الكتاب: روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي
المؤلف: الشيخ ضياء الدين العراقي
الجزء:
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ربيع الثاني ١٤١٤
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
ردمك:
ملاحظات: مع رسالتين في اللباس المشكوك و إستصحاب العدم الأزلي

706
روائع الأمالي
في
فروع العلم الاجمالي
تأليف
الفقيه المحقق الشيخ آغا ضياء الدين العراقي 1361 ه‍. ق
مع رسالتين
في اللباس المشكوك واستصحاب العدم الأزلي
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

بسمه تعالى وله الحمد
والصلاة على محمد وآله، وبعد فطالما اشتاق أهل العلم إلى هذه الرسالة،
فخدمة لهم وأداء لبعض حقوق الأستاذ المؤلف قدس سره اهتممت بطبعها
وتصليحها ونشرها بإعانة بعض أجلة تلامذته حافظا على عباراته مع ما عليه من
الايجاز والاختصار مخافة أن يفوت بعض ما نبه عليه من المطالب بأسلوبها الخاص.
ولما وقفنا على قواعد موجزة قد نبه عليها المؤلف في مبحث الخلل من شرحه
للتبصرة تحتوي على أمهات أكثر هذه الفروع أحببنا إلحاقها تتميما للنفع، ونسأل الله التوفيق لنشر سائر مؤلفاته قدس سره.
الأقل
مرتضى الموسوي الخلخالي النجفي
روائع الأمالي
في فروع العلم الاجمالي
مع رسالتين في اللباس المشكوك واستصحاب العدم الأزلي
المؤلف: الفقيه المحقق الشيخ آغا ضياء الدين العراقي
الموضوع: فقه
عدد الأجزاء: جزء واحد
المطبوع: 1000 نسخة
التاريخ: ربيع الثاني 1414 ه‍
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
نظرا لطلب بعض فضلاء الحوزة العلمية على طبع هذا الكتاب القيم قامت
المؤسسة بنشره وطبعه بالأوفسيت بعد تصحيحه من الأخطاء السابقة، نسأل الله
سبحانه أن يوفقنا إلى تحقيقه وطبعه بأسلوب حديث راجين منه تعالى أن يرزقنا خدمة رواد العلم والفضيلة إنه ولي التوفيق.
مؤسسة النشر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه احدى روائع شيخنا الأعظم أستاذ الصناعة وخريتها والمبتكر المبدع في كل موضوع من مواضيعها آية الله العظمى وحجته الكبرى الشيخ ضياء الدين العراقي قدس سره.
ولد طاب ثراه في مدينة أراك سنة 1287 هجري ودرس مبادئ العلوم الأدبية في مسقط رأسه ثم هاجر إلى أصفهان فأتم دراسته السطحية على أعاظم الأساتذة وحضر قسما من الخارج على فحول العلماء في أصفهان ثم انتقل إلى النجف الأشرف سنة 1311 وحضر على جماعة من العلماء الاعلام منهم ميرزا حبيب الله الرشتي والشيخ ملا كاظم الخراساني والسيد محمد الاصفهاني والسيد كاظم اليزدي قدس سرهم وقد استقل بالتدريس بعد موت أستاذه الأعظم الشيخ الخراساني وحضرت عليه طبقات مختلفة من مبرزي العلماء في عصرنا الحاضر حتى اخترمته المنية
3

سنة 1361 وهو ابن أربع وسبعين سنة فكان لنعيه صدى رداد في الأوساط الاسلامية والحواضر العلمية.
امتاز شيخنا الأعظم بيراعة التدريس فكان يجيد تصوير دقائق العلم بوضع شاحر وكانت تلامذته - وهم المجلين في مدرسة النجف الكبرى - يجدون في دراسة لذة روحية ونشوة علمية لا تتركهم في كل مجلس ومحفل فكانت مطالبه العلمية اسمار المجالس وأحاديث المنتديات وكان النزاع على فهم نكاته العلية مستمرا بين أهل الفضل وطلاب الفقه والأصول ولا تزال " مقالاته " مصدرا خصبا لمجالس التدريس ومدارس الفقه والأصول في كل حاضرة علمية.
اما أخلاقه فقد كانت شيخوخته المقدسة تضم نفسا رحمانيا وروحا قدسيا يبتسم لكل وارد وشارد وقد آلى على نفسه ان يتحرر من قيود المحيط وأغلال البيئة فكان لا يلتزم بما تفرضه مكانته السامية ويريده مقامه الروحاني فهو ينتقل في كل مكان يستحبه وهو يصاحب كل شخص ليستذوقه وان كان الشخص والمكان مما لا يستسيغه من كان في مكانته الروحية ومقامه العلى.
اما مؤلفاته في الأصول فهي حاشية على رسائل الشيخ الأنصاري قدس سره وتعليقة على كفاية الآخوند الخراساني ومقالاته وهي مجموعة رموز إلى مطالبه العلمية قد طبع الجزء الأول في النجف والجزء الثاني مشرف على الطبع وهناك رسائل صغيرة في الانسداد والترتب وبقاء الموضوع في الاستصحاب الأزلي والاجتهاد والتقليد وفي الفقه دورة
4

