الكتاب: الأصول الأصيلة
المؤلف: الفيض القاساني
الجزء:
الوفاة: ١٠٩١
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ٢٥ محرم الحرام ١٣٩٠
المطبعة:
الناشر: سازمان چاپ دانشگاه - ايران
ردمك:
ملاحظات:

كتاب
الأصول الأصيلة
للعالم الرباني
المولى محمد محسن الفيض القاساني
قدس سره
عنى بطبعه ونشره وتصحيحه والتعليق عليه
مير جلال الدين الحسيني الأرموي
المحدث
ويلي الكتاب
رسالة
" الحق المبين في تحقيق كيفية التفقه في الدين "
للمصنف (ره)
25 من المحرم الحرام 1390 = 13 فروردين 1349
سازمان چاپ دانشگاه
1

فهرس اجمالي لكتاب الأصول الأصيلة:
الأصل الأول - أنه ما قبض الله نبيه حتى أكمل دينه وأتم نعمته.
الأصل الثاني - أنه لا يعلم علم الكتاب والسنة كله - الا من يعلم الناسخ من المنسوخ.
الأصل الثالث - أن من تمسك في دينه بكتاب الله عز وجل وأهل بيت نبيه لن يضل قط.
الأصل الرابع - أن اخبار الأئمة المعصومين المضبوطة في كتب أئمة الحديث من
أصحابنا ورواتها الناظرين فيها قائمة مقامهم - عليهم السلام - في
زمان الغيبة الكبرى.
الأصل الخامس - أنهم عليهم السلام أعطونا أصولا مطابقة للعقل الصحيح وأذنوا
لنا ان نفرع عليها الصور الجزئية.
الأصل السادس - أنهم عليهم السلام أعطونا أصولا عقلية برهانية في باب تعارض الاخبار.
الأصل السابع - أن لله سبحانه في كل مسألة حكما معينا من أصابه فقد أصاب الحق،
ومن أخطأه فقد أخطأ الحق.
الأصل الثامن - أنه لا يجوز التعويل على الظن في الاعتقادات ولا الافتاء عليه في
العمليات.
الأصل التاسع - أنه يجب على كل مكلف ان يتفقه في الدين ويتعلم ما أنزل الله تعالى
على نبيه سيد المرسلين (ص).
الأصل العاشر - أنه يجب على كل مكلف طالب للحق والنجاة ان يتحرى الأهم في
الدين فالأهم ويأخذ بالأقرب من اليقين فالأقرب، ولا يترك ما يعنيه
إلى ما لا يعنيه.
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد
فلما كان كتاب الأصول الأصيلة الذي الفه العالم الرباني المولى محمد محسن الفيض
القاساني - قدس الله روحه ونور ضريحه - كتابا مفيدا وأثرا نافعا وكان السيد السند
البارع الحاج السيد نصر الله التقوى - أحسن الله قراه وأكرم في الجنة مثواه - ممن يحب
آثار ذلك العالم ويستفيد منها ويلتذ منها بمطالعتها ويجتهد في تحصيل المخطوط النادر منها، وكان
قد عزم في أواخر عمره على أن يطبع وينشر بعضها لكن الاجل لم يمهله حتى يعمل بهذه النية
فلذلك أقدم نجله الفاضل الجليل الخير الحاج السيد جمال الدين الأخوي - لا زال موفقا
لطبع الكتب النافعة البهية ونشر الصحف المفيدة المطوية - على هذا الامر جريا على ما هو
المعهود من سيرته الجارية وعادته المستمرة في تعظيم شعائر الدين وتشييد قواعد الشرع المبين
بنشر نسخ من الكتب القيمة الزاهية واحياء آثار من الاسفار الدينية الباقية، فبذل نفقة
طبع الكتاب حتى ينتفع به أولو الألباب ويكون ذخيرة لهما يوم يقوم الحساب.
فليعلم ان هذا الكتاب من نفائس كتب ذلك العالم
فلنشر إلى ما يدل على ذلك. قال المصنف - أعلى الله درجته - في فهرس مصنفاته ما نصه:
" ومنها - كتاب الأصول الأصيلة يشتمل على عشرة أصول مستفادة من الكتاب
والسنة وأخبار أهل البيت عليهم السلام مبينة بالبيانات الصريحة ومؤيدة بشواهد العقول
الصحيحة يتعرف منها كيفية استنباط المسائل الدينية والأحكام الشرعية أصولا وفروعا
3

من مآخذها، ومنزلته من الكتب المصنفة في أصول الفقه منزلة علم اليقين من الكتب
الكلامية، لا شبيه له في مصنفات القوم فيما أحسب، يقرب من ألفين وثمانمائة بيت، وقد
صنف في سنة أربع وأربعين بعد الألف ".
وقال في آخر المقدمة الأولى من مقدمات كتاب الوافي:
" وقد أشبعنا الكلام في تحقيق هذه الكلمات وتشييدها بالآيات والروايات في كتابنا
الموسوم بسفينة النجاة وفي الأصول الأصيلة وغيرهما من المصنفات ".
وقال أيضا في الوافي لكن في أواخر باب اختلاف الحديث والحكم (ص 54 - 53
من المجلدة الأولى من الطبعة الثانية):
" والاخبار في هذا المعنى كثيرة وقد أوردنا شطرا منها في كتابنا المسمى بسفينة النجاة
وفي كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة ".
أقول: هذا الكتاب أكبر من سفينة النجاة وأكثر نفعا منه وأجمع للفوائد ويدل عليه
ما ذكره في وصفه في فهرسه وهو قوله:
" ومنها - كتاب سفينة النجاة في تحقيق أن مآخذ الأحكام الشرعية ليست الا
محكمات الكتاب والسنة وأحاديث أهل العصمة سلام الله عليهم وأن الاجتهاد فيها والاخذ
باتفاق الآراء ابتداع في الدين واختراع من المخالفين، وهو كتاب جيد العبارات حسن
الإشارات يقرب من ألف وخمسمائة بيت، وقد صنف في سنة ثمان وخمسين بعد الألف ".
وأنت إذا تدبرت في هذه العبارة وفيما ذكره في تعريف الأصول الأصيلة ظهر لك
صدق ما ادعيناه.
ويشير إليه أيضا قوله (ره) في آخر الفصل التاسع من كتاب سفينة النجاة (ص 101
من النسخة المطبوعة):
" إلى غير ذلك من الأصول الكلية التي يتفرع عليها الجزئيات وقد ذكرنا طرفا
منها في كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة فليطلبها من أرادها من هنالك مع تتمة للكلام
وبسطة في ذلك ".
ثم ليعلم ان هذا الكتاب كالخلاصة من فوائد المدنية للعالم الشهير المولى محمد امين
4

الاسترآبادي - قدس الله تربته - وأراد المصنف - أعلى الله درجته - في أول هذا الكتاب
الحاضر بقوله (ص 1):
" ثم ألفيت بعض فضلائهم مصرحا بأكثرها في جملة خيالات مخترعة وآراء مبتدعة
عاليا صوته فيه بالنداء بل غاليا بكلامه في الأداء حتى كاد ان يخطئ الحق بالاعتداء ويفرط
عن وسط الحق إلى جانب الردى " إياه، وكذا أراده بقوله في آخر الفصل العاشر من كتاب
سفينة النجاة (ص 111 من النسخة المطبوعة):
" ومنهم من سبقنا إلى ذلك مع دعاء ونداء الا أنى لم أجده بهذه الطريقة عاملا
ولا أراه فيه كاملا كأنه لم يصر بعد من الأحرار أم يظن أن مخالفة الجمهور ومتاركة
المشهور من العار ".
أقول: حيث إن نسخة الفوائد المدنية مطبوعة منتشرة وهذا الكتاب الحاضر أعني
الأصول الأصيلة أيضا طبع ونشر وجعل بين يدي الطالبين فلا حاجة إلى الخوض في تحقيق
ما ذكره المصنف (ره) في حق المولى محمد امين - أعلى الله درجته - فعلى من أراد المقايسة
بين الكتابين فليراجعهما ويقض بنظره في ذلك الا ان المصنف (ره) لم ينصف لأنه ان
أراد بما ذكره في حق المولى محمد أمين (ره) انه قد خرج في بعض الموارد عن حد حسن
التعبير في حق بعض العلماء - قدس أسرارهم جميعا - فهو حق وما كان ينبغي للمولى
المذكور ان يرتكبه الا ان المصنف نفسه أيضا ارتكب مثله بل أشد مما ارتكبه الأمين
في كتابه في كتاب سفينة النجاة، (ولولا ذلك العيب فيه لجددت طبعه الواقع في سنة
1379 وجعلته ضميمة لهذا الكتاب الحاضر) وان أراد غير ذلك كما يظهر من كلامه المنقول
عن سفينة النجاة من تحميله نظره إياه بأنه لم لم يعمل بمثل ما عمل هو به من مخالفة المشهور و
متاركة الجمهور فهو ليس بشئ لأنه أمر نظري فما أدى إليه نظره أخذ به وما لم يؤد إليه نظره
مما لم يأخذ به فهو وظيفته الشرعية كما هو ظاهر لمن عمل بالانصاف وتجنب الاعتساف، وكيف
كان، لا ينبغي لمثلي ان أخوض في مثل هذه المقامات فمن كان صالحا لمثل هذه الأمور من
أهل الحل والعقد والرد والقبول فعليه الخوض في ذلك، رحم الله معاشر علمائنا الماضين
5

الغابرين، وأعلى درجاتهم عنده بحق محمد وآله الطاهرين.
فائدة
وممن نقل عن هذا الكتاب الحاج محمد كريم خان الكرماني فإنه نقل في كتابه
فصل الخطاب أحاديث كثيرة من هذا الكتاب (انظر ص 60 - 63) الا انه قد عبر عن
اسم الكتاب بلفظ " الأصول الأصلية " كما أن الشيخ آقا بزرگ (ره) أيضا قد عبر عن هذا
الكتاب بهذا الاسم في الذريعة الا أنه اشتباه والصحيح ما ذكرناه ويعلم ذلك من تعبير المصنف
(ره) عن اسمه في أول كتابه فراجع هناك، وذلك أنه (ره) قال " فهذه أصول أصيلة
تبتنى عليها فروع جليلة " وأنت خبير بأن كلمة " جليلة " لا تكون سجعا الا لموازنها
وهي " أصيلة " مضافا إلى ما هو المصطلح المتعارف بين أهل العلم والأدب من قولهم " أصل
أصيل وركن ركين " ونظائرهما فالأصيلة على زنة فعيلة (بفتح الهمزة وكسر الصاد وفتح
اللام والتاء في الاخر) لا على الأصلية (بياء النسبة وتاء التأنيث في آخر كلمة الأصل)
كما توهمه الفاضلان المشار إليهما.
بقى علينا شئ
وهو أن المصنف - أعلى الله مقامه - قد صرح ضمن تعريفه لكتابه " الأصول الأصيلة "
كما مر نقله انه (ره) فرغ من تصنيفه في السنة الرابعة والأربعين بعد الألف وهذا التأريخ
لا يلائم ما ذكره في آخر الأصول الأصيلة وهو قوله: " تمت الأصول الأصيلة الكاملة واتفق
لضعف تأريخ تصنيفه هذا الكلام " وذلك لان حاصل جمع أعداد حروف هذه الكلمات اثنان
وثمانون وألفان فيكون نصفه أحدا وأربعين وألفا فبين الكلامين تخالف ومن ثم قال العالم
الجليل الشيخ آقا بزرگ الطهراني - طاب ثراه - ضمن الكلام حول كتاب الأصول الأصيلة
ما نصه (انظر من الذريعة ج 3، ص 178):
" وقال في آخره: ان قولنا تمت الأصول الأصيلة الكاملة، موافق لضعف تأريخ
التصنيف، يظهر منه ان فراغه كان سنة 1041 لكنه ذكر في فهرس تصانيفه ان فراغه
كان سنة 1044 ".
6

وهو كلام صحيح واعتراض متين.
أقول: من أراد ترجمة المصنف (ره) أو أراد ان يلاحظ كلمات المفهرسين في حق
هذا الكتاب أعني " الأصول الأصيلة " فليراجع كتب التراجم والفهارس فان هذا
المختصر لا يسع أكثر مما ذكرنا الا أنه ينبغي أن يشار هنا إلى مطلب وهو أنى ترجمت
هذا الكتاب ونقلته إلى اللغة الفارسية وأضفت إليه فوائد جمة ومطالب مهمة حسبما
اقتضاه المقام وانجر إليه الكلام، وكان ذلك قبل هذا الزمان بثلاثين سنة تقريبا،
والرجاء أن يوفقنا الله لطبعه ونشره أيضا كما وفقنا لطبع أصله ونشره، والسلام
على من اتبع الهدى.
وكان تحرير ذلك لخمس ليال بقين من المحرم الحرام سنة تسعين وثلاثمائة
بعد الألف من الهجرة النبوية موافقا لهذا التاريخ الهجري الشمسي 13 / 1 / 1349
مير جلال الدين الحسيني الأرموي
المحدث
7

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي
ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز
الحكيم والصلوات الزاكيات على ذلك الرسول التالي
للآيات المزكى للنفوس المستعدات وعلى آله الآيات
البينات والحجج النيرات والاعلام الواضحات اما بعد
فيقول خادم علوم الدين والمجاهد في معرفة أسرار الشرع
المبين محمد بن مرتضى المدعو بمجن جعله الله من الموقنين
ان هذه أصول أصيلة يبتنى عليها فروع جليلة استفدت
من القرآن المجيد واخبار أهل البيت عليهم السلام وشواهد
العقل ولم يعمل على أكثرها كما ينبغي أكثر فقهائنا المتأخرين
كأنهم كانوا عنها غافلين مع أن العمل بها يستهل أم التفقه في
الدين ويوضح طريق معرفة احكام الشرع المتين ويرفع كثيرا
من الشبهات
صورة الصفحة الأولى
من النسخة التي كان عليها أساس طبع الكتاب
8

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين * وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو
العزيز الحكيم، والصلوات الزاكيات على ذلك الرسول التالي للآيات، المزكى للنفوس
المستعدات، وعلى آله الآيات البينات، والحجج النيرات، والاعلام الواضحات.
اما بعد
فيقول خادم علوم الدين والمجاهد في معرفة أسرار الشرع المبين محمد بن مرتضى
المدعو بمحسن جعله الله من الموقنين: ان هذه أصول أصيلة يبتنى عليها فروع جليلة،
استفدت (1) من القرآن المجيد وأخبار أهل البيت عليهم السلام وشواهد العقل ولم يعمل على
على أكثرها كما ينبغي أكثر فقهائنا المتأخرين كأنهم كانوا عنها غافلين مع أن العمل بها مما
يسهل امر التفقه في الدين ويوضح طريق معرفة أحكام الشرع المتين، ويرفع كثيرا من
الشبهات، وينور غير يسير من الظلمات، وعليها كان عمل قدماء الطائفة كأئمة الحديث
ومن يحذو حذوهم كما يظهر من التتبع بطريقتهم والنظر في آثارهم وانها كانت برهة من
الدهر تطوف حوالي خاطري تطوافا وتجول في ميدان قلبي تجوالا، وانى كنت أصبر على
ابرازها هونا لأني لم أجد عليها عونا، فلم أقدر لها الا حفظا وصونا حتى استشممت من
كلام جماعة من متأخري أصحابنا الايمان بها والاذعان لها ثم ألفيت بعض فضلائهم (2) مصرحا
بأكثرها في جملة خيالات مخترعة وآراء مبتدعة، عاليا صوته فيه بالنداء بل غاليا بكلامه

1 - كذا في الأصل ولعلها " استفيدت " وذلك بقرينة ما يأتي فيما بعد من العبارة.
2 - يريد به المحقق المدقق الجليل المولى محمد امين الاسترآبادي (ره) صاحب الفوائد المدنية.
1

في الأداء حتى كاد ان يخطئ الحق بالاعتداء ويفرط عن وسط الحق إلى جانب الردى
فتجاسرت لاظهار وتمييز القشر من اللباب، إذ حان لي ان انطق نطف الحر، وأفصح
عن الحق المر، ولا أخاف في الله لومة لائم، ولا أبالي في رسوله وآل رسوله صلوات الله عليه
وعليهم عذل عاذل، فأقول وبالله التوفيق، شعر (1):
علم المحجة واضح لمريده * وارى القلوب عن المحجة في عمى
ولقد عجبت لها لك ونجاته * موجودة ولقد عجبت لمن نجا
وهي عشرة أصول تتبعها وصول وفصول.
الأصل الأول
أنه ما قبض الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل دينه وأتم نعمته كما قال
تعالى في أواخر عمر النبي صلى الله عليه وآله: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الاسلام دينا، ولم يدع شيئا مما يحتاج إليه الناس الا أنزله في كتابه وبينه
نبيه (ص) في سنته فلم يبق شئ من العلوم الاعتقادية والعملية الا ورد في كتاب أو سنة
حتى أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة، وما كان منها يحتاج إلى بيان وحجة اتى معه
بهما في أتم وجه وأبلغه من بينة وبرهان وخطابة وجدال بالتي هي أحسن، إلى غير ذلك،

1 - قال المؤلف (ره) في آخر رسالته الصغيرة الموسومة بمقالة ضياء القلب وقد طبعت
ضمن رسائله الست ما نصه (ص 185): " وروى عن الحسن البصري انه قال: ليس العجب
ممن نجا كيف نجا، انما العجب ممن هلك كيف هلك مع كثرة الدلالات ووفور البينات،
وفي أمالي الصدوق رحمه الله باسناده قال: كان الصادق عليه السلام كثيرا ما يقول: علم
المحجة (إلى آخر البيتين) " وقال المجلسي (ره) بعد نقل البيتين عن أمالي الصدوق مسندا
في المجلد الأول من البحار ص 117): " بيان - العجب من الهلاك لكثرة بواعث الهداية
ووضوح المحجة، والعجب من النجاة لندورها وكثرة الهالكين، وكل امر نادر مما يتعجب
منه " وأوردهما أيضا في المجلد الحادي عشر من البحار في ترجمة الصادق (ع) نقلا عن مناقب
ابن شهرآشوب (انظر 111 من طبعة امين الضرب) فليعلم ان في المتن بدل " وارى ": " وإذ ".
2

وبالجملة لكل طائفة ما يناسب أفهامهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة، ولئلا تحتاج أمته إلى السالفين في شئ مما يهمهم من علم الدين، ومن لم يعتقد
ذلك كذلك فهو الظان بالله وبرسوله ظن السوء، قال الله سبحانه: ما فرطنا في الكتاب
من شئ (1) وقال: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ (2) وقال: ولا رطب ولا يابس الا في
كتاب مبين (3)، وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: أ انزل الله سبحانه
دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه ان يرضى؟ أم
أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه؟! والله سبحانه
يقول: ما فرطنا في الكتاب من شئ، الحديث ويأتي تمامه (4)، وفي بصائر الدرجات لمحمد بن
الحسن الصفار والكافي لثقة الاسلام محمد بن يعقوب باسنادهما عن أبي جعفر عليه السلام
قال: ان الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة الا أنزله في كتابه وبينه لرسوله (ص)،
وجعل لكل شئ حدا، وجعل عليه دليلا يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد
حدا (5) وباسنادهما عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من شئ الا وفيه كتاب أو سنة (6)
وباسنادهما عنه عليه السلام قال: ما من أمر يختلف فيه اثنان الا وله أصل في كتاب الله
ولكن لا تبلغه عقول الرجال (7). وباسنادهما عن سماعة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال:
قلت له: أكل شئ في كتاب الله وسنة نبيه؟ أو تقولون فيه؟ قال: بلى، كل شئ في كتاب الله
وسنة نبيه صلى الله عليه وآله (8). وفي بصائر الدرجات باسناده عنه عن أبي الحسن عليه السلام
قال قلت له: أصلحك الله اتى رسول الله (ص) الناس بما يكتفون به؟ - فقال: نعم، وما
يحتاجون إليه إلى يوم القيامة، فقلت: وضاع من ذلك شئ؟ - فقال: لا، هو عند أهله (9).

1 - من آية 38 سورة الأنعام. 2 - من آية 89 سورة النحل. 3 - ذيل آية 59 سورة الأنعام. 4 - نذكر موضعه عند نقل تمامه. 5 - انظر بصائر الدرجات،
الباب الثالث من الجزء الأول وروى فيه بسندين الا انه ليس فيه " وجعل على من تعدى
ذلك الحد حدا " وفي أصول الكافي مع هذه الزيادة في باب الرد إلى الكتاب والسنة (انظر مرآة العقول
ج 1، ص 42). 6 و 7 - هما في باب الرد إلى الكتاب والسنة من أصول الكافي، انظر مرآة
العقول (ج 1، ص 42) واما البصائر فلم أظفر بهما فيه بهذه العبارة. 8 - بصائر الدرجات، الجزء
السادس، باب في أن الأئمة عندهم جميع ما في الكتاب والسنة، وفي أصول الكافي، في باب
الرد إلى الكتاب والسنة (انظر مرآة العقول، ج 1، ص 43). 9 - بصائر الدرجات، الجزء السادس،
في باب ان الأئمة عندهم جميع ما في الكتاب والسنة.
3

وفي الكافي باسناده عن أبي الجارود قال قال أبو جعفر عليه السلام: إذا حدثتكم بشئ فاسئلوني
من كتاب الله ثم قال في بعض حديثه: ان رسول الله (ص) نهى عن القيل والقال وفساد -
المال وكثرة السؤال فقيل له: يا بن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ - قال: ان الله
تعالى يقول: لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس،
وقال: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما، وقال: لا تسألوا عن أشياء إن
تبد لكم تسؤكم (1). وباسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان الله أنزل في القرآن تبيان
كل شئ حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان
هذا نزل في القرآن، الا وقد انزل الله فيه (2). وباسناده الصحيح عنه عليه السلام قال:
كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه (3). وباسناده عنه
عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له طويل: فجاءهم بنسخة ما في الصحف
الأولى، وتصديق الذي بين يديه، وتفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن
فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه: ان فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة -
الصدوق باسناده إلى الرضا عليه السلام انه قال في كلام له: ان الله لم يقبض نبيه صلى الله
عليه وآله حتى أكمل الدين وأنزل عليه القرآن، فيه تفصيل كل شئ وبين فيه الحلال
والحرام والحدود والاحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال عز وجل: ما فرطنا
في الكتاب من شئ وأنزل في حجة الوداع وهو في آخر عمره صلى الله عليه وآله: اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا، وأمر الإمامة من تمام -
الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيله، و
تركهم على قصد الحق، وأقام لهم عليا عليه السلام علما واماما، وما ترك شيئا يحتاج إليه
الأمة الا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل فهو
كافر، الحديث (5)، إلى غير ذلك من الاخبار في هذا المعنى وهي كثيرة جدا تكاد تبلغ حد
التواتر.

1 - هذه الحديث في باب الرد إلى الكتاب والسنة من أصول الكافي (انظر
مرآة العقول، ج 1: ص 43 - 42).
2 - هذه الحديث في باب الرد إلى الكتاب والسنة من أصول الكافي (انظر
مرآة العقول، ج 1: ص 43 - 42).
3 - هذه الحديث في باب الرد إلى الكتاب والسنة من أصول الكافي (انظر
مرآة العقول، ج 1: ص 43 - 42).
4 - هذه الحديث في باب الرد إلى الكتاب والسنة من أصول الكافي (انظر
مرآة العقول، ج 1: ص 43 - 42).
5 - انظر المجلس السابع والتسعين من مجالس
الصدوق وهو المجلس الاخر، والكلام المذكور أول الحديث، فراجع ان شئت.
4

وصل
قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري الذي كان من قدماء أصحابنا الفقهاء
وكان ممن روى عن أبي جعفر الثاني (ع) وقيل عن الرضا عليه السلام أيضا وكان
ثقة جليلا فقيها متكلما له عظيم شأن في هذه الطائفة، قيل: انه صنف مائة وثمانين
كتابا وترحم عليه أبو محمد عليه السلام مرتين، وروى ثلاثا ولاء، وروى الكشي عن
الملقب بتوزا (1) من أهل البوزجان من نيسابور ان أبا محمد الفضل بن شاذان كان وجهه
إلى العراق فذكر انه دخل على أبي محمد عليه السلام فلما أراد ان يخرج سقط عنه كتاب
وكان من تصنيف الفضل فتناوله أبو محمد (ع) ونظر فيه فترحم عليه وذكر أنه قال:
أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم.
قال في كتابه المسمى بالايضاح في القوم المتسمين
بالجماعة المنسوبين إلى السنة
انا وجدناهم يقولون: ان الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيه إلى خلقه بجميع ما يحتاجون إليه
من أمر دينهم وحلالهم وحرامهم ودمائهم ومواريثهم ورقهم وسائر أحكامهم وان رسول الله صلى الله
عليه وآله لم يكن يعرف ذلك أو عرفه ولم يبينه لهم وان أصحابه من بعده وغيرهم من التابعين
استنبطوا ذلك برأيهم وأقاموا أحكاما سموها سنة أمروا الناس عليها ومنعوهم ان يجاوزوها
إلى غيرها، وهم فيها مختلفون يحل فيها بعضهم ما يحرمه بعض، ويحرم بعضهم ما يحله بعض، وقال
في حق الشيعة: انهم يقولون ان الله جل ثناؤه تعبد خلقه بالعمل بطاعته واجتناب معصيته
على لسان نبيه (ص) فبين لهم جميع ما يحتاجون إليه من أمر دينهم صغيرا وكبيرا، فبلغهم إياه
خاصا وعاما، ولم يكلهم فيه إلى آرائهم ولم يتركهم في عمى ولا شبهة، علم ذلك من
علمه وجهله من جهله، فاما ما أبلغهم عاما فهو ما الأمة عليه من الوضوء والصلاة
والخمس والزكاة والصيام والحج والغسل من الجنابة واجتناب ما نهى الله عنه في كتابه
من ترك الزنا والسرقة والاعتداء والظلم والرياء وأكل مال اليتيم وما أشبه ذلك مما يطول
تفسيره وهو معروف عند الخاصة والعامة، واما ما أبلغه خاصا فهو ما وكلنا إليه من
قوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم (2) وقوله: فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم

1 - كذا: ويأتي تحقيقه في التعليقات.
2 - صدر آية 59 سورة النساء.
5

لا تعلمون (1) فهذا خاص لا يجوز ان يكون من جعل الله له الطاعة على الناس ان يدخل في
مثل ما هم فيه من المعاصي وذلك لقول الله جل ثناؤه: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات
فأتمهن قال: انى جاعلك للناس إماما، قال: ومن ذريتي، قال: لا ينال عهدي
الظالمين (2) ليسوا بأئمة يعهد إليهم في العدل على الناس وقد أبى الله ان يجعلهم أئمة وعلمنا
أن قوله تبارك وتعالى: ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس
ان تحكموا بالعدل (3) عهد عهده إليهم لم يعهد هذا العهد الا إلى أئمة يحسنون ان يحكموا بالعدل
ولا يجوز ان يأمر ان يحكم بالعدل من لا يعرف العدل ولا يحسنه، وإنما أمر ان يحكم بالعدل
من يحسن ان يحكم بالعدل.
ثم قال بعد كلام طويل:
ثم رجعنا إلى مخاطبة الصنف الأول فقلنا لهم: ما دعاكم إلى أن قلتم: ان الله
لم يبعث إلى خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام والفرائض والاحكام؟ وان
رسول الله صلى الله عليه وآله لم يعلم ذلك أو علمه ولم يبينه للناس؟ وما الذي
اضطركم إلى ذلك؟ - قالوا: لم نجد الفقهاء يروون جميع ما يحتاج الناس إليه من امر الدين
والحلال والحرام عن النبي (ص) وان جميع ما أتانا عنه أربعة آلاف حديث في التفسير
والحلال والحرام والفرض من الصلاة وغيرها فلابد من النظر فيما لم يأتنا من الرواية عنه
فاستعمال الرأي فيه ويجوز ذلك لنا قول رسول الله صلى الله عليه وآله لمعاذ بن جبل حين
وجهه إلى اليمن بم تقضى؟ - قال: بالكتاب، قال: فما لم يكن في الكتاب؟ - قال:
فبالسنة، قال: فما لم يكن في السنة؟ قال: اجتهد رأيي، قال: الحمد لله الذي وفق
رسول رسوله، فعلمنا أنه قد أوجب ان من الحكم ما لم يأت به في كتاب ولا سنة وانه
لابد من استعمال الرأي، وقوله (ص): انما مثل أصحابي فيكم مثل النجوم بأيها اقتديتم
اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة، فعلمنا انه لم يكلنا إلى رأيهم الا فيما لم يأتنا به ولم -
يبينه لنا وتقدم في ذلك الصحابة الأولون فيما قالوا فيه برأيهم من الاحكام والمواريث

1 - ذيل آية 49 سورة النحل. 2 - آية 124 سورة البقرة.
3 - صدر آية 58 سورة النساء.
6

والحلال والحرام فعلمنا أنهم لم يخرجوا من الحق، ولم يكونوا ليجتمعوا على باطل فما لنا
ان نضللهم فيما فعلوا فاقتدينا بهم فإنهم الجماعة والكثرة، ويد الله على الجماعة، ولم يكن الله
ليجمع الأمة على ضلال.
قيل لهم: إن أكذب الروايات وأبطلها ما نسب الله فيه إلى الجور ونسب نبيه
صلى الله عليه وآله إلى الجهل، وفي قولكم: ان الله لم يبعث نبيه إلى خلقه بجميع ما يحتاجون
إليه تجوير له في حكمه، وتكذيب بكتابه لقوله: اليوم أكملت لكم دينكم، ولا يخلو الاحكام
تكون من الدين أو ليست من الدين، فان كانت من الدين فقد أكملها وبينها لنبيه (ص)،
وان كانت عندكم ليست من الدين فلا حاجة بالناس إليها ولا بحث في قولكم عليهم بما ليس
في الدين، وهذه شنعة لو دخلت على اليهود والنصارى في دينهم لتركوا ما يدخل عليهم به
هذه الشنعة وهي متصلة بمثلها من تجهيلكم النبي (ص) وادعائكم استنباط ما لم يكن
يعرفه من فروع الدين، وحق الشيعة الهرب مما أقررتم به من هاتين الشنعتين اللتين فيهما
الكفر بالله وبرسوله.
قال: وفيما ادعيتم من قول النبي صلى الله عليه وآله لمعاذ تكذيب بما أنزله الله
وطعن على رسوله فاما ما كذبتم به من كتاب الله فما قدمناه في صدر كتابنا من قوله تعالى:
وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما أنزل الله
إليك (1)، وقوله: انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله (2)، وقوله: وما
اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله (3)، وقوله: لا يشرك في حكمه أحدا (4)، وقوله: الا له
الحكم وهو أسرع الحاسبين (5)، وقوله: له الحكم واليه ترجعون (6)، وقوله: واصبر لحكم ربك (7)،
وما أشبهه مما في الكتاب يدل على أن الحكم لله وحده فزعمتم انه ليس في الكتاب ولا فيما
أنزل الله على نبيه (ص) ما يحكم به بين الناس فيما اختلفوا فيه، وان معاذا يهتدى إلى ما

1 - صدر آية 49 سورة المائدة. 2 - صدر آية 105 سورة النساء.
3 - صدر
آية 10 سورة الشورى. 4 - ذيل آية 26 سورة الكهف. 5 - ذيل آية 62 سورة الأنعام. 6 - ذيل آية 88 سورة القصص. 7 - صدر آية 48 سورة الطور.
7

لم يوح الله إلى نبيه (ص) وانه يهتدى بغير ما اهتدى به النبي (ص)، وأوجبتم لمعاذ ان رأيه
في الهدى كالذي أوحى الله إلى نبيه (ص) فرفعتم مرتبته فوق مرتبة النبوة إذ كانت النبوة
بوحي ينتظر ومعاذ لا يحتاج إلى وحى بل يأتي برأيه من قبل نفسه، فمثلكم كما قال الله تعالى: فمن
أظلم ممن افترى على الله كذبا، أو قال: أوحي إلى ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما
أنزل الله (1)، فصار معاذ عندكم يهتدى برأيه ولا يحتاج في الهدى إلى وحي والنبي يحتاج إلى
وحى، ولو جهد الملحدون على ابطال نبوته (ص) ما تجاوزوا ما وصفتموه به من الجهل.
ثم أخبرنا الله تعالى ان أصل الاختلاف في الأمم كان بعد أنبيائهم فقال: كان الناس
أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين -
الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا
بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط
مستقيم (2) فحمدتم أهل البغي وقلتم: اختلافهم رحمة واقتديتم بالخلاف وأهل الخلاف
وصرفت قلوبكم عمن هداه الله لما اختلفوا فيه من الحق باذنه، ويحقق لنا عليكم قول الله:
ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم (3) فاتبعتم أهل الاختلاف واتبعنا من
استثناه الله بالرحمة، فلما ضاق عليكم باطلكم ان يقوم لكم بالحجة أحلتم على الله بالتجوير
في الحكم من تكليفه كما زعمتم إياكم ما لم يبينه لكم، وعلى نبينا (ص) بالتجهيل في قولكم
انه لم يبين لكم الطاعة من المعصية، وعلى أهل الحق والمصدقين لله ولرسوله بالعداوة
والبغضاء، وعلى الحق من احكام الكتاب بالعبث والالحاد، وفي كل باب من كتابنا هذا
عليكم شنعة ولا مخرج لكم منها فتفهموها.
من ذلكم: انكم نحلتم رسول الله صلى الله عليه وآله والرضا بان يحكم معاذ بغير ما
أنزل الله وان معاذا إذا حكم حكما باليمن برأيه حقا، وكان على النبي (ص) في قولكم

1 - صدر آية: 93 سورة الأنعام. 2 - آية 213 سورة البقرة.
3 - ذيل
آية 118 وصدر آية 119 سورة هود.
8

ان يتبع حكم معاذ لأنه لا يجوز للنبي (ص) ان يحكم بخلاف الحق فصيرتم معاذا إماما
للنبي (ص) لا يسعه في قولكم الا الاقتداء به، والله يقول: ومن أحسن من الله حكما لقوم
يوقنون (1) فصيرتم حكم معاذ حكما لا يحتاج معه إلى حكم الله ولا إلى ما أنزل فكنتم في ذلك
كما قال الله: ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وان يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير (2)
فأبيتم على الله ان تجعلوا الحكم له كما قال وجعلتموه لمعاذ ولكل الصحابة والتابعين، وان
حرم بعضهم ما أحله بعض ثم لمن بعد التابعين إلى يوم القيامة رضى منكم ان يكون الحكم
لغير الله وكفى بقول الله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (3) ومن لم يحكم بما
أنزل الله فأولئك هم الظالمون (4) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (5) فلئن
رضيتم بكتاب الله أو سخطتوه لقد (6) لزم الكفر والظلم والفسق لمن لم يحكم بما أنزل الله، ولقد
زعمتم أن معاذا والصحابة والتابعين حكموا بغير ما أنزل الله فبلغتم غاية الوقيعة فيه والتنقص
له، ثم تجاوزتموه إلى أن نحلتم النبي (ص) انه امر به ورضيه وما يبلغ الملحدون إلى ما أنتم
عليه من نقيصة النبي (ص) مع وقيعتكم في الصحابة، أو ما يبطل ما نحلتموه النبي (ص)
من الرضا بالحكم بغير ما أنزل الله قوله تعالى: قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها
وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله
ما لا تعلمون؟! (7) وقال جل ثناؤه: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا
حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (8) وقال: أرأيتم
ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله اذن لكم أم على الله تفترون (9)
فزعمتم ان النبي (ص) جوز لمعاذ الحكم برأيه فيما حظره الله على خلقه ولم يجعل الحكم فيه
الا ما أراه نبيه وأنزله عليه وقبل ذلك بما حظره على نبيه داود فقال: وداود وسليمان

1 - ذيل آية 50 سورة المائدة. 2 - آية 12 سورة المؤمن. 3 - ذيل
آية 44 سورة المائدة. 4 - ذيل آية 45 سورة المائدة. 5 - ذيل آية 47 سورة المائدة. 6 - خ ل: " ولقد " فعلم: " فلقد ". 7 - آية 32 سورة
الأعراف. 8 - آية 116 سورة النحل. 9 - آية 59 سورة يونس.
9

إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا
آتيناه حكما وعلما (1) وقال: يا داود انا جعلنا خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا
تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا
يوم الحساب (2) فحظر عليه القول الا بالحق وقال: فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب
يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وان يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ
عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق ودرسوا ما فيه ولدار الآخرة خير للذين
يتقون أفلا تعقلون * والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة انا لا نضيع أجر -
المصلحين (3) فانظروا كيف أخذ الله عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق،
وكيف زعمتم ان النبي (ص) جوز لمعاذ القول على الله برأيه ولجميع الصحابة، ثم انظروا
من الذين يمسكون بالكتاب؟ الذين يقولون: ان الحكم فيه وبه أو الذين لا يزعمون أن
الحكم فيه ولا به؟! وقد قال الله لنبيه (ص): قل - ان اتبع إلا ما يوحى إلى (4) وقال:
ان ضللت فإنما أضل على نفسي وان اهتديت فبما يوحى إلى ربى انه سميع قريب (5) فزعمتم
ان الصحابة ومن بعدهم استغنوا (6) برأيهم فهداهم بغير ما هدى الله به نبيه (ص)، وان
المؤمنين قد هدوا لما لم يهد الله له النبي (ص)، والله يقول: فهدى الله الذين آمنوا لما
اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (7) فزعمتم ان النبي (ص)
لم يهتد لما اختلف فيه من الحق وقد هدى الله له المؤمنين فقد صيرتموهم في حد الربوبية
وذلك أن الله انما تعبد خلقه بان أمرهم ونهاهم وأحل لهم وحرم عليهم وأجرى عليهم

1 - آية 78 وصدر آية 79 سورة الأنبياء. 2 - آية 26 سورة ص. 3 - آية
169 و 170 سورة الأعراف. 4 - من آية 8 سورة الأحقاف وتمام الآية هكذا: " قل
ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي وبكم ان اتبع الا ما يوحى إلى وما انا الا نذير
مبين ". 5 - آية 50 سورة سبأ. 6 - في بعض نسخ الايضاح: " استعنوا "
(بالعين المهملة). 7 - ذيل آية 213 سورة البقرة.
10

الاحكام بذلك فوعد الثواب من أطاعه وأوعد العقاب من عصاه، وكذلك جعلتم لهم
الاحكام على الناس، فمن عصاهم بها عاقبتموه وأوجبتم عليه معصية الله وعقوبة الدنيا والآخرة،
ومن أطاعهم نسبتموه إلى السنة والجماعة وصار عندكم من أهل الثواب في الدنيا والآخرة،
فهل زاد الله فيما تعبدهم به وأمرهم ونهاهم على ما صنعتم بهم؟! ولقد نسبتموهم إلى أنهم
يعرفون الطاعة والمعصية والحكم فيهما برأيهم، ودفعتم النبي (ص) عن ذلك والوحي يأتيه
لئن كانوا كما زعمتم يحسنون الحكم فيما ورد عليهم وان ذلك ليس فيما أنزل الله من كتاب
ولا سنة من رسول الله (ص) فلقد حكمتم بالاستغناء عن بعثة النبي (ص) وعن تنزيل
الكتاب إذا كانوا يعرفون كما زعمتم الحكم بما ليس فيهما وان ذلك في معنى قولكم ان الله
بعث النبي (ص) ولا حاجة بهم إليه، وأنزل الكتاب وهم مستغنون عنه، وذلك أن الكتاب
والسنة دليلان على ما يحتاج الناس إليه من امر دينهم فإذا كان هؤلاء يحسنون ما ليس في
الكتاب ولا في السنة مما بالناس إليه الحاجة فما حاجتهم إلى حجج الكتاب والسنة فلئن
كانت الاحكام من الدين فقد اكملها في قوله: اليوم أكملت لكم دينكم (1) ولئن لم تكن
من الدين فما بالعباد إليه حاجة، ولقد ألزمتكم ان كانت عندكم من الدين ان تقولوا ان الله
تعبد خلقه من الدين بما ليس في الكتاب ولا السنة وكفى بها شنعة.
ولقد أوجبتم في قولكم على الله انه كان يأمر بالصغير من الامر ويتوكد فيه ويقول
بالقول فيه تأكيدا وتشديدا ويهمل الكبير العظيم الخطير في الدين وذلك أنه يقول جل
ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه (2) وليكتب بينكم
كاتب بالعدل ولا يأب كاتب ان يكتب كما علمه الله وليكتب وليملل الذي عليه الحق

1 - من آية 3 سورة المائدة. 2 - ما أحسن ما قيل:
أنلني بالذي استقرضت خطا * واشهد معشرا قد شاهدوه
فان الله خلاق البرايا * عنت لجلال هيبته الوجوه
يقول: إذا تداينتم بدين * إلى اجل مسمى فاكتبوه
11

وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فان كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع
أن يمل هو فليملل وليه بالعدل، واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين
فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل إحديهما فتذكر إحديهما الأخرى ولا -
يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى اجله ذلكم أقسط
عند الله وأقوم للشهادة وأدنى الا ترتابوا الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم
فليس عليكم جناح الا تكتبوها، واشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وان
تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم * وان كنتم على سفر
ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان امن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته وليتق الله
ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم (1) أفيأمر جل
ثناؤه بالكتابة للمال صغيرا وكبيرا إلى أجله ويكل الحكم في رقبة المال إلى غيره؟! ويأمر بقبض
الرهان ويكل الحكم في رقبة المال إلى آراء الرجال؟! ويقول تبارك وتعالى: قل للمؤمنين
يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم والله خبير بما يصنعون (2) أفيأمر
بغض الابصار ويكل الحكم في الفروج إلى آراء الرجال؟! ويقول: قل للمؤمنات يغضضن
من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن
على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء
بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين
غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن
ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (3) وقال: يا
أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات،
من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء ثلاث

1 - آية 282 و 283 سورة البقرة. 2 - آية 30 سورة النور. 3 - آية
31 سورة النور.
12

عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض
كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم (1) أفيبين لهم هذا الصغير ليفعلوه ويغار عليهن
ان يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن فيعرف عليهن (2) خلاخل أو جلاجل وان
يرى أحد حليهن ونحورهن أو شعورهن ومحاسنهن ويكل الحكم في فروجهن إلى المأمورين
بغض الابصار والمنهيين عن النظر من ذلك إلى ما نهى عنه؟! والله لو أردتم ان تعيبوا
رجلا فتبلغوا الغاية في تجهيله وقلة معرفته فيما يأتي ويذر فقلتم: انه يأمر بالصغير ويهمل
الكبير ويتولى الامر في صغار الأمور ويكل كبيرها إلى عبيده، لكنتم قد بلغتم الغاية في
تجهيله ولقد نحلتم الله جل ثناؤه ذلك فكيف تأنفون من هذه الخصلة وتنفونها عن أنفسكم (3)
وقد نحلتموها ربكم ثم كذلك ما أمر الله به جل ثناؤه من المواريث في كتابه وأموال
اليتامى والفروج ورق الرقاب والدماء والطلاق وكل الحكم فانظروا إلى طعنكم على الله
وعلى رسوله والى انتسابكم إلى الجماعة والسنة والله ما قال المشركون: ليس في السماء إله،
ولقد أقروا بربوبيته الا انهم قالوا لآلهتهم: ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى (4) وكذلك
قلتم ما أطعنا هؤلاء الا ليقربنا طاعتهم إلى الله فيما أمرونا به ونهونا عنه فيما لم يأمر الله به ولا
نهى عنه هو ولا رسوله، فزعمتم ان طاعتكم تقربكم إلى الله زلفى وأنتم تقرؤن كتاب الله وهو
يقول: فاصبر لحكم ربك فلا تكن كصاحب الحوت (5) واصبر لحكم ربك فإنك
بأعيننا (6) فوالله ما صبرتم لحكم الله ولقد صيرتم الحكم لغيره والله يقول: ومن أحسن من
الله حكما لقوم يوقنون (7) والله يقول: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى

1 - آية 59 سورة النور. 2 - في الأصل: " عليهم ". 3 - في الأصل:
" لتنفوا هذه الخصلة عن أنفسكم وتأنفوا منها " والتصحيح من نسخ الايضاح لكن في نسخة
منها: " اتنفونها عن أنفسكم وتأنفون منها ". 4 - من آية 3 سورة الزمر.
5 - صدر آية 48 سورة القلم. 6 - صدر آية 48 سورة الطور. 7 - ذيل آية
50 سورة المائدة.
13

فريق منهم بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (1) انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله
ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (2) ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله
ويتقه فأولئك هم الفائزون (3) فكيف يدعى الناس إلى الله الا ان يدعوا إلى كتابه، وكيف
يدعون إلى رسوله الا ان يدعوا إلى سنته، فإذا زعمتم ان من الحكم ما ليس في الكتاب ولا
في السنة أليس قد أبطلتم دعاء الناس إلى الله والى رسوله، ولو اقتصصنا كل ما فيه الاحتجاج
عليكم من الكتاب لكتبنا أضعاف ما كتبنا، وفيما اقتصصنا ما يكتفى به من يعقل.
انتهى كلام الفضل.
أقول: لما كان أهل الخلاف المتسمين بالسنة جاهلين بالكتاب والسنة منكرين
لفضل أئمة الحق عليهم السلام اضطروا إلى القول بالرأي والاجتهاد وانكار كون أحكام
الشرع كلها مبينة في الكتاب والسنة فإنهم انفوا ان لا يعلموها، وأيضا فان أئمتهم كانوا
مجتهدين في الاحكام لأنهم كانوا أصحاب اغراض وأهواء فكانوا يتبعونهم في ذلك واما
الشيعة فلعلم أئمتهم عليهم السلام بجميع احكام الشرع وتبليغهم أكثر الاحكام إليهم
لم يحتاجوا إلى ذلك ولم يأنفوا من رد بعض الأحكام إلى أئمتهم عليهم السلام.
ومما يدل على أن أئمة أهل الخلاف سنوا لهم الاجتهاد والقول
بالرأي ما قاله ابن أبي الحديد من علمائهم في شرحه لنهج البلاغة
فإنه قال عند رده على من زعم أن عمر كان أحسن سياسة وأصح تدبيرا في الحروب
وغيرها من أمير المؤمنين عليه السلام ما محصله:
ان أمير المؤمنين (ع) كان مقيدا بقيود الشريعة ملتزما لاتباعها وان عمر كان
مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عمومات النصوص
بالآراء والاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويكيد خصمه
ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة، ويؤدب بالدرة والسوط من يغلب على ظنه أنه يستوجب

1 - آية 47 سورة النور. 2 و 3 - آية 51 و 52 سورة النور.
14

ذلك ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستوجبون به التأديب، كل ذلك بقوة اجتهاده
وما يؤديه إليه نظره ولم يكن أمير المؤمنين (ع) يرى ذلك، وكان يقف مع النصوص
والظواهر ولا يتعداها إلى الاجتهاد والأقيسة، ويطبق أمور الدنيا على أمور الدين، ويسوق
الكل مسوقا واحدا، ولا يضع ولا يرفع الا بالكتاب والنص فاختلف طريقاهما في الخلافة
والسياسة، إلى آخر ما قاله في ذلك أخذنا منه موضع الحاجة.
فصل
قال الواقدي: ما فرطنا في الكتاب من شئ أي ما تركنا شيئا لم نبينه لان معنى التفريط
يعود إلى التقصير عن التقويم فيما يحتاج إلى التقويم فيه وما خفى على الناس فلم يعرفوا فيه دلالة
فذلك لقصور علمهم. قال: وقد استنبط ابن مسعود بدرجتين في قوله لامرأة: مالي
لا العن من لعنه الله في كتابه؟! فقالت: يا بن أم عبد تلوت البارحة ما بين الدفتين
فلم أجد فيه لعن الواشمة فقال: لو تلوتيه وجدتيه قال الله تعالى: ما اتاكم الرسول فخذوه
وما نهاكم عنه فانتهوا فان رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الواشمة والمستوشمة والواصلة
والمستوصلة.
أقول: كون وجوب الاخذ بأوامر النبي (ص) ونواهيه في القرآن لا يستلزم ان يكون
جميع أوامره ونواهيه فيه وليس هذا من معنى " ما فرطنا في الكتاب من شئ " في شئ بل لابد
ولا أقل من أن يكون في القرآن احكام كلية يترتب عليها فروع جزئية من غير واسطة
محتاجة إلى الثبوت بل مطلقا حتى يصح ان يقال: ان تلك الفروع في القرآن كما مر في
حديث القيل والقال وكثرة السؤال وفساد المال (1)، وكما يؤثر ان مولانا الحسن عليه السلام
تلا قوله عز وجل: ولا رطب ولا يابس ألا في كتاب مبين، فقال له معاوية: أين قصة
لحيتك ولحيتي في الكتاب؟ - وقد كان الحسن (ع) حسن اللحية وكان معاوية قبيحها،
فقال (ع): قوله عز وجل: والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج
الا نكدا (2)، ولو استنبط لعن الواشمة وأخواتها من قوله عز وجل حكاية عن إبليس اللعين:

1 - انظر ص 3، س 19. 2 - صدر آية 58 سورة الأعراف.
15

ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، لكان أقرب.
قال بعض المحققين ما ملخصه (1):
ان العلم بالشئ اما يستفاد من الحس برؤية أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد
أو نحو ذلك ومثل هذا العلم لا يكون الا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط لأنه انما يتعلق
بالشئ في زمان وجوده علم، وقبل وجوده علم آخر، وبعد وجوده علم ثالث وهكذا
كعلوم أكثر الناس، واما ما يستفاد من مباديه وأسبابه وغاياته علما واحدا كليا بسيطا
محيطا على وجه عقلي غير متغير فإنه ما من شئ الا وله سبب ولسببه سبب وهكذا إلى أن
ينتهي إلى مسبب الأسباب وكل ما عرف سببه من حيث يقتضيه ويوجبه فلابد وان يعرف
ذلك الشئ علما ضروريا دائما فمن عرف الله تعالى بأوصافه الكمالية ونعوته الجلالية
وعرف أنه مبدء كل وجود وفاعل كل فيض وجود وعرف ملائكته المقربين ثم ملائكته
المدبرين المسخرين للأغراض الكلية العقلية بالعبادات الدائمة والنسك المستمرة من
غير فتور ولغوب الموجبة لان يترشح عنها صور الكائنات كل ذلك على الترتيب السببي
والمسببي فيحيط علمه بكل الأمور وأحوالها ولواحقها علما بريئا من التغيير والشك

1 - قال المصنف (ره) في المقدمة السابعة من مقدمات تفسيره المسمى بالصافي ما نصه:
" قال بعض أهل المعرفة ما ملخصه: ان العلم بالشئ (وساق الكلام إلى آخره وقال)
انتهى كلامه أعلى الله مقامه " وقال في الجزء الأول من الوافي في باب " انه ليس شئ مما يحتاج
إليه الناس الا وقد جاء فيه كتاب أو سنة " في بيان له يتعلق بمعنى الحديث الأول ما نصه:
" قال أستاذنا قدس سره ما ملخصه: ان العلم بالشئ (فساق الكلام إلى آخره قائلا بعده:
انتهى كلامه أعلى الله تعالى مقامه، ص 49 من المجلدة الأولى من الطبعة الثانية) فعلم أن
المراد به صدر المتألهين ومأخذ المصنف (ره) كلام أستاذه في شرح أصول الكافي في شرح
الحديث العاشر من باب الرد إلى الكتاب والسنة وكذا كلامه في شرح الحديث السادس
من ذلك الباب فهو ملفق من تلخيص كلامين لاستاده فمن أراد المراجعة فليراجع ص 202 وص 206.
16

والغلط، فيعلم من الأوائل الثواني ومن الكليات الجزئيات المترتبة عليها، ومن البسائط -
المركبات، ويعلم حقيقة الانسان وأحواله وما يكملها ويزكيها ويسعدها ويصعدها إلى عالم -
القدس، وما يدنسها ويرديها ويشقيها ويهويها إلى أسفل السافلين علما ثابتا غير قابل للتغير
ولا محتملا لتطرق الريب فيعلم الأمور الجزئية من حيث هي دائمة كلية ومن حيث لا كثرة
فيه ولا تغير وان كانت هي كثيرة متغيرة في أنفسنا وبقياس بعضها إلى بعض وهكذا
كعلم الله سبحانه بالأشياء وعلم ملائكته المقربين وعلوم الأنبياء عليهم السلام بأحوال
الموجودات الماضية والمستقبلية، وعلم ما كان وعلم ما سيكون إلى يوم القيامة من هذا القبيل، فإنه
علم كلي ثابت غير متجدد بتجدد المعلومات ولا متكثر بتكثرها، ومن عرف كيفية هذا
العلم عرف معنى قوله عز وجل: وفيه تبيان كل شئ، ويصدق بأن جميع العلوم والمعاني في
القرآن الكريم عرفانا حقيقيا وتصديقا يقينيا على بصيرة لا على وجه التقليد والسماع
ونحوهما إذ ما من امر من الأمور الا وهو مذكور في القرآن اما بنفسه أو بمقوماته وأسبابه
ومباديه وغاياته ولا يتمكن من فهم آيات القرآن وعجائب أسراره وما يلزمها من الاحكام
والعلوم التي لا تناهي الا من كان علمه بالأشياء من هذا القبيل.
فصل
قال بعض الفضلاء (1): من المعلوم عند اولي الألباب ان الأحاديث الشريفة ناطقة
بأن كل واقعة تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة ورد فيها خطاب قطعي عن الله تعالى فلم يبق
شئ على مجرد اباحته الأصلية فالتمسك بالبراءة الأصلية لا يجوز في نفس (2)
أحكامه تعالى.
أقول: هذا انما يصح بالنسبة إلى من خصه الله بفهم جميع الأحكام من القرآن

1 - المراد من هذا البعض هو العالم الجليل المولى محمد امين الاسترآبادي قدس الله
تربته الزكية، والكلام مذكور في فوائده المدنية (106 من النسخة المطبوعة).
2 - في الفوائد المدنية: " نفى ".
17

كالأئمة المعصومين عليهم السلام ومن تمكن من الاخذ عنهم مشافهة دون جمهور الناس
ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام في الحديث السابق: " فاستنطقوه " مشيرا إلى أنه لا يفهم
لسانه الا أهل الله خاصة ثم قال: ولن ينطق لكم، لعدم السمع الباطني والاذن القلبية (1)
فيكم، ثم بين انه (ع) لسان الله الناطق عن كتبه للخلق، المخبر عن أسرار القرآن ومكنوناته
فقال: أخبركم عنه، وقال: لو سألتموني لعلمتكم، إلى غير ذلك مما يدل على هذا المعنى كما
يأتي في الأصل الثاني فلا سبيل إلى فهم معاني القرآن والقطع بأحكامه لجمهور الناس الا من
جهتهم عليه السلام، اما في مثل هذا الزمان فلا خطاب قطعي في حكم من الاحكام
المختلف فيها الا بالنسبة إلى من آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب والاذن القلبية (2) والسمع
الباطني لسماع القرآن وفهمه دون غيره من الناس لان اخبار الآحاد لا تفيد الا ظنا مع
أنها لا تفي بجميع الاحكام كما هو ظاهر.
وأيضا: فان أكثرها كالقرآن في الدلالة الاجمالية وعدم التنصيص وقبولها
لتخالف الافهام فيها، واما التمسك بالبراءة الأصلية ففيه تحقيق ذكره المحقق الحلي
رحمه الله في أوائل كتاب المعتبر فإنه قال (3): ويقال: عدم الدليل على كذا فيجب انتفاؤه
وهذا يصح فيما يعلم أنه لو كان هناك دليل لظفر به اما لا مع ذلك فإنه يجب التوقف
ولا يكون ذلك الاستدلال حجة ومنه القول بالإباحة لعدم الوجوب والحظر، انتهى
كلامه رحمه الله.

1 - في الأصل: " القلبي " في كلا الموردين.
2 - في الأصل: " القلبي " في كلا الموردين.
3 - هو مذكور في أوائل المعتبر في أواخر الفصل الثالث من المقدمة ضمن ما ذكر تحت
عنوان " واما الاستصحاب فأقسامه ثلاثة (إلى أن قال): الثاني ان يقال: عدم الدليل على
كذا (إلى آخر الكلام) " انظر ص 8 من النسخة المطبوعة بإيران سنة 1315، ونقله الأمين
الاسترآبادي (ره) في الفوائد المدنية (انظر 140 من النسخة المطبوعة).
18

وقال في كتابه في الأصول (1): اعلم أن الأصل خلو الذمة عن الشواغل الشرعية
فإذا ادعى مدع حكما شرعيا جاز لخصمه ان يتمسك في انتفائه بالبراءة الأصلية فيقول:
لو كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعية لكن ليست كذلك فيجب نفيه، ولا يتم
هذا الدليل الا ببيان مقدمتين: إحداهما انه لا دليل عليه شرعا بان يضبط طرق
الاستدلالات الشرعية ويبين عدم دلالتها عليه، والثانية ان يبين انه لو كان هذا الحكم
ثابتا لدلت عليه إحدى تلك الدلائل لأنه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق
للمكلف إلى العلم به وهو تكليف بما لا يطاق، ولو كان عليه دلالة غير تلك الأدلة لما كانت
أدلة الشرع منحصرة فيها لكن بينا انحصار الاحكام في تلك الطرق، وعند هذا يتم
كون ذلك دليلا على نفي الحكم، انتهى كلامه (2).
وأقول: هذا انما يصح إذا أريد بنفي الحكم نفيه بالنسبة إلينا اي عدم كوننا مكلفين
به مع عدم العلم لامتناع تكليف ما لا يطاق، وأما إذا أريد به نفيه في الواقع فهو غير صحيح
لجواز ان يكون الحكم ثابتا في الواقع وان لم يصل إلينا ولا نكون مكلفين به حتى يصل إلينا
كما ورد في الاخبار: ان الناس في سعة مما لا يعلمون حتى يعلموا، فالتحقيق ان التمسك
بأصالة البراءة انما يصح في العمليات المحضة دون العلميات أعني لا يجوز لنا الافتاء

1 - يريد به كتابه المعروف بمعارج الأصول والكلام مذكور فيه (ص 151 من النسخة
المطبوعة بطهران سنة 1310) وهو مذكور في الفوائد المدنية نقلا عن الكتاب المذكور (انظر
ص 140).
2 - أورد الأمين الاسترآبادي الكلامين كليهما في الفوائد المدنية وقال بعدهما: " وانا
أقول: لقد أحسن وأجاد المحقق الحلي فيما نقلناه عنه، وما رأيت فقيها يكون حكيما بعد السيد
المرتضى ورئيس الطائفة قدس الله سرهما الا إياه، يشهد بذلك من تتبع كلامه في الأصول
وفي كتاب المعتبر وكلام غيره من المتأخرين وتحقيق كلامه (إلى آخر ما قال) ومن اراده
فليراجع الفوائد المدينة (ص 140).
19

والحكم بالبراءة وان جاز ان يقال: انه لا يجب علينا الاخذ به لأنه غير ثابت لنا، أو نحن
في سعة منه حتى يتبين، أو نحو ذلك، وكأنه إلى هذا أشار الفاضل المذكور بقوله: ولا -
يجوز التمسك بها في نفس أحكامه تعالى، يعني يجوز في متعلقات أحكامه تعالى كما صرح
به في موضع آخر، ويؤيد هذا اختلاف مراتب الناس في مقدار تتبع الأدلة في الوصول
إليها وعدمه مع أن ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من أن حكم الله سبحانه واحد في كل
قضية وان من اصابه فقد أصاب الحق ومن أخطأه فقد أخطأ الحق وعليه الوزر في فتياه لا ينفى
الحكم في الواقع بمجرد أصالة البراءة، كما يأتي في الأصل السابع تحقيقه، وعلى هذا المعنى
يحمل ما رواه الصدوق رحمه الله في الفقيه عن الصادق عليه السلام: ان كل شئ مطلق
حتى يرد فيه نهى، أي مطلق لكم وموسع عليكم حتى يصل إليكم نهى لا ان الاطلاق
حكم الله في الواقع، وبهذا التحقيق يتحقق الجمع بين كثير من الآيات والاخبار المختلفة
بحسب الظاهر في الأصول الآتية كما ستطلع عليه إن شاء الله بل يتحقق محاكمة دقيقة بين
المخطئة والمصوبة كما يظهر عند التأمل الصادق، ويمكن استنباط هذا الحكم اي جواز
التمسك بأصالة البراءة في العمليات من القرآن من قوله عز وجل: وما كان الله ليضل
قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون (1) ونحوها من الآيات مما يؤدى مؤداها.
الأصل الثاني
في أنه لا يعلم علم الكتاب والسنة كله الا من يعلم الناسخ
من المنسوخ، والمحكم من المتشابه، والتأويل من الظاهر، والمقيد
من المطلق، والعام من الخاص، إلى غير ذلك من الاحكام كلها
ولا يعلم ذلك كله الا النبي (ص) ومن أخذ علمه من الله تعالى بواسطته من عترته

1 - صدر آية 115 سورة التوبة.
20

المعصومين وأوصيائه المطهرين خلفا بعد سلف، واما من يحذو حذوهم من شيعتهم الكاملين
فإنما يعلمون من ذلك بقدر قربهم منهم ومتابعتهم لهم على اختلاف مراتبهم في ذلك،
وتفاوت درجاتهم في العلم والحكمة، وقرب علمهم من الكلية والوحدة والبساطة والجمعية،
وزيادة رسوخهم في العلم، قال الله عز وجل: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات
محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات (إلى قوله (1)) وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في
العلم وقال تعالى: ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم (2)
وقال عز وجل: فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون (3) وقال: بل هو آيات بينات في
صدور الذين أوتوا العلم (4) وقال: ومن عنده علم الكتاب (5)، إلى غير ذلك.
وفي آخر روضة الكافي انه خطب أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وذكر خطبة
طويلة (إلى أن قال (6)):
ان علم القرآن ليس يعلم ما هو الا من ذاق طعمه، فعلم بالعلم جهله، وبصر به عماه،
وسمع به صممه، وأدرك به علم ما فات، وحيى به بعد إذ مات، وأثبت عند الله الحسنات، ومحا به
السيئات، وأدرك به رضوانا من الله تعالى فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة فإنهم خاصة
نور يستضاء بهم، وأئمة يقتدى بهم، وهم عيش العلم وموت الجهل، هم الذين يخبركم
حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين، ولا -
يختلفون فيه، الحديث (6). وقال لقاض: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ - قال: لا، قال:

1 - إشارة إلى وسط الآية وهو: " فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء
الفتنة وابتغاء تأويله " (آية 7 سورة آل عمران). 2 - من آية 83 سورة النساء.
3 - ذيل آية 43 سورة النحل. 4 - صدر آية 49 سورة العنكبوت 5 - ذيل آية
43 سورة الرعد. 6 - هذه الخطبة في أواخر روضة الكافي (انظر مرآة العقول، ج 4 ص 435 - 434).
21

فهل أشرفت على مراد الله في أمثال القرآن؟ - قال: لا، قال: إذا هلكت وأهلكت (1).
وباسنادهما عن أبي جعفر (ع) قال: ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا: الله اعلم، ان
الرجل لينتزع آية من القرآن يخر فيها (2) أبعد ما بين السماء والأرض (3). وباسنادهما عن أبي -
عبد الله (ع) قال: سمعت أبي يقول: ما ضرب الرجل القرآن بعضه ببعض الا كفر (4). وفي
الكافي باسناده عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر (ع) فقال:
يا قتادة انك فقيه أهل البصرة؟ - فقال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر (ع): بلغني انك

1 - هو مذكور في مصباح الشريعة في الباب الثالث والستين وهو باب الفتيا ونص
العبارة فيه " قال أمير المؤمنين علي (ع) لقاض " الحديث (انظر 42 من طبعة المصطفوي).
2 - (بالخاء المعجمة وتشديد الراء على أنه مضارع من خر، وعلى ان " فيها " مركب من في
حرف الجر ومن ها وهي ضمير يرجع إلى الآية) و " يحرفها " تصحيف كما نبه عليه في الوافي (ج 1 ص 38).
3 - هو في أصول الكافي في باب النهي عن القول بغير علم، (انظر مرآة العقول،
ج 1، ص 29) وفي محاسن البرقي، كتاب مصابيح الظلم في باب النهي عن القول بغير علم،
(انظر ص 206 من الطبعة الأولى منه) ونقله المجلسي (ره) أيضا في المجلد الأول من البحار في
باب النهي عن القول بغير علم وأورد له بيانا (ص 111 من طبعة امين الضرب) فالضمير في
" باسنادهما " في المتن يرجع إلى البرقي والكليني وان لم يسبق لهما ذكر. 4 - قال المصنف (ره) في المقدمة الخامسة من تفسيره الصافي " وفيه (أي في تفسير
العياشي) وفي الكافي عن الصادق عن أبيه (ع) قال: ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض الا كفر
أقول: لعل المراد بضرب بعضه ببعض تأويل بعض متشابهاته إلى بعض بمقتضى الهوى
من دون سماع من أهله أو نور وهدى من الله، ولا يخفى ان هذه الأخبار تناقض بظواهرها ما
مضى في المقدمة الأولى من الامر بالاعتصام بحبل القرآن والتماس غرائبه وطلب عجائبه والتعمق
في بطونه والتفكر في تخومه وجولان البصر فيه وتبليغ النظر إلى معانيه فلابد من التوفيق والجمع
فنقول وبالله التوفيق " فخاض في ايراد كلام مفصل في وجه الجمع فمن اراده فليراجع الصافي فان
المقام لا يسعه فعلم أن المراد بالضمير في قوله (ره) " باسنادهما " العياشي والكليني
رضوان الله عليهما وهو مذكور في محاسن البرقي أيضا (ص 312 من النسخة المطبوعة) والحديث
مذكور في باب النوادر من كتاب فضل القرآن من أصول الكافي (ج 2 مرآة العقول ص 535).
22

تفسير القرآن؟ - قال له قتادة: نعم، فقال أبو جعفر (ع): فان كنت تفسره بعلم فأنت أنت،
وان كنت فسرت من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، ويحك يا قتادة انما يعرف
القرآن من خوطب به (1) الحديث، وروى في المجالس بسند حسن عن الرضا عليه السلام
عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال
الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني
من استعمل القياس في ديني (2) وفي كتاب المحاسن لأحمد بن محمد البرقي باسناده عن
عبد الله بن شبرمة (3) ورواه في الكافي أيضا عنه قال: ما أذكر حديثا سمعت من جعفر بن محمد
الا كاد ان يتصدع قلبي، قال أبي عن جدي عن رسول الله (ص) قال ابن شبرمة: وأقسم
بالله ما كذب أبوه على جده، ولا كذب جده على رسول الله (ص)، فقال: قال رسول -
الله (2): من عمل بالقياس فقد هلك وأهلك، ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ
من المنسوخ، والمحكم من المتشابه، فقد هلك وأهلك (4). وفي المحاسن في أوائل العلل عن

1 - قال المصنف (ره) في أواخر المقدمة الثانية من مقدمات تفسيره المسمى بالصافي
" وفي الكافي باسناده عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر (ع) فقال: يا
قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ " " فذكر الحديث بطوله وأورد كلاما مفصلا في بيانه فمن اراده
فليراجع هناك وهو مذكور في روضة الكافي (وهو الحديث الخامس والثمانون بعد الأربعمائة ج 4 -
مرآة العقول، ص 397). 2 - انظر أمالي الصدوق: المجلس الثاني وسنده هكذا: " حدثنا محمد بن موسى المتوكل
رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا أبي عن الريان بن الصلت عن علي بن
موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال رسول الله (ص): قال الله عز وجل (الحديث) "
أقول نقله الشيخ الحر (ره) في الوسائل في كتاب القضاء في باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي
في نفس الأحكام الشرعية عن كتابي التوحيد وعيون الاخبار للصدوق أيضا وهو الحديث الرابع
والعشرون من الباب المذكور (انظر ج 2 من طبعة أمير بهادر ص 372).
3 - هو في كتاب مصابيح الظلم من المحاسن (انظر ص 206، حديث 61).
4 - هو الحديث التاسع من باب النهي عن القول بغير علم من أصول الكافي (انظر مرآة
العقول ج 1: ص 29).
23

جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من التفسير فأجابني ثم سألته ثانية
فأجابني بجواب آخر فقلت له: جعلت فداك كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا
قبل اليوم؟ - فقال: يا جابر ان للقرآن بطنا، وللبطن بطنا، وله ظهر وللظهر ظهر يا جابر
ليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، ان الآية يكون أولها في شئ وآخرها
في شئ وهو كلام مفصل منصرف على وجوه (1) وفي الكافي في الصحيح عنه عليه السلام
قال: تعلموا العلم وعلموه إخوانكم كما علمكموه العلماء (2)، وعن أبي عبد الله (ع): انظروا
علمكم هذا عمن تأخذونه؟! فان فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف -
الغالين وابطال المبطلين وتأويل الجاهلين (3). وفي روضة الكافي بأسناد متعددة عن أبي -
عبد الله عليه السلام في رسالة طويلة له (4) قال (ع): أيتها العصابة المرحومة المفلحة ان الله
أتم لكم ما آتاكم من الخير واعلموا انه ليس من علم الله ولا من امره ان يأخذ أحد من
خلق الله في دينه بهوى ولا برأي ولا مقائيس وقد انزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل
شئ وجعل للقرآن وتعلم القرآن اهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه ان
يأخذوا فيه بهوى ولا رأى ولا مقائيس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به
ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم بها وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم

1 - هو الحديث الخامس من كتاب العلل من المحاسن (انظر ص). 300).
2 - في باب ثواب العالم والمتعلم من أصول الكافي (ص 25 ج 1 مرآة العقول) بعد ذكر
السند " عن أبي جعفر (ع) قال: ان الذي يعلم العلم منكم له اجر مثل اجر المتعلم وله الفضل
عليه فتعلموا، (الحديث) ".
3 - هو ذيل حديث في باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء من أصول الكافي (ص 23
ج 1 مرآة العقول).
4 - هذه الرسالة أول حديث من كتاب الروضة والعبارة في أوائل الثلث الأول منه
(راجع ص 249 من المجلد الرابع من مرآة العقول).
24

وهم الذين من سألهم وقد سبق في علم الله ان يصدقهم ويتبع أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم -
القرآن ما يهتدى به إلى الله باذنه والى جميع سبل الحق وهم الذين لا يرغب عنهم وعن
مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم الا من سبق عليه في علم الله الشقاء
في أصل الخلق تحت الأظلة، فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم
الله القرآن ووضعه عندهم وأمرهم بسؤالهم، وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم
ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان لأنهم جعلوا أهل الايمان في علم القرآن عند الله كافرين،
وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين، وجعلوا ما أحل الله في كثير من الامر
حراما، وجعلوا ما حرم الله في كثير من الامر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم وقد عهد
إليهم رسول الله (ص) قبل موته فقالوا: نحن بعد ما قبض الله عز وجل رسوله يسعنا ان
نأخذ بما اجتمع عليه رأى الناس بعد قبض الله رسوله (ص) وبعد عهد الله الذي عهده إلينا
وأمرنا به مخالفة لله ولرسوله فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن
ذلك يسعه، والله ان لله على خلقه ان يطيعوه ويتبعوا امره في حياة محمد صلى الله عليه
وآله وبعد موته، الحديث بطوله.
وفى هذا الحديث (1): واتبعوا آثار رسول الله وسنته فخذوا بها ولا تتبعوا أهواءكم
وآراءكم فتضلوا فان أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله.
وفيه أيضا: أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليكم بآثار رسول الله (ص) وسنته وآثار
الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله عليهم السلام من بعده وسنتهم، فإنه من أخذ
بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل لأنهم هم الذين امر الله بطاعتهم
وولايتهم. وفي المحاسن باسناده عن أبي عبد الله (ع) انه قال في رسالة (2) وأما ما سألت من

1 - ص 250 ج 4 مرآة العقول، سطر 7 من الحاشية.
2 - هو الحديث السادس والخمسون من كتاب مصابيح الظلم من المحاسن (انظر
باب انه انزل الله القرآن تبيانا لكل شئ، ص 268 من النسخة المطبوعة بطهران بتصحيح
المحدث).
25

القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة لان القرآن ليس على ما ذكرت و
كلما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه، وانما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ولقوم
يتلونه حق تلاوته، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه، واما غيرهم فما أشد استشكاله
عليهم وأبعده عن مذاهب قلوبهم وكذلك قال رسول الله (ص): انه ليس شئ بأبعد
في قلوب الرجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحير الخلائق أجمعون الا من شاء الله وانما
أراد الله بتبعيته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه، وان يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة
القوام بكتابه والناطقين عن أمره، وان يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم،
ثم قال: ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستبطونه منهم، فأما عن
غيرهم فليس يعلم ذلك ابدا ولا يوجد وقد علمت أنه لا يستقيم ان يكون الخلق كلهم ولاة
الامر إذا لا يجدون من يأتمرون عليه ولا من يبلغونه أمر الله ونهيه فجعل الله الولاة خواص
ليقتدى بهم من لم يخصصهم بذلك فافهم ذلك إن شاء الله، وإياك وتلاوة القرآن برأيك
فان الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور، ولا قادرين عليه ولا على
تأويله الا من حده وبابه الذي جعل الله له فافهم إن شاء الله، واطلب الامر من مكانه تجده
إن شاء الله، واطلب الامر من مكانه تجده إن شاء الله.
أقول: تكريره (ع) قوله " فافهم " إشارة إلى أن العالم بذلك كله كما ينبغي هم
عليهم السلام خاصة ويدل عليه من الاخبار غير ما ذكر ما لا يحصى ولنشر إلى قليل منها،
ففي الاحتجاج للشيخ أبي منصور الطبرسي رحمه الله في احتجاج النبي (ص) يوم الغدير على
تفسير كتاب الله والداعي إليه (1): الا ان الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما
وآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد فأمرت ان آخذ البيعة عليكم والصفقة منكم

1 - انظر أوائل كتاب الاحتجاج ص 36 - 29 من النسخة المطبوعة سنة 1286 بتبريز
لكن لا يخفى عليك ان العبارة ملفقة من فقرتين من هذه الخطبة (انظر ص 32 سطر 25 - 24
وص 35، س 6 - 5).
26

بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده: يا معاشر
الناس تدبروا القرآن وافهموا آياته، وانظروا في محكماته، ولا تنظروا في متشابهاته، فوالله
لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره الا الذي أنا آخذ بيده، وفيه في احتجاج
أمير المؤمنين (ع) على المهاجرين والأنصار حكاية عن النبي (ص): أيها الناس علي بن
أبي طالب فيكم بمنزلتي فقلدوه دينكم، وأطيعوه في جميع أموركم فان عنده جميع ما علمني الله
عز وجل من علمه وحكمه، فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده (1). وفي البصائر
باسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام (2) قال: كنت إذا سألت رسول الله (ص) أجابني وان
ذهبت مسائلي ابتدأني، فما أنزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا ارض ولا دنيا ولا
آخرة الا أقرأنيها وأملاها على وكتبها بيدي، وعلمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها
ومتشابهها وخاصها وعامها وكيف نزلت وأين نزلت وفيمن نزلت إلى يوم القيامة، ودعا
الله ان يعطيني فهما وحفظا فما نسيت آية من كتاب الله، ولا على من، نزلت. وفى الكافي في
باب اختلاف الحديث عن سليم بن قيس الهلالي عنه عليه السلام ما يقرب منه، مع بيانات
واضحة في سبب الاختلاف فليطلب منه (3). وفي البصائر باسناده عن أبي جعفر (ع) قال: تفسير

1 - في الاحتجاج الذي طبع بتبريز سنة 1286 ضمن احتجاج أمير المؤمنين علي (ع) على
جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار (انظر ص 73 س 21 - 20) " أيها الناس قد بينت مفزعكم
بعدي وامامكم ودليلكم وهاديكم وهو أخي علي بن أبي طالب وهو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه
دينكم، الحديث ".
2 - في بصائر الدرجات المطبوع سنة 1285 في الباب الثامن من الجزء الرابع المعنون
بأنه " باب في أن عليا علم كلما انزل على رسول الله (ص) في ليل أو نهار أو حضر أو سفر " المنطبق
على صفحة 63 منه: " حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن أسلم عن ابن أذينة عن ابان عن
سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (ع) قال: كنت إذا سألت (الحديث) ".
3 - انظر آخر الحديث الأول من أحاديث باب اختلاف الحديث من كتاب أصول الكافي
(مرآة العقول ج 1 ص 43 - 42).
27

القرآن على سبعة أوجه: منه ما كان ومنه ما لم يكن بعد، ذلك تعرفه الأئمة عليهم السلام (1)
وباسناده قال (ع): ان هذا العلم انتهى إلى في القرآن ثم جمع أصابعه ثم قال: بل هو
آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم (2). وفي الكافي باسناده عنه (ع) قيل له: قل كفى
بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال: إيانا عنى، وعلي أولنا وأفضلنا (3) وفيه
باسناده عنه (ع): نحن المخصوصون في كتاب الله ونحن الذين اصطفانا الله وأورثنا هذا الذي
فيه تبيان كل شئ (4) وعن أحدهما (ع) قال: رسول الله (ص) أفضل الراسخين في العلم فقد
علمه الله عز وجل ما أنزل من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه
تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمون كله، والقرآن خاص وعام ومحكم ومتشابه وناسخ
ومنسوخ فالراسخون في العلم يعلمونه (5). وعن أبي عبد الله (ع): الراسخون في العلم
أمير المؤمنين والأئمة من بعده (6) وباسناده عن أبي الصباح قال: والله لقد قال لي جعفر بن

1 - في الباب السابع من الجزء الرابع من بصائر الدرجات " حدثنا الفضل عن موسى بن
القاسم عن ابان عن ابن أبي عمير أو غيره عن جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال:
تفسير القرآن، (الحديث) ".
2 - في الباب الحادي عشر من الجزء الرابع من بصائر الدرجات (س 28 - 26): " حدثنا احمد
ابن محمد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن محمد بن يحيى عن عبد الرحمن
عن أبي جعفر (ع) قال: ان هذا العلم (الحديث) ".
3 - انظر أصول الكافي، باب انه لم يجمع علم القرآن كله الا الأئمة وهو الحديث
السادس (ج 1 مرآة العقول، ص 172) وله ذيل وهو " وخيرنا بعد النبي (ص) ".
4 - لم أجده في الكافي بهذه العبارة، نعم فيه في باب ان الأئمة ورثوا علم النبي وجميع
الأنبياء والأوصياء في آخر الحديث السابع " فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا
الذي فيه تبيان كل شئ " وفي الحديث الأول من الباب " ونحن المخصوصون في كتاب الله عز وجل
(ج 1 مرآة العقول ص 168 و 169) الا انه (ره) اخذه بهذه العبارة عن الفوائد المدينة (ص 109).
5 و 6 - هما في أصول الكافي، في باب ان الراسخين في العلم هم الأئمة عليهم السلام
(ج 1 مرآة العقول، ص 164) وفي البصائر أيضا (في الباب العاشر من الجزء الرابع).
28

محمد (ع): ان الله علم نبيه التنزيل والتأويل فعلمه رسول الله (ص) عليا ولي الله قال
وعلمنا والله ثم قال: ما صنعتم من شئ أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم فيه في سعة (1)
في البصائر باسناده عنه (ع) قال: ما يستطيع أحد ان يدعى ان عنده جميع القرآن كله ظاهره
وباطنه غير الأوصياء (2). وفي رواية أخرى: ما ادعى أحد من الناس انه جمع القرآن كله
كما أنزل الله الا كذب، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله الا علي بن أبي طالب والأئمة من
بعده (3). وفي رواية عنهم عليه السلام: لو وجدنا وعاء أو مستراحا لقلنا والله المستعان (4).
وباسناده عنه (ع) قال: بحسبكم ان تقولوا نعلم علم الحلال والحرام وعلم القرآن وفصل ما
بين الناس (5). وفي رواية: وأي شئ الحلال الحرام في جنب علم الله انما الحلال والحرام
في آي يسيرة من القرآن (6) وباسناده عنه (ع) قال: قد ولدني رسول الله (ص) وانا أعلم كتاب
الله، وفيه بدأ الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة، وفيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر

1 - هو الحديث الخامس عشر من أحاديث وجوه الايمان من فروع الكافي (ج 4
مرآة العقول ص 240).
2 و 3 - هما في بصائر الدرجات في الجزء الرابع في الباب السادس (انظر الحديث الأول
والثاني) وفي أصول الكافي في باب انه لم يجمع القرآن كله الا الأئمة (ج 1 مرآة العقول
ص 171).
4 - هو ذيل الحديث الأول من باب ان الأئمة أعطوا تفسير القرآن وهو الباب السابع
من الجزء الرابع من كتاب بصائر الدرجات وكذا ذيل الحديث الثالث من باب انه لم يجمع
القرآن كله الا الأئمة وصدره: " ان من علم ما أوتينا تفسير القرآن واحكامه وعلم تغيير الزمان
وحدثانه، إذا أراد الله بقوم خيرا أسمعهم ولو اسمع من لم يسمع لولى معرضا كأن لم يسمع ثم
أمسك هنيئة ثم قال ولو وجدنا (الحديث) ". 5 و 6 - هما في البصائر في باب ان الأئمة أعطوا تفسير القرآن (جزء 4 باب 7) والثانية
غيرت عن الأصل ونقلت بالمعنى ونص الرواية هكذا " وأي شئ الحلال والحرام في جنب العلم
انما الحلال والحرام في شئ يسير من القرآن.
29

الجنة وخبر النار، وخبر ما كان وما هو كائن، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي، ان الله يقول:
فيه تبيان كل شئ (1).
وباسناده الصحيح عن منصور بن حازم قال (2): قلت لا بي عبد الله عليه السلام:
قلت للناس أليس تزعمون أن رسول الله (ص) كان هو الحجة من الله على خلقه؟ - قالوا
بلى، قلت: فحين مضى رسول الله (ص) من كان الحجة في خلقه؟ - فقالوا: القرآن، فنظرت
في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال
بخصومته فعرفت أن القرآن لا يكون حجة الا بقيم فما قال فيه من شئ كان حقا فقلت
لهم من قيم القرآن؟ - فقالوا: ابن مسعود قد كان يعلم، وعمر يعلم، وحذيفة يعلم، قلت:
كله؟ - قالوا: لا، فلم أجد أحدا يقال: انه يعرف ذلك كله الا عليا عليه السلام، وإذا
كان الشئ بين القوم فقال هذا: لا ادرى، وقال هذا: لا ادرى، وقال هذا: انا أدري، فاشهد
ان عليا (ع) كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد
رسول الله (ص)، وان ما قال في القرآن فهو حق؟ - فقال: رحمك الله.
وفيه (3) في باب نص الله ورسوله على الأئمة واحدا فواحدا اخبار منبهة على هذا،
وكذا في باب معرفة الامام والرد إليه، وفي باب ان الأئمة هم الهداة، وفي تفسير قوله
تعالى: فاسألوا أهل أذكر، وقوله: وانه لذكر لك ولقومك، وقوله تعالى: بل هو
آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وغيرها، وفي أول كتاب آداب المعيشة في باب دخول
الصوفية على أبي عبد الله (ع) إلى غير ذلك مما لا يحصى.
وصل
وليعلم ان علوم الأئمة عليهم السلام ليست اجتهادية ولا سمعية اخذوها من جهة

1 - نقله في الوافي (ج 1، ص 50 من الطبعة الثانية) عن الكافي مع بيان للولادة.
2 - في أصول الكافي، في باب الاضطرار إلى الحجة، الحديث الثاني، (ج 1 مرآة العقول،
ص 129) وله صدر، من إرادة فليراجع هناك.
3 - كأنه يريد به الكافي.
30

الحواس بل هو لدنية أخذوها من الله سبحانه ببركة متابعة النبي (ص).
قال الفاضل البحراني (1) في شرح قول أمير المؤمنين (ع) انما هو تعلم من ذي علم:
ان ذلك إشارة إلى واسطة (2) تعليم الرسول له وهو اعداد نفسه على طول الصحبة
بتعليمه وارشاده إلى كيفية السلوك وأسباب التطويع والرياضة حتى استعد للانتقاش بالأمور
الغيبية والاخبار عنها، وليس التعليم هو ايجاد العلم وان كان أمرا قد يلزمه ايجاد العلم فتبين إذا ان
تعليم رسول الله (ص) له لم يكن مجرد توقيفه على الصور الجزئية بل اعداد نفسه بالقوانين الكلية
ولو كانت الأمور التي تلقاها عن الرسول صورا جزئية لم يحتج إلى مثل دعائه في فهمه لها
فان فهم الصور الجزئية امر ممكن سهل في حق من له أدنى فهم وانما يحتاج إلى الدعاء
واعداد الأذهان له بأنواع الاعدادات هو الأمور الكلية العامة للجزئيات وكيفية انشعابها
عنها وتفريعها وتفصيلها وأسباب تلك الأمور المعدة لادراكها، ومما يؤيد ذلك قوله
(ع): علمني رسول الله (ص) الف باب من العلم فانفتح لي من كل باب الف باب، وقول
الرسول (ص): أعطيت جوامع الكلم وأعطى علي جوامع العلم، والمراد بالانفتاح ليس الا
التفريع وانشعاب القوانين الكلية عما هو أعم منها، وبجوامع العلم ليس الا ضوابطه
وقوانينه، وفي قوله " وأعطى " بالبناء للمفعول دليل ظاهر على أن المعطى لعلي جوامع
العلم ليس هو النبي (ص) بل الذي أعطاه ذلك هو الذي اعطى النبي (ص) جوامع الكلم
وهو الحق سبحانه وتعالى، انتهى كلامه.
وسيأتي في فصول الأصل التاسع ما يؤكد هذا ويؤيده.

1 - المراد به ابن ميثم رحمه الله تعالى فإنه ذكر الكلام بعينه في أواخر القاعدة الثالثة
من مقدمة شرحه على نهج البلاغة (انظر ص 34 من الطبعة الأولى المطبوعة في سنة 1276).
وذكره أيضا بطريق أبسط من ذلك في موضعه من شرح نهج البلاغة (ص 291 من الطبعة الأولى).
2 - كذا وفي شرح نهج البلاغة: " وساطة ".
31

فصل
قال العلامة الطبرسي في أوائل مجمع البيان (1) " روى عن ابن عباس رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من
النار، وصح عنه (ص) من رواية العامة والخاصة انه قال: اني تارك فيكم ما ان تمسكتم
به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض،
وانما أحذف أسانيد هذه الأحاديث ايثارا للتخفيف ولاشتهارها عند أصحاب الأحاديث ".
ثم قال (2):
" واعلم أن الخبر قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة القائمين
مقامه عليهم السلام ان تفسير القرآن لا يجوز الا بالأثر الصحيح والنص الصريح، وروت
العامة أيضا عن النبي (ع) انه قال: من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ،
قالوا: وكره جماعة من التابعين القول في القرآن بالرأي كسعيد بن المسيب وعبيدة السلماني
ونافع وسالم بن عبد الله وغيرهم، والقول في ذلك أن الله سبحانه ندب إلى الاستنباط
وأوضح السبيل إليه ومدح أقواما عليه فقال: لعلمه الذين يستبطونه منهم (3) وذم آخرين
على ترك تدبره والاضراب عن التفكر فيه فقال: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب
أقفالها (4) وذكر ان القرآن نزل بلسان (5) العرب فقال: انا جعلناه قرآنا عربيا (6) وقال
النبي (ص): إذا جاءكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فاقبلوه، وما خالفه
فاضربوا به عرض الحائط، فبين ان الكتاب حجة ومعروض عليه وكيف يمكن العرض

1 - المراد من الأوائل ما بعد خطبة الكتاب وقبل الخوض في مقدماته.
2 - انظر " الفن الثالث " من مقدمات الكتاب.
3 - من آية 83 سورة النساء. 4 - آية 24 سورة القتال (وتسمى أيضا سورة
محمد). 5 - في مجمع البيان: " على لسان ". 6 - صدر آية 3 سورة الزخرف.
32

عليه وهو غير مفهوم المعنى؟! فهذا (1) وأمثاله يدل على أن الخبر متروك الظاهر فيكون
معناه ان صح أن من حمل القرآن على رأيه ولم يعمل بشواهد ألفاظه فأصاب الحق فقد
أخطأ الدليل، وقد روى عن النبي (ص) انه قال: ان القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه
على أحسن الوجوه، وروى عن عبد الله بن عباس انه قال: قسم وجوه التفسير على أربعة
اقسام، تفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العرب بكلامها، وتفسير يعلمه العلماء،
تفسير لا يعلمه الا الله عز وجل، فاما الذي لا يعذر أحد بجهالته فهو ما يلزم المكلف (2)
من الشرائع التي في القرآن وجل دلائل التوحيد، واما الذي تعرفه العرب بلسانها فهو
حقائق اللغة وموضع (3) كلامهم، واما الذي يعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه وفروع الاحكام،
واما الذي لا يعلمه الا الله فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة " (انتهى كلامه).
فقال الفقيه الفاضل الأردبيلي رحمه الله (4):
تحرير الكلام ان الخبر محمول على ظاهره غير متروك الظاهر وانه صحيح مضمونه
على ما اعترف به في أول كلامه حيث قال: صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

1 - في بعض نسخ المجمع: " بهذا ". 2 - في المجمع: " يلزمه الكافة ".
3 - في المجمع: " وموضوع ".
4 - انظر زبدة البيان في آيات احكام القرآن، والكلام في أوائل الكتاب (ص 3 طبعة
1305) وقال الأمين الاسترآبادي رحمه الله تعالى في الفوائد المدنية في الفصل الثامن الذي
في جواب الأسئلة المتجهة على ما استفاده وقرره من كلام الأئمة المعصومين عليهم السلام
ومن كلام قدماء الشيعة رضوان الله عليهم ما نصه (ص 172): " السؤال الثامن عشر - ذكر
الفاضل المدقق مولانا احمد الأردبيلي قدس سره في أول تفسيره لايات الاحكام: اعلم أن هنا
فائدة لابد قبل الشروع في المقصود من الإشارة إليها وهي ان المشهور بين الطلبة انه لا يجوز
تفسير القرآن بغير نص واثر حتى قال الشيخ أبو علي الطبرسي قدس الله سره في تفسيره الكبير:
واعلم أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة عليهم السلام ان تفسير القرآن لا يجوز
(فساق الكلام إلى آخره) ".
33

وبيانه ان الشيخ أبا علي رحمه الله قال في أول تفسيره: التفسير معناه كشف المراد عن
اللفظ المشكل، والتأويل رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الاخر، وقيل: التفسير كشف
المغطى، والتأويل انتهاء الشئ ومصيره وما يؤل إليه أمره، وهما قريبان من الأولين فالمعنى
من فسر وبين وجزم وقطع بأن المراد من اللفظ المشكل مثل المجمل والمتشابه كذا بان يحمل
المشترك اللفظي مثلا على أحد المعاني من غير مرجح وهو اما دليل نقلي - كالخبر المنصوص
أو آية أخرى كذلك أو ظاهر أو اجماع، أو عقلي، أو المعنى المراد به أحد معانيه بخصوصه
بدليل غير الدليل المذكور على فرد معين فقد أخطأ، وبالجملة المراد من التفسير الممنوع
برأيه بغير نص هو القطع بالمراد من اللفظ الذي غير ظاهر فيه من غير دليل بل بمجرد
رأيه وميله واستحسان عقله من غير شاهد معتبر شرعا كما يوجد في كلام المبتدعين وهو
ظاهر لمن تتبع كلامهم والمنع منه ظاهر عقلا والنقل كاشف عنه، وهذا المعنى غير بعيد عن
الأخبار المذكورة بل ظاهرها ذلك " انتهى كلامه.
وقال بعض الفضلاء (1) ان كلام هذا الفاضل الصالح نور الله مرقده ناطق بغفلته
عن الأحاديث الواردة عن أهل الذكر عليهم السلام المتعلقة بأصول الفقه والمتعلقة بما
يجب على الناس بعد موته صلى الله عليه وآله والمتعلقة بكتاب الله والمتعلقة بكلام رسول -
الله (ص) أو عدم امعان النظر فيها أو دخول شبهة عليه أوجبت طرح تلك الأحاديث
أو تأويلها بزعمه وينبغي ان يحمل فعله على أحسن الوجوه التي ذكرناها لأنه كان من عظماء
المحققين (2) قدس الله أرواحهم وتلك الأحاديث الواردة (3) مع تواترها معنى صريحة في أن
استنباط الاحكام النظرية من كتاب الله ومن السنة النبوية شغلهم صلوات الله وسلامه

1 - يريد به المحقق الجليل المولى محمد امين الاسترآبادي قدس الله تربته الزكية
والكلام بعينه مذكور في فوائده المدنية (ص 175 - 173) وقال في صدر كلامه: " وانا أقول
أولا: كلام الفاضل الصالح نور الله مرقده ناطق بغفلته (إلى آخر الكلام) ". 2 - في الفوائد: " المقدسين ". 3 - في الفوائد: " الشريفة ".
34

عليهم لا شغل الرعية معللا (1) بأنه (ص) بأمر الله خص أمير المؤمنين (ع) وأولاده الطاهرين
سلام الله عليهم أجمعين بتعليم ناسخ القرآن ومنسوخه، وبتعليم ما هو المراد منه، وبتعليم ان
أية آية من آيات القرآن باقية على ظاهرها وأية آية منه لم تبق على ظاهرها، وبأن كثيرا
من ذلك مخفي عندهم عليهم السلام، وبأن ما اشتهر بين العامة من أن كلما جاء به
النبي (ص) من حكم وتفسير ونسخ وتقييد وغيرها أظهره بين يدي أصحابه وتوفرت
الدواعي على أخذه ونشره ولم يقع بعده (ص) فتنة اقتضت اخفاء بعضها غير صحيح.
وثانيا ان أحاديثهم عليهم السلام صريحة في أن مراده تعالى من قوله: لعلمه الذين
يستبطونه منهم، ومن نظائره أهل الذكر عليهم السلام خاصة لا صاحب الملكة من
الرعية، واما كلام ابن عباس فمعناه واضح لا غبار عليه وهو ان معاني القرآن بعضها
من ضروريات الدين يعرفه المسلمون كوجوب الصلاة والزكاة والحج اما من القرآن
أو من غيره، وبعضها من ضروريات اللغة يعرفها كل عارف بها، وبعضها من النظريات
التي لا يعلمها الا العلماء. (2) وفي التهذيب في باب الزيادات في القضاء والاحكام: سعد بن
عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن حماد، عن عاصم، قال: حدثني
مولى سلمان عن عبيدة السلماني قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: يا أيها الناس اتقوا
الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون فان رسول الله (ص) قد قال قولا آل منه إلى غيره،
وقد قال قولا من وضعه غير موضعه كذب عليه، فقام عبيدة وعلقمة والأسود وأناس
معهم فقالوا: يا أمير المؤمنين (ع) فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ - فقال: يسأل
عن ذلك علماء آل محمد عليهم السلام. وذكر عن بصائر الدرجات أيضا ما يقرب

1 - في الأصل: " معلنا ".
2 - في الفوائد بزيادة وهي: " وأقول: الظاهر أن مراده علماء آل محمد (ع) لأنه
من تلامذة أمير المؤمنين عليه السلام والظاهر أنه تكلم موافقا لما سمعه منه عليه السلام ".
35

منه (1).
وأقول: لا ينبغي ان يرتاب أحد في جواز تفسير القرآن لغير المعصومين عليهم السلام
في الجملة والا لما صح قولهم في أخبار كثيرة: إذا جاءكم عنا حديث فاعرضوه على
كتاب الله، كما يأتي ذكرها، بل ما جاز لنا الانتفاع بالقرآن أصلا مع أنه الثقل الأكبر
الواجب الاتباع المقتدى به كما يأتي بيانه، ولما صح قوله (ص): اني تارك فيكم الثقلين،
إذ على هذا التقدير انما ترك الثقل الواحد الذي هو أهل بيته خاصة بل ما ترك شيئا
أصلا في مثل هذه الاعصار المتطاولة التي غاب فيها الامام غيبة منقطعة إذ أحاديثهم
عليهم السلام مثل القرآن منها عام وخاص، نجمل ومبين، محكم ومتشابه، تقية وحق،
إلى غير ذلك، فإذا لم يجز تفسير القرآن بالرأي لاشتماله على أمثال ذلك فلا يجوز تفسير
كلامهم عليهم السلام أيضا لاشتراك العلة بعينها، ولما صح قوله (ص): فإذا التبست عليكم
الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن (2) وقوله (ص): القرآن هدى من الضلالة، وتبيان
من العمى، واستقالة من العثرة، ونور من الظلمة، وضياء من الأجداث، وعصمة من الهلكة،
ورشد من الغواية، وبيان من الفتن، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة، وفيه كمال دينكم، و
ما عدل أحد من القرآن الا إلى النار، إلى غير ذلك من الاخبار في هذا المعنى وهي كثيرة

1 - ونص عبارة الفوائد هكذا: " وفي كتاب بصائر الدرجات في باب ان الأئمة عليهم -
السلام أعطوا تفسير القرآن: محمد بن الحسن عن جعفر بن بشير عن عاصم قال: حدثني مولى
لسلمان عن عبيدة السلماني قال: سمعته يقول: أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما
لا تعلمون فان رسول الله (صلعم) قد قال قولا آل منه إلى غيره ومن قال قولا وضع على غير وضعه
كذب عليه فقال عبيدة وعلقمة والأسود وأناس معهم: يا أمير المؤمنين فما نصنع بما خبرنا في
في المصحف؟ - فقال: سلوا عن ذلك علماء آل محمد عليهم السلام ".
أقول: ولكلامه ذيل فمن اراده فليراجع الكتاب (ص 175 - 174).
2 و 3 - هذان الحديثان مذكوران في المقدمة الأولى من تفسير الصافي، فراجعها.
36

ولما جاز للفاضل المذكور الاستدلال بالآيات على النهي عن اتباع الظن وأمثالها كما فعله،
إلى غير ذلك من المفاسد، وإذا ثبت هذا فنقول: اما اخبار المنع من تفسير القرآن بغير
نص واثر فيجب حملها على المتشابهات منه دون المحكمات، وكذا الأخبار الدالة على
تخصيص أهل الذكر عليهم السلام بعلمه دون غيرهم، فإنها أيضا محمولة على المتشابهات
منه، أو على علم الكتاب (1) وذلك لوجوه من العقل والنقل،
منها ان الحكم اما نص وهو لا يحتمل الخلاف، واما ظاهر والحكيم في مقام البيان
والتفهيم لا يتكلم بما يريد خلاف ظاهره، والا يلزم الاغراء بالجهل.
ومنها قوله عز وجل: منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات (إلى
قوله) وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم (2) ففي تفسير علي بن إبراهيم باسناده عن
الصادق عليه السلام (3) ان القرآن زاجر وآمر يأمر بالجنة ويزجر عن النار، وفيه محكم
ومتشابه فأما المحكم فنؤمن به ونعمل به وندين به، واما المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به
وهو قول الله تعالى: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء
تأويله (4) وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم، آل محمد عليهم السلام. ومنها
قوله (ص): في حديث غدير خم (5). معاشر الناس تدبروا القرآن، وافهموا آياته،
وانظروا في محكماته، ولا تنظروا في متشابهاته. ومنها قول أمير المؤمنين (ع) في العهد الذي
كتبه للأشتر النخعي إلى مصر (6): واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب و

1 - أي كله. 2 - من آية 7 سورة آل عمران.
3 - نقله في المقدمة الرابعة من تفسيره الصافي عن تفسير العياشي.
4 - من آية 7 سورة آل عمران. 5 - قد ذكرنا فيما مر موضعه (راجع ص 27).
6 - انظر شرح ابن أبي الحديد ج 4 ص 128 من طبعة مصر، والفوائد المدنية ص 107.
فليعلم ان المصنف (ره) قد اخذ غالب ما نقل في هذا الكتاب من الأحاديث من كتاب
الفوائد المدنية كما يعلم بالتأمل في الكتابين لأنه اكتفى بعين ما في الروايات من التلخيص
وحذف الأول أو الاخر والاكتفاء من موضع الحاجة بما اكتفى به الأمين الاسترآبادي في الفوائد.
37

يشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه وتعالى لقوم أحب ارشادهم: يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله
والرسول فالرد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه، والرد إلى الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير
المفرقة، إلى غير ذلك من الشواهد، بل نقول: ان من المتشابهات أيضا ما يجوز ان
يعلم تأويل غير المعصومين عليهم السلام أيضا من شيعتهم الكاملين ببركة متابعتهم لهم وسلوك
طريقتهم والاستفادة منهم ومن روحانيتهم ومجاهدتهم في الله حق جهاده قال الله تعالى:
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (1) وانما خصوا عليهم السلام بعلم جميع المتشابهات وجميع
الناسخ والمنسوخ وجميع الاحكام وبالجملة بعلم الكتاب كله كما يدل عليه قول الصادق
عليه السلام: ما يستطيع أحد ان يدعى ان عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء (2).
وفي حديث منصور بن حازم (3): فلم أجد أحدا يقال: انه يعرف ذلك كله الا عليا
عليه السلام كما مر، إلى غير ذلك مما يؤدي هذا المعنى، واما علم بعض المتشابهات
فيمكن ان يوجد عند غيرهم عليهم السلام أيضا ويدل على ذلك شواهد من العقل والنقل
وسنذكر بعضها في فصل [من] الأصل التاسع إن شاء الله كيف لا ويبعد غاية البعد حصر
أكثر فوائد القرآن على عدد قليل محصورين مع أن في الآيات والأخبار الكثيرة ما يدل
على عموم فائدته بالنسبة إلى الكاملين في الايمان، وأن بالتفكر فيه والتدبر فيه والتدبر
لمعانيه يهتدى إلى علوم كثيرة وروى في الكافي عن الصادق (ع) عن آبائه عليهم السلام
عن النبي (ص) انه قال (4): فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه

1 - صدر آخر آية من سورة العنكبوت. 2 - ذكرنا موضعه فيما مر (انظر ص 29).
3 - قد أشرنا فيما سبق إلى موضع نقله (انظر ص 30).
4 - هو الحديث الثاني من كتاب فضل القرآن (ج 2 مرآة العقول، ص 529) الا ان
المصنف (ره) لم يذكر أوله وسنده وهما هكذا " علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن
السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه قال: وقال رسول الله: أيها الناس انكم في دار هدنة وأنتم
على ظهر سفر والسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد
ويقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود فأعدوا الجهاز لبعد المجاز قال: فقام المقداد بن الأسود
فقال: يا رسول الله وما دار الهدنة؟ - فقال: دار بلاغ وانقطاع فإذا التبست عليكم الفتن
(الحديث) ".
38

شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله امامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى
النار، وهو دليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل
ليس بالهزل، وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له
تخوم، وعلى تخومه تخوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى، ومنار الحكمة،
ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة، فليجل جال بصره، وليبلغ الصفة نظره، ينج
من عطب ويخلص من نشب، فان التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات
بالنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص (1). وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه -
السلام انه قال في خطبة له (2). ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو

1 - نقل المصنف (ره) الحديث في المقدمة الأولى من مقدمات تفسيره المسمى بالصافي
وقال بعده: " أقول: ما حل أي يمحل بصاحبه إذا لم يتبع ما فيه أعني يسعى به إلى الله
تعالى، وقيل: معناه خصم مجادل، والأنيق الحسن المعجب، والتخوم بالمثناة الفوقية والمعجمة
جمع تخم بالفتح وهو منتهى الشئ، لمن عرف الصفة أي صفة التعرف وكيفية الاستنباط،
والعطب الهلاك، والنشب الوقوع فيما لا مخلص منه ".
2 - ما ذكره المصنف (ره) هنا آخر خطبة مذكورة في أواخر باب المختار من خطب أمير المؤمنين
عليه السلام من نهج البلاغة وأولها: " يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ومعاصي العباد في
الخلوات " (انظر ص 184 - 181 من طبعة تبريز) وان شئت فانظر ص 374 - 373 من شرح
نهج البلاغة لابن ميثم أو راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 من طبعة مصر
ص 568 - 566).
39

توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا يظلم ضوؤه،
وفرقانا لا يخمد برهانه، وبنيانا لا تهدم أركانه، وشفاء لا تخشى أسقامه، وعزا لا تهزم
أنصاره، وحقا لا تخذل أعوانه، فهو معدن الايمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره،
ورياض العدل وغدرانه، وأثافي الاسلام وبنيانه، وأودية الحق وغيطانه، وبحر لا ينزفه
المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضل نهجها
المسافرون، وأعلام لا يعمى عنها السائرون، وآكام لا يجور (1) عنها القاصدون، جعله الله
تعالى ريا لعطش العلماء، وربيعا لقلوب الفقهاء، ومحاج لطرق الصلحاء، ودواء ليس
بعده داء، ونورا ليس معه ظلمة، وحبلا وثيقا عروته، ومعقلا منيعا ذروته، وعزا لمن
تولاه، وسلما لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وعذرا لمن انتحله، وبرهانا لمن تكلم به،
وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا لمن حاج به، وحاملا لمن حمله، ومطية لمن أعمله، وآية
لمن توسم، وجنة لمن استلام، وعلما لمن وعى، وحديثا لمن روى، وحكما لمن قضى، إلى
غير ذلك من الاخبار وهي كثيرة ولعلنا نأتي ببعضها في مستأنف الكلام وعلى هذا فالمتشابه
الممنوع من تأويله ما قطع وجزم بالمراد منه من غير دليل ولا شاهد بل بمجرد رأى
واستحسان عقل كما قاله الفاضل الأردبيلي رحمه الله، أو يكون الممنوع منه جميع المتشابهات
ولكن المنع انما هو لجمهور المتوسمين بالعلم دون الشواذ النوادر من الآحاد ممن ينطبق
عليه اسم الراسخين في العلم في الجملة.
قال بعض علماء العامة (2) في تحقيق هذا المقام ما ملخصه:
ان قلت: كيف يجوز ان يتجاوز الانسان في تفسير القرآن المسموع وقد قال (ص):

1 - في بعض النسخ: " لا يجوز ".
2 - المراد بهذا البعض هو حجة الاسلام محمد الغزالي ومأخذ التلخيص كلامه
المفصل في احياء العلوم في كتاب آداب تلاوة القرآن في الباب الرابع المعنون بعنوان " الباب
الرابع في فهم القرآن وتفسيره بالرأي من غير نقل " (انظر ص 250 - 246 من المجلدة
الأولى من طبعة المطبعة الوهبية سنة 1282).
فليعلم أيضا ان المصنف (ره) قد استفاد واخذ مطالب كثيرة من هذا المبحث
للغزالي وأودعها المقدمة الخامسة من مقدمات تفسيره الصافي حتى أنه اخذ المطلب في
غالب الموارد بعين تعبير الغزالي فان شئت فراجع.
وحيث نقلنا عن المصنف (ره) صدر كلامه فيما سبق (ص 22) ينبغي ان ننقل شيئا
من بقيته هنا وهو قوله في المقدمة الخامسة من الصافي:
" فنقول وبالله التوفيق: ان من زعم أن لا معنى للقرآن الا ما يترجمه ظاهر
التفسير فهو مخبر عن حد نفسه ولكنه مخطئ في الحكم برد الخلق كافة إلى درجته التي هي
حده ومقامه بل القرآن والاخبار والآثار تدل على أن في معاني القرآن لأرباب الفهم متسعا
بالغا ومجالا رحبا قال الله عز وجل: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (إلى أن قال)
فالصواب ان يقال: من أخلص الانقياد لله ولرسوله وأهل البيت واخذ علمه
منهم وتتبع آثارهم واطلع على جملة من اسرارهم بحيث حصل له الرسوخ في العلم
والطمأنينة في المعرفة وانفتح عينا قلبه وهجم به العلم على حقائق الأمور وباشر روح اليقين
واستلان ما استوعره المترفون وانس بما استوحش منه الجاهلون وصحب الدنيا ببدن روحه
معلقة بالمحل الاعلى فله ان يستفيد من القرآن بعض غرائبه ويستفيد منه نبذا من
عجائبه وليس ذلك من كرم الله بغريب ولا من جوده بعجيب فليست السعادة وقفا من
قوم دون آخرين وقد عدوا عليهم السلام جماعة من أصحابهم المتصفين بهذه الصفات من
أنفسهم كما قالوا: سلمان منا أهل البيت، فمن هذه صفته لا يبعد دخوله في الراسخين
في العلم العالمين بالتأويل بل في قولهم: نحن الراسخون في العلم، كما دريت في المقدمة
السابقة فلابد من تنزيل التفسير المنهي عنه على أحد وجهين (فأخذ في بيان الوجهين فمن
أرادهما فليطلبهما من هناك).
وليعلم أيضا ان المصنف (ره) بحث عن هذا المطلب بحثا مبسوطا في المحجة البيضاء
في أحياء الاحياء (انظر ج 2 من طبعة مكتبة الصدوق، ص 260 - 250).
40

من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار، وفي النهي عن ذلك آثار كثيرة.
قلت: الجواب عنه من وجوه
الأول - انه معارض بقوله (ص): ان للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا، وبقول
علي (ع): الا ان يؤتى الله عبدا فهما في القرآن، ولو لم يكن سوى الترجمة المنقولة فما فائدة
ذلك الفهم؟!.
الثاني - لو لم يكن غير المنقول لا اشترط ان يكون مسموعا من رسول الله (ص)
وذلك مما لا يصادف الا في بعض القرآن واما ما يقوله ابن عباس وابن مسعود وغيرهما
من أنفسهم فينبغي ان لا يقبل ويقال: هو التفسير بالرأي.
الثالث - ان الصحابة والمفسرين اختلفوا في تفسير بعض الآيات فقالوا فيها أقاويل
مختلفة لا يمكن الجمع بينها وسماع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محال فكيف
يكون الكل مسموعا.
الرابع - انه عليه السلام دعا لابن عباس فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه
41

التأويل، فان كان التأويل مسموعا كالتنزيل ومحفوظا مثله فما معنى تخصيص ابن عباس
بذلك؟!.
الخامس - قوله تعالى: لعلمه الذين يستنبطونه منهم فأثبت للعلماء استنباطا ومعلوم
انه وراء المسموع.
أقول: لا يخفى ان هذه المعارضات الخمس لا تتأتى على طريقتنا مع ما في رابعتها
من الخلل، فان التأويل غير التفسير، وانما الممنوع منه الثاني دون الأول، إذ ليس
في التأويل قطع بالمراد وفصل له في شئ فالصحيح على طريقتنا ان تعارض بما ذكرناه
من الوجوه العقلية والنقلية.
قال: فإذا الواجب ان يحمل النهي عن التفسير بالرأي على أحد معنيين:
أحدهما - ان يكون للانسان في الشئ رأي واليه ميل بطبعه، فيتأول القرآن على
وفق رأيه حتى لو لم يكن له ذلك الميل لما خطر ذلك التأويل له، وسواء كان ذلك الرأي
مقصدا صحيحا أو غير صحيح وذلك كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيستدل على تصحيح
غرضه من القرآن بقوله تعالى: اذهب إلى فرعون انه طغى، ويشير إلى أن قلبه هو المراد
بفرعون كما يستعمله بعض الوعاظ تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع وهو ممنوع.
الثاني - ان يتسرع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع
42

والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيها من الألفاظ المبهمة وما يتعلق به من الاختصار،
والحذف والاضمار، والتقديم والتأخير، والمجاز والحقيقة، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر
إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسر بالرأي، مثاله
قوله تعالى: وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها، فالناظر إلى ظاهر العربية ربما يظن أن
المراد ان الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء والمعنى آية مبصرة، ثم لا يدري انهم إذا ظلموا
أنفسهم أو غيرهم، ومن ذلك المنقول المنقلب كقوله تعالى: وطور سينين اي وطور سيناء،
وكذلك باقي أجزاء البلاغة فكل مكتف في التفسير بظاهر العربية من غير استظهار بالنقل
فهو مفسر برأيه، فهذا هو المنهي عنه دون التفهم لأسرار المعاني، وظاهر ان العقل لا يكفي فيه
وانما ينكشف للراسخين في العلم بقدر صفاء عقولهم وشدة استعدادهم له، وللطلب والفحص
والتفهم وملاحظة الاسرار والعبر، ويكون لكل واحد منهم حد في الترقي إلى درجة منه
بعد الاشتراك في الظاهر، ومثاله ما فهم بعض العارفين من قوله (ص) في سجوده: أعوذ
برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء
عليك أنت كما أثنيت على نفسك، إذ قيل له: اسجد واقترب، فوجد القرب في السجود فنظر
إلى الصفات فاستعاذ ببعضها من بعض فان الرضا والسخط وصفان متضادان ثم زاد
قربه فاندرج القرب الأول فيه فرقي إلى الذات فقال: أعوذ بك منك، ثم زاد قربه
43

بما استحيى به على سائر القرب فالتجأ إلى الثناء فأثنى بقوله: لا أحصي ثناء عليك ثم علم أن
ذلك قصور فقال: أنت كما أثنيت على نفسك، فهذه خواطر تسنح للعارفين لا تفهم
من تفسير الظاهر وليس متناقضا له، وانما هو استكمال لما تحته من الاسرار.
انتهى كلامه ملخصا
وهو كلام متين يتلائم به الاخبار والآثار في هذا المقام، ويصح كلام العالمين
الطبرسي والأردبيلي، ويندفع عنهما اعتراض الفاضل المتأخر والحمد لله.
الأصل الثالث
ان من تمسك في دينه بكتاب الله عز وجل وأهل بيت نبيه
صلوات الله عليهم لن يضل قط ولن يزل
ومن أخذ طريقا آخر زل وضل
وذلك لما دريت ان علمهما من الله سبحانه فلا يتطرق إليه ريب ولا خطأ ولا غلط
ولا سهو ولا تغير، واما علم غيرهما فلا يعلم جزما كونه كذلك، قال الله تعالى: يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم (1) والمراد بهم الأئمة المعصومون
عليهم السلام كما في الأخبار المستفيضة (2). ولأن غيرهم هم غير مأمون عليه ان يأمر بخلاف أمر الله
فيلزم أن يأمرنا الله بالنقيضين، تعالى عن ذلك، وعن النبي (ص) في أخبار كثيرة: اني تارك فيكم الثقلين، ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما
لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (3) وفي بعض الاخبار: من جعلهما امامه قاداه إلى الجنة،
ومن جعلهما خلفه ساقاه إلى النار، وفي بعضها: وهما الخليفتان من بعدي، وفي رواية:

1 - صدر آية 59 سورة النساء. 2 - انظر غاية المرام، الباب الثامن والخمسين
والتاسع والخمسين (ص 265 - 263). 3 - انظر غاية المرام، الباب الثامن والعشرين
والتاسع والعشرين (ص 217 - 211).
44

انه (ص) قال في حجة الوداع في مسجد الخيف: اني فرطكم وانكم واردون على الحوض
حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، قدحان من فضة عدد النجوم، الا واني
سائلكم عن الثقلين، قالوا: يا رسول الله وما الثقلان؟ - قال: كتاب الله الثقل الأكبر طرف
بيد الله، وطرف بأيديكم فتمسكوا به لن تضلوا ولن تزلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني
اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كإصبعي هاتين وجمع بين سبابتيه ولا أقول
كهاتين وجمع بين سبابته والوسطى، فتنفصل هذه. وسئل أمير المؤمنين (ع) عن معنى الحديث من
العترة فقال: انا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم
لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردا على رسول الله (ص) حوضه. رواه الصدوق في إكمال
الدين (1). وعن النبي (ص): مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف
عنها غرق، في أخبار كثيرة مشهورة (2). وعن أمير المؤمنين (ع) في خطبة له: ولقد علم
المستحفظون من أصحاب محمد (ص) انه قال: اني وأهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم
فتضلوا، ولا تخلفوا عنهم فتزلوا، ولا تخالفوهم فتجهلوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم
كبارا وأحلم الناس صغارا، فاتبعوا الحق وأهله حيث كان. وقال (ع): الا ان العلم الذي
هبط به آدم من السماء إلى الأرض وجميع ما فضل به النبيون إلى خاتم النبيين عندي
وعند عترتي، فأين يتاه بكم؟! بل أين تذهبون؟! رواهما علي بن إبراهيم في تفسيره (3) وفي

1 - انظر غاية المرام للسيد هاشم البحراني، الباب التاسع والعشرين الذي هو في
نص رسول الله على وجوب التمسك بالثقلين من طريق الخاصة، وهذا الحديث هو الحديث الثامن
والخمسون (ص 232).
2 - انظر غاية المرام للسيد البحراني، الباب الثاني والثلاثين والثالث والثلاثين فإنهما
بابا الحديث من طرق الخاصة والعامة (ص 239 - 237).
3 - انظر أوائل التفسير (ص 4 من النسخة المطبوعة سنة 1315).
45

نهج البلاغة في الخطبة الأولى في وصف النبي (ص) (1): فقبضه إليه كريما وخلف فيكم ما
خلفت الأنبياء في أممها، إذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح ولا علم قائم، كتاب ربكم،
مبينا حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصه
وعامه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسرا مجمله، ومبينا
غوامضه، بين مأخوذ ميثاق علمه وموسع على العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب
فرضه ومعلوم في السنة نسخه، وواجب في السنة أخذه ومرخص في الكتاب تركه، وبين واجب
لوقته وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه: من كبير أو عد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه،
وبين مقبول في أدناه وموسع في أقصاه. وفي التهذيب باسناده الصحيح عن الصادق
عليه السلام قال (2): انا إذا وقفنا بين يدي الله تعالى قلنا: يا ربنا أخذنا بكتابك وقال الناس:
رأينا رأيا، ويفعل بنا وبهم ما أراد، وفي رواية أخرى: عملنا بكتابك وسنة رسولك. وروى
في الكافي عنهم عليهم السلام (3): من أخذ علمه من كتاب الله وسنة نبيه (ص) زالت الجبال
قبل ان يزول، ومن أخذ دينه من أفواه الرجال ردته الرجال. ورواه الصدوق عن
أمير المؤمنين (ع) أيضا. وباسناده عن أبي عبد الله (ع) انه قال لسلمة بن كهيل والحكم بن
عتبة (4): شرقا وغربا فلا تجدان علما صحيحا الا ما خرج من عندنا أهل البيت، ما قال الله
للحكم: انه لذكر لك ولقومك، فليذهب الحكم يمينا وشمالا، فوالله لا يؤخذ العلم الا من

1 - قال الأمين الاسترآبادي (ره) في الفوائد المدنية (ص 108): ومن كلامه في
بعض خطبه المنقولة في نهج البلاغة " ثم اختار الله سبحانه وتعالى لمحمد (ص) لقاءه ورضى له ما عنده
فأكرمه عن دار الدنيا ورغب به عن مقام البلوى فقبضه (الحديث إلى قوله: في أقصاه) ".
2 - من أراد موضعه فليطلبه من التهذيب.
3 - هو مأخوذ من الفوائد المدنية (انظر ص 281).
4 - اخذه من الفوائد المدينة الا انه (ره) نقله عن أبي جعفر (ع) فان شئت فراجع (ص 126).
46

أهل البيت، نزل عليهم جبرئيل (ع). وباسناده عن أبي عبد الله (ع) في حديث له (1): فليذهب
الحسن يمينا وشمالا فوالله لا يوجد العلم الا ههنا. وعنه (ع) (2): كل علم لا يخرج من هذا
البيت فهو باطل، وأشار بيده إلى بيته، وعنه عليه السلام: إذا أردت العلم الصحيح فخذ
عن أهل البيت فانا روينا وأوتينا شرح الحكمة وفصل الخطاب، ان الله اصطفانا وآتانا
ما لم يؤت أحدا من العالمين. وفي الكافي عن أبي إسحاق النحوي قال: دخلت على أبي -
عبد الله (ع) فسمعته يقول (3): ان الله عز وجل أدب نبيه على محبته، فقال: وانك لعلى خلق
عظيم ثم فوض إليه فقال عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، وقال
تعالى: ومن يطع الرسول فقد أطاع الله قال: ثم قال: وان نبي الله فوض إلى على وائتمنه،
فسلمتم أنتم وجحد الناس، فوالله لنحبكم ان تقولوا إذا قلنا، وان تصمتوا إذا صمتنا، ونحن

1 - نقله المصنف (ره) في الوافي في باب انه لا علم الا ما يؤخذ من أهله (ج 1 ص 43)
هكذا " الاثنان عن الوشاء عن ابان عن عبد الله بن سليمان قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول
وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى ويقول: ان الحسن البصري يزعم أن
الذين يكتمون العلم تؤذى ريح بطونهم أهل النار فقال أبو جعفر (ع): فهلك إذا مؤمن آل -
فرعون ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا، فليذهب (الحديث) " قائلا بعده: " بيان -
لما لم يكن عند الحسن من العلوم الحقيقية شئ لم يدر ان من العلم ما يجب كتمانه كما أن منه ما
يحرم كتمانه بل زبدة العلم في الحقيقة ليس الا ما يكتم كما قال سيد العابدين (ع):
اني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
واليه الإشارة بقوله (ع): " فوالله ما يوجد العلم الا ههنا " يعنى ان ما هو الحقيق بان يسمى
علما ليس الا ما هو المخزون عندنا ".
2 - نقله صاحب الوسائل عن البصائر عن أبي جعفر (ع)، راجع ج 3: ص 377 طبعة -
أمير بهادر.
3 - هو في الوسائل عن كفاية الأثر عن أبي عبد الله (ع) الا ان فيه بدل " روينا ": " ورثنا "
(انظر ج 3 من طبعة أمير بهادر، ص 376).
47

فيما بينكم وبين الله تعالى، ما جعل الله لاحد خيرا في خلاف أمرنا (1). وفي المجالس
باسناده عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال (2): يا أبا بصير نحن شجرة العلم، ونحن أهل -
بيت النبي (ص)، وفي دارنا هبط جبرئيل (ص)، ونحن خزان علم الله، ونحن معادن وحي -
الله، من تبعنا نجا، ومن تخلف عنا هلك، حتما (3) على الله عز وجل، والاخبار من
هذا القبيل يخرج عن الحصر والعد، ولعل هذا الأصل لا يحتاج إلى مزيد بيان لظهوره
في الغاية والنهاية، وليت شعري ما حمل الناس على أن تركوا سبيل الله الذي هداهم إليه
أئمة الهدى؟! واخذوا سبلا شتى واتبعوا الآراء والأهواء؟! كل يدعو إلى طريقة، ويذود
عن الأخرى، ثم ما الذي حمل مقلديهم على تقليدهم في الآراء دون تقليد أئمة الهدى؟!
ان هي الا طريقة ضيزى (4)، ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (5).

1 - نقله المصنف (ره) في الوافي في باب التفويض إليهم في امر الدين (ج 1، ص 206)
قائلا بعده: " بيان - أدب نبيه على محبته يعني علمه وفهمه ما يوجب تأدبه بآداب الله
وتخلقه بأخلاق الله لحبه إياه أو حال كونه محبا له، وهذا مثل قوله سبحانه: ويطعمون الطعام
على حبه، أو علمه ما يوجب محبة الله له أو محبته لله التي هي سبب لسعة الخلق وعظم
الحلم وفي قوله: ان تقولوا إذا قلنا وان تصمتوا إذا صمتنا، دلالة واضحة على نفي الاجتهاد
والقول بالرأي " ونقله المجلسي (ره) في أول البحار عن محاسن البرقي وأورد له بيانا (ص 94
من طبعة امين الضرب) أقول: يحتمل ان يكون " لنحبكم " تصحيف " بحسبكم ".
2 - اخذه المصنف (ره) من الفوائد المدينة وقد نقله الأمين الاسترآبادي (ره) هناك عن
مجالس الصدوق (انظر ص 125).
3 - في الفوائد: " حقا ".
4 - مأخوذ من قوله تعالى: " تلك إذا قسمة ضيزى ".
5 - آية 29 سورة الزمر.
48

فصل
قال بعض الفضلاء بعد نقل حديث الثقلين: (1)
ومعنى الحديث الشريف كما يستفاد من الأخبار المتواترة انه يجب التمسك بكلامهم
عليهم السلام إذ حينئذ يتحقق التمسك بمجموع الامرين، والسر فيه انه لا سبيل إلى فهم -
مراد الله الا من جهتهم (ع) لأنهم عارفون بناسخه ومنسوخه، والباقي منه على الاطلاق
والمؤول وغير ذلك دون غيرهم خصهم الله تعالى والنبي (ص) بذلك.
أقول: قد عرفت ان ذلك مخصوص بالمتشابهات دون المحكمات، والا لم يصح
لنا الانتفاع بالقرآن أصلا بل ولا كل المتشابهات بل بعضها وعلى بعض الوجوه، أو بالنسبة
إلى جمهور الرعية دون الكاملين مهم والا لفات أكثر فوائد القرآن، ولتناقضت أكثر -
الأخبار الواردة في ذلك. وأيضا انما يصح ما قاله بالنسبة إلى زمان حضورهم عليهم -
السلام خاصة واما مع غيبتهم عليهم السلام كهذا الزمان فلا سبيل لنا إلى فهم القرآن الا
من جهتهم (ع) الا على الظن والتخمين فان كلامهم أيضا كالقرآن منه عام وخاص
ومجمل ومبين ومطلق ومقيد إلى غير ذلك مع أنه لا يفي بالكل، وثبوته عنهم (ع) أيضا
ظني فالانتفاع بكل من الثقلين حينئذ في درجة واحدة ليس بالعترة أكثر منه من القرآن بل كاد يكون الامر بالعكس.

1 - المراد من هذا البعض هو الأمين الاسترآبادي (ره) فإنه قال في الفوائد المدنية
عند استلاله على انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين أصليا كان أو فرعيا في السماع
عن الصادقين عليهم السلام: " الدليل الثاني: الحديث المتواتر بين الفريقين - اني تارك فيكم
الثقلين ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى
يردا على الحوض، ومعنى الحديث " (انظر ص 128).
49

الأصل الرابع (1)
ان اخبار الأئمة المعصومين عليهم السلام المضبوطة في كتب أئمة الحديث
من أصحابنا ورواتها الناظرين فيها قائمة مقامهم عليهم السلام في زمان الغيبة الكبرى
وان نسبتها إليهم قريبة من نسبة تصانيف العلماء إلى مصنفيهم يعرف بها مذهبهم وعلمهم وحكمهم
وهي الحجة علينا اليوم بعد كتاب الله والسنة الثابتة، ويدل على ذلك ما استفاض
عنهم (ع) في هذا المعنى وهو ما رواه الصدوق في (اكمال الدين عن محمد بن عصام
قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب، ورواه الطبرسي أيضا في
الاحتجاج والكشي في الرجال والشيخ الطوسي في اختياره عن إسحاق بن يعقوب قال:
سألت محمد بن عثمان العمري، ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت على
فورد في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه الصلاة والسلام: اما ما سألت عنه
أرشدك الله ووفقك (إلى أن قال): واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثا
فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم (3). وفي رجال الكشي والاختيار بالاسناد عن

1 - فليعلم ان أساس هذا الأصل مبني على ما ذكره الأمين الاسترآبادي قدس الله تربته
في الفوائد المدنية ونص عبارته فيه " الفصل السابع في بيان من يجب رجوع الناس إليه في
القضاء والافتاء " (انظر ص 150) حتى أن المصنف (ره) اخذ غالب الروايات عن هذا الفصل
من هذا الكتاب من دون مراجعة إلى مآخذها الأصلية ونحن لا نشير إلى موارد النقل في كل
رواية بل نكتفي بهذا الكلي الذي صرحنا به هنا فمن أراد تحقيق المطلب وتطبيقهما فليراجع
الكتابين.
2 - نقله صاحب الوسائل في الباب الحادي عشر من أبواب كتاب القضاء (انظر ج 3 ص
385 من طبعة أمير بهادر) ونقله الأمين الاسترآبادي (ره) في الفوائد كما أشرنا إليه بطريق كلي.
3 - لفظة " عليهم " ليست في كثير من موارد نقل الرواية، نعم هي موجودة في بعضها
50

أحمد بن حاتم بن ماهويه قال (1): كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث (ع) أسأله: عمن آخذ
معالم ديني؟ - وكتب اخوه أيضا فكتب إليهما: فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كل
مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا فإنهم كافوكما إن شاء الله. وروى ثقة الاسلام
محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعا عن عبد الله بن جعفر
الحميري قال: اجتمعت انا والشيخ أبو عمرو عند أحمد بن إسحاق (إلى أن قال): اخبرني
أبو علي أحمد بن إسحاق عن عن أبي الحسن (ع) قال: سألته وقلت: ومن أعامل؟ أو عمن آخذ؟
أو: قول من اقبل؟ - فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك عني، فمعنى يؤدى، وما قال
لك عني، فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون (2). اخبرني أبو علي انه سأل
أبا محمد عن مثل ذلك فقال له: العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان،
وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان، الحديث (3) وفي
الاحتجاج عن أبي محمد العسكري (ع) وفي تفسيره (ع) أيضا قال: قال الحسين بن علي
عليهما السلام (4): من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتنا باستتارنا، فواساه من علومنا التي
سقطت إليه حتى أرشده وهداه قال الله عز وجل: يا أيها العبد الكريم المواسي انا أولى

1 - مأخوذ من الفوائد المدنية (ص 150) وهو في مسائل الشيعة في كتاب القضاء في
باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة (انظر الحديث الرابع
والأربعين من الباب، ج 3 من طبعة أمير بهادر ص 387).
2 و 3 - نقلهما صاحب الوسائل في كتاب القضاء في باب 11 (ج 3، ص 385
طبعة أمير بهادر).
4 - نقله المجلسي (ره) عن الكتابين المشار إليهما في هذا الكتاب في المجلد الأول من
البحار في باب ثواب الهداية والتعليم (ص 72 من طبعة امين الضرب) قائلا بعده " بيان -
قطعته عنا محبتنا باستتارنا اي كان سبب قطعه عنا انا أحببنا الاستتار عنه لحكمة، وفي بعض
النسخ محنتنا بالنون وهو أظهر ".
51

بالكرم منك فاجعلوا يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه الف الف قصر، وضموا
إليها ما يليق بها من سائر النعم. وفي الكافي عن معاوية بن عمار (1) قال: قلت لأبي عبد الله
(ع): رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، ورجل
عابد من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل؟ - قال: الراوية لحديثنا يشدده في
قلوب شيعتنا أفضل من الف عابد، وعن أبي خديجة قال: بعثني أبو عبد الله (ع) (2) إلى
أصحابنا فقال: قل لهم: إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارؤ بينكم في شئ من الاخذ
والاعطاء ان تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق، اجعلوا رجلا ممن عرف حلالنا
وحرامنا فاني قد جعلته عليكم قاضيا وإياكم ان يحاكم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر. وفي مقبولة
عمر بن حنظلة (3) المروية فيه وفي غيره قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا،
تكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟ -
فقال: من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وان كان حقه ثابتا لأنه اخذ بحكم -

1 و 2 - انظر الحديث الثاني والسابع من أحاديث باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى
إلى رواة الحديث من الشيعة من كتاب الوسائل الا انه نقل الحديث الثاني عن تهذيب الشيخ،
(ج 3، ص 385 من طبعة أمير بهادر) وهما مع الحديث السابق أيضا في الفوائد المدنية
(ص 151).
3 - في الفوائد المدنية ص 151، وفي الوسائل في كتاب القضاء، في الباب الحادي عشر
(ج 3 ص 385) الا انه ملخص والحديث مفصل. فليعلم ان المصنف (ره) نقل الرواية
في الوافي في " باب انه ليس شئ مما يحتاج إليه الناس الا وقد جاء فيه كتاب أو سنة "
وأورد له بيانا مفصلا ومبسوطا قائلا في أواسطه: " وهذه الرواية رواها محمد بن علي بن
إبراهيم بن أبي جمهور اللحسائي في كتاب عوالي اللئالي عن العلامة الحلي مرفوعا إلى زرارة،
والاخبار في هذا المعنى كثيرة وقد أوردنا شطرا منها في كتابنا المسمى بسفينة -
النجاة وفي كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة (إلى آخر ما قال) فمن أراد مراجعة -
الكتاب فليراجع الطبعة الثانية من الوافي (ج 1: ص 54 - 53). ثم ليعلم ان الأمين
الاسترآبادي (ره) قال في الفوائد المدنية ضمن ما ذكره في اثبات صحة الأحاديث المودعة
في الكتب المعتبرة بعد الإشارة إلى هذا الحديث ما نصه (ص 192):
" الفائدة الخامسة - ان هذه الرواية الشريفة مشهورة بين متأخري أصحابنا بمقبولة
عمر بن حنظلة بناء على أن علماء الرجال لم يوثقوه لكن الشهيد الثاني (ره) وثقه في شرح -
رسالته في فن دراية الحديث واعترض عليه ولده الشيخ حسن قدس سرهما في كتاب المنتقى
حيث قال: من عجيب ما اتفق لوالده (ره) انه قال في شرح بادية الدراية (إلى آخر ما قال) ".
أقول: من أراد تحقيقه النفيس المفيد جدا فليراجع الفوائد فإنه طويل لا يسع المقام
ذكره. وقال أيضا في ص 151: " وفي مقبولة عمر بن حنظلة ومن وافقه والا فهي صحيحة لما
حققناه سابقا.
52

الطاغوت وقد امر الله عز وجل ان يكفر بها، قلت: كيف يصنعان؟ - قال: فانظروا إلى
من كان منكم روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما
فاني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد
والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله. وباسناده الحسن عن محمد بن
حكيم قال قلت لأبي الحسن موسى (ع) (1): جعلت فداك فقهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن
الناس حتى أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه الا تحضره المسألة
ويحضره جوابها فيما من الله علينا بكم الحديث. وباسناده عن سماعة عن أبي الحسن
موسى (ع) قال (2) قلت: أصلحك الله انا نجتمع فنذاكر ما عندنا فما يرد علينا شئ الا وعندنا
فيه مستطر وذلك مما أنعم الله به علينا بكم. وباسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا -
عبد الله (ع) يقول: اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا (3). وفيه: باسناده الموثق عن
عبيد بن زرارة قال: قال أبو عبد الله (ع): احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها (4). وفيه
عن الأحمسي عن أبي عبد الله (ع) قال: القلب يتكل على الكتابة (5). وفيه عن المفضل بن عمر
قال: قال أبو عبد الله (ع): اكتب وبث علمك في إخوانك فان مت فأورثت كتبك بنيك
فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه الا بكتبهم (6). وفيه باسناده الصحيح عنه (ع)

1 - اخذه المصنف (ره) عن الفوائد المدنية (انظر ص 151 من النسخة المطبوعة).
2 - الفوائد المدنية ص 152.
3 و 4 و 5 و 6 - كلها في الوافي في باب فضل الكتابة
والتمسك بالكتب (انظر ج 1 من الطبعة الثانية ص 44) قائلا بعد حديث المفضل:
" بيان - البث النشر اي انشر علمك فيهم بواسطة الكتاب، ويحتمل ان يكون مطلوبا برأسه،
والهرج الفتنة والاختلاط، والمراد به ههنا فقد أهل العلم ومن يؤنس به منهم، أو فقد
تمييزهم عن غيرهم لتسلط امراء الجور، وتشبه الجهلة والأرذال بصورة العلماء والأكياس
في الزي والمنطق واللباس " وأورد لحديث الأحمسي أيضا بيانا فمن اراده فليطلبه من هناك.
53

قال: أعربوا حديثنا فانا قوم فصحاء (1)، اي لا تلحنوا فيه. وباسناده عنه (ع) قال: تزاوروا
فان في زيارتكم احياء لقلوبكم، وذكرا لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فان أخذتم
بها رشدتم ونجوتم، وان تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم (2) وعن
محمد بن أبي خالد شنبولة قال: قلت لأبي جعفر الثاني (ع): جعلت فداك ان مشايخنا رووا
عن أبي جعفر وأبي عبد الله - عليهما السلام - وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم يرووا
عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا؟ - فقال: حدثوا بها فإنها حق (3) وفيه دلالة واضحة
على صحة الاعتماد على الكتب والعمل بما فيها من الاحكام إذا كانت صحيحة. وقال أبو جعفر
(ع) لأبان بن تغلب (4): اجلس في مسجد النبي (ص) وأفت الناس فانى أحب ان

1 - قال المصنف (ره) بعد نقله في الوافي في آخر باب رواية الحديث (ج 1 ص 44):
" بيان - أي لا تلحنوا في اعراب الكلمات بل أعطوا حقها من الاعراب والتبيين حين التكلم به
فان كلامنا فصيح فإذا لحنتم فيه اختلت فصاحته، ويحتمل ان يراد اعرابه حين الكتابة بان
يكتب الحروف بحيث لا يشتبه بعضها ببعض، أو يجعل عليها ما يسمى اليوم اعرابا عند الناس
الا ان الأول أظهر وأقرب إلى طريقة السلف " وقال المجلسي (ره) بعد نقله في البحار (ج 1 ص 109):
" اي أظهروه وبينوه، أو لا تتركوا فيه قوانين الاعراب، أو أعربوا لفظه عند الكتابة ".
2 - هو الحديث السابع والثلاثون من الباب الثامن من أبواب كتاب القضاء في الوسائل
(ج 3، ص 378 من طبعة أمير بهادر).
3 - قال المصنف (ره) بعد نقله في الوافي (ج 1 ص 44 من الطبعة الثانية): " بيان - في بعض
النسخ بدل " لم يرووا ": " على صيغة المجهول والتأنيث " فذكر مثل ما ذكر هنا.
4 - اعلم أن المصنف (ره) اخذ هذا الحديث وما يتبعه من الأحاديث إلى " وصل "
الآتي من الفوائد المدنية (انظر ص 150 من النسخة المطبوعة إلى ص 152).
وقال الأمين الاسترآبادي (ره) بعد نقلها:
" وأقول: الأحاديث الناطقة بأمرهم عليهم السلام بالرجوع في الفتوى والقضاء إلى رواة
أحاديثهم وأحكامهم متواترة معنى، وتلك الأحاديث صريحة في وجوب اتباع الرواة فيما
يروونه عنهم عليهم السلام من الاحكام النظرية وليست فيها دلالة الا على جواز اتباع ظنونهم
الحاصلة من ظواهر كتاب الله أو أصل أو استصحاب أو غيرها، ولا دلالة فيها على اشتراط ان
يكون الرواة المتبعون أصحاب الملكة المعتبرة في المجتهدين، ومن المعلوم ان المقام مقام -
البيان والتفصيل فيعلم بقرينة المقام علما عاديا قطعيا ان تلك الظنون وكذلك تلك الملكة
غير معتبرين عندهم ".
وان شئت المراجعة إلى المآخذ والنظر في أسانيد الأحاديث فراجع " باب وجوب الرجوع
في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة فيما رووه عن الأئمة من أحكام الشريعة " من
كتاب وسائل الشيعة (انظر ج 3 من طبعة أمير بهادر ص 385 - 387).
54

يرى في شيعتي مثلك: وقال الصادق (ع) للفيض بن المختار: إذا أردت بحديثنا فعليك
بهذا الجالس، وأومأ بيده إلى رجل من أصحابه، فسألت عنه فقالوا: زرارة بن أعين.
وقال (ع): رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي. وقال
(ع): ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبي الا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن
مسلم وبريد بن معاوية العجلي هؤلاء حفاظ دين الله، وأمناء أبي على حلال الله وحرامه.
وقال (ع): أقوام كان أبي يأتمنهم على حلال الله وحرامه وكانوا عيبة علمه، وكذلك اليوم
هم عندي، هم مستودع سري وأصحاب أبي حقا إذا أراد بأهل الأرض سوء صرف بهم
عنهم السوء، هم نجوم شيعتي احياء وأمواتا يحيون ذكر أبي، بهم يكشف الله كل بدعة
ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين ثم بكى قال الراوي: فقلت: من هم؟ -
فقال: من عليهم صلوات الله وعليهم رحمته أحياء وأمواتا، بريد العجلي، وزرارة، وأبو -
بصير، ومحمد بن مسلم. وقال (ع): بشر المخبتين بالجنة، بريد بن معاوية العجلي وأبو -
55

بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة بن أعين، أربعة نجباء أمناء -
الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست. وقال (ع) لعبد الله بن -
أبي يعفور حيث قال له (ع): انه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم، ويجيئ الرجل
من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه فقال: فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي
فإنه قد سمع من أبي وكان عنده وجيها. وقال (ع) لشعيب العقرقوفي حيث قال له: ربما
احتجنا ان نسأل عن الشئ فممن نسأل؟ - قال: عليك بالأسدي يعني أبا بصير. وقال
(ع): اعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا. وقال (ع): اعرفوا منازل
شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا، فانا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا،
فقيل له: أو يكون المؤمن محدثا؟ - قال: يكون مفهما والمفهم المحدث.
وصل
نقل عن الكشي انه قال: (1) أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب
أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه وقالوا: أفقه الأولين

1 - قال الشيخ الحر العاملي (ره) في خاتمة الوسائل (ج 3 ص 528 من طبعة أمير بهادر):
" الفائدة السابعة في ذكر أصحاب الاجماع (إلى أن قال) قال الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو
الكشي في كتاب الرجال ما هذا لفظه: قال الكشي: أجمعت العصابة (إلى آخر العبارة) ".
أقول: هذه العبارة متلقاة بالقبول عند علمائنا (ره) ومذكورة في أغلب الكتب الرجالية
والأصولية ونظمها العلامة الطباطبائي " السيد مهدي بحر العلوم " (ره) في قطعة وهي:
" قد أجمع الكل على تصحيح ما * يصح عن جماعة فليعلما "
" وهم أولوا نجابة ورفعة * أربعة وخمسة وتسعة "
" فالستة الأولى من الأمجاد * أربعة منهم من الأوتاد "
" زرارة كذا بريد قد اتى * ثم محمد وليث يا فتى "
" كذا الفضل بعده معروف * وهو الذي ما بيننا معروف "
" والستة الوسطى أولوا الفضائل * رتبتهم أدنى من الأوائل "
" جميل الجميل مع ابان * والعبد لان ثم حمادان "
" والستة الأخرى هم صفوان * ويونس عليهما الرضوان "
" ثم ابن محبوب كذا محمد * كذاك عبد الله ثم أحمد "
" وما ذكرناه الأصح عندنا * وشذ قول من به خالفنا "
وشرح هذه القطعة نظما العالم الجليل الحاج ميرزا أبو الفضل الكلانتري الطهراني (ره)
في رسالة وسماها " نقاوة الإصابة فيمن أجمعت عليه العصابة " فان شئت التفصيل فراجعها وطبعت
الرسالة بتصحيحي واهتمامي منذ سنين ولله الحمد على ذلك وله الشكر.
56

ستة، زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد العجلي، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن -
يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، قالوا: وأفقه الستة زرارة، وقال بعضهم: مكان أبو بصير
الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث البختري. وروى باسناده عن الصادق (ع): أوتاد -
الأرض واعلام الدين أربعة، محمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وليث بن البختري
المرادي، وزرارة بن أعين. وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله (ع): أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون
هؤلاء الستة الذين عددناهم وكتبناهم ستة نفر: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان،
وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وابان بن عثمان. قال: وزعم أبو -
إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون ان أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم احداث أصحاب أبي -
عبد الله (ع) وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام:
أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم فأقروا لهم بالفقه والعلم وهي
ستة نفر اخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله (ع) منهم يونس بن
عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة،
والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب:
57

الحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيوب. وقال بعضهم مكان ابن فضال: عثمان بن
عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى.
قيل (1): مستند الاجماع الروايات الناطقة بأنهم معتمدون في كل ما يروون، وكذا ما
ذكره الشيخ في العدة من أنه: أجمعت العصابة على حجية مراسيل جمع من الرواة كما أجمعوا
على حجية مسانيدهم مبنى على ورود الروايات الناطقة بأنهم يعتمدون في كل ما يروون.
فصل
قال بعض الفضلاء ما حاصله (2): انا نقطع قطعا عاديا بان جمعا كثيرا من ثقات
أصحاب أئمتنا ومنهم الجماعة الذين أجمعت العصابة على أنهم لم ينقلوا الا الصحيح باصطلاح
القدماء صرفوا أعمارهم في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة في اخذ الاحكام عنهم عليهم السلام
وتأليف ما يسمعونه منهم (ع) وعرض المؤلفات عليهم (ع)، ثم التابعون لهم تبعوهم
في طريقتهم واستمر هذا المعنى إلى زمن أئمة الحديث الثلاثة وكانوا يعتمدون عليها في
عقائدهم واعمالهم، ونعلم علما عاديا انهم كانوا متمكنين من اخذ الاحكام عنهم مشافهة
ومع ذلك يعتمدون على الاخبار المضبوطة من زمن أمير المؤمنين (ع) كما ورد في الروايات
الكثيرة وكان أئمتنا يأمرونهم بتأليفها ونشرها وضبطها ليعمل بها شيعتهم في زمن الغيبة

1 - قال الأمين الاسترآبادي (ره) في الفوائد (ص 183): " مستند الاجماع (إلى آخره) ".
2 - يريد بقوله: " بعض الفضلاء " الأمين الاسترآبادي (ره) والمنقولات مذكورة في
فوائده المدنية (انظر ص 181 من النسخة المطبوعة) ونص عبارته فيه: " الفصل التاسع
في تصحيح أحاديث كتبنا بوجوه تفطنت بها بتوفيق الله الملك العلام ودلالة أهل الذكر
عليهم السلام (إلى أن قال) الوجه الأول من الوجوه الدالة على صحة أحاديث الكتب
الأربعة مثلا باصطلاح قدمائنا انا نقطع قطعا عاديا بان جمعا كثيرا من ثقات أصحاب أئمتنا
ومنهم الجماعة (إلى آخر ما قال) فمن أراد ان يراجع الوجوه الاثني عشر فليراجع (ص 181).
أقول: في موارد اخر من الكتاب المذكور ما يؤيد مطلوبه فمنها ص 153 و 89 و
53 وغيرها بل الكتاب بأسره في اثبات هذا الموضوع فمن أراد البسط فليراجعه.
58

وأخبروا بوقوعها، وأيضا الشفقة الربانية والمعصومية تقتضي ان لا يضيع من كان في
أصلاب الرجال منهم فيجب ان تمهد لهم أصول معتمدة يعملون بها وأيضا فان أكثر
أحاديثنا موجودة في أصول الجماعة التي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم لأنا نقطع
بالقرائن ان طرقها انما هي طرق إلى الأصول المأخوذة هي منها كما يشعر به التهذيب
والفقيه وأيضا فان كثيرا ما يعتمد الشيخ الطوسي على طرق ضعيفة مع تمكنه من طرق
أخرى صحيحة وكثيرا ما يطرح الأخبار الصحيحة باصطلاح المتأخرين ويعمل بالضعيفة
بهذا الاصطلاح وهذا أيضا يقتضي ما ذكرناه اي النقل من الأصل، وأيضا انه صرح
في كتاب العدة وفي أول الاستبصار بان كل حديث عمل به في كتبه مأخوذ من الأصول
المجمع على صحة نقلها ولم يعمل بغيره وانما طرح بعضها لان معارضه أقوى منه لاعتضاده
باخبار اخر وباجماع الطائفة على العمل بمضمونه أو غير ذلك، والصدوق ذكر مثل ذلك
بل أقوى منه في أول الفقيه، وكذا ثقة الاسلام في أول الكافي مع أنهم كثيرا ما يذكرون
في أول الأسانيد من ليس بثقة، وأيضا فان بعض الروايات يتعاضد ببعض، وبعض
اجزاء الحديث يناسب بعضا، وقرينة الجواب أو السؤال تدل على صدق المضمون، إلى
غير ذلك، وأيضا فانا نقطع قطعا عاديا في حق أكثر رواة أحاديثنا بقرينة ما بلغنا من
أحوالهم انهم لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث والذي لم نقطع في حقه بذلك كثيرا ما نقطع
بان للناقل (1) عنه طريقا إلى أصل الثقة الذي اخذ الحديث منه.
فان قلت: انهم إذا رووا عن الأصل فلم يذكرون الواسطة؟ -
قلنا: يحتمل ان يكون ذكر الواسطة للتبرك باتصال سلسلة السند ودفع طعن
العامة بان أحاديثكم ليست معنعنة بل مأخوذة من كتب قدمائكم.
أقول: وأيضا فان ما ذكره علماء الرجال في شئ بعضهم انه يعرف حديثه تارة
وينكر أخرى، وفي شأن آخر: انه لا يجوز نقل روايته، أو: لا يعتمد عليه، أو غير ذلك

1 - في الفوائد " بأنه طريق إلى أصل الثقة الذي اخذ الحديث منه " (ص 184، س 2).
59

يدل على أن الثقة إذا روى عن أحد فلا يروى عنه الا إذا ظهر له دليل على صحته، أو
رآه في أصله المروى عنه، أو سمعه عن ثقة يروى عن ذلك الأصل، وكذا حرصهم
على ضبط الخصوصيات والجزئيات من الألفاظ وغيرها دليل على عدم اعتمادهم على
غير المقطوع بصحته وهذه الوجوه، وان كان كل واحد منها مما يمكن الخدش فيه الا ان
لاجتماعها قوة يحصل بها ظن قوى بصحة هذه الأخبار التي رواها الثقات وان ضعف
الطريق في الوسط خصوصا ما في الكتب الأربعة وهي متواترة بالنسبة إلى مؤلفيها وهذا
يفيد القطع الاجمالي بمضمونها، والقطع التفصيلي بخصوصياتها يحصل بالقرائن الحالية وربما
اعترفوا به أنفسهم فان رئيس الطائفة صرح في العدة بان ما أورده في كتب الاخبار انما
اخذه من الأصول المعتمد عليها كما قال الفاضل، وقال الصدوق في أول الفقيه (1): لم -
اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى ايراد ما أفتى به وأحكم
بصحته وأعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره، وجميع ما فيه مستخرج
من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع. وقال ثقة الاسلام في أول الكافي (2) في
جواب من التمس عنه التصنيف: وقلت: انك تحب ان يكون عندك كتاب كاف
يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفى به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد
علم الدين والعلم به الآثار الصحيحة عن الصادقين والسنن القائمة التي عليها العمل وبها
تؤدى فرائض الله عز وجل وسنة نبيه (إلى أن قال): وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت
وأرجو ان يكون بحيث توخيت (انتهى كلامه). ولهذا ذهب جماعة بالاكتفاء في تصحيح
الاخبار والقدح فيها على ما ذكره أصحابنا ودونوها في كتبهم وسيما المتقدمين. قال بعض
المحققين (3): فلم يبق لاحد ممن تأخر عنهم في البحث والتفتيش الا الاطلاع على ما قرروه

1 - راجع مقدمة من لا يحضره الفقيه.
2 - راجع مقدمة الكافي.
3 - كأن المراد به الشهيد الثاني (وكأن الكلام في شرح درايته انظر ص 79 من النسخة
المطبوعة) أو المحقق الداماد رحمة الله عليهما.
60

والفكر فيما ألقوه والفوه. قال الشهيد في الذكرى (1): الاجتهاد في هذا الوقت أسهل منه فيما قبله
من الأوقات لان السلف قد كفونا مؤنته بكدهم وكدحهم وجمعهم السنة والاخبار وجرحهم
وتعديلهم وغير ذلك من الآلات.
فصل
قال بعض أصحابنا (2): ان السنة المتواترة دلت على قبول خبر الواحد فان رسول -
الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) كانا يبعثان الرسل إلى القبائل والبلاد والقرى لتعليم الاحكام
مع أن كل واحد منهم لم يبلغ حد التواتر مع العلم بان المبعوث إليهم كانوا مكلفين بالعمل
بمقتضاه والذي تتبعنا من آثار السلف ان تعليمهم الاحكام ما كان الا بالاخبار بما سمعوا عن
النبي (ص) وأئمة الهدى عليهم السلام، وما كان القول بالرأي والاجتهاد الا محدثا، وكان
دأب قدمائنا تخطئة المخالفين به بل لو كان يحصل من الطائفة المحقة لشذوذ القول بالرأي
والاجتهاد لخطؤوه وشدد ودا النكير عليه، والاخبار من أئمة الهدى متظافرة بالتخطئة
والانكار وقال المحقق في المعتبر (3): أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا
لكل خبر وما فطنوا ما تحته من التناقض وان من جملة الاخبار قول النبي (ص) ستكثر
بعدي القالة على. وقول الصادق (ع) ان لكل رجل منا رجل يكذب عليه، واقتصر

1 - لم أجد العبارة في مقدمة الذكرى فمن أراد موضعها فليراجع سائر مواضع الكتاب.
2 - كأن المراد به غير الأمين الاسترآبادي (ره) لان المصنف يعبر عنه ببعض الفضلاء.
3 - انظر ص 6 من النسخة المطبوعة بطهران سنة 1317 ونقله الأمين الاسترآبادي (ره)
في الفوائد المدنية قائلا قبل نقله (انظر ص 13): " وذكر الامام المحقق قدوة المقدسين
المحقق الحلي قدس سره (إلى أن قال): وذكر في أوائل كتاب المعتبر شرح المختصر: الفصل
الثالث في مستند الاحكام وهي عندنا خمسة (إلى أن قال) مسألة - أفرط الحشوية (إلى آخر
ما نقل) " انظر ص 14.
61

بعض عن هذا الافراط، فقال: كل سليم السند يعمل به، وغيره لا يعمل به، وما علم أن
الكاذب قد يصدق، والفاسق قد يصدق، ولم يتنبه ان ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح
في المذهب إذ لا مصنف الا وهو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر المعدل، وافراط آخرون في طرف رد الخبر حتى أحال استعمال عقلا ونقلا، واقتصر آخرون فلم يروا
العقل مانعا لكن الشرع لم يأذن في العمل به، وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن،
والتوسط أصوب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به، وما أعرض
الأصحاب عنه أو شذ يجب اطراحه (1).
وقال المحقق في بيان منع العمل بمطلق خبر الواحد: لا يقال: الامامية عاملة
بالاخبار، وعملها حجة لأنا نمنع ذلك فان أكثرهم يرد الخبر بأنه واحد، وبأنه شاذ،
فلولا استنادهم مع الاخبار إلى وجه يقتضي العمل بها لكان عملهم اقتراحا، وهذا لا يظن
بالفرقة الناجية.
وقال المحقق في كتابه في الأصول (2): ذهب شيخنا أبو جعفر الصدوق إلى العمل

1 - وله ذيل يشتمل على تعليل الدليل وهو قوله: لوجوه أحدها انه مع خلوه عن
المزية (إلى آخر ما قال) فمن اراده فليراجع الكتاب ص 6، أو الفوائد ص 15.
وأشار إليه أيضا الأمين الاسترآبادي (ره) في الفوائد في كلام له (ص 50): " وكذلك المحقق
الحلي قدس سره تكلم باصطلاح القدماء في العبارة التي تقدم نقلها عن كتاب المعتبر حيث
اختار في العمل بخبر الواحد ما اختاره رئيس الطائفة بعينه حيث قال: والتوسط أصوب (إلى
آخر ما قال).
2 - انظر ص 88 من نسخة معراج الوصول إلى علم الأصول المطبوعة بطهران سنة
1310 ونقله الأمين الاسترآبادي (ره) في الفوائد المدنية قائلا ما نصه: " وذكر المحقق الحلي
في الأصول وما رأيت في أصول أصحابنا كتابا قريبا إلى الحق بعد كتاب العدة لرئيس الطائفة
الا إياه وهو في الحقيقة اختصار كتاب العدة مع بعض زيادات وايرادات من قبله رجع عنها
في أوائل كتاب المعتبر ووافق رئيس الطائفة بعد أن خالفه ونعم الوفاق: ذهب شيخنا أبو جعفر
رحمه الله إلى العمل، (إلى آخر ما قال،) انظر ص 83 من الفوائد وأيضا ص 62 منه.
62

بخبر العدل من رواة أصحابنا لكن لفظه وان كان مطلقا فعند التحقيق يتبين انه لا يعمل
بالخبر مطلقا بل بهذه الاخبار التي رويت عن الأئمة عليهم السلام ودونها الأصحاب لا ان
كل خبر يرويه امامي يجب العمل به ويدعى اجماع الأصحاب على العمل بهذه الاخبار حتى
لو رواها غير الامامي وكان الخبر سليما من المعارض واشتهر نقله في نقله في هذه الكتب الدائرة بين
الأصحاب عمل به.
وقال الشهيد في الذكرى في خبر الواحد (1): وانكره جل الأصحاب كأنهم يرون
ان ما بأيديهم متواتر، أو مجمع على مضمونه وان كان في حيز الآحاد.
وتمام القول في هذا المقام يأتي في الأصل السادس إن شاء الله تعالى.
فصل
قال بعض الفضلاء (2): للصحيح عند القدماء ثلاثة معان، أحدها ما قطع بوروده
عن المعصوم. والثاني ذلك مع قيد زايد وهو ان لا يظهر له معارض أقوى منه في باب العمل.
والثالث ما قطع بصحة مضمونه في الواقع وانه حكم الله في الواقع ولو لم يقطع بوروده
عن المعصوم، وكذا للضعيف عندهم ثلاثة معان في مقابلها.
أقول: وأما المتأخرون فالصحيح عندهم: ان يكون رواته كلهم إماميين
موثقين، فان كانوا إماميين ولكنهم ممدوحون بغير التوثيق كلا أو بعضا مع توثيق الباقي
سمى حسنا، وان كانوا كلهم موثقين ولكنهم غير إماميين كلا أو بعضا يسمى موثقا،
وغير الثلاثة يسمى ضعيفا، ومنهم من يسمى غير الأولين ضعيفا، وللضعيف اقسام
كثيرة كالمرسل والمرفوع وغيرهما.

1 - انظر مبحث السنة وهو الفصل الثاني من أوائل الذكرى ص 4.
2 - يريد به الأمين الاسترآبادي (ره) والكلام مذكور في الفوائد المدنية (انظر ص 177).
ونظيره قوله الاخر " ان اخبار كتب قدمائنا (إلى أن قال) لا تخلو من اقسام ثلاثة (انظر ص 50)
ونظيره في ص 67.
63

وليعلم (1) ان من الرواة المخصوصين ببعض من الأئمة المعصومين عليهم السلام
من يعلم من ظاهر حاله انه لا يسأل شيئا من الاحكام بحيث يعتقده ويرويه الا عن ذلك
الإمام (ع) لثقته وجلالة قدره كزرارة ومحمد بن مسلم المخصوصين بأبي جعفر محمد بن
علي الباقر (ع) وأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) وعلي بن مهزيار المخصوص
بالرضا (ع) واضرابهم فمن هذا شأنه فمضمراته في قوة المصرحات لتعين المسؤول عنه
فلا يخرج بذلك عن الصحاح، بل قيل: " يستفاد من كتب المتقدمين ان الاضمار في مثل
هذه الأحاديث انما يحصل من قطع الاخبار بعضها من بعض فان الراوي كان يصرح
باسم الامام الذي يروي عنه في أول الروايات ثم قال: وسألته عن كذا، إلى أن يستوفي
الروايات التي رواها عن ذلك الإمام (ع)، فلما حصل القطع توهم الاضمار فيجب التنبه
لذلك. ومنهم من يروي حديثا عن أحد بغير واسطة تارة ويروي ذلك الحديث
بعينه عن ذلك المروي عنه بواسطة أخرى وقد يظن أن ذلك يوجب الاضطراب
فيه لأنه غير جازم بأنه ممن يروى؟ فيجب ان يرد حديثه، وأنت تعلم أن تعدد سماعه
ممكن فلم لا يجوز ان يكون سماعه عنه تارة على سبيل المشافهة وتارة على سبيل النقل

1 - ذكر المصنف (ره) ما يقرب منه في المقدمة الثانية من الوافي بهذه العبارة:
" توقيف - اعلم أن اضمار الحديث من الثقات المشهورين من أصحاب الأئمة عليهم -
السلام ليس طعنا في الحديث، إذ قد يكون ذلك اعتمادا على القرينة، وقد يكون للتقية،
وقد يكون لقطع الاخبار بعضها عن بعض، فان الراوي كان يصرح باسم الامام الذي يروي
عنه في أول الروايات ثم قال: وسألته عن كذا، وسألته عن كذا، إلى أن يستوفي الروايات
التي رواها عن ذلك الإمام عليه السلام فلما حصل القطع توهم الاضمار، وكذلك الرواية
عن أحد تارة بواسطة وأخرى بدونها لا توجب الاضطراب في الرواية لجواز تعدد سماعه، واما
رواية الحديث تارة على وجه وأخرى على وجه آخر مخالفا له فهي توجب الاضطراب وعدم
الاعتماد (إلى آخر ما قال) ".
64

فهذا غير موجب للرد وقد يشتمل بعض طرق الحديث على من تغير حاله من الاستقامة،
اما بانتحال المذاهب الفاسدة أو ظهور الكذب منه، أو طروء الاختلال عليه بعد أن كان ثقة
مستقيما فهذا لا يقدح في صحة الحديث إذا علم أنه رواه في حال استقامته.
ثم ليعلم ان اعتبار الصحة والضعف انما يجري فيما يتعلق من الاخبار بنحو
فرائض العبادات وأحكام الحلال والحرام دون ما يتعلق بأصول الدين فإنها معلومة
بأدلة العقل أو مقرونة بها الا نادرا، وما يتعلق منها بنحو القصص والمواعظ وفضائل
الأعمال إذ ليس في المواعظ والقصص غير محض الخير، والعلماء المحققون يتساهلون كثيرا
في أدلة السنن والأصل في ذلك ما رواه الخاصة والعامة عن النبي (ص) انه قال: من
بلغه عن الله فضيلة فأخذها وعمل بما فيها ايمانا بالله ورجاء ثوابه أعطاه الله تعالى ذلك وان
لم يكن كذلك، وروى هشام بن سالم بسند حسن عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع)
انه قال (1): من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له أجره وان لم يكن على ما
بلغه، وفي معناها روايات اخر، وهي متلقاة بالقبول عند الأصحاب وقد اشتهر العمل
بمضمونها بينهم وعلى هذا فالعمل بالاخبار الضعيفة في أدلة فضائل الأعمال ليس العمل بها
بمضمونها بينهم وعلى هذا فالعمل بالاخبار الضعيفة في أدلة فضائل الأعمال ليس العمل بها
حقيقة بل بهذا الحديث الحسن المشتهر المعتضد بالروايات الاخر وبشواهد العقل كمالا يخفى.
الأصل الخامس
انهم عليهم السلام أعطونا أصولا مطابقة للعقل الصحيح
وأذنوا لنا ان نفرع عليها الصور الجزئية وبذلك وسعوا
علينا أبواب العلم، وسهلوا لنا طرق المعرفة بالأحكام وذلك
من فضل الله علينا ببركتهم عليهم السلام.

1 - يشير به إلى ما نقله في الوافي في باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب بهذه العبارة
(ج 1 من الطبعة الثانية ص 55):
" كا (أي في الكافي) الثلاثة عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: من سمع (الحديث) ".
65

روى البزنطي في جامعه على ما نقله عنه محمد بن إدريس، عن هشام بن سالم،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال (1): انما علينا ان نلقى عليكم الأصول وعليكم ان تفرعوا.
وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام بلا واسطة قال: علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع (2).
وتلك الأصول كثيرة:
منها ما رواه زرارة في الصحيح بالاصطلاحين عن الباقر (ع) قال: قلت له: الرجل
ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ - فقال: يا زرارة قد تنام العين

1 و 2 - أخذهما المصنف (ره) من الفوائد المدنية ونص عبارة الأمين (ره) فيه (انظر ص
153 - 154) " الفصل الثامن في جواب الأسئلة المتجهة على ما استفدناه وقررناه
من كلام أئمتنا عليهم السلام ومن كلام قدمائنا كأحمد بن أبي عبد الله البرقي في كتاب المحاسن
ومحمد بن الحسن الصفار في كتاب بصائر الدرجات وعلي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره
ومحمد بن يعقوب الكليني في أول الكافي السؤال الأول ان الفاضل المدقق محمد بن إدريس
الحلي (ره) اخذ أحاديث من أصول قدمائنا التي كانت عنده وذكرها في باب هو آخر أبواب كتاب
السرائر ومن جملة ما اخذه من جامع البزنطي صاحب الرضا (ع): هشام بن سالم عن أبي -
عبد الله (ع) قال: انما، الحديث، أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (ع) قال:
علينا، الحديث، والحديثان ناطقان بجواز الاجتهاد في نفس أحكامه تعالى، وجوابه ان يقال:
هذان الحديثان موافقان لما حققناه سابقا واستفدناه من كلامهم عليهم السلام لان المراد منهما
ان استنباط الاحكام النظرية ليس شغل الرعية بل علينا ان نلقى إليهم نفس أحكامه تعالى
بقواعد كلية وعليهم استخراج الصور الجزئية عن تلك القواعد الكلية مثال ذلك قولهم
عليهم السلام: إذا اختلط الحلال بالحرام غلب الحرام، وقولهم (ع): كل شئ فيه
حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه، وقولهم (ع): كل شئ فيه
حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه، وقولهم (ع): الشك بعد الانصراف
لا يلتفت إليه، وقولهم (ع): ليس ينبغي لك ان تنقض يقينا بشك ابدا وانما تنقضه بيقين آخر.
وهنا فائدة شريفة هي ان الأنظار العقلية قسمان، قسم يكون تمهيد مادة
الفكر فيه بل صورته أيضا من جانب أصحاب العصمة، وقسم لا يكون كذلك فالقسم الأول
مقبول عند الله تعالى مرغوب إليه لأنه معصوم عن الخطأ، والقسم الثاني غير مقبول لكثرة
وقوع الخطأ فيه واثبات النبي (صلعم) رسالته على الأمة اما من باب انه من باب بعد الاطلاع
على معجزته يحصل القطع بدعواه بطريق الحدس كما يفهم من الأحاديث، أو من قسم المقبول
من النظر والفكر واستخراج الرعية الفروع من القواعد الكلية الملقاة منهم
عليهم السلام من هذا القسم المقبول، هكذا ينبغي ان تحقق هذه المباحث وذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء ".
أقول: قال العلامة المجلسي (ره) بعد نقلهما عن السرائر في المجلد الأول من
البحار (ص 145 - 144 من طبعة امين الضرب): " غو - (أي عوالي اللئالي) روى زرارة وأبو بصير
عن الباقر والصادق مثله بيان - يدل على جواز استنباط الاحكام من العمومات " وقال الشيخ
الحر (ره) بعد نقلهما في آخر باب " عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد والمقائيس
ونحوها من الاستنباطات الظنية في نفس الأحكام الشرعية " من الوسائل (انظر ج 3 ص 375
من طبعة أمير بهادر ما نصه: " أقول: هذان الخبران تضمنا جواز التفريع على الأصول
المسموعة منهم والقواعد الكلية المأخوذة عنهم عليهم السلام لا على غيرها، وهذا موافق
لما ذكرنا، مع أنه يحتمل الحمل على التقية وغير ذلك ".
66

ولا ينام القلب والاذن، فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء، قلت: فان حرك
إلى جنبه شئ ولم يعلم به؟ - قال: لا، حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيئ من ذلك
أمر بين والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ولكن ينقضه
بيقين آخر (1). وروى هو أيضا في الصحيح بالاصطلاحين عنه (ع) في نجاسة الثوب قلت:
فاني قد علمت أنه قد أصابه فلم أدر أين فأغسله؟ - قال: لا، تغسل من ثوبك الناحية
التي ترى انه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك، قلت: فهل علي ان شككت
في أنه اصابه شئ ان انظر فيه؟ - قال: لا، ولكنك انما تريد ان تذهب الشك الذي يقع

1 - قال المصنف (ره) بعد نقله في الوافي في باب الاحداث التي توجب الوضوء (ج 1
من الطبعة الثانية ص 469):
" بيان - يستفاد من هذا الحديث أصل متين نافع في كثير من المواضع وهو ان اليقين
بالشئ مستصحب لا يخرج من حكمه واثره الا بيقين آخر مثله وان حصل الشك فيه بعده فإنه
لا يلتفت إليه، فمن تيقن الطهارة أولا ثم شك في الحدث فهو على طهارته، وان حصل له
الشك فيها فإنه لا يلتفت إليه بعد ذلك اليقين، وكذا من تيقن الحديث أولا ثم شك في
الطهارة فهو على حدثه، وان وقع الشك فيه فإنه لا يلتفت إليه بعد ذلك.
ولا يخفى ان هذا اليقين بجامع هذا الشك لتغاير متعلقيهما كمن تيقن وقوع المطر
في الغداة وهو شاك في انقطاعه ".
أقول: اعلم أن الأمين الاسترآبادي (ره) نقل هذا الحديث بتمامه في فوائده عند البحث
عن الاستصحاب فيما نقل وتكلم في هذا المبحث بكلام طويل فمن اراده فليراجع هناك
ص 144 ومما يوضح ان المصنف (ره) اخذ هذه المطالب من هذا الكتاب عدم تصرفه في ارجاء
الضمائر فان الحديث الأول الذي مر ذكره هو في الوافي عن أبي عبد الله (ع) وهو في الفوائد عن
الباقر (ع) والحديث الثاني في الفوائد عن الصادق (ع) وكيف كان، هذا الذي نقله المصنف (ره)
هنا قسمة من الحديث فمن أراد تمامه فليراجع الفوائد (ص 144 - 145).
67

في نفسك، قلت: ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ - قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا
شككت في موضع منه ثم رأيته، وان لم تشكك ثم رأيته رطبا قطعت وغسلته ثم بنيت على
الصلاة لأنك لا تدري لعله شئ أوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشكك (1).
وفي صحيحة علي بن مهزيار بالاصطلاحين في ذلك (2): اما ما توهمت مما أصاب يدك فليس
بشئ الا ما تحققت. وفي حسنة الحلبي (3): فان ظن أنه اصابه ولم يستيقن ولم ير مكانه
فلينضحه بالماء. وفي صحيحة عبد الله بن سنان (4) في الثوب الذي أعاره للذمي الذي يشرب

1 - هذا أيضا جزء من حديث اخذه المصنف (ره) من الفوائد المدنية فإنه مذكور بتمامه
فيه (راجع ص 145 - 144 من النسخة المطبوعة).
2 - مأخوذ ملخصا من حديث تمامه في الفوائد المدنية (انظر ص 145).
3 - مأخوذ من الفوائد المدنية وعبارته هكذا (ص 145): " وقول الصادق (ع)
في حسنة الحلبي بزعم العلامة ومن وافقه: إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي اصابه ".
4 - مأخوذ من الفوائد المدنية ونص العبارة فيه (ص 145):
" وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال: سأل رجل أبا عبد الله (ع) وانا حاضر: اني أعير الذمي
ثوبي وانا اعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده على فأغسله قبل ان أصلي فيه؟ -
فقال أبو عبد الله (ع): صل، (إلى آخر ما ذكره وآخره) " هكذا: " فلا بأس ان تصلي فيه حتى
تستيقن انه نجسه ".
68

الخمر ويأكل لحم الخنزير قال: صل فيه ولا تغسله من اجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو
طاهر ولم تستيقن نجاسته. وعن معاوية بن عمار ان الصادق (ع) لبس الثوب الذي عمله
المجوسي الخبيث الشارب للخمر قبل الغسل (1). وفي صحيحة إبراهيم بن أبي محمود انه قال
للرضا عليه السلام (2): الخياط والقصار يكون يهوديا أو نصرانيا وأنت تعلم أنه يبول
ولا يتوضأ، ما تقول في عمله؟ - قال: لا بأس. وقد ورد مثل ذلك في أبواب الطهارات وأحكام
المياه ونحوها. وفي الموثق (3): كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر،
وما لم تعلم فليس عليك. وفي الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام (4): ما أبالي أبول أصابني

1 - مأخوذ من حديث نصه هكذا (انظر الفوائد المدنية ص 146):
" وصحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الثياب السابرية تعملها
المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها؟ و
أصلي فيها؟ - قال: نعم، قال معاوية: فقطعت له قميصا وخيطته وفتلت له أزرارا ورداء من
السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها إلى
الجمعة ".
2 - مأخوذ من الفوائد (انظر ص 146):
3 - مأخوذ من الفوائد المدنية ونص العبارة فيه كذا (ص 144):
" وموثقة عمار الساباطي بزعم العلامة ومن وافقه من أصحابنا واما على ما حققناه فهي
كأخواتها كلها صحيحة بمعنى أقوى من المعنى الذي اصطلح عليه العلامة ومن وافقه على
وفق اصطلاحات العلامة عن أبي عبد الله (ع) قال: كل شئ الحديث ".
4 - هو في الفوائد المدنية في ص 145 هكذا: " ومنها قول أمير المؤمنين (ع): ما أبالي،
الحديث " وان شئت فراجع شرح الفقيه للمجلسي الأول (ص 166 لوامع صاحبقراني من الطبعة
الأولى سنة 1331).
69

أم ماء إذا لم أعلم.
وليس من هذا القبيل ما إذا علمنا بنجاسة ثوب مثلا فإنه يلزم ان لا يحكم بطهارته
الا بالقطع واليقين بل يكفي شهادة عدلين أو اخبار القصار أو نحو ذلك كما يستفاد من
الأصل الآتي وذلك لان بناء هذا الأصل على رفع الحرج.
قال بعض الفضلاء (1): ان هذه القاعدة مخصوصة بمتعلقات أحكام الله تعالى من
أفعال الانسان وأحواله دون نفس أحكام الله تعالى كما زعم أكثر المتأخرين فإذا لم يعلم كون
نطفة الغنم طاهرة أو نجسة مثلا لم يحكم بطهارتها بهذا الأصل إذا لمراد ان كل صنف فيه
طاهر ونجس مما لم يميز الشارع بين أفراده بعلامة فهو طاهر حتى تعلم أنه نجس.
أقول: ووجه ذلك يتبين مما حققناه في وصول الأصل الأول.
ومنها - ان كل ذي عمل مؤتمن في عمله ما لم يظهر خلافه كما يستفاد من الاخبار

1 - يريد به الأمين الاسترآبادي (ره) فإنه قال في الفوائد المدنية بعد نقل أحاديث ما
نصه (148):
" واعلم أن الأحاديث التي نقلناها في هذا الموضع كلها متواترة المعنى ثم أقول:
اعلم أنه وقعت من جمع من المتأخرين من أصحابنا لقلة حذقهم في الأحاديث أغلاط في
هذه المباحث من جملتها ان الفاضل المدقق الشيخ علي (ره) أفتى في بعض كتبه بان ظن
غلبة النوم على الحدقتين كاف في نقض الوضوء وقد علمت تواتر الاخبار بخلاف ما أفتى به،
ومن جملتها ان كثيرا منهم زعموا ان قولهم (ع): " لا تنقض يقينا بشك ابدا وانما تنقضه
بيقين آخر " جار في نفس احكامه تعالى وقد فهمناك انه مخصوص بأفعال الانسان وأحواله و
أشباههما من الوقائع المخصوصة. ومن جملتها ان بعضهم توهم ان قولهم عليهم السلام
" كل شئ طاهر حتى تستيقن انه قذر " يعم صورة الجهل بحكم الله تعالى فإذا لم نعلم أن
نطفة الغنم طاهرة أو نجسة نحكم بطهارتها، ومن المعلوم ان مرادهم عليهم
السلام ان كل صنف فيه طاهر وفيه نجس كالدم والبول واللحم والماء واللبن والجبن مما
لم يميز الشارع (ع) بين فرديه بعلامة فهو طاهر حتى تعلم أنه نجس، وكذلك كل صنف فيه
حلال وحرام مما لم يميز الشارع بين فرديه بعلامة فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه ".
70

الواردة في القصارين، والجزارين، وحديث تطهير الجارية ثوب سيدها، وحديث ان
الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة، وغير ذلك لرفع الحرج والتوسيع في التكليفات
والتسهيل على العباد ففي صحيح الفضلاء (1) بالاصطلاحين انهم سألوا أبا جعفر (ع) عن شراء
اللحم من الأسواق ولا يدرون ما صنع القصابون؟ - قال: كل ذلك إذا كان في سوق المسلمين
ولا تسأل عنه يعني إذا اشتريته من رجل ظاهره الاسلام لأنه في سوق المسلمين. وفي رواية
سماعة قال (2): سألته عن أكل الجبن وتقليد السيف وفيه الكيمخت والغراء؟ - فقال: لا بأس
ما لم تعلم أنه ميتة. وقد مر صحيحة إبراهيم بن أبي محمود في ذلك (3).
ومنها - ان يبقى على الحكم السابق حتى يظهر خلافة فلا يخرج عن شعبان مثلا حتى
يقطع بدخول شهر رمضان كما يظهر من كثير من الروايات وهو قريب من الأول وفيه تحقيق يأتي
في فصل هذا الأصل إن شاء الله تعالى.
ومنها - ما إذا خرج من فعل ثم شك فيه فلا يعتبر ذلك الشك لقولهم عليهم -

1 - اخذ الحديث من الفوائد المدنية وعبارته هكذا (ص 147): " وصحيحة فضيل وزرارة
ومحمد بن مسلم انهم سألوا (الحديث) " فالتعبير بالفضلاء والاصطلاحين منه.
2 - مأخوذ من الفوائد المدنية (انظر ص 147 من النسخة المطبوعة) ونقله عن الفقيه
في الوافي في باب الصلاة في جلد الميتة وما لا يعلم ذكاته (ج 2 من الطبعة الأولى ص 60)
قائلا بعده: " بيان - الغراء بكسر الغين المعجمة والراء المهملة والمد ما يلصق به ويتخذ
من الجلود والسمك والكميخت يأتي تفسيره " ويشير به إلى ما رواه عن التهذيب بعد قوله:
" يب (إلى أن قال) وحدثني علي بن حمزة ان رجلا سأل أبا عبد الله (ع) وانا عنده عن الرجل
يتقلد السيف ويصلي فيه؟ - قال: نعم، فقال الرجل: ان فيه الكيمخت فقال: وما الكيمخت؟ - فقال:
جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه "
وشرحه المجلسي الأول (ره) في شرحه على من لا يحضره الفقيه المسمى بلوامع صاحبقراني (انظر
شرح كتاب الصلاة ص 133 من الطبعة الأولى).
3 - انظر ص 69 من الكتاب الحاضر.
71

السلام: إذا خرجت من شئ ثم شككت فيه فشكك ليس بشئ.
ومنها - ما رواه في البصائر باسناده عن موسى بن أبي بكر (1) قال: قلت لأبي عبد الله (ع):
الرجل يغمي عليه اليوم واليومين أو ثلاثة أيام أو أكثر من ذلك كم يقضي من صلوته؟ - فقال: الا
أخبرك بما ينتظم به هذا وأشباهه فقال: كلما غلب الله عليه من امر فالله أعذر لعبده، وزاد فيه
غيره، قال: قال أبو عبد الله (ع): وهذا من الأبواب التي ينفتح من كل باب منها الف باب.
وفي معناه اخبار أخر صحيحة في الكافي والتهذيب وغيرها [ويومي إليه أيضا] (2) قوله
تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج (3) وقوله عز وجل يريد الله بكم اليسر (4). رويا
في الكافي والتهذيب في الحسن عن عبد الاعلى (5) قال: قلت لأبي عبد الله (ع): عثرت فانقطع
ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ - قال: تعرف هذا وأشباهه
من كتاب الله عز وجل ما جعل الله عليكم في الدين من حرج امسح عليه.
ومنها - ما رواه في الكافي عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال:
قال أمير المؤمنين (ع): السنة سنتان في فريضة الاخذ بها هدى وتركها ضلالة،
وسنة في غير فريضة الاخذ بها فضيلة وتركها إلى غيرها خطيئة (6) والظاهر أن القسمين

1 - هو الحديث السادس عشر من أحاديث الباب السادس عشر من أبواب الجزء السادس
من بصائر الدرجات (انظر ص 306 من طبعة مطبعة شركت چاپ بطهران سنة 1381).
2 - ما بين القلابين من إضافاتنا وكانت هناك عبارة قطعا تفيد هذا المعنى فسقطت
والا فلا يتلائم الكلام ويمكن ان يكون الساقط واو العطف فقط.
3 - من آية 78 سورة الحج. 4 - من آية 185 سورة البقرة.
5 - هو مولى آل سام نقله المصنف (ره) في الوافي في باب وضوء من بأعضائه آفة، ونص
عبارة الكتاب هكذا: " يب - احمد عن السراد عن ابن رباط عن عبد الاعلى مولى آل سام
قال قلت لأبي عبد الله (ع): عثرت (الحديث)، (انظر ص 484 من المجلدة الأولى من الطبعة الثانية).
6 - قال المصنف (ره) بعد نقله في باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب من الوافي
(انظر ج 1 ص 56 من الطبعة الثانية):
" بيان - السنة في الأصل الطريقة ثم خصت بطريقة الحق التي وضعها الله للناس وجاء
بها الرسول (صلعم) ليتقربوا بها إلى الله تعالى، ويدخل فيها كل عمل شرعي واعتقاد حق
ويقابلها البدعة، وينقسم السنة إلى واجب وندب وبعبارة أخرى إلى فرض ونفل وبثالثة
إلى فريضة وفضيلة ما يثاب بها فاعلها ويعاقب على تركها، والفضيلة ما يثاب
باتيانها ولا يعاقب على تركها كما فسرهما عليه السلام.
وقد يطلق السنة على قول النبي وفعله وهي في مقابلة الكتاب ويحتمل ان يكون المراد
بها ههنا كما تشعر به لفظة في المنبئة عن الورود، واما تخصيص السنة بالنفل والفضيلة فعرف
طار من الفقهاء نشأ وليس في كلام أهل البيت عليهم السلام منه اثر بل كانوا يقولون:
غسل الجمعة سنة واجبة ونحو ذلك ".
72

إشارة إلى الواجب والمستحب إذ السنة في الأصل الطريقة ثم خصت بطريقة الحق التي
وضعها الله تعالى للناس وجاء بها الرسول (ص) ثم قيلت لكل ما يتقرب به إلى الله مما
يسلك به هذه الطريقة من العلوم الحقة والأعمال الشرعية فرضا كانت أو نفلا، واما
اطلاقها على النفل وفي مقابله الفرض كما يوجد في كلام الفقهاء وسيما المتأخرين فهو من
باب تسمية الشئ باسم جنسه الأعم كقسميه مقابل التصديق باسم التصور.
ومنها - ما رواه في الكافي باسناده عن علي بن الحسين عليهما السلام انه قال (1):
ان أفضل الأعمال عند الله ما عمل بالسنة وان قل. قيل: السبب فيه ان الأعمال البدنية

1 - قال المصنف (ره) بعد نقله في " باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب " من الوافي
(ج 1 من الطبعة الثانية ص 54 - 55):
" بيان - الوجه فيه ان الأعمال الجسمانية لا قدر لها عند الله الا بالنيات القلبية كما
ورد في الحديث المشهور: انما الأعمال بالنيات، ومن يعمل بالسنة فإنما يعمل بها طاعة لله
وانقيادا للرسول فيكون عمله مشتملا على نية التقرب وهيئة التسليم والخضوع الناشئتين من
القلب فلا محالة ثوابه كثير وأجره عظيم وان قل عدده وصغر مقداره واليه أشير بقوله سبحانه:
لن ينال الله لحومها ودماؤها ولكن يناله التقوى منكم ".
73

ليس لها كثير فضل الا بالنيات القلبية والاعتقادات اليقينية، والعمل بالسنة منوط بقصد
طاعة الشرع وامتثال الامر وانقياد الرسول فهو لاشتماله على معنى الطاعة وهيئة التسليم
والخضوع يكون لا محالة ثوابه أكثر وان قل عدده، واجره أعظم وان صغر مقداره من
العمل المجرد عن هذه النيات وان كثر وعظم، والى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: لن ينال
الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم (1). ومنها قوله (ص): انما الأعمال بالنيات
ولكل امرء ما نوى (2). وفي الكافي باسناده عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم
السلام (3) قال: قال رسول الله (ص): لا قول الا بعمل، ولا قول ولا عمل الا بنية،
ولا قول ولا عمل ولا نية الا بإصابة السنة. اي لا يتم قول الايمان الا بعمل الأركان،
ولا يتم عمل الأركان الا بنية الجنان والاعتقاد الصحيح، ولا يصح نية ولا اعتقاد الا
بإصابة الطريقة الحقة التي أتى بها الرسول (ص) عن الله تعالى.
وأنت خبير بان هذه الأحاديث لا دلالة فيها على وجوب استشعار اجزاء كل
عبادة عند فعلها بل على وجوب كون الباعث له على فعلها النية والاعتقاد الصحيحين.
ومنها - ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح (4) عن أبي عبد الله (ع): قال: كل
شئ يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه.
وفي موثقة مسعدة بن صدقة (5) عنه (ع) مثله وزاد فتدعه من قبل يقينك مثل الثوب قد

1 - صدر آية 37 من سورة الحج.
2 - نقله الشيخ الحر (ره) في باب وجوب النية في العبادات الواجبة عن تهذيب الشيخ
وعن أماليه (ج 1 من طبعة أمير بهادر ص 8).
3 - قال في الوافي بعد نقله عن الكافي في باب الاخذ بالسنة (ج 1: ص 55):
" يب - عن الرضا (ع) انه قال: لا قول الا بعمل، ولا عمل الا بنية، ولا نية الا بإصابة السنة
بيان - انما نفى النية الا بالسنة لان المخالف للسنة والمخطئ لا يمكنه نية التقرب إذ التقرب
انما يحصل بالإطاعة والانقياد وبعد الاهتداء إلى صحة الاعتقاد ".
4 و 5 - أخذهما المصنف (ره) من الفوائد المدينة للأمين الاسترآبادي (ره) ونص عبارته
هناك هكذا (ص 146):
" وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال قال أبو عبد الله (ع): (الحديث
إلى قوله فتدعه) وموثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) بزعم العلامة والمتأخرين عنه
والا فالحق انها صحيحة كإخوتها على ما حققناه سابقا قال: سمعته يقول: كل شئ هو لك
حلال حتى تعلم أنه احرام بعينه فتدعه من قبل يقينك (الحديث) ".
74

اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه، أو خدع أو قهر، أو امرأة
تحتك وهي أختك ورضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو
تقوم به البينة. أراد (ع) بذلك الشئ المعين الذي قد يكون هو بعينه حراما لعارض
كالطير المأكول اللحم فان مذبوحه حلال وميتته حرام لا كالطير المطلق فان منه ما هو
حلال ومنه ما هو حرام فلا يحل الحرام منه لعدم العلم بحرمته. وفي رواية السكوني (1)
عنه (ع) عن أمير المؤمنين (ع) انه سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير
لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين قال: يقوم ما فيها ثم يؤكل لأنه يفسد وليس
له بقاء فان جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل: يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم أو مجوسي
فقال: هم في سعة حتى يعلموا. وفي صحيحة الحلبي (2) عنه (ع): الميتة والمزكى اختلطا
كيف نصنع؟ - قال: تبيعه من مستحل الميتة وتأكل ثمنه قال: ولا بأس به. وعنه (ع) ان رجلا
أتى أمير المؤمنين (ع) فقال (3): يا أمير المؤمنين اني أصبت مالا لا أعرف حلاله عن حرامه
فقال: أخرج الخمس من ذلك المال فان الله عز وجل قد رضى من المال بالخمس واجتنب
ما كان صاحبه يعلم.

1 و 2 و 3 - هذه الأحاديث مأخوذة من الفوائد المدنية الا ان الحديث الثاني والثالث
ملخصان ونص العبارة فيه بالنسبة إليهما كذا (ص 147):
" وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن رجل كانت له غنم وبقر وكان يدرك
الذكي منها فيعزله ويعزل الميتة ثم إن الميتة والذكي اختلطا كيف يصنع به؟ - قال: يبيعه
ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه ولا بأس به ورواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله (ع)
قال: ان رجلا الحديث ".
75

ومنها - ما رواه معاوية بن وهب قال (1) قلت لأبي عبد الله (ع): الرجل يكون في
داره فيغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها عياله، ثم يأتينا هلاكه ونحن لا ندري ما أحدث
في داره ولا ندري ما حدث له من الولد الا انا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئا ولا حدث
له ولد ولا تقسم هذه الدار بين ورثته الذي ترك في الدار حتى يشهد شاهد عدل ان هذه
الدار دار فلان بن فلان ومات وتركها ميراثا بين فلان وفلان فتشهد على هذا؟ - قال: نعم،
قلت: الرجل يكون له العبد والأمة فيقول: ابق غلامي، وأبقت أمتي، فيوجد في البلد فيكلفه
القاضي البينة ان هذا الغلام لفلان لم يبعه ولم يهبه أفنشهد على هذا ان كلفنا به ونحن
لم نعلم أحدث شيئا؟ - قال: فكلما غاب عن هذا المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك
لم تشهد عليه. وفي رواية حفص بن غياث (2) عنه (ع) قال: قال له رجل: أرأيت إذا رأيت
شيئا في يدي رجل أيجوز لي ان اشهد أنه له؟ - قال: فقال الرجل: أشهد انه في يده ولا
اشهد أنه له فلعله لغيره؟ - فقال أبو عبد الله عليه السلام: أفيحل الشراء منه؟ - قال: نعم،
فقال أبو عبد الله (ع): لعله لغيره، فمن أين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم
تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه؟! ولا يجوز ان تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟!
ثم قال أبو عبد الله (ع): لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق.
ومنها العمومات القطعية المقررة مثل قوله تعالى: أوفوا بالعقود، وحديث:
لا ضرر ولا ضرار، والمؤمنون عند شروطهم الا ما أحل حراما وحرم حلالا، والبينة

1 و 2 - مأخوذ ان من الفوائد المدنية (انظر 146 و 147). وأيضا في مرآة العقول
في الباب التاسع من كتاب الشهادات (ج 4، ص 226) وسند الأول هكذا: " علي بن إبراهيم
عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (ع):
الرجل، الحديث ". وسند الثاني هكذا: " علي بن إبراهيم عن أبيه وعن علي بن محمد القاساني
جميعا عن القاسم بن محمد بن يحيى عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله (ع)
قال: قال له رجل: أرأيت (الحديث) ". فمن أراد شرحهما فليراجع الكتاب.
76

على المدعى واليمين على من أنكر، ونحوها وهي كثيرة ومنع بعض الفضلاء (1) من الاستدلال
بأمثالها لظنية دلالتها والنهي عن اتباع الظن فكل ما ورد منها عن أهل البيت عليهم السلام
بيانه والعمل به في محل بخصوصه فهو الحجة والا فلا.
أقول: وهذا انما يستقيم فيما لم يكن دلالتها محكمة فيه، واما ما كانت دلالتها
محكمة فيه فيجوز الاستدلال بها كما عرفت في محكمات الكتاب بعينه، والا انتفى الفائدة
فيها أصلا.
ومنها صحيحة زرارة (2) قال ما رأيت مثل أبي جعفر (ع) قط سألته قلت: سألته قلت: أصلحك
الله ما يؤكل من الطير؟! قال كل: ما دف ولا تأكل ما صف، قال: قلت فالبيض في الآجام؟ -
قال: ما استوى طرفاه فلا تأكل، وما اختلف طرفاه فكل، قلت: فطير الماء؟ - قال: ما كانت
له قانصة فكل، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل. وفي رواية ابن أبي يعفور (3) عن

1 - كأنه يشير به إلى ما ذكره الأمين الاسترآبادي (ره) بعد ما نقل اخبارا (ص 120):
" أقول: هذه الأحاديث صريحة في انحصار الناس في ثلاثة بعده (ص) أصحاب العصمة
عليهم السلام، ومن التزم ان يأخذ كل مسألة يجوز الخطأ فيها عادة من العقائد والأعمال منهم
عليهم السلام، ومن لا يكون لا هذا ولا ذاك وصريح في أن القسم الثالث مردود فانظر وتدبر
في أن من يتمسك في الاعتقادات بالمقدمات العقلية القطعية بزعمه وفي الأعمال بالخيالات
الظنية بزعمه كاصالة البراءة من الأحكام الشرعية وكاستصحاب الحكم السابق على الحالة
الطارية وكالعمومات والاطلاقات مع احتمال ان تكون مخصصة أو مقيدة في الواقع أو بغير
ذلك من الأدلة المفيدة للظن بزعمه داخل في اي الأقسام الثلاثة ولا تكن من المعاندين و
التكلان على التوفيق ".
2 و 3 - مأخوذان من الفوائد المدنية (انظر ص 148 من النسخة المطبوعة) والحديث
الثاني ملخص واصل العبارة فيه هكذا: " وفي رواية ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (ع):
اني أكون في الآجام فيختلف إلى الطير فما آكل منه؟ - قال: كل ما دف ولا تأكل ما صف
قلت: اني (الحديث) ".
77

أبي عبد الله (ع): كل ما دف ولا تأكل ما صف قلت اني أوتي به مذبوحا؟ - قال: كل ما كان
له قانصة، وسيأتي في الأصل الثامن حديث حريز مع أبي حنيفة يناسب هذا.
ومنها - ما رواه في الكافي في الموثق عن زرارة (1) في أناس من أصحابنا حجوا بامرأة
معهم فقدموا إلى الوقت وهي لا تصلي فجهلوا ان مثلها ينبغي ان يحرم فمضوا بها كما هي
حتى قدموا مكة وهي طامث حلال فسألوا الناس فقالوا: تخرج إلى بعض المواقيت
فتحرم منه وكانت إذا فعلت لم تدرك الحج فسألوا أبا جعفر (ع) فقال: تحرم من مكانها
قد علم الله نيتها، وفي معناه الصحيح المروي فيه.
ومنها - ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج (2) في الصحيح عن أبي إبراهيم (ع) قال: سألته عن
الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له ابدا؟ - فقال: لا أما إذا كان بجهالة

1 - نقله المصنف (ره) في الوافي في كتاب الحج في باب من جاوز الميقات بغير احرام بهذه
العبارة (ج 2 من الطبعة الثانية ص 455) " كا - محمد عن أحمد عن ابن فضال عن ابن بكير
عن زرارة عن أناس من أصحابنا) الحديث) " قائلا بعده: " كا - القميان عن صفوان عن عبد الله
ابن سنان مثله " ويشير بالسند الثاني إلى الصحيح الذي أشار إليه في كتاب الحاضر وهو
مذكور أيضا في الفوائد المدنية ص 163 مع كلام للأمين الاسترآبادي (ره) في صدره
وذيله قال الشيخ الحر (ره) بعد نقله في كتاب القضاء في الوسائل في باب وجوب التوقف
والاحتياط في القضاء والفتوى والعمل في كل مسألة نظرية لم يعلم حكمها بنص منهم عليهم
السلام (ج 3 من طبعة أمير بهادر ص 387):
" أقول: فهذه تركت واجبا في الواقع لجهلها بحكمه ولاحتمال التحريم فلم ينكر عليها
الامام بل استحسن فعلها واستصوب احتياطها وقال: قد علم الله نيتها ".
2 - اخذه المصنف (ره) من الفوائد المدنية (انظر ص 162 من النسخة المطبوعة)
ونص عبارة الأمين فيه: " الفائدة الثانية - انه في كلامهم عليهم السلام وقع اطلاق
الجاهل على غير القاطع بالحكم سواء كان شاكا أو ظانا والجاهل بهذا المعنى يجب عليه
التوقف ووقع اطلاقه على الغافل الذاهل ذهنه عن تصور المسألة والجاهل بالمعنى الأخير
لا يجب عليه الاحتياط والا لزم تكليف الغافل وقد ورد في هذا المعنى صحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته (الحديث) وقال بعده: " وانما قلنا: ان
المراد بالجاهل في هذه الصحيحة الغافل لا الظان والمتردد لأنهما يقدران على الاحتياط
دون الغافل ".
78

فليتزوجها بعد ما ينقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت: باي
الجهالتين اعذر؟ بجهالته ان يعلم أن ذلك محرم عليه أم بجهالته انها في عدة؟ - فقال: إحدى
الجهالتين أهون من الأخرى لجهالته بان الله حرم عليه ذلك وذلك لأنه لا يقدر على الاحتياط
معها، فقلت: هو في الأخرى معذور؟ - قال: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها،
فقلت: وان كان أحدهما متعمدا والاخر بجهالة؟ - فقال: الذي تعمد لا يحل له ان يرجع
إلى صاحبه ابدا.
ومنها - ما رواه الصدوق في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال (1) قال رسول الله (صلعم):
رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه، ومالا يطيقون، ومالا يعلمون، وما اضطروا
إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة. وروى فيه
باسناده عنه (ع) قال: ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (2). وفيه عنه (ع)
انه سئل (3) عمن لم يعرف شيئا عليه شئ؟ - قال: لا. وفيه عنه (ع): من علم بما علم كفى
ما لم يعلم (4).

1 - اخذه من الفوائد المدنية وهو نقله عن توحيد الصدوق (انظر ص 160).
2 - انظر الفوائد المدنية (ص 161 و 163 و 219).
3 - مأخوذ من الفوائد المدنية وهو نقله عن توحيد الصدوق (ره) فقال بعد نقل أحاديث
منه مشيرا إلى سنده: " أبي (ره) قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن الحجال عن ثعلبة بن ميمون عن عبد الاعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد الله (ع) عمن
لم يعرف " (الحديث، انظر ص 119).
4 - مأخوذ من الفوائد المدنية ص 161 وأيضا ص 218 وفي الموردين نقله مؤلفه من
كتاب التوحيد للصدوق (ره).
79

ومنها - ما رواه في الفقيه قال (1) خطب أمير المؤمنين (ع) الناس فقال: ان الله تبارك
وتعالى حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقضوها، وسكت عن أشياء لم يسكت
عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها، رحمة من الله لكم فاقبلوها. ثم قال (ع): حلال بين، وحرام
بين، وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك، والمعاصي
حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها. قوله (ع): " وسكت عن أشياء " إلى قوله
" فاقبلوها " معناه ان كل ما لم يصل إليكم من التكاليف ولم يثبت في الشرع فليس عليكم
شئ فلا تتكلفوه على أنفسكم فإنه رحمة من الله لكم وفي هذا قيل: اسكتوا عما سكت الله
عنه، مثاله قيود النيات التي أوجبها المتأخرون بلا دليل من الشرع، مثل قيد رفع الحدث
في الطهارات، وقيد الوجوب والاستحباب في العبادات، والعلم بتعيين أحدهما فيها، إلى غير
ذلك، وهذا الأصل يرجع إلى أصالة البراءة.
ومنها - (2) الحديث النبوي المتواتر بين العامة والخاصة: انما الأمور ثلاثة، أمر

1 - قال المصنف (ره) في المجلد الأول من الوافي في آخر " باب النهي عن القول بغير
علم " (ص 39 من الطبعة الثانية): " يه - خطب أمير المؤمنين، الحديث " قائلا بعده:
" بيان - فلا تتكلفوها معناه ان ما لم يصل (وذكر مثل ما في المتن إلى قوله) سكت الله عنه ".
فليعلم ان السيد الرضي (ره) نقل صدر هذا الحديث في نهج البلاغة في باب الحكم
بهذه العبارة: " ان الله تعالى افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها وحد لكم حدودا فلا تعتدوها،
ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها ".
2 - اعلم أن المصنف (ره) اخذ ما ذكره هنا مما ذكره الأمين الاسترآبادي (ره) في الفوائد
المدنية ونص عبارته هكذا (ص 163 من النسخة المطبوعة):
" السؤال الثامن ان يقال: كيف عملكم في حديث صحيح يحتمل الوجوب والندب
وجوابه ان يقال: نوجب التوقف عن تعيين أحد الاحتمالين ثم نقول: ان كان ظاهره الوجوب
يجب فعله بنية مطلقة احتياطا وكذلك مع تساوي الاحتمالين، وان كان ظاهره الندب وباطنه
الوجوب فوجوبه موضوع عنا، وبعد ما أحطت خبرا بالأحاديث الناطقة بوجوب التوقف
والتثبت في كل واقعة لم يكن حكمها بينا واضحا بقوله (ص) في الحديث المتواتر بين
الفريقين: انما الأمور (الحديث) وبقول الكاظم (ع) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج حيث
قال: فقلت، ان بعض أصحابنا سألني عن ذلك (الحديث) وبما روى الفريقان عنه (ص): دع
(الحديث) " وله ذيل تركه المصنف (ره): وهو " وبقول الكاظم (ع) في مكاتبة عبد الله بن
صباح: أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة وبقولهم عليهم السلام: ما
حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم سهل عليك الجواب عن هذه الأسئلة.
وهنا فائدتان، الأولى - انه (ص) حصر الأمور في ثلاثة، احديها بين رشدها،
وثانيتها بين غيها، وثالثتها ما ليس هذا ولا ذاك وسماها شبهة فعلم من ذلك أن كل ما ليس
بيقيني حتى الظني شبهة. الفائدة الثانية - انه وقع في كلامهم عليهم السلام اطلاق الجاهل
على غير القاطع بالحكم سواء كان شاكا أو ظانا (فخاض في بيانه فمن اراده فليطلبه من هناك) ".
80

بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وشبهات بين ذلك، والوقوف عند الشبهات
خير من الاقتحام في الهلكات، ومن ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات
ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم. وفي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قلت:
ان بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال (ع): إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا
فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا. وفي الخبر المشهور: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك،
ومن اتقى الشبهات استبرأ دينه وعرضه.
ومنها - ما رواه في الكافي عن أبي الصباح عن الصادق (ع) قال: ما صنعتم من شئ
أو حلفتم عليه من يمين في ثقة فأنتم منه في سعة (1). وباسناده عن أبي عبيدة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: قال لي: يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممن يتولانا بشئ من التقية؟ -
قلت له: أنت أعلم جعلت فداك، قال: ان أخذ به فهو خير له وأعظم اجرا. وفي رواية
أخرى: ان اخذ به أوجر وان تركه والله أثم. وباسناده الموثق عن زرارة بن أعين عنه (ع)

1 - هو في باب ما لا يلزم من الايمان والنذور من الكافي هكذا: (ج 4 مرآة العقول ص 240):
" محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي -
الصباح قال: والله لقد قال لي جعفر بن محمد: ان الله علم نبيه التنزيل والتأويل فعلمه رسول الله
(ص) عليا (ع) قال: وعلمنا والله ثم قال: ما صنعتم من شئ (الحديث) ".
81

أيضا قال: سألته عن مسألة فأجابني ثم جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني
ثم جاء آخر فاجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا بن -
رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما
أجبت به صاحبه؟! فقال: يا زرارة ان هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على امر واحد
لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا ولبقائكم. قال: ثم قلت لأبي عبد الله (ع): شيعتكم
لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا، وهم يخرجون من عندكم مختلفين؟! قال فأجابني بمثل
جواب أبيه (1).
قال بعض المحققين (2): ان تلك الأجوبة مع اختلافها وكونها في مسألة واحدة
كلها حق وصواب لعصمهم عن الخطأ وذلك لان الامر الواحد قد يكون له جهات

1 - قال المصنف (ره) في الوافي بعد نقله في باب اختلاف الحديث والحكم (ج 1 من
الطبعة الثانية ص 52):
" بيان - لصدقكم الناس اي جعلوكم متحققين كقوله سبحانه: لقد صدق الله رسوله
الرؤيا بالحق، وقوله تعالى: رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، علينا أي على اتباعنا، و
الأسنة جمع سنان، لمضوا لأجابوا، وهم يخرجون يعني والحال انهم يخرجون مختلفين.!
فما السبب في ذلك؟ ".
2 - يريد بقوله " بعض المحققين " أستاذه المولى صدرا المعروف عند المتأخرين بصدر -
المتألهين فأنه (ره) قال في شرحه على أصول الكافي في شرح الحديث المذكور أعني الحديث الذي
نقله المصنف (ره) وهو الحديث الخامس من أحاديث " باب اختلاف الحديث " من أبواب أصول
الكافي وهو في الواقع الحديث الثالث والتسعون والمائة من أحاديث الكتاب المذكور كما
عنونه به الشارح (ره) ما نصه (انظر ص 209 من النسخة المطبوعة):
" الشرح - عللا عليهما السلام اختلاف الأجوبة عن مسالة واحدة لشيعتهم بأنهم عليهم السلام
كانوا مريدين للخمول معرضين عن الدنيا وشواغلها فلم يريدوا اتفاق الشيعة على امر واحد
لئلا يصدقهم الناس ويذعنونهم على متابعة الأئمة عليهم السلام خوفا من الشهرة الموجبة للفتنة
والهلاك ولابد لك ان تعلم أن تلك الأجوبة (الكلام إلى آخره) ".
82

وحيثيات وله بكل جهة وحيثية حكم آخر مخالف للحكم الذي له بجهة وحيثية أخرى،
مثال ذلك الانسان الواحد كزيد مثلا يصدق عليه المقولات العشر التي هي أجناس عالية
متباينة اجتمعت كلها فيه وصدقت عليه باعتبارات وجهات مختلفة، فهو من حيث كونه
حيوانا جوهر، ومن حيث كونه طويلا كم، ومن حيث كونه ذا لون كيف، ومن حيث
كونه أبا مضاف، ومن حيث إنه كاتب فاعل، ومن حيث كونه متحركا منفعل، وهكذا
في سائر المقولات العرضية فهو من حيث كونه جوهرا ليس بكم ولا كيف ولا غيرهما، ومن
حيث كونه كما ليس بجوهر ولا كيف ولا غيرهما، بل الانسان ليس من حيث هو انسان الا
انسانا دون غيره من العوارض اللازمة أو المفارقة فإذا سئل: هل زيد كاتب أو ليس بكاتب
أو واحد أو كثير يمكن الجواب بكلا طرفي النقيض، فعلى هذا السبيل يجب ان يعلم هذا
المقام (انتهى كلامه).
وفي الكافي أيضا باسناده الموثق عن أبي عبد الله (ع) قال (1): من عرف انا لا نقول
الا حقا فليكتف بما يعلم منا فان سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم ان ذلك دفاع منا عنه.
وباسناده عنه (ع) قال (2): أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك
بخلافه بأيهما كنت تأخذ؟ - قال: قلت: كنت آخذ بالأخير، فقال لي: رحمك الله. وفيه عن
المعلى بن خنيس (3) قال: قلت لأبي عبد الله (ع): إذا جاء حديث عن أولكم وحديث

1 - قال المصنف (ره) بعد نقله في الباب الذي أشرنا إليه في الحديث السابق (ص 52):
" بيان - وجه الاخذ بالأخير ان بعض الأزمنة يقتضي الحكم بالتقية للخوف الذي فيه، وبعضها
لا يقتضيه لعدمه، فالإمام (ع) في كل زمان يحكم بما يراه المصلحة في ذلك الزمان فليس لأحد
ان يأخذ في العام بما حكم به في عام أول، وهذا معنى قوله (ع) في الحديث الآتي: انا
والله لا ندخلكم الا فيما يسعكم ".
2 و 3 - هما أيضا في الوافي الذي أشرنا إليه (ج 1 ص 53 - 52). وقال بعدهما:
" بيان - قد مر معناه ".
83

عن آخركم بأيهما نأخذ؟ - فقال: خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فخذوا بقوله. قال: ثم
قال أبو عبد الله (ع): انا والله لا ندخلكم الا فيما يسعكم. [وأيضا في الكافي] وفي حديث
آخر: خذوا بالأحدث. والأخير هو مقتضي وقته فان لكل وقت مقتضى بالإضافة إلى العمل،
وليس ذلك بنسخ فان النسخ لا يكون بعد النبي (ع) والاخذ بقول الحي أيضا كذلك
لأنه اعلم بما يقتضي الوقت العمل به.
واعلم أن أمثال هذه الأصول والضوابط ليست بمنحصرة فيما ذكر بل هي كثيرة
في الكتاب والسنة واخبار أهل البيت عليهم السلام مما يصدقها شواهد العقل الصحيح
وانما ذكرنا نبذا منها للتنبيه والارشاد، فمن أراد زيادة عليها فيطلبها من مظانها.
فصل
اعلم أن حكم الاستصحاب لا يرجى فيما إذا دخل الصلاة بتيمم ثم وجد الماء في
الأثناء حتى يلزم ان لا يقطع صلوته بفعل الوضوء ولأن قبل وجدان الماء كان يمضي في
صلوته بالاتفاق فكذلك بعده لوجوه:
أحدها - ان هذا نفس الحكم الشرعي وليس من متعلقاته فيتوقف على الاذن
من الشرع كما قال الفاضل (1).

1 - يريد بقوله " الفاضل " الأمين استرابادي (ره) ويشير به إلى ما ذكره في الفوائد
المدنية بقوله (ص 141 من النسخة المطبوعة):
" واما التمسك باستصحاب حكم شرعي في موضع طرأت فيه حالة ثم علم
شمول الحكم الأول لها مثاله من دخل في الصلاة بتيمم لفقد الماء ثم وجد الماء في أثنائها
قبل الركوع أو بعده ومن عزم على إقامة عشرة ثم رجع قبل ان يصلي صلاة واحدة تامة
أو بعدها فقد قال به الشافعية وبعض أهل الاستنباط من أصحابنا والحق عندي قول الأكثر
وذلك لوجوه، الأول عدم ظهور دلالة على اعتباره شرعا وما ذكرته علماء الشافعية ومن
وافقهم في هذه القاعدة من حصول ظن البقاء ومن جواز العمل بذلك الظن شرعا مردود من
وجهين، أولهما ان وجود الظن فيه ممنوع لان موضوع المسألة الثانية مقيد بالطارية
وموضوع المسألة الأولى مقيد بنقيض تلك الحالة فكيف يظن بقاء الحكم الأول. وثانيهما ما
حققناه ببراهين قاطعة من أن الظن المتعلق بنفس احكامه تعالى أو بنفيها غير معتبر
شرعا. الوجه الثاني انه (إلى آخر ما قال).
84

والثاني ان الحال اختلف بوجدان الماء فيحتمل اختلاف الحكم أيضا فلا
قطع باتحاده.
والثالث ان ننقض التيمم بوجود الماء أيضا حكم شرعي فعلينا ان نبقى على هذا
الحكم حتى يثبت لنا خلافه ولم يثبت في هذه الصور ففيها تعارض الأصل من الطرفين فلا
يجوز العمل بأحدهما لعدم الترجيح.
وفي هذا المقام تحقيق ذكره المحقق طاب ثراه في أصوله فإنه قال: (1)
والذي نختاره نحن ان ينظر في الدليل المقتضى لذلك الحكم فان كان يقتضيه مطلقا
وجب القضاء باستمرار الحكم كعقد النكاح مثلا فإنه يوجب حل الوطي مطلقا فإذا وقع
الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق كقوله: أنت خلية وبرية فان المستدل على أن
الطلاق لا يقع بهما لو قال: حل الوطي ثابت قبل النطق بها فيجب ان يكون ثابتا بعدها لكان
استدلالا صحيحا لان المقتضى للتحليل وهو القعد اقتضاه مطلقا ولا يعلم أن الألفاظ المذكورة
رافعة لذلك الاقتضاء فيكون الحكم باثباته (2) ثابتا عملا بالمقتضى. لا يقال: المقتضى هو
العقد ولم يثبت انه باق فلم يثبت الحكم لأنا نقول: وقوع العقد اقتضى حل الوطي لا مقيدا
بوقت فلزم دوام الحل نظرا إلى وقوع المقتضى لا إلى دوامه فيجب ان يثبت الحل حتى
يثبت الرافع فان كان الخصم يعني الاستصحاب ما أشرنا إليه فليس ذلك عملا بغير دليل

1 - انظر ص 148 - 147 من النسخة المطبوعة من معارج الأصول بطهران في سنة
1310.
2 - كلمة " اثباته " ليست في نسخ المعارج المطبوعة.
85

وان كان يعني به أمرا وراء ذلك فنحن مضربون عنه (1).
الأصل السادس
انهم عليهم السلام أعطونا أصولا عقلية برهانية في باب تعارض الاخبار واختلافها
عنهم عليهم السلام وأمرونا بالأخذ بها والعمل عليها ليتخلص من الحيرة وذلك من
فضل الله علينا:
منها ما ذكره محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي (2) (ره) على ما في
كتاب عوالي اللآلي (3) الذي الفه في سنة سبع وتسعين وثمانمائة قال: روى العلامة

1 - من قولهم: " أضرب عنه = أعوض ".
2 - في الوافي: " اللحسائي " (ص 55 ج 1).
3 - قال خاتم المحدثين الحاج ميرزا حسين النوري (ره) في الفائدة الثانية من خاتمة -
مستدرك الوسائل بعد الكلام في " كتاب العوالي الحديثية على مذهب الإمامية " على سبيل
الاستيفاء (ص 165 - 361 ج 3) في آخر مقاله (ص 365):
" بقى التنبيه على شئ وهو ان المعروف الدائر في ألسنة أهل العلم والكتب
العلمية " الغوالي " (بالغين المعجمة) ولكن حدثني بعض العلماء عن الفقيه النبيه المتبحر
الماهر الشيخ محمد حسن خنفر طاب ثراه وكان من رجال علم الرجال انه [العوالي] (بالعين
المهملة) فدعاني ذلك إلى الفحص فما رأيت من نسخ الكتاب وشرحه فهو كما قال، وكذا
في مواضع كثيرة من الإجازات التي كانت بخطوط العلماء الاعلام بحيث اطمئنت النفس بصحة
ما قال ويؤيده أيضا ان المحدث الجزائري سمى شرحه بالجواهر الغوالي بالمعجمة فلاحظ
والله العالم " ويشير بتسمية الجزائري (ره) كتابه إلى ما ذكره قبيل ذلك من قول السيد
الجزائري (ره) بهذه العبارة (ص 364، س 27): " وسميته الجواهر الغوالي في شرح عوالي -
اللئالي " ويريد به انه حيث كان اسم الكتاب " عوالي اللئالي " (بالعين المهملة) سما السيد
الجزائري (ره) شرحه " الجواهر الغوالي " (بالغين المعجمة) حتى تكون المقابلة صحيحة باهمال
العين واعجامها والا لا تحصل المقابلة ويكون التكرار بلفظ واحد في اسم واحد موجبا لتنفر النفس.
86

مرفوعا إلى زرارة بن أعين قال: سألت الباقر (ع) فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران
والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ - فقال: يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع
الشاذ النادر، فقلت: يا سيدي انهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم، فقال (ع):
خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك، فقلت: انهما معا عدلان مرضيان موثقان،
فقال: انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه، وخذ بما خالفهم فان الحق فيما خلافهم،
قلت: ربما كانا معا موافقين لهما أو مخالفين فكيف اصنع؟ - فقال: إذا فخذ فيه الحائطة
لدينك واترك ما خالف الاحتياط، فقلت: انهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف اصنع؟ - فقال: إذا فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الاخر (1). وفي رواية انه (ع)
قال: إذا فأرجه حتى تلقى امامك فتسأله انتهى.
قوله (ع): " خذ بما اشتهر بين أصحابك " المراد به شهرة الحديث الكائنة بين قدماء

1 - قال المصنف (ره) في باب اختلاف الحديث والحكم من الوافي بعد نقل هذا الجزء
من حديث عمر بن حنظلة عن الباقر (ع) بهذه العبارة (ج 1 من الطبعة الثانية ص 53):
" في رواية زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: سألته فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم (فساق
الحديث إلى قوله: وتدع الاخر وقال):
" وهذه الرواية رواها محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور اللحسائي في كتاب عوالي -
اللئالي عن العلامة الحلي مرفوعا إلى زرارة والاخبار في هذا المعنى كثيرة وقد أوردنا شطرا
منها في كتابنا المسمى بسفينة النجاة وفي كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة وفي بعضها: وما
لم تجدوه في شئ من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم
وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا، ولا يخفى
ان رد علمه إليهم لا ينافي التخيير في العمل من باب التسليم فلا يجوز الفتوى بأنه حكم الله في
الواقع وان جاز الفتوى بجواز العمل به وجاز العمل به، والمراد بالشهرة في الخبرين " فذكر
قريبا مما ذكره هنا إلى قوله: " حققه الشهيد الثاني في شرح درايته ". وقال قوله (ع): " الخبران
عنكما " اي عن الاثنين منكم وفي نسخة " عنهما " وهو أوضح.
أقول: لكلامه ذيل فمن اراده فليراجع هناك وسيجئ في هذا الكتاب بعضه.
87

أصحابنا الأخباريين الذين لا يتعدون النص في شئ من الاحكام دون شهرة القول الحادثة
بين المتأخرين من أهل الرأي والاستنباط فإنها لا اعتماد عليها أصلا كما حققه الشهيد
الثاني (ره) في شرح درايته وبين وجهه، ثم نقول: لا منافاة بين روايتي التخيير اما هو في
العمل والتوقف في الحكم والفتوى بينه ووجه اذنه (ع) بالتخيير مع أن حكم الله سبحانه
واحد في كل قضية ان مع الجهل بالحق يسقط الاخذ به للاضطرار دفعا لتكليف ما -
لا يطاق ولهذا جاز العمل بالتقية أيضا فالحكم في مثله اضطراري قال الله تعالى (1): اليوم أكملت
لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف
لاثم فان الله غفور رحيم ويحتمل ان يكون الحكم بالارجاء والتوقف مختصا بما إذا لم يكن
العمل بأحدهما ضروريا في الحال بل كان مما يجوز تأخيره مدة، وحينئذ فالحكم مختص
بحال ظهور الإمام (ع)، واما مع الغيبة المنقطعة كهذا الزمان فلا وجه للارجاء فالتخيير متعين
كما صرح به العلامة الطبرسي والشيخ الكليني وغيرهما، وسنذكر كلامهما ويؤيد ذلك
ما في رواية سماعة بعد الامر بالارجاء إلى لقاء الإمام (ع) فإنه قال: فهو في سعة حتى يلقاه،
ويأتي تمام الخبر وعلي هذا لو قلنا بشمول الحكم لحالتي الظهور والغيبة على هذا الاحتمال أيضا
لجاز، وربما يحتمل حديث التوقف على الأولوية والأحوطية أو على المبالغة والتأكيد
في التثبت وكثرة التفحص عن المرجحات، أو على من ليس له درجة الاستدلال، أو
على من يمكنه الترجيح ولم يبحث فيه أو نحو ذلك وما قلناه أولى. واما تخصيصه بالعبادات
وتخصيص حديث التخيير بالمعاملات أو عكس ذلك كما وقع لبعض الفضلاء (2) فلا وجه

1 - ذيل آية 3 سورة المائدة.
2 - يريد به الأمين الاسترآبادي (ره) فإنه قال في الفوائد المدنية بعد بحث مبسوط
وتحقيق عميق في موضوع الجمع بين الروايات والخروج عن مقام التحير عند القضاء والفتوى
والعمل مبتدئا للبحث بقوله (ره) " واما القاعدة الشريفة التي وضعوها عليهم السلام
للخلاص عن الحيرة في باب الأحاديث المتعارضة فقد نطقت بها أحاديث بالغة حد -
التواتر المعنوي مع صحة كثير منها في ظاهر الامر وزعم المتأخرين أيضا وصحة كلها عند
التحقيق وعند قدمائنا ولا يمكنني استقصاؤها ولنذكر ما يحضرني الان منها، فمن تلك الجملة
ما في كتاب الإحتجاج للطبرسي فخاض في البحث (انظر ص 185) إلى أن قال (في ص 192):
" وقد تحير الطبرسي في كتاب الاحتجاج وابن أبي جمهور اللحسائي في كتاب عوالي -
اللئالي في الجمع بينهما، والذي فهمت انا من كلامهم عليهم السلام انه كان مورد الحديثين
المختلفين العبادات المحضة كالصلاة فنحن مخيرون في العمل، وان كان غيرها من حقوق
الآدميين من دين أو ميراث أو وقف على جماعة مخصوصين أو فرج أو زكاة أو خمس فيجب
التوقف على الافعال الوجودية المبنية على تعيين أحد الطرفين بعينه والامام ثقة الاسلام
محمد بن يعقوب الكليني قدس الله سره ذكر في كتاب الكافي ما يدل على العمل بالحديث
الدال على التخيير وقصده قدس سره ذلك عند عدم ظهور شئ من المرجحات المذكورة في
تلك الأحاديث وينبغي ان يحمل كلامه على ما إذا كان مورد الروايتين العبادات المحضة
بقرينة انه قدس سره ذكر بعد ذلك في باب اختلاف الأحاديث مقبولة عمر بن حنظلة الواردة
في المتخاصمين في دين أو ميراث الناطقة بأنه مع عدم ظهور شئ من المرجحات المذكورة
يجب الارجاء إلى لقاء الإمام عليه السلام ".
88

له، ويدل على جواز العمل بالتخيير في زمان الغيبة مطلقا سيما فيما لا يجري فيه الاحتياط
وجوه من العقل والنقل وسيأتي الإشارة إلى بعضها، وذلك لان أكثر المرجحات
المذكورة في هذا الحديث وما في معناه مخصوص بزمن الأئمة عليهم السلام وما يقرب منها
كما لا يخفى على المتأمل.
فان قيل: يستفاد مما مر في آخر الأصل السابق وجوب الاخذ بما ورد عنهم عليهم -
السلام على التقية ويظهر من هذا الحديث وأشباهه وجوب تركه فكيف التوفيق؟ -
قلنا: ان ذلك انما هو في العمل وهذا في العلم بأنه حق وان كان قد يجب العمل
بخلافه كما إذا كان محل الخوف وبهذا يظهر وجه أمرهم عليهم السلام بالأخذ بالأحدث
والأخير اي العمل به حقا كان أو تقية فافهم (1). وفي الكافي في باب اختلاف الحديث

1 - فليعلم ان هذه العبارة المشتملة على السؤال والجواب المذكورة بعينها في الوافي
في ذيل ما نقلناه (ص 87) عن الوافي فيما مر (انظر ج 1 من الطبعة الثانية ص 54).
89

باسناد حسن عن منصور بن حازم (1) قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما بالي أسألك عن
المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه بجواب آخر؟ - فقال: انا نجيب
الناس على الزيادة والنقصان، قال: قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله (ص) صدقوا
على محمد (ص) أم كذبوا؟ - فقال: اما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله (ص) فيسأله
عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيئه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث
بعضها بعضا. وفيه عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال (2) قلت له: ما بال أقوام
يروون عن فلان وفلان عن رسول الله (ص) لا يتهمون بالكذب فيجئ منكم خلافه؟ -
قال: ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن. أقول: ان المراد ان حديث رسول الله (ص)
ربما ينسخ ولا يعلم الراوي بنسخه فيرويه ظنا منه بقاء حكمه من غير كذب فيجيئ عن
أهل البيت عليهم السلام خلافه لعلمهم بناسخه. وفي الكافي في هذا الباب أيضا محمد بن
يحيى عن داود بن حصين عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من
أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان والى القضاة أيحل ذلك؟ -
قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ
سحتا وان كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله ان يكفر به قال الله

1 - نقله المصنف (ره) في باب اختلاف الحديث والحكم من الوافي (ج 1 من الطبعة
الثانية ص 52):
" كا - علي عن أبيه عن التميمي عن عاصم بن حميد عن منصور بن حازم (الحديث)
(قائلا بعده) بيان - يعني الزيادة والنقصان في القول كما وكيفا على حسب تفاوت الناس في
الفهم والاحتمال والمراد بنسخ الأحاديث بعضها بعضا ان حديث رسول الله (ص) ربما
ينسخ ولا يعلم الراوي نسخه فيرويه ظنا منه بقاء حكمه من غير كذب فيجيئ غيره بالناسخ
فيقع الاختلاف ".
2 - هو في باب اختلاف الحديث والحكم من الوافي (ج 1 ص 52) بهذا السند: " كا -
العدة عن أحمد عن عثمان عن الخزاز عن محمد عن أبي عبد الله (ع) ".
90

عز وجل: يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به. قلت: فكيف
يصنعان؟ - قال: ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا
فليرضوا به حكما فأني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما
استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.
قلت: فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا ان يكونا ناظرين في حقهما
واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ - قال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفهمهما وأصدقهما
في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر. قال: قلت: فإنهما عدلان مرضيان
عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه (1) قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهم
عنا في ذلك الذي حكم عليه المجمع عليه بين أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وانما
الأمور ثلاثة، أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه
إلى الله ورسوله، قال رسول الله (ص): حلال بين وحرام بين، وشبهات بين ذلك، فمن
ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث
لا يعلم. قلت: فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ - قال: ينظر فما
وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم
الكتاب والسنة ووافق العامة. قلت: جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه
من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والاخر مخالفا لهم بأي الخبرين
يؤخذ؟ - قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك فان وافقهما الخبران
جميعا؟ - قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر. قلت: فان
وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ - قال: فإذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى امامك فان
الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (2).

1 - في الوافي " على الاخر ".
2 - قال في الوافي بعد نقله في باب اختلاف الحديث والحكم (ج 1 ص 53):
" يه - داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت: في
رجلين اختار كل واحد منهما رجلا (الحديث).
بيان - دين بفتح الدال، والطاغوت الشيطان مبالغة من الطغيان والمراد هنا من
يحكم بغير الحق لفرط طغيانه أو لتشبيهه بالشيطان أو لان التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان
من حيث إنه الحامل له على الحكم كما نبه عليه تتمة الآية: ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا
بعيدا، وعن أمير المؤمنين (ع) كل حكم حكم بغير قولنا أهل البيت عليهم السلام فهو طاغوت
ثم قرأ هذه الآية، والسحت الحرام، والكفر بالطاغوت ان يعتقد انه ليس اهلا للتحاكم
فمن اعتقد ذلك ثم أراد التحاكم إليه فهو خائن فان لم يرد لكن اضطر إليه كما إذا لم يوجد
هناك عدل أو كان خصمه لا يرضى بالتحاكم إلى العدل فحينئذ يحتمل حل ما اخذ إذا كان
حقا له ثابتا لأنه كافر به وقد اضطر إلى التحاكم إليه من غير إرادة منه ولعل ذلك هو السر
في قوله تعالى: " يريدون ان يتحاكموا " دون " يتحاكمون ".
ثم ظاهر هذا الخبر عدم الفرق في حرمة ما اخذ بحكم الطاغوت بين ما لو تحاكما
فيه إلى العدل لم يحكم له بذلك وبين ما حكم له بذلك لان الاخذ في كليهما بحكم الطاغوت
واما في صورة الاضطرار فالظاهر الفرق هذا كله إذا كان الحاكم هو الطاغوت فاما إذا كان
الحاكم هو العدل وانما اخذ حقه منه بقوة سلطان الطاغوت لتوقف اخذ حقه على الاستعانة به
فليس مما نحن فيه في شئ بل ذلك حديث آخر والظاهر أنه لم يحرم الحق بذلك ثم ظاهر
هذا الخبر وما في معناه مما يأتي في أبواب القضاء من كتاب الحسبة وروده في سلاطين
المخالفين وقضاتهم وفي حكمهم فساق قضاة الشيعة وحكامهم الذين يأخذون الرشا على
الاحكام وتوابعها ويحكمون بغير حكم أهل البيت عليهم السلام لدخولهم في الطاغوت سواء
كانوا عارفين بأحكام أهل البيت عليهم السلام أم لا، أما إذا لم يحكموا بين الخصمين وانما
حملوها على الصلح واخذ البعض والابراء عن الباقي فذلك حديث آخر، من كان منكم اي
من الشيعة الإمامية. وعرف أحكامنا اي من أحاديثنا المحكمات لامن اجتهاد في المتشابهات
واستنباطه الرأي منها بالظنون والخيالات باستعانة الأصول المخترعات. المجمع عليه اي
المتفق على نقله المشهور بينهم وليس المراد به الاجماع المصطلح بين أصحابنا اليوم
كيف والكلام في الحديث وروايته لا القول والافتاء به ولهذا قال: ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور فالمراد بالمجمع عليه بين أصحابك في هذا الحديث هو بعينه ما عبر
عنه بالمشتهر بين أصحابك في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته فقلت:
جعلت فداك يأتي عنكم الخبران (فذكر الخبر الذي مر نقله في أوائل هذا الأصل، (انظر
ص 87 من الكتاب الحاضر).
91

المراد بالمجمع عليه في هذا الحديث هو بعينه المعبر عنه بالمشهور في حديث زرارة
المتقدم ذكره وغيره ولهذا قال: ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور، وقد عرفت معنى
الشهرة هناك وليس المراد بالمجمع عليه الاجماع المصطلح عليه بين أصحابنا اليوم. وأيضا
فان الكلام في الحديث المجمع على نقله لا القول المجمع على الافتاء به وان كان مستنبطا
92

بالرأي وسيأتي الكلام في الاجماع وعدم الاعتداد به فيما بعد إن شاء الله. وفي احتجاج الطبرسي (1)
بعد نقل هذا الحديث قال (ره): جاء هذا على سبيل التقدير لأنه قلما يتفق في الآثار ان
يرد خبران مختلفان في حكم من الاحكام موافقين للكتاب والسنة وذلك مثل الحكم في
غسل الوجه واليدين في الوضوء فان الاخبار جاءت بغسلها مرة مرة وبغسلها مرتين
فظاهر القرآن لا يقتضي ذلك بل يحتمل كلتا الروايتين، ومثل ذلك يوجد في احكام
الشرع واما قوله (ع) للسائل: " ارجه وقف حتى تلقى امامك " أمره بذلك عند
تمكنه من الوصول إلى الامام فأما إذا كان غائبا ولا يتمكن من الوصول إليه والأصحاب
كلهم مجمعون على الخبرين ولم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على رواة الاخر بالكثرة
والعدالة كان الحكم بهما من باب التخيير يدل على ما قلناه ما روى الحسن بن الجهم عن
الرضا (ع) قال: قلت له: تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة؟ - قال: فما جاءك عنا فاعرضه
على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا، فان كان يشبههما فهو منا، وان يكن يشبههما فليس منا،
قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق؟ - فقال: إذا لم تعلم

1 - نقله في باب اختلاف الحديث والحكم من الوافي
ضمن بيان له للجمع بين الأحاديث
المختلفة (ج 1 ص 54 من الطبعة الثانية).
93

فموسع عليك بأيهما أخذت. وما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (ع) قال:
قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم عليه السلام
وترد إليه. وروى سماعة بن مهران (1) قال: سألت أبا عبد الله (ع) قال: قلت: يرد علينا
حديثان، واحد يأمرنا بالأخذ به والاخر ينهانا عنه؟ - قال: لا تعمل بواحد منهما حتى
تأتي صاحبك فتسأله عنه، قال: قلت: لابد ان يعمل بأحدهما؟ - قال: خذ بما فيه خلاف
العامة. وفي الاحتجاج أيضا في جواب مكاتبة محمد عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان
عليه السلام (2): يسألني بعض الفقهاء عن المصلى إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة
الثانية هل يجب عليه ان يكبر فان بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه تكبيرة ويجزيه ان
يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد؟ - في الجواب عن ذلك حديثان، اما أحدهما فإنه إذا
انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير واما الحديث الاخر فإنه روى: إذا رفع رأسه من
السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك
التشهد الأول يجري هذا المجرى وبأيهما أخذ من باب التسليم كان حقا صوابا. وفي
صحيحة علي بن مهزيار (3) قال: قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (ع):
اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله (ع) في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم ان:
صلهما في المحمل، وروى بعضهم ان: لا تصلهما الا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت
لأقتدي بك في ذلك؟ - فوقع (ع): موسع عليك بأيه عملت. وفي الكافي علي بن إبراهيم
عن أبيه عن عثمان بن عيسى والحسن بن محبوب جميعا عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
قال: سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في امر كلاهما يرويه أحدهما يأمر
بأخذه والاخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ - قال: يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى

1 و 2 - أخذهما وغيرهما من الأحاديث التي نقلها هنا عن احتجاج الطبرسي من كتاب
الفوائد المدنية للأمين الاسترآبادي (انظر ص 185 و 186 من النسخة المطبوعة).
3 و 4 - مأخوذان من الفوائد المدنية ونص عبارته (ص 186): " ومن تلك الجملة
صحيحة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب (الحديثين إلى قوله: وسعك) ".
94

يلقاه. وفي رواية أخرى: بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك (1) وذكر الشيخ السعيد
قطب الدين شيخ الاسلام أبو الحسن سعيد بن هبة الله الراوندي قدس سره في الرسالة التي
صنفها في بيان أحوال أحاديث أصحابنا واثبات صحتها (2): أخبرنا الشيخان محمد وعلي ابنا -
علي بن عبد الصمد عن أبيهما عن أبي البركات علي بن الحسين عن أبي جعفر بن بابويه
أخبرنا أبي أخبرنا سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح عن محمد بن أبي عمير عن عبد الرحمن
ابن أبي عبد الله قال: قال الصادق عليه السلام: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما
على كتاب الله عز وجل، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فذروه، فان
لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه، وما خالف
اخبارهم فخذوه. وعن ابن بابويه باسناده (3) عن الحسين بن السري قال: قال أبو عبد الله
(ع): إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم. وعنه باسناده (4) عن الحسن

1 - قال المصنف (ره) بعد نقلهما في الوافي عن الكافي (ج 1 من الطبعة الثانية ص 52):
" بيان - يرجئه اي يؤخره والجمع بين الروايتين بان يخص التأخير بمن يمكنه الارجاء
ويرجو اللقاء، والتخيير بغيره، ثم التخيير انما يكون فيما يتعلق بالعمل دون الاعتقاد فان
قلت: كيف اذن (ع) بالتخيير مع أن حكم الله سبحانه واحد في كل قضية؟ - قلنا: ان مع الجهل
بالحكم يسقط الاخذ به للاضطرار دفعا لتكليف مالا يطاق ولهذا جاز العمل بالتقية فالحكم
في مثله اضطراري قال الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم (الآية) على انا لا نمنع ان يكون
الحكم في بعض المسائل التخيير وكانوا قد اتوا في كل خبر بأحد فردي المخير فيه كما يستفاد
من رواية علي بن مهزيار قال: قرأت (فذكر الرواية كما مر في المتن).
2 - مأخوذ من الفوائد المدنية بعين العبارة (انظر ص 186 و 187).
3 - إشارة إلى سنده الذي ذكره في الفوائد وهو " وعن ابن بابويه أخبرنا محمد بن
الحسن أخبرنا محمد بن الحسن الصفار أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى عن رجل عن يونس
ابن عبد الرحمن عن الحسين بن السرى ".
4 - إشارة إلى سنده الذي ذكره في الفوائد (ص 187) وهو " وعن ابن بابويه:
أخبرنا محمد بن موسى بن المتوكل أخبرنا علي بن الحسين السعدآبادي حدثنا أحمد بن أبي -
عبد الله البرقي عن ابن الفضال عن الحسن بن الجهم (الحديث) ".
95

بن الجهم قال قلت للعبد الصالح (ع): هل يسعنا فيما يرد منكم الا التسليم لكم؟ - قال:
والله لا يسعكم الا التسليم لنا، قلت: فيروى عن أبي عبد الله (ع) شئ ويروى عنه خلافه
فبأيهما نأخذ؟ - قال: خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه. وباسناده الصحيح (1)
عن أبي عبد الله (ع) قال: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، ان على كل حق
حقيقة وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه.
وفي الكافي عنه (ع) عن النبي (ص) ما يقرب منه (2). وفيه عنه (ع): انه سئل عن اختلاف
الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به؟ - قال (3): إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له
شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله (ص) والا فالذي جاءكم به أولى به. وفيه في
الصحيح عنه (ع): كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله

1 - مأخوذ من الفوائد المدنية (انظر ص 187) وقوله: " باسناده الصحيح " إشارة
إلى سنده وهو: " عن ابن بابويه أخبرنا أخبرنا سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد
بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) قال: (الحديث) فليعلم أن هذا آخر حديث
نقله في الفوائد عن رسالة القطب الراوندي التي صرح بالنقل عنها المصنف فيما سبق ومن
ثم قال صاحب الفوائد بعد نقله " انتهى ما أردنا نقله عن رسالة القطب الراوندي " وليعلم
أيضا ان قبله ثلاثة أحاديث هي مذكورة في الفوائد منقولة عن الرسالة وتركها المصنف (ره)
ولم يذكرها (انظر ص 187 من النسخة المطبوعة).
2 - قال بعد نقله عن الكافي في باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب من الوافي (ص 54
ج 1): " بيان - حقيقة اي أصلا ثابتا ومستندا ميتا يمكن ان يفهم منه حقيقته نورا اي
برهانا واضحا يتبين به ويظهر منه انه صواب، والقرآن أصل كل حديث حق، وبرهان كل قول
صواب ومستند كل امر، وعلم لمن يمكن ان يستفهم عنه بقدر فهمه وعلمه ".
3 - قال بعد نقله في الباب المذكور من الوافي (ص 54 ج 1): " بيان - أولى به اي
ردوه عليه ولا تقبلوه منه ".
96

فهو مزخرف (1). وفي الصحيح عنه (ع) قال: خطب النبي (ص) بمنى فقال: يا أيها الناس
ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فانا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله (2). وفي عيون -
الاخبار باسناده عن علي بن أسباط، قال: قلت للرضا عليه السلام (3): يحدث الامر لا أجد
بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك؟ - قال: فقال: إيت
فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه فان الحق فيه. وفي التهذيب
في كتاب القضاء مثله. وفي آخر كتاب السرائر من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم إلى مولانا
أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام قال محمد بن علي بن عيسى: سألته (ع)
عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك صلوات الله عليهم قد اختلف علينا فكيف نعمل
به على اختلافه أو نرد إليك (4) فيما اختلف فيه (5)؟ - قال: ما علمتم انه قولنا فالزموه وما
لم تعلموه فردوه إلينا. وفي مجالس أبي علي ابن الشيخ الطوسي باسناده عن جابر عن
أبي جعفر (ع) قال (6): انظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به،

1 - قال بعد نقله في الوافي (ج 1 ص 54 من الطبعة الثانية): " بيان - الزخرف = المموه
المزور والكذب المحسن ".
2 - نقله في الوافي في الباب المشار إليه في الأحاديث المتقدمة (ج 1 ص 54).
3 - هو الحديث السادس والعشرون من باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة من
كتاب القضاء من وسائل الشيعة (ج 3، ص 382 من طبعة أمير بهادر).
4 - في الفوائد المطبوعة: " عليك ".
5 - اخذه من الفوائد المدنية (انظر ص 187) وهو مذكور في أواخر السرائر.
6 - اخذه من الفوائد ونص عبارته (ص 187 - 188): " وفي كتاب المجالس للشيخ الاجل
أبي علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي (ره) بسنده عن عمرو بن شمر عن جابر قال: دخلنا
على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه وقلنا
له: أوصنا يا بن رسول الله فقال: ليعن قويكم على ضعيفكم، وليعطف غنيكم على فقيركم، ولينصح
الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا، ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا (الحديث،
قائلا بعده:) " أقول: في هذا الحديث الشريف وأشباهه إشارة إلى أن مرادهم عليهم السلام
من العرض على كتاب الله عرض الحديث الذي جاء به غير الثقة على واضحات كتاب الله اي
التي تكون من ضروريات الدين أو من ضروريات المذهب بقرينة قوله (ع): " وان اشتبه الامر
عليكم " وبقرينة ما تقدم من الأحاديث الدالة على وجوب التوقف عند كل مسألة لم يكن حلها
بينا واضحا ".
97

وان لم تجدوه موافقا فردوه، وان اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا نشرح لكم
من ذلك ما شرح لنا. وفي عيون الاخبار عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد
جميعا عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله المسمعي عن أحمد بن الحسن الميثمي (1)
انه سأله الرضا عليه السلام يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون
في الحديثين المختلفين عن رسول الله (ص) في الشئ الواحد فقال (ع): ما ورد عليكم من
خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما
فاتبعوا ما وافق الكتاب، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله (ص) فاتبعوا
ما وافق نهى النبي (ص) وأمره، وما كان في السنة نهى إعافة أو كراهة ثم كان الخبر الاخر
خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله (ص) وكرهه ولم يحرمه فذلك الذي يسع
الاخذ بهما جميعا وبأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد إلى رسول الله (ص)
وما لم تجدوه في شئ من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه، فنحن أولى بذلك ولا تقولوا
فيه بآرائكم، وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان
من عندنا. قال مصنف هذا الكتاب (ره): كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن
الوليد (رض) سيئ الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث وانما أخرجت

1 - هو في الفوائد هكذا (ص 118): " وفي كتاب عيون أخبار الرضا لشيخنا الصدوق
محمد بن علي بن بابويه: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثني محمد بن عبد الله المسمعي قال: حدثني أحمد بن الحسن
الميثمي انه سأل الرضا (ع)، الحديث ".
98

هذا الخبر في هذا الكتاب لأنه كتاب الرحمة وقد قرأته عليه ولم ينكره ورواه لي
انتهى (1).
وصل
قال ثقة الاسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله
في أوائل الكافي (2):
فاعلم يا أخي أرشدك الله انه لا يسع أحدا تمييز شئ مما اختلفت الرواية فيه عن
العلماء عليهم السلام برأيه الا على ما أطلعه العالم (ع) بقوله: اعرضوها على كتاب الله، فما وافق
كتاب الله عز وجل فخذوه، وما خالفت كتاب الله فردوه. وقوله (ع): دعوا ما وافق القوم
فان الرشد في خلافهم. وقوله (ع): خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه.
ونحن لا نعرف من جميع ذلك الا أقله، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك
كله إلى العالم (ع) وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله (ع): بأيهما أخذتم من باب التسليم
وسعكم، انهى كلامه.
قوله طاب ثراه: ونحن لا نعرف من جميع ذلك الا أقله، يعني به أنا لا نعرف
من الضوابط الثلاث الا حكم أقل ما اختلفت فيه الرواية دون الأكثر لان الأكثر لا يعرف
من موافقة الكتاب ولا من مخالفة العامة ولا من المجمع عليه فلا نجد شيئا أقرب إلى الاحتياط من رد
علمه إلى الإمام (ع) ولا أوسع من العمل بالتخيير من باب التسليم [دون الهوى يعني
لا يجوز لنا الافتاء والحكم بأحد الطرفين بتة وان جاز لنا العمل من باب التسليم (3)] بالاذن

1 - في الفوائد بعده: " والحديث الشريف بطوله مذكور في كتاب عيون الاخبار نحن
ذكرنا موضع الحاجة منه ".
2 - ج 1 مرآة العقول، أواخر هامش ص 5.
3 - ما بين القلابين مأخوذ من سفينة النجاة للمصنف (ره) فان الكلام بعينه مذكور
هناك وهو سقط من كتابنا قطعا ومع ذلك أشرنا إلى ما يدل عليه.
99

عنهم عليهم السلام قيل (1): وانما لم يذكر الترجيح باعتبار الأفقهية والأعدلية وباعتبار
كثرة العدد لأنه رحمه الله أخذ أحاديث كتابه من الأصول المقطوع بها المجمع عليها.
فصل
قال شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله
في أوائل الاستبصار (2) وفي كتابه الأصول المسمى بالعدة (3) ما ملخصه:
ان الاخبار على ضربين، متواتر وغير متواتر، فالمتواتر يوجب العلم والعمل مطلقا،
وغير المتواتر ان كان مطابقا للكتاب أو السنة المقطوع بها، نصهما أو عمومهما أو دليل خطابهما
أو فحواهما، أو مطابقا لما أجمعت الطائفة المحقة أو الدليل العقل ومقتضاه عمل به، وان
كان مخالفا لاحد الأربعة ترك، وان لم يكن مطابقا لشئ من ذلك ولا مخالفا، فان لم يعارضه
خبر آخر عمل به (4) لان ذلك دليل اجماع منهم على نقله، وكذلك ان وجد هناك فتاوى
مختلفة من الطائفة وليس المخالف له مستندا إلى خبر آخر ولا إلى دليل يوجب عليه العلم

1 - إشارة إلى ما ذكره الأمين استرابادي (ره) وفي الفوائد المدنية بعد نقل الكلام الذي
نقله المصنف (ره) عن الكافي بقوله (ص 272 - 273 من الفوائد) " وانا أقول: هنا فوائد
لابد من التنبيه عليها (إلى أن قال) الثانية - ان الترجيح باعتبار أفقهية الراوي وباعتبار
أعدليته وباعتبار كثرة عدده مذكور في بعض الأحاديث الواردة في باب اختلاف الأحاديث
وهو هنا لم يتعرض لذلك لأنه اخذ أحاديث كتابه كلها من الأصول المقطوع بها المجمع عليها
وحينئذ يضعف الترجيح باعتبار حال الراوي ".
2 - انظر مقدمة الاستبصار (ص 4 - 3 من طبعة الهند).
3 - انظر ص 59 - 58 من العدة المطبوعة بطهران وانظر أيضا الفوائد المدنية (ص
83 - 70) فان الأمين الاسترآبادي (ره) قد نقل عبارة الشيخ بعينها في كتابه المشار إليه.
4 - اخذ المصنف (ره) من هذا الموضع بنقل عين عبارة العدة ونص كلامه هكذا
(ص 59):
" وان لم يكن هناك خبر آخر يخالفه وجب العمل به لان ذلك اجماع منهم على نقله
فإذا اجمعوا على نقله وليس هناك دليل على العمل بخلافه فينبغي ان يكون العمل به مقطوعا
عليه وكذلك ان وجد (والعبارة من هنا عين عبارة العدة إلى قوله " بالقول الذي يوافقه ").
100

فحينئذ يجب اطراح القول الاخر والعمل بالقول الموافق لهذا الخبر، لان ذلك القول
لابد ان يكون عليه دليل، فإذا لم يكن هناك دليل على صحته ولسنا نقول بالاجتهاد والقياس
فيسند ذلك القول إليه ولا هناك خبر آخر مضاف إليه وجب ان يكون ذلك القول مطرحا
ووجب العمل بهذا الخبر والاخذ بالقول الذي يوافقه.
أقول: مثال ذلك القول بوجوب صلاة الجمعة عينا في حال الغيبة فإنه دل عليه
الأخبار الصحيحة المستفيضة بل المتواترة فضلا عن الخبر الواحد وليس بخلافه دليل أصلا
فضلا عما يوجب العلم، والفتاوى فيه مختلفة كما هو ظاهر، ودعوى الاجماع في المختلف فيه
واضح البطلان كما اعترف به مدعوه فأي هذه المسألة بعينها فان العلامة شنع علي بن إدريس
بذلك مع أنه فعل هو بعينه مثله كما يظهر من التتبع.
قال الشيخ رحمه الله: وان عارضه خبر آخر عمل على خبر اعدل الرواة، فان تساووا
في العدالة فليعمل على أكثرها عددا، فان تساووا في العدد أيضا نظر، فان أمكن العمل على
أحد الخبرين على الاطلاق وعلى الاخر من وجه دون وجه فليعمل عليه ولا يطرح أحدهما،
فان كان العمل ممكنا بهما ولأحدهما تأويل على بعض الوجوه ويعضده خبر فليعمل عليه
دون ما لا يشهد له خبر، وإذا تحاذيا (1) ولا شاهد لأحدهما كان العامل أيضا مخيرا في العمل
بأيهما شاء من جهة التسليم، ولا يكون العاملان بهما على هذا الوجه إذا اختلفا وعمل كل
واحد منهما على خلاف ما عمل عليه الاخر مخطئا ولا متجاوزا حد الصواب، إذ روى عنهم
عليهم السلام انهم قالوا: إذا ورد عليكم حديثان ولا تجدون ما ترجحون به أحدهما على

1 - اخذ المصنف (ره) الكلام من هنا إلى قوله " من قسم من هذه الأقسام ").
ونص العبارة فيه " وإذا لم يشهد لاحد التأويلين خبر آخر وكان متحاذيا كان العامل مخيرا
(فساق عين عبارة الشيخ إلى قوله " من قسم من هذه الأقسام ").
101

الاخر مما ذكرنا كنتم مخيرين في العمل بهما، ولأنه إذا ورد الخبران المتعارضان وليس
بين الطائفة اجماع على حقية أحد الخبرين ولا على ابطال الخبر الاخر فكأنه اجماع على صحة
الخبرين، وإذا كان اجماعا على صحتهما كان العمل بهما جائزا سائغا.
وأنت إذا فكرت في هذه الجملة وجدت الاخبار كلها لا تخلو من قسم من هذه
الأقسام.
وقال في العدة في قرائن القول (1): انها تدل على صحة متضمن اخبار ولا
يدل على صحتها أنفسها لما بيناه من جواز ان تكون مصنوعة وان وافقت هذه الأدلة.
وقال في قرائن الرد (2): انها لا تدل على بطلانها في أنفسها لأنه لا يمتنع ان يكون الخبر
في نفسه صحيحا وله وجه من التأويل لا نقف عليه أو خرج على سبب خفي علينا الحال فيه،
أو تناول شخصا بعينه، أو خرج مخرج التقية وغير ذلك من الوجوه فلا يمكننا ان نقطع على
كذبه وانما يجب الامتناع من العمل به.
ومما استدل به في العدة (3) على جواز العمل بالخبرين المختلفين انه: روى عن
الصادق (ع) انه سئل عن اختلاف أصحابه في المواقيت وغير ذلك فقال (ع): انا خالفت
بينهم، فترك الانكار لاختلافهم ثم أضاف الاختلاف إلى أنه أمرهم به فلولا ان ذلك
كان جائزا لما جاز ذلك منه عليه السلام.

1 - قال الشيخ (ره) في العدة في الفصل الحادي عشر ضمن البحث عن قرائن الصحة بعد كلام
مبسوط في المسألة (انظر ص 59 من طبعة إيران وص 54 من طبعة الهند) ما نصه: " فهذه القرائن
كلها تدل على صحة متضمن اخبار الآحاد ولا يدل على صحتها (إلى آخر العبارة) ".
2 - نص عبارة الشيخ هكذا (ص 60 من طبعة إيران وص 55 من طبعة الهند): " ولا يجب
على هذا ان نقطع على بطلانه في نفسه لأنه لا يمتنع (العبارة إلى آخرها) ".
3 - انظر ص 53 من طبعة طهران سنة 1317 وص 49 من طبعة بمبئي سنة 1318.
أقول: تكلم الشيخ (ره) في هذا الكتاب عن الاختلاف في الشيعة وكيفيته وكثرته ووجهه
بوجه مبسوط مفيد جدا فمن اراده فليراجع الكتاب (ص 56).
102

فصل
قال طاب ثراه (1): واما العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الاخر فهو ان
يكون الراوي معتقدا للحق مستبصرا ثقة في دينه متحرجا عن الكذب غير متهم فيما يرويه،
فاما إذا كان مخالفا في الاعتقاد لأصل المذهب وروى مع ذلك عن الأئمة عليهم السلام
نظر فيما يرويه، فان كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه وجب اطراح خبره، وان
لم يكن هناك ما يوجب اطراح خبره ويكون ما يوافقه وجب العمل به، وان لم يكن هناك
من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه وجب أيضا العمل به
لما روى عن الصادق عليه السلام انه قال: إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روى
عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي عليه السلام فاعملوا به، ولأجل ما قلناه عملت الطائفة
بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامة
عن أئمتنا عليهم السلام فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه، وأما إذا كان الراوي من
فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفية والناووسية وغيرهم نظر فيما يرويه، فان كان هناك
قرينة تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوق بهم وجب العمل به، وان كان هناك خبر آخر
يخالفه من طرق الموثوق بهم وجب اطراح ما اختصوا بروايته والعمل بما رواه الثقة،
وان كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضا
العمل به إذا كان متحرجا في روايته موثوقا به في أمانته وان كان مخطئا في أصل -
الاعتقاد، فلأجل ما قلنا عملت الطائفة باخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار -
الواقفية مثل سماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى ومن بعد هؤلاء بما رواه

1 - فليعلم ان المجلسي (ره) نقل في آخر باب علل اختلاف الاخبار وكيفية الجمع بينها
والعمل بها من المجلد من البحار (ص 149 - 148) هذا الكلام الشريف وقال في آخره: " انتهى
كلامه قدس سره ولما كان في غاية المتانة ومشتملا على الفوائد الكثيرة أوردناه وسنفصل
القول في ذلك في المجلد الاخر من الكتاب إن شاء الله تعالى " والعبارة في طبعتي العدة (ص 56
وص 60).
103

بنو فضال وبنو سماعة والطاطريون وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه، وأما ما ترويه
الغلاة والمتهمون والمضعفون وغير هؤلاء فما يختص الغلاة بروايته فان كانوا ممن
عرف لهم حال استقامة وحال غلو عمل بما رووه حال الاستقامة وترك ما رووه في حال تخليطهم،
ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب محمد بن أبي زينب في حال استقامته
وتركوا ما رواه في حال تخليطه، وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي وابن أبي العزاقر
وغير هؤلاء، واما ما يروونه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كل حال، وكذلك
القول فيما يرويه المتهمون والمضعفون ان كان هناك ما يعضد روايتهم ويدل على صحتها وجب
العمل به، وان لم يكن هناك ما يشهد لروايتهم بالصحة وجب التوقف في اخبارهم، فلأجل
ذلك توقف المشايخ عن اخبار كثيرة هذه صورتها ولم يرووها واستثنوها في فهارسهم
من جملة ما يروونه من التصنيفات، فاما من كان مخطئا في بعض الأفعال أو فاسقا بأفعال -
الجوارح وكان ثقة في روايته متحرزا فيها فان ذلك لا يوجب رد خبره ويجوز العمل به
لان العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه وانما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته
وليس بمانع من قبول خبره، ولأجل ذلك قبلت الطائفة اخبار جماعة هذه صفتهم،
فاما ترجيح أحد الخبرين على الاخر من حيث إن أحدهما يقتضي الحظر والاخر الإباحة
والاخذ بما يقتضيه الحظر أولى أو الإباحة فلا يمكن الاعتماد عليه على ما نذهب إليه في الوقف
لان الحظر والإباحة جميعا عندنا مستفادان بالشرع فلا ترجيح بذلك، وينبغي لنا التوقف
فيهما جميعا أو يكون الانسان فيهما مخيرا في العمل بأيهما شاء، وإذا كان أحد الراويين يروى
الخبر بلفظه والاخر بمعناه ينظر في حال الذي يرويه بالمعنى، فان كان ضابطا عارفا بذلك
فلا ترجيح لأحدهما على الاخر لأنه قد أبيح له الرواية بالمعنى واللفظ معا فأيهما كان أسهل
عليه رواه، وان كان الذي يروى الخبر بالمعنى لا يكون ضابطا للمعنى أو يجوز ان يكون
غالطا فيه ينبغي ان يؤخذ بخبر من رواه على اللفظ، وإذا كان أحد الراويين اعلم وافقه
واضبط من الاخر فينبغي ان يقدم خبره على خبر الاخر ويرجح عليه، ولأجل ذلك قدمت
الطائفة ما يرويه زرارة ومحمد بن مسلم وبريد وأبو بصير والفضيل بن يسار ونظراؤهم من
104

الحفاظ الضابطين على رواية من ليس له تلك الحال، ومتى كان أحد الراويين متيقظا
في روايته والاخر ممن يلحقه غفلة ونيسان في بعض الأوقات فينبغي ان يرجح خبر الضابط
المتيقظ على خبر صاحبه لأنه لا يؤمن ان يكون قد سها أو دخل عليه شبهة أو غلط في روايته وان كان عدلا لم يتعمد ذلك وذلك لا ينافي العدالة على حال، وإذا كان أحد الراويين
يروى سماعا وقراءة والاخر يرويه إجازة فينبغي ان يقدم رواية السامع على رواية المستجيز
اللهم الا ان يروى المستجيز بإجازته أصلا معروفا أو مصنفا مشهورا فيسقط حينئذ الترجيح،
وإذا كان أحد الراويين يذكر جميع ما يرويه ويقول: انه سمعه فهو ذاكر لسماعه والاخر يرويه
من كتابه نظر في حال الراوي من كتابه فان ذكر ان جميع ما في كتابه سماعه فلا ترجيح لرواية
غيره على روايته لأنه ذكر على الجملة انه سمع جميع ما في دفتره وان لم يذكر تفاصيله، وان
لم يذكر انه سمع جميع ما في دفتره وان وجده بخطه أو وجد سماعه عليه في حواشيه بغير خطه
فلا يجوز له أولا ان يرويه ويرجح خبر غيره عليه، وإذا كان أحد الراويين معروفا والاخر
مجهولا قدم خبر المعروف على خبر المجهول لأنه لا يؤمن ان يكون خبر المجهول على صفة
لا يجوز معها قبول خبره، وإذا كان أحد الراويين مصرحا والاخر مدلسا فليس ذلك مما
يرجع به خبره لان التدليس هوان يذكره باسم أو صفة غريبة أو ينسبه إلى قبيله أو صناعة
وهو بغير ذلك معروف فكل ذلك لا يوجب ترك خبره، وإذا كان أحد الراويين مسندا
والاخر مرسلا نظر في حال المرسل، فان كان ممن يعلم أنه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به
فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك ميزت الطائفة بين ما يرويه محمد بن
أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم
لا يروون ولا يرسلون الا عمن يوثق به وبين ما أرسله غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم
إذا انفردوا عن رواية غيرهم، فاما إذا لم يكن كذلك ويكون ممن يرسل عن ثقة وعن
غير ثقة فإنه يقدم خبر غيره عليه، وإذا انفرد وجب التوقف في خبره إلى أن يدل دليل
على وجوب العمل به، وأما إذا انفردت المراسيل فيجوز العمل بها على الشرط الذي
ذكرناه، ودليلنا على ذلك الأدلة التي قدمناها على جواز العمل باخبار الآحاد، فان
105

الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل فبما يطعن في واحد منهما يطعن في الاخر، وما
أجاز أحدهما أجاز الاخر فلا فرق بينهما على حال، وإذا كان إحدى الروايتين أزيد من الرواية
الأخرى كان العمل بالرواية الزائدة أولى لان تلك الزيادة في حكم خبر آخر ينضاف إلى
المزيد عليه، فإذا كان مع إحدى الروايتين عمل الطائفة بأجمعها فذلك خارج عن الترجيح
بل هو دليل قاطع على صحته وابطال الاخر، فان كان مع أحد الخبرين عمل أكثر الطائفة ينبغي
ان يرجح على الخبر الاخر الذي عمل به قليل منهم، وإذا كان خبر أحد المرسلين متناولا
للحظر والاخر متناولا للإباحة فعلى مذهبنا الذي اخترناه في الوقف يقتضي التوقف فيهما
لان الحكمين جميعا مستفادان شرعا وليس أحدهما أولى بالعمل من الاخر، وان قلنا انه
إذا لم يكن هناك ما يترجح به أحدهما على الاخر كنا مخيرين كان ذلك أيضا جائزا كما
قلناه في الخبرين المسندين سواء وهذه جملة كافية في هذا الباب (انتهى كلامه أعلى الله مقامه).
فصل
قال الشهيد في الذكرى في بيان سبب اختلاف أصحابنا في الفتوى
واختلاف الاخبار عن الأئمة عليهم السلام (1):
لا يقال: من أين وقع الاختلاف العظيم بين فقهاء الامامية إذا كان نقلهم عن
المعصومين عليهم السلام وفتواهم عن المطهرين؟ - لأنا نقول: محل الخلاف اما من
المسائل المنصوصة أو مما فرعه العلماء، والسبب في الثاني اختلاف الأنظار ومباديها كما هو
بين سائر علماء الإمامية، واما الأول فسببه اختلاف الروايات ظاهرا وقلما يوجد فيه
التناقض بجميع شروطه وقد كانت الأئمة عليهم السلام في زمن تقية واستتار من مخالفيهم
وكثيرا ما يجيبون السائل على وفق معتقده أو معتقد بعض الحاضرين أو بعض من عساه
يصل إليه من المناوين أو يكون عاما مقصورا على سببه، أو قضية في واقعة مختصه بها،

1 - هو في آخر المقدمة من كتاب الذكرى أعني آخر الوجه التاسع من الإشارة السابعة
من إشارات المقدمة (ص 6 من النسخة المطبوعة سنة 1271).
106

أو اشتباها على بعض النقلة عنهم، أو عن الوسائط بيننا وبينهم كما وقع في الاخبار عن
النبي (ص) مع أن زمان معظم الأئمة عليهم السلام كان أطول من الزمان الذي انتشر فيه الاسلام ووقع فيه النقل عن النبي (ص) وكانت الرواة عنهم أكثر عددا
فهم بالخلاف (1) أولى.
وقال بعض الفضلاء (2): ان القاعدة الأصولية المذكورة في كتب العامة القائلة
بأن الجمع بين الدليلين مهما أمكن ولو بتأويل بعيد أولى من طرح أحدهما ليست
جارية في أحاديث أئمتنا عليهم السلام كما زعمه بعض المتأخرين لورود كثير منها من باب -
التقية عنهم (ع) قال: ولا تظنن برئيس الطائفة قدس الله روحه ان التوجيهات التي
ذكرها بقصد الجمع بين الأحاديث في كتابي الاخبار مبنية على رعاية القاعدة بل قصده رفع

1 - في الذكرى: " بالاختلاف ".
2 - يريد بقوله " بعض الفضلاء " الأمين الاسترآبادي (ره) فإنه قال في الفوائد المدنية
(ص 137 - 136):
" وأما التمسك بالترجيحات الاستحسانية الظنية المسطورة في كتب العامة وكتب جمع
من متأخري الخاصة عند تعارض الأدلة الظنية فقد قال به جمع من متأخري أصحابنا وهو أيضا
باطل لأدلة (فساق الأدلة إلى أن قال:) الرابع - انه قد تقرر في علم الآداب ان كل متكلم
أعلم بمراده ويجب الرجوع إليه في تعيين قصده، فإذا كان التعارض في كلام الشارع يجب
بمقتضى الآداب أيضا الرجوع إلى صاحب الشريعة ومن العجائب ما وقع من بعض المتأخرين
من أصحابنا حيث زعم أن القاعدة الأصولية المذكورة في كتب العامة القائلة بأن الجمع بين
الدليلين مهما أمكن ولو بتأويل بعيد أولى من طرح أحدهما جارية في أحاديث أئمتنا عليهم السلام
وغفل عن أن تلك القاعدة انما تجرى على مذهب العامة لعدم حديث وارد من باب التقية عندهم
وعن انها لا تتجه عندنا لورود كثير من أحاديث أئمتنا عليهم السلام من باب التقية (إلى أن
قال) ولا تظن برئيس الطائفة قدس الله روحه ان التوجيهات التي ذكرها بقصد الجمع بين -
الأحاديث في كتابي الاخبار مبنية على رعاية تلك القاعدة بل قصده قدس سره رفع التناقض عن
كلام الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم بطريق العامة مهما أمكن والسبب في ذلك ما نقله
قدس سره (إلى قوله) أقرب منها " فعلم أن المصنف (ره) نقل قوله (ره) ملخصا.
107

التناقض عن كلامهم عليهم السلام بطريق العامة مهما أمكن، والسبب فيه ما نقله في أول -
التهذيب من أنه رجع بعض الناس إلى مذهب العامة لما وجد الاختلاف بين أحاديث -
العترة الطاهرة، وبهذا اندفع اعتراض المتأخرين عليه بان كثيرا من توجيهاته بعيدة والحمل
على التقية أقرب منها.
أقول: ولي في هذا نظر
وقال بعض المحققين (1): ان الاختلافات الواقعة في الأحاديث المروية عن أصحاب -
العصمة عليهم السلام أكثرها في الأمور العملية الفرعية لا في الأصول الاعتقادية وما يجري
مجراها من الأمور العظيمة المهمة، والاختلاف في القسم الأول ليس اختلافا لا يسع الناس
ان يأخذوا (2) بأيهما كان بعد أن يكون كلاهما ثابتا عن أهل بيت النبوة عليهم السلام أو
مستندا إليهم والناس لجمود قرائحهم وعدم تفقههم في المسائل العلمية الأصولية والعملية
الفروعية صعب عليهم الامر في مثلها (3) واستشكلوه حتى جزموا بالقدح في إحدى الروايتين
اما من جهة الراوي وجرحه واما من جهة المتن وحمله على التقية (انتهى كلامه).
وقد مر في أواخر الأصل الخامس ان أجوبتهم عليهم السلام مع اختلافها وكونها
في مسألة واحدة كلها حق وصواب (4).

1 - يريد بقوله " بعض المحققين " أستاذه المولى صدرا (ره) فإنه قال في شرح أصول الكافي
في شرح الحديث التاسع من أحاديث باب اختلاف الحديث وهو الحديث السابع والتسعون
والمائة من الكتاب ما نصه (انظر ص 210 من النسخة المطبوعة):
" الشرح - دل قوله (ع) " انا والله لا ندخلكم الا فيما يسعكم، بقرينة قوله في الحديث السابق:
بأيهما اخذت من باب التسليم وسعك، انه جاز الاخذ والعمل بكل واحد من حديثي السابق
منهم واللاحق فعلى هذا يكون قولهم: " خذوا بالأحدث " امر استحباب لا امر ايجاب ثم لابد
ان يعلم أن هذه الاختلافات (فذكر الكلام إلى آخره) ".
2 - في شرح المولى صدرا: " الانسان ان يأخذ ".
3 - في شرح المولى صدرا: " في مثل هذا الحديث ".
4 - انظر ص 83 - 82.
108

الأصل السابع (1)
ان لله سبحانه في كل مسألة حكما معينا، من أصابه فقد أصاب الحق،
ومن أخطأه فقد أخطأ كما اتفق عليه أصحابنا، وان من أفتى على
الظن والاجتهاد من غير سماع عنهم عليهم السلام ولو بوسائط
فان أصاب لم يوجر، وان أخطأ فعليه وزره ووزر من
عمل بفتياه إلى يوم القيامة.
ولعلك لا تحتاج إلى مزيد بيان لهذا الأصل بعد اطلاعك على الآيات والاخبار
السالفة الا انا نذكر نبذا من الاخبار غيرها تأكيدا وتشييدا، ففي نهج البلاغة عن
أمير المؤمنين (ع) انه قال في ذم اختلاف الفتيا (2): ترد على أحدهم القضية في حكم من
الاحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم
تجتمع القضاة بذلك عند امامهم الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا وإلههم واحد
ونبيهم واحد وكتابهم واحد فأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه
فعصوه؟ أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه؟! أم كانوا شركاء له فلهم
ان يقولوا وعليه ان يرضى؟! أم انزل الله دينا تاما فقصر الرسول (ص) عن تبليغه وأدائه؟!
والله سبحانه يقول: ما فرطنا في الكتاب من شئ، وفيه تبيان لكل شئ، وذكر ان الكتاب
يصدق بعضه بعضا وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه
اختلافا كثيرا، وان القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف

1 - عنوان هذا الأصل ملخص مما ذكره الأمين الاسترآبادي (ره) في الفوائد المدنية
(انظر ص 94 من النسخة المطبوعة).
2 - مأخوذ من الفوائد المدنية (انظر ص 94) ومذكور في باب الخطب من نهج البلاغة
(ص 120 من الطبعة الأولى من شرح ابن ميثم).
109

الظلمات الا به (1). وفيه عنه (ع): اعلموا (2) عباد الله ان المؤمن يستحل العام ما استحل
عاما أول ويحرم العام ما حرم عاما أول، وان ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئا مما حرم
عليكم ولكن الحلال ما أحل الله والحرام ما حرم الله. وفيه عنه (ع) في صفة من يتصدى
للحكم بين الأمة وليس لذلك باهل (3): ان أبغض الناس إلى الله رجلان رجل وكله الله
إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة فهو فتنة لمن افتتن
به ضال عن هدى من كان قبله مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمال خطايا
غيره، رهن بخطيئته، ورجل قمش جهلا موضع في جهال الأمة غان (4) في أغباش الفتنة
عم بما في عقد الهدنة قد سماه أشباه الناس عالما وليس به، بكر فاستكثر من جمع ما قل منه
خير مما كثر حتى إذا ارتوى من ماء آجن فاستكثر من غير طائل، جلس بين الناس قاضيا ضامنا
لتخليص ما التبس على غيره، فان نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع
به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدرى أصاب أم أخطأ، ان أصاب خاف

1 - قال الأمين الاسترآبادي (ره) بعد نقله (ص 94 من الفوائد المدنية):
" وأقول: المقدمتان القائلتان بان كل ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة نزل في
القرآن وبأنه لا اختلاف فيما نزل فيه تستلزمان ان يكون كل من أفتى بحكمين مختلفين من
غير ابتناء أحدهما على التقية مصداقا لقوله تعالى: ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم
الكافرون ثم أقول: الكافر جاء بخمسة معان في كتاب الله تعالى وتلك المعاني وما هو المراد
منها تستفاد ان من أحاديث كثيرة منها ما (فخاض في ذكر الأحاديث الدالة على الأقسام
الخمسة).
2 - هو من خطبة له (ع) مذكورة في النهج (ص 514 ج 2 شرح ابن أبي الحديد من
طبعة مصر).
3 - مأخوذ من الفوائد المدنية (انظر ص 97) ومنقول في نهج البلاغة (شرح ابن أبي -
الحديد ص 94 ج 1 من طبعة مصر).
4 - قال في الوافي: " غان بالغين المعجمة والنون من غنى بالكسر أقام، وغاش اي
مقيم في ظلماتها (إلى آخر ما قال).
110

ان يكون قد أخطأ وان أخطأ رجا ان يكون قد أصاب، جاهل خباط جهالات، عاش ركاب
عشوات، لم يعض على العلم بضرس قاطع، يذري الروايات اذراء الريح الهشيم، لا ملئ
والله باصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما فوض إليه، لا يحسب العلم في شئ مما أنكره، ولا يرى أن
وراء ما بلغ منه مذهبا لغيره، وان أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور
قضائه الدماء، وتعج منه المواريث، الحديث (1)، ورواه في الكافي أيضا بأدنى اختلاف في اللفظ (2)
وفي آخره: يستحل بقضائه الفرج الحرام ويحرم بقضائه الفرج الحلال، لا ملئ (3) باصدار ما
عليه ورد، ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق. وفي الكافي باسناده عن أبي بصير (4)
قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة نبيه فننظر
فيها؟ - فقال: لا، أما انك ان أصبت لم توجر، وان أخطأت كذبت على الله عز وجل. وفي
التهذيب (5) بسنده عن أبي جعفر (ع) قال: قال علي (ع): لو قضيت بين رجلين بقضية ثم
عادا إلى من قابل لم أزدهما على القول الأول، لان الحق لا يتغير. وفيه (6) عن زرارة

1 - يشير به إلى ذيل الحديث وهو " إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالا ويموتون
ضلالا، ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا
من الكتاب إذا حرف عن مواضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر ".
2 - نقله في الوافي في باب البدع والرأي والمقائيس عن الكافي وأورد له بيانا
مبسوطا فمن اراده فليطلبه من هناك (ج 1 ص 46 من الطبعة الثانية).
3 - قال في الوافي في بيانه: " الملئ بالهمزة الثقة الغني أي ليس له من العلم والثقة
قدر ما يمكنه ان يصدر عنه انحلال ما ورد عليه من الاشكالات والشبهات ".
4 - أخذه من الفوائد المدنية (عن ص 101) ونقله عن الكافي في الوافي (ج 1، ص 46).
5 - قال بعد نقله في الوافي (ج 1 ص 48): " بيان هذا الخبر أيضا صريح في بطلان
الاجتهاد والقول بالرأي ".
6 - اخذه المصنف (ره) من الفوائد المدنية فهو فيه كما نقل هنا (انظر ص 103) لكن
صرح الأمين (ره) بأنه نقله عن باب البدع والرأي والمقائيس من الكافي وللحديث هناك ذيل
وهو: " وقال قال علي (ع): ما ابتدع أحد بدعة الا ترك بها سنة " قال المصنف (ره) بعد
نقله في الوافي (ج 1 ص 48 من الطبعة الثانية):
" بيان - يعني ان الاحكام التي بقيت عنه (صلعم) بعد ما نسخ منها مستمرة إلى يوم -
القيامة لا يعارضها نسخ ولا اجتهاد ولا يبطله رأي ولا قياس، رد بذلك على أصحاب الرأي
والاجتهاد، فان آراءهم تتغير وكأنه (ع) أشار بنقل كلام أمير المؤمنين (ع) ههنا إلى أن الحكم
بالرأي والعمل به بدعة وانه مستلزم لترك السنة، وانما كان كل بدعة مستلزمة لترك سنة لقيامها
مقامها، ولأن من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه ".
111

قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الحلال والحرام فقال: حلال محمد (ص) حلال ابدا إلى يوم
القيامة، وحرامه حرام ابدا إلى يوم القيامة، ولا يكون غيره ولا يجئ غيره. وفي الفقيه (1)
قال الصادق (ع): الحكم حكمان حكم الله عز وجل وحكم أهل الجاهلية فمن أخطأ حكم الله
حكم بحكم أهل الجاهلية، ومن حكم بدرهمين بغير ما أنزل الله فقد كفر بالله تعالى. وفي الكافي
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول (2): من حكم بدرهمين بغير ما أنزل الله فهو
كافر بالله العظيم. وفيه عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول (3): أي قاض
قضى بين اثنين فأخطأ سقط أبعد من السماء. وفيه أنه (ع) قال لابن أبي ليلى (4): أنت ابن
أبي ليلى قاضي المسلمين؟ - قال: نعم، قال: فبأي شئ تقضي؟ - قال: بما بلغني عن رسول
الله (ص) وعن علي وعن أبي بكر وعمر، قال: فبلغك عن رسول الله (ص) انه قال: ان
عليا أقضاكم؟ - قال: نعم، قال: كيف تقضى بغير قضاء علي وقد بلغك هذا؟! فما تقول
إذا جئ بأرض من فضة وسماء من فضة ثم أخذ رسول الله (ص) بيدك وأوقفك بين
يدي ربك فقال: يا رب ان هذا قضى بغير ما قضيت؟ - قال: فاصفر وجه ابن أبي ليلى
حتى عاد مثل الزعفران ثم قال: التمس لنفسك زميلا والله لا أكلمك من
نفسي كلمة أبدا. وباسناده الحسن عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كان أبو عبد الله (ع)

1 و 2 - مأخوذان من الفوائد المدنية الا انه لم يذكر السند في الثاني (انظر ص 99).
3 - اخذه عن الفوائد المدنية بحذف السند (انظر ص 99).
4 - اخذه عن الفوائد وصدره فيه (ص 99) هكذا نقلا عن باب من حكم بغير ما
انزل الله عز وجل من كتاب الكافي: " عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن
الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن داود بن فرقد قال حدثني رجل عن سعيد بن أبي -
الخضيب البجلي قال: كنت مع ابن أبي ليلى مزاملة حتى جئنا إلى المدينة فبينا نحن في مسجد
الرسول (ص) إذ دخل جعفر بن محمد (ع) فقلت لابن أبي ليلى: تقدم [تقوم خ ل] بنا إليه؟ - فقال: وما
نصنع عنده؟ - فقلت: نسائله ونحدثه، فقال: قم فقمنا إليه فسألني عن نفسي وأهلي ثم قال:
من هذا معك؟ - فقلت: ابن أبي ليلى قاضي المسلمين؟ - قال: نعم قال: تأخذ مال هذا فتعطيه
هذا، وتقتل هذا، وتفرق بين المرء وزوجه لا تخاف في ذلك أحدا؟ - قال: نعم قال: فبأي شئ
تقضي (خ ل: " تفتي ")؟ - " فذكر الحديث إلى آخره كما في المتن.
112

قاعدا في حلقة ربيعة الرأي فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه فلما سكت
قال له الأعرابي: هو في عنقك؟ - فسكت ربيعة، فقال أبو عبد الله (ع): هو في عنقه قال أولم يقل،
وكل مفت ضامن. وفي الصحيح عن أبي عبيدة (1) قال: قال أبو جعفر (ع): من أفتى
الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل
بفتياه. وعن مفضل بن يزيد قال (2): قال أبو عبد الله (ع): أنهاك عن خصلتين فيهما هلك
الرجال، أنهاك ان تدين الله بالباطل، وتفتي الناس بما لا تعلم. وفى الموثق عن أبي بصير عن أبي -
عبد الله (ع) قال (3): قلت له: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله؟ - فقال: أما والله

1 و 2 - أخذهما من الفوائد المدنية (انظر ص 100).
3 - قال بعد نقله مسندا في الوافي في باب التقليد (انظر ج 1 من الطبعة الثانية ص 44):
" بيان - هذا الخبر أورده مرة أخرى في باب الشرك عن العدة عن البرقي عن أبيه عن عبد الله بن
يحيى، والظاهر أن ابن يحيى هذا هو الكاهلي، والأحبار العلماء والرهبان العباد، ومعنى
الحديث ان من أطاع أحدا فيما يأمره به خلاف ما امر الله تعالى به فقد اتخذه ربا وعبده من حيث لا يشعر،
ومما يدل على ذلك من القرآن المجيد قوله سبحانه: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه
وقوله عز وجل: ألم أعهد إليكم يا بني آدم ان لا تعبدوا الشيطان، وذلك لان العبادة عبارة
عن الطاعة والانقياد وفي هذا الحديث دلالة واضحة على عدم جواز تقليد المجتهدين
في الاحكام بآرائهم كما هو الشائع الذائع إلى اليوم حتى بين أصحابنا فضلا
عن العامة وليت شعري كيف يجيبون عن ذلك الا من أفتى بمحكمات القرآن والحديث فان
اتباع قوله حينئذ ليس بتقليد له بل تقليد لمن فرض الله طاعته وحكم بحكم الله عز وجل " ونقله
في باب وجوه الشرك (ج 1 ص 298) وقال بعده: " بيان - هذا الخبر قد مضى مرة أخرى في باب
التقليد (إلى آخر ما قال) ".
113

ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم
حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون. وفي الحسن عن بريد بن معاوية قال (
) تلا أبو جعفر (ع)
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فان خفتم تنازعا في أمر فارجعوه إلى الله والى
الرسول (ص) والى اولي الامر منكم ثم قال: كيف يأمر بطاعتهم ويرخص في منازعتهم؟! انما
قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول.

1 - قال المصنف (ره) في الوافي في باب انهم عليهم السلام أهل الأمانات التي ذكرها
الله تعالى (ج 1 من الطبعة الثانية ص 193): " كا - الاثنان عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن
ابن أذينة عن العجلي قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله تعالى: ان الله يأمركم ان تؤدوا
الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل؟ - فقال (ع): إيانا عنى، ان يؤدى
الأول إلى الامام الذي بعده الكتب والعلم والسلام وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا
بالعدل الذي في أيديكم ثم قال للناس: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي
الامر منكم، إيانا عنى خاصة، امر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا فان خفتم تنازعا في
امر فردوه إلى الله تعالى والى الرسول والى اولي الامر منكم، كذا نزلت وكيف يأمرهم الله تعالى
بطاعة ولاة الامر ويرخص في منازعتهم؟! انما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم بيان - رد (ع) بكلامه في آخر الحديث على المخالفين
حيث قالوا: معنى قوله سبحانه وتعالى فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول فان اختلفتم
أنتم وأولوا الامر منكم في شئ من أمور الدين فارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة وجه الرد انه
كيف يجوز الامر بإطاعة قوم مع الرخصة في منازعتهم؟ - فقال (ع): ان المخاطبين بالتنازع ليسوا
الا المأمورين بالإطاعة خاصة وان أولي الأمر داخلون في المردود إليهم ".
114

فصل
أقول: فالحديث الذي رواه العامة: ان من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد
فأخطأ فله اجر واحد، ان صح فهو محمول على الاجتهاد في العمليات اي متعلقات أحكام -
الله تعالى ورد الفروع إلى الأصول المأخوذة عن أهل البيت عليهم السلام لأجل العمل كما
ذكرناها في الأصل الخامس والسادس دون نفس أحكام الله تعالى في الواقع مطلقا، فان كان
مراد المتأخرين من أصحابنا بالاجتهاد ما قلنا فحكمهم بعدم إثم المجتهد في خطائه حق والا
فهذه الأخبار حجة عليهم.
واستدل المحقق (ره) على وضع الاثم عن المجتهد في خطائه بوجوه (1):
أحدها - انه مع استفراغ الوسع يتحقق العذر.
الثاني - ان الأحكام الشرعية تابعة للمصالح فجاز ان تختلف بالنسبة إلى المجتهدين
كاستقبال القبلة فإنه يلزم كل من غلب على ظنه ان القبلة في جهة ان يستقبل تلك
الجهة إذا لم يكن له طريق إلى العلم، ويمكن ان يكون فرض المكلف مع الظفر بالحق أمر، ومع
عدمه أمر آخر.
والثالث - انا نجد الفرقة المحقة مختلفة في الأحكام الشرعية اختلافا شديدا
حتى يفتي الواحد منهم بالشئ ويرجع منه إلى غيره فلو لم يرتفع الاثم لعمهم الفسق وشملهم الاثم.

1 - أخذه ملخصا من عبارة المحقق (ره) وهي مذكورة في معارج الأصول في الباب الثالث
الذي في الاجتهاد تحت عنوان " المسألة الثالثة " (انظر ص 120 - 119 من النسخة المطبوعة
بطهران سنة 1310).
ونقل العبارة بنص عبارة المحقق (ره) في المعارج الأمين الاسترآبادي (ره) في الفوائد
المدنية في الفصل الثامن تحت عنوان " اما السؤال الثالث " وهو من الأسئلة التي تتجه على
ما استفاده وقرره من كلام الأئمة عليهم السلام وأجاب عما استدل به المحقق ره) على مدعاه
فمن اراده فليراجع الفوائد المدنية (انظر ص 159 - 156).
115

هذا حاصل ما قاله، والجواب عن الأولين أنهما مختصان بالعمليات ولا كلام فيها،
وعن الثالث ان الاختلاف ان كان بسبب اختلاف الاخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام
أو اختلاف طرق رد الفروع إلى أصولهم فذلك موضوع عنهم ومخصوص بالاعمال كما بيناه،
وان كان لغير ذلك من الأصول والاعتبارات الظنية التي وضعوها أو أخذوها من غيرهم
فذلك لا نظنه لقدماء الأصحاب لأنهم كانوا أصحاب النص وأما المتأخرون فلعل الله
يعذرهم في ذلك (1) ان كانوا غير مقصرين في تتبع مثل هذه الأخبار فكل ما غلب الله على
العبد فالله أولى بالعذر وقد روى عن الصادق عليه السلام انه قال (2): لا تحل الفتيا لمن

1 - أخذه المصنف (ره) من الأمين الاسترآبادي (ره) فان له كلاما نافعا ذكره في ضمن
الجواب عن الوجه الأول عن وجوه استدلال المحقق (ره) وهو " والوجه الأول أيضا مردود لان
خلاصته جارية فيمن كان في زمن الفترة واستفرغ وسعه وعمل بخلاف الشريعة فإنه معذور
كما تواترت به الاخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام مع أنه عمل بخلاف الشريعة والحل
ان يقال: كونهم معذورين أعم من كون فعلهم مشروعا لجواز ان يكون سبب كونهم معذورين
غفلتهم عن بعض القواعد الشرعية وحاصل النقض والحل ان المعذورية قسمان (إلى أن قال)
وأقول: يمكن ان يقال: الجماعة التي وقع منهم القسم الثاني من الاختلاف وهم جماعة
قليلة نشأوا في زمن الغيبة الكبرى أولهم الأقدمان ابن الجنيد وابن أبي عقيل فيما أظن، ثم بعدهما
نسج على منوالهما الشيخ المفيد ثم ابن إدريس الحلي ثم العلامة الحلي، ثم من وافقه من المتأخرين
معذورون من جهة غفلتهم عن أن سلوك طريقة الاستنباطات الظنية مناقض لما هو من ضروريات
مذهبنا (إلى آخر كلامه) ".
ولهذا الكلام أيضا نظير في كتابه ذكره في مورد آخر لا حاجة إلى ذكره هنا.
2 - قوله (ره) " وقد روى عن الصادق عليه السلام " إشارة إلى مأخذ الحديث وهو كتاب
مصباح الشريعة المنسوب إلى الصادق (ع) والعبارة عبارة الباب الثالث والتسعين من الكتاب
المذكور المعنون بباب في الفتيا وصرح المصنف (ره) بالمأخذ في كتابه الموسوم بالمحجة البيضاء
في احياء الاحياء فإنه قال في كتاب العلم (انظر المجلد الأول من طبعة مكتبة الصدوق، ص 147 -
148) ونص عبارته (ره) فيه " وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام انه قال: لا تحل الفتيا لمن
لا يستفتى (إلى قوله: ان قدر " ونقله المجلسي (ره) في باب النهي عن القول بغير علم من المجلد
الأول من البحار (ص 101 من طبعة امين الضرب) والمحدث النوري (ره) في مستدرك الوسائل
في باب نوادر ما يتعلق بأبواب صفات القاضي (ج 3 ص 194) وهو مذكور في النسخ المطبوعة
من مصباح الشريعة في الباب الثالث والستين فراجع ان شئت وان شئت، فراجع شرح عبد الرزاق
الجيلاني لمصباح الشريعة (ص 67 - 72 من طبعة دانشگاه تهران في سنة 1344).
116

لا يستفتى من الله بصفاء سره وإخلاص عمله وعلانيته وبرهان من ربه في كل حال لان
من أفتى فقد حكم، والحكم لا يصح الا باذن من الله وبرهانه، ومن حكم بالخبر بلا معاينة (1) فهو
جاهل مأخوذ بجهله ومأثوم بحكمه، قال النبي (ص): أجرأكم بالفتيا أجرأكم على الله عز وجل،
أو لا يعلم المفتي انه هو الذي يدخل بين الله وبين عباده وهو الحائل بين الجنة والنار، قال سفيان بن
عيينة: كيف ينتفع بعلمي غيري وانا قد حرمت نفسي نفعها؟! ولا تحل الفتيا في الحلال والحرام
بين الخلق الا لمن كان أتبع الخلق من أهل زمانه وناحيته وبلده بالنبي. قال (ص):
وذلك لربما ولعل ولعسى لان الفتيا عظيمة. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
لقاض: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ - قال: لا، قال: فهل أشرفت على مراد الله عز وجل
في أمثال القرآن؟ - قال: لا، قال: إذا هلكت وأهلكت. والمفتى يحتاج إلى معرفة معاني القرآن
وحقائق السنن وبواطن الإشارات والآداب والاجماع والاختلاف والاطلاع على أصول
ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه، ثم إلى حسن الاختيار ثم العمل الصالح ثم الحكمة ثم التقوى
ثم حينئذ ان قدر.
(انتهى كلامه عليه السلام).
والظاهر أن هذه الشرائط انما تعتبر في المفتى المحقق دون المقلد، ويأتي تحقيق القسمين
في الأصل العاشر إن شاء الله.

1 - قال المجلسي (ره) في البحار: " بيان - قوله: " ومن حكم بالخبر بلا معاينة " اي
بلا علم بمعنى الخبر ووجه صدوره وكيفية الجمع بينه وبين غيره ".
117

الأصل الثامن
انه لا يجوز التعويل على الظن في الاعتقادات، ولا الافتاء عليه في العمليات كما عرفت
سواء حصل ذلك الظن بمجرد اتباع الهوى واستحسان العقل والقياس الفقهي أو
اجتهاد الرأي أو الشهرة أو اتفاق الجماعة أو البراءة الأصلية أو استصحاب الحال أو غير
ذلك من وجوه الاستنباطات الا ما صح عن أهل البيت عليهم السلام بأحد الاصطلاحين
وكانت دلالته صريحة أو ظاهرة مع اعتضاده بالعقل الصحيح الذي يكون لصاحب القوة
القدسية فان الشرع (1) لن يتبين الا بالعقل، والعقل لن يهتدى الا بالشرع، والعقل كالأس

1 - فليعلم ان المصنف (ره) أخذ هذا الكلام إلى قوله: عند فقد النور " عن غيره
وصرح بذلك في سائر كتبه كما قال في علم اليقين في أصول الدين (ص 171 من النسخة
المطبوعة بطهران 1312): " فصل - قال بعض الفضلاء: اعلم أن العقل لن يهتدى الا
بالشرع، والشرع لن يتبين الا بالعقل (وساق الكلام إلى قوله) عند فقد النور " وقال في مقدمة
كتاب عين اليقين المطبوع منضما بنسخة علم اليقين المطبوع المشار إليه آنفا (ص 242):
" في تظاهر العقل والشرع ولنقتصر فيه على كلام بعض الفضلاء فإنه كاف في هذا
المقام قال: اعلم أن العقل لن يهتدى (وساق الكلام إلى آخره) " وقال في المحجة البيضاء
في احياء الاحياء في كتاب قواعد العقائد وهو الكتاب الثاني من ربع العبادات (ص 188 - 187
ج 1 من طبعة مكتبة الصدوق) ما نصه " الباب الأول في طريق التخلص عن مضائق بدع أهل الأهواء
بمتابعة الكتاب والسنة واقتفاء أئمة الهدى صلوات الله عليهم قال بعض الفضلاء: اعلم أن
العقل لن يهتدى (إلى آخر ما قال).
وللكلام ذيل نقله في الكتب الثلاثة في الموارد المشار إليها
متصلا بما مر وهو:
" واعلم أن العقل بنفسه قليل الغناء لا يكاد يتوصل به الا إلى معرفة كليات الشئ
دون جزئياته نحو ان يعلم جملة حسن اعتقاد الحق وقول الصدق وتعاطى الجميل وحسن
استعمال المعدلة وملازمة العفة ونحو ذلك من غير أن يعرف ذلك في شئ شئ والشرع
يعرف كليات الشئ (في تفصيل النشأتين: الأشياء) وجزئياته ويبين ما الذي يجب
ان يعتقد في شئ شئ، وما الذي هو معدلة في شئ شئ، ولا يعرف العقل مثلا ان لحم الخنزير
والخمر محرمة، وانه يجب ان يتحاشى من تناول الطعام في وقت معلوم، وان لا تنكح ذوات
المحارم، وان لا تجامع المرأة في حال الحيض، فان أشباه ذلك لا سبيل إليها الا بالشرع فالشرع
نظام الاعتقادات الصحيحة والافعال المستقيمة والدال على مصالح الدنيا والآخرة، من عدل
عنه فقد ضل سواء السبيل، ولأجل ان لا سبيل للعقل إلى معرفة ذلك قال تعالى: وما كنا معذبين
حتى نبعث رسولا، وقال: ولو انا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا
فنتبع آياتك من قبل ان نذل ونخزى، والى العقل والشرع أشار بالفضل والرحمة بقوله: ولولا
فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا، وعنى بالقليل المصطفين الأخيار (انتهى
كلامه) ".
أقول: بعد أن كتبت هذه الحاشية ويئست عن الظفر باسم صاحب الكلام بعد الفحص عنه أمتن
الله تعالى علي بالفوز بهذا المطلوب وذلك اني كنت أطالع تفصيل النشأتين وتحصيل
السعادتين للراغب الأصبهاني فإذا هذا الكلام فيه وعبارته (ره) فيه هكذا: " الباب الثامن
عشر في تظاهر العقل والشرع وافتقار أحدهما إلى الاخر، اعلم أن العقل لن يهتدى الا بالشرع (فذكر
الكلام من دون تغيير فيه إلى آخره وهو قوله) وعنى بالقليل المصطفين الأخيار " انظر ص
51 - 50 من النسخة المطبوعة بمطبعة العرفان سنة 1376).
118

والشرع كالبناء ولم يثبت بناء ما لم يكن أس، ولم يغن أس ما لم يكن بناء، وأيضا العقل
كالبصر والشرع كالشعاع ولن ينفع البصر ما لم يكن شعاع من خارج ولن يغني الشعاع
ما لم يكن بصر، فلهذا قال تعالى: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع
رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه (1) وأيضا فالعقل كالسراج
والشرع كالزيت الذي يمده فما لم يكن زيت لم يشعل السراج، وما لم يكن سراج لم تضئ

1 - ذيل آية 15 وصدر آية 16 سورة المائدة.
119

الزيت، وعلى هذا نبه بقوله تعالى (1): الله نور السماوات والأرض مثل نوره (إلى قوله)
نور على نور، وأيضا فالشرع عقل من خارج والعقل شرع من داخل وهما يتعاضدان
بل يتحدان، ولكون الشرع عقلا من خارج سلب الله اسم العقل من الكافر في غير موضع
من القرآن نحو: صم بكم عمي فهم لا يعقلون (2)، ولكون العقل شرعا من داخل قال تعالى
في صفة العقل: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم (3) فسمى
العقل دينا، ولكونهما متحدين قال: نور على نور وقال (4): يهدي الله لنوره من يشاء، فجعلهما
نورا واحدا، فالعقل إذا فقد الشرع عجز من أكثر الأمور كما تعجز العين عند فقد النور. وعن
أمير المؤمنين (ع) انه قال (5):
العقل عقلان مطبوع ومسموع
ولا ينفع المسموع ما لم يكن مطبوع
كما لا ينفع نور الشمس ونور العين ممنوع
فقد ظهر من هذا انه لا طريق إلى العلم بالأحكام الشرعية المختلف فيها في زمان -
الغيبة الا لذي العقل الصحيح الكامل صاحب القوة القدسية بعد أخذها من أصولها
المحكمة من الكتاب والسنة الثابتة وأخبار أهل البيت المسموعة عنهم عليهم السلام بواسطة

1 - صدر آية 25 سورة النور.
2 - آية 18 سورة البقرة.
3 - من آية 30 سورة الروم.
4 - ذيل آية 25 سورة النور.
5 - قال في الكتب الثلاثة بعد الكلام المشار إليه ما نصه:
" ويصدقه ما روى عن أمير المؤمنين (ع): العقل (إلى آخره) وليعلم ان أصحاب العقل
قليل جدا كما قال الله تعالى ولكن أكثرهم لا يعلمون ولكن أكثرهم لا يفقهون، أم تحسب
ان أكثرهم يسمعون أو يعقلون، ان هم الا كالانعام بل هم أضل سبيلا، وان من لم يهتد لنور -
الشرع ولم يطابقه عقله فليس من ذوي العقول في شئ، وان العقل فضل من الله نور كما أن
الشرع رحمة منه وهدى، وان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ويهدي الله لنوره من يشاء، ومن
لم يجعل الله له نورا فما له من نور، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ".
120

أو بدونها والناس انما هلكوا فيما هلكوا لتركهم ذلك واتباع آرائهم قال الله عز وجل:
أتقولون على الله ما لا تعلمون (1). وقال (2): ولا تقف ما ليس لك به علم. وقال (3): قل: أرأيتم
ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله أذن لكم أم على الله تفترون؟
وقال (4): ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب: هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب.
وقال (5): ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله الا الحق. وقال (6): ان الظن
لا يغني من الحق شيئا. وقال (7): ان هم الا يظنون. وقال (8): ولو تقول علينا بعض
الأقاويل * لاخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين، إلى غير ذلك من الآيات.
واما الاخبار في ذلك فهي أكثر من أن تحصى وقد تجاوزت حد التواتر، ولنشر
إلى جملة منها للتنبيه، فمنها ما ذكرناه في الأصول السالفة مما دل على ذلك وسيما الأصل
الثاني من حديث ابن شبرمة (9) والرسالة الصادقية (10) وغيرهما، وفي الأصل السابع من
حديث ذم اختلاف الفتيا (11) وحديث من تصدى للحكم وليس له بأهل (12) خصوصا
قوله (ع): لا يدري أصاب أم أخطأ (إلى قوله) ولم يعض على العلم بضرس قاطع، إلى
غير ذلك. ومنه ما قاله أمير المؤمنين (ع) أيضا في أثناء كلام له (13): وآخر قد تسمى عالما
وليس به فاقتبس جهائل من جهال وأضاليل من ضلال ونصب للناس اشراكا من حبال -
غرور وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم
ويهون كبير الجرائم، يقول: أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول: أعتزل البدع وبينهما
اضطجع، فالصورة صورة إنسان والقلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ولا باب -

1 - ذيل آية 28 سورة الأعراف و 68 سورة يونس. 2 - صدر آية 36 سورة الإسراء. 3 - آية 59 سورة يونس. 4 - صدر آية 116 سورة النحل.
5 - من آية 169 سورة الأعراف. 6 - من آية 36 سورة يونس.
7 - ذيل آية 24 سورة الجاثية. 8 - آية 44 و 45 و 46 سورة الحاقة.
9 - انظر ص 23. 10 - انظر ص 24. 11 - انظر ص 109. 12 - انظر ص 110.
13 - نقله الرضي (ره) في نهج البلاغة في باب الخطب، انظر ص 60 من طبعة طهران.
121

العمى فيصد عنه، فذلك ميت الاحياء، فأين تذهبون؟ وأنى تؤفكون؟ والاعلام قائمة،
والآيات واضحة، والمنار منصوبة، فأين تياه بكم؟ بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم؟ وهم
أزمة الحق وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورد الهيم العطاش،
أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين (ص) انه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلى
من بلى منا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون فان أكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من
لا حجة لكم عليه وانا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر، قد ركزت
فيكم راية الايمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام وألبستكم العافية من عدلي، وفرشت
لكم المعروف من قولي وفعلي، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي، فلا تستعملوا الرأي فيما
لا يدرك قعره البصر ولا يتغلغل إليه الفكر. ومنه كلامه عليه السلام في خطبة له (1): ما كل
ذي قلب بلبيب ولا كل ذي ناظر ببصير، فيا عجبا ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على
اختلاف حججها في دينها، لا يقتفون اثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغيب
ولا يعفون عن عيب، يعملون في الشبهات ويسيرون في الشهوات، المعروف عندهم ما عرفوا،
والمنكر عندهم ما أنكروا، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم وتعويلهم في المبهمات على آرائهم،
كأن كل امرئ منهم امام نفسه، فقد أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات.
ومنه كلامه (ع) في وصيته لابنه الحسن (ع): دع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما
لم تكلف (2)، الحديث. وفي تفسير أبي محمد العسكري (ع) عن أمير المؤمنين (ع): انه قال (3):

1 - انظر نهج البلاغة من طبعة تبريز ص 62 - 61.
2 - انظر أوائل تلك الوصية المشهورة (نهج البلاغة طبعة تبريز ص 223).
3 - نقله العلامة المجلسي (ره) في المجلد الأول من البحار في باب من يجوز اخذ العلم منه
ومن لا يجوز " (ص 90 - 91 من طبعة امين الضرب) بهذه العبارة: " قال أبو محمد العسكري (ع)
إلى أن قال: وقال أمير المؤمنين (ع): يا معشر شيعتنا والمنتحلين (الحديث) " قائلا بعده:
" بيان - قوله (ع): المنتحلين مودتنا فيه تعريض بهم إذ الانتحال ادعاء امر من غير الاتصاف
به حقيقة ويحتمل ان يكون المراد الذين اتخذوا مودتنا نحلتهم ودينهم. قوله (ع): تفلتت
منهم الأحاديث اي فات وذهب منهم حفظ الأحاديث وأعجزهم ضبط السنة فلم يقدروا
عليه. قوله (ع): فاتخذوا عباد الله خولا قال الجرزي: في حديث أبي هريرة إذا بلغ بنو أبي العاص
ثلاثين كان عباد الله خولا اي خدما وعبيدا يعني انهم يستخدمونهم ويستعبدونهم. قوله (ع):
وماله دولا اي يتداولونه بينهم. وقوله (ع): أشباه الكلاب نعت للخلق. قوله (ع): وتمثلوا
اي تشبهوا بهم وادعوا منزلتهم. قوله (ع): فأنفوا اي تكبروا واستنكفوا ".
122

يا معشر شيعتنا والمنتحلين ولآياتنا (1) إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن تفلتت
منهم الأحاديث ان يحفظوها، وأعيتهم السنة ان يعوها، فاتخذوا عباد الله خولا
وماله دولا، فذلت لهم الرقاب، وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب، ونازعوا الحق وأهله،
وتمثلوا بالأئمة الصادقين وهم من الجهال الكفار الملاعين، فسئلوا عما لا يعلمون فأنفوا
ان يعترفوا بأنهم لا يعلمون، فعارضوا الدين بآرائهم وضلوا فأضلوا، اما لو كان الدين
بالقياس لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهما. وفي كتاب المحاسن في باب -
المقائيس والرأي عنه عن أبيه عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) في رسالته إلى أصحاب الرأي
والمقائيس (2) اما بعد فإنه من دعا غيره إلى دينه بالارتياء والمقائيس لم ينصف ولم يصب
حظه لان المدعو إلى ذلك لا يخلو أيضا من الارتياء والمقائيس، ومتى ما لم يكن بالداعي

1 - في البحار: " مودتنا " في موضع: " ولآياتنا ".
2 - انظر باب المقائيس والرأي وهو الباب السابع من كتاب مصابيح الظلم من المحاسن
ونص العبارة فيه (ص 210 - 209 من طبعة طهران): " عنه (اي أحمد بن أبي عبد الله البرقي
المكنى بابي جعفر) عن أبيه عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) في رسالته إلى أصحاب الرأي والقياس
اما بعد (الحديث) ".
ونقله المجلسي (ره) في البحار في باب البدع والرأي والمقائيس (ج 1 طبعة امين الضرب
ص 166): وقال: " بيان - جاش اي غلا، ويقال: انتجعت فلانا إذا اتيته تطلب معروفه،
ولا يخفى عليك بعد التدبر في هذا الخبر وأضرابه انهم سدوا باب العقل بعد معرفة الامام، وأمروا
بأخذ جميع الأمور منهم، ونهوا عن الاتكال على الأمور الناقصة في كل باب ".
123

قوة في دعائه على المدعو لم يؤمن على الداعي ان يحتاج إلى المدعو بعد قليل، لأنا قد رأينا
المتعلم الطالب ربما كان فائقا لمعلمه ولو بعد حين، ورأينا المعلم الداعي ربما احتاج في
رأيه إلى رأي من يدعو، وفي ذلك تحير الجاهلون وشك المرتابون وظن الظانون، ولو
كان ذلك عند الله جائزا لم يبعث الرسل بما فيه الفصل، ولم ينه عن الهزل، ولم يعب الجهل،
ولكن الناس لما سفهوا الحق وغمطوا النعمة واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله
واكتفوا بذلك دون رسله والقوام بأمره وقالوا: لا شئ الا ما أدركته عقولنا وعرفته
ألبابنا، فولاهم الله ما تولوا وأهملهم الله وخذلهم حتى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون،
ولو كان الله رضى منهم اجتهادهم وارتياءهم فيما ادعوا من ذلك لم يبعث الله إليهم فاصلا لما -
بينهم ولا زاجرا عن وصفهم، وانما استدللنا ان رضى الله غير ذلك ببعثه الرسل بالأمور
القيمة الصحيحة والتحذير عن الأمور المشكلة المفسدة ثم جعلهم أبوابه وصراطه والأدلاء
عليه بأمور محجوبة عن (1) الرأي والقياس فمن طلب ما عند الله بقياس ورأي لم يزدد من الله
الا بعدا، ولم يبعث رسولا قط وان طال عمره قابلا من الناس خلاف ما جاء به حتى يكون
متبوعا مرة وتابعا أخرى، ولم ير أيضا فيما جاء به استعمل رأيا ولا مقياسا حتى يكون
ذلك واضحا عنده كالوحي من الله، وفي ذلك دليل لكل ذي لب وحجى ان أصحاب الرأي
والقياس مخطؤن مدحضون وانما الاختلاف فيما دون الرسل لا في الرسل فإياك أيها المستمع
ان تجمع عليك خصلتين، إحداهما القذف بما جاش به صدرك واتباعك لنفسك
إلى غير قصد ولا معرفة حد، والأخرى استغناؤك عما فيه حاجتك، وتكذيبك لمن إليه
مردك، وإياك وترك الحق سأمة وملالة وانتجاعك الباطل جهلا وضلالة، لأنا لم نجد
تابعا لهواه جائرا عما ذكرناه قط رشيدا فانظر في ذلك. وفي الكافي باسناده عن أمير المؤمنين
(ع) في حديث طويل (2) ومن عمى نسى الذكر واتبع الظن وبارز خالقه قيل: المراد بالذكر

1 - في هذا الكتاب: " محجوجة على " وانما صححناه عن المحاسن والبحار.
2 - أخذه من الفوائد المدنية ونص عبارته (ص 101): " وفي باب دعائم الكفر وشعبه
علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن عمر بن أذينة عن
أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (ع) في حديث طويل: ومن
عمى نسى الذكر واتبع الظن وبارز خالقه أقول: الذكر هو القرآن والمراد نسيان قوله تعالى ان
الظن لا يغني من الحق شيئا، وقوله تعالى: فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون، ونظائر ذلك
من الآيات الشريفة ثم أقول: من المعلوم عند أولى الألباب ان مقتضى تلك الأحاديث ان كل
فتوى لم تكن جامعة للصفتين، الورود من صاحب الشريعة في الواقع والجزم بها فهي غير مرضية،
ومن المعلوم ان الفتوى المخالفة لما انزل الله إذا وردت من باب التقية لا تجري فيها خلاصة ما
يستفاد من تلك الأحاديث " فعلم أن مراد المصنف (ره) بقوله " قيل " إشارة إلى ما نقل.
124

القرآن يعني قوله تعالى ان يتبعون الا الظن ان الظن لا يغني من الحق شيئا. وفيه في
الموثق عن أبي جعفر (ع) قال: خطب أمير المؤمنين (ع) فقال (1) أيها الناس انما بدؤ
وقوع الفتن أهواء تتبع واحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولى فيها رجال رجالا، فلو ان
الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ
من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان ويجيئان معا، فهنالك استحوذ الشيطان على
أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى. وباسناده عن مسعدة بن صدقه قال حدثني
جعفر بن محمد عن أبيه ان عليا (ع) قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن
دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس (2) قال: وقال أبو جعفر (ع): من أفتى الناس برأيه

1 - نقله المصنف (ره) عن الكافي في الوافي في باب البدع والرأي والمقائيس (ج 1 من
الطبعة الثانية ص 45) وقال بعده: " بيان - التولي الاتباع، والحجى بكسر المهملة ثم الجيم
المفتوحة العقل، والضغث القبضة من الحشيش المختلط رطبه باليابس أو الحزمة منه ومما
أشبهه وهو هنا استعارة، والاستحواذ الغلبة، والمعنى ظاهر ".
أقول: هذا الحديث مروى في نهج البلاغة أيضا باختلاف يسير في اللفظ (انظر أوائل باب
الخطب، ص 39 طبعة تبريز).
2 - أورده في الوافي في باب البدع والرأي والمقائيس (ج 1 ص 47 من الطبعة الثانية)
لكن بهذا السند: " كا - على عن الاثنين قال حدثني جعفر عن أبيه ان عليا عليه السلام قال:
من نصب، وساق الحديث إلى آخر الحديث الثاني قائلا بعده: " بيان - كأنه عنى بالارتماس
الانغماس في بحر الهوى وظلمات الباطل وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن الرأي غير
القياس خلاف ما فهمه جمهور متأخري فقهائنا من الاتحاد، وليس الا اجتهاداتهم في استنباط
الاحكام من المتشابهات التي يسمونها أنفسهم رأيا ".
125

فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بمالا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم. وفي
البصائر باسناده الصحيح (1) عن أبي جعفر (ع) قال: لو حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان
قبلنا ولكنا حدثنا ببينة من ربنا، بينها لنبيه (ص) فبينها لنا، وفي الكافي ما يقرب منه. وإذا كان
الاعتماد على الرأي من أهل العصمة يؤدى إلى الضلال فكيف من غيرهم (2). وفي الكافي
باسناده عنه (ع) قال: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة وتركك حديثا
لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه (3). وباسناده عن زرارة بن أعين قال سألت أبا -

1 - اخذه المصنف (ره) من الفوائد المدنية ونص عبارته في ص 124 هكذا: " وفي كتاب
بصائر الدرجات لعمدة المحدثين محمد بن الحسن الصفار قدس سره روايات ناطقة بما نحن
بصدده في باب ان الأئمة عليهم السلام عندهم أصول العلم ورثوه عن رسول الله (صلعم)
ولا يقولون برأيهم، من تلك الجملة يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن
الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (ع) انه قال: لو حدثنا، (الحديث) ".
2 - هذا الكلام أيضا مأخوذ مما ذكره الأمين (ره) في الفوائد المدنية بعد نقل الحديث
بهذه العبارة: " أقول: إذا كان الاعتماد على الرأي اي الظن مفضيا إلى الخطأ من أصحاب -
العصمة فيكون في غيرهم بطريق أولى مفضيا إلى الخطأ والضلالة ".
3 - قال المصنف (ره) بعد نقله عن الكافي في الوافي في باب النهي عن القول بغير علم
(ج 1، ص 38): " بيان - الاقتحام في الشئ رمى النفس فيه من غير روية، والاحصاء العد،
والحفظ الإحاطة بالشئ والمعنى ان ترك رواية حديث قد أحصيته فلم تروه خير من روايتك
حديثا لم تحط به، وإذا تردد الامر بين ان تترك حديثا قد رويته ولم تحط به ولم تحفظه على
وجهه ولم تكن على يقين ومعرفة بأنه كما هو عندك وبين ان ترويه فالأولى ان لا ترويه لان
في رواية الحديث منفعة وفي رواية ما ليس بحديث على أنه حديث مفسدة، ودفع المفسدة
أهم وأولى من جلب المنفعة وفي نهج البلاغة من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام:
ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لا تكلف، وامسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فان الكف
عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال ".
126

جعفر (ع): ما حق الله على العباد؟ - قال: ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند مالا يعلمون (1)
وباسناده الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام مثله، وفي آخره: فان فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله
حقه (2) وباسناده الحسن عن محمد بن مسلم (3) قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ان قوما من
أصحابنا تفقهوا وأصابوا علما ورووا أحاديث فيرد عليهم الشئ فيقولون فيه برأيهم؟ -
فقال: لا، وهل هلك من مضى الا بهذا وأشباهه. وباسناده عنه (ع) قال (4) أنهاك عن

1 و 2 - هما في الوافي في باب النهي عن القول بغير علم (ص 38 ج 1) قائلا بعد الحديث
الأول: " بيان - ما حق الله على العباد اي فيما آتاهم من العلم واخذ عليهم من الميثاق والا
فحقوقه جل وعز عليهم كثيرة ".
3 - كذا في المتن وهو اشتباه لان العبارة ناطقة بان الحديث مأخوذ عن الكافي والحال انه
ليس فيه بل هو في المحاسن في باب المقائيس والرأي من كتاب مصابيح الظلم (انظر ص 212)
وسنده فيه هكذا: " عنه عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن حكيم
قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ان قوما من أصحابنا (الحديث) " وانما نسبه المصنف (ره) إلى محمد بن
مسلم لأنه اخذه عن الفوائد المدنية للأمين الاسترآبادي (ره) وهو في نسخة الفوائد هكذا (انظر
ص 103 من النسخة المطبوعة): " وفي كتاب المحاسن في باب المقائيس والرأي عنه عن أبيه
عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (ع): ان قوما من أصحابنا
(الحديث) " فعلم أن كلمة " حكيم " قد صحف وحرف وبدل بكلمة " مسلم ". وانما أطلت القول هنا
لأني راجعت لوجدان الحديث إلى مظانه في الوافي كرارا فلم أجده فراجعت إلى الفوائد
والمحاسن فانكشف جلية الحال بفضل الله الكريم فله الحمد على ذلك.
4 - قال المصنف (ره) بعد نقله عن الكافي في الوافي في باب النهي عن القول بغير علم
(ص 38 - 37) " بيان - تدين الله بالباطل اي تتخذ الباطل دينا بينك وبين الله تعبد به
الله جل وعز، والباطل وما لا تعلم يشملان كل ما لا يؤخذ من الله سبحانه أو أولى العلم
من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام سواء حصل بالدلائل الكلامية أو القياس أو الاجتهاد أو غير
ذلك من الاستدلال بالمتشابهات والظنيات إذ لا علم الا ما يؤخذ عن أهله كما يأتي فمن العلوم
ما لا يؤخذ الا من الله تعالى ببركة متابعة النبي (ص) وهي الاسرار الإلهية ومنها ما لا يؤخذ الا من
النبي (ص) وأوصيائه عليهم السلام وهي العلوم الشرعية ".
127

خصلتين ففيهما هلك الرجال، أنهاك ان تدين الله بالباطل، وتفتي الناس بما لا تعلم. وفيه عن
يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي الحسن الأول (ع): بما أوحد الله؟ - فقال: يا يونس
لا تكونن مبتدعا، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل، ومن ترك كتاب الله
وقول نبيه كفر (1) وفي البصائر باسناده الصحيح (2) عن أبي الحسن (ع)، قال: انما هلك
من كان قبلكم بالقياس، وان الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه حتى أكمل له جميع دينه في
حلاله وحرامه فجاءكم بما تحتاجون إليه في حياته وتستغنون به وبأهل بيته بعد موته وانه
مخفي عند أهل بيته حتى أن فيه لأرش الكف وانه ليس شئ من الحلال والحرام وجميع
ما يحتاج إليه الناس الا وجاء فيه كتاب أو سنة. وفي المحاسن عن محمد بن حكيم (3) قال

1 - قال المصنف (ره) بعد ايراده في باب البدع والرأي والمقائيس من الوافي (ج 1،
ص 46): " بيان - بما أوحد الله يعني بما استدل على التوحيد؟ - كأنه يريد الدلائل الكلامية
فنهاه عن غير السمع وهذا صريح فيما قدمناه من أنه لا علم الا ما يؤخذ عن أهله ".
2 - اخذه من الفوائد المدنية ويشير باسناده الصحيح إلى هذا السند المذكور في ذلك
الكتاب (ص 103 بهذه العبارة: " وفي كتاب بصائر الدرجات تأليف محمد بن الحسن الصفار
في فصل فيه امر الكتب: أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن محمد
بن حكيم عن أبي الحسن (ع) قال: انما هلك، الحديث " الا ان فيه بعد قوله: لأرش الكف
" وفي الكافي في باب الرد إلى الكتاب والسنة ".
3 - اخذه من الفوائد المدنية وعبارته هكذا في ص 104 " وفي كتاب المحاسن في باب
المقائيس والرأي عنه عن أبيه عن درست بن منصور عن محمد بن حكيم قال قال أبو الحسن (ع):
إذا جاءكم (الحديث) " فان شئت ان تراجع المحاسن فراجع كتاب مصابيح الظلم منه
(ص 313).
128

قال أبو الحسن (ع): إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها، ووضع يده
على فيه، فقلت: ولم ذاك، - قال: لان رسول الله (ص) أتى الناس بما اكتفوا به على عهده وما
يحتاجون إليه من بعده إلى يوم القيامة، وفي الكافي عنه (ع) مثله (1). وفي الموثق عن حمزة الطيار (2)
انه عرض على أبي عبد الله (ع) بعض خطب أبيه حتى إذا بلغ موضعا منها قال له: كف واسكت،
ثم قال أبو عبد الله (ع): لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون الا الكف عنه والتثبت والرد
إلى أئمة الهدى حتى يحكموكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه الحق
قال الله تعالى: فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. وفي الكافي في باب الضلال باسناده
عنه (ع): اما انه شر عليكم ان تقولوا بشئ ما لم تسمعوه منا (3) وباسناده عن الفضل بن

1 - يريد بقوله: " مثله " في المعنى فان في ألفاظ الحديثين اختلافا الا انه لا يغير
المعنى وقال بعد نقله عن الكافي في الوافي في باب البدع والرأي والمقائيس (ج 1، ص 47
من الطبعة الثانية): " بيان - ها حرف تنبيه، واهوى بيده إلى فيه يعني أشار بوضع اليد على
الفم إلى السكوت مطابقا لما مر من قوله (ع): ان يقولوا ما يعلمون ويكفوا عما لا يعلمون،
ولم يعن به اسألوا عني كما توهم ".
2 - قال بعد نقله عن الكافي في الوافي في باب النهي عن القول بغير علم (ص 38 من
المجلد الأول): " بيان - يحكموكم يقال: حكمت (بتشديد الكاف) وأحكمت بمعنى رددت
قاله الأزهري، وفي بعض النسخ يحملوكم، وكما أن في القرآن محكما ومتشابها ولا يعلم تأويل
متشابهه الا الله والراسخون في العلم كذلك في أحاديث أهل البيت عليهم السلام محكم ومتشابه
ولا يعلم تأويل متشابهها الا أهله، وليس لسائر الناس ان يتكلموا فيه بآرائهم ولهذا منع
عليه السلام عن ذلك وامر بالكف والتثبت اي التوقف والرد إلى أهله، والقصد من الأمور
المعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي الافراط والتفريط، والجلاء الكشف، وأهل الذكر هم
عليهم السلام، والذكر هو القرآن كما يأتي في أحاديثهم عليهم السلام ".
3 - هذه العبارة قطعة من حديث طويل ذكره المصنف (ره) في الوافي في باب وجوه
الضلال (ص 300 من المجلدة الأولى من الطبعة الثانية) وأنشئت فراجع باب الضلال من
الكافي (انظر مرآة العقول، المجلد الثاني، ص 390) والحديث نفيس جدا فلولا خوف الإطالة
لذكرته هنا فمن اراده فليراجع هناك.
129

عمر قال: قال أبو عبد الله (ع): (1) من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه إلى العناء،
ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك، وذلك الباب المأمون على
سر الله المكنون. وباسناده عمن يوثق به (2) قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول: ان الناس

1 - هو آخر حديث من باب من مات وليس له امام من أئمة الهدى (انظر ج 1 مرآة
العقول، ص 282) قال المجلسي (ره) في شرحه: " من دان الله اي عبد الله أو اعتقد أمور الدين،
بغير سماع عن صادق اي معصوم إشارة إلى قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا
مع الصادقين، والسماع أعم من أن يكون بواسطة أو غيرهما، ألزمه الله البتة في بعض النسخ
بالباء الموحدة ثم التاء المثناة الفوقانية المشددة اي قطعا قال الجوهري: يقال: ما افعله
بتة والبتة لكل امر لا رجعة فيه، ونصبه على المصدر، وفي بعض النسخ التيه بالتاء المثناة
الفوقانية ثم الياء المثناة التحتانية، والتيه بالكسر والفتح الصلف والكبر والضلال والحيرة
فهو مفعول ثان لألزمه، إلى العناء إلى بمعنى مع أو ضمن الفعل معنى الوصول ونحوه وكذا
على النسخة الأولى، والمراد بالعناء اما العذاب الأخروي أو المعنى انه لا يترتب على عمله
الا المشقة والعناء في الدنيا بلا اجر وثواب في الآخرة ولعل في الخبر هنا تصحيفا إذ روى الصفار
في البصائر باسناده عن جابر عن أبي جعفر (ع) انه قال: من دان الله بغير سماع ألزمه الله التيه
إلى يوم القيامة فلعله كان هنا أيضا كذلك فصحف (إلى آخر ما ذكره في شرح الحديث) "
وقال الأمين استرابادي (ره) بعد ايراده في الفوائد المدنية (ص 120 - 119): " قد تواترت
الاخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام بان المشرك قسمان أحدهما من قال بشريك له تعالى
في العبادة، والاخر من قال بشريك له في الطاعة بان يقلده فيما يحل وفيما يحرم، والظاهر أن
المراد في هذا المقام وفي نظائره الثاني " وصرح مثله المجلسي (ره) أيضا في شرحه فان
شئت فراجع.
2 - أورده المصنف (ره) في الوافي في باب أصناف الناس (ج 1 ص 32):
" علي بن محمد عن سهل ومحمد عن ابن عيسى جميعا عن السراد عن الشحام عن
هشام بن سالم عن أبي حمزة عن أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه ممن يوثق به قال: سمعت
أمير المؤمنين (ع) يقول: ان الناس آلوا (الحديث) قائلا بعده:
" بيان - آلوا رجعوا وصاروا، على هدى تمثيل لتمكنه من الهدى واستقراره عليه بحال
من اعتلى الشئ وركبه، من الله اي اخذ هداه وعلمه من لدنه على وجه الالهام والالقاء في
الروع كالأئمة عليهم السلام ومن يحذو حذوهم، معجب بما عنده من ظواهر الأقوال وصور
الأحاديث والمجادلات الكلامية والمغالطات الفلسفية أو الخيالات التصوفية أو الخطابات الشعرية
التي تجلب بها نفوس العوام كأعداء الأئمة وحسدتهم ومن يسير بسيرة أولئك من اي
مذهب كان، قد فتنته أضلته وأوقعته في فتنة الجاه والمال وحب الرياسة، وفتن غيره أضل غيره و
أوقعه فيما وقع فيه من المهالك لاستحسانه ما رأى منه بسبب اشتهاره بالعلم في الظاهر وان كان
باطنه مفلسا عن حقيقة العلم والحال، على سبيل هدى على طريقة سالك إليه وان لم يكن
بالفعل عليه كشيعة الأئمة المقتبسين من أنوارهم.
فان قيل: فأين الجاهل الغافل الذي ليس بمتعلم ولا ضال؟ - قلنا: المقسم من له قوة
الارتقاء إلى ملكوت السماء والذين ادركوا الخدمة والصحبة وشاهدوا الوحي والآيات دون
أهل الضرر والزمانات فإنهم بمعزل عن ذلك، هلك من ادعى اي القسم الثاني لان الحياة
الأخروية انما تكون للعالم بالفعل، وللمتعلم بالقوة، واما الجاهل المدعى فقد أبطل استعداده
لها فهو هالك خائب ".
130

آلوا بعد رسول الله (ص) إلى ثلاثة، آلوا إلى عالم على سبيل هدى من الله قد أغناه الله بما
علم عن غيره، وجاهل مدع للعلم لا علم عنده معجب بما عنده قد فتنته الدنيا وفتن غيره،
ومتعلم من عالم على سبيل هدى من الله ونجاة، ثم هلك من ادعى وخاب من افترى.
وباسناده عنه (ع) قال (1) الناس ثلاثة، عالم ومتعلم وغثاء. وفي رواية أخرى (2): يغدو

1 - قال المصنف (ره) بعد ايراده في الوافي في باب أصناف الناس عن الكافي (ج 1،
ص 32): " بيان - الغثاء بضم المعجمة والمثلثة والمد ما يحمله السيل من الزبد والوسخ،
أريد به أراذل الناس وسقطهم، والمراد بالعالم العالم بالعلم اللدني، وبالمتعلم من أخذ عنه
كما مر مرارا ".
2 - هو أيضا مأخوذ عن الكافي في الوافي في باب أصناف الناس (ج 1، ص 32).
فليعلم ان المولى محمد امين الاسترآبادي (ره) قال في الفوائد المدنية بعد ايراد هذه
الأحاديث الثلاث (ص 120):
" أقول: هذه الأحاديث صريحة في انحصار الناس في ثلاثة بعده (ص)، أصحاب العصمة
عليهم السلام، ومن التزم ان يأخذ كل مسألة يجوز فيها الخطأ عادة من العقائد والأعمال
منهم (ع)، ومن لا يكون لا هذا ولا ذاك، وصريح في أن القسم الثالث مردود فانظر وتدبر في أن
من يتمسك في الاعتقادات بالمقدمات العقلية القطعية بزعمه، وفي الأعمال بالخيالات الظنية
بزعمه كاصالة البراءة من الأحكام الشرعية وكاستصحاب الحكم السابق على الحالة الطارية
وكالعمومات والاطلاقات مع احتمال ان تكون مخصصة أو مقيدة في الواقع أو بغير ذلك من
الأدلة المفيدة بالظن بزعمه داخل في اي الأقسام الثلاثة ولا تكن من المعاندين، والتكلان
على التوفيق ".
أقول: هذا من الموارد التي أفرط (ره) فيها من الملامة على العلماء رضوان الله عليهم.
131

الناس على ثلاثة أصناف، عالم ومتعلم وغثاء، فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر -
الناس غثاء. وباسناده عنه (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) قال (ص): لا خير في العيش
الا لرجلين عالم مطاع ومستمع واع (1). وفيه وفي المحاسن باسناده (2) عن يحيى الحلبي عن
ابن مسكان عن حبيب قال: قال لنا أبو عبد الله (ع): ما أحد أحب إلى منكم، ان الناس
سلكوا سبلا شتى، منهم من أخذ بهواه، ومنهم من أخذ برأيه، وانكم أخذتم بأمر له أصل.
وفي حديث آخر لحبيب عن أبي عبد الله (ع) قال: ان الناس أخذوا هكذا وهكذا، فطائفة

1 - اخذه من الفوائد المدنية بعد حذف السند (ص 121).
2 - أخذه من الفوائد المدنية (ص 120) ونص عبارته: " في كتاب المحاسن للبرقي
(ره) في باب الأهواء عنه عن أبيه عن القاسم بن محمد الجوهري عن حبيب الخثعمي والنضر بن
سويد عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن حبيب قال: قال لنا أبو عبد الله (ع): ما أحد (الحديث) "
وقال بعده: " أقول: المراد من الهوى ان يفتي بشئ من غير أن يتمسك بدليل ظني عليه،
والمراد من الرأي ان يفتى بشئ متمسكا بدليل ظني ". وان شئت ان تراجع المحاسن فراجع
باب 23 من كتاب الصفوة (ص 156).
132

أخذوا بأهوائهم، وطائفة قالوا بآرائهم، وطائفة قالوا بالرواية وان الله هداكم لحبه
وحب من ينفعكم حبه عنده. وفي الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال (1): لا يسع الناس حتى
يسألوا ويتفقهوا ويعرفوا امامهم، ويسعهم أن يأخذوا بما يقول وان كانت تقية. وباسناده
الصحيح (2) عن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد العجلي قالوا: قال أبو عبد الله (ع) لحمران
بن أعين في شئ سأله: انما يهلك الناس لأنهم لا يسألون. وروى الكشي باسناده عن
حريز قال (3): دخلت على أبي حنيفة وعنده كتب كادت تحول بيننا وبينه فقال: هذه الكتب
كلها في الطلاق قال: قلت: نحن نجمع هذا كله في حرف، قال: ما هو؟ - قلت: قوله تعالى:
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة، فقال لي: وأنت
لا تعلم شيئا الا برواية؟ - قلت: اجل، قال لي: ما تقول في مكاتب كانت مكاتبته ألف درهم
فأدى تسعمائة وتسعة وتسعين درهما ثم أحدث يعني الزنا فكيف تحده؟ - فقلت
عندي بعينها حديث حدثني محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) ان عليا (ع) كان يضرب بالسوط
وبثلثه وبنصفه وببعضه بقدر أدائه، فقال لي: أسألك عن مسألة لا يكون فيها شئ فما تقول
في جمل أخرج من البحر؟ - فقلت: ان شاء فليكن جملا وان شاء فليكن بقرة فان كانت عليه فلوس

1 - أخذه المصنف (ره) من الفوائد المدنية بعد حذف السند (انظر ص 123).
2 - في الفوائد المدنية (ص 122): " وفي الكافي في باب سؤال العالم وتذاكره: علي بن
إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي جعفر الأحول عن أبي -
عبد الله (ع) قال: لا يسع (الحديث) وقال بعده: أقول هذا الحديث الشريف ونظائره صريحان
في أنه يجوز للرعية ان يعتمدوا على قول امامهم في العقائد أيضا كمسألة القضاء والقدر ".
3 - اخذه من الفوائد المدنية ونص عبارته (ص 122 - 121): " وفي كتاب الشيخ العالم الورع الصدوق أبي عمرو محمد بن عبد العزيز الكشي رحمه الله: محمد بن مسعود قال: حدثني
جعفر بن أحمد بن أيوب قال: حدثني العمركي قال: حدثني أحمد بن شيبة عن يحيى بن المثنى
عن علي بن الحسن وزياد عن حريز قال: دخلت (إلى آخره) ".
133

أكلناه والا فلا. وفي الكافي (1) عن أبي عبد الله (ع) قال: أبي عبد الله ان يجري الأشياء الا بالأسباب،
فجعل لكل شئ سببا، وجعل لكل سبب شرحا، وجعل لكل شرح علما، وجعل لكل
علم بابا ناطقا، عرفه من عرفه وجهله من جهله، ذلك رسول الله (ص) ونحن. وفي نهج البلاغة (2):
نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ولا تؤتي البيوت الا من أبوابها، فمن اتاها من غير بابها
سمى سارقا.
فصل
قال بعض الفضلاء (3) بعد نقل الحديث الأخير: من المعلوم انه لم يرد منهم عليهم السلام
اذن في التمسك في نفس أحكامه تعالى أو نفيها بالاستصحاب أو بالبراءة الأصلية أو
بظاهر كتاب الله أو بظاهر سنة نبيه (ص) من غير أن يعرف (4) ناسخهما ومنسوخهما وعامهما
وخاصهما ومقيدهما من مطلقهما ومؤولهما من غير مؤولهما من جهتهم عليهم السلام، فمن تمسك

1 - في الفوائد المدنية (ص 123): " وفي الكافي في باب معرفة الامام والرد إليه من
ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال: أبي عبد الله (الحديث) ".
2 - أخذه من الفوائد المدنية الا انه لخصه وهناك كذا (ص 125):
" ومن خطب أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة: وناظر قلب اللبيب به يبصر أمده
ويعرف غوره ونجده، داع دعا وراع رعى، فاستجيبوا الداعي واتبعوا الراعي، قد خاضوا بحار -
الفتن واخذوا بالبدع دون السنن، وارز المؤمنون ونطق الضالون المكذبون، نحن الشعار
(الحديث) قائلا بعده: أقول: المراد من الداعي سيد المرسلين ومن الراعي أمير المؤمنين صلى الله
عليهما وعلى أولادهما الطاهرين ".
3 - المراد من " بعض الفضلاء " الأمين الاسترآبادي (ره) فإنه قال في الفوائد المدنية
بعد ما ذكر الحديث وبعد ما نقلنا عبارته قبيل ذلك ما نصه (انظر ص 125): " وأقول:
ومن المعلوم (إلى قوله) ومنعوا عن ذلك ".
4 - في الفوائد: " من غير معرفة ".
134

بتلك الأمور كان سارقا، وهذا بعد النزل عن الأحاديث الناطقة بأنهم منعوا عن ذلك.
أقول: قد عرفت التحقيق في ذلك وأنه يجوز العمل بظواهر الكتاب والسنة والا
لم يجز بظواهر أخبار أهل البيت عليهم السلام أيضا لاشتراك العلة بعينها بينهما.
قال (1): وانما يحصل الظن في كثير من المواضع على مذهب العامة دون الخاصة
وذلك لان العامة يدعون ان كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله أظهره عند أصحابه
وما خص أحدا بتعليمه وتوفرت الدواعي على اخذه ونشره ولم يقع بعده (ص) فتنة
انتهت إلى اخفاء بعضه فعدم اطلاع صاحب الملكة المعتبرة في الاجتهاد بعد التتبع على دليل
مخرج عن البراءة الأصلية وعلى نسخ وتخصيص وتقييد وتأويل لآية وسنة يوجب ظنه
بعدم وجودها في الواقع ولذلك انعقد اجماعهم على أن عدم ظهور المدرك لحكم شرعي
مدرك شرعي لعدمه، وهذه المقدمات باطلة على مذهبنا.
ثم استدل على عدم جواز التعويل على الظن في مثله بوجوه (2):
أولها - عدم ظهور دلالة قطعية على جواز الاعتماد على الظن المتعلق بنفس
أحكامه تعالى، والتمسك فيه بالظن يشتمل على دور ظاهر، مع أنه معارض بأقوى منه
من الآيات الصريحة في النهي عن العمل بالظن والروايات الصريحة، وقياسه على الظن
في الأمور العادية والوجدانية وما ليس من أحكامه تعالى كقيم المتلفات، وأروش الجنايات،
وإضرار الصوم بالمريض، وعدد الركعات، وتعيين جهة القبلة غير معقول، مع ظهور الفارق،

1 - هو مذكور في الفوائد في ص 132 ونص عبارته فيه: " الفصل الخامس - في بيان
ان في كثير من المواضع يحصل الظن على مذهب العامة دون الخاصة أقول: الوجه في ذلك
انهم يدعون أن كل ما (إلى آخر العبارة) ".
وليعلم ان المصنف (ره) لخص العبارة في بعض الموارد من العبارة.
2 - هذا الاستدلال مذكور في ص 90 من الفوائد المدنية ونص عبارته فيه:
" الفصل الأول - في ابطال التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس احكامه تعالى وفيه
وجوه أولها - عدم ظهور (إلى آخر ما قال) " الا انه (ره) لخص كلامه في بعض الموارد.
135

فإنه يلزم الحرج البين لولا اعتباره فيها ولو اعتبرنا في احكامه تعالى لادى إلى الحروب
والفتن كما وقع بين الصحابة العدول.
قال وتوضيح المقام ان يقال: كل من قال بجواز الاستنباطات الظنية في نفس
أحكامه تعالى من محققي العامة وجمع من متأخري الخاصة اعترف بانحصار دليل جوازه
في الاجماع واعترف بأنه لولاه لما جاز للآيات والروايات (1).
ومن المعلوم (2) ان ثبوت الاجماع هنا غير مفيد للقطع وقد ورد في كلام الصادقين
عليهم السلام ان حجية الاجماع من مخترعات العامة وتواترت الاخبار عن الأئمة
الأطهار عليهم السلام بأنه لا يجوز تحصيل الحكم الشرعي بالكسب والنظر لأنه يؤدى
إلى اختلاف الآراء في الأصول والفروع فينتفي فائدة بعث الرسل وانزل الكتب.
وأيضا: كل ما يؤدى إلى الاختلاف يؤدى إلى الخطأ، قال في المعتبر (3): انك
مخبر في حال فتواك عن ربك وناطق بلسان شرعه، فما أسعدك ان أخذت بالحزم، وما
أخيبك ان بنيت على الوهم، فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى: ولا تقولوا على الله ما لا تعلمون،
وانظر إلى قوله: أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حلالا وحراما قل الله أذن

1 - أسقط المصنف (ره) ذيل العبارة وهو هذا:
" المانعة عن ذلك ففي شرح العضدي للمختصر الحاجبي في مبحث الاجماع: المتمسك
بالظن انما يثبته بالاجماع ولولاه لوجب العمل بالدلائل المانعة من اتباع الظن انتهى كلامه
ومثل هذه العبارة مذكور في التلويح للعلامة التفتازاني وقد نقلنا عن صاحب المعالم من أصحابنا
ان التعويل في الاعتماد على ظن المجتهد المطلق انما هو على دليل قطعي وهو اجماع الأمة عليه ".
2 - الكلام من هذا الموضع ملخص بتلخيص كثير فمن أراد الأصل فليراجع ص 91 من
الفوائد المدنية.
3 - أخذه المصنف (ره) من الفوائد المدنية كما صرح به في أول كلامه عند نقله إياه وان
شئت ان تراجع المعتبر فارجع إلى مقدمة الكتاب فإنه قال في الفصل الأول في خاتمة وصاياه
(ص 4 من النسخة المطبوعة سنة 1318) ما نصه: " تتمة - انك مخبر (إلى قوله) مفتر ".
136

لكم أم على الله تفترون؟! وتفطن كيف قسم مستند الحكم إلى القسمين فما لم يتحقق الاذن
فأنت مفتر.
أقول: وقد مر كلام الصادق عليه السلام أيضا في هذا الباب في أواخر الأصل السابق.
الوجه الثاني (1) - قوله تعالى: ألم يؤخذ عليكم ميثاق الكتاب ان لا تقولوا على الله
إلى الحق. وقوله عز وجل: ان الظن لا يغني من الحق شيئا. وقوله تعالى: ولا تقف
ما ليس لك به علم. وقوله تعالى: ان هم الا يظنون (2). وتخصيص تلك الآيات بأصول
الدين كما وقع من الأصوليين بناء على أن الضرورة ألجأت إلى التمسك في الفروع بالظن
اما مطلقا أو بعد النبي صلى الله عليه وآله (3) ولمن بعد عنه في زمانه كما زعمه آخرون خيال
ضعيف جدا.
الوجه الثالث (4) - ان خلاصة ما استدلت به الإمامية على عصمة الامام انه لولا

1 - انظر ص 92 من الفوائد المدنية.
2 - في الفوائد بعده: " وان هم الا يخرصون وقوله تعالى: ومن لم يحكم بما انزل
الله فأولئك هم الكافرون وغيرها من الآيات الشريفة ".
3 - نص عبارة الفوائد بعده هذا: " كما هو زعم العامة أو في زمن الغيبة الكبرى كما
هو زعم جمع من متأخري أصحابنا ولمن بعد عن الامام في زمن حضوره كما هو زعم الفاضل
المدقق الشيخ علي ومن وافقه من تبعته خيال ضعيف سيجئ جوابه في كلامنا إن شاء الله
تعالى ".
4 - نص عبارة الأمين (ره) في الفوائد هذا:
" الوجه الثالث - ان خلاصة ما استدلت به الإمامية على وجوب عصمة الإمام (ع)
وهو انه لولا ذلك لزم امره تعالى عباده باتباع الخطأ وذلك قبيح عقلا جارية في وجوب
اتباع ظن المجتهد فعلم أنه ليس بواجب الاتباع وإذ لم يكن واجبا لم يكن جائزا إذ لا قائل
بالفصل وبعبارة أخرى إذ الجواز هنا تستلزم الوجوب باجماعهم بل في كتاب المحاسن رسالة
منقولة عن الصادق (ع) فيها استدل بهذا الدليل على امتناع العمل بظن المجتهدين والخبر الخالي
عن القرائن المفيدة للقطع وأشباههما وهذا نقض أورده الفخر الرازي على الامامية وجوابه ان
هذا النقض لا يرد على الأخباريين لأنهم لا يعتمدون في احكامه تعالى على الظن، ويرد على
المتأخرين وليس بحمد الله عن ذلك مفر ".
137

ذلك لزم امره تعالى عباده باتباع الخطأ وذلك قبيح عقلا وهي جارية في وجوب اتباع
ظن المجتهد أو جوازه بل في كتاب المحاسن رسالة منقولة عن الصادق (ع) فيها استدل
بهذا الدليل على امتناع العمل بظن المجتهد وبخبر الواحد الخالي عن القرائن المفيدة للقطع
وبأشباههما، وهذا نقض أورده الفخر الرازي على الامامية وجوابه ان هذا النقض لا يرد
على الأخباريين وانما يرد على المتأخرين.
الوجه الرابع - ان المسلك الذي مداركه غير منضبطة وكثيرا ما يقع فيه التعارضات
واضطراب النفس (1) ورجوع كثير من فحول العلماء عما به أفتى لا يصلح ان يجعل مناط
احكامه تعالى (2).
الوجه الخامس - ان الملكة التي تختلف (3) باختلاف الأذهان والأحوال بل
بأحوال ذهن واحد لا يصلح لان يجعل مناط احكام مشتركة بين الأمة إلى يوم القيامة.
السادس - ان الشريعة السمحة السهلة كيف تكون مبنية على استنباطات
صعبة مضطربة.
السابع - ان مفاسد ابتناء أحكامه تعالى على الاستنباطات الظنية أكثر من أن
تعد (4)، من جملتها انه يفضي إلى جواز الفتن والحروب بين المسلمين، وسد هذا الباب

1 - في الفوائد: " الأنفس ".
2 - في الفوائد: " لا يصلح لان يجعله تعالى مناط احكامه " وله ذيل مبسوط فمن اراده
فليراجع الفوائد (ص 92 - 93).
3 - في الفوائد: " ان المسلك الذي يختلف " وفي باقي العبارة أيضا فرق ما.
4 - هذا الوجه إلى هنا مأخوذ بنص عبارة الأمين (ره) ومن هنا مأخوذ بالتلخيص فمن
أراد نص عبارة الفوائد فليراجع ص 93 منه.
138

يؤدي إلى دفعها والتوقف والتثبت في الأمور الشرعية إلى ظهور الحق واليقين. ومنها انه
إذا وقعت خصومة دنيوية مبنية على اختلاف اجتهاد المتخاصمين في مال أو فرج أو دم
لزم ان لا يجوز لأحدهما ان يأخذ قهرا عن الاخر ما يستحقه في حكم الله تعالى (1). ومنها (2)
عدم انضباط الملكة المخصوصة التي سموها اجتهادا.
الثامن (3) - ان الظن من باب الشبهات التي يجب التوقف عندها بالروايات
الكثيرة الصريحة كما في نهج البلاغة: انما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق فأما أولياء الله
فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى، وأما أعداء الله فدعاؤهم الضلال ودليلهم العمى،

1 - في الفوائد بعده " وما قاله علماء العامة من أنه إذا كانت خصومة المتخاصمين في
قضية شخصية مبنية على اختلاف اجتهادهما يجب عليهما الرجوع إلى قاض منصوب من جهة -
السلطان فإذا قال القاضي: حكمت بكذا يجب اتباعه عليهما، مما لا يرضى به الذهن المستقيم
والطبع السليم فكيف يرضى به الحكيم العليم. ومن جملتها انه يفضي إلى تجهيل المفتى نفسه
وابطال القاضي حكمه إذا ظهر له ظن أو قطع مخالف لظنه السابق ".
2 - هذا محصل دليل مستقل ذكره الأمين (ره) بهذه العبارة:
" الوجه الثامن - ان الظن المعتبر عندهم ظن صاحب الملكة المخصوصة التي اعتبروها
في الفقيه والمجتهد وأيضا المعتبر عندهم من بذل الوسع في تحصيل الظن المعتبر عندهم قدر
مخصوص منه ولا يخفى على اللبيب ان الملكة المذكورة والقدر المشار إليه من بذل الوسع
أمران مخفيان غير منضبطين وقد مر انهم اعترفوا بان مثل ذلك لا يصلح ان يكون مناط -
احكامه تعالى " وحيث إن المصنف (ره) ادرج هذا الوجه الثامن في الوجه السابع صار الاختلاف
في عدد الوجوه بان صارت العشرة تسعة.
3 - نص عبارة الأمين (ره) في بيان هذا الدليل هذا (ص 93 من الفوائد):
" الوجه التاسع - ان الظن من باب الشبهات ووجوب التوقف عند الشبهات المتعلقة
بنفس احكامه تعالى ثبت بالروايات اما الأولى فلما نهج البلاغة " ومن خطبة له (ع): وانما
سميت الشبهة (الحديث) " ولغيره من الروايات الآتية واما الثانية فلما سيأتي من الروايات الصريحة
في وجوب التوقف عند الشبهات المتعلقة بنفس احكامه تعالى ".
139

فما ينجوا من الموت من خافه ولا يعطى البقاء من أحبه، ولغيره من الروايات.
التاسع (1) الخطب والوصايا المنقولة عن المعصومين عليهم السلام الصريحة في أن
كل طريق يؤدى إلى اختلاف الفتاوى من غير ضرورة التقية مردود غير مقبول عند الله،
وانه لا يجوز الافتاء والقضاء الا لرجل يعض على العلم بضرس قاطع، وان حكم الله في
كل واقعة واحد، وان من حكم بغيره حكم بحكم الجاهلية واثم، وان المفتي ضامن ولحقه
وزر من عمل بفتياه.
أقول: هذا حاصل ما ذكره، وهذه الوجوه وان أمكن الخدش في أكثرها الا
انها شواهد ومؤيدات.
فصل
قال الفاضل المذكور (2):
كان الشائع بين علماء العامة التمسك بآيات وروايات ظنية من جهة الدلالة

1 - نص عبارة الأمين (ره) عند ذكر هذا الوجه هذا (ص 94):
" الوجه العاشر - الخطيب والوصايا المنقولة عن أمير المؤمنين (ع) وأولاده الطاهرين
عليهم السلام الصريحة في أن كل طريق يؤدى إلى اختلاف الفتاوى من غير ضرورة التقية
مردود غير مقبول عند الله من حيث إنه يؤدى إلى الاختلاف ومن المعلوم ان هذا المعنى كما
يشمل القياس والاستحسان والاستصحاب وأشباهها يشمل الاستنباطات الظنية من كلام الله
وكلام رسوله على أن الظن غير حاصل على مذهب الخاصة في كثير من تلك المواضع كما
سنحققه وانما يحصل على مذهب العامة والصريحة في أنه يجب التوقف عند الشبهات المتعلقة
بنفس احكامه تعالى، والصريحة في أن ما عدا القطع شبهة والصريحة في أنه لا يجوز الافتاء
والقضاء الا لرجل يعض على العلم بضرس قاطع والروايات الصريحة في أن كل واقعة حكم الله
فيها واحد وان من أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية وآثم وفي ان المفتى المخطئ ضامن
ولحقه وزر من عمل بفتياه (إلى آخر كلامه الطويل الذيل الذي كاد ان يكون رسالة مستقلة فمن
اراده فليراجع هناك) ".
2 - يريد به المولى محمد امين الاسترآبادي (ره) والكلام مذكور في الفوائد المدنية ص 12
ونص عبارته: " أقول: توضيح المقام انه: كان الشائع (إلى آخر ما ذكر) ".
140

أو من جهة المتن في جواز العمل بظن المجتهد المتعلق بنفس أحكامه تعالى، ولما وصلت
النوبة إلى ابن الحاجب وتفطن بان هذا التمسك يشتمل على دور بين واضح اخذ
دليلا واضحا قطعيا بزعمه وهو انا نعلم بالتواتر ان الصحابة الكبار عدلوا عن الظواهر
القرآنية المانعة عن العمل بظن المجتهد المتعلق بنفس أحكامه تعالى ولنا مقدمة عادية
قطعية هي ان مثل هذا العدول لم يقع عن مثل هؤلاء الاجلاء الا بسبب نص صريح
قطعي الدلالة سمعوه عن النبي (ص). قال وأقول: فيه بحث لان العادة قاضية بأنه
لو صدر مثل هذا النص لظهر واشتهر وصار من ضروريات الدين لتوفر الدواعي على
أخذه وضبطه ونشره وعدم وقوع فتنة توجب اخفاءه كما اعترفوا به. ثم قال: وحاصل
المقدمة الثانية عند المصوبة من الأصوليين ان: كل ما تعلق به ظن المجتهد فهو حكم الله
الواقعي في حقه وحق مقلديه، وحاصلها عند المخطئة منهم ان: كل ما تعلق به ظن
المجتهد فهو حكم الله الظاهري في حقه وحق مقلديه، وقد يكون حكم الله الواقعي
وقد لا يكون (1).
قال: وانما وقع المتأخرون فيما وقعوا من الاستنباطات الظنية لأنهم (2) قصدوا
الاطلاع على ما هو حكم الله في الواقع ولم يكتفوا بما يكفيهم في صحة العمل، ولعدم رعايتهم
القوانين الأصولية المذكورة في كلامهم عليهم السلام، وألفة أذهانهم باعتبارات عقلية
أصولية ظنية حسبوها أدلة عقلية قطعية فيتحيرون في الجمع بينها وبين الأخبار الصحيحة

1 - تم ما أخذه المصنف (ره) من المورد الذي أشرنا إليه من الفوائد بعين العبارة.
2 - اخذه من كلام له (ره) ذكره تحت عنوان " السؤال التاسع عشر " من الأسئلة المذكورة
في الفصل الثامن الذي عقده لجواب الأسئلة المتجهة على ما استفاده وقرره من كلام الأئمة
عليهم السلام (انظر ص 176 من الفوائد المدنية) وصدر العبارة هكذا:
" وجل هذه الاشكالات انما نشأ من عدم رعايتها كما ينبغي، وسبب عدم الرعاية أحد
الأمور، منها ان أهل الاستنباطات الظنية (إلى آخر ما قال) الا انه أسقط لفظ " منها " من العبارة
في ثلاثة مواضع.
141

الصريحة وقلة تفكرهم في أطراف المباحث وعدم ظفرهم بالقرائن التي تحصل من تتبع
الروايات (1) التي اجتماعها في الذهن يوجب القطع العادي بصحتها.
وسبب ذلك (2) ألفتهم في صغر سنهم بكتب العامة إذ كان المتعارف في المدارس
والمساجد وغيرهما تعليم كتبهم لان الملوك وأرباب الدول كانوا منهم.
وقال (3): اعلم أن انحصار طريق العلم بنظريات الدين في الرواية عنهم عليهم السلام
وعدم جواز التمسك في العقائد التي يجوز الخطأ فيها عادة بالمقدمات العقلية وفي الأعمال
بالاستنباطات الظنية من كتاب الله أو من سنة رسول الله (ص) أو من الاستصحاب أو من
البراءة الأصلية أو من القياس أو من اجماع المجتهدين وأشباهها كان شعار متقدمي أصحابنا
أصحاب الأئمة عليهم السلام حتى صنفوا في ذلك كتبا، ومن الكتب المصنفة في ذلك

1 - كان الاخذ بنص العبارة إلى هنا ومن هنا عبارة الأمين هكذا:
" ومن اجتماعها في الذهن وهي توجب القطع العادي في كثير من المواضع ومنها
جمود ذهن بعضهم ومنها قلة بضاعة بعضهم ومنها عدم استقامة طبع بعضهم والله المستعان ".
2 - هذا القول أيضا مأخوذ من مورد آخر من الفوائد الا انه ملخص ونص عبارة الأمين
هكذا (ص 137).
" وكم من غفلة وقعت عن متأخري أصحابنا الأصوليين والسبب فيها ألفة أذهانهم
من صغر سنهم بكتب العامة، وسبب الألفة انه كان المتعارف في المدارس والمساجد وغيرهما
تعليم كتبهم لان الملوك وأرباب الدول كانوا معهم والناس مع الملوك وأرباب الدول ".
ونظيره قوله الاخر في مقام آخر من الكتاب (88):
" والسبب في احداث ذلك غفلة من أحدثه عن كلام قدمائنا، والسبب في غفلته ألفة ذهنه
بما في كتاب العامة، والسبب في الألفة انه لما كانت أرباب الدول من أهل الضلالة انحصرت
طرق الإفادة والاستفادة في كتب العامة، فإذا أراد أحد تحصيل الفضيلة لم يكن له بد من
قراءة كتب العامة على مدرسيها ".
3 - مأخوذ من الفوائد المدنية بنص العبارة (انظر ص 122).
142

كتاب النقض على عيسى بن ابان في الاجتهاد، ذكره النجاشي في ترجمة إسماعيل بن
علي بن إسحاق.
أقول: ومنها كتاب الايضاح لفضيل بن شاذان النيسابوري وقد ذكرنا فصلا منه
في الأصل الأول من هذا الكتاب.
قال (1): ومن الموضحات لما ذكرناه ما رواه رئيس الطائفة بسنده عن خراش عن بعض
أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت: جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين علينا يقولون:
إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال: ليس كما
يقولون إذا كان ذلك فليصل إلى أربع وجوه.
قلت: جماعة من متأخري أصحابنا قالوا: هذه الرواية متروكة الظاهر من حيث
تضمنها سقوط الاجتهاد بالكلية. وانا أقول: هي محمولة على ظاهرها، ومعناها سقوط
الاجتهاد في نفس أحكام الله تعالى بالكلية فكأنه (ع) قال: ان الجاهل بحكم الله في مسألة -
الاطباق لا يحتاج إلى أن يجهد فيها بل له مندوحة عن ذلك وهي سلوك طريق التوقف
والاحتياط كما تواترت به الاخبار عنهم عليهم السلام في كل مسألة لم يكن حكم الله فيها
واضحا، انتهى كلام الفاضل.
أقول: قد مر تحقيق الحق في ذلك وقد عرفت جواز العمل بضرب من أصالة -
البراءة وأنه مأذون من قبلهم عليهم السلام ومن شواهد العقل، وكذا جواز التمسك
بضرب من الاستصحاب أيضا والاذن فيه عنهم عليهم السلام واما الملازمات الظنية
مثل ان الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده الخاص، وما يجري والترجيحات
الاستحسانية وغيرها فيدل على عدم حجيتها عدم ورود دلالة قطعية عقلية ولا اذن
شرعي معتبر على جواز العمل بها، وكذا الاجماع بمعنى اتفاق أهل العصمة على امر (2)

1 - مأخوذ من الفوائد المدنية بنص عبارة الكتاب (انظر ص 122).
2 - أخذ المصنف (ره) هذه البيانات من الفوائد المدنية فلا بأس بنقل كلام الأمين
الاسترآبادي (ره) عند البحث عن الاجماع ليكون في مرأى الناظرين حتى يستفيدوا به ونص
عبارته هكذا (انظر ص 134):
" الوجه الثالث - انه امر مخفي غير منضبط ومثله لا يصلح ان يكون مناط احكامه
تعالى كما اعترفت به العامة في علة القياس، واما الاجماع بمعنى اتفاق اثنين فصاعدا
على حكم بشرط ان يعلم دخول المعصوم في جملتهم علما اجماليا فهو من اصطلاح جمع من
متأخري أصحابنا وقد اعترف المحقق الحلي وغيره من المحققين بأنه من الفروض الغير الثابتة.
وانا أقول: على تقدير تسليم ثبوته يرجع إلى خبر ينسب إلى المعصوم اجمالا فترجيحه
على الاخبار المنسوبة إليه تفصيلا كما جرت به عادة المتأخرين من أصحابنا غير معقول
وكأنهم زعموا ان انتساب الخبر إليهم في ضمن الاجماع قطعي ولا في ضمنه ظني فلذلك
رجحوه، وزعمهم هذا غير مسلم ".
143

مع أنه أمر خفي غير منضبط يتعسر العلم به بل يتعذر، ومثله لا يصح لان يكون مناطا
لاحكام الله تعالى وقد اعترف جمع من العامة بمثل ذلك في علة القياس، على انك قد سمعت
نفي حجية الاجماع صريحا في رسالة الصادق (ع) كما مر في الأصل الثاني، وادعى الفاضل
المذكور تواتر اخبارهم عليهم السلام بذلك، واما الاجماع بمعنى اتفاق الاثنين فصاعدا
على حكم بشرط يعلم دخول المعصوم في جملتهم علما اجماليا فهو من اصطلاح جمع من
متأخري أصحابنا وقد اعترف المحقق الحلي وغيره من المحققين بأنه من الفروض
الغير الثابتة.
قال المحقق الحلي (1): واما الاجماع فعندنا هو حجة بانضمام قول المعصوم فلو خلا
المائة من فقهائنا عن قوله (ع) لما كان حجة، ولو حصل في اثنين لكان قولها حجة، لا
باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله (ع) فلا تغتر إذا بمن يتحكم فيدعى الاجماع باتفاق
الخمسة والعشرة من الأصحاب مع جهالته بالباقين الا مع العلم القطعي بدخول الامام في
الجملة انتهى كلامه.

1 - انظر مقدمة كتاب المعتبر (ص 6 من النسخة المطبوعة بطهران سنة 1318) ونقله
الأمين الاسترآبادي (ره) فيما نقل عن المعتبر للمحقق (ره) في الفوائد المدنية (انظر ص 16).
144

وأيضا فإنه على تقدير ثبوته يرجع إلى خبر ينسب إلى المعصوم اجمالا فترجيحه
على الاخبار المنسوبة إليه تفصيلا كما جرت به عادة المتأخرين من الأصحاب لا وجه له.
واما ما ظن أن انتساب الخبر إليه في ضمن الاجماع قطعي ولا في ضمنه ظني فهو من
بعض الظنون كيف وانما ينقل الاجماع واحد أو اثنان ولا يسند إلى زمان ظهور المعصومين
ولو أسند فليس له طريق إلى القطع به لان خبر الواحد لا يفيد القطع، والمتواتر لابد ان
ينتهي إلى الحس، وتحقيق الاجماع بحيث يعلم قطعا دخول المعصوم في الجملة من غير علم
به بخصوصه أمر عقلي غير مخصوص كما هو ظاهر، ويستحيل عادة وقوعه في زمان
الناقل بحيث يحصل له العلم به. وأيضا انه لا يبين مراده منه مع أن لفظ الاجماع يطلق
على معان متعددة كما ذكره الشهيد في الذكرى، مع أنه لا حجية في شئ منها. وأيضا
فان الناقلين لمثل هذا الاجماع كثيرا ما يخطؤون في هذا النقل ويختلفون فيه أكثر من اختلاف
الرواة في أخبار الآحاد كما يظهر لمن تتبع مواضع نقلهم إياه وقد أفرد الشهيد الثاني
رحمه الله قريبا من أربعين مسألة نقل الشيخ الطوسي فيها الاجماع مع أنه بنفسه خالف في
الحكم فيها بعينه اما في كتابه ذلك بعينه أو في كتابه الاخر وذكر ان الشيخ قال في النهاية في
كتاب الحدود: ان من استحل اكل الجري والمارماهي وجب قتله، وهذا دعوى الزيادة
على الاجماع على تحريم أكلها مع أنه في كتاب الأطعمة من النهاية بعينه جعلهما مكروهين. قال:
وقد أفردنا هذه المسائل للتنبيه على أن لا يغتر الفقيه بدعوى الاجماع فقد وقع فيه الخطأ
والمجازفة كثيرا من كل واحد من الفقهاء سيما من الشيخ والمرتضى انتهى كلامه. وكثيرا ما
يقع منهم نقل الاجماع في مسألة على حكم مع نقل الاجماع على خلاف ذلك الحكم بعينه
في تلك المسألة بعينها اما في ذلك الكتاب بعينه أو في غيره فضلا عن نقل الخلاف فيها
مثل ما وقع من الشيخ الطوسي من نقله الاجماع على وجوب سجود التلاوة على السامع
ونقله إياه على عدم وجوبه عليه أيضا ولهذا نزل الشهيد لفظ الاجماع الواقع في كلامهم
على معنى الشهرة في ذلك الوقت أو عدم اطلاعهم حينئذ على المخالف أو ما يقرب من
ذلك صونا لكلامهم عن التهافت فمثل هذا الاجماع ينبغي ان لا يعتمد عليه أصلا.
145

قال الفاضل المذكور (1)
وقد يطلق الاجماع على معنين آخرين يصح الاعتماد عليهما:
الأول - اتفاق جماعة من قدماء الاخبار كصاحب الكافي والصدوقين على الافتاء
برواية وترك أخرى فإنه قرينة على أن ما عملوا به ورد من باب بيان الحق دون التقية
وقد وقع التصريح به في مقبولة عمر بن حنظلة كما مر لكن الاعتماد حينئذ على الخبر المحفوف
بقرينة قبولهم لا على اتفاق ظنونهم كما في اصطلاح العامة.
والثاني - اتفاق القدماء أيضا على حكم لم يظهر فيه نص عندنا ولا خلاف يعادله
فإنه نعلم منه علما عاديا بوصول نص إليهم والا لما اتفقوا على مثله.
أقول: وفي الاعتماد على هذا الأخير نظر، والعلم عند الله.

1 - يريد به الأمين الاسترآبادي (ره) والكلام في الفوائد (ص 134 - 135) كذا:
" واعلم أن جمعا من أصحابنا أطلقوا لفظ الاجماع على معنيين آخرين:
الأول - اتفاق جمع من قدمائنا الأخباريين على الافتاء برواية وترك الافتاء برواية واردة
بخلافها، والاجماع بهذا المعنى معتبر عندي لأنه قرينة على ورود ما عملوا به من باب
بيان الحق لا من باب التقية، وقد وقع التصريح بهذا المعنى وبكونه معتبرا في مقبولة عمر بن حنظلة
الآتية المشتملة على فوائد كثيرة لكن الاعتماد حينئذ على الخبر المحفوف بقبولهم لا على اتفاق
ظنونهم كما في اصطلاح العلامة.
الثاني - افتاء جمع من الأخباريين كالصدوقين ومحمد بن يعقوب الكليني بل الشيخ الطوسي
أيضا فإنه منهم عند التحقيق وان زعم العلامة انه ليس منهم بحكم لم يظهر فيه نص عندنا
ولا خلاف يعادله وهذا أيضا معتبر عندي لان فيه دلالة قطعية عادية على وصول نص
إليهم يقطع بذلك اللبيب المطلع على أحوالهم ".
146

الأصل التاسع
انه يجب على كل مكلف ان يتفقه في الدين ويتعلم ما أنزل الله جل
جلاله على نبيه سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله أجمعين
من معرفة الله سبحانه ومقربيه واليوم الآخر، ومعرفة مكارم الأخلاق
لتكتسب ومساويها لتجتنب، ومعرفة شرائع
الاحكام ومعالم الحلال والحرام
لان العبيد انما خلقوا للعبادة كما قال الله عز وجل: وما خلقت الجن والإنس
الا ليعبدون (1) والعبادة لا تأتي الا بالعلم بالمعبود ومقربيه وثمرة العبادة وكيفيتها،
قال النبي (ص): طلب العلم فريضة على كل مسلم (2). وقال: اطلبوا العلم ولو بالصين (3).
وروى في الكافي عن أبي عبد الله (ع) انه قال (4): تفقهوا في الدين فإنه من لم يتفقه منكم
في الدين فهو أعرابي ان الله يقول في كتابه (5): ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا

1 - آية 58 سورة الذاريات.
2 - نقله المصنف (ره) في الوافي في باب فرض طلب العلم وأورد له بيانا فمن اراده فليطلبه
من هناك (ج 1 ص 27 من الطبعة الثانية).
3 - نقل المجلسي (ره) في المجلد الأول من البحار في باب فرض العلم ووجوب طلبه
(ص 58 من طبعة امين الضرب) عن روضة الواعظين للقتال (ره) انه قال: " قال النبي (ص):
اطلبوا العلم ولو بالصين فان طلب العلم فريضة على كل مسلم ".
4 - ذكره في الوافي وأورد له بيانا (ج 1 ص 27 من الطبعة الأولى).
5 - من آية 122 سورة التوبة.
147

إليهم لعلهم يحذرون. وباسناده عنه (ع) قال (1): عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا
أعرابا فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا. وباسناده الصحيح
عنه (ع) قال (2): لوددت ان أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا. وفي رواية
أخرى: ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام (3). وفي حديث
آخر (4) عنه (ع): لو اتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته. وباسناده الصحيح
عنه (ع) قال (5) ان آية الكذاب بان يخبرك خبر السماء والأرض والمشرق والمغرب فإذا سألته

1 - قال المصنف (ره) بعد ايراده في الوافي (ج 1، ص 28 من الطبعة الثانية):
" بيان - لم ينظر الله إليه يعني بعين اللطف والعناية لان قلبه مظلم فلا يصلح لان يقع
موقع نظر الله سبحانه، والنظر يكنى به عن الرأفة والعطوفة والاختيار كما يكنى بتركه عن
الغضب والمقت والكراهة، ولم يزك له عملا لان العامل من غير بصيرة كالسائر على غير
الطريق لا يزداده كثرة السير الا بعدا ".
2 - قال بعد نقله في الوافي (ج 1 ص 28): " بيان - السياط جمع سوط وهو ما يجلد به ".
3 و 4 - رواهما البرقي في المحاسن (انظر الحديث الحادي والستين بعد المائة وكذا الحديث الخامس والستين بعد المائة من كتاب مصابيح الظلم، ص 229 - 228) ونقلهما
المجلسي (ره) في المجلد الأول من البحار في باب العلوم التي امر الناس بتحصيلها (ص 66 من
طبعة امين الضرب).
5 - هو الحديث الثامن من أحاديث باب الكذب من الكافي (انظر ج 2 مرآة العقول
ص 325) قال المجلسي (ره) في شرحه: " السند صحيح قوله (ع): بان يخبرك كأن الباء زائدة،
أو التقدير تعلم بان يخبرك، وانما كان هذا آية الكذاب لأنه لو كان علمه بالوحي والالهام
لكان أحرى بان يعلم الحلال والحرام لان الحكيم العلام يفيض على الأنام ما هم أحوج إليه
من الحقائق والاحكام، وكذا لو كان بالوراثة عن الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ولو كان
بالكشف فعلي تقدير امكان حصوله لغير الحجج عليهم السلام فالعلم بحقائق الأشياء على ما هي
عليه لا يحصل لاحد الا بالتقوى وتهذيب السر عن رذائل الأخلاق قال الله تعالى: واتقوا
الله ويعلمكم الله ولا يحصل التقوى بالاقتصار على الحلال والاجتناب عن الحرام ولا يتيسر
ذلك الا بالعلم بالحلال والحرام فمن أخبر عن شئ من خالق الأشياء ولم يكن عنده علم بالحلال
والحرام فهو لا محالة كذاب يدعى ما ليس له ".
148

عن حرام تعالى وحلاله لم يكن عنده شئ. وباسناده عن النبي (ص): انما العلم ثلاثة،
آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة: وما خلاهن فهو فضل (1).
قيل: ان الأول إشارة إلى العلوم الاعتقادية من معرفة الله وصفاته ومقربيه واليوم الآخر
، والثاني إشارة إلى علم آفات النفس وتعديل قواها وتهذيب الأخلاق، والثالث إشارة
إلى علم الشرائع ومسائل الحلال والحرام.
أقول: العلوم الدينية منحصرة في هذه الثلاثة وبها جاءت الشرائع والرسائل وهي
المسماة بالعلم والحكمة والفقه والذكر والهدى والنور وما يؤدى مؤداها، واما غير هذه
الثلاثة فليس من العلم والحكمة في شئ وليس في تحصيله كمال أخروي أصلا وجميع -

1 - قال المصنف (ره) في باب صفة العلم من الوافي (ج 1، ص 28) ما نصه:
" كا - (بعد ذكر السند) دخل رسول الله (ص) المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل
فقال: ما هذا؟ - فقيل: علامة فقال: وما العلامة؟ - فقالوا له: اعلم الناس بأنساب العرب و
وقائعها وأيام الجاهلية والاشعار العربية، قال: فقال النبي (ص): ذاك علم لا يضر من جهله
ولا ينفع من علمه ثم قال النبي (ص): انما العلم (الحديث) ".
وقال بعده: " بيان - علامة اي كثير العلم والتاء فيه للمبالغة لا يضر من جهله نبههم
على أنه ليس بعلم في الحقيقة إذا لعلم في الحقيقة هو الذي يضر جهله في المعاد وينفع اقتناؤه
يوم التناد، لا الذي يستحسنه العوام ويكون مصيدة للحطام، ثم بين لهم العلم النافع
المحثوث عليه في الشرع وحصره في ثلاثة وكأن الآية المحكمة إشارة إلى
أصول العقائد فان براهينها الآيات المحكمات من العالم أو من القرآن، وفي القرآن في غير موضع
ان في ذلك لايات أو لآية حيث يذكر دلائل المبدء والمعاد، والفريضة العادلة إشارة إلى
علوم الأخلاق التي محاسنها من جنود العقل ومساويها من جنود الجهل، فان التحلي بالأول
والتخلي عن الثاني فريضة، وعدالتها كناية عن توسطها بين طرفي الافراط والتفريط، والسنة
القائمة إشارة إلى شرائع الاحكام ومسائل الحلال والحرام، وانحصار العلوم الدينية
في هذه الثلاثة معلوم وهي التي جمعها هذا الكتاب وهي مطابقة على النشآت الثلاث
الانسانية فالأول على عقله والثاني على نفسه والثالث على بدنه بل على العوالم الثلاثة
الوجودية التي هي عالم العقل والخيال والحس، فهو فضل زائد لا حاجة إليه، أو فضيلة
ولكنه ليس بذاك ".
149

مقاصد الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت عليهم السلام يرجع إلى هذه الثلاثة بل جميع -
وعظ الواعظين وتذكير المنبهين وكلمات الأوائل والأواخر من الأنبياء والأولياء والحكماء
والعلماء صلوات الله عليهم أجمعين ينتهي إليها وكلها فريضة على كل مكلف بقدر وسعه
وطاقته، لا يكلف الله نفسا الا وسعها، وكل من حصل مرتبة منها واستعد لأخرى فوقها
فقد وجبت عليه تلك الأخرى، وهكذا، ولا ينتهي الا بانتهاء طاقته، الا انه يجب تقديم
الأهم فالأهم ووجوب الأولين وما يخص الطالب من الأخير عيني والباقي كفائي والثلاثة
غير مترتبة في الفضل والشرف ترتبها في الذكر.
وطريق تحصيلها اما تحقيق أو تقليد، والتحقيق ما يكون للأنبياء والأولياء
عليهم السلام الآخذين علومهم من لدنه سبحانه البالغين فيها إلى حد اليقين كما قال سيد -
الأولياء (ع): لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، والتقليد اما عن بصيرة وهو الاخذ
بمحكمات الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت عليهم السلام وترك المتشابهات على تشابهها
كما كان قدماء أصحابنا الأخباريين يفعلونه، وتبعهم عليه جماعة من أهل عصرنا وقبيل
ذلك وهم الذين قال مولانا الصادق (ع) فيهم: انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا،
ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فاجعلوه بينكم حاكما فاني قد جعلته عليكم
حاكما، الحديث، واما عن غير بصيرة فمنه ما يسوغ وهو تقليد أولئك الأخباريين في
فتاويهم أحياء كانوا أم أمواتا، إذ لا تأثير للموت في ذلك فان حلال محمد حلال إلى
يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، وأهل هذا التقليد هم المخاطبون في الحديث
150

المذكور بقوله (ع): انظروا، وعليكم، ونحوهما، ومنه ما لا يسوغ وهو قسمان قسم يسمى
في عرف المتشرعة بالاجتهاد وهو الاخذ بالمتشابهات الظنية بمعاونة الأصول الفقهية
المأخوذة من جمهور العامة بالرأي والتظني كما فعله أكثر متأخري أصحابنا موافقا للعامة
وأدى ذلك بهم إلى اختلافات شديدة، وهذا منهى عنه في أخبار كثيرة وآيات غير
يسيرة كما عرفت في الأصول السالفة، وقسم يسمى في عرفهم بالتقليد لهؤلاء المجتهدين
إذا كانوا احياء واما تقليدهم بعد موتهم فلا يجوز باعترافهم أيضا بمقتضى اجتهادهم قولا
واحدا فان كانت آراؤهم معتبرة فلا عبرة بآرائهم بعد موتهم، ورد قولهم هذا دون سائر أقوالهم
تحكم، والفرق بان هذه مسألة أصولية وتلك مسائل فروعية غير مجد لان كلتيهما اجتهادية
وانما حمل هؤلاء على الاجتهاد طلبهم الشئ (1) في احكام وجعل المتشابه بمنزلة المحكم
والاقتدار على الفتوى بكل مسألة مع أن الاحكام ثلاثة كما ورد في الأخبار المستفيضة: انما
الأمور ثلاثة، بين رشده فيتبع، وبين غيه فيجتنب، وشبهات بين ذلك، الحديث.
والمتشابه ليس بمنزلة المحكم كيف ومتابعة المحكم مأمور بها ومتابعة المتشابه منهى عنها قال
الله تعالى (2): هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات
فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله
والراسخون في العلم، والراسخون في العلم هم الأئمة المعصومون عليهم السلام كما ورد عنهم، والاقتدار
على الفتوى في كل مسألة مخصوص بهم (ع) وليس لغيرهم ذلك بل الواجب على غيرهم
في بعض المسائل رد الحكم إليهم والتوقف في الفتوى والاحتياط في العمل والتخيير كما مر
بيانه مفصلا، روى البرقي في محاسنه (3) باسناده الموثق عن محمد بن الطيار قال: قال
أبو جعفر (ع): يتخاصم الناس؟ - قلت: نعم، قال: ولا يسألونك عن شئ الا قلت فيه

1 - كذا. 2 - صدر آية 7 سورة آل عمران.
3 - هو الحديث الثاني والتسعون من كتاب مصابيح الظلم من المحاسن (انظر ص 213
من النسخة المطبوعة بطهران باهتمامي سنة 1370).
151

شيئا؟ - قلت: نعم، قال: فأين باب الرد إذا؟! فما يهمنا وهو معرفة ما نعمل به معلوم لنا،
وما لا نعلمه وهو معرفة الحكم في الواقع فلا يهمنا.
ان قلت فما الحكمة في اخفاء بعض المسائل وابهامه مع أن حاجة المكلفين إليها
جميعا سواء؟ -
قلنا: الحكمة في أكثر الأمور الشرعية غير معلومة لنا ولكن يمكننا ان نشير ههنا إلى
ما يكسر سورة استبعادك فنقول: يحتمل ان يكون الحكمة فيه ان يتميز المتقي المتدين
باحتياطه في الدين وعدم حومه حول الحمى خوفا عن الوقوع فيه ممن لا تقوى له ويجترئ
في الحوم حوله، ولا يبالي بالوقوع فيه، فيتفاضل بذلك درجات الناس ومراتبهم في الدين،
أو يتوسع التكليف لجمهور الناس باثبات التخيير في كثير من الاحكام، وهذه رحمة من
الله تعالى وبه يختلف مراتب التكليف باختلاف مراتب الناس في العقل والمعرفة، وما
لا نعلم من الحكم أكثر مما نعلم.
فصل
ان الضرورة لا تدعو إلى الاجتهاد بالمعنى المذكور في أحكام الله تعالى قط فضلا
عن تقليد المجتهد حيا كان أو ميتا لان محكمات كتاب الله والسنة وأخبار أئمتنا عليهم السلام
مضبوطة والضوابط الكلية عنهم عليهم السلام منقولة مقررة، ثم ليس معرفة الاجتهاد
للمجتهد ومعرفة المجتهد للمقلد بل فهم فتاوى المجتهدين من عباراتهم بأسهل من فهم -
محكمات الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت عليهم السلام بل الامر بالعكس فان ألفاظ -
الكتاب والسنة والاخبار المصححة مضبوطة وأكثر الأحاديث أجوبة لأسئلة والسؤال
قرينة قوية على فهم المراد فسهل بذلك فهم مدلولاتها. واما تحصيل ما يتوقف عليه
الاجتهاد من الأصول الموضوعة والصناعات المقررة ثم معرفة كيفية صناعتهم ثم الخوض
في الاجتهاد لمن أراده أو معرفة المجتهد والتمييز بينه وبين المتشبه لمن أراد التقليد أو فهم -
فتاويهم من عباراتهم المتناقضة ففي غاية الصعوبة لعدم انضباطها وشدة الاختلاف فيها،
152

ولو لم يكن على المقلد الا هذا التمييز لكان حرجا بينا وتكليفا شططا. واما التعارض
والاختلافات فمشتركة بل هي في أقوال المجتهدين أكثر منها في أخبار أهل العصمة عليهم السلام
مع أن لاختلاف الاخبار ضوابط وقواعد مقررة وقد تكلم فيها أئمة الحديث وغيرهم
ففسروها وبينوها ووفقوا بين مختلفاتها وكفونا مؤنة ذلك شكر الله مساعيهم بخلاف
عبارات المجتهدين واختلافات فتاويهم المجردة عن الدليل والنص عن المعصومين، فإنها
لا ضابطة لها، والشهرة ليست بحجة وسيما الشهرة التي هي في البين اليوم فإنها شهرة من
المتأخرين المجتهدين دون القدماء الأخباريين ومأخذها غير معلوم، ورب مشهور لا
أصل له، ورب أصيل لم يشتهر كما يعرفه من جربه. وأيضا قد ورد عنهم عليهم السلام في
حديث التعارض الاخذ بالاحتياط والتخيير أو غيرهما وهو اذن للمكلفين عامة بالعمل
بالاخبار المختلفة الواردة عنهم عليهم السلام على النهج المقرر، ولا اذن عنهم في الاجتهاد
بل ورد المنع منه فضلا من الاخذ بقول المجتهد المجرد عن نسبة إلى المعصوم خصوصا
مع اضطراب فتاويهم بل فتوى الواحد منهم بحسب كتبه وأوقاته.
فان قيل: لم يصل إلينا من الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت عليهم السلام حكم
جميع المسائل، ولا كل أحد يقدر على أن يستنبط منها ما يرد عليه من القضايا، والمجتهدون
استنبطوها ودونوها وبذلوا فيها غاية المجهود مع أفهامهم الثاقبة وقرائحهم الناقدة التي يعلم
أنها أقوى من أفهامنا وقرائحنا؟ -
قلنا: قد عرفت ان ما لم يصل إلينا علمه من الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت
عليهم السلام يجب رد علمه إلى الله ورسوله والأئمة عليهم السلام ثم التوقف فيه
والاحتياط ان أمكن والا فالتخيير لا رده إلى ظنون المجتهدين، وان من قدر ان يستنبط
الحكم من كلام المجتهدين قدر ان يستنبطه من متون الأحاديث.
فان قلت: من لم يقدر على استنباط الاحكام من الحديث ولا الخروج من اختلافات
أئمة الحديث عدم علمه بالعام والخاص والمقيد والمطلق ونحو ذلك ولم يعرف الحديث
المعمول به من الشاذ، ولا الموافق للعامة من المخالف لهم، ولا الموافق للكتاب من المخالف
153

له، إلى غير ذلك مما لابد منه ولم يكن عنده قول من يجوز تقليده حتى يرجع إليه فكيف
يصنع؟ -
قلنا: وجود من يجوز تقليده من ضروريات الدين ومن تمام شرائط التكليف
فلا يجوز خلو الزمان عنه فلو خلا بلد منه وجب على أهله النفور إلى بلد يمكنهم فيها
تحصيل ذلك على الكفاية، قال الله تعالى: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا
في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (1) وإذا كان ذلك والعياذ بالله
فلا يجوز لاحد الاشتغال عن التحصيل بشئ من العبادات ولا غيرها الا بقدر تحصيل
المعاش الضروري لا غير، ولو لم يفعلوا ذلك كان الكل مأثومين إذ لا يجوز لهم صرف شئ
من الزمان في غير ذلك. واما خلو جميع البلاد فغير جائز لاستلزام رفع التكاليف وفسق
جميع الأمة وخروجهم عن العدالة وهو يستلزم رفع الثقة بشئ من أحكام الدين.
فان قلت: من كان قادرا على استنباط الاحكام من كتب الحديث وكان في البلد
من هو أعلم منه بطريق الاستنباط وأكثر تتبعا وأوفر تفقها فهل يجب عليه الرجوع إلى
قول الأعلم الأفقه أو يعتمد على فقاهة نفسه؟ -
قلنا: إذا كان وثوقه على تتبع الأعلم وتفقهه أكثر من وثوقه على فقاهة نفسه وان
كان في الواقعة المخصوصة فحسب يجب عليه الرجوع إليه.
فان قلت: فهل لدرجة الفتوى وأهليتها حد لا يصلح لمن هو دونها؟ -
قلنا: اما الفتوى على سبيل البت والقطع وفي جميع الأحكام فلا يجوز الا للمحقق
الاخذ من الله سبحانه بلا تقليد وقد مضى ذكر شرائطه في كلام الصادق (ع) وقد يجوز
لغيره إذا سمع منه مشافهة من غير اشتباه ومن هذا القبيل ما ورد عن الصادق (ع) انه قال
لبعض أصحابه: اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس اني أحب ان يرى في شيعتي مثلك (2).
واما غير ذلك فيجوز لمن عرف من الكتاب والسنة المجمع عليه بين المسلمين اي ما هو
من ضروريات الدين أو المجمع عليه بين الفرقة المحقة اي ما هو من ضروريات المذهب

1 - ذيل آية 122 سورة التوبة وصدرها: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة ".
2 - قد مر سنده في الأصل الرابع (ص 54).
154

ان يفتي فيهما خاصة على سبيل البت بعد معرفته بالله ورسوله وبما جاء به رسول الله (ص)
ولو اجمالا، لان الكتاب والسنة من عندهما وبعد معرفته بالعلوم العربية بقدر ما يتوقف
فهم الكتاب والسنة عليه لأنهما عربيان. واما المسائل المختلف فيها فان كان أحد
الأقوال موافقا لظاهر الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت عليهم السلام جميعا ولا معارض
له من الثلاثة أصلا كوجوب الجمعة حال غيبة الإمام (ع) فيجوز الافتاء فيه بهذا القول
على سبيل البت لمن ظهر له حقيقة ذلك ولم يؤثر فيه شبهات الناس بعد كلام الله وكلام
رسوله وكلام أهل البيت عليهم السلام وتأكيداتهم في ذلك والا فلا يجوز لغير المحقق
والسامع منه من غير اشتباه ان يفتي بأحد الأقوال على سبيل البت كما عرفت سابقا فهو
إنما يفتي على الاضطرار لأنه في مخمصة غير متجانف لاثم فيقول للمستفتي: فيه روايتان
وأنت مخير في العمل بأيهما شئت، أو: لك ان تفعل كذا، مقتصرا على إحدى الروايتين،
أو: الأولى ان تعمل بكذا، والاحتياط يقتضي ذلك، أو كذا فهمت من الجمع بين الأدلة،
إلى غير ذلك مما يفعله أكثر أصحابنا في أكثر فتاويهم فيقولون: على الأظهر أو الأقوى أو
الأحوط أو الأشهر أو نحو ذلك وبالجملة يفتي على سبيل الاحتمال بما هو الأرجح بزعمه بناء
على أصوله المأخوذة من المحقق المعصوم عليه السلام بشرط ان يكون ذلك بعد تحصيله
للمعارف المشار إليها وزيادة هي ان يكون عارفا بكل ما يتعلق به التراجيح عند التعارض
كالعلم بالناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والمقيد والمطلق، والمبين والمجمل، والأفقه
والأعدل من الراويين (1)، إلى غير ذلك، وأن يكون ذا فهم مستقيم ليس فيه اعوجاج،
وصاحب طبع سليم لا يصدر منه لجاج، وهو المعبر عنه عند أصحابنا بالقوة القدسية (2)

1 - في الكتاب: " الروايتين ".
2 - نقل الأمين الاسترآبادي (ره) عن العالم الرباني الشهيد الثاني (ره) كلاما طويلا في
أوائل الفوائد المدنية (6 - 5) منها قوله: " نعم يشترط مع ذلك كله ان تكون له قوة يتمكن
بها من رد الفروع إلى أصولها واستنباطها منها وهذه هي المدة في هذا الباب والا فتحصيل تلك
المقدمات قد صارت في زماننا سهلة لكثرة ما حققه العلماء والفقهاء فيها وفي بيان استعمالها
وانما تلك القوة بيد الله تعالى يؤتيها من يشاء من عباده (فساق الكلام مطابقا لما في المتن
إلى قوله: ان الله لمع المحسنين) ".
155

وهي العمدة في هذا الباب وبها يتمكن من رد الفروع إلى أصولها واستنباطها منها، وذلك
فضل الله يؤتيه من يشاء (1) من عباده على وفق حكمته ومراده، ولكثرة المجاهدة والممارسة
لأهلها مدخل عظيم في تحصيلها، قال الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان
الله لمع المحسنين (2) وفي نهج البلاغة في العهد الذي كتبه (ع) للأشتر النخعي رحمه الله حين
أرسله إلى مصر (3): ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به
الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفئ (4) إلى الحق إذا
عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفى بأدنى فهم دون أقصاه، أوقفهم في الشبهات،
وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم
عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه اطراء، ولا يستميله اغراء، وأولئك قليل ثم أكثر
تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيح (5) علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من
المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك،
فانظر في ذلك نظرا بليغا فإنه هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى
ويطلب به الدنيا، الحديث، أخذنا منع موضع الحاجة. واما الاصطلاحات المنطقية
فليس إلى تعلمها مزيد حاجة (6) ولذلك لم يذكره القدماء وذلك لان الفكر والاستدلال
غريزتان للانسان إذ لا شك ان كل مكلف عاقل له قوة فكرية يرتب بها المعلومات
وينتقل بها إلى المجهولات وان لم يعلم كيفية الترتيب والانتقالات كما يشاهد في بدو الحال
من الأطفال فكما ان صاحب الباصرة يدرك المحسومات وان لم يعلم كيفية الاحساس هل
هو خروج الشعاع أو انطباع الصورة في الجليدية أو غير ذلك كذلك صاحب القوة

1 - مأخوذ من آية 4 سورة الجمعة. 2 - 69 سورة العنكبوت.
3 - راجع ج 4 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد من طبعة مصر، ص 130.
4 - في الأصل: " الغي " (بالغين المعجمة وتشديد الياء). 5 - في نهج البلاغة: " يزيل ".
6 - للاسترابادي (ره) تحقيق في هذا الباب مفيد جدا فان شئت ان تلاحظه فراجع
ص 242 من النسخة المطبوعة من الفوائد المدنية.
156

الفكرية يتفكر ويستدل وان لم يعلم كيفية الفكر والاستدلال وبالجملة نسبة علم المنطق
إلى الفكر كنسبة العروض إلى الشعر بعينه، فكما ان الانسان إذا كان له قوة شعرية وطبيعة
موزونة ينشد الشعر ويميز بين صحيحه وفاسده وان لم يتعلم العروض فكذلك من كان له
قوة فكرية يتفكر ويستدل ويميز بين صحيح الامر وفاسده وان لم يتعلم المنطق، واحتمال الخطأ
مشترك بين العالم والجاهل وكذا سببه الذي هو الغفلة وعدم بذل الطاقة، وكما يحصل
التمييز من المنطق كذلك قد يحصل من المعلم المنبه فان كثيرا ما يغلط الانسان في فكره
فإذا عرضه على غيره ينبهه ويشير إليه بوضع خطائه ولو نفع المنطق في العصمة عن الخطأ
لكان أهله أعلم الناس وأصوبهم في المذهب ولم يقع الخطأ منهم أصلا وليس كذلك كما
هو معلوم، فإذا (1) تحقق المفتي بهذا الوصف وجب على الناس الترافع إليه وقبول قوله
والتزام حكمه لأنه منصوب من الإمام (ع) على العموم بقوله: انظروا إلى رجل منكم قد روى
حديثنا، الحديث، وقد مضى ذكره ويجوز ان يحصل هذه المرتبة لشخص في علم دون آخر
بل في مسألة دون أخرى كما يستفاد من رواية أبي خديجة: انظروا إلى من كان منكم قد عرف
شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، والمجتهد المطلق الذي اخترعته المتأخرون لا وجود له في
الأعيان عرفت ان في كل (2) واقعة خطابا صريحا قطعيا وان كثيرا منها مخفي عند أهل -

1 - من هنا مأخوذ من كلام الشهيد الثاني (ره) بعين عبارته إلى آخر الحديث المشار إليه
(انظر الفوائد المدنية، ص 6، س 4 - 8).
2 - من هنا إلى قوله " فكيف لا يكون متعذرا عندنا مع قلة الطرق " مأخوذ من الفوائد
المدنية ونص عبارة الأمين (ره) فيه (ص 47، س 6) هكذا:
" أقول: من ضروريات مذهب الإمامية ان كل ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة
وكلما يختلف فيه اثنان ورد فيه خطاب وحكم من الله تعالى حتى أرش الخدش فخلو واقعة
عن حكم الهي غير متضور عند أصحابنا.
فائدة - اعلم أن علماء العامة مع كثرة المدارك الشرعية عندهم اختلفوا في تحقيق
مجتهد الكل مذهب جماعة من محققيهم كالآمدي وصدر الشريعة إلى عدم تحققه والعجب
كل العجب من جمع من متأخري أصحابنا حيث زعموا تحققه مع عدم اعتبار تلك المدارك
عند أصحابنا ". وتكلم بمثل ذلك أيضا في موضع آخر من الفوائد (انظر ص 132) وعنون
المسألة هناك بقوله: " الفصل الثالث - في اثبات تعذر المجتهد المطلق " فبسط الكلام بنحو
أبسط مما مر فمن اراده فليطلبه من هناك فان المقام لا يسع ذكره.
157

البيت عليهم السلام وانه يجب التوقف في كل واقعة لم يعلم حكمها، وما من مجتهد الا
وقد توقف في كثير من المسائل وقد عرفت عدم جواز التمسك بالبراءة الأصلية ولا
الاستصحاب في الحكم، وعمومات الكتاب والسنة لا تفي بجميع الاحكام، وقد قال بتعذر
المجتهد المطلق جمع من العامة كالآمدي من الشافعية وصدر الشريعة من الحنفية وغيرهما
مع كثرة طرق الاستنباطات عندهم فكيف لا يكون متعذرا عندنا مع قلة الطرق. نعم لابد
في المفتي ان يكون قد حصل من المسائل ما يعرف به قدرته على الاستنباطات ورده الفروع
إلى الأصول فإنه ما لم يبلغ هذه الرتبة لا يعتمد على شئ من احكامه وفتاويه.
فصل
المحقق في العلوم الثلاثة الدينية ليس منحصرا في الأئمة المعصومين عليهم السلام
كما يظنه جماعة من أصحابنا وان كان العالم بجميع المسائل في الجميع منحصرا فيهم فإنه يوجد
في هذه الأمة المرحومة أفراد كثير رزقهم الله العلم اللدني والتحقيق الكشفي في كثير من
المسائل الدينية خصوصا العلمين الأولين ولا سيما علم التوحيد وتنزيه الحق ومعرفة اليوم الآخر
حتى جاوز بعضهم في بعضها علم اليقين ووصل إلى عين اليقين كما أشير إليه فيما رواه
في الكافي باسناده الموثق (1) عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ان

1 - يشير به إلى السند الذي نقل الحديث به في الوافي في باب حقيقة الايمان (انظر ص 291
من المجلدة الأولى من الطبعة الثانية) قائلا بعده:
" بيان - الخفقة بالخاء المعجمة والفاء والقاف تحريك الرأس بسبب النعاس، والهاجرة
اشتداد الحر نصف النهار، والعزوف عن الشئ الزهد فيه، والاصطراخ الاستغاثة، وهذا التنوير
الذي أشير به في الحديث انما يحصل بزيادة الايمان وشدة اليقين فإنهما تنتهيان بصاحبهما
إلى أن يطلع على حقائق الأشياء محسوساتها ومعقولاتها فينكشف لحجبها وأستارها فيعرفها
بعين اليقين على ما هي عليه من غير وصمة ريب وشائبة شك فيطمئن لها قلبه ويستريح بها
روحه هذ هي الحكمة الحقيقية التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا واليه أشار أمير المؤمنين (ع)
بقوله: هجم بهم العلم على حقائق الأمور، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون،
وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى،
أراد (ع) بما استوعره المترفون يعني المتنعمون رفض الشهوات البدنية وقطع التعلقات
الدنيوية وملازمة الصمت والسهر والجوع والمراقبة والاحتراز عما لا يعني ونحو ذلك وانما
يتيسر ذلك بالتجافي عن دار الغرور والترقي إلى عالم النور والانس بالله والوحشة مما سواه
وصيرورة الهموم جميعا هما واحدا وذلك لان القلب مستعد لان يتجلى فيه حقيقة الحق في
الأشياء كلها من اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله به إلى يوم القيامة وانما حيل
بينه وبينها حجب كنقصان في جوهره أو كدورات تراكمت عليه من كثرة الشهوات أو عدول
به عن جهة الحقيقة المطلوبة أو اعتقاد سبق إليه ورسخ فيه على سبيل التقليد والقبول بحسن
الظن أو جهل بالجهة التي منها يقع العثور على المطلوب، والى بعض هذه الحجب أشير في الحديث
النبوي: لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء ".
158

رسول الله (ص) صلى بالناس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوى برأسه
مصفرا لونه قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه فقال له رسول الله (ص): كيف أصبحت
يا فلان؟ - قال: أصبحت يا رسول الله (ص) موقنا، فعجب رسول الله (ص) من قوله وقال:
ان لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ - فقال: ان يقيني يا رسول الله (ص) هو الذي
أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأني أنظر إلى
عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم، وكأني أنظر إلى أهل -
الجنة يتنعمون في الجنة ويتعارفون على الأرائك متكؤون، وكأني أنظر إلى أهل النار
وهم فيها معذبون مصطرخون، وكأني الان أسمع زفير النار يدور في مسامعي، فقال
159

رسول الله لأصحابه: هذا عبد نور الله قلبه بالايمان ثم قال له: الزم ما أنت عليه، فقال الشاب:
ادع الله لي يا رسول الله (ص) اني ارزق الشهادة معك، فدعا له رسول الله (ص) فلم يلبث
ان خرج في بعض غزوات النبي (ص) فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر.
وفي رواية أخرى (1) ما يقرب منه وفيها مكان الشاب حارثة بن مالك بن النعمان
الأنصاري وانه (ص) قال له: أبصرت فأثبت.
وفي نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه (2):
عباد الله ان من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف
فزهر مصباح الهدى في قلبه وأعد القرى ليومه النازل به، فقرب على نفسه البعيد، وهون
الشديد، نظر فأبصر وذكر فاستكثر، وارتوى من عذب فرات سهلت موارده فشرب
نهلا وسلك سبيلا جددا، قد خلع سرابيل الشهوات وتخلى من الهموم الا هما واحدا
انفرد به، فخرج عن صفة العمى ومشاركة أهل الهوى وصار من مفاتيح أبواب الهدى
ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقه، وسلك سبيله، وعرف مناره، وقطع غماره،
واستمسك من العرى بأوثقها، ومن الجبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس،

1 - هو أيضا في الوافي نقلا عن الكافي في باب حقيقة الايمان واليقين (انظر ج 1
من الطبعة الثانية ص 291) وقال المصنف (ره) بعد نقله بسنده " كا - وفي رواية القاسم بن بريد
عن أبي بصير قال: استشهد مع جعفر بن أبي طالب بعد تسعة نفر وكان هو العاشر " ثم أورد
بيانا للحديث المشار إليه المطوى ذكره فلذا لم نورده.
قال العلامة المجلسي (ره) في مرآة العقول ضمن شرحه للحديث الأول:
" قال بعض المحققين: هذا التنوير الذي أشير به في الحديث انما يحصل (فذكر كلام
المصنف (ره) الذي مر نقله إلى آخره وهو: لنظروا إلى ملكوت السماء) ". فان شئت ان تراجعه
فراجع ج 2 مرآة العقول ص 77.
2 - انظر ج 2 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد من طبعة مصر ص 126.
ونقله الأمين الاسترآبادي (ره) في الفوائد المدنية (ص 96).
160

قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور، من اصدار كل وارد عليه وتصيير كل فرع
إلى أصله، مصباح ظلمات، كشاف عشوات (1)، مفتاح مبهمات، دفاع معضلات، دليل -
فلوات، يقول ويفهم، ويسكت فيعلم، قد أخلص لله فاستخلصه، فهو من معادن دينه،
وأوتاد أرضه، قد ألزم نفسه العدل، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحق
ويعمل به، لا يدع للخير غاية إلا أمها، ولا مظنة الا قصدها، قد مكن الكتاب من
زمامه فهو قائده وامامه، يحل حيث حل ثقله، وينزل حيث كان منزله.
وقال (ع) أيضا (2): وآخر قد تسمى عالما وليس به، الحديث، وقد مضى تمامه
في الأصل الثامن (3) ويستفاد من آخره مذمة علم الكتاب (4) وأهله وأنهم ليسوا بعلماء ويأتي
في الأصل الآتي ما يؤكده وذلك لان العلم ما يوجب الخشية من الله والطمأنينة في السر
كما دل عليه هذان الحديثان، وينبه عليه قوله تعالى: انما يخشى الله من عباده العلماء (5)،
وليس ذلك الا اليقين والتحقيق المأخوذ من الله سبحانه كما قال الله عز وجل في حق من
قال (6): وعلمناه من لدنا علما. وقال بعضهم (7): أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا

1 - في شرح النهج لابن أبي الحديد: " عشاوات ".
2 - انظر ج 2 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، من طبعة مصر (ص 129 - 130).
ونقله الأمين الاسترآبادي في الفوائد المدنية (ص 96).
3 - انظر ص 122 - 121. 4 - في نسخة أخرى: " الكلام ".
5 - من آية 28 سورة الفاطر. 6 - ذيل آية 65 سورة الكهف.
7 - المراد من هذا البعض أبو يزيد وذلك لأنه قال المصنف (ره) في مقدمة كتابه
الموسوم بعين اليقين المنضم في الطبع بكتابه الاخر المسمى بعلم اليقين ضمن كلام له يشبه
كلامه هذا، ولا بأس بنقل شئ منها، فقال تحت عنوان " المقدمة في الإشارة إلى فضيلة علم -
التوحيد وشرف أهله وكيفية تحصيله " (ص 240):
" ان شرف العلم يكون بقدر شرف المعلوم (فساق الكلام إلى أن قال) وكلهم انما
يأخذون علمهم عن الله سبحانه بلا واسطة، وعلمك ما لم تكن تعلم، وعلمناه من لدنا علما، قال
أبو يزيد: أخذتم علمكم ميتا عن ميت واخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت، وانما يحصل
هذا العلم بعد فراغ القلب وصفاء الباطن وتخليته عن الرذائل وتحليته بالفضائل والزهد في
الدنيا ومتابعة الشرع وملازمة التقوى، واتقوا الله ويعلمكم الله، ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا،
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.
وفي الحديث ليس العلم بكثرة التعلم انما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد الله ان
يهديه، العلم نور وضياء يقذفه الله في قلوب أوليائه وأنطق به على لسانهم، العلم علم الله
لا يعطيه الا لأوليائه، الجوع سحاب الحكمة فإذا جاع العبد مطر بالحكمة، من أخلص لله أربعين
صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، من علم وعمل بما علم ورثه الله علم ما
لم يعلم، ما من عبد الا ولقلبه عينان وهما غيب يدرك بهما الغيب فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح
عيني قلبه فيرى ما هو غائب عن بصره، وفي كلام أمير المؤمنين وسيد الموحدين (ع): ان من
أحب عباد الله إليه (فساق الحديث إلى آخره وكذا حديثه الاخر الذي أوله: قد أحيا قلبه
وأمات نفسه) ". وذكر أيضا في كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء تحت
عنوان " بيان شواهد الشرع على صحة طريق أهل المجاهدة في اكتساب المعرفة لا من التعلم ولا من
الطرق المعتادة " كلاما مبسوطا في اثبات ما يفصح عنه عنوان الباب فمن اراده فليراجع الكتاب
المذكور (ج 5،، ص 47 - 43 من طبعة مكتبة الصدوق) ومما استشهد به قوله (ره) في ص 43 " وقال
النبي (ع): من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم " وقوله (ره) في أواخر العنوان (ص 45):
" ومن الاخبار النبوية في هذا المقام: ليس العلم بكثرة التعلم انما هو نور يقذفه الله في قلب
من يريد الله ان يهديه (فذكر ما بعده من الأحاديث النبوية إلى قوله " فيرى ما هو غائب
عن بصره " كما ذكره في عين اليقين كما نقلناه عنه).
161

علمنا عن الحي الذي لا يموت، ولهذا قال النبي (ص): علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل (1)
فان الأنبياء عليهم السلام انما يأخذون علمهم من الله سبحانه من غير تقليد وهو العلم في

1 - هذا الحديث مع شهرته في السنة الناس لم يوجد لها مأخذ يوثق به وتسكن النفس
لأجله إلى صدوره عن المعصوم قال المحدث النوري - قدس سره - في المجلد الأول من
كتاب دار السلام بعد نقل رؤيا يتضمن هذا الخبر ما لفظه (176 من الطبعة الأولى):
" قلت: قد صرح المحدث الخبير السيد نعمة الله الجزائري في زهر الربيع بعدم عثوره
على هذا الخبر في كتب الاخبار، وعده بعض المخالفين في الاخبار الموضوعة في كتاب صنفه لها
ولكن العلامة (ره) أرسله عنه (ص) في أول كتاب التحرير وفي رجال الكشي عن أبي الجارود
قال: قلت للأصبغ بن نباتة: ما كان منزلة هذا الرجل فيكم؟ - قال ما أرى ما تقول الا
ان سيوفنا كانت على عواتقنا فمن أومى إلينا ضربناه بها، وكان يقول لنا: تشرطوا تشرطوا فوالله
ما اشتراطكم لذهب ولا فضة، وما اشتراطكم الا للموت، ان قوما قبلكم تشارطوا نبيهم فما -
مات أحد منهم حتى كان نبي قومه أو نبي قريته أو نبي نفسه، وانكم بمنزلتهم غير انكم
لستم بأنبياء.
وبهذا الخبر يمكن صرف الخبر المذكور عن ظاهره لما دل
عليه الأدلة العقلية والنقلية من عدم جواز بلوغ غير النبي إلى رتبته بان يكون المراد
والله العالم ان علماء هذه الأمة مثل أنبياء بني إسرائيل في اتباعهم لنبي واحد وهو موسى على
نبينا وآله وعليه السلام وترويجهم جميعا لشريعته ونشرهم آثاره ووقفهم أنفسهم على بيان
ما جاء به من الاحكام والعلوم الربانية وعدم كونهم بأنفسهم ذوي سنن متبعة وشرائع
منتهجة، أو المراد من العلماء هم الأئمة عليهم السلام على ما يظهر من أخبار كثيرة من
انحصار العلماء فيهم ففي الخبر المشهور: نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وباقي الناس غثاء،
وهذا أظهر والله العالم ".
واختار الوجه الأول التوجيهين في كتابه الموسوم به " كلمهء طيبة " وقال في أوائل
الباب الرابع الذي في بيان لزوم احترام العلماء وتعريف مقامهم ومنزلتهم ما نصه (39
من طبعة بمبئي سنة 1303):
" وشيخ كشى در رجال خود از جناب صادق عليه السلام روايت نموده كه فرمودند:
بشناسيد مقام ومنزلت شيعيان ما را بقدر آنچه مي دانند از روايات ما، وبروايت ديگر فرمودند:
بشناسيد منازل مردم را در نزد ما بقدر روايتشان از ما، وأيضا از أبي الجارود نقل كرده
كه گفت: گفتم به اصبغ بن نباته: بچه اندازه بود مقام أين مرد يعني حضرت أمير عليه السلام
در نزد شما؟ - گفت: نميدانم چه ميگوئى جزاينكه شمشيرهاى ما برشانه هاي ما بود پس بهر
كس إشارة ميكرد ميزديم اورا بآن شمشير، وميفرمود بما: تعهد كنيد تعهد كنيد قسم بخدا
كه تعهد شما براى طلا ونقره نيست تعهد شما نيست مگر از براى مرگ، بدرستيكه قومي
پيش از شما أز بني إسرائيل معاهده كردند ميانهء خود يعنى از براى مرگ پس نمرد إحدى
از ايشان تا آنكه پيغمبر قوم خود شد يا پيغمبر قريهء خود يا پيغمبر نفس خود شد وبدرستيكه
شما بمنزلهء ايشانيد جزاينكه پيغمبر نيستيد.
وعلامهء حلي در أول كتاب تحرير روايت نموده از حضرت رسول صلى الله
عليه وآله كه علماى امت من بمنزلهء انبياى بني إسرائيل اند پس هرچه معلوم شود كه أز
خصايص خاصهء أنبياء است چون عصمت فطرى ونزول وحي ومثل آنها، علما را أز آن بهره
نيست ودر باقي فضائل واحكام وآداب متعلق بايشان با ايشان شريك اند، وازاين قبيل است
آنچه رسيده كه ايشان وارث أنبياء ونواب أئمة اند وحجت اند بر خلايق ازجانب ايشان چنانچه
در كافى از جناب ختمى مآب نقل كرده كه: علما هر آينه ورثهء انبيا اند وبدرستيكه انبيا ميراث
نگذشته اند دينار ودر همى بلكه ميراث گذاشته اند علم را پس هر كه گرفت چيزى از آنها
بتحقيق كه گرفته بهره تامى "
أقول: قد تكلمنا في هذا الباب بما لا مزيد عليه في تعليقات كتاب ميزان الملل ونقلنا
ما ذكره المحدث الجليل الشيخ الحر العاملي (ره) في توجيهه في كتاب الفوائد الطوسية، وكذا
ما ذكره السيد عبد الله شبر في مصابيح الأنوار، وما ذكره السيد الجزائري في زهر الربيع، ونقلنا
ما قيل في أنه موضوع من بعض كتب العامة، فأنشئت فراجع (ص 103 و 104 وص 265 - 269 منه)
وقد طبع سنة 1324.
162

الحقيقة كما قال الصادق (ع): اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من روايتهم عنا، فانا
لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا، فقيل له: أو يكون المؤمن محدثا؟ - قال: يكون
163

مفهما والمحدث المفهم. وأما غير ذلك فهو تقليد أو جدل أو مزج بينهما أو غير ذلك
وليس شئ منها من العلم في شئ، وانما يحصل هذا بعد تفريغ القلب وتصفية الباطن وتخليته
164

عن الرذائل وتحليته بالفضائل ومتابعة الشرع وملازمة التقوى كما قال تعالى: واتقوا الله
ويعلمكم الله (1) وقال: ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا (2) وقال: ومن يتق الله يجعل له مخرجا
ويرزقه من حيث لا يحتسب (3) وقال: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (4) وفي الحديث
النبوي: ليس العلم بكثرة التعلم، انما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد الله ان يهديه (5)،
وفيه: العلم نور وضياء يقذفه الله في قلوب أوليائه ونطق (6) به على لسانهم (7)، وفيه: علم
عند (8) الله لا يعطيه الا لأوليائه (9) وفيه: الجوع سحاب الحكمة فإذا جاع العبد مطر
بالحكمة (10)، وفيه: من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه (11)،

1 - من أواخر آية 82 سورة البقرة (وهي أطول آية في القرآن).
2 - وسط آية 29 سورة الأنفال وصدرها " يا أيها الذين آمنوا " وذيلها: " ويكفر
عنكم سيأتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ".
3 - ذيل آية 3 من سورة الطلاق.
4 - صدر آية 69 سورة العنكبوت.
4 - هو قطعة من حديث نقله عنوان البصري عن الصادق عليه السلام وذكره الشيخ
البهائي (ره) في الكشكول نقلا عن الشهيد الأول وهو عن خط الشيخ احمد الفراهاني (ره) في المجلد
الأول من البحار في باب آداب طلب العلم واحكامه (انظر ص 70 - 69 من طبعة امين الضرب)
الا ان هناك مكان " يقذفه الله ": " يقع ".
6 - في المحجة البيضاء وفي عين اليقين وفي هذا الكتاب بهمزة في أول الكلمة.
7 - لم أعثر على سند له بل على وجوده بهذا اللفظ في كتاب يعتنى به.
8 - في المحجة البيضاء وفي عين اليقين موضع: " علم عند ": " العلم علم ".
9 - لم أجده في كتاب حتى أبحث عن مأخذه.
10 - هذا الحديث يحتمل قويا ان يوجد في ارشاد القلوب للديلمي أو جامع الأخبار
وما يضاهيهما من الكتب والمضمون يشبه مضامين اخبار أخر صدرت عن المعصومين عليهم السلام.
11 - قال المجلسي (ره) في المجلد الخامس عشر من البحار في الجزء الثاني في باب
الاخلاص ومعنى قربه تعالى (ص 85 من طبعة امين الضرب): " ن (اي عيون أخبار
الرضا) " بالاسناد إلى دارم عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله (ص): ما
أخلص عبد لله عز وجل أربعين صباحا الا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " وقال أيضا
في ذلك الباب (ص 87): " عدة الداعي عن النبي (ص) قال: من أخلص لله أربعين يوما فجر الله
ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " وقال السيوطي في الجامع الصغير: " من أخلص لله أربعين
يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه (حل عن أبي أيوب ض) " يريد انه في حلية الأولياء
بسند ضعيف.
165

وفيه: من علم وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم (1)، وفيه: ما من عبد الا ولقلبه عينان
وهما غيب يدرك بهما الغيب، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عيني قلبه فيرى ما هو غائب
عن بصره (2)، إلى غير ذلك مما يؤدى هذا المعنى وهو كثير.

1 - قال المجلسي (ره) نقلا عن المفيد (ره) في تاسع البحار في باب علمه (ص 956 من
طبعة امين الضرب): " ومثل هذا قول النبي (ص): من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما
لم يعلم " وقال أيضا في المجلد السابع عشر ص 168 من طبعة امين الضرب نقلا عن اعلام الدين:
من عمل بما يعلم علمه الله ما لم يعلم " وقال في المجلد الأول من البحار في باب استعمال العلم
(ص 77 من طبعة امين الضرب): " ثو (اي ثواب الأعمال) عن سعد عن الأصبهاني عن
المنقري عن حفص عن أبي عبد الله (ع): من عمل بما علم كفى علم ما لم يعلم، بيان - كفى ما
لم يعلم اي علمه الله بلا تعب ". قال صديقنا الأعز علي أكبر الغفاري في ذيل ص 24 من
المجلد الخامس من المحجة البيضاء " ان أبا نعيم اخرج في الحلية من حديث انس ان النبي (ص)
قال: من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم " وذلك بناء على ما في المغني كما تقدم ".
2 - لم أجده في كتاب، اما ما يشبهه من وجه فأخبار نقلت في كتب الحديث مثل قول
الصادق (ع): ما من مؤمن الا ولقلبه أذنان في جوفه أذن ينفث فيها الوسواس الخناس واذن
ينفث فيها الملك، وقوله (ع) في حديث آخر: ما من قلب الا وله أذنان على أحديهما ملك
مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتن، إلى غيرهما مما يضاهيهما من الأحاديث، ومن أراد شرحهما
فليراجع " باب ان للقلب أذنين " من شروح أصول الكافي، ومن أجلها مرآة العقول للعلامة المجلسي
(ره) (انظر ج 2 ص 237 - 242).
166

وروى في الكافي عن ضريس الكناسي قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) وعنده
أبو بصير (1) فقال أبو عبد الله (ع): ان داود ورث علم الأنبياء، وان سليمان ورث داود،
وأن محمدا (ص) ورث سليمان وانا ورثنا محمدا، وان عندنا صحف إبراهيم وألواح -
موسى، فقال أبو بصير: ان هذا لهو العلم، فقال: يا أبا محمد ليس هذا هو العلم انما العلم ما
يحدث بالليل والنهار يوما بيوم وساعة بساعة. أقول: أراد (ع) والعلم عند الله ان العلم
ليس ما يحصل من السماع وقراءة الكتب وحفظها فان ذلك تقليد وانما العلم ما يفيض من
الله سبحانه على قلب المؤمن يوما فيوما وساعة فساعة فينكشف به من الحقائق ما تطمئن
به النفس وينشرح له الصدر، ويتحقق به العالم كأنه ينظر إليه ويشاهده، وكما أن الأئمة
المعصومين عليهم السلام كانوا يكتمون جواهر علومهم من غير أهلها ويستعملون التقية
فيها كما قال مولانا زين العابدين عليه السلام (2):
اني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا
ولا ستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وقال (ع) (3): التقية ديني ودين آبائي (4). وقال أبو جعفر (ع) حين سمع ان

1 - نقله المصنف (ره) عن الكافي في الوافي في " باب انهم يرث العلم بعضهم من بعض،
وانهم ورثوا علم جميع الأنبياء " (ج 1 من الطبعة الثانية ص 197) وقال بعده: " بيان - لعل المراد
والعلم عند الله ان العلم ليس (فساق ما في المتن إلى قوله) فيشاهده ".
2 - نسبة الاشعار إلى السجاد (ع) مشهورة وفي غالب كتب المصنف (ره) عنه (ع)
مأثورة حتى أن الغزالي أيضا نقلها عنه (ع) ونسبها إليه (ع) في كتبه.
3 - قال المجلسي (ره) في المجلد الأول من البحار في " باب النهي عن كتمان العلم " (ص
87 من طبعة امين الضرب): " ير - (اي بصائر الدرجات) سلمة بن الخطاب عن القاسم
بن يحيى عن جده عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خالطوا
(الحديث ".
4 - قال العلامة المجلسي (ره) في المجلد الأول من البحار في باب النهي عن كتمان العلم
والخيانة وجواز الكتمان عن غير أهله نقلا عن محاسن البرقي في حديث قاله الصادق (ع)
خطابا لمعلى بن خنيس (ص 88 من طبعة امين الضرب): " يا معلى ان التقية ديني ودين آبائي
ولا دين لمن لا تقية له " وفي كتاب العشرة وهو المجلد السادس عشر من البحار في باب التقية
والمداراة (ص 234 من طبعة امين الضرب): " كا - محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن
معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن (ع) عن القيام للولاة فقال: قال أبو جعفر (ع): التقية من
ديني ودين آبائي ولا ايمان لمن لا تقية له " أقول: من أراد ان يلاحظ اخبار التقية فليراجع
الباب المذكور (ص 224 - 238 من كتاب العشرة من طبعة امين الضرب).
167

الحسن البصري يزعم (1) ان الذين يكتمون العلم تؤذى ريح بطونهم أهل النار، فقال (ع):
فهلك إذا مؤمن آل فرعون، وما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا (ع). إلى غير ذلك
من كلماتهم عليهم السلام كذلك كل محقق في مسألة يجب عليه ان يكتم علمه فيها عمن
لا يفهمه فان كل أحد لا يفهم كل علم والا لفهم كل حائك وحجام ما يفهمه العلماء
من دقائق العلوم، ولهذا ورد في الحديث (2) لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، وفي رواية

1 - هو في المجلد الأول من الوافي في " باب انه لا علم الا ما يؤخذ من أهله " (ص 42)
هكذا: " كا - الاثنان عن الوشاء عن ابان عن عبد الله بن سليمان قال: سمعت أبا جعفر (ع)
يقول وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى ويقول: ان الحسن البصري يزعم،
الحديث إلى قوله نوحا (وبعده) فليذهب الحسن يمينا وشمالا فوالله ما يوجد العلم الا ههنا.
بيان - لما لم يكن عند الحسن من العلوم الحقيقة شئ لم يدر ان من العلم ما يجب كتمانه
كما أن منه ما يحرم كتمانه بل زبدة العلم في الحقيقة ليس الا ما يكتم كما قال سيد العابدين
عليه السلام:
اني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
واليه الإشارة بقوله (ع): فوالله ما يوجد العلم الا ههنا يعني ان ما هو الحقيق بان
يسمى علما ليس الا ما هو المخزون عندنا ".
2 - حديث معروف مذكور في غالب الكتب المعتبرة من الاخبار وشرحه جماعة
من علمائنا رضوان الله عليهم وأحسن شروحه وأجمعها للأقوال فيه ما في كتاب نفس الرحمن في
أحوال سلمان (انظر أواسط الباب الخامس) ولطوله طوينا الكشح عن نقله فراجعه ان شئت.
168

لكفر. وعن الصادق (ع): خالطوا الناس (1) بما يعرفون، ودعوهم مما ينكرون، ولا تحملوا
على أنفسكم وعلينا، ان أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب، أو نبي مرسل،
أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان.
وذلك لان أسرار العلوم على ما عليها لا يطابق ما يفهمه الجمهور من ظواهر الشرع
فلابد ان يكون الانسان أحد رجلين، اما محققا صاحب كشف ويقين أو مقلدا
صاحب تصديق وتسليم، واما الثالث فهالك وهو الذي يمزج الحق بالباطل ويحمل
الكتاب والسنة على رأيه ويخلطهما بعقله الناقص كما ورد في الأخبار الكثيرة التي قد مضى
ذكر بعضها في الأصل السابع ولهذا ورد في الحديث (2): اغد عالما أو متعلما أو أحب أهل -
العلم ولا تكن رابعا فتهلك ببغضهم، وفي غير واحد من الاخبار (3): الناس ثلاثة، اما عالم،

1 - قال العلامة المجلسي (ره) في المجلد الأول من البحار في باب النهي عن كتمان العلم
(ص 87 من طبعة امين الضرب): " ير (اي بصائر الدرجات للصفار) سلمة بن الخطاب
عن القاسم بن يحيى عن جده عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
خالطوا الناس (الحديث) ".
2 - أورده نقلا عن الكافي في الوافي في باب أصناف الناس (ج 1 من الطبعة الثانية، ص
32) وقال بعده: " بيان - اغد صر وأصبح وأصله من الغدو بالضم بمعنى سير أول النهار نقيض
الرواح، وفيه دلالة على أن غير الأئمة عليهم السلام يجوز ان يصير عالما علما لدنيا فإنه
المراد بالعلم دون حفظ الأقوال وحمل الاسفار، ببغضهم بعدواتهم حسدا لهم، واهمال العين
كما ظن تصحيف ". 3 - منها ما ذكره نقلا عن الكافي في الوافي في باب أصناف الناس (ج 1 ص 32):
" كا - الاثنان عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي -
عبد الله (ع) قال: الناس ثلاثة، عالم ومتعلم وغثاء. بيان - الغثاء بضم المعجمة والثاء
المثلثة والمد ما يحمله السيل من الزبد والوسخ، أريد به أراذل الناس وسقطهم، والمراد
بالعالم العالم بالعلم اللدني، وبالمتعلم من أخذ عنه كما مر مرارا ".
169

أو متعلم، أو غثاء. وفي رواية (1): نحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء،
إلى غير ذلك مما يؤدى هذا المعنى في تقسيم الناس.
الأصل العاشر
انه يجب على كل مكلف طالب للحق والنجاة ان يتحرى الأهم في الدين
فالأهم، ويأخذ بالأقرب من اليقين فالأقرب، ولا يترك ما يعنيه إلى ما لا يعنيه، ولا
ما يهم نفسه إلى ما يهم غيره، ولا يدخل في اختلافات الناس ومخاصماتهم والتعصبات الباردة
فإنها مذمومة جدا وممرضة للقلب بل يأخذ أولا بما اتفق عليه العقلاء قاطبة من وجود -
صانع حكيم عالم قادر غني سميع بصير ليس كمثله شئ على الاجمال من غير تفتيش
لحقيقته وماهيته وكيفية صفاته وغير ذلك فإنه مشوش لقلوب أكثر الخلق، ثم يأخذ
بما اتفقوا عليه أيضا من صدق الأنبياء عليهم السلام في دعواهم النبوة، وفيما جاؤوا به من
الاحكام جملة، وبما اتفق عليه الكل أيضا من وجود نشأة أخرى هي دار المجازاة وهو
مما أخبر به الأنبياء عليهم السلام قاطبة، ثم يأخذ بمقتضى ما اتفقوا عليه جميعا من أن
مدار النجاة في تلك النشأة هو التقوى والأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة، ومدار الهلاك
في أضدادها، فان ذلك مما لا يختلف فيه من له أدنى بصيرة، والتقوى هو الاخذ باليقين
وترك الشبهات كما في الحديث المشهور المتفق عليه: حلال بين، وحرام بين، وما بينهما
شبهات فمن حام حول الحمى يوشك ان يقع فيه. ثم إذا اهتدى إلى الاسلام وآمن
بخاتم النبيين وسيد المرسلين عليه وعليهم أفضل الصلوات والتسليمات أجمعين ويكون
طالبا للحق فلا محالة يهتدى إلى محبة أهل بيته عليهم السلام والاقرار بفضلهم وطهارتهم

1 - نقله في الوافي في باب أصناف الناس (ج 1، ص 32) بهذه العبارة " كا - علي بن
العبيدي عن يونس عن جميل عن أبي عبد الله (ع): قال: سمعته يقول: يغدو الناس على ثلاثة
أصناف، عالم ومتعلم وغثاء، فنحن العلماء، (الحديث) ".
170

إذا لم يكن مريض النفس عنيد القلب وان لم يقر بعد بإمامة من ثبت له الإمامة منهم لان
الكتاب والسنة مشحونان بذلك ولم يختلف فيه ذو بصيرة ما من الاسلام، وكذلك
أصول العبادات من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد والامر بالمعروف والنهي
عن المنكر فإنها مما لا خلاف في أصلها وان اختلف في شرائطها وآدابها، وكذلك متابعة -
النبي (ص) وأهل بيته عليهم السلام في أخلاقهم وآدابهم وعاداتهم فإذا أخذ بذلك
كله على التسليم والانقياد طلبا للحق ومرضاة الله هداه الله البتة إلى الايمان وجعله من الفرقة
الحقة الناجية إن شاء الله كما أشير إليه في الأصل السابق. ثم إذا اهتدى إلى معرفة الأئمة
الاثني عشر عليهم السلام وعرف امام زمانه وخرج من الجاهلية فعليه ان يتبعهم ويقتفي أثرهم
فإذا لم يكن له طريق إلى حضرتهم عليهم السلام فيأخذ بأخبارهم وآثارهم فان الكلام
قائم مقام المتكلم فيتبع الأقرب إلى اليقين واتفاق أصحابهم فالأقرب والأبعد من
اختلافهم فالأبعد، وهكذا، ولا يوسع دائرة الخلاف ما وجد إليه سبيلا بل يسكت عما
سكت الله عنه.
ومما يدل على هذه المذكورات من الآيات قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله (1) وقوله عز وجل: ولقد وصينا الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم ان اتقوا الله (2) وقوله تعالى: قل ان كنتم تحبون الله
فاتبعوني يحببكم الله (3) وقوله عز وجل (4): وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
وقوله تعالى (5): ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. وقوله عز اسمه (6): يا أيها الذين

1 - صدر آية 18 سورة الحشر. 2 - وسط آية 131 سورة النساء.
3 - صدر آية 31 سورة آل عمران. 4 - وسط آية 7 سورة الحشر.
5 - صدر آيتين، إحداهما آية 30 سورة فصلت وذيلها: " تتنزل عليهم الملائكة ألا
تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " وثانيتها آية 13 سورة الأحقاف وذيلها
" فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون ". أقول: هاتان الآيتان مما ينبغي للمسلمين ان يتفكروا
فيهما حق التفكر ويعملوا بمدلولهما بتوفيق الله تعالى.
6 - صدر آية 105 سورة المائدة.
171

آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وقوله جل ذكره (1): وإذا رأيت
الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره. وقال عز من
قائل (2): ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن. وقوله سبحانه (3): وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاما. وقوله جل شأنه: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا
أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين * انك لا تهدى من أحببت ولكن الله
يهدي من يشاء (4) إلى غير ذلك من أمثال هذه الآيات وهي كثيرة.
وروى الصدوق في كتاب التوحيد باسناده علي بن عقبة عن أبيه (5) ورواه في الكافي (6) أيضا قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: اجعلوا أمركم لله ولا تجعلوه للناس فان
ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله، ولا تخاصموا الناس لدينكم فان المخاصمة
ممرضة للقلب ان الله عز وجل قال لنبيه (ص): انك لا تهدي من أحببت ولكن الله

1 - صدر آية 68 سورة الأنعام وذيلها: " واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى
مع القوم الظالمين ". 2 - صدر آية 46 سورة العنكبوت. 3 - ذيل آية 63 سورة الفرقان.
4 - آية 55 وصدر آية 56 سورة القصص.
5 - هو الحديث الثالث عشر من باب التعريف والبيان والحجة والهداية من كتاب
التوحيد (انظر ص 415 من طبعة مكتبة الصدوق).
6 - نقله الكليني (ره) في أصول الكافي في باب الهداية انها من الله (انظر مرآة العقول،
ج 1 ص 126) وقال المصنف (ره) بعد نقله عن الكافي في الوافي في باب ان الهداية من الله
(ج 1، ص 104 من الطبعة الثانية): " بيان - اجعلوا امركم لله اي أخلصوا دينكم
وانقيادكم لمن امركم الله بانقياده لله تعالى ولا تجعلوه للناس أي لا تراؤا به فان الرياء
شرك خفي مردود إلى صاحبه. ممرضة للقلب اما بضم الميم اسم فاعل أو بكسرها اسم
آلة. والوكر عش الطائر وان لم يكن فيه ".
172

يهدي من يشاء (1) وقال: أفأنت تكره الناس حتى تكونوا مؤمنين (2) ذروا الناس فان
الناس أخذوا عن الناس وانكم أخذتم عن رسول الله (ص) اني سمعت أبي يقول: ان الله
عز وجل إذا كتب على عبد ان يدخل في هذا الامر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره.
وباسنادهما عنه (ع) قال (3) ان لله تعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور
وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده، وإذا أراد بعبد سوء نكت في قلبه نكتة سوداء
وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله ثم تلا هذه الآية: فمن يرد الله ان يهديه يشرح

1 - صدر آية 56 سورة القصص. 2 - ذيل آية 99 سورة يونس.
3 - نقله الصدوق (ره) في التوحيد في باب التعريف والبيان والحجة والهداية (415
طبعة مكتبة الصدوق) والكليني (ره) في أصول الكافي في باب الهداية انها من الله (انظر مرآة
العقول، ج 1 ص 125) وقال المصنف (ره) بعد نقله في الوافي في باب ان الهداية من الله
(ج 1 ص 103 من الطبعة الثانية): " بيان - ان الله إذا أراد بعبد خيرا اي قدره في عالم
التقدير من أهل السعادة الأخروية وجعل روحه من جنس أرواح الملائكة الأخيار نكت في
قلبه نكتة من نور ألقى في قلبه نية صالحة أو خاطر خير يؤثر فيه من فعل فعل أو قول
سمع والنكت ان يضرب في الأرض بقضيب ونحوه فيؤثر فيها وفتح مسامع قلبه بتكرير
الادراكات النورية الناشئة من تكثير الأعمال الصالحة وسماع الأقوال الفاتحة من جنس ما
يتأثر منه قلبه أو لا فيقوى بها استعداده لان يصير بها ملكة نفسانية ويخرج بها نور قلبه من
الضعف إلى الكمال ومن القوة إلى الفعل فيستعد ان يصير ذاتا جوهرية نورانية قائمة بذاتها
فاعلة للخير والهداية وإليها أشار بقوله ووكل به ملكا يسدده فهذا الملك خلقه الله من
مادة تلك النية الصالحة والحالة النفسانية واشتدادها بتكرر النيات والادراكات التي تناسبها
ويولد هذا الملك في عالم المعنى من تلك النية وما يتقوى به في رحم النفس كتولد الحيوان
في عالم الصورة من ماء مهين يتغذى ويتقوى مدة بدم الحيض في رحم الام حتى يصير شخصا
حيوانيا مستقلا بذاته وقس عليه معنى إرادة السوء والنكتة السوداء وسد المسامع
وتوكيل الشيطان واضلاله إياه ".
173

صدره للاسلام، ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء (1).
وفي كتاب التوحيد باسناده عنه (ع): انه سئل عن المعرفة (2) أمكتسبة هي؟ - فقال: لا،
فقيل له: فمن صنع الله عز وجل وعطائه هي؟ - قال: نعم، وليس للعباد فيها صنع ولهم
اكتساب الأعمال. وباسناده عن محمد بن عيسى قال (3): قرأت في كتاب علي بن هلال
انه سئل الرجل يعني أبا الحسن (ع) انهم نهوا عن الكلام في الدين فتأول مواليك
المتكلمون بأنه انما نهى من لا يحسن ان يتكلم فيه فأما من يحسن ان يتكلم فلم ينه، فهل
ذلك كما تأولوا أو لا؟ - فكتب (ع): المحسن وغير المحسن لا يتكلم فيه، فان إثمه أكبر
من نفعه. وباسناده عن الصادق (ع): قال (4) كف الأذى والصمت يزيدان في الرزق.
وباسناده عن علي بن يقطين رضي الله عنه قال (5) قال أبو الحسن (ع): مر أصحابك ان
يكفوا من ألسنتهم ويدعوا الخصومة في الدين ويجتهدوا في عبادة الله عز وجل. وباسناده
عن الصادق (ع) قال (6): لا يخاصم الا شاك أو من لا ورع له، وفي رواية أخرى (7) الا من
ضاق بما في صدره. وعن أبيه (8) الخصومة تمحق الدين وتحبط العمل وتورث الشك.
وروى (9) ان رجلا قال للحسين بن علي (ع): اجلس حتى نتناظر في الدين، فقال: يا هذا

1 - صدر آية 125 سورة الأنعام. 2 - انظر أواخر باب التعريف والبيان (ص
414 طبعة مكتبة الصدوق). 3 - هو في باب النهى عن الكلام (ص 9 45 من طبعة
مكتبة الصدوق).
4 - هو في باب النهي عن الكلام (ص 460 من طبعة مكتبة الصدوق) الا ان فيه في
موضع " الصمت ": " وقلة الصخب ".
5 و 6 و 7 و 8 - كلها في باب النهي عن الكلام (ص 458 - 461 من طبعة مكتبة الصدوق).
9 - هذه الرواية مأخوذة من مصباح الشريعة (انظر باب المراء وهو الباب الثامن
والأربعون من الكتاب، ص 269 شرح مصباح الشريعة من طبعة دانشگاه طهران) ونقله المجلسي
(ره) في البحار في المجلد الأول في باب تجويز المجادلة في الدين والنهي عن المراء (ص 105
من طبعة امين الضرب) والمحدث النوري (ره) في مستدرك الوسائل في كتاب الحج في باب كراهة
المراء والخصومة (انظر ج 2 ص 98).
174

أنا بصير بديني مكشوف على هداي، فان كنت جاهلا بدينك فاذهب فاطلبه، مالي
وللمماراة. وفي إعتقادات الصدوق (ره) قال أمير المؤمنين (ع) (1): من طلب الدين للجدل
تزندق. وقال الصادق (ع) (2): يهلك أصحاب الكلام وينجو المسلمون، ان المسلمين هم
النجباء. وقال ابن طاوس (ره): وجدت في كتاب عبد الله بن حماد ما هذا لفظه (3): عن

1 و 2 هما في أوائل كتاب إعتقادات الصدوق في باب الاعتقاد في التناهي عن الجدل
والمراء (انظر ص 73 من النسخة المنضمة بشرح الباب الحادي عشر في الطبع) وأيضا الثاني
هو الحديث الثاني والعشرون في باب النهي عن الكلام والجدال والمراء من كتاب التوحيد
للصدوق (458 طبعة مكتبة الصدوق).
3 - ذكره ابن طاوس (ره) في كتاب كشف المحجة لثمرة المهجة ضمن تنبيه مفصل
يشتمل على التحذير من الاهتمام بعلم الكلام والخوض فيه (انظر ص 26 - 28 من النسخة
المطبوعة بطهران سنة 1306) ونقل المصنف أعني الفيض (ره) غالب ما ذكره ابن طاوس
(ره) في هذا الموضوع بعين عبارته أو بتغيير يسير في تلخيص ذلك الكتاب وذلك أنه لخص
كشف المحجة وسمى خلاصته " تسهيل السبيل بالحجة في انتخاب كشف المحجة لثمرة
المهجة " فلا بأس بنقل ما ذكره هناك هنا فأنه مفيد جدا وهو في الكتاب المذكور
أعني تسهيل السبيل بالحجة وقد طبع منضما بنسخة تحف العقول ومنهاج النجاة هكذا
(انظر ص 312 من النسخة المشار إليها وقد طبعت سنة 1303):
" ووجدت في كتاب هذا عبد الله بن حماد الأنصاري في النسخة المقروءة على هارون
بن موسى التلعكبري رحمه الله ما هذا لفظه: عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول: متكلموا هذه العصابة من شرار من هم. ويحتمل ان يكون المراد بهذا الحديث يا
ولدي المتكلمين الذين يطلبون بكلامهم وعلمهم ما لا يرضاه الله جل جلاله أو يكون ممن
يشغلهم الاشتغال بعلم الكلام عما هو أوجب عليهم من فرائض الله جل جلاله، ولقد رأيت
في عمري ممن ينسب إلى علم الكلام وقد أعقبهم ذلك العلم شكوكا في مهمات من الاسلام.
ومما يؤكد تصديق الروايات بالتحذير من علم الكلام وما فيه من الشبهات
انني وجدت الشيخ العالم في علوم كثيرة القطب الراوندي واسمه سعيد بن هبة الله رحمه الله
قد صنف كراسا وهي عندي الان في الخلاف الذي تجدد بين الشيخ المفيد والمرتضى رحمهما الله
وكانا من أعظم أهل زمانها وخاصة شيخنا المفيد فذكر في الكراس نحو خمس وتسعين
مسألة قد وقع الخلاف بينهما فيها في علم الأصول وقال في آخرها: لو استوفيت ما اختلفا
فيه لطال الكتاب، وهذا يدلك على أنه طريق بعيد في معرفة رب الأرباب.
أقول: (العبارة من هذا الموضع للفيض - قدس سره) ومما يزيد ذلك تأكيدا التعليقات
التي كتبها الشيخ المفيد (ره) على إعتقادات الصدوق أبي جعفر بن بابويه طاب ثراه فإنه خالفه
فيها في كثير من العقائد الدينية وطعن فيه لأجلها وبالغ في ذلك ومما يدل على مذمة الكلام
(إلى آخر ما قال) ".
أقول: من أراد تمام كلمات ابن طاوس (ره) في هذا الموضع فليراجع كشف المحجة ونقل
العلامة المجلسي (ره) في المجلدة الأولى من البحار في باب ما جاء في تجويز المجادلة في الدين
والنهي عن المراء (ص 106 من طبعة امين الضرب) هذا الحديث مع ما ذكره السيد بنص
عبارته ولولا أن المقام لا يسع أكثر من ذلك نقلت تمام ما ذكره السيد هنا فمن اراده فليطلبه
من هناك فإنه نفيس جدا.
175

جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: متكلموا هذه العصابة من شرار من
هم (1) وفي الإحتجاج للطبرسي (ره) عن الحسن بن علي (ع) انه قال (2) في كلام له:
فمن أخذ بما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله سلم
ونجا به من النار ودخل الجنة، ومن وفقه الله ومن عليه واحتج عليه بان نور قلبه بمعرفة

1 - في نسخة البحار: " من شرار من هم منهم ".
2 - هو مذكور في الاحتجاج في أواخر احتجاجاته نقلا عن سليم بن قيس (انظر ص 156
طبعة المطبعة المرتضوية في النجف سنة 1350) ونقله المصنف (ره) أيضا في خاتمة قرة العيون
(انظر ص 249) من النسخة المنضمة بكتاب الحقائق في الطبع). ونقله العلامة المجلسي
(ره) في المجلد العاشر من البحار في باب ما جرى بينه (اي بين الحسن المجتبى) وبين معاوية
(انظر ص 124 من طبعة امين الضرب من المجلد المذكور).
176

ولاة الامر من أئمتهم ومعدن العلم أين هو؟ فهو عند الله سعيد ولله ولي.
ثم قال بعد كلام: انما الناس ثلاثة، مؤمن يعرف حقنا، ويسلم لنا ويأتم بنا،
فذلك ناج محب لله ولي، وناصب لنا العداوة يتبرأ منا، ويلعننا، ويستحل دمائنا،
ويجحد حقنا ويدين الله بالبراءة منا، فهذا كافر مشرك (1) وانما كفر وأشرك من حيث لا يعلم
كما سبوا الله عدوا بغير علم [كذلك يشرك بالله بغير علم (2)] ورجل أخذ بما لا يختلف
فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله تعالى مع ولايتنا ولا يأتم بنا ولا يعادينا ولا يعرف حقنا،
فنحن نرجوا ان يغفر الله له ويدخله الجنة فهذا مسلم ضعيف.
وفي مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام (3):
اتق الله وكن حيث شئت ومن أي قوم شئت فإنه لا خلاف لاحد في التقوى،
والتقى محبوب عند كل فريق، وفيه جماع كل خير ورشد، وهو ميزان كل علم وحكمة،
وأساس كل طاعة مقبولة، والتقوى ماء ينفجر من عين المعرفة بالله، يحتاج إليه كل فن
من العلم وهو لا يحتاج إلى تصحيح المعرفة بالخمود تحت هيبة الله وسلطانه، ومزيد -
التقوى يكون من أصل اطلاع الله عز وجل على سر العبد بلطفه فهذا أصل كل حق.
وأما الباطل فهو ما يقطعك عن الله متفق عليه أيضا عند كل فريق فاجتنب عنه
وأفرد سرك لله تعالى بلا علاقة، قال رسول الله (ص): أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد
حيث يقول:

1 - في هذا الكتاب وفي البحار هنا لفظة " فاسق " بعد كلمة " كافر " وذكرت اللفظة
في الاحتجاج في هامش النسخة بعنوان البدل من كلمة " الكافر " وسياق الحديث يقتضي عدمها
في الأصل.
2 - ما بين القلابين ليس في البحار.
3 - هذا الباب هو الباب السابع والستون وهو المعنون بأنه في بيان الحق والباطل
(انظر شرح مصباح الشريعة ص 376 - 381 من طبعة دانشگاه تهران سنة 1344) ونقله
العلامة المجلسي (ره) في المجلد الخامس عشر، في أواخر باب الطاعة والتقوى والورع، (انظر
ص 97 من الجزء الثاني من المجلد الثاني من المجلد المذكور من طبعة امين الضرب).
177

الا كل شئ ما سوى الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل
فالزم ما أجمع عليه الصفاء والتقى من أصول الدين وحقائق اليقين والرضا والتسليم،
ولا تدخل في اختلاف الخلق ومقالاتهم فيصعب عليك وقد اجتمعت الأمة المختارة بان
الله واحد ليس كمثله شئ وانه عدل في حكمه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يقال له من
شئ في صنعته: لم؟ - ولا كان ولا يكون شئ الا بمشيته وانه قادر على ما يشاء وصادق
في وعده ووعيده، وان القرآن كلامه وانه مخلوق وانه كان قبل الكون والمكان والزمان،
وان إحداث الكون وافنائه عنده سواء، ما أزداد باحداثه علما ولا ينقص بفنائه ملكه،
عز سلطانه وجل سبحانه، فمن أورد عليك ما ينقض هذا الأصل فلا تقبله، وجود باطنك
لذلك ترى بركاته عن قريب وتفوز مع الفائزين.
وعنه عليه السلام قال (1): روى أن أبا ثعلبة الخشني سأل رسول الله (ص) عن
هذه الآية (2): يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم فقال: وامر (3)
بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا
واعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع أمر العامة.
وقد مضى عن أمير المؤمنين (ع) ان الله حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض
فلا تنقضوها، وسكت عن أشياء ولم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها، رحمة من الله لكم
فاقبلوها، ثم قال (ع): حلال بين، وحرام بين وشبهات بين ذلك، الحديث مع بيانه

1 - هو في مصباح الشريعة هكذا " الباب الرابع والستون في الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر " الا ان ما أورده المصنف (ره) هنا قطعة من ذلك الباب (انظر ص 360 - 359 من شرح مصباح
الشريعة طبعة انتشارات دانشگاه تهران سنة 1344) وذكره المصنف (ره) في المحجة البيضاء في احياء
الاحياء، ج 4 ص 109 - 110، والمجلسي (ره) في البحار في باب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، ص 114 من المجلد الحادي والعشرين من طبعة امين الضرب، والمحدث النوري (ره)
في مستدرك الوسائل في كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (ج 2، ص 360).
2 - صدر آية 105 سورة المائدة. 3 - من آية 17 سورة لقمان.
فليعلم ان كلمة " الخشني " حرفت في نسخ المصباح ونسخة كتابنا هذا " الأصول الأصيلة "
وغيرهما أيضا إلى كلمة " الأسدي " فالتصحيح قياسي والتفصيل محول إلى شرح مصباح الشريعة
فانا تكلمنا في ذلك هناك بحيث لا يبقى ارتياب في أن " الأسدي " تصحيف الصحيح: " الخشني "
فراجع ص 359 من ذلك الكتاب.
178

الذي تقدم ذكره (1).
فصل
قال الشيخ العارف المكاشف سعد الدين الحموئي (2)
في وصيته التي وصى بها المريدين (3):
اعلموا إخواني - أيدكم الله - اني جربت الأمور، واختبرت الظلمة والنور،
فشرعت في سماع الحديث على مشايخ جمة من أهل خراسان والعراق وأهل فارس ورؤس (4)
في ديار الشام كلها وحصلت منها جملة، فما رأيت في نفسي الا زيادة احتشاش بحطام
الدنيا وزخرفها، فمنعني الله عن ذلك وشرعت في علم الفقه واللغة والنحو وحصلت منها
مقدار حوصلة أهل الزمان، فما رأيت في نفسي الا الاشتراك مع العامي واللغوي فسلب الله

1 - راجع ص 80 من الكتاب الحاضر.
2 - قال صاحب روضات الجنات في باب الهمزة ما نصه (ص 49):
" الامام الهمام وشيخ المسلمين والاسلام إبراهيم بن الشيخ سعد الدين محمد بن المؤيد
أبي بكر بن الشيخ العارف جمال السنة أبي عبد الله محمد بن حمويه بن محمد الجويني المعروف
بالحموئي وابن حمويه جميعا كان من عظماء العلماء العامة ومحدثيهم الحفاظ وكذا أبوه وجده
بل وكثير من سلسلة نسبة الحموئين وفي القاموس ان حمويه بفتح الحاء وتشديد الميم المضمومة
كشبويه حد عبد الله بن أحمد بن حموية راوي الصحيح وان بني حموية الجويني مشيخة سموا حماؤ
بالضم انتهى وعليه فهذه النسبة منهم ليست إلى بلدة الحمى من بلاد شام المحمية كما توهم
بل هم جميعا حسبما قد عرفت من أهل جوين مصغرا وهي ناحية بين خراسان وقهستان
(إلى آخر الترجمة). 3 - مأخذ هذه الوصية فلم أظفر به. 4 - في الكلمات
المكنونة طبعة بمبئي سنة 1296: " ودرت ".
179

ذلك منى بفضله، فعزمت على تركه، والحاصل أني ما وجدت شيئا أقرب إلى الله من
محبة الرسول وآله صلوات الله عليهم والتسليم والرضا بموارد القضاء، والخمول وترك
الفضول، وترك التدبيرات الناشئة من العقول، والحمد لله رب العالمين، والصلاة على -
النبي صلى الله عليه وآله أجمعين.
فصل
قال العلامة المحقق حجة الفرقة الناجية نصير الملة والدين
محمد بن محمد بن الحسن الطوسي طاب ثراه في رسالة كتبها لبعض إخوانه (1):
اعلم أيدك الله أيها الأخ الصالح العزيز ان أقل ما يجب اعتقاده على المكلف هو
ما ترجمه قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم إذا صدق الرسول فينبغي ان يصدقه

1 - قال المصنف (ره) في كتابه الاخر الموسوم بعلم اليقين في أصول الدين بعد أن قال
(ويكفي للعامي ان يحصل العقائد الحقة اجمالا ولو بتقليد عالم بحسن اعتقاده فيه ولا يجب
عليه معرفة التفاصيل ولا النظر فيها من جهة البرهان والدليل زيادة على ما ورد في الشرع "
وبعد ان خاض في ذلك ببيانات طويلة ما نصه (ص 170):
" فصل - ومما يؤيد ما ذكرناه من أنه يكفي للعامي الاعتقاد المجمل والتقليد للشرائع
ما حققه أفضل المحققين وحجة الفرقة الناجية نصير الملة والدين محمد بن الحسن الطوسي طاب
ثراه في رسالة كتبها لبعض إخوانه حيث قال: اعلم أيدك الله (وذكر الرسالة إلى آخرها) ".
وقال في منهاج النجاة (ص 297 من النسخة المنضمة بتحف العقول في الطبع وص 34
من النسخة المطبوعة بخمس رسائل اخر منه):
" هداية - واما العقائد فأقل ما يجب اعتقاده على المكلف هو ما ترجمة قول لا إله إلا الله
محمد رسول الله، ثم إذا صدق الرسول فعليه ان يصدقه في صفات الله من العلم والقدرة والإرادة
والكلام وغيرها واليوم الآخر من الجنة والنار والصراط والميزان والحساب وغير ذلك وتعيين
الامام المعصوم بنصه عليه كل ذلك بما يشتمل عليه القرآن من غير مزيد برهان ولا يجب
عليه ان يبحث عن حقيقة الصفات وان الكلام والعلم وغيرهما حادث أو قديم بل لو لم
يخطر أمثال هذا بباله ومات مات مؤمنا ولم يكلف رسول الله صلى الله عليه وآله العرب
بأكثر من ذلك. كذا قاله العلامة الطوسي (ره) في رسالة له، وتبعه الفاضل الأردبيلي في ذلك
في شرحه للارشاد وأقول: ان افهام الناس وعقولهم (إلى آخر كلامه الطويل الذيل) ".
أقول: وصرح بنظير ذلك في خاتمة كتابه قرة العيون فأنشئت فراجع (ص 249).
وصرح به أيضا في كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء فإنه قال في كتاب
قواعد العقائد في الباب السابع ج 1 من طبعة مكتبة الصدوق (ص 257 - 259):
" فصل - أقول: وممن ذهب من علمائنا رحمهم الله إلى ما ذكره أبو حامد الغزالي
من اكتفاء العوام بمجملات العقائد وتقليدهم للشرائع أفضل المحققين حجة الفرقة الناجية
نصير الملة والدين محمد بن الحسن الطوسي - طاب ثراه - فإنه قال في بعض رسائله " أعلم
أيدك الله - أيها الأخ العزيز ان أقل ما يجب اعتقاده على المكلف (فساق الكلام إلى آخره
وهو قوله: واستيفاء ذلك شرحناه في كتاب قواعد العقائد فاطلبه منه) انتهى كلامه - طاب ثراه ".
180

في صفات الله واليوم الآخر وتعيين الامام المعصوم فكل ذلك مما يشتمل عليه القرآن
من غير مزيد وبرهان، اما في الآخرة فبالايمان بالجنة والنار والحساب والشفاعة وغيرها،
واما في صفات الله فبأنه حي قادر عالم مريد كاره متكلم ليس كمثله شئ وهو السميع
البصير، ولا يجب عليه ان يبحث عن هذه الصفات وان الكلام والعلم وغيرهما حادث
أو قديم، بل لو لم يخطر بباله حقيقة هذه المسألة حتى مات مات مؤمنا، ولا يجب عليه تعلم
الأدلة التي حررها المتكلمون بل مهما خطر في قلبه تصديق الحق بمجرد الايمان من غير
دليل وبرهان فهو مؤمن، ولم يكلف رسول الله صلى الله عليه وآله العرب بأكثر من
ذلك، وعلى هذا الاعتقاد المجمل استمرار العرب وأكثر عوام الخلق الا من وقع في بلدة
يقرع سمعه فيها هذه المسائل كقدم الكلام وحدوثه، ومعنى الاستقرار والنزول، وغيره،
فان لم يأخذ ذلك بقلبه وبقي مشغولا بعبادته وعمله فلا حرج عليه، وان أخذ ذلك بقلبه
فإنما الواجب عليه ما اعتقده السلف، يعتقد في القرآن انه كلام الله مخلوق، ويعتقد ان
الاسراء حق، والايمان به واجب، والسؤال عنه مع الاستغناء عنه بدعة، والكيفية فيه
181

مجهولة، ويؤمن بجميع ما جاء به الشرع ايمانا مجملا من غير بحث عن الحقيقة والكيفية،
وان لم يعتقد ذلك وغلب على قلبه الاشكال والشك، فان أمكن إزالة الشك والاشكال
بكلام قريب من الافهام أزيل، وان لم يكن قويا عند المتكلمين ولا مرضيا فذلك كاف
ولا حاجة إلى تحقيق الدليل فان الدليل لا يتم الا بذكر الشبهة والجواب، ومهما ذكرت
الشبهة
لا يؤمن ان تتشبث بالخاطر والقلب فيضل فهمه عن ذكر جواب الشبهة فيظنها حقه لقصوره
عن ادراك جوابها، إذ الشبهة قد تكون جلية والجواب عنها دقيقا لا يحمله عقله، ولهذا زجر
السلف عن البحث والتفتيش عن الكلام فيه، وانما زجروا عنه ضعفاء العوام، واما أئمة -
الدين فلهم الخوض في غمرة الاشكالات، ومنع العوام عن الكلام يجري منع الصبيان
عن شاطئ الدجلة خوفا من الغرق، ورخصة الأقوياء فيه يضاهي رخصة الماهر في صنعة
السباحة الا ان ههنا موضع غرور ومزلة قدم، وهو ان كل ضعيف في عقله يظن أنه
يقدر على ادراك الحقائق كلها وانه من جملة الأقوياء فربما يخوضون ويغرقون في بحر الجهالات
من حيث لا يشعرون، والصواب منع الخلق كلهم الا النادر الذي لا تسمح الاعصار الا
بواحد منهم أو اثنين من تجاوز سلوك مسلك السلف في الايمان المرسل والتصديق المجمل
بكل ما أنزل الله تعالى وأخبر به رسوله (ص)، فمن اشتغل في الخوض فيه فقد أوقع نفسه في
شغل شاغل إذ قال رسول الله (ص) حيث رأى أصحابه يخوضون بعد أن غضب حتى
احمرت وجنتاه: أبهذا أمرتم؟! تضربون كتاب الله بعضه ببعض، انظروا إلى ما أمركم الله
به فافعلوا، وما نهاكم عنه فانتهوا، فهذا تنبيه على نهج الحق، واستيفاء ذلك شرحناه في
كتاب قواعد العقائد فاطلبه منه. انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
فصل
قد ذكر أبو حامد الغزالي في مبدء نشوء علمي الكلام والاحكام
وسبب تدوينهما واختلاف الآراء فيهما بالاستنباطات الجدلية كلاما ملخصه (1):
انه لما انتهت الخلافة إلى أقوام تولوا بغير استحقاق واستيهال بعلم الفتاوى

1 - قال المصنف (ره) في المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء في كتاب العلم ما نصه
(انظر ص 98 من المجلد الأول من طبعة مكتبة الصدوق):
" الباب الرابع - في بيان سبب اقبال الخلق على المناظرة وذكر شروطها وآدابها
وآفاتها وقد تصرفت في عنوان هذا الباب وفي تقرير كلام أبي حامد تصرفا ما، بيان سبب اقبال
الخلق على المناظرة - اعلم أنه لما أفضت الخلافة بعدهم إلى أقوام (فذكر الكلام إلى آخره
أعني قوله: سوى التقرب إلى رب العالمين) وقال أستاذه الحكيم المحقق المولى صدر الشيرازي
(ره) في شرح أصول الكافي في شرح الحديث الثامن من أحاديث باب الاخذ بالسنة وشواهد -
الكتاب وهو الحديث السادس والمائتان من كتاب أصول الكافي ضمن ما قال ما نصه (ص 422
من النسخة المطبوعة): " واعلم أنه ذكر أبو حامد الغزالي في كتاب الاحياء في مبدء نشوء الفتاوى والاحكام
وسبب تدوينه وتدوين علم الكلام ان الخلافة بعد رسول الله (ص) تولاها الخلفاء (فساق
الكلام إلى آخره وهو قوله رب العالمين) ".
فعلم من تعبير المصنف (ره) في الكتاب الحاضر بقوله " ما ملخصه " ومن قوله في المحجة
البيضاء " وقد تصرفت في تقرير كلام أبي حامد تصرفا ما " ان ما نقله قد تصرف فيه ولخصه
فان شئت ان تلاحظ أصل كلام الغزالي فراجع كتاب العلم من احياء القلوب (ص 31 من المجلدة
الأولى من طبعة المطبعة الميمنية بمصر في سنة 1312 من الهجرة النبوية).
182

والاحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء والى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في
جميع مجاري أحكامهم، وكان العلماء قد تفرغوا لعلم الآخرة وتجردوا لها، وكانوا يتدافعون
الفتاوى وما يتعلق به أحكام الخلق، فأقبلوا على الله بكنه اجتهادهم فكانوا إذا طلبوهم
هربوا وأعرضوا، واضطر الخلفاء إلى الالحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات، فرأى
أهل تلك الاعصار عز العلماء واقبال عليهم مع إعراضهم عنهم فاشرأبوا لطلب
العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة فأكبوا على علم الفتاوى فعرضوا
أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم وطلبوا الولايات والصلات منهم، فمنهم من حرم ومنهم
من أنجح، ومن أنجح لم يخل عن ذل الطلب ومهانة الابتذال، فأصبح الفقهاء بعد أن
كانوا مطلوبين طالبين، وبعد ان كانوا أعزة بالاعراض عن السلاطين أذلة بالاقبال
183

عليهم الا من وفقه الله في كل عصر من علماء دينه، ثم ظهر بعدهم من الصدور والامراء
من سمع مقالات الناس وقواعد العقائد ومالت نفسه إلى سماع الحجج فيها، فعلمت رغبته
إلى المناظرة والمجادلة في الكلام فانكب الناس على علم الكلام وأكثروا فيها التصانيف،
ورتبوا فيها طرق المجادلات، واستخرجوا فنون المناقضات والمقالات، وزعموا أن غرضهم
الذب عن دين الله والنضال عن السنة وقمع البدعة، ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من
لم يستصوب (1) الخوض في الكلام وفتح باب المناظرة فيه لما تولد من فتح بابه التبغضات
والخصومات الناشئة من اللداد المفضية إلى تخريب البلاد ومالت نفسه إلى المناظرة في الفقه
وبيان الأولى من مذهب المجتهدين، فترك الناس الكلام وفنون العلم وأقبلوا على المسائل
الخلافية وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذاهب وتمهيد أصول -
الفتاوى، وأكثروا فيها التصانيف والاستنباطات، ورتبوا فيها أنواع المجادلات، وهم
مستمرون عليه إلى الان وليس ندري ما الذي قدر الله فيما بعدنا من الاعصار، فهذا هو الباعث
على الاكباب على هذا العلم والمناظرة، ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى علم آخر من
العلوم لمالوا أيضا إليها ولم يسكتوا عن التعلل والاعتذار بان ما اشتغلوا به علم الدين،
وان لا مطلب لهم سوى التقرب إلى رب العالمين.
فصل
قال صاحب كتاب اخوان الصفاء وهو من حكماء الشيعة
في رسالة بيان اللغات من كتابه:
اختلفت المذاهب والآراء والديانات والاعتقادات فيما بين أهل دين واحد ورسول
واحد لافتراقهم في موضوعاتهم واختلاف لغاتهم وأهوية بلادهم وتباين مواليدهم وآراء (2)

1 - في شرح الكافي للملا صدرا: " لم يستغرب ".
2 - في اخوان الصفاء " وتصور ".
184

رؤسائهم وعلمائهم الذين يحزبونهم ويخالفون بينهم طلبا لرياسة الدنيا (1)، وقد قيل في المثل:
خالف تذكر، لأنه لو لم يطرح رؤساء علمائهم الاختلاف بينهم لم يكن لهم رياسة وكانوا
يكونون شرعا واحدا الا ان أكثرهم متفقون في الأصول مختلفون في الفروع، مثال ذلك: انهم
مقرون بالتوحيد وصفات الله سبحانه مما يليق به، مقرون بالنبي (ص) المبعوث إليهم، متمسكون
بالكتاب المرسل إليهم، مقرون بإيجاب الشريعة، مختلفون في الروايات عنه والمعاني التي وسائطها
رجال أخذوها منه، فرواها كل من أخذ بلسانه لان النبي (ص) كان معجزته وفضيلته (2)
انه كان يخاطب كل قوم بما يفهمون عنه بحسب ما هم عليه من حيث هم وبحسب ما يتصورونه
في نفوسهم وتدركه عقولهم، فذلك اختلفت الروايات وكثرت مذاهب الديانات واختلفوا
في خليفة الرسول (ص) وكان ذلك من أكبر أسباب الخلاف في الأمة إلى حيث انتهينا.

1 - اخذه المصنف (ره) من الفوائد المدنية فان الأمين الاسترآبادي قدس سره قال في
أواخر كتابه المذكور اسمه " فائدتين ثانيتهما راجعة إلى البحث عن مؤلفي كتاب اخوان الصفاء
فبعد ان تكلم في ذلك وأشار إلى من سبقه إلى ذلك قال ما نص عبارته (انظر ص 279 -
282): " ونحن ننقل طرفا من كتابه من باب " خذ ما صفا ودع ما كدر " والحق ان له
تنقيحات كثيرة في كل الفنون الرياضية وأشباه ذلك وذكر في رسالة بيان اللغات من
كتاب اخوان الصفاء طريقة قدمائنا بوجه اجمالي لطيف واختارها كما اخترنا
حيث قال: اختلفت المذاهب والآراء (فذكر العبارة كما في المتن إلى قوله: استعينوا
على كل صناعة باهلها) ثم ذكر أيضا قطعة صغيرة من الرسالة الخامسة من الرياضيات ولسنا
بصدد الإشارة إليها فمن أرادها فليراجع الفوائد المدنية (ص 282).
ثم ليعلم ان العبارة في الرسالة السابعة عشر من رسائل اخوان الصفاء (انظر ص 160 -
163 من الجزء الثالث من النسخة المطبوعة بتصحيح خير الدين الزركلي بمصر سنة 1347
بالمطبعة العربية).
وليعلم أيضا ان بين عبارات اخوان الصفاء وبين ما نقله المصنف (ره) اخذا من صاحب
الفوائد المدنية اختلافات في العبارة لكن لا تضر بالمعنى فلم نشر إليها الا قليلا لأنه امر قليل
الجدوى.
3 - في اخوان الصفاء: " وفضله ".
185

وأيضا فان أصحاب الجدل والمناظرات ومن يطلب المنافسة في الرياسة اخترعوا
من أنفسهم في الديانات والشرائع أشياء كثيرة لم يأت بها الرسول (ص) ولا أمر بها،
وابتدعوها وقالوا لعوام الناس: هذه سنة الرسول (ص) وسيرته وحسنوا ذلك
لأنفسهم حتى ظنوا بهم ان الذي (1) قد ابتدعوه حقيقة قد أمر به الرسول (ص) وأحدثوا
في الاحكام والقضايا أشياء كثيرة بآرائهم وعقولهم (2) وضلوا (3) بذلك عن كتاب ربهم
وسنة نبيهم واستكبروا عن أهل الذكر الذين بينهم وقد أمروا ان يسألوهم عما أشكل عليهم،
فظنوا لسخافة عقولهم ان الله سبحانه قد ترك أمر الشريعة وفرائض الديانة ناقصة حتى
يحتاجوا إلى أن يتموها بآرائهم الفاسدة وقياساتهم الكاذبة واجتهادهم الباطل وما يخرصوه
وما يخترعوه من أنفسهم، وكيف يكون ذلك؟! وهو يقول سبحانه: ما فرطنا في الكتاب
من شئ وقال سبحانه: تبيانا لكل شئ، وانما فعلوا ذلك طلبا للرياسة كما قلنا آنفا
وأوقعوا الخلاف والمنازعة بين الأمة فهم يهدمون الشريعة ويوهمون من لا يعلم أنهم ينصرونها،
وبهذا الأسباب تفرقت الأمة وتحزبت ووقعت بينها العداوة والبغضاء، وتأدت إلى الفتن
والحروب واستحل بعضهم دماء بعض، فان امتنع بعض من يعرف الحق من العلماء وخاطب
رؤساءهم في ذلك وخوفهم بالله وأرهبهم من عذابه عدلوا إلى العوام وقالوا لهم: هذا فلان
ويغرون به العوام وينسبون إليه من القول ما لم تأت به شريعة ولا قاله عاقل، ولا يتمكن
ذلك العالم ان يبين للعوام كيف جرى الامر في الشريعة وينبههم على فساد ما هم عليه
ويوقظهم عما هم فيه لمكان ما قد علمه من عصيانهم ولا لفهم بما قد نشأوا عليه خلفا عن سلف،
وإذا رأى رؤساؤهم ذلك وان قلوب العلماء مشمئزة من العوام جعلوا ذلك شرفا (4) لهم
عندهم وأوهموهم ان ذلك انقطاع منهم عن القيام بالحجة وان سكوتهم وتخفيهم انما هو
لبطلان ما معهم وان الحق هو ما أجمعنا عليه نحن الان فلا يزال ذلك دأبهم والرؤساء
الجهال فيهم يتزايدون في كل يوم واختلافاتهم تزيد واحتجاجاتهم ومناظراتهم تكثر

1 - في اخوان الصفاء: " ان ما ". 2 - في اخوان الصفاء: " وقياسهم ".
3 - في اخوان الصفاء " وعدلوا ". 4 - في اخوان الصفاء: " سوقا ".
186

وجدالهم ينتشر حتى هجروا أحكام الشريعة وغيروا كتاب الله بتفسيراتهم له بخلاف ما هو
به كما قال سبحانه: يحرفون الكلم عن مواضعه، وفي أصل أمرهم قد حزبوا الأمة وحولوا
الشريعة من حيث لا يشعرون وأولوا اخبار الرسول (ص) بتأويلات اخترعوها من تلقاء
أنفسهم، ما أنزل الله بها من سلطان، وقلبوا المعاني وحملوها على ما يريدون مما يقوي رياستهم ويقبح
أهل العلم عند العوام ذلك دأبهم يتوارثه ابن عن أب وخلف عن سلف وكابر عن كابر
إلى أن يشاء الله اهلاكهم ويقضى بانقراضهم وفنائهم، ولم يزل هؤلاء الذين هم رؤساء العوام
أعداء الحق في كل أمة وقرن، فكم من نبي قتلوه، ووصي جحدوه، وعالم شردوه،
فهم بأفعالهم هذه كانوا السبب في نسخ الشرائع وتجديدها في سالف الدهور إلى أن يتم ما
وعد الله تعالى بقوله: ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد (1) وما ذلك على الله بعزيز (2)
والعاقبة للمتقين (3) ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض لله يرثها عبادي
الصالحون (4) ان في هذا لبلاغا لقوم عابدين (5) فهذه العلة هي السبب في اختلاف الآراء
والمذاهب، وإذا كان ذلك كذلك فيجب على طالب الحق والراغب في الجنة (6) ان
يطلب ما يقربه إلى ربه ويخلصه من بحر الاختلاف والخروج عن سجون أهله (7) وان غفلت
النفس عن مصالحها ومقاصدها، وترك طريق الجنة والحق وأهله والدين الذي لا اختلاف

1 - صدر آية 19 سورة إبراهيم. 2 - آية 20 سورة إبراهيم.
3 - ذيل آية 128 سورة الأعراف وصدرها: قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا
ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ".
4 و 5 - آيتا 105 و 106 سورة الأنبياء. 6 - في اخوان الصفاء " النجاة ".
7 - في اخوان الصفاء قطعة هنا حذفها الأمين (ره) وهي: " والخروج من سجون أهل -
الخلاف وما الذي ينبغي له ان يعمل حتى يتخلص من هذه الورطة وينتبه من هذه الرقدة
ويستيقظ من هذه الغفلة وينظر في أيام حياته قبل دنو وفاته فان الأمد مدة ممدودة وللأعمال
أيام معدودة وآجال محدودة وانما خلق الانسان في الدنيا ليكون متوجها إلى ربه تعالى مستعدا
لمقابلته بعمله لأنه ينفذ من غير أن يستأذن فان كان معه زاد وجده كما قال تعالى: " وما
تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله " فإنه الزاد وان لم يكن معه زاد كان ممن يقول
" يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل " والله تعالى يقول " قد خسروا أنفسهم " ووبخ
قوما فقال لهم " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة " اي صفرا من الزاد، وقال:
" أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم إلينا لا ترجعون " وقال تعالى: " ووفيت كل نفس ما عملت
وهو اعلم بما يفعلون " وآيات كثيرة في القرآن تدل على أن الديانات والشرائع ووظائف
العبادات انما جعلها الله طرقات ومسالك يسلكها العبد إلى رحمة خالقه ويمشي القاصد بها
طالبا لجنته والقرار بجواره وان غفل عن مصالحه ".
187

فيه، وانضم إلى أهل الخلاف والى رؤساء الأصنام المنصوبة (1) كان ذلك سبب بوارها
وهلاكها وبعدها عن جوار الله سبحانه وقرنت بعفريت قال الله سبحانه (2): ومن يعش عن
ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم
مهتدون * حتى إذا جاءنا قال: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، فهكذا
يكون حاله مع عالمه الذي اقتدى به وغره بربه وجماعة العوام حوله وينمق كلامه فيعبدونه
من حيث لا يشعرون لأنه إذا حلل بقوله وحرم بقوله ورأيه فقد عبدوه قال الله تعالى:
انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون (1) فعليك أيها الأخ البار الرحيم

1 - في اخوان الصفاء هكذا:
" وانضم إلى أهل الخلاف والشقاق والى طالبي الرياسة من العوام واستحسن نسق
الكلام وزخرف القول ممن يريد العلو والرياسة في دين الله تعالى تشبها برسوله الذي أرسله
ونبيه الذي بعثه وهو يوهم الناس انه ركن من أركان الدين والشريعة وانه برأيه وقياسه
واجتهاده قد أقام معوجها وابان معجمها، نعوذ بالله من الميل والانضمام إلى هؤلاء كان ذلك
سبب بواره وهلاكه وبعده عن جوار الله وقربه وقرن بالشياطين أعداء الله كما قال تعالى:
ومن يعش (إلى آخره) ".
فعلم من مقابلة هاتين الفقرتين مع ما في المتن ان الأمين (ره) لخص عبارة كتاب اخوان
الصفاء وغير ألفاظه فمن أراد المقابلة بين الأصل المأخوذ منه وبين المأخوذ فليفعل
2 - ثلاث آيات متواليات من سورة الزخرف (36 و 37 و 38).
3 - آية 98 سورة الأنبياء.
188

أيدك الله بأهل العلم الذين هم أهل الذكر من أهل بيت النبوة المنصوبين لنجاة الخلق،
وقد قيل: استعينوا على كل صناعة بأهلها.
(انتهى كلامه بألفاظه وهو كلام متين).
ولنختم كتابنا ببعض النصائح المذكورة في أوائل كتاب
المعتبر للمحقق نجم الدين الحلي طاب ثراه، قال (1):
ان في الناس المستعبد نفسه لشهوته، المستغرق وقته في أهويته، مع ايثاره الاشتهار
بآثار الأبرار واختياره الاتسام بسمة الأخيار، اما لان ذلك في جبلته أو لأنه وسيلة إلى
حطام عاجلته، فيثمر هذان الخلقان نفاقا غريزيا وحرصا على الرياسة الدينية طبيعيا، فإذا
ظهرت لغيره فضيلة عليه خشى غلبة المزاحم ومنافسة المقاوم ثم يمنعه نفاقه عن المكافحة
فيرسل القدح في زي المناصحة، ويقول: لو قال كذا لكان أقوم، أو لم يقل كذا لكان أسلم،
موهما انه أوضح كلاما وأرجح مقاما، فإذا ظفرت بمثله فليشغلك الاستعاذة بالله من بليته
عن الاشتغال بإجابته فإنه شر الرجال وأضر على الأمة من الدجال، فكأني بكثير ممن
ينتحل هذا الفن يقف على شئ من مقاصد هذا الكتاب فيستشكله فيجيل فكره فيه
فلا يحصله فينزله بذهنه الجامد على التأويل الفاسد ويدعو الناس إلى متابعته لظنه الإصابة

1 - سلك المصنف (ره) في هذا المورد أيضا مسلكا سلكه الأمين الاسترآبادي قدس الله سره
فإنه قال في الفوائد المدنية في الفصل التاسع ضمن كلام له تحت عنوان " الفائدة الخامسة "
ما نصه (انظر ص 193 من النسخة المطبوعة):
" واما النصحية اللطيفة فأقول: كأني انظر إلى جماعة من الجهلة المنتسبين
إلى العلم من عربي وعجمي ينكرون ما استفدناه من أصحاب العصمة صلوات الله وسلامه عليهم
اما من اعوجاج الذهن وجمود البلادة أو من الحسد والشقاوة فلنتبرك ببعض النصائح المذكورة
في أوائل كتاب المعتبر حيث قال: ان في الناس، (فذكر الكلام إلى آخره).
189

فهو كما قيل: ساء سمعا فأساء جابة (1) فعليك بإمعان النظر فيما يقال مستفرغا وسعك في
رد الاحتمال، فإذا تعين لك الوجه فهناك فقل، والا فاعتصم بالتوقف فإنه ساحل
الهلكة، وانك مخبر في حال فتواك عن ربك وناطق بلسان شرعه، ان بنيت على الوهم
فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى (2) وان تقولوا على الله ما لا تعلمون، وانظر إلى قوله (3) قل
أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آ لله أذن لكم أم على الله
تفترون، وتفطن كيف قسم مستند الحكم إلى القسمين، فما لم يتحقق الاذن فإنه مفتر، هذا
كلامه أعلى الله مقامه.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين، والأوصياء المعصومين
وعلى من اتبع الهدى.
تمت الأصول الأصيلة الكاملة، واتفق لضعف تاريخ تصنيفه هذا الكلام.
والحمد لله أولا وآخرا.
وفرغ من كتابته كربلائي محمد علي في كربلاء المعلى سنة 1265.

1 - مثل معروف من أمثال العرب، قال الميداني في مجمع الأمثال: " ساء سمعا فأساء
جابة ويروى ساء سمعا فأساء إجابة، وساء في هذا الموضع تعمل عمل بئس نحو قوله تعالى: ساء
مثلا القوم، ونصب سمعا على التمييز، وأساء سمعا نصب على المفعول به يقول: أسأت
القول وأسأت العمل فأساء جابة هي بمعنى إجابة يقال: أجاب إجابة وجوابا وجيبة، ومثل الجابة
في موضع الإجابة الطاعة والطاقة والغارة والعارة (فخاض في شرح المثل، فمن اراده فليطلبه
من هناك).
2 - ذيل آية 169 سورة البقرة وصدرها: " انما يأمركم بالسوء والفحشاء ". وأيضا
ذيل آية 32 سورة الأعراف وصدرها: " قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم
والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ". أقول: يستشم من الآيتين ان
القول على الله بما لا يعلم أكبر من سائر المعاصي المذكورة قبله ولا سيما الآية الأولى لان إبليس
انما يغويه مترقيا من الأدنى إلى الاعلى.
3 - آية 59 سورة يونس.
190

تعليقات الكتاب
1 - قد مر في ص 5: " وروى الكشي عن الملقب بتوزا " وقلنا في ذيل الصفحة:
" كذا ويأتي تحقيقه في التعليقات ".
فنقول: وصلت إلى بعد طبع هذا الكلام نسخة أخرى وفيها مكان " بتوزا ":
" بحوراء " (بالراء المهملة والألف الممدودة) قال المامغاني (ره) في تنقيح المقال في
ترجمة الفضل بن شاذان عند نقل الرواية عن الكشي ما نصه (انظر حرف الفاء، ص 9 من
المجلد الثاني).
" ومنها ما رواه عن محمد بن الحسن بن محمد الهروي عن حامد بن محمد الأزدي
البوشنجي عن الملقب بخوراء من أهل البورجان من نيسابور ان أبا محمد الفضل بن شاذان
رحمه الله كان وجهه إلى العراق حيث به أبو محمد الحسن بن علي (ع) فذكر انه دخل على
أبي محمد (ع) فلما أراد ان يخرج سقط منه كتاب في حضنه ملفوف في رداء فتناوله أبو محمد (ع)
ونظر فيه وكان الكتاب من تصنيف الفضل فترحم عليه وذكر انه كان يغبط أهل خراسان
بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم ".
وقال (ره) أيضا في تنقيح المقال في باب الغير المنسوبة (ص 53 من أواخر
المجلد الثالث): " خوراء (بالخاء المعجمة والألف الممدودة في الاخر) هو لقب محمد بن
موسى أبي جعفر على ما نص عليه الشيخ والنجاشي وغيرهما ".
فعلم أن في ضبط الكلمة تشويشا واضطرابا أفضى إلى الاختلاف بين العلماء فمن أراد
الخوض في تحقيقه فليراجع المفصلات والمآخذ القديمة ومظان البحث عنه فان هذا المختصر
لا يناسب أكثر من ذلك.
2 - قال المصنف (ره) في أواخر الفصل السابع ص 116:
191

" وقد روى عن الصادق عليه السلام انه قال: لا تحل الفتيا، الحديث ".
وقلنا في ذيل الصفحة أنه إشارة إلى مأخذ الحديث وهو كتاب مصباح الشريعة
فنقول: يستشم من هذا التعبير انه كان يعتمد على مصباح الشريعة ويعده في عداد الكتب
المعتبرة، وهذا الاستشمام لعدم تصريحه باسم المأخذ هنا كما صرح به في الأصل العاشر أعني أواخر
الكتاب (ص 178 - 179) فهو ممن كان يعد مصباح الشريعة من كلمات مولانا أبي عبد الله
جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كما صرح به الميرزا القمي - قدس الله تربته - في أواخر
جامع الشتات عند رده على الصوفية وبيان ان خطبة البيان وخطبة الطنجية ليستا من كلام
أمير المؤمنين عليه السلام ما نصه (انظر ص 786 من النسخة المطبوعة سنة 1311):
" وهمچنين آخوند ملا محسن (ره) در كتاب صافى كه تفسير قرآن است وهمت آن
مصروف أين است كه در هرجا حديثي بأشد از أحاديث أئمة كه مناسب تأويل آيات قرآني
بأشد ذكر مى كند بأدنى مناسبت حتى مكرر از كتاب مصباح الشريعة كه معتمد علماى ما
نيست وآخوند ملا محمد باقر (ره) در بعضي جواب مسائل فرموده است كه راوي آن
كتاب شقيق بلخى است كه از صوفيهء أهل سنت است ودر آن حكايات چند نقل شده
كه معلوم است كه از معصومين عليهم السلام نيست هرچه مناسب تفسير آيات بأشد نقل
مى كند واز خطبة البيان ونظاير آن مطلقا اشارهء نيست با وجود آنكه أكثر عبارات آنها تأويل
آيات قرآن است بلى در كتاب قرة العيون نسبت أين خطبه وخطبهء طنجيه را بآن جناب
داده وظاهر أين است كه تكيهء أو بكتاب حافظ رجب وأمثال أو بأشد ".
نگارنده گويد: چون نسخهء اسئله واجوبهء علامهء مجلسي (ره) كه خطى وبسيار
قليل الوجود است ودر موقع چاپ شرح مصباح الشريعهء ملا عبد الرزاق گيلاني كه بوسيلهء
اينجانب انجام گرفته ودر مقدمهء آن راجع برد وقبول وصحت وسقم نسبت مصباح الشريعة
بحضرت صادق عليه السلام بحث مفصلى كه تا حدى جامع أقوال علماى شيعه است بقلم
نگارنده بعمل آمده است نسخهء آن را در دسترس نداشت تا عبارت مجلسي (ره) را بعين
عبارت سؤال وجواب در آنجا درج كند ليكن از حسن اتفاق مدتي بعد از آن بنسخهء
192

سؤال وجواب مذكور دسترسى پيدا كرده وعين عبارت را در خاتمهء فهرست موضوعي
" شرح غرر ودرر آمدى " نقل كرده أم وچون آن نسخهء چاپى نيز كمتر در دسترس فضلاء
قرار مى گيرد لازم دانستم كه عين آنچه را در آنجا كرده أم در اينجا ذكر نمايم وآن اينست
ص 436 - 437):
" محمد بن أحمد حسيني لاريجاني كه از تلامذه وشاگردان علامهء مجلسي
- طاب ثراه - است در كتاب نظم اللئالي كه مجموعهء فتاواى علامهء مجلسي است كه
در جواب استفتاءات نوشته است نظير جامع الشتات ميرزاى قمى، ولاريجانى نا مبرده آنرا
جمع وتدوين كرده وبنام " نظم اللئالي " موسوم ساخته است ضمن مسائل مربوط بتوحيد
سؤال وجواب مورد نظر را چنين نقل كرده است:
" سؤال - معروض مى داردكه: چه معنى دارد أين فقره كه در كتاب مصباح الشريعة
از حضرت امام جعفر صادق عليه السلام روايت شده است كه: العبودية جوهرة كنهها
الربوبية، فما فقد من العبودية وجد في الربوبية وما خفى من الربوبية أصيب في العبودية؟
جواب - بسم الله الرحمن الرحيم - أين فقره از مصباح الشريعة مأخوذ است ومصباح
الشريعة بروايت شقيق بلخى كه از جملههء صوفيهء عامه است رسيده است ومشتمل بر نقلي
چند هست كه معلوم است كه أز معصومين عليهم السلام نيست وبر تقدير ورود شايد مراد
آن بأشد كه عبوديت وربوبيت مقابل يكديگرند وحقيقت هريك بديگرى معلوم
مى شود كما قيل: انما تعرف الأشياء بأضدادها، وحديث شريف: من عرف نفسه فقد عرف
ربه، را بعضي چنين تفسير كرده اند وحاصلش آنست كه: هر كس خود را بفقر و
احتياج شناخت ومراتب افتقار خود را چنانچه بايد دانست پروردگار خود را باستغنا
مى شناسد ومى داندكه از مشابهت منزه است، وهر كه خود را بدناءت وپستى شناخت
پروردگار خود را بعلو ورفعت شناخت، وهر كه نفس خود را بجهل وناداني شناخت پرورگار
خود را بعلم كامل شناخته، وهكذا في جميع الصفات، پس حاصل كلام آن مى شود والله
أعلم كه: عبوديت جوهريست كه كنه حقيقت آن از فهميدن معنى ربوبيت معلوم مى شود
پس آنچه در عبوديت يافت نمى شود از صفات تقدس وكمال مانند وجوب وجود وتجرد
193

واستغناء مطلق وعلم ذاتي وساير كمالاتي كه ممكنات از آنها عارى اند يافت مى شود در ربوبيت
يعنى بايد دانست كه در جناب رب الأرباب حاصل است وآنچه مخفى است از خلق از
جملهء صفات ربوبيت يافت مى شود در عبوديت يعني پى بآنها مى توان برد از صفات عبوديت
بآنكه جناب حق را از آنها منزه دانى چنانچه در أحاديث وارد شده كه حق تعالى را بيرون
كن از دو حد، از حد تعطيل كه هيچ صفت براى أو اثبات نكنى، واز حد تشبيه كه صفات
مخلوقين را براى أو اثبات كنى چنانكه مى گوئى: خدا عالم است، أصل علم را براى أو
اثبات كن ودر علم خود نظر كن هرچه متضمن نقص است از أو سلب كن چنانچه علم ما
مسبوق بجهل است، واز غير است، ودر معرض زوال است، وناقص است، واينها همه
صفات نقص است از خدا سلب كن پس بگو: داناست نه مانند دانايان ديگر، وهمچنين
ساير صفات، پس معلوم شد كه از تفكر در صفات عبوديت پى بصفات ربوبيت مى توان
برد مؤيد أين معنى است بعد از أين فرموده اند: قال الله تعالى: سنريهم آياتنا في
الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد، فتدبر.
وأين فقره را معاني ديگر هست كه ذكر آنها مورث تطويل واز أكثر عقول دور
است لذا بهمين وجه اكتفا كرديم والله تعالى يعلم حقائق الأمور ".
(از سه نسخهء خطى كه يكى مورخ بزمان تأليف
كتاب ومتعلق بنگارنده است نقل شد).
194

فهرس كتاب الأصول الأصيلة
الذي تشتمل على عشرة أصول تتبعها وصول وفصول
خطبة الكاتب ومقدمته ديباجته ص 2 - 1.
الأصل الأول - في أن الله تعالى انزل جميع ما يحتاج إليه عباده من أحكام الشرائع من
الأصول والفروع في كتابه وبينه نبيه (ص) لامته في سنته فلم يبق شئ من الاعتقاديات
والعمليات الا ورد في كتاب أو سنة، ص 4 - 3.
وفي هذا الأصل وصل وثلاثة فصول:
الوصل - في نقل احتجاج الفضل بن شاذان النيسابوري - رضوان الله عليه - على
المخالفين القائلين بالرأي والقياس وابطال زعمهم ان الله تعالى لم ينزل جميع الأحكام في كتابه
ولم يبينها النبي (ص) في سنته بل رخص الأصحاب في استنباط أكثر الاحكام برأيهم.
ص 14 - 5.
بيان المصنف (ره) في تشييد مبنى كلام الفضل بن شاذان بنقل كلام عن أبي الحديد
ص 15 - 14.
الفصل الأول - في تحقيق المراد من قول الله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شئ،
وتزييف المعنى الذي ذكره الواقدي. ص 15.
الفصل الثاني - (سقطت كلمة " فصل " عن نسختنا المطبوعة) في ذكر تحقيق في عن
بعض الفضلاء يتضح به المعنى قوله تعالى: وفيه تبيان كل شئ ويبين منه ان فهم آيات
القرآن وعجائب أسراره لا يتيسر الا للنبي (ص) والأئمة عليهم السلام من بعده. ص 16.
الفصل الثالث - في ذكر كلام بعض الفضلاء في نفي جواز التمسك بالبراءة الأصلية
195

وتحقيق ما هو الحق من جواز التمسك بها في العمليات المحضة دون العلميات. ص 20 - 17.
الأصل الثاني - في أنه لا يعلم الكتاب والسنة كله الا النبي (ص) والأئمة (عليهم -
السلام) واما الكاملون من العلماء فيعلمون من ذلك بقدر قربهم ومنزلتهم منهم على اختلاف
مراتبهم في ذلك ص 30 - 20.
ويتبعه وصل وفصل اما الوصل ففي بيان ان علوم الأئمة ليست اجتهادية ولا سمعية
أخذوها من جهة السماع بل هي لدنية أخذوها من الله تعالى ببركة النبي صلى الله عليه وآله
ص 31 - 30.
واما الفصل ففي بيان المراد من قوله (ص): من فسر القرآن برأيه فلتبوء مقعده
من النار وتبيين المطلوب مما صح عن النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ان تفسير القرآن
لا يجوز الا بالأثر الصحيح والنص الصريح وتحقيق ما هو الحق من جواز تفسير المحكمات للرعية
بل بعض المتشابهات أيضا للكاملين العارفين منهم ودفع شبهات المانعين من التفسير بدون
الأثر مطلقا وتصحيح كلام الطبرسي والفاضل الأردبيلي ودفع اعتراض الفاضل المتأخر عنهما
ص 40 - 32.
ويتبع الفصل نقل تحقيق عن بعض علماء العامة ص 44 - 40.
الأصل الثالث - في أن من تمسك بكتاب الله وأهل بيت نبيه فقد نجا ومن تخلف
عنهما فقد هلك ص 48 - 44.
وفيه فصل واحد - وهو في رد استدلال بعض الفضلاء بحديث الثقلين على أنه لا سبيل
إلى فهم مراد الله تعالى الا من جهة الأئمة عليهم السلام ولا يجوز القرآن الا بالأثر ص 49.
الأصل الرابع - في أن أخبار الأئمة (ع) المضبوطة في كتب أئمة الحديث قائمة
مقامهم (عليهم السلام) في ذلك الزمان وهي الحجة علينا اليوم بعد كتاب الله تعالى والسنة
الثابتة عن النبي (ص) ص 56 - 50.
ويتبع الأصل وصل وثلاثة فصول.
اما الوصل - ففي ذكر من أجمعت العصابة على تصديقهم وتصحيح ما يصح عنهم
196

والاقرار لهم بالفقه والعلم والفهم ص 58 - 56.
واما الفصل الأول - ففي ذكر وجوه عديدة دالة على صحة الاخبار التي رواها الثقات
وان ضعف الطريق في الوسط لا سيما الاخبار التي في الكتب الأربعة ص 61 - 58.
واما الفصل الثاني - ففي نقل كلام لبعض الأصحاب في جواز العمل بأخبار الآحاد
وتقل كلام المحقق في ذلك (وخلاصة تحقيقه ان ما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على
صحته عمل به، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ يجب اطراصه) ص 63 - 61.
وأما الفصل الثالث - ففي بيان معنى الصحيح والضعيف عند القدماء وبيان معنييهما
عند المتأخرين ص 63.
وفي هذا الفصل أيضا - ان بعض الاضمارات لا يقدح في الصحة وان بعض ما يظن
اضطرابا ليس كذلك فلا يكون موجبا للرد، وان فساد مذهب الراوي بعد نقل الحديث
لا يقدح في الصحة، وان اعتبار الصحة والضعف انما يجري فيما يتعلق بنحو الفرائض والحلال
والحرام دون ما يتعلق بأصول الدين ولا ما يتعلق بنحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال
وان تساهل الأصحاب في أدلة السنن بالعمل بالاخبار الضعيفة ليس في الحقيقة باعتبار العمل
بالاخبار الضعيفة بل بالحديث الحسن المشتهر المعتضد بالروايات وشواهد العقل وهو: من سمع
شيئا من الثواب إلى آخره ص 65 - 64.
الأصل الخامس - في أن الأئمة عليهم السلام أعطونا أصولا وقواعد وأذنوا لنا ان
نفرع عليها الصور الجزئية توسعة علينا تسهيلا لنا طرق المعرفة بالأحكام وذكر المصنف
(ره) منها في الكتاب تسعة عشر أصلا ص 84 - 66.
وفيه فصل واحد وهو في بيان نبذ مما يتعلق بالاستصحاب وذكر تحقيق من المحقق
في ذلك ص 86 - 74.
الأصل السادس - في أن الأئمة عليهم السلام أعطونا أصولا وضوابط في باب تعارض
الاخبار واختلافها وفيه وصل وثلاثة فصول:
اما الوصل ففي ذكر كلام من ثقة الاسلام يدل على أن الاحتياط في باب ما اختلف
197

من الاخبار رد علمه إلى المعصوم والعمل بالتخيير من باب التسليم ص 99.
أما الفصل الأول - ففي نقل كلام عن الشيخ (ره) ذكره في الاستبصار والعدة وهو
دال على تقسيم الاخبار وكيفية العمل بكل قسم من الاخبار المتخالفة ص 102 - 100.
وأما الفصل الثاني - ففي ذكر كلام للشيخ (ره) يتضمن بيان معنى العدالة المعتبرة
في الراوي وما يتعلق بذلك من جواز العمل بخبر غير العدل وعدم جوازه وكيفية ترجيح
بعض الاخبار على بعض باعتبار حال الرواة وغيره ص 106 - 103.
وأما الفصل الثالث - ففي نقل كلام عن ذكرى الشهيد في بيان سبب اختلاف أصحابنا
في الفتوى ووجه اختلاف الاخبار عن الأئمة عليهم السلام ونقل كلام عن بعض الفضلاء
في وجه الجمع بين الدليلين ونقل قول عن بعض المحققين في ذلك ص 108 - 106.
الأصل السابع - في أن لله تعالى في كل أمر حكما معينا، من أصابه فقد أصاب الحق
ومن أخطأه فقد أخطأ الحق وأن من أفتى على الظن والاجتهاد من غير سماع عنهم (ع) ولو
بوسائط فان أصاب لم يوجر وان أخطأ آثم ص 114 - 109.
وفي الأصل فصل يشتمل على الجواب عن حديث رواه العامة أن من أصاب فله
أجران ومن أخطأ فله أجر والجواب عن استدلال المحقق على وضع الاثم عن المجتهد
المخطئ ص 117 - 115.
الأصل الثامن - في أنه لا يجوز التعويل على الظن في الاعتقادات والافتاء عليه في
العمليات سواء حصل ذلك الظن بمجرد الهوى واستحسان العقل القياس أو اجتهاد الرأي
أو الشهرة أو اتفاق الجماعة أو البراءة الأصلية أو الاستصحاب أو غير ذلك من وجوه
استنباطات الا ما صح عن أهل البيت عليهم السلام بأحد الاصطلاحين ص 134 - 118.
وفيه فصلان، الأول - في ذكر كلام لبعض الفضلاء في عدم جواز التمسك في نفس
أحكامه تعالى أو نفيها بالاستصحاب أو البراءة أو بظواهر الكتاب والسنة من غير جهتهم
عليهم السلام والاشعار بما هو الحق عنده من جواز العمل بظواهر الكتاب والسنة وذكر وجوه
من استدلال لذلك الفاضل على عدم جواز التعويل على الظن ص 140 - 134.
198

والثاني - في ذكر كلام لبعض الفضلاء يشتمل على جواب ما استدل به ابن الحاجب
على جواز العمل بظن المجتهد المتعلق بنفس احكام تعالى وعلى تحقيق المقدمة الثابتة عند
الأصوليين ان كل ما تعلق به ظن المجتهد فهو حكم الله الواقعي وعلى بيان انحصار طريق العلم
في الرواية وعدم جواز التمسك في العقائد بالمقدمات العقلية وفي الأعمال بالاستنباطات الظنية
من الكتاب أو السنة أو الاستصحاب أو البراءة أو القياس أو الاجماع وأشبهها والاشعار بما
هو الحق عنده من جواز العمل والتمسك بضرب من الأصالة وضرب من الاستصحاب
للاذن فيه عنهم عليهم السلام وتحقيق في الاجماع ومعانيه ص 146 - 141.
الأصل التاسع - في أنه يجب على كل مكلف ان يتفقه في الدين ويتعلم ما انزل الله على
نبيه سيد المرسلين (ص) من معرفة الله ومقربيه واليوم الآخر ومعرفة مكارم الأخلاق لتكتسب
ومساويها لتجتنب ومعرفة شرائع الاحكام ومعالم الحلال والحرام وتحقيق ان العلوم الدينية
ثلاثة وهي المقصودة من حديث: انما العلم ثلاثة، آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة،
وبيان ان الأول إشارة إلى العلوم الاعتقادية والثاني إلى علم آفات النفس وتهذيب الأخلاق
والثالث إلى علم الشرائع ومشاغل الحلال والحرام وبيان طريق تحصيلها اما تحقيق أو تقليد
ص 152 - 147.
وفيه فصلان، الأول - في أن الضرورة لا تدعو إلى الاجتهاد المذكور في أحكام
الله تعالى قط فضلا عن تقليد المجتهد حيا كان أو ميتا بل إذا تحقق المفتى بالوصف المذكور
فيما ورد في الأحاديث وأوردها فيما سبق وجب الترافع إليه وقبول قوله بقول المعصوم
ص 158 - 152.
والثاني - في أن المحقق في العلوم الدينية الثلاثة المذكورة آنفا ليس منحصرا في
الأئمة المعصومين عليهم السلام وان كان العالم بجميع المسائل في الجميع منحصرا فيهم فإنه
يوجد في الأمة من رزق العلم اللدني والتحقيق الكشفي في كثير من المسائل وان ليس كل ما
يعلم يقال بل يلزم المحقق في بعض الموارد ان يكتم علمه عن غير أهله كما كان فعله الأئمة
عليهم السلام ص 170 - 158.
199

الأصل العاشر - في أنه يجب على كل مكلف طالب للحق ان يتحرى الأهم في الدين
فالأهم وبأخذ بالأقرب من اليقين فالأقرب، ولا يدخل في اختلافات الناس بل يأخذ أولا
بما اتفق عليه العلماء قاطبة ثم بما اتفق عليه أهل الاسلام قاطبة ثم بما اتفقت عليه الفرقة
الناجية أعني الشيعة كل ذلك على سبيل الاجمال من غير تفتيش فإنه مشوش للقلب ويتبع
في كل ذلك الأئمة الاثني عشر عليهم السلام فان لم يكن طريق إلى حضرتهم فيأخذ بأخبارهم
وآثارهم ولا يوسع دائرة الخلاف بل يسكت الله ص 179 - 170.
وفيه ثلاثة فصول وخاتمة - اما الفصل الأول ففي ذكر وصية للشيخ العارف
سعد الدين الحموي ص 179.
وأما الفصل الثاني - ففي نقل رسالة عن العلامة المحقق حجة الفرقة الناجية محمد
ابن الحسن الطوسي - رحمه الله تعالى - ص 182 - 180.
وأما الفصل الثالث - ففي نقل ملخص كلام عن الغزالي بالنسبة إلى مبدء نشوء علمي
الكلام والاحكام ص 184 - 182.
وأما الفصل الرابع - ففي نقل كلام عن رسائل اخوان الصفاء يشتمل على أن مذهب
الشيعة هو المذهب الحق ص 189 - 184.
أما الخاتمة - ففي نقل نصائح عن أوائل كتاب المعتبر للمحقق الحلي (ره) ص
190 - 189. * (تم الفهرس) *
200