يستلزم تركب الفصل من
نفسه ومن النوع المركب من الجنس والفصل المفروض كونه نفس
مدلول اللفظ ابتدأ
قوله وان انحل بتعمل من العقل:
لكن ذلك لا يضر ببساطة المعنى الموضوع له لان الصورة الانحلالية
العقلية لم توضع اللفظ لها بل الصورة الواحدة البسيطة الحاصلة في
النفس ابتدأ وفي بدو النظر هي التي وضع اللفظ بإزائها فلا منافاة بين
الالتزام بهذا المعنى والقول ببساطة المعاني الاشتقاقية
قوله الفرق بين المشتق ومبدئه:
المراد من المبدأ في المقام هو المصدر وإطلاق المبدأ عليه مبنى على
ما هو المعروف بينهم والا فسيجئ من المصنف (قده) التصريح
بعدم كونه مادة للمشتقات وكيف كان لا ينبغي الريب في أن المشتق و
مبدئه أعني به المصدر غير متباينين مفهوما لأنهما يشتركان
في إفادة معنى المبدأ بالضرورة وعليه فلا بد من بيان ما به يمتاز
مفهوم أحدهما عن مفهوم الاخر وقد ذكروا ان المائز بينهما أمر
يرجع إلى الاعتبار فان معنى المبدأ قد اعتبر بشرط لا في المصدر و
اعتبر لا بشرط في المشتق فلا فرق بين المشتق ومبدئه في إفادة
معنى المبدأ السيال في المصدر والمشتقات بأجمعها وانما الفرق
ناشئ من اعتبار هذا المعنى السيال فان اعتبر بشرط لا كان مدلول
المصدر كما أنه ان اعتبر لا بشرط كان مدلول المشتق (فينبغي) لنا
شرح معنى اللا بشرطية والبشرط لائية ليتضح بذلك ما ذكروه
(فنقول) اللا بشرطية والبشرط لائية انما هو اعتباران يلحقان الماهية
بالإضافة إلى الخصوصيات المنوعة أو المصنفة أو المشخصة
اللاحقة لها فإذا قيل لا فرق بين مفهومين الا بهذين الاعتبارين كان
معناه ان المفهومين متحد ان مع قطع النظر عن هذا الاعتبار ولازمه
ان يكونا في أصل إفادة الماهية متشاركين (نعم) مجرد الامتياز
بالاعتبارين مع وجود مائز آخر في البين لا يقتضى وحدة الهوية بل
يجتمع مع الامتياز
80

بحسب الهوية أيضا فيمكن ان يكون هناك مفهومان متمايزان بحسب
الهوية وبحسب الاعتبار جميعا كالتمايز الحاصل بين القتل و
الضارب فإنهما مفهومان متباينان بالذات وباللا بشرطية والبشرط لائية
لكن من فرق بين المشتق ومبدئه باللابشرطية والبشرط
لائية غرضه حصر المائز بهما ومشاركة مدلولهما فيما وراء ذلك وهو
المعنى المبدئي السيال في طي المبدأ وسائر مشتقاته فذلك
المعنى إذا أخذ بشرط لا يكون مدلولا للمصدر وإذا أخذ لا بشرط
يكون مدلولا للمشتق وقد عرفت ان اللابشرط وبشرط لا لا بد من أن
يكون بلحاظ الطواري والتخصصات ولا فرق بين ان يكون ذلك
التخصص تخصص ذات بالعوارض والمبادي أو تخصص المبادي
بالذوات كما هو الحال في المقام فالمصدر موضوع للمبدأ الملحوظ
بنفسه وعلى حياله أعني به ذلك المعنى الذي إذا اجتمع مع الذات
كان قائما بالذات وكان شيئا وراء الذات وأجنبيا عنها وغير متحد
معها ولذا لا يحمل عليها بنحو من أنحاء الحمل وهذا بخلاف
المشتق فإنه موضوع بإزاء نفس ذلك المبدأ المأخوذ لا بشرط بالإضافة
إلى القيام بالذات وذلك يستلزم ان يكون الفرد القائم بالذات
بما هو قائم بها مصداقا له ولأجل ذلك يصح حمله على الذات القائم
بها المبدأ فان المبدأ بهذا الاعتبار متحد مع الذات ولازم الاتحاد
صحة الحمل (لا يقال) ان مدلول المشتق هو المبدأ بشرط شئ أعني
به بشرط القيام بالذات أو الحلول فيه أو الاتحاد معه بأحد أنواع
الاتحاد فيكون الفرق بين المشتق ومبدئه بأخذ المعنى بشرط شئ
في
المشتق وبشرط لا في المبدأ فلا يصح الفرق بينهما بأخذ المبدأ بشرط
لا وأخذ المشتق لا بشرط (فإنه يقال) هذا انما يتم لو لم يصح
إطلاق المشتق على نفس مبدئه واما مع صحته كما هو الواقع لصدق
الأبيض على البياض والموجود على الوجود وهكذا بلا عناية فلا
يصح ما ذكر فالمبادئ بما انها في أنفسها أشياء ثابتة لها المبادي بل
ثبوتها لنفسها أشد أنحاء الثبوت لأنه ثبوت على سبيل العينية دون
العروض يصدق عليها المشتقات لا محالة وعليه فمفاد المشتق هو
المبدأ اللا بشرط من الذات الصادقة على نفس المبادي وعلى
المبادي
بما هي قائمة بالذات وذلك المعنى اللا بشرط هو المعنى الجامع بين
المعنى بشرط لا والمعنى بشرط شئ وهذا هو معنى أخذ مفهوم
المشتق لا بشرط (فتحصل) ان اللا بشرط وبشرط لا اعتباران يلحقان
الماهية بلحاظ الطواري والتخصصات وليس له معنى وراء ذلك
وعليه فلا يتجه اعتراض صاحب الفصول (قده)
81

على القوم بامتناع حمل العلم والحركة على الذات وان اعتبر الا
بشرط فان اعتبار البشرط لائية انما هو مقوم مدلول العلم والحركة لا
انه أمر خارج عنه ومع كونه مقوما له وغير خارج عنه كيف يعقل
أخذه لا بشرط ليصح حمله على الذات (نعم) لا مضايقة من تجريد
ذلك
عن المدلول واستعمال اللفظ في المعنى المأخوذ لا بشرط مجازا و
عليه فلا مانع من صحة الحمل أيضا (وبالجملة) اعتبار شئ على
نحوين انما يكون على تقدير عدم أخذ أحد الاعتبارين بخصوصه في
مدلول اللفظ وفي معناه الحقيقي واما مع أخذه فيه فلا يصح
اعتباره على النحو الاخر الا بالتجريد المستلزم لكون اللفظ المستعمل
فيه مجازا ومع هذا الاستعمال لا مضايقة من حمل مثل العلم و
الحركة على الذات كما يحصل لفظ عالم ومتحرك عليها (واما) ما
أفاده المصنف (قده) من أن مراد أهل المعقول من التفرقة بذلك ليس
هي التفرقة مع حفظ وحدة المفهوم كي يكون التفرقة بذلك بلحاظ
الطواري والعوارض وانما التفرقة بما ذكر بلحاظ تعدد المفهوم
فيكون مرادهم بها هي التفرقة بين المفهومين باللابشرطية عن قبول
الحمل والبشرط لائية عنه فكلام لا أتحصل معناه (فإنه ان) أراد
بذلك تعدد مفهوم المبدأ والمشتق لأجل دخل الاعتبارين فيكون
المعنى الحدثي بأحد الاعتبارين مفهوما يباين المفهوم الاخر.
بالاعتبار الاخر فذلك هو الذي
قلناه وبه يندفع إشكال صاحب الفصول (قده) من غير حاجة إلى
جعل اللا بشرطية والبشرط لائية بلحاظ الحمل دون الطواري و
العوارض (وان) أراد بذلك تعدد هما مع قطع النظر عن الاعتبار ليكون
مفهوم المبدأ ومشتقه كمفهوم الانسان والحجر والضارب و
القتل في عدم اشتراكها في أمر جامع غاية الأمر أحد المفهومين مفهوم
لا يأبى عن الحمل والاخر مفهوم يأباه (فذلك) مما لا ينبغي ان
ينسب إلى أهل المعقول لأن عدم تباين المفهومين واضح لا يعتريه
ريب (مع) ان اعتبار اللا بشرطية والبشرط لائية تارة بلحاظ
العوارض والطواري وأخرى بلحاظ الحمل أمر عجيب لان الحمل
بنفسه ليس له عنوان مستقل وانما ذلك يتبع الاتحاد والعينية بين
المحمول والموضوع والاتحاد والعينية ناشئ من لحاظ المحمول لا
بشرط من الطواري والا فالمفهوم بشرط لا ليس له اتحاد مع
الموضوع (وبالجملة) لا مضى لاخذ شئ لا بشرط أو بشرط لا بلحاظ
مقام الحمل وراء ما ذكرناه الذي هو عين اللا بشرطية والبشرط
لائية بلحاظ العوارض والطواري (ويشهد) لما ذكرناه من أن
82

مرادهم من اللا بشرطية والبشرط لائية انما هي التفرقة بين المفهومين
بالاعتبار ذهابهم إلى التفرقة بذلك أيضا بين الجنس والمادة و
بين الفصل والصورة (وذلك) لوضوح اشتراك مفهوم الجنس والمادة
وكذلك مفهوم الفصل والصورة مع قطع النظر عن الاعتبارين
وانما يكون امتياز هما بدخل الاعتبارين في المفهوم وبعد دخل
الاعتبارين يحصل الاتحاد بين المفهومين المعتبرين لا بشرط فيصح
الحمل ولا يحصل الاتحاد بين المفهومين المعتبرين بشرط لا أعني به
اعتبار المادة والصورة فلا يصح الحمل ومما ذكرناه علم أن ما
استشهد به المصنف (قده) على ما أدعاه شاهد عليه لا له فتدبر
قوله ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب:
لا يخفى انه لم يعتبر صاحب الفصول (قده) مع الاتحاد الحقيقي بين
المحمول والموضوع سوأ كان الاتحاد ماهويا أم كان وجوديا
ملاحظة التركيب وانما ألجأه إلى هذا الاعتبار القضايا الحملية التي لم
تشتمل على الاتحاد بأحد النحوين مع كونه لا بد منه في صحة
الحمل حيث إن مفاد الحمل هو الاتحاد ففي مثل الانسان جسم مع أن
الانسان ليس جسما في مهيته ولا في وجوده لا بد من اعتبار
الانسان المجعول موضوعا في القضية مؤلفا من نفس وبدن ومركبا
منهما ثم بعد ان اعتبر كذلك يحصل الاتحاد ويصح ان يقال
الانسان بما انه مركب من نفس وبدن جسم لان الجسم أحد اجزائه و
الجز متحد مع الكل وليس الكل الا الاجزاء بالاسر نعم لا بد من
اعتبار الجز الواقع محمولا لا بشرط كلفظ الجسم في المثال لا بشرط
لا كلفظ البدن والجسد والا لم يحصل الاتحاد ولم يصح الحمل
قوله لاستلزمه المغايرة بالجزئية:
لا تخل المغايرة بالكلية والجزئية بعد حصول الاتحاد وقد عرفت ان
الكل في الخارج عين الاجزاء بالاسر والاجزاء عين الكل والتغاير
بينهما اعتباري وهذا التغاير مما لا بد منه في الحمل لا انه مخل به و
حمل بعض الاجزاء على الكل كحمل تمام الاجزاء إذا كان الجز
المحمول مأخوذا لا بشرط كالاجزاء العقلية للماهيات لا بشرط لا
كالاجزاء الخارجية.
قوله مع وضوح عدم لحاظ ذلك:
قد عرفت ان صاحب الفصول (قده) أيضا لم يدع اعتبار التركيب في
جميع القضايا حتى ما كان الاتحاد بين محمولاتها وموضوعاتها
حقيقيا ماهويا لو وجوديا وانما ألجأه إلى ذلك القضايا التي لا اتحاد
بين موضوعاتها ومحمولاتها بوجه من الوجوه والمصنف (قده)
أيضا لا محيص له من الالتزام بذلك أو
83

ببطلان الحمل فيها
قوله لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ:
الاشكال في صفات الباري تعالى من وجهين أشار المصنف (قده) إلى
أحدهما هاهنا وإلى الاخر في الأمر الخامس وأجاب عنهما ونحن
نذكر الاشكالين مع جوابي المصنف (قده) هاهنا ثم ننظر إلى ما هو
الحق منهما (فنقول) إذا كان معنى المشتق هو الذات المتلبس بالمبدأ
كان المعتبر في مدلوله ثلاثة أمور الذات والمبدأ والنسبة بينهما ومن
ذلك يشكل الامر في الصفات التي تطلق على الباري تعالى (تارة)
من جهة انه لا مبدأ فيها غير نفس الذات ولا شئ سواها وإلا لزم
التركب والاثنينية (وأخرى) من جهة انه لا نسبة فيها ولو اننا تصورنا
وجود المبدأ هناك بالعينية مع الذات خارجا والمغايرة معه مفهوما إذا
لا تعقل النسبة بين الشئ ونفسه والمصنف (قده) أجاب عن
الاشكال لأول بكون مبادئ الصفات هناك عين الذات ولا يعتبر في
مدلول المشتق تغاير الذات والمبدأ خارجا بل يكفي التغاير ولو
مفهوما وذلك حاصل فالذات المقدسة وإن كان نفس صفاته خارجا
الا انه غيرها مفهوما فان مفهومه تعالى غير مفهوم لفظ العالم و
القادر إلى غير ذلك وكذلك مفهوم كل من الصفات غير مفهوم
الأخرى فان المفاهيم المتعددة يجوز انتزاعها من ذات واحدة بسيطة
ليس فيها جهة دون جهة (وأنت خبير) بأنه لو صح انتزاع مفاهيم
متعددة من ذات واحدة بسيطة لزم جواز انتزاع مفاهيم متعددة من كل
ذات وكل جهة ولا يختص
ذلك بالواجب تعالى وعليه فلا تدخل المفاهيم المتعددة المنتزعة
تحت ضابطه واحد (وأيضا) لو صح ذلك لم يكن ميز بين المفهومين
إذا
كان المحكي بأحدهما عين المحكي بالآخر ومطابق أحدهما عين
مطابق الاخر وذلك هو معنى الترادف كما في الأسد والغضنفر فلم
يكن فرق بين الترادف وتعدد المفهوم فبأي ضابط يحكم بالترادف و
اتحاد المفهوم هناك وتعدده هنا (وأيضا) فأي فرق بين انتزاع
مفاهيم متعددة من ذات واحدة وانتزاع مفهوم واحد من أمور متعددة
ليحكم بجواز الأول وامتناع الثاني قال المحقق السبزواري في
منظومته (واتحدت في الذات لا مفهوما) (ككونك المقدور و
المعلوم) يعنى انك معلوم للباري تعالى وبتلك الجهة التي معلوم له
مقدور
له وكذلك العكس والا بان لم تكن بجهة المقدورية معلوما له وبجهة
المعلومية مقدورا له لم يحط علمه تعالى وقدرته بالأشياء تعالى
الله عن ذلك علوا كبيرا وقال أيضا في مبحث اشتراك الوجود (فان
معنى واحدا لا ينتزع) (عما لها توحد ما لم يقع) فترى انه ذهب إلى
امتناع انتزاع المفهوم الواحد من منشأ متعدد مع حكمه بجواز انتزاع
مفاهيم متعددة من ذات
84

واحدة (مع أن) الوجه الذي استدل به على امتناع انتزاع مفهوم واحد
من منشأ متعدد وهو لزوم ان يكون الواحد كثيرا يستلزم امتناع
عكسه أيضا (وبالجملة) الذي لا ينبغي ان يرتاب فيه ان تعدد العناوين
الانتزاعية لا يكون الا بتعدد منشأ انتزاعها ولا ينتزع من منشأ
واحد الا مفهوم واحد كما لا ينتزع من المتعدد الا المتعدد فالمفهوم
الواحد المنتزع من متعدد كمفهوم الانسان لا بد ان يكون منتزعا
من جهة واحدة جامعة في ذلك المتعدد كما أن المفاهيم المتعددة لا
بد من أن تنتزع من منشأ متعدد واما ما ذكره السبزواري من المثال
لانتزاع عنوان المعلوم وعنوان المقدور من ذات واحدة فهو ناشئ من
تخيله ان إضافة الذات المقدسة إلى صفة العلم مغايرة لاضافتها
إلى صفة القدرة ومنشأ هذا التخيل هو توهم اختلاف نفس الصفتين
مفهوما عند توصيف الذات المقدسة بهما ومما سيأتي من أنه ليس
في صفات الباري جل وعلا اختلاف بحسب المفهوم تعرف ان نسبة
المعلوم والمقدور إليه تعالى غير مختلفة أيضا فلا وجه لانتزاع
عنوان المعلوم تارة وعنوان المقدور أخرى كما لا وجه لانتزاع عالم
في جانب المبدأ تعالى تارة وانتزاع قادر أخرى فالمثال هو بعينه
من محل الكلام لا انه شئ يوضح له محل الاشكال (ثم) أجاب
المصنف (قده) عن الاشكال الثاني بان قيام المبدأ بالذات لا يستدعى
التعدد
ومغايرة المبدأ للذات بل يجتمع مع العينية فان المبدأ الذي هو عين
الذات قائم بالذات بأشد أنحاء القيام وهو القيام على سبيل العينية
فان الذات قائم بنفس ذاته وواجد لنفس ذاته ولذات يطلق الأبيض
على البياض نفسه والموجود على نفس الوجود (وبالجملة) تطلق
المشتقات على مباديها كما تطلق على الذات القائم بها المبادي و
ليس إطلاقها بالتجوز والعناية بل معانيها موجودة فيه لأنها معاني
عامة سيالة لمطلق ما كان واجدا للمبدأ ولو كان ذلك هو نفس المبدأ
حيث إنه واجد لنفسه غير فاقد لها (أقول) لا ريب في أن مفهوم
عالم وقادر وضارب وقاتل وغير ذلك لا ينطبق على نفس المبادي
ليكون العلم عالما والقدرة قادرا والضرب ضاربا والقتل قاتلا
كي يكون للذات المتصف بتلك الصفات مصداقان أحدهما الذوات
المتصفة بالمبادي وثانيهما نفس الصفات والمبادي (فالصحيح) في
التفصي عن الاشكالين المزبورين هو الالتزام بنفي الصفات عنه تعالى
الذي هو كمال الاخلاص له والاعتراف بان ذاته تعالى في ذاته
كامل كل الكمال منزه
85

عن النفس وهذه الصفات كلها عبارات عن كمال وجوده حسب ما
للكمال عندنا من التعبيرات
قوله غير مفهوم ولا معلوم الا بما يقابلها:
يعنى ان لفظ العالم مثلا يدور امره بين ان يراد به المعنى العام أعني به
من انكشف لديه الشئ وان يراد به خلاف هذا المعنى أعني به
الجهل وان لا يراد به شئ أصلا والأول هو المطلوب لوضوح بطلان
الثاني وكذا الثالث لكونه من لقلقة اللسان وهكذا الامر في غير
مفهوم العالم من الصفات الذاتية (ويرد عليه) ان الحصر المذكور في
الاستدلال غير حاصر لجواز ان يراد بهذه العناوين المحمولة على
الذات نفس الذات المقدسة فيكون مدلول لفظ العالم والقادر والحي
هو مدلول لفظ الجلالة ويكون حمل الصفات على الذات وحمل
بعضها على بعضها الاخر مع كون الجميع بمعنى الذات المقدسة
لمجرد اختلاف اللفظ كما في الانسان بشر والأسد غضنفر فلا يستلزم
عدم إرادة المعنى العام للقلقة اللسان أو إرادة المعنى المقابل لذلك
المعنى العام تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
قوله الظاهر أنه لا يعتبر في صدق المشتق:
إذا استعمل لفظ الجاري في الذات المتلبس بالجريان كان ذلك حقيقة
وان أطلق أو نسب إلى الذات غير المتلبس به وكذلك إذا استعمل
في الجامع بين المتلبس والمنقضى عنه الجريان على القول بوضع
المشتق للأعم وان أطلق أو نسب إلى المنقضى عنه التلبس بل التجوز
حينئذ يكون في الاسناد (واما) إذا استعمل المبدأ في غير الجريان
أعني به الجمود بالتجوز فيه باستعماله في غير معناه ثم اشتق منه
اسم الفاعل كان ذلك مجازا (وكذا) إذا استعمل هيئة الجاري في نسبة
غير النسبة التي هي مدلوله بالتجوز فيها نظير استعمال المصدر
في معنى الفاعل أو المفعول كان ذلك أيضا مجازا فالتجوز في المشتق
يكون بالتجوز في كل من مدلوليه أعني بهما مدلول هيئته
باستعمالها في غير النسبة الموضوعة لها ومدلول مادته باستعمالها في
غير المعنى الموضوع له المبدأ وبالتجوز بتجريد المشتق من
الذات واستعماله في المبدأ كما إذا استعمل لفظ الضارب في معنى
الضرب فهناك مجازات ثلاثة اما مع حفظ معنى المشتق في جهاته
الثلاثة المتقدمة فالاستعمال يكون حقيقيا وان أسند المشتق أو حمل
على غير ما هو مصداق معناه نعم يكون التجوز حينئذ في الاسناد
قوله وإن كان مبدئه مسندا إلى الميزاب:
بل المبدأ مسند إلى الذات المتلبس به وقد أسند المشتق بمجموع
مدلوله المشتمل على ذات ومبدأ ونسبة
86

إلى الميزاب ولولا ذلك بان كان التجوز في نسبة المبدأ إلى الذات
أعني به تلك النسبة المأخوذة في مدلول المشتق كان التجوز في
الكلمة إذ المفروض ان النسبة جز مدلول كلمة المشتق فبالتجوز في
النسبة يحصل التجوز في الكلمة البتة ولعل إلى ما ذكرنا نظر
صاحب الفصول (قده) حيث حكم بحصول التجوز في الكلمة و
يمكن دعوى الحقيقة مع ذلك بدعوى وضع المشتق للذات المتلبس
بالجريان بالأعم من التلبس الحقيقي والمجازي فمجازية التلبس و
الاسناد حينئذ لا يستدعى مجازية المشتق
المقصد الأول في الأوامر
قوله قد ذكر للفظ الامر معان متعددة
الظاهر أن جميع المعاني المذكورة مندرجة تحت معنيين ومن
جزئيات مفهومين أعني بها مفهوم الطلب من العالي ومفهوم الشئ و
الامر بالمعنى الأول يجمع على أوامر وبالمعنى الثاني يجمع على
أمور (واما) بقية المعاني من الفعل والشأن والحادثة وغير ذلك فهي
خصوصيات مستفادة من القرائن الخارجية (بل لا يبعد) ان يكون
إطلاق لفظ الامر بالمعنى الثاني مأخوذا من الأول وبمناسبة ان الشئ
يكون متعلقا للطلب وموردا له أطلق عليه لفظ الامر كما أنه بمناسبة انه
تعلق به المشية أطلق عليه لفظ الشئ ثم توسع وأطلق اللفظان
على المحالات غير القابلة لتعلق الطلب والمشية بها (ثم) انه ربما يزاد
على هذه المعاني التي ذكرها المصنف (قده) معان اخر (منها) الامر
بمعناه المصدري (ومنها) الصفة والقدرة نحو (مسخرات بأمره) (و
يجري في البحر بأمره)
قوله ومنها الفعل العجيب كما في قوله تعالى فلما جاء أمرنا:
الظاهر أن الامر في الآية انما استعمل في معناه الأصلي أعني به الطلب
(غاية الأمر) ان الطلب المتحقق فيه طلب تكويني الذي يعبر عنه
بكلمة كن النوري والمشية الفعلية والفيض المقدس ويشهد لذلك
تعقيبه بقوله تعالى جعلنا عاليها إلخ
قوله نعم يكون مدخوله مصداقه:
بل ولا يكون مدخوله مصداقه نعم المدخول متعلق للغرض والغرض
هو الوجود النفساني المطابق له المحرك نحو الفعل وكذلك
التعجب يكون في النفس والخارج متعجب منه فتأمل
قوله ولا يخفى انه عليه لا يمكن منه الاشتقاق:
إذا كان معناه عندهم هو الطلب
87

بالقول أمكن منه الاشتقاق لان المعنى حينئذ يكون حدثيا ويكون
القول قيدا للمعنى لا نفس المعنى ولا يبعد ان يكون اصطلاحهم في
الاطلاق على القول جاريا في فعل الامر كفعل الماضي وفعل
المضارع لا في نفس الامر (ثم) ان ما ذكره المصنف (قده) من أن
الاشتقاق
منه يكون بذلك المعنى الذي هو عندهم (ممنوع) بل الاشتقاق منه
يكون بمعناه اللغوي ونظيره في ذلك لفظ الفعل فإنه في اصطلاحهم
هو ما دل على ما اقترن بأحد الأزمنة والاشتقاق منه يكون بمعناه
اللغوي
قوله تعبيرا عنه بما يدل عليه:
لا يخفى ان القول المخصوص لا يدل الاعلى الطلب لا على الطلب
بالقول والظاهر أن مراد المصنف (قده) أيضا هو إنكار اصطلاح خاص
لهم في ذلك وانهم يطلقون الامر على الطلب الذي يكون في مورد
القول لا على الطلب المقيد بالقول أو نفس القول (لكن) ذيل العبارة
أعني به قوله لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص (يؤذن) بتردده و
احتماله ثبوت اصطلاح لهم في الاطلاق على خصوص الطلب بالقول
فان الخصوصية المحتمل دخلها في المعنى انما هي تقيد الطلب
بالقول كما هو ظاهر.
قوله نعم القول المخصوص أي صيغة الامر:
إذا لم يكن الامر معناه القول المخصوص كيف يعقل ان يكون ذلك
مصداقه نعم مدلول ذلك مصداقه اما بما هو طلب أو بما هو طلب
بالقول على الوجهين في ثبوت اصطلاح لهم في إطلاقه على الطلب
بالقول وعدمه بان كان جريهم في ذلك على ما هو معناه لغة وعلى
كلا التقديرين فلا يكون القول المخصوص مصداقا للامر ودالا عليه بل
هو حاك عنه
قوله ولو احتمل انه كان للانسباق:
هذا إذا احتمل ان يكون حقيقة في القدر المشترك بين خصوص تلك
المعاني أو في معنى عام يندرج فيه تلك المعاني كمفهوم الشئ فإنه
يمكن حينئذ دعوى انصرافه إلى بعض أصناف ذلك المعنى الموضوع
له أعني به بعض المعاني المتقدمة واما على القول بالاشتراك أو
الحقيقة والمجاز فحق التعبير ان يقال ولو احتمل انه كان لأجل الشهرة
وكثرة الاستعمال في ذلك المعنى الظاهر فيه من بين تلك
المعاني
قوله الظاهر اعتبار العلو في معنى الامر:
لا يخلو مفهوم العلو من تشابه والقدر المتيقن من مصاديقه هو مبادئ
الوجود ووسائط الفيض وفي ذلك يندرج الاباء والأمهات و
المعلمون والأولياء والأنبياء إلى أن ينتهى إلى الله جل شأنه وتعالى
سلطانه وليس من مصاديقه الشيوخ والعلماء والاشراف واما
أرباب السلطة
88

والسيطرة ومن يخاف سوطه وبطشه ففي صدق الامر على طلبهم
إشكال بل منع لان العلو بهذا المعنى قد يتحقق في الداني أو
المساوي (وبالجملة) طلب كل ذي شرف ومرتبة أو قوة وشوكة ممن
هو دونه في الشرف ليس أمرا وان فرض وجوب إطاعته جزأ
لاحسانه أو دفعا لضرره فبين الامر ووجوب الإطاعة عموم من وجه
على مذهب المصنف (قده) في لفظ الامر لصدقه عنده على الامر
الاستحبابي وعموم مطلق على مختارنا من إنكار الامر استحبابي
فوجوب الاتيان بمقاصد الغير انما هو بملاك شكر النعمة أو دفع
الضرر وذلك يمكن تحققه في مورد الطلب كما يمكن تحققه في غير
مورد الطلب وما كان منه في مورده يمكن ان يتحقق في مورد
الطلب من العالي الذي يختص به إطلاق لفظ الامر كما يمكن ان
يتحقق في مورد الطلب من المساوي أو السافل (ثم) ان تعيين موارد
الامر
ومصاديقه أيسر وأسهل من ضبط مفهومه فلا حاجة إذن إلى ضبط
المفهوم وتحديده على وجه مطرد ومنعكس مع عدم ترتب أثر عليه
قوله كما أن الظاهر عدم اعتبار الاستعلاء:
بل الظاهر هو اعتبار الاستعلاء في مفهوم الامر لكن لا بذلك المعنى
الذي فسر به الاستعلاء في كلام المصنف (قده) أعني به إظهار العلو
المقابل لخفض الجناح الذي هو من الأخلاق والآداب فإنه بذلك
المعنى غير معتبر قطعا كما أفاده (قده) بل بمعنى صدور الإرادة و
الطلب من المولى بما هو مولى وباعمال مولويته (وتوضيح ذلك) ان
المولى إذا كان طبيبا وحكيما ومهندسا إلى غير ذلك كانت له
السنة متعددة حسب تعدد كمالاته فهو قد ينطق بلسان مولويته وقد
ينطق بلسان طبابته فان نطق بلسان مولويته وطلب من عبده شيئا
كان طلبه هذا أمرا وان نطق بلسان طبابته لم يكن طلبه هذا أمرا بل كان
حاله حال الطلب الصادر من سائر الأطباء في كونه مجرد
إرشاد إلى ما هو علاج المرض (نعم) إذا أعمل المولى مع ذلك جهة
مولويته وامر ونهى بما انه مولى كان طلبه للفعل أو الترك مصداقا
للامر أو النهي وهذا هو المراد من الاستعلاء المأخوذ في معنى الامر و
عليه فالطلب الصادر من العالي إذا لم يصدر منه بجهة مولويته بل
صدر منه بجهة طبابته مثلا لا يكون مصداقا للامر ومن هذا الباب
الطلب الصادر من المولى إرشادا إلى ما يترتب على نفس المطلوب
من المصلحة من دون إعمال المولوية في طلبه فان ذلك لا يكون
مصداقا للامر وانما هو مصداق لارشاد
الحكيم الجاهل إلى ما فيه صلاحه (وبالجملة) الطلب الصادر من
المولى الطبيب
89

قد يصدر منه بما انه مولى فاللسان الناطق بالطلب لسان المولى وقد
يصدر منه بما انه طبيب أو حكيم فاللسان المزبور لسان الطبيب
أو الحكيم والامر انما يصدق على الطلب الصادر منه إذا كان صادرا
بلسان مولويته (ومن هنا) صح ان يقتصر في معنى الامر على اعتبار
قيد العلو فيه دون الاستعلاء لكن بنحو من تلطيف النظر والقريحة
القاضي بان الامر في موارد عدم الاستعلاء لم يصدر من العالي بما
هو عال وان صدر من ذات العالي فان ظاهر اعتبار العلو اعتبار عنوان
العلو في منشأ الطلب بحيث يكون الطلب صادرا من عنوان
العالي وناشئا من جهة مولويته وعلوه لا من المناشئ الاخر التي هي
متحققة فيه فان الطلب الناشئ من غير جهة المولوية لا يفرق فيه
بين صدوره من المولى وصدوره من غيره فإنه في كلا الفرضين ناشئ
من منشأ واحد ولا يؤثر تحقق المولوية في صدق الامر عليه إذا
لم تكن هي المؤثر في وجوده (بل التحقيق) ان الطلب المتحقق في
موارد المستحبات أو المكروهات من هذا القبيل فليس طلب الفعل
المرخص في تركه أمرا ولا الزجر عنه مع الترخيص في فعله نهيا و
ذلك لان الطلب المتحقق في مواردها لم يصدر من المولى بما انه
مولى ولذا لم يجب امتثاله وانما صدر منه بما هو ناصح خبير بما
يترتب على تلك الأعمال فيرغب عبيده بما يرى حسن عاقبته و
يحذر
عما يرى سوء عاقبته كما يقود البصير الأعمى إلى الطريق المستقيم
فليس في
تلك الموارد أمر أو نهى بجهة المولوية لعدم بلوغ حسن الفعل أو قبحه
مرتبة يؤثر في حسن إكراه العبد على الفعل أو الترك ولولا ما
ذكرناه لما كان معنى معقولا للطلب إذا لم يكن إلزاميا فان الإرادة
المولوية إذا كانت متحققة وجب إنفاذها وليست للإرادة مراتب
تختلف بالشدة والضعف فيجب إنفاذ شديدها دون ضعيفها نعم
للحب والبغض مراتب لكن إذا بلغت مرتبة الإرادة كانت جميعها في
هذه المرتبة شرعا سوأ
قوله لا يبعد كون لفظ الامر حقيقة في الوجوب:
قد ظهر لك من كلامنا السابق استدراك هذا البحث فإنه إذا اعتبر قيد
العلو والاستعلاء في معنى الامر كان الامر لا محالة مستتبعا
لتحريك العقل نحو الإطاعة وإلزامه بها وذلك هو المنشأ لانتزاع
عنوان الوجوب فالطلب الايجابي انما يمتاز عن الطلب غير الالزامي
بإيجاب العقل إطاعته دون غير الالزامي فالوجوب لا ينفك عن تحقق
الامر بمعنى ان كل أمر يجب إطاعته عقلا لا أقول إن ذلك مأخوذ
في مفهوم الامر بل أقول إنه من لوازمه وخواصه واما مفهومه فهو ليس
الا الطلب الصادر من العالي المستعلى وهذا الذي ذكرناه
90

مبنى على ما تقدم من أن الطلب من المولى بما هو مولى لا ينقسم إلى
قسمين وجوبي وغير وجوبي أعني بهما ما يوجب العقل إطاعته و
ما لا يوجب إطاعته بل إن العقل يحكم بوجوب إطاعة كل طلب صادر
من المولى وليس لطلب المولى مراتب مختلفة بالشدة والضعف
يكون بأحدها موضوعا لحكم العقل بوجوب الإطاعة وبالأخرى
موضوعا لحكمه بحسنها لان ميل المولى وحبه لفعل العبد إذا بلغ
مبلغ
الإرادة والطلب لم يكن للعقل محيص من الحكم بتنفيذ إرادته إذ لا
يمكن صدور طلب من المولى يحكم العقل فيه بجواز مخالفته (واما)
تحديد الاستحباب بما قيل من أنه طلب الفعل مع الاذن في الترك
فيظهر بطلانه مما ذكرناه
قوله ويؤيده إلخ
لا يخفى ان المؤيد الأخير الذي ذكره المصنف (قده) أعني به صحة
الاحتجاج على تقدير تماميته يكون دليلا واما بقية المؤيدات
المذكورة في المتن وجعلها مؤيدة فالوجه في عدم الاستدلال بها هو
ان القرائن المتحققة في مواردها هي التي قضت بكون المراد من
الامر الوارد فيها هو الطلب الالزامي واما استعمال الامر فيها في
خصوص الوجوب فلا يثبت بها فضلا عن اقتضائها لانحصار الحقيقة
به
ليخرج الطلب الاستحبابي عن حقيقة الامر (مع) ان غاية ما تقتضيه
تلك المؤيدات استعمال أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله
في الوجوب فلا يثبت بها كون مطلق الامر حقيقة في الوجوب (هذا
مضافا) إلى أن المراد بلفظ الامر الوارد فيها هو الطلب بالصيغة و
البحث انما هو في مادة الامر اللهم الا ان يقال إن إطلاقه يشمل الطلب
بمادة الامر أيضا (واما) وجه التأييد بالمذكورات مع أن ما ذكرناه
يسقطها عن قابلية التأييد أيضا فهو ان التعبير فيها بمادة الامر والعدول
عن التعبير بلفظ الطلب ونحوه مشعر بان في هذه المادة
خصوصية تقتضي اختصاصها بالطلب الالزامي
قوله وقوله صلى الله عليه وآله لبريرة إلخ:
لا يخفى ان دلالة هذه الرواية على عكس المدعى أولى لان الشفاعة
أعني بها الشفع بين وترين والقرن بين منفردين والائتلاف بين
متنافرين تقابل الطلب الصادر من العالي بتمام أقسامه فالطلب منه
صلى الله عليه وآله صدر بعنوان السؤال لا بعنوان الاستعلاء و
المولوية فمن نفيه صلى الله عليه وآله كونه أمرا وإثباته الشفاعة لنفسه
يعلم أن ما سوى الشفاعة يطلق عليه لفظ الامر ولو كان طلبا
استحبابيا فلو فرض ان للطلب فرد اخر غير إلزامي كان ذلك مصداقا
للامر أيضا بمقتضى هذه الرواية
قوله وتقسيمه إلى الايجاب والاستحباب:
واما دعوى انه بمعناه الارتكازي يصح تقسيمه إلى القسمين فهي
ممنوعة فصحة التقسيم على
91

تقدير إرادة المعنى الجامع بين الوجوب والاستحباب من لفظ الامر و
لو كان ذلك بالقرينة لا دلالة فيها على المدعى واما على التقدير
الاخر أعني به صحة تقسيمه بمعناه الارتكازي فهي ممنوعة
قوله فيه ما لا يخفى من منع الكبرى:
يعنى بذلك ان الطاعة انما هو فعل المطلوب وهو أعم من فعل
المأمور به فليس كل ما صدق عليه انه فعل المطلوب مأمورا به نعم
ليس
فعل كل مطلوب طاعة حتى ما كان مطلوبا للمساوي والسافل بل
الطاعة انما هو خصوص إنجاح مطلوب العالي المستعلى وان لم يكن
أمرا بل طلبا استحبابيا لكن قد عرفت ان كل طلب صادر من العالي
المستعلى لا ينفك عن كونه أمرا وانه دائما يستتبع حكم العقل
بوجوب الإطاعة الذي هو معنى كونه للوجوب فهذا البحث مستغنى
عنه
قوله الظاهر أن الطلب الذي يكون هو معنى الامر:
هاهنا بحثان أحدهما في اللفظ ومقام الاثبات والاخر في المعنى و
مقام الثبوت وقد اختلطا في كلام المصنف (قده) وتوهم عبارته
اتحاد البحثين وسنشير إلى محل الايهام (وتوضيح ذلك) انه بعد
الفراغ عن أن لنا في الخارج طلبا نفسانيا واخر طلبا إنشائيا بعثيا و
ان لفظ الإرادة موضوع لذلك المعنى النفساني وقع البحث في أن لفظ
الطلب أيضا موضوع لذلك ليكون لفظ الطلب ولفظ الإرادة
مترادفين حاكيين عن معنى واحد أو ان لفظ الطلب موضوع للطلب
الانشائي الحاصل بقول افعل أو آمرك أو أطلب منك وشبه ذلك
فيكون لفظ الطلب من هذه الجهة نظير لفظ (خبر) في الدلالة على
معنى منطبق على الحاكي كقولنا زيد قائم لا المحكي أعني به النسبة
الخارجية بين القيام وزيد (ثم) انه على تقدير اتحاد مدلوليهما وقع
هناك بحث آخر في اتحاد محل انصرافهما وتعدده فقيل بانصراف
لفظ الطلب إلى غير ما ينصرف إليه لفظ الإرادة فان لفظ الطلب
ينصرف إلى غير معناه الموضوع له لاشتهار استعماله فيه بخلاف لفظ
الإرادة ولا يخفى ان هذا الانصراف غير الانصراف المتعارف أعني به
انصراف الكلي إلى بعض افراده ويعبر عن هذا بالمجاز المشهور
وذلك لعدم جامع بين الطلب الحقيقي والطلب الانشائي لكي يدعى
وضع لفظ الطلب بإزائه وانصرافه إلى فرده
الانشائي لاشتهار استعماله فيه فلا بد من أن يكون موضوعا بإزاء
الطلب الحقيقي والصفة النفسانية أو يكون موضوعا بإزاء الطلب
الانشائي (وبالجملة) انه لا إشكال في أن لفظ الإرادة موضوع بإزاء
الصفة النفسانية وفي عدم انصرافه إلى غيرها كمالا إشكال في أن
لفظ
92

الامر موضوع للطلب المنشأ بعكس لفظ الإرادة فهو ولفظ الإرادة على
طرفي النقيض (انما الاشكال) في لفظ الطلب وانه هل هو كلفظ
الإرادة طبق النعل بالنعل من جهة الوضع والانصراف أو انه يخالفه اما
في محل الوضع بان يكون الطلب موضوعا بإزاء الطلب الانشائي
أو في محل الانصراف وانه ينصرف إلى الطلب الانشائي مع وضعه
للطلب الحقيقي المعبر عنه بالشوق المؤكد فلفظ الطلب مردد بين ان
يكون مرادفا للفظ الإرادة وان بكون مراد فاللفظ الامر (والصحيح) ان
يقال إنه يختلف ذلك حسب المتفاهم العرفي باختلاف مشتقاته
فمثل طالب ومطلوب ظاهر في معنى الإرادة ومثل طلب ويطلب
ظاهر في معنى الامر والبعث الخارجي وذلك يكشف عن أن معنى
المادة هو تلك الصفة النفسانية وظهورها في خلافها في بعض
الهيئات يكون بالعرض وبالانصراف والا فلا يعقل اختلاف معنى
المادة
في ضمن الهيئات هذا تمام الكلام في البحث الأول (واما البحث
الثاني) المتعلق بالمعنى أولا وبالذات فهو النزاع المعروف الواقع بين
الامامية ومن وافقهم من المعتزلة وبين الأشاعرة وهو انه هل وراء
صفة الإرادة صفة أخرى في النفس يكون لفظ الطلب موضوعا
بإزائها كما ذهب إليه الأشاعرة أم ليس هناك صفة أخرى وراء صفة
الإرادة فلا محيص من كون لفظ الطلب موضوعا بإزائها ومراد
فاللفظ الإرادة وهذا
النزاع منهم مبنى على عدم وضع لفظ الطلب للطلب الانشائي الذي
كان محلا المبحث السابق فمنشأ البحث هنا هو النزاع في ثبوت صفة
أخرى وعدمه فلو ثبت عدم صفة أخرى لم يكن نزاع في البين أصلا
نعم لو فرض ثبوت صفة أخرى لاحتمل أيضا إنكار الامامية و
المعتزلة وضع لفظ الطلب لتلك الصفة الأخرى التي هي غير صفة
الإرادة
قوله ولو أبيت إلا عن كونه موضوعا للطلب:
يعنى بالطلب تلك الصفة النفسانية التي هي مدلول لفظ الإرادة (ثم)
ان الانصراف المدعى في المقام ليس بمعناه المتعارف أعني به
انصراف الكلي إلى بعض افراده كما مر بل بمعنى ظهور اللفظ
للمشترك في بعض معانيه لكثرة الاستعمال فيه.
قوله واختلافها في ذلك ألجأ:
هذه العبارة هي التي أشرنا سابقا إلى إيهامها اتحاد النزاعين اللذين
عرفت وضوح تعدد هما فلا ينبغي الذهاب إلى المغايرة التي ذهب
إليها الأشاعرة لأجل انصراف أحد اللفظين إلى غير ما ينصرف إليه
الاخر فانتقال
93

المصنف (قده) من أحد البحثين إلى البحث الاخر قد وقع على سبيل
الخلط
قوله لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس:
اعلم أن في المقام خلافا بين الاعلام فذهب المشهور ومنهم المصنف
(قده) إلى أن الإرادة هي عنوان للصفة النفسانية المعبر عنها بالشوق
المؤكد ومباديها هو خطور الشئ والميل أعني به هيجان الرغبة إليه
والتصديق بفائدته والجزم والعزم وذهب آخرون إلى انها
العلم بالصلاح وإدراك النفس ملائمة الفعل لها مع عدم المزاحم لتلك
الملائمة أعني به عدم جهة أخرى منافرة اما في نفس الفعل أو فيما
يلازمه منافرة غالبة على جهة الملائمة أو مساوية لها اما الجهة المندكة
المغلوبة فلا تزاحم ما في الفعل من الملائمة وينحصر مبادئ
الإرادة على هذا القول في تصور الشئ فقط إذ ليس في النفس صفة
أخرى تكون من مبادئ الإرادة غيره والحاصل ان الإرادة المحركة
للعضلات عنوان للعلم المزبور (والظاهر عندي) هو هذا القول وانه
ليس وراء العلم بالصلاح شئ يكون هو المؤثر في صدور الفعل
الاختياري نعم ليس مطلق العلم بالصلاح مؤثرا في صدور الفعل كما
هو ظاهر بل المؤثر منه هو الذي لا يكون مزاحما بالعلم بالفساد من
جهة أخرى فمرادنا من أن الإرادة هو العلم بالصلاح خصوص العلم
بالملامة والصلاح التام الخالي عن الفساد نعم الفساد المستهلك
المندك في جنب الصلاح لا يكون مانعا عن تأثير العلم بالصلاح واما
ما يرى من انفكاك العلم بالصلاح عن التأثير في حصول
الفعل فإنما هو من جهة عدم كون ذلك العلم علما بالصلاح التام
الخالي عن المزاحم ولو كانت المزاحمة ناشئة من مشقة الفعل وكلفته
على النفس بحيث لا يكون صلاحه داعيا ومحركا إلى اختياره على ما
هو عليه من المشقة ولولا ذلك لكان العلم مؤثرا في حصول الفعل
لا محالة والحاصل ان الإرادة هي العلم بالصلاح الخالي عن المزاحم
ومقدمتها تصور الفعل إذ بعد هذا التصور اما ان يحصل العلم
بالصلاح التام بإدراك النفس ملائمة الفعل ملائمة فعلية فذاك هو
الإرادة واما ان لا يحصل فلا إرادة هناك وان تحقق في مورده العلم
بالصلاح الناقص أعني به الصلاح المزاحم ولم يكن الفعل ملائما
للنفس ملائمة فعلية على ما هو عليه من الجهات
قوله والميل وهيجان الرغبة إليه:
قد عرفت ان الميل وهيجان الرغبة أمر واحد
قوله وكذا الحال في سائر الصيغ الانشائية:
لا يخفى ان البحث في المقام انما كان في تعيين مدلول كل من لفظي
الطلب
94

والإرادة فكان المناسب له بعد الفراغ عنه هو البحث عن مداليل لفظ
التمني والترجي والنداء والاستفهام وان هذه الألفاظ هل هي
موضوعة بإزاء الصفات النفسانية وإن كانت في مقام الاطلاق منصرفة
إلى المعاني الانشائية كما هو الحال كذلك في لفظ الطلب أو انها
موضوعة بإزاء المعاني التي لا واقع لها الا في مرحلة الانشاء واما
مدلول انشاء الطلب فلم يقع البحث عنه لينتقل عنه إلى البحث عن
مدلول انشاء التمني والترجي وغيرهما سوأ أنشئت بالصيغة كليت و
لعل أم بالمادة كأتمنى وأترجى (ثم الظاهر) انه لا إشكال في أن
عنوان الاخبار عنوان منطبق على الحاكي كجملة زيد قائم لا ما هو
مدلول هذه الجملة من ثبوت القيام لزيد خارجا ولا تصديق المتكلم
بتلك النسبة الا على مذهب الأشاعرة من جعل المحكي كلاما آخرا
نفسيا حاكيا عن النسبة الخارجية فإنه يكون عنوان الخبر (ح) منطبقا
على كل من الكلام اللفظي والكلام النفسي المحكي به والحاكي عن
النسبة الخارجية واما نفس النسبة أو تصديق المتكلم بها فليست
خبرا قطعا و (اما) مداليل الصيغ الانشائية فسنتعرض لها عند ذكر
المصنف (قده) لها قريبا
قوله وقد انقدح مما حققناه:
لم يظهر لي وجه إدراج المصنف (قده) قوله دفع وهم، الذي تكلم فيه
عن مداليل الاخبار والانشاء بين دليلي الأشاعرة أعني بهما هذا
الدليل وما ذكره أخيرا بعنوان إشكال ودفع، ثم لم أدري ما الذي دعاه
إلى إخراج ما هو عمدة أدلتهم عن سلك الاستدلال ونظام الأدلة
وذكره بعنوان الاشكال على القوم باتحاد الطلب والإرادة
قوله في صورتي الاختبار والاعتذار:
كأن يعتذر عن عدم إنجاح مقاصد الغير بان عبيده وأولاده لا
يطاوعونه ولا يساعدونه على الاتيان بتلك المقاصد ثم في مقام
إثبات
مدعاه يأمرهم بأمر بمرأى من ذلك الغير ليرى صدق مقالته فان امره
في هذا المقام ليس الا لاثبات عذره من غير إرادة فعل ما أمر به
قوله لم يكن بينا ولا مبينا في الاستدلال:
يعنى ان الاستدلال ولا ينهض إثبات المدعى أعني به المغايرة بين
الحقيقي من الطلب والحقيقي من الإرادة ولا ينهض بإثبات المغايرة
بين الانشائي من الطلب والانشائي من الإرادة وانما ينهض بإثبات
المغايرة بين الطلب الانشائي والإرادة الحقيقة وهذا المعنى مسلم لا
إشكال فيه ولم يقع فيه خلاف من أحد فان الانشائي من كل منهما
يغاير الحقيقي منه فكيف بالانشائي من أحدهما والحقيقي من الاخر
قوله في نفس الامر من ذهن أو خارج:
نفس الامر يقابل
95

والخارج فالقضية إن كانت حاكية عن النسبة الخارجية كزيد قائم
تسمى بالخارجية وإن كانت حاكية عن النسبة الذهنية كالانسان نوع
تسمى بالذهنية وإن كانت حاكية عن النسبة النفس الامرية سوأ
وجدت في الخارج أو في الذهن أولا تسمى بالحقيقية مثل كل جسم
مشتمل على الابعاد الثلاثة وشرح نفس الامر لا يخلو من غموض و
يطلب من محله
قوله فهي على ما حققناه في بعض فوائدنا موجدة:
توضيح ذلك ان اختلاف اقتضاء اللفظ بإيجاد المعنى تارة والحكاية
عنه أخرى ينبأ عن اختلاف حقيقة الوضع في المقامين ويكون وضع
اللفظ تارة للحكاية وللتوسيط في الدلالة وإحضار صورة المعنى في
ذهن المخاطب وأخرى لإيجاد المعنى ليحسه المخاطب بالمباشرة
وهذا القسم من الوضع يختص بمعان تكون قابلة للتحقق بالقصد إلى
تحققها فكما يوجد التعظيم بالقصد إليه (ثم) يوضع القيام لأجل ان
يقصد به ذلك ثم يوجد التعظيم بالاتيان بالقيام بقصد التعظم كذلك
يوجد النداء بالقصد إليه بما عينه الوضاع لأجل ان ينادى به فلفظ
(يا) مثلا عين لأجل ان ينادى به وهكذا سائر الأدوات الانشائية ولكن
هذه الوجودات الموجودة بالقصد إلى انشاء عناوينها غير تلك
الوجودات الحقيقية القائمة بالنفس فللتمني وجود حقيقي قائم
بالنفس ووجود إنشائي حاصل عقيب قول ليت إذا قصد به حصوله
فربما
يجتمع الوجودان كما إذا كان الانشاء لأجل قيام تلك الصفة بالنفس و
ربما يفترق أحدهما عن الاخر كما إذا كان الانشاء بسائر الدواعي
أو كان التمني مثلا موجودا في النفس بلا انشاء على طبقه هذا حقيقة
مرامه زيد في علو مقامه (وأنت خبير) بان شأن كل لفظ انما هو
الحكاية عن معناه وهو واسطة لايصال صورة المعنى إلى ذهن
المخاطب وليس من شأنه إيجاد المعنى كإيجاد التعظيم بالقيام مثلا
مع أنه
لا معنى آخر وراء المعاني الواقعية
القائمة بالنفس كي يوجد بالقصد التي تحققه باللفظ (واما) توهم كون
الطلب الانشائي وكذلك التمني والنداء الانشائيين مداليل الصيغ
فهو مبنى على كون هذه الأشياء بأنفسها أمورا واقعية قبال الطلب
الواقعي والتمني والنداء الواقعيين وليست كذلك وانما هي مجرد
لقلقة لسان لا معنى تحتها (والتحقيق) الذي لا يرتاب فيه صاحب
الفهم المستقيم هو ان مثل صيغة افعل وقول ليت ولعل تحكى عن
قيام
كل من التمني والترجي بالنفس حكاية كل لفظ عن معناه بلا امتياز
لهذه الألفاظ عن ما عداها نعم مفادها على افرادها مفاد جملة تامة
خبرية يصح السكوت عليها فمفاد ليت بنفسها هو مفاد جملة قولنا
صفة التمني
96

موجودة في نفسي ولفظ ليت على افراده يدل على ما تدل عليه
الجملة المزبورة (ثم) انه بعد ثبوت هذه الدلالة والحكاية إذا أطلقت
هذه
الكلمة بقصد الحكاية بها عن مدلولها وان علم كون المتكلم بها كاذبا و
ان المعنى لا تحقق له في الخارج صح ان يقال بالمسامحة و
التجوز انه أوجد التمني وأنشأه لأنه أوجد حاكيه وما هو مرآته ومعرفه
فكأنه أوجده بنفسه لان عنوان المحكي يطلق على الحاكي
مجازا وهذا بخلاف عنوان الاخبار فإنه كما عرفت عنوان لنفس
الحاكي (ومن ذلك ظهر أنه) لا فرق بين الانشاء والاخبار في الحكاية
عن المعنى التام الخبري الذي يصح السكوت عليه غاية الأمر ان هذه
الحكاية في الانشاء تكون بالمفرد وفي الاخبار بالجملة وهذا هو
الفارق بين المقامين (هذا مضافا) إلى ما عرفت من صحة صدق عنوان
التمني ونحوه على اللفظ الحاكي عنه ولو كان ذلك بالمسامحة
بخلاف عنوان المحكي في الاخبار فإنه لا يصدق على الحاكي (نعم)
يصدق عليه عنوان الاخبار وهذا عنوان نفسه ابتدأ لا عنوان محكيه
و
قد أطلق عليه بالعرض والمجاز
قوله اما لأجل وضعها لايقاعها:
إذا فرض كون الداعي إلى الايقاع هو الجد معتبرا في الوضع كان هذا
القيد قيدا للاستعمال لا محالة لا للمستعمل فيه لوضوح انه لا
يستعمل صيغة الطلب في حال من الأحوال في هذا العنوان الخاص
أعني به مفهوم إيقاع الطلب الذي يكون داعيه الطلب النفساني بل ولا
في مصداقه بما هو مصداقه بحيث يلحظ مصداق الداعي قيدا
للمستعمل فيه بل لا يعقل ان يكون داعي الاستعمال قيدا للمستعمل
فيه وعليه
فيبطل الاستعمال فيما خلا عن الشرط لا انه يصح ويكون مجازا
كاستعمال اللفظ الموضوع للكل في الجز (هذا) مع أن الالتزام
بالمجازية في الانشاءات الخالية عن الجد لا يخلو عن صعوبة
قوله دون الإرادة التشريعية:
ولعل وجه التخلف هناك ان علمه تعالى بالصلاح فيه ليس علما
بالصلاح التام بل علم بالصلاح الناقص أعني به الصلاح في حق
المكلف
مع الفساد النوعي الراجع إلى نظام العالم والجهات النوعية مقدمة
على الجهات الشخصية فبعد وقوع الكسر والانكسار بين الجهات
يكون الفعل مما علم فساده أو مما لم يعلم بصلاحه وذلك إذا كان
الفساد النوعي قليلا جدا يوازي الصلاح الشخصي الأكيد ويعادله من
غير ترجح (فصح ان) يقال إن علم الباري تعالى بالصلاح دائما يؤثر
في حصول الفعل فإرادته التكليفية الخالية عن الإرادة التكوينية لا
يكون علما بالصلاح على الاطلاق بل هو علم
97

بالصلاح المزاحم الذي بعد لحاظ المزاحمة لا يسمى صلاحا ولا
يكون علمه علما بالصلاح فلا استثناء في تأثير إرادته جل وعلا في
حصول المراد بل جميع إرادته مؤثرة وعلة تامة لحصول المراد والا
لزم العجز والشرك ففي موارد العصيان لا علم له بالصلاح التام
من دون مزاحم (واما) في موارد الإطاعة فعلمه علم بالصلاح التام بلا
مزاحم فعلمه تبارك وتعالى في جميع هذه الموارد علم واحد و
إرادة واحدة تكليفية وتكوينية لا علمان وارادتان إحداهما تكوينية و
الأخرى تكليفية
قوله وهو العلم بالمصلحة في فعل المكلف:
هذا إذا لم يكن صلاحه راجعا إلى النظام الكلي والا كانت إرادته
تكوينية غير متخلفة عن المراد كأفعالنا الاختيارية الصادرة منا
قوله وهو بمكان من البطلان:
لوضوح انه ليس كل مفهوم قابلا لأن يقع تحت الانشاء بل الواقع منه
تحت الانشاء انما هي مفاهيم خاصة فمفهوم الطلب قابل لان ينشأ
باللفظ دون مفهوم العلم وقد أجاب المصنف (قده) عن الاشكال بما
يبتنى على جواز انتزاع مفاهيم متعددة عن ذات واحدة بسيطة
ليست فيها جهات متكثرة وإضافات متعددة وقد تقدم منا منعه
فراجع
قوله وهذا كما ترى ضرورة ان الصيغة:
هذه العبارة توهم ان المدعى لاستعمال صيغة افعل انما يدعى
استعمالها في نفس الصفات الواقعية من التمني والترجي وغيرهما
مع أن
الامر ليس كذلك فإنه بعد ما فرغ من عدم استعمال الصيغة في
الصفات النفسانية يدعى انها كما تستعمل في انشاء الطلب تستعمل
في
انشاء غيره من المعاني المذكورة أيضا ولا يبعد صحة هذه الدعوى
بالنظر البدوي ضرورة انه يصح استعمال مثل قضية (عد أيها
الشباب) في مقام التمني ولو لم يكن المتكلم متمنيا لعود الشباب في
الواقع ونفس الامر ولا يمكن في مثل ذلك القول بان المنشأ هو
الطلب بداعي قيام التمني بالنفس فلا مناص فيه من الالتزام بكون
التمني هو بنفسه منشأ باللفظ من دون ان يستعمل في الطلب (الا ان
يقال) ان انشاء التمني انما هو من باب تعدد الدال والمدلول فمدلول
نفس الصيغة هو انشاء الطلب وقد أنشأ به التمني بقرائن الأحوال لا
ان الصيغة قد استعملت في التمني ابتدأ (والتحقيق) في المقام ان
يقال إن صيغة افعل انما تستعمل دائما في انشاء البعث بمعنى ان
الصيغة
منزلة بالوضع منزلة البعث بالجوارح فكشفها عن الطلب كشف عقلي
نحو كشف البعث بالجوارح عنه (نعم) لما كان الكشف المذكور
مستندا إلى الوضع
98

بتنزيل الواضع الصيغة منزلة البعث جاز القول بان دلالتها وضعية (و
بالجملة) إذا كان مطلوب الامر هو صدور الفعل من غيره فمن جملة
مقدمات الوصول إليه هو البعث نحوه فكشف البعث عن طلب متعلقه
انما هو نظير كشف الاتيان بمقدمات فعله المباشري عن تعلق
الطلب به (واما) ما أفاده المصنف (قده) من كون مدلول الصيغة هو
انشاء الطلب (فغير صحيح) فان مفهوم الطلب غير مأخوذ في مدلول
الصيغة بالضرورة واما مصداقه فهو غير قابل لتعلق الانشاء به واما بقية
المعاني المذكورة للصيغة من التمني والترجي والتهديد فكلها
تستفاد من قرائن الأحوال ومن دوال اخر فالصيغة ليس لها الا معنى
واحد ولا تستعمل الا فيه
قوله وإنشائه بها تهديدا مجازا:
هذا انما يكون إذا كان الداعي قيدا للموضوع له لا مأخوذا في محل
الانصراف وقد تقدم استحالة ذلك فراجع وعلى تقدير عدم
الاستحالة أيضا لا يجوز الاستعمال في المقيد بداعي التهديد فان
المقيد بهذا الداعي يباين المقيد بداعي الطلب الواقعي فلا علاقة بين
الامرين الا ان يستعمل في نفس انشاء الطلب وداعي التهديد يفهم
بقرينة من الخارج
قوله في أن الصيغة حقيقة في الوجوب:
يعنى بالوجوب والندب الانشائي منهما واما الصفات الواقعية فقد
تقدم انها ليست مداليل للصيغ ويحتمل ان يكون مراده بهما الوجوب
والندب الواقعيان على أن يكون اعتبارهما في المدلول على سبيل
القيدية نحو اعتبار نفس الطلب الواقعي كما تقدم منه فتكون الصيغة
مستعملة في الطلب الانشائي لكن بداعي الايجاب الواقعي مثلا وقد
أشرنا إلى عدم معقولية ذلك كما تقدم ان الطلب الانشائي أيضا ليس
مدلولا للصيغة فضلا عن أن يكون مدلوله هو خصوص الطلب
الايجابي أو الندبي منه فكشف الصيغة عن الطلب المطلق أو عن
خصوص
الطلب الايجابي أو الاستحبابي كشف التزامي عقلي لا كشف مطابقي
أو تضمني وسيأتي في المبحث الرابع بيان ان حد الايجاب انما
يأتي من قبل العقل إذا كانت الصيغة صادرة من المولى
قوله الا انه كان مع القرينة المصحوبة:
هذا بظاهره يسد باب المجاز المشهور فلعل مراده ان القرينة في موارد
الاستعمالات انما هي قرينة على المراد الواقعي لا قرينة على
الاستعمال ويشهد لذلك تنظيره للمقام بالعام المخصص فان مذاقه
في ذلك هو ما ذكرناه أو لعل مراده ان الهيئة التركيبية من القرينة و
ذيها أريد منها الاستحباب لا من نفس ذي القرينة فلا يفيد ذلك في
حصول الانس في نفس القرينة إذا تجرد عن الهيئة الانضمامية وهذا
الاحتمال أقرب إلى لفظ الكتاب والأول
99

أقرب إلى الواقع وما هو الصواب
قوله بل بداعي البعث بنحو آكد:
وذلك لان الشوق إلى شئ إذا تأكد فربما يبلغ في تأكده إلى مقام يرى
الطالب مطلوبه متحققا في الخارج فيصح التعبير عن تأكد
الشوق بلازمه الذي هو تحقق ما اشتاق إليه في الخارج (لكن) يرد عليه
ان الطلب المستفاد من الجملة ليس ب آكد من الطلب المستفاد من
الصيغة والا لزم ان يكون الوجوب المستفاد من الجملة أقوى مراتب
الوجوب بعين الوجه الذي أوجب ظهوره في الوجوب (هذا) إذا أريد
تأكد المدلول واما إذا أريد تأكد ظهور الجملة في الوجوب لتكون
الجملة في الدلالة على الوجوب أظهر من الصيغة ففيه منع ظاهر لعدم
ما يوجب كونها أظهر في الدلالة على الوجوب من نفس الصيغة
ضرورة انه لا وجه لكون غير الحقيقة أظهر منها واما ما قيل من أن
الكناية أبلغ من التصريح فليس المراد به كون الكناية أقوى دلالة من
التصريح ولا كون مدلول اللفظ في الكناية أقوى من مدلول اللفظ
في فرض التصريح به وذلك لوضوح انه لا دلالة أقوى من التصريح و
انه لا يدل قولنا زيد كثير الرماد على مرتبة من الجود أقوى من
المرتبة المستفادة من قولنا زيد جواد بل المراد بما ذكر هو ما يرجع
إلى الملاحة في التعبير والملاحة أمر يدرك ولا يوصف
قوله فان تلك النكتة ان لم تكن:
لا يخفى ان مقدمات الحكمة لا تنتج الا إفادة الارسال في الماهيات
المهملة الموضوعة لها الألفاظ فتثبت شيوعها وسريانها حيث يكون
المتكلم في مقام البيان ولم ينصب قرينة على التقييد فتكون
المقدمات مبينة لإرادة العموم والاطلاق وعليه فالنكتة المزبورة إن كانت
موجبة للظهور في الوجوب فهو والا تكن مؤثرة في تعيين مقدمات
الحكمة لإرادته نعم ان مقدمات الحكمة في نفسها مع قطع النظر عن
النكتة المزبورة تعين إرادة الوجوب حسبما سيأتي من المصنف (قده)
من أن الاستحباب تضييق للطلب ومقدمات الحكمة تنفي التضييق
قوله واما الأكملية فغير موجبة:
كما أن غلبة الوجود غير موجبة له الا إذا كانت موجبة لغلبة الاستعمال
الموجبة للظهور فسبب الانصراف منحصر بغلبة الاستعمال ولا
سبب سواها وظاهر المصنف (قده) هو اشتراك غلبة الوجود معها في
السببية له
قوله بخلاف الوجوب فإنه لا تحديد:
يعنى بذلك ان الاستحباب قصر للطلب وتضييق له كما في النور
الضعيف بالنسبة إلى النور الشديد بخلاف الوجوب فإنه وفور للطلب
فالاستحباب فاقد لمرتبة الشدة من الطلب والوجوب واجد لها
فالاستحباب
100

طلب ناقص والوجوب طلب كامل ومقدمات الحكمة تنفي التضييق
وتثبت وفور الطلب وكماله (وفيه) ان كلا من الطلبين محدود بحد
خاص فتعيين أحد الحدين بمقدمات الحكمة ترجيح بلا مرجح مع أنه
لو صح ذلك لزم ان تثبت بمقدمات الحكمة أعلى مراتب الوجوب في
الشدة والتأكد فيكون الوجوب الثابت بإطلاق الصيغة أهم ما يتصور
من الوجوب مضافا إلى أن الاختلاف بين الاستحباب والوجوب
ليس ناشئا من الاختلاف في مرتبة الطلب إذ ليست الإرادة مقولة
بالتشكيك وذات مراتب متفاوتة شدة وضعفا (نعم) الحب وميل
النفس يختلف بالشدة والضعف وعليه فلا يعقل ان يكون طلب
استحبابي واخر إيجابي الا بحسب استتباع الطلب لحكم العقل
بالإطاعة
وكل ما استتبع ذلك انتزع له عنوان الوجوب فالوجوب دائما يكون
بحكم العقل وما يكون من قبل المولى انما هو الموضوع لما يحكم
فيه العقل أعني به الطلب ولا يعقل ان يأتي الايجاب والالزام من
الخارج وانما الخارج وظيفته تمهيد مقدمات إلزام النفس وبهذه
الاعتبار ينسب الالزام إليه واما الالزام بلا واسطة فهو من النفس عند
مشاهدة أمور خاصة ومن جملتها صدور الطلب من المولى نعم ما
يصدر من الخارج بالمباشرة هو القهر والجبر كسحب من يريد دخوله
الدار (ثم) ان الموضوع لهذا الحكم من العقل أعني به الحكم
بالإطاعة هو مطلق الطلب المولوي الصادر من المولى
ولا ينقسم الطلب المولوي إلى ما يجب إطاعته وما لا يجب بل كل
طلب مولوي يجب إطاعته فهو إيجابي أو تحريمي ولا شئ من
الطلب
بخارج من القسمين ويرخص العقل في ترك امتثاله واما الاستحباب
فحقيقته الالتزام والوعد بالثواب على العمل كما في الجعالة و
إظهار هذا الوعد تارة يكون بالجملة الخبرية المنبئة عن الوعد وأخرى
يكون بصيغة افعل أو سائر ما يدل على الطلب إرشادا إلى حكم
العقل وتنبيها على تحقق صغرى جلب النفع الذي يحكم العقل
بحسنه ويتضمن ذلك الدلالة على الوعد والالتزام والسر في عدم
طلب
المولى الفعل في موارد المستحبات مولويا هو ما يرى من تحتم الفعل
لو طلبه كذلك مع عدم مصلحة فيه توازن مفسدة إكراه العبد على
الفعل وقهره عليه وتزيد عليها ومعه يكون الالزام ظلما وقبيحا
فكانت الحيلة منحصرة في بعث العبد إلى الفعل بتحبيبه إليه ويكون
ذلك بجعل الثواب على العمل
101

مبحث التعبدية والتوصلية
قوله لا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات:
اعلم أنه لا إشكال في توقف برأة الذمة من الواجبات التعبدية على
الاتيان بها على وجه التقرب وانما الاشكال في كيفية دخل قصد
القربة في العبادات ويتصور ذلك على وجوه (الأول) ان يكون دخله
فيها كدخل سائر الأجزاء والشرائط بأخذه تحت الامر وفي حيز
الخطاب بالمركب العبادي (الثاني) ان يكون دخله لأجل تعلق أمر
مستقل إليه غير الامر بذات العمل (الثالث) ان يكون دخيلا في
حصول
غرض المولى من امره بلا أخذه تحت خطاب الأول ولا تحت خطاب
مستقل فيكون الالزام به عقليا من باب تحصيل غرض المولى من
غير وجوب شرعي (اما) الوجه الأول فباطل لأنه تكليف بالمحال كما
أشار إليه المصنف (قده) في اخر كلامه وإن كان أول كلامه يوهم
لزوم محذور الدور وسيأتي منا تقريبه وبيان بطلانه لان مجرد أخذ
داعي الامر تلو الامر وفي متعلقه جزا أو شرطا يوجب استحالة
كون هذا الامر داعيا إلى متعلقه فان كون الامر هو الداعي إلى الاتيان
بمتعلقه وإن كان في نفسه أمرا ممكنا الا ان أخذه في متعلقه يوجب
استحالته في الخارج وذلك لان الامر المفروض كونه داعيا إلى متعلقه
انما يحدث إرادة واحدة متعلقة بتمام ما نعلق به الامر مطابق
إرادة المولى المتعلقة بتمامه وهذه الإرادة الواحدة تحرك نحو إتيان
الاجزاء شيئا فشيئا حتى تنتهي إلى آخرها فإذا فرض ان من جملة
هذه الا جزأ هو دعوة شخص هذا الامر فلا يخلو الحال من دعوة
الامر إلى مجموع متعلقه المفروض تركبه من دعوة نفسه وسائر
الاجزاء والشرائط ومن دعوته إلى بعض متعلقه أعني به بقية الأجزاء
والشرائط غير دعوة نفسه وكل منهما باطل (اما الأول) فلان
دعوة الامر لو احتاجت إلى داعي آخر لتسلسل فان الداعي انما يتصور
في الأفعال الاختيارية والداعي ليس فعلا اختياريا فتأمل مضافا
إلى أنه لا شئ يلزم المكلف بالاتيان بداعي الامر لان هذا الداعي
المتعلق بالمركب من الاجزاء ونفس الداعي غير ذاك الداعي المتعلق
به
الامر فإنه متعلق بغير نفسه من سائر الأجزاء (واما الثاني) فهو يناقض
ما قلناه من عدم معقولية دعوة الامر إلى بعض ما تعلق به الا في
ضمن دعوته إلى الكل واما ما توهمه المصنف (قده) من محذور
الدور في هذا الوجه بتقريب ان داعي الامر موقوف على الامر فلو أخذ
في
102

متعلق الأمر توقف الامر أيضا على داعي الامر توقف الحكم على
موضوعه وهذا هو الدور المصرح فهو باطل لان ما يتوقف على الامر
هو تحقق داعي الامر في الخارج وما يتوقف الامر عليه على تقدير
أخذه في متعلقه هو تصوره في النفس فان الامر يتفرع على متعلقه
في النفس كما يتفرع متعلقه عليه في الخارج فاختلف الموقوف و
الموقوف عليه (واما الوجه الثاني) فباطل أيضا لان الامر المتعلق
بذات العمل إن كان صوريا فلا يدعوا إلى متعلقه وعليه يبقى الأمر الثاني
من غير موضوع وتكليفا بالمحال وإن كان جديا حقيقيا سقط
بحصول متعلقه في الخارج ولو كان ذلك بدون داعي الامر فلا يبقى
معه موضوع للامر الثاني مع أن الا وامر العبادية لا تسقط بالاتيان
بمتعلقاتها واما الوجه الثالث: فباطل من جهة ان الامر بذات العمل لا
يخلو اما ان لا يكون عن غرض فهو لغو باطل أو يكون عن غرض
في الامر أو في ذات العمل فلا محالة يسقط بالاتيان به ولا يبقى معه
موضوع لحكم العقل بوجوب تحصيل الغرض نظير عدم بقاء
الموضوع للامر الثاني في الوجه السابق أو يكون عن غرض قائم
بالفعل بداعي الامر فلازم ذلك ان لا يأمر بذات العمل المجرد عن قيد
داعي الامر لان الغرض المترتب على شئ يستحيل ان يكون هو
الموجب لتعلق الامر بشي اخر كما أنه لا يوجب الامر بذات العمل
مع هذا
القيد لما تقدم (وخلاصة الكلام) ان الامر بذات العمل إن كان صوريا
لم يحدث داعيا في نفس المكلف فلا يحصل به الغرض وإن كان
جديا لم يتوقف حصول الغرض منه إلى أزيد من حصول متعلقه كما
تقدم بيانه فاذن جميع الصور المتقدمة باطلة ولا تفضي إلى المقصود
(إذا عرفت ذلك) فاعلم أنه لا موضوع لهذا البحث بناء على المختار
في التكاليف الشرعية فان الحق عندنا ان جميعها تعبدية ولا يعقل
التوصلية فيها (قال الله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له
الدين) نعم يتصور ذلك في الأوامر العرفية وعليه فلا يتصور الشك في
التعبدية والتوصلية لكي يبحث فيما هو قضية الأدلة الاجتهادية
وظاهر الخطاب وما تقتضيه الأصول العملية (توضيح ذلك) ان
الإرادة اما ان تتعلق بفعل نفس الشخص أو بفعل الغير ثم إن المتعلقة
بفعل الغير اما ان تتعلق بفعله المطلق أو بفعله الخاص أعني به ما كان
صادرا عن اختيار وإرادة ثم إن المتعلقة بفعله الاختياري اما ان
تتعلق بمطلق فعله الاختياري أو بفعل اختياري خاص حاصل من
مقدمات خاصة وفي جميع هذه الصور لا بد للمريد من أن يرتب في
طريق الوصول إلى مراده مقدمات مؤدية إليها
103

لتكون نتائجها مطابقة لمقصوده ومرامه ان سعة فسعة وان ضيقا
فضيق الا ان يصده ويمنعه العجز وعدم التمكن من الوصول إلى
مقصوده بأزيد مما اصطنعها من المقدمات فان صده العجز شارك
صنعه صنع صاحب الإرادة الخاصة فيما يهيئه المريد للوصول إلى
مقصوده غاية الأمر ان ما هيأه صاحب الإرادة الخاصة مقدمة لتمام
مقصوده وما هيأه صاحب الإرادة المطلقة مقدمة لبعض افراد مقصوده
لعدم نمكنه من تهيئة المقدمات على نحو يوصله إلى مقصوده على ما
هو عليه من الاطلاق والسعة (ثم) ان من جزئيات إرادة فعل الغير هو
باب التكاليف فان التكليف إرادة خاصة متعلقة بفعل الغير خصوصيتها
كون ذلك الفعل اختياريا لا ما يعم الاختياري والاضطراري و
أيضا يكون منشأ اختياره هو خصوص طلب المولى لا أي شئ كان و
من أي منشأ تولدت الإرادة والاختيار والا لرتب من المقدمات ما
تكون نتيجتها أوسع (وبالجملة) لو كان متعلق إرادته هو ما يعم
الاختيار والاضطرار لرتب ما يوجب اضطراره أو كان متعلق إرادته
هو كل فعل اختياري كائنا ما كان منشأ اختياره لم يقتصر على التكليف
ولرتب سائر المقدمات الباعثة والمحركة نحو الفعل وتوضيح
الحال في المقام هو ان المولى إذا أمر بفعل فله في ذلك إرادتان
طوليتان إحداهما أصلية متعلقة بذات الفعل والاخرى ترشحية
متعلقة
بفعل نفسه وهو بعثه نحو
الفعل المتوقف حصوله في الخارج على البعث نحوه وهذه الإرادة
البعثية متعلقة بالفعل الحاصل من العبد بداعي البعث ومن طريقه و
بواسطته إذ هذا هو نتيجة البعث والغاية المترتبة عليه دون مطلق
الفعل ولو كان صادرا من غير طريق البعث والا لرتب المولى في
طريق وصوله إلى مراده ما هو أوسع أثرا من البعث ودون الفعل
الحاصل من طريق اخر والا لهئ في الوصول إلى غرضه ذاك الطريق
الاخر وكان بعثه في هذا الحال لغوا غير مفض إلى مقصوده فان
الغايات بوجوداتها العلمية هي المبادي والمبادي بوجوداتها
الخارجية
هي الغايات لا تتخلف إحداهما عن صاحبتها بشي فلا يعقل ان
يكون مطلق الفعل من العبد مطلوبا للمولى ومع ذلك يرتب في طريق
حصول مطلوبه طريقا خاصا أو يكون المطلوب فعلا خاصا ثم يرتب ما
يفضي إلى فعل آخر فالمقصود من طريق خاص هو الفعل
الحاصل بتأثير ذلك الطريق مثلا إذا لبست جبة لا يعقل ان يكون
غرضك من ذلك التوقي من البرد بالقباء أو أسرجت شمعة لا يعقل ان
يكون غرضك من ذلك الاستنارة بالكهرباء
104

وهكذا هذا في المراد التبعي البعثي واما المراد الأصلي فاما ان يطابق
هذا المراد التبعي وذلك فيما لا يكون المولى عاجزا عن شئ من
مقدمات الوصول إلى مقصده واما أن يخالفه فيكون المراد الأصلي
أوسع مما هو نتيجة ما رتبه من المقدمات وانما اقتصر المريد على
بعض المقدمات لعجزه عما عداها فالقسم الأول هو العبادي والثاني
هو التوصلي وهما متشاركان في ضيق المراد التبعي ومتخالفان
في سعة المراد الأصلي وعدمها ولازم ذلك أن تكون التعبدية ناشئة
من دخل قيد داعي البعث في متعلق الإرادة الواقعية ولا محذور في
ذلك أصلا وانما المحذور في أخذ قيد داعي الإرادة في متعلق الإرادة
(نعم) ان ذلك موقوف على ما هو الصحيح من إمكان ان يكون
البعث بنفسه داعيا للمكلف لا بمنكشفه أعني به الإرادة الواقعية
ضرورة ان البعث لو لم يمكن دعوته بنفسه إلى الفعل بل كانت دعوته
إليه بمنكشفه عاد محذور أخذ قيد داعي الإرادة في متعلق الإرادة و
الوجه فيما ذكرناه هو ان بعث المولى بنفسه من الدواعي إلى إيجاد
المبعوث إليه في الخارج بحكم العقل بل إناطته بوجود إرادة واقعية
متعلقة بمورد البعث بل إنفاذ كلمة المولى وإحياء امره وإنجاز
بعثه بنفسه تحت إرادة واقعية مستقلة سوأ كانت هناك إرادة متعلقة
بالفعل بعنوانه الأولى أم لم تكن ومثل هذا في الافعال المرادة
بالعناوين الثانوية غير عزيز ومن
ذلك يطهر ان عدم سقوط الامر في العبادات بالاتيان بذات العمل انما
يكون لنقصه وعدم وفائه بتمام ما هو المأمور به وهذا بخلاف
التوصليات فان المراد الأصلي فيها حيث إنه مطلق الفعل من أي وجه
حصل وبأي داع وجد في الخارج يسقط الامر فيها بمطلق الفعل
لسقوط الإرادة بحصول متعلقها فيرتفع البعث المترشح من تلك
الإرادة لان الإرادة هي محوره التي يدور مدارها البعث فلا محالة
يتوقف بقائه على بقائها فيرتفع عند ارتفاعها وهذا لا يكون إلا لعجز
المولى عن ترتيب المقدمات الموصلة إلى مطلوبه على سعته
فيرتب من المقدمات ما أمكنه فلهذا يختص ذلك بغير أوامر الله تعالى
وأوامر كل مقتدر على تمهيد المقدمات بأوسع مما مهد فان
الاقتصار مع ذلك على المقدمة الطلبية لا يكون إلا لضيق المطلوب و
اختصاصه بالفعل الحاصل بداعي الطلب وهذا معنى العبادية
فالإرادة في موارد الأوامر التعبدية متعلقة بما تعلق به الطلب ليس الا
فما رتبه المريد من المقدمات انما هو بمقدار ما تعلقت به إرادته و
ما يفضي إلى مقصوده واما احتمال ان يكون المراد أوسع
105

مما يفضي إليه ما رتبه من المقدمات وانما اقتصر المريد على
خصوص ما رتبه لاشتمال المقدمات الاخر على مفاسد منعت من
ترتيبها
بلا قصور في المقتضى ولا ضيق في الإرادة الواقعية فيدفعه ان
المفسدة المانعة في المقدمة تزاحم مصلحة ذيها فلا تبقى مصلحة
مؤثرة
لازمة الاستيفاء فيعود القصور في الاقتضاء فان مجرد المصلحة لا تولد
الإرادة بل مع عدم عائق في المقدمات فمفاسد المقدمات
كمفاسد نفس الفعل تزاحم المصلحة المفروضة فيه فتتبع الإرادة ما هو
الأقوى من الجهات (ان قلت) فما هذه الأوامر التوصلية الواردة
في الشريعة (قلت) المطلوب في موارد تلك الأوامر أمر خاص وهو
الفعل الحاصل بداعي الامر لا يتصف بالمطلوبية سواه وسوى ما
يصدر بأحد الداعيين الآخرين الذي سنشير إليهما وما عدى ذلك
سوأ كان فعلا اختياريا للمكلف أم لم يكن بان كان فعلا للغير أو
صادرا من غير ذي شعور فليس مصداقا للواجب ولا متصفا
بالمطلوبية ومع ذلك فهو مسقط للامر برفعه لموضوعه مثلا ما يجب
تطهيره هو المتنجس ولا يبقى له موضوع بعد الوقوع في البحر أو
حصول الغسل بفعل أي فاعل كان وكذا الذي يجب دفنه من الأموات
هو ميت لم يتوار في الأرض واما الذي وارته الأرض بفعل أي فاعل
كان فهو خارج عن هذا الموضوع وقس على هذا غير هذا (ثم) اننا
بعد ما راجعنا الكتاب والسنة ظفرنا بمقدمتين أخريين مهدهما
الشارع لاستنتاج مقاصده وهما الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب
فعلمنا من ذلك ان نتيجتهما أيضا مراد له فكان الفعل الصادر بداعي
كل من الطلب وهو عبادة الأحرار والوعد بالثواب وهو عبادة الاجراء
والوعيد بالعقاب وهو عبادة العبيد مطلوبا له ولا فرق في
الثواب الموعود بين ان يكون أخرويا أو دنيويا فإذا رأينا ان الشارع رتب
على إعمال خاصة من توسعة المعاش وأداء الدين أو نحو
ذلك علمنا من ذلك ان الاتيان بتلك الأعمال لأجل هذه الآثار و
بداعيها مطلوب له ولا نعنى بالعبادة لاحد الا الخضوع لناموسه و
الانفعال من قانونه وكل من انفعل من أحد فقد خضعه وعبده (ثم) ان
هذه المقدمات الثلاثة مجتمعة في الواجبات واما المستحبات
فالموجود منها واحدة وهو الوعد بالثواب وكذا في المكروهات
بالنسبة إلى الترك
قوله كان مما يعتبر في الطاعة عقلا:
يعنى بذلك اعتباره في سقوط الامر وحصول برأة الذمة من التكليف
واما اعتبار إتيان المأمور به بداعي امره في مفهوم الطاعة فهو
أمر راجع إلى وضع الواضع وليس للعقل ولا للشرع دخل في ذلك
قوله لاستحالة أخذ ما لا
106

يكاد يتأتى:
تأتى شئ من قبل الامر لا يمنع من أخذه في متعلق الأمر فان ما يتأتى
من قبل الامر انما هو تحقق الداعي خارجا وما يعتبر في متعلق الأمر
فهو لحاظ متعلقه قبل تعلق الامر به ولا تنافي بين التأخر
الخارجي والتقدم اللحاظي فان الغايات بأجمعها من هذا القبيل
فالمانع
منحصر بعدم مقدورية المتعلق وقد انطبق في المقام ذلك من باب
الاتفاق على أمر يتأتى من قبل الامر
قوله إن قلت نعم ولكن نفس الصلاة أيضا:
لا وجه لإطالة الكلام بتعداد الاشكال والجواب في المقام إذ لا دخل
لاتصاف الاجزاء بالوجوب في ضمن الكل في إمكان أخذ قصد القربة
في متعلق الأمر لمنع ذلك في المركب العقلي أعني به المركب من
القيد والمقيد بل الدخيل في غرض المستشكل انما هو إثبات دعوة
الامر بالمركب مطلقا كان تركبه عقليا أو خارجيا إلى أجزأ ذلك
المركب سوأ اتصفت تلك الأجزاء بالوجوب ضمنا أم لم تتصف به أو
اتصفت الأجزاء الخارجية به دون التحليلية العقلية والدعوة المذكورة
واضحة لا إشكال فيها فالجواب عن الاشكال حينئذ ينحصر
بالجوابين الذين أجاب بهما المصنف (قده) عن الاشكال الثاني و
حاصلهما ان المركب من أمرين أحدهما مقدور والاخر غير مقدور
(غير مقدور) لا محالة وان الامر بالكل لا يحدث داعيا استقلاليا إلى
اجزائه الا في ضمن دعوته إلى الكل من غير فرق أيضا بين نحوي
المركب الخارجي والعقلي
قوله مضافا إلى القطع بأنه:
لا وجه لدعوى القطع بعدم وجود الأمر الثاني على تقدير أخذ قصد
الامر في متعلق الأمر الأول إذ لقائل أن يقول إن أدلة اعتبار النية مثل
لا عمل إلا بنية ولكل امرئ ما نوى وانما الأعمال بالنيات وكذا الآية
المباركة المتقدمة على تقدير استحالة دلالتها هي الأدلة الدالة على
ثبوت أمر اخر (نعم) يتجه عليه ما تقدم من إشكال عدم مقدورية
الإرادة التي منها داعي الامر الذي هو عبارة عن الإرادة الخاصة الناشئة
من قبل الامر
قوله كما هو قضية الأمر الثاني:
فان الأمر الثاني بإتيان المأمور به الأولى بداعي امره يقتضى ان يكون
كل من نحوي الاتيان بداعي الامر والاتيان لا بداعيه تحت اختيار
المكلف عقلا وشرعا مع قطع النظر عن هذا الامر بحيث لم يكن هناك
إلزام عقلي بإتيان المأمور به بداعي امره وإلا لم يصح تعلق الامر
به تأسيسا فلو كان الأمر الأول لا يسقط بمطلق الاتيان وكان الالزام
بالاتيان بداعي الامر حاصلا قبل الأمر الثاني ومع قطع النظر عنه
وإن كان ذلك بتوسيط حكم العقل لا يتعلق الامر ابتدأ به لم يكن
مجال
107

الثاني وكان الاتيان بداعي الامر متعينا باقتضاء الأمر الأول ولو كان
ذلك بتوسيط حكم العقل بالخروج عن عهدة التكليف بتحصيل
غرض المولى من امره
قوله فلا يكاد يكون له وجه إلا عدم:
لا يخفى ان ذلك يبتنى على قيام الغرض الداعي إلى الامر بغير ما
تعلق به ليمكن عدم حصول الغرض المزبور بالاتيان بمتعلقه وقد
عرفت ان ذلك محال فالمتعلق للامر لا بد من أن يكون علة تامة
لحصول الغرض الداعي إليه نعم سنخ الغرض يختلف فتارة يكون
الغرض هو فعلية حصول أمر وأخرى يكون هو التمكن من تحصيل أمر
كما في الامر بإتيان الماء لأجل الشرب وهذا التمكن لا محالة
يحصل بالاتيان بمتعلق الامر ويسقط به الامر من غير انتظار حصول
ذلك الغرض الأقصى المتوقف استيفائه على عمل من المولى و
سيأتي للمقام توضيح
قوله أو له تعالى:
يعنى لمحبوبيته له تعالى
قوله لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال:
يمكن ان يقال إن كفاية الاتيان بداعي الامر لأجل انه يؤل إلى الاتيان
بداعي المحبوبية أو الحسن أو المصلحة فالمدار على حصول أحد
هذه الأمور ولو كان ذلك بتبع قصد الامتثال فان كل ذلك كامن و
مندرج تحت قصد الامر فكفاية قصد الامتثال انما هي لحصول القصد
الضمني لا لأجل قصد الامتثال بنفسه ليكون ذلك منافيا لاخذ شئ
من القصود الثلاثة في متعلق الأمر
قوله ثالثها انه إذا عرفت بما لا مزيد عليه:
اعلم أن الطرق الثلاثة التي تقدمت لبيان التعبدية يفترق بعضها من
بعض في الرجوع إلى الدليل الاجتهادي عند الشك في التعبدية و
التوصلية وكذلك يختلف في الأصل الذي يرجع إليه عند هذا الشك
وفعلى مسلك التقييد وإمكان كون داعي الامر دخيلا في المأمور به
يتمسك بإطلاق المأمور به إن كان في مقام البيان لدفع احتمال داعي
الامر فيه فان إطلاقه حينئذ يقتضى كون المطلوب ذات الفعل من
غير دخل لداعي الامر فيه بخلاف المسلكين الآخرين لان اعتبار
داعي الامر على أحدهما عقلي وعلى الاخر واجب بوجوب مستقل
وعلى
كل حال فالدليل المتعرض لاثبات الأمر الأول المتعلق بذات العمل
أجنبي عن التعرض لذلك إثباتا ونفيا فلا يعقل ان يكون في مقام
البيان من هذه الجهة ليتمسك بإطلاقه على عدم الدخل وكون المأمور
به مطلقا فان كون المأمور به مطلقا على المسلكين قطعي لا شك
فيه ومع ذلك فقد شك في اعتبار داعي الامر في حصول الامتثال اما
عقلا لأجل احتمال دخله في حصول الغرض أو شرعا لأجل احتمال
تعلق تكليف مستقل به (نعم) التمسك بعدم الدليل دليل العدم أعني
108

به عدم بيان الدخل في حصول الغرض الكاشف عن عدم الدخل
واقعا أو عدم بيان التكليف به الكاشف عن عدم التكليف به في نفس
الامر أمر اخر نبه عليه المصنف (قده) وسنشير إلى أن ذلك أمر لا
يتيسر لنا إحرازه غالبا بل دائما لاحتمال وجود البيان وعدم وصوله
إلينا فان موضوع الامارة ليس كموضوع أصالة البراءة عبارة عن عدم
وصول البيان بل هو نفس عدم صدوره فان ذلك هو الكاشف
القطعي عن عدم الدخل لا عدم وصوله مع فرض وجوده واقعا هذا
كله فيما يمتاز به هذه الطرق بعضها عن بعض في الاخذ بالدليل
الاجتهادي واما امتيازها في الرجوع إلى الأصل العملي فبيانه انه لا
شبهة في أن الأصل هو البراءة عن وجوب قصد الامتثال على مسلك
توجه تكليف مستقل به وان قلنا بالاحتياط في دوران الامر بين الأقل
والأكثر كما أن الأصل هو البراءة أيضا على مسلك التقييد بناء
على جريان البراءة في الأقل والأكثر لأنه يكون (ح) من جزئياته واما
على مسلك الدخل في الغرض فالأصل هو الاحتياط لان اشتغال
الذمة بالتكليف يستدعى البراءة القطعية منه ولا قطع بها إلا مع القطع
بحصول غرض المولى وهو لا يكون الا بالاتيان بما يشك في
تعبديته بداعي الامر وهكذا الحال بل أوضح منه على المسلك
المختار في التوصلية من أنها تكون بإسقاط غير المأمور به للامر
لحصول
غرض المولى به مع كون الامر بنفسه تعبديا في كل
مقام فان مرجع الشك في التعبدية حينئذ إلى الشك في إسقاط غير
المأمور به للمأمور به وقاعدة الاشتغال بل ظهور نفس الامر تقتضي
عدم السقوط الا بالاتيان بمتعلق الامر نفسه
قوله ومعه سكت في المقام ولم ينصب:
لكن لا بد من إحراز هذا السكوت في حصول الاستكشاف القطعي و
لا يكفي فيه عدم الظفر بالبيان كما يكفي ذلك في موضوع قاعدة
قبح العقاب بلا بيان بل وفي موضوع الحكم بالاطلاق فيما إذا كان
المتكلم في مقام البيان فإنه يكفي فيه عدم إحراز البيان كما سيأتي
بيانه في باب المطلق والمقيد من أن العقلا يبنون على عدم البيان
فيما إذا لم يظفروا به وهذا هو الأصل عندهم في مقام الشك
قوله ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الامر:
بل بعين هذا الملاك ينبغي القول بالاشتغال هناك أيضا كما سنبين
وجه ذلك
قوله كالوجه والتميز
لا مانع من اعتبار التميز قيدا في المأمور به والامتناع المتقدم تقريره
في اعتبار قصد القربة لا يجري فيه كما لا يخفى
قوله نعم يمكن ان يقال إن كلما:
الفرق بين هذا البيان المختص بما إذا كان المشكوك
109

اعتباره مما يغفل عنه غالبا والبيان المتقدم الذي موضوعه أعم من
ذلك هو ان لازم هذا البيان ان يكون المولى ملزما بكونه في مقام
البيان لان الاهمال عن اعتبار ما هو معتبر واقعا مع فرض الغفلة عنه
عادة وعدم الالتفات إليه الموجب لحكم العقل عنده بالاحتياط
نقض الغرض لان تحصيل غرضه انما يكون بأحد نحوين اما بيان ما هو
المحصل لغرضه أو بسكوته في مقام كان السكوت فيه موجبا
عقلا للاحتياط والفرض ان السكوت فيما يغفل عنه ليس كذلك
لفرض عدم الالتفات إليه الموجب ذلك لحكم العقل بالاحتياط
فينحصر
الطريق على تقدير دخل المشكوك في الغرض بالطريق الأول و
المفروض ان المولى لم يزد على الامر بالاتيان بالعمل فيستكشف من
ذلك ان الفعل هو تمام المحصل لغرضه ومن دخل المشكوك فيه في
حصوله (ثم) ان الظاهر من المصنف (قده) هو التفريق بين قصد
الامتثال وقصد الوجه والتميز بالغفلة عن اعتبار الأخيرين غالبا دون
الأول مع أنه يمكن دعوى حصول الغفلة للعامة عن الجميع وانهم
لا يلتفتون إلى اعتبار أمر ما وراء المأمور به فبالبيان الأخير يمكن
التمسك به لابطال قصد الامتثال أيضا فيما يشك في دخله (اللهم الا
ان يقال) ان هذا وإن كان كذلك في بدو الامر لكنه بعد التنبه على
اعتبار هذا القصد والتقرب في جملة من الموارد أعني بها العبادات
يلتفت إلى اعتبار هذا القصد في سائر
الموارد أيضا فللمولى ان يكتفى عن بيان الدخل بحكم العقل في مورد
الشك بالاحتياط بالاتيان بقصد التقرب
قوله فبدليل الرفع ولو كان أصلا يكشف:
دليل الرفع انما يرفع القابل للرفع أعني به الامر واما الدخل في
الغرض فاحتماله باق على حاله والعقل الحاكم بالاحتياط بإتيان كل ما
احتمل دخله في الغرض حاكم به في مطلق الأقل والأكثر من غير فرق
بين ما شمله دليل الرفع كرفع الامر بالأكثر في مورد الشك فيه و
ما لم يشمله (نعم) لو دل دليل اجتهادي في ذلك المقام على عدم
الامر بالأكثر واقعا كشف ذلك عن كون الامر متعلقا بالأقل وعن قيام
الغرض به إذ لو كان الغرض قائما بالأكثر لكان الامر متعلقا به حيث إنه
مما يمكن الامر به فلا يجب (ح) الاحتياط بإتيان الأكثر وأين
ذلك من حديث الرفع المسوق لرفع الحكم في مرتبة الظاهر من غير
تعرض للواقع
قوله فيه تقييد الوجوب وتضييق دائرته:
فالوجوب في الواجب الغيري يضيق بوجوب ذلك الغير فلا يجب
حيث لا يجب وفي التخييري بعدم إتيان الشئ الآخر الذي هو طرف
110

التخيير وفي الكفائي بعدم إتيان سائر من يحتمل كونه مكلفا بالفعل و
في مقابل كل ذلك الاطلاق والتوسعة في ما يقابلها من أقسام
الوجوب الثلاثة فإذا كان المتكلم الامر في مقام البيان من حيثية
كيفيات الوجوب حكم بالكيفيات الثلاثة المطلقة وان لم يكن في مقام
البيان فالمرجع هو الأصل وهو يوافق مقتضى الاطلاق إذا كان هناك
يقين بالوجوب في الجملة ثم شك في سقوطه لأجل سقوط ذلك
الواجب النفسي المحتمل كون ما علم وجوبه في الجملة مقدمة له و
واجبا بالوجوب الغيري أو لأجل الاتيان بما احتمل كونه بديلا له أو
لاتيان الغير بذلك الفعل مع احتمال كونه أحد المكلفين على سبيل
الكفاية (واما) إذا لم يكن هناك يقين بالوجوب لأجل عدم وجوب ما
يحتمل كون المشكوك مقدمة له وواجبا بوجوبه أو لأجل الاتيان بما
احتمل كونه بديلا له أو لأجل امتثال من احتمل كونه أحد من كلف
بهذا الخطاب فالأصل هو البراءة من التكليف
قوله فيما إذا وقع عقيب الحظر:
وكذلك إذا وقع عقيب الاستئذان ومثل الامر عقيب الحظر أو توهمه
النهي عقيب الامر أو توهمه (ثم) المراد من التوهم ما يعم التوهم
النوعي والتوهم من شخص المخاطب وينبغي تقييد محل البحث
بما إذا التفت الامر إلى خصوصية المقام من الاشتمال على الحظر أو
توهمه وكان غرضه من الامر قطعا أو احتمالا رفع الحظر أو توهمه و
شك في أن تمام غرضه هو ذلك أو انه أراد مع ذلك ما هو مدلول
صيغة الامر ولا تبعد دعوى ان ما هو المتيقن من ظهور الصيغة في
هذه المقامات هو رفع الحظر واما ان ذلك في ضمن جعل الإباحة أو
الالزام فلا دلالة لها على ذلك ولا سيما إذا فلنا بان دلالة الصيغة على
الالزام انما هي بمعونة مقدمات الحكمة
قوله ومع فرض التجريد عنها:
يكفي في حمل الصيغة على معناها الحقيقي عدم ثبوت صارفية
الكون عقيب الحظر عن المعنى الحقيقي بمقتضى أصالة الحقيقة ولا
وجه
للحكم بالاجمال في التردد بين المعنى الحقيقي والمجازي فان
المجاز لا يكون في عرض الحقيقة الا على مذهب من يرى أن المجاز
المشهور قد يبلغ في الاشتهار مرتبة يساوي احتماله الحقيقة ويحصل
من أجل ذلك الاجمال المحوج إلى تعيين كل من الحقيقة والمجاز
قوله لا يوجب كون النزاع هاهنا في الهيئة:
بل يوجبه البتة سوأ كان المصدر مادة لسائر المشتقات أو مشتقا في
عرضها اما على الأول فواضح واما على الأخير فلان المادة بلفظها
ومعناها يجب أن تكون محفوظة في طي تمام مشتقاتها فإذا لم تكن
خصوصية من
111

خصوصيات المعاني سيالة بل مختصة ببعض المشتقات دون بعض لا
جرم تكون الخصوصية مستفادة من هيئة ذلك البعض إذ لو كانت
مستفادة من المادة لزم أن تكون تلك الخصوصية سيالة وموجودة في
طي تمام المشتقات وعلى ذلك فالبحث عن دلالة الصيغة على
المرة أو التكرار مع الاتفاق على عدم دلالة المصدر على شئ منهما
يكون كاشفا عن أن هيئة الصيغة هي المتنازع في دلالتها على أحد
الامرين مع عدم دلالة مادتها على شئ منهما
قوله مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى:
بل وبحسب اللفظ فان المصدر بهيئته الخاصة غير مأخوذ في
المشتقات فلا يظن بأحد أن يقول بكون المصدر مبدأ لسائر المشتقات
ولا
يكون الفعل مبدأ لها فان المراد من المبدأ هي المادة اللفظية و
المعنوية السيالتين في جميع المشتقات على اختلافها بحيث تشترك
كل
منها في هاتين المادتين فالمادة هي الكلمة الجامعة السارية بين شتات
المشتقات لفظا ومعنى ومعلوم ان هذا ليس هو المصدر فإنه غير
سيال بلفظه في تمام المشتقات كما هو واضح ولا بمعناه فان المصدر
يزيد في المعنى على معنى اسم المصدر بأخذ النسبة إلى الفاعل
في مدلوله والمعنى السيال في معاني المشتقات هو معنى اسم
المصدر خاصة وهو الذي يعبر عنه بالفارسية بلفظ (كتك) في مادة
ضرب
فاذن النزاع المعروف في أن المصدر هو الأصل أو ان الأصل هو الفعل
لا بد من أن يصرف إلى معنى اخر معقول من حمل الأصل في
كلامهم على ما وضع أولا بالوضع الشخصي ثم بلحاظه وضع سائر
المشتقات نوعيا كما صنعه المصنف (قده) أو حمله على معنى اخر
قوله إن الذي وضع أولا بالوضع الشخصي:
المراد بالوضع الشخصي هو الوضع المتعلق باللفظ بمادته الخاصة
كالضرب والقتل والاكل إلى غير ذلك كما أن المراد بالوضع النوعي
هو الوضع المتعلق بالهيئة الكلية من غير تقيد بمادة خاصة كهيئة فاعل
ومفعول من أية مادة كانت (ثم) ان الوضع الشخصي لمادة خاصة
ولو كان ذلك في ضمن صيغة خاصة من مشتقاته مما لا بد منه في
تيسر الوضع النوعي لباقي الصيغ منها وذلك أنه لولا اشتمال المادة
على المعنى ولو في ضمن هيئة من الهيئات لا يعقل وضع باقي
الهيئات لتطور خاص من تطورات ذلك المعنى ضرورة ان المادة
اللفظية
السيالة الخالية عن كل الهيئات لا يعقل تعلق الوضع بها فلا بد من أن
يكون وضعها في طي هيئة من هيئاتها البتة لكن مفاد تلك الهيئة
يزيد على مفاد أصل المادة أعني به ما يقع بإزاء نفس المادة
112

من ذلك المعنى الموضوع له بعد التوزيع والتقسيط فمفاد نفس المادة
يكون هو المعنى السيال في طي معاني المشتقات كسيلان لفظها
في ألفاظها
قوله ثم إن المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات:
ينبغي ان يكون المراد من الفرد والافراد هو الفرد والافراد من الفعل
المأمور به لا الفرد والافراد من متعلق الفعل المأمور به ليقال في
مثل أعتق رقبة ان المأمور به هل هو عتق عبد واحد أو عتق عبيد
متعددين وفي مثل الامر بإكرام العلماء ان المأمور به هل هو إكرام
عالم واحد أو علماء متعددين (والوجه) في ذلك هو ان إرادة الوحدة
والتعدد من متعلق المأمور به أمر خارج عن عهدة الصيغة فان
مفادها لا يزيد على طلب الفعل ولا تعرض لها لبيان كيفية إرادة متعلق
هذا الفعل (ثم) ان امتياز الفرد والافراد عن الدفعة والدفعات
انما يكون في الافعال القابلة للتعدد في آن واحد كالاكرام المتعلق به
الامر فيقال هل تدل الصيغة على وجوب إيجاد إكرامين أو أزيد و
لو كان ذلك في دفعة واحدة وذلك كالقيام والسلام في آن واحد أو
على وجوب إيجاد إكرام واحد أو انها لا تدل على شئ من ذلك و
انما تدل على مجرد طلب المادة كما أنه على الاحتمال الاخر يبحث
عن اقتضائها إيجاد المأمور به دفعة واحدة ولو كان ذلك بفردين
منه أو أزيد كعتق عبدين أو عبيد دفعة واحدة أو لايجاده دفعات أو
عدم اقتضائها لشئ منهما ولا يخفى ان الايجاد دفعات يلازم
الاتيان بأكثر من فرد واحد بخلاف إيجاد افراد متعددة فإنه يجتمع مع
كل من الايجاد دفعة والايجاد دفعات (ثم) انه لا يظن بأحد ان
يلتزم بدلالة الصيغة على
وجوب الاتيان بالمأمور به دفعات ليكون لخصوصية الايجاد في
الأزمنة المتعددة دخل في المطلوب فيعلم من ذلك ان محل الخلاف
انما
هو الفرد والافراد ولعل مراد المصنف (قده) من قوله والتحقيق ان
يقعا بكلا المعنيين محل النزاع، هو لياقة كل من المعنيين للبحث عنه
لا ان البحث واقع عنهما فعلا وإلا ناقض ذلك استظهاره للمعنى الأول
من العنوان مع أنه لا جامع بين المعنيين ليراد ذلك من العنوان
قوله فاسد لعدم العلقة بينهما:
والتحقيق ان البحث في هذه المسألة مبنى على القول بتعلق الامر
بالافراد في تلك المسألة فإنه على القول بتعلق الامر بالطبائع كما هو
الصحيح لا يبقى مجال للبحث عن المرة والتكرار بكلا معنييه (و
توضيح ذلك) ان الماهية من حيث هي وان لم يعقل تعلق الامر بها و
انما
المعقول تعلق الطلب بوجودها وعدمها حتى على مذهب من يقول
بتعلق الطلب بالطبائع
113

الوجود المتعلق للطلب على هذا المذهب هو صرف وجود الطبيعة
أعني به الوجود السعي بإلغاء جميع خصوصيات الطبيعة ومن
المعلوم
ان هذا الوجود لا يعقل فيه فرد وافراد ولا دفعة ودفعات وانما
يحدث ذلك من دخل الخصوصيات المنتزعة من مراتب الوجود و
أنحائه
فهناك يتولد افراد ويكون دفعات وما لم يلحظ هذه الخصوصيات كما
يقوله القائل بتعلق الطلب بالطبائع لم يكن معنى للقول بالفرد و
الافراد أو الدفعة والدفعات فان الدفعات أيضا هي الكثرات الطولية
التي تكون في هذا الوجود بإضافته إلى أجزأ الزمان كما أن الدفعة
هو الوجود الملحوظ كونه جزا واحدا من الزمان فلو لا لحاظ أجزأ
الزمان وكون الوجود في جز واحد منه أو في أجزأ متعددة لما
كان لفرض الدفعة أو الدفعات معنى (وبالجملة) صرف الوجود الذي
هو متعلق الطلب على هذا المذهب لا وحدة فيه ولا تعدد ولا دفعة
فيه ولا دفعات فلا يفرض القول بكل من هذه الأقوال الأربعة الا بعد
القول بتعلق الا وامر بالافراد لكن ذلك كله إذا أريد بالمرة و
التكرار مصداق المرة والتكرار واما إذا أريد مفهومهما لم يخرج كل
الأقوال عن القول بتعلق الا وامر بالطبائع فيكون البحث في
الحقيقة في تعيين الطبيعة التي تعلق بها الامر وانها هل هي الطبيعة
المطلقة أو الطبيعة المقيدة بقيد المرة أو التكرار فان الطبيعة المقيدة
طبيعة أخرى غير
الطبيعة المطلقة
قوله وانه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانيا:
بل كان الاتيان به ثانيا مخلا بالامتثال إن كان مراد القائل بالمرة هو
الاتيان بالمأمور به مرة بشرط لا فلا يجوز ضم فرد اخر إلى
الفرد الأول وإتيانهما دفعة بناء على أن المراد من المرة والتكرار هو
الفرد والافراد ولا تعقيبه بفرد اخر إن كان المراد منهما الدفعة
والدفعات (نعم) إن كان مراد القائل بالمرة هو ذات المرة لا بشرط
بحيث لا يتصف بالوجوب الا الفرد الأول من الطبيعة وان فرض
الاتيان بغيره من الافراد أيضا لم تضر حينئذ الضميمة لكن يشكل ح
تعيين شئ من الافراد المأتي بها دفعة للامتثال والاتصاف
بالوجوب فان ذلك بلا مرجح واللازم من ذلك عدم اتصاف شئ
منها بالوجوب وبقاء الامر على حاله وذلك باطل قطعا
قوله واما على المختار:
قد عرفت عدم الفرق بين المختار والقول بالمرة فيما إذا أريد بلفظ
المرة طبيعة المرة دون مصداقها فان حصول الامتثال بالمرة
الأولى على كلا القولين يكون بملاك انطباق الطبيعة المأمور بها على
المأتي به (نعم) يفترقان في عدم انطباق الطبيعة المقيدة
114

بالمرة على الفردين أو أزيد منها لو أتى بهما دفعة فلا يحصل بهما
الامتثال على هذا القول دون القول المختار
قوله فالمرجع هو الأصل:
وانما يحتاج إلى الرجوع إلى الأصل عند احتمال التكرار والا فعند
دوران الامر بين المرة والطبيعة يكون حصول الامتثال بالمرة
الأولى وسقوط الامر به قطعيا (ثم) انه لا شك في أن الأصل في
المسألة هو البراءة بناء على أن يكون القائل بالتكرار قائلا بتعدد الأوامر
وان كلا منها متعلق بفرد (واما) إذا كان قائلا بتعلق أمر واحد بمجموع
الافراد على أن يكون كل واحد من الافراد جز المأمور به فهل
الأصل فيه هو البراءة بناء على جريان البراءة عند الشك في الاجزاء و
الشرائط أو ان الأصل هو الاحتياط لان ذات الطبيعة جز تحليلي
من الفرد لا جز خارجي وفي مثله لا ينحل العلم الاجمالي كما إذا
علم بتعلق الامر بكلى الاكرام أو بإكرام خاص وما نحن فيه من هذا
القبيل للعلم إجمالا بتعلق الامر اما بالطبيعة أو بافراد من تلك الطبيعة
واللازم هو الاحتياط بإتيان الافراد فان الظاهر أن العرف يعد
تعلق الامر بالطبيعة عين تعلقه بفرد واحد فيكون وجوب فرد واحد
في المقام معلوما بالتفصيل وانما الشك في الوجوب الزائد والأصل
في مثله هو البراءة بناء على جريانها في الاجزاء والشرائط
قوله لا جواز الاتيان بها مرة أو مرآة:
بل جواز الاتيان بها مرة أو مرات وحصول الامتثال بالمرة الأولى و
سقوط الامر به موقوف على عدم إلحاقها بمرة أخرى وهكذا وإلا
حصل الامتثال بالمجموع فان التخيير بين الأقل والأكثر إذا كان معقولا
كما سيأتي اختياره من المصنف (قده) في مبحث الواجب
التخييري كان معقولا في المقام أيضا فالامر بطبيعة مطلقة من جهة
الاتيان بها مرة أو مرات يقتضى حصول امتثالها في الخارج فيما إذا
أتى بها مرة أو مرات فان للطبيعة نحو وجود في المرات كما أن لها نحو
وجود اخر في المرة الواحدة وحينئذ كان العقل حاكما
بالتخيير بين المرة والمرات وتحصيل الطبيعة بأحد أنحاء وجوداتها
كما أن الشرع حاكم بالتخيير في مسألة التخيير بين الأقل و
الأكثر هذا في التوصليات و (اما) الواجبات العبادية فالامر فيها أوضح
فان المكلف إذا قصد من أول الأمر امتثال الامر المتعلق بالطبيعة
بالاتيان بفردين أو افراد من تلك الطبيعة كيف يمكن ان يقع امتثاله به
بالفرد الأول والحال انه لم يقصد الامتثال به الا في ضمن
المجموع
قوله واما إذا لم يكن الامتثال:
سيأتي فساد ما أفاده (قده) وانه على تقدير الصحة
115

يجوز الامتثال بمجموع المأتي به أولا وآخرا كما أنه يجوز تبديل
الامتثال الأول بالامتثال الاخر
مبحث الفور والتراخي
قوله الحق انه لأدلة للصيغة:
هذا بحسب الوضع الأولى واما بحسب الاستعمالات الشائعة العرفية
فلا يبعد دعوى الظهور الثانوي في إرادة الفور العرفي المختلف
ذلك بحسب اختلاف الافعال المأمور بها ولذا لا يتأمل أحد في ذم من
يسوف في امتثال أمر مولاه ويؤخره من حين إلى حين ولا يسمع
منه الاعتذار بان الامر لطلب الطبيعة لا للفور وهذا واضح لمن راجع
الأوامر العرفية ولو لم تكن مقرونة بقرينة شخصية تدل على إرادة
الفور ولعل هذا الظهور الثانوي ناشئ من اقتران أوامر الموالي غالبا
بالحاجة الفعلية (ثم) انه مع الغض عن الظهور المزبور لا يبعد
دعوى حكم العقل بوجوب المبادرة مع احتمال طرو الاضطرار في
الان الثاني فيكون تركه للمبادرة تركا للامتثال مع القدرة والتمكن
قوله ضرورة ان تركهما لو كان:
لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن فان مجرد كون التحذير أنسب
لا يكون دليلا على عدم وجوب المسارعة والاستباق بعد ظهور
الامر في نفسه في الوجوب ولو تم ذلك لجرى نظيره في سائر
الواجبات والمحرمات المقتصر في بيانها على البعث والزجر من غير
ضم وعيد على الترك (فالصواب) في وجه عدم دلالة الآيتين على
الالزام ان يقال إن مادتي المسارعة والاستباق بأنفسهما تقتضيان
سعة المغفرة والخير بحيث لو لم يسارع كان الفعل أيضا مغفرة وخيرا
وإلا لم يكن الاتيان في الان الأول مسارعة إلى المغفرة و
استباقا إلى الخيرات (نعم) ان هذا البيان لا يبطل قول من يقول
باتصاف الفعل بالمطلوبية في الزمان الثاني أيضا لو لم يبادر إليه في
الان الأول لاحتمال ان يكون الفعل المطلق مغفرة وخيرا والمسارعة
إليه مغفرة وخيرا آخر فحفظ ظهور الصيغتين بمادتهما وهيئتهما
يقتضى وجوب المسارعة والاستباق على هذا النحو أعني به تعدد
المطلوب وكماله فيكون أصل الفعل واجبا في الزمان الثاني لو خالف
وعصى بترك المسارعة والاستباق في الزمان الأول وهل يجب
المبادرة في الزمان الثاني بعد فوات الزمان الأول لان الفعل إذا كان
مغفرة وخيرا في الزمان الثاني شمله عموم الآيتين الامرتين بالمسارعة
والاستباق وهكذا في الزمان الثالث والرابع أم لا فيه وجهان
من
116

ان الفعل خير واحد ومغفرة واحدة والمسارعة إليه انما يكون بإتيانه
في الزمان الأول والاتيان به بعد ذلك خارج عن عنوان
المسارعة والاستباق وإلا لم يجب الاتيان به في الزمان الأول
بالخصوص بل جاز الاتيان به في باقي الأزمنة ومن أن المسارعة و
الاستباق عنوانان إضافيان فالاتيان بالمأمور به في الزمان الثاني
مسارعة بالنسبة إلى الاتيان به في الزمان الثالث وإن كان ذلك من
التواني بالنسبة إلى الاتيان به في الزمان الأول (والحق هو الأول) وان
التكليف الواحد لا يكون فيه إلا مسارعة واحدة أعني بها الاتيان
بمتعلقه في الزمان الأول واما الاتيان به بعد ذلك فهو من التواني لا
المسارعة (ودعوى) كونه أيضا من المسارعة بالإضافة (مدفوعة)
بأنها خارجة عن مدلول الآية وذلك لظهورها في المسارعة بقول
مطلق لا المسارعة بالإضافة فإذا لا دلالة للآيتين الا على وجوب
المسارعة في الزمان الأول (نعم) يجب الفعل في باقي الأزمنة بعموم
دليل التكليف الأول المتعلق بنفس العمل وباقتضاء لفظي المسارعة
والاستباق في الآيتين على ما عرفت هذا تمام الكلام في اقتضاء
الآيتين بالنسبة إلى الأزمنة المتتالية (واما) اقتضاء نفس الصيغة لو قيل
بإفادتها الفور فسيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له
قوله ولا يبعد دعوى استقلال العقل:
لا وجه لدعوى استقلال العقل بحسن المسارعة في فرض تساوى
افراد المأمور به في الوفاء بغرض المولى كما هو قضية تعلق الامر
بالطبيعة المطلقة مع القطع بالتمكن من الامتثال في فرض عدم
المبادرة (نعم) لا يبعد إلزام العقل بذلك في فرض الشك لئلا يلزم
مخالفة التكليف مع التمكن من الامتثال
قوله (تتمة) بناء على القول بالفور:
هاهنا مسألتان (إحداهما) انه هل قضية الامر هو وجوب الفعل في
الزمان الثاني بعد فوته في الزمان الأول أو ان مدلوله لا يتجاوز عن
وجوب إتيان الفعل في الزمان الأول وجوبا واحدا متعلقا بأمر واحد
بسيط وهذه المسألة مبتنية على استفادة وحدة المطلوب وتعدده
(وثانيتهما) انه بعد الفراغ عن تعدد المطلوب ودلالة الامر على أصل
الوجوب في الزمان الثاني هل يجب الاتيان بالمأمور به عند عدم
الاتيان به في الزمان الأول فورا ففورا أو انه لا يجب الفور الا في الزمان
الأول (ومن ذلك يظهر) ان المسألة الثانية متفرعة على القول
بتعدد المطلوب لا على النزاع في استفادة تعدد المطلوب ووحدته
من الامر كما هو ظاهر كلام المصنف (قده) ولعل كلامه مفروض في
نفس عنوان
117

الفور فيكون مراده من وحدة المطلوب وتعدده وحدة الفور المطلوب
وتعدده فعلى القول بالتعدد يجب الاتيان بالواجب فورا ففورا و
عليه يكون الامر الواحد منحلا إلى إلى أوامر متكثرة أعني بها الامر
بنفس الفعل والامر بإيجاده فورا في الزمان الأول والامر بإيجاد
فورا في الزمان الثاني لو فاته الاتيان بالواجب قبله وهكذا إلى آخر
زمان التكليف
قوله لما كان لها دلالة:
بل كان لها دلالة على نحو وحدة المطلوب فان وجوب الفور على
تقدير استفادته من الامر فإنما هو على نحو القيدية للمطلوب أعني به
المادة المتعلق بها الطلب.
مبحث الاجزاء
قوله مع أنه يلزم خروج التعبديات:
لا يخفى ان احترازية قيد على وجهه انما يتم على مذهب المصنف
(قده) في كيفية اعتبار قصد القربة في العبادات وانه بحكم من العقل
لأجل تحصيل الغرض لا لدخله في المأمور به فيقصد به الوجه العقلي
أعني به قصد القربة واما بناء على المختار تبعا للمشهور من اعتباره
في المأمور به شرعا يكون القيد لا محالة توضيحيا لان كل ما كان
داخلا في المأمور به يشمله كلمة المأمور به وكل ما كان خارجا لا
يجب لا شرعا ولا عقلا فاحترازيته على مذهبه (قده) لا يستدعى
بوجه احترازيته في كلام من عداه ممن يرى اعتباره في المأمور به
شرعا
قوله الاقتضاء بنحو العلية والتأثير:
اقتضاء الشئ لشئ هو اتخاذه له وتعيينه في جهة من الجهات وهذا
هو المراد منه في جميع موارد إطلاقه كما في لفظ القاضي وقضاء
الله والاحكام الاقتضائية وفي قولنا اللفظ يقتضى المعنى الكذائي أو
النار تقتضي الحرارة فان المادة في جميع ذلك انما استعملت في
هذا المعنى فليس التأثير ولا الدلالة الا جزئيا من جزئيات المعنى
الذي ذكرناه لا معاني مستقلة للفظ فاقتضاء اللفظ هو تعيينه المعنى في
مقام الإفادة واقتضاء العلة لمعلوله هو تعيينه للمعلول في مقام
الايجاد وعليه فالاقتضاء في العنوان هو بمعنى الاقتضاء في سائر
العناوين (هذا) مع أن الاقتضاء بمعنى التأثير لا مناسبة له مع المقام لان
الاتيان بالمأمور به ليس علة لسقوط الامر بل الامر علة للاتيان و
هو ينفد بحصول متعلقه
قوله فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما:
النزاع في أجزأ الاتيان بكل مأمور به عن امره لا بد من أن يؤل
118

إلى النزاع في دلالة دليل الامر أيضا بان يقال إن الامر بطبيعة هل يدل
على طلبها ومحبوبيتها بسيلانها بحيث أينما وجدت كانت
مطلوبة ومحبوبة كما في الأشياء الخارجية التي تميل النفس إليها أو
انه يدل على محبوبيتها في الجملة بحيث لا يتصف بالمحبوبية الا
أول وجود منها وذلك لأنه بعد تحديد المطلوب وتعينه بأحد
الوجهين لا يعقل البحث فيه كبرويا بان يقع النزاع في أن العقل هل
يوجب
امتثالا واحدا للامر المتعلق بالطبيعة أو امتثالات متعددة فان وجوب
الامتثالات المتعددة فرع تعدد الطلب ولا يعقل مع ذلك وحدته إذا
الامر الواحد لا يستدعى في حكم العقل امتثالات متعددة بالضرورة
(ومما ذكرنا يظهر) ان البحث في أجزأ الاتيان بالمأمور به الواقعي
عن امره أيضا أمر معقول ولكن النزاع فيه يكون صغرويا كما في غيره
قوله غايته ان العمدة في سبب الاختلاف فيهما:
كما يمكن ان يكون سبب الاختلاف في المقام هو الخلاف في دلالة
دليلي الحكم الظاهري والاضطراري كذلك يمكن ان يكون سبب
الاختلاف هو الخلاف في إطلاق دليل الحكم الواقعي بالنسبة إلى
حال الاتيان بالبدل الاضطراري أو المأمور به الظاهري وعدمه فمع
أحد الامرين أعني بهما استفادة البدلية المطلقة من دليلها أو عدم
الاطلاق في دليل الحكم الواقعي كان الحكم هو الاجزاء ويتوقف
الحكم
بعدم الاجزاء على عدم الحكمين جميعا
قوله بخلافه في الاجزاء بالإضافة إلى امره:
قد عرفت ان النزاع المعقول في محل البحث صغروي في كلا
المقامين ولو أمكن البحث الكبروي في أجزأ الاتيان بكل مأمور به
عن
امره لجرى ذلك في اجزائه عن أمر اخر أيضا ففي موارد الأوامر
الظاهرية أو الاضطرارية يقع البحث أولا في الاجزاء من جهة النزاع في
استفادة البدلية المطلقة وعدمها وهذا النزاع يكون صغرويا ثم بعد
الفراغ عن استفادة البدلية المطلقة يبحث عن أجزأ البدل المطلق
المشتمل على مصلحة المبدل منه عن الاتيان بنفس المبدل منه و
إسقاطه لامره وعدمه كما كان يبحث في إسقاط الاتيان بالمبدل منه
عن أمر نفسه وعدمه بل هذا البحث في البدل أقرب إلى المعقولية من
البحث في نفس المبدل منه وهذا النزاع كبروي لا محالة
قوله فيسقط به القضاء:
المراد من القضاء مطلق التدارك للمزية الفائتة في البدل ويطلق في
غير مقام لخصوص تدارك ما فات في الوقت في خارجه
قوله الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة:
بيان الفرق بين المسألتين انما يحتاج إليه فيما إذا كان البحث في هذه
المسألة عن أجزأ الاتيان بكل مأمور به عن امره واما إذا كان
119

عن أجزأ الاتيان بالمأمور به الظاهري أو الاضطراري عن المأمور به
الواقعي فالفرق بين المسألتين في غاية الوضوح بل لا اشتراك
بينهما أصلا
قوله فان البحث هاهنا في أن الاتيان:
يعنى بذلك ان البحث في مسألة المرة والتكرار انما هو في أن الاتيان
بما تعين كونه مأمورا به بحسب ظاهر دليله سوأ كان ذلك نفس
الطبيعة أو المرة أو التكرار هل يجزى فلا يحكم إلا بوجوب امتثال
واحد أو لا يجزى فيحكم العقل بوجوب امتثالات متعددة لأمر واحد
بحيث لا يسقط الامر بامتثاله مرة واحدة الا انك قد عرفت فيما تقدم
عدم معقولية هذا البحث وان البحث لا بد من كونه صغرويا ولو
كان ذلك في أجزأ الاتيان بكل مأمور به عن امره فيبحث في أن
المستفاد من دليل الطلب هل هو مطلوبية الطبيعة ومحبوبيتها على
سيلانها وسريانها أو مطلوبيتها ومحبوبيتها في الجملة وعليه فالفرق
بين هذا البحث والبحث المتقدم أعني به مسألة المرة والتكرار
هو ان هذا البحث مفروض بعد فرض تعلق الامر بالطبيعة وخروج
التقييد بالمرة أو التكرار عن حيزه فيبحث عن أن المطلوب هو
الطبيعة السيالة والسارية في طي تمام افرادها والطبيعة في الجملة
فمن ذهب إلى أن المطلوب هو الطبيعة السيالة لا بد له من القول
بعدم الاجزاء وعدم حصول الامتثال بالاتيان بفرد واحد كما لا يحصل
امتثال النهي بترك فرد واحد واما من ذهب إلى إلى أن المطلوب
هو الطبيعة في الجملة فهو يختار القول بالاجزاء وسقوط الامر
بالاتيان بفرد واحد (وبالجملة) القول بعدم الاجزاء انما يتفرع على
القول بكون الطبيعة المأمور بها ملحوظة على وجه السيلان و
السريان واما إذا كان الامر متعلقا بنفس الطبيعة من غير لحاظ السريان
فيها فالاتيان بفرد واحد منها يجزى عن الامر قطعا (فتحصل)
ان القول بعدم الاجزاء والقول بالتكرار وان كانا يشتركان في
استلزامهما عدم كفاية الاتيان بفرد واحد من الطبيعة في مقام الامتثال
الا انهما بملاكين متغايرين فان عدم الكفاية على القول بعدم الاجزاء
انما هو من جهة عدم حصول الطبيعة السارية في الخارج وان لم
يكن شئ من خصوصيات الافراد دخيلة في المطلوب واما عدم
الكفاية على القول بالتكرار فإنما هو لأجل عدم حصول تمام المأمور
به
المأخوذ فيه خصوصية الافراد في الخارج فالفرق بين المسألتين في
غاية الوضوح (ثم) لا بأس بتحقيق الحال في المقام وبيان ان متعلق الأمر
هل هو الطبيعة السارية كما هو الحال في متعلق النهي
120

أو انه نفس الطبيعة من دون لحاظ السريان فيها (فنقول) الحق هو
الأخير وتوضيحه على وجه يظهر به الفرق بين الأمر والنهي في
اقتضائهما هو ان الطبيعة بذاتها ومن حيث نفسها لا يعقل فيها إطلاق و
لا تقييد ولا أهمل وانما هذه اعتبارات تلحقها عند ملاحظتها مع
الافراد ومقايستها مع الخصوصيات اللاحقة لها فإنها (اما) ان تعتبر
سارية في افرادها فهي مطلقة أو في بعضها دون بعض فهي مقيدة
ان عين ذلك البعض والا فهي مهملة فالطبيعة لا إهمال لها في نفسها
كمالا إطلاق لها ولا تقييد وانما الاهمال للقيد وتوصيف الطبيعة به
توصيف لها بحال المتعلق فالطبيعة انما تكون مهملة بإهمال قيدها و
عدم ذكره وهذا معنى إهمال بعض الآيات القرآنية فان الاهمال
فيها انما هو بمعنى تقيدها في نفس الامر بقيود لم تذكر فيها (و
بالجملة) كل طبيعة متعينة في ذاتها في قبال غيرها من الطبائع ولا
مانع من وقوعها كذلك تحت الطلب بان يلاحظ محض وجودها عاريا
من كل قيد وخصوصية ويطلب من المكلف وحيث إن هذه
الطبيعة في ذاتها سيالة وقابلة الصدق على كثيرين فلا جرم يتحقق في
الخارج بتحقق وجود واحد من وجوداتها فيسقط بذلك الامر
المتعلق بها ويترتب على تحقق الطبيعة بتحقق فرد واحد منها ان
انعدام الطبيعة انما يكون بانعدام جميع افرادها ولازم ذلك ان يكون
الامتثال في جانب النهي بترك جميع الافراد كما أن
الامتثال في جانب الامر يكون بإتيان فرد واحد منها فالفرق بين الامر و
النهي انما هو من ناحية نفس الأمر والنهي مع اتحاد المتعلق
لهما أعني به الطبيعة الساذجة المأخوذة لا بشرط عن كل خصوصية
فقياس الامر على النهي في الاقتضاء في غير محله
قوله نعم كان التكرار عملا موافقا:
إن كان المراد من التكرار هو التكرار ما دام العمر استلزم ذلك القول
بالاجزاء إذ لا يعقل ح عدم الاجزاء الا بالوصية بالاتيان بعد الموت
قوله وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية:
لا تشترك المسألتان في جهة كي نحتاج إلى بيان الفارق وما به يمتاز
إحداهما عن الأخرى فان البحث في هذه المسألة عن اقتضاء
الاتيان بالمأمور به أو بدله الاضطراري أو الظاهري لسقوط الامر (واما)
البحث في تلك المسألة فهو بحث عن اقتضاء خروج الوقت في
فرض عدم الاتيان بالمأمور به لسقوط امره فسؤال الفرق بين المسألتين
كسؤال الفرق بين هذه المسألة ومسألة الاستصحاب وأصالة
البراءة وغيرهما.
قوله لاستقلال العقل بأنه لا مجال:
لا يخفى ان ما أفاده (قده) انما يتم بعد الفراغ عما
121

ذكرناه من أن الطبيعة بنفسها ومن دون لحاظها سارية تكون متعلقة
للامر وواقعة في حيز الطلب فإنه على ذلك يستقل العقل بالاجزاء
إذ من الواضح ان العقل بعد تحقق ما هو المطلوب من القرن إلى القدم
لا يحكم ببقاء الامر ليتصور هناك امتثال ثان وهل فرق بين ذلك
وبين حصول ما اراده الشخص بالمباشرة وفعله فهل بعد تحقق ما
إرادة تبقى منه إرادة ليؤثر في المراد ثانيا بل لو كانت هناك إرادة
كانت إرادة أخرى مثل الإرادة الأولى لا عينها (واما) مع قطع النظر عما
ذكرناه فلا استقلال للعقل بعدم بقاء المجال للامتثال الثاني
فان الطبيعة المأمور بها إذا كانت سارية أمكن امتثال الامر بها بكل فرد
من افرادها فكما ان الفرد الأول منها يتصف بكونه مأمورا به
كذلك الفرد الثاني يتصف به أيضا
قوله نعم لا يبعد ان يقال بأنه يكون للعبد:
لا وجه لذلك فان الاتيان بمتعلق الامر لا محيص من أن يكون محصلا
للغرض ومسقطا للامر ومع سقوط الامر لا يبقى موقع للامتثال (و
اما) الغرض الأقصى المتوقف حصوله على إعمال عمل من قبل
المولى كرفع كأس الماء وشربه في مثال الامر بإتيان الماء فذلك مما
لم
يؤمر العبد بتحصيله ولم يتعلق غرض المولى به وربما يكون تحصيله
من العبد مبغوضا للمولى (وبالجملة) الغرض الأقصى ليس بنفسه
داعيا إلى أمر المولى بإتيان الماء والا لأمر به في فرض تمكنه من
شرب الماء الموجود عنده أيضا بل الداعي هو ذلك الغرض في ظرف
عدم تمكنه من شرب الماء فإذا حصل التمكن بإتيان العبد الماء سقط
الغرض عن الدعوة وكان حال العبد ومولاه ح كما إذا كان الماء
حاضرا عنده من أول الأمر (نعم) لو أريق الماء المأتي به قبل حصول
الغرض الأقصى حدث هناك أمر آخر بعين الملاك الذي كان داعيا
إلى الأمر الأول ويلزم الاتيان بماء اخر (ثم) لو فرض بقاء الامر وعدم
سقوطه بالامتثال الأول تعين عليه امتثال آخر إذ لا يعقل بقاء
الامر الايجابي وعدم لزوم امتثاله ليجوز تبديل امتثاله بامتثال آخر و
عدم تبديله به (وأيضا) لو كان الامر باقيا اقتضى ذلك جواز
ضم فرد آخر إلى الفرد الأول على أن يكون الامتثال بالطبيعة الكائنة
في ضمن مجموع الفردين كما كان للمكلف هذا الضم ابتدأ وقبل
الاتيان بشي فيأتي
بفردين أو أزيد دفعة واحدة على أن يكون الامتثال بالمجموع فلا وجه
لسقوط الفرد الأول عن درجة الاعتبار وحصول الامتثال
بالفرد الثاني الذي هو معنى التبديل فتحصل ان الاتيان بالفرد الأول ان
لم يوجب سقوط الامر ترتب عليه جميع الآثار المترتبة على
وجود
122

الامر ولم يكن حال ما بعد الاتيان مغايرة لحال ما قبله فكما يجوز
للمكلف قبل الاتيان بشي الاتيان بكل فرد من افراد الطبيعة مستقلا
ومنضما إلى غيره كذلك يجوز له ذلك بعد الاتيان أيضا فلا وجه
للتفكيك والالتزام بجواز التبديل وعدم جواز الضم.
قوله ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات:
لعل الوجه فيما إفادته الروايات هو كون الفرادى المأمور به هو الفرادى
بشرط لا أي بشرط عدم لحوق الجماعة فمع اللحوق يكون
الفرادى باطلا ويقع الامتثال بالجماعة ويكون المراد من قوله عليه
السلام ان الله يختار أحبهما إليه، الكناية عن اختيار الجماعة ولا
ينافي ما ذكرناه التعبير بالأحبية فإنه بلحاظ الفرادى في غير هذا الحال
لا الفرادى في هذا الحال الذي لا محبوبية لها أصلا
قوله تحقيق الكلام فيه يستدعى التكلم فيه تارة:
تحقيق المقام لا يستدعى التكلم في الجهات الواقعية التي توهم
انحصار الامر فيها فان مسألة الاجزاء لا تبتنى على تبعية الاحكام
للمصالح
والمفاسد في المتعلق بل يجري البحث ولو لم نقل بالتبعية كذلك كما
هو مذهبه (ثم) على فرض التبعية كذلك لا موجب لكون مصلحة
الامر الاضطراري من سنخ مصلحة الامر الاختياري لينحصر الامر في
الأقسام الأربعة التي ذكرها فلعلها مصلحة أخرى حدثت
بالاضطرار كما صرح المصنف (قده) بذلك في آخر المقام الثاني أعني
في الامارة على الاحكام بناء على السببية (نعم) مع العلم باشتمال
الامر الاضطراري على المصلحة وكان ذلك من سنخ مصلحة الامر
الاختياري تنحصر الصور المتصورة في الأربع التي ذكرها أعني
الاشتمال على تمام المصلحة أو باستثناء مقدار غير ملزم أو باستثناء
مقدار ملزم مع عدم التمكن من تدارك الفائت بالاتيان بالواقع بعد
رفع الاضطرار أو مع التمكن منه والحكم في غير الصورة الأخيرة هو
الاجزاء (نعم) يستحب الإعادة في صورة فوت مقدار غير ملزم ان
فرض التمكن من استيفائه (وهناك قسم آخر) وهو ان يكون الامر
الاضطراري وافيا بمصلحة الامر الاختياري بحيث لا يفوت مقدار
ملزم لكن بشرط عدم ارتفاع الاضطرار اما إذا ارتفع فلا وحكم هذه
الصورة حكم عدم الوفاء مطلقا كما لا يخفى (واما) حكم
كل من الصور من حيث تسويغ البدار فذلك أجنبي عما هو المهم في
المقام وقد تعرض له المصنف (قده) تطفلا واستطرادا
قوله ولا يكاد يسوغ له البدار:
هذا إذا كان وجه عدم الامكان استيفاء مقدار منه بإتيان المأمور به
بالامر الاضطراري (واما) إذا كان
123

وجه عدم الامكان مجرد حدوث الاضطرار سوأ أتى بشي أو لم يأت
فلا إشكال في تسويغ البدار (ثم) ان ما ذكره من عدم تسويغ
البدار مبنى على استحبابية مصلحة البدار فحينئذ لو كانت الفائتة أيضا
استحبابية ساغ البدار سوأ تساوت المصلحتان بحسب المرتبة
أو اختلفتا (نعم) مع الاختلاف يكون ذي المرتبة الشديدة أفضل فردي
الواجب (ومن ذلك يظهر الحال) فيما إذا كان الفائت مصلحة
وجوبية فإنه لا يسوغ البدار بل لا يسوغ مطلق الفعل ولو بشرط الانتظار
الا مع وجود ما يوازي الفائت أو ينقص عنه بمقدار غير ملزم
(وبالجملة) اللازم ان لا يكون الامرة مفوتا لجنس المصلحة الملزمة (و
اما) تفويت شخصها مع التدارك بشخص اخر (فهو) غير ضار (و
من ذلك يظهر) ان البدار والانتظار ليس لهما خصوصية والضابط ما
ذكرناه أعني عدم استناد فوت جنس المصلحة الملزمة إلى الامر
بالفعل الاضطراري ولو على سبيل التخيير فمع الاستناد يبطل الامر
كان بالبدار أو بغير البدار ومع عدم الاستناد يصح كان بالبدار
أو بالانتظار.
قوله غاية الأمر يتخير في الصورة الأولى:
لا يعقل التخيير بين عملين وواحد من ذينك العملين فان مثال ذلك
إلى لزوم الاتيان بذلك الواحد عينا واستحباب الزائد على ذلك
(نعم) إذا اعتبر مجموع العملين واحدا ووجه إليه أمر واحد أمكن
التخيير المزبور بناء على معقولية التخيير بين الأقل والأكثر (لكن)
ذلك خلاف مفروض المقام من توجه تكليف مستقل إلى المأمور به
بالامر الاضطراري بحيث لو أتى به حصل امتثاله وان لم يأت بالفعل
الاختياري بعد رفع الاضطرار وان عدم إتيانه بذلك لا يؤثر الا في
حصول معصية امره دون أمر الفعل الاضطراري (ومن ذلك يظهر) ان
خاصة صورة عدم الاجزاء هو الامر الاستحبابي بالفعل الاضطراري
لمن يتفق له رفع الاضطرار في الوقت فالامر الايجابي يلازم إحدى
تلك الصور الثلاث الاخر الذي حكم جميعها هو الاجزاء بل يلازم
صورتين من تلك الصور أعني صورة الوفاء بتمام المصلحة وصورة
فوت مقدار غير ملزم وتخرج صورة فوت مقدار ملزم لا يمكن تداركه
عن أطراف الاحتمال بشمول إطلاق الامر الاضطراري لما عدى
آخر الوقت أيضا (وذلك) لما عرفت من أن خاصة تلك الصورة عدم
تسويغ البدار (فعلى ما ذكرناه) الامر الاضطراري الايجابي يلازم
الاجزاء بناء على انحصار الواقع في إحدى الصور الأربع التي أشار إليها
المصنف (قده) وعليه
فلا وقع لهذا البحث ولا وجه للقيل والقال في موضوع الامر الايجابي
بالفعل الاضطراري
124

قوله يتعين عليه البدار:
أي يكون كل من البدار والإعادة مستحبين بالاستحباب العيني
(البدار) لاحراز مصلحة أول الوقت والمسارعة إلى العمل (والإعادة)
لاحراز المصلحة الفائتة الاستحبابية (ولا يخفى) ان استحباب الإعادة
فعلى (واما) استحباب البدار فهو اقتضائي والعمل يقع واجبا
أعني أفضل افراد الواجب
قوله فظاهر إطلاق دليله:
لعل مراده من الاطلاق ظهور الامر في التعيين عند دوران الامر بينه و
بين التخيير فان هذا الظهور ينفى الصورة التي كان حكمها عدم
الاجزاء (وذلك) لان خاصة تلك الصورة هو الامر التخييري بين
عملين أعني العمل الاضطراري حال الاضطراري والعمل الاختياري
بعد
رفع الاضطرار وبين عمل واحد وهو الاقتصار على العمل الاختياري
بعد رفع الاضطرار (لكن) قد عرفت عدم معقولية هذا التخيير وان
مثاله إلى إيجاب العمل الاختياري بعد رفع الاضطرار عينا واستحباب
الاتيان بالعمل الاضطراري (وحينئذ) فبظهور الامر في الايجاب
ينتفي احتمال الصورة التي حكمها عدم الاجزاء ويبقى الاحتمالات
ثلاث تشترك جميعها في اقتضاء الاجزاء (بل) يبقى احتمالين من
تلك
الاحتمالات وينتفي احتمال فوت مقدار ملزم من المصلحة مطلقا
أمكن تداركه أولا لان خاصة ما أمكن تداركه عدم الالزام بالعمل
الاضطراري كما عرفت وخاصة ما لا يمكن تداركه عدم تسويغ البدار
وظاهر إطلاق الدليل الالزام وتسويغ البدار فينتفى احتمال كلتا
الصورتين (ثم) انه لا حاجة في إثبات الاجزاء إلى التمسك بالاطلاق و
نفى بعض الصور لتعيين بعض آخر منها بعد ما عرفت عدم
انحصار الصور المتصورة في الأربع (وذلك) لوضوح ان دليل تشريع
التيمم
لا سيما الرواية المذكورة في المتن لسانه لسان الشرح للأدلة الأولية
المشترطة للطهارة وموسعة لدائرة الشرط وانه ليس هو خصوص
الطهارة المائية بل ما يعمها والطهارة الترابية (نعم) لا في عرضها بل
تلك مع التمكن من الماء وهذه مع التعذر فلا وجه بعد ذلك لعدم
الاجزاء فإنه قد أتى بما هو تكليفه واقعا وليس احتمال عدم الاجزاء و
لزوم الإعادة بعد رفع الاضطرار الا كاحتمال عدم أجزأ الصلاة
مع الطهارة المائية ولزوم الإعادة مع التيمم عند طرو الاضطرار واحد
الامرين ليس بأولى من الاخر (وبالجملة) العجز عن الماء منوع
كما أن الحالات الاخر من السفر والحضر منوعة فلا وجه لتخصيص
خصوص العجز بهذا البحث فإن كان لهذا البحث مجال فليبحث في
الجميع والا
125

البحث عنه في الجميع (والعجب) من المصنف (قده) حيث سلك
هذا المسلك في قسم الأصول الموضوعية من المقام الثاني من غير
تعرض
لمقام ثبوته (مع) ان المقام أوضح حكومة وأولى بسلوك هذا المسلك
منه
قوله ويكفيك عشر سنين:
يعنى إذا استمرت بك الضرورة وعدم وجدان الماء لا ما إذا ارتفعت
أيضا ليكون صريحا في المطلوب أعني به الاجزاء والرواية في
مقام إبرام بدلية الطهارة الترابية عن الطهارة المائية وانها بدل عنها
حتى إذا استمرت بك الحال إلى عشر سنين فلا يتوهم التوقيت في
بدليتها
قوله من دلالة دليل بالخصوص:
ولا يجدى عموم ما دل على اشتراط الطهارة المائية بعد ظهور دليل
بدلية التيمم في الاجزاء (نعم) لو لم يكن لدليل البدل إطلاق أو عموم
يرجع إلى عموم الدليل الأول الدال على شرطية الطهارة المائية أو
إطلاقه ولا يكون مجال للأصل الا إذا لم يكن لذلك الدليل أيضا عموم
أو إطلاق
قوله وهو يقتضى البراءة:
بل يقتضى الاشتغال فان الامر بالاتيان بالعمل في مجموع الوقت
يتوجه بنفس دخول الوقت لا ان أمر كل جز يتجدد بحدوث ذلك
الجز (وعليه) فالامر بالعمل بالنسبة إلى الاجزاء المتأخرة يكون
كالتعليق وإذا فرضنا اختلاف حال المكلف في أجزأ الوقت بوجدان
الماء وعدمه أو بالصحة والمرض أو بالسفر والحضر لا جرم كان الامر
المتوجه بدخول الوقت هو الاتيان بالعمل في كل جز بحسب
اقتضاء حال المكلف في ذلك الجز فيتوجه الامر بالصلاة مع الطهارة
المائية في قطعة الوجدان للماء ومع الطهارة الترابية في قطعة
الفقدان مخيرا بينهما من غير فرق بين ان يكون الحال الفعلي هو
الوجدان أو الفقدان وذلك بان دخل الوقت وهو غير واجد للماء فإذا
توجه هذا الامر استصحب بعد الاتيان بالعمل الاضطراري للشك في
إسقاطه للمأمور به الاختياري واحتمال كون العمل الاختياري واجبا
عينيا لا يسقط بالاتيان بالعمل الاضطراري ومقتضى هذا
الاستصحاب ثبوت التكليف بالعمل الاختياري على وجه التنجيز بعد
رفع
الاضطرار
قوله وكذا عن إيجاب القضاء بطريق أولى:
لا أولوية للأصل في القضاء بالنسبة إلى الإعادة (واما) كون القضاء
منفيا واقعا لو كانت الإعادة منفية بالطريق الأولى لعدم احتمال
ثبوته مع انتفائها بخلاف العكس (فذلك) لا يستدعى ثبوت الأولوية
في مرتبة الحكم الظاهري حتى لو كانت الإعادة منفية بحكم الأصل
كان القضاء أيضا منفيا ظاهرا بالطريق الأولى الا ان
126

يكون بين الحكمين الظاهريين أيضا أولوية
قوله نعم لو دل دليل على أن سببه:
وحينئذ يكون هذا الدليل دليلا على وجوب الإعادة أيضا لعدم
احتمال وجوب القضاء مع عدم وجوب الإعادة لا سيما إذا ارتفع
الاضطرار
والوقت باق فلم يعد عملا بالأصل حتى خرج الوقت فهل يمكن
الالتزام حينئذ بتوجه خطاب اقض بمجرد خروجه
قوله والتحقيق ان ما كان منه يجري:
ان صور مقام الثبوت المتقدمة في الامر الاضطراري تأتى في قسم
الأصول من الأوامر الظاهرية فإنها أوامر تعبدية نفسية ناشئة عن
المصالح والمفاسد (نعم) يختص إتيانها في قسم الامارات بما إذا لم
نقل بان أوامرها طريقية ناشئة عن المصلحة في الامر بل سببية
ناشئة عن مصلحة في المتعلق كما أشار إليه في المتن (وقد عرفت) ان
الحكومة التي ذكرها المصنف (قده) هنا جارية بنحو أوضح في
المقام السابق فقسم الأصول من الأوامر الظاهرية وكذلك قسم
الامارات بناء على السببية يشارك الأوامر الاضطرارية في مقام ثبوتها و
إثباتها فالأولى جعل الجميع جملة واحدة والتكلم فيها وافراد
الامارات بناء على الطريقية بالبحث إذ يأتي أيضا انه لا وجه للبسط و
التفصيل في الأصول والامارات بين الموضوعية منها والحكمية وان
جميعها تحت حكم واحد بل لا يمتاز مسلك الطريقية في الامارات
عن مسلك السببية كما يأتي بيانه فالجميع على جميع المباني تحت
حكم واحد
قوله كما هو لسان الامارات
نعم لسان الامارات هو الكشف والحكاية عن تحقق الشرط الواقعي
لكن لسان صدق الامارة لا يختلف عن لسان دليل الأصل فان كلا
منها موسع لدليل الواقع أو مضيق له ومجرد ان أحدهما بلسان الاخذ
بأحد الاحتمالين معينا تعبدا والاخر بلسان الاخذ بالاحتمال
الموافق للامارة مراعاة لكشفها لا يصلح فارقا فيما هو المهم (و
الحاصل) لا يعقل لدليل صدق معنى إلا جعل الاحتمال الموافق
للامارة في
حق المكلف فإن كان حكما كان صدق جعلا للحكم ابتدأ وإن كان
موضوعا كان جعلا لحكمه بلسان التعبد بتحقق الموضوع وجعل
الحكم بلسان تنزيل الموضوع وجعله حكومة من غير فرق بين ان كون
هذا اللسان تعبدا محضا أو من باب قيام الامارة وبلسان صدق
انه الواقع (نعم) لو قيل في الامارات بجعل الحجة ومجرد المعذرية و
المنجزية كما هو مختار المصنف (قده) لم يكن وجه للاجزاء
قوله لم يكن كذلك بل كان لشرطه فاقد:
فيكون هذا أول دخوله في محل البحث في المقام في مثل ذلك لا
فيما إذا لم يكن فاقدا للشرط فتفريع عدم الاجزاء بمجرد
127

ذلك معناه سد باب هذا البحث وكون الحكم في صورة فقد الشرط
الواقعي للدليل الدال على لزوم مراعاته هو عدم الاجزاء مسلما
فيكون هذا البحث والقيل والقال كله مصروفا إلى أن لسان الأدلة
تعميم الحكم بلسان التوسع في الشرط أولا (ولا يخفى ما فيه) فان
هذا أمر يظهر بمراجعة الأدلة وليس قابلا لان يبحث عنه (مع) ان
الأدلة لا يلزم أن تكون على نسق واحد ليبحث عن الجميع تحت كلمة
واحدة
قوله فيجزي لو كان الفاقد معه في هذا الحال
لا يخفى ان ما أوجب الالتزام بحدوث المصلحة بقيام الامارة وسلوك
مسلك السببية وهو لزوم تفويت المصلحة لولاه يعين خصوص هذا
الاحتمال ولا يترك مجالا لسائر المحتملات إذ لا يندفع المحذور
بذلك (وعليه) فاما ان يكون دليل صدق الامارة شاملا لصورة اتفاق
انكشاف الخلاف فيما بعد فلا جرم يتعين الحكم بالاجزاء واما ان لا
يكون شاملا فيخرج عن محل الفرض
قوله ولا يخفى ان قضية إطلاق دليل الحجية:
قد تقدم في المقام السابق بيان ما يمكن ان يراد من الاطلاق وما فيه و
اما الذي يتجه على كلامه هنا فهو ان كلاما واحدا شخصيا لا
يختلف ظهوره بحسب المباني المختلفة في تصحيح ذلك الكلام و
هذا واضح وحينئذ فإن كان الدليل الحجية ظهور في الاجزاء فلم لم
يحكم به على مسلك الطريقية وان لم يكن له هذا الظهور فلم حكم
بالاجزاء هاهنا (وبالجملة) لا يمتاز مسلك الطريقة عن مسلك السببية
بحسب مقام الاثبات ودلالة الدليل لان الدليل واحد ودلالته واحدة
لا تختلف بحسب المباني
قوله فأصالة عدم الاتيان:
يعنى قاعدة الاشتغال فان المقام من جزئيات دوران الامر بين وجوب
الكلي والعام ووجوب الجزئي والخاص ومقتضى القاعدة هو
الاحتياط والاقتصار على الخاص كما اختاره المصنف (قده) في
مبحث البراءة فان وجوب الصلاة متطهرا معلوم والشك في أن الطهارة
المعتبرة هي خصوص الطهارة التي قام عليها البينة كما هي قضية
السببية والواجب هو الاقتصار على خصوص الواقعية بالإعادة عند
انكشاف خطأ البينة
قوله واستصحاب عدم كون التكليف:
يعنى بعد الاتيان بالعمل موافقا للامارة وقبل انكشاف خطأ الامارة لا
تكليف بالواقع قطعا ويشك في توجه التكليف بانكشاف الخطأ و
الاستصحاب يقضى بالعدم (وفيه) انه لا قطع بعدم فعلية التكليف
قبل كشف الخلاف بل على مسلك الطريقية التكليف به فعلى (نعم)
هو
غير منجز بسبب قيام الامارة على الخلاف وقد ارتفع الان حكم
الامارة فالاستصحاب غير جار وكأنه غير تامة ولولا ما ذكرنا
128

لم يكن للخدشة في الاستصحاب من جهة شبهة الاثبات مجال لان
الحاكم بوجوب الاتيان بالواقع بعد كشف الخلاف هو العقل بقاعدة
الاشتغال وبعد التعبد الشرعي بعدم وجوب الإعادة لا يبقى لحكم
العقل مجال ولا حاجة معه إلى إثبات كون ما أتى به مسقطا لان حكم
العقل بالاشتغال قد ارتفع بنفس التعبد الشرعي المتوجه إلى مورده
قوله واما للقضاء فلا يجب بناء على:
واما لو كان واجبا بنفس الأمر الأول جاء الكلام المتقدم في الإعادة و
وجب بقاعدة الاشتغال كما أنه لو قلنا بان الفوت عبارة عن نفس
عدم الاتيان بالمكلف به في الوقت أمكن إحراز ذلك باستصحاب
عدم الاتيان به في الوقت ويترتب عليه وجوب القضاء ومثله لو قلنا
بثبوت عنوان الفوت وإن كان أمرا وجوديا باستصحاب ملازمه أعني
به عدم الاتيان المذكور اما للقول بالأصل المثبت أو لخفاء
الواسطة (ثم) ان مقتضى تفصيل المصنف (قده) بين الإعادة والقضاء
هو عدم وجوب القضاء إذا تبين خطأ الامارة في الوقت ثم تجري و
لم يعد حتى خرج الوقت لان لزوم الاتيان بالعمل في الوقت كان
لمجرد حكم العقل بالاشتغال ولا يثبت الفوت بمجرد ذلك نعم لو
كان
ذلك التعبد الشرعي ولو بحكم استصحاب بقاء التكليف الواقعي
أمكن ان يقال إن المكلف به بهذا التكليف الظاهري قد فات وجدانا
فيجب قضائه وحيث إن لا أمر كذلك في الوقت إذا كان انكشاف خطأ
الامارة بعد خروج الوقت فلا يجب القضاء في ذلك الفرض الا على
بعض التقادير التي قد أشرنا إليها أو يدعى الاجماع على عدم الفصل
بين الصورتين في وجوب القضاء فإذا وجب القضاء في الصورة
الأولى وجب القضاء في الصورة الثانية بحكم الاجماع ولا ينتقض
ذلك بالعكس وانه إذا لم يجب في الثانية لم يجب في الأولى (و
ذلك)
لان الوجوب في الصورة الأولى كان بحكم الاستصحاب واما عدم
الوجوب في
الصورة الثانية لأصالة البراءة والاستصحاب مقدم على أصالة البراءة
قوله غاية الأمر ان تصير صلاة الجمعة فيها:
لعل احتمال مصلحة أخرى هنا يباين سنخ مصلحة الواقع دون
الامارات والأصول الموضوعية ودون الا وامر الاضطرارية مع أن
ذلك
بحسب مقام الثبوت في الكل محتمل وقد أشرنا إليه سابقا (انما هو)
من جهة ظهور دليل مقام الاثبات هناك في اشتمال مورد التكليف
على سنخ مصلحة الواقع حيث إنه بلسان اندراج مورد الأصل أو
الامارة تحت موضوع التكليف الواقعي وتوسعة نفس ذلك الحكم
الواقعي
إلى مورد هما وما هذا شأنه يقتضى كون مصلحته هو مصلحته وكذا
الكلام في الأوامر الاضطرارية فان لسانها هو ان الواقع
129

يؤتى به في حال الاضطرار بهذا النحو وان هذا من مراتبه وهذا
بخلاف لسان صدق العادل في الامارة القائمة على الحكم فإنه على
السببية تكليف تعبدي مستقل في عرض الواقع فيكون قول العادل
كأمر الأب والمولى وسائر العناوين المورثة للتكليف موجبا
لتكاليف مستقلة فمصالحها مصالح أخرى في عرض المصالح الواقعية
ولا يغنى إدراكها عن درك المصالح الواقعية كما لا يغنى إدراك
بعض المصالح الواقعية عن إدراك بعض اخر وامتثال تكليف عن
امتثال آخر (هذا) ولكن البصير يعلم أن لسان صدق العادل ليس
كلسان أطع والدك فان مفاد صدق العادل هو ان الواقع المعلوم على
سبيل الاجمال هو في قول العادل فقد اعتبر قوله بعنوان انه هو
الواقع فلا بد أن تكون مصلحته هو مصلحة الواقع لا سنخ آخر من
المصلحة كي لا يغنى إحرازه عن إحرازه فإذا ظهر ان الواقع على
خلاف
قول العادل فقد أحرز مصلحته باتباع قوله فيما إذا كان وافيا بتمام
مصلحة الواقع وإلا جاء باقي الاحتمالات الأربع المتقدمة التي حكم
أحدهما فقط عدم الاجزاء (وأيضا) لو كان اخبار العادل محدثا
لمصلحة أخرى في عرض الواقع لم يكن وجه لترك مراعاة الواقع
المعلوم
بالاجمال بالاتيان بمحتملاته بمجرد اخبار العال ببعض المحتملات
فإنه يكون من قبيل ما لو نذر الاتيان ببعض المحتملات أو أمر الأب
ببعضها في عدم انحلال العلم الاجمالي بالتكليف الواقعي بذلك
فيؤتى بالذي وجب بالعنوان الثانوي ويؤتى بسائر المحتملات
تحصيلا
للبرأة اليقينية
عن التكليف الواقعي
قوله نعم ربما يكون ما قطع بكونه مأمورا به:
وهذا هو مناط اقتضاء الاجزاء في الامر الظاهري والاضطراري فلا
تتخلف الصورة المزبورة عن الصورتين في مقام الثبوت وإمكان
تحقق ملاك الاجزاء وهو أمور ثلاث الاشتمال على تمام المصلحة
الواقعية أو التمام الا مقدارا غير ملزم أو الا مقدارا ملزما لا يمكن تداركه
بالاتيان بالمأمور به الواقعي ثانيا وقد ترك المصنف (قده) ذكر أحدها
وانما تتخلف الصورة المذكورة عن الصورتين في مقام
الاثبات ومقام دلالة الدليل على شئ من تلك الأمور فان في تلك
الصورتين يكون إطلاق الامر كاشفا عن الوفاء بالمصلحة وفي المقام
حيث لا أمر فلا كاشف نوعي عنه فإن كان هناك كاشف شخصي كما
في المسألتين حكم بالاجزاء وإلا حكم بالعدم لقاعدة الاشتغال و
استصحابه (ثم) ان وجه تقييد المصنف (قده) الاشتمال على
المصلحة بهذا الحال أعني به حال القطع بخلاف الواقع (هو انه) لو
كانت
المصلحة موجودة ولو في غير هذا الحال لزم ان يأمر به المولى تخييرا
بينه وبين الواقع ويكون خارجا عن
130

الفرض وهذا بخلاف ما إذا كان مشتملا على مقدار منها مع فوات
مقدار آخر ملزم لا يمكن تداركه فان الامر به من المولى تفويت لذلك
المقدار من المصلحة وهو قبيح (ثم) لا فرق في المقام بين ان يقطع
بأمر واقعي ويظهر خطأه وبين ان يقطع بأمر ظاهري ويظهر الخطأ
كأن يقطع باخبار العدل أو عدالة المخبر ثم يظهر انه لم يخبر أحد أو انه
كان المخبر فاسقا
قوله وهكذا الحال في الطرق:
يعنى في الامارات بناء على الطريقية التي تقدم فيها عدم الاجزاء و
لكن فرض حدوث المصلحة في حال قيام الامارة يخرج الامارة عن
الطريقية إلى السببية في خصوص مورد حدوث المصلحة وإن كانت
طريقا محضا في سائر الموارد الا ان يقال بحدوث المصلحة بمجرد
الجهل لا بقيام الامارة (نعم) مورد المصلحة هو ما قام عليه الامارة من
غير أن يكون لقيام الامارة تأثير في حدوث المصلحة
قوله لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه:
لم يكن يتوهم التصويب من القول بالاجزاء فإن كان هناك توهم
التصويب فمن اختيار مسلك السببية وحدوث المصلحة والامر
بسبب
قيام الامارة أو ظن المجتهد سوأ قيل بالاجزاء بعد كشف الخلاف أم
لا فان القول بالاجزاء أجنبي عن مسألة التصويب (الا ان يقال) ان
الاجزاء كاشف عن عدم واقع سوى ما أتى به والا لما كان يجزى وفيه
نظر واضح
قوله ليس الا الحكم الانشائي:
والحكم الانشائي هو التصديق من المولى بالمصالح والمفاسد فان
المولى في هذا المقام ينشأ الحكم لفظا لغرض ان يكون بعثا فعليا
عند تحقق الإرادة والكراهة باجتماع شرائط التكليف في المكلف
ففي حال الانشاء ربما لا تكون إرادة ولا كراهة ولكن مع ذلك ينشأ
الإرادة والكراهة عموما لغرض ان يكون بعثا حين تحقق الإرادة و
الكراهة فلا يحتاج حين اجتماع شرائط التكليف لاحاد المكلفين إلى
انشاء مستقل في حق كل واحد منهم
قوله كيف وكان الجهل بخصوصيتها:
إشارة إلى قسمي الشبهات الموضوعية والحكمية ففي الموضوعية
خصوصية الواقعة من الخمرية والخنزيرية مجهولة وفي الحكمية
حكمها مجهول مع معرفة خصوصيتها التي هي عليها (ثم) ان لازم ما
أفاده (قده) كون المجهول هو خصوصية موضوع ذي المصلحة و
المفسدة في الشبهات الموضوعية ونفس المصلحة والمفسدة في
الشبهات الحكمية مع القطع بعدم حكم فعلى والحال
131

ليس كذلك بل انما المشتبه خصوصية متعلق الحكم الفعلي في مقام و
نفس الحكم الفعلي في مقام آخر
مبحث مقدمة الواجب
قوله الظاهر أن المهم المبحوث عنه:
لا يخفى عدم الفرق فيما هو المهم بين جعل عنوان البحث في
الملازمة وبين جعله في وجود اللازم عند وجود الملزوم فان مؤدى
العنوانين واحد (نعم) حفظ مناسبة المقام يقتضى جعل العنوان على
النمط الأول كي لا يكون استطرادا (لكن يتجه عليه) ان عنوان البحث
وذكره في الأصول وفي عداد المبادي بعد إمكان عنوانه بما يكون من
الغايات والفقه لغو وإطالة مقال بلا ضرورة تستدعيه كما
تستدعيه الضرورة في المسائل الأصولية التي لا صورة فقهية لها
فليدرج ابتدأ في الفقه بعنوانه الفقهي لا البحث عنه في الأصول و
جعل
نتيجته في طريق الاستنباط في الفقه فتأمل
قوله لا لفظية كما ربما يظهر:
لا يخفى انه لا يكون البحث بذاك العنوان المذكور أولا أعني الملازمة
لفظيا لعدم كون الملازمة مدلولا للفظ بل المدلول للفظ على تقدير
ان يكون له مدلول هو وجوب المقدمة عند دلالة اللفظ على وجوب
ذيها
قوله حيث استدل على النفي بانتفاء:
استدلاله بذلك صريح في أن البحث ليس في دلالة اللفظ وإلا لزم
اتحاد المدعى والدليل فلا جرم يكون البحث في المدلول وقد
عرفت
ان المدلول إن كان فهو وجوب المقدمة دون الملازمة فيكون البحث
حسب استدلاله فقهيا البتة
قوله مضافا إلى أنه ذكرها في مباحث الألفاظ:
الذكر في مباحث الألفاظ هين فإنه كما ذكر هذا المبحث في مباحث
الألفاظ ذكر غيره من المباحث العقلية كمسألة الامر، بالشئ، و
اجتماع الأمر والنهي، فيها فذكره فيها لا يكون كاشفا عن كون النزاع في
دلالة اللفظ بل هو من التقليد والمتابعة لمن تقدمه كذكر
المصنف (قده) له في مباحث الألفاظ (مضافا) إلى ما عرفت من
صراحة استدلاله في كون النزاع فقهيا
قوله ضرورة انه إذا كان نفس الملازمة:
لو تم هذا الدليل لاقتضى سد باب مباحث الألفاظ فان الوضع بنفسه
إذا كان ثبوتا محل إشكال كيف يترك ويبحث في دلالة صيغة افعل
على الوجوب أو الفور أو المرة أو نحو ذلك بل لا بد من النزاع فيما هو
منشأ هذه الدلالة بل هذا الاشكال يتجه في تمام العلوم وينبغي
للمؤلفين طرح البحث في آخر
132

ما ينتهى إليه أدلتهم بل تقدم من المصنف (قده) في المبحث السابق
ان البحث في الامر الاضطراري والظاهري انما هو في اقتضاء
الاجزاء بمعنى التأثير فيه عقلا لا بمعنى دلالة اللفظ (نعم) العمدة في
سبب الاختلاف هو الاختلاف في دلالة الدليل
قوله ربما يشكل في كون الاجزاء مقدمة:
الاشكال انما هو في المقدمية الخارجية التي هي ملاك الوجوب
المنوط ذلك بالتغاير ثم الترتب في موطن الخارج لا مطلق المقدمية
غير
المؤثرة في الايجاب فإثبات التغاير ثم الترتب في موطن العقل كما في
كلام المصنف (قده) لا يدفع الاشكال بل المصنف أذعن
بالاشكال وسلم عدم التغاير بين الكل واجزائه في ظرف الخارج
فضلا عن الترتب بينهما فيه.
قوله والحال ان المقدمة هي نفس الاجزاء:
عنوان الكلية والجزئية من العناوين المتضايفة فهما متلازمي الانتزاع و
المنشأ لانتزاع أحدهما هو المنشأ لانتزاع الاخر فكيف يعقل ان
يكون لحاظ الاجتماع دخيلا في انتزاع الكلية ولا يكون دخيلا في
انتزاع الجزئية فان الجز لا يكون جزا الا للكل فلو لا لحاظ الاجتماع
واعتبار الكلية لا تكون الاجزاء إجزاء فشرط الاجتماع كما هو دخيل
في اعتبار الكلية للكل كذلك دخيل في اعتبار الجزئية للاجزاء (و
التحقيق في المقام) ان الشرط ليس هو نفس الاجتماع وتحقق الاجزاء
في موطن الخارج ولا الاجتماع وتحققها في العقل بان يتصور كل
جز جز إلى آخر الاجزاء فان عنوان الكلية لا يتحقق بمجرد تحقق
الاجزاء في الخارج أو استيعاب الاجزاء بالتصور في العقل بل الشرط
لحاظ الاجزاء بتأليف خاص وتركيب مخصوص ومرتبا بترتيب معين
واعتبار كون المجموع شيئا واحدا وتحت تصور فارد (ثم) ان
اعتبار كون المجموع شيئا واحدا كما هو دخيل في اتصاف الكل بصفة
الكلية كذلك دخيل في اتصاف الاجزاء بصفة الجزئية الا ان الفرق
في جانب الموصوف بالصفتين فالموصوف بصفة الكلية هي الاجزاء
بوحدتها الملحوظة المعتبرة واما الموصوف بصفة الجزئية فهو
ذوات الاجزاء مع قطع النظر عن هذه الوحدة المفروضة وإن كان
اعتبار هذه الوحدة لازما أيضا في اتصافها بصفة
الجزئية لكن الموصوف هو ذوات الاجزاء لا الاجزاء مع الشرط
المذكور فالشرط من قبيل الواسطة في الثبوت في الاجزاء ومن قبيل
الواسطة في العروض في الكل (والفرق) بين ما ذكرناه وما ذكره
المصنف (قده) واضح لا يخفى بعد أدنى تأمل
قوله وكون
133

الأجزاء الخارجية:
أراد بذلك الاشكال على نفسه بان الأجزاء الخارجية أعني بها الهيولي
والصورة اعتبارها اعتبار البشرط لائية على ما صرح به أهل
المعقول فالقول بان اعتبارها اعتبار اللا بشرطية يناقض كلام أهل
المعقول (وأنت خبير) بأنه لا موقع للاشكال على نفسه أصلا فان ما
ذكره أهل المعقول انما هو في خصوص الاجزاء بالقوة والاجزاء
التحليلية التي تنحل البسائط إليها وما ذكره (قده) فإنما هو في الاجزاء
الفعلية للمركبات الفعلية الاعتبارية أو الحقيقية فكم فرق بين مورد
الحكمين (وأيضا) ما ذكروه من البشرط لائية هو بشرط لائية
المفهوم عن الحمل وقبوله للحمل كما مر من المصنف (قده) تفسير
البشرط لائية به في مبحث المشتق وما ذكره من اللابشرط هنا هو
اللابشرط بلحاظ العوارض واعتبار الاجتماع فأين المناقضة (ولعل)
هذا هو المراد مما أجاب به هذه المناقضة وإن كانت عبارته لا
تساعد عليه بل ربما توهم سياقها انه يريد دفع المناقضة باختلاف
المضاف إليه في اللابشرط وبشرط لا (لكن) صرح فيما تقدم ان
البشرط لا هناك ليس بلحاظ العوارض الخارجية بل المفهوم في ذاته
بشرط لا أي مفهوم غير قابل للحمل وإن كان يرد عليه ما قد
عرفته سابقا (وبالجملة) عبارته في الجواب ناقصة غير وافية بدفع
محذور المناقضة إذ مجرد كون البشرط لائية في الأجزاء الخارجية
بالقياس إلى الاجزاء العقلية واللا بشرطية
هنا بالإضافة إلى اعتبار الاجتماع لا يدفع المحذور إذا لأجزأ العقلية
ليست هي المضاف إليها لكي يرتفع مناقضة اللا بشرطية والبشرط
لائية باختلاف الإضافة ومجرد كونه بالقياس إلى الاجزاء التحليلية لا
يدفع المحذور فان المصاف إليه إن كان هو المركب أيضا جاءت
المناقضة وإن كان أمر آخر أو كان المفهوم مفهوما بشرط لا من الحمل
فللازم التنبيه على ذلك وترك ما ذكره (قده) من كون البشرط
لائية بالنسبة إلى الاجزاء التحليلية إذ لا يجدى ذلك أصلا
قوله ثم لا يخفى انه ينبغي خروج الاجزاء:
لان محل النزاع هو مقدمة الواجب وما يتوقف وجوده عليه والواجب
هو الفعل الخارجي فلا بد ان يكون ما يتوقف عليه أيضا خارجيا (و
اما) ما يتوقف عليه الصور الذهنية من الصور الذهنية الاخر فذلك
خارج عن محل البحث في مقدمة الواجب ولذا قلنا آنفا ان إشكال
المقدمية بين الكل والاجزاء هو إشكال المقدمية الخارجية وهذا
الاشكال لا مخلص عنه وإثبات التغاير والمقدمية الذهنية لا يجدى
في
دفعه
قوله لامتناع اجتماع المثلين:
بل لو لم يمتنع اجتماع
134

المثلين أيضا لم تكن واجبة بوجوبين لعدم المقتضى للوجوب الاخر و
هو المقدمية الخارجية حسب ما أفاده ابتدأ فالتعليل بثبوت المانع
وهو اجتماع المثلين لا يلائم المدعى أعني به عدم المقتضى بل
يناقض ذلك تصريحه أخيرا بثبوت عنوان المقدمية للاجزاء التي هي
ملاك
الطلب الغيري (وبالجملة) الكلام مركب من وجهين طوليين أحدهما
عدم المقتضى للوجوب الغيري والاخر ثبوت المانع منه ولم ينتقل
إلى الوجه الثاني بطريق التنزل والتسليم كي لا تكون مناقضة في كلامه
بل أتى بالجميع بصورة وجه واحد بل جعل أحد الوجهين علة
للاخر كما ترى ذلك في العبارة
قوله انما هو نفس الاجزاء لا عنوان مقدميتها
لم افهم الفرق بين عنوان يكون تحت الحكم وعنوان يكون علة
للحكم مع كون المحكوم بالحكم هو ذات المعنون فان معنى كون
ذات
المعنون تحت الحكم كون الحكم متعلقا بالذات كان العنوان ثابتا له أو
لم يكن ومعنى انتفاء الحكم بانتفاء العنوان دخل العنوان في
متعلق الحكم إذ لا يعنى من دخله في متعلق الحكم الا ان الحكم
متعلق بالذات بشرط العنوان وبحد خاص ينتزع منه العنوان فان شئت
سم
هذا علة وان شئت سمه عنوانا دخيلا في متعلق الحكم فان واقعه
الدخل ودخله على النحو الذي ذكرناه من باب دخل التقيد به لا دخل
نفسه على سبيل الشطرية
قوله اللهم الا ان يريد ان فيه ملاك:
ملاك الوجوبين انما يكون فيه إذا كان عنوان المقدمية الموضوع
للايجاب الغيري حاصلا ومتحققا في الاجزاء وقد أنكره أولا وان
ناقضه أخيرا واستمر على مناقضته إلى هنا
قوله وإن كان واجبا بوجوب واحد نفسي لسبقه:
بل ولو فرض عدم السبق والمراد من السبق هو السبق بالعلية (وذلك)
ان ملاك الغيري في ساحة ملاك النفسي خال عن الاقتضاء
كملاك الاستحبابي في ساحة ملاك الايجابي إذ ملاك الغيري لا يؤثر
الا في الايجاب عند وجوب ذي المقدمة وملاك النفسي يؤثر في
الايجاب مطلقا فلا جرم يكون الأثر مع هذا الملاك المطلق ولا نعنى
بالوجوب النفسي الا ما كان وجوبه مطلقا وعلى كل حال وجب شئ
اخر أو لم يجب (بل) لولا ما ذكرناه لم يكن مجرد سبق الملاك مقتضيا
لتبعية الحكم بحسب حده للملاك السابق حتى بعد لحوق الملاك
اللاحق كما هو واضح
قوله ومنها تقسيمه إلى العقلية والشرعية:
المقدمية من الأمور الواقعية التي لا دخل للعقل والشرع والعادة فيها
بل التوقف اما حاصل فهي موجودة أو غير حاصل فهي منفية و
ليس تقسيم المقدمة إلى الأقسام الثلاثة الا كتقسيم
135

زيد إلى عقلي وشرعي وعادي
قوله الا إذا أخذ فيه شرطا وقيدا:
بل ولو لم يؤخذ فيه شرطا وقيدا وانما أمر بالفعل مطلقا ثم نهى عن
مقدماته مولويا الا مقدمة واحدة منها فان ذي المقدمة ح لأجل عدم
التمكن منه شرعا من جهة حرمة سائر مقدماته يتوقف على هذه
المقدمة السائغة فيكون التوقف والمقدمية شرعية (الا ان يقال) ان
أصل
المقدمية ليست شرعية وانما الانحصار شرعي وهذا الاشكال متجه
على ما ذكره المصنف (قده) في الاحتمال الأول من المقدمة العادية
من أنها غير راجعة إلى العقلية (فإنه) لا مجال للتسليم المذكور لوضوح
ان الانحصار عادي هناك دون أصل المقدمية
قوله بحيث يمكن تحقق ذيها بدونها:
ينبغي فرض ذلك فيما إذا أمكن تحقق ذي المقدمة بدون مقدمة اما
إذا لم يمكن ذلك بدونها ولكن لا توقف على خصوص هذه المقدمة
التي جرت العادة بسلوكها فالمقدمة لا تخرج عن كونها عقلية وانما
الانحصار غير عقلي بل هو عادي كما أشرنا إليه آنفا
قوله ضرورة استحالة الصعود:
لا يستحيل الصعود بدون نصب السلم لغير الطائر أيضا لامكان الطيران
وبإمكانه يمكن الصعود بدون النصب الا ان يريد بشرط عدم
الطيران فيكون من الممتنع بشرط عدم المحمول وكل قضية ممكنة
إذا أخذت بشرط المحمول أو عدم المحمول انقلبت ضرورية وهذه
الضرورة ليست مناطا في مواد الأقيسة (ولكن) ظهر لك مما ذكرناه
سابقا ان التوقف على نصب السلم عقلي حتى من الطائر بالفعل
فضلا عن غير الطائر (نعم) الانحصار يكون منفيا في حقه ويمكنه
الكون على السطح بكل من النصب والطيران
قوله ولا بد من تقدمها بجميع اجزائها:
بل لا بد من تقارنها مع المعلول بحسب الوجود الخارجي كما سيصرح
به المصنف (قده) والتقدم المعتبر في العلة هو التقدم بالطبع و
التقدم بالعلية وهو المصحح لتخلل الفاء بان يقال وجد فوجد لا
التقدم الزماني بل التقدم بحسب الزمان كالتأخر بحسبه مناف للعلية
كما سيذكره المصنف (قده)
قوله لا يخلو اما ان يكون المتقدم
البحث فيما عدى شرط المأمور به استطرادي استيفاء لرفع شبهة
الشرط المتأخر في سائر المقامات والا فالمهم المبحوث عنه هو
مقدمة الواجب المتأخرة وجودا عن ذات الواجب لا مقدمة الواجب
المتأخرة عن نفس الوجوب أو مقدمة الوضع المتأخرة عن نفس
الوضع
قوله ليس الا للحاظه دخله
136

الدخيل في كل فعل اختياري ومن جملته التكليف هو الادراكات
النفسانية دون الأمور الخارجية فإنها لو أثرت في الفعل لخرج الفعل
عن الاختيار إلى القهر يحصل بحصول الفعل الخارجي وينعدم
بانعدامه الا له: من المعلوم ان التكليف بمعنى انشاء الطلب والبعث لا
يتوقف على أمر وشرط حتى الشرائط العامة والتكليف بمعنى الإرادة
القائمة بالنفس أيضا لا يتوقف الا على مبادئ الإرادة القائمة بها
المتقدمة على نفسها واما القدرة في ظرف الامتثال المعتبرة في
التكليف بنحو الشرط المتأخر فهي معتبرة في صحة التكليف واعتباره
عند العقلا لا في وجوده وتحققه فان انقداح الإرادة من غير القادر
بمكان من الامكان فليس المقام من صغريات ما كان المعلول من
الأفعال الاختيارية كي يلزم أن تكون علتها بالضرورة من الادراكات
النفسانية ليكون الشرط فيما يتوهم انه من الأمور الخارجية
المتأخرة مثل القدرة في ظرف الامتثال هو لحاظ تلك القدرة والعلم
بتحققها الحاصل ذلك في ظرف التكليف فان صحة التكليف و
كونه معتبرا عند العقلا أجنبي عن أصل التكليف وأصل التكليف لا
يشترط بالقدرة واما صحته المشترطة بها فليست من الأمور
الاختيارية كي يلزم أن تكون مشترطة بالعلم بالقدرة ومن لواضح ان
صحة التكليف منوطة بواقع حصول القدرة في ظرف الامتثال فلو
كلف المولى وصادف ذلك مع تحقق القدرة عند الامتثال كان
تكليفا صحيحا معتبرا يجب امتثاله عقلا وان لم يعلم بتلك القدرة
حين التكليف (نعم) كان تكليفه مع عدم إحراز القدرة قبيحا قبحا
فاعليا نظير قبح التجري على رأي من يرى الفعل المتجري به قبيحا (و
الحاصل) لا موضوعية للعلم بالقدرة في صحة التكليف واعتباره
عند العقلا بل العلم طريق محض إلى ما هو الدخيل بتمام الدخل
أعني به نفس القدرة المتأخرة (وهكذا) الكلام في شرط الوضع فان
منشأ اعتبار الملكية بعد تحقق عقد الفضولي هو نفس الإجازة
المتأخرة لا العلم بتلك الإجازة المتأخرة (نعم) العلم بالمنشأ ولحاظه
معتبر في الانتزاع الفعلي ولذا لو فرض عدم علم المولى بالإجازة الا
حين تحقق الإجازة أو بعدها اعتبر حين العلم ملكية سابقه حاصلة
عند العقد لا ملكية فعلية حاصلة بعد العلم ليكون العلم هو المؤثر في
حصول الملكية كسائر أجزأ العقد (ومما يشهد) لذلك أعني ان العلم
طريق كاشف عما هو المنشأ لا انه هو المنشأ انه لو كان هو المنشأ لزم
لحاظ هذا المنشأ في الانتزاع مع أنه بالوجدان لا تعدد في اللحاظ
عند الانتزاع بل
137

العلم يصح الانتزاع من دون لحاظ اخر متعلق بهذا العلم (فالأولى) في
دفع الاشكال عن جميع الصور الثلاث هو ما أجاب به المصنف
(قده) عن الاشكال في ثالث الصور وتقريره في الصورتين على حذو
ما ذكره هناك (وهو ان يقال) ان الفعل المقدور في ظرف إتيانه
هو القابل لان يتعلق به التكليف وصفة المقدورية في الظرف المتأخر
حاصلة بالفعل وانما المتأخر نفس المقدورية لا بقيد كونها
متأخرة وكذلك العقد الملحوق برضا المالك هو المنشأ لاعتبار
الملكية وصفة الملحوقية بالرضا حاصلة للعقد حينه حيث يكون
الرضا
في ظرف متأخر وسيأتي منا الاشكال في هذا الجواب عند تعرض
للمصنف (قده) له
قوله ليس الا ان يحصل لذات المأمور به:
يتجه عليه ان كل ما فرض حصوله لذات المأمور به فإن لم يكن منوطا
بحصول ذلك المتأخر في ظرفه بل كان حاصلا في ذات المأمور به
سوأ حصل ذلك الشئ أم لم يحصل لزم ان يكون هذا تمام المأمور
به وللمكلف ان يقتصر عليه في مقام الامتثال ولا يأتي بذلك
المتأخر في ظرفه وهذا خلف وإن كان شيئا منوطا بذلك المتأخر
بحيث لولا ذلك لما حصل هذا عاد إشكال الشرط المتأخر فيه وهو
انه كيف يعقل تأثير المعدوم في الموجود ويوجد في المأمور به
بسبب ذلك المتأخر ما لم يكن يوجد بدونه (هذا مضافا) إلى أن
الإضافة
تستدعى طرفين موجودين ولا يعقل الإضافة والنسبة المقولية بين
موجود ومعدوم وليس معنى ملحوقية هذا بالامر المتأخر الا ان هذا
موجود وذاك سيوجد فيما بعد بلا إضافة ونسبة بين هذا وذاك
قوله مع أنها كما لا يخفى تعريفات لفظية:
لا يخفى على من راجع تعريفاتهم واعتبارهم القيود والحيثيات انهم
بصدد شرح الحقيقة دون شرح الاسم وكيف يسوغ حمل تعريف
من أشكل على تعريف من تقدم عليه بعدم الاطراد والانعكاس ثم
عرف هو بما يسلم في نظره عن الاشكال على شرح الاسم
قوله وصفان إضافيان:
نعم هما وصفان إضافيان الا ان الإضافة لا تستدعى جواز اجتماعها
في محل واحد بالإضافة إلى جهتين بل تجتمع مع كون المطلق هو
المطلق من جميع الجهات والمشروط هو المشروط ولو من جهة
واحدة فان الاطلاق يكون بالإضافة إلى مجموع الجهات والاشتراط
يكون بالإضافة إلى جهة واحدة خاصة (نعم) لازم ذلك ان لا يكون
واجب مطلق بناء على أن يكون مرادهم من المطلق هو المطلق
بالذات
لا ما صار مطلقا باعتبار تحقق ما أخذ فيه شرطا حتى
138

صار الوجوب فعليا والا كان افراد الواجب المطلق أيضا كثيرا
قوله فالحري ان يقال:
لا يخفى انه (قده) عرف المشروط بما كان مشروطا وهذا لا يحصل به
شرح الاسم أيضا
قوله كما هو ظاهر الخطاب:
لعل الوجه في هذا الظهور الذي اعترف به شيخه أيضا قائلا بأنه قضية
القواعد العربية، هو ان القيد الملتحق بالجملة الذي منه التعليق على
الشرط ملتحق بمجموع الجملة فيقيد مفاد المجموع دون مفاد كل
جز من اجزائه ومفاد مجموع الصيغة بمادته وهيئته في المقام هو
طلب تلك المادة فإذا علق هذا المجموع بالشرط اقتضى التعليق ان
يكون طلب الاكرام مثلا عند الشرط لا قبله ونظيره من الجملة
الخبرية المقيدة بقيد غير الشرط ان يقال زيد قائم في الدار فان الظرف
يحتمل ان يكون راجعا إلى الموضوع في القضية أعني به زيدا
فيكون محصل المعنى ان زيدا الكائن في الدار قائم ويحتمل ان يكون
متعلقا بالمحمول فيها فيكون محصل المعنى ان زيدا قائم بالقيام
المتحقق في الدار لكن كل منهما خلاف الظاهر وانما الظاهر رجوعه
إلى مفاد الجملة وهو ثبوت المحمول للموضوع فيكون المعنى ان
ثبوت القيام لزيد حاصل في الدار (لكن) ما ذكرناه منتقض بمثل أكرم
زيدا عند مجيئه أو أكرم زيدا في يوم الجمعة أو في مكان كذا فان
الظاهر في جميع هذه القيود هو كونها ظروفا للمادة دون الطلب
قوله اما امتناع كونه من قيود الهيئة:
يمكن الاستدلال على الامتناع المذكور بوجوه ثلاث يختص الأول و
الثاني منها بما إذا كان انشاء الطلب بالهيئة ويعم الثالث لمطلق
الانشاء ولو بمثل الصلاة واجبة أو تجب الصلاة عند كذا (اما الأول)
فمبنى على جزئية مداليل الهيئات وستتكلم في وجه امتناع تقييدها
بعد فرض جزئية مدلولها (واما الثاني) فيعم ما إذا قيل بكلية مداليلها و
هو لحاظ مداليلها لحاظا آليا تبعيا ولو لم يكن هذا اللحاظ قيدا
في المستعمل فيه بل كان شرطا في الاستعمال كما يراه المصنف
(قده) ومن المعلوم ان التقييد ضرب من الحكم على ما أريد تقييده و
الحكم محتاج إلى لحاظ موضوعه والالتفات إليه التفاتا استقلاليا ولا
يكفي اللحاظ التبعي فإذا لم يكن مدلول الهيئة ملحوظا بالاستقلال
لم يعقل توجيه القيد الذي هو ضرب من الحكم إليه (واما الثالث) و
هو الذي يعم مطلق الانشاء كان ذلك بالهيئة أو بالجملة الاسمية أو
الفعلية فهو أن عنوان الانشاء يوجد ويتحقق بنفس القول ويقوم به و
ينطبق عليه كما أن عنوان الاخبار يتحقق عند التلفظ بالجملة
139

الخبرية وبعد ان تحقق لا يعقل فيه التعليق فان التعليق ينحل إلى عقد
سلبي وآخر إيجابي وسلبه عبارة عن سلب حصول المعلق قبل
حصول المعلق عليه وقد فرض حصوله قبله بنفس القول المتحقق
ذلك قبل المعلق عليه فيؤول إلى اجتماع النقيضين (وبالجملة) إذا
قلت
أكرم زيدا فقد تحقق انشاء الايجاب بنفس قول أكرم ومعه كيف يمكن
تعليق هذا الايجاب على أمر متأخر الذي معناه عدم تحقق هذا
الطلب فعلا وقبل حصول المعلق عليه وهكذا الكلام في كل انشاء
(ان قلت) ان التعليق ليس للانشاء كما أنه في الاخبار ليس للاخبار بل
للمنشأ وهو نفس الإرادة الواقعية وللمخبر به وهو مؤدى تلك الجملة
الخبرية التي علقت على الشرط (قلت) الامر في الاخبار كما ذكرت
واما في الانشاء فليست الإرادة الواقعية منشأة ليكون التعليق راجعا
إليها بل المنشأ هو الذي يحصل بالانشاء أعني الطلب الانشائي وهذا
يحصل بالانشاء لا محالة بل هو عين الانشاء والتفاوت بالاعتبار كما
في الكسر والانكسار (وبالجملة) لا شئ من الإرادة الواقعية منشأ
ولا شئ من المنشأ قابل للتعليق لحصوله وفعليته بنفس الانشاء فهل
يعقل تعليق النداء على أمر مترقب أو التمني والترجي على أمر غير
حاصل (ومما ذكرنا) ظهر ان المصنف (قده) لا يستريح عن الاشكال
بمجرد مخالفته في المبنى والالتزام بان
معاني الهيئات كلية فان الجهتين الأخيرتين أعني آلية اللحاظ ثم
مضادة الانشاء مع التعليق تمنعان من إرجاع التعليق إلى الهيئة
قوله فلان العاقل إذا توجه:
مقصوده ان الملتفت إلى فعل بجميع خصوصياته لا تخلو حاله عن
إحدى حالتين اما ان لا يكون طالبا له فلا يكون طالبا له أبدا واما ان
يكون طالبا له فهو طالب له أزلا ومن حين الإحاطة به بجميع
خصوصياته ولا يعقل ان يكون هناك شق ثالث بان لا يكون طالبا له
إلى
حصول أمر كذا أو حال كذا ثم بعد ذلك يكون طالبا له (نعم) ذلك شأن
الجاهل غير الملتفت إلى الفعل بجميع خصوصياته فإنه حين عدم
الالتفات إلى الفعل أو إلى خصوصياته لا يكون له طلب وحيثما التفت
يكون له طلب لكن ذلك خارج عن مفروض البحث فان المتكلم
بالقضية التعليقية متوجه إلى الفعل بشرطه لا محالة ومعه كيف يعقل
ان لا يكون طالبا له فعلا ويكون طلبه بعد تحقق المعلق عليه
قوله من غير فرق في ذلك
ما قرره واضح على التبعية واما إذا قلنا بعدم التبعية وان الإرادة تتبع
المصلحة في نفسها فربما
140

لا تكون المصلحة في إرادة ما توجه إليه من الفعل موجودة فعلا ولكن
تحدث المصلحة فيها عند حصول أمر كذا فلا جرم لا يريده الا عند
ذلك الامر (وبالجملة) إذا كانت الإرادة تابعة للمصلحة في نفسها
يكون تحققها تابعة لحصول التصديق بهذه المصلحة ولا يكفي
الإحاطة
بالمتعلق ما لم يحصل هذا التصديق فربما ينفك الإحاطة بالمتعلق و
التوجه إليه عن هذا التصديق ويكون التصديق على تقدير حصول
أمر غير حاصل فالإرادة أيضا تكون على ذلك التقدير ومن المعلوم انه
لا مقتضى للإرادة قبل ذلك لا انه منع عن الإرادة مانع كما وقع
التعبير به في كلام المصنف (قده) فيما سيأتي وسنشير إلى إشكال
آخر يتجه على ظاهر كلامه
قوله والحروف وضعت لتستعمل:
قد عرفت كفاية ذلك في عدم إمكان توجه القيد والتعليق إلى الهيئة
لان التعليق والتقييد ضرب من الحكم فيحتاج إلى لحاظ المتعلق
لحاظا استقلاليا
قوله مع أنه لو سلم انه فرد:
بعد تسليم انه فرد فالفرد المستعمل فيه هي الإرادة الانشائية الحاصلة
بنفس الانشاء لا الإرادة الواقعية غير القابلة للانشاء والإرادة
المنشأة لا يعقل فيها التعليق فان م آله إلى عدم كونها منشأة بالفعل و
ذلك خلف (مع أنه) لو سلمنا استعمال الهيئة في الإرادة الحقيقية
الشخصية لم يعقل أيضا ما ذكره إذا لاستعمال في الشخص لا يكون الا
بعد التشخص واما قبل التشخص كما في مورد التعليق فلا يكون
الاستعمال الا في المفهوم الكلي وان قيد بألف قيد حتى انحصر
مصداقه في الشخص الذي سيوجد فان التقييد لا يخرج المفهوم عن
الكلية نعم غايته ان ينحصر مصداقه في واحد وذلك غير الاستعمال
في الشخص (هذا) فيما لو استعمل اللفظ في المقيد واما لو استعمل
في المطلق وأريد القيد بدال اخر كما ذكره المصنف (قده) فالامر
أوضح
قوله على ذلك يلزم تفكيك:
هذا التالي اما غير لازم أو غير ضار فإنه إن كان المراد من تفكيك
الانشاء عن المنشأ هو تفكيك انشاء الامر عن كون الامر منشئا أعني
عنوان الفعل والانفعال المتضايفان (فذلك) غير لازم لان انشاء الامر
في القضية التعليقية كما هو حاصل قبل تحقق الشرط كذلك الامر
منشأ قبل تحققه والامر الانشائي حاصل قبله فإنهما شئ واحد و
التفاوت بالاعتبار كما في الكسر والانكسار والذي هو غير حاصل
قبل الشرط عبارة عن الإرادة الحقيقية القائمة بنفس المولى والمنشئ
وإن كان المراد حصول تفكيك الانشاء عن الإرادة الحقيقية حيث إن
الانشاء حاصل
141

في الحال والإرادة الحقيقية حاصلة في الاستقبال وعند تحقق المعلق
عليه (فذلك) غير ضار وليس ذلك من تفكيك الانشاء عن المنشأ إذ
ليس المنشأ هي الإرادة الحقيقية كي يلزم تفكيك الانشاء عن المنشأ
فان الإرادة القائمة بالنفس ليست من الأمور الانشائية بل هي من
الأمور الواقعية الحاصلة من مبادئ الإرادة فهي اما حاصلة من مباديها
أو غير حاصلة لا تكاد تحصل بالانشاء
قوله قلت المنشأ إذا كان هو الطلب:
كأن المصنف (قده) توهم ان المستشكل أراد عدم مطابقة الانشاء
للواقع فأجاب بان المطابق لانشاء أمر على تقدير هو حصول الامر عند
ذلك التقدير بحيث لو كان حاصلا قبله لم يكن الانشاء مطابقا للخارج
والواقع (وأنت خبير) بان تفكيك الانشاء عن المنشأ أمر وعدم
مطابقة الانشاء للواقع أمر اخر فليس ما أفاده (قده) من الجواب مرتبطا
بالاشكال وقد عرفت حق الجواب عنه في الحاشية السابقة
قوله كما يمكن ان يبعث فعلا إليه:
لم يكن الكلام في البعث بل في انقداح الإرادة في نفس المولى وما
ذكره المصنف (قده) هو الحق فإنه بعد تعلق الإرادة بشي في نفس
المولى لا بد وان لا يكون في البعث إليه مفسدة تغلب على الجهات
المقتضية لإرادة المولى فمقام البعث ومبادئه أجنبي عن مقام الإرادة
ومباديها (ولكن ذلك) أجنبي عما ذكره شيخه (قده) في تقرير عدم
توجه القيد إلى الطلب في مقام اللب (والحق في الجواب) هو ما
ذكرناه سابقا من أنه بناء على تبعية الإرادة للمصلحة فيها ربما لا تكون
بعد التوجه إلى الفعل بخصوصياته مصلحة في إرادته قبل كذا بل
تحدث المصلحة عند كذا وعليه فلا بد من أن تكون الإرادة حاصلة
عنده لا قبله
قوله لا مطلقا ولو متعلقا بذلك:
هذا تسليم لكون الإرادة المطلقة الحالية بالفعل الاستقبالي موجودة
بالفعل وان المانع انما منع عن إظهارها وإنشائها على ما هي عليه
من الاطلاق فلذلك أنشأها بصورة التعليق على الشرط إذ لم يكن مانع
عن إنشائها كذلك (وقد عرفت) ان شيخنا المرتضى (قده) لا يأبى
عن ذلك وليس بحثه في الامر بمعنى البعث وانما بحثه في عدم
توجه الشرط إلى الإرادة الواقعية القائمة بالنفس
قوله واما بناء (إلى قوله) فكذلك:
والصواب ان يقال إنه ليس كذلك لان ما ذكره شيخنا المرتضى (قده)
على هذا المبنى الصحيح واضح جلي ولا يعقل بعد حصول التصديق
بصلاح الفعل المقيد بتقدير غير حاصل صلاحا تاما غير مزاحم تخلو
النفس عن الإرادة و
142

توقف انقداح الإرادة فيها على حصول ذلك التقدير بل عند حصول
هذا التصديق لا محالة تنقدح الإرادة من غير حالة منتظرة بل نفس
هذا التصديق هو الإرادة إذا قلنا إن الإرادة عبارة عن العلم بالصلاح
قوله انما تكون في الأحكام الواقعية:
مراده من الأحكام الواقعية هو التصديق بمصلحة الفعل ومفسدته
فإنها تابعة لمصلحته ومفسدته ومراده من الأحكام الفعلية انقداح
الإرادة والكراهة فيما يمكن انقداح الإرادة فيه أعني بذلك النفس
النبوية والولوية والا ففي المبدأ الاعلى ليس الا العلم واما منعه عن
فعلية الاحكام في الموارد التي ذكرها فغير مرتبط بالمقام فان أحدا لم
يدع ان كل الاحكام فعلية أو ان الحكم إذا كان فعليا في موضوع
بحسب حال أو زمان فلا بد من أن يكون فعليا بحسب جميع الحالات
والأزمنة كي يقابل بالذي ذكره (قده) بل الذي أفاده شيخنا
المرتضى (قده) هو ان فعلية الاحكام بالنسبة إلى الموارد التي تكون
فعلية فيها انما هي من أول الأمر فبالنسبة إلى الموارد الخالية عن
الأصل والامارة على الخلاف التي ذكرها وكذلك بالنسبة إلى الافعال
الواقعة في عصر الحجة عليه السلام أو في الأعصار المتأخرة عن
عصر البعثة تكون الإرادة من أول الأمر فعلية بلا ترقب مجئ تلك
الاعصار (وبالجملة) المدعى هو انه كلما كانت إرادته فعلية ففعليتها
من أول الأمر وكلما لم تكن إرادته فعلية فهي غير فعلية من أول الأمر لا
ان فعلا واحدا إذا كان بحسب حال ووقت تحت الإرادة الفعلية
فهو بحسب جميع الحالات والأوقات تحت الإرادة الفعلية فان الفعل
يتعدد بتعدد
الخصوصيات فربما يكون مع خصوصية تحت الإرادة ولا يكون
كذلك مع أخرى (وحينئذ يقال) ان الفعل بهذه الخصوصية لا بد ان
يكون
تحت الإرادة من أول الأمر من دون ترقب تحقق تلك الخصوصية في
الخارج (والحاصل) ان ما ذكره مع كونه تشبثا بمدعاه في مقام
آخر على إثبات مدعاه هنا أجنبي عن المقام ولا مساس له بكلام
شيخه (قده)
قوله ومع ذلك ربما يكون:
لا يخفى ما في العبارة من التكرار
قوله فلا وجه لتخصيصه بمقدمات:
الظاهر أن مرادهم من الواجب المطلق ما كان وجوبه فعليا ولو لأجل
تحقق شرطه وعليه فلا وجه للتعميم إذ لا وجوب للمشروط قبل
الشرط واما بعد الشرط فيصير مطلقا ويدخل في العنوان
قوله فلكونه مقدمة وجوبية:
وانما لا تجب المقدمة الوجوبية حتى مشروطا نحو وجوب ذيها على
ما عرفت من أن
143

المقدمة يتبع في الاطلاق والاشتراط وجوب ذيها فلان إيجابها
مشروطا بحصولها حفظا لقضية التبعية إذا كان إيجاب ذيها مشروطا
بحصولها طلب للشئ على تقدير حصوله ففي مثل حج ان استطعت
لو وجبت الاستطاعة يكون شكل وجوبها هكذا يجب تحصيل
الاستطاعة ان استطعت وهذا طلب للحاصل وإن كان حال انشاء
الطلب غير حاصل
قوله فإنه جعل الشئ واجبا على تقدير:
لا بد من جعل الظرف متعلقا بمقدر يكون صفة للشئ والا فالعبارة
بظاهرها تنطبق على الواجب المشروط والكلام فعلا في الواجب
المعلق ولكن قوله وهل هو إلا طلب الحاصل، لا يقبل الاصلاح لعدم
كون طلب المقدمات التي هي قيد المادة طلبا للحاصل وانما لا تجب
لأنها أخذت على نحو لا يكاد يترشح إليها الوجوب وعدم وجوب ما
أخذ على نحو لا يكاد يجب ضروري لا يحتاج إلى الاستدلال و
سيجئ بيان ذلك والعجب أنه (قده) كرر هذا القول فيما سيجئ
أيضا
قوله هذا في غير المعرفة والتعلم:
الاشكال هو انه لو لم تجب المقدمات الوجودية في الواجبات
المشروطة قبل تحقق الشرط وفعليته لما وجب تعلم تفاصيل
الواجبات
المشروطة ومعرفة اجزائها وشرائطها قبل الوقت فإنها أيضا من
المقدمات الوجودية إذ لو لم يعلم بها لما تمكن من الاتيان بها في
الوقت حيث إن الوقت لا يسع التعلم فيؤول الامر إلى ترك الواجب
تركا يعذر فيه (وبعبارة أخرى) يؤل الامر إلى لغوية أصل الايجاب
لان الايجاب الذي يكون المكلف معذورا في عدم امتثاله قبيح (و
أنت خبير) بان هذا الاشكال لا مخلص عنه الا بالالتزام بوجوب التهيؤ
للعبد وإعداد نفسه لامتثال ما يتوجه إليه من التكاليف فيما بعد و
الالتزام بذلك مشكل جدا (واما) ما ذكره المصنف (قده) في الجواب
من تنجز الاحكام على الأنام بمجرد قيام احتمالها (فذلك) دليل
وجوب الفحص واستعلام أصل وجود الحكم في الشبهات المحتمل
فيها
وجود حكم فعلى من قبل المولى دون مثل المقام المقطوع فيه عدم
الحكم فعلا والمقطوع فيه أيضا توجه الحكم فيما بعد وعند تحقق
الشرط فما أفاده (قده) أجنبي عما هو الاشكال في المقام
قوله على نحو تعدد الدال والمدلول:
يعنى ان الصيغة مستعملة في انشاء أصل الطلب المهمل الذي
وضعت بإزائه دون انشاء الطلب المقيد وانما القيد استفيد من التعليق
كما أن
في انشاء الطلب المطلق أيضا كذلك يعنى ان الصيغة قد استعملت في
انشاء أصل
144

الطلب المهمل وقيد الاطلاق استفيد من الخارج ومن قرينة الحكمة
فلا الاطلاق داخل في مدلول اللفظ ولا التقييد وكل منهما لو دخل
في
مدلوله صار مجازا
قوله ومن هنا انقدح انه في الحقيقة انما:
يعنى ان شيخنا المرتضى (قده) لا يتجه اعتراضه على ما وجهه إليه و
هو تقسيم الفصول الواجب إلى معلق ومنجز فإنه (قده) معترف بهذا
التقسيم وان أبدل لفظه وسماه مطلقا ومشروطا وانما يتجه اعتراضه
على تقسيم الفصول الواجب إلى مطلق ومشروط بالمعنى
المشهور (وبالجملة) قد غير وبدل مورد اعتراضه إذ اعترض فيما لا
اعتراض له عليه ولم يعترض فيما له الاعتراض عليه
قوله لأنه بكلا قسميه من المطلق:
ليس بكلا قسميه من المطلق بل هذا تقسيم باعتبار آخر لمطلق
الواجب الشامل للمطلق والمشروط فان المشروط أيضا منجز إذا لم
يكن
الواجب فيه مقيدا بقيد لا يجب تحصيله كما في مثل إذا جاءك زيد
فأكرمه ومعلق إذا كان الواجب أيضا مقيدا كالوجوب كما في مثل إذا
جاءك زيد غدا وجب عند ذلك إكرامه بعد غد
قوله وخصوصية كونه حاليا:
ان تقسيم صاحب الفصول (قده) ليس بحسب حالية المتعلق و
استقباليته بل بكونه مقيدا بأمر غير مقدور وعدمه وقد صرح في آخر
كلامه بالتعميم إلى المقيد بالمقدور أيضا
قوله ولا اختلاف فيه:
بل فيه الاختلاف لكن بالنسبة إلى المقدمة المأخوذة قيدا للمادة على
نحو لا يترشح إليها الوجوب إن كانت مقدورة فان هذه المقدمة من
بين المقدمات الوجودية للواجب المعلق لا تجب واما في الواجب
المنجز فجميع مقدماته واجبة
قوله إشكال في الواجب المعلق
ان صح هذا القياس كانت نتيجته استحالة حصول العصيان في
التكاليف وعدم انفكاك التكليف عن وقوع المكلف به في الخارج
قياسا
له بإرادة الافعال بالمباشرة ثم وقوع الفعل المباشري عقيبها واما ما هو
المدعى أعني به استحالة الواجب التعليقي فالقياس بمعزل عنه
(نعم) زمان الفعل في الافعال المباشرية متصل برهان الإرادة لكن ذلك
من حيث تأثير الإرادة في حصول المراد فعلا فلا جرم يتصل
زمانه بزمانها لا ان الإرادة تقتضي اتصال زمان تحقق المراد بزمانها
ابتدأ وفي عرض تأثيرها في حصول المراد فعلا ليكون مقتضى
القياس هو لزوم اتصال الطلب بزمان الفعل المتعلق للطلب
قوله فيه ان الإرادة تتعلق:
لا شبهة في حصول الحالة النفسانية المسماة بالإرادة عند حصول
الفعل المراد أو عند
145

حصول مقدماته (لكن الظاهر) ان هذه الحالة لا تسمى إرادة عند عدم
تأثيرها في الفعل المراد أو في مقدمات الفعل المراد بل تسمى
بالعزم إذا كان ظرف المراد متأخرا فهذه الحالة هي حقيقة الإرادة و
مادتها واما عنوانها فيتحقق بفعلية تأثيرها ولا يكون ذلك الا عند
اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع عن التأثير (فالمستشكل) قايس
التكليف بالإرادة التي أخذ في حقيقتها التأثير في حصول المراد لا
بمادة الإرادة التي هي الشوق المؤكد وان لم يكن مؤثرا في حصول
المراد لأجل فقد شرط أو وجود مانع فان تعلق هذه بأمر متأخر
استقبالي كما ذكره المصنف (قده) بمكان من الوضوح وقد عرفت انها
تسمى في هذه الحالة بالعزم دون الإرادة فكان المصنف (قده)
توهم ان امتياز الإرادة عن غيرها بمرتبة الشوق ورأى أن الشوق غير
المؤثر من جهة كون زمان الفعل المشتاق إليه متأخرا ربما يكون
أشد بمراتب من الشوق المؤثر لأجل كون زمان الفعل حاليا وانه كيف
لا يكون هذا إرادة ويكون ذاك إرادة (ولكن) قد عرفت ان
عنوان الإرادة انما يأتي من مقام فعلية التأثير لا من مرتبة نفس الشوق
فما دام لم يؤثر لا تسمى إرادة وإن كان في أعلى مراتب التأكد و
الاشتداد
قوله ثم لا وجه لتخصيص المعلق:
لا يخفى على من راجع عبارة الفصول تصريحه بالتعميم وان
التخصيص انما هو في عنوان التقسيم (ثم) انه لا وجه لتخصيص
المصنف
(قده) الواجب المعلق بما كان قيده متأخرا بل الواجب المعلق هو
مطلق ما كان الواجب مقيدا بقيد لا يجب تحصيله ولو كان حاليا (مع)
ان
التقييد بالزمان المتأخر يوجب عدم اختيارية القيد فعلا وقبل مجئ
الزمان المتأخر فان المقيد بغير المقدور غير مقدور فعلا ففي عين
الاشكال على الفصول بتخصيصه للقيد بغير المقدور التزم هو (قده)
بالتخصيص بغير المقدور أيضا (اللهم) الا ان يكون مراده بالمتأخر
غير الحاصل فعلا وذلك لاخراج ما كان قيده حاصلا فعلا لا المقيد
بزمان متأخر
قوله على نحو يكون مورد التكليف:
يعنى أخذ المقدور المتأخر على نحو يكون موردا للتكليف في موطنه
أولا (وفيه) انه إذا أخذ على نحو يكون موردا للتكليف يكون
الواجب من جهة هذا الامر مطلقا كسائر أجزأ الواجب وقيوده وانما
يكون معلقا باعتبارية هذا الامر وهو مجئ الزمان المتأخر وهو
غير واجب لعدم القدرة عليه (ثم) ان تعليله (قده) للتعميم بعدم
التفاوت فيما يهم من وجوب تحصيل المقدمات عجيب فان عدم
146

التفاوت المذكور حسب تصريحه السابق بين مطلق الواجبات المطلقة
معلقة كانت أو منجزة فلو كان ذلك علة لتسميته بالمعلق لزم
تسمية جميع الواجبات المطلقة بالمعلق
قوله التي لا يكاد يقدر عليها:
بل تجب مطلقا كان قادرا عليها في زمان الواجب أولا (نعم) مع القدرة
تجب موسعا ومع عدمها تجب مضيقا قبل الوقت
قوله منجزا كان أو معلقا
هذا التعميم قد استفيد من قوله ولو كان أمرا استقباليا، فلا وقع لذكره
ثانيا فان هناك تعميمان تعميم في المادة والمتعلق للحكم من
حيث كونه منجزا أو معلقا وآخر في الحكم من حيث كونه معلقا أو
منجزا وكلاهما مذكوران في كلامه قبل هذه العبارة
قوله فيما إذا لم يكن مقدمة للوجوب:
هذا الاستثناء (منقطع) إن كان المراد من مقدمة الوجوب ما كانت
مقدمة له نحو الشرط المقدم كما هو قضية تعليله للاستثناء يكون هذا
النحو من الطلب طلبا للحاصل لما سيجئ من أن طلب المقدمة
الوجوبية بنحو الشرط المتأخر ليس طلبا للحاصل (ومتصل) إن كان
المراد
منها مقدمة الوجوب بنحو الشرط المتأخر لكن تعليله للاستثناء لا
يلائم إرادة ذلك ووجه الانقطاع والاتصال واضح إذ على الأول لا
وجوب لذي المقدمة قبل المقدمة فلا تدخل تحت مناط وجوب
المقدمة الذي هو عبارة عن وجوب ذيها فلا حاجة إلى إخراجها
بخلافه على
الثاني حيث إن وجوب ذي المقدمة قبل المقدمة فعلى وحسب
الضابط المذكور تجب جميع مقدماته الوجودية حتى المتوقف عليها
وجوبه
فتقع الحاجة إلى إخراجها
قوله كما إذا أخذ عنوانا للمكلف:
المأخوذ عنوانا للمكلف من قبيل شرائط الوجوب بنحو الشرط
المقارن فيدخل تحت الاستثناء الأول (نعم) مورد الشرط ومحله هو
المكلف فقبل حصول هذا العنوان لا يتوجه تكليف كي يقال لا يجب
تحصيل هذا العنوان لأنه أخذ على نحو لا يجب تحصيله فالمأخوذ
على
نحو لا يجب تحصيله من المقدمات الوجودية للواجب المطلق
منحصر في الشق الثاني من الشقين الذين ذكرهما المصنف (قده) (بل
أقول)
ان الكلمة الجامعة للمقدمات غير الواجبة بالأعم من مقدمات
الوجوب والوجود وميزها عن المقدمات الواجبة هي ان كل واجب
أراد
المولى سد تمام ما يتصور فيه من الاعدام المتطرقة إليه حتى ينتهى
إلى الوجوب البتة (فهو مطلق) ولا محالة تجب جميع مقدماته من غير
استثناء وكل واجب كان بعض الاعدام المتطرقة إليه غير مبغوض
للمولى بحيث لا يريد قلب كل ما يتصور
147

فيه من عدم إلى الوجود بل لا يريد الا قلب بعض أعدامه فلو تطرق
إليه العدم من بعض الجهات الخاصة كان عدمه من تلك الجهات
مرضيا
له وغير مبغوض عنده (فهو معلق) ان اخرج المولى ذلك العدم
الخاص عن حيز طلبه وأبقى بقية الاعدام بأجمعها تحت الطلب و
عمم طلبه
بحسب الأزمان ومثال ذلك ان يقال حج حجا كائنا في ظرف
الاستطاعة فان معنى هذه العبارة ان عدم الحج الذي يكون في ظرف
عدم
الاستطاعة لا أريد قلبه إلى الوجود وانما أريد قلب عدم الحج الكائن
في ظرف الاستطاعة إلى الحج في ظرفها وان اقتطع قطعة ما قبل
حصول الاستطاعة من الزمان وأخرجها عن كونها زمان الطلب رأسا و
أنشأ طلبه من بعد زمان الاستطاعة طلبا مطلقا وعلى جميع
التقادير (فهو مشروط) لان طلبه المطلق الذي معناه قلب تمام ما
يتصور من الاعدام انما هو ذلك الزمان لا قبله فلذلك اخرج ما قبله من
الزمان عن زمان الطلب وأنشأ طلبه المطلق من زمان الشرط (ومن
ذلك ظهر) ان واقع كل الواجبات هو التعليق لا الاشتراط وان
الاشتراط يكون في مقام الانشاء ومن جهة عدم انشاء تمام ما هو
الواقع المطابق للتعليق بإخراج ما قبل زمان حصول الشرط عن تحت
الانشاء رأسا لان إطلاق الإرادة يكون من زمان حصول الشرط فإنشاء
هذا الاطلاق الكائن من زمانه ليس الا
قوله وبعد الحصول يكون وجوبه:
هذا البيان يختص بالواجب المشروط على نحو الشرط المقارن دون
المشروط على النحو الشرط المتأخر فان الوجوب هناك سابق على
الشرط ومع ذلك لا يجب الشرط الا ان يكون مراده من طلب الحاصل
طلب ما هو حاصل البتة سوأ كان حاصلا فعلا أو انه سيحصل بعد
ذلك ولكن القطع بالحصول لا يمنع من تعلق الطلب بالشئ والا
لاختص الطلب في الشريعة بمن لم يكن له داع إلى الفعل لولا الطلب
(ثم) ان بيان كون طلب الشرط في الواجب المشروط طلبا الحاصل هو
ان الوجوب إذا كان مشروطا بشرط كان وجوب مقدماته أيضا
مشروطا بنفس ذلك الشرط بمقتضى التبعية فلو وجب نفس الشرط
أيضا كان وجوبه مشروطا بحصول نفسه وهو طلب الحاصل
قوله كما أنه إذا أخذ على أحد النحوين:
نعم إذا أخذ على نحو الأول يكون كذلك وقد عرفت ان ذلك داخل
في الوجوب وليس شيئا غيره (واما) إذا أخذ على النحو: الثاني الذي،
هو من الواجب المعلق فليس طلب الشرط فيه طلبا للحاصل لاطلاق
الوجوب فيه وتوجهه إلى الفعل قبل حصول الشرط و
148

مع ذلك لا يجب الشرط لأنه أخذ على نحو يستحيل ان يتعلق به
الطلب فكان عدم تعلق الطلب به ضروريا لا يحتاج إلى التعليل فإنه من
الضروري بشرط المحمول والعجب من قوله (قده) فلو لم يحصل لما
كان الفعل موردا للتكليف إلخ فان هذا البيان ينطبق على على
الواجب المشروط دون المعلق
قوله إذا لم يقدر عليه بعد زمانه:
بل مطلقا وان قدر عليه بعد زمانه نعم يكون وجوبه مضيقا فيما إذا لم
يقدر عليه بعد زمانه دون ما إذا قدر عليه فإنه يجب قبل ذلك
موسعا وعلى سبيل التخيير في مجموع الأزمنة ومنها زمان الواجب
قوله أو بما يرجع إليه:
هذا هو التعليق بعينه لا انه أمر آخر يرجع إلى التعليق (نعم) أسماه
شيخنا المرتضى (قده) مشروطا وتغيير الاسم لا يوجب تغييرا في
المعنى
قوله فلا محذور أيضا:
يعنى لا محذور في تحقق الوجوب التهيئي الذي وجب لعلة ان يكون
العبد متهيئا ومستعدا لتوجه التكليف إليه قبل توجه ذلك التكليف
المتهيأ له وليس ذلك كالوجوب الغيري المترشح من وجوب ما
وجوب لأجله غير المعقول تعلقه قبل توجهه (وفيه) ان الشئ إذا لم
يكن
شرطا في المأمور به لم يكد يحصل بإتيانه التهيؤ له وإن كان شرطا كان
لحاظ كونه مما يوجب التهيؤ عين لحاظ شرطيته ولحاظ
الشرطية ملاك توجه الامر الغيري فلو جاز الامر النفسي به لصح الامر
النفسي بالاجزاء والشرائط في كل مورد بدل الامر النفسي
بالمركب (وبالجملة) ملاك الامر الغيري بنفس واقعة ممتاز عن ملاك
الامر النفسي وملاك التهيؤ الذي هو عين ملاك الشرطية يستدعى
ويستتبع أمرا غيريا البتة والامر الغيري لا يكون قبل توجه الامر
النفسي بالمتهئ له والمشروط به فتدبر
قوله الا إذا أخذ في الواجب من قبل سائر المقدمات:
لكن ذلك لا يدفع الاشكال فان اشتراط الوجوب بالقدرة على الفعل
من قبل غير هذه المقدمة الخاصة في نفس الوقت على نحو الشرط
المتأخر بحيث لولا القدرة في نفس الوقت لم يكن يريد الفعل وان
قدر على الفعل في الوقت بحفظ القدرة من خارج الوقت (مستلزم)
لتوجه التكليف بالفعل عند وجود القدرة بالفعل بمقدماته في نفس
الوقت وإذا توجه هذا الوجوب لزم اتصاف مقدماته بالوجوب قبل
الوقت وجوبا موسعا مخيرا بين إتيانها قبل الوقت وبعده لكن فيما إذا
كانت المقدمات بحيث لو أتى بها قبل الوقت لم
149

قدرته عنها بعد الوقت ليخرج لأجل ذلك عن الفرض (وذلك) مثل ما
لو توضأ للصلاة قبل الوقت فإنه لا ترتفع بذلك قدرته عن الاتيان
بالصلاة بالوضوء في الوقت بان ينقض وضوئه بعد الوقت ثم يتوضأ لها
(نعم) لو أمر بالفعل عن مقدمات وقتية خرج ما كان منها قبل
الوقت عن كونها مقدمات للفعل المقيد حصوله عن مقدمات وقتية و
استراح عن الاشكال
قوله نحو الشرط المتأخر أو المقارن:
يختص الوجهان الاتيان اللذان استدل بهما شيخنا المرتضى (قده)
على ترجيح إطلاق الهيئة بما إذا كان طرف الاحتمال رجوع القيد إلى
الهيئة بنحو الشرط المقارن الموجب للتقييد في شمول الهيئة للازمان
دون الشرط المتأخر الذي لا يلزم منه ذلك التقييد وأصل هذا
البحث مفروض بعد التنزل عن عدم معقولية تقييد الهيئة ثبوتا وإثباتا
وأيضا بعد التنزل عن كون مقتضى القواعد العربية رجوع القيد
إلى الهيئة أو مفروض فيما إذا علم القيد من الخارج وإن كان ظاهر كلام
المصنف (قده) في اخر المبحث يوهم خلافه
قوله والا فالمرجع هو الأصول العملية:
ان الأصل العملي فيما إذا دار الامر بين الاحتمالات الأربع أعني
احتمالي رجوع القيد إلى الهيئة واحتمالي رجوعه إلى المادة ولم تكن
حالة سابقة متيقنة هو البراءة ولا يلزم بالفعل الا الواجد للشرط فعلا
فإنه المتيقن دخوله تحت الخطاب لدخوله على جميع الاحتمالات

اما) من لم يجد الشرط فعلا ولا يجده بحسب طبعه في المستقبل و
كذلك من لم يجده فعلا ولكن سيجده في المستقبل فلا يقين لكل
منهما بالتكليف والمرجع هو البراءة وذلك لاحتمال ان يكون القيد
قيدا للهيئة وعلى سبيل الشرط المقارن فلا يكون تكليف قبل
حصول الشرط فيكون نتيجة الأصل مطابقا لهذا الاحتمال (وكذلك)
لو دار الامر بين رجوع القيد إلى الهيئة بنحو الشرط المتأخر و
رجوعه إليها بنحو الشرط المقارن مع القطع بعدم رجوعه إلى المادة
فان غير الواجد للشرط فعلا يرجع إلى أصالة البراءة لاحتمال
رجوع القيد إلى الهيئة بنحو الشرط المقارن ومثال ذلك عكس هذا
الفرض على ما لو علم رجوع القيد إلى المادة ولكن لم يعلم أنه أخذ
على نحو يجب تحصيله أو على نحو لا يجب تحصيله فان الفعل من
دون شرط خارج عن مورد التكليف قطعا والشك في أن الداخل في
حيز التكليف هو مطلق الفعل عن شرط أو هو خصوص ما كان شرطه
حاصلا بلا اختيار أو بداعي نفساني والمتيقن
150

هو الأخير فيرجع في غيره إلى أصالة البراءة فلا يجب الفعل الذي
يكون شرطه غير حاصل بأحد النحوين (ولعل مما ذكرناه) يظهر حكم
باقي صور الشك ذوي الاحتمال الثنائي والثلاثي البالغة مع ما ذكرناه
من الصور الثلاث تسع صور لان أحدها ذات احتمال رباعي و
الاثنتان ثنائيتان
قوله وربما قيل في الدوران:
يمكن ان يتمسك لتقديم جانب الهيئة بوجهين آخرين (أحدهما) ان
تقييد الهيئة مستلزم لتخصيص متعلق الخطاب العام غالبا مثل يا أيها
المؤمنون ويا أيها الناس بمن كان واجدا للشرط فعلا ومن سيكون
واجدا فيما بعد ولكن بعد تحقق الشرط ووجدانه فيخرج من لم
يجده ولا يجده بحسب طبعه أصلا فان أصالة العموم في المتعلق
يكون بيانا لرجوع القيد إلى المادة وكونه على نحو يجب تحصيله و
عموم التكليف لمن لا يكون واجدا للشرط أصلا بحسب طبعه يكون
معينا لذلك ولو فرض إطلاق المتعلق وعدم عمومه لاقتضى أصالة
الاطلاق فيه بضميمة أصالة الاطلاق في الهيئة عدم رجوع القيد إلى
الهيئة بنحو الشرط المقارن ولا إلى المادة على نحو لا يجب تحصيله
لان كلا من الامرين يستدعى التقييد في المتعلق وعدم عموم
التكليف لكل من يشمله اللفظ فيبقى مرددا بين رجوعه إلى الهيئة
بنحو
الشرط المتأخر وإلى المادة على نحو لا يجب تحصيله فان إطلاق
الهيئة وشمولها يكون محفوظا على كل حال ويرجع حينئذ إلى
الأصل
ومقتضاه عدم وجوب الفعل الذي لا يكون شرطه حاصلا بحسب
طبع المكلف يعنى اما بغير اختياره أو باختيار مستند إلى داع نفساني
(ثانيهما) ان أصالة الاطلاق في جانب الهيئة أصل في جانب السبب
فيقدم على أصالته في
جانب المادة التي هي أصل في جانب المسبب فان الحكم في خطاب
حج إذا كان مطلقا شاملا للمستطيع الفعلي ولمن يستطيع بعد ذلك و
من لا يستطيع أصلا بحسب طبعه استلزم ذلك ان يكون قيد
الاستطاعة قيدا للمادة بحيث يجب تحصيله والأصل في جانب
السبب و
القرينة مقدم بحسب بناء العقلا على الأصل في جانب المسبب و
ذي القرينة ومن أجل ذلك يقدم ظهور الفعل في مثل لا تضرب أحدا
على
ظهور المتعلق فكما يقدم ذلك يقدم ظهور الحكم على ظهور المادة و
المتعلق للحكم وانه يقدم الاطلاق والظهور بمقدمات الحكمة في
جانب الحكم والهيئة على الظهور بمقدماتها في جانب المادة (لكن)
ما ذكرناه وما نقله المصنف (قده) لترجيح جانب الهيئة يكون
مختصا بالقيد المنفصل على
151

مبنى المصنف (قده) في القيد المتصل من أن اتصال الكلام بما يصلح
رجوعه إلى كل جز منه يوجب إجمال ما يحتمل رجوع القيد إليه
فيكون كل من الهيئة والمادة عاريا عن الاطلاق ومقدمات الحكمة
لأجل اتصال الكلام بما يصلح ان يكون بيانا لكل منهما
قوله غير شامل لفردين في حالة واحدة:
يريد بذلك التنبيه على جهة أقوائية العموم الشمولي على العموم
البدلي وهو ان العموم البدلي يشمل افراده في حالة واحدة وهي حالة
انفراد كل عن صاحبه واما العموم الشمولي فيشمل كل فرد في تارات
شتى حالة الانفراد وحالة الانضمام الثنائي والثلاثي إلى غير
ذلك من أنحاء الثنائي والثلاثي الناشئ من اختلاف الضمائم كهذا
الفرد وذاك الاخر وهكذا فزيد في مثل أكرم العلماء يكون مشمولا
للعلماء عدة دفعات هو وحده ومنضما إلى عمرو ومنضما إلى عمرو
وبكر وهكذا حسب ما يفرض له من صور الانضمام وهذا بخلاف
زيد في مثل أكرم عالما فلو بنى على تخصيص زيد من العام الأول أو
تخصيصه من العام الثاني تعيين تخصيصه من العام الثاني لقوة
شمول العام الأول بتكرر شمولاته له فإذا دار الامر بين رفع اليد عن
الشمول الأقوى والشمول الأضعف تعين الثاني (هذا) ولكن في
تكرر شمول أكرم العلماء لكل فرد من افراده نظر بل منع (فالأولى) في
تقرير أقوائية العموم الشمولي من العموم البدلي (ان يقال) ان
العموم البدلي لا يشمل افراده الا في حالة واحدة أعني بها حالة
الانفراد فمثل أكرم عالما لا يشمل زيدا إذا سبقه إكرام عمرو وانما
يشمل زيدا إذا لم يسبقه فرد آخر من افراده وكذا سائر الافراد وهذا
بخلاف العموم الشمولي فإنه يشمل افراده في تمام الأحوال فكل
فرد في تمام الأحوال سوأ سبقه سائر الافراد أم لم يسبقه يكون
مشمولا له فتخصيصه بفرد واحد قطع لشمولاته التي يكون له بالنسبة
إلى هذا الفرد الواحد بحسب أحواله وذلك بخلاف تخصيص العام
البدلي بفرد واحد فإنه قطع لشمول واحد له بالنسبة إلى حالة واحدة
من حالات ذلك الفرد واما باقي الحالات فهو خارج تخصصا
قوله إن تقييد الهيئة يوجب بطلان:
يمكن تقرير هذا الوجه بنحو أحسن وأبعد عن الاشكال وهو انه لا
مجال لمقدمات الحكمة في جانب المادة لتمامية البيان بالنسبة إليها
(وذلك) اما لتوجه القيد إليها ابتدأ أو لتوجهه إلى الهيئة الموجب
ذلك لتقيد المادة أيضا بالتبع وعلى كل حال لا يبقى مجال للاطلاق
في
جانبها فتبقى المقدمات في جانب الهيئة سليمة عن المعارض
152

وبذلك ينعقد لها الاطلاق.
قوله الا انه لا يوجب ترجيحه على إطلاقها:
يعنى ان عنوان الشمولية ليس مما يوجب الترجيح وقوة الدلالة وكأن
المصنف (قده) لم يحط بما ذكرناه في وجه الاقوائية أو لم ير
الوجه المزبور وجها للقوة وكان الأنسب لمذهبه (قده) إذ يرى اتصال
ما يصلح للقرينية موجبا لاجمال الكلام ولذا يحكم بالاجمال في
الجميع في مسألة تعقب الاستثناء للعمومات المتعددة مع أن المتيقن
عوده إلى الأخير (ان يحكم) بإجمال الهيئة والمادة جميعا لأجل
اتصاله بما يصلح ان يكون بيانا لكل منهما (نعم) في صورة انفصال
القيد يأتي ملاحظة الترجيح بين الظهورين المنعقدين والكلام في
العموم الشمولي والبدلي والحكم بالاجمال مع عدم الترجيح بهما إذا
لم يكن هناك متيقن التقييد (وقد عرفت) ان تقييد المادة هو
المتيقن فيؤخذ بظهور إطلاق الهيئة بلا مزاحم.
قوله انما هو لأجل كون دلالته بالوضع:
ترجيح العموم الوضعي على العموم الاطلاقي المنعقد بعدم البيان في
مقام البيان مطلقا (محل نظر) فان المقدمات العقلية لا تقصر عن
وضع الواضع بل مع القطع بالمقدمات يكون الاطلاق قطعيا غير قابل
للتقييد وانما يقيد فيما إذا كان عدم البيان غير قطعي بل كان
الحكم بعد الفحص وعدم الظفر بالبيان أو أحرز كون المتكلم في مقام
البيان بالأصل لما يأتي في محله من أن الأصل فيما لم يحرز ان
المتكلم كان في مقام البيان أولا هو البناء على أنه كان في مقام البيان
فإذا جاء المقيد علم خطأ الأصل المزبور
قوله واما الثاني فلان التقييد
قد عرفت عند بيان الوجه الثاني ان تقييد المادة متيقن على كل حال و
الشك في تقييد الهيئة فيتمسك فيها بالاطلاق (نعم) لا حاجة على
مسلك المصنف (قده) إلى هذه الإطالة بل له التخلص عن جميع ما
يقال في الترجيح بكلمة واحدة وهو ان ذلك كله بعد انعقاد الظهور و
ان اتصال الكلام بما يصلح ان يكون بيانا يمنع من انعقاد الظهور ومن
تمامية مقدمات الحكمة في كل ما يصلح ان يكون هذا بيانا له (و
إن كان عندي في ذلك نظر) فان المجمل كيف يصلح للبيانية (نعم)
يكون ذلك بيانا إجماليا لتقييد الهيئة أو المادة وهذا البيان الاجمالي
يوجب إجمال الجميع إذا لم يكن في البين ما هو متيقن التقييد وقد
عرفت انه المادة فيبقى الاطلاق في جانب الهيئة سليما عما يصلح ان
يكون بيانا له
153

قوله وبالجملة لا معنى لكون التقييد:
ليس معنى كون التقييد خلاف الأصل انه خلاف الظهور المنعقد والا
لم يكن التقييد بالمتصل خلاف الأصل فلم يكن طريق إلى إحراز عدم
التقييد والبيان في مقام البيان عند الشك في البيان المتصل (بل)
معناه بناء أهل المحاورة على عدم البيان عند الشك في البيان و ح
يقال كما أنهم يبنون على عدم التقييد والبيان عند الشك في ذلك
كذلك يبنون على عدم ما بحكم التقييد في إبطال الاطلاق عند الشك
فيه وبكلمة جامعة انهم يبنون على تمامية مقدمات الحكمة حتى
يأتيهم ما يصرفهم عنها
قوله كان لهذا التوهم مجال:
بل قد عرفت ان تقييد المادة متيقن فيبقى الظهور في جانب الهيئة
سليما عن المزاحم فليس الاخذ بظهور الهيئة وتقييد المادة من جهة
دوران الامر بين تقييدين وتقييد واحد وان التقييد الواحد مقدم بل
من جهة عدم الدليل لا إجمالا ولا تفصيلا على تقييد الهيئة بعد
انحلال القيد الاجمالي إلى قيد تفصيلي للمادة والشك فيما عداها
قوله لكنه لا يخفى ان الداعي:
لا يخفى ان الاشكال في المقام نشأ من تعريف الواجب الغيري بما كان
الداعي لإيجابه هو التوصل إلى واجب آخر فلو جعل الداعي هو
الاتيان بواجب آخر لم يتجه إشكال لوضوح ان الأغراض في
الواجبات النفسية ليست مما يؤتى بها عقيب الاتيان بنفس الواجبات
بل هي
مما تترتب عليها قهرا.
قوله فالأولى ان يقال إن الأثر المترتب عليه:
إن كان غرضه من العنوان الحسن الثابت للمعنون هو عنوان كونه مؤثرا
في ذلك الأثر المترتب عليه فهذا هو الحسن الغيري المقدمي
الذي لا يكون ملاكا الا للامر الغيري وإن كان مراده عنوان آخر غير
ذلك ذلك العنوان سوأ كان متولدا من ذلك العنوان على سبيل
الواسطة في الثبوت أو كان ثابتا للمعنون في عرض ثبوت العنوان و
يكون هذا ذاتيا وذاك عرضيا (ففيه) مع أن العنوان الموجب
للحسن الذاتي لا يكون الا ذاتيا والذاتي لا يعقل ان يتولد من شئ
آخر لا سيما مع كون ذلك الشئ الآخر عرضيا فكون العنوان المزبور
متولدا باطل فينحصر الامر في التزام عنوان اخر ذاتي مع الالتزام بان
الامر قد نشأ منه دون الجهة الأخرى العرضية التي لا تكون ملاكا
الا للامر الغيري (يتجه عليه) انه لا طريق لنا إلى ثبوت هذا العنوان في
موارد الأوامر النفسية (ثم) لا طريق لنا إلى كونه هو الداعي
154

إلى إيجابها دون ملاك الامر الغيري الثابت فيها فكيف يحكم بان هذه
الأوامر نفسية وتلك طريقية (بل) ظاهر الأخبار الواردة في علل
الاحكام ان الباعث للامر هو حصول الآثار الخاصة ومن الواضح انه لو
كانت ذاتها دخيلة في الامر لما صح التعليل بالجهات الخارجية
(فالصواب في الجواب ان يقال) ان الأغراض تثبت في الافعال ثم
تتبعها الإرادات من المولى بناء على كون الأوامر ناشئة عن المصالح و
المفاسد في المتعلق دون نفس الامر فالإرادة معلولة للمصلحة وناشئة
من التصديق بوجودها في المتعلق (فكل أمر صدر) لداعي حفظ
المصلحة والغرض الموجود في المتعلق فذلك أمر نفسي وإن كان
الداعي من الامر هو حصول التوصل إلى ذلك الغرض وكان الغرض
واجبا بحيث لولاه لما صار داعيا إلى إيجاب ما يحصله إذ ليس المراد
من التوصل إلى الواجب المأخوذ في تعريف الواجب الغيري التوصل
إلى مصداق الواجب وما هو بالحمل الشائع واجب كي لا يكون هذا
واجبا نفسيا (وكل أمر صدر) لداعي حفظ الإرادة والايجاب الناشئ
من ذلك الغرض أعني التوصل إلى الواجب بما هو واجب لا الغرض
نفسه وإن كان التوصل إليه أيضا حاصلا فذلك هو الواجب الغيري (و
بالجملة) الواجب الغيري هو الواجب لداعي حفظ الإرادة والطلب
الاخر الذي هو للمولى فان حفظ الإرادة بما هو إرادة وطلب من جملة
الأغراض
وان لم يكن ذلك ناشئا من الغرض في المتعلق
قوله الا انه لا دخل له في إيجابه:
إذا كان في الفعل ملاك الايجاب النفسي لا محيص من أن يكون واجبا
نفسيا لما تقدم من أن ملاك الايجاب النفسي لا يزاحم بملاك
الايجاب الغيري فان الغيري لا يقتضى الايجاب الا عند إيجاب ذي
المقدمة وهذا يقتضيه مطلقا ومالا اقتضاء له لا يزاحم ما فيه الاقتضاء
فلا يبقى مجال للايجاب الغيري بعد وجود ما يقتضى الايجاب مطلقا
(نعم) فيما إذا كان ملاك الايجاب النفسي مزاحما بالمفسدة يبقى
ملاك الايجاب الغيري فقط على صفة التأثير ويؤثر في الايجاب وفي
الحقيقة هذا خارج عن موضوع وجود الملاك النفسي إذ وجود
الملاك المزاحم كعدمه
قوله فالتحقيق ان الهيئة وإن كانت:
وذلك أن الهيئة وان فرض وضعها لما يعم ذلك لكن لا يمكن
التمسك بإطلاقها على إثبات ما يعم الا مع احتمال ثبوت ذلك ولا
يحتمل
في المقام ثبوته لان الثابت في الواقع شخص من الإرادة فاما هو
شخص متصف بأنه نفسي أو هو متصف بأنه غيري ولا ثالث لهما و
حيث إن النفسي أشمل
155

الحالات والزمان وذلك الاخر أعني به الغيري أضيق لاختصاصه
بحال خاص أو زمان خاص وهو حال وجوب الغير فإطلاق اللفظ
الكاشف عن ثبوت هذه الإرادة وعدم تقييده للثبوت بتلك الحالة و
الزمان يقتضى ثبوت خصوص ما هو مستمر في تمام الحالات و
الأزمنة وما هذا شأنه هو الواجب النفسي (وبالجملة) عدم التقييد في
الألفاظ الموضوعة للكليات كلفظ رقبة في أعتق رقبة انما يعين
ثبوت الاطلاق والشيوع فيما يحتمل فيه ذلك لا في مثل المقام غير
المحتمل فيه ذلك لاطلاق اللفظ على الفرد والجزئي فالحال في مثل
المقام المعلوم كون ما بإزاء هذا اللفظ شخصا خارجيا لا يتفاوت عما
إذا كان مدلول اللفظ ابتدأ شخصا خارجيا كأكرم زيدا فلا فرق
بين ان يقال بوضع الهيئات للمعاني الكلية أو يقال بوضعها للمعاني
الجزئية في صحة التمسك بهذا الاطلاق لاثبات الوجوب النفسي فان
هذا الاطلاق إطلاق أحوالي جار في الاشخاص أيضا فالاطلاق في
أكرم زيدا وعدم التقييد بحال دون حال يقتضى وجوب إكرام زيد
بتمام أحواله إذ لو كان مقيدا بحال خاص لكان اللازم عليه تقييده به إذا
كان في مقام البيان وهكذا الحال في المقام فان إرادة المولى و
طلبه لو كان في حال خاص وزمان مخصوص لقيد بذلك الحال و
الزمان في مقام البيان والمفروض عدم التقييد فيكشف ذلك عن
شيوع إرادته الشخصية وسريانها إلى تمام الأحوال والأزمان
(والحاصل) ان التمسك بعدم بيان تقييد اللفظ الموضوع للطبيعة في
مقام البيان يقتضى الاطلاق الافرادي ويبتنى ذلك على كون اللفظ
الملقى في مقام البيان موضوعا للطبيعة دون الفرد (واما) التمسك
بعدم بيان تقييد اللفظ بحال أو زمان فذلك يقتضى الاطلاق الأحوالي
غير المختص جريانه بالألفاظ الموضوعة للماهيات الكلية بل يجري
في الألفاظ الموضوعة للاشخاص كالاعلام والألفاظ التي أريد منها
الاشخاص اما باستعمالها في الشخص أو بإطلاقها عليه وما نحن فيه
أعني الهيئات اما من قبيل الموضوعة للشخص أو من قبيل ما أطلق و
أريد منه الشخص فالتمسك بالاطلاق فيه تمسك بالاطلاق الأحوالي
وليس ذلك من التمسك بالاطلاق والسريان الافرادي فلا يبتنى
التمسك بهذا الاطلاق على عموم الموضوع له في الهيئات كما لا
يجدى عموم الموضوع له في التمسك بإطلاقه حتى في الاطلاق
الافرادي
بعد القطع بإرادة الخصوص (فلنا في المقام دعويان) (الأولى) ان
الوضع لمعنى عام بعد القطع بكون المراد منه هو المعنى الخاص لا
يجدى في التمسك بإطلاق
156

اللفظ إطلاقا افراديا (الثانية) ان إطلاق المتمسك به: في المقام إطلاق
أحوالي ولا يتوقف ذلك على وضع اللفظ بإزاء معنى عام بل يجري
حتى مع الوضع بإزاء معنى خاص كالاعلام أو مع الاستعمال في معنى
خاص أو إطلاقه وإرادة معنى خاص كما فيما نحن فيه فان هيئة
افعل اما موضوع بإزاء الجزئيات أو أريد منه ذلك فيستكشف بذكر
اللفظ عن وجود ذلك الجزئي وشخص تلك الإرادة في نفس المتكلم
ثم بالدوران والترديد يعين ذلك الشخص وانه هو الإرادة النفسية و
الإرادة الموجودة في جميع الأحوال دون المختصة بحال وجوب ما
يحتمل كون هذا شرطا له إذ لو كانت مختصة لبين اختصاصها في مقام
البيان كما أن وجوب أكرم زيد في أكرم زيدا لو كان مختصا
بحال خاص من قيامه أو قعوده لبين ذلك وإذ لم يبين يستكشف به
عموم طلبه لجميع أحواله (ومن ذلك يطهر) ان بناء التمسك
بالاطلاق في المقام على كون معنى هيئة افعل جزئيا أو كليا ليس على
ما ينبغي وذلك من وجهين (الأول) ان كون المعنى كليا لا يجدى
شيئا بعد التسالم على كون المراد ولو على سبيل الاطلاق دون
الاستعمال جزئيا (الثاني) ان كلية ما يتمسك بإطلاقه لا مدخلية له في
التمسك بالاطلاق الأحوالي الذي منه المقام بل يجري هذا الاطلاق
في الاعلام الشخصية وما في حكمها
قوله بعد كون مفادها الافراد التي:
قد عرفت معقولية التقييد في الافراد تقييدا أحواليا فيحكم عند عدم
هذا التقييد بالاطلاق الأحوالي فهذه المقدمة من المناقشة التي ذكرها
المصنف (قده) على سبيل التسليم هي محل المنع دون المقدمة
الأخرى التي منعها أعني بها كون مفاد الهيئة هو الافراد إذ قد عرفت ان
المراد هو الفرد على كل حال وإن كان مدلول اللفظ عاما (مع) ان
الاطلاق المتمسك به في المقام ليس إطلاقا افراديا يتوقف على عموم
مفاد اللفظ بل يجري حتى مع كون مفاده خاصا
قوله إذ لا شك في اتصاف الفعل:
هذا الاستدلال ينبئ عن أن المدعى هو ان مفاد الهيئات هي الجزئيات
الخارجية والإرادات الحقيقية القائمة بنفوس المتكلمين فكل متكلم
يستعمل ما تكلم به من الصيغة في الإرادة القائمة بنفسه وذلك باطل
بالقطع ولا يقول به القائل بجزئية مفاد الحروف والهيئات بحيث
لو لم تكن بإزاء الهيئة إرادة حقيقية كانت الهيئة غلطا وانما المراد
بجزئية مفاد الهيئات هو انها مستعملة في الجزئيات الانشائية الحاصلة
بنفس قول افعل ولا تفعل وذلك يجتمع مع وجود الإرادة الحقيقية
القائمة
157

بالنفس ومع عدمه وقد تكرر في كلام المصنف (قده) ان الصيغ
الانشائية ليست موضوعة بإزاء الصفات الحقيقية القائمة بالنفس من
التمني والترجي والاستفهام بل هي من دواعي إنشائها كما يكون
لداعي غير ذلك أحيانا وعلى ذلك فالجزئية لا تنافي قبولها للانشاء
وإشكال المصنف (قده) مبنى على ما هو ظاهر المقدمات من وضعها
للصفات الحقيقية فإنها غير قابلة للانشاء قطعا وانما القابل
للانشاء هو المفاهيم بل القابل منها لذلك هو مفاهيم خاصة تتحصل
بالانشاء ويكون الانشاء مصداقا لها
قوله واتصاف الفعل بالمطلوبية الواقعية:
لعله أراد بهذه العبارة دفع الاستدلال الذي تقدم من القائل بالجزئية و
لكن التعبير ليس على ما ينبغي فان المستدل لم يكن يدعى
المنافاة بين الاتصاف بالمطلوبية الحقيقية والاتصاف بالمطلوبية
الانشائية بل استدلاله يعطى توهم اتحاد المطلوبين (فالصواب في
الجواب ان يقال) ان المطلوبية في المقدمتين ليست بمعنى واحد بل
هي في صغرى البرهان بمعنى المطلوبية الانشائية وفي كبراه بمعنى
المطلوبية الحقيقية فحد الوسط غير متكرر في المقدمتين فلا يتم
البرهان
قوله والا فلا لصيرورة الشك فيه بدويا:
هذا إذا لم يكن مسبوقا بالوجوب لوجوب ما احتمل كونه شرطا له ثم
شك في ارتفاع وجوبه بارتفاع وجوب ذلك والا استصحب
الوجوب الجامع بين الوجوب النفسي والغيري ويكون ذلك من قبيل
استصحاب الشخص المردد بين طويل العمر وقصيره
قوله لا ريب في استحقاق الثواب:
ان استحقاق العبد للثواب على الإطاعة عقلا بحيث لو لم يثبه المولى
كان مرتكبا للقبيح وظالما مفوتا لحقه محل نظر بل منع فان باب الأمر
والاطاعة ليس باب الاستئجار ليستحق الأجير بإتيان العمل
المستأجر عليه الأجر والثواب (نعم) لو وعد المولى بالاجر قبح منه
مخالفة الوعد وترك الوفاء به هذا كله في جانب الثواب (واما)
استحقاق العبد العقاب على المعصية فالعقاب إن كان من جهة عدم
وصول
المولى إلى مقصده وغرضه بسبب عدم إتيان العبد بمتعلق غرضه فهو
قبيح عقلا وناشئ من الجهة الحيوانية (وإن كان) من جهة مجرد
مخالفة عبده له وظلمه لمولاه بعدم إتيانه لما هو حقه أعني به الإطاعة
وان فرض عدم غرض له في متعلق امره فيجوز مجازاته بالايذاء
من باب (وجزأ سيئة سيئة مثلها) فان العقل يحكم بحسن مجازات
السيئة بالسيئة وليست المجازات كالابتداء في حكم العقل بالقبح و
هذا هو الاستحقاق العقلي (فلا ريب) ان الغنى المطلق جل وعلا لا
تضره معصية
158

العاصين كي يجازى على ذلك (وإن كان) ذلك لمجرد تأديب العبد
كي لا يعود على المعصية التي تضره فان ذلك وإن كان لطفا من
المولى ومقربا للعبد إلى الطاعة ومبعدا له عن المعصية (لكنه) لا يكاد
يكون بعد انقطاع العبد من دار التكليف وتحوله إلى دار الآخرة
وانما يحسن ذلك في دار التكليف كما كان يكتب في الأمم السابقة
على باب دار العاصي انه عاص لكي يرتدع عن المعصية في المستقبل
(وإن كان) من جهة إزالة الأوساخ والقذارات الحاصلة من المعاصي
التي يكون ظهورها العقاب ولا يزول درن المعاصي بدونه فيكون
عقابه لطفا لأجل التطهير والتصفية ويكون العبد بذلك لائقا لحضور
مجلس المولى ومحل رحمته ومهبط فيضه (فهو أيضا) لا يجتمع
مع الخلود في العذاب الثابت بنص الكتاب وصريح السنة (فينحصر
الامر) اما بالالتزام بتجسم الأعمال وان العذاب الأخروي عبارة عن
نفس هذه الأعمال والمعاصي التي ارتكبها العاصي وكانت حقائقها
الواقعية مستورة بالحجب الدنيوية فظهرت بالموت للنفس
بصورها الواقعية وتتألم النفس بما اختارته في دار الدنيا من الأعمال أو
الالتزام بان الثواب والعقاب بالوعد والوعيد وهما أعني نفس
الوعد والوعيد لطفان من المولى مقربان للعبد نحو الطاعة ومبعدان له
عن المعصية والعمل عليهما بإعطاء الثواب فعلا على الإطاعة و
العقاب على المعصية تنفيذ لإرادة العبد
إذ هو اختار هما باختيار ما هو سبب لهما بجعل المولى فجعلهما
حسن والعمل على طبق الجعل والوفاء به أيضا حسن فان الحيلولة
بين
العبد وإرادته ربما يكون قبيحا (لكن الأول) أعني به تجسم الأعمال
باطل وذلك لان العقاب من تبعات عنوان المعصية ومخالفة طلب
المولى عن عمد فهو متأخر عن الطلب ومتولد منه بحيث لولاه لم
يكن والعمل سابق بحسب المرتبة على الطلب ويتبعه الطلب
(فينحصر
الامر بالثاني) أعني به الوعد والوعيد (ثم) على تقدير ثبوت
الاستحقاق عقلا فالبداهة تشهد بأنه لا فرق في الاستحقاق المذكور
بين
الأوامر النفسية والغيرية فان ملاك الاستحقاق في الجميع واحد وهو
ترك أداء حق المولى وعدم القيام بوظائف عبوديته بتنفيذ
مقاصده وإجراء أوامره ونواهيه فلا وجه للتفصيل والتفكيك
بالاستحقاق في الأول وعدم الاستحقاق في الثاني (بل) لو ثبت عدم
استحقاق من ترك الواجب بمقدماته الا لعقاب واحد عقلا كشف ذلك
عن عدم وجوب
159

المقدمات فان استتباع الوجوب ولو كان غيريا لاستحقاق العقاب
أوضح عندنا من وجوب مقدمة الواجب
قوله نعم لا بأس باستحقاق العقوبة:
ان استحقاق العقوبة على المخالفة عند ترك المقدمة فيما إذا أوجب
ذلك تعذر ذي المقدمة في وعائه مبنى على كون استحقاق العقاب
على المعصية بملاك حصول الجرأة على المولى فان الجرأة قد
حصلت فعلا وعند ترك ما يستحيل معه الاتيان بالواجب أو ترك
الحرام
أو إتيان ما يستحيل معه الاتيان بالواجب أو ترك الحرام كإلقاء النفس
من شاهق (واما) إذا كان بملاك ترك الواجب أو فعل الحرام في
الخارج فما دام لم يرتكب أحد الامرين ولو من جهة عدم مجئ زمانه
لا معنى للعقاب عليه وان فرض كونه ضروريا في وعائه لوجود
علته فان ذلك من القصاص قبل الجناية ولو صح ذلك لصح عقاب من
يقطع بعصيانه وإن كان الاختيار منه بعد باقيا
قوله بما هي مقدمات له،
يعنى انه أتى بالمقدمات لأجل التوصل بها إلى ذيها لأجل غرض آخر
فاتفق انه أتى بذيلها بعد الاتيان بها للغرض الاخر فان العمل بمشقته
لم ينبعث من الامر ولم يحصل بداعيه كي يثاب بثواب أشق الأعمال
بل المنبعث عن داعي الامر ذات العمل فلا يثاب الا بثواب ذات
العمل
الخالي عن المشقة (وفيه) ان المشقة إذا لم تكن في نفس العمل بل
كانت ناشئة من التوقف على المقدمات الشاقة ومع ذلك أوجبت
زيادة
الثواب لم يكن ذلك الثواب الا من جهة المقدمات بل قضية زيادة
الثواب بزيادة المشقة إعطاء الثواب على المقدمات وان لم نقل
بوجوبها
وذلك فيما إذا كان الداعي على الاتيان بها أمر ذيها
قوله وعليه ينزل ما ورد في الاخبار.
ويمكن ان ينزل الاخبار على إعطاء الثواب على نفس ذي المقدمة و
تكون المقدمات كعدد الخطوات في زيارة سيد الشهداء عليه السلام
مقياسا ومحددا لمقدار ذلك الثواب الذي يعطى على ذي المقدمة
فيكون له من ثواب الحج والعمرة على زيارته بمقدار لو وزع على
خطواته لكان لكل خطوة حجة وعمرة فبعدد خطواته يزاد في ثواب
زيارته
قوله لا بما هو شروع في إطاعة:
يريد بذلك الإشارة إلى أن الحاصل هو ثواب أشق الأعمال فيما لو أتى
بالمقدمات لأجل التوصل إلى ذيها ولا يخفى ان امتثال الامر
الغيري ملازم لقصد التوصل بالمقدمات إلى ذيها كما سيجئ فيثاب
لا محالة ثوابا يزيد على ثواب نفس العمل لكن هذا الثواب هو ثواب
160

أشق الأعمال المنطبق عنوانه على نفس ذي المقدمة لا ثواب
المقدمات (هذا وقد عرفت) ان معنى زيادة الثواب بزيادة المشقة هو
إعطاء
الثواب على المقدمات وان لم نقل بوجوبها أو قلنا بوجوبها ولكن لم
يأت بها بداعي وجوبها الغيري بل دعاه إلى الاتيان بها امتثال
الامر النفسي المتعلق بذيلها فإنه يدعوا إلى المقدمات كما يدعوا إلى
ذي المقدمة (ثم) ان ما رتبه المصنف (قده) من المقدمتين أعني بهما
عدم اقتضاء امتثال الامر الغيري ومخالفته قربا وبعدا وكون الثواب و
العقاب من تبعات القرب والبعد وآثارهما لا يخلو عن النظر
(اما الأولى) فلان القرب والبعد المعنويين على إشكال في معناهما ان
حصلا فيما من آثار مطلق قصد التقرب والامتثال والمخالفة و
العصيان سوأ كان المقصود امتثاله أمرا نفسيا أو غيريا بل يترتبان على
مجرد الانقياد والتجري وان لم يكن في موردهما أمر ونهى
(واما الثانية) فلانا نمنع ان الثواب والعقاب من آثار القرب والبعد
المعنويين بل هما من آثار قصد الامتثال والتعمد بالعصيان كما أن
القرب والبعد المعنويين أيضا من آثارهما في عرض واحد ومن
المعلوم ان قصد الامتثال بالامر الغيري بمكان من الامكان ولولاه لم
يعقل توجه الامر فان الامر انما هو لغرض ان يدعو العبد إلى العمل فلو
لا انه مما يمكن ان يدعو نحوه كان الامر باطلا وعبثا
قوله إشكال ودفع:
قد عرفت ان الامر الغيري لا يقصر عن الامر النفسي في حصول
الإطاعة والقرب بموافقته وترتب الثواب والعقاب عليه وان الملاك
في
حصول ذلك كله جنس الطلب من غير خصوصية للنفسية فإنفاذ إرادة
المولى وإنجاز مقصده مما يستحق عليه الثواب بما هو إنجاز
مقصده وإنفاذ مرامه فنحن من هذا الاشكال في راحة (نعم) الاشكال
الثاني يتوجه علينا كما يتوجه على غيرنا (وحاصله) ان الامر
الغيري لا يعقل ان يكون عباديا (والوجه في ذلك) ان الفعل ما لم يكن
مقدمة لم ترشح إليه الطلب من جانب ذي المقدمة وإذا كان مقدمة
لم يحتج في التوصل إلى ذي المقدمة إلى أزيد من حصول ذاته فلا
حاجة إلى قصد التقرب بأمره (وحل الاشكال) هو ان المقدمة (تارة)
تكون من قيود المأمور به بان أخذ التقيد به دخيلا في المأمور به
فحيث أخذ دخيلا صار حصول القيد من المقدمات لان الذات المقيد
لا
يحصل بدون قيده كما تقدم في تقسيم المقدمة (وتارة) تكون مما لا
يحصل المأمور به خارجا بدونه من دون أن تكون من قيود المأمور
به لا إشكال على الثاني وان مجرد وجوده في الخارج
161

يتوصل إلى المأمور به من غير دخل للاتيان به على وجه القرب واما
على الأول فإذا كان ذو المقدمة تعبديا فلا محيص من كون مقدمته
أيضا تعبدية فلا يجدى إتيانه على وجه غير قربي في التوصل به إلى
المأمور به وهذه التعبدية عين تلك التعبدية التي في المأمور به
النفسي لا تعبدية أخرى قد اعتبرت في الامر الغيري (بيان ذلك) ان
الامر المتعلق بمركب مؤلف من أجزأ وشرائط إذا كان عباديا لم
يكن بد من الاتيان بذلك المركب باجزائه وشرائطه على وجه قربي
بحيث لو خلى شئ من الاجزاء والشرائط عن قصد التقرب فسد
الجميع وذلك لان التقرب في المركب من الاجزاء والشرائط وإن كان
يتوجه إلى ذوات الاجزاء دون ذوات الشرائط لأنها بذواتها غير
داخلة في المأمور به بل بتقيداتها فيعتبر قصد التقرب ابتدأ بتقيداتها
الا ان قصد التقرب بالتقيد لا ينفك عن قصد التقرب بذات القيد و
نفس الشرط فالصلاة مستقبلا بها القبلة لا تكون بقصد التقرب إذا كان
استقبالها على وجه غير قربي وكذلك الصلاة متسترا فيها لا
تكون قربية مع عدم كون التستر بوجه القرب وكذلك الصلاة المتقيدة
بكونها عن الغسلتين والمسحتين لا تكون قربية إذا كانت نفس
الغسلتين والمسحتين لا على وجه التقرب وصوم المستحاضة
بوصف كونه ملحوقا بالغسل لا يكون قربيا إذا كان غسلها الليلي لا
على
وجه القرب (وبالجملة)
تحصيل القيود والشرائط لا بد وأن يكون على وجه التقرب ليكون
التقيد بها المأخوذ في المأمور به العبادي على وجه التقرب فنفس
الامر العبادي النفسي يقتضى الاتيان بما في حيز أمره على وجه
التقرب أولا وبالذات ويقتضي الاتيان بذوات القيود على وجه
التقرب
ثانيا وبالعرض حيث إنه لا ينفك التقرب الأول عن الثاني ولا دخل
لهذا التقرب بالامر الغيري المتوجه إلى القيود وليس تقربا بذلك
الامر بل لو لم نلتزم بترشح الامر الغيري لم يكن محيص عن هذا
التقرب وهذا هو السر في اعتبار قصد التوصل إلى ذي المقدمة في
وقوع المقدمة على وجه الامتثال فإنه كما يعتبر قصد إلحاق بقية الأجزاء
في تأتى قصد التقرب بكل جز من المركب المأمور به كذلك
يعتبر قصد إلحاق الاجزاء بالشرائط أو الشرائط بالاجزاء على اختلاف
الموارد في تقدم الشرائط وتأخرها في تحقق قصد التقرب
بالمركب إذ الداعي هو داع وحداني منبسط على مجموع أجزأ
المركب بشرائطه ناشئ من الامر المنبسط كذلك وهذا الداعي
الوحداني
الناشئ من الامر لا يعقل ان
162

يكون متعلقا ببعض أجزأ متعلقه إذ الامر لا يكون داعيا الا إلى تمام ما
تعلق به فلا بد في تحقق هذا الداعي من توجه القصد إلى تمام
العمل وإذا لم يكن القصد متعلقا بتمام العمل لم يعقل ان يكون الامر
المتعلق بالتمام هو الداعي (والحاصل) لا بد في كل أمر عبادي من
الاتيان بالقيود المعتبرة في متعلقة على وجه التعبد ومنها الطهارات
الثلاث فإنها قد اعتبرت قيودا في المأمور به العبادي فلا بد من أن
يؤتى بها على وجه التعبد سوأ قلنا بالامر الغيري الترشحي فيها فضلا
عن النفسي أم لم نقل
قوله لا شبهة في كونه توصليا:
لان الامر الغيري هو ما كان بداعي التوصل إلى واجب نفسي و
التوصل يحصل بذات ما تعلق به الوجوب وان لم يؤت به بداعي
الامر والا
لم يكن مقدمة ولم يتعلق به الامر وهو خلف
قوله إن المقدمة فيها بنفسها مستحبة
الالتزام بالاستحباب في التيمم مشكل
قوله وغاياتها انما تكون متوقفة:
المراد من الغايات هو الواجبات النفسية المشروطة بإحدى الطهارات
الثلاث وقوله إحدى هذه العبادات، يريد به إحدى الطهارات
الثلاث
قوله والاكتفاء بقصد امرها الغيري:
أراد بهذه العبارة دفع ما يتجه عليه من أن عبادية الطهارات الثلاث لو
كانت من جهة تعلق أو أمر نفسية عبادية بها لزم في مقام الامتثال
قصد تلك الأوامر لا قصد الأوامر الغيرية التي ليست عبادية، مع أنه لا
ريب في الاكتفاء بقصد الأوامر الغيرية في الحكم بصحة العمل:
بل كثيرا مالا يلتفت الشخص إلى وجود أمر نفسي: والجواب الذي
أجاب به المصنف (قده) غير واضح فلعله أراد ان الامر الغيري يدعو
إلى فعل قربي عبادي يتقرب بامتثال الامر النفسي العبادي المتعلق به
ولم يقم دليل على اعتبار قصد ذاك الامر العبادي بعينه انما
المعتبر ان يكون الفعل مما يصلح لان يتقرب به مع الاتيان به امتثالا
لأمر المولى لا بدواع اخر وكلا الامرين متحققان في المقام اما
صلاحية التقرب فقد حصلت بالامر النفسي العبادي المتوجه إلى
الفعل والمفروض انه قد قصد بإتيان الفعل امتثال الامر الغيري (و
يحتمل) ان يكون المراد من العبارة ان الامر الغيري إذا كان داعيا و
الامر لا يدعو الا إلى متعلقه المفروض في المقام عباديته وانه أخذ
التقرب قيدا فيه فلا جرم يكون التقرب المأخوذ في المتعلق مقصودا
ضمنا ولو على سبيل الاجمال وفي كلا الوجهين نظر (اما الأول)
فلان الجهات التي لم يقصد التقرب بها ان أفادت القرب لزم ان يكون
القرب من الآثار
163

القهرية فلو صلى الانسان محنكا واما ما غافلا عن ذلك كله أو ملتفتا
غيرنا والتقرب بهذه الخصوصيات فهل يحصل له القرب بهذه
الخصوصيات ولا سيما إذا قصد بها خلاف القرب بان أتى بها لبعض
الدواعي الخارجية (واما الثاني) فلان التقرب إذا كان معتبرا في
الامر الغيري فما لم يقصد التقرب لم يعقل ان يكون الامر الغيري داعيا
فان الامر لا يدعو الا إلى متعلقه غير الحاصل في المقام الا بقصد
التقرب فقصد التقرب سابق في الرتبة على قصد الامر الغيري ولا
يعقل ان يكون القصد متعلقا بالامر الغيري الا بعد قصد التقرب
بالامر النفسي فكيف يعقل ان يكون قصد الامر الغيري منحلا إلى
قصد التقرب بالامر النفسي (نعم) قصد الراجح الذاتي على سبيل
التوصيف حاصل لكنه لا يكفي في وقوع الفعل مقربا ما لم يقصده
على وجه الغاية
قوله ربما لا تكون محصلة:
يعنى ان المقدمة لا تكون ذوات الافعال بل الافعال معنونة بعناوين
نفس أمرية لا تحصل الا بتوجه القصد إليها كعنوان التعظيم والتأديب
وحيث إن العنوان مجهول في المقام احتيج في التحليل إلى قصده
إلى قصد الامر المتعلق به ليحصل القصد إليه على سبيل الاجمال
(لكن
يتجه عليه) ان قصد العنوان سابق في الرتبة على قصد الامر فان الامر
لا يدعو الا إلى متعلقه فما لم يقصد المتعلق بالقصد إلى عنوانه لا
يعقل ان يكون الامر داعيا فكيف يعقل أن تكون دعوة الامر قصدا
إجماليا للعنوان فلا محيص في مثل هذا الحال من الإشارة إلى العنوان
في رتبة سابقة على قصد الامر ولو كانت الإشارة بقصد ما هو المقدمة
واقعا أو ما هو الواجب ثم بعد هذه الإشارة يحصل العنوان ولا
تبقى حاجة إلى قصد امتثال الامر الغيري فقصد الامتثال دائما مسبوق
بالقصد إلى عنوان المتعلق ولو على سبيل الاجمال ويكفى ذلك
في حصول الإشارة ويستغنى عن قصد امتثال الامر الغيري
قوله ولو بقصد امرها وصفا:
أو قصد امرها غاية ولكن على سبيل جز الداعي لا تمامه أو الإشارة
إلى العنوان بقصد ما هو المقدمة واقعا من غير حاجة إلى قصد
الامر أصلا لا وصفا ولا غاية
قوله ثانيهما ما محصله
لا يخفى ان الواجب من المقدمات هو خصوص ما كان مقدمة
لحصول ما يترتب عليه الغرض من افراد الواجب النفسي لا ما كان
مقدمة
لحصول ذات الواجب الأعم من المحصل للغرض ان تعقل التفكيك
بين حصول ذات الواجب وحصول الغرض (وذلك) لوضوح ان مناط
الوجوب هو الملازمة بين وجوب شئ ووجوب مقدماته ولا ملازمة
كذلك
164

الا بين وجوب الشئ ووجوب مقدماته الموجبة للانتهاء إلى الغرض
من الواجب فان مالا يحصل الغرض لا يجب إتيانه بنفسه فضلا عن
إتيان مقدماته فنتيجة الامر في المقام بعد فرض عدم حصول الغرض
من الواجب بإتيان مقدمته لا على وجه التقرب هو وجوب إتيان
مقدمته على وجه التعبد وقصد امتثال امرها الغيري وهذا هو عين
الاشكال وعين عبادية الامر الغيري فان الغرض ان لم يحصل بذات
المقدمة فلا وجه لترشح الامر من الواجب عليها كي يقصد بها التقرب
وان حصل فلا وجه لاعتبار التقرب فيها
قوله وفيه أيضا انه غير واف:
بل غير واف بدفع إشكال اعتبار قصد التقرب في المقدمات بل عرفت
انه عينا تقرير لعبادية المقدمات التي هي محل الاشكال لا جواب
عنها
قوله واما ما ربما قيل في تصحيح:
غرضه ان من يتخلص عن إشكال أخذ قصد القربة في متعلق الأمر في
العبادات بالالتزام بأمرين يبقى في إشكال باب الطهارات الثلاث
بلا مخلص إذ لم يكن يأتي ذلك التخلص في المقدمات فيزداد إشكالا
على اشكاله (وذلك) لان المعتبر في ترشح الامر هو ان يكون
الشئ واجدا لعنوان المقدمية فإن كان هذا الضابط موجودا في
الطهارات ترشح الامر ولزمه حصول التوصل إلى غاياتها بالاتيان ولولا
بقصد التقرب والا لم يعقل ترشح الامر عليها حتى يتوجه أمر آخر
بالاتيان بالمأمور به بالامر الأول بقصد الامر وعلى كل حال لا
يكون في المقام امران بل اما ان يكون أمر واحد أولا يكون أمر أصلا
فلا يتوهم ان ما أفيد دفعا للاشكال العام في العبادات من الالتزام
بأمرين مما يصلح لان يدفع به الاشكال الخاص بالمقام كي يكون ذلك
في عداد الأجوبة المتقدمة ولذا غير المصنف (قده) أسلوب
التعبير وقال واما صار بما قيل إلخ
قوله فمن أين يجي طلب آخر:
يعنى ان توجه الامر الغيري منحصر بان يترشح من الامر النفسي
بالغايات فإذا لم يترشح من الامر بالغايات فيما نحن فيه الامر
بالطهارات فمن أين يترشح الامر بها ولا طريق آخر لترشح الامر و
التعبير الأصح هو ما تقدم منا في الحاشية السابقة
قوله لكان قصد الغاية مما لا بد منه:
لا يعتبر قصد الغاية في امتثال الامر الغيري ولا يعقل ان يعتبر فان
الامتثال الذي هو الاتيان بمتعلق الامر بداعي الامر لا يعتبر في
تحققه أمر وراء الاتيان بالمتعلق والمفروض ان متعلق الأمر الغيري
ذات المقدمة لا المقدمة بقصد التوصل على ما سيجئ فلا يعتبر في
امتثال الامر الغيري الا الاتيان بذاتها واما قصد امتثال أمر آخر أعني به
الامر النفسي
165

المتعلق بذيلها فهو أجنبي عن تحقق امتثال هذا الامر وليس اعتبار
قصده في امتثال هذا الا كاعتبار قصد الاتيان بالحج في امتثال أمر
الصلاة (ولكن) مع ذلك يعتبر قصد الاتيان بالغاية في تحقق التعبد
بالمقدمة لما عرفت من أن عبادية المقدمات المأخوذة شرطا في
ذيها انما هي بعبادية ذيها لا بأمرها الغيري فأمر ذيها هو الذي يتعبد به
ومن المعلوم ان أمر ذيها أمر وحداني لا يحدث الا أمرا وحدانيا
منبسطا على مجموع ما تعلق به فما لم يكن الشخص داع إلى
المجموع لم يكن له داع إلى كل جز وكل قيد بل هذا الداعي هو
بعينه ذاك
لا شئ غيره وقد صرح المصنف (قده) بما ذكرناه بقوله بل في
الحقيقة يكون هو الملاك إلخ
قوله وقصدها كذلك لا يكاد يكون:
لم لا يكاد يكون بدون قصد التوصل وأي ارتباط للتوصل الخارجي
بالمقدمية وشأنية الايصال الموجودة في ذات المقدمة والمعتبر من
قصد العنوان قصد ما هو عليه المقدمة من المقدمية وشأنية الايصال
فيقصد الذات بعنوان كونها مقدمة شأنها ان توصل وأين ذلك من
قصد التوصل الخارجي فقد اشتبه هنا مفهوم التوصل بمصداقه و
المعتبر هو القصد الأول دون الثاني
قوله ضرورة ان عنوان المقدمة:
عنوان المقدمية كسائر العناوين المتعلق بها الامر لا يفترق عنها مقدار
شعرة فان معنى تعلق الامر بالعنوان هو تعلق الامر بالخارج بحد
خاص ينتزع منه العنوان دون مفهوم العنوان الذي ليس هو ذلك
العنوان الا بالحمل الذاتي دون الشائع الصناعي ومع ذلك يعتبر قصد
العنوان أي يعتبر ان يؤتى بالمعنون بما هو معنون بالعنوان الخاص و
بما هو محدود بالحد المخصوص الذي هو المنشأ لانتزاع العنوان
والتعبير بان العنوان علة لتوجه الحكم إلى ذات المعنون أو هو الذي
تعلق به الحكم وتوجه إليه تعبيران عن مطلب واحد فان العلة هي
الموضوع للحكم لبا وليست شيئا غيره فالذات التي يتوقف عليها
الواجب تجب بما انه يتوقف عليها الواجب لا بما هي ذات من
الذوات
كما أن المعنون بسائر العناوين انما يجب بما هو معنون لا بما هو هو
قوله كما يوهمه ظاهر عبارة المعالم ره
ان الفرق بين ما ذهب إليه صاحب المعالم (قده) وما نسب إلى الشيخ
(قده) بعد اشتراكهما في دخل إرادة الاتيان بذي المقدمة هو ان
الدخل في عبارة المعالم على سبيل شرط الوجوب وفيما نسب إلى
الشيخ (قده) على سبيل شرط الواجب وأيضا الدخيل في كلام
المعالم
هو
166

إرادة الاتيان بذي المقدمة مطلقا وفيما نسب إلى الشيخ (قده) إرادة
إتيانه من سبيل المقدمة أعني إرادة التوصل بها إليه فكل مقدمة
أريد التوصل بها إلى ذيها واجبة دون غيرها وان قارن إتيانها إرادة
الاتيان بذي المقدمة فتكون النسبة بين القولين عموما مطلقا فان
المقدمة التي قصد بها التوصل إلى ذيها واجبة على كلا القولين واما
المقدمة غير المقصود بها ذلك فواجبة على مذهب صاحب المعالم
(قده) إذا كانت مقرونة بإرادة الاتيان بذيلها وغير واجبة على مذهب
الشيخ (قده) كما أن غير المقرونة لا تجب على كلا القولين (ثم) ان
ذيل عبارة صاحب التقريرات (قده) صريح فيما نسبه إليه المصنف
(قده) وإن كان صدرها صريحا في دخل قصد التوصل في تحقق
الامتثال بالمقدمة وهو الذي اختاره المصنف (قده) سابقا فراجع
كلامه
قوله كما زعمه صاحب الفصول ره:
وبين القولين أعني ما نسب إلى الشيخ (قده) وما اختاره صاحب
الفصول (قده) عموم من وجه فان المعتبر فيما نسب إلى الشيخ (قده)
قصد التوصل وفيما اختاره صاحب الفصول (قده) نفس التوصل
الخارجي فقد يجتمع القيدان وقد يكون قصد من غير توصل كما قد
يكون توصل من غير قصد فمورد وجود القيدين كمورد انتفائهما محل
الاتفاق بينهما ومورد تفارق القيدين محل الاختلاف بينهما و
من ذلك يطهر ان النسبة بين قول صاحب المعالم والفصول أيضا
عموم من وجه فقد تكون إرادة وتوصل وقد يكون هذا دون تلك أو
تلك دون هذا
قوله اما عدم اعتبار قصد التوصل
محصل ما أفاده في الجواب عن كلا القولين مع هذا البسط والاطناب
كلمة واحدة وتمام هذا البحث يدور على تلك الكلمة الواحدة وهي
ان مناط إيجاب المقدمة هي المقدمية والتوقف وكون الشئ بحيث
لا يمكن الاتيان بذيه الا به وهذا المناط غير مختص بما قصد به
التوصل ليكون الايجاب مقصورا عليه ولا بما أوصل فعلا ليكون
الايجاب مقصورا عليه (اما) سيلان هذا المناط وشيوعه في عامة
المقدمات فواضح بالوجدان (واما) كون المناط هو ذا فلانه لا يعقل ان
يكون غيره وذلك المناط هو العلة الغائية المترتبة على الشئ و
الفائدة العائدة منه ولا يترتب على ذات المقدمة غير ذا دون الوصول
الخارجي وقصد التوصل كضم الحجر في جنب الانسان في إفادة
هذا المقصد أو غير هذا المقصد فإنه أجنبي سوأ كان الغرض هو
إمكان التوصل أو فعلية التوصل (وبالجملة) اعتبار قصد التوصل في
المطلوب
167

بذاك المهم وانما المهم نفى كون الغرض من إيجاب المقدمة هو
الوصول الخارجي في المقدمات التي ليست نتيجتها الوصول
الخارجي
بل يحتاج الوصول إلى مئونة أخرى أعني إرادة ذي المقدمة بعد إتيان
مقدماته بحيث لولا الإرادة لما تحقق بمجرد اجتماع مقدماته و
نفى هذا المطلب بمكان من الصعوبة وكيف يسع المصنف (قده) نفى
ذلك وإثبات ان الغرض هو المقدمية والتوقف وكون الشئ
بحيث لا يمكن إتيان ذي المقدمة بلا إتيانه وهو الذي عبر عنه
بالتمكن والحال ان من الواضح الجلي ان لا غرض للمولى في نفس
هذا
التمكن بما هو تمكن وانما يريد التمكن لأجل التوصل ومقصده
الأصلي ذلك فينتهى الامر بالآخرة إلى كون التوصل هو المقصد و
الغاية
والمناط في إيجاب المقدمة وليس هناك غاية سواه ووضوح كون
التوصل غاية بمكان لو دار الامر بين رفع اليد عن غائيته أو عن
أصل إيجاب المقدمة لأجل لزوم المحذور من كونه غاية لرفعنا اليد
عن أصل الايجاب ولم نرفع اليد عن كونه هو الغاية على تقدير
الوجوب مع أنه لا محذور يلزم من كون التوصل هو الغاية وما ذكره
المصنف (قده) من المحذورين غير لازم الا على مبنيين يمكن
التفصي عن كليهما بعدم الالتزام بالمبنيين ولا يتوقف القول باعتبار
التوصل على الالتزام بذينك المبنيين فان هناك مبنيين سالمين
عن المحذور له الاخذ بكل منهما
ولنشير إلى الوجوه التي يمكن ان تقع عليها القول بالمقدمة الموصلة
لينكشف الحال ويتضح ما فيه المحذور عما ليس فيه المحذور و
يتضح لك أيضا المحذوران اللذان أشار إليهما المصنف (قده) مع
مبناهما (فنقول) قولنا تجب المقدمة الموصلة كغيره من التراكيب
يحتمل احتمالين (الأول) ان يكون الايصال قيدا للحكم والايجاب
فيكون الوجوب مشروطا بالايصال (الثاني) ان يكون قيدا للموضوع
وما تعلق به الحكم وكل من الاحتمالين ينقسم إلى قسمين (الأول)
فإلى شرط للحكم على نحو الشرط المقارن بحيث لا يحدث الحكم
الا
بعد الايصال وإلى شرط للحكم بنحو الشرط المتأخر بحيث لو كان
فيما بعد الايصال كان الايجاب في هذا الحال (واما الثاني) فإلى قيد
للموضوع يجب تحصيله وإلى قيد أخذ على نحو لا يجب تحصيله
فيكون مجموع الاحتمالات أربعة (الأول) كون الايصال شرطا للحكم
على نحو الشرط المقارن بحيث يكون تعلق الوجوب بالمقدمة بعد
فعلية اتصافها بصفة الايصال وهذا هو الذي يتجه عليه المحذور الذي
ذكره
168

المصنف (قده) في آخر هذا البحث ومحصل ذلك المحذور هو لزوم
طلب الحاصل لو كان اتصاف المقدمة بالوجوب بعد إتيانها و
حصول الوصول إلى ذيها (الثاني) كون الايصال شرطا للحكم على
نحو الشرط المتأخر بحيث لو كانت المقدمة موصلة بعد إتيانها كانت
متصفة بالوجوب قبل إتيانها وهذا لا يتجه عليه محذور غير ما نذكره
من المحذور العام اللازم من القول بالمقدمة الموصلة (الثالث)
كون الايصال قيدا للواجب بحيث يجب تحصيله وهذا أيضا يتجه
عليه المحذور الذي ذكره المصنف أولا من لزوم ترشح الوجوب من
المقدمة إلى ذيها كالترشح من ذيها إليها لان ذا المقدمة يكون مقدمة
لها فيجب مقدمة لها كما وجبت هي مقدمة له ومحذور ذلك مضافا
إلى بطلانه بالوجدان لزوم إيجابات غير متناهية في كل من الطرفين
(الرابع) كون الايصال قيدا للواجب على نحو لا يجب تحصيله
كسائر القيود في الواجبات المشروطة على مذهب شيخنا الأنصاري
(قده) من كونها قيودا للمادة لا للحكم ومع ذلك لا يجب تحصيلها و
هذا أيضا لا يتوجه عليه محذور (نعم) يتوجه محذور على الالتزام
بالمقدمة الموصلة وهو ان هذا التكليف لا يعقل فيه العصيان و
المخالفة
والتكليف الذي لا يعقل عصيانه باطل اما عدم معقولية عصيانه فلان
ترك المقدمة الموصلة اما بترك إيصالها أو بترك أصلها المتضمن
لترك أيضا لها والمفروض ان لا تكليف بما ليس فيه صفة الايصال اما
لأجل ان الايصال شرط التكليف على نحو الشرط المتأخر أو لأجل انه
قيد للمكلف به على نحو لا يجب تحصيله فيكون الفعل المقرون
بحصول صفة الايصال باختيار من العبد هو المكلف به دون غير
المقرون بذلك (واما) بطلان مثل هذا التكليف فلان التكليف انما
يتوجه لأجل احداث الداعي للعبد أو سد باب الداعي عليه واحداث
الداعي أو سد بابه انما يصح أو يعقل إذا كان أحد طرفي الفعل و
الترك خاصة مطابقا لميل المولى وإرادته واما إذا لم يكن كذلك فلما
ذا يحدث الداعي في المكلف بل الداعي لا يحصل للعبد أيضا إذا لم
يكن في ترك المدعو إليه مخالفة لميل المولى بل كان مطابقا لميله
كمطابقة الفعل لميله فهذا الذي ذكرناه يبطل القول بالمقدمة الموصلة
كما أن بطلان كون التمكن هو مناط إيجاب المقدمة دون التوصل يبطل
القول بمطلق المقدمة فلا محيص إذن من إنكار وجوب المقدمة
رأسا فرارا عن المحاذير (هذا) محصل الكلام في المقام وسنشير إلى
بعض ما لنا من الآراء
169

في خلال عبائر الكتاب
قوله نعم انما اعتبر ذلك في الامتثال:
قد عرفت انه لا يعقل ان يعتبر في الامتثال ما هو أجنبي عن المأمور به
فان الامتثال هو الاتيان بمتعلق الامر بداعي امره فلو لم يعتبر في
متعلق التكليف قصد التوصل فكيف يعتبر في امتثاله ذلك فلا جرم
يكون اعتباره في تحقق الامتثال مستلزما لدخل أحد أمرين من قصد
التوصل، ونفس التوصل في متعلق الأمر وقد أنكرهما المصنف (قده)
جميعا ومع ذلك فلا وجه لاعتباره قصد التوصل في تحقق
الامتثال (نعم) على ما سلكناه سابقا في عبادية الطهارات الثلاث وانها
باقتضاء الامر النفسي المتعلق بذيلها لا باقتضاء امرها الغيري
يتوجه اعتباره في تحقق الامتثال فراجع
قوله وليس الغرض من المقدمة الا حصول:
يعنى ان الغرض من إيجاب المقدمة هو رفع التعذر الحاصل لذي
المقدمة من جهة فقد المقدمة وقد عرفت ان هذا لو كان غرضا لم يكن
هو الغرض الأقصى بل كان ذلك لغرض حصول الوصول الفعلي إلى
ذي المقدمة فيكون الغرض في الحقيقة هو الوصول فيختص الايجاب
بما كان فيه الوصول (وبالجملة) الغرض من الامر بالمقدمة هو الغرض
من الامر بذيلها فالملاك الذي يدعو إلى الامر بالكون على
السطح هو الذي يدعو إلى الامر بنصب السلم فجميع الأوامر
المتوجهة إلى الشئ بمقدماته ناشئة من منشأ وحداني ولولاه لما
كانت
الأوامر الغيرية أوامر غيرية ترشحية بل كانت أوامر نفسية في عرض
الامر بذي المقدمة
قوله واما ترتب الواجب فلا يعقل:
لم يدعى أحد ان ترتب الواجب هو الغرض من الامر بذوات
المقدمات وانما ادعى ان الواجب هو المقيد بما ترتب عليه الواجب
النفسي لا
ذوات المقدمات بقول مطلق فالقيد وهو التوصل مأخوذ في حيز
الامر لا انه غرض من الامر مع تعلقه بالذات الخالية عن قيد التوصل
فكل
ما أفاده المصنف (قده) أجنبي عما يدعيه الخصم
قوله لما كان الطلب يسقط:
وهو كذلك لا يسقط بل يتخير المكلف في إسقاطه بين تتميم ما في
يده بجعله موصلا ورفع اليد عنه والاتيان بفرد آخر موصل كما
كان مخيرا قبل الشروع والاخذ في شئ من المقدمات فإنه كان
مختارا في الاتيان بأي فرد شاء وهو الان على اختياره (وبالجملة)
التخيير العقلي الثابت بين افراد طبيعة واحدة قد أمر بها ثابت بين افراد
تلك الطبيعة حتى يتم ويكمل فرد واحد منها في الخارج و
يسقط الامر بتماميته والا فالامر باق
170

والتخيير مستمر وان شرع في فرد وأتى بعامة اجزائه لكنه لم يتممه
بعد (نعم) الصلاة حيث يجب إتمامها ويحرم قطعها يتعين الامر
فيما شرع فيه ويرتفع الامر عن الطبيعة ويسقط التخيير بمجرد الشروع
في فرد منها
قوله ولا يكون الاتيان بها بالضرورة:
(ان قلت) لم لا يكون من قبيل ارتفاع الموضوع فان الواجب النفسي
بعد الاتيان بمقدمته يكون مما لا يتوقف حصوله في الخارج على
مقدمة ليترشح من طلبه طلبها (قلت) لو كان من هذا القبيل لم يبق
مورد لامتثال الامر الغيري بالاتيان بمتعلقه ويسقط أبدا بارتفاع
موضوعه بسبب حصول ذات المقدمة من غير انتظار حصول صفة
الايصال لها بالاتيان بذيلها بعدها والامر الذي لم يكن لامتثاله مجال
ولا يكاد يفضي إلى الامتثال باطل عقلا
قوله وأيضا لا يأبى العقل
هذا ليس وجها آخر غير الوجه الأول بل هو هو إن كان امتياز ما لم
يتوصل به عما توصل به بمجرد انه لم يتوصل به كما أنه لو كان له
امتياز آخر بان كان عدم التوصل ملازما لمانع آخر يمنع اتصاف
المقدمة بالمطلوبية كما في المقدمة المحرمة لم يكن عدم إباء العقل
من
تصريح المولى بالتفكيك بل يكون تجويزه له كاشفا عن دخل صفة
الموصلية في المطلوبية المقدمية وانما يكون ذلك لوجود المانع من
اتصاف غير الموصلة بالوجوب مع وجود اقتضاء الوجوب فيها على
نحو وجوده في الموصلة
قوله ليس للامر الحكيم الغير المجازف:
نعم ليس له ذلك التصريح إذا كان مناط تصريحه بالتفصيل هو اتصاف
إحدى المقدمتين بالموصلية دون الأخرى اما إذا كان ذلك
لاقتران غير الموصلة بما يمنع عن تأثير ملاك الوجوب فيه ولو كان
ذلك المانع هو اقتضاء الإباحة الذي فيها فان ملاك الإباحة إذا كان
أقوى من ملاك الايجاب كان هو المؤثر دون ملاك الايجاب كما في
ملاك التحريم مع ملاك الايجاب بعينه فالتصريح بان الموصلة
مطلوبة دون غير الموصلة جائز لكن ذلك لا يكون دليلا على مطلب
الخصم من اختصاص ملاك إيجاب المقدمة بالمقدمة الموصلة بل
الملاك عام وانما المانع منع عن تأثيره في غير الموصلة
قوله وان لم يكن بينهما تفاوت في الأثر:
بعد الاعتراف بعدم التفاوت في الأثر كيف يعقل التفاوت في الحكم
فان التفاوت في الحكم يتبع تفاوت الموارد في مناط الحكم واما
التفاوت في الجهات الخارجية المتأصلة أو الاعتبارية الذي لا يوجب
التفاوت في مناط الحكم فلا أثر له في اختلاف الحكم فما أفاده
المصنف (قده) في الجواب من أن هذا
171

التفاوت اعتباري لا حقيقي وفي ناحية المقدمة ليس في محله فان
التفاوت الحقيقي أيضا لا جدوى فيه إذا لم يتفاوت به المناط كما أن
التفاوت الاعتباري يجدى إذا أوجب التفاوت في المناط فالحق في
الجواب هو ما ذكرناه
قوله وفي كونها في كلتا الصورتين:
هذا إذا كان المتصف بالوجوب في صورة الايصال ذات المقدمة اما إذا
كان المتصف به الذات الموصلة بقيد الايصال فلا ريب ان الذات
بهذا القيد تختلف عن الذات خالية عنه ولو كان هذا القيد حاصلا لها
بالإرادة والاختيار
قوله ففيه انه انما كانت مطلوبيتها:
قد عرفت ان هذا لو كان غرضا فليس هو الغرض الأقصى والمطلوب
بالذات بل الغرض الأقصى هو حصول التوصل والواجب في
الحقيقة يتقدر بقدر ما هو الغرض الأقصى ولا يتعداه بحيث يكون
الواجب أوسع عما يشتمل على الغرض الأصلي وغرض الأغراض و
اما
حديث عدم كون الايصال أثر جميع المقدمات فضلا عن بعضها
فكيف يكون هو الغرض من الايجاب فقد عرفت ان هذا انما يتجه إذا
قلنا
بان الواجب هو ذات المقدمات وكان الايصال غرضا اما إذا قلنا بان
الواجب الذات الموصلة بقيد الايصال فالايصال يكون مأخوذا في
ذات الواجب ويكون الغرض من هذا الواجب هو الغرض من الواجب
النفسي بعينه فالغرض في الواجب النفسي بمقدماته شئ واحد وامر
وحداني لا تعدد فيه بوجه وإلا خرج الواجب عن كونه واجبا غيريا و
صار في عرض الواجب النفسي واجبا نفسيا آخر
قوله وصريح الوجدان انما يقضى:
هذا بعد التنزل عن عدم كون الغاية هو التوصل وسيصرح به ولكن لا
يخفى انه بعد هذا التنزل لا محيص عن الالتزام بما هو قضية
التنزل من اختصاص الوجوب أيضا بمورد تحقق الغاية لا تعميمه إلى
غير مورده كما هو مقتضى قوله يقع على ما هو عليه من المطلوبية
الغيرية، وكون الغاية جهة تعليلية لا تصحح التخلف عن معلولها
لتفترق بذلك عن الجهة التقييدية بل لا فرق بين الجهتين في
حقيقتيهما و
واقعيهما فان الجهة التعليلية تقييدية واقعا والتقييدية تعليلية و
اختلاف التعبير ناشئ من اختلاف كيفية الاخذ في لسان الدليل فإن كان
الحكم في لسانه على الموضوع المقيد عبر بالتقييدية وإن كان على
ذات الموضوع وكانت الجهة شرطا عبر بالتعليلية كما في الماء
المتغير والماء إذا تغير.
قوله كيف والا يلزم ان يكون:
ومحذور ذلك هو لزوم التسلسل في الوجوبات المترشحة فيترشح
في ابتدأ الامر من الواجب النفسي إلى مقدمته ثم من
172

مقدمته إلى الواجب النفسي ثم من هذا المترشح من المقدمة إلى
المقدمة أيضا حيث إن المقدمية محفوظة بين الجانبين وهكذا إلى ما
لا
نهاية له (هذا مضافا) إلى أن تعدد الوجوب باطل بالوجدان والواجب
النفسي واجب نفسي ليس الا لا انه واجب نفسي وغيري جميعا
قوله ثم لا شهادة على الاعتبار:
هذا مطلب آخر أجنبي عما تقدم من صاحب الفصول (قده) فإنه
استشهد على مدعاه بجواز تصريح المولى بعدم إرادة غير الموصلة
من
المقدمات وهذا استشهاد بجواز منعه (ولا يخفى) ان الاستشهادين
من واد واحد إذا أريد من المنع المنع عن غير الموصل الواقعي وعلى
ذلك فالجواب بعينه هو الجواب المتقدم أعني إنكار جواز الترخيص
للمولى في ترك غير الموصل فينكر هنا جواز الالزام بتركه لكن
يظهر من المصنف (قده) في جوابه الثاني انه فهم من ذلك المنع عن
غير الموصل فعلا بحيث تكون المقدمات قبل تحقق الوصول كلها
محرمة فيلزم من التكليف بذيلها مع ذلك التكليف بما لا يطاق كما أنه
بعد تحقق الوصول كلها محرمة فيلزم من التكليف بذيلها مع ذلك
التكليف بما لا يطاق كما أنه بعد تحقق الوصول لو وجبت المقدمات
لزم طلب الحاصل
قوله ضرورة انه وان لم يكن الواجب:
يعنى ان النهي عن غير الموصلة لا يكون إلا لمناط موجود فيه قاض
بالمنع ومن المعلوم انه مع هذا المناط الغالب على مناط المقدمية
المقتضى للايجاب لا يؤثر مناط المقدمية لكن ذلك لمانع يمنع عن
التأثير لا لعدم المقتضى للايجاب كما هو المدعى (وتظهر) الثمرة
فيما لم يكن فيه هذا المانع فان مناط المقدمية يؤثر ح في الايجاب
على الأول بخلافه على المدعى من عدم المناط في مطلق غير
الموصل
قوله ومع الاتيان بها لا يكاد:
يظهر من هذه العبارة ان القائل بالثمرة لا ينكر كون الفعل نقيضا للترك
الخاص كما هو نقيض للترك المطلق كلية وانما بحثه مختص
بخصوص المقام وانه ينكر كون الفعل في خصوص هذا المقام نقيضا
للترك الموصل وبتعبير آخر مقلوبا للترك الموصل وطاردا له
بحيث لو أشرنا إلى ترك هذا الضد صح توصيفه بالموصلية الفعلية و
ذلك لعدم معقولية الوصول بالفعل إلى الضد بعد الاتيان بضده فإذا
لم يعقل الوصول إليه لم يعقل ان يتصف ترك هذا الوجود الشخصي
بصفة الايصال ليكون فعله مقلوب الترك الموصل فيكون محرما من
أجل ذلك فما أفيد في الايراد المبنى على توهم ان القائل بالثمرة منكر
لكون الفعل نقيضا للترك الخاص ورفعا لرفعه أجنبي عما ينظر
إليه كلام صاحب الثمرة وإن كانت الثمرة فاسدة جدا
173

كلامه مغالطة محضة إذ ليس معنى كون الفعل نقيضا للترك الموصل
هو تحقق صفة الايصال فعلا وانما المنتفي هو الترك وقد رفعه
الفعل فصار الفعل قلبا للترك الموصل، بل معناه رفع الفعل للترك
الذي لو كان مكان فعله كان موصلا ومن المعلوم إمكان ان يكون
هذا الترك التقديري موصلا بموصلية تقديرية كتقديرية نفس الترك إذ
في فرض ترك الضد يمكن فعل ضده (نعم) يمكن ان يقال إن
اتصاف الترك التقديري بالموصلية ليس حتميا فلعله كان يتصف
بذلك بفعل الاخر ولعله لم يكن تتصف لتركهما جميعا فلا يكون
الفعل
الا قلبا لترك مطلق يمكن ان يتصف بصفة الايصال لا لترك يتصف فعلا
في ظرف تحققه بالايصال والترك المتصف الفعلي واجب
حسب الفرض فيكون مقلوبه حراما لا الترك الممكن الاتصاف ليكون
مقلوبه وهو الفعل حراما فيكون بيان الثمرة حسب ما قررناه
مبنيا على كون الفعل نقيضا للترك المطلق لا للترك الموصل وهو
الذي توهمه المورد من كلام الذاكر للثمرة وقد عرفت ان كلامه ليس
ناظرا إلى ما توهمه بل هو مغالطة محضة (ثم) انه يتجه على ما قررناه
في بيان الثمرة انه لا فرق بين القول بوجوب الترك المطلق و
القول بوجوب الترك الموصل في حرمة الفعل فان الترك الموصل إذا
كان واجبا على نحو تكون صفة الايصال معتبرة في الواجب لا
شرطا علق عليه الوجوب كان مطلق الترك واجبا في
ضمنه فيكون الفعل حراما لكونه قلبا لمطلق الترك الممكن الاتصاف
بصفة الايصال (نعم) قلب خصوص ما لا يمكن ان يتصف بصفة
الايصال من التروك إلى الفعل ليس بحرام وقد عرفت ان الترك فيما
نحن فيه يمكن ان يتصف بصفة الايصال فيجب ان يؤتى بذلك
الترك متصفا بصفة الايصال ويحرم كل من عدم الاتيان به وعدم
الاتيان بصفته وكذلك الكلام في كل مركب عقل أو خارجي تعلق به
الوجوب فإنه يجب جميع اجزائه ضمنا ويحرم ترك كل جز جز من
اجزائه ويكون ذلك تركا للكل بعينه
قوله لازم لما هو من افراد النقيض:
الصواب لما هو النقيض ولعل التعبير بالافراد باعتبار كون النقيض في
المقام قسما من مطلق النقيض ومندرجا تحته
قوله انما ينحصر مصداقه في الفعل:
قد وقع التعبير على خلاف المقصود من كون النقيض في الترك
المطلق ملازما للفعل وفي الترك الخاص ملازما لاحد أمرين من الفعل
و
الترك الاخر المجرد عن الخصوصية من غير أن يكون الفعل في الأول
مصداقا للنقيض كما ليس في الثاني أحد
174

الامرين مصداقا له
قوله وأنت خبير:
لا يخفى ان ما أفاده تحكم وان نقيض كل شئ إذا كان رفع ذلك
الشئ كان نقيض الترك رفع الترك ورفع الترك المطلق يلازم الفعل
كما أن رفع الترك الخاص يلازم أحد الامرين من الفعل والترك المجرد
وكيف يعد الفعل في الثاني مما يقارن النقيض الا ان يريد
بالمقارنة عدم كونه لازما بخصوصه وبذلك يحصل الوفاق (ثم) كيف
يعد الفعل في الأول متحدا مع ترك الترك عينا وخارجا وهل
يكون للعدم مصداق في الخارج ثم يكون مصداقه أمرا وجوديا (و
بالجملة) لا يعقل ان يكون للعدم ما بإزاء موجود في الخارج وان
يصدق على الموجود الخارجي والاخراج عن كونه عدما (نعم) يصح
توصيف الموجود بأمر عدمي فيقال زيد ليس بقائم فما أفاده
المصنف (قده) في كلا الشقين يشبه ان لا يكون من كلامه
قوله وأخرى متعلقا للإرادة تبعا:
معنى كون الإرادة تبعية كونها حاصلة بالفعل لكن كان وجودها تبعا
للإرادة الغير ومترشحا منها ولكن ذلك غير مقصود والا دخل
في الشق الأول بل المقصود كون الإرادة مع كونها تبعية تقديرية أيضا
بحيث لم تكن إرادة فعلا بل لو التفت لاراد إرادة تابعة لإرادة
الغير ومترشحة منها فلا مطلق الإرادة المترشحة من إرادة الغير تبعية و
لو كانت فعلية ومتحققة في النفس ولا مطلق الإرادة التقديرية
تبعية كي يقال إن الواجب النفسي أيضا ينقسم إلى قسمين أصلي إذا
كانت إرادته فعلية وتبعي إذا كان المولى بحيث لو التفت لاراد كما
في إرادة المولى إنقاذ ابنه الغريق عند عدم التفاته إلى كونه غريقا بل
التبعي ما كان جامعا للقيدين وواجدا لصفة التبعية والتقديرية
جميعا فتكون التسمية بالتبعية مجرد اصطلاح وعليه فلا يكون التبعي
إلا غيريا ولا يكون النفسي الا أصليا وإن كان تقديريا غير فعلى
كما فيما ذكرناه من المثال نعم الأصلي أعم من النفسي والغيري
قوله لا بلحاظ الأصالة والتبعية:
توصيف الوجوب أو الواجب باعتبار وجوبه بالأصالة والتبعية مجاز و
توصيف بحال المتعلق إذا المتصف بهما حقيقة هي الدلالة
فيوصف المدلول بحال الدلالة ولازم ذلك كما أشار إليه المصنف
(قده) ان لا يتصف بشي من الصفتين إذ لم يصر بعد مدلولا لخطاب
قوله ثم إذا كان الواجب التبعي:
من الواضح ان الواجب التبعي ليس هو ما لم تتعلق به إرادة مستقلة و
الا كان كل الموجودات من الذوات والافعال ما عدا ما تعلقت به
إرادة مستقلة واجبا تبعيا بل الواجب التبعي هو ما تعلقت
175

به إرادة تبعية والتبعية اما أمر وجودي كالأصلية أو عدمي حد لأمر
وجودي وعلى كل حال تكون أصالة عدم تعلق وجوب تبعي معارضة
بأصالة عدم تعلق وجوب أصلي إن كان كل منهما منشأ لاثر والا جرى
الأصل في ماله الأثر بلا معارض واما عدم كون هذا الوجوب تبعيا
فليس له حالة سابقة كي يستصحب كما أن عدم كونه أصليا ليس متيقنا
(وبالجملة) ليس لمفاد ليس الناقصة وسلب الربط حالة سابقة
ليستصحب واما استصحاب عدم تعلق وجوب تبعي أعني مفاد ليس
التامة فقد عرفت انه معارض بمثله بعد العلم الاجمالي بتعلق أحد
الوجوبين وأيضا لا يثبت بهما حال الواجب الخارجي وانه أصلي أو
تبعي فلا أصل يعول عليه في المسألة
قوله كسائر الموضوعات المتقومة:
لا فرق بين الموضوعات المتقومة المتقيدة بأمور عدمية وغيرها في أنه
لا يثبت باستصحاب تلك الاعدام تخصص الموضوعات بها ما لم
يستصحب السلب الناقص (نعم) الموضوعات المركبة من وجودي و
عدمي إذا أحرز الجز الوجودي بالوجدان أو بالأصل يمكن إحراز
الجز العدمي منه بالأصل وبذلك يتم الموضوع المركب المرتب
عليه الأثر
قوله ومنه قد انقدح انه ليس:
وذلك لان كل ما ذكر من قبيل تطبيق الكبريات المستنبطة على
صغرياتها أعني أوفوا بالنذور والإصرار على الصغيرة في حصول
الفسق وحرمة الأجرة على الواجبات وليس ذلك من شأن الأصولي
(نعم) هو من شأن الفقيه إذا كانت الموضوعات من الموضوعات
المستنبطة كما في الموارد المذكورة
قوله مع أن البر وعدمه:
الكلام هنا فيما إذا لم يحرز القصد وأريد تعيين المقصود بظهور اللفظ
الواقع في حيز النذر واما انصراف لفظ الواجب إلى الواجب
النفسي فممنوع وسيجئ من المصنف (قده) في مبحث اجتماع
الأمر والنهي إنكار انصراف لفظ الامر إلى الامر النفسي مع أن لنا ان
نفرض الثمرة فيما إذا علق النذر على الاتيان بما هو مدلول هذا اللفظ
قوله لو قصد ما يعم المقدمة
كأن قصد الاتيان بما يلزم العقل بإتيانه ويوجبه سوأ كان مما أوجبه
الشارع وكان حكم العقل بتبع حكم الشرع بلا واسطة أو كان
حكم العقل بتبع حكم الشرع بواسطة ومن جهة توجه الحكم من
الشارع بذي المقدمة وقد عرفت ان محل الكلام ما لو لم يعلم القصد
أو
علم قصد ما هو مدلول لفظ الواجب وضعا
قوله لحصول العصيان بترك أول
كما يحصل العصيان بالنسبة إلى ذي المقدمة بترك أول مقدمة كذلك
يحصل العصيان بالنسبة إلى سائر المقدمات
176

المترتبة وجودا على هذه المقدمة فيحصل الاصرار على الحرام بترك
أول مقدمة ولا يتوقف حصول عنوان الاصرار على أن يكون
التكليف باقيا في ظرف كل ترك، مع أن لنا ان نقول إن الاصرار يحصل
بمعصيتين فيحصل بترك واجب واحد بمقدمته الأولى لو كانت
المقدمة واجبة، ولو فرض توقف الاصرار على أزيد من ذلك، فلنا
فرض ترك واجبين بمقدمتيهما، فيحصل الاصرار بالمعصية بترك
الواجبين بمقدميتهما إن كانت المقدمة واجبة ولا يحصل ان لم تكن
واجبة (ومضافا) إلى جميع ذلك بقول ان ما ذكره انما يتم في الواجب
الذي له مقدمات طولية كالحج بالنسبة إلى خطوات قطع المسافة
ليتعذر لجميع بترك الخروج مع الرفقة في آخر أزمنة الامكان، اما في
الواجب المتوقف على مقدمات عرضية فيحصل الاصرار بترك
الجميع دفعة واحدة وترك ذيها بتركها ومثال ذلك ما لو أمر المولى
بالضيافة وتوقف ذلك على ابتياع مئونة الضيافة من محل خاص فترك
ذلك وسافر عن ذلك المحل حتى تعذر عليه الجميع دفعة واحدة
وأمثلة ذلك كثيرة
قوله إذا لم يكن إيجابه على المكلف مجانا:
يكفي للثمرة ما إذا كان إيجابه على المكلف مجانا وبلا عوض، كما إذا
كانت المقدمة مقدمة لواجب أوجبه الشارع على أن يؤتى
بمقدماته مجانا، كالواجبات الراجعة إلى أداء حقوق الغير كالكفن و
الدفن من حقوق الأموات، وحق المضاجعة وحق الانفاق من حقوق
الاحياء، لما يقال من أن الظاهر من أدلة هذا النحو من الواجبات هو
المجانية والأداء بلا عوض (ثم) ان ما ذكره المصنف (قده) ليس
إنكارا للثمرة بل إنكار للمبنى فهو مسلم لظهور الثمرة على مبنى من
يقول بحرمة أخذ الأجرة على الواجبات
قوله بل ربما يجب أخذ الأجرة عليها:
لا يخفى ان نفس العمل مجانا لا يوجب اختلال النظام، فان أوجبه
فوجوبه يوجب ذلك، فيجب على الشارع ان لا يوجب العمل مجانا،
بل
يوجبه بالأعم من المجان وغيره لا انه يجب ان يوجب أخذ الأجرة،
مع أن وجوبه أيضا لا يوجب اختلال النظام إذا عم هذا الوجوب الكل
و
انما يوجبه إذا خص ببعض دون بعض بان أوجب على بعض العمل
مجانا دون آخرين اما إذا عم والكل عملوا مجانا فأي اختلال يلزم بل
حقيقة هذا يرجع إلى عمل كل لآخرين بإزاء ما يستوفيه من إعمال
آخرين وذلك معاوضة واقعية لبية وليس من المجانية في شئ غاية الأمر
انها ليست بتوسيط النقود
177

فان المعاملات الواقعة فعلا، لو أغمض النظر عما يتوسط فيها من
النقود، يرى أن الأعمال في واقعها يقع بعضها بإزاء بعض والنقود التي
تختلف في البين آلة محضة فيعمل الأجير بدرهم ثم يعطى هذا
الدرهم ويستوفى بذلك ما يحتاج إليه من إعمال آخرين وفي الحقيقة
انه
قد عمل بإزاء ما عمل له ويكون الدرهم وسيلة محضة للتوصل إلى
مقصده من العمل
قوله فيمكن ان يقال بجواز أخذ:
كيف يمكن ان يقال بذلك وكيف يجتمع داع الامر مع داع أخذ الأجرة
، وحديث الداعي إلى الداعي، مجرد لقلقة لسان، وليس
الداعي
إلى الفعل الا ذلك الداعي الأخير، ولا يعقل ان يكون للفعل الواحد
دواع متعددة طولية على أن يكون كل منهما تمام الداعي وليست
دعوة الداعي فعلا اختياريا للشخص كي تحتاج إلى الداعي، ويكون
أحد الداعيين داعيا إلى دعوة الداعي والاخر داعيا إلى نفس الفعل
كما تعطيه عبارة الداعي إلى الداعي، واما العمل بداع الثواب أو بداع
بعض الآثار الدنيوية من أداء الدين سبعة المعيشة فلا محيص فيه
من التزام عدم كون الامر داعيا وان الثواب وتلك الآثار مترتبة على
العمل بداع ترتبها نظير العناوين القصدية من غير توسيط داع
الامر وإلا كان باطلا ولم تترتب تلك الآثار الا إذا كان الداعي على
العمل نفس الامر وكانت تلك الآثار غير منظور إليها بوجه
قوله وربما يجعل من الثمرة اجتماع:
لا يخفى ان هذه الثمرة بظاهرها سقيمة جدا فان العمل الخارجي لا
يختلف حاله بلزوم الاجتماع وعدمه ليصح جعله ثمرة واتصاف
المقدمة المحرمة بالوجوب والحرمة جميعا فتكون إطاعة ومعصية
بناء على جواز الاجتماع وعدمه بناء على الامتناع ليس الا الثمرة
التي ذكرها المصنف (قده) من اتصاف المقدمة بالوجوب ولا وجه
لفرض هذا الاتصاف في خصوص المقدمة المحرمة اللازم منه اجتماع
الأمر والنهي كي يبتنى على مسألة الاجتماع جواز أو منعا، ويمكن ان
يكون المقصود من هذه الثمرة ان الامر قد يؤل إلى سقوط النهي
عن المقدمة المحرمة إذا قلنا بوجوب مقدمة الواجب وذلك فيما إذا
قلنا بامتناع الاجتماع مع غلبة ملاك الامر على ملاك النهي فتكون
المقدمة ح غير متصفة بالمبغوضية بخلافه على القول بعدم الوجوب
فان المقدمة تبقى على مبغوضيتها ولا يكون لها مخرج عن
المبغوضية (وفيه) ان ملاك الوجوب وهو توقف الواجب النفسي
على المقدمة موجود على كل حال وهذا
178

إن كان غالبا على ملاك التحريم أوجب ارتفاع التحريم من غير فرق بين
القول بوجوب المقدمة وتأثير هذا الملاك في الوجوب والقول
بعدمه لوضوح ان الوجوب لا مدخلية له في ذلك وانما يحصل
التكاسر بين الملاكات، وكأن المصنف (قده) فهم ان المقصود من هذه
الثمرة أعني ثمرة لزوم اجتماع الأمر والنهي وعدمه، هو حصول
الفرق في التوصل إلى الواجب وعدمه فيحصل على تقدير ولا
يحصل
على آخر فأجاب في جواب الثالث بما يناسب ذلك
قوله لما أشرنا إليه غير مرة
كما أشرنا أيضا إلى عدم الفرق بين عنوان المقدمة وسائر العناوين
المتعلقة بها الاحكام، وان أخذ العنوان في الجميع على نسق واحد و
ليس عنوان المقدمة معرفا محضا عما هو الموضوع للحكم بل مما
يقوم به الملاك ويتقوم به الحكم (ثم) ان هذا الاشكال من المصنف
(قده) يتم على غير مبناه والا فهو لا يفرق بين توجه الحكم إلى
الطبائع الكلية وتوجهه إلى الافراد الخارجية، في أنه على الجواز
ينبغي
الجواز في الجميع فيجوز الامر بفرد بما هو مصداق للمقدمة والنهي
عنه بما هو مصداق للغصب ويكون من باب الاجتماع
قوله لاختصاص الوجوب بغير المحرم
لا وجه لهذا الاختصاص إذا جاز اجتماع الأمر والنهي وانما يقول
بالاختصاص من لا يجوز الاجتماع، فتكون الثمرة بين القولين أعني
القول بوجوب المقدمة والقول بعدمها على هذا واضحة (نعم) ما
ذكره المصنف (قده) في صورة الانحصار متجه لكن الظاهر خروج
هذه
الصورة عن مورد كلام الذاكر لهذه الثمرة
قوله وثالثا ان الاجتماع وعدمه:
من المعلوم ان التوصل مقتضى ذات المقدمة ومقدميتها ولا دخل له
بالحكم المتعلق بها المتأخر طبعا عن مقدميتها، فلا معنى للقول
بإمكان التوصل على تقدير كون الحكم كذا، وعدمه على تقدير كونه
كذا (نعم) في المقدمات العبادية التي تكون عباديتها بأمرها
الغيري ان تعقلناه، تكون المقدمية وإمكان التوصل موقوفة على تعلق
الحكم والايجاب، لتوقفها على قصد التقرب الموقوف على الامر،
فما لم يتعلق الحكم لا تكون مقدمة ولا يتوصل بها إلى أمر، سوأ لم
يتعلق به الحكم أصلا كما إذا قلنا بعدم وجوب المقدمة ولا يتوصل
بها إلى أمر، سوأ لم يتعلق به الحكم أصلا كما إذا قلنا بعدم وجوب
المقدمة أم قلنا بتعلقه وسقوطه بمزاحمة النهي في مورد الاجتماع
فتظهر الثمرة ح فعلى القول بالوجوب وجواز الاجتماع يمكن،
التوصل لوجود الامر الغيري بالمقدمة الكافي في قصد
179

وعلى القول بعدمه وتقديم جانب النهي في محل الاجتماع أو إنكار
وجوب المقدمة رأسا، لا يمكن التوصل لعدم الامر الذي يتقرب به، و
المفروض ان ذات المقدمة أيضا ليست مقدمة للعلم بإناطة مقدميتها
بأمر عبادي غيري يتعلق بها (نعم) إن كانت العبادية بأمر نفسي
عبادي قد تعلق بالمقدمة، كان ما ذكره المصنف (قده) في قسم
العبادي من عدم الفرق حقا، فلا يحصل التوصل على القول بالامتناع
مع
ترجيح جانب النهي، ويحصل على القول بالجواز، من غير فرق في
الموردين بين القول بوجوب المقدمة وعدمه، لان ذلك الوجوب
وجوب زائد على أصل الطلب العبادي المتعلق بالمقدمة فلا يتفاوت
الحال بين القول به وإنكاره اما رأسا أو في الجملة، ولا جل غلبة
ملاك النهي في المورد في أن إتيان الفعل على وجه العبادة الذي عليه
مدار حصول التوصل إلى ذي المقدمة ممكن والتوصل من أجل ذلك
حاصل
قوله فان الملازمة بين وجوب:
ان الملازمة الخارجية وهي الخصوصية القائمة بالمتلازمين
المستدعية للوجود عند الوجود ليست أزلية بل تابعة في التحقق
لتحقق
الطرفين، فإذا شك في تحققها بتحقق الطرفين أو بتحقق أحدهما
استصحب عدمها عدما تاما لا عدما ناقصا لعدم اليقين بالعدم الناقص
وسلب الربط (نعم) ليست هذه الملازمة موضوعا لاثر شرعي وإن كان
اللازم أعني به وجوب المقدمة حكما شرعيا وذلك لعدم ترتب
هذا الوجوب على تلك الملازمة شرعا بل ولا عقلا فالاستصحاب
باطل لذلك لا لاختلال الأركان كما ذكره المصنف (قده)
قوله ولا آخر مجعول مترتب عليه:
لا يخفى انه بعد لزوم الاتيان بالمقدمة على كل حال وجبت أم لم
تجب لا يكون لاجراء الأصل في الوجوب لأجل نفيه معنى وتعين ان
يكون الأصل الجاري في الوجوب موضوعيا ولأجل ترتيب الآثار
المرتبة على عدم الوجوب كعدم بر النذر وعدم حرمة أخذ الأجرة
على المقدمة ونحو ذلك فلو لا ذلك أو لولا كونه هو المهم لم يكن
لاجراء الأصل ونفى الوجوب أثر فان الأصل انما يجري في الاحكام
بلحاظ مالها عقلا من الآثار ولا يترتب على نفى الوجوب في المقام أثر
قوله الا انه مجعول بالعرض:
الجعل بالعرض لا يصحح توجه التنزيل إلى المجعول بالعرض أولا و
بالذات بل إن صح توجهه إلى المجعول بالذات كما في رفع الجزئية
والشرطية للواجب الذي حقيقته رفع الامر بالكل الذي يكون هذا
جزئه أو
180

شرطه فهو والا كما في المقام الذي يكون وجوب ذي المقدمة فيه
معلوما وانما الشك في وجوب مقدمته بالشبهة الحكمية فلا سبيل
إلى
رفع الوجوب عن المقدمة تبعا لرفعه عن ذي المقدمة ولا إلى رفعه
عن المقدمة استقلالا، لأنه غير قابل للوضع استقلالا، ليكون قابلا
للرفع كذلك (وبتقرير آخر) ان مؤدى دليل الأصل هو الرفع
الاستقلالي في مقابل الوضع الاستقلالي، وهذا ليس من محل الشك
للقطع
بعدم قبول المورد للرفع والوضع الاستقلالي، وما هو محل الشك و
المعقول فيه الرفع والوضع، هو الرفع والوضع التبعي، والرفع و
الوضع التبعي، لا يعقل ان يقتضيه الأصل الجاري في الشئ استقلالا،
فان ذلك شأن الأصل الجاري في المتبوع المنتفي في المقام لمكان
القطع بالوضع بالنسبة إلى المتبوع (نعم) يمكن المناقشة في كون
المقام من المجعول بالعرض كالجزئية المجعولة بجعل منشأ انتزاعها
أعني به الامر بالكل وذلك لان المقدمة إذا كانت واجبة كانت واجبة
بجعل مستقل وبإرادة مستقلة غير إرادة ذيها (نعم) هي مترشحة
من إرادة ذيها فتكون إرادة ذيها من قبيل الواسطة في الثبوت دون
الواسطة في العروض ليكون وجوبها من قبيل المجعول بالعرض و
يكون المجعول بالذات هو إيجاب ذيها فقط
قوله ولزوم التفكيك بين الوجوبين:
يعنى ان نفى وجوب مقدمة بالأصل مع ثبوت وجوب ذيها بالوجدان،
هو بعينه نفى الملازمة بالأصل إذ لا نعنى من نفى الملازمة بالأصل،
الا اقتضاء الأصل جواز ارتفاع أحدهما عند ثبوت الاخر وقد اقتضاه
الأصل حيث حكم بأصالة عدم وجوب المقدمة عند ثبوت وجوب
ذيها فلم أنكرت وجود أصل ينفى الملازمة (وحاصل الجواب) هو ان
ما أنكرناه هو وجود أصل ينفى الملازمة بين وجوب ذي المقدمة
الواقعي ووجوب المقدمة كذلك، وهذا الأصل بنفيه للوجوب عن
المقدمة في ظرف ثبوت وجوب ذيها وإثباته للإباحة الظاهرية يثبت
التفكيك بين فعلية وجوب ذي المقدمة وفعلية وجوب المقدمة
فيكون أحدهما فعليا دون الاخر ولا ينفى الملازمة بين الوجوبين
الواقعيين، ليرتب آثار عدم الملازمة بين الواقعيين، الذي هو المطلوب
قوله والأولى إحالة ذلك على الوجدان:
الوجدان حاكم بان المولى بما هو مولى لا يريد سوى ما هو مطلوبه
الأولى الذاتي، واما مطلوبه الثانوي العرضي فذلك مطلوبه بما انه
أحد العقلا وبتلك الجهة التي يشاركه فيها عبده وسائر العقلا
فيكون امره
181

بالمقدمات وطلبه لها إرشاديا محضا، ولذا ربما ينفى إرادة غير ذي
المقدمة ويصرح بأني لا أريد منك الا الكون على السطح واما ما
عداه فالاتيان به وعدمه على حد سوأ (ومما ذكرنا) تعرف الخدشة
فيما أيد به الوجدان بل جعله من واضح البرهان وهو وجود أوامر
غيرية في الشرعيات، فان تلك الأوامر الواردة بعد ما عرفت من
الوجدان اما إرشادية أو للتنبيه على أن التقيد بمتعلقاتها مأخوذ في
المطلوبات النفسية، وبعبارة أخرى للإشارة إلى شرطية متعلقاتها
فقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، نظير لا صلاة الا
بطهور في أنه قد سيق لإفادة شرطية الطهارة للصلاة (ومما يؤيد)
الوجدان بل يكون من واضح البرهان انه لا يمكن الالتزام بوجوب
المقدمة بقيد الايصال لما تقدم من المحذور، ولا يمكن القول
بالاطلاق في الواجب لعدم تعلق الغرض بغير الموصل فلا محيص من
رفع
اليد عن أصل الوجوب (وأيضا) لا يمكن الالتزام بان ترك مطلوب
المولى ومخالفة تكليفه، لا يوجب استحقاق العقوبة من أي نحو كان
تكليفه، مع حكم العقل بعدم استحقاق العقاب على المقدمات
فيستكشف من ذلك عدم تعلق الطلب بها فتأمل
قوله وفيه بعد اصطلاحه بإرادة عدم المنع:
الظاهر أن المستدل أراد الجواز الشرعي وذلك من جهة ان الواقعة لا
تخلو عن حكم شرعي، فإذا لم يكن الحكم هو الوجوب، كان أحد
الأحكام الأربعة الاخر، ويشترك الكل في جواز الترك ويزيد التحريم
بان الترك واجب مع ذلك، والمراد من الظرف في المقدمة
الثانية أيضا زمان هذا الجواز، فيكون المعنى حين إذ جاز شرعا ترك
المقدمة تركا مفضيا إلى ترك الواجب أعني الترك في آخر أزمنة
الامكان فلا يخلو الحال ح اما ان يكون التكليف بذيلها باقيا مع تجويز
ترك مقدمته فيلزم التكليف بما لا يطاق أو يكون ساقطا فيلزم
خروج الواجب عن كونه واجبا اما الثاني فواضح واما الأول فلانه لا
فرق في لزوم التكليف بما لا يطلق بين طلب الفعل والنهي عن
مقدمته وبين طلب الفعل وتجويز ترك مقدمته تجويزا جعليا في
ضمن أحد الأحكام الثلاثة الأخر وقد صرح المصنف (قده) في آخر
كلامه بما يؤل إلى ما ذكرناه حيث قال نعم لو كان المراد من الجواز
جواز الترك شرعا وعقلا يلزم أحد المحذورين، ونحن نقول إن
التجويز الشرعي لا بد ان يكون مستتبعا لحكم العقل بالجواز كما أن
الايجاب الشرعي مستتبع لحكم العقل بالايجاب فإيجاب، شئ مع
تجويز ترك مقدمته شرعا يؤل إلى الايجاب
182

والتجويز العقليين لاستتباع الحكم الشرعي للحكم العقلي، وإيجاب
شئ عقلا مع تجويز ترك مقدمته كذلك محال فكذلك شرعا (نعم)
إيجاب الشارع لشئ مع السكوت عن مقدمته وعدم الحكم عليها
بشي جائز لكنه خارج عما هو المفروض في المقدمة الأولى من أنها
لو
لم تجب لجاز مريدا منه الجواز الشرعي من باب عدم خلو الواقعة عن
الحكم وإن كان ذلك غير مقبول للمصنف (قده) فإنه ادعى إمكان
خلو الواقعة عن الحكم الفعلي بعد ان اعترف بعدم خلوها عن الحكم
الواقعي (ومما ذكرنا) ظهر عدم الحاجة إلى شئ من التصرفين
الذين ارتكبهما المصنف (قده) في الشرطيتين على مبنى عدم جواز
خلو الواقعة عن الحكم الشرعي
قوله لا يوجب صدق إحدى الشرطيتين
بل إحدى الشرطيتين صادقة البتة، ولا يرتفع صدقها بمجرد حمل
الجواز في الشرطية الأولى على عدم المنع، ثم حمل الظرف على
زمان
تحقق الترك (نعم) ليس صدقها محذورا لان خروج الواجب عن كونه
واجبا بالمعصية الذي هو عبارة أخرى عن سقوطه بها لا محذورا
لان خروج الواجب عن كونه واجبا بالمعصية الذي هو عبارة أخرى
عن سقوطه بها لا محذور فيه بل لا محيص في كل واجب من أن
يسقط وجوبه بمعصيته والمقام من ذلك القبيل، بل كل واجب يخرج
عن كونه واجبا بخروج متعلقه عن القدرة والاختيار لان القدرة
شرط عقلي في عامة التكاليف فخروج الواجب عن كونه واجبا بترك
مقدمته الموجب لتعذره ليس محذورا بل لا محيص عنه
قوله يلزم أحد المحذورين:
ولقائل ان يمنع لزوم محذور التكليف بما لا يطاق في الشق الأول من
الشرطية الثانية فان الفعل بجواز مقدمته لا يخرج عن القدرة ما لم
يمنع العقل عن مقدمته (نعم) يلزم محذور العبث في التكليف، فان
التكليف الذي لا يحكم العقل بلزوم إطاعته ولا يلزم بإتيان متعلقه لغو
وعبث وهو من المولى العاقل قبيح ومن الحكيم محال
قوله نعم لو كان المراد من الجواز:
مع كون المراد مما أضيف إليه الظرف في الشرطية الثانية نفس الجواز
دون الترك والا لم يحصل الفرق مع ما تقدم
قوله إن لا يكون محكوما بحكم شرعا:
يعنى بحكم فعلى شرعي، والا فسيصرح بعدم خلو الواقعة عن حكم
شرعي واقعي، وقد عرفت ان الاستدلال مبنى على عدم خلو الواقعة
عن حكم شرعي فعلى، فيكون النزاع مبنائيا
قوله بأنه لولا وجوبه شرعا:
يظهر من هذا الاستدلال ان كلام هذا المستدل أيضا ككلام المستدل
المتقدم في الوجوب النفسي المتعلق بالمركب من الشرط و
المشروط، فإنه الذي لولاه لما كان الشرط شرطا مع
183

كون مراده من الشرط هو تقيد المشروط بالشرط لا ذات الشرط،
فكلامه خارج عن محل البحث من جهتين بخلاف كلام المستدل
المتقدم فإنه خارج من جهة واحدة إذا ليس البحث في الوجوب
النفسي المنتزع منه الشرط ولا في التقيد المعتبر في المأمور به بالامر
النفسي بل في ذات القيد وفي الوجوب الغيري المترشح من ذلك
الوجوب النفسي المنتزع منه الشرطية
قوله واما مقدمة الحرام والمكروه:
والسر في ذلك ان ترشح الحكم ليس بمناط ان المقدمة لا بد أن تكون
تابعة لذيها في المحبوبية والمبغوضية كي يلزمه الترشح في
الحرام والمكروه أيضا وتكون المقدمة مبغوضة بمبغوضية كي ذيها
بل الترشح بمناط توقف إيجاد مطلوب المولى وامتثال تكليفه
عليها والتوقف في جانب الواجب والمستحب حيث إن المطلوب
وجودي يكون على جميع مقدمات الوجود فلأجل ذلك يجب
الجميع واما
في جانب الحرام والمكروه حيث إن المطلوب هو الترك، ولا يتوقف
ذلك على ترك المقدمات بل يمكن الترك مع الاتيان بجميع
المقدمات فضلا عن البعض فلا يترشح الطلب من طلب الترك إلى
ترك المقدمات (ومن ذلك يظهر) سر الترشح في المقدمة التي تكون
علة تامة لتحقق الحرام بحيث لا يبقى معها اختيار.
مبحث اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده وعدمه
قوله الاقتضاء في العنوان أعم:
لا نعهد للاقتضاء معنى يشمل العينية والجزئية كي يكون كل شئ
مقتضيا لنفسه وكل مركب لجزئه فان الاقتضاء يقتضى الاثنينية و
التعدد مع استلزام المقتضى بالكسر للمقتضى بالفتح فلا يطلق على
أحد المتلازمين انه مقتض لصاحبه ولا على المقتضى بالفتح انه
مقتضى لمقتضيه (نعم) إن كان الاقتضاء في العنوان بمعنى الدلالة
صح ان يرادا منه الدلالة بالمعنى العام الشامل للمطابقية والتضمنية و
الالتزامية، لكن ليس البحث في المقام في الدلالة بل في ثبوت التأثير
للطلب الواقعي النفس الامري في إرادة الضد، فيكون العنوان على ما
ذكرناه مطابقا للقول بالاقتضاء من باب المقدمية دون الاقتضاء من باب
مطلق الاستلزام فضلا عن العينية والجزئية، فكل الأقوال ما عدا
الأول تخرج عن العنوان مع كونها من أقوال المسألة وهذا من قصور
العنوان (فالأولى ان يقال) انه مع الامر بأحد الضدين أو الأضداد هل
يكون
184

الضد الاخر أو بقية الأضداد مطلوب الترك لا محالة أو يعقل ان لا
يكون مطلوب الترك بعد الفراغ عن انه يعقل ان لا يكون مطلوب الفعل
بالطلب المطلق، واما بنحو الترتب على الطلب الأول ففيه بحث يأتي
الكلام فيه
قوله وهو توهم فاسد:
الفساد انما هو في الكبرى أعني عد عدم المانع من المقدمات لا في
الصغرى أعني دعوى الممانعة بين الضدين (توضيح ذلك) ان المانع
الذي عدوا عدمه من المقدمات هو نفس الضد وليس المانع عن تأثير
المقتضى والضد أمرين متغايرين فكل من الضد وعدم المانع واقع
في مرتبة وجود الممنوع لا من مبادئ وجوده فإطلاق العلة عليه
مسامحة، واما إطلاق المانع على نفس الضد فليس كذلك بل هو بنحو
الحقيقة لان المانع بحسب الاصطلاح هو هذا لا غير (وبالجملة) لا
يمكن ان يكون العدم مبدأ ومصدرا للوجود، مثلا إذا قلنا إن الجسم
الكثيف مانع من نفوذ النور فمعناه ان الفراغ الذي شغله ذلك الجسم
قد امتلا من ذرات ذلك الجسم لتكاثفه حتى لم يبق في خلاله فراغ
خال من تلك الذرات يتمكن فيه النور ويجري من الفراغ المذكور إلى
ما ورائه وذلك هو معنى مضادة الجسم المذكور للنور بحيث لا
يجتمعان في فراغ واحد، وهذه المضادة سيالة وجارية حتى في
الأجسام غير الكثيفة الجاري فيها النور أيضا لكن لأجل بقاء فراغ في
خلال تلك الأجسام يشغله النور، ينفذ فيها النور، فمثل الحجر حيث
يطلق عليه المانع عن نفوذ النور بملاك المضادة، فلا ضير في إطلاقه
على كل ضد بالنسبة إلى ضده
(نعم) عد عدم المانع من أجزأ العلة ومن مبادئ وجود المعلول
فاسد أو جار على المسامحة ومن جهة انه لا يوجد المعلول بدونه و
الا
فهو في مرتبته بحسب الدقة ومما يلازمه في التحقق والثبوت (و
يشهد) لما ذكرنا عدم صحة استناد انتفاء المعلول إلى وجود مانعه الا
إذا كان المقتضى لوجوده موجودا والا استند عدمه إلى عدم
المقتضى فلو كان عدم المانع من أجزأ العلة وفي مرتبتها لم يكن وجه
لذلك، بل كان اللازم استناد عدمه إلى عدم إتمام أجزأ علته ومن
جملته وجود مانعه من غير ترجيح بعض على بعض كما لا يرجح
بعض
أجزأ المقتضى على بعض، فيعلم من ذلك ان عدم المانع ليس في
مرتبة سائر أجزأ العلة فإذا لم يكن في مرتبتها كان في مرتبة المعلول،
إذ ليست هناك سوى مرتبة العلة ومرتبة المعلول مرتبة أخرى
قوله لا تقتضي
185

ارتفاع أحدهما:
اختار فيما تقدم عينية ارتفاع أحد المتناقضين مع ثبوت الاخر دون
التلازم كما يوهمه كلامه هنا، نعم هما متلازمان مفهوما (لكنك
عرفت ما فيه) وان المفهوم العدمي لا ينطبق على الامر الوجودي وان
صح توصيفه به كما في زيد ليس بقائم على سبيل سلب المحصل و
سلب الربط
قوله وما قيل في التفصي عن هذا الدور:
لا يخفى ان التوقف الموجب للدور عبارة عن نفس العلية والمعلولية
أعني الاشتمال على تلك الخصوصية المستتبعة للوجود عند الوجود
فلو تكررت هذه العلية من الجانبين كان ذلك دورا، سوأ كانت العلية
في الجانبين، أو أحدهما علية منحصرة وتوقفا على سبيل التعيين،
أو غير منحصرة كما في مقامنا بالنسبة إلى أحد الجانبين أعني جانب
عدم أحد الضدين، فإنه يتوقف على عدم مقتضية أو وجود مانعه و
هو الضد الاخر على ما فرض فبالنسبة إلى توقفه على وجود الضد
الاخر يجئ الدور حيث إن وجود الضد الاخر أيضا يتوقف على عدم
هذا الضد وان فرض عدم الاستناد الفعلي إلى وجود الضد الاخر بل
استحالته حتى مع قطع النظر عن لزوم الدور حيث إن عدم أحد
الضدين مستند أبدا إلى فقد مقتضية لا إلى وجود الضد الاخر لعدم
تعقل وجود مقتضية مع وجود مقتضى الاخر ليكون عدمه مستندا إلى
وجود الاخر وذلك لعدم إناطة الدور ومحذوره بفعلية التولد و
الصدور الخارجي بل بفعلية التوقف والعلية كما أشرنا إليه، وفعلية
العلية تكون بقيام تلك الخصوصية التي ذكرناها، أعني خصوصية
استتباع الوجود للوجود بالطرفين، بل استحالة فعلية الصدور من
الجانبين تكون باستحالة قيام تلك الخصوصية
بالجانبين (والحاصل) إذا فرض التوقف من الجانبين سوأ كان في
الخارج استناد أم لم يكن جاء الدور، ولا وقع لهذا القيل والقال و
الاطناب في المقام
قوله ولعله كان محالا لأجل انتهاء:
هذا في الإرادة الأزلية المتعلقة بالاضداد التكوينية فإنها لعدم تخلفها
عن المراد يستحيل ان يجتمع اثنين منها وإلا لزم اجتماع الضدين،
واما في إرادتنا بالنسبة إلى أفعالنا التي هي عنوان الكلام في المقام،
فاستحالة الاجتماع تبتنى على ثبوت المضادة بين نفس الإرادات
كثبوتها بين متعلقاتها لتكون استحالة اجتماع إرادة شئ مع إرادة ضده
استحالة ذاتية وهي ممنوعة، ولئن سلمناها كان لنا نقل الكلام
إلى نفس الإرادتين، فيقال انه في الإرادتين المتضادتين لم وجدت
إحداهما دون الأخرى، العدم
186

مقتضيها أو لمنع الأخرى عنها، فإن كان الثاني ثبت المطلوب وإن كان
الأول، نقلنا الكلام أيضا إلى مقتضى المقتضى وهلم جرا حتى
ينتهى الامر إلى الاعتراف بالمطلوب، وان استناد انتفاء الضد في
سلسلة العلل إلى منع ضده عنه
قوله قلت هاهنا أيضا مستند:
يعنى انه ليس المقتضى هو الإرادة فقط ليكون عدم الضد في المثال
مستندا إلى وجود الضد الاخر إذ كان مقتضى وجوده موجودا، بل هو
الإرادة بضميمة قدرة المريد على المراد، ولا قدرة في المثال فيستند
عدم تحقق المراد إلى عدم وجود مقتضية أيضا (وفيه) ان القدرة
التي اعتبرها في المقتضى إن كانت هي القدرة على المراد حتى مع
وجود الإرادة الأخرى المانعة ليكون المعتبر قدرة قاهرة على
القواسر والموانع، فذلك عبارة أخرى عن العلة التامة فان الإرادة مع
هذا القدرة علة تامة لتحقق المراد، وإن كانت هي القدرة الكافية
في تحصل المراد لولا المانع في المحل، فهذا موجود في المثال فإنه
لولا الإرادة الأخرى على الخلاف كانت هذه القدرة كافية وافية في
تحصيل المراد
قوله وإن كان قد ارتفع به الدور:
قد عرفت عدم ارتفاع الدور بذلك، وان مناط الدور تكرر التوقف
بمعنى العلية والخصوصية المستتبعة لوجود المعلول من الجانبين و
هذا حاصل في المقام وان استحالت فعلية التأثير والتأثر من أحد
الجانبين حتى مع قطع النظر عن الدور، فان التوقف ليس هو التأثر
الفعلي بل الخصوصية الموجبة للتأثر وان لم يكن تأثر فعلى لجهة من
الجهات، فلا وجه لتسليم اندفاع محذور الدور والالتجاء إلى
محذور آخر؟ مع أن كلام المتفصي عن الدور لا يستلزم ذلك المحذور
كما تنبه لذلك وتعرض له بقوله والمنع عن صلوحه لذلك إلى
قوله لعدم اقتضاء صدق الشرطية صدق طرفيها:
فانا لو قلنا إن الباري تعالى لو كان ممكنا لاحتاج إلى العلة، كانت قضية
صادقة ولا يقتضى صدقها صلاحيته تعالى لان يكون معلولا و
ذلك واضح جدا (ويمكن) الفرق بين المقام ومورد المثال بان صدق
الشرطية التي فرض ان الشرط فيها هو خروج الذات عن ذاتياتها،
لا يقتضى صلاحية الذات التي لم يفرض فيها ذلك لترتب الجزاء
بخلاف، الشرطية المجعول شرطها بعض الأمور الخارجة عن الذات
كما
في المقام، فان صدقها يقتضى صلاحية الذات لترتب الجزاء و
استتباعه وان استحال الشرط، فان استحالة الشرط الخارجي لا تمنع
من
صلاحية الذات واقتضائها في حد ذاتها، كما في كل مقتض ملازم
للمانع أو كل
187

سبب ملازم لانتفاء الشرط، فان الصلاحية والسنخية الموجبة للتأثير
الفعلي عند وجود الشرط أو فقد المانع محفوظة، وان استحال
وجود الشرط أو فقد المانع
قوله والمانع الذي يكون موقوفا عليه:
قد عرفت عدم الفرق بين المانعين، وان المانع هو المزاحم في
الوجود، وبمزاحمته للوجود يزاحم المقتضى في تأثيره، فعدمه في
مرتبة
المعلول أبدا لا من مبادئ وجوده، فعده من أجزأ العلة، يكون مبنيا
على المسامحة لا إطلاق المانع على الضد
قوله نعم العلة التامة لاحد الضدين:
لما كان من الضروري انتفاء أحد الضدين عند وجود الاخر، وقد فرغ
المصنف (قده) عن إثبات عدم استناد هذا الانتفاء إلى وجود
الضد الاخر، كان عليه ان يبين المنشأ لهذا الانتفاء بعد عدم التزامه
باستناده إلى عدم مقتضية أبدا، كما تقدمت دعواه في كلام المتفصي
عن الدور لملازمة زعمها بين وجود أحد الضدين وانتفاء مقتضى
الاخر، فأراد بهذه العبارة بيان منشأ انتفائه وأشار بقوله ربما، إلى أنه
إن كان مقتضى الضد المعدوم موجودا، استند عدمه إلى وجود
العلة التامة للضد الموجود، وإن كان مقتضية معدوما استند عدمه إلى
عدم مقتضية، ومراده من المنع هو المنع الفعلي، والا فالمنع
الاقتضائي وصلاحية المنع ثابتة حتى مع عدم مقتضى الاخر،
فالمانعية ليست
تقديرية بل فعلية المنع (ثم) انه يتجه على المصنف (قده) ان منع
العلة التامة لاحد الضدين للاخر ومزاحمتها لمقتضيه في تأثيره ليس
بما
هي هي بل باعتبار تأثيرها في ضد ما يقتضيه الاخر، فيؤل الامر
بالآخرة إلى مانعية الضد عن تأثير مقتضى الضد الاخر، وذلك كر على
ما فر منه
قوله ومما ذكرنا ظهر انه لا فرق:
ولو تحقق الفرق أيضا لم تكن له نتيجة بالنسبة إلى مورد البحث، إذ
الضد الموجود إذا كان مانعا فبمجرد الشروع فيه يتصف
بالمانعية، ويترشح إليه النهي من خطاب ضده فيفسد إن كان عبادة، و
لو كان حال حدوث الخطاب بضده غير موجود، وبما ان المسألة
عقلية لا وجه لان يجعل حال حدوث الخطاب ضابطا لها (نعم) إذا
كان غرض المفصل هو اتصاف الضد الموجود بالمانعية بعد تمامه لا
بمجرد الشروع فيه، كان التفصيل الذي أفاده في مسألتنا منتجا، إذ لا
يعقل توجه النهي إليه بعد تمامه، مع أنه لم يبق ح خطاب بالنسبة
إلى ضده، ليترشح منه النهي إليه، لأنه يسقط بالعصيان
188

قوله واما من جهة لزوم عدم اختلاف:
إن حكم العقل بوجوب المقدمة حكما استقلاليا أو كاشفا عن حكم
شرعي فإنما يحكم بملاك التلازم العام الشامل للمتلازمين في الوجود
وبمناط عدم تعقل امتثال الامر بدون الاتيان بذلك الشئ، وليس
للتلازم على سبيل المقدمية أي خصوصية تقتضي اختصاص حكم
العقل به، فلا معنى للتفصيل بين المقامين بالحكم بوجوب المقدمة
بإيجاب ذيها وعدم وجوب الملازم لوجوب ملازمه، مع أن الحكم
الالزامي أو غير الالزامي بأحد الضدين على خلاف ما في الاخر من
الالزام أو عدمه تكليف بالمحال (نعم) إباحة أحد الضدين مع غير
الإباحة من الأحكام الأربعة الاخر في الاخر لغو، بعد كون العمل
الخارجي مطابقا لمقتضى ما في الضد الاخر من التكليف ومن هذه
الجهة
يستحيل من الحكيم، فيتعين ان يكون أحد الضدين بلا حكم فعلى
على خلاف ما في الضد الاخر من الحكم، وإن كان فيه مناطه بحيث
لو
سقط ذلك الحكم الفعلي عن الفعلية أثر مناط هذا في الحكم على
الخلاف
قوله ومن هنا انقدح انه لا وجه:
المراد هو انه من ما قلناه ان المنع من الترك لازم طلب الفعل على
سبيل الحتم لا جزئه، يظهر انتفاء العينية أيضا بطريق أولى، لكن
مقتضى ما تقدم منه عند الكلام في ثمرة القول بالمقدمة الموصلة من أن
الفعل عين ترك الترك مصداقا لا ما يلازمه الا بحسب المفهوم، ان
يكون طلب الفعل عين طلب ترك الترك وهو المراد من النهي عن
الضد (نعم) طلب الفعل مع طلب ترك تركه مفهومان متلازمان
مصداقهما واحد فالطلب، الواحد ينسب تارة إلى الفعل وأخرى إلى
ترك الترك كما يقال يجب إكرام زيد ويقال أيضا يجب إكرام ابن
أخت خالة زيد والمعنى واحد والعبارة مختلفة
قوله ويكون زجرا وردعا عنه:
يعنى ان هذا الطلب الواحد إذا نسب إلى متعلقه الحقيقي كان بعثا إليه
وإذا نسب إلى متعلقه المجازي كان زجرا عنه، والظاهر أنه بعلاقة
التضاد و التناقض يسند الطلب المتعلق بالفعل إلى الترك، لكن لا أدري
لم يصير الطلب ح زجرا وردعا، مع أنه في محله الأصلي كان
بعثا وحثا الا ان يكون الوجه في ذلك هو ما ذكرناه في الحاشية السابقة
حسب ما تقدم منه في المبحث السابق من عينية الفعل وترك
تركه، فيكون المسند واحدا والمسند إليه واحدا والاسناد إسنادا
واحدا حقيقيا في الجميع والاختلاف يكون في العبارة فقط، فحيثما
ينسب هذا الطلب إلى الفعل يسمى الطلب بالبعث وحيثما ينسب
إلى ترك الترك المتحد مع الفعل
189

خارجا ومصداقا يسمى بالزجر
قوله والضد بناء على عدم حرمته:
الدليل الدال على الحكم الفعلي يكشف عن المحبوبية والمصلحة
بالدلالة الالتزامية وبعد حكم العقل بعدم الحكم الفعلي للمزاحمة
بأمر
الأهم ورفع اليد عن المدلول المطابقي، كيف يؤخذ بالمدلول
الالتزامي ويحكم بوجود المناط والمحبوبية ولا سيما إذا كان حكم
العقل
لوضوحه كالقرينة المحتفة بالكلام رافعا لأصل ظهور الكلام في
المدلول المطابقي، لا لحجيته مع بقاء أصل ظهوره كما في القرائن
المنفصلة
قوله أو غيرها أي شئ كان:
إذا قلنا إن الاحكام تابعة لمصالح فيها لا في متعلقاتها، أو قلنا بأنها غير
تابعة لمصلحة أصلا بان تكون جزافا محضا، لا يبقى مع عدم
الحكم شئ يكون قصده كافيا في عبادية المتعلق وصحته، اما على
الأخير فواضح، إذ لا شئ وراء نفس الامر يوجب العبادية لا في
المتعلق ولا في نفس الامر ليقصد حصول ذلك الشئ، والمفروض
ارتفاع نفس الامر بتوجه الامر بضده، واما على الأول فلان عدم
الامر يكشف عن عدم المصلحة في الامر أيضا ولو فعلا وفي
خصوص حال الامر بضده الأهم، والا لأمر به فعلا، مع أن المصلحة
في الامر
لا يعقل قصدها بإتيان الفعل إذ لا تحصل تلك المصلحة بالفعل ليقصد
حصولها به ويكون قصدها كافيا في صحته ووقوعه عبادة،
فالقول بعدم الحاجة إلى الامر في وقوع الفعل عبادة ومقربا انما يكون
مع اشتمال الفعل على المصلحة ليكون قصدها هو الموجب
لوقوعه عبادة ومقربا لا مع خلوه عنها
قوله ثم إنه تصدى جماعة من الأفاضل:
لم يستوف المصنف (قده) حق الكلام في المقام فينبغي ان نشرح
المقام حسب ما تساعد عليه الحال بما يناسب وضع التعليقة (فنقول)
ان
إرادة الفعل وطلبه من الغير تشتمل على ذات قائمة بالنفس، وصفة
اقتضاء للمتعلق قائمة بتلك الذات، وتأثير فعلى في حصول المتعلق
في الخارج لا يكون الا بحصول المتعلق في الخارج، فهذه مراتب
ثلاث مرتبة الذات، ومرتبة الاقتضاء، ومرتبة التأثير الفعلي، اما ذات
الإرادة فلا يستحيل ذاتا اجتماع فردين منها متعلقين بالضدين، لعدم
استلزام التضاد الثابت بين الضدين لثبوته بين إرادتيهما (نعم)
يستحيل اجتماعهما من الحكيم من جهة انه طلب للمحال لعدم
القدرة على امتثالهما بالاتيان بمتعلقيهما جميعا، وتختص هذه
الاستحالة
بما إذا كانت قضية الامرين الجمع بين متعلقيهما، واما اقتضائها فلا
بأس أيضا ان يكون فردان منه في عرض واحد بان يكون كل من
الإرادتين مقتضية لمتعلقها (نعم) المحذور السابق متحقق في المقام
190

من جهة ان ذلك استدعاء للمحال وبعث نحوه فيختص بما إذا كان
كذلك كما يأتي بيانه واما اجتماع تأثيرهما الفعلي الذي هو عبارة
أخرى عن حصول الاثرين وتحقق المتعلقين، ففيه المعاندة والمضادة
والاستحالة الذاتية، ومن هذه المرحلة التي هي مرحلة الامتثال
تسرى الاستحالة إلى المرحلتين المتقدمتين وإلى مقام الطلب، لما فيه
من استدعاء متعلقين متضادين فيكون صدوره من الحكيم محالا
لأجل كونه طلبا للمحال، وهذه السراية ثابتة بالقطع في توجيه الامر
إلى كل من الضدين بنحو الاطلاق الشامل لصورة وجود الضد الاخر
أعني تحقق مرتبة الامتثال من الامر الاخر، لان م آل الامرين كذلك إلى
الامر بالجمع بين الضدين، اما إذا كان أحد الامرين، مطلقا
بالإضافة إلى الاخر من حيث المراتب الثلاث، والاخر كان معلقا على
عدم تحقق مرتبة الامتثال من الامر المطلق وإن كان مطلقا أيضا
بالإضافة إليه من حيث مرحلة الذات ومرحلة الاقتضاء، ففي سراية
الاستحالة إليه إشكال، وهي المسألة المبحوث عنها فعلا أعني مسألة
الترتب فيأمر بأحد الضدين وهو المعبر عنه بالأهم مطلقا من حيث
وجود الامر بالمهم واقتضائه لمتعلقه وتأثيره في تحققه، ويأمر
بالمهم أيضا مطلقا من حيث وجود الامر بالأهم ومن حيث استدعاؤه
فيكون موجودا في عرض وجوده ومقتضيا في عرض اقتضائه، و
لكن يكون من حيث تأثيره في تحقق
المتعلق مقيدا بعدمه فما دام تأثير الامر بالأهم متحققا لا يكون الامر
بالمهم موجودا وانما يوجد في ظرف عدم فعلية التأثير من الامر
بالأهم، فيكون اقتضائه أيضا في ظرف عدم فعلية تأثير الامر بالأهم إذ
ان ذاته انما تكون في ظرف عدم فعليته، واما من حيث الرتبة
فذاته واقتضائه يكونان في عرض الامر بالأهم واقتضائه، ومنشأ
الاشكال هو ان مناط الاستحالة اجتماع اقتضاء كل منهما مع اقتضاء
الاخر في عرض واحد كما يراه القائل ببطلان الترتب، أو هو اقتضاء
أحدهما في عرض التأثير الفعلي من الاخر بان يكون امتثالهما
بالجمع بينهما، واما إذا لم يكن كذلك كما في المقام حيث لا يكون
في جانب الامر بالمهم استدعاء مع تحقق الامتثال الفعلي في جانب
الامر بالأهم، فلا موجب للاستحالة ولذا لا يكون الجمع بينهما لو
فرض إمكانه امتثالا لهما، كما يتضح ذلك فيما لو أمر مرتبا كذلك
بغير الضدين فقال كل الرمان وان بنيت على العصيان فاشرب ماء
الحصرم فان الجمع بين الامرين لا يكون امتثالا لهما بل ربما لا
يكون امتثالا لشئ منهما إذا
191

المطلوب في جانب الأهم مشروطا بعدم المهم (والحاصل) انه لا
إشكال في مفروض البحث في اجتماع الامر بالأهم مع الامر بالمهم
عند
البناء على معصية الامر بالأهم، ولا إشكال أيضا في كون كل من
الامرين مستدعيا للمتعلق في عرض الاخر، كما لا إشكال في أنه لا أمر
بالمهم ولا استدعاء له مع فعلية تأثير الامر بالأهم، وقد وقع النزاع في
جواز أمرين كذلك فالمانع ينظر إلى الاجتماعين الأولين و
يراهما ملاكا للاستحالة، والمجوز ينظر إلى عدم الاجتماع الثالث و
يراه مناطا للجواز (ولا أظن) ان يخفى عليك بعد الإحاطة بما
ذكرناه الحق من الباطل والمزيف من المقبول ولا يهولنك كلمة الامر
بالضدين ولا لفظ المطاردة بين الامرين ما لم ينته الامر إلى
استدعاء أحدهما في ظرف فعلية تأثير الاخر، وقد عرفت عدم
الانتهاء إلى ذلك في فرض الترتب (وان شئت) زيادة توضيح لما تقدم
(فنقول) ان المأمور به في مثال الامر بالصلاة مرتبا على البناء على
معصية الامر بالإزالة، هو الفرد من الصلاة الذي يكون في ظرف
ترك الإزالة والبناء على معصية أمرها، لكن بحيث لا يجب تحصيل
القيد وتهيئة الظرف كسائر شرائط الوجوب، ولذا لا ينافي ذلك
حرمة القيد أعني ترك الإزالة فتجب الإزالة ويجب الصلاة الواقعة في
ظرف اختيار ترك الإزالة، ومن الواضح عدم استحالة اجتماع
إرادة الإزالة
مع إرادة الصلاة الواقعة في ظرف ترك الإزالة، إذ لو كانت اجتماع
الإرادتين كذلك مستحيلا، فليس ذلك الا من جهة كونه طلب أمر
محال يستحيل صدوره من الحكيم، ولا يتصور أي تناف وتضاد بين
الإزالة وبين الصلاة التي تكون في ظرف تركها، ليكون طلبهما
طلبا للمحال، فاتضح لك مناط القول بالترتب وان ذلك ليس لأجل
إناطة طلب المهم بأمر اختياري، وانه لا بأس بالتكليف بالمحال إذا
كان المنشأ اختيار المكلف، فإنه بمكان من الوهن والسقوط، والا لزم
جواز الامر بالضدين في عرض واحد معلقا على أمر اختياري
آخر، كما ذكره المصنف (قده) (وقد يتوهم) بطلان الترتب من جهة
كون الوجوب منوطا باختيار المكلف، وكيف يجتمع الوجوب مع
كون المكلف بيده الترك بترك ما هو شرط الوجوب، وكأن هذا
المتوهم غفل عن التكاليف الواردة في الشريعة مشروطة بالقصد،
فبقصد إقامة العشرة يجب إتمام الصلاة، وبقصد قطع المسافة يجب
القصر بل بعض
192

الافعال يجب باختيار وجوبه ويحرم باختيار الحرمة فيه كما في دوران
الامر بين الوجوب والحرمة إذا قلنا فيه بالتخيير ولا سيما
التخيير الاستمراري وكذلك في تعارض الخبرين المتساويين في
الجهات المرجحة (ثم) ان القائل بالترتب في فسحة من تصحيح
الشرط المتأخر بعد إمكان جعل البناء على المعصية أو فراغ الظرف
عن فعل الأهم وخلوه عن الاشتغال به شرطا
قوله الامر بغير الأهم بعد التجاوز:
التجاوز ينافي ما نرى من العقاب منهم على ترك الأهم كما أن الارشاد
إلى المحبوبية والمصلحة ربما يكون منافيا للغرض من تعين
الاتيان بالأهم لان ذلك ربما يوجب ترك الأهم والاشتغال بالمهم لما
فيه من تخفيف عقاب الأهم.
قوله وكنا نورد به على الترتب:
الايراد بذلك على الترتب كالايراد بان قضية الترتب هو الاتيان
بالضدين في آن واحد فكما ان بطلان ذلك واضح فكذا هذا (وذلك)
لان العقاب يقوم مقام الفعل وهو رياضة أخروية مكان الإطاعة التي
هي الرياضة الدنيوية فالايراد باقتضاء الترتب لعقابين في صورة
مخالفة كلا الامرين يساوق الايراد باقتضائه لاطاعتين في عرض واحد
فان اقتضائه لعقابين يكون بتبع اقتضائه لفعلين في عرض
واحد وقد عرفت بطلان ذلك (ومن ذلك ظهر) بطلان اقتضاء ترك
الأهم العقاب التام في صورة إطاعة الامر بالمهم فان الصورتين في
الايراد ودفعه من واد واحد (ان قيل) فعلى أي شئ يعاقب في
الصورتين وما ذا يكون اقتضاء الامرين في المقامين بعد عدم معقولية
الترتب في العقاب (قلنا) العقاب يكون على ما فوته المكلف مما كان
يمكنه تحصيله من الغرضين وهو مقدار الغرض الذي يكون في
الأهم واما مقدار الغرض الذي هو في المهم فهو فائت لا محالة ولا
يمكن تحصيله فإذا عصى كلا الامرين فالعقاب يكون بقدر عقاب
الأهم ولكن لا بعنوان انه عقاب الأهم كما يعاقب بقدر عقاب أحدهما
لا بعنوان خاص فيما إذا ترك المتزاحمين المتساويين في المصلحة
وإذا عصى أمر الأهم خاصة عوقب على تفويت مقدار فضل الأهم
على المهم لا على ترك الأهم رأسا وذلك لاحرازه المقدار المشترك
بينهما من الغرض بإتيان المهم ولم يفت مما يمكن إحرازه من
الغرضين الا مقدار التفاضل بينهما
قوله أمكن ان يؤتى بما زوحم منها:
هذا إذا كان الامتثال عبارة عن الاتيان بما يحصل غرض المولى من
أمره بداعي إسقاط أمره وأما إذا كان الامتثال عبارة عن
193

الاتيان بداع الامر لا بغرض إسقاط الامر فمن الواضح ان الامر لا يدعو
الا إلى ما تعلق به (ودعوى) ان الامر انما يدعوا إلى ما تعلق به
بملاك انه محصل لغرض المولى لا بما انه متعلق الأمر وهذا الملاك
حاصل بالفرض في غير ما تعلق به الامر فيمكن إتيانه بداع الامر
(مدفوعة) بأنها لو تمت اقتضت في مورد الفرض أعني مزاحمة المهم
بالأهم في بعض الوقت سقوط الامر عن المهم في وقت المزاحمة
حتى بالنسبة إلى غير وقتها فلا يكون فعلا أمر بإتيان المهم بعد
المزاحمة ليمكن الاتيان به في وقت المزاحمة بداع الامر المتعلق
بإتيانه
بعد وقت المزاحمة وذلك لان سقوط الامر بإتيانه فعلا كان بملاك
استحالة البعث نحو الضدين فإذا كان الامر بالاتيان بعد المزاحمة
أيضا باعثا نحو إتيان المهم فعلا تحقق ذلك الملاك وامتنع توجه الامر
فعلا نحو إتيان المهم بعد وقت التزاحم فكيف يتأتى الاتيان
بالمهم فعلا بداع الامر
قوله وإن كان جريانه عليه أخفى:
لا يختلف هذا عن سابقه في الخفاء والظهور لتساوي مناط تحقق
الامتثال في المقامين ومجرد كون المورد من مصاديق الطبيعة
المأمور بها لا بما هي مأمور بها لا يوجب تأكدا في المناط ليزيد به
وضوح تحقق الامتثال (وقد ظهر لك مما ذكرناه) عدم تحقق الامتثال
بالاتيان بغير ما تعلق به الامر وإن كان مما يحصل به الغرض من الامر و
يسقط بسببه الامر بل قد تقدم عدم طريق لنا إلى معرفة
حصول الغرض من غير طريق الامر وقد فرض عدم الامر من جهة
المزاحمة مع ما هو أهم وحكم العقل بعدم الفعلية ومن المحتمل
اقتران هذا المانع العقلي بعدم المقتضى ومعه كيف يقطع بحصول
الغرض ووجود المقتضى
مبحث أمر الامر مع علمه بانتفاء شرطه
قوله لا يجوز أمر الامر مع علمه بانتفاء شرطه:
الجواز في العنوان اما ان يكون بمعنى الامكان الذاتي في مقابل
الامتناع الذاتي كما في اجتماع النقيضين أو الضدين أو بمعنى الامكان
الوقوعي في مقابل الامتناع الوقوعي وهو ما يلزم من وقوعه المحال
أو بمعنى ما لا قبح فيه عقلا (والشرط) في العنوان يحتمل وجوها
أربعة (الأول) شرط الواجب فيكون مرجع الضمير غير مذكور في
الكلام (الثاني) شرط الوجوب والامر وله معان ثلاثة شرط تحقق
الامر في نفس المولى والشرط بهذا المعنى هو الشرط الذي يكون من
أجزأ
194

العلة لوجود الممكن وشرط حسن الامر وعدم قبحه عقلا وهي
الشرائط العامة للتكليف من العقل القدرة والشرط الذي يعلق عليه
الامر
شرعا كالاستطاعة في الحج وبضرب الاحتمالات الثلاثة للجواز في
الأربعة الأخيرة ترتقي الأقسام إلى اثني عشر ولا حاجة إلى
التعرض لكل واحد منها والعمدة بيان ما هو ظاهر العنوان (فنقول)
لفظ الجواز ظاهر في ثالث الاحتمالات كما يشهد به جعل القيد في
عنوان البحث العلم بانتفاء الشرط لا انتفائه واقعا الذي هو المعيار في
عدم الجواز في الاحتمالين الأولين، مع أن البحث عن الجواز
بذينك المعنيين ليس من شأن الأصولي بل من شأن الحكيم (مضافا)
إلى أن الجواز بأحد ذينك المعنيين في بعض معاني الشرط و
احتمالاته والامتناع في بعضها الاخر في الوضوح بمثابة لا ينبغي ان
يبحث عنه ولفظ الشرط ظاهر في الأعم من شرط حسن التكليف
عقلا والشرط الذي يعلق عليه الخطاب شرعا بل مثال الثاني إلى
الأول فان تعلق الخطاب ينشأ عن تعلق الغرض أو المصلحة فلا غرض
و
لا مصلحة عند انتفاء المعلق عليه ويكون الامر ح قبيحا (ثم) ان هذا
العنوان أيضا وإن كان مما لا ينبغي البحث عنه إذ بعد فرض انتفاء
شرط جواز الامر وصحته عقلا كيف يعقل الحكم بجوازه وهل ذلك
الا الخلف وعدم كون الشرط شرطا الا انه مع التأويل الذي ذكره
المصنف (قده) لا بأس بان يبحث
عنه وإن كان توهم عدم الجواز على ذلك أيضا ضعيفا جدا، منشأه
توهم انحصار الغرض من البعث والطلب الانشائي في داعي الجد، مع أن
ذلك بين البطلان لوضوح تشتت الأغراض وكثرتها (نعم) كون
الغالب في الأوامر داعي الجد غير بعيد ولذا ينصرف إطلاق الامر
إليه ما لم تقم قرينة على خلافه
قوله بمعنى الامكان الذاتي بعيد:
مع أن الامكان الذاتي غير قابل لان يبحث عنه، لوضوح اقتضاء عدم
ذاته للاستحالة، فالاستحالة على تقدير ثبوتها انما تكون من جهة
لزوم وجود الممكن من غير علة (مضافا) إلى أن العلم بعدم الشرط
ليس سببا لهذه الاستحالة فان سببها عدم الشرط واقعا
قوله في أن أمر الامر يجوز إنشائه:
المراد من الانشاء هنا ليس مرتبة الانشاء من الامر التي اصطلح عليها
المصنف (قده) وهي مرتبة تصديق المولى بمصلحة الفعل التي هي
قبل مرتبة الفعلية ولا يتوهم توقفها على مرتبة الفعلية، بل المراد الامر
الانشائي وقول افعل، وهذا ليس من مراتب الامر الحقيقي القائم
بالنفس وانما يطلق عليه الامر توسعا فهو انشاء الامر لا حقيقته (لكن)
صدر عبارة
195

الكتاب موهمة بل ظاهرة في خلاف ما ذكرناه.
مبحث تعلق الأوامر بالطبائع أو الافراد
قوله ولا يخفى ان المراد ان متعلق الطلب:
نبه بهذه العبارة على أمرين (الأول) انه ليس البحث في المقام كما
يوهمه العنوان في متعلق الأوامر والنواهي فإن متعلقهما هي الطبائع
من حيث هي من غير إشكال وذلك لاشتمال مدلولي الأوامر و
النواهي على الوجود والعدم، فان الامر طلب الوجود والنهي طلب
الترك
ومتعلق هذين المدلولين هو الطبائع فيكون معنى صل طلب وجود
طبيعة الصلاة ومعنى لا تشرب الخمر طلب ترك طبيعة شرب الخمر،
بل البحث في متعلق الطلب الذي هو جز مدلولي الأمر والنهي وان
متعلق هذا الطلب هو الطبيعة أو الفرد (الثاني) ان المراد من الطبائع
والافراد ليس هو الطبائع من حيث هي في قبال الطبائع من حيث
الوجود فان الطبائع من حيث هي ما لم ينضم إليها الوجود أو العدم
غير قابلة لتوجه الطلب إليها بل المراد هو الطبائع من حيث الوجود
أعني مطلق الوجود ومحض التحقق من غير نظر إلى شئ من
خصوصيات التحقق في قبال الوجود بتلك الخصوصيات فالنزاع بعد
الفراغ عن اعتبار أصل الوجود في متعلق الطلب انما هو في اعتبار
الخصوصيات الوجودية التي لا يخلو الوجود عن عدة منها على أن
تكون الوجودات الخاصة ملحوظة عند الامر ومأخوذة في حيزه على
سبيل الاجمال مشار إليه بعنوان عام كما في الوضع العام والموضوع
له الخاص (ثم) ان ظاهر المصنف (قده) هو ان البحث
في المقام (ليس عقليا) فان جواز تعلق الطلب بكل من الطبائع و
الافراد متسالم عليه عند الكل ويجوز لمولى التصريح بكل من
الامرين
(ولا لفظيا) وفيما هو قضية صيغة افعل ولا تفعل بحسب وضعهما و
الا كان استدلال المصنف (قده) بالوجدان في طلب شئ وانه لا
غرض للشخص في الافراد أجنبيا، بل في فعلية تعلق الأوامر و
النواهي حسب المتعارف الغالب في الأوامر والنواهي العرفية فيكون
التعارف معينا لمتعلق طلب الشارع بعد قبول لفظه لكل من الامرين و
احتماله لكل من التعلقين مع عدم مانع عقلي أيضا عن شئ من
ذلك (إذا عرفت ذلك) فتوضيح الحال في المقام يتوقف على بيان ما
تتعلق به الإرادة في الافعال بالمباشرة فان المقامين من واد واحد
(فنقول) إذا تعلقت الإرادة بالذهاب إلى السوق ثم
196

أثرت في حصول الذهاب وتحققه في الخارج فلا يمكن ان يقال إن
شخص هذا الذهاب الخارجي الذي تشخصه بشخص وجوده متعلق
للإرادة، وذلك لوضوح ان من مبادئ الإرادة تصور الفعل المراد و
الشخص الخارجي لا يعقل تصوره قبل تشخصه فان النفس انما تأخذ
صور الاشخاص من الخارج واما ما ترسمه من الصور في الخيال
كصورة حمام أو دار، ثم يوجد في الخارج على منوالها، ومن ذلك
صورة كل فعل يراد إتيانه فتلك صور كلية قابلة للانطباق على كثيرين
في الخارج وان فرض عدم الانطباق الفعلي لانحصار مصداقها
في الفرد لكثرة ما أخذ فيها من القيود فتعين ان يكون متعلق الإرادة
هذه الصورة الكلية المتصورة، وهو معنى تعلق الامر بالطبائع إذ لا
فرق بين الامر المتعلق بفعل الغير والإرادة المتعلقة بفعل النفس (ان
قلت) على ذلك يكون شخص ما يصدر من الأفعال الاختيارية بلا
اختيار إذ لم يكن الشخص المزبور بشخصه متعلقا للإرادة وموردا
للتصور قبل حصوله (نعم) هو بعد الحصول يكون موردا للتصور،
لكن لا معنى لتعلق الإرادة به ح (قلت) لا محذور في الالتزام به ولا
ينافي ذلك توصيفه بالاختيارية فان معنى كون الفعل اختياريا هو
تعلق الإرادة والاختيار بجامعه المندرج هو فيه لا بشخصه، ولا نعنى
بالفعل الاختياري حيثما نقول الا هذا المعنى (ان قلت) إذا لم تتعلق
الإرادة بالشخص، فما ذا
يكون السبب لحصوله، وكيف يعقل أن تكون إرادة شئ منشأ
لحصول شئ آخر (قلت) الوجدان قاض بان النفس إذا توجهت نحو
الشئ توجها خاصا يعبر عنه بالإرادة أثر توجهها في تحريك
العضلات نحو المراد فيظهر ح الشخص وحقيقة الوجود وهذا الأثر
حاصل له في مقام التكوين فإذا قيل لم يؤثر كذلك كان ذلك بمثابة ان
يقال لم تؤثر النار في التسخين والماء في التبريد (ومما ذكرنا)
ظهر لك ان متعلق الطلب في الأوامر والنواهي هي الطبائع من حيث
هي دون الوجود الخارجي، وان الوجود الخارجي بكلا معنييه لا
يعقل ان يكون متعلقا للإرادة إذ لا يعقل ان يكون متعلقا للتصور الا بعد
تحققه وبعد تحققه لا يعقل تعلق الإرادة به، فلا يعقل تعلق الإرادة
به، أولا وآخرا (فظهر) ان البحث في المقام بحث عقلي وان القائل
بتعلق الطلب بالطبائع ينكر معقولية تعلقه بالوجود كما أن القائل
بتعلقه بالوجود ينكر معقولية تعلقه بالطبائع ويلتزم بان الطبائع من
حيث هي غير قابلة لتعلق الطلب بها
قوله بل في المحصورة على ما حقق:
197

يعنى ان الحكم في المحصورة ليس متوجها إلى اشخاص الوجودات
الخاصة أعني كل وجود بحده الخاص بل الخصوصيات طرا خارجة
عن تحت الحكم والحكم عارض على الذوات المتخصصة التي لا
تزيد على أصل الوجود بشي
قوله دفع وهم:
ولا يخفى انه (قده) لم يأت في الدفع بشي غير العبارة وان إشكال
تعلق الطلب بحقيقة الوجود السعي أو الخاص وارد لا محيص عنه و
قد تقدم تقريره في الحاشية السابقة مستوفى فراجع
قوله وقد جعل وجودها غاية:
لم بتحصل لنا من هذه العبارة معنى إذ ليس جعل شئ غاية في
مقدورنا كي يتأتى لنا جعل كل شئ غاية لكل شئ، فإن لم يكن
بحسب
خارجه غاية مترتبة على آخر لا يكون داعيا ومحركا نحو إتيانه، و
الوجود ليس غاية للطبيعة ولا غاية لطلبها الا بالمعنى الذي قدمناه
فان أثر طلب الطبيعة تعلق الإرادة من المكلف بإيجادها وأثر هذه
الإرادة حصول مطابق الطبيعة في الخارج فالإرادة تتعلق بالطبيعة و
تعلقها بها يؤثر في حصول الطبيعة ويبعث العضلات نحو تحقيق
المراد فغرض المولى من الامر بالطبيعة هو تحقق وجودها في الخارج
من العبد.
مبحث دلالة نسخ الوجوب على بقاء الجواز
قوله فلا دلالة لدليل الناسخ:
لا تبعد دعوى دلالة دليل المنسوخ بمعونة دليل الناسخ على ثبوت
الاستحباب فان دليل المنسوخ دل على الرجحان الالزامي والمتيقن
من مفاد دليل الناسخ رفع حد الالزام لان نسخ الوجوب يتحقق بذاك و
اما أصل الرجحان فلم يدل دليل على خلافه فيؤخذ بدليل المنسوخ
في إثبات أصل الرجحان وينضم إليه جواز الترك المستفاد من دليل
الناسخ ويتم به معنى الاستحباب (الا ان يقال) ان الوجوب الذي دل
عليه دليل المنسوخ طلب واحد بسيط، فإذا رفع اليد عنه بدليل
المنسوخ لم يبق مجال لاثبات أصل الرجحان به، وليس للفظ دلالتان
دلالة
على أصل الرجحان وأخرى على تأكده كي يؤخذ بإحداهما بعد رفع
اليد عن الأخرى، كما هو الحال في العام المخصص (لكن) المصنف
(قده) في الواجب الموسع فيما إذا كان التوقيت بدليل منفصل تمسك
بدليل الواجب لاثبات الوجوب بعد الوقت، إذا لم يكن لدليل التوقيت
إطلاق يقيد تمام مراتب الطلب وكان متيقنه تقييد تأكد الوجوب لا
أصله، ولم يعلم الفرق بينه وبين المقام فان نسبة
198

أصل الرجحان إلى الرجحان الالزامي كنسبة الرجحان الالزامي إلى
الرجحان الالزامي الأكيد في كون كل منهما مرتبة ضعيفة من لا حقه
وكون اللفظ الدال على المرتبة اللاحقة الأكيدة له دلالة واحدة على
تلك المرتبة الواحدة البسيطة، لا دلالتان يرفع اليد عن إحداهما وهي
دلالته على التأكد مع الاخذ بالأخرى، فأخذه بدليل الواجب في تلك
المسألة لاثبات الوجوب في خارج الوقت بعد رفع اليد عن حد التأكد
بدليل التوقيت يناقض عدم أخذه هنا بدليل المنسوخ لاثبات أصل
الرجحان بعد رفع اليد عن حد الالزام بدليل الناسخ (ثم) ان هذا
الكلام
يجري في بقاء الكراهة أو جواز الترك بالمعنى الأخص بعد نسخ
التحريم، وكذا بقاء الإباحة بعد نسخ كل من الكراهة والاستحباب
فتأمل
قوله ولا مجال لاستصحاب الجواز:
يمكن ان يقال إن الوجوب في نظر العرف عبارة عن جواز الفعل مع
عدم جواز الترك كما أن الإباحة عبارة عن جواز الفعل مع جواز
الترك فإذا ارتفع عدم جواز الترك بدليل الناسخ وشك في ارتفاع جواز
الفعل استصحب جوازه (ومع) الغض عن ذلك نمنع تباين
الاستحباب والوجوب في نظر العرف فان التفاوت بينهما في نظر هم
بالشدة والضعف كما هو في نظر العقل فلا مانع من
الاستصحاب على كل حال وكأن توهم التباين نشأ عن استقلال كل
منهما باسم خاص ومن الواضح ان ذلك لا يوجبه
مبحث الواجب التخييري
قوله ففي وجوب كل واحد على التخيير:
توضيح المقام يتوقف على تحرير الأقوال الأربعة التي ذكرها فنقول
(الأول) وجوب كل من الابدال بالوجوب التعييني والالتزام بان
الوجوب سنخ واحد وهو الوجوب التعييني ولكن هذا الوجوب
التعييني بإتيان واحد من الابدال يسقط عن باقيها كما يسقط في كثير
من
المقامات بارتفاع موضوعه (الثاني) وجوب جميع الابدال بالوجوب
التخييري والالتزام بان للوجوب سنخا آخر غير التعييني يتعلق بما
زاد عن الفعل الواحد ويكون امتثاله بإتيان بعض الابدال وعصيانه
بترك الجميع وهو الوجوب التخييري (الثالث) وجوب واحد من
الابدال لا تعين له مصداقا (الرابع) وجوب الواحد المعين في علم الله
وكلما اختاره المكلف في مقام
199

الامتثال، يكشف عن أن المطلوب منه، هو الذي اختاره في مرحلة.
التكوين، فيتعين موضوع البعث التشريعي، بموضوع البعث التكويني،
(إذا عرفت ذلك فاعلم) ان الواجبات التخييرية الثابتة في الشريعة لا
يجب الجمع بين أطرافها دفعة أو تدريجا ويجوز المبادرة إلى
بعضها وحينئذ يسقط التكليف ولا يجب الاتيان بالباقي وان أتى به
كان باطلا كما أنه لو جمع بين الأطراف دفعة حصل الامتثال أيضا
في الجملة اما بالجميع أو ببعض الأطراف، فلا بد من تصوير الواجب
التخييري تصويرا ينطبق على ما ذكرناه من الخصوصيات، ومن
المناقضة الصريحة ان يقال يجب جميع الأطراف بنحو يجوز ترك كل
إلى الاخر وان ذلك نحو من الوجوب فان حقيقة الوجوب لا تجتمع
مع جواز الترك ولو جوازا في الجملة وإلى بدل: الا ان يرفع اليد عن
الوجوب في تلك الحالة فلا يكون وجوب كل من الأطراف مطلقا بل
يكون مشروطا أو معلقا على عدم تلك الحالة على أن يكون عدم تلك
الحالة شرطا وقيدا، والالتزام بكل من الامرين في الواجبات
التخييرية لا يصحح الواجب التخييري تصحيحا يجتمع مع ما ذكرناه
من الخصوصيات الثابتة في الواجبات التخييرية، مثلا إذا قلنا إن
معنى وجوب الكفارة مخيرا بين خصالها هو وجوب كل خصلة
مشروطا بعدم الأخرى اتجه السؤال بان الشرط هو
عدم الأخرى قبل وجود هذه أو عدمها مطلقا ولو مع هذه بان لا تكون
موجودة ولو مقارنة معها أو عدمها مطلقا ولو كان وجودها
عقيب هذه، فإن كان الأول كان اللازم حين عدم الاتيان بشي من
الخصال وجوب الاتيان بالجميع دفعة لحصول شرط وجوب كل
منهما
وهو عدم الأخرى، وذلك باطل لما عرفت من عدم وجوب الجمع
بين أطراف التخيير في الواجبات الشرعية، وإن كان الثاني كان
اللازم البطلان لو أتى بالجميع دفعة لبطلان كل بعدم شرطه وهو عدم
اجتماع الاخر معه فيجب الاتيان ثانيا ببعض الأطراف حين عدم
وجود الاخر أو يسقط التكليف رأسا إن كان الشرط في الوجوب عدم
اجتماع كل منهما مع الاخر بالمرة فلو اجتمعا ولو في زمان سقط
التكليف رأسا. وكلاهما باطل لا ينطبق على شئ من الواجبات
التخييرية (ومن ذلك يظهر) الحال في الثالث فان الشرط لو كان عدم
الاخر أولا وآخرا ومقارنا كان وجود الاخر لاحقا كوجوده مقارنا و
سابقا مبطلا لصاحبه وذلك أيضا باطل لا ينطبق على الواجبات
التخييرية (والحاصل)
200

ان اختلاف أنحاء الوجوب، وكون التخييري نحوا يجوز تركه إلى البدل
مما لا نعقله الا ان يرجع إلى اشتراط الوجوب في كل منهما بعدم
الاخر أو تعليقه على عدمه ولا ينطبق شئ منهما على الواجبات
التخييرية فلا محيص من الالتزام بان الواجب هو الواحد الجامع وان
التخيير في جميع الواجبات التخييرية عقلي لا شرعي، أو الالتزام بان
الواجب أحدهما لا بعينه مصداقا مع عدم القول بتبعية الاحكام
للمصالح في المتعلق والالتزام بكفاية المصلحة في الحكم، وذلك
لان توجه الحكم إلى أحدهما لا بعينه معقول كتوجه التمليك إلى
الواحد
المردد لكن لا يعقل قيام المصالح التي تكون من الاعراض المتصلة
بالواحد المردد فلا بد أن تكون المصلحة اما في واحد معين أو في
الجميع فإن كان الأول تعين ذلك الواحد للوجوب وإن كان الثاني
وجب الجميع عينا (ودعوى) كون الغرض في كل منهما منوطا بعدم
الاخر (مدفوعة) بما دفعنا به كون التكليف كذلك، وان محتملات
عدم الاخر المشروط به حصول الغرض ثلاثة، والكل باطل لا ينطبق
على الواجبات التخييرية الثابتة في الشريعة
قوله وإن كان بملاك أنه يكون في كل واحد:
الظاهر أن مورد البحث والأقوال هو هذا القسم واما القسم الأول الذي
يكون الواجب فيه في الحقيقة تعيينيا كسائر الواجبات التعيينية
فهو خارج عن محل الكلام، والالتزام بوجوب الجامع في الواجبات
التخييرية الثابتة في الشريعة فرار عما هو محل الاشكال من جهة
عدم تصوير التخيير الشرعي وإرجاع التخيير الشرعي موضوعا إلى
التخيير العقلي (وقد عرفت) ان لا محيص عن هذا الفرار بناء على
تبعية الاحكام للمصالح في المتعلقات (نعم) بناء على عدم التبعية،
يمكن الالتزام بوجوب الواحد المردد ان صح التكليف بالواحد المردد
(ولكن) المصنف (قده) ينكر ذلك وان مفاد النكرة عنده الجنس
المقيد بمفهوم الوحدة الذي هو جنس آخر فيكون طلبه طلبا للجامع
فلا
يخرج التخيير عن كونه عقليا
قوله بقي الكلام في أنه هل يمكن التخيير
محل الاشكال هو ما إذا كان نفس الفعل المتعلق للتكليف مرددا بين
الأقل والأكثر وكان للأقل في ضمن الأكثر وجود مستقل كرسم
خط طويل تدريجا وان عد المجموع بعد حصول الأكثر فعلا واحدا و
كان له وجود واحد (فيخرج بالقيد الأول) ما إذا لم يكن الفعل
المتعلق التكليف مرددا بين الأقل والأكثر بل كان متعلق ذلك الفعل
مرددا بينهما كما إذا أمر تخييرا بالاتيان بعصا طولها عشرة أذرع
أو بعصا طولها خمسة أذرع، أوامر بإكرام عشرة دفعة
201

واحدة أو إكرام خمسة كذلك فان ذلك من التخيير بين المتباينين
لتباين الفعلين المتعلق بهما التكليف، (ويخرج بالقيد الثاني) ما إذا لم
يكن للأقل في ضمن الأكثر وجود مستقل كما إذا أمر تخييرا بالمسح
بالكف أو بإصبع واحد فإنه أيضا من التخيير بين المتباينين (ومن
ذلك يظهر) عدم الفرق بين الكم المنفصل والكم المتصل فلو أمر
تخييرا بين التسبيحة الواحدة والتسبيحات الثلاث أوامر تخييرا بين
المشي فرسخا واحدا أو فراسخ عديدة أو القراءة والتكلم وسائر
الأمور التدريجية كان كل ذلك من محل الكلام (ثم) ان المصنف (قده)
وان صار بصدد تصحيح التخيير بين الأقل والأكثر ولكن لم يصحح
التخيير بين الأقل والأكثر فإنه جعل كل ما ظاهره التخيير بين
الأقل والأكثر من التخيير بين المتباينين بضم قيد البشرط لائية إلى
جانب الأقل ومن المعلوم ان الأقل بشرط لا يباين الأكثر الذي هو
الأقل بشرط شئ فهو بلازم كلامه معترف بعدم معقولية التخيير بين
الأقل والأكثر أعني الأقل اللا بشرط الموجود في ضمن الأكثر و
الأكثر ولازمه التصرف في الأدلة التي ظاهرها التخيير كذلك بتقييد
الأقل بقيد بشرط لا وعدم انضمام الأكثر ولكنه لم يثبت كون
هذا التصرف أولى من التصرف في الهيئة في جانب الأكثر بحمل امره
على الاستحباب (هذا) مع أن ما ذكره من التخيير بين الأقل بشرط
لا والأكثر غير معقول أيضا وإن كان ذلك
داخلا في المتباينين إذ التباين المذكور تباين عقلي لا خارجي و
الاشكال لا يرتفع الا بالتباين الخارجي ولذا لا يسع المصنف (قده)
الحكم بعدم وجوب الأكثر بعد الاتيان بالأقل لان ذلك في معنى
إخراج الأكثر عن طرف التخيير، ولا الحكم بوجوب الأكثر عينا لان
ذلك في معنى إخراج الأقل عن طرف التخيير، وحكمه بالتخيير بين
الاتيان بالزائد وعدمه في معنى عدم وجوب الزائد وانحصار
الوجوب بالأقل لعدم معقولية وجوب فعل شئ وتركه على سبيل
التخيير
قوله كالخط الطويل الذي رسم دفعة:
تخلل السكون وعدمه غير دخيل في ذلك والضابط ان لا يكون الأقل
سابقا في التحقق على الأكثر وإن كان الأقل على تقدير تحقق
الأكثر غير مختص بوجود مستقل في ضمنه (نعم) رسم الخط الطويل
دفعة وبفعل واحد غير تدريجي يباين رسم خط أقصر منه، فيكون
التخيير بين الرسمين كذلك نظير التخيير بين الاتيان بعصا طويلة و
الاتيان بعصا قصيرة، واما التخيير بين رسم خط طويل تدريجا و
لو بلا تخلل سكون وخط قصير فيه كالتخيير بين التسبيحة الواحدة
202

والتسبيحات من حيث الاشكال.
(مبحث الواجب الكفائي)
قوله والتحقيق انه سنخ من الوجوب:
ليس للوجوب حقائق متعددة ممتازة بذاتياتها بل هو في جميع موارده
سنخ واحد ويكون تكثره بالعوارض المصنفة والخصوصيات
المشخصة فسنخ الكفائي هو سنخ العيني والتكليف فيه متوجه إلى
الجميع لعدم معقولية تكليف واحد على البدل والفرض عدم
اختصاص
التكليف بواحد معين فإذا كان التكليف متوجها إلى الجميع تعدد
التكليف لعدم معقولية توجه تكليف واحد إلى متعددين فإذا تعدد
التكليف والمكلف تعدد الفعل المكلف به ويكون تكليف كل واحد
متعلقا بفعل نفسه لا بفعل غيره فحينئذ يقصر هذا التكليف عن سائر
التكاليف العينية المتوجهة إلى كل واحد من المكلفين من الامر
بالصلاة والصوم والحج إلى غير ذلك فحقيقة الوجوب هنا هي حقيقة
الوجوب هناك من غير تخالف في الحقيقة الوجوبية أصلا فيجب على
كل واحد امتثال تكليف نفسه فإذا اجتمع الكل على الامتثال دفعة
واحدة استحق كل واحد مثوبة تامة وإذا اجتمعوا على المعصية
استحق كل واحد عقابا تاما كما في الواجبات العينية (نعم) إذا بادر
واحد
إلى الامتثال، سقط التكليف عن الباقين على خلاف الواجبات العينية
وليس المنشأ لهذا الاختلاف، اختلاف حقيقة الوجوب بل الوجه في
ذلك ارتفاع موضوع التكليف بإتيان واحد وذلك لخصوصية أخذت
في متعلق التكليف فان متعلق التكليف هو الغسل
والكفن والدفن لميت لم يغسل ولم يكفن ولم يصلى عليه ويدفن و
هذا كله ينتفي بإتيان واحد فلا يبقى موضوع التكليف ليكلف
الباقون فهو كما إذا صار المسافر حاضرا والزوجة بائنة، وقد اصطلح
الفقهاء بتسمية هذا القسم من الواجب بالكفائي فيكون ميز
الكفائي عن العيني بأمر خارج عن حقيقة الوجوب وذاتياته (و
الحاصل) ان وحدة الغرض مع ترتبه على فعل كل شخص على حد
سوأ
تقتضي تقييد متعلق التكليف بمثل ما ذكرناه مع تعميم التكليف
بالنسبة إلى الجميع وذلك لان تخصيص التكليف ببعض ترجيح بلا
مرجح بعد اشتراك فعل الباقين معه في تحصيل الغرض وعدم
معقولية توجيه التكليف إلى واحد لا بعينه كما أن طلب فعل واحد
على
البدل من الجميع محال أيضا، فالمتعين هو تكليف كل
203

بفعل نفسه مع تقييده بما ذكرناه فان ذلك مما لا محيص عنه في
المقام وإن كان المحصل للغرض فعل واحد من المكلفين
قوله هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة:
ينبغي ان يراد بذلك إتيان كل بفعل تام ومصداق مستقل من مصاديق
المأمور به كما يشهد به قوله كما هو قضية توارد العلل المتعددة
على معلول واحد، لا اجتماع الكل على الاتيان بمصداق واحد
كتغسيل واحد رأس الميت والاخر شقه الأيمن والثالث شقه الأيسر
فان
المتعين في مثل ذلك هو البطلان لخروج هذا الفعل الملفق من أفعال
متعددين عن المأمور به إذ المأمور به هو إتيان كل بمجموع العمل
الا ان يدل دليل من الخارج على حصول الغرض بذلك أيضا، ومع
عدمه فالقاعدة تقتضي البطلان ولذا لو أتى بكل من تكبيرات صلاة
الميت واحد حتى كملت الخمس بفعل خمسة يحكم بالبطلان (ومما
ذكرنا ظهر) ان مثل اجتماع العسكر على فتح البلد أو اجتماع عشرة
على رفع الصخرة ليس من قبيل ما نحن فيه بل من قبيل الاجتماع على
الاتيان بالواجب العيني لان الفرض العيني في حق كل واحد هو
الاقدام على ما يحصل به الغرض بضميمة اقدام آخرين فيكون
تكليف كل مشروطا بإقدام الباقين ومعلقا على ذلك ولازم ذلك ان لا
يعاقب واحد منهم عند امتناع الجميع لعدم حصول شرط تكليف كل
بامتناع البقية وانما يعاقب المتخلف مع اقدام البقية
(مبحث الواجب الموسع والمضيق)
قوله الا انه تارة مما له دخل فيه شرعا:
ليس كل ما يكون الزمان دخيلا فيه موقتا بل الموقت هو ما يكون
الدخيل فيه زمانا خاصا وحدا مخصوصا منه، لا مطلق الزمان كيوم
الجمعة أو ما بين طلوع الشمس وغروبها أو نحو ذلك فالواجب الذي
يكون مطلق الزمان دخيلا فيه، خارج عن اصطلاح الموقت كالذي
ليس للزمان فيه دخل أصلا
قوله ولا يذهب عليك ان الموسع كلي:
كون الموسع كليا والتخيير بين افراده التدريجية عقليا على إطلاقه
ممنوع والمسلم منه ما إذا كان الواقع في حيز التكليف عنوانا مقيدا
بالوقوع بين حدي الزمان الموسع كالصلاة بين الزوال والغروب، بان
يقال صل صلاة واقعة بين الزوال والغروب، فان هذا عنوان كلي
صادق على كل ما يقع بين الحدين من افراد الصلاة، اما إذا أمر بالصلاة
من الزوال إلى الغروب فلا يبعد دعوى ظهور ذلك في الامر
بذوات الجزئيات
204

المتصورة بين الحدين لا بجامعها ولذا كان ظاهر ذلك هو الامر
بجميعها وعينا ولكن حيث قامت القرنية على عدم وجوب الجميع
عينا
حمل الامر على التخييري مع حفظه في متعلقاته فتكون خصوصيات
الأطراف متعلقة للتكليف كما هو شأن التخيير الشرعي، والتصرف
في الدليل بحمله على الارشاد لأجل كون جامعها هو المطلوب
بالطلب المولوي، محتاج إلى الدليل، نعم إذا قلنا بامتناع التخيير
الشرعي
تعيين هذا التصرف أيضا
قوله نعم لو كان التوقيت بدليل منفصل:
يعنى أنه يكون مهملا من حيث تقييد تمام مراتب الطلب والمتيقن
منه تقييد مرتبة منه وهي مرتبة تأكده فيقيد بهذا المتيقن دليل الواجب
ثم يؤخذ بإطلاق دليل الواجب في إثبات أصل التكليف في خارج
الوقت (وفيه) ان مدلول دليل الواجب وجوب واحد بسيط أكيد فإذا
رفع
اليد عن هذا المدلول برفع اليد عن تأكده فما ذا يبقى ليؤخذ به وليس
لصيغة افعل كالعام المخصص والمطلق المقيد مداليل عرضية
يؤخذ ببعضها بعد رفع اليد عن البعض الاخر ولذا لم يلتزم المصنف
(قده) فيما تقدم بدلالة دليل المنسوخ على الاستحباب بعد رفع اليد
عن ظهوره في الوجوب بدليل الناسخ وقد أشرنا هناك إلى أن نسبة
الاستحباب إلى الوجوب كنسبة أصل الوجوب إلى الوجوب الأكيد
فلا وجه للتفكيك بين المقامين (ويمكن) تقرير التمسك بإطلاق دليل
الواجب بوجه آخر بان يقال إن دليل التقييد إذا كان بلسان
التكليف والامر بإتيان العمل في الوقت اختص بالمتمكن من إتيان
العمل في الوقت، اما العاجز عن ذلك فإطلاق دليل الواجب بالنسبة
إليه يكون سالما عن التقييد فيتمسك بإطلاقه في خارج الوقت، ثم
يلحق به المتمكن العاصي في الوقت بعدم الفصل
قوله ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت:
هذا إذا أريد استصحاب الوجوب بتمام مراتبه اما إذا أريد استصحاب
مرتبة منه بعد زوال مرتبة التأكد قطعا أو احتمالا بانقضاء الوقت
فعدم جريان الاستصحاب يكون من جهة احتمال توقيت هذه المرتبة
أيضا بحيث لا يبقى بعد انقضاء الوقت شئ من مراتب الوجوب، و
احتمال قيدية الزمان كالقطع بقيديته مانع عن جريان الاستصحاب،
لعدم إحراز كون رفع اليد بعد الوقت نقضا ليشمله خطاب لا تنقض،
الا إذا عدا لزمان عرفا من الحالات بحيث لا يضر اختلافه بصدق
مفهوم النقض عرفا
205

(الامر بالامر أمر بمتعلق الأمر الثاني)
قوله وقد انقدح بذلك انه لا دلالة:
لا ريب في استفادة تعلق الامر والغرض بالامر من المدلول المطابقي
للامر بالامر وكذا يستفاد ذلك من إطلاقه لما إذا علم المأمور
الثاني بالامر كذلك وانه يجب مع ذلك الامر فإنه يقتضى خصوصية
في الامر وانه ليس الغرض مجرد التبليغ والتوسيط والا كان يأمر
بالتبليغ فيسقط احتمال كون الغرض متعلقا بمجرد فعل المأمور الثاني
ويبقى احتمالان (الأول) ان يكون الغرض في مجرد الامر
(الثاني) ان يكون الغرض في الامر وإطاعة المأمور عقيبه (فنقول) إن كان
المراد من الامر الذي أمر به مجرد انشاء الامر والبعث
الخارجي فلا دلالة لذلك بوجه على تعلق الغرض بحصول الفعل من
المأمور الثاني في الخارج، وإن كان الغرض من الامر حقيقة الامر و
البعث الجدي الناشئ عن إرادة الفعل فان صح الامر بذلك ولم نقل ان
ذلك من الامر بالإرادة والإرادة غير داخلة تحت الإرادة دل اللفظ
بالدلالة الالتزامية العرفية الواضحة على تعلق الغرض بالإطاعة و
الاتيان بالفعل امتثالا لأمر هذا الشخص الذي أمر بالامر كدلالة آية
حرمة كتمان ما في أرحامهن على سماع قولهن في ذلك، ودلالة آية
وجوب النفر والانذار على وجوب الحذر عقيب الانذار (نعم) ليس
هذا أمرا متوجها إلى ذلك الشخص بل يستفاد من ذلك مجرد تعلق
الغرض بإتيانه فيجب الاتيان تحصيلا للغرض ان
قلنا بوجوب تحصيل غرض المولى
(الامر بعد الامر لا يوجب امتثالا آخر)
قوله بعد الامر به قبل امتثاله:
أو قبل علم المولى بامتثاله وان امتثال قوله ولو كان بمثل مرة أخرى:
فتقيد الطبيعة أولا بالفرد، فيكون متعلق الأمر هو الفرد
المنتشر، ثم يقيد المأمور به الثاني بان يكون غير الفرد الأول على أن
يكون المحصل من مجموع العبارتين هو الامر بإتيان فردين من
الطبيعة على سبيل العموم الاستغراقي والا فلا معنى محصل للتقييد
بمرة أخرى أو فرد آخر بعد عدم تعين المرة الأولى لكونها الفرد
المنتشر فكيف يفرض لها مرة أخرى، ثم يؤمر بها، فان الرجل في أكرم
206

رجلا لا يمتاز عن الرجل في أكرم رجلا آخر، ليصح ان يقال إن المأمور
به ثانيا غير المأمور به أولا (وبالجملة) لا بد من تقييد الطبيعة
في كلا الخطابين بالفرد ثم بذل عناية أخرى ليستفاد من مجموع
الخطابين مطلوبية فردين وليس بإزاء هذه التصرفات الثلاثة الا حمل
الهيئة في الخطاب الثاني على التأكيد، ومن المعلوم ان التأكيد ليس
تصرفا في اللفظ ولا ارتكابا لخلاف الظاهر إذ لم يوضع اللفظ الا
بإزاء المعنى وقد استعمل فيه في مقام التأكيد كما يستعمل في
التأسيس (نعم) هو خلاف البلاغة إذا لم تكن نكتة تقتضيه وذلك لا
يزاحم
الاطلاق الذي هو ظهور لفظي في جانب المادة بل يؤخذ بالاطلاق و
يستكشف وجود تلك النكتة على سبيل الاجمال إن كان الكلام
صادرا في مقام البلاغة (مع) انه لو أغمض النظر عن ذلك كان اللازم
أيضا الاخذ بظهور المادة ورفع اليد عن ظهور الهيئة فان هذا
ظهور واحد وذلك ظهوران ولا يطرح الظهوران بظهور واحد ولو بنى
على الاجمال كان الأصل مطابقا مع الاخذ بظهور المادة فلا
يجب الاتيان بالطبيعة الا مرة واحدة
المقصد الثاني: في النواهي
قوله في الدلالة على الطلب مثل الامر:
ليس في موارد النهي طلب حقيقي وإرادة نفسانية إذا الإرادة لو كانت
فاما أن تكون متعلقة بالفعل أو الترك أو الكف والكل باطل (اما
الأول) فواضح والا كان أمرا بالفعل لا نهيا عنه (واما الثاني) فلان
الترك غير قابل لتعلق الإرادة به من غير فرق بين ترك نفس
الشخص وترك غيره أعني بين الترك بالمباشرة والترك بالتسبيب و
ذلك لان الإرادة صفة وجودية نفسانية والوجود لا يكون
مؤثرا في العدم كما لا يكون متأثرا منه فان العدم لا يحتاج إلى علة و
تنعدم الماهية بعدم علة الوجود فيكون الممكن في وجوده محتاجا
إلى علة لا في عدمه فكلما لا يصدر من الأفعال الاختيارية يكون ذلك
من جهة عدم وجود إرادة متعلقة به لا من جهة وجود إرادة متعلقة
بتركه بل استناد العدم إلى العدم أيضا ليس استنادا حقيقيا ناشئا من
التأثير والتأثر فان العدم غير متأثر من شئ حتى العدم (واما
الثالث) فلانا لا نرى في أنفسنا أمرا وجوديا عند تركنا للأشياء يكون هو
المسمى بالكف بل ليس الكف إلا عبارة عن ترك الشئ
اختيارا مع ميل النفس
207

ورغبتها فيه فالكف أمر عدمي خاص لا أمر وجودي قائم بالنفس وقد
أضيف إلى الترك كسائر الصفات ذات الإضافة (ان قلت) عن أي
شئ يكشف النهي إذا لم يكن في مورده طلب نفساني وإرادة حقيقية
وكيف يجب متابعته عقلا مع خلوه عن الإرادة، وأيضا أي معنى
من المعاني يكون منشأ بالنهي (قلت) الذي يكشف عنه النهي هو
كراهة الفعل والكراهة حالة نفسانية تكون متعلقة بالفعل في مقابل
الميل إليه الذي هو حالة نفسانية أخرى متعلقة بالفعل وتكون منشأ
لإرادته ولكن الترك يكفيه عدم الميل إلى الفعل المترتب عليه عدم
إرادته ولا يحتاج إلى الكراهة فيكون الترك أعم موردا من الكراهة إذ
منشأه جامع عدم الميل المجتمع مع الكراهة تارة ومع عدم الميل
الساذج أخرى، والكراهة هذه إذا كانت أكيدة كانت واجبة المتابعة
عقلا سوأ أنشأ نهى على طبقه أم لم ينشأ واما المنشأ بالنهي سوأ
كان بمادته أم بالهيئة فهو عبارة عن الردع عن الفعل كما أن المنشأ
بالامر هو الحث إلى الفعل فالمعنى المنشأ بكل منهما متعلق بالفعل
الا ان الامر بعث إليه والنهي زجر عنه (نعم) لازم الزجر عن الفعل عدم
إرادة حصوله بنحو يجامع كراهة حصوله وليس طلب عدم
حصوله هو المنشأ ابتدأ كما في صيغة اترك أو أطلب منك الترك و
لذا يرى الفرق الواضح بين أنهاك عن الفعل أولا تفعل
وبين أريد منك الترك أو أترك، مع أن هذا بحسب الانشاء فقط والا
فقد عرفت ان الإرادة الحقيقية النفس الامرية لا يعقل تعلقها بالترك
ففي مثل أريد الترك أيضا الإرادة إنشائية فقط وليس واقعها الا كراهة
الفعل كما في جانب النهي
قوله نعم يختص النهي بخلاف وهو:
قد عرفت ان لا طلب في مورد النهي ليكون متعلقا بالترك أو الكف كما
عرفت أن الكف ليس أمرا وراء الترك نعم هو الترك في ظرف
الميل إلى الفعل فيعبر عن هذا الترك الخاص بالكف
قوله خارج عن تحت الاختيار:
بل هو غير صادر من الشخص فضلا عن أن يكون بالإرادة والاختيار و
قد عرفت ان الإرادة التي هي أمر وجودي يستحيل تأثيرها في
العدم (نعم) يمكن ان يقال إن الاختيارية ليست منوطة بالصدور عن
مبدأ الاختيار والإرادة الا في جانب الفعل واما الترك فالضابط في
اختياريته هو ان يكون قلبه إلى الفعل بالإرادة والاختيار، ولكن مع
ذلك لا يعقل تعلق الطلب بالترك كما عرفت مفصلا (ثم) ان هذا كله
في الاستمرار على الترك واما الترك السابق على
208

التكليف فلا يزيد على الفعل السابق في عدم كونه بالاختيار بعد
التكليف
قوله وإن كان قضيتهما عقلا تختلف:
انما تختلف قضيتهما عقلا إذا أخذت الطبيعة تمام الموضوع للحكم
في الموردين بلا دخل لشئ من الخصوصيات في الحكم فيكون
الاتيان بهذه الطبيعة بإتيان فرد منها وتركها بترك تمام افرادها الا إذا
كان ترك خاص من هذه الطبيعة زمانا أو مكانا أو نحوهما
موردا للحكم فان الواجب ح لا يكون الا هذا الترك الخاص كما في
صورة تقييد نفس الطبيعة بهذا القيد، اما إذا أخذت الطبيعة مهملة
موضوعا للحكم في الموردين، أو مقيدة بفرد ما، أو مقيدة بالشيوع و
الريان في تمام الافراد فلا تكاد تختلف قضيتهما عقلا بل يتوقف
على بيان الخصوصية المتممة لموضوع الحكم التي أهمل بيانها في
القضية في الفرض الأول ويحصل الامتثال بفرد ما فعلا وتركا في
الفرض الثاني وبتمام الافراد فعلا وتركا في الصورة الثالثة
قوله إذ كان متعلقه طبيعة مطلقة:
وكان ترك هذه الطبيعة مطلقا تحت الحكم فلو قيدت الطبيعة أو قيد
الترك المضاف إليها كان مقتضى النهي ترك ذاك المقيد، ولو
أطلقا كان مقتضاه ترك المطلق
قوله ثم إنه لا دلالة للنهي على إرادة:
إذا كان مفاد النهي طلب ترك الطبيعة على سعتها على أن يكون
المطلوب تركا واحدا وهو ترك الطبيعة رأسا بحيث لا يكون الخارج
وعاء لوجودها، فلا جرم يسقط الطلب بمجرد وجود الطبيعة ولو
وجودا واحدا إذا لطلب واحد والمطلوب واحد وهو مجموع التروك
و
قد خولف بالاتيان بفرد واحد كما في كل عام مجموعي ولا مجال
للاطلاق بالنسبة إلى ما بعد زمان المعصية وسقوط الطلب، وإذا
كان مفاده مطلوبية كل ترك ترك من تروك الطبيعة على سبيل العموم
الاستغراقي فإذا خولف الطلب في ترك بقي الطلب على حاله في
سائر التروك والظهور العرفي في النهي يساعد على الأخير وان النهي
منحل إلى نواهي عديدة حسب التروك المتصورة في الطبيعة
فكل ترك امتثال مستقل ولا دخل لذلك بإطلاق الطبيعة والمتعلق بل
هو راجع إلى كيفية لحاظ ترك هذه الطبيعة المطلقة وانه لو حظ
مجموع التروك شيئا واحدا ووجه إليه الطلب، أو لو حظ كل ترك على
حياله واستقلاله ووجه إليه الطلب وسيجئ ان العموم
المجموعي والاستغراقي ينشئان من كيفية اللحاظ والاعتبار في
المتعلق لا من اختلاف الوضع وتعدد مدلول اللفظ.
209

(مبحث اجتماع الأمر والنهي)
قوله اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي:
الاختلاف في صغرى الاجتماع وان الاجتماع يلزم من طلب طبيعتين
متغايرتين إيجابا وتحريما بواسطة سراية الطلب إلى الوجود أولا
يحصل من جهة عدم هذه السراية وقيام الطلبين بالجناحين جناح
هذه الطبيعة وجناح تلك الطبيعة، واما الكبرى وهي بطلان الاجتماع
فمما لا إشكال فيها
قوله مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا:
يريد بهذا التعريض على صاحب الفصول (قده) حيث خص الواحد
بالواحد الشخصي، ونحن نذكر السر في تخصيصه والسر في تعميم
المصنف (قده) ثم نعقبه ببيان ما هو الحق منهما (فنقول) اما وجه
حمل صاحب الفصول لفظ الواحد في العنوان على الواحد الشخصي
فهو
التحفظ من دخول مثل مثال السجود لله وللصنم مما اجتمع فيه الأمر والنهي
في واحد جنسي أو واحد نوعي في محل البحث مع أنه خارج
عنه قطعا ولا ريب في جواز ذلك (واما) تعميم المصنف (قده) ذلك
لكل واحد ولو كان ذلك بالجنس أو النوع فلا جل ان يدخل في محل
البحث مثل الصلاة في الأرض المغصوبة مما كان المجمع للعنوانين
أمرا كليا يصدق على كثيرين ولما رئي ان التعميم يوجب عدم اطراد
العنوان، حيث إنه يوجب دخول مثل مثال السجود قيد الواحد بما كان
مندرجا تحت عنوانين بأحدهما متعلقا للامر وبالاخر متعلقا للنهي
فإنه لا إشكال في أن الواحدات الجنسية أو النوعية التي يجوز اجتماع
الأمر والنهي فيها ليست مندرجة تحت عنوانين كذلك بل العنوانان
مندرجان تحتها كما في مثال السجود فان تحته عنوانان السجود لله
المأمور به وللصنم المنهي عنه (وأنت خبير) بان الحق مع صاحب
الفصول (قده) وان تعميم المصنف (قده) لفظ الواحد إلى الواحد
الجنسي والنوعي ثم تقييده بما إذا كان مندرجا تحت عنوانين لاخراج
مثل مثال السجود يشتمل على اعتراض على الأصوليين بعدم تقييد
هم للعنوان وان عنوانهم ناقص، وهذا بخلاف مسلك صاحب
الفصول (قده) فان عنوانه تام ولا يتجه عليه شئ الا ما توهمه
المصنف و
نحن نبين مرد صاحب الفصول (قده) ليتضح عدم توجه ذلك عليه
(فنقول) ليس مقصود صاحب الفصول من الحمل على الواحد
الشخصي
ان يكون المجمع منحصرا في الواحد
210

الشخصي والجزئي الحقيقي ليخرج مورد كون المجمع عنوانا كليا كما
في مثل الصلاة في الدار المغصوبة بل مقصوده تلاقي العنوانين
في الاشخاص الخارجية فيكون البحث في اجتماع الأمر والنهي
بعنوانين منحصر بما إذا كان العنوانان متلاقيين في الوجود والشخص
وهذا أعم من أن يكونا متلاقيين قبل الوصول إلى مقام التشخص وفي
مفهوم عام كما في مثل الصلاة في الأرض المغصوبة وما إذا لم
يكونا متلاقيين الا في الشخص ابتدأ فالصلاة في الأرض المغصوبة لا
تخرج عن العنوان ويكون العنوان تاما سالما عن النقص اللازم
على مسلك المصنف (مع) انه لا يبعد دعوى ظهور لفظ الواحد ولو
انصرافا في الواحد الشخصي وقد جرى الحق الذي ذكره صاحب
الفصول على قلم المصنف إذ قال وانما ذكر لاخراج ما إذا تعدد متعلق الأمر
والنهي ولم يجتمعا وجودا: فان هذه العبارة تعطي ان
المراد من الواحد هو الواحد وجودا وهو عين الواحد بالشخص الذي
اراده صاحب الفصول (قده)
قوله الفرق بين هذه المسألة:
لا يخفى ان البحث في مسألة النهي في العبادات إن كان منشأه هو
البحث في ارتفاع الامر وبقائه بعد توجه النهي وان النهي المتوجه إلى
العبادة هل يقتضى الفساد لزوال ملاك صحة العبادة وهو الامر أو لا
يقتضيه لبقاء الامر الموجب لوقوع العمل صحيحا فلا فرق بين
المسألتين في جهة البحث إذا البحث فيهما جميعا عن اجتماع الامر و
النهي وإن كان عنوان البحث في هذه المسألة إمكان الاجتماع و
استحالته وفي تلك المسألة هو توجه الامر وعدمه بعد فرض توجه
النهي وذلك لان اقتضائه للفساد على ذلك عبارة أخرى عن اقتضائه
لعدم الامر الذي هو ملزوم للفساد فلا فرق بين ان يقال اختلفوا في
جواز اجتماع الأمر والنهي وان يقال اختلفوا في بقاء الامر بعد توجه
النهي وإن كان البحث في تلك المسألة بملاك آخر غير اقتضاء النهي
لعدم الامر فلا اشتراك بين المسألتين كي يلزم بيان المائز بينهما
وتكون نسبة هذه المسألة إلى مسألة النهي في العبادة على هذا التقدير
كنسبتها إلى مسألة دلالة الامر على الوجوب واقتضائه الفور أو
المرة أو غيرها من المباحث التي لا ترتبط بها (والحق) ان الفرق بين
المسألتين ليس الا في المورد فان هذه تبحث في اجتماع الامر و
النهي بعنوانين وتلك في اجتماعهما بعنوان واحد كما ذكره صاحب
الفصول (قده) (نعم) يتجه على الأصوليين إشكال المصنف (قده) من أنهم
لما ذا أفردوا لكل عنوان بحثا مستقلا مع اتحاد حيثية البحث وهذا
لاشكال متجه عليهم
211

على كل حال حتى مع اختلاف حيثية البحث كما زعمه المصنف
(قده) وان لم يأت في بيانه بشي وذلك لوضوح ان موضوع البحث
في
المسألتين مختلف بالضرورة إذ لا يبحثون في مسألة الاجتماع عن
إمكان الاجتماع مطلقا حتى بعنوان واحد كما لا يبحثون في مسألة
النهي في العبادات عن اقتضاء النهي ولو بعنوان آخر مجتمع مع
عنوان العبادة فيتجه عليهم بأنهم لم حرروا كلا من المسألتين في
موضوع غير موضوع الأخرى مع عموم حيثية البحث في كلتا
المسألتين (نعم) يختلف عنوان الاشكال فيشكل مع اتحاد حيثية
البحث بما
أشكل به المصنف ومع تعددها يشكل بتخصيص موضوع كل من
المسألتين مع عموم حيثية البحث في كل منهما
قوله يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة:
ليت شعري أي موقع يبقى للبحث في الصحة والفساد بعد الاعتراف
بعدم الامر مع وجود النهي فان القائل بكفاية الملاك أيضا
كالمصنف (قده) لا يقول بها مع النهي الفعلي وصدور الفعل مبغوضا
للمولى، ولو احتمل مع ذلك الصحة لجأ احتمال الصحة في شرب
الخمر وأكل لحم الخنزير وغيرهما من المحرمات، وما ذكرناه في
الحقيقة إشكال على عقد ذلك البحث بعد فرض ارتفاع الامر بتوجه
النهي (نعم) لو كان منشأ ذلك البحث الاشكال في ارتفاع الامر بتوجه
النهي دخل ذلك البحث في البحث عن جواز اجتماع الأمر والنهي
بعنوان واحد ولم يكن ما نحن فيه بعد ترجيح النهي من صغريات
تلك المسألة، لكن البحث في تلك المسألة مع ذلك لا يكون معقولا و
أي
عاقل يجوز اجتماع الأمر والنهي بعنوان واحد
قوله اما في المعاملات فظاهر:
وجه الظهور عدم دخل الامر في صحة المعاملة وتأثيرها في النقل
بوجه فالبحث فيها متمحض في حيثية منافاة النهي لتأثير المعاملة و
عدمه ولا يتوهم ارتباط ذلك بمسألة اجتماع الأمر والنهي وقد أشرنا
في الحاشية المتقدمة إلى أن البحث في العبادات أيضا لو كان في
اقتضاء النهي للفساد من غير جهة الامر لم يكن بين المسألتين اشتراك
كي يبحث عما به الامتياز وكانت البينونة واضحة
قوله وهناك في دلالة النهي لفظا:
دلالة النهي لفظا تكون بدلالته على أمرين أعني بهما الامر وعدم النهي
(وبعبارة أخرى) دلالته على تمحض المتعلق بجميع طوارئه و
لواحقه في المطلوبية فيناقضه ح النهي ببعض العناوين المنطبقة عليه
أو بنفس عنوانه
قوله لا من مباديها الاحكامية
المبادي الاحكامية هي المسائل الباحثة عن حقائق الأحكام الشرعية
وأحوالها، وهي غير
212

المبادي التصورية الباحثة عن موضوع العلم وعن الجهة المبحوث
عنها في العلم وهي المحمولات، وإضافتها على ما ذكرنا إلى علم
الأصول وعدها من مباديه لا وجه له إذ لا ارتباط للمسائل الباحثة عن
الأحكام الخمسة وخواصها بعلم الأصول لتعد من مباديه (نعم) لا
بأس بعدها من مبادئ علم الفقه (واما) المبادي التصديقية فهي
المسائل الباحثة عن تحقق الموضوع فالبحث عن وجود الكتاب و
السنة و
حكم العقل بحث عن تحقق موضوع علم الأصول فهو من مباديه
التصديقية.
قوله وإن كانت فيها جهاتها:
اما جهة المبادي الاحكامية فيها فهي انها باحثة عن مضادة الأحكام الخمسة
بعضها مع بعض وعدمها، واما جهة المبادي التصديقية فهي
انها باحثة عن تحقق الموضوع في بعض المسائل الأصولية على ما
أفاد المصنف (قده) في فوائده ولعله أشار بذلك إلى ما ذكره في هذا
الكتاب من أنه على الامتناع وترجيح جانب النهي تصير مادة
الاجتماع من صغريات مسألة النهي في العبادات ويجري فيها نزاع
تلك
المسألة ويمكن تصوير كونها من المبادي التصديقية بإرجاع هذا
البحث إلى البحث عن ورود الأمر والنهي بشي واحد ذي عنوانين و
عدمه في الكتاب أو السنة فالقائل بالامتناع ينكره ويدعى ان كل ما
ورد في الكتاب والسنة مما ظاهره ذلك اما مؤول بحكم العقل أو
مطروح بخلاف القائل بالجواز، واما جهة المسائل الكلامية فهي انها
باحثة عن فعل المبدأ تعالى وانه يمكن صدور أمر ونهى منه تعالى
بالنسبة إلى فعل واحد بعنوانين أولا، واما جهة المسائل الفرعية فهي
انها باحثة عن أن الفعل الواحد الجامع لعنواني المأمور به والمنهي
عنه واجب وحرام جميعا أو انه متصف بأحد الحكمين أو بحكم ثالث
قوله يبحث فيها عن جهة خاصة
أي يكون المبحوث عنه في المقام جهة خاصة هي جهة اجتماع الأمر والنهي
لانطباق جهتين عامتين عليها وهما جهة البحث عن فعل
المبدأ المبحوث عنها في علم الكلام وجهة الوقوع في طريق
الاستنباط المبحوث عنها في علم الأصول
قوله الرابع انه قد ظهر من مطاوي
الظاهر أن مقصوده إخراج المسألة من مباحث الألفاظ وإلحاقها
بالمباحث العقلية الا ان عبارته قاصرة عن تأدية ذلك بل يظهر من
عبائره انه اشتبه عليه مناط دخول المسألة في مباحث الألفاظ (فاعلم)
ان المدار في عد المسألة من مباحث الألفاظ واندراجها فيها هي
كونها باحثة عن تحديد مدلول اللفظ سوأ كان مدلولا أوليا كمسألة ان
الامر حقيقة في
213

الوجوب أو الندب أو مطلق الطلب أم مدلولا ثانويا كمسألة وقوع الامر
عقيب الحظر والمسائل الباحثة عن الظواهر الانصرافية أو
الاطلاقية بمقدمات الحكمة ومن الواضح عدم كون النزاع في هذه
المسألة في تحديد مدلول الأمر والنهي لتندرج بذلك في مباحث
الألفاظ فالنزاع المزبور خارج عن مباحث الألفاظ قطعا وداخل في
المباحث العقلية جزما (نعم) يبقى بعد الجزم بدخوله في المباحث
العقلية بحث آخر عليه تنطبق عبارات المصنف (قده) وهو ان
موضوع البحث الإرادة والكراهة الواقعيتان وجواز اجتماعهما ولو لم
ينشأ بالقول أو هما بعد الانشاء بالقول فيكون النزاع في جواز البعث و
الزجر نحو فعل واحد لا في تعلق الإرادة والكراهة الواقعيتين و
كأن المصنف (قده) توهم اندراج البحث على ذلك في مباحث
الألفاظ فأخذ في إبطال كون البحث في خصوص ذلك وان البحث في
جواز
اجتماع الإرادة والكراهة الواقعيتين والتعبير بالامر والنهي الظاهرين
في الطلب بالقول انما وقع مسامحة كل ذلك صونا لدخول
البحث بذلك في مباحث الألفاظ كما صرح به في فوائده (وأنت
خبير) بوضوح فساد ذلك التوهم وان التعبير بالامر والنهي لا يقتضى
الا ان يكون البحث في خصوص الطلب بالقول لا مطلق الطلب
الواقعي وهذا لا يقتضى ان يكون البحث في تحديد مدلول الامر و
النهي
القوليين ليدخل البحث بذلك في مباحث الألفاظ وليس
كلما كان البحث فيه عن الألفاظ من مباحث ألفاظ والا دخلت مسألة
حرمة الكذب والغيبة واستحباب الأدعية والاذكار في مباحث
الألفاظ (وبالجملة) فهنا مقامان أحدهما دخول هذا البحث في
مباحث الألفاظ وكونه بحثا عن تحديد مدلول اللفظ وعدمه، والاخر
كونه بحثا عن اجتماع الإرادة والكراهة الواقعيتين مطلقا أو خصوص
المنشأ منهما بالقول وقد اختلط أحد المقامين بالآخر فتوهم من
اختصاص عنوانهم بخصوص المنشأ منهما بالقول دخول البحث في
مباحث الألفاظ وذلك بين الفساد إذ ليس ضابط دخول المسألة في
مباحث الألفاظ الا كونها باحثة عن تحديد مدلول اللفظ كما تقدم
قوله ليس بمعنى دلالة اللفظ
ولو كان بمعنى دلالة اللفظ لاقتضى ان يكون محل البحث عنوانا عاما
يشتمل دلالة اللفظ وغيره لينطبق كلا شقي التفصيل على عنوان
محل النزاع
قوله والا فلا يكون معنى محصلا:
معناه المحصل دلالة كل من الأمر والنهي على عدم صاحبه فيكون
الامر دالا على كون متعلقه متصفا بالمطلوبية المحضة بحيث لا
يشتمل
على المبغوضية بجهة من الجهات وعنوان
214

من العناوين وكذلك النهي ومن المعلوم ان مثل هذا الأمر والنهي
يمتنع اجتماعهما وان لم يمتنع اجتماع الإرادة والكراهة لأنه يؤل إلى
اجتماع النقيضين وكون فعل واحد مبغوضا وغير مبغوض ومطلوبا و
غير مطلوب (واما) ما أفاده المصنف (قده) بقوله غاية الأمر
دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع: فلا معنى محصل له في المقام
بعد فرض كون البحث في دلالة اللفظ لا في تحقق مورد اجتمع فيه
الأمر والنهي في الشريعة كي يدعى دلالة دليل سمعي على عدم
وقوعه وان الشارع لا يأمر وينهى عن شئ واحد نظير البحث في
مسائل الظن عن وقوع التعبد بالظن بحسب الأدلة السمعية بعد الفراغ
عن إمكان التعبد به قبالا لابن قبة
قوله لا يخفى ان ملاك النزاع في جواز الاجتماع:
نعم امتناع اتصاف شئ واحد بالمطلوبية والمبغوضية بعنوانين على
تقدير تحققه انما يكون بملاك استحالة اجتماع نفس الصفتين و
مضادتهما من غير دخل لخصوصيات كل منهما من النفسية والغيرية
والتعيينية والتخييرية والعينية والكفائية، ولكن مع ذلك لا يمتنع
اجتماع الحرام التخييري مع الواجب التخييري بل كون أطراف التخيير
في كل منهما بأجمعها عين أطراف التخيير في الاخر بل ذلك
واقع في الشريعة كما إذا اضطر إلى ارتكاب أحد الحرامين (والسر في
ذلك) ان المبغوض في الحرام التخييري ليس هو كل من الفعلين
كي لا يجتمع مع وجوب كل منهما بل الحرام هو عنوان الجمع بين
الفعلين فلا مانع من أن يكون كل من الفعلين مطلوبا والجمع بينهما
مبغوضا كما في الجمع بين الأختين ويكون مثال الطلبين على الامتناع
إلى مطلوبية كل من أطراف التخيير بشرط لا عن الاخر و
مبغوضيته بشرط الانضمام ولا يكاد يجتمع هذان العنوانان (نعم) بناء
على الجواز يجب كل من أطراف التخيير ويحرم عنوان الجمع
بينها فلو أتى بالاطراف دفعة فقد امتثل بذات الأطراف وعصى
بالجمع بينها (ثم) لا يبعد جواز اجتماع الواجب الكفائي مع الحرام
الكفائي أيضا فيجب على المكلفين كفاية الاتيان بأحد الفعلين ويحرم
عليهم الاتيان بالآخر لا على التعيين ومثال ذلك إلى
حرمة اجتماعهم على ذلك الفعل فإذا سبق أحدهم إلى الامتثال حرم
الفعل على الباقين عينا لان عنوان الجمع يكون ح بفعله (نعم) لو أتى
الجميع دفعة اتصف فعل الجميع بالحرمة ولم يحصل الامتثال بفعل
واحد منهم لان مثال الطلبين حسب ما سمعت في الواجب والحرام
التخييرين إلى إيجاب فعل كل بشرط لا عن فعل الاخر وحرمته
215

الانضمام إلى فعل الاخر
قوله فصلى فيها مع مجالستهم:
إذا كان اجتماع الأمر والنهي محالا لا يعقل أن تكون الصلاة في الدار
طرفا للتخيير في الخطابين جميعا بل اما أن تكون داخلة في تخيير
خطاب الامر أو داخلة في تخيير خطاب النهي أو خارجة عنهما جميعا
ولم يكن لضم الطرف الآخر أعني المجالسة دخل فيما هو المدعى
بل هو مخل به لو فرض تحقق المجالسة قبلا أو فرض انطباقها على
الأكوان الصلاتية لان الكون في الدار حينئذ يكون حراما تعيينيا قد
اجتمع مع الواجب التخييري (مع) ان المقصود هو اجتماع الحرام
التخييري مع الواجب التخييري اما كونه حراما تعيينيا على الأول
فواضح
إذ بعد حصول مخالفة الطلب التخييري في بعض الأطراف يتعين
الطرف الآخر للامتثال، واما كونه حراما تعيينيا على الثاني فلوضوح
ان الفعل الواحد كالكون في الدار في المقام إذا صار مصداقا لكلا
طرفي النهي التخييري فكان مجالسة وكونا في الدار والمفروض
تعلق النهي بهما على سبيل التخيير كان هذا الفعل مبغوضا تعيينا إذ لا
يعقل التخيير بين ترك الشئ المعنون بعنوان وترك ذلك الشئ
المعنون بعنوان آخر أيضا
قوله السادس انه ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة:
انما يصح هذا القيد إذا قيل بتعلق الطلب بالطبائع فمن هذا التقييد
فيما إذا كان من الكل ولو كان ذلك تصريحا من بعض وتقديرا من
آخرين يمكن استفادة اختصاص هذا النزاع بالقائلين بالطبائع وذلك
لأنه على القول بتعلقه بالافراد لا تعقل المندوحة لان الافراد
المتداخلة التي سرى إليها الامر من جانب والنهي من آخر لا مندوحة
فيها ومجرد وجود افراد آخر مأمور بها مثلها يمكن امتثال الامر
التخييري بإتيانها لا يصحح المندوحة في هذه الافراد وطلبها
قوله وأنت خبير بفساد كلا التوهمين:
بعد إطباق الامامية على قبح التكليف بالمحال واستحالة صدوره من
الحكيم يكون النزاع من القائلين بتعلق الاحكام بالافراد لغوا لما
سمعت من عدم معقولية المندوحة في الافراد المتداخلة ومعه يكون
التكليف من الحكيم بتوجيه الأمر والنهي جميعا إليها تكليفا محالا
بالاتفاق منهم ولو لأجل كونه طلبا للمحال فالبحث بعد ذلك بان
التكليف بنفسه محال وجمع بين الضدين يكون لغوا بعد كون الطلب
محالا على كل حال ولو محالا عرضيا فالبحث المذكور انما يكون
معقولا وتترتب عليه الثمرة إذا قيل بتعلق الاحكام بالطبائع فيكون
منشأ التوهمين هو استحالة جريان النزاع بين القائلين بتعلق الاحكام
بالافراد بل هو اما
216

مختص بالقائلين بتعلقها بالطبائع كما استفدناه في الحاشية السابقة من
قيد المندوحة وهو يستلزم عدم استقلال هذه المسألة بالبحث
وهو التوهم الأول أو ان القائلين بتعلقها بالافراد طرا هم من طائفة
المانعين (نعم) لا داعي لقصر المانعين بهؤلاء كما صنعه المتوهم
الثاني فلعل جملة من أرباب القول بالطبائع أيضا اختاروا المنع إذ ليس
لازم القول بتعلقها بالطبائع جواز الاجتماع كما كان لازم القول
بالافراد المنع بل حفظ استقلال هذه المسألة يقتضى وجود المانع من
القائلين بالطبائع أيضا والا كان المتعين جعل هذه المسألة من
متممات مسألة تعلق الاحكام بالطبائع أو الافراد وعدم افراد بحث
لها، وبما ذكرناه من منشأ التوهمين ظهر عدم صحة ما أجاب به
المصنف (قده) عنهما (بما حاصله) ان تعدد الجهة الذي هو ملاك
الجواز كما هو حاصل على القول بتعلقها بالطبائع كذلك حاصل على
القول بتعلقها بالافراد فان تعدد الجهات والعناوين الانتزاعية يكون
ناشئا من تعدد الخصوصيات المنتزع منها ذلك في الافراد فينظر
إلى افراد العالم وينتزع بلحاظ خصوصية فيها عنوان العالمية وبأخرى
عنوان الشاعرية وبثالثة عنوان الهاشمية وهكذا فإذا جاز قيام
الامر بعنوان من تلك العناوين الانتزاعية والنهي بالآخر فقيام الامر
بخصوصية من تلك الخصوصيات الخارجية المتأصلة التي هي المنشأ
لانتزاع تلك العناوين ومطابقها الخارجي، والنهي
بالأخرى أولى بالجواز فكل فرد في ضمنه خصوصيات وهو باعتبارها
مصداق لمفاهيم عديدة بل المصداق بالدقة تلك الخصوصيات
فيؤمر بإحداها وينهى عن الأخرى
قوله واما بحسب مقام الدلالة:
يعنى ان معالجة الدليلين الدالين على الحكمين الذين لا يخلو ان في
الواقع عن أحد أمرين التزاحم والتعارض يكون باعمال قاعدة
التزاحم وهي الترجيح بقوة المناط ان أحرز انه من قبيل الأول و
باعمال قواعد التعارض وهي الترجيح بالمرجحات المذكورة
للمتعارضين إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني واما إثبات ان المناط
من أي القبيلين وطريقة معرفته فقد تكفله الأمر التاسع فالمائز
بين الأمر التاسع وهذا الامر، هو ان هذا الامر قد تضمن ان هناك
واقعين التزاحم وغيره وان معالجة الواقع الأول في مرحلة الاثبات
يكون بشي ومعالجة الواقع الثاني بشي آخر، واما الأمر التاسع فقد
تكفل بطريق إثبات كل من الواقعين وان إثباتهما بأي شئ
يكون ليعالج بعلاجه (ثم) ان المناطين قد يعلم بتحققهما في مادة
217

الاجتماع وقد يعلم بعدم تحققهما وقد يعلم بتحقق أحدهما دون
الاخر بنحو يكون المتحقق منهما معلوما عينا أو غير معلوم عينا فهذه
صور أربع الأولى باب التزاحم والأخيرة باب التعارض، والوسطان لا
هذا ولا ذاك وحكمهما واضح، وقد يشتبه الحال فلا يدرى بان
المورد من أي البابين و ح اما ان يعلم بقوة أحد المناطين على تقدير
وجوده أو يحتمل التساوي، فعلى الأول يكون المورد من موارد
أصالة التخيير لدوران الامر بين المحذورين على كل حال، وعلى
الثاني يكون المورد من موارد أصالة الإباحة لدوران الامر بين
الإباحة والوجوب والتحريم، ويحتمل إجراء البراءة عن خصوص
التحريم لان إجرائها عن الوجوب تضييق في دائرة الوجوب وهو
خلاف الامتنان المسوقة له أدلة البراءة وإذ جاز الاتيان بالمجمع بأدلة
البراءة جاز الاتيان به بقصد الامر أو بقصد ملاكها حسب ما يأتي
تفصيله في الأمر العاشر (ومما ذكرناه) يظهر الحال فيما لو علم
باجتماع المناطين وعلم بأقوائية أحدهما وشك فيما هو الأقوى أو
شك في الافوائية بان احتمل التساوي (ثم) ان المعتبر في الاقوائية
الموجبة لتأثير الأقوى في أحد الحكمين هل هو مطلق قوة أحد
الملاكين بالإضافة إلى الاخر أو قوة تبلغ بما به القوة حد التأثير في
الالزام والا أثر الأقوى في حكم استحبابي أو تنزيهي إشكال، من أن
كلا من
الملاكين انما سقط عن التأثير لمكان التزاحم وبطلان الترجيح من غير
مرجح فإذا حصل الرجحان في أحد الجانبين أثر تمام ملاك ذلك
الجانب في الالزام من غير لزوم ترجيح بلا مرجح، ومن أن مقدار
التوازن من كل من الملاكين يسقط عن التأثير بمزاحمة الاخر ويبقى
التأثير لمقدار التفاضل فإذا لم يكن بالغا حد الالزام لم يؤثر الا في حكم
غير إلزامي وهذا هو الأقوى
قوله مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطا:
ومع الجهل بقوة المناط أو العلم بها والجهل بما هو الأقوى فالحكم
هو ما عرفت من الرجوع إلى أصالة البراءة في الأول وأصالة
التخيير في الثاني، ولا مجال للرجوع إلى اخبار العلاج لكونها في
المتعارضين ولا تعارض بعد عدم تكفل الدليل بإثبات أزيد من
المقتضيين (نعم) مع إثباتهما للحكمين الفعليين يكون المرجع اخبار
العلاج إذا قيل بامتناع الاجتماع ولو تكفلا بإثبات المقتضيين وعلم
بكذب أحدهما من الخارج فمقتضى اخبار العلاج يؤخذ بالأقوى
سندا ويحكم بتأثيره في الحكم الفعلي لعدم المزاحم كما يؤخذ
218

بالمتكفل منهما للحكم الفعلي على تقدير دلالة الاخر على الحكم
الاقتضائي الا إذا علم بقوته على تقدير صدقه فحينئذ يقع التعارض
كما
إذا دلا ابتدأ على الحكم الفعلي (ثم) ان هذا كله على مذهب
المانعين والا فالمجوز بأخذ بكلا الدليلين في جميع الأحوال و
التزاحم منفي
عنده (نعم) إذا علم بكذب أحدهما يدخل في باب التعارض ولا بد
من العمل بقواعده
قوله لوقع بينهما التعارض:
وان علم بوجود كلا المقتضيين فان تأثيرهما جميعا باطل فلا جرم
يكون المؤثر أحدهما وبالاخذ باخبار العلاج يعلم أن المؤثر الفعلي
هو المشتمل على المرجح ويستكشف بذلك قوة مناطه
قوله بملاحظة مرجحات باب المزاحمة:
ان حمل أحدهما على الحكم الاقتضائي مع أظهرية الاخر في الدلالة
على الحكم الفعلي أو حمل كليهما على الحكم الاقتضائي مع
تساويهما
في الدلالة على فعلية الحكم هو مقتضى الجمع العرفي الدلالي إن كان
ولا دخل له بمرجحات باب المزاحمة (نعم) إذا علم بقوة أحد
المناطين فالمتعين ان يكون حكمه هو الفعلي من غير حاجة إلى حمل
الدليل الآخر على الحكم الاقتضائي بل يطرح ما لم يساعد العرف
على الحمل على الحكم الاقتضائي والا فلا بد من الحمل على الحكم
الاقتضائي ولو لم يعلم بقوة مناط الاخر، بل يستفاد من الجمع
المذكور قوة مناط الاخر كما يستفاد من الترجيح السندي عند عدم
مساعدة العرف على الجمع
قوله ولو لم يكن الا إطلاق دليلي الحكمين:
مجمل القول في ذلك ان الدليلين الدالين على الحكمين الشاملين
بإطلاقهما لمادة الاجتماع اما ان يكون مؤداهما ثبوت الحكم الفعلي
أو
يكون مؤداهما ثبوت الحكم الاقتضائي أو بالاختلاف، وعلى كل حال
اما ان يعلم بكذب أحدهما أولا لا إشكال فيما إذا علم بكذب
أحدهما بجميع أقسامه فإنه من باب المعارضة والقاعدة فيه هو
الترجيح إذا لم يكن جمع دلالي من غير فرق بين القول بجواز
الاجتماع و
عدمه، واما إذا لم يعلم بكذب أحدهما فلا إشكال أيضا في الاخذ
بكلا الدليلين على القول بجواز الاجتماع في جميع الأقسام فإذا كان
الدليلان دالين على الحكم الاقتضائي يحكم بفعليتهما واما على
القول بالامتناع فيؤخذ بالأقوى مناطا منهما إذا عرف تفصيلا ولو من
جهة ظهور دليله في فعلية الحكم ظهورا غير مزاحم بظهور الاخر
بحيث يوجب رفع اليد عنه، ومع عدم معرفته تفصيلا سوأ لم يعلم
أصلا
أم علم إجمالا فإن كان الدليلان دالين على الحكم الفعلي يرجع إلى
أدلة العلاج فيتعين
219

للعمل ما عينته تلك الأدلة وان كانا دالين على الحكم الاقتضائي
فالمرجع أصالة البراءة من الحرمة أو منها ومن الوجوب إذا احتمل
التساوي على التفصيل السابق، وإذا علم بالقوة على سبيل الاجمال
فالمرجع أصالة التخيير لأنه يكون من دوران الامر بين الوجوب و
الحرمة
قوله الا ان يقال إن قضية التوفيق:
أو يقال إن التنافي انما هو في الدلالة على المدلول المطابقي وهو
الحكم الفعلي ولا يوجب ذلك الا رفع اليد عما تنافيا فيه فلا يكون
شئ منهما حجة في إثبات الحكم الفعلي واما حجتيهما في
مدلولهما الالتزامي وهو ثبوت المقتضى فلا موجب لانتفائها والدلالة
الالتزامية تتبع المطابقية في وجودها لا في حجيتها فيمكن ان يكون
اللفظ حجة في مدلوله الالتزامي ولا يكون حجة في مدلوله المطابقي
وهذا كما في كل واجبين متزاحمين فإنه يحكم بوجود ملاك الايجاب
في كليهما مع أن اللفظ دال على الحكم الفعلي ومنه قد استفيد
الملاك ولا يمكن الحكم الفعلي في كليهما بل يختص بأحدهما اما
معينا مع الأهمية أو مخيرا مع عدمها (لكنه) لا يخلو عن إشكال بل
منع
لعدم بناء أهل اللسان والمحاورات على الاخذ بالمدلول الالتزامي
لدى القرينة على عدم إرادة المطابقي ولا يعاملون مع هاتين الدلالتين
معاملة الدلالات العرضية كالعام وقرينة التخصيص ومع قيام القرينة
على خلاف المدلول المطابقي يرفعون اليد عن المدلول المطابقي
والالتزامي جميعا
قوله لو لم يكن أحدهما أظهر:
أي في الدلالة على فعلية الحكم فيؤخذ بالأظهر في هذه الدلالة وإن كان
الاخر أظهر في غيرها
قوله والا فعلى الامتناع:
لكن بشرط دلالتهما معا على الحكم الفعلي اما لو كان الدال على
الحكم الفعلي أحدهما فلا تعارض أيضا بل يؤخذ بالدال منهما على
الحكم
الفعلي ويستكشف من ذلك قوة ملاكه أو مزاحمة ملاك صاحبه
بمزاحم يمنع عن تأثيره كما يستكشف ذلك في صورة دلالتهما معا
على
الحكم الفعلي بالترجيح السندي فطريق استكشاف قوة المناط يكون
أحد أمور ثلاثة بالترتيب (الأول) اختصاص الدلالة على فعلية الحكم
بواحد منهما (الثاني) أظهرية أحدهما في هذه الدلالة مع كون مقتضى
الجمع العرفي حمل الاخر على الاقتضائي (الثالث) قوة أحدهما سندا
قوله واما إذا لم يلتفت إليها قصورا:
هذا شروع في دفع ما لعله يشكل في المقام من فتوى الأصحاب
بصحة المجمع العبادي مع الجهل إذا كان عذرا كما إذا كان الجهل
220

جهلا بالموضوع أو جهلا بحكمه إذا كان عن قصور مع ذهابهم إلى
استحالة اجتماع الأمر والنهي وتقديم النهي وقد حكموا لأجله
بالبطلان والعصيان في غير الموردين فكيف حكموا بالصحة فيهما،
مع أن المجمع إذا فرض كونه منهيا عنه وخروجه عن حيز الامر لا
يكون مأمورا به لأجل الجهل بالنهي أو بمتعلقه فان غاية ما يقتضيه
الجهل بهما عدم تنجز النهي وعدم ترتب العقاب على ارتكاب متعلقه
واما عود الامر الذي هو مناط الصحة في العبادة فلا ولذا لا يحكمون
في موارد التعارض عند تقديم دليل النهي بالصحة في مورد من
الموارد بل يعممون الفساد إلى جميع الحالات من العلم والجهل
بالحكم أو بالموضوع قصورا أو تقصيرا و (محصل) ما أفاده المصنف
(قده) في المقام في دفع الاشكال وجوه ثلاث يستخرجها الماهر من
رشحات قلمه الشريف (الأول) ان مصلحة الفعل لا تزول باشتماله
على المفسدة الغالبة إذ محل الكلام ما إذا كان الملاكان جميعا
موجودين في المجمع وهذه المصلحة كافية في وقوع الفعل عبادة و
لا
يحتاج في وقوعه كذلك إلى أمر فعلى وانما لا يقع عبادة مع العلم
بالنهي أو الجهل به تقصيرا مع وجود هذا الملاك بعينه من أجل انه يقع
الفعل في الحالين مبعدا فعليا مستحقا عليه العقاب وهو ينافي وقوعه
مقربا ومستحقا عليه الثواب وان اشتمل على ملاك الامر وقصد
به التقرب للجهل بالنهي تقصيرا وان أبيت عن كفاية قصد المصلحة
في وقوع
الفعل عبادة والتزمت بتوقفه على قصد امتثال الامر أمكننا في المقام
تصوير قصد امتثال الامر فان الامر وان لم يكن متعلقا بالمجمع
لكنه متعلق بالطبيعة التي يندرج المجمع فيها وهذا المقدار يكفي في
تحريك الامر وإحداثه الداعي نحو إتيان المجمع كما يحدث نحو
سائر الافراد وذلك لان الامر انما يدعو إلى متعلقه بمناط ان متعلقه
مما يحصل غرض المولى من امره ويسقط امره من أجل ذلك وهذا
الملاك موجود في المجمع فينبغي ان يحرك الامر نحوه أيضا كما
يحرك نحو ما تعلق به من سائر الافراد من غير فرق (الثاني) ان فعلية
كل من الأمر والنهي تدور مدار قوة الملاك مع الالتفات إلى الملاكين
جميعا أو ما هو في حكم الالتفات من الجهل عن تقصير، اما مع عدم
الالتفات الا إلى أحدهما عن عذر فصاحب الحكم يكون هو الملاك
الملتفت إليه وإن كان أضعف بمراتب من الملاك غير الملتفت إليه
فيكون العلم بالملاك الذي عليه يدور الحسن والقبح الفاعلي هو
المدار في فعلية الاحكام أيضا فالحكم يكون بملاك الحسن والقبح
الفاعليين
221

بالعلم والالتفات إلى الجهات المحسنة والمقبحة وبالنتيجة يكون
الحكم الفعلي تابعا لما هو المعلوم من الملاكين أو ما هو في حكم
المعلوم كالمجهول عن تقصير وعليه فمع الجهل بأحد الملاكين عن
عذر والالتفات إلى الملاك الاخر يكون المؤثر في فعلية الحكم هو
الملاك الملتفت إليه إذ هو المؤثر في الحسن والمؤثر فيه هو المؤثر
في الحكم وفي توجه طلب المولى فإذا جهل بالغصبية مطلقا أو
بحكم الغصب عن قصور والتفت إلى الصلاة ومصلحتها أثر الملاك
الصلاتي في صدور الفعل حسنا وفي توجه الطلب من المولى إذ
موضوع طلبه أيضا هو الفعل الصادر حسنا فيكون الفعل الصلاتي
مأمورا به وإن كان متحدا مع الغصب وكانت مفسدة الغصب أشد
بمراتب من مصلحة الصلاة لأن هذه الشدة ليست دخيلة في أن يكون
الشديد هو المؤثر في الحكم ولا الضعف في الاخر مانعا عن التأثير
(الثالث) ان الاحكام انما تتزاحم في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة
البعث والزجر وهي مرتبة حدوث الإرادة والكراهة في نفس
المولى، واما في مرتبة الانشاء أعني مرتبة التصديق بالصلاح والفساد
فلا تزاحم إذ يمكن ان يجتمع التصديق بصلاح فعل مع التصديق
بفساده بلا كسر وانكسار في البين وعليه فالمانع عن فعلية الامر في
المجمع فعلية النهي فيه فإذا سقط النهي عن الفعلية اكتسى الامر
لباس الفعلية وترقى عن مقام الانشاء إلى مرتبة الفعلية لزوال ما كان
يمنع عن فعليته والمصنف (قده) وان ذكر هذا الجواب هنا كالجواب
السابق عليه على سبيل الاحتمال الا انه اختار في أول مقدمة من
مقدمات استدلاله على مختاره صريحا عدم التزاحم بين الاحكام الا
في مقام فعليتها (والحق) ان الأجوبة الثلاثة كلها باطلة عاطلة لا أصل
لها (اما الجواب الأول) فلوضوح ان المصلحة المغلوبة المستهلكة في
جنب المفسدة لا أثر لها في وقوع الفعل عبادة ولا تجعل الفعل قابلا
للتقرب فان الفعل الغالبة مفسدته على مصلحته غلبة مؤثرة في النهي
التحريمي كالفعل المشتمل على المفسدة فقط في عدم صلاحية
التقرب به فان المصلحة المندكة في جنب المفسدة وجودها وعدمها
سيان فالفعل الفاسد محضا أو الغالب فساده غير صالح للتقرب ولا
يجدى قصد التقرب به شيئا وان لم يقع مبعدا فعليا ومستحقا عليه
العقاب إذا جهل فساده وحرمته جهلا يعذر فيه (ومنه يظهر) الجواب
عن قصد امتثال الامر بالطبيعة مع عدم عمومه لهذا الفرد مع ما عرفت
سابقا في ذيل مبحث الضد عند الكلام في الترتب من عدم
معقوليته في حد نفسه وانه لا يعقل ان يدعو الامر إلى غير متعلقه
222

(واما الجواب الثاني) فلان فرض دوران الحكم مدار العلم بالمصلحة
والمفسدة بحيث لا يكون في مورد الجهل بالغصبية أو بحكمها عن
قصور نهى متعلق بها واقعا وتكون الصلاة المجتمعة معه مأمورا بها
واقعا للالتفات إلى ملاكها فقط يخرج الموضوع عن محل البحث
أعني مسألة الاجتماع وتطابق عنواني الأمر والنهي إذ على ذلك لا
تطابق في صورة العلم بأحد الملاكين وانما يحصل التطابق في صورة
العلم بكليهما حيث إن عنواني الأمر والنهي ح هما العلم بالمصلحة و
العلم بالمفسدة على أن يكون العلم دخيلا في موضوع الحكم فمادة
اجتماع مثل هذين الحكمين هي مادة العلم بالمصلحة والمفسدة
جميعا ومادة افتراقهما هي مادة العلم بإحداهما وإن كانت كلتاهما
موجودتين واقعا إذ لا اعتداد بوجودهما الواقعي بعد ان لم يكن هو
الملاك وكان الملاك هو العلم بهما (واما الجواب الثالث) فلان
التزاحم بين الاحكام لا يختص بمقام فعليتها أعني مقام الإرادة و
الكراهة بل يسرى إلى مرحلة الانشاء فلا يعقل التصديق بصلاح فعل و
التصديق بفساده جميعا بل لا يكون الا تصديق واحد اما بالصلاح أو
الفساد أو لا هذا ولا ذاك (والسر في ذلك) هو ان الفعل إذا كان
مشتملا على مقدار من الصلاح ومقدار من الفساد على نحو التساوي
بلا تفاوت بينهما فلا محالة يكون طلب المولى إياه من العبد أو نهيه
عنه بلا موجب ويستحيل ذلك من الحكيم
كما أن التقرب به من المولى كذلك فان المقدار الموجب للتقرب فيه
مساو للمقدار الموجب للبعد عنه على الفرض فكيف يقع الفعل مقربا
أو مبعدا والجهل بحكم الفعل أو بانطباقه على ما في الخارج لا يوجب
تغير حكمه والا لما احتجنا إلى الجمع بين الحكم الواقعي و
الظاهري وتكون مادة الاجتماع في مورد التعارض محكوما بأحد
الحكمين مع الجهل بالآخر وهو مما لا يرتضيه المصنف (قده) وغيره
من القائلين بالصحة في المقام (وبالجملة) إن كان المراد من الحكم
الانشائي مجرد استعمال اللفظ في معناه فهو وان لم يكن مضادا مع
حكم إنشائي آخر الا انه لا يترتب عليه أثر في محل الكلام لأنه ليس
مناطا للإطاعة والامتثال والقرب والبعد كما هو ظاهر وإن كان
المراد به الانشاء الناشئ من العلم بالمصلحة أو المفسدة المعبر عنه
بالبعث والزجر فالتضاد في مرحلة الانشاء ثابت لا محالة (ومما
ذكرناه) يظهر الحال فيما إذا كانت المصلحة غالبة على المفسدة أو
كانت المفسدة غالبة على المصلحة فان الحكم
223

في الصورة الأولى يكون على طبق المفسدة فلا يمكن الحكم بالصحة
في فرض الجهل بالحرمة أو بالموضوع
قوله ولا ما هو عنوانه:
حكم العنوان حكم الماهية والحقيقة فان قلنا إن الماهيات خارجة
عما تتوجه إليه الاحكام وانها انما تتوجه إلى الوجودات وليست
الماهيات المأخوذة في المتعلقات الا طريقا إلى المتعلقات الواقعية
اتجه ذلك القول هنا أيضا وان تعقلنا توجه الحكم إلى الماهيات اما
بدعوى أصالتها أو بدعوى انها مقيدة بالوجود على أن يكون التقيد به
داخلا لا نفسه اتجه ذلك هنا أيضا فلا فرق بين الماهيات المتأصلة
المنتزعة من مقام الذات والذاتيات والماهيات المنتزعة من مقام
العوارض والأمور الملتحقة بالذات والماهية التي أطلقت في كلماتهم
في هذا المقام ليس المراد منها الا المعنى الأعم
قوله ربما ينطبق على الواحد:
الانطباق المزبور غير معقول فان الواحد من جميع الجهات يستحيل
ان ينتزع منه مفهومان كما يستحيل انتزاع مفهوم واحد من اثنين
بل قد عرفت ان التصادق بين مفهومين حيثما تحقق لا يكون من
حقيقة التصادق وانما يصدق كل منهما على حيثية من حيثيات وجود
واحد وجهة من جهاته غير الحيثية والجهة الصادق عليها الاخر و
التعبير بالتصادق انما هو بعناية اجتماع الجهتين في الوجود الواحد، و
اما صفات الباري تعالى وكيفية اتحاد بعضها مع بعض واتحاد الجميع
مع الذات فالباري تعالى هو العالم بها ونحن لا نرفع اليد عن
المحكمات بالمتشابهات
قوله ولا يتفاوت فيه القول:
لو تم القول بأصالة الماهية الذاتية توجه القول بأصالة الماهية
الاعتبارية أيضا فعلى القول بأصالة الماهية يجوز تعلق الأمر والنهي
بعنوانين مطلقا بخلاف القول بأصالة الوجود فما أفاده صاحب
الفصول (قده) من ابتناء القولين في المقام على القولين في تلك
المسألة لا
يندفع بما أفاده المصنف (قده)
قوله ضرورة عدم كون
ظاهره تسليم الابتناء في فرض كونهما من قبيل الجنس والفصل مع أن
المجوز هنا غير مضطر إلى الالتزام بالتعدد هناك وأيضا
التعدد واضع البطلان وليس جواز الاجتماع بتلك المثابة
قوله لما عرفت من كون فعل المكلف:
تحقيق الحال في هذا المقام هو ان يقال إن لهذا النزاع جهتين
(إحداهما) تتعلق بالبحث السابق في متعلق الاحكام (والاخرى)
مستقلة، فلا
بأس ان نشرح الكلام
224

في كلتا الجهتين (فنقول) ان متعلق كل إرادة ومنها الاحكام يمتنع ان
يكون حقيقة الوجود لأنه حاصل وطلب الحاصل محال ولو فرض
انه غير حاصل فهو غائب عن النفس وليس بمتصور لها إذ كلما
تتصوره فهو مفهوم كلي أعني مفهوم الوجود لا الوجود الحقيقي و
كذلك يمتنع ان يكون مفهوم الوجود بما هو مفهوم الوجود لأنه بما هو
كذلك غير قابل لتعلق الطلب به وبما هو موجود حقيقي قائم
بالنفس يعود فيه الكلام المتقدم وكذلك يمتنع ان يكون مفهوم
الوجود بما هو حاك عن الخارج ومشير إليه يجعل هذا المفهوم ذا
مطابق خارجي فإنه لا يخرج عن حقيقة الوجود وعن مفهومه وقد
سمعت بطلان تعلق الطلب بكل منهما، ويمتنع أيضا ان يكون هي
الماهية بما هي خالية عن دخل كل من الوجود والعدم فيها فإنها
كذلك غير قابلة الا لحمل الوجود أو العدم عليها وأيضا الماهية بما
هي
كذلك لا تصدر من المكلف وليست فعلا له كي تطلب، فتعين ان
يكون المتعلق له هو تحديد عالم الوجود ودار التحقق بحد خاص
نعبر
عنه بالماهية فيكون المطلوب تحديد الوجود وإخراجه من حد إلى
حد وكما أن هذا هو المتعلق للطلب كذلك هو المتعلق للأغراض وهو
المورد لمناط الطلب، وليس هذا من تعلق الطلب بالماهية من حيث
هي ولا من توجهه إلى الوجود ولا شئ آخر مما ذكر ليتجه عليه ما
تقدم فان تبديل حد
الخارج ليس من حقيقة الايجاد بل هو تحديد الموجود، بل لو فرضنا
ان الوجود مما يصدر من المكلف ويحقق بفعله لم يحصل الامتثال به
بما انه نفس الوجود وانما يتحقق بحده ويكون الوجود بما انه مقدمة
لحده موجبا للامتثال بحيث لو أمكن التحديد من غير إيجاد شئ
كفى ذلك في مقام الامتثال كما إذا أمر برسم خط قصير فمحا المكلف
من الخط الطويل المرسوم ما يخرجه إلى القصر كفى ذلك في
حصول الامتثال ولم يحتج إلى تجديد الرسم، ويدل على ما ذكرناه
مع وضوحه وجوه (الأول) ان الحكم يقوم بما يقوم به مناطه ومن
المعلوم ان ضروب المصالح قائمة بالوجودات بمراتبها الخاصة و
حدودها المخصوصة بحيث لولا ذلك الحد لم تكن تلك المصالح و
الا
يلزم اشتراك الوجودات قاطبة في الخواص والآثار فكل مصلحة
خاصة قائمة بمرتبة خاصة من الوجود فلا جرم تتوجه الإرادة المتولدة
من تلك المصالح إلى ما تعلقت به تلك المصالح بالتقليب والتقلب
في دار التحقق لتحصل به تلك المصالح والاغراض الخاصة
225

(ان قلت) المؤثر في الوجود ليس الا الوجود ولا يعقل ان يكون غيره
مؤثرا في المصالح والاغراض كي يكون متعلقا للإرادة والطلب
(قلت) لا سبيل إلى إنكار ان الوجود بمرتبة خاصة له أثر خاص و
بمرتبة خاصة أخرى له أثر خاص آخر وهكذا والا يلزم اشتراك عامة
الوجودات في الآثار كما تقدم وأن تكون كل الأغراض حاصلة
بحصول الوجود أيضا (الثاني) ان الموجود الحقيقي هو نفس حقيقة
الوجود وهو حاصل البتة فلا يعقل طلبه فلا بد من أن يكون الطلب
متعلقا بما هو موجود بالتبع أعني به الماهية بجعل الوجود الخارجي
وجودا للماهية ولو بضرب من التوسع (وبعبارة أخرى) الانتساب إلى
الماهية لم يكن في الخارج فيطلب، واما أصل الوجود فهو أمر
متحقق والطلب لا بد من أن يتعلق بما لم يكن دون ما كان (الثالث)
برهان المنفصلة الحقيقية (وتوضيحه) ان متعلق الطلب اما ان يكون
حقيقة الوجود أو مفهومه أو الماهية من حيث هي أو حصة من الوجود
والكل باطل، فيتعين ما ذكرناه من أن متعلقه تحديد الخارج لا
الخارج ولا الحد (اما بطلان الأول) فلانه حاصل، وأيضا انه غائب عن
النفس فكيف يتعلق به الطلب، واما القول بتعلقه به بجعل مفهوم
الوجود معرفا له فما هو الا لقلقة اللسان (مع) ان المعرفية لا تكون الا
بحضور الطرفين في النفس وقد عرفت ان المعرف بالفتح غائب عنها
(واما بطلان الثاني) فلان المفهوم بما هو مفهوم حاصل في
النفس فلا يطلب، واما ما هو خارج عن هذا المفهوم بجعل المفهوم
حاكيا عنه فقد عرفت ما فيه (واما بطلان الثالث) فلان الماهية من
حيث هي غير قابلة الا لحمل الوجود أو العدم واما الحصة فإنها غير
خارجة عن حقيقة الوجود والحد، ومما ذكرناه من التحقيق في
متعلق الطلب ينفتح لك باب الذهاب إلى جواز اجتماع الأمر والنهي و
ان ما توهموه اجتماعا ليس من حقيقة الاجتماع في شئ (نعم) هو
من الاجتماع الموردي وهو غير ضائر وذلك لما عرفت من أن متعلق
الطلبين حد ان من حدود الوجود والحدان اثنان وإن كان
المحدود بهما واحدا (نعم) لو اتحد الحدان لم يجز اجتماع الطلبين و
ان اعتبرا مفهومين كما في البياض والأبيض ولا يجدى في رفع
الامتناع إنكار التضاد بين الاحكام وانها لو كانت متضادة لما اجتمع
الحكمان في النفس ولو مع تعدد المتعلق، واما تقييد ذلك بان
يكونا في متعلق واحد فهو وإن كان مستلزما لامتناع الاجتماع
226

لكنه لا يصحح التضاد بين مهيتهما إذ المتعلق مخصص فردي للحكم
لا مقوم ما هوى (وذلك) لأنا لا ندور مدار التضاد وليس ملاك
حكمنا بالاستحالة هو التضاد بل التضاد وعدمه سيان في استحالة
الاجتماع إذ بين مناطي الحكمين غاية التضاد من غير فرق بين القول
بكونه المصلحة والمفسدة والقول بكونه غير ذلك فاجتماع الحكمين
بمناطيهما غير جائز واما الحكم بغير المناط فهو حكم صوري و
ليس من حقيقة الحكم في شئ ليقع الكلام في جواز اجتماعه مع
حكم آخر وعدم جوازه (وأيضا) قد عرفت في صدر الكلام ان البحث
ليس في خصوص الاستحالة الذاتية ليجدي في ذلك إنكار التضاد، و
بما ذكرناه تقدر على تمييز مباني المنع عن مباني الجواز من
الأقوال أو الاحتمالات في متعلقات الاحكام فلا نطيل بذكرها المقام
(هذا) تمام الكلام في الجهة الأولى من البحث (واما الكلام) في الجهة
الثانية وهي شبهة لزوم التكليف بالمحال من الاجتماع (وحاصلها) هو
ان التكليفين المتوجهين إلى العنوانين المتصادقين ان سريا إلى
المجمع بسراية متعلقيهما لزم التكليف بالمحال في ذلك المجمع ولا
يرفع المحذور وجود المندوحة إذ أثر المندوحة تصحيح التكليف
في مادة الافتراق خاصة والامر والنهي التخييريان يعتبر فيهما ما يعتبر
في التعيينيين من شرائط التكليف والأصل في هذا الباب هو
ان التكليف بطبيعة على سعتها وانبساطها
هل يتوقف على دخول الافراد المندرجة فيها تحت القدرة فلو خرج
فرد عن القدرة طر قصر وضيق في الطبيعة المأمور بها وصارت
الطبيعة بقيد كونها فيما عدى ذلك الفرد مأمورا بها ولازمه انه إذا
انحصر المقدور من افراد الطبيعة في واحد خرجت الطبيعة المأمور
بها عن السريان وصارت بقيد كونها في ذلك الواحد مأمورا به أو انه لا
تسقط الطبيعة الواقعة تحت الامر عن سعتها ولا تزول عن
سرايتها الثابتة في ذاتها ما دام فرد واحد من افرادها تحت القدرة فلا
تختلف الحال في الطبيعة المأمور بها ضيقا وسعة بانقباض
القدرة في الافراد وانبساطها وهذا هو الاظهر عندي فان الطبيعة
بذاتها وجوهرها سيالة لا تنسلخ عما هي عليه كما أن الشخص في
ذاته جامد راكد لا يزول عنه ذلك ما دام شخصا فلحاظهما على صفتي
السريان والركود لحاظ لهما بما هو ثابت في ذاتهما فكل طبيعة
واقعة تحت الامر مطلقة في ذاتها وإن كانت مقيدة بقيود بحيث
ينحصر مصداقها في واحد فان ذلك لا يوجب سلب إطلاقها بل هي
على
إطلاقها وسعتها وعدم امتناع صدقها على كثيرين وان لم يكن
227

الا مصداق واحد وهذه الطبيعة الواحدة سيلانها محفوظ وان لم تكن
سائلة بالفعل لعدم الكثرة في الافراد ومن المعلوم ان المتعلق
الواحد لا يتحمل إلا حكما واحدا والحكم الواحد لا يستدعى إلا
قدرة واحدة ولازم ذلك عدم اختلاف الحال باتساع القدرة في الافراد
و
عدمه إذا المفروض ان مورد التكليف أمر وراء الافراد وواحد دون
الكثرات فان الكثرات إذا كانت خارجة عن تحت الامر لا يعقل ان
يؤثر عموم القدرة وخصوصها في سعة الامر وضيقه فالطلب المتوجه
إلى طبيعة الصلاة في صورة عموم القدرة لجميع افرادها هو نفس
الطلب المتوجه إليها على تقدير اختصاص القدرة ببعض افرادها
فتكون صورة التمكن من فرد واحد كصورة التمكن من الف لا
تختلفان مقدار شعره (نعم) لا نتحاشى من أن تجمع طبائع متعددة في
عبارة واحدة ثم يؤمر بها على سبيل الاستغراق بحيث ينحل الامر
إلى أوامر حسب ما تشمله العبارة وتسعه القدرة لكن ذلك خارج عن
المقام وهو تعلق الامر بطبيعة واحدة والعموم الأصولي من هذا
القبيل فان خطاب إكرام العلماء خطاب متعلق بطبائع متعددة من
الاكرام أعني طبيعة إكرام زيد الصادقة على كل من إكرامات زيد و
طبيعة إكرام عمرو الصادقة على كل من إكرامات عمرو وهكذا فان
الاكرام مقيدا بوقوعه على كل فرد كلي صادق على كل ما فرض من
الاكرام متعلقا بذلك الفرد وليس مرادنا من الطبيعة الا
هذا لا انه حكم على الفرد إذا قد عرفت ان الفرد لا يحكم عليه فإنه
متقوم بالوجود الحقيقي والوجود لا يطلب فكلما يكون متعلقا للامر
فهو كلي وان انحصر مصداقه في واحد (وبالجملة) دوران سعة
التكليف وضيقه مدار سعة القدرة وضيقها انما يكون في العام
الأصولي
دون العام المنطقي والأقسام إلى الاستغراقي والمجموعي والبدلي
انما يكون في هذا العموم والا فالعموم المنطقي واحد لا القسام فيه
(نعم) يختلف اقتضاء الطلب المتعلق بالطبيعة هناك حتى يظن أن
العام بنفسه مختلف كالاختلاف بين الامر بطبيعة والنهي عن تلك
الطبيعة فالاختلاف بين أحل الله البيع وبين مثل خطاب صل بالبدلية
والشمولية من رشحات الطلب وآت من ناحية الحكم (ومما
ذكرناه يظهر) انه لا مانع من الاجتماع من جهة لزوم التكليف بالمحال
أيضا بعد فرض المندوحة فبالمندوحة يجوز توجيه الطلب إلى
نفس الطبيعة وهي في ذاتها سارية لا انها بما هي سارية توجه إليها
الحكم ليلزم من توجه الأمر والنهي إلى طبيعتين متصادقتين في
جزئي من جزئياتهما التكليف بالمحال
228

في ذلك الجزئي (ثم) ان المندوحة لا تجدي في دفعه من جهة ان
المندوحة تصلح موردها دون مورد الاجتماع فان القدرة على فرد
واحد
من الطبيعة المأمور بها تصحح التكليف بالطبيعة ثم يحصل امتثاله في
الفرد المحرم من غير أن يكون الفرد المحرم بخصوصيته الفردية
تحت الطلب كعدم كون الفرد المحلل بخصوصيته الفردية تحت
الحكم فان الافراد تكون بنسبة واحدة في الانعزال والخروج عن حيز
الطلب ومع ذلك يحصل امتثال طلب الطبيعة بها محرمة كانت أم
سائغة (فالمتحصل) من مجموع المقامين هو جواز اجتماع الامر و
النهي
وعدم استحالته ذاتا ولا بالغير (اما الأول) فلتعدد متعلق الطلبين و
هما الحدان وان اتحد موردا (واما الثاني) فلعدم توجه الطلبين الا
بذات ما هو سار إلى المجمع لا بقيد السريان ليلزم في حصة المجمع
طلب المحال (نعم) بناء على تعلق الامر بالافراد يستحيل اجتماعهما
في فرد واحد ولا ينفع وجود المندوحة ح كما تقدمت الإشارة إليه
قوله الا انها مقيدة بالوجود:
القائل بذلك يلتزم بان متعلق الاحكام هي الطبائع الموجودة على أن
يكون الاتصاف بالوجود متعلقا للحكم لا الموصوف ولا نفس
الصفة فاصل الوجود خارج من تحت الطلب وإن كان اتصاف الطبيعة
به داخلا تحته، وعلى ذلك فليس الوجود ما به الامتثال بل هو
محقق لما به الامتثال أعني به اتصاف الطبيعة بالوجود، وعليه
فالوجود الخارجي وإن كان واحدا الا ان اتصاف كل من الطبيعتين به
غير
اتصاف الأخرى به فبإيجاد الصلاة في الأرض المغصوبة تجعل طبيعة
الصلاة متصفة بالوجود وهو مأمور به وطبيعة الغصب متصفة
بالوجود وذلك منهي عنه فمحل الأمر والنهي مختلفان متعددان و
لازم ذلك اختلاف الإطاعة والعصيان أيضا وتعددهما فالاتيان
بالمجمع لا يكون بنفسه عصيانا وامتثالا بل هو يوجب حصول
اتصاف كل من الطبيعتين بالوجود ويكون الامتثال باتصاف مغاير
لاتصاف آخر يتحقق به العصيان، وعلى ذلك فلا يرد عليه ما في
المتن من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون وان الوجود الواحد
يستدعى وحدة الماهية، وذلك لعدم ابتناء الاستدلال على تعدد
المعنون وجودا أو تعدده مهية، بل مبناه هو ان المطلوب هي العناوين
بما
هي موجودة لا نفس الوجود ولا العناوين بما هي هي فنفس الوجود و
ان اتحد الا ان الموجود بذاك الوجود متعدد (فالذي ينبغي) ان
يقال في الجواب هو انه لا فرق بين المقيد بالوجود
وبين نفس الوجود في ذلك فإذا لم يصح توجيه الطلبين نحو الوجود
الواحد لا يصح توجيهه
229

نحو الموجودين بذلك الموجود الواحد فإذا كانت الصلاة الموجودة
في ضمن الصلاة في الأرض المغصوبة مطلوبة فكيف يمكن ان يكون
الغصب الموجود بهذا الوجود مبغوضا ومنهيا عنه وهل يعقل امتثال
هذين الطلبين، ومجرد إمكان امتثال الامر بالصلاة في ضمن فرد
آخر لا يصحح الامر بالطبيعة على إطلاقها وسعتها لهذا الفرد
المتحصل به الغصب فلا محيص عن قصر أحد الطلبين بغير المجمع
قوله لم يكن المجمع واحدا مهية.
قد عرفت ان المراد من الماهية في المقام ليس هو خصوص المقول
في جواب ما الحقيقية بل مطلق العناوين الكلية سوأ كانت منتزعة من
مقام الذات اما من مقام العرضيات ومن المعلوم انها متعددة وان
اتحدت الهوية والماهوية
قوله مع أن قضية ظهور تلك:
للخصم ان يتشبث بموارد تعلق النهي بعنوان آخر مجامع لعنوان
العبادة وهو القسم الثالث من الأقسام الثلاثة المذكورة في كلامه
قوله واما تفصيلا فقد أجيب:
التحقيق في الجواب ان يقال إن النهي المتعلق بالعبادة في هذه الموارد
لم يتعلق بعنوان العبادة كما توهم بل تعلق بتخصيص العبادة
بخصوصية خاصة وتحديدها بحد خاص وعليه فالمطلوب انما هو
أصل الطبيعة واما المبغوض فهو حدهما الخاص من كونها في الحمام
أو في مواضع التهمة مثلا الصلاة في ذاتها محبوبة ومطلوبة والصلاة
الكائنة في الحمام مبغوضة ولا أقصد بذلك ان الكون في الحمام
بنفسه مبغوض والا كان المورد داخلا في مسألة اجتماع الأمر والنهي
وانما المقصود ان الصلاة الكائنة فيه بما هي كائنة فيه مبغوضة،
فان في المقام أمورا ثلاثة نفس الصلاة ونفس الكون في الحمام و
تخصيص الصلاة بكونها في الحمام فكما يجوز اجتماع الامر بالصلاة
مع النهي عن الكون في الحمام كذلك يجوز اجتماع الامر بالصلاة و
النهي عن تخصيصها بخصوصية الكون في الحمام لكن ذلك بشرط
المندوحة (وينبغي) توضيح المقام زيادة على ما تقدم (فنقول) ان
الامر بالصلاة لا اقتضاء له بالنسبة إلى التخصصات التي هي زائدة على
حقيقة الصلاة بل هو مقصور على نفس تلك الحقيقة الخالية على كل
خصوصية فلو تمكن المكلف من الاتيان بتلك الحقيقة خالية عن كل
خصوصية لصحت وحصل الامتثال فكل التخصصات ككل
الخصوصيات باقية على حكمها
السابق لم يدخل شئ منها تحت اقتضاء الامر بالطبيعة ولذلك يكون
المكلف مخيرا بينها فإذا خرجت عن تحت الاقتضاء لم يكن مانع من
توجه اقتضاء خارجي إليها فعلا أو
230

تركا فالعبادات المكروهة والعبادات المحرمة والمستحبة ليست الا
كالعبادات المباحة فكما يكون التخصص في هذه مباحا كذلك
يكون في تلك مكروها أو محرما أو مستحبا والمناط في الكل واحد
فاما ان يمنع الكل أو يجوز الكل بلا وجه للتفصيل بين الخصوصيات
المباحة وغيرها، وقد عرفت ان الجواز في الجميع هو الصحيح فان
أحد الطلبين متوجه إلى غير ما توجه إليه الاخر فلا يتصادق
اقتضائهما كي يتزاحم ولذلك تصح العبادة في كل الصور وتقع إطاعة
لأمر نفسها وإن كانت مخالفة بتخصصها الخاص للطلب الاخر
فتحديد عالم الكون بالحد الخاص الصلاتي مطلوب وتحديده بحد
الصلاة في الحمام مبغوض (هذا) في العبادات المكروهة التي لها بدل
ولا يجري ما ذكرناه فيما لا بدل له فلا بد هناك من التصرف في ظاهر
أحد الخطابين لئلا يلزم محذور طلب المحال كحمل الامر على
الاقتضائي أو حمل النهي على الارشاد إلى الاتيان بمطلوب آخر خال
عن تلك الحزازة وتكون العبادة صحيحة بمناط الطلب لا بنفسه
كالعبادة المزاحمة بالأهم ان لم نقل بالترتب فصوم يوم عاشوراء
كصيام سائر الأيام في الاشتمال على مناط الطلب ومع ذلك هو
مكروه بمعنى ان تركه ملازم لعنوان آخر أرجح من الفعل فالنهي عنه
إرشاد إلى مطلوبية ذلك العنوان أو إلى مطلوبية ما هو أهم من
الصوم كالاقبال على إقامة العزاء أو الزيارة:
قوله اما لأجل انطباق عنوان:
انطباق عنوان وجودي على أمر عدمي واتحاده معه خارجا غير
معقول كيف والا لزم تقوم الموجود بالمعدوم
قوله كما هو الحال في سائر المستحبات:
لا يخفى تحقق الفرق بين كون الترك ذا مصلحة وموافقا للغرض ولو
لأجل انطباق عنوان وجودي عليه ان فرض معقوليته وكون
الأضداد الوجودية للفعل ذوات مصالح كما في المستحبات
المتزاحمات فان الأول يؤثر مع غلبة ملاكه في مبغوضية الفعل و
مطلوبية
تركه المستلزم ذلك لعدم صلاحية الفعل لان يتقرب به والا لم تكن
الأفعال المحرمة متصفة بالمبغوضية بمجرد طلب تركها بل المتصف
بها يكون هو ترك الترك وليس الملاك في الاتصاف بالمبغوضية
اشتمال الفعل في تلك الموارد على المفسدة وانما ملاكه كونه مخالفة
لطلب المولى ولذا لا يتصف بالمبغوضية مع الجهل الذي يعذر فيه بل
يقع على صفة الرجحان والمحبوبية، وهذا بخلاف الثاني فان
اشتمال الضد الوجودي على مصلحة مؤثرة في الطلب فعلا لا يؤثر في
مبغوضية ضده فلو فرض
231

اشتمال الضد أيضا على المصلحة أمكن الاتيان به بداعي المصلحة و
المحبوبية والقرب به (ومما ذكرناه) ظهر ان أرجحية الترك من
الفعل وان لم توجب حزازة ومنقصة فيه كما أفاده المصنف (قده) الا
ان فعلية طلبه يوجب اتصاف الفعل بالمبغوضية والعصيان ومعه لا
يصلح للتقرب وان اشتمل على مصلحة تامة غير مزاحمة بشي من
المفسدة فالصحيح في الجواب هو ما ذكرناه
قوله ليس بحقيقي بل بالعرض والمجاز:
لا إشكال في أن انشاء الطلب حقيقي على كل حال ولا تجوز فيه و
انما المتخلف هي الإرادة الجدية بالنسبة إلى مورد الانشاء حيث أنشأ
طلب الترك بداعي حصول العنوان الملازم للترك وذلك لا يوجب
تجوزا في الكلمة ولا في الاسناد، فان اختلاف الدواعي لا يوجب
اختلاف اللفظ في الاتصاف بالحقيقة والمجاز كما تكرر في كلامه
(قده) (نعم) لو أسند إرادته المتعلقة بأحد المتلازمين إلى الملازم
الاخر كان ذلك من التجوز في الاسناد لكن ذلك غير معقول في
الانشاء وانما يتأتى في الجمل الخبرية، والذي يتأتى في الجمل
الانشائية التجوز في الكلمة واستعمال الترك في قوله أريد منك الترك
في الفعل الملازم لذلك الترك
قوله في كلا القسمين على الارشاد إلى الترك:
لا معنى للارشاد إلى الترك في شئ من القسمين فان الترك في أولهما
هو محل توجه طلب المولى وهو بنفسه داخل تحت الإرادة
فالانشاء بداعي إرادته طلب مولوي من غير شائبة إرشاد، وفي ثانيهما
لا مصلحة ولا غرض في الترك كي يرشد إليه (نعم) محل
المصلحة ومورد الغرض هو الفعل الذي يلازمه فالارشاد إليه لا إلى
الترك
قوله إن النهي في هذا القسم:
يريد بذلك ان النهي إذا كان ناشئا من وجود حرازة ومنقصة في
تشخص الطبيعة المأمور بها المختص بالقسم الثاني فهو لا يصح الا
للارشاد والا فقد صرح في صدر العنوان بان جميع ما ذكره في القسم
الأول جار فيما لا بدل له أيضا
قوله فكذلك في صورة الملازمة:
هذا فيما كان العبادة المكروهة بدل كما هو المفروض واما إذا لم يكن
لها بدل كما إذا انحصرت الصلاة بالصلاة في مواضع التهمة فلا
مناص من القول بسقوط النهي أو حمل النهي على ما حمل عليه في
القسم الأول من دون فرق بين القول بالجواز والامتناع والوجه في
ذلك ظاهر
قوله وفي هذا القسم على القول بالجواز:
الكراهة بمعنى قلة مصلحة نفس الطبيعة إرشادا إلى ما ليس كذلك من
الافراد ليست جارية على كل من القول بالجواز
232

والامتناع، واما بمعنى ابتلا الطبيعة بحزازة ومفسدة أخرى مجامعة
مع مصلحتها إرشادا إلى ما ليس فيه الابتلاء فهي جارية على كل
من القولين وقد تقدم منه التصريح بالحمل على الارشاد على الامتناع
فكيف ينكره مع هذا القرب
قوله على القول بالجواز:
بل مطلقا ولو على القول بالامتناع في صورة الملازمة مع ما هو
مستحب إذ لا مانع من إيجاب أحد المتلازمين مع استحباب الاخر و
ليس
للقول بجواز الاجتماع أثر في اختلاف حكم المتلازمين جوازا و
امتناعا
قوله الا اقتضائيا بالعرض والمجاز:
بل فعليا بالعرض والمجاز إذ لا مانع كما عرفت من طلب أحد
المتلازمين استحبابا مع طلب الاخر إيجابا
قوله غير متحد مع الخياطة وجودا:
اما لان حركة اليد في الفضاء المنهي عن الكون فيه الحاصلة بإدخال
الإبرة وإخراجها خارجة عن حقيقة الكون المنهي وزائدة عليه، و
إما لان الخياطة المأمور بها عبارة عن الامر التوليدي أعني اتصال قطع
الثوب بعضها ببعض بتواصل الخيوط دون نفس الحركات
المولدة فالحركات مقدمات للخياطة لا انها بنفسها خياطة (وفيه نظر)
إذ غاية ما في الباب انتزاع عنوان الخياطة للحركات بملاحظة
تأثيرها في حصول اتصال قطع الثوب كما في سائر العناوين التوليدية
لا ان يكون الاتصال بنفسه هو الخياطة
قوله والحق انه منهي عنه بالنهي السابق:
الذي ينبغي ان يقال إن ما اضطر إليه الشخص بعد الدخول في الأرض
المغصوبة انما هو الغصب بمقدار زمان الخروج سوأ بقي أم خرج
فبالنسبة إلى الغصب بهذا المقدار لا خطاب تحريمي، واما وقوعه
معصية للخطاب السابق الساقط فمبنى على أن يكون التصرف الزائد
على هذا المقدار محرما فعليا (فان قلنا) به فلا يعقل بقاء الخروج على
صفة المبغوضية والا كان التكليف بترك التصرف الزائد تكليفا
قبيحا إذ لا فرق في لزوم القبح بين ان يكون الخروج منهيا عنه فعلا أو
مبغوضا معاقبا عليه وكيف يعقل ان يكلف بترك البقاء ثم
يعاقب على الخروج سوأ قلنا بمقدمية الخروج لترك البقاء أم لم نقل
(وان قلنا) بعدم التحريم الفعلي كان جميع ما يقع منه بعد الدخول
من البقاء والخروج مبغوضا غير متصف بصفة الحرمة الفعلية من غير
فرق بين البقاء بمقدار زمان الخروج والزائد عليه، ولكن لا وجه
لسقوط النهي عن التصرف الزائد لعدم اضطرار المكلف إليه بل يجب
على المولى حفظ المكلف عن الوقوع فيه بالنهي عنه، ومع توقف
النهي على رفع اليد عن ترتيب آثار النهي والمعصية على التصرف
233

يرفع اليد عن ترتيبه مقدمة لتصحيح تكليفه، وعليه فلا يكون مانع من
النهي الفعلي عن البقاء حتى بمقدار التصرف الخروجي فيكون
التصرف البقائي محرما بجميع آناته والتصرف الخروجي غير محرم و
لا مبغوض من أول يومه فلا يكون الدخول من سوء الاختيار
بالنسبة إلى الخروج (ان قلت) ان النهي من البقاء مع وقوع الخروج
معصية معاقبا عليه انما يكون قبيحا إذا لم يرخصه العقل، و
المفروض ان العقل ملزم باختيار الخروج من باب أقل القبيحين (قلت)
قبح التكليف يدور مدار عدم تمكن المكلف من الامتثال اما حسا
خارجا أو من قبل المولى بنهي يصد المكلف أو عقاب، والمفروض
عدم التمكن مع العقاب على الخروج فلا بد للشارع اما ان لا ينهى من
البقاء أو لا يعاقب على الخروج (نعم) بعد فرض جواز ذلك يحكم
العقل باختيار أقل القبيحين (هذا) مع أن العقل لا بحكم باختيار
المبغوض الشرعي لان حكمه ناشئ عن درك الملائم ولو ملائمة
عرضية ناشئة من توقف واجب على الفعل أو ترك حرام فما لم يصر
الفعل ملائما لا يحكم العقل باختياره، ولا شئ من المبغوض
الشرعي يلائم القوة العاقلة فينتج ان لا شئ مما يحكم به العقل
مبغوض
فعلى للشارع فمهما كان حكم من العقل استكشفنا منه حكم الشرع
قوله قلت انما يجب المقدمة:
أفاد (قده) في البحث ان الحركة الخروجية ليست مقدمة لترك الكون
المحرم لعدم ترتب بين وجود أحد الضدين وعدم الاخر (نعم) هي
مقدمة للكون في خارج الدار الذي هو ضد الكون في داخل الدار فإذا
وجب ذلك العنوان وجبت الحركة الخروجية من باب المقدمة دون
ما إذا حرم الكون في داخل الدار (هذا) وقد عرفت استحالة العقاب
على الخروج مع فرض حرمة البقاء فعلا سوأ قلنا بمقدمية الخروج
لواجب أم لم نقل
قوله مع أنه خلاف الفرض:
المفروض هو كون الاضطرار إلى الخروج مستندا إلى سوء اختياره
الدخول واما اتصاف اختياره الخروج بكونه سوء فهو أول الكلام،
وعليه فليس الالتزام بجواز الخروج خلاف المفروض (هذا) مع أن
اللازم في المقام انما هو تنقيح البحث ومعرفة حكم الخروج، واما
كونه بسوء الاختيار فيما إذا دخل باختياره فلم يرد ذلك في آية أو
رواية ليكون الحكم بجواز الخروج منافيا له وخلاف المفروض
قوله حرام بلا إشكال:
قد عرفت ان حرمة البقاء تستلزم عدم العقاب على الخروج فضلا عن
حرمته الفعلية وهذا
234

المقدار يكفي في عدم مبغوضية الخروج، واما اتصافه بالمحبوبية و
المطلوبية فهو يتوقف على كونه مقدمة للواجب الفعلي وقد عرفت
عدم صحته (نعم) هو مضاد للحرام فترك الحرام ملازم لاختياره في
الخارج لكن ذلك لا يكفي في الحكم بوجوبه الشرعي
قوله وذلك لأنه لو لم يدخل لما كان متمكنا:
هذا وجه آخر لا دخل له بالوجه السابق (ومحصله) انتفاء شرط النهي
عن الخروج وهو القدرة عليه من غير انتفاء ملاك النهي أو
الاشتمال على ملاك الامر كما أفاده (قده) سابقا، ولو تم هذا الوجه
اقتضى بطلان المدعى وهو وجوب الخروج في جميع الحالات فان
الخروج عن حيز القدرة كما يمنع عن التكليف التحريمي يمنع عن
بقية التكاليف أيضا
قوله وإن كان العقل يحكم:
قد عرفت عدم اندراج المورد في موضوع حكم العقل بلزوم اختيار
أخف القبيحين وانه مع تحريم البقاء فعلا لا يعقل النهي عن الخروج
ولا المبغوضية الفعلية
قوله فإنه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع:
قد عرفت ان حرمة البقاء بنفسها مع فرض العقاب على الخروج و
مبغوضيته الفعلية في فرض عدم تمكن الداخل من التخلص بوجه
آخر
مما لا يجتمعان وعليه فلا يتوقف إنكار مبغوضية الخروج على فرض
مقدميته لواجب فعلى (واما) ما أفيد في المتن من تسليم المقدمية و
كفاية إلزام العقل بالمقدمة في اتصاف ذي المقدمة بالوجوب الفعلي
(فيرد عليه) ان العقاب على المقدمة ومبغوضيتها الفعلية يستلزم قبح
التكليف الفعلي بذي المقدمة بالضرورة ومجرد إلزام العقل بالمقدمة
لو كفى في رفع القبح المزبور لكفى في رفع القبح عن النهي
الفعلي عن نفس المقدمة أيضا (مع) انه قد سلم امتناع ذلك بل ذلك،
جار في الملازمات أيضا فإنه يقبح من المولى ان يأمر بشي فعلا مع
العقاب على ملازمه أو النهي عنه بالفعل ولو كان ذلك مستندا إلى
سوء الاختيار
قوله فالساقط انما هو الخطاب:
لكن إذا كان طريق إحراز الملاك منحصرا بالخطاب المشتمل على
الطلب الفعلي فبسقوطه ينسد طريق استكشاف الملاك ولم يكن لنا
طريق إلى إحرازه وليس له كشفان عرضيان عن الطلب وملاكه كي
يؤخذ بأحد كشفيه مع ترك الاخر (مع) ان مقتضى ذلك ان لا يبقى
تحت الخطاب الفعلي الا الان الحكمي العقلي من أول آنات الدخول،
ودعوى ان الخطابات المشتملة على الأحكام الفعلية سبقت لبيان
حكم الان المزبور من البعد والغرابة
235

بمكان، وأغرب من ذلك حملها بأجمعها على الحكم الاقتضائي
(هذا) مع أن سقوط الخطاب بذي المقدمة لا يكفي في صحة اتصاف
الخروج بالمبغوضية بل لا بد معه من الالتزام بسقوط حرمة البقاء أيضا
وقد مر ان لا وجه له مع إطلاق دليلها
قوله مع إجراء حكم المعصية عليه:
يرد عليه مضافا إلى ما أفيد في المتن ان إجراء حكم المعصية على
الخروج يستلزم صدوره مبغوضا وغير قابل للتقرب به كما يشير إليه
المصنف (قده) في بيان حكم الصلاة حال الخروج، وعليه فكيف
يعقل الامر به مع أنه لا يعقل ان يكون محركا لمتعلقه وموجبا لقصد
التقرب به، ودعوى كون الامر به توصليا لا يصلح هذا المحذور فان
الامر التوصلي أيضا لا بد من أن يكون قابلا للتقرب به غاية الأمر
انه لا يعتبر فيه ذلك، ففرض الامر بشي وعدم إمكان التقرب بمتعلقه
غير معقول في نفسه
قوله كون النهي مطلقا:
ان أراد من الاطلاق استمرار النهي إلى ما بعد الدخول كما هو الظاهر
فهو يرجع إلى القول الآتي من كون الخروج مأمورا به ومنهيا عنه
فعلا ولا يكون مرتبطا بهذا القول المفروض فيه سقوط النهي
بالدخول، وان أراد إطلاق المتعلق أي ان المنهي عنه مطلق الخروج و
المأمور به الخروج بعد الدخول (ففيه) ان سعة مفهوم الخروج تطابق
سعة مفهوم الخروج الخاص أعني الخروج بعد الدخول وليس
الخروج بعد الدخول حصة من الخروج المطلق بل هو هو والقيد
توضيحي (وقد سبق) منا فيما حررناه حين حضور بحث الأستاذ
المصنف (قده) توجيه ذلك بما لا بأس بنقله وهو ان معنى كون النهي
مطلقا انه ليس مشروطا بشي غير حاصل غير الشرائط العامة، و
من المعلوم عدم التنافي بين حرمة الشئ كذلك ووجوبه على تقدير
انتفاء شرط من شرائطه العامة كما فيما نحن فيه فان الخروج
حرام بشرط القدرة على تركه وبعد الدخول لا قدرة عليه شرعا فيجب
ومع ذلك يجري عليه حكم النهي السابق واثره إذ كان امتناعه
بالاختيار (ولكن يتجه عليه) ان الفرق المزبور على ذلك يرجع إلى
الفرق باختلاف زمان الأمر والنهي الذي تقدم مع دفعه (مضافا) إلى أن
ما هو من الشرائط العامة للتكليف القدرة العقلية لا الشرعية فان
معنى عدم القدرة شرعا هو
وجود التكليف المزاحم فيرفع اليد عن التكليف الأول لوجود ما هو
أقوى منه لا لعدم اجتماع شرائط التكليف
قوله مبنيان على عدم اقتضاء الامر:
بل لا يبعد القول بالصحة حتى على القول بالاقتضاء فان النهي الناشئ
من الامر بالضد لا يزيد على النهي الذاتي
236

المتعلق بالخروج في نفسه فإذا فرض كون ملاكه مغلوبا لملاك الامر
فملاك النهي الغيري أيضا يكون مغلوبا (الا ان يقال) ان الامر
بالصلاة خارج الدار حيث كان ناشئا عن ملاك أهم من الملاك
الموجود في الصلاة حال الخروج كما هو المفروض فالنهي الناشئ من
قبله لا يكون مغلوبا لأن هذه الأهمية انما هي لفقدان الفعل المنقصة
التي كانت في نفسها ملاك التحريم فعدم مثل هذه المنقصة يكون
ملزما لا محالة
قوله قد مر في بعض المقدمات:
وهو التاسع وقد سبق منا هناك ما يتعلق به فلا نعيد
قوله كما مر تفصيله:
في المقدمة العاشرة وقد سبق منا هناك تفصيلا ما يتعلق به أيضا
قوله وجوها منها:
ليس شئ من الوجوه المزبورة راجعا إلى الترجيح بقوة الملاك بل
الأول منها راجع إلى الترجيح بقوة الدلالة والثاني إلى عدم مزاحمة
ملاك النهي في تأثيره في صدور النهي من المولى بملاك الامر فان
ملاك النهي هو ملاك الحركة لدى العقلا وهو وان ضعف عن ملاك
الامر بمراتب الا انه مقدم عليه عندهم والثالث إلى عدم المزاحمة
المزبورة لكن في خصوص ملاكات النواهي الشرعية ولو كان ذلك من
جهة قوة ملاكات نواهيه بالإضافة إلى أوامره من باب الاتفاق
قوله لكان استعمال:
استعمال لا تغصب في بعض الافراد انما يكون باستعمال المادة فيه و
من المعلوم ان استفادة العموم من الاطلاق لا تستلزم ان يكون
ذلك الاستعمال بنحو الحقيقة فان القائل بكون العموم مستفادا من
الاطلاق انما يرى وضع اللفظ بإزاء الجنس فاستفادة العموم أو
الخصوص انما يكون بدال آخر على كل حال، وعليه فاستعمال اللفظ
في بعض الافراد بخصوصه أو في تمام الافراد بجعل نفس اللفظ
مرآة له وكاشفا عنه يكون مجازا لا محالة
قوله لان في ترك الواجب أيضا مفسدة:
التعليل غير مرتبط بالمدعى وهو منع الاطلاق لان حاصل ذلك منع
أصل الدوران بين المفسدة والمصلحة وان الدوران انما هو بين
مفسدة ومفسدة (لكن) ذلك لو سلم لا ينفع في المقام المفروض فيه
عدم تعين الواجب ووجود المندوحة
قوله ليس الا لأجل:
لم نعلم منشأ هذا الالتزام بل أصل الدوران مدار الملاك في المتعلق
مما لم يلتزم به فضلا عن أن يكون ذلك في الواجب خصوص
المصلحة
في الفعل وفي الحرام خصوص المفسدة فيه وقد تقدم منه (قده) في
توجيه النهي في العبادات جواز ان يكون التحريم لأجل انطباق
عنوان راجح على الترك الا ان يكون ما ذكره هنا ناظرا إلى تعيين قضية
الظهور اللفظي وما أفاده
237

هناك إلى مطلق ما يمكن إرادته منه
قوله إن الأولوية مطلقا ممنوعة:
بل أبدا ممنوعة بمعنى انه لا تراعى جهة المفسدة بما هي مفسدة في
شئ من الموارد وانما يلاحظ أقوى الملاكين المتزاحمين سوأ كانا
مصلحتين أم مفسدتين أم مصلحة ومفسدة
قوله فإنه فيما إذا دار بين الواجب والحرام:
يعنى إذا دار أمر المكلف بين فعل واجب وترك حرام لا فيما إذا دار
أمر فعل بين كونه واجبا وحراما (وفيه) ان القاعدة على تقدير
ثبوتها عقلية غير قابلة للتخصيص (ومحصلها) ان العقلا يراعون لدى
التزاحم جهة المفسدة وتكون حركاتهم على وفق اقتضائها فإن كان
ذلك في أفعالهم بالمباشرة تركوا الفعل الذي تتزاحم فيه الجهتان و
إن كان في أفعالهم التسبيبية أمروا بتركه والشارع منهم و
رئيسهم لا يتخطى فعله عن القوانين العقلائية (فالأولى) في مقام
الجواب بعد تسليم أصل القاعدة منع أصل الدوران لعدم انحصار
طريق
جلب المصلحة بإتيان المجمع لفرض وجود المندوحة في محل
النزاع بخلاف دفع المفسدة فإنه لا يكون الا بترك المجمع وعليه
فالقاعدة
قاضية بالنهي عن المجمع وخروجه عن تحت الامر وكون الامر
متوجها إلى غيره من الافراد إذ بذلك تحصل مراعاة الملاكين، والعقل
قاضي بمراعاتهما جميعا ما دامت ممكنة وانما يحكم بأولوية دفع
المفسدة من جلب المنفعة في مقام الدوران وعدم إمكان الجمع
بينهما
(ومما ذكرنا) ظهر ان المتعين تعليل تقديم النهي في المجمع بذلك لا
بما ذكروه
قوله فيما لا يكون هناك مجال لأصالة:
لا مجال لأصالة البراءة والاشتغال مع تلك القاعدة العقلية المعينة
لحكم المولى وان الواجب عليه عقلا مراعاة دفع المفسدة في مقام
التكليف وانه يقبح منه الامر بما فيه مفسدة فهل يبقى شك مع تلك
القاعدة ليكون مجرى للأصل
قوله لأصالة البراءة عن حرمته:
ولا تعارضها أصالة البراءة عن الوجوب لان دليلها النقلي سيق في مقام
المنة ولا منة في تضييق دائرة الوجوب بل قبح العقاب من غير
بيان العقوبة في ترك سائر الافراد مع الاتيان بالمجمع يقتضى جواز
ترك سائر الافراد ودليلها العقلي لا يجري هنا لمكان قطعية عدم
العقاب على ترك المجمع لو أتى بسائر الافراد كقطعية العقاب لو ترك
سائر الافراد
قوله نعم لو قيل بان المفسدة:
المبغوضية الواقعية لو أثرت في مبعدية الفعل وعدم صلوحه للمقربية
لا نسد باب أصالة البراءة في الشبهات البدوية ولزم الاحتياط عقلا
قوله انما تكون لقاعدة الامكان:
نفس تشريع
238

قاعدة الامكان تغليب لجانب الحرمة لا شئ آخر
قوله والاستصحاب المثبتين:
الاستصحاب سوأ أريد به استصحاب خروج دم الحيض أو حائضية
المرأة لا يثبت به كون الدم دم حيض ولا حاجة أيضا إلى إثبات ذلك
الا في ترتيب آثار حيضية الدم كعدم العفو عن قليله في الصلاة دون
حرمة الصلاة التي هي من آثار حائضية المرأة
قوله فلا مجال لاستصحابها:
لان صدق مفهوم النقض يتوقف على اتصال زمان المتيقن بزمان
المشكوك كي يكون إبقاؤه إبقاء ورفع اليد عنه نقضا وهو غير
محرز في المقام لعدم إحراز زمان نجاسة البدن تفصيلا بل بعد
استعمال الانأين يعلم بنجاسته في أحد زماني الاستعمالين اما في
زمان استعمال الأول فهي مرتفعة أو في زمان استعمال الثاني فهي باقية
ومن أجل التردد بين الزمانين يشك في الزمان الثالث في
الطهارة والنجاسة مع عدم اليقين بالنجاسة في الزمان الثاني المتصل
بالزمان الثالث الذي هو زمان الاستصحاب بل لو علم بها ارتفع
الشك ويقطع بالنجاسة في الزمان الثالث لعدم احتمال الارتفاع بعد
ذلك وانما نشأ الشك لأجل تردد زمان النجاسة المعلومة
بالاجمال (وفيه) انه لا مانع من استصحاب النجاسة من زمانها المعلوم
بالاجمال وان لم يعلم به تفصيلا إلى هذا الزمان لاحتمال بقائها
من زمانها متصلا إلى هذا الزمان فان الحالة السابقة على استعمال
الانأين هي طهارة الأعضاء وقد ارتفعت بالقطع بطرو النجاسة و
ان لم يعلم زمان طروها والشك حاصل في ارتفاع النجاسة الطارية
فتستصحب (ومما ذكرنا) يظهر حكم ما لو كانت الحالة السابقة
على استعمال الانأين هي نجاسة الأعضاء فإنه تستصحب الطهارة
لان القطع حاصل بارتفاع تلك النجاسة بطرو الطهارة عند استعمال
أحد الانأين ويشك في ارتفاع الطهارة الطارية فتستصحب (و
بالجملة) يؤخذ بخلاف الحالة السابقة على الحالتين
قوله فما يترأى منهم من المعاملة مع مثل:
الغرض من عقد هذا التنبيه دفع الاشكال عن معاملتهم مع مثل هذا
المثال معاملة التعارض مع أنه ينبغي ان يعامل معاملة الاجتماع لأنه
من
اجتماع الحكمين بعنوانين (وقد أوقع) نفسه الزكية في التكلف والتزم
بان إعمالهم قاعدة التعارض مبنى على مذاقهم من القول
بالامتناع أو انه ناشئ من علمهم بعدم المقتضى لكلا الحكمين (لكن)
الاشكال من أصله باطل مبنى على توهم كون المثال من باب
الاجتماع مع أنه ليس من بابه لتوجه الحكم في العموم الاستغراقي
239

افراد العالم فمثل أكرم العلماء ينحل إلى أكرم هذا العالم وذاك العالم و
هكذا وكذلك لا تكرم الفساق فيكون اشخاص العلماء الفساق
تحت حكمين مع عدم المندوحة ولا يجوزه القائل بجواز الاجتماع
أيضا وكأنه اختلط على المصنف (قده) مثال أكرم العالم ولا تكرم
الفاسق بمثال أكرم العلماء ولا تكرم الفساق فان أجرأهم قاعدة
التعارض لو كان في المثال الأول لاتجه الاشكال عليهم لكنه ليس
كذلك فلا تغفل
مبحث اقتضاء النهي عن الشئ الفساد وعدمه
قوله إنه قد عرفت في المسألة السابقة:
قد عرفت هناك عدم الفرق على تقدير وعدم الاشتراك المستدعي
لذكر الفارق على تقدير آخر فراجع (والظاهر) ان الفساد في قسم
العبادات إن كان فبملاك المبغوضية الموجبة للنهي وهي تؤثر في
فساد العبادة على مذهب المانع من الاجتماع فالبحث في أن النهي
يقتضى الفساد أو لا بحث عن المضادة بين المبغوضية والصحة و
عدمها وذلك عبارة أخرى عن عنوان مسألة الاجتماع (والحق) ان
الفرق بين المسألتين باختلاف الموضوع وان البحث في هذه المسألة
يتفرع على القول بجواز الاجتماع في تلك فان المجوزين
للاجتماع بالعنوانين المتغايرين بالعموم من وجه أو بالعموم المطلق
قد اختلفوا في توجيه الأمر والنهي إلى عنوان واحد بالاطلاق و
التقييد كما في مثال صل ولا تصل في الحمام ووقع بينهم النزاع في
جواز الاجتماع وعدمه في مثل ذلك فنفاه بعضهم بزعم اتحاد
الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها هنا وعدم جريان ما ذكروه للجواز
هناك من تعدد متعلق الحكمين (والحق) عدم الفرق وان
الاجتماع جائز هنا كما هو جائز هناك فكما جاز أن تكون طبيعة الصلاة
محبوبة ومأمورا بها وطبيعة الغصب بعكس ذلك وقد اتحدتا
في الوجود كذلك يجوز أن تكون طبيعة الصلاة محبوبة ومأمورا بها و
طبيعة الصلاة في الحمام بعكس ذلك فان الصلاة مقيدة يجوز أن تكون
مبغوضة وان لم
يكن ذات القيد وذات المقيد مبغوضتين بل كانا في كمال المحبوبية
فان المقيد بما هو مقيد طبيعة ثالثة غير طبيعة القيد والمقيد فإذا
كان تعدد الطبائع له تأثير في جواز الاجتماع كان لهذا أيضا ذلك التأثير
ومعه لا وجه لتوهم الفرق بين المقامين في جواز الاجتماع
فعلى قياس ما قدمناه في تقريب جواز الاجتماع نقول هنا أيضا ان
الامر تعلق بحد الوجود فالحد
240

الصلاتي لطبيعة الصلاة في الحمام محبوب ومأمور به وحد الصلاة
في الحمام أعني هذه الطبيعة المقيدة مبغوض ومنهي عنه والحدان
متعددان وان اتحد الوجود المحدود ومركز الطلبين هما الحدان
المتعددان دون الوجود الواحد المحدود والمفروض وجود
المندوحة
والتمكن من امتثال كلا الطلبين بالاتيان بالمأمور به في خارج الحمام
فصح ان يقال إن النهي في العبادات لا يقتضى الفساد كما صح
ذلك في قسم المعاملات من غير مساس لذلك بمسألة الاجتماع
(نعم) يكون ملاك البحث في شطر المعاملات غير ملاكه في شطر
العبادات
قوله وان البحث في هذه المسألة في دلالة:
ليس المقصود التفرقة بين البحثين بكون هذا في دلالة اللفظ وذلك
في المعنى والامر الواقعي كما يوهمه ظاهر لفظ الدلالة لما تقدم من
فساد التفرقة بين المسألتين بذلك
قوله انما هو لأجل انه في الأقوال:
التحفظ على دخول هذا القول في حريم النزاع بتحرير البحث في دلالة
اللفظ يوجب خروج التحريم المستفاد من غير النهي كالمستفاد
من الامر بالضد أو من حكم العقل عن حيز البحث فيحتاج في إلحاقه
بمحل البحث إلى التشبث بعموم الملاك كما صنعه المصنف (قده)
في
المقدمة الآتية وليس ذلك أقل محذورا من خروج القول المذكور عن
محل النزاع (مع) ان تحرير النزاع في الاقتضاء بمعنى التأثير لا
يقتضى خروج القول المذكور عن محل النزاع كما توهم غاية الأمر ان
هذا القائل يكون من المنكرين للاقتضاء والتأثير بمقتضى التزامه
بدلالة اللفظ إذ لازم ذلك هو إنكار التأثير الواقعي وبذلك يكون قوله
من جملة أقوال المسألة
قوله الا ان ملاك البحث يعم التنزيهي:
يعنى التنزيهي الحقيقي الذي يكون عن ملاك ومبغوضية في الفعل لا
عن ملاك ومحبوبية في الترك كما تقدم توجيه النواهي التنزيهية
المتعلقة بالعبادات بذلك كي لا تقتضي فسادها (ثم) ان النهي التنزيهي
الحقيقي انما يعقل في العبادات المستحبة واما العبادات الواجبة
فلا يعقل فيها ذلك فان ملاك النهي التنزيهي بالغا ما بلغ لا يترجح على
ملاك الامر الحتمي الالزامي كي يكون هو المؤثر فعلا دونه
قوله لا يوجب التخصيص به كما لا يخفى:
ان محذور دخول الأجنبي في محل النزاع ليس بأقل من محذور
خروج مورد النزاع فرعاية شطر العبادات بتعميم النهي ليس بأولى من
رعاية شطر المعاملات بتخصيصه مع أن المتعين في مثل ذلك افراد
كل
241

بعنوان وعقد بحثين حيث لا يمكن إدراجهما جميعا في كلمة واحدة
جامعة خالية عن الاشكال وليس ذلك من الدوران بين المحذورين
قوله والتبعي منه من معقولة المعنى
وهذا المعنى وإن كان مستفادا من اللفظ لكن الدال عليه ليس هو
النهي بل الامر يدل بالدلالة المطابقية على طلب الفعل وبالدلالة
الالتزامية على طلب ترك الضد ومجرد دلالته على طلب الترك لا
يوجب اندراجه تحت النهي وصدق لفظ النهي عليه كي يكون أمرا
باعتبار دلالة ونهيا باعتبار دلالة أخرى
قوله من غير دخل لاستحقاق العقوبة:
إن كان خروج التبعي بملاك عدم استحقاق العقوبة فمطلق النواهي
الغيرية خارجة وإن كانت أصلية على مذهب المصنف (قده) من
تعميم
عدم استحقاق الثواب والعقاب لمطلق التكاليف الغيرية لكن المحقق
القمي (قده) يخص عدم الاستحقاق بخصوص التبعي والتبعي
باصطلاحه غير التبعي باصطلاح المصنف (قده) فان التبعي عنده ما
لم يكن مقصودا من الخطاب وقد استفيد منه كما في دلالة الآيتين
على أقل الحمل واما التبعي عند المصنف (قده) فهو ما لم يكن على
طبقه خطاب مستقل
قوله ويؤيد ذلك أنه جعل:
بل ذلك دليل قطعي على عموم ملاك البحث إذ لا يحتمل ان يكون
اقتضاء النهي للفساد مسلما واقتضاء غيره موردا للنزاع
قوله والمراد بالعبادة هاهنا:
يريد بهذا دفع ما يترأى من التهافت بين فرض النهي وكون متعلقه
عبادة فعلية موجبة للقرب من المولى في حال تعلق النهي به ولا
يخفى ان حملها على العبادة الذاتية وإن كان موجبا لحفظ ظهور
العنوان في العبادة الفعلية لكن البحث ليس مقصورا على النهي
المتعلق
بالعبادة الذاتية واما حملها على العبادة لو تعلق بها الامر فهو تكلف
في عبارة العنوان الظاهرة في العبادة الفعلية التي منها نشأ إشكال
التهافت والأقرب من الصواب هو حمل العبادة في العنوان على
العبادة مع قطع النظر عن هذا النهي وفي رتبة سابقة عليه بحيث لولا
هذا النهي لكان الفعل عبادة فعلية لمكان كونه مشمولا لعموم الا وامر
العبادية مثل أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ولله على الناس حج
البيت وقد قطع هذا النهي سبيل الامر وإرادة العبادة التقديرية توجب
استناد الفساد إلى عدم الامر دون النهي المبحوث عن تأثيره في
الفساد
قوله موجبا بذاته للتقرب من حضرته:
العبادة هي التي تكون ذاتية ويقال لها بالفارسية (پرستش) وربما
تصدر من الحيوانات في حركاتها وخضوعها على إنهاء مختلفة و
لكن
242

حصول التقرب من المولى لا يكون الا بعبادة تكون محبوبة للمولى و
يجب ان يتعبد بتلك العبادة فليس التقرب ذاتيا بل هو موقوف
على الامر أو ملاكه وإن كانت العبادة ذاتية ولا ملازمة بين العبادة و
حصول التقرب كما اعترف به فيما إذا تعلق النهي بهذه العبادة
قوله لا ما أمر به لأجل التعبد:
لا يخفى ان كلام المصنف (قده) ناظر إلى غير ما ينظر إليه كلام القوم
فإنهم في مقام تعريف العبادة وشرح حقيقتها والمصنف (قده)
يريد بيان ما هو المراد منها في المقام وان العبادة الحقيقية ليس بمراد
والا لم يمكن ان يتعلق بها النهي بل المراد العبادة الشأنية (نعم)
إن كان مراد المعرفين هو ان ذلك مراد أيضا من لفظها هنا اتجه عليهم
إشكال التهافت المتقدم
قوله اما ما لا أثر له شرعا:
وذلك كغالب ما تعلق به النهي مثل الزنا وشرب الخمر والغيبة و
السرقة إلى غير ذلك فإنها داخلة تحت عنوان النهي في المعاملات
بالمعنى العام المراد منها هنا وهو المقابل للعبادات لكنها خارجة عن
محل البحث بعدم الأثر لها والمراد من الأثر هو الأثر المترتب
على العمل قبل توجه النهي فان هذا هو الذي يعقل ان يبحث في
اقتضاء النهي لرفعه دون الآثار المرتبة على النهي كالكفارات والحدود
المرتبة على إتيان بعض المحرمات
قوله السادس ان الصحة والفساد وصفان:
يعنى انهما من الصفات الحقيقية ذات الإضافة كالعلم لا انها من مقولة
الإضافة كالأبوة والبنوة والعلية والمعلولية ليكون معنى الصحة
واجدية: الأثر والفساد عدم واجديته فان ذلك مع وضوح فساده
مناف لتفسيره الصحة بالتمامية (ثم) ان مقصود المصنف (قده) من
كون
الصحة والفساد من الأمور الإضافية جواز اجتماعهما ففي شئ واحد
فيكون شئ واحد صحيحا وفاسدا بحسب أثرين أو نظرين كما
يكون شخص واحد عالما وجاهلا وشي واحدا فوقا وتحتا وعلة و
معلولا إلى غير ذلك وهو مبنى على أساس ان النسب والإضافات
أو الصفات الحقيقية ذات الإضافة يجوز اجتماع المتقابلات منها و
هذه الكبرى صحيحة لا إشكال فيها لكنها غير منطبقة على المقام فان
الأمور الإضافية المتقابلة انما يجتمع في واحد باختلاف المضاف إليه
بحيث لو لم يختلف المضاف إليه لم يجز الاجتماع والمضاف إليه
لوصفي الصحة والفساد ليس هو الأثر ليجتمعا في واحد بحسب أثرين
لان معناهما حسب تفسيره هو التمامية والنقصان وليس
المضاف إليه للتمامية والنقصان الا الطبيعة الجنسية أو النوعية أو
الصنفية واجتماعهما
243

في واحد باختلاف المضاف إليه انما يتحقق بكون شئ واحد
صحيحا تاما من طبيعة فاسدا ناقصا من أخرى كصحيح الخل الذي هو
فاسد التمر من غير دخل للأثر في ذلك بل الأثر أثر للصحيح لا انه
مقوم له ليكون معنى الصحيح والفاسد واجدية الأثر وفاقديته
ليترتب عليه اجتماعهما في واحد بحسب أثرين لما عرفت من أنهما
ليسا من مقولة الإضافة بل من الصفات الحقيقية ذات الإضافة (ثم) لو
سلم ذلك فليس الصحيح مطلق ما ترتب عليه الأثر بل هو ما يترتب
عليه تمام آثار الطبيعة فيكون الفاسد خلاف ذلك وهو ما لم يترتب
عليه تمامها سوأ لم يترتب عليه أثر أصلا أو ترتب عليه بعض الآثار
دون بعض وعليه فلا تجتمع الصحة والفساد في واحد باعتبار
أثرين لعدم اجتماع ترتب تمام الآثار مع عدم ترتب تمامها وليس من
شرط الأمور الإضافية ان تجتمع الصفات المتقابلة فيها أبدا بل
يجوز فيها ذلك في الجملة في قبال الصفات المتضادة الاخر التي لا
يجوز فيها الاجتماع أبدا (ثم) ان تمامية الطبيعة التي هي صحتها على
ما تقدم هي كون الفرد جاريا على مقتضى الطبيعة فان لكل طبيعة
اقتضاء خاصا يعلم من جريان غالب افرادها عليه وفي قبال ذلك
نقصانها الذي هو فسادها فإذا خرج عن ذلك الاقتضاء الجاري غالب
افرادها عليه اما بالزيادة أو النقصان كان ذلك عيبا وفسادا لكن
بشرط انحفاظ الطبيعة والا لم يكن
الخارج فاسد تلك الطبيعة المستحيلة بل يكون طبيعة أخرى في
عرضها فالخل انما يعد فاسد ماء التمر إذا كان مندرجا تحت طبيعة ماء
التمر مع كونه خلا والا كان طبيعة أخرى مستحيلا إليها ماء التمر لا
فاسد ماء التمر
قوله وهكذا الاختلاف بين الفقيه:
يمكن ان يقال لا اختلاف بين الفقيه والمتكلم لا في المفهوم ولا في
ما بلحاظه أطلقوا هذا اللفظ وان مراد الفقيه أيضا من الصحيح هو
الموافق للامر والتعبير بإسقاط القضاء تعبير باللازم وبالخاصة حيث إن
إسقاط القضاء لازم لازم امتثال الامر
قوله في الشريعة يكون على أقسام:
الفروض المتصورة أربعة والنسبة بين تفسيري المتكلم والفقيه هي
التساوي في فرضين منهما والعموم المطلق في الفرضين الآخرين
(اما) تقديرا التساوي فأحدهما ان يكون مراد المتكلم من موافقة
الشريعة موافقة مطلق الشريعة سوأ كان امرها واقعيا أم كان ظاهريا
ويكون الفقيه ذاهبا إلى الاجزاء في موافقة مطلق الامر الأعم من
الواقعي والظاهري والاضطراري (وثانيهما) بعكس ذلك أعني يكون
مراد المتكلم من موافقة الشريعة موافقة الأوامر الواقعية ويرى
244

الفقيه أيضا عدم الاجزاء في الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو
الظاهري (واما) تقديرا الاختلاف بالعموم والخصوص فأولهما ان
يكون المتكلم قائلا بالتعميم في موافقة الامر والفقيه مخصصا للاجزاء
بالامر الواقعي وثانيهما بعكس ذلك (وأنت خبير) بما وقع من
المصنف الأستاذ (قده) من الخلط بين إسقاط القضاء والإعادة
المأخوذ في تفسير الفقيه للصحة وإسقاط القضاء والإعادة الذي
يتكلم
فيه في مسألة الاجزاء فان المراد من الاسقاط في تفسير الصحة
الاسقاط بالإضافة إلى الامر الذي قد امتثل كما هو واضح وهذا مما لا
إشكال فيه وليس من محل البحث في مسألة الاجزاء والمراد من
الاسقاط في مسألة الاجزاء الاسقاط بالإضافة إلى أمر آخر أعني الامر
الواقعي وهذا الاسقاط أجنبي عن صحة العمل فإنه يكون صحيحا و
ان لم يجز عن الواقع بعد كشف الخلاف أو رفع الاضطرار (وأيضا)
لا ينبغي الاشكال في أن المراد من الشريعة التي فسر المتكلم صحة
العمل بموافقتها ليس خصوص الأوامر الواقعية لوضوح ان مناط
الصحة موافقة مطلق قانون الشرع والاصطلاحات العلمية التي
اصطلحوا عليها في أقسام الأوامر بتسمية بعضها واقعية وآخر ظاهرية
و
ثالثة اضطرارية غير دخيل في ذلك فظهر من ذلك ان النسبة بين
الصحتين هي التساوي لعموم كلا التفسيرين
قوله تنبيه وهو انه لا شبهة:
مقتضى ما تقدم هو انهما عند الكل وصفان حقيقيان وهما التمامية و
النقصان لا اعتباريان أو من قبيل حكم العقل أو حكم الشرع فان
التمامية والنقصان من مقولة الكم المنفصل ولعل ما أفاده (قده) هنا
ناظر إلى ما أطلق كل من الطائفتين هذه اللفظة بلحاظه مع اتحاد
المفهوم المراد من اللفظ
قوله فالسقوط ربما يكون مجعولا:
التعبير بربما يشير إلى أن السقوط هناك أيضا قد يكون بحكم العقل
كما في الامر الواقعي وذلك فيما إذا كان المأمور به بالامر
الاضطراري أو الظاهري مشتملا على تمام مصلحة الامر الواقعي أو
على ما يكون التفاوت بينه وبين التمام بمقدار غير ملزم أولا يمكن
تداركه وإن كان ملزما (وفيه) ان الاجزاء وسقوط القضاء والإعادة
عبارة عن سقوط الامر الواقعي كما أن عدم الاجزاء وعدم السقوط
عبارة عن بقاء ذلك الامر فليس هاهنا جعل وراء الجعل الأول فإنه إن كان
الأمر الأول باقيا كان العمل فاسدا والا كان صحيحا ولا فرق
بين صور الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي أو بالامر الاضطراري أو
الظاهري فلا وجه للتفصيل بين الصور والحكم بان الصحة و
245

في بعضها يرجعان إلى حكم العقل وفي بعضها إلى حكم الشرع إثباتا
ونفيا بل م آلهما في الجميع إلى حكم الشرع وليس ذلك حكما
جديدا غير حكمه الأول فصحة العمل تستلزم سقوط ذلك وفساده
يستلزم بقائه (نعم) إحراز السقوط تارة يكون من طريق العقل و
أخرى من طريق الشرع (هذا) كله مع الإغماض عما ذكرناه سابقا من أن
الصحة والفساد بلحاظ سقوط القضاء والإعادة بالنسبة إلى أمر
نفس المأتي به لا بالنسبة إلى أمر آخر والا فليست في المقام صور
متعددة فضلا عن اختلاف حكمها في مجعولية الصحة والفساد و
عدمها
قوله نعم الصحة والفساد في الموارد الخاصة:
ان أراد أن خصوصيات الموارد الخاصة خارجة عن تحت الجعل فهو
واضح لا إشكال فيه بناء على تعلق الأوامر بالطبائع ولا يحتاج ذلك
إلى التنبيه وان أراد عدم سراية الجعل إلى الموارد الخاصة فهو واضح
البطلان بناء على أن الكلي الطبيعي موجود في الخارج بعين
وجود الافراد فان الجعل المتعلق بالطبيعة يسرى إلى الافراد بتبع
سراية الطبيعة وقد صرح بذلك المصنف (قده) في الأصل المثبت من
تنبيهات الاستصحاب عند دفع الاشكال عن استصحاب الفرد و
ترتيب آثار الكلي بتوهم ان ذلك من الأصل المثبت
قوله واما الصحة في المعاملات فهي تكون مجعولة:
مقصوده جعل الملكية والزوجية والحرية إلى غير ذلك من آثار
المعاملات دون التكاليف المنتزعة منها هذه الآثار كجواز تصرف
الشخص في المال من دون مراجعة الغير وعدم جواز تصرف الغير من
دون مراجعته اللذين هما المنشأ لانتزاع الملكية ولكنا لا نتعقل
لجعل الملكية والزوجية معنى غير جعل الآثار والاحكام بل الملكية
عند العرف أيضا عبارة عن التزامهم بان يستقل الشخص بالتصرف
في المال ولا يستقل الغير بالتصرف فيه فان السلطنة والملكية تنتزع
من هذا البناء والالتزام وليست أمرا آخر ورائه لتكون مجعولة
أو غير مجعولة
قوله لأصالة الفساد:
لا مورد لهذه الكلمة في المقام فان الأصل مورده الشك والمفروض
في المقام القطع بعدم الجعل
قوله لا يخفى انه لا أصل في المسألة:
لان أصالة عدم وضع اللفظ لما يستلزم الفساد معارضة بأصالة عدم
وضعه لما لا يستلزمه مع أن وضع اللفظ للتحريم معلوم وانما الشك
في استلزم التحريم للفساد ولا أصل يقتضى تحقق الاستلزام أو عدمه
لعدم اليقين السابق بأحدهما إذا الاستلزام اما كائن من أول الأمر
أو غير كائن
قوله لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم:
محل الكلام ما إذا كان هناك عموم
246

أو إطلاق يقتضى الصحة لولا النهي والا لم يكن محل للبحث عن
اقتضاء النهي للفساد وكان الفساد ثابتا لولا النهي أيضا بمقتضى
الأصل
الأولى (ثم) ان المجدي في المقام هو الاطلاق أو العموم المتضمن
لحكم الوضع خاصة مثل الناس مسلطون على أموالهم ولا يحل مال
امرئ
مسلم الا بطيب نفسه ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون
تجارة عن تراض (واما) المتضمن للتكليف المستفاد منه الوضع مثل
النكاح سنتي فلا يعقل ان يجتمع مع النهي ليتمسك به في الحكم
بالصحة بعد إجمال النهي وعدم دلالته على الفساد
قوله واما العبادة فكذلك:
إذا شك في اقتضاء النهي للفساد واحتملت صحة العبادة المتعلق بها
النهي فبقاء الامر بتلك العبادة محتمل ومعه يحكم ببقاء الامر بها
عملا بإطلاق دليل الامر بتلك العبادة وعمومه (نعم) مع إحراز اقتضاء
النهي للفساد لا محيص من تخصيص عموم دليل الامر أو تقييد
إطلاقه
قوله إن متعلق النهي اما ان يكون:
غرضه استيعاب أقسام النهي الذي قد تعلق بالعبادة ولو بأدنى تعلق
كالتعلق بشرطها أو وصفها فإنه نحو من التعلق بالعبادة التي هي
ذات المشروط والموصوف والا فمتعلق مطلق النهي قد لا يكون شيئا
من ذلك كما في سائر المحرمات ولا يخفى ان عنوان البحث النهي
عن العبادة ولا ينبغي توهم دخول شئ من النهي المتعلق بالجز و
الشرط والوصف للعبادة بما هو نهى عن الجز والشرط والوصف
في هذا العنوان ما لم تكن تلك الأمور بأنفسها عبادة فيكون النهي عنها
نهيا عن العبادة فلا موقع لإطالة الكلام بذكر الأقسام والتنبيه
على الداخل منها والخارج عنها فان كل ذلك إذا كان عبادة كان داخلا
كما أن الكل إذا لم يكن عبادة كان خارجا كسائر ما تعلق به
النهي (نعم) لا يكون جز العبادة الا عبادة إذ لا يعقل ان يكون أمر
واحد عباديا وتوصليا بالنسبة إلى جزين من اجزائه الا على مذهب
المصنف (قده) في العبادات من كون قصد الامر في العبادات دخيلا
في تحصيل الغرض فإنه من الممكن ان يكون الدخيل في تحصيل
الغرض هو قصد الامر في بعض الاجزاء لا في جميعها (وبالجملة) لا
أرى في المقام محلا لهذه المقدمة وليس عنوان النهي عن العبادة و
المعاملة الا كسائر العناوين التي يكون الداخل فيها واضح
الامتياز عما هو خارج عنها فما كان عبادة داخل في العنوان الأول وما
كان معاملة داخل في الثاني وليس التعلق بجز العبادة أو
المعاملة أو شرطها أو وصفها بما هو جز أو شرط أو وصف
247

سببا للدخول في أحد العنوانين أو موهما لدخوله (نعم) إذا كانت
عبادية أمر مشكوكة مع تعلق النهي به شك من أجله في دخوله في
عنوان
النهي في العبادة لكن ذلك أجنبي عن هذا البحث
قوله أو وصفها الملازم لها كالجهر والاخفات:
القراءة ملازمة لاحد الامرين من الجهر والاخفات على سبيل منع
الخلو كما أن الصلاة ملازمة لاحد الامرين من إباحة المكان وغصبيته
أعني انه لا تنفك القراءة والصلاة عن أحد الوصفين في كل من
المثالين وان انفك الوصفان عن القراءة والصلاة ووجدا في غيرهما
فما
معنى عد المثال الأول من الوصف اللازم والثاني من الوصف المفارق
مع أن ظاهر كلام المصنف (قده) ان كلا من الجهر والاخفات على
سبيل التعيين وصف لازم لا أحدهما على البدل وهذا باطل بالقطع
لاستلزامه اجتماع الضدين وأن تكون كل قراءة متصفة بصفتي
الجهر والاخفات جميعا (ان قلت) لعل مقصود المصنف (قده) ان
الجهر مقيدا بكونه في القراءة وصف لازم وكذلك الاخفات فإنهما
بهذا
القيد لا يوجدان في غيرها واما الغصب فإنه وإن كان بقيد كونه في
أكوان الصلاة لازما لها لا يوجد في غيرها بل كل وصف مقيد بكونه
في محل خاص لا يوجد في غير ذلك المحل الخاص الا ان المصنف
(قده) لم يعتبره مقيدا نظرا إلى أن متعلق النهي في مثال الغصب مطلق
الغصب لا الغصب المقيد بكونه في أكوان الصلاة وهذا بخلاف جانب
الجهر فإنه إن كان نهى عن الجهر فهو متعلق بالجهر الخاص (قلت)
نعم كل وصف إذا قيد بموصوفه فهو لازم لموصوفه
لا يوجد في غيره لكن موصوفه لا يكون لازما له بحيث لا يتحقق
بدونه ومراد المصنف (قده) من الوصف اللازم ما لا ينفك موصوفه
عنه
كما يشهد به حكمه بان النهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن
موصوفه فان من الواضح ان النهي عن الوصف اللازم أعني ما لا ينفك
عن موصوفه وان انفك هو عنه لا يساوق النهي عن موصوفه هذا مع أن
الوصف إذا قيد بموصوفه لم يكن بقيد كونه وصفا له وصفا له بل
الوصف هو ذات الوصف اللابشرط مع أن التفصيل بين مثالي الجهر و
الغصب باعتبار كون الأول مقيدا بوصوفه وعده من أجله وصفا
لازما دون الثاني نظرا إلى كون النهي في الخارج كذلك فاسد فان النهي
في الخارج كما تعلق بعنوان الغصب كذلك قد يتعلق بعنوان
الجهر ورفع الصوت كما إذا نهيت المرأة ان ترفع صوتها لوجود
الأجانب فرفعت
248

صوتها في قرأتها فان ذلك بعينه من قبيل صل ولا تغصب
قوله الا ان يستلزم محذورا آخر
ومن المحذور الاخر ان لا يكون ناويا للتقرب من ابتدأ العمل الا
بالعمل المركب من الجز الفاسد المنهي عنه اما لاعتقاد تعلق الامر به
أو عمدا تشريعا (وبالجملة) كان داعيه خصوص ذلك الامر الذي
اعتقده أو بنى عليه تشريعا دون الامر الواقعي كائنا ما كان متعلقه
فحينئذ لا يجديه الاتيان بالجز غير المنهي عنه لنقصان العمل بعدم
قصد التقرب من ابتدأ الامر بالعمل بهذا الجز وما قصد التقرب به
وهو العمل بذاك الجز المنهي عنه فاسد غير قربي لا أمر به
قوله فيكون النهي عن الجهر في القراءة:
هذا خلاف مذاقه في المتلازمين في الوجود فإنه قد تقدم انهما غير
متلازمين في الحكم (نعم) يجب ان لا يختلفا فيه فالنهي عن أحدهما
يستلزم عدم الحكم في الاخر على خلافه ولو بان يكون الاخر بلا
حكم لا ان يكون محكوما بحكمه ولعل التعبير وقع سهوا كما يشهد له
التعليل المذكور في العبارة الجاري على مذاقه الذي لم يكن مطابقا
للمعلل لكن مجرد عدم الامر لا يقتضى البطلان لصحة العمل عنده
بمجرد الاشتمال على ملاك الامر ما لم يكن نهى مخرج للعمل عن
صلاحية التقرب
قوله الا فيما اتحد معه وجودا
لا يعقل ان يتحد الوصف مع الموصوف وجودا إذا الوصف أمر زائد
على الموصوف قائم به نعم إذا كان المنهي عنه العنوان المنتزع من
الذات بملاحظة اتصافها بالصفة كعنوان الغصب دون صفة الغصبية
القائمة بالأكوان اتحد مع العبادة - لكنه خارج عن المنهي عنه لوصفه
داخل في المنهي عنه لذاته (غاية الأمر) انها الذات الخاصة الثابت لها
حد الغصبية ونظيره من الوصف اللازم ان ينهى عن القراءة الجهرية
لا عن الجهر في القراءة فإنه لا يكون من المنهي عنه لوصفه اللازم بل
من المنهي عنه لذاته والحاصل، ان النهي تارة يتعلق بنفس الوصف
القائم بالموصوف وهذا لا يتحد مع الموصوف الا بنحو آخر من
الاتحاد وهو اتحاد العرض مع معروضه وأخرى بالذات المتصفة و
هي
الوصف النحوي وهذا عين النهي عن الذات لا شئ يساوقه فحكما
المصنف (قده) في الوصف اللازم والمفارق باستلزام النهي عن
الوصف في الأول للنهي عن الموصوف وعينيته في الثاني مع النهي
عن الموصوف لكن في صورة اتحاد متعلقه معه لا يجريان على نسق
واحد فان الأول ان تم فإنما يتم على تقدير كون المنهي عنه نفس
الصفة والثاني انما يتم على
249

تقدير كون المنهي عنه الذات الموصوفة بما هي موصوفة
قوله إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها
النهي تارة يتعلق بطبيعة يعلم أنها لو كانت مأمورا بها لكانت عبادة مع
عدم الامر بها في الشريعة أصلا كعبادة اليهود والنصارى وهذا
ظاهرا خارج عن محل الفرض لان الحكم بالفساد في الصورة المذكورة
مما لا ريب فيه وسابق على النهي ومستند إلى عدم الامر، و
أخرى يتعلق بقسم من طبيعة تكون عبادة ومأمورا بها فعلا كما في
صل ولا تصل في الحمام ومحل البحث في اقتضاء النهي للفساد هو
هذا القسم فيبحث في أن توجه النهي إلى قسم مخصوص من طبيعة
قد أمر بها بأمر عبادي يوجب خروج القسم المذكور عن تحت الامر
للمعاندة بين الامر بالطبيعة المطلقة الشاملة لجميع أقسامها والنهي
عن قسم منها فيفسد من أجل ذلك، أو لا يجب خروجه لعدم
المعاندة،
وعلى مسلك كفاية قصد الملاك وعدم حاجة صحة العبادة إلى قصد
الامر يبحث في أن النهي يهدم ملاك الامر فلا يبقى شئ يتقرب
بقصده أو لا يهدمه بل تكون مصلحة العبادة القائمة بالطبيعة على
حالها فإذا أتى بها بقصد التقرب بتلك المصلحة وقعت صحيحة وان
عوقب على فعلها للاتيان بها على وجه محرم (والحق) في المسألة
عدم اقتضاء النهي للفساد وان الامر بالطبيعة لا يزاحمه النهي عن قسم
منها ولا يزيله عن حالته الأصلية بل يكون الامر متوجها إلى الطبيعة
على
إطلاقها مع توجه النهي إليها مقيدة بقيد خاص من خصوص زمان أو
مكان أو حال أو نحو ذلك وذلك لان المزاحمة إن كانت فاما أن تكون
في مقام المصلحة والمفسدة أو تكون في مقام البعث والزجر و
لا مزاحمة في شئ من المقامين اما في المقام الأول فلان الامر
يكشف عن مصلحة تكون قائمة بالطبيعة والنهي يكشف عن مفسدة
تكون قائمة بالطبيعة مقيدة بقيد خاص ولا منافاة بين أن تكون
الطبيعة بما هي واجدة لمصلحة كالنهي عن الفحشاء وهي بعينها
مقيدة بقيد خاص ذات مفسدة خاصة فإذا أتى بها الشخص في ضمن
المقيد فقد أحرز المصلحة ووقع أيضا في المفسدة واما في المقام
الثاني فلما تقدم في مسألة اجتماع الأمر والنهي من تعدد متعلق الأمر
والنهي وانما متعلقان بحدود الوجود لا به نفسه فالحد الصلاتي من
الصلاة في الحمام مثلا يكون مأمورا به وحد كون الصلاة صلاة في
الحمام أعني هذا المقيد بما هو مقيد يكون منهيا عنه فيتعدد متعلق الأمر
والنهي والفرض وجود المندوحة أيضا فليس التكليف محالا و
لا تكليفا بالمحال، وتفصيل
250

المقام يطلب من تلك المسألة فإنه في الحقيقة لا فرق بين المسألتين
الا في أن المتعلقين فان هناك عنوانان مختلفان متصادقان وهاهنا
عنوان واحد مختلف بالاطلاق والتقييد
قوله لعدم الحرمة بدون قصد القربة:
برهانه على أن النهي في العبادات تشريعي لا ذاتي صورة قياس
شرطي انفصالي بضميمة قياس حملي، اما القياس الشرطي فهو ان
النهي
المتعلق بالعبادة لا يخلو اما ان يكون متعلقا بذات العمل مع قطع النظر
عن قصد القربة أو بالعمل بقصد القربة وقصد امتثال الامر
الواقعي المتعلق به أو بالعمل بقصد امتثال الامر الجعلي البنائي لكن
الأولين باطلان باعتراف من الخصم في الأول وعدم القدرة على
العمل بقصد الامر الواقعي في الثاني حيث إنه لا أمر به فتعين الثالث
فإذا تعين الثالث ينظم القياس الحملي ويقال ان العمل بقصد الامر
الجعلي حرام تشريعا ولا تجتمع حرمتان في فعل واحد بالضرورة لأنه
من اجتماع المثلين فلا تجتمع حرمة أخرى ذاتية مع هذه الحرمة
فتعين أن تكون الحرمة في العبادات تشريعية لا غير (قلت) أولا لا
يتوقف البرهان على ضم هذا القياس الحملي بل المنفصلة الحقيقية
بنفسها كافية في إنتاج المقصود فان كل نهى يفرض توجهه إلى العبادة
يجري فيه الترديد المذكور ويستنتج منه المقصود أعني توجه
النهي إلى العبادة بقصد الامر الجعلي البنائي وهو معنى الحرمة
التشريعية فليس لنا نهى لا يجري فيه ذلك ليحتاج إلى إبطاله بلزوم
اجتماع المثلين من توجهه (وثانيا) إثبات ان حرمة العبادات تشريعية
لا غير لا يكاد يجدى المستشكل فان
الحرمة التشريعية عبارة عن حرمة العمل بعنوان الافتراء على الشارع و
النهي عن العمل سوأ كان بالعنوان الأولى أم بالعنوان الثانوي
يخرج العمل عن صلاحية التقرب به (نعم) النهي الارشادي الذي
أرشد به إلى عدم الامر لا يقتضى المغبوضية ولا يخرج الفعل عن
صلاحية التقرب بقصد الملاك فلا ينافي وقوع المنهي عنه صحيحا
على مذاق من يكتفى في صحة العبادات بقصد الملاك كالمصنف
(قده)
وكأنه اشتبه هذا النهي بالنهي التشريعي مع وضوح الفرق بينهما
قوله فإنه يقال لا ضير:
كأن المصنف (قده) توهم ان منشأ بطلان الشق الأول من الشقوق
الثلاثة في المنفصلة في نظر المستشكل هو لزوم الخلف وعدم كون
النهي عن ذات العمل الخالي عن قصد التقرب نهيا عن العبادة فأجاب
بما فسر به سابقا
251

الواقعة في العنوان لكن الظاهر أن مقصود المستشكل هو ان النواهي
المتعلقة بالعبادة في الخارج ليست متعلقة بذات العمل ولذا لا
تتصف بالحرمة لو أتى بها بغير داعي التقرب كتعليم الغير لا انه يلزم
محذور من تعلقها بها ليتجه جواب المصنف (قده) وهذا في الجملة
مما لا إشكال فيه نعم في صلاة الحائض محل إشكال
قوله مع أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة:
هذا جواب عن القياس الحملي وحاصله عدم لزوم اجتماع المثلين
لاختلاف متعلق الحكمين فان أحدهما متعلق بفعل القلب والاخر
بفعل
الجوارح (وفيه) ان المستشكل أبطل تعلق النهي بفعل الجوارح أعني
ذات العمل في القياس الأول وأجاب المصنف (قده) عنه في الجواب
الأول وقد أجبنا نحن عن جوابه فلا وجه لا عادته (ثم) الظاهر أن
المراد من توجه النهي إلى فعل القلب توجهه إليه بشرط الجري على
طبقه في الخارج كما في التجري لا مع عدم الجري
قوله فإنه لا أقل من دلالة على انها:
هذا الجواب انما يتم على مذاق من يعتبر في صحة العبادة قصد الامر
واما على مذاق المصنف (قده) المكتفي بقصد الملاك فلا يجدى
فإنه
وان فرض عدم الامر ولكن يكفي ملاك الامر في الصحة والمفروض
عدم اقتضاء النهي للمبغوضية ليخرج العمل به عن صلاحية التقرب
فيفسد (نعم) بناء على ما بيناه سابقا من عدم الفرق بين النهي الذاتي و
التشريعي في إفادة المبغوضية وإخراج العمل عن صلاحية
التقرب لا يجدى المستشكل الفرار من النهي الذاتي إلى النهي
التشريعي
قوله فيخصص به أو يقيد:
هذا قيد للمنفي في قوله لا يكون مقتضيا للفساد: والمراد تخصيص
عموم الامر بتلك العبادة أو تقييد إطلاقه أي ان هذا النهي العرضي
المجازي لا يكون مقتضيا للفساد ليخصص به عموم الامر المتوجه إلى
تلك العبادة أو يقيد به إطلاقه فالامر بالعبادة باق معه (وفيه) ان
نفس الامر بالضد كاف في تخصيص الامر بالعبادة التي هي ضده
لاستحالة الامر بالضدين فلا يتوقف تخصيصه أو تقييده على القول
باقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده ويحتمل ان يكون المراد من
العبارة تخصيص عنوان البحث في اقتضاء النهي للفساد بهذا النهي
العرضي لكنه بعيد فإنه في الحقيقة من التخصص دون التخصيص
لعدم تعلق النهي به حقيقة بل ينسب إليه في اللفظ مجازا
قوله كانت الحرمة متعلقه بنفس المعاملة:
الأقسام المتصورة لتعلق النهي أربعة تعلقه بذات السبب أعني ألفاظ
الايجاب والقبول كالنهي
252

عن البيع وقت النداء والنهي عن التكلم فتكلم بلفظ الايجاب وتعلقه
بالمسبب كالنهي عن تمليك الكافر المصحف والمسلم وتعلقه
بالتسبب بذات السبب إلى المسبب كالنهي عن تمليك الجنس
بالجنس في المكيل والموزون متفاضلا بسبب البيع فان السبب بنفسه
غير
منهي عنه ولا المسبب بغير طريق البيع كالصلح ونحوه فينحصر ان
يكون المحرم تحصيل المسبب من هذا السبب الخاص ورابع
الأقسام الذي تركه المصنف (قده) تعلقه بعناوين المعاملات المنتزعة
لذوات الأسباب من فعلية المسببات كعنوان البيع والإجارة و
الصلح والهبة إلى غير ذلك فان بعت وقبلت الذي هو ذات السبب لا
يكون بيعا الا إذا ترتب عليه أثر النقل والانتقال وبلحاظه يلحقه
عنوان البيعية وهكذا سائر عناوين المعاملات
قوله في بيع أو بيع شئ:
يريد التعميم باعتبار قسمي النهي ما كان منه متعلقا بعنوان خاص و
قسم مخصوص من البيع كالنهي عن بيع المنابذة والملامسة وما
كان منه متعلقا به باعتبار متعلقه من المبيع والثمن كبيع الخمر و
الخنزير وبيع المجهول
قوله فالمعلول هو ملاحظة القرائن،
هذا ينافي قوله نعم لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في
الارشاد إلى فسادها: فكيف يجعله متفرعا عليه إذ مع الظهور لا حاجة
إلى
القرينة ليكون عند عدم القرينة محكوما بالتحريم فقط الا ان يكون
مراده الاحتياج إلى القرينة في المعاملات بالمعنى الأعم لكن ينافيه
ذيل العبارة والتمسك لاستتباع الفساد شرعا باخبار نكاح العبد، و
يمكن ان يوجه الحكم بالفساد في موارد النهي بعدم الدليل على
الصحة فان عمومات نفوذ المعاملات مثل أوفوا وأحل ظاهرها الحل
وضعا وتكليفا على سبيل المجموع دون الاستغراق فإذا بطل الحل
التكليفي بدليل النهي وخصصت أدلة الحل بذلك لم يبق ما يقتضى
الحل الوضعي فيرجع إلى الأصل وهو يقتضى الفساد
قوله حيث دل بظاهره على أن النكاح:
لكن مقتضاه التفصيل في اقتضاء النهي للفساد بين النهي المتوجه إلى
المعاملة ابتدأ والنهي المتوجه إليها بواسطة نهى المولى أو عدم
اذنه فان النهي من الشارع موجود في هذه الصورة أيضا ومع ذلك
حكم عليه السلام بعدم الفساد
قوله ولا يخفى ان الظاهر أن يكون المراد:
غاية ما يمكن ان يقال هو ان المراد من المعصية في الرواية هو مطلق
التخطي عن قانون الشرع والتجاوز عن مجعولاته
253

التكليفية والوضعية فتكون الرواية دليلا أيضا على المطلوب لشمولها
للمعصية المصطلحة ولا وجه لتوهم إرادة خصوص المعصية
الوضعية أعني التعدي عن قانون الوضع والاتيان بسبب لم يجعله
الشارع سببا كي لا تدل على المقصود
قوله وما كان منها عبادة لاعتبار قصد:
لا محيص عن قول أبي حنيفة لو كان المراد من النهي عن العبادة النهي
عن العبادة الفعلية المقصود بها امتثال الامر الواقعي الفعلي لكن لا
يمكن ان يكون المراد به دلت لاستحالة النهي عن العبادة كذلك فإنه
مستلزم لاجتماع الأمر والنهي بعنوان واحد فلا محيص من أن
يكون المراد به النهي عن العبادة الشأنية ومن المعلوم ان النهي عن
العبادة الشأنية لا يقتضى الصحة الفعلية (نعم) بناء على ذلك يلزم
حرمة ذات العمل العبادي في موارد النهي ولا يظن التزامهم بها مطردا
في موارد النهي الا ان يضموا إلى ذلك قصد القربة تشريعا
فيكون المحرم العمل المقصود به التقرب تشريعا لا ذات العمل بأي
داع كان ويمكن ان يريد أبو حنيفة من اقتضاء النهي للصحة اقتضائه
للصحة ولو بقصد ملاك الامر لا بقصد الامر نفسه كي يلزم اجتماع
الأمر والنهي فيكون النهي لاعتبار القدرة في متعلقه ولا قدرة على
العبادة بقصد الامر كاشفا عن ملاك الطلب نحو كشف الامر عن ملاكه
فيصح بقصد الملاك ومبغوضيته جهة لا تخرج الفعل عن صلاحية
التقرب بجهة أخرى كما ذكرنا.
المقصد الثالث في المفاهيم
قوله عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري:
هذا بحسب الاصطلاح واما بحسب اللغة فكل لفظ منطوق وكل
معنى مفهوم (ثم) ان التعريف منقوض بتمام المداليل الالتزامية
لصدقه
عليها مع أنها ليست من المفهوم اصطلاحا ويمكن إخراجها بتقييده
بما تستتبعه الخصوصية المستفادة من هيئة الجملة دون المستفادة
من موادها موضوعها أو محمولها ففي مثل ان جاءك زيد فأكرمه
الخصوصية المستتبعة ليست مأخوذة في مدلول جاءك ولا في
مدلول
أكرمه بل في مدلول الهيئة الشرطية وكذا في مثل لا تقل لهما أف
ليست الخصوصية في مدلول لا تقل ولا في مدلول أف ولذا لا يستفاد
من كل منهما في تركيب آخر ذلك المفهوم بل في مدلول المركب بما
هو مركب فالمفاهيم قسم خاص من المداليل
254

الالتزامية اصطلح على إطلاق هذا اللفظ عليها
قوله انما هو حكم غير مذكور:
يعنى انه غير مذكور بلا واسطة والا فهو مذكور بذكر تلك الخصوصية
المستتبعة له
قوله إنه من صفة المدلول أو الدلالة:
اتصاف الدلالة بالمفهومية والمنطوقية مما لم أتصوره فان الكشف و
الحكاية يتصف بالقوة والضعف والصراحة والظهور واما
اتصافه بما عدى ذلك فلا بد من أن يكون بحال المتعلق وطرفي
الدلالة اما الدال أو المدلول (ثم) ان كونهما من صفات المدلول فيكون
المعنى المستفاد من اللفظ بلا واسطة وهو المعنى المشتمل على
الخصوصية المستتبعة منطوقا والمعنى المستفاد منه بواسطة تلك
الخصوصية وبالانتقال منها إليه مفهوما يوجب الارتجال وعدم رعاية
مناسبة المعنى اللغوي في الاصطلاح وهو خلاف الظاهر
(فالأولى) ان يقال انهما من صفات الدال وتوصيف المدلول بهما
مجاز بحال المتعلق فاللفظ الدال على المعنى المشتمل على
الخصوصية
المستتبعة منطوق فإنه من مصاديق المنطوق لغة أيضا إذ قد عرفت ان
كل لفظ منطوق لغة ومعنى هذا اللفظ وهو المعنى المستتبع
الموجب لانتقال الذهن إلى معنى آخر مفهوم وتوصيف المعنى الاخر
بالمفهوم كتوصيف هذا بالمنطوق توصيف بحال المتعلق و
باعتبار أن دالهما والحاكي عنهما مفهوم ومنطوق فيطلق على ما داله
منطوق لفظ المنطوق وعلى ما داله مفهوم لفظ المفهوم فيتوهم
من ذلك انهما من صفات المدلول
قوله نحو ترتب المعلول على علته
نعم تلك الخصوصية هي ترتب الجز على الشرط نحو ترتب المعلول
على علته التامة المنحصرة لا عينها كما تقتضيها التصريحات
الأخيرة حيث أناط الدلالة على المفهوم بأمور أربعة الدلالة على اللزوم
ثم كون اللزوم على سبيل ترتب التالي على المقدم دون العكس و
دون ترتبهما على ثالث ثم كون ذلك الترتب ترتب المعلول على علته
التامة لا على جز علته ثم انحصار العلة فبإنكار كل من الدلالات
الأربع ينسد باب المفهوم وأنت خبير بأنه يمكن إنكار مجموع تلك
الدلالات مع دعوى الدلالة على المفهوم كما هو الظاهر أيضا وان
الشرطية لا دلالة لها على اللزوم بين طرفيها لزوما عقليا ولعلاقة فضلا
عن كون اللزوم المذكور على سبيل الترتب إلى آخر القيود
المذكورة ومع ذلك يستفاد منها المفهوم لخصوصية أخذت في
مدلولها وهي خصوصية الحصر وعدم وجود التالي الا عند وجود
المقدم المستفادة من سائر أدوات الحصر أيضا ومن المعلوم ان
255

الحصر لا يكون الا بعقدين إيجابي وسلبي وقد دل المنطوق على
أحد العقدين بالمطابقة فيكون العقد الاخر مستفادا منه بالالتزام و
لأجل الخصوصية الحصرية المستفادة من المنطوق (وبالجملة) من
الواضح الذي لا ينبغي التشكيك فيه عدم دلالة الشرطية على
الارتباطات العقلية ولا سيما كون المقدم علة والتالي معلولا فإنه كثيرا
ما يكون الامر بالعكس ويكون المقدم معلولا والتالي علة أو
يكون كلاهما معلولا لثالث ومع ذلك دلالتها على المفهوم من الأمور
النظرية المبحوث عنها بل الاظهر دلالتها عليه فيعلم من ذلك ان
الخصوصية المستتبعة ليس تلك الخصوصية العقلية التي ذكرها
المصنف (قده) بل الخصوصية التي ذكرناها وهي الحصر الذي هو
مدلول
الاستثناء ومدلول لفظ انما وسائر أدوات الحصر فالبحث واقع في أن
التعليق على الشرط بأداة الشرط من جملة ما يقيد الحصر أولا ولا
أظن سراية هذا النزاع إلى التعليق بمثل لفظ معلق أو موقوف أو
مشروط بل الظاهر وضوح دلالته على المفهوم ومن ذلك يظهر وجه
النظر في جملة مما ذكره المصنف (قده)
قوله أو على نحو الترتب على العلة:
يعنى العلة التامة فان الترتب أعم من أن يكون بترتب المعلول على
العلة التامة أو على ترتبه على العلة الناقصة لكن يتجه عليه عدم
مدخلية
الدلالة على الترتب على العلة التامة في المطلوب بل تكفي الدلالة
على العلة المنحصرة في إفادة الانتفاء عند الانتفاء سوأ كانت تامة أم
ناقصة فان النقص لا أثر له في ذلك (نعم) يؤثر في جانب الثبوت عند
الثبوت والمفروض ان الثبوت عند الثبوت لا إشكال فيه فإنه أفيد
بمنطوق القضية وليس وجه ذلك إلا ملازمة هذا الجز من العلة
المجعول شرطا لسائر اجزائها في الوجود
قوله ودعوى كونها اتفاقية في غاية:
بل هذا هو المتعين فان الدلالة على اللزوم العلاقة فضلا عن باقي
الخصوصيات التي ذكرها ليس من شأن التعليق (نعم) إنكار دلالته على
اللزوم لعلاقة فضلا عن باقي الخصوصيات التي ذكرنا ليس من شأن
التعليق (نعم) إنكار دلالته على اللزوم الاتفاقي نحو ما بين المعلول
وعلته المنحصرة من اللزوم العقلي في غاية السقوط فإنكار دلالة
الشرطية على المفهوم في غاية السقوط والاخذ بالمفهوم في مقام
المخاصمات والاحتجاجات واضح لا يخفى على من راجع
المحاورات العرفية فان أهل العرف يأخذون بالمفهوم فيما هو أدنى
من ذلك
فضلا عن ذلك
قوله فان الانحصار لا يوجب ان يكون:
بل يوجبه فان العلة في
256

فرض الانحصار لا تنفك عن التأثير بخلافها في صورة عدم الانحصار
فإنه إذا سبقتها شريكتها أثرت تلك وخلت هذه عن الأثر وهذا
من ضعف الربط (وأيضا) الربط في صورة الانحصار بين العلة بعنوانها
الخاص ومعلولها بخلاف صورة عدم الانحصار فإنه بين جهة من
جهات العلة وهي الجهة الجامعة المشتركة بينها وبين شريكتها وبين
المعلول
قوله إن قلت نعم ولكنه قضية:
هذا التقريب من الاطلاق مبنى على الاعتراف بدلالة الشرطية على
اللزوم كما أن تالييه مبنيان على الاعتراف بدلالتها على الترتب على
العلة التامة فيتمسك ح بالاطلاق على إثبات الانحصار فليس شئ من
التقارير الثلاثة متوجها على منكر الدلالة على اللزوم بالمرة
قوله كما يظهر وجهه بالتأمل:
بل وجهه ظاهر من غير تأمل فان اللحاظ في مداليل الحروف آلي
سوأ كان مداليلها جزئية باعتبار أخذ اللحاظ فيها أم كلية كما هو
مختار المصنف (قده) نظرا إلى خروج اللحاظ عنها وكونه من شرائط
الاستعمال والتقييد لا يمكن الا مع التوجه واللحاظ الاستقلالي
للمقيد فإنه ضرب من الحكم وهو لا يعقل من دون التوجه والالتفات
إلى متعلقه توجها استقلاليا فإذا لم يمكن التقييد لم يمكن الاطلاق
لكن المصنف (قده) تمسك بالاطلاق في مداليلها في مبحث الواجب
المشروط ومبحث الواجب النفسي والغيري وبالغ في الانكار على
من منع عنه وقد أوردنا عليه هناك بما ذكرناه هنا فان ما هنا هو
الصواب دون ما هناك
قوله فان النفسي هو الواجب على:
لا يخفى ان المصنف (قده) لا يلتزم باعتبار السعة والارسال فيما
يقتضيه مقدمات الحكمة كما توهمه هذه العبارة بل ربما يعين بها أمرا
خاصا كتعيين الواجب التعييني عند الدوران بينه وبين التخييري
فراجع مبحث المطلق والمقيد تجد تصريحه بذلك والضابط عنده
هو
كل ما يكون عدم بيان الجانب المخالف فيه بيانا له عند أهل
المحاورات من غير حاجة إلى التصريح به فإنه لدى عدم البيان في
مقام
البيان يتعين حمل اللفظ عليه وإن كان في شمول هذا الضابط لغير
المعنى الأول نظر فإنه لا يتعين لحمل اللفظ الا الاطلاق والشيوع و
السريان ولا يحتاج إلى البيان الا التقييد وليس أحد الخاصين أولى
بالحاجة إلى البيان من الخاص الاخر عند دوران الامر بينهما
قوله الا انه من المعلوم ندرة:
لعل الوجه في ذلك هو ندرة تعرض الشرطية لبيان تأثير المقدم في
التالي الذي عليه بناء التمسك بهذا الاطلاق وقد أنكر المصنف (قده)
دلالتها على ذلك سابقا والا فعلى
257

التعرض والدلالة لم افهم وجه الندرة فضلا عن عدم الاتفاق فإنه على
فرض دلالة الشرطية على تأثير المقدم في التالي يكون المتكلم بها
كثيرا ما في مقام بيان عموم التأثير وخصوصه لا في مقام الاهمال و
حيث لم يبين يحكم بعموم التأثير بل كلما شك في كونه في مقام
البيان يحكم بكونه في مقام البيان كما يأتي انه الأصل عند الشك
قوله واما توهم انه قضية إطلاق:
الفرق بين هذا الاطلاق وسابقه بعد اشتراكهما في الابتناء على
استفادة العلية التامة من الشرطية ان هذا ناظر إلى ذات الشرط وكيفية
شرطيته ففي تعيين الكيفية يتمسك بالاطلاق وذاك ناظر إلى مقام
تأثير المقدم في التالي وإثبات عموم تأثيره في مقابل خصوصه و
في هذا المقام اللازم للمقام الأول المترتب عليه يتمسك بالاطلاق إذ
مع انحصار العلة يكون التأثير عاما ومع تعددها يكون خاصا
قوله والجواب انه (قده) إن كان بصدد:
كان المصنف (قده) لم ينظر إلى المقدمة الأولى من كلام السيد (قده)
وهو قوله إن تأثير الشرط انما هو تعليق الحكم به: والا لما أجاب
بهذا الجواب فان مقصوده من تلك العبارة ان جنس الشرط كاف في
صوغ القضية الشرطية وتعليق الحكم به بجعل الشرط مقدما و
المشروط تاليا بلا تمحل وعناية ولازم ذلك عدم تجاوز مفاد التعليق
في العبارة عن جنس الشرط من دون دلالة على خصوصية
الانحصار ثم بين في المقدمة الثانية جواز تعدد الشرط مع وحدة
الجزاء بذكر بعض الموارد التي اتفق فيها ذلك، دفعا لتوهم لزوم
انحصار الشرط لقاعدة ان الواحد لا تصدر الا من الواحد فاستدلال
السيد (قده) في كمال المتانة وقد تجاوز عن المصنف (قده) بمرحلة
أو مرحلتين فان المصنف لم يزد على الاعتراف بالدلالة على اللزوم
بشي والسيد (قده) اعترف بالدلالة على اللزوم على سبيل الترتب
بل وعلى العلة التامة وأنكر خصوص الدلالة على العلة المنحصرة
قوله كما في الآية وغيرها:
لا تبعد دعوى الدلالة على المفهوم في الآية ونحوها مما علق فيه
الجزاء على موضوعه ويكون المفهوم انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه
قوله ومن هنا انقدح انه ليس من المفهوم:
لا يخفى ما في العبارة من المسامحة ومقصوده ان الحكم بالانتفاء عند
الانتفاء وعدم ترتيب أثر الوقف والوصية والنذر عند انتفاء قيد
من قيود ما أخذ موضوعا في صيغها ليس لأجل اشتمال الوقف أو
الوصية أو النذر على المفهوم ليتخيل ان الدلالة على المفهوم في تلك
الموارد مما لا إشكال
258

فيه فان وجود المفهوم وعدمه سيان في عدم ترتيب تلك الآثار (نعم)
اشتمالها على المفهوم يؤثر في مورد آخر، مثل ما لو أوصى
بدرهم من ماله لزيد ان زار قبره ثم أوصى بإعطاء درهم من ماله على
تقدير عدم الزيارة فيظهر أثر الاشتمال على المفهوم في هذا
المقام فان ظهوره يعارض ظهور هذا الكلام على تقدير القول بالمفهوم
فلا بد من ملاحظة ما هو الاظهر منهما والاخذ به ولا معارضة
على التقدير الاخر من جهة عدم ظهور هذا الكلام في الانتفاء عند
الانتفاء
قوله إشكال ودفع:
اعلم أن التعليق لا يكون الا بعقد ثبوتي وآخر سلبي كوجوب الاكرام
عند المجئ وعدمه عند عدمه وكوجود الضوء عند طلوع الشمس
وعدمه عند عدمه، وعليه فلا يعقل التعليق الا في المفاهيم الكلية
القابلة لورود الايجاب والسلب عليها، اما الموجودات الخارجية فلا
سلب
فيها كي يتطرق إليها التعليق، فكل شئ تشخص ووجد وتحقق فقد
تنجز والتنجيز ضد التعليق وعليه فكل انشاء غير قابل للتعليق فان
العناوين الانشائية هي العناوين التي تتنجز وتتحقق بمجرد ذكر ألفاظها
مستعملة في معانيها ومن ذلك عنوان الاخبار فإنه عنوان
إنشائي يتحقق بمجرد قول زيد قائم في مقام الحكاية ومع التنجز كيف
يصح التعليق فإذا قيل كلما قدم العالم قام زيد لم يكن المعلق
عنوان الاخبار فان الاخبار حصل فعلا وتنجز قدم العالم أو لم يقدم و
كذلك إذا قيل أكرم زيدا ان جاءك ليس المعلق انشاء البعث فإنه
يحصل فعلا بمجرد قول أكرم وهكذا إذا قيل ليتني مت إذا كان كذا
ليس المعلق انشاء التمني إذ هو حاصل بمجرد قول ليت وكذا في
مثل الحمد لله عند كل نعمة، انشاء الحمد حاصل في الحال وهذا
واضح لا ينبغي التأمل فيه، انما الاشكال فيما يرجع إليه التعليق في
الجمل
الاخبارية والانشائية وان هناك مفهوما كليا يمكن إرجاع التعليق إليه
وراء عنوان الاخبار وباقي العناوين الانشائية أوليس وراء ذلك شئ
الا في الجمل الاخبارية وقد ذهب المصنف (قده) إلى الأول خلافا
لشيخه (قده) وهما متفقان في رجوع التعليق في الجمل الاخبارية إلى
المخبر به وهو قيام زيد بتقريب ان القيام تارة يخبر عنه على
إطلاقه وأخرى يقيد أو يعلق فيخبر عن المقيد أو المعلق ومختلفان
في الجمل الانشائية ويبتنى هذا الاختلاف على اختلاف في المبنى و
هو ان مداليل الهيئات جزئية أو كلية وحيث إن مختار المصنف (قده)
هو الكلية اختار عود التعليق في الجمل الانشائية
259

إلى المنشأ كما في الجمل الاخبارية خلافا لشيخه (قده) الذاهب إلى
جزئية مداليلها فالوجوب الكلي الذي هو مدلول أكرم قابل لان ينشأ
على كليته كما أنه قابل لان يقيد ويعلق على أمر خاص بحيث لا يكون
قبله وجوب ثم ينشأ (وفيه) ان إشكال مسألة التعليق في الانشاءات
بمعزل عن هذا المبنى فإنه لا يرتفع بالالتزام بكلية مداليل الحروف و
الهيئات ولذا لو تحقق الانشاء بنحو التعليق على الأسماء أو
الافعال كلفظ واجب أو يجب كان الاشكال باقيا على حاله، مع أنه لا
إشكال في كلية مداليلها فالاشكال آت من ناحية الانشاء لا من جهة
جزئية مداليل الهيئات ليرتفع بالالتزام بكليتها، وحاصل الاشكال هو
ان نفس الانشاء في الجمل الانشائية المعلقة منجز البتة لا تعليق فيه
والا لم يكن الانشاء متحققا فعلا بل سيتحقق عند حصول المعلق
عليه والمفروض خلافه كما أن نفس الاخبار في الجمل الخبرية
المعلقة
كذلك فلا يعقل رجوع التعليق إليهما واما ما ورآهما فليس في
الانشاء شئ يعقل رجوع التعليق إليه إذ اللفظ الحاصل به الانشاء وإن كان
موضوعا لمعنى كلي كلفظ يجب أو واجب لكن لم يقصد منه لدى
الانشاء معناه الكلي بل أتى به بداعي التحريك وإفادة قيام إرادة
جزئية بنفس المتكلم ولولاه لم يكن الانشاء انشاء حقيقيا وهذه
الإرادة الجزئية غير قابلة للتعليق إذ قد عرفت ان التعليق لا يتطرق
إلى الاشخاص والجزئيات الحقيقية وانما مورده المفاهيم الكلية
المتصور فيها السلب والايجاب بحسب حالين ليتحصل عنوان
التعليق
بعقد سلبي وآخر إيجابي (وبالجملة) قد أطلق لفظ يجب حين كونه
في مقام الانشاء وأريد منه شخص من إرادة إيجابية قائمة بنفس
المتكلم فعلا ولو من باب (وجاء رجل من أقصى المدينة) وهذا
الشخص كنفس الانشاء غير قابل للتعليق (نعم) الاخبار عن تحقق
الوجوب عند حصول الشئ الخاص بمكان من الامكان فيقيد مفهوم
الوجوب الكلي بكونه عند تحقق ذاك الشئ ويخبر عن تحققه، واما
الوجوب والإرادة الحاصلة حين حصول المعلق عليه فلا يمكن ان
ينشأ حالا على طبقه بل يكون انشاء الوجوب حالا مع عدم إرادة
حالية
انشاء صوريا خاليا عن الجد وانما يكون عن جد إذا كان على طبقه
حالا إرادة شخصية قائمة بالنفس (ان قيل) فالتعليق في الجمل
الانشائية إلى أي مقام يتوجه بعد إبطال توجهه إلى العنوان الانشائي و
أبطل توجهه إلى مطابق ذلك من الواقع مع ضرورة صحة التعليق
فيها (قلنا) لا محيص
260

من توجيهه إلى المادة والفعل المتعلق للطلب كالاكرام في قولك أكرم
زيدا ان جاءك فيلاحظ الاكرام إكراما خاصا حاصلا في ظرف
المجئ ثم يوجه إليه الطلب حالا كما تقدم التزامه من شيخ مشايخنا
(قده) في الواجبات المشروطة (ان قيل) فما هذا النزاع في ثبوت
المفهوم للقضايا الشرطية مع أن شأنها ليس إلا كشأن سائر القيود التي
تقيد بها الموضوع (قلنا) لا مانع من أن يكون التقييد بعنوان
التعليق له خصوصية من بين سائر التقييدات يفيد المفهوم بإفادته
للحصر ولا تفيده سائر التقييدات وقد ساعد على ذلك الفهم العرفي
فيلتزم به كما سيجئ (وقد ظهر مما ذكرنا) فساد تحرير الاشكال نحو
ما ذكره المصنف (قده) فإنه أخذ عود التعليق في القضايا
الشرطية إلى الشخص مفروغا عنه فأشكل بان تعليق شخص الحكم لا
يفيد انتفاء سنخ الحكم في جانب المفهوم وانتفاء شخص الحكم
أيضا ليس من المفهوم وقد عرفت وضوح بطلان تعليق الشخص فإن كان
هناك شئ يتصور فيه التعليق فذلك هو المفاهيم الكلية فلا بد
أذن من تعيين ذلك المفهوم الكلي الذي يعود إليه التعليق في القضايا
الشرطية وقد اتضح انه المخبر عنه في القضايا الخبرية ومتعلق
الحكم في القضايا الانشائية
قوله وعلى الثاني بان ارتفاع مطلق الوجوب:
فيه (أولا) ان هذا مناقض لما هو مذاقه من رجوع القيد في القضايا
الشرطية إلى المادة وامتناع عوده إلى الهيئة ثبوتا وإثباتا فان العلية
التي أفادها هي بين الشرط والحكم الشخصي وذلك صريح في أن
الشرط شرط للهيئة أعني الحكم الشخصي الذي أفاده (وثانيا) ان
العلية المستفادة من التعليق لا يتجاوز مقتضاها عن مقتضى التعليق
فإذا كان التعليق لا يقتضى الا انتفاء شخص الحكم بانتفاء المعلق عليه
فكذلك العلية لا تقتضي الا انتفاء شخص الحكم (والسر في ذلك) ان
العلية المستفادة انما تكون بين المعلق والمعلق عليه فيكون المعلق
عليه علة والمعلق وهو شخص الحكم معلولا ومن المعلوم ان قضية
هذه العلية هو انتفاء شخص الحكم المعلول بانتفاء علته لا انتفاء شئ
آخر وهو هاهنا سنخ الحكم بانتفاء العلة، واما التعدي في سائر موارد
التعليلات والحكم بدوران سنخ الحكم مدار العلة وجودا وعدما
فالوجه فيه هو رجوع التعليل فيها إلى سنخ الحكم والا فمع رجوعه
إلى شخصه يتوجه إشكال المقام
قوله وذلك لما عرفت من أن الخصوصيات:
هذا تعليل لقوله وبذلك قد
261

انقدح فساد ما يظهر من التقريرات
قوله الأمر الثاني إذا تعدد الشرط:
يختص هذا البحث بالقائلين بالتداخل في المسألة الآتية، واما القائلين
بعدم التداخل وتكرر الجزاء عند كل شرط ففي راحة من ذلك لان
ظهور القضيتين في العلية المنحصرة وإفادتهما للمفهوم محفوظ على
ذلك بلا معارضة وتناف بين مدلوليهما فعند انتفاء كل شرط
ينتفي جزأ ذلك الشرط (نعم) فيما إذا كان الجزاء مما لا يعقل فيه
التعدد أو قام الدليل على عدم تعدده شرعا يتوجه إشكال المعارضة
حتى على ذلك المذهب فان القول بالتداخل في مثل ذلك لا يختص
بشخص دون شخص
قوله ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني:
بل العرف يساعد على الوجه الأول وهو مطابق للقانون الكلي الذي
يعمل به العرف في سائر موارد المعارضة مما هو نظير المقام فان
المتعرضين ان كانا المفهوم من إحدى الشرطيتين والمنطوق من
الأخرى وكانت النسبة بينهما هو الاطلاق والتقييد كان مقتضى
القاعدة الجمع بينهما بتقييد المفهوم بالمنطوق لا رفع اليد عن
المفهوم رأسا ولا تقييد المنطوقين كل منهما بالآخر، اما الأخير
فواضح
فإنه لو لم تكن معارضة بين المنطوقين لم يكن لنا حق تقييد هما و
بعبارة أخرى إذا كانت المعارضة في دلالة الشرطيتين على العلية
المنحصرة لا في دلالتيهما على العلية التامة فلا وجه لرفع اليد عن
دلالتيهما على العلية التامة والحكم بان كلا منهما جز العلة فان
التصرف فيما لا معارضة فيه خلاف قانون المعارضة وان ارتفعت بأنه
المعارضة، واما الأول فكأنه ناشئ من ما تقدم من أن دلالة
الشرطية على المفهوم ناشئة من دلالتها على خصوصية مستتبعة
للمفهوم وهذه الخصوصية خصوصية بسيطة فإن كانت مأخوذة في
المنطوق استتبعت المفهوم تاما والا لم يكن مفهوم أصلا فالتبعيض
بتقييد المفهوم وأخذه في الجملة مما لا يعقل فتكون المعارضة في
الحقيقة بين كل من المنطوقين في دلالته على الثبوت عند الثبوت و
بين المنطوق
الاخر على تلك الخصوصية والنسبة التباين، وحيث إن دلالة
المنطوقين على الثبوت عند الثبوت أقوى من دلالتهما على تلك
الخصوصية
يؤخذ بدلالتهما على ذلك وتترك دلالتهما على تلك الخصوصية
فتنتفى الدلالة على المفهوم رأسا، هذا أقصى ما يخطر بالبال في
تقريب
هذا الوجه وهو باطل فان الدلالة على تلك الخصوصية البسيطة
المستتبعة للجزاء مما لا يرفع اليد عنها على تقدير تقييد إطلاق
المفهوم و
لا تتبعض ليقال انها غير قابلة للتبعيض بل هي
262

باقية ومرادة من اللفظ بالإرادة الاستعمالية غاية الأمر بدليل أقوى
يحكم بعدم إرادة تمام ما هو مقتضاها بالإرادة الجدية كما هو مذاق
المصنف (قده) في غير مقام فان العام المخصص ولو بمنفصل ليس
مجازا عنده ومستعملا في الباقي ليكون مجازا وانما المخصص
قرينة على عدم تعلق الإرادة الجدية ببعض الافراد مع عدم خروجه
عن المستعمل فيه وما نحن فيه كذلك فان الدلالة على الخصوصية
المستتبعة باقية وهي مرادة من اللفظ وبإرادتها تتحقق الدلالة على
المفهوم نعم منطوق الاخر لأظهريته قرينة على عدم تعلق الإرادة
الجدية بإطلاق المفهوم كما قد تقتضي القرينة عدم إرادته رأسا مع بقاء
الدلالة على المفهوم والاستعمال فيه، واما الوجه الرابع الذي
ذكره المصنف (قده) فهو للاعراض عنه أحرى فإنه ليس في عرض
سائر الوجوه بل هو جمع لا بد منه عند اختيار أحد الجمعين الأولين
بناء على قاعدة ان الواحد لا يصدر الا من الواحد فيجمع بين هذا
الجمع وبين أحد الجمعين الأولين (اللهم الا ان يقال) ان هذا الجمع
جمع
عرفي مستقل في عرض الجمعين الأولين مع قطع النظر عن قاعدة ان
الواحد لا يصدر الا من الواحد والالتزام بجواز صدور الواحد من
المتعدد بما هو متعدد لكن ذيل عبارة المصنف (قده) وهو قوله فلا بد
من المصير إلى أن الشرط إلخ صريح فيما ذكرناه أولا فيتجه عليه
الاشكال في جعله
وجها رابعا في عرض بقية الوجوه
قوله واما رفع اليد عن المفهوم:
قد ضرب على هذه العبارة في بعض النسخ ولنعم ما صنع فان هذا لا
يكون علاجا للمعارضة ليرتكب مع أظهرية إحداهما في المفهوم
فان معارضة منطوق ما ترفع اليد عن مفهومه مع مفهوم الأخرى تكون
باقية على حالها غير مرتفعة برفع اليد عن مفهوم إحداهما الا ان
ترفع اليد عن إحداهما منطوقا ومفهوما وتطرح بالمرة لكنه لا وجه له
أصلا.
قوله الأمر الثالث إذا تعدد الشرط واتحد:
تقدم في مبحث الأوامر البحث عن ورود الامر بشي عقيب الامر به
قبل امتثاله وان ذلك يقتضى الاتيان بالفعل مكررا عملا بظهور
الهيئة في التأسيس أو يكتفى بالاتيان به مرة أخذا بوحدة المتعلق و
هذه المسألة من جزئيات تلك المسألة وقد أفردت بالبحث لان
ظهور الهيئة يتقوى بظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند
حدوث كل شرط فيغلب بذلك على ظهور المتعلق في وحدة الطبيعة
و
لذا اختار المصنف (قده) هناك التأكيد وتقديم ظهور المتعلق ما لم
263

سبب أو ذكر سبب واحد احترازا عن مثل المقام المذكور فيه سببان
قوله وعن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده:
أي بحسب ظاهر عنوان الدليل والا فالمتعدد بحسبه أيضا راجع إلى
الواحد عرفا في الجمع الرابع من الوجوه الأربعة المتقدمة للجمع و
عقلا مطلقا بناء على أن الواحد لا يصدر الا من الواحد
قوله فلا بد على القول بالتداخل من التصرف فيه:
قانون الجمع على تقدير اقتضائه التصرف في أحد الدليلين معينا أو لا
بعينه يقتضيه من غير ترقب تأخر مصداقه الخارجي ولا سيما ان
المتأخر وجودا في حق أحد ربما يكون هو المتقدم وجودا في حق
آخر بل في حق نفس هذا الشخص في وقت آخر فأي الشرطيتين
تحمل
على مجرد الثبوت عند الثبوت وهل تتبادل الأدلة في ذلك فيحمل
تارة هذا وأخرى ذاك (وبالجملة) هذا الجمع جزاف محض خارج
عن
قانون الجمع العرفي، واما رفع اليد عن ظهور الجملتين جميعا في
الحدوث عند الحدوث في كل ما إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء فهو
مما لا يساعد عليه دليل ولا تقتضيه قرينة ولا يحكم به العرف
قوله أو الالتزام بكون متعلق الجزاء:
هذا الالتزام على القول ببطلان اجتماع الأمر والنهي ليس التزاما
مستقلا غير الالتزام الثالث أعني به حدوث التأكد بالشرط الثاني الا إذا
فرض لكل من الحقائق المتعددة مادة افتراق فيحدث تكليف مستقل
عند حدوث كل شرط لكن بالنسبة إلى مادة الافتراق وان لم يحدث
بالشرط الثاني بالنسبة إلى مادة الاجتماع سوى التأكد ومن ذلك يظهر
ما في قوله فالذمة وان اشتغلت بتكاليف متعددة: فان اشتغال
الذمة بتكاليف متعددة لا يكون الا فيما ذكرناه من الفرض لا فيما إذا
تساوت نسبة الحقائق المستكشفة
قوله بداعي الامرين:
أقول بل بداعي أمر واحد تعلق بالمجمع (نعم) بناء على ما ذهب إليه
المصنف (قده) من جواز إتيان ما لم يتعلق به الامر بداعي أمر ما تعلق
به الامر إذا شاركه في ملاك الامر جاز الاتيان بالمجمع بداعي الامرين
المتعلقين بمادتي الافتراق لكن ذلك في المقام من قبيل الاكل من
القفا لان المجمع بنفسه مورد الامر
قوله وتأكد وجوبه عند الاخر:
لا يبعد تعين هذا الجمع بل عدم كونه ارتكابا لخلاف الظاهر فان تأكد
الطلب ليس شيئا غير الطلب بل هو من سنخه كما في كل مقول
بالتشكيك فان ما به الامتياز فيه من جنس ما به الاشتراك (نعم) هذا
الجنس ان حدث في موضع خال عن مثله حدث
264

مستقلا وان حدث في موضع مشغول بمثله كان تأكيدا له فظهور
الشرطية في حدوث الطلب عند حدوث الشرط يكون باقيا على حاله
لو
التزم بحدوث التأكد بعد إن كان التأكد من مادة الطلب طلبا لا شيئا
غيره
قوله مع ما في الأخيرين من الاحتياج:
القرينة المعينة لتلك التصرفات هي المثبتة لمقتضيات تلك التصرفات
ولوازمها فالاشكال واحد وهو عدم القرينة المثبتة لتلك
التصرفات بعد إمكان الجمع بنحو لا يستلزم التصرف ورفع اليد عن
الظهور كما في ما ذكره من التقييد (هذا) ولكنك عرفت ان الحمل
على التأكيد ليس تصرفا في اللفظ بل ظهور الشرطية في الحدوث عند
الحدوث محفوظ فيحدث بكل من الشرطين جنس الطلب نعم عند
حدوث الشرط الأول حيث إن المحل خال عن الطلب يحدث مستقلا
وعند حدوث الثاني حيث إن المحل مشغول بالطلب يحدث بنحو
التأكيد لما هو كائن واما ما ذكره المصنف (قده) من تقييد المتعلق
فسيأتي ما فيه
قوله قلت نعم إذا لم يكن المراد بالجملة:
من الواضح ان الفرد الخارجي والجزئي الحقيقي لا يعقل تعلق الامر
به فلا محيص من أن يكون متعلق الأمر كليا ولو كان ذلك هو
الطبيعة المقيدة بمفهوم الوحدة والفرد فان هذا أيضا كلي قابل
الانطباق على كل واحد واحد من مصاديق الطبيعة وعليه فلا يدفع
المحذور تقييد الجزاء في كل من الشرطيتين بالفرد لان الجزاء في كل
من الشرطيتين على هذا هو طلب مفهوم الفرد من - الطبيعة
الخاصة ولازمه تعلق طلبين بطبيعة واحدة وهو كر على ما فر منه و
تقييد الفرد بكونه غير الاخر انما يعقل مع امتياز في الاخر و
المفروض عدم الامتياز فيه والا لما كان فيه إشكال مسألة تعدد الشرط
مع اتحاد الجزاء لخروجه عن عنوانه (وأيضا) لم يحتج إلى
التقييد بالفرد بعد هذا الامتياز (مثاله) ما إذا أمر بوضوء يكون مسحه
بثلاثة أصابع عند النوم وبوضوء يكون مسحه بإصبع واحد عند
البول فهل يعقل فيه إشكال بعد ذلك (نعم) إذا أمر بفردين من طبيعة
واحدة أو بثلاثة افراد منها وهكذا لم يكن به بأس وكان افراد هذه
الطبيعة المأمور بها كل اثنين اثنين أو كل ثلاث ثلاث من الطبيعة
المضاف إليها لكن ذلك غير المقام المفروض فيه تعلق الامر في كل
من
الشرطيتين بفرد من الطبيعة مع عدم تعقل تقييد الفرد بان يكون غير
الاخر بعد عدم المائز في الاخر غير أنه أيضا فرد من الطبيعة
قوله قلت نعم لو لم يكن ظهور الجملة:
يعنى ظهورها في الحدوث عند الحدوث وان لم تكن ظاهرة في
السببية أو الكشف عن السبب والظاهر أن هذا الظهور مما لا إشكال
فيه وان أنكرنا
265

ظهورها في السببية أو في العلية التامة أو المنحصرة (نعم) لا بد ان
يكون منشأ هذا الظهور هو الوضع واما إذا كان منشأه هو الاطلاق
وقع التعارض بين الاطلاقين وحصل الاجمال ولم ينجح المصنف
(قده) بمقصوده
قوله لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات:
هذا إذا أريد من المعرفات المعرفات والكواشف عن حدوث السبب
فإنه لا فرق بين ذلك وبين أن تكون بأنفسها أسبابا اما إذا أريد
كونها معرفات عن ثبوت السبب أو كونها معرفات لثبوت الحكم فالحق
مع الفخر ومرجع ذلك إلى إنكار دلالة الشرطية في لسان
الشارع على الحدوث عند الحدوث وانها انما تدل على مجرد الثبوت
ومن المعلوم انه لا إشكال على ذلك وقد تقدم في الوجه الأول من
الجمع الجمع بذلك بعد الاعتراف بأصل الدلالة والفرق ان هذا أنكر
أصل الدلالة ولو بقرينة عامة دلت على أن الأسباب الشرعية معرفات
الا ان يناقش في ثبوت هذه القرينة كما ناقش المصنف (قده) (و
بالجملة) اجتماع أمارتين أو ثلاث أو أربع وهكذا على حكم مما لا
إشكال فيه وهو واقع في الشرع ولا يقتضى ذلك تعدد الحكم
قوله فهو وإن كان له وجه:
فان المصالح والمفاسد التي هي دواعي الاحكام من غير فرق بين
الأحكام الشرعية والعرفية لا تجعل مقدما في القضايا الشرطية لأنها
من الأمور الخفية التي لا يعرفها أحد واللازم في المقدم ان يجعل من
الأمور الجلية التي يعرفها المكلف ليرتب عليه الأثر في الجزاء كلما
رأى أن المقدم قد وجد فلذا يجعل المقدم بعض ما هو دخيل في
الموضوع ومن قيوده كالمجئ في قولنا إذا جاءك زيد فأكرمه فان
الموضوع في الحقيقة هو زيد الجائي وقد اقتطع المجئ عن
الموضوع في ظاهر القضية وأتى به تحت الأداة بصورة الشرط
قوله فان قضية إطلاق الشرط في مثل إذا بلت:
الاطلاق لا يقتضى كون المؤثر هو الوجودات الخاصة ليحدث
الوجوب في كل مرة بل ظاهر تعليق الحكم في الجزاء على الطبيعة
كون
المؤثر الوجود السعي للطبيعة بما هو وجود سعى والوجود السعي لا
تعدد فيه ولا تكثر وان تكثرت الوجودات الخاصة فوجود البول
في ضمن مرة أو مرات سبب واحد لوجوب الوضوء (وبالجملة)
سببية الطبيعة تارة تكون بسببية وجودها السعي وأخرى تكون بسببية
وجوداتها الخاصة وظاهر تعليق الجزاء على الطبيعة هو الأول كما أن
ظاهر توجيه التكليف إلى الطبيعة هو ذلك باعتراف من المصنف
(قده) قد تقدم فيمتثل التكليف بإتيان الطبيعة في فرد واحد كما يمتثل
امتثالا واحدا بإتيانها في ضمن افراد دفعة واحدة واما
266

النقض على ذلك بالأجناس المختلفة إذا جعلت شرطا لواحد
لرجوعها إلى شرطية أمر واحد جامع فهو عجيب من المصنف (قده)
فان
القائل بالتفصيل الملتزم بتعدد الجزاء هناك أخذا بظاهر القضيتين و
تقييدا للجزاء بذلك غير ملزم بالالتزام برجوع الجنسين إلى واحد
وانما يلزم به من يرى الجزاء واحدا فلا نقض أيضا فان النقض لأجل
الالتزام بالاكتفاء في الجنسين بفعل واحد كما يكتفى في تعدد
افراد جنس واحد به والفرض انه مكتفي به في كلا المقامين فما معنى
النقض
قوله فلا بد من تداخل الأسباب فيه:
إذا كان المسبب من الأحكام التكليفية فهو مما يقبل التأكد دائما
ففرض عدم قبول التأكد يكون في مثل بطلان العمل وشبهه من
الوضعيات
مفهوم الوصف
قوله لان الاحترازية لا توجب:
فإنها في مقابل كون القيد توضيحيا غير دخيل في موضوع الحكم
الشخصي الذي أفيد فالداخل وعدمه هنا في شخص الحكم لا في
سنخه
ولا منافاة بين ان يكون القيد احتراز يا دخيلا في شخص الحكم و
ينتفي بانتفائه شخص الحكم وبين ان لا يكون دخيلا في سنخ الحكم
لينتفي بانتفائه سنخ الحكم فالاعتراض على المنكرين للمفهوم بما
قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا لا وجه له واما
الاعتراض عليهم بحمل المطلق على المقيد في مثل أعتق رقبة وأعتق
رقبة مؤمنة مع أنهما مثبتان ولا تعارض بين المتوافقين في الحكم
فلو لا انهم استفاد والمفهوم والحكم السلبي من التقييد بالايمان أعني
به عدم عتق الكافرة لم يكن مجال للتقييد فلا يندفع بما أجاب به
عن الاشكال الأول كما أفاد في العبارة فان دخل القيد في الحكم
الشخصي لا يوجب التقييد ما لم يفد نفى سنخه عن غير مورد القيد
ليكون ذلك النفي مقيدا لاطلاق الاثبات (فالحق في الجواب) ان يقال إن
الوجه في التقييد ليس هو دلالة دليل التقييد على انتفاء سنخ
الحكم عن غير مورد القيد بل مؤدى الدليل المذكور دخل القيد في
شخص الحكم والعقل يحكم بامتناع طلب الطبيعة بعد طلب قسم
منها
ولذلك يرفع اليد عن الدليل الدال على طلب الطبيعة بما دل على
طلب قسم منها ففيما إذا كانت هناك مصلحتان إحداهما
قائمة بالطبيعة والاخرى بقسم منها لا يكون الا طلب واحد أكيد
متعلق بذلك القسم ولا يتوجه
267

الطلب بالطبيعة الا بعد تعذر ذلك القسم وهذا هو الذي يعبر عنه في
الاصطلاح بتعدد المطلوب، واما طلب قسم من الطبيعة كعتق الرقبة
المؤمنة وطلب قسم آخر يقابله كعتق الكافرة فهو بمكان من الامكان،
ولذلك لا تكون معارضة بين دليلين يكون مدلولهما ذلك وذلك
مما يشهد على أن التقييد في المطلق والمقيد ليس منشأه دلالة الدليل
المقيد على المفهوم والا فالدليلان متعارضان فيما ذكرناه من
الفرض وانما ذلك من جهة حكم العقل المختص بتلك الصورة
قوله فإنه من المعلوم ان قضية الحمل:
من المعلوم ان قضية الحمل ذلك لكن الشأن في أنه لم يحمل بعد
عدم اشتمال دليل المقيد على نفى الحكم عما عدا مورد القيد ليتحقق
التنافي بينه وبين دليل المطلق وقد عرفت ان منشأه حكم العقل لا
دلالة اللفظ فلا تنافي بين التقييد والقول بعدم الدلالة على المفهوم
قوله تذنيب لا يخفى انه لا شبهة:
ان ما يتصور بين الصفة والموصوف من النسب الأربع ثلاث
(التساوي) كالانسان الضاحك والانسان الكاتب والعموم من وجه)
كالانسان الأبيض والانسان الطويل (والعموم المطلق) وهذا على
قسمين فإنه (تارة) يكون الوصف أعم كالانسان الماشي (وأخرى)
يكون الموصوف أعم كالانسان العالم (إذا عرفت ذلك فنقول) ان
البحث يتصور على وجهين فتارة يبحث بعد الفراغ عن دخل
الموصوف في سنخ الحكم وشخصه في أن الصفة أيضا دخيلة كذلك
أو انها ليست دخيلة الا في شخص الحكم فلا ينتفي بانتفائها الا
شخص الحكم دون سنخه (وأخرى) بعد الفراغ عن دخل الصفة
يبحث في أن للموصوف أيضا دخلا أو ان الموصوف أجنبي عن
حدود
الموضوع وحاله حال القيد التوضيحي فلا ينتفي بانتفائه لا سنخ
الحكم ولا شخصه وانه تمام الموضوع للحكم هو الصفة (والظاهر)
انه
لا جامع بين البحثين ويدخل في عنوان البحث الثاني جميع الصور
الثلاث التي ذكرناها ولا يدخل في عنوان البحث الأول الا صورة بقاء
الموصوف بعد وصفه وهي أحد قسمي العموم المطلق أعني ما كان
الموصوف أعم وصورة العموم من وجه في مادة الافتراق من جانب
الموصوف وعنوان هذا البحث هو الأخير ولذا أخرجوا باقي الصور
عن حريم النزاع وإذا أريد إدراجها
فلا بد من قلب العنوان وتحرير عنوان البحث كما ذكرناه ثانيا والا
فإدراجها غير معقول (ثم) لا يخفى عليك ان غاية ما يمكن ان يقال
في نتيجة هذا البحث هو دلالة التعليق على
268

الوصف على علية الوصف وكونه تمام الموضوع وليس أثر هذا الا
التعدي عن مورد الوصف في إثبات الحكم واما انتفائه عند انتفاء
الصفة فهو أثر دلالته على العلية المنحصرة ومن الواضح ان التعليق
على الوصف لا يدل على الانحصار الا مع قرينة مقامية وذلك خارج
عن الدلالة النوعية على المفهوم
قوله فلا وجه للتفصيل بينهما:
هذا تعريض على التقريرات ولو راجعته لعلمت ان التعريض في غير
محله لوقوع التصريح فيه بعدم الوجه للنزاع في الجميع (نعم) أفادا
ولا عدم الجريان في قسمين منه واخر بيان عدم الجريان في الثالث
قاصدا للرد على الشافعي الظاهر منه الجريان
مفهوم الغاية
قوله والتحقيق انه إذا كانت:
الظاهر أن ضابط الامرين أعني رجوع القيد بحسب القواعد العربية إلى
الحكم أي ثبوت المحمول للموضوع ورجوعه إلى الموضوع و
كونه من حدوده انه ان ذكر القيد عقيب ذكر الجملة بموضوعها و
محمولها كان ظاهره انه راجع إلى الجملة من حيث هي جملة أعني
مفاد
هيئتها الذي هو ثبوت المحمول للموضوع دون مفاد مواد الجملة
أعني موضوعها ومحمولها وان ذكر في أثناء الموضوع قبل ذكر
الحكم كان ظاهره انه قيد للموضوع وان أمكن في كل من الموردين
العكس بقرينة مقامية (إذا عرفت) هذا ظهر لك ان المصنف (قده)
أخطأ في مقامين (أحدهما) عد مثال سر من البصرة إلى الكوفة مما
يرجع فيه القيد بحسب القواعد العربية إلى الموضوع مع أنه بمقتضى
الضابط الذي ذكرناه يرجع إلى الحكم وانما القرينة تصرفه عن هذا
الظهور (ثانيهما) تفصيله بين ما يرجع فيه القيد بحسب القواعد
العربية إلى الحكم وما يرجع بحسبها إلى الموضوع مع أن الصواب
التفصيل بين مطلق ما يرجع إلى الحكم وما يرجع إلى الموضوع من
غير فرق بين ان يكون ذلك بحسب القواعد العربية أو لقرينة مقامية
(هذا) بناء على صحة التفصيل والا فلا تبعد دعوى فهم العرف
للمفهوم مطلقا من غير فرق بين القسمين فلو قيل يدك من الأصابع إلى
المرفقين اغسلها فهموا من ذلك عدم وجوب غسل العضد كما
يفهمون ذلك في مثل العلماء الا زيدا أكرمهم
وقد اعترف به المصنف (قده) بإطلاق كلامه في المبحث الآتي
قوله والأظهر خروجها:
بل الاظهر دخولها فان غاية الشئ عرفا هو الجز الذي ينتهى إليه
الشئ لا جز
269

فغاية النهار هو آخر جز منه عرفا دون الليل وغاية الدار هو جز من
آخر الدار وهو الذي يتصل بخارج الدار لا خارج الدار وهذا
واضح جدا وهذا الجز الاخر العرفي يقتطع من البقية ويجعل
مدخول (إلى) كما أن الجز الأول يقتطع ويجعل مدخول (من) فإذا
أراد
المولى إكرام عشرين دار مما يلي داره يقول أكرم الجيران إلى عشرين
دارا ولا يقول أكرم إلى واحد وعشرين لأجل إفادة عشرين
فاستعمال اغسلوا إلى المرافق جار على مقتضى الظهور الأولى دون
مثل ثم أتموا الصيام إلى الليل
قوله ثم لا يخفى ان هذا الخلاف لا يكاد يعقل:
بل لا وجه لاختصاصه بما إذا كان قيدا للموضوع وكأن توهم
الاختصاص على ما يظهر من تعليقة للمصنف (قده) على الكتاب
ناشئ من
تحرير عنوان النزاع كما في المتن بدخول الغاية في المغيا بحسب
الحكم ومن المعلوم ان هذا العنوان يختص بما كان قيدا للموضوع إذ
غاية الحكم لا يعقل دخولها في الحكم بحسب الحكم إذ لا حكم
للحكم (وأنت خبير) ان القصور في تحرير عنوان النزاع بذلك والا
فالخلاف يعم القسمين وحق العنوان ان يقال هل الغاية داخلة في
المغيا أو خارجة عنه (ثم) لا يخفى ان معنى دخول غاية الحكم في
المغيا
كونها إذا كانت من قبيل الزمان أو زمانها إذا كانت من قبيل الزمانيات
من أزمنة استمرار الحكم كما أن معنى خروجها كونها خارجة
عن أزمنة استمراره إذ الامتداد المتصور في الحكم هو الامتداد الزماني
وغايته هي نهاية استمراره في الأزمنة فإذا قال يجب إلى يوم
الجمعة أو إلى مجئ زيد فمعناه على تقدير الدخول يجب قبل يوم
الجمعة وفي يوم الجمعة وقبل مجئ زيد وعند مجيئه وعلى تقدير
الخروج معناه يجب قبل يوم الجمعة وقبل مجئ زيد فقط وينقطع
الوجوب عندهما
مفهوم الحصر
قوله لا شبهة في دلالة الاستثناء:
عقد هذه المسألة في مبحث المفاهيم مبنى على كون دلالة الاستثناء
على الحكم في المستثنى بالمفهوم بان تدل أداة الاستثناء على
خصوصية في المستثنى منه وهي خصوصية الحصر وتلك
الخصوصية هي المستتبعة للحكم في جانب المستثنى وهذا بعيد في
الغاية وان
استظهره المصنف (قده) في آخر المبحث بل من المقطوع به ان
الجملة الاستثنائية هي التي تدل على الحكم في المستثنى بلا واسطة
270

كما أن الجملة المستثنى منها تدل على الحكم في جانب المستثنى
منه فكلتا الدلالتين بالمنطوق ومن هاتين الدلالتين المتخالفتين
بالايجاب والسلب ينتزع الحصر لا ان الحصر يستفاد ابتدأ ومنه
يستفاد حكم المستثنى (ثم) ان القسمين المتقدمين في الغاية يأتيان
هنا فتارة يكون الاستثناء من الحكم كما في أكرم العلماء الا زيدا و
أخرى من الموضوع كما في مثل العلماء سوى زيد أو ما عدى زيدا
أكرمهم وعدم تفصيل المصنف بين القسمين هنا مع تفصيله هناك لم
أعرف له وجها فان المقامين من واد واحد ولكن الانصاف ان
دعوى ثبوت المفهوم في كلا القسمين من كلا المقامين قريبة جدا فان
العرف يعاملون معاملة المفهوم فيهما وان لم يعاملوا معاملة
المفهوم في مطلق القيود المأخوذة في الموضوع كالوصف والبدل و
عطف البيان إلى غير ذلك
قوله ضرورة ضعف احتجاجه:
الأولى في الجواب ان يقال إن المستثنى منه في المثال وفي نظائره هو
نفى إمكان تحقق الصلاة بدون الطهارة دون فعليته فيكون
المثبت في جانب المستثنى إمكانه دون فعليته وعليه فالحصر تام لا
إشكال فيه
قوله الا انه لا دلالة لها:
يمكن ان يقال إن الواجب من التوحيد المعتبر في تحقق الاسلام هو
التوحيد الوجودي والاقرار بعدم وجود مبدأ سوى الله تعالى لا عدم
إمكان ما سوى الله فلو غفل الشخص عن الامكان ولم يعترف بعدمه
لم يضر ذلك في إسلامه ولذلك كان يكتفى رسول الله في الاسلام
بالاقرار بالشهادتين فيكون المقدر هو موجود كما هو ظاهر اللفظ ولا
إشكال
قوله يدل بالملازمة:
لا يقال كيف يحكم بامتناع تحقق واجب الوجود وهل ذلك الا
التناقض وكون ما فرض واجبا غير واجب وأيضا الممتنع قسيم
الواجب
فكيف يكون قسم الواجب لأنا نقول المراد من واجب الوجود مفهوم
واجب الوجود ولا ريب في اتصافه بامتناع التحقق في غير الباري و
ذلك عبارة أخرى عن امتناع شريك الباري
قوله فان السبيل إلى التبادر:
ولو فرض الانحصار لم يتوقف ذلك على وجود مرادف له في عرفنا
بل التبادر يكون من نفس اللفظ بما ارتكز في الذهن من معناه عند
أهل المحاورة لا من مرادف ذلك اللفظ في عرفنا (ثم) من جهة
المرادفة يتعين معنى ذلك اللفظ مع أن العلم بالمرادفة يتوقف على
معرفة
معنى اللفظ في اللغتين ليحكم بالمرادفة فلو توقفت معرفة معنى اللفظ
في إحدى اللغتين على تعيين معناه في اللغة الأخرى مع معرفة انهما
مترادفان لزم الدور (نعم) الانصاف انه ليس للفظ انما
271

وان وأمثالهما معنى مرتكز في الأذهان وكلما نقوله في بيان معناهما
فهو مجرد تقليد لما سمعناه من معناه اللغوي فتعيين معناهما لا
بد أن يكون بالنقل القطعي أو ما بحكمه بعد ان لم يمكننا الاستطلاع
من أهل اللسان
قوله إن الاضراب على أنحاء:
الاضراب بأنحائه عدول عن القول الأول وفرضه غير صادر وليس له
مفاد أزيد من ذلك فيكون الحكم الذي أفيد أولا مسكوتا عنه
أخيرا لا انه متعرض لخلافه فليس من شأن (بل) الحصر سوأ كان
إضرابا عن اللفظ كما في القسمين الأولين مما ذكره المصنف (قده) أم
إضرابا عن المعنى كما في القسم الأخير منه
قوله ومنها ما كان لأجل التأكيد:
أي لأجل الاهتمام في افهام المقصود بذكر غير المقصود لاستحضار
ذهن السامع ليكون إلقاء المقصود حال توجهه إلى الخطاب فلا
يفوت منه ما هو المقصود
قوله لان الأصل في اللام:
يكفي في الدلالة على عدم المفهوم كون أحد معانيه ذلك لحصول
الاجمال به فان الدلالة على الحصر يتوقف على ظهور اللام في
الاستغراق أو في إرادة الطبيعة المرسلة من مدخوله وكل من الامرين
غير ثابت بل ثابت العدم وكذلك يكفي في عدم استفادة الحصر
من الحمل الذي هو أجنبي عن محل الكلام وقد خلطه المصنف
(قده) بالمقام عدم ظهور الحمل في الحمل الأولى الذاتي ولا حاجة
إلى
إثبات ظهوره في الحمل الشائع الصناعي ظهورا حاصلا من الغلبة هذا
ولكن المتكلم إذا كان في مقام البيان وتمت مقدمات الحكمة
استفيد الحصر من مثل الصلاة واجبة والصوم واجب لان المقدمات
تحكم بأخذ الطبيعة مرسلة في جانب الموضوع فإذا دل دليل آخر ح
على عدم وجوب صلاة خاصة أو صوم مخصوص عارض الدليل
الأول بالاطلاق والتقييد لكن اللام لا مدخلية له في ذلك فإنه من شأن
المقدمات في كل مورد توجه الحكم إلى الطبيعة من غير فرق بين أن تكون
معرفة باللام أو لا.
في اللقب والعدد
قوله لا دلالة للقب:
المراد من اللقب هنا مطلق التسمية والتعبير عن الشئ دون اللقب
الاصطلاحي الذي هو التعبير عنه بما يشعر بالمدح أو الذم والمقصود
ان تعليق الحكم على لفظ لا يدل على انتفاء سنخ ذلك الحكم عما لا
يتناوله اللفظ المذكور وان
272

كان شخص ذلك الحكم منتفيا بالقطع
قوله كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقا:
يعنى ان شخص ذلك الحكم المتعلق بعدد مخصوص ليس متعلقا
بأقل من ذلك العدد ويقع الاتيان بالعدد الأقل لغوا إذا أخذ العدد
المأخوذ في الحكم بمجموعه موضوعا واحدا له حكم واحد ويقع
صحيحا وامتثالا لأمر نفسه إذا أخذ على سبيل الاستغراق الافرادي
فيكون منحلا إلى أحكام متعددة ويكون بإزاء كل واحد من وحدات
ذلك العدد حكم مستقل فكل ما أتى به منها يصح ويسقط امره وكل
ما لم يؤت به يبقى في الذمة هذا في جانب الأقل واما جانب الأكثر
ففيه كلامان أحدهما يشبه الكلام في الأقل وهو خروج الأكثر عن
تحت شخص الحكم المتوجه إلى الأقل وعدم اتصافه بحده الأكثري
بهذا الحكم والاخر في أن الزيادة بعد فرض خروج الأكثر عن
شخص الحكم هل هي مفسدة وموجبة لعدم اتصاف الأقل المأتي به
في ضمنه أيضا بصفة الامتثال أولا ومن آل ذلك إلى أن ظاهر تعليق
الحكم بعدد هل هو مطلوبية ذلك العدد بشرط لا عن الأكثر أو ظاهره
مطلوبية العدد لا بشرط فيصح وان أتى به في ضمن الأكثر (اما
الكلام في المقام الأول) فلا ريب ان ظاهر تعليق الحكم على العدد
المخصوص خروج طرفي الزيادة والنقيصة عن تحت ذلك الحكم
لكن
حيث إن الغالب أخذ أقل عدد يجزى تحت الحكم عند
كون الحكم للأعم منه ومما زاد عليه يضعف ذلك الظهور الأولى من
أجل ذلك بل يرتفع ظهوره رأسا وان لم يحدث ظهور آخر في
خلافه وكون الموضوع للحكم هو الأعم فيصير مهملا وإذا صار مهملا
صارت المسألة من جزئيات مسألة دوران الامر بين التخيير و
التعيين ولم يكن للمكلف قصد الامتثال الا بالأقل (واما الكلام في
المقام الثاني) أعني بعد الفراغ عن أن الزيادة على العدد المخصوص
المأخوذ في الامر غير دخيلة في المأمور به ولا هي مطلوبة يبحث في أنها
مفسدة للمأمور به أولا (فنقول) إن كان المتكلم في مقام بيان
تمام ما هو المطلوب فظاهر امره ان المطلوب هو العدد اللابشرط عن
انضمام الزيادة فتمسكا بالاطلاق يحكم بان الزيادة لا تضر
بالمطلوب وإن كان في مقام الاهمال دخلت المسألة في الأقل والأكثر
الارتباطيين لأن الشك حاصل في أن المطلوب هو العدد
اللابشرط عن الأكثر أو العدد بقيد عدم الأكثر فيبتني على الأصل في
تلك المسألة من البراءة أو الاحتياط.
273

المقصد الرابع: في العام والخاص
قوله فإنها تعاريف لفظية:
قد تكرر هذا الكلام من المصنف (قده) في كل مقام زعما منه ان كل
تعريف لفظي لا ينبغي ان يستشكل عليه وهو توهم واضح البطلان
فان الشارح للفظ إن كان في مقام شرح تمام ما هو المدلول للفظ من
غير زيادة ونقيصة لم يكن له محيص من أن يأتي في مقام الشرح
بلفظ يرادف لفظ المشروح تام المرادفة فلو شرح بغير ذلك أشكل
عليه البتة وهذا هو مقصود الشارحين للألفاظ الواقعة في عناوين
الأبحاث فإنهم في مقام ضبط المدلول بحيث لا يفوتهم شئ ولذا
ترى ان كل واحد يشرح بعد تزييفه شرح غيره بما يزعم سلامته عن
الاشكال فهل يسع لك القول بان شرح مثل هذا الشخص شرح
إجمالي والغرض رفع الاشتباه والاجمال في الجملة كما في سعدانة
نبت
المقصود منه رفع الاشتباه عن كونها من الحجريات والمعادن لا تعيين
مدلول سعدانة وتمييزها عن جميع ما عداها والا كان شرحها
بذلك ناقصا غير واف بالمقصود البتة (والحاصل) ان شرح مدلول
اللفظ ينقسم إلى قسمين (شرح) تام مميز للمدلول عن جميع ما عداه
(وشرح) ناقص مميز له عن بعض ما عداه والذي لا يورد عليه هو
الأخير والذي مقصود الشارحين للعناوين بل اللغويين هو الأول
فالاشكال عليهم بعدم الاطراد والانعكاس في محله، والعجب أن
المصنف (قده) ذكر بعد أسطر بان الغرض من تعريفه أعني العام انما
هو بيان ما يكون بمفهومه جامعا بين ما لا شبهة في أنها افراد العام إذ لا
يخفى انه مع هذا الغرض كيف يحكم بان إشكال عدم المنع مما
لا يليق بالمقام فإنه إذا دخل غير ما هو من افراد العام تحت التعريف
أخل ذلك بالغرض البتة
قوله كيف وكان المعنى المركوز:
هذا الاشكال مشترك الورود فان التعريف سوأ كان شرح الحقيقة أم
شرح اللفظ لا بد أن يكون بالأجلى والأعرف عند المخاطب فإذا
كان الاشكال عليه بما يجعل صدق اللفظ وعدمه معيارا ينبأ عن
العكس وان المعرف بالفتح أجلى وأعرف بطل بذلك شرح اللفظ كما
يبطل شرح الماهية (هذا) مضافا إلى أنه يوجب بطلان الاشكال بذلك
على التعاريف الحقيقية طرا لكشف الاشكال عن أعرفية المعرف
بالفتح فلا يكون التعريف الحقيقي تعريفا حقيقيا ومقصود المستشكل
أيضا وإن كان ذلك لكن من جهة ما يورده من
274

الاشكال لا من جهة كون التعريف تعريفا بالاخفى (وحق الجواب في
المقامين ان يقال) ان مجرد معرفة مصاديق يقينية للفظ كمعرفة
عدم مصداقية مصاديق اخر لا يجعل المفهوم مفهوما مبينا واضحا أو
الحقيقة حقيقة جلية فان حالنا في كثير من المفاهيم المجهولة كذلك
إذ نعرف مع جهالتنا بها كثيرا مما يندرج تحتها من المصاديق مما لا
يندرج (نعم) أثر الاشتباه يظهر في جملة أخرى من المصاديق
المشتبهة الاندراج لأجل عدم ضبط المفهوم كما هو حقه ولأجل
ذلك يعرف اللفظ أو يشرح
قوله لعدم تعلق غرض به:
مقصوده هو ان غرض الأصولي لا يتعلق بالعام بمفهومه العام وانما
موضوع بحثه مصاديق هذا المفهوم فيحتاج إلى شرح اللفظ لأجل
الإشارة إلى تلك المصاديق (وفيه أولا) منع عدم تعلق الفرض بالعام
بمفهومه فان أول مسألة عنونها المصنف (قده) هنا هو انه هل للعام
صيغة تخصه ومن المعلوم ان موضوعها عنوان العام بما هو من غير
نظر إلى خصوصية من خصوصيات مصاديقه وهكذا مسألة ان العام
المخصص حجة فيما بقي أولا، وانه هل يجوز التمسك بالعام قبل
الفحص عن المخصص إلى غير ذلك من الأبحاث المهمة المتعلقة
بالعام
بعنوانه (وثانيا) لو لم يتعلق الغرض به لم يحتج إلى شرح لفظه أيضا و
كون ذلك لأجل الإشارة إلى المصاديق يدفعه ان الإشارة إلى
المصاديق تحصل بشرح الماهية كما تحصل بشرح اللفظ ولا معين
للثاني
قوله والا فالعموم في الجميع بمعنى واحد:
ان أراد أن العموم ليس لها معاني مختلفة اختلافا ذاتيا داخليا كما تشعر
هذه العبارة فهو واضح لا إشكال فيه وان أراد عدم اختلافه
بالعوارض المصنفة أيضا وان الجميع تحت صنف واحد بلا
خصوصية زائدة مأخوذة في مدلول كل من الأقسام الثلاثة تكون غير
مأخوذة
في الأخرى وانما البدلية والاستغراقية والمجموعية اختلافات في
الأمور الخارجية كاختلاف عام عن عام آخر بتعلق الطلب الالزامي
الحتمي بأحدهما وعدم تعلقه بالآخر فهذا واضح البطلان، فإنه لولا
الاختلاف في طرف الموضوع وما تعلق به الحكم لم يعقل اختلاف
الحكم بالبدلية والاستغراقية والمجموعية وليس الاختلاف بها
كالاختلاف بالايجاب والاستحباب حاصلا في نفس الحكم مع قطع
النظر عن اختلاف اعتبارات الموضوع لا أقول إن هذه الاختلافات
حاصلة فيما وضع له لفظ العموم بل أقول إن الاختلافات حاصل في
المستعمل فيه لا محالة وفي الموضوع له أيضا كما في
275

البدلي مع قسيميه أو في المستعمل فيه فقط كما في العام الاستغراقي
مع المجموعي فان المجموعي ما لو حظ فيه الافراد بقيد الاجتماع، و
الاستغراقي ما لو حظ فيه ذوات الافراد لا بشرط (نعم) يمكن ان يقال إن
خصوصية اعتبار الاجتماع وان أخذت في المجموعي دون
الافرادي لكن ذلك مستفاد من دال آخر خارج عما استعمل فيه لفظ
العام وانما استعمل لفظ العام في كلا المقامين في معنى واحد لا
اختلاف فيه حتى من حيث اللحاظ وكيفية الاعتبار بل لو كان قيد
الاجماع مأخوذا في المستعمل فيه خرج عن العموم وكان شموله
لافراده نظير شمول العشرة لأحادها
قوله ومعه لا يصغى إلى أن إرادة:
إرادة خصوص مرتبة خاصة من مراتب الخصوص ليست متيقنة الا
إرادة فرد واحد فإنه مراد قطعا بناء على عدم الوضع للعموم (نعم) بناء
على الوضع للعموم يكون المتيقن هو ما لا يجوز انتهاء التخصيص
إليه، والقول بوضع صيغ العموم لإرادة فرد واحد من افراد جنس
مدخولها كما في النكرة باطل بالقطع، مع أن اليقين بإرادة الخصوص
بحسب الاستعمال لا يصير دليلا الا على مذهب من يجعل الاستعمال
دليل الوضع بل هذا المذهب أيضا لا يصير دليلا على الوضع له
بخصوصه بل يكون دليلا على الوضع بالنحو العام الشامل للوضع له
بخصوصه والوضع له في ضمن العام كما نبه عليه المصنف (قده)
قوله لا يوجب كثرة المجاز:
يمكن ان يقال إنه وان لم يوجب كثرة المجاز الا انه يوجب كثرة ذكر
اللفظ لا بداعي الجد وهذا يساوق كثرة المجاز في المحذور فان
وضع اللفظ لما يستعمل فيه غالبا لا بداعي الجد كوضعه لما لا حاجة
غالبا إلى استعماله فيه وانما يستعمل في غيره مجازا في كونه
خلاف الحكمة والغرض من الوضع فلا يجوز الالتزام بشي منهما ولا
يجدى ما أفاده المصنف (قده)
قوله لكن لا يخفى انها تقيده إذا أخذت:
لا يخفى عليك ان الطبيعة بذاتها لولا لحاظ شئ من الخصوصيات
معها مرسلة سيالة سارية ذات شيوع في افرادها ليست مقيدة بقيد و
لا محدودة بحد كان ذلك حد الاطلاق أم حد القيد وكان القيد معينا
أم غير معين والابهام ناشئ من لحاظها مع خصوصية مبهمة فإذا
الغى عن مقام الطبيعة لحاظ شئ من الحدود سوأ كان حدا خاصا لا
على التعيين وهو الذي تصير الطبيعة به مهملة أم كان حدا خاصا
على التعيين وهو الذي تصير الطبيعة به مقيدة أم كان حد الارسال ثم
سلط عليها السلب فمقتضى ذلك سلبها بتمام
276

افرادها كما انها لو لوحظت بالنحو الأخير كان الامر كذلك لكن هذا
يقتضى سلبها بتمام افرادها لفظا والأول يقتضيه عقلا واما إذا لو
حظت بقيد مهمل أو معين فليس مقتضى ذلك إلا سلب الطبيعة
المقيدة سوأ أتى بالقيد لفظا أم فهم من الخارج (وبالجملة) مقتضى
ظاهر
سلب الطبيعة عموم السلب ما لم تكن قرينة صارفة عن هذا الظهور
تقتضي إرادة الطبيعة المقيدة التي منها الطبيعة المهملة والمقصود ان
اسم الجنس لو كان في حيز النفي أو النهي أفاد العموم البتة وليس
مفاده الطبيعة المهملة بل الاهمال يحتاج إلى لحاظها مع قيد مهمل و
لعل تتمة توضيح المقام تأتى في مبحث المطلق والمقيد
قوله فإنها بالإضافة إلى افراد:
لكن يحكم عند الاطلاق بان المراد هي الطبيعة من حيث هي هي وقد
عرفت ان سلبها كذلك يقتضى استيعاب السلب الا ان تأتى قرينة
على إرادة الطبيعة المقيدة أو المهملة ولو بنحو تعدد الدال والمدلول
فترفع اليد حينئذ عن ذلك ويحكم باستيعاب السلب في الذي أريد
وما ذكرناه ليس من جهة إجراء مقدمات الحكمة في المدخول و
الحكم بإطلاقها من أجل ذلك ليحتاج في الحكم بالعموم إلى إجراء
مقدمات الحكمة في المدخول بل مدلول نفس اللفظ مطلق إطلاقا
ذاتيا بلا حاجة إلى المقدمات كما سيجئ إن شاء الله تعالى، مع انا لم
نتصور معنى لاجراء المقدمات في المدخول فان شأن المقدمات
توسعة الحكم بنفسه أو بمتعلقه عند عدم التقييد (وبالجملة) إثبات
الاطلاق فيما له أثر بحيث يلزم من عدم التقييد مع كونه مقيدا واقعا
القبح ولذا لا تجري في القصص والحكايات التي لا يترتب عليها أثر
عملي والمدخول مع قطع النظر عن الأداة لا أثر مترتب عليه ليحكم
عليه بالاطلاق ثم يستفاد من السلب المتوجه إليه العموم ليكون
استفادة عموم الحكم السلبي في رتبة متأخرة عن إطلاق المتعلق و
المفروض ان إطلاقه لا يكون الا لأجل إثبات إطلاق الحكم بل في
الحقيقة هو هو فما عساه يكون معنى ذلك الاطلاق الذي يحكم به في
المتعلق قبل رتبة الحكم والمفروض ان ليس
شأن المقدمات إثبات الاطلاق في المستعمل فيه بما هو مستعمل فيه
لولا لحاظ الحكم
قوله ولذا لا ينافيه تقييد المدخول:
لا شهادة في هذا على المدعى لثبوت عدم المنافاة على كل حال
سوأ قلنا بان مدلول الأداة استيعاب ما يصلح ان ينطبق عليه
المدخول أم
قلنا بان مدلوله استيعاب ما أريد منه لان المدخول ينقلب بالتقييد و
يصير طبيعة مقيدة بعد إن كانت طبيعة مطلقة فتفيد الأداة
الاستيعاب فيما يصلح ان تنطبق عليه هذه الطبيعة المقيدة وعلى
مختاره
277

يحتاج إلى إجراء مقدمات الحكمة في هذه الطبيعة المقيدة لأجل
إثبات إطلاقها من سائر الجهات والخصوصيات لتفيد الأداة الداخلة
عليها عموم الحكم في افراد هذه الطبيعة المقيدة
حجية العام المخصص في الباقي
قوله وما احتمل دخوله فيه أيضا:
المتكفل للبحث عن صور الاحتمال هو المبحث الآتي والبحث في
المقام متمحض في الافراد المعلوم عدم دخولها في المخصص فان
اخترنا في المقام الحجية وألحقنا في المقام الثاني الافراد المشتبهة
بالافراد المعلومة كانت نتيجة المسألتين حجية العام في الافراد
المعلوم خروجها والافراد المشتبهة والا اختصت الحجية بالأول فذكر
الافراد المشتبهة هنا في غير محله (ثم) ان المراد مما احتمل ليس
هو مطلق ما احتمل بل خصوص ما كان منشأ الاحتمال فيه إجمال
المفهوم دون اشتباه الأمور الخارجية فان حجية العام في الشبهات
المصداقية محل بحث وإشكال والمختار عنده عدم الحجية
قوله اما في التخصيص بالمتصل:
المراد من المتصل والمنفصل في المقام ليس ما هو المراد منهما في
سائر المقامات أعني الاتصال والانفصال الحسي الذي يريدونه من
قولهم إن للمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء ما دام متشاغلا بالكلام فمثل
أكرم العلماء ولا تكرم زيدا منفصل وإن كان متصلا بالكلام بل
الاستثناء أيضا منفصل على احتمال وانما المتصل ما كان من قبيل
الوصف والتقييد والبدل مثل أكرم العلماء غير الفساق فيكون المراد
من المتصل والمنفصل وحدة الجملة وتعددها فلم يكن التعبير
بالتخصيص في المتصل جاريا على حقيقته بل على وجه التسامح
حيث لم
ينعقد ظهور في العموم أولا ليطرأ التخصيص بل الظهور من أول الأمر
كان في الخصوص ويشهد لما ذكرنا تعليل المصنف (قده) بقوله
فلما عرفت من أنه لا تخصيص أصلا: بل وكذا ملاحظة كثير من العبائر
الآتية
قوله واما في المنفصل فلان إرادة:
اعلم أن هناك أصلين مترتبين أحدهما أصالة الظهور وهذا الأصل
يكون في مقام الاستعمال ويعين ان الظاهر هو المراد الاستعمالي عند
الشك واحتمال ان غيره هو المراد والاخر أصالة صدور الظاهر
بداعي الجد لا بداع آخر من تقية أو امتحان أو مزاح فان أهل
المحاورات لا يبالون بتلك الا الاحتمالات ما دام لداعي الجد سبيل
بل يحكمون بان مطابق الظهور مراد جدا كما تقدم التصريح به من
المصنف
278

(قده) في أوائل الكتاب (ثم) ان حمل اللفظ على ظاهره الذي هو
قضية الأصل الأول طريق وقنطرة لتعيين المراد الجدي الذي هو قضية
الأصل الثاني والا فحمل اللفظ على ظاهره مجردا عن الحكم بان
ذلك الظاهر هو المراد الجدي ليس له معنى، وأي معنى يعقل ان يراد
من الحمل المذكور بعد القطع بعدم كون مطابقه هو المراد جدا (ثم)
اعلم أن الأصل الثاني يرد في مورد الأصل الأول طابق النعل بالنعل
من غير تخلف وتخطي عن مورده سعة وضيقا أعني ان ما هو الظاهر
استعمالا هو المحكوم بأنه المراد الجدي في بناء أهل المحاورات
فلو علمنا في مورد بان المعنى الظاهر بتمامه غير مراد جدا لم يكن
بناء من أهل المحاورات على الحكم بان بعض ذلك المعنى هو المراد
جدا بل يتوقف حتى يدل ظاهر آخر على إرادة ذلك البعض المحتمل
إرادته (إذا حققت ما ذكرناه) ظهر لك ان ما أفاده المصنف (قده)
في الجواب هنا لا يجدى في إبطال دعوى الخصم وان أبطل
الاستدلال فان الحكم بإرادة تمام ما بقي بعد التخصيص بالإرادة
الاستعمالية أو الجدية يتوقف على القرينة الدالة على ذلك سوأ
اقتضى التخصيص التجوز في العموم والتصرف في الإرادة
الاستعمالية
أم لم يوجب الا إخراج الخاص عن الإرادة الجدية والا اتجه كلام
المستدل في الأول واتجه ما ذكرناه آنفا من أن الظاهر بتمامه إذا لم
يكن مرادا
جدا بخروج فرد من تحته احتاج الحكم بإرادة شئ من الباقي أو تمام
الباقي إلى القرينة ولا يجدى الظهور الأول بعد ان لم تكن على
طبقه إرادة جدية في الحكم بثبوت الإرادة الجدية على طبق شئ منه
سوأ كان هو تمام الباقي أم بعضه، وكذلك ظهر لك فساد ما
ذكره المصنف (قده) في مقام الجواب عما أورده على نفسه بعبارة لا
يقال وسنذكر محصل جوابه مع بيان فساده في ذيل عبارته إن
شاء الله
قوله فإنه يقال مجرد احتمال استعماله فيه:
مقصوده ان أصالة الظهور الجارية في مقام الاستعمال تعيين ان الخاص
خارج من المراد الجدي دون الاستعمالي وقد ظهر لك فساده
فيما تقدم فان أصالة الظهور انما تجري طريقا وقنطرة إلى تعيين المراد
الجدي وبعد القطع بالمراد الجدي وانه ليس على طبق مدلول
اللفظ كما هو قضية التخصيص لا يبقى مجال لأصالة الظهور فان
التخصيص سوأ كان تصرفا في المراد الاستعمالي وبتبعه يحصل
القصر في المراد الجدي أم كان تصرفا في المراد الجدي ابتدأ يبطل
أصالة الظهور إذ لا بناء من أهل اللسان على حمل اللفظ على ظهوره
279

بعد ذلك بل أي معنى يبقى للحمل الا إذا فرض وجوب الالتزام بان
اللفظ استعمل في معنى كذا ليكون ذلك أثر الحمل المذكور
قوله وفيه انه لا اعتبار في الأقربية:
لا يخفى ان المستدل لم يدعى الأقربية بحسب المقدار بل ادعى
الأقربية المجازية ومعنى ذلك الأقربية في مناط التجوز وبحسب
زيادة
الانس سوأ كان منشأ زيادة الانس كثرة الاستعمال أم شدة العلاقة و
الارتباط فينبغي ملاحظة صدق هذه المقالة وعدمه ولا يبعد
الصدق فان الأقرب كما يكون هو الأشبه صورة بالتمام فلو لم تعارض
هذه المشابهة جهة أخرى في غير الأقرب توجب قربها إلى
المعنى الحقيقي لتعين حمل اللفظ على هذا بعد قيام الصارف عن
المعنى الحقيقي ويمكن ان يقال إن استعمال اللفظ في المعنى
الحقيقي
يوجب حصول مرتبة من الانس بينه وبين ما يقرب من معناه بحسب
الحكم أيضا ولا يتوقف الانس على وقوع الاستعمال فيه بعينه
فيكون هذا مرتبة من مراتب الانس الحاصل من كثرة الاستعمال كما أن
سابقه يكون من الانس بقوة العلاقة
قوله بان دلالة العام على كل فرد من افراده:
لعل مقصوده (قده) ان مدلول لفظ العام هو الافراد بنحو يكون كل منها
لا بشرط عن صاحبه فلفظ العلماء يدل على ذوات كل واحد من
آحاد العلماء منفردا لا منضما بعضها إلى بعض وبشرط الاجتماع
فدلالته على كل فرد فرد بالوضع لا يكون منوط بانضمام باقي الافراد
ولا تكون هذه الدلالة مجازية بمجرد اقتطاع بقية الافراد ومقتضى
ذلك حفظ الدلالة على الافراد مهما أمكن والاقتصار في رفع اليد
على مورد الصارف فان أصالة الظهور والحقيقة في البقية هي أصالة
الظهور في المجموع وليست دلالة اللفظ على البقية مجازية بل
حقيقية فيحكم بإرادة تمام ما بقي حفظا للحقيقة ما أمكن واقتصارا في
رفع اليد عنها على مورد وجود الصارف ومع ذلك العام
المخصص مجازا لكن المجاز باعتبار عدم شموله لمورد قيام الصارف
لا باعتبار شموله لبقية الموارد (وفيه أولا) ان الدليل أخص من
المدعى إذ لا يشمل العام المجموعي وكذلك لا يشمل مثل لفظ
العشرة ولفظ القوم والناس والقبيلة من أسماء المجموع مما هو مثل
المقام في الحكم فان دلالة اللفظ في الموارد المذكورة على كل فرد
مشروطة بدلالتها على البقية (وثانيا) يلزم ان يكون لفظ واحد
متصفا بالصفات المتقابلة أعني يكون حقيقة ومجازا (وثالثا) ان
المجاز ليس أمرا عدميا بمعنى عدم استعمال اللفظ فيما وضع له بل
هو
أمر وجودي وهو استعماله في غير
280

ما وضع له والا كان الغلط مجازا و (رابعا) لو لم يوجب إخراج جز
المعنى عن مدلول اللفظ اتصاف دلالته على الجز الاخر بالمجازية
فليكن إخراج قيده غير موجب لاتصاف دلالته على ذات المقيد
بالمجازية فلا يكون فرق بين أن تكون دلالة اللفظ على كل جز منوطة
بدلالته على الجز الاخر بان تكون الاجزاء بشرط الانضمام مدلولا
للفظ وبين أن تكون ذات الاجزاء بلا هذا الشرط مدلولا له ففي مثل
الألفاظ الموضوعة للمعاني المركبة أيضا يكون استعمالها في بعض
اجزائها حقيقة بلحاظ الجز المستعمل فيه وإن كان مجازا بلحاظ
عدم استعمالها في بقية الأجزاء وكذا بلحاظ عدم استعمالها في قيد
الاجتماع (وخامسا) ان دلالة العام على فرد لو لم تكن منوطة بدلالته
على الفرد الآخر ولم يلحظ في مدلوله إلا ذوات الافراد من دون
وصف انضمام بعضها إلى بعض لزم ان يكون كل فرد معنى مستقلا
للفظ واللفظ مشتركا بين تلك الافراد وهذا خلف لأن المفروض كون
اللفظ عاما ولازم هذا القول إن يكون خاصا مشتركا و (بالجملة)
ما نسب إلى شيخ مشايخنا في غاية الضعف يشبه ان لا يكون من
كلامه (ره)
قوله إذا كان الخاص:
الا حسن الأخصر في التعبير ان الخاص المجمل بحسب المفهوم
سوأ كان إجماله من جهة عدم ضبط مفهومه بحده أم من جهة اشتراكه
بين معنيين أو أكثر اما ان يكون متصلا أو منفصلا بذاك المعنى من
الاتصال والانفصال الذي ذكرناه سابقا لا بما يعنى من الاتصال و
الانفصال في غير مقام ففي الأول يسرى إجماله إلى العام حقيقة مطلقا
أعني سوأ كان إجماله لأجل دورانه بين المتباينين أم لأجل
دورانه بين الأقل والأكثر وفي الثاني لا يسرى مطلقا (نعم) تنقطع
حجيته في أطراف الشبهة فيما إذا كان الاجمال من جهة الدوران بين
المتباينين فللمصنف (قده) في المقام دعاو، أربع سراية الاجمال من
الخاص المتصل المردد بين المتباينين وسرايته من الخاص المتصل
المردد بين الأقل والأكثر وعدم سراية الاجمال من المنفصل المردد
بين المتباينين الا حكما وعدم سرايته من المنفصل المردد بين
الأقل والأكثر لا حقيقة ولا حكما اما دليله على السراية في الدعويين
الأوليين فهو ان العام لا ينعقد له ظهور في العموم إذا اتصل به قيد
بل يكون عمومه في موارد القيد خاصة فإذا أجمل القيد أجمل مورد
عموم العام فإذا قيل أكرم العلماء غير الفساق وتردد مفهوم الفسق
بين ارتكاب مطلق الذنب وارتكاب خصوص الكبيرة تردد العلماء غير
الفساق بين خصوص من لم يرتكب ذنبا وبين مطلق من لم
281

الكبيرة والمتيقن من الداخل في مفهومه خصوص الأول فيرجع في
غيره إلى الأصل وهكذا الحال في المردد بين المتباينين فيتردد
العام بسببه بين فردين متباينين لكنه حجة في غير هذين الفردين من
افراده واما دليله على عدم السراية في الدعويين الأخيرتين حقيقة
فهو ما تقدم في الفصل السابق من أن الخاص المنفصل لا يصادم ظهور
العام والثابت من مزاحمته له هو مقام الحجية خاصة فأصالة
الظهور في جانب العام محكمة واما السراية حكما في المتباينين
فللعلم بتخصيصه بالنسبة إلى أحدهما فيسقط عن الحجية في كليهما
و
اما عدم السراية حكما في المردد بين الأقل والأكثر بالنسبة إلى مورد
الاشتباه فلان ظهور العام محفوظ وكذلك حجيته الا فيما قامت
الحجة على التخصيص ولم تقم الحجة على التخصيص الا بالنسبة
إلى المتيقن من مدلول الخاص فيؤخذ فيما عداه بالعام هذا مجموع
الدعاوي الأربع بأدلتها ويتجه عليه في صورة تردد الخاص بين
متباينين انه لا وجه لدعوى سقوط العام فيها عن الظهور في الواحد لا
بعينه في صورة الاتصال ولدعوى السقوط عن الحجية في الواحد لا
بعينه في صورة الانفصال بل الظهور والحجية باقيان بالنسبة إلى
الواحد لا بعينه وأثر ذلك هو وجوب الاحتياط إذا كان الحكم في
واحد من العام والخاص إلزاميا وإذا كان الحكم في كليهما إلزاميا
كان المورد من الدوران بين المحذورين والمرجع فيه أصالة التخيير و
ينبغي ان يقطع ان مقصود المصنف (قده) من عدم الظهور في صورة
الاتصال ومن عدم الحجية في صورة الانفصال هو عدم الظهور و
عدم الحجية بالنسبة إلى كل واحد معينا فلا ينافي ما ذكرناه من الظهور
والحجية بالنسبة إلى الواحد لا بعينه واما في صورة التردد بين
الأقل والأكثر من المتصل فالحكم كما ذكره من حصول الاجمال و
التردد بين الأقل والأكثر في العام كما في أكرم العلماء غير الفساق
إذا تردد الفسق بين مطلق ارتكاب الذنب وخصوص الكبيرة فيتردد
العالم غير الفاسق من أجل ذلك بين العالم غير المرتكب للذنب
أصلا وبين العالم غير المرتكب لخصوص الكبيرة والمتيقن من
مدلوله هو الأول فيقتصر عليه واما التردد بين الأقل والأكثر من
المنفصل فالظاهر أن المنفصل فيما له من المدلول واقعا يقطع حجية
العام فتتضيق حجيته بما للخاص من المدلول لا بما علمناه من
مدلوله كما يتضيق ظهوره في صورة الاتصال بماله من المدلول لا بما
علمناه من مدلوله فان الظاهر عدم الفرق بين صورة الاتصال و
الانفصال الا في زوال الظهور أعني في أحدهما دون الاخر مع
282

عدم الاختلاف في زوال الحجية سعة وضيقا فكل مقدار من الظهور
ينثلم في صورة الاتصال ينثلم من الحجية بقدرة في صورة الانفصال
واما دعوى ان العام حجة في مدلوله ولا يزاحم الحجة اللاحجة و
المفروض ان الخاص حجة الا في المتيقن من مدلوله فبالمقدار
المتيقن
من مدلوله يرفع اليد عن العام دون المقدار المشكوك الذي ليس حجة
فيه فمدفوعة بان هذا هو برهان المتمسك بالعام في الشبهات
المصداقية الذي يأتي دفعه بمنع انحصار القاطع للحجة في الحجة و
ان الشئ غير الحجة يكون قاطعا للحجة والمتبع بناء العرف وأهل
المحاورات والعجب من المصنف (قده) تمسك لاثبات حجية العام
في الشبهة المفهومية الدائرة بين الأقل والأكثر بهذا الوجه ثم دفع
المتمسك به لاثبات حجية العام في الشبهة المصداقية بما أشرنا إليه
من عدم انحصار قطع الحجة بالحجة مع أن هذا الدفع يجري بعينه في
المقام أيضا كما أشرنا إليه وبالجملة لم نفهم الفرق بين الشبهة
المفهومية والمصداقية فاما ان يحكم بحجية العام فيهما أو بعدم
حجيته
فيهما والظاهر هو الأخير
قوله وهو في غاية الفساد:
إن كان هذا فاسدا بطل مدعاه في الاشتباه المفهومي وهو حجية العام
في مورد الاشتباه فان دليله هو هذا الدليل بعينه فيكون جوابه هو
هذا الجواب بعينه وقد عرفت ان المختار هو عدم الحجية في كلا
المقامين وان الخاص بمدلوله الواقعي يقطع حجية العام وان لم يكن
بنفسه حجة في تمام مدلوله الواقعي ويؤيده ان ظهور العام في صورة
الاتصال يدفع في موارد الاشتباه في كلا المقامين فان الخاص
بمقدار ما يدفع الظهور في صورة الاتصال يدفع الحجية في صورة
الانفصال
قوله واما إذا كان لبيا:
يعنى إذا كان منحصرا في اللبي اما اللبي الذي يكون على طبقه لفظي
فهو كاللفظي المحض في قطع حجية العام في المصاديق المشتبهة
فان الدليل اللبي لا يقتضى قطع حجيته واللفظي يقتضيه ولا يزاحم
المقتضى غير المقتضى وحسب ما ذكره المصنف من الضابط لقطع
حجية العام وهو إلقاء المولى لحجتين يكون ما فرضناه من قبيله
فتنقطع حجية العام في تمام المصاديق الواقعية للمخصص وان لم
نعرفها
قوله وان لم يكن كذلك فالظاهر بقاء العام:
بل الظاهر عدم الفرق في عدم الحجية بين المخصص اللفظي واللبي
وتوضيح ذلك أنه إذا ورد أكرم كل جيراني وعلم أنه لا يريد إكرام
العدو أو ورد دليل لفظي بذلك فهذا يكون على ضربين (فتارة) يعلم
بان في الجيران عدو وهو لا يريد إكرامه وتردد بين خمسة و
عشرة
283

ومثل ذلك يقطع حجية أكرم كل جيراني في تمام الافراد الواقعية
لعنوان العدو إذ يعلم بذلك ان خطاب أكرم كل جيراني لم يصدر
بداعي الإرادة الجدية لاكرام الكل الذي هو مدلوله وما هو بداعي
الجد مردد بين عددين أقل وأكثر ولا معين للثاني وقد عرفت ان
الظهور بعد القطع بتخصيصه لا يجدى في تعيين إرادة مرتبة من
المراتب فالتمسك به في الافراد المشكوكة باطل بعد العلم بالكبرى
الكلية أعني عدم إرادة إكرام العدو من الجيران ولا يحتاج إلى إحراز
الصغرى واستنتاج النتيجة فيقال هذا عدو وكل عدو لا يجب
إكرامه فهذا لا يجب إكرامه وكون الدليل على الكبرى الكلية هو السمع
مما لا يتصور مدخليته في ذلك (وأخرى) لا يعلم بان في الجيران
عدوا واحتمل ان المولى قد علم بعدم اشتمال الجيران على العدو
فأمر بإكرامهم وهذا يؤخذ فيه بعموم العام لعدم القطع بتخصيصه و
احتمال كون تمام مدلوله مرادا للمولى بل بالأخذ بالعموم يستكشف
عدم العدو فيهم من غير فرق أيضا بين ان يكون المخصص لفظيا و
ان يكون عقليا لكن هذا الفرض خارج عن مورد البحث وانما البحث
في الفرض الأول المعلوم فيه تخصيص العام جزما ولعل الاختلاط
بين الفرضين أوجب إجراء حكم الفرض الثاني على الفرض الأول و
قد عرفت ان الحكم في الفرض الثاني أيضا لا يختص بالمخصص
العقلي
قوله لما كان غير معنون بعنوان خاص:
يعنى العنوان الخاص الوجودي المقابل لعنوان المخصص واما
العنوان الخاص العدمي وهو عدم عنوان المخصص فالباقي تحت
العام
معنون به البتة وقد صرح به المصنف (قده) بقوله بل بكل عنوان لم
يكن ذلك بعنوان الخاص فان قوله لم يكن ذلك بعنوان الخاص هو
بعينه عنوان للعام لكن تعبيره بقوله بل بكل عنوان مسامحة لأنه يوهم
دخل تمام العناوين الوجودية التي ليست بعنوان الخاص لكن على
سبيل البدل وهو باطل قطعا وخلاف المقصود جزما ومقصوده ان
تمام العناوين التي هي ما عدى عنوان الخاص باقية تحت العام لا
انها عناوين للعام وبين الامرين فرق بين فيكون عنوان العام في مثال
كل امرأة ترى الحمرة إلى خمسين الا امرأة من قريش كل امرأة
ليست هي امرأة من قريش فنفي عنوان الخاص يكون عنوانا للباقي
تحت العام وعليه فما فرعه المصنف (قده) على ما أصله من جريان
الأصل الموضوعي المنقح لموضوع العام في غالب الموارد وانه في
المثال يستصحب في المرأة المشكوكة قرشيتها عدم تحقق الانتساب
بينها وبين قريش وان المرأة الكذائية
284

باقية تحت العام كالمرأة التي ليست بقرشية ليس على ما ينبغي فان
مجرد عدم تحقق الانتساب الذي هو السلب الناقص لا أثر له بعد ان
صار عنوان العام بعد خروج الخاص المرأة التي ليست امرأة من قريش
إذ ليست لهذا السلب الناقص في المرأة المشكوكة قرشيتها حالة
سابقة متيقنة لأنها حين ما وجدت اما امرأة من قريش أو امرأة من غير
قريش فالشك حاصل من ابتدأ وجودها وهكذا الكلام في دليل
المؤمنون عند شروطهم بعد خروج الشرط المخالف للكتاب والسنة
فان المصنف (قده) تمسك بعموم المؤمنون عند شروطهم لاثبات
صحة الشرط المشكوك مخالفته باستصحاب عدم المخالفة الذي كان
حين لم يكن شرط ولا كتاب حسب أصله هذا مع أنه ما لم ينسد
احتمال المخالفة في هذا الشرط الموجبة لاندراجه تحت دليل
المخصص لا يجوز التمسك بالعام والاستصحاب المذكور لا يسد
ذلك
الاحتمال وان هذا الشرط ليس شرطا مخالفا الا على القول بالأصول
المثبتة
قوله ربما يظهر عن بعضهم:
هذا جزئي من جزئيات مسألة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية
الذي جوزه فيما إذا كان المخصص لبيا فلا كثير استيحاش منه
توضيح ذلك ان عموم مثل أوفوا بالنذور تارة يكون باقيا على عمومه و
شموله لكل نذر حتى النذر المتعلق بفعل المحرمات وترك
الواجبات فيكون النذر كالاضطرار عنوانا طارئا مغيرا لاحكام العناوين
الأولية وحكم هذا القسم هو انه بالنذر تحل المحرمات المعلومة
فضلا عن الشبهات فإذا شك في حرمة عنوان أو صحته كان النذر
طريقا موصلا إلى الحكم بحليته واما ما ذكره المصنف (قده) من
دخول المسألة بذلك في مسألة التزاحم بين المقتضيين وتأثير الأقوى
منهما لو كان في البين والا لم يؤثر واحد منهما فيحكم عليه بحكم
آخر كالإباحة إذا كان أحدهما مقتضيا للوجوب والاخر للحرمة فهو
جار على خلاف مذاقه في غير مقام من أن الجمع العرفي يقتضى
تقديم أدلة العناوين الثانوية على الأدلة العناوين الأولية هذا إذا كان
دلالة العناوين الأولية إطلاق واما إذا لم يكن لها إطلاق لصورة
طرو العناوين الثانوية فالامر أوضح فان ما لا يقتضى لا يزاحم ما
يقتضى (وتارة أخرى) لا يكون باقيا على عمومه بل يكون مخصصا
بنذر المرجوح أو مطلق غير الراجح وهذا ينقسم إلى الأقسام
المتصورة في التمسك بالعام في الشبهات المصداقية فان دليل
المخصص
اما ان يكون متصلا
أو منفصلا والمنفصل اما ان يكون لفظيا أو لبيا لا إشكال في عدم جواز
التمسك بدليل أوفوا
285

بالنذور المقيد برجحان المتعلق بقيد متصل في مقام الشك في
الرجحان ويجري البحث المتقدم في المقيد بقيد منفصل إذا كان دليل
التخصيص لفظيا كما أن المصنف (قده) بنفسه يلزمه ان يتمسك إذا
كان دليل التخصيص لبيا فليس ما ذكره بعنوان وهم وإزاحة مطلبا
جديدا وراء ما تقدم في الفصل السابق والظاهر أن المتمسك بدليل
أوفوا بالنذور لاثبات صحة الوضوء والغسل بالمائع المضاف ممن
يرى جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية مع كون المقام منها
لان دليل اعتبار رجحان المتعلق لفظي منفصل وعليه فما هذا
الاستيحاش من كلامه بل يحق له ان يتمسك على مبناه كما يتمسك
في غير مقام (ثم) انه لا حاجة في التمسك بعموم أوفوا بالنذور لاثبات
ما ذكر إلى تعلق النذر الفعلي به كما هو ظاهر المتن بل يكفي شمول
العموم لفرض تعلق النذر وان لم يتعلق به فعلا فيقال لو تعلق النذر
بالوضوء بالمائع المضاف وجب الوفاء به ولا شئ من الباطل يجب
الوفاء به فيستنتج من ذلك ان لا شئ من الوضوء بالمائع المضاف
من الباطل
قوله فيما إذا شك في فرد:
يعنى لا من جهة احتمال التخصيص بدليل مستقل باحتمال الاندراج
تحت دليل المخصص كما في كل شبهة مصداقية وقد استند شيخ
مشايخنا المرتضى (قده) في الحكم بعدم جواز التمسك بالعام في
الشبهة المصداقية إلى أن الشك ليس في التخصيص يتمسك بأصالة
عدم التخصيص
قوله وربما يؤيد ذلك:
تأييد جواز التمسك بعموم أوفوا بالنذور عند الشك في صحة المتعلق
ورجحانه وإثبات صحته بما دل على أن الحكم في نذر أمور
مخصوصة باطلة هو الصحة أمر غريب فان ذلك أولا من المعلوم
بطلانه ولو بأدلة ظنية معتبرة والمتمسك لا يرضى بالتمسك بالعموم
فيما علم دخوله تحت دليل المخصص ولو كان علمنا حاصلا من
الحجية فمحصل هذا الدليل ان النذر يوجب قلب أحكام العناوين
الأولية و
يؤثر في صحة المتعلق بعد إن كان باطلا وذلك غير فرض البحث و
(ثانيا) ان ما دل على أن الحكم في الموردين الصحة المطابق لعموم
أوفوا بالنذور لم يدل على أن ذلك من أجل التمسك بعموم أوفوا
بالنذور واستكشاف رجحان المتعلق من ذلك ليستدل أو يؤيد به
المدعى أعني جواز التمسك بالعموم المذكور في كل مقام شك في
رجحان المتعلق واستكشاف رجحانه من ذلك بل دل على أن الحكم
الواقعي هو ذلك وهذا أجنبي بمراحل عن التمسك بالعام عند الشك
في مصداق المخصص فكيف
286

يؤيد به ذلك
قوله ضرورة انه معه لا يكاد يتوهم:
قد تقدم ان ذلك فيما إذا قيد الموضوع بالرجحان أو الإباحة بقيد
متصل اما مع انفصال القيد المستفاد ذلك من إخراج الخالي عن القيد
فالتمسك بالعام عند الشك في القيد يكون من التمسك بالعام في
الشبهة المصداقية الذي تقدم البحث عنه وقد اختار جمع من
المحققين
جوازه وكذا المصنف بنفسه فيما إذا كان المخصص لبيا فما هذا
الاستيحاش هنا
قوله فإذا شك في جوازه:
بل إذا قطع بحرمته صح التمسك المذكور وقد تقدم ان مختار
المصنف (قده) عدم مزاحمة أدلة العناوين الأولية لأدلة العناوين
الثانوية
وان المتبع بمقتضى الجمع العرفي هو أدلة العناوين الثانوية فلا إشكال
اذن في الاخذ بدليل أوفوا بالنذور في الحكم بحلية المنذور و
إن كان حراما قطعيا لولا النذر فضلا عما إذا كان مشكوكا فيه
قوله وانما لم يؤمر بهما:
إن كان المانع مفسدة في الفعل مانعة في تأثير ما فيه من المصلحة في
حصول الطلب وكان الفعل بعد حصول الكسر والانكسار في
الملاكين خاليا عن اقتضاء الطلب وانما يكون الاقتضاء بالنذر فيرجع
هذا الجواب إلى الجواب الثاني وإن كان المانع مانعا خارجيا يمنع
من الطلب لا مفسدة في المتعلق لزمه اتصاف الفعل بالصحة لو أتى به
بداعي ملاك الطلب حتى قبل النذر مع أنه باطل قطعا (ثم) ان
المعتبر في النذر اما رجحان متعلقه قبل رتبة النذر أو الرجحان ولو في
رتبة النذر فيخرج الرجحان الطاري بعد النذر ويظهر من
ثاني جوابي المصنف (قده) ان المعتبر هو الثاني وان الرجحان ولو
في عرض النذر كاف في صحة النذر
قوله واما لصيرورتهما راجحين:
الباء للمصاحبة دون السببية والا تأخر الرجحان عن مرتبة النذر وكان
النذر نذرا لغير راجح فيبطل بمقتضى ما دل على اعتبار
الرجحان في متعلق النذر فالجمع بين دليل صحة النذر في الفرعين مع
دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر يقتضى استكشاف
الرجحان في المتعلق قبلا أو في رتبة النذر ولا يكفي الرجحان الطاري
من قبل النذر لا يقال كما يستكشف الرجحان في الفرعين من
النص الوارد فيهما فليستكشف الرجحان في كلية موارد الشك في
الرجحان إذا تعلق النذر بها من عموم دليل أوفوا بالنذور فان اختلاف
الأدلة بالنصوصية والطهور لا يصلح فارقا في حصول الاستكشاف
المذكور (قلت نعم) لكن ذلك بعد فرض شمول عموم أوفوا
287

لموارد الشك في الرجحان وحجيته فيها وهو ممنوع بعد ورود
التخصيص عليه بإخراج نذر غير الراجح وهذا بخلاف النص الوارد
في
الفرعين فان شموله لهما قطعي فيحصل الاستكشاف المذكور
قوله كما ربما يدل:
ما في الخبر يجتمع مع رجحان الاحرام قبل الميقات أعني اشتماله
على المصلحة لكنها مصلحة مزاحمة بالمفسدة فيه مانعة عن طلبه
قبل
النذر فان أريد من المانع عن الطلب في الجواب الأول ذلك اجتمع ما
في الخبر مع الجواب الأول وان أريد المانع الخارجي عن الطلب
دون المفسدة في الفعل تعين الجواب الأخير الا ان الجواب الأول مع
قطع النظر عن هذا الخبر أيضا يكون باطلا لعدم التزام أحد بصحة
الفعل قبل النذر والحال ان لازم رجحان الفعل بلا مزاحمة مفسدة هو
الصحة
قوله لا يقال لا يجدى صيرورتهما:
لا يخفى عدم توجه هذا الاشكال على ما هو قضية الجوابين وانما
يتجه على من لم يعتبر الرجحان في صحة النذر في الموردين ولم
يستكشف من دليلهما ذلك لا قبلا ولا في عرض تعلق النذر التزاما
بتخصيص دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بدليلهما ولذا كرر
المصنف (قده) الجواب الثاني في جواب الاشكال وإن كان الأوجه
تكريرهما جميعا وبالجملة ذكر هذا الاشكال في ذيل الجوابين لا
أرى له مناسبة (ثم) اعلم أن مجرد رجحان المتعلق للنذر رجحانا
عباديا لا يصحح النذر وان صحح لا يلزم الاتيان بالمنذور على سبيل
التعبد بل لا بد من أن ينذر ان يأتي بالراجح التعبدي على وجه التعبد و
التقرب فحينئذ يصح النذر ويكون قضية أوفوا الاتيان بالمنذور
على الوجه الذي نذر وعليه فدليل أوفوا يكفي في اعتبار التقرب ولا
حاجة معه إلى رجحان المتعلق رجحانا عباديا قبل النذر أو في
رتبته كما دفع المصنف (قده) به الاشكال في فرض الالتزام بتخصيص
دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بدليل الموردين، وقد
عرفت ان أصل ورود الاشكال على تقديره لا غير
قوله هذا لو لم نقل بتخصيص عموم:
لا وجه للقول بالتخصيص بعد إمكان الالتزام بما لا يلزم منه
التخصيص فالتخصيص يكون بعد عدم إمكان شئ من الاستكشافين
لا ان
الاستكشافين يكونان بعد عدم القول بالتخصيص
قوله والا أمكن ان يقال بكفاية الرجحان:
كيف يمكن ان يقال وقد أنكر سابقا إمكان اعتبار قيد التقرب بالامر في
متعلقه وهل هذا الا هو فان المنذور إذا قيد بقصد التقرب و
توجه أمر أوفوا بهذا المقيد بقصد التقرب والفرض ان لا رجحان ولا
أمر قربي قبل هذا
288

الامر كان ذلك من أخذ قيد التقرب بأمر في متعلق نفس ذلك الامر،
اللهم الا ان يعتبر في المنذور قيد التقرب بالحسن وملاك الامر و
الملاك وان لم يكن حاصلا قبل النذر والامر حسب المفروض لكنه
حاصل بعد هما والمعتبر من الرجحان المقرب ما كان حاصلا في
ظرف الفعل إذ بذلك يكون المنذور مقدورا في ظرف الوفاء والمعتبر
من القدرة في صحة النذر هو هذه القدرة من زمان النذر
قوله فيه إشكال لاحتمال اختصاص حجيتها:
قد تقدم استكشاف رجحان متعلق النذر في نذر الاحرام قبل الميقات
والصوم في السفر مما دل على صحة النذر فيهما فان ذلك من جهة
عموم ما دل على بطلان نذر المرجوح فصونا لذلك العموم يحكم
بخروج الموردين عن موضوع نذر المرجوح وقد تقدم أيضا التمسك
بعموم مثل لعن الله بنى أمية قاطبة واستكشاف عدم المؤمن فيهم و
الظاهر أن ذلك مما لا إشكال فيه فان الاخذ بما هو قضية الوضع
لازم وان لزم منه ما لزم ولا يرفع اليد عن مقتضى الوضع ويتصرف في
اللفظ اما في المراد الاستعمالي منه أو المراد الجدي إلا عند
الضرورة التي لا يمكن معها الاخذ بمقتضى الوضع وان شئت قلت إن
قضية مثل أكرم العلماء إثبات الملازمة بين الموضوع والحكم فكما
ان مقتضى طرد القضية هو ثبوت الحكم كلما ثبت الموضوع كذلك
قضية عكسها أعني عكس نقيضها هو انتفاء الموضوع كلما انتفى
الحكم
جواز العمل بالعام قبل الفحص
قوله وعليه فلا مجال لغير واحد مما استدل به:
يعنى ان الاستدلال على وجوب الفحص عن المخصص بالعلم
الاجمالي بتخصيص كثير من عمومات الكتاب والسنة وكذلك
الاستدلال
عليه بعدم توجه الخطابات إلينا وانا لم نقصد بها مع قصر حجية
الظواهر بمن قصد إفهامهم فظواهر العمومات ليس حجة لنا واللازم ح
تحصيل العلم أو الظن بتكليف الموجودين ليثبت الحكم في حقنا
بضم الاجماع والظن لا يحصل الا بالفحص وعدم الطفر بالمخصص
خروج عن محل البحث إذ لا بحث في لزوم الفحص عن المخصص
في هذين الفرضين، وانما البحث والنزاع في موضوع يتحمل القول
بعدم وجوب الفحص وهو موضوع الخلو عن العلم الاجمالي مع كوننا
مقصودين بالخطابات أو عموم حجية
289

الظواهر لغير المقصودين (ثم) ان ملاك البحث يعم كل ظاهر فلا وجه
لتخصيص البحث بالعام، بل ينبغي ان يعنون كليا وهو ان العمل
بالظواهر هل يجوز قبل الفحص عن ما يصرفه عنه أولا (والحق) هو
الجواز إلزاما للمتكلم بما التزم به من الوضع أو غير ذلك من
أسباب الظهور وان لم يحصل ظن شخصي على طبق الظهور بل
حصل الظن على خلافه اما من جهة معرضية الظهور للتصرف أو من
غير
تلك الجهة الا أن تكون حجية الظواهر منوطة بأحد الامرين لكن
المذهب خلافه، واما دعوى الاجماع على عدم الجواز فيبطلها
استدلال
المجمعين بالعلم الاجمالي بالتخصيص أو بغير ذلك مما يخرج
كلامهم عن موضوع البحث (ثم) ان لازم من استدل على وجوب
الفحص
بالعلم الاجمالي انه لو تفحص عن العمومات بمقدار المعلوم
بالاجمال حتى انحل علمه الاجمالي لم يجب الفحص بعد ذلك و
كذلك لازم
من استدل بلزوم تحصيل الظن بتكاليف الموجودين وعدم وجوب
الفحص لو حصل الظن من نفس العام من جهة الظن بعدم تخصيص
ذلك العام وان لم يكن خطابه متوجها إلينا
قوله فيما إذا كان في معرض التخصيص:
لم أفهم المراد من المعرضية أ هو كون العام واردا في صف العمومات
المخصصة جلها كعمومات القرآن والسنة النبوية مثلا أم هو كون
العام مظنة التخصيص نوعا أو شخصا اما الأول فهو مناف لما سيجئ
من ضبط مقدار الفحص بما يخرج به العام عن المعرضية فان العام
لا يخرج بالفحص عن المعرضية بهذا المعنى واما الثاني فهو مناف لما
ذهب إليه من عدم اعتبار الظن بالوفاق ولا عدم الظن بالخلاف
في حجية الظواهر مع أن الظن بعدم التخصيص قد يكون حاصلا
ابتدأ من غير فحص فينبغي ح ان لا يجب الفحص، وهذا الاشكال
يرد
على من يوجب الفحص لأجل حصول الظن لتكليف الموجودين بعد
عدم توجه الخطابات إلينا ولا قصد إفهامنا منها
قوله من العلم الاجمالي به لو حصول الظن:
انما يخرج العام بالفحص عن أطراف العلم الاجمالي إذا كان العلم
الاجمالي حاصلا بتخصيص تلك العمومات بمخصصات هي فيما
بأيدينا
من الاخبار بحيث لو تفحصنا لظفرنا بها فإذا تفحصنا ولم نظفر خرج
العام عن أطراف العلم الاجمالي أو قد عرفت ان العام قد يخرج
بلا فحص عن أطراف العلم الاجمالي كما إذا تفحص عن العمومات
بمقدار المعلوم بالاجمال فحينئذ لا يجب الفحص عما بقي من
العمومات
290

بمقتضى الدليل المذكور أصلا
قوله ثم إن الظاهر عدم لزوم الفحص:
المخصص المتصل أولى بلزوم الفحص من المخصص المنفصل لعدم
إحراز الظهور فيه وإحرازه في المنفصل فالفحص هنا فحص عن
تعيين الظهور، واما الفحص هناك فهو فحص عن مزاحم الظهور
المفروغ عنه ويحتمل الفرق بين صورة القطع بالتقطيع كما في بعض
أخبارنا واحتمال أن تكون لهذه القطعة قرينة في تلك القطعة فيجب
الفحص وبين مورد عدم القطع فلا يجب، ولعل ذلك يرجع إلى
المعرضية التي فصل بها المصنف (قده) في المخصص المنفصل بل
لا بد للمصنف (قده) ان يفصل بذلك هنا أيضا فان المعرضية إذا كانت
مانعة عن العمل بالعام كانت مانعة في المقامين
قوله لا يذهب عليك الفرق بين الفحص:
لا فرق بحسب العمل بين الفحصين كما وكيفا واما بحسب ما ذكره
المصنف (قده) فلا فرق أيضا بين الفحصين في كون كل منهما فحصا
عن تعيين الحجة بعد العلم الاجمالي بوجود حجة ففي المقام لا يعلم أن
العام هو الحجة أو المخصص إذ التقدير لو كان تقدير عدم الظفر
بالمخصص إذا تفحص كان العام هو الحجة وان لم يعلم بحجيته فعلا
ولذا لو علم بعدم الظفر بالمخصص بعد الفحص علم أنه قد كان
العام حجة فعلية له من أول الأمر وهو لا يعلم به ولو كان التقدير تقدير
الظفر بالمخصص إذا تفحص كان المخصص هو الحجة
فيتفحص لتعيين ما هو الحجة، وهكذا الكلام في الفحص في مورد
الأصول العلمية فإنه يعلم بوجود حجة على سبيل الاجمال فاما هو
الأصل إذا كان التقدير تقدير عدم البيان بحيث لو تفحص لما ظفر
بالبيان أو هو ذلك البيان إذا كان التقدير تقدير البيان فليس البحث
وعدم الظفر بالبيان محققا لموضوع الأصل بل كاشف عن تحقق
موضوعه من قبل وهو لا يعلم فهو قبل الفحص يعلم أن حجته اما هو
الأصل أو دليل اجتهادي لو تفحص لظفر به فيتفحص لتعيين حجته
مبحث الخطابات الشفاهية
قوله فاعلم أنه يمكن ان يكون:
ان أراد انه يمكن النزاع في كل من الأمور الثلاثة فذلك حق لكنه
خلاف ظاهر العبارة وان أراد احتمال النزاع الواقع في هذه المسألة
لكل
من الثلاثة فهو بالنسبة إلى الأول من الثلاثة في غاية البعد بل الظاهر هو
الأخير،
291

وإن كان منشأ النزاع فيه النزاع في صحة مخاطبة المعدوم أو كان النزاع
فيه بعد الفراغ عن صحة مخاطبة المعدوم فيقع النزاع في
فعليتها أعني في وقوع المخاطبة في الخطابات الشفاهية مع
المعدومين (ثم) ان البحث في المقامين الأولين لا يترتب عليه أثر
حتى ينضم
إليهما البحث في الثالث فان مجرد جواز تكليف المعدومين وأيضا
جواز مخاطبتهم لا يثبت التعلق الفعلي والمخاطبة الفعلية فلا بد من
البحث عن ذلك أيضا، واما البحث في الثالث فهو مغني عن البحث
في الأولين اما على تقدير اختصاص الخطابات الشفاهية بالحاضرين
فواضح، واما على تقدير عمومها وشمولها للمعدومين والغائبين
فنفس العموم المذكور يكون دليلا على صحة تعلق التكليف بهم و
كذلك صحة مخاطبتهم
قوله إذا عرفت هذا فلا ريب:
محصل ما أفاده ان الطلب المتنازع في صحة تعقله بالمعدومين اما ان
يراد منه الطلب الحقيقي والإرادة القائمة بالنفس أو انشاء الطلب،
فان أريد الثاني فلا ريب في صحته فان مجرد الانشاء لا شرط له و
يصح تعلقه بمن لا يوجد أبدا فضلا عمن سيوجد بعد حين وليس من
شرط الانشاء ان يكون بداعي الجد كي يكون مقيدا بقيود الجد كما
تقدم في بعض المباحث المتقدمة، وان أريد الأول فهو أيضا ينقسم
إلى القسمين فتارة يراد صحة تعلق الطلب الحقيقي التنجيزي المطلق
بالمعدومين بان يراد منه الاتيان بالفعل فعلا وقبل ان يوجد وهذا
لا إشكال في بطلانه ولا ينبغي البحث عنه، وأخرى يراد الطلب
الفعلي بالفعل الكائن في وعاء الوجود والقدرة وباقي الشرائط أو
الطلب الكائن في ذلك الوعاء بناء على ما ذهب إليه المصنف من
إمكان اشتراط الوجوب كإمكان اشتراط الواجب وهذا لا ريب في
صحته
فلو أنشأ كذلك أعني مقيدا بوجود المكلف كان إنشائه عن جد سوأ
كان القيد قيدا للهيئة أم قيدا للمادة وينبغي ان يكون هذا هو المراد
من قوله في ذيل العبارة هذا إذا أنشأ الطلب مطلقا إلخ وعلى ذلك
فجميع ما أنشأ من الطلب في الشريعة الشامل للحاضرين والغائبين و
الموجودين والمعدومين إنشاءات صادرة بداعي الجد وهو في
الموجودين الجامعين لشرائط التكليف بحصول
الإرادة المطلقة التنجيزية على طبقه وفي غير هم أعم من المعدومين
والموجودين غير الجامعين للشرائط بالإرادة التعليقية أعني
الإرادة الفعلية المتعلقة بالفعل المتأخر الحاصل في ظرف الوجود و
القدرة أو بالإرادة المشروطة أعنى الإرادة على ذلك التقدير بناء
على
292

معقولية اشتراط الوجوب (وبالجملة) لا وجه لرفع اليد عن الجد و
حمل التكاليف المطلقة المنشأة بالنسبة إلى المعدومين على الانشاء
المجرد بل الانشاء صادر بداعي الجد (نعم) الجد ليس مطابقا للانشاء
في الكيفية لاطلاق الانشاء مع تقييد الجد فلو أنشأ مقيدا كان خاليا
عن هذا المحذور أيضا فالانشاء المجرد عن الجد هو ما خلا عن الجد
رأسا كما في انشاء الطلب من الجمادات كالشجر والمدر (ومن
ذلك يظهر) ان انشاء الواقف على البطون ليس انشاء خاليا عن الجد
بالنسبة إلى البطون اللاحقة بل هو انشاء عن جد وهو قصد تحقق
الملك في وقت معين بل ذلك أوضح من المقام ومن قبيل الانشاء
مقيدا بالنسبة إلى البطون اللاحقة فان ملكية كل بطن في وعاء وجوده
قد أنشئت حالا كما أنشئت ملكية البطن الموجود فعلى طبق كل مما
أنشأ قصد وإرادة ولذا يؤثر الانشاء الحاصل فعلا في تحقق الملكيات
المقصودة في أوعيتها كما يؤثر في تحقق الملكية الفعلية للبطن
الموجود
قوله ولا يكاد يكون الطلب كذلك:
قد عرفت ان تعلق الطلب الفعلي والإرادة الفعلية بالمتأخر مما لا مانع
منه مع وجود المكلف والمراد منه في ذلك الوعاء واجتماع سائر
شرائط التكليف هنا لك وان تخلف هاهنا فان صحة التكليف منوطة
بالشرائط في ظرف الامتثال لا في ظرف الطلب ومثل تلك
الشرائط وجود المكلف، هذا في الطلب الفعلي لأمر متأخر واما
الطلب المتأخر المنشأ حالا فهو أوضح من ذلك
قوله واما إذا أنشأ مقيدا:
ينبغي تعميم التقييد إلى ما كان راجعا إلى الهيئة وما كان راجعا إلى
المادة فإنه يمكن تحقق الجد على طبق كل من الانشاءين المقيدين
فإنشاؤه يكون عن جد لا انشاء خاليا عن الجد كما في صورة الاطلاق و
قد عرفت ان في صورة الاطلاق أيضا لا يكون الاطلاق عن جد لا
أصل انشاء الطلب فيحكم بالجد بالمقدار الممكن وهو تحقق الطلب
فعلا بالامر المقيد فان الضرورة تقدر بقدرها وبمقدار ما لا يمكن
فيه الجد يرفع اليد عن الجد اللهم الا ان يقال بعد قيام الصارف عن
حمل اللفظ على الجد في تمام مدلوله لم يحرز بناء من العقلا على
حمله على الجد في بعض مدلوله
قوله وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم:
بل لا ريب في صحته فان الخطاب هو إلقاء الكلام لفظا كان أم كتبا أم
من سائر الدوال إلى الغير لغرض افهام ذلك الغير المعنى و
المدلول وليس يعتبر فيه التوجيه للكلام بمعنى ان يكون وجها لوجه و
الا لم يتحقق الخطاب في
293

والطوامير والمصنفات ومن المعلوم ان هذا الغرض يتحقق من
المعدوم والغائب كما يتحقق من الموجود المواجه ولا يعتبر في
الافهام
الفورية والاتصال بزمان الخطاب فالتكلم مع البعيد بالتلفون خطاب و
بالمراسلات الكتبية خطاب ومع الموجود خطاب ومن سيوجد
ويلتفت إلى الخطاب خطاب (نعم) مع من لا يوجد كالخطاب مع
الجبل والشجر وسائر الجمادات في كلام الشعراء ليس خطابا حقيقيا
بل انشاء خطاب محض (وبالجملة) لا فرق بين خطاب النائي الذي لا
يصل إليه الخطاب الا بعد حين وبين خطاب المعدوم فكما ان الأول
خطاب حقيقي فكذا الثاني فان مجرد عدم وجود المخاطب فعلا في
الثاني ووجوده في الأول لا يكون فارقا بعد وجوده في الزمان
الذي قصد تفهيمه فيه فان مدار صحة المخاطبة الحقيقية كالطلب
الحقيقي على وجود من يقصد تفهيمه في ظرف المقصود لا في ظرف
الخطاب والقصد فان الالقاء لغرض التفهيم يتم بذلك (نعم) في كون
ما ألقى لغرض التفهيم خطابا تام الحقيقة أو مادة للخطاب و
صورته العقلية تكون متحصلة بفعلية السماع والفهم كما في الالقاء
بالنسبة إلى الاهراق إشكال، وهذا الاشكال لا يختص بالمقام بل
يجري في خطاب الموجود المتوجه إلى الكلام أيضا
قوله ومنه قد انقدح ان ما وضع للخطاب:
هذا هو النزاع الثالث ويبتنى ذلك على اختيار عدم جواز مخاطبة
المعدوم والغائب في النزاع الثاني إذ على تقدير القول بجواز
مخاطبة المعدوم هناك تكون الخطابات شاملة للمعدومين على كل
تقدير لان الأداة سوأ كانت موضوعة للخطاب الحقيقي أم الانشائي
الايقاعي تجتمع مع عموم المتعلق (وأيضا) النزاع فيه مبنى على
اختيار إمكان تكليف المعدوم ولو مقيدا في النزاع الأول، واما على
القول باستحالته فالنزاع يكون لغوا لعدم ثمرة مترتبة على عموم
الخطابات بعد عدم شمول التكاليف المنشأة بها للغائبين بحكم العقل
فالبحث الثالث مرتب على البحثين الأولين مع اختيار الاثبات في
البحث الأول والنفي في البحث الثاني دون العكس ودون اختيار
الاثبات أو النفي في كلا البحثين (ثم) ان ظاهر المصنف (قده) عدم
مزاحمة ظهور مدخول الأداة ولو كان في غاية القوة لظهور الأداة و
لو كان في غاية الضعف فلو كان للأداة أدنى ظهور في الخطاب
الحقيقي ولو ظهورا انصرافيا فضلا عن الوضعي أخذ بظهورها و
خصص به عموم المدخول ولو كان عموما وضعيا مثل يا أيها
المؤمنون ولعل السر فيه مع أن
294

القاعدة تقتضي الاخذ بأقوى الظهورين والتصرف في الظهور الاخر هو
ان ظهور الأداة من قبيل ظهور القيد المقدم على ظهور ذي القيد
وإن كان ذاك بالاطلاق أو الانصراف وهذا بالوضع
قوله ضرورة وضوح عدم اختصاص:
ان أراد أن سنخ ذلك الحكم لا يختص بالموجودين فهو لا يصلح ان
يكون مانعا من الانصراف فان الحكم الذي تضمنه الخطاب وأنشأ
بشخص هذا الكلام لعله كان خصوص حكم الموجودين واشتراك
المعدومين معهم في جنس ذلك الحكم لا يقتضى ان يعمهم إنشائه، و
ان
أراد أن شخص الحكم المنشأ بتلك الخطابات عام شامل للمعدومين
فذلك يحتاج إلى دليل وانما البحث في ذلك ومع ثبوته لا حاجة إلى
البحث عن عموم الخطاب وشموله للمعدومين (فالأولى) تبديل
الاستدلال بعموم الحكم بالاستدلال بعموم لفظ المدخول مثل
المؤمنون
من ألفاظ العموم الواقعة تلو الأداة، لكن لو صح ذلك فسد ما استظهرنا
منه في الحاشية السابقة عن عدم مزاحمة ظهور مدخول الأداة
لظهور الأداة وإن كان ظهور المدخول بالوضع وظهور الأداة
بالانصراف فان مقتضى هذا موازنة الظهورين حتى فيما لو كان
وضعيين فيقدم الأقوى ظهورا على الأضعف ظهورا
قوله ضرورة ان إحاطته لا يوجب:
يعنى ان المعدوم من عالم المادة لا يصلح لخطاب الماديين وهو
الخطاب بالألفاظ ونحوها من الدوال وإن كان موجودا في عالم آخر و
صحت مخاطبته بخطاب يناسب ذلك العالم قال الله تعالى (وإذ أخذ
ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست
بربكم (قالوا بلى) وبالجملة محل البحث ليس مطلق المخاطبة بل
خصوص خطاب الماديين ولا يعقل خطاب الماديين لمن لم يكن من
الماديين
قوله هذا لو قلنا بان الخطاب بمثل إلى قوله حقيقة إلى غير النبي صلى
الله عليه وآله:
يعنى انه شامل لغيره لا يختص بغيره ومقصوده من الخطاب
المخاطبة الحقيقية بتوجيه الكلام إلى حضرته لا كون أداة الخطاب
مستعملة
في الخطاب الحقيقي لحضرته فإنه ينافي حمله للأداة على الخطاب
الانشائي ولو مجازا والمعنى انه إذا كان المواجه إليه الكلام خصوص
النبي صلى الله عليه وآله لم يكن محيص من التصرف في أداة
الخطاب لعدم إمكان حمله على الخطاب الحقيقي ح لكن هذا إذا لم
يمكن
حمل لفظ المؤمنون والناس على إرادة النفس النبوية ولعله بمكان من
الامكان فإنه لقوة إيمانه وموازنته بل ترجيحه على إيمان جميع
المؤمنين وكماله في الانسانية يمكن ان يدعى ان نفسه المقدسة
جميع
295

المؤمنين وجميع الانسان فيدور الامر بين هذا التصرف وإبقاء الأداة
على ظاهرها وهو الخطاب الحقيقي وبين التصرف في الأداة
بحملها على الخطاب الايقاعي وبناء على ما استظهرناه من المصنف
(قده) سابقا من عدم مزاحمة ظهور المدخول لظهور الأداة وتبعيته
له يتعين الأول (نعم) لو لم نقل بذلك وكان ظهور الأداة في الخطاب
الحقيقي ظهورا غير مستند إلى الوضع تعين التصرف فيها حفظا
لظهور المدخول إذا كان بالوضع
قوله لا مجال لتوهم اختصاص الحكم:
يعنى اختصاص انشاء الحكم بتلك الخطابات بالحاضرين والا
فالتكاليف الواقعية غير مختصة على كل حال للاجماع والضرورة على
الاشتراك وليست ثمرة تعميم الخطابات وتخصيصها، تعميم تلك الأحكام
وتخصيصها واما ثمرة تعميم الانشاءات وتخصيصها
فسيجئ التعرض لها
قوله وفيه انه مبنى على اختصاص:
الأولى ان يقال إنه مبنى على اختصاص حجية الظواهر بالمخاطبين
لان البحث في عموم الخطابات ولا يكون ما ذكر ثمرة لذلك البحث
الا على ذلك المبنى (نعم) لو كان البحث في عموم المقصودية
بالافهام ثم ذكر هذه ثمرة صح ما ذكره المصنف (قده) من الابتناء و
كأنه
(قده) تعمد ما ذكره ليتسع له مجال الجواب وتتعدد منه الأجوبة
قوله وعدم صحته على عدمه:
والوجه في ذلك ان الظواهر المستندة إلى مقدمات الحكمة وقبح
عدم بيان القيد في مقام البيان مع إرادة القيد انما تنعقد مع تمامية
المقدمات ومن المعلوم انه لا قبح في عدم بيان القيد مع دخله فيما
إذا علم الامر ان القيد حاصل في المكلف بحيث لا يتطرق إليه الفقدان
فإذا وجه إلينا الخطاب ورأينا في أنفسنا التخلف وتغير الحالات صح
التمسك بالاطلاق وتعميم الحكم للحالات المختلفة لقبح إرادة
حالة واحدة عدم بيان دخلها واما إذا وجه الخطاب إلى غيرنا لم يسعنا
الحكم بتعميم الحكم إلى تمام الحالات المعتورة علينا إذ لعل
الحكم كان مقيدا بحالة واحدة من تلك الحالات وقد علم المولى
حصولها في مخاطبيه وانما لم يصرح بالقيد تعويلا على ذلك و
المفروض انه لا قبح في عدم بيان القيد في مثل ذلك فلأي وجه
يحكم بالاطلاق في تمام هذه الحالات المختلفة (وبالجملة) فهذه
الثمرة
تختص موردها بخصوص الظواهر المستندة إلى مقدمات الحكمة
فيما إذا علم أو احتمل اختصاص الموجودين الحاضرين بخصوص
عنوان احتمل دخله في الحكم بعد الفراغ عن جواز أخذ المعدومين
بسائر الظواهر ولو لم يكونوا مخاطبين
296

ولا مقصودين بالخطاب (والجواب عن هذه الثمرة) ان الاطلاق
بمقدمات الحكمة كما يجري ويتم في حق المعدومين لو كانوا
مخاطبين
كذلك يجري في حقهم لو كانوا مقصودين بالافهام وقد تقدم في كلام
المصنف (قده) ان المعدومين مقصودون بالافهام (بيان ذلك) انه
كما يلزم على الامر الحكيم إذا كان في مقام البيان ان يبين حكمه بتمام
ما هو دخيل فيه من القيود التي يحتمل تخلفها في حق المخاطبين
كذلك عليه ان يبين مثل هذه القيود في المقصودين بالافهام من غير
المخاطبين إذا كانت دخيلة في حقهم فلو لم يبين تلك القيود مع
دخلها لكان قبيحا فبعدم البيان في مقام البيان يستدل على عدم
الدخل فالمخاطبون ونحن المقصودين بالافهام سيان في التمسك
بالاطلاق نعم غير المقصودين ليس لهم ذلك ولكن قد عرفت اننا
مقصودون بالافهام، واما ما أجاب به المصنف (قده) عن الثمرة أعني
به التمسك بالاطلاق في حق المخاطبين (ثم) إثبات الحكم المطلق
في حق غيرهم بالاجماع على الاشتراك في التكليف (فجوابه) يظهر
من
كيفية تقريرنا للثمرة فان موردها ما إذا احتمل وجدان المخاطبين لما
يحتمل دخله من القيود بحيث لم تكن تختلف عليهم وجودا تارة و
عدما أخرى، ومعه كيف يتمسك بالاطلاق بعد عدم القبح في ترك
المولى بيان القيد تعويلا على تحققه
قوله وكونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق:
قد عرفت ان كونهم كذلك بحيث لا تختلف عليهم الحال بلحاظ
وجود القيد تارة وعدمه أخرى يوجب صحة الاطلاق ومجرد كون
القيد
ممكن الارتفاع مع عدم الارتفاع خارجا لا يوجب قبح الاطلاق مع
إرادة القيد فان المدار في صحة الاطلاق تعويلا على تحقق القيد انما
هو
على فعلية القيد ودوامه في علم المولى لا على إمكان ارتفاعه أو
احتمال العبد لارتفاعه وهذا في غاية الوضوح
قوله وليس المراد بالاتحاد في الصنف الا الاتحاد:
لعل المراد من العبارة دفع ما يمكن ان يقال إلزاما له بما اعترف به في
عبارته السابقة بقوله وان صح فيما لا يتطرق إليه ذلك: من أن
ذلك يكفي ثمرة للبحث، فأفاد في الدفع ان تلك الخصوصيات غير
المتطرق إليها الفقدان مما لا يحتمل دخلها في الاحكام ليحتاج إلى
التمسك بالاطلاق في دفع دخلها فيدفع دخلها بالتمسك بالاطلاق
على تقدير شمول الخطابات للمعدومين وتبقى محتملة الدخل على
تقدير عدمه والاحتياج في تعميم الحكم إلى الاجماع المختص
بصورة الاشتراك في الخصوصيات فان تلك الخصوصيات غير
المتطرق
إليها الفقدان انما
297

هي من قبيل طول القامة وكبرا الجثة وقوة المزاج وسائر ما يشابههما
من الخصوصيات وهي غير محتمل الدخل في الاحكام كي
يحتاج إلى الاخذ بالاطلاق في دفعها فتكون موردا للثمرة (لكن) على
ما ذكرنا تحصل المنافاة بين قوله في ذيل العبارة بل في شخص
واحد بمرور الدهور والأيام: وقوله هنا وان صح فيما لا يتطرق إليه
ذلك:
قوله ودليل الاشتراك انما يجدى:
مقصوده ان دليل الاشتراك لا زال محتاجا إلى ضم التمسك بالاطلاق
إليه ولا يتم ذلك بدون التمسك بالاطلاق ولو في حق المشافهين
فكيف يسوغ مع ذلك جعل ثمرة البحث التمسك بالاطلاق وعدمه
فان ذلك انما يكون إذا كان دليل الاشتراك مستقلا في إثبات الحكم
على تقدير كون الخطابات مختصة بالحاضرين وليس الامر كذلك
فالاختلاف بين عموم الخطاب وعدمه بعد اشتراكهما في الحاجة
إلى التمسك بالاطلاق انما يكون في الحاجة إلى ضم دليل الاشتراك
على تقدير حيث إن التمسك بالاطلاق يكون في حق المشافهين و
تسرية الحكم إلى غيرهم تكون بالاجماع وعدمها على تقدير آخر
حيث يكون التمسك بالاطلاق في حق غير المشافهين ابتدأ
قوله أو في كلام واحد مع استقلال العام:
لا بد ان يراد من الوحدة والتعدد بقرينة اشتراط استقلال العام بحكم
فيما إذا كان الكلام واحدا الاتصال والانفصال بتخلل السكون في
البين دون وحدة الجملة وتعددها وعليه يكون هذا التعميم منافيا لما
ذكره في آخر كلامه من تخصيص البحث بما إذا لم يعد ما اشتمل
على الضمير مما يكتنف بالكلام وإخراج الكلام المتصل الواحد كما
في الآية، الا ان يقال إن الكلام المتصل الواحد ينقسم إلى قسمين
فتارة تكون الجملة المشتملة على الضمير مما يكتنف عرفا بالعام و
أخرى لا يكون كذلك كما في كلام طويل مشتمل على العام وذيله
على الضمير وفيه ما لا يخفى
قوله فلا شبهة في تخصيصه به:
لا معنى للتخصيص ولا يترتب عليه أثر بعد عدم اختصاص العام
بحكم فان أثر التخصيص يظهر في حكم العام والمفروض ان لا حكم
له، واما حكم الضمير فقطعي الاختصاص في مفروض البحث، و
ينبغي تقييد محل الكلام بما إذا علم استعمال الضمير في بعض افراد
العام واما مع احتمال استعماله في الجميع وان اختص حكمه
بحسب ما علم من الأدلة بالبعض فلا مجرى لهذا البحث بل يكون
المتعين ح
الاخذ بالعام وإرجاع الضمير إليه بحسب الاستعمال والتصرف في
المراد الجدي لما علم من اختصاص الحكم ببعض افراده
298

وهذا هو مختار المصنف (قده) في كل عام قد خصص بدليل منفصل
فان التخصيص عنده لا يوجب التجوز في لفظ العام باستعماله في
الخاص بل يوجب قصرا في الحكم الواقعي وتخصيصا في المراد
الجدي
قوله لا في تعيين كيفية الاستعمال:
وضابطه عدم اختلاف العمل بالبناء على الظهور فيه واما إذا اختلف
العمل فيبنى فيه على الظهور قطعا ويكون ذلك من تعيين المراد
غاية الأمر كما يكون تارة من تعيين المراد المطابقي أو التضمني كذلك
يكون أخرى من تعيين المراد الالتزامي مع القطع بالمراد
المطابقي، ومن ذلك المقام فان اللازم من حمل الضمير على حقيقته
ان يكون المراد من المطلقات في الآية بعض المطلقات فيحمل
الضمير على حقيقته لأجل تعيين هذا المراد من القطع بالمراد من
نفس الضمير
قوله والا فيحكم عليه بالاجماع:
ليت شعري إذا لم يكن في جانب الضمير ظهور وأصل يعارض أصالة
الظهور في جانب العام في صورة الانفصال وانعقاد الظهور للعام
فمن أين جاء هذا الظهور في صورة الاتصال والاكتناف حتى أوجب
الاجمال بعد وضوح ان اتصال ما لا ظهور فيه بما فيه الظهور لا
يوجب الاجمال وفي مثل أكرم العلماء الا بعضهم انما يحصل
الاجمال في العام لاتصال ما هو ظاهر في التخصيص مع إجماله في
مقدار
التخصيص
مبحث المفهوم المخالف
قوله مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق:
وذلك لقوة الظهور في المفهوم الموافق فان دلالة الأصل بالمنطوق
اللفظي ودلالة الفرع بحكم العقل القطعي (نعم) لو كانت الدلالة
اللفظية المستتبعة لحكم العقل بالمفهوم دلالة ضعيفة لا تقوى على
دلالة العام تركت هذه الدلالة ويذهب المفهوم بتبعها لكن ذلك ليس
من محل الاتفاق فان الاتفاق واقع على أن المفهوم الموافق بما هو
مفهوم يقوى على ما يقابله من العموم وذلك لا ينافي ضعفه بضعف
أصله ومنشأه فيترك ح من أجل ذلك
قوله وتحقيق المقام انه إذا ورد:
أراد بذلك المصنف (قده) التنبيه على أن المفهومية ليست مما توجب
الوهن والضعف في الدلالة ببيان ان قانون العلاج في المقام هو
قانونه في غيره مما كان المتعارضان منطوقين وهو الاخذ بالأظهر
منهما إن كان والا فالتساقط والرجوع إلى الأصل العملي في مادة
المعارضة من غير فرق بين صورتي اتصال المتعارضين وانفصالهما الا
في حصول الاجمال الحقيقي
299

تساوى الظهورين في الصورة الأولى والاجمال الحكمي بمعنى عدم
حجية الظهورين مع انعقادهما في الصورة الثانية واما عمل
الصورتين خارجا فواحد (ثم) ان فرض تزاحم الظهورين الذي يؤل إلى
الاجمال مع المساواة وإلى الاخذ بالأظهر مع الاختلاف في مرتبة
الظهور واضح في الظهورين الوضعيين، واما في الظهورين الاطلاقيين
فالتزاحم هناك ليس تزاحما في الظهورين الفعليين لعدم
معقولية اقتضاء المقدمات العقلية وهي مقدمات الحكمة لظهورين
متهافتين ليحكم بطرحهما أو طرح أحدهما بالمعارضة بل تتزاحم
مقدمات الحكمة في الجانبين حيث إن نتيجتهما متهافتة متعارضة
فتماميتها في أحد الجانبين تنافي تماميتها في الجانب الآخر فيحكم
بعدم التمامية وعدم كون المتكلم في مقام البيان في كلا الجانبين
(نعم) إذا كانت المقدمات في أحد الجانبين قطعية كما إذا أحرز
بالقطع في أحدهما ان المتكلم كان في مقام البيان ولم يبين وكانت في
الجانب الآخر محرزة بالأصل أعني أصالة كون المتكلم في مقام
البيان حسب ما يأتي حكم بالاطلاق في الأول واستفيد منه خطأ
الأصل في الثاني وان المتكلم لم يكن في مقام البيان وهذا معنى
الأظهرية والاخذ بالأظهر في الظهور الاطلاقي كما أن الذي ذكرناه أولا
هو معنى المساواة لا ان هناك ظهورين فعليين متساويين أو
أحدهما أظهر كما في الظهورين الوضعيين
فالمساواة والأظهرية هنا بمعنى المساواة والأقوائية فيما هو مقتضى
الظهور أعني المقدمات لا فيه نفسه
مبحث تعقب الجمل المتعددة بالاستثناء
قوله الاستثناء المتعقب للجمل:
لا يخفى ظهور الاستثناء في الرجوع إلى الأخيرة فيما إذا كان الاستثناء
قيدا للموضوع لا إخراجا عن الحكم كما أن الظاهر بل المتعين
رجوعه إلى الجميع إن كان إخراجا عن الحكم فيما إذا لم يتكرر ذكر
الحكم في الجمل المتعاطفة كما في مثل أكرم العلماء والشرفاء و
الشعراء الا الفساق فان المستثنى منه في الحقيقة هو الحكم وهو
واحد غير متعدد فلا يكون داخلا في محل البحث فالداخل في محل
البحث هو مثل أكرم العلماء وأكرم الشرفاء وأكرم الشعراء الا الفساق،
والظاهر بمقدمات الحكمة إذا كان المتكلم في مقام البيان ولم
يقم قرينة على الرجوع إلى غير الأخيرة هو الرجوع
300

إليها فان رجوعه إلى غير الأخيرة يحتاج إلى البيان وهذا ظهور إطلاقي
لا من مجرد الاخذ بالمتيقن فيعارض به ظهور الدليل المنفصل
القائم على الرجوع إلى الجميع
قوله وإن كان المتراءي من كلام صاحب المعالم:
ان صاحب المعالم (قده) لم يمهد المقدمة لصحة رجوعه إلى الكل بل
لبيان ان ذلك أحد معانيه الحقيقية وليس في كلامه (قده) ما يترأى
منه ما ذكره المصنف قده
قوله لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية:
مقصوده ان الأداة سوأ اتحد طرفاها أعني المستثنى والمستثنى منه
أم تعددا أم اختلفا بالتعدد في جانب والاتحاد في آخر لم تستعمل
الا في معنى واحد لا في المتعدد من معانيها ولو قلنا بوضع الأداة
بالوضع العام والموضوع له الخاص بإزاء جزئيات الاخراج فان
الاخراج من المتعدد مصداق واحد من مفهوم الاخراج لا مصاديق
متعددة ليلزم استعمال المشترك في أزيد من معنى واحد على هذا
القول
فيمتنع فلو رجع الاستثناء إلى الجميع أو إلى خصوص الأخيرة لم يكن
فرق من ناحية استعمال الأداة في معنى واحد من معانيها بناء على
الوضع العام والموضوع له الخاص فضلا عن الوضع العام والموضوع
له العام
نعم غير الأخيرة أيضا لا يكون ظاهرا
: لا وجه لان لا يكون ظاهرا في العموم بمجرد اكتناف لفظ مجمل به
فان المانع عن الظهور هو الاكتناف بما يكون أظهر وهو الصالح
للقرينية نعم اكتناف ما يساوي في الظهور يوجب الاجمال بعد عدم
إمكان الاخذ بالظهورين لتهافتهما واما ما لا ظهور فيه فاكتنافه
بما فيه الظهور لا يضر به بل ما فيه الظهور يكون مبينا لما لا ظهور فيه و
رافعا لاجماله (ومن ذلك يظهر) ان اعتبار أصالة الحقيقة
تعبدا أو من باب الظهور لا يوجب اختلافا في ذلك لان الظهور محفوظ
لا يرتفع بالاقتران بلفظ مجمل (نعم) أصالة العموم في العمومات
السابقة على الأخيرة معارضة بأصالة العموم في جانب المستثنى في
مثل أكرم العلماء والشرفاء والشعراء إلا الفساق منهم فان عموم
لفظ الفساق وشموله لفساق الطوائف الثلاث يقتضى رجوع الاستثناء
إلى الجميع كما أن عموم العمومات السابقة على الأخيرة يقتضى
عكس ذلك ولأجل ذلك يحصل الاجمال فلا الأداة بنفسها تعين
المرجع ولا العموم في شئ من الجانبين، لكن قد عرفت ان الرجوع
إلى
الجميع يحتاج إلى البيان ومع عدمه فمقدمات الحكمة تقتضي
الرجوع إلى الأخيرة فينعقد الظهور الاطلاقي بمقدمات الحكمة في
الرجوع إلى الأخيرة والثمرة بين هذا وبين الارجاع إلى الأخيرة من
باب
301

القدر المتيقن يظهر في معارضة هذا الظهور مع ظهور منفصل يقوم
على الرجوع إلى الجميع
قوله لم يكن على خلافه عموم الكتاب:
ولو مثل عموم أحل لكم الطيبات: وكلوا مما في الأرض حلالا طيبا: و
قوله تعالى فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه إلى غير ذلك من
العمومات، لكن وجود عمومات كتابية غير معلومة التخصيص
بالاجمال ولا كونها من أطراف ما علم تخصيصه وكذلك وجود
إطلاقات
واردة في مقام البيان على خلاف الأخبار الخاصة جميعا أو غالبا
ممنوع
مبحث تخصيص الكتاب بالخبر الواحد
قوله والسر ان الدوران في الحقيقة:
يعنى ان الدوران والتعارض بين عمومين قطعي السند وهما عموم
الكتاب وعموم دليل صدق العادل الشامل للاخبار المخالفة والا
فقول العادل بما هو ومع قطع النظر عن دليل صدق ليس إلا كقول
الفاسق في عدم العبرة به فالذي هو في عرض عمومات الكتاب هو
الدليل الذي جعل قول العادل حجة وهو عموم صدق بل في الحقيقة
تمام أقوال العدول في الموارد المختلفة واقعة في طي دليل صدق
بنحو اللف والاجمال فالإمام عليه السلام بقوله صدق قد تعرض
لتمام تلك الأقوال المتشتتة فتقع المعارضة بين عموم هذا القول و
عموم
الكتاب والنسبة وإن كانت هي العموم من وجه لكن المقام هو عموم
صدق لصلاحيته للقرينية دون العكس وذلك لحكومة عموم صدق و
نظره إلى تلك العمومات بنصب ما يكون قرينة عليها أعني نصب
الأخبار الخاصة الواردة على خلافها بإزائها فان معنى الاخذ بتلك الأخبار
هو إلغاء ما يقابلها من العمومات وهذا بخلاف تلك
العمومات فإنه مع الاخذ بها لا يمكن الاخذ بعموم صدق من غير أن
تكون
ناظرة إليه، (ويمكن) تقرير الصلاحية للقرينية من جانب دليل صدق
دون العكس بأنه لو أخذ بعمومات الكتاب يلزم طرح دليل صدق أو
ما هو بحكمه لما عرفت من ندرة رواية لم يكن على خلافها عموم
الكتاب بخلاف العكس فإنه لا يلزم الا تخصيص عمومات الكتاب و
كلما دار
الامر بين عامين من وجه كذلك أخذ بما لا يلزم من الاخذ به تخصيص
الأكثر ويترك العام الاخر
قوله الا انه لا محيص عن أن يكون:
مجرد العلم بصدور الاخبار المخالفة للكتاب بالعموم والخصوص
المطلق منهم لا يصلح لرفع اليد عن ظاهر الاخبار بحملها على غير
302

هذه المخالفة ولا سيما مع ندرة صدور ما يخالف القرآن على وجه
التباين منهم فلعلهم عليه السلام رأوا المصلحة في ترك تمام ما كان
مخالفا مقدمة لطرح ما لم يصدر منهم من الاخبار المخالفة وان لزم من
ذلك ضمنا طرح ما صدر، ونظيره ما صدر من الامر بطرح
الاخبار الموافقة للعامة ولعل كثيرا منها كان صادرا منهم في بيان
الحكم الواقعي، ونظيره في الفروع الفقهية ما ورد من الامر بإراقة
الانأين المشتبهين والتيمم مع أن الوضوء بالطاهر منهما واجب و
دعوى عدم دخول المخالف كذلك تحت عنوان المخالفة عرفا بينة
الفساد كيف وقد عد الاستثتناء بالمتصل تناقضا فما ظنك بالمنفصل
(نعم) العلم بصدور المخالف كذلك يوجب رفع اليد عن ظاهر ما
دل من الاخبار على أنهم لم يقولوه وانه زخرف أو باطل
قوله مع قوة احتمال ان يكون المراد:
بل هو ضعيف في الغاية فإنه يكون ح من قبيل بيان الواضحات عند
أصحابهم المخاطبين بهذا الكلام مضافا إلى أنه يكون من قبيل
القصص التي لا أثر لها مع أن ظاهر كثير من الاخبار انها في مقام إعطاء
ضابط ما يؤخذ به من الاخبار وما يترك منه ولا محيص من أن
يكون المراد من المخالف المخالف بنظر أعني ما يكون مخالفا لظاهر
القرآن لا ما يكون مخالفا للمراد الواقعي فإنه لا سبيل لنا إلى
معرفته من غير طريق الظهور
قوله مع وضوح الفرق بتوفر الدواعي:
يعنى ان توفر الدواعي إلى نقل النسخ وضبطه يقتضى حصول التواتر
فإذا لم يحصل التواتر بل نقل بالآحاد حصل الوهن في الرواية و
تركت لأجله (وفيه) ان الداعي انما يتعلق بنقل الأحكام الشرعية التي
عليها مدار العمل وأطوار نسب الأدلة بعضها إلى بعض نسخا و
تخصيصا وغير ذلك لا مدخلية له في الداعي
مبحث دوران الامر بين التخصيص والنسخ
قوله يختلف حالهما ناسخا ومخصصا:
فإنه اما ان يعلم تقارنهما كما إذا صدرا عن معصومين عليهما السلام
في عرض واحد أو يعلم تقدم العام أو يعلم تقدم الخاص أو يحهل
الثلاثة أو يجهل الاثنان منها وصور الجهل الثنائي ثلاثة فهذه صور سبع
ثم في صور التقدم والتأخر علما أو احتمالا اما ان يعلم صدور
المتأخر قبل وقت العمل أو يعلم صدور بعده أو يجهل فالأقسام ترتقي
إلى تسعة عشر مشتركة في أحكام ثلاثة التخصيص والنسخ و
الاجمال
303

وستعرف ما في الاجمال فاما الأقسام الصادر فيها المتأخر قبل وقت
الحاجة وكذا قسم التقارن فالمتعين فيها التخصيص بناء على عدم
جواز النسخ قبل حضور وقت العمل، واما الأقسام الصادر فيها
المتأخر بعد حضور وقت الحاجة فيحتمل فيها النسخ والتخصيص إذا
كان المتأخر هو العام لاحتمال نسخ المتأخر للمتقدم أو تخصيص
المتقدم للمتأخر واما إذا كان المتأخر هو الخاص فالمتعين فيها هو
النسخ ومما ذكرناه ظهر حكم صور الجهل
قوله فيما إذا كان العام واردا لبيان الحكم:
وهذا مطابق لمقتضى ظاهر اللفظ واما كونه واردا لبيان العذر أو جعل
الحكم الظاهري بالنسبة إلى مورد الخاص إلى زمان صدور
دليل الخاص فهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى قرينة وعليه فكل خاص
صادر بعد حضور وقت الحاجة إلى العمل بالعام ينبغي ان يحمل
على النسخ حتى يقوم ما يقتضى التخصيص مع أن الفقهاء لا يلتزمون
بالنسخ في شئ من هذه الموارد بل يبادرون إلى التخصيص (و
اما) ان غالب العمومات الواردة في الكتاب والسنة واردة لا لبيان
الحكم الواقعي كما تقدم ذلك من المصنف (قده) فلم يعلم سنده، و
لعل
السر في ذلك عمل الفقهاء هو ان النسخ والتخصيص في الخاص
المتأخر لا يختلف اثره بالنسبة إلينا وانما يختلف اثره بالنسبة إلى
المكلفين الموجودين بين الخطابين، واما تعبيرهم بالتخصيص فهو
مبنى على أن النسخ أيضا تخصيص غاية الأمر انه بحسب الأزمان
فعبروا بعبارة مشتركة بين النسخ والتخصيص مع أن أمر التعبير هين
قوله وبذلك يصير ظهور الخاص في الدوام:
يعنى انه يقوى الظهور الحاصل بمقدمات الحكمة مع ضعفه في
جانب الظهور الوضعي بالظهور في الاستمرار الحاصل من ندرة النسخ
و
بضعف الظهور الوضعي الحاصل من شهرة التخصيص فيقوى ذاك و
يضعف هذا بأمر خارجي والا فالظهور الاطلاقي بما هو إطلاقي لا
يكون أقوى من الوضعي بل على مسلك من يرى عدم لبيان المطلق لا
المقيد بما كان في مقام البيان من مقدمات الاطلاق ينهدم الظهور
الاطلاقي بوجود أدنى ظهور وضعي، ولعل السر في عدم ملاحظة
الفقهاء للتاريخ في شئ من الموارد بل كل ما ورد عليهم عام وخاص
التزموا بتخصيص العام ولو كان متأخرا وصادرا عن العسكري عليه
السلام بالخاص وإن كان متقدما وصادرا عن علي عليه السلام و
بينهما وقت الحاجة سنوات متمادية هو ما ذكرناه من قوة الظهور
الاطلاقي بمعاضدة شهرة التخصيص وندرة النسخ
قوله فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملية:
304

بل الوجه هو الاخذ بالعموم بين الخطابين وبالخاص بعد الخطاب
الثاني لان خروج الخاص بعد الخطاب الثاني عن حكم العموم متيقن
سوأ كان ناسخا أم مخصصا، واما ما بين الخطابين فحيث ان
التخصيص غير معلوم فارتفاع حكم العام عن مورد الخاص وانثلامه
بالخاص غير معلوم فيؤخذ بالعموم وهذا كما في الخاص المجمل
مفهوما المردد بين الأقل والأكثر الذي يؤخذ بالمتيقن من مدلوله و
يرجع في مورد الاجمال إلى العموم، هذا مع قطع النظر عما سنذكره
من تقديم التخصيص هنا بعين الوجه الذي قدم به التخصيص في
الصورة السابقة (ثم) ان الرجوع إلى الأصول العملية ان صح فهو في
حق الموجودين بين الخطابين واما تكليفنا نحن فهو الاخذ بالخاص
ناسخا كان أم مخصصا ولذا لا تجد فقيها يترك العام والخاص ويرجع
إلى الأصول العملية
قوله الا انه لا دليل على اعتباره:
ان الدليل على اعتباره هنا هو الدليل على اعتباره في الصورة السابقة
فإنه لا يعقل الفرق بين الصورتين في ذلك فان شهرة التخصيص
وندرة النسخ ان أوجبت قوة في جانب ظهور الاطلاق في الاستمرار
حتى غلب على ظهور العموم في العموم وجب الاخذ بهذا الظهور
الأقوى عند دوران الامر بين رفع اليد عنه أو عن ذلك الظهور الأضعف
كما هو قضية كلي باب المزاحمة بين الظهورين من غير فرق بين
ان يكون منشأ هذا الدوران الجهل بتاريخ صدور الخاص كما في هذه
الصورة وأن يكون تقدم الخاص كما في الصورة السابقة، وان لم
توجب القوة في جانب الظهور الاطلاقي لم يكن وجه للاخذ بظهور
الدليل في الاستمرار ورفع اليد عن ظهوره في العموم في كلا
المقامين
قوله انما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ:
لا فرق بين النسخ والتخصيص في الخاص المتأخر الصادر قبل حضور
وقت العمل بالعام فان صدور الخطاب بالعام لا بداعي الجد
بالنسبة إلى مورد الخاص بل لمصلحة في إظهار العموم على ما فسر به
النسخ ثم بيانه بخطاب الخاص الناسخ، هو بعينه التخصيص فان
التخصيص أيضا عند المصنف (قده) هو بيان عدم إرادة العموم إرادة
جدية مع إرادته إرادة استعمالية (نعم) إذا كان التخصيص
باستعمال العام في الخصوص والنسخ باستعماله في العموم مع عدم
تعلق الإرادة الجدية الا بالنسبة إلى الخصوص جاء الفرق في هذا
المقام فقط واما عملا فلا فرق أيضا
قوله أو أصل إنشائه وإقراره:
لا يخفى ان التكاليف المنشأة لا بداعي الجد بل بدواعي اخر لا يطلق
عليها لفظ النسخ وان أخرت قرائنها وبيان
305

بداعي الامتحان أو أمر آخر إلى وقت العمل فلا يطلق على تلك
القرائن لفظ الناسخ ولا على التكاليف المنشأة لفظ المنسوخ فكأنه
أخذ في
النسخ ولو بمعناه المجازي الجد في الإرادة ولو في زمان فالخالي عن
الجد رأسا ليس نسخا لا حقيقة ولا مسامحة
قوله لعدم لزوم البدأ المحال في حقه:
هذان المحذوران لازمان لمطلق البدأ والنسخ في حقه تعالى لا
لخصوص ما كان قبل حضور وقت العمل (نعم) هما مختصان بزمان
الاستمرار فيما كان بعد حضور وقت العمل ويعمان مبدأ الحدوث
فيما كان قبله ولذا يكون الجواب عنهما في الصورتين واحدا
قوله واما البدأ في التكوينيات بغير:
أي بغير المعنى المستلزم لتغيير إرادته تعالى الذي ذكره في العبارة
السابقة وهو عين ذلك المعنى الذي قرره في النسخ
قوله ثم لا يخفى ثبوت الثمرة:
قد عرفت اختصاص الثمرة فيما دار الامر بينهما في المخصص
بالموجودين بين الخطابين واما في حقنا فلا ثمرة، والثمرة التي
تفرض
في حقهم مبنية على عدم اقتضاء الامر الاعتقادي المتوهم من ظواهر
الأدلة للاجزاء بعد كشف الخلاف فيجب على التخصيص الاتيان
بالتكليف الذي أثبته الخاص قضاء عما فات في الفترة بين الخطابين و
لا يجب على النسخ، هذا إذا كان دليل الخاص واردا بعد وقت
الحاجة إلى العمل بالعام الذي لا يحتمل فيه الا النسخ الا إذا احتمل
ورود العام لا لبيان الحكم الواقعي واما الوارد قبله فقد عرفت ان لا
ميز بين النسخ والتخصيص هناك كي تذكر ثمرة الاختلاف
المقصد الخامس: في المطلق والمقيد
قوله ما دل على شايع:
الدال على الشائع في جنسه هو النكرة فإنها تدل على حصة من
الجنس شائعة شيوعا بدليا في حصص ذلك الجنس، واما اسم
الجنس فهو
شايع في افراده لا في جنسه فيخرج عن هذا التعريف معظم ما هو من
افراد المطلق (فالأولى) تعريفه بأنه ما دل على معنى شايع مرسل
في غيره وهو مطابق لمعناه العرفي ووصف الاطلاق قد يكون حقيقيا
وقد يكون بالإضافة فان مفهوم الرقبة المقيدة بالايمان مطلق
بالإضافة إلى ما يصدق عليه من الافراد ومقيد بالإضافة إلى جنس
الرقبة
قوله فمنها اسم الجنس كإنسان:
اعلم أنه وقع النزاع فيما وضعت له أسماء الأجناس فنسب إلى
المشهور ان معانيها هي الماهيات المأخوذة
306

بحد الاطلاق والشياع والسريان، وذهب سلطان العلماء إلى أن
معانيها ذوات الماهيات العارية في حد ذواتها عن لحاظ الشياع و
لحاظ التقييد ولحاظ التجرد بل ولحاظ انها عارية لا شرط فيها وهي
الماهية اللابشرط القسمي فالموضوع له هو الماهية المبهمة التي
تجعل مقسما للماهية اللابشرط القسمي وهي الملحوظ فيها
اللا بشرطية والماهية بشرط شئ سوأ كان ذلك الشئ هو الاطلاق
أم
التقييد أم التجرد عن كل قيد الذي هو أيضا قيد لكنه عدمي ويعبر
عنها بالماهية بشرط لا فتندرج تحت الماهية بشرط شئ الماهية
المطلقة والماهية المقيدة والماهية بشرط لا (وبالجملة) قد وقع
النزاع في أخذ لحاظ الاطلاق مضافا إلى أصل الطبيعة في مدلول اسم
الجنس أو انه لم يؤخذ شئ في مدلوله زائدا على أصل الطبيعة
فيحتاج استفادة الاطلاق إلى دليل خارج كاحتياج استفادة سائر القيود
إلى دليل خارج والا فاللفظ لا يفيد زائدا على أصل الطبيعة المهملة
المجتمعة مع كل من الاطلاق والتقييد (أقول) الظاهر أنه لا بحث في
وضع اسم الجنس للماهية من دون حد زائد على أصل الماهية وانما
النزاع في المعنى وان الماهية كذلك لها إطلاق أو ان تلبسها بلباس
الاطلاق يتوقف على لحاظها بوصف الاطلاق والا فهي في حد ذاتها
مهملة خالية عن وصف الاطلاق كخلوها عن وصف التقييد (والحق)
في ذلك مع المشهور وان الاطلاق والسريان ذاتي
للطبيعة فهي في حد ذاتها مطلقة سيالة سارية والاهمال أمر طار ناشئ
من أخذها مقيدة بقيد ما فيكون الاهمال صفة للقيد حيث أهمل
بيانه ويكون توصيف الطبيعة به توصيفا لها بحال قيدها وإلا فالطبيعة
في حد ذاتها لا إهمال فيها فإذا توجه الحكم إلى الطبيعة المقيدة
بقيد مهمل سرى الاهمال إلى الحكم وكان الحكم مهملا بإهمال
موضوعه واما إذا توجه الحكم إلى نفس الطبيعة المجردة عن كل قيد
كان الحكم مطلقا وسرى بسراية موضوعه فأينما وجد موضوعه أعني
تلك الطبيعة توجه إليه الحكم وتعلق به بلا توقف على شئ وراء
توجه الحكم في الخطاب إلى نفس الطبيعة (نعم) عدم سراية الحكم
حيث ما تسرى الطبيعة يتوقف على إحراز ان المتكلم في مقام
الاهمال أعني إحراز ان الطبيعة مقيدة بقيد زائد لم يذكره المتكلم (و
بالجملة) وضع اسم الجنس للماهية الخالصة الخالية عن كل ما عداها
مسلم لكن هذه الماهية الخالصة الخالية هي المطلقة بلا توقف لحوق
وصف الاطلاق لها على لحاظ الاطلاق والشيوع بل وصف الاهمال
يتوقف على لحاظ
307

زائد والتقييد بقيد مهمل غير مبين (لا يقال) على ذلك يكون التقييد
مجازا مع أنه لا تجوز قطعا في مثل رقبة مؤمنة (فإنه يقال) الطبيعة
إذا قيدت بدال آخر فهو كما إذا خصص العموم بدال آخر فلا فرق أبدا
بين رقبة مؤمنة وبين العلماء ما عدا زيد فكما ان العموم مستعمل
في عمومه في الثاني وان لم يكن بعمومه موضوعا للحكم وقد دل
على ذلك لفظ ما عدا زيد كذلك الاطلاق ولفظ رقبة في الأول
مستعمل في تلك الماهية المطلقة وان لم تكن بسيلانها موضوعا
للحكم وقد دل عليه لفظ مؤمنة (نعم) إذا كانت القرينة قرينة على
التصرف في المستعمل فيه وان لفظ رقبة ولفظ العلماء مستعملان في
غير الاطلاق والعموم كان مجازا في المقامين، ومن أوضح
الشواهد على ما ذكرناه وأشد ما يلزم به الخصم انه لا شبهة في أن
وضع اللفظ بإزاء المعنى ضرب من الحكم عليه فإذا كانت أسماء
الأجناس موضوعة بإزاء الماهيات المهملة كان اللازم ان يتوقف عن
استعمال اللفظ فيها ولا يبادر إلى إطلاق ألفاظها عليها حيثما
وجدت فان ذلك شأن تعلق الوضع بالماهيات المطلقة والوضع بإزاء
الماهيات المبهمة المهملة كالحكم عليها يكون في حكم الجزئية لا
يجوز ان يستعمل اللفظ فيها الا بعد استعلام انها هي ما وضع لها
بعينها، فظهر ان مذهب المشهور هو المذهب المنصور لكن لا بذلك
المعنى الذي نسب إليهم بل بمعنى ان الوضع تعلق
بالطبيعة الساذجة وهو مذهب السلطان بعينه لكن هذه الطبيعة
الساذجة ذات سيلان وإطلاق من غير توقف على لحاظها بوصف
السيلان بل لحاظها كذلك يمنعها عن السيلان والاطلاق لعدم وجود
الماهية بقيد الشيوع في كل من افرادها وانما يكون وجودها بهذا
القيد في مجموع افرادها
قوله لوضوح صدقها بما لها من المعنى:
قد عرفت ان ذلك عين الاطلاق والسريان والقائل بوضعها للماهية
المطلقة لا يقول بأزيد من ذلك بل قد عرفت ان دخل أزيد من ذلك و
هو لحاظ الاطلاق في المدلول مما يمنع عن إطلاقها وتصير بذلك
مقيدة لا يكون مصداقها الا مجموع الافراد لا كل فرد فرد
قوله مع بداهة عدم صدق المفهوم:
قد عرفت ان المفهوم بنفسه ذو عموم لا انه أخذ فيه شرط العموم ولا
يريد القائل بوضع اسم الجنس للماهية المطلقة الا العموم الذي هو
له في ذاته وقد اعترف المصنف (قده) بصدق المفهوم كذلك على
كل فرد فرد من افراد ذلك المفهوم (قده) هذا مع أن ما أورده متجه
على نفسه أيضا فان شرط العموم الذي نسب اعتباره في المدلول إلى
المشهور
308

اعتبره هو خارجا عن المدلول بدال آخر سوأ كان ذلك مقدمات
الحكمة أم غيرها فيلزم عدم صدق المفهوم بهذا الشرط المستفاد من
دال آخر على كل فرد فرد ولازمه ان يختص الحكم المتعلق به كذلك
بمجموع الافراد بدلا أو استيعابا
قوله بل بما هي متعينة بالتعين الذهني:
يمكن ان يكون المراد من المتعين بالتعين الذهني هو الخارجي المشار
إليه في الذهن وهو الذي تتصوره النفس بتعيناته الخارجية لا ان
الصورة الذهنية المتعينة بالتعينات الذهنية هي الموضوع له ليتجه
إشكال المصنف (قده) ولا الافراد الخارجية مع قطع النظر عن اللحاظ
ليبطل قولهم المتعين بالتعين الذهني فكل فرد لاحظه النفس هو
المسمى باسم أسامة بالوضع العام والموضوع له الخاص وكل فرد لم
تلحظه ليس هو بمسمى هذا الاسم (ويمكن ان يقال) ان المراد بعلم
الجنس ما وضع لتمام اشخاص جنس واحد مستوعبا من غير دخل
اللحاظ وبهذا الاعتبار يطلق عليه علم الجنس في قبال علم الشخص
المختص ببعض اشخاص الجنس فيكون اللفظ مشتركا بين تمام تلك
الاشخاص ولو بوضع واحد عام.
قوله لأنه على المشهور كلي عقلي:
قد تقدم في معاني الحروف انه ليس كل مقيد باللحاظ كليا عقليا بل
الكلي العقلي هو خصوص المقيد بلحاظ الكلية فالصورة الخاصة
الجزئية من مفهوم الأسد الذي هو المسمى بأسامة حسب ما نسب إلى
المشهور بين أهل العربية جزئي خارجي وعاؤه وخارجه هو الذهن
قوله على نحو الاشتراك بينهما لفظا:
أو على نحو الحقيقة والمجاز بان يكون حقيقة في الإشارة إلى الجنس
ومجازا في غيره ثم الاشتراك المعنوي هو أن تكون اللام لمطلق
الإشارة إلى المدخول الأعم من نفسه ومن افراده المعهودة خارجا أو
ذهنا أو جميع الافراد فيكون استعمالها في كل واحد استعمالا لها
في مصداق من مصاديق معناها، هذا إذا كانت اللام بنفسها موضوعة
لتلك المعاني جميعا أو بعضا أو لجامعها ومثل ذلك ما إذا كانت
اللام موضوعة للدلالة على إرادة هذه الخصوصيات من المدخول و
يكون ذلك بوضعها للدلالة على إرادة كل من الخصوصيات من
المدخول اما بأوضاع على حدة أو بوضع واحد لجامع تلك
الخصوصيات أو للدلالة على بعض معين ومثلهما ما إذا قيل بوضع
مجموع
المدخول مع اللام بالوضع النوعي، وقد أنكر المصنف (قده) جميع
الأقسام الثلاثة وادعى ان اللام لا وضع لها لشئ من المعاني لا ضمنا
ولا استقلالا وانها لمجرد التزيين، وليت شعري أية زينة تحصل باللام
309

وهل اختصت اللام من بين سائر الحروف الهجائية بخصوصية يتزين
بها الكلام والذي دعى المصنف (قده) إلى إنكار الوضع ما حسبه
من بطلان ما ذكروه في اللام التي تكون لتعريف الجنس من أنها
موضوعة لتعريف الجنس ومفيدة لتعيينه قائلا بأنه لا تعيين في
تعريف الجنس الا الإشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني
ذهنا ولازمه ان لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على
الافراد فذهب (قده) إلى أنه لا تعيين للجنس ليمكن الإشارة إليه وراء
التعين الذهني والتصور النفساني فإذا كانت اللام للإشارة فلا بد
أن تكون إشارة إلى هذه الصورة ومعه لا يصدق على الخارجيات ولا
يسرى الحكم منه إليها مع أنه يسرى قطعا (وفيه) مضافا إلى
اختصاص هذا باللام التي تكون للإشارة إلى الجنس دون ما كانت
للإشارة إلى المعهود الخارجي والاستغراق، ان الظاهر من كون
اللام لتعريف الجنس انها موضوعة للإشارة إلى جهة تعين الجنس من
بين الأجناس لا للدلالة على جهة لا تعينه بين الافراد (ولتوضيح
ذلك نقدم مقدمة) وهي ان التعين واللا تعين أمر ان إضافيان فرب
شئ يكون ذا تعين من جهة وبالإضافة إلى أمر وذا إبهام بالإضافة
إلى أخرى ومن ذلك الجنس فان جنس الرجل ذو تعين وتميز واقعي
من جنس المرأة وسائر الأجناس الاخر، والذهن يدرك ذلك
التميز لا انه يحصل له التميز في الذهن فإذا أشرنا إليه بماله
من التعين الواقعي النفس الامري وقلنا الرجل خير من المرأة كان
معرفة واما إذا أشرنا إليه بجهة إبهامه بين افراده ولا تعينه كان
نكرة، والمدعى هو ان لفظ اسم الجنس موضوع للجنس بما هو جنس
غير متعين واللام للإشارة إليه بجهة تعينه وتميزه ولذلك يحصل
التعريف باللام لا لان اللام للإشارة إلى الجنس المتميز في الذهن
ليتجه عليه إشكال المصنف (قده) من عدم الصدق على الخارجيات،
مع أن
هذا الاشكال بعينه متوجه إليه فان مناط عدم الصدق أخذ
خصوصية التميز الذهني من غير فرق بين أخذها في مدلول اللفظ و
بين
دلالة القرينة عليها والمصنف (قده) معترف باستفادة هذه الخصوصية
منها لكن يسندها إلى القرينة دون اللام أو مدخولها
قوله بالقرائن التي لا بد منها:
ربما لا تكون القرينة قرينة على تعيين إحدى تلك الخصوصيات ما لم
تكن اللام مفيدة لجامع تلك الخصوصيات فأين القرينة المعينة
للمشار إليه باللام من القرينة الدالة على أصل الإشارة بخصوصيتها.
قوله وذلك لتعين المرتبة الأخرى:
هذا في غاية السقوط فان المراد من تعيين المرتبة
310

ليس هو التعيين من بين سائر المراتب والا فكل مرتبة متعينة في حد
ذاتها غير مبهمة في سائر المراتب بل المراد تعينها بين مصاديقها
وهذا مختص بالمرتبة المستغرقة فان لها مصداقا واحدا وهو جميع
الافراد اما سائر المراتب فكلما بعدت عن هذه المرتبة زادت إبهاما
حتى تنتهي إلى أقل مراتب الجمع فان إبهامه يزيد على الكل فان كل
ثلاثة ثلاثة بأنحاء التركيبات المختلفة مصداق لهذه المرتبة وبعد
هذه المرتبة كل أربعة أربعة تكون مصداقا وبعدها كل خمسة خمسة
إلى آخر المراتب و ح يكون مجموع الافراد مصداقا له ليس الا فإذا
كانت للإشارة إلى معين فلا محيص من أن تكون إشارة إلى هذه المرتبة
قوله فلا بد ان يكون دلالته عليه:
لكن ينبغي القطع بعدم وضع المجموع المركب من المدخول واللام
وضعا نوعيا لذلك، مع أنه لو التزم بالوضع كذلك هنا فليلتزم في
المفرد المعرف بالنسبة إلى الاستغراق والعهد الخارجي بل والجنس
حسب ما بينا المراد من التعين الجنسي
قوله لا إلى دلالة اللام على الإشارة:
الالتزام بهذه المقالة لا ينافي صدق حصول التعريف باللام فإنه يصدق
انه قبل دخول اللام لا تعريف وانما يحصل التعريف بعد دخوله
وإن كان منشأه وضع المجموع المركب بإزاء معين لا وضع اللام
بخصوصها للتعيين فكون اللام للتعريف هو ان يحصل بدخولها
التعريف لا بوضعها للتعيين.
قوله بلا توسيط الدلالة على التعيين:
ان استندت الدلالة على الاستغراق إليه حصل به التعريف من غير
فرق بين أن تكون بلا واسطة وأن تكون بواسطة الدلالة على التعيين و
حيث لا تعيين الا للمرتبة المستغرقة دل على المرتبة المستغرقة ففي
كلا الفرضين تكون نسبة التعريف إليه حقيقيا فان التعريف يكون
بالدلالة على ذات معينة بالحمل الشائع لا على عنوان التعيين ولذا
كان لفظ التعيين نكرة مع دلالته على عنوان التعيين
قوله ولا إشكال ان المفهوم منها في الأول:
لا إشكال في أن المفهوم منها في الموردين معنى واحد فاما ان يكون
هو المقيد بمفهوم الوحدة أو هو المقيد بمصداقها والدلالة على
التعيين في الأول ليست مستندة إلى نفس اللفظ بل تأتى من الخارج و
من نسبة المجئ إليه فالدال الاخر الذي هو التنوين مدلوله في
المقامين واحد، ولا إشكال في دلالته على التقييد بالوحدة وانما
الاشكال في دلالته على التقييد بمفهوم الوحدة كما اختاره المصنف
(قده) أو بمصداق الوحدة اما مبهمة مرددة أو معينة وحيث إن الأخير
باطل حتى في مثل جاء رجل من
311

المدينة على ما سمعت، وما قبله باطل لعدم معقولية التردد في ما هو
موجود في الخارج فإنه عبارة عن الجهل وهو من صفات النفس
فلا جرم يتعين ان يكون مدلوله هو مفهوم الوحدة وهو كلي كمدخوله
ومن المعلوم ان تقييد الكلي بكلى آخر يوجب حصول كلي ثالث
أضيق دائرة منها فيكون مصاديق رجل بعد التقييد بمفهوم الوحدة كل
واحد واحد من آحاد الرجال بعد إن كان مصاديقه قبل التقييد كل
واحد واحد وكل اثنين اثنين وكل ثلاثة ثلاثة وهكذا
قوله في الظاهر صحة إطلاق المطلق:
قد عرفت ان تعريفهم له لا يشمل اسم الجنس
قوله نعم لو صح ما نسب إلى المشهور:
الذي نسب إلى المشهور هو وضع أسماء الأجناس لما قيد بالارسال
فلعلهم في لفظ المطلق أيضا ذهبوا إلى وضعه لما قيد بالارسال و
عليه فلا يكون أسماء الأجناس على ما ذهب إليه السلطان مطلقة لعدم
تقيدها بالارسال كما أن أسماء الأجناس على مذهب المشهور لا
تكون من المطلق بمعنى ما خلا عن كل قيد حتى الارسال بل تكون من
المقيد بالارسال
قوله ولا يخفى ان المطلق بهذا المعنى:
لا يخفى ان الاطلاق لا يكون أشد من العموم القابل لطرو التخصيص
عليه الا ان المقصود ان حد الاطلاق والسريان لا يبقى محفوظا مع
التقييد بخلاف الاطلاق بمعنى نفس الماهية اللابشرط فإنها حاصلة
في ضمن الماهية مع الف شرط فهي في ذاتها مطلقة وبلحاظ ما
اشترطت به مقيدة
قوله وانما استلزمه لو كان بذلك:
لو كان بذلك المعنى أيضا لا يستلزمه فإنه لا يكون أسوأ حالا من
العموم ومختاره ان التخصيص لا يوجب تجوزا في لفظ العام بل
الخاص يكون قرينة على قصر المراد الجدي مع استعمال العام في
عمومه فليكن المطلق أيضا كذلك فكل من المذهبين في المطلق
يجتمع
مع الحقيقة في صورة التقييد ومع المجاز فان القيد ان أريد من اللفظ
كان مجازا على كلا القولين وان أريد من الخارج كان حقيقة على
كليهما.
قوله لا دلالة لمثل رجل الاعلى الماهية المبهمة:
قد عرفت ان الماهية في ذاتها لا إبهام فيها ما لم تلحظ مقيدة بقيد مبهم
بل هي في ذاتها سيالة سارية ذات إطلاق فلو توجه الحكم إليها
سرى بتبع سرايتها لان الطبيعة ح تكون تمام الموضوع وما هذا شأنه لا
ينفك عن الحكم فلا حاجة إلى نصب مقدمات والتماس أمر
آخر للدلالة على الاطلاق وسريان الحكم حيثما سرت الطبيعة مع أنه
ستعرف ما في المقدمات من الخلل
قوله ثانيتها انتفاء
312

ما يوجب التعيين:
للاطلاق أو التقييد فان بيان كل منهما يخل بتحقق المقدمات الحاكم
في موضوعها العقل وإن كان بيان الاطلاق مطابقا لما يحكم به
العقل عند اجتماع المقدمات
قوله ثالثتها انتفاء القدر المتيقن:
أعني به المتيقن في الإرادة من اللفظ بحيث تختلف نسبة اللفظ إلى
بعض الافراد مع نسبته إلى بعض آخر ولو لغلبة إطلاقه وإرادة تلك
الافراد غلبة لم توجب ظهور اللفظ في خصوصها وإلا خرج ذلك عن
محل الكلام دون المتيقن في الإرادة الجدية الواقعية كما إذا كانت
المؤمنة متيقنة الإرادة بمعنى تعلق الطلب في أعتق رقبة بحيث لم
يحتمل إرادة الكافرة فقط بل اما أن تكون الكافرة مرادة مع المؤمنة أو
خصوص المؤمنة مرادة ومن أجل ذلك صارت المؤمنة متيقنة
المطلوبية لكن نسبة اللفظ إليها وإلى الكافرة على حد سوأ فان التيقن
كذلك لا يمنع من انعقاد مقدمات الحكمة بالنظر إلى بيان المولى و
يعتبر أيضا في القدر المتيقن المانع عن تحقق الاطلاق علم المولى
بذلك والا كانت المقدمات تامة، وعليه يمكن ان يقال بعدم الفرق
بين المتيقنين وان المولى إذا علم بيقين العبد بإرادة المولى لطائفة
اما من الخطاب أو في الواقع وكانت تلك الطائفة هي تمام المراد ولم
يبين انها تمامه لم ينقض غرضه (ثم) ان محصل هذا البرهان هو
لزوم القبح ونقض الغرض لو كان المقيد هو المراد عند تمامية
المقدمات فيتعين بطلان كونه هو المراد وان الاطلاق هو المراد، ولا
يخفى ان ذلك انما يتم وينتج إذا لم يحتج الاطلاق إلى البيان وكان
عدم بيان القيد بيانا للاطلاق والا كان لنا قلب
البرهان والقول بان الاطلاق لو كان هو المراد كان عليه البيان فإنه أيضا
حد خارج عن أصل الماهية التي هي مفاد اللفظ فإذا لم يبين
بطل كونه هو المراد، ولو كان عدم بيان القيد بيانا للاطلاق كفى عدم
البيان المذكور لاثبات الاطلاق من غير حاجة إلى ترتيب
مقدمات فيلزم من تمامية المقدمات عدم تماميتها، مع انا لم نفهم ان
دلالة عدم بيان القيد على بيان الاطلاق من أي قسم من الدلالات أ هي
عقلية أم عادية أم وضعية والكل باطل وهذا كله كاشف عن بطلان
أساس هذه الكلمات وان الدلالة على الاطلاق ثابتة لنفس اللفظ من
غير حاجة إلى مقدمات
قوله لا البيان في قاعدة قبح تأخير:
ان البيان في تلك القاعدة أيضا بهذا المعنى أي بيان ما ينبغي ان يقع
عليه العمل فعلا سوأ كان التكليف به واقعيا أم لا كأمر الإمام عليه السلام
علي بن يقطين بالوضوء على وفق التقية فان بيان ذلك هو الذي
313

يقبح تأخيره عن وقت الحاجة لا بيان التكليف الواقعي الذي ربما
يكون مانع من العمل عليه ولا تكون حاجة إلى العمل به (نعم) البيان
في
قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو بيان التكليف الواقعي بناء على عدم
ترتب العقاب على الاحكام الظاهرية والاحكام الطريقية (ثم) ان
مقصود المصنف (قده) من هذا التنبيه دفع ما يمكن ان يقال إن
الاطلاق يكون مستفادا من حكم العقل ومقدمات الحكمة لا من
الدلالة
اللفظية وما هذا شأنه لا يكون قابلا للتقييد مع أن الفقهاء وأهل
المحاورات في محاوراتهم لا زالوا يرتكبون التقييد بل ويقدمونه على
سائر التصرفات لدى الدوران (وحاصل الدفع) ان دليل الاطلاق لا
يثبت الا ما يجب العمل عليه فعلا لا ما هو التكليف واقعا كي لا يقبل
التقييد وفي الحقيقة لا يكون التقييد تقييدا بل نفادا لامد الحكم
الظاهري الذي كان مستفادا من الاطلاق فبظهور الحكم الواقعي الذي
هو
على طبق المقيد يبطل العمل بالاطلاق لا نفس الاطلاق كي يكون
صدور البيان كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان أو عدم
البيان المعتبر في مقدمات الاطلاق منقلبا إلى البيان فان المعتبر في
مقدمات الاطلاق عدم البيان في مقام البيان لا عدم البيان المطلق
كي يرتفع بالبيان المطلق (نعم) إذا كان المتأخر هو الظفر بالبيان لا نفس
البيان كشف ذلك عن بطلان الاطلاق وعدم انعقاده رأسا
قوله وقد انقدح بما ذكرنا:
أي بما ذكرناه في البحث عن مدلول النكرة من أنه كلي كسائر أسماء
الأجناس وانه الماهية المقيدة بمفهوم الوحدة التي هي أيضا مهية
أخرى كلية دون المقيدة بمصداق الوحدة لتكون جزئيا حقيقيا لا
يتصور فيها الاطلاق وكان الأولى ذكر هذه العبارة في ذيل ذلك
البحث
قوله وبعد كونه لأجل ذهابهم:
المقصود استبعاد كون تمسكهم بالاطلاق عند عدم إحراز كون مطلقه
في مقام البيان ناشئا من الذهاب إلى وضع أسماء الأجناس بإزاء
الماهيات المطلقة استبعادا لصدق النسبة كما يشهد به ذيل العبارة و
الا فلا معنى للاستبعاد مع الاعتراف بالنسبة كما يوهمه صدر
العبارة، ولكنك عرفت ان الالتجاء إلى الالتزام بالأصل ناشئ من
الغفلة عن حقيقة الامر وزعم الاحتياج إلى مقدمات الحكمة في
الحكم
بالاطلاق مع أنه ليس بناء أحد على إحرازها (ثم) انه لا فرق في ذلك
بين المقدمة الأولى وسائر المقدمات فإن كان هناك أصل فهو يعم
سائر المقدمات فكما يبنى على كون المتكلم في مقام البيان عند
الشك فيه كذلك يبنى على أنه لم يبين
314

وانه ليس في البين قدر متيقن عند الشك فيهما
قوله توجب مرتبة الانس:
الاستعمال المزبور لا يوجب أنس اللفظ بالمعنى كما في المجاز
المشهور فضلا عن أن يوجب تعينه فيه (نعم) يوجب أنس اللفظ
باللفظ
لكثرة اقترانه به بل يتعين ح حمل اللفظ على حقيقته وقد تقدم من
المصنف (قده) في مبحث ان الامر حقيقة في الوجوب ان كثرة
الاستعمال مع القرينة المصحوبة لا يوجب صيرورة اللفظ مجازا
مشهورا وأقرب محامل ذلك أن تكون القرينة من قبيل تعدد الدال
الذي
حكم فيه في المقام على خلافه
قوله الا إذا كان بينهما ملازمة:
يعنى انه كانت ملازمة بين الجهتين في حكميهما بحيث إذا ثبت
الحكم مطلقا في جهة ثبت مطلقا في جهة أخرى فيكون الاطلاق
الأول
إطلاقا لفظيا ثابتا من المقدمات والاطلاق الثاني إطلاقا في الحكم
الواقعي مستفادا بالملازمة من الاطلاق الأول من غير أن يكون من
جهة في مقام البيان (وبالجملة) كل حكم كان ملازما للحكم المستفاد
من الاطلاق أخذ به سوأ كان مطلقا أو مقيدا ولا يحتاج ذلك إلى
التنبيه والبيان
قوله فلا إشكال في التقييد:
اما على مسلك من يرى عدم البيان المطلق من المقدمات فواضح فإنه
بصدور المقيد قد جاء البيان وانهدم أساس الاطلاق وفي الحقيقة
لم تكن معارضة، واما على مسلك المصنف (قده) المنعقد عنده
الاطلاق بعد البيان في مقام البيان فدليل المقيد المنفصل وإن كان
معارضا لدليل المطلق الا ان ظهور المقيد في دخل القيد أقوى من
ظهور المطلق في بيان الحكم الواقعي فيقدم عليه ويحكم بان المطلق
لم
يصدر بداعي الجد فلو فرض في مورد العكس أو فرض ضعف ظهور
لا تعتق الكافرة في النهي التحريمي بالنسبة إلى ظهور المطلق في
إرادة الاطلاق جدا أخذ بدليل المطلق ورفع اليد عن ظهور دليل
المقيد في التحريم وعدم الاجزاء عما اشتغلت به الذمة
قوله مع أن حمل الامر في المقيد على الاستحباب:
لا يخفى ان ظاهر دليل المقيد دخل القيد في الواجب وهذا لا يجتمع
مع كون الواجب هو الطبيعة المطلقة (نعم) لو كان ظاهره وجوب
المقيد الأعم من وجوبه بعنوانه المقيد ووجوبه بما اشتمل عليه من
الطبيعة الكلية لم يكن ذلك منافيا لدليل المطلق لكن الواقع خلافه، و
احتمال التخيير الشرعي باطل على كل تقدير بل الواجب اما الطبيعة
المطلقة فيكون التخيير بين افرادها عقليا واما المقيد بما هو مقيد
فلا يكون تخيير أصلا وإلغاء القيد عن الدخل اما بالحمل على الغالب
أو نحو ذلك تصرف
315

في اللفظ بخلاف حمل المطلق على أنه صادر لا بداعي الجد فيتعين
الاخذ بظهور دليل المقيد في دخل القيد في الوجوب والتصرف في
دليل المطلق كما في العام والخاص (ومن ذلك يتبين) ان الدوران
ليس بين ظهورين إطلاقيين أعني ظهور دليل المطلق في وجوب
الطبيعة المطلقة وظهور دليل المقيد في الوجوب التعييني الذي هو
أيضا بالاطلاق لما عرفت من أن التخيير الشرعي منفي بالقطع لا
بمقدمات الحكمة والتخيير العقلي خلاف ظاهر دليل المقيد لظهوره
ظهورا لفظيا في دخل القيد فالتعارض بين ظهور وضعي وآخر
إطلاقي ورفع اليد عن الظهور الاطلاقي لا يوجب التجوز بخلاف
العكس
قوله ولعل وجه التقييد:
لم أفهم معنى أقوائية أحد الظهورين الاطلاقيين على صاحبه الا بان
يكون مقدمات أحدهما محرزة بالوجدان ومقدمات الاخر بالأصل
بان تكون مقدمات السابق منهما محرزة بالأصل ويتحقق الاطلاق
اللاحق بمقدماته الوجدانية فيكشف عن فساد الأصل وبطلان
الاطلاق
فلم تكن في الحقيقة معارضة وعلى ذلك فلا معنى لتقديم الاطلاق
في جانب دليل المقيد أبدا بل إذا كانت مقدماته وجدانية قدم و
انهدمت
به مقدمات الاطلاق في جانب المطلق كما أنه لو انعكس انعكس
فالوجه في الالتزام بالتقييد أبدا هو ما ذكرناه في الحاشية السابقة
قوله وربما يشكل بأنه يقتضى التقييد:
هذا الاشكال وارد على كل من يلتزم بالتقييد في الواجبات ولا يأخذ
به في المستحبات كائنا ما كان وجه التزامه ولا يختص كما يوهمه
ظاهر العبارة بهذا الوجه الأخير (ثم) ان ما ذكره المصنف (قده) من
الوجهين جوابا عن الاشكال باطل (اما الأول) منهما فلان غلبة
تفاوت افراد المستحبات بحسب المحبوبية في الخارج لا يوجب
حمل دليل المقيد على تأكد الاستحباب ولا يوجب ظهور دليله في
تأكد
الاستحباب وان أوجب كان خارجا عن الفرض ولم تكن بين الدليلين
معارضة (واما الثاني) فلان الجمع الدلالي بين الدليلين إذا كان
هو التقييد لم يصدق ان المطلق مما بلغ عليه الثواب ليندرج تحت
أدلة التسامح وكان حال المطلق بعد ورود دليل التقييد عند العرف
كحال القيد المتصل في عدم اقتضاء دليل التسامح الاخذ بما اتصل به
والحكم باستحبابه فالأولى (ان يقال) ان العلم بوحدة التكليف
الذي هو المنشأ للتقييد في التكاليف الالتزامية غير موجود في
المستحبات فلذا لا يقيد فإنه يحتمل أن تكون الطبيعة في حد ذاتها و
بلا
قيد لها مرتبة من المصلحة ومستحبة من أجلها والطبيعة
316

مقيدة لها مرتبة أخرى تزيد على الأولى ويتأكد استحبابها من أجل
ذلك ولمكان هذا الاحتمال لا يرفع اليد عن ظهور دليل المطلق بل
يؤخذ بكلا الدليلين ويحكم بتأكد الاستحباب في مورد القيد ويكون
بيان التأكد هو الداعي لانشاء الامر بالمقيد مستقلا مع دخوله تحت
انشاء الامر بالمطلق
قوله لو كان ظهور دليله في دخل القيد:
المفروض ان ظهور دليل القيد في دخل القيد بالوضع وظهور دليل
الاطلاق بمقدمات الحكمة فيكون لا محالة أقوى من ظهوره حسبما
تقدم (نعم) لو كان كلاهما بمقدمات الحكمة لم يعقل ذلك الا إذا لم
تكن المقدمات محرزة بالوجدان في كليهما وذلك بان تكون
المقدمات في كليهما محرزة بالأصل أو في أحدهما محرزة بالأصل و
في الاخر بالوجدان فيكون ذو المقدمات الوجدانية مانعا عن
جريان الأصل وتمامية المقدمات بالنسبة إلى ذي المقدمات الأصلية
سوأ كان هو المطلق أم المقيد وليكن هذا هو المراد من الأظهرية
في الظهورين المتولدين من مقدمات الحكمة، واما ما علل به
المصنف (قده) التقييد فذلك يناسب تعارض الظهورين الوضعيين
حيث
يدور الامر بين التجوز في أحدهما والتجوز في الاخر فيرتكب التجوز
فيما شاع فيه التجوز، واما في المقام المفروض فيه إرادة
الاطلاق من دليل المطلق لكن بمقدمات الحكمة لا من نفس اللفظ و
لم يرد منه التقييد قطعا فليس الامر مرددا بين التصرف في المطلق
بإرادة المقيد منه وبين حمل القيد على الغالب بل التصرف يكون في
المراد الحدي من المطلق لا في المراد الاستعمالي منه وهذا بخلاف
التصرف في المقيد بحمل القيد فيه على الغالب فإنه يكون تصرفا في
اللفظ وحملا لما
ظاهره الدخل في الحكم على عدم الدخل فيه
قوله وهي ان قضية مقدمات الحكمة تختلف:
قضية المقدمات دائما هي التوسعة والاطلاق في مقابل التضييق و
التقييد واستفادة العموم البدلي تارة والشمولي أخرى من جهة
خصوصية الحكم ونظيره استفادة الاستيعاب من النهي والعموم
البدلي من الامر مع أن مفاد صيغتيهما طلب الطبيعة فعلا وتركا و
الفرق يكون من جهة اختلاف الحكم فان حرمة طبيعة أو حلها يكون
بحرمة تمام افراد تلك الطبيعة وحلها واما إيجاب تلك الطبيعة
بعينها فإنه يكون بإيجاب فرد واحد منها، واما الحكم بمقدمات
الحكمة بان الوجوب نفسي عند دوران الامر بينه وبين الغيري أو
تعييني عيني عند دوران الامر بين كل منهما وما يقابلهما فذلك ليس
من الحكم بتعين قسم
317

من مطلق الطبيعة بمقدمات الحكمة كي يقال إن قضية المقدمات قد
يكون هو التعيين والتقييد حيث إن هيئة افعل موضوعة لمطلق الطلب
الأعم وحيث إن الطلب المطلق لم يعقل تحققه وكان تخصيص
الطلب الموجود بأحد الحدين من النفسية والغيرية مما لا بد منه لا
جرم
حكم بمقدمات الحكمة بأنه نفسي لاحتياج الغيري إلى البيان بل هو
أيضا من الحكم بالاطلاق والارسال فان الطلب القائم بالنفس
المطابق للانشاء الحاصل في الكلام هو شخص خاص من الطلب لا
مفهوم الطلب الكلي وهذا الشخص الخاص قد تردد بين ان يكون
بحسب الأحوال مطلقا مرسلا أو مقيدا بحال مخصوص وهو حال
وجوب أمر آخر والأول هو النفسي والثاني هو الغيري وحيث إن
الأول مطلق بحسب الأحوال وإن كان شخص الوجوب واحدا حكم
به عند عدم التقييد بقيد خاص وحال مخصوص وقد أشار إلى ذلك
المصنف (قده) في بعض مباحث الامر (وبالجملة) عدم بيان القيد
دليل على الاطلاق بقسميه الافرادي والاحوالي ولا يكون عدم البيان
دليلا على التقييد بحد مخصوص هذا بعد التنزل عما ذكرناه سابقا و
ان عدم البيان لا يكون بيانا لأمر لولا أن البيان كان حاصلا بنفس
اللفظ.
قوله فصل في المجمل والمبين والظاهر:
يظهر من ذيل كلام المصنف (قده) ما ينافي صدره فان ظاهر الصدر هو
ان وصفي الاجمال والبيان قائمان بنفس اللفظ ناشئان من
تعدد الوضع أو تكثر المعاني المجازية مع تساوى نسبتهما مع الحقيقة
أو اتصال الكلام بقيد مجمل، وظاهر الذيل ان الاجمال يكون
بالجهل بالوضع أو الجهل بالمعنى المجازي بعد قيام الصارف عن
إرادة المعنى الحقيقي (والحق) هو الأول وان الجهل بمعاني الألفاظ
لا
يوجب اتصاف الألفاظ بالاجمال ولو بالقياس إلى الجاهل بها والا لزم
أن تكون اللغات التي لا نعلمها مجملات طرا مع أنها مبينات و
نحن لا نعلمها، فالاجمال عبارة عن عدم كون اللفظ من وسعه تعيين
معناه للعالم بالوضع لاشتراكه بين عدة معاني أو نحو ذلك لا عدم
علم المخاطب بالمعنى لجهله بوضعه لكن المراد منه في كثير من
إطلاقاته هو الأخير فيريدون من قولهم الغناء مجمل أو لفظ الصعيد
مجمل انا لم نتحصل معناه بحده من أهل اللغة ولكن مطلق الجهل و
عدم المعرفة أيضا لا يوجب إطلاق المجمل بل يعتبر مع ذلك ان
يكون
بحيث لا يتحصل المعنى مع المراجعة والامر هين
318

بعد عدم ترتب أثر على لفظي المجمل والمبين
قوله ثم لا يخفى انهما وصفان إضافيان:
نعم هما وصفان إضافيان لكن بالنسبة إلى اللغات فرب لفظ مجمل
بحسب لغة لتعدد معانيه ومبين بحسب أخرى لوحدة معناه فيها لا
بالنسبة إلى العلم بالوضع والجهل به وإلا لزم ان يكون هناك قسم
ثالث وهو ان يكون لفظ لا مجمل ولا مبين وذلك إذا لم يكن هناك
من يعلم بوضعه أو يجهل: والله ولى التوفيق وهو حسبي ونعم
الوكيل:
قد حصل الفراغ بعون الله تعالى على يد مصنفه علي بن المرحوم
الشيخ عبد الحسين الغروي الإيرواني في المشهد المقدس الغري غرة
شهر جمادى الثانية من شهور سنة الف وثلاثمائة وخمس وأربعين
1345 هجرية على مشرفها آلاف التحية
319