مستقلة وشرح استدلالي لتبصرة العلامة قد طبع منها كتاب البيع وهناك رسائل في مختلف مواضيع الفقه وهي رسالة في جوائز الجائر، ورسالة في اخذ الأجرة على الواجبات، ورسالة في التقية ورسالة في الدعاوي ورسالة في قاعدة لا ضرر، ورسالة في بيع نصف الدار، ورسالة في النية ورسالة في تعاقب الايادي، ورسالة في الغناء، ورسالة في لباس المشكوك، ورسالة في قطع الحول في الزكاة بنذر الصدقة، وحاشية استدلالية للعروة الوثقى، وله رسائل أخرى لا تزال مسودات لم تخرج إلى المبيضة و «روائع الأمالي في فروع العلم الاجمالي» الذي تصدى لطبعه صهره فضيلة العلامة ركن الاسلام السيد مهدي الاصفهاني الذي أرجو له التوفيق في طبع سائر مؤلفات شيخنا الأعظم ليضيف إلى مكتبة النجف العلمية مجموعة قيمة من الروائع والله ولي التوفيق.
محمد جمال الهاشمي
5

روائع الأمالي
في فروع العلم الاجمالي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
«وبعد» فإني حين اشتغالي بمباحث خلل الصلاة ظفرت على فروع جيدة تعرض جملة منها سيد الأساطين ورئيس الملة والدين في عروته فأحببت أن أتعرض لها موضحا لمداركها راجيا لأن يكون ذلك وسيلة لمعادي إن شاء الله فأقول مستمدا به ومستعينا بفضله:
(1) إذا شك أن ما بيده ظهر أو عصر
فإن كان قد صلى الظهر بطل ما بيده لأنه لا يعلم من حين شروعه فيه كونه بعنوان العصر فلم يحرز في مثله قصد العصرية الذي هو من شرائطها بشهادة أخبار العدول والتعبير
6

بقولهم يجعله ظهرا أم عصرا فإن مثل هذه شاهد كون ظهرية الأربعة أو عصريتها تحت اختياره ولا يكون ذلك إلا بدخل القصد المزبور في حقيقته وذلك أيضا لا بمعنى كون القصد المزبور بضميمة العمل الخارجي من محققاتها نظير التعظيم والتوهين كي يلزمه كون المأمور به من العناوين البسيطة كي يشكل حينئذ جريان البراءة في دخل شيء في محققاتها كيف وهو خلاف ظاهر الأدلة المقتضية لكون الصلاة نفس الأركان الخارجية بل بمعنى كون القصد المزبور من شرائطها وأجزائها فمع الشك في نشوء الفعل عن مثل هذا القصد لا يبقى مجال الحكم بصحته.
وتوهم جريان قاعدة التجاوز فيه الحاكم بوجوده في محله مدفوع جدا إذ جهة نشوء الأفعال عن القصد من لوازم وجوده عقلا والتعبد به لا يقتضي هذه الجهة، كما أن أصالة الصحة لا يكاد يجدي في إحراز عنوان العصرية ومع الشك في أصل هذا العنوان لا يكاد يجري الأصل المزبور كما لا يخفى وحينئذ أصالة الاشتغال بالصلاة تقتضي استئنافه جديدا ومثل هذا الأصل موجب لحل العلم الإجمالي بحرمة قطعه أو وجوب إعادته فلا بأس بعده لجريان البراءة عن حرمة قطعه من جهة الشك في بطلانه من الأول وذلك هو الشأن في كلية موارد العلم الإجمالي الجاري في أحد طرفيه أصل مثبت للتكليف وفي الطرف الآخر أصل ناف (1).

(1) هذا ما كتبته سابقا والآن أقول: إن قاعدة الاشتغال إنما تجري في ظرف الشك المشروط بعدم القطع ففي هذا الظرف لا مجال لجريان البراءة لأنه إنما تجري في ظرف يصلح لأن يصير منشأ لمخالفة التكليف الواقعي وهذا المعنى إنما يتحقق في ظرف عدم اتصاف قطع الصلاة بالمعدومية وإلا لا معنى لحرمته والفرض
أن جريانه في المقام مبني على حل العلم بقاعدة الاشتغال الجاري في ظرف الشك المبني على معدومية قطع الصلاة وحينئذ ففي ظرف حل العلم لا معنى للبراءة وفي ظرف لها معنى لم تجر قاعدة الاشتغال كي ينحل العلم فلا محيص من الاحتياط بضم ركعتين وإتمامه عصرا بناء على جواز الصلاة في الصلاة من غير جهة السلام الذي هو كلام الآدمي وإلا فلا بد من الإتمام والتمام فتدبر (منه).
7

وإن شك في أنه صلى الظهر فضلا عما لو علم عدمها لا بأس بالعدول إليه رجاء بل بمقتضى حرمة قطع ما يصلح للصحة يجب العدول إلى الظهر فيتم ما بقي بعنوان الظهرية والأصل في ذلك ما ورد من النصوص في باب العدول من اللاحقة إلى السابقة ومن الفريضة إلى النافلة الكاشفة عن كفاية قصد العنوان ولو إتماما في الموارد المخصوصة وإلا فقضية قوله «الصلاة على ما افتتحت» الظاهر في أن الصلاة لا بد وأن يقع على عنوان قصدي حين افتتاحها كون الصلاة تمامها قصديا ولا يكفي فيه قصد إتمامها وبهذه الجهة نلتزم بأن العدول على خلاف الأصل إلا ما خرج بالدليل ولذا يقتصر على العدول حين العمل وأما بعده وإن كان بعض النصوص دالة على جوازه ولكنه من جهة إعراض الأصحاب عنه غير موثوق به.
نعم لو لا الإطلاق السابق بضميمة إطلاق كلمات الأصحاب في قصدية الصلوات بتمامها لكان الأصل وافيا لإثبات كفاية مجرد قصد عنوانها ولو إتماما ومقتضاه كون الأصل على جواز العدول إلا ما خرج ولكن لا يكاد انتهاء النوبة إلى هذا الأصل كما هو ظاهر.
ومن التأمل فيما ذكرنا ظهر حال ما لو شك في أن ما بيده مغرب
8

أم عشاء قبل الدخول في الركن من الرابعة فإنه حينئذ لا مجال للعدول أيضا بلا مصحح لمثل هذا العمل أصلا.
(2) إذا علم بعد الصلاة أنه ترك سجدتين من ركعتين
فإن كانتا من الأوليين فقد جاوز محلهما الذكري فلا إشكال في صحة صلاته ووجوب قضاء السجدتين وسجدتي السهو مرتين لأنهما لكل زيادة ونقصان على ما في النص.
وإن كانتا في الأخيرتين فتارة يكون تذكرة للفوت بعد الدخول في المنافي عمديا وسهويا وأخرى قبله فعلى الأول فلا بد من بطلان صلاته لأن فوت محل السجدة الأخيرة إنما هو بالدخول في المنافي المزبور ولا جرم يكون هذا الفوت في رتبة متأخرة عن وجود المبطل ففي هذه المرتبة لم تسقط جزئيتها فوقع المنافي المزبور في صلاته فتبطل وعلى الأخير فيجب تدارك ما أمكن تداركه من السجدة الأخيرة لوقوع السلام بمقتضى دليل الترتيب في غير محله فلا يصلح لأن يكون سلامه هذا فراغا عن صلاته.
وتوهم أن قوله يستقبل حتى يضع كل شيء في محله منصرف إلى المتذكر حين الصلاة ومع عدمه فلا ترتيب في البين ولازمه حينئذ وقوع السلام في محله مدفوع بمنع الانصراف غاية الأمر نقول بأن من قبل إطلاقه يستكشف كونه في الصلاة وأنه بالمنافي خرج منها حينئذ فالرواية بمثل هذا اللسان في مقام إثبات الترتيب ولزوم حفظه بين الأجزاء واقعا ولو لا عموم لا تعاد لنقول ببطلان فاقده مطلقا.
وحينئذ فما في العروة من الحكم بقضاء السجدتين مطلقا حتى ما لو كان
9

من الأخيرتين بل والتزامه في مقام آخر ببطلان الصلاة عند تذكر فوت السجدتين ولو من الركعة الأخيرة بعد السلام ولو قبل صدور المنافي منظور فيه إذ هو مبني على مفرغية مثل هذا السلام ولقد عرفت ما فيه.
وأعجب منه ما في نجاة العباد من التفصيل بين تذكر فوت السجدتين قبل المنافي سهويا أم بعده حيث حكم ببطلان الصلاة في الأخير دون الأول ومع ذلك أيضا التزم بقضاء فوت سجدة واحدة بعد السلام ولو قبل المنافي إذ السلام إن كان فراغا فيقتضي المصير إلى بطلان الصلاة بفوت السجدتين من الركعة الأخيرة ولو تذكر قبل المنافي بعد السلام كما أفاده سيد الأساطين وإلا فلا وجه لصيرورة السجدة الواحدة بعد السلام قضاء بل يجب حينئذ تداركه في محله وضم ما بعده كما هو ظاهر (1) ولو شك أنهما من الأوليين أو الأخيرتين فلا بد بمقتضى المبنى

(1) هذا ما كتبته سابقا والآن أقول: الأقوى التفصيل بين تذكر الفوت قبل المنافي سهويا أم بعده بالصحة ولزوم إعادة السجود وما بعده مطلقا في الأول وبالبطلان في السجدتين والصحة في الواحدة مع قضائها في الثاني لأن دليل «يستقبل» لما كان في مقام تصحيح الصلاة لا يكاد يجري في المقام كما لا يجري عند الدخول في الركن لأنه يلزم من تطبيقه إفساد الصلاة فلا جرم لا بد وأن يصدق عليه الفوت في المحل فيكشف ذلك عن سقوط الجزء عن الجزئية ولازمه وقوع الركن والسلام في محله فلا يجب حينئذ إلا القضاء وهذا بخلاف التذكر قبل المنافي سهويا فإنه لا قصور في شمول العام للمورد ويستكشف منه وقوع السلام في غير محله فيعيد السجود وما بعده كما لا يخفى فتدبر. منه قدس سره.
10

السابق من التفصيل بين صدور ما يبطل ولو سهويا وعدمه فعلى الأول فلا شبهة في أن قاعدة التجاوز في الأخيرتين جارية بلا معارض للجزم بعدم وقوع السجدتين في الأوليين على وفق أمرهما لأنه بينما لم يؤت بهما وبينما أتي بهما المستلزم لفوت الأخيرتين المستتبع لوقوع المنافي في الصلاة فتبطل من الأول وعلى الثاني فلا شبهة في تعارض قاعدة التجاوز في الطرفين فيتساقطان فيجب بمقتضى (1) الاستصحاب تدارك السجدة

(1) فيه أن الاستصحاب إنما يجري على تقدير ترتب الأثر على الترك في الصلاة الصحيحة أو على الترك المقيد بعدم كونه عمديا بناء على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية وإلا فلو ترتب الأثر على الترك المقيد بكونه سهويا فلا مجال للاستصحاب المزبور وحينئذ فمقتضى ما ذكرنا وجوب القضاء لهما بلا احتياج إلى الاستصحاب نعم لو كان قبل المنافي سهويا تجري قاعدة الاشتغال ويثبت بها وجوب إعادة السجدة وتجري البراءة عما زاد من السجدة الواحدة في قضائه فيقضي سجدة واحدة ويعيد الأخرى في محلها.
ولو شك أن المتروك عمدي أو سهوي فيعلم إجمالا بوجوب أو القضاء أو الإعادة فقد يتوهم أن أصالة الصحة تجري بالنسبة إلى ما مضى من الركعة فيتم ويقضي لو كان في ما دخل في ركنه وفيه أن أصالة الصحة لا تثبت ملزومه وهو الترك الخاص وحينئذ فلو كان القضاء من آثار الترك الخاص فلا يفيد فيه أصالة الصحة بل تجري فيه أصالة البراءة فيتساقطان وينتهي إلى قاعدة الاشتغال بإعادة الصلاة والبراءة عن القضاء في السجدة.
نعم لو احتمل فوت الأخيرة قبل المنافي سهويا فتجري في السجدة أيضا قاعدة الاشتغال وحينئذ فإن بنينا على صحة الصلاة في الصلاة من غير جهة سلامه
فلا بأس بإتيان صلاة مستقلة ويتم في السجدة الأخيرة بقصد ما في الذمة وإن بنينا على عدم جواز الصلاة في الصلاة ولو من جهة زيادة السجدة بناء على التعدي في العلة الواردة في العزائم فلا محيص من الإتمام والتمام. وإن كان التذكر بعد صدور المنافي سهويا فيجري فيه ما ذكرنا في الأوليين فتدبر والله العالم (منه قدس سره).
11

الأخيرة في محله وقضاء السجدتين مع سجدات السهو لهما ولما فات فيهما.
وتوهم أن مقتضى الاستصحاب قضاء الثلث الباقية غير السجدة الأخيرة مدفوع بأن الأصول التعبدية غير جارية بالنسبة إلى الآثار الجزمية العدم أو الوجود إذ النظر فيها إلى التعبد بآثارها في ظرف الشك فيها ومع الجزم بعدم الأثر لا مجال للتعبد المزبور. ومجرد الشك في إضافة الأثر المشكوك إليه أم لا، لا يجدي في صحة التعبد به لهذه الجهة لعدم كونه أثرا عمليا وإنما الأثر العملي هو وجوب نفس القضاء بلا ملاحظة إضافته إلى أي واحد ومن المعلوم أن مثل هذا المعنى بالنسبة إلى الزائد عن الاثنتين معلوم العدم فلا يصلح للجريان من الأصول الثلاثة إلا اثنان منهما كما لا يخفى. ولتكن هذه القاعدة في ذكرك في كل مورد يرد عليك من الأصول الموضوعية مع العلم التفصيلي بعدم ترتب أزيد من أثر واحد أو اثنين على المشكوكات الزائدة عن مقدار الأثر المعلوم.
ولو ضم على الشك السابق احتمال ثالث من كون الفائت سجدة من الأوليين وسجدة من الأخيرتين أيضا فإن كان ذلك قبل صدور المنافي ولو سهويا فالكلام فيه ما تقدم وأما إن كان بعد صدور المنافي ولو سهويا
12

ففي مثله وإن احتمل وقوع الأوليين على وفق أمرهما إلا أنه ما لم تجر قاعدة التجاوز في الأخيرة لا يقطع بشمول دليل التعبد في البقية من جهة احتمال بطلان الصلاة وفي هذه الصورة تجري قاعدة التجاوز في الأخيرة وبه يتحقق موضوع التعبد من الصلاة الصحيحة في البقية، وفي جريان أصالة التجاوز فيها أيضا كي ينتهي أمر الجمع إلى التساقط والحكم ببطلان الصلاة إشكال إذ من المعلوم أن وجود جريان الأصل في البقية مستلزم لعدمه وهو محال وذلك المقدار يكفي مرجحا لجريان الأولى بل وفي واحد آخر من البقية أيضا بنحو الإجمال ويسقط الأصل عن غيره فيحكم بقضائهما أيضا وسجدات السهو كما هو ظاهر.
(3) ولو تذكر بعد الصلاة بكون لباسه غير مذكى
ولو كان حين الصلاة آتيا بها من جهة وجود أمارات التذكية من مثل السوق واليد ولو بضم معاملة ذي اليد معه معاملة المذكى أو كان مما صنع في أرض الإسلام ولو من جهة وجود أثر فيه حاك عن جريان يد مسلم عليه بناء على التحقيق من كون مثل هذه أمارات التذكية وأن ما هو شرط في الصلاة هو التذكية لا أن المانع خصوص عنوان الميتة محضا جمعا بين مجموع الأخبار المختلفة في الباب كما لا يخفى على من لاحظها.
ففي الاجتزاء بالمأتي به من الصلاة إشكال لظهور قوله إلا ما ذكيتم في شرطية التذكية واقعا وبه يحمل قوله في رواية ابن بكير «إلا ما علمتم أنه ذكي» على كون العلم في القضية أخذ غاية للحكم الظاهري وكان بالنسبة إلى الوظيفة الواقعية طريقا محضا كما هو الشأن في قوله «حتى يتبين لكم الخيط» و «حتى تعرف أنه حرام» ولذا أقيمت سائر الأمارات
13

من بقية الأخبار طريقا إليها وقائمة مقام العلم المزبور ولازم هذه الجهات عدم الاجتزاء بالمأتي به وإن لم تكن ميتة نجسة بأن يكون مما ليس لها نفس سائلة أو كانت بخسة ولم يعلم وجودها من الأول إذا المعذورية من جهة النجاسة لا يقتضي المعذورية عن حيثية المذكى.
هذا كله لو لا شمول عموم لا تعاد لغير مورد النسيان من الجهل بالموضوع بل الحكم أيضا في ظرف قيام الأمارة الآمرة بالمعاملة معه معاملة المذكى إذ مثل هذا الأمر بملاحظة استناده بالأخرة إلى الغفلة كان موجبا لإلحاق مورده بها كما هو الشأن فيما لو بني على الوجود بقاعدة التجاوز أو العدم بقاعدة الشك في المحل في فرض مخالفتهما للواقع. نعم لو لا مثل هذه الأمارات أشكل التمسك بعموم لا تعاد بمحض الشك وذلك لا للمناقضة مع دليل الجزئية أو الشرطية كيف ويمكن أن يكون من باب تمت صلاته بل من جهة اختصاص العموم بقرينة ذيله بصورة السهو أو ما يلحق به ولقد حققنا بيانه في مباحث الخلل في الصلاة فراجع.
(4) ولو جهل أن اللباس مما يؤكل لحمه أم لا يؤكل
فإن علم أخذه من وبر حيوان معين شك في حلية لحمه أو حرمته حكميا كان أو موضوعيا فلا شبهة في أن عموم الحلية للمشتبه يقتضي إلحاقه بالمأكول بناء على حمل العموم على بيان التعبد بالحلية الواقعية عند الشك في الحرمة كما هو الشأن في عموم كل شيء طاهر بقرينة ذيله وإلا فمجرد الترخيص على الارتكاب ظاهرا لا يقتضي الحكم بصحة الصلاة بناء على ظهور الدليل في شرطية الحلية الواقعية للحم الشيء أو مانعية الغير المأكول كذلك.
وتوهم أن موضوع الكبرى أعم من الحلية الواقعية أو الظاهرية
14

مدفوع بأنه خلاف الظاهر وخلاف ما فهمه الأصحاب من أمثال هذه الكبريات في سائر المقامات.
ونظير هذا التوهم توهم كون المراد من الحلية بمعناه اللغوي من النفوذ والإمضاء كي يكون مفاد مثل هذا العام ضرب قاعدة في كل ما شك في صحته وفساده كيف ولازمه كون الأصل في العبادات والمعاملات هو الصحة حتى مع عدم العمومات بل وفي الشبهات الموضوعية في الشرائط ولا يظن التزامه من أحد.
وأشكل من الجميع التمسك بالعموم المزبور في صورة العلم بالفرد المأكول وغيره والشك في أن الوبر مأخوذ من أيهما إذ في مثل تلك الصورة لا يكون الشك متعلقا بعنوان متعلق الحلية والحرمة وإنما تعلق بعنوان ما أخذ منه الوبر وهو ليس بموضوع للأثر أصلا وموضوع القاعدة هو صورة تعلق الشك بالعنوان المزبور (1) وعليه فلا محيص من المصير إلى سائر الأصول فنقول إن من المعلوم اختلاف مقتضيات الأصول على شرطية المأكول أو مانعية الغير المأكول إذ على الأول لا بد من تحصيل المفرغ عما اشتغلت الذمة يقينا ومع الشك المزبور يشك في الفراغ مع عدم أصل موضوعي يثبت المأكولية وهذا بخلافه على المانعية إذ مرجع

(1) اللهم أن يدعى اختصاص الرواية بقرينة ذيلها بخصوص مشكوك الحرمة ولو غيريا الملازم مع مشكوك المانعية فإنه حينئذ يختص الرواية بخصوص مشكوك المانعية ولا تشمل الشرطية كما لا تشمل المعاملات التي يكون المانع فيها من موانع أصل التكليف بالوفاء بمضمونها الغير الموجب لحرمته غيريا فإنه حينئذ لا بأس بالتمسك بمثل هذه الرواية في أمثال المقام (منه قدس سره).
15

الشك فيها إلى الشك في توجه الأمر باجتنابه زائدا عما علم وجوبه فالبراءة عقليها ونقليها خصوصا مثل حديث الرفع يكفي في نفي العقوبة عن قبله نعم لو كانت المانعية مشروطة كالشرطية بكون شخص الملبوس حيوانيا يشكل جريان البراءة عن مثله إذ في فرض الحيوانية نقطع بتنجز وجوب الاجتناب عن غير المأكولية في شخص هذا اللباس ولا يتصور لمثله فردان معلوم الفردية ومشكوكها وحينئذ يجب إحراز عدم كون صلاته هذه في غير المأكول ولا يجدي حينئذ حديث الرفع عن المشكوك لعدم الشك في أصل توجه النهي حينئذ فحال مثل هذا النهي حال الأمر به على الشرطية في عدم انحلاله إلى الأقل والأكثر وحينئذ فلو كان مورد السؤال في رواية ابن بكير صورة لبس الحيواني لا مجال للأخذ بإطلاق نهيه عن غير المأكول والحكم بالمانعية المطلقة كما أنه لا معنى لشرطية المأكولية مطلقا وعليه فلا محيص عن المصير إلى غير حديث ابن بكير أو غير حديث الرفع من سائر الإطلاقات الناهية أو الأصول الموضوعية.
وحينئذ لا بأس بدعوى جريان أصالة عدم اتصاف اللباس بكونه مما حرم الله أكله بنحو السلب المحصل كأصالة عدم القرشية وبذلك يحرز موضوع الصحة من وقوع الصلاة فيما لم يتصف
بكونه غير مأكول وأحسن منه ما لو كان الموضوع صلاة لم تقع فيما هو محرم الأكل كما هو الظاهر من النهي عن الصلاة فيه بأن أصالة عدم وقوع الصلاة فيه تثبت الموضوع المزبور.
ومن التأمل فيما قلت يظهر النظر فيما أفاده جملة من الأعلام في هذا المقام بلا احتياج إلى ذكر أنظارهم في هذا المختصر.
16

ثم إنه لو ظهر خلاف المأكولية بعد صلاته فإن كانت صلاته فيه مستندة إلى غفلته عنه مع فرض طهارته فلا شبهة في أنها مشمول عموم لا تعاد كما هو الشأن في جميع الأجزاء والشرائط المنسية الغير الركنية وإن كانت مستندة إلى أصل موضوعي في ظرف الجهل بموضوعه فمقتضى القاعدة كما عرفت عدم الإجزاء إلا أن مقتضى بعض النصوص عدم إعادة الصلاة في عذرة الكلب والسنور عند عدم العلم بها وظاهر جعل الروث والبول في عداد سائر أجزائه في رواية ابن بكير تسوية الحكم في الجميع ويتعدى حينئذ من الروث إلى سائر أجزائه، فيحكم حينئذ بالإجزاء في خصوصه.
بل ومن تلازم الجهتين في الحكم الفعلي يستكشف العفو عن نجاسته مطلقا، لو لا دعوى انصرافها إلى صورة عدم العلم به من الأول فلا يشمل حينئذ صورة النسيان المسبوق بالعلم به، كما أن عموم لا تعاد أيضا قاصر الشمول لجهة نجاسته إما تخصيصا أو تخصصا، فحينئذ يشكل الصحة في صورة النسيان كما هو الشأن في الصلاة في سائر النجاسات والمتنجسات خلافا للمحكي عن الشيخ مستندا إلى جملة من الأخبار البالغة حد الاستفاضة الحاكمة بعدم البأس في حال النسيان والمانع عن الأخذ بمضمونها إعراض المشهور وإلا فيمكن الجمع بينها وبين ما دل على وجوب الإعادة مثل المضمرة المعروفة في باب الاستصحاب وأخبار النسيان عن الاستنجاء بضميمة إلحاق غيره بعدم القول بالفصل، على الاستحباب لدرك المزية الفائتة.
(5) إذا جهر في موضع الإخفات وبالعكس
فإن كان ذلك عمدا فعليه الإعادة وإلا فلا شيء عليه والأصل في ذلك ما في صحيحة زرارة
17

«في رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته» وإطلاقه يشمل الجاهل بالحكم قصورا أم تقصيرا.
بل مجرد الحكم بتمامية الصلاة أيضا لا ينافي مع بقاء الأمر بوظيفته الواقعية على حاله غاية الأمر لما لا يتمكن عن تحصيل المبرئية الزائدة الفائتة بعمله استحق للعقوبة على تفويتها بتقصيره ومع ذلك تمت صلاته في إسقاط قضائه.
كما أن الظاهر مما لا ينبغي الجهر به ما لا ينبغي من أجل صلاته ولو لخصوصية كونه جماعة وأما ما لا ينبغي به الجهر من أجل جهة أخرى مثل سماع أجنبي صوتها ففي شمول الرواية لمثله إشكال. وأيضا مقتضى إطلاق الرواية شموله لصورة بقاء المحل وعدم الدخول في الركن ولازمه استكشاف كون الجهر بالقراءة من شرائط نفس الصلاة لا القراءة إذ حينئذ كانت القراءة الشخصية فاقدة للجهر مع كونه جزءا واقعا في محله ولازمه كون تركه عمدا مخلا بالصلاة وبغير العمد غير مخل بها بمقتضى النص المزبور ولا يبقى حينئذ مجال احتمال تكرار القراءة لكونه زيادة عمدية بل وعلى فرض عدم صدق الزيادة عليه لا يبقى مجال تكراره أيضا بعد وقوع المأتي به على صفة الجزئية إذ حينئذ لا يبقى محل لتدارك الجهر لأن المأتي به ثانيا ليس بجزء كي يكون جهره شرطا فيها.
ومن هذا البيان أمكن دعوى إطلاق الرواية حتى صورة التذكر في أثناء القراءة أيضا إذ دليل الزيادة وإن لا يشمل تكرار بعض القراءة لأنه
18

منصرف بصورة زيادة ما اعتبر في الصلاة جزء أو بعض القراءة ما اعتبر كذلك ولذا لو تكرر عمدا أيضا لا بأس به ولكن مع ذلك نقول إن وجود جزء القراءة لو وقع على صفة الجزئية لها فقد فات فيه محل الجهر والإخفات فلا يبقى بعد مجال لتداركها كما لا يخفى هذا.
ومن هذا البيان أيضا ظهر حال فقد بعض الشرائط المعتبرة في أصل الصلاة ولكن كان محلها بعض أجزائها كالطمأنينة في أفعاله وذكر السجود والركوع وأمثالهما فيهما فإنه عند فوت محالها لا يبقى مجال لتداركها ولو لم يدخل في ركن آخر.
وعمدة النكتة فيه هي أن الأفعال التي هي محال هذه الأمور بعد ما وقعت بإطلاقها على صفة الجزئية لا يبقى محل لتدارك الشرائط أو الأجزاء المزبورة ولئن شئت توضيحه نقول بأن محلها هو شخص هذا الفعل المأتي به والمفروض أن في شخصه قد نسي الأمر الكذائي من الطمأنينة أم غيرها وبمقتضى لا تعاد سقطت شرطيتها المستلزم لوقوع الجزء المزبور على صفة الجزئية ولازمه عدم بقاء محل بعد لتدارك الشرائط المزبورة كما لا يخفى.
(6) لو كان في الركعة الرابعة وشك في أن شكه السابق الذي كان بين الاثنين والثلاث كان قبل إكمال السجدتين أم بعدهما
بنى على الثاني لا من جهة أصالة تأخر الحادث، إذ ليس له مأخذ إلا على مثبتية الأصل بل من جهة أن مقتضى عموم ابن علي الأكثر البناء عليه في جميع الركعات غاية الأمر خرج عن مثله الشك في الأوليين ولو من جهة مانعية الشك عن وقوع الأفعال في حال وجوده على صفته الجزئية على ما يأتي بيانه إن شاء الله.
19

فأصالة عدم كون شكه هذا شكا حادثا في الأوليين يثبت موضوع البناء على الأكثر لأنه كل شك لم يحدث في الأوليين فبعضه محرز بالوجدان وبعضه بالأصل كما لا يخفى.
(7) ولو حدث الشك بعد السلام في أنه صلى أربعا أم ثلاثا
يبني على تمامية صلاته لعموم قوله كل ما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو ولا شيء عليه وأدلة البناء على الأكثر غير شاملة لهذه الصورة لأن موردها هو الشك الحادث حين الصلاة وقبل السلام المفرغ وما نحن فيه لم يعلم أنه منه فالمرجع حينئذ هو قاعدة البناء على وجود ما احتمل فوته من صلاته لقاعدة الفراغ وبهذه الجهة نقول بعدم الاعتبار بالشك الحادث بعد السلام.
ولو شك في أن حدوث هذا الشك قبل السلام أم بعده فقاعدة البناء على وجود الركعة غير جارية في المقام لأنه لا يحرز كون سلامه هذا بل وتشهده وقع في الرابعة الموجودة ولا تجري هذه القاعدة في نفس التشهد والسلام أيضا لعدم الشك في وجودهما ولا قاعدة الفراغ لعدم إحراز حدوث الشك بعد الفراغ عنها لاحتمال كونه في محلهما فتأمل وبه يمتاز هذا الفرع عن الفرض السابق وتوهم أن في المقام شكين أحدهما متعلق بالآخر وأن الثاني حادث بعد العمل ومن هذه الجهة يشمله عموم فامضه كما هو مدفوع بأن العموم المزبور متكفل لرفع النقص المتعلق للشك الحادث بعد العلم وفي المقام نقص الصلاة من جهة الركعة المتصلة لم يكن متعلق الشك الحادث بعد العمل فهذا النقص لا بد من سد بابه وعليه فمقتضى الاشتغال بهذه الصلاة تحصيل المفرغ ولا يحصل إلا بالإتيان بركعة احتياطية للعلم الإجمالي بانطباق إحدى القاعدتين على المورد وعلى
20

فرض إتيانه بركعة الاحتياط يقطع إجمالا بحصول المفرغ عن النقص الواقعي ولو ظاهرا عن صلاته وهذا بخلاف ما لو لم يأت به إذ لا يحرز الفراغ عن الصلاة من حيث احتمال النقص الواقعي بعموم امضه كما هو كما أنه لا يحرز أيضا بقاعدة البناء على وجود الركعة كون سلامه في محله من كونه في الرابعة المبني على ثبوت رابعية الموجودة الغير الصالح القاعدة المزبورة من إثباتها.
وبهذه النكتة أيضا نقول بأن الأصل في الشكوك الغير المنصوصة في الركعات هو البطلان وذلك لأن السلام إذا كان وجوبه مشروطا بكونه في الركعة المحكومة بالرابعية بنحو مفاد كان الناقصة فأصالة عدم الإتيان بالرابعة لا تثبت رابعية الموجود إذ الأصل المزبور يرفع الشك في وجوده بنحو مفاد كان التامة ولا يثبت بمثله أن الموجود رابعة ووجوب التشهد والسلام وجزئيتهما مبنية على إثبات هذه الجهة كما هو ظاهر على من راجع كبريات الباب فكان المقام من هذه الجهة نظير استصحاب وجود الكر الغير المثبت لكرية الموجود ونظيره أصالة عدم الخامسة والسادسة وهكذا.
ومن هذا البيان اتضح فساد توهم أن الصلاة عبارة عن أربع ركعات لم تزد عليها ركعة أخرى ومثل هذا الموضوع يحرز بالوجدان بضم أصالة عدم الزيادة إذ ذلك صحيح في فرض كون جزئية التشهد والسلام من تبعات وجود الرابعة ولم تزد عليه الركعة أو ركن آخر وأما لو كان من آثار رابعية الموجود فأصالة عدم الزيادة لا تثبت هذه الجهة فيشك حينئذ في أن سلامه الواقع منه في هذه الركعة واقع على صفة الجزئية.
21

نعم لو لا كون السلام من كلام الآدميين المبطل وجوده في غير محله عمدا أمكن تصحيح مثل هذه الصلاة بإتيان تشهد فيها رجاء ولكن مثل هذه الطريقة لا تصلح أمر السلام الذي هو كلام آدمي مبطل للصلاة التعمد به ولو رجاء ومن هنا نقول بأنه لا تصلح الصلاة عند الشك في الثانية والثالثة أيضا بأصالة الأقل وإتيان التشهد فيه إذ غاية ما في الباب تصحيح الركعة الثانية بتبعاتها وأما بعد انتهاء النوبة من قبل هذا الشك في رابعية الموجود بعدها يستشكل الأمر في السلام لأن أمره دائر بين المحذورين من الجزئية والمانعية بذاته لا بعنوان كونه زيادة في صلاته كي يصلحه مجرد إتيانه برجاء الواقع لا بقصد الجزئية كما هو ظاهر وليكن مثل هذه القاعدة في ذكرك كي لا ينتهي الأمر في مورد سقوط أصالة البناء على الأكثر بالمعارضة إلى أصالة الأقل فضلا عن الرجوع إليها في الموارد الغير المنصوصة رأسا وبمثل هذا البيان ينبغي فهم مدرك بناء الأصحاب على أصالة البطلان في الشك في الركعات إلا في المنصوص منها.
وتوهم أن الشبهة السابقة جارية في المنصوصة من الشكوك مدفوع جدا إذ مفاد النصوص الخاصة طرا على البناء على أكثرية الموجود أو أقليته من الرابعة أم غيرها لا مجرد البناء على وجود الأكثر والشاهد على ما ذكرنا أن طرفي الشك في هذه الروايات طرا هو الثالثة والرابعة وأمثالهما ولا يمكن ذلك إلا بكون الشك المأخوذ فيها هو الشك في مفاد كان الناقصة وإلا فلو كان متعلق الشك مفاد كان التامة فلا تكون الثلاثة عند الشك في الثلاث والأربع مثلا طرف الشك بل الثلاث مقطوع الوجود والشك متعلق بطرفي وجود الرابعة وعدمها ومثل هذه النكتة دعانا على حمل النصوص
22

الخاصة على بيان ضرب القاعدة في الشك في أكثرية الموجود وبمثلها تثبت حينئذ جزئية السلام الواقع فيها كما لا يخفى فتأمل في المقام فإنه من مزال الأقدام.
(8) ولو شك في العشاء بين الثلاث والأربع
وعلم بأنه سها عن المغرب لا شبهة في أنه لا مجال حينئذ للعدول إلى المغرب حتى لو كان شكه حال القيام بعد هدمه لأن الشك المزبور مبطل لها فلا يبقى مجال تصحيح المعدول إليه حينئذ وأما إتمامه فإن كان الشك المزبور قبل سلامه فلا شبهة في عدم إمكان تصحيحه لشرطية الترتيب المفقود في المقام وتوهم أن ذلك صحيح على فرض كون مدرك اعتبار الترتيب عموم قوله «إلا أن هذه قبل هذه» الواردة في أخبار الاشتراك ولكن مثلها معرض عنها لدى المشهور وعمدة الدليل على الترتيب هو أخبار العدول المنصرفة إلى صورة إمكانه ومع عدمه فلا ترتيب في البين فتصح حينئذ صلاته عشاء، مدفوع بأن بناء الأصحاب ليس على طرح الأخبار المزبورة سندا وإنما نظرهم إلى طرحها دلالة جمعا بينها وبين رواية داود الفرقد بحمل دخول الوقتين على التعاقب وحينئذ فلا قصور في دلالتها على اعتبار الترتيب مطلقا نعم لو تذكر بعد السلام فمقتضى عموم لا تعاد سقوط الترتيب ولكن ذلك أيضا على فرض كون مقتضى البناء على الأكثر إتمام هذه الصلاة وكون الركعة الاحتياطية غير محكومة بحكم الجزئية وإلا فبناء على إجراء أحكام الجزئية عليها من مثل قاطعية الحدث بين الصلاتين وأمثالها فيشكل أيضا حكم الشك الواقع بعد السلام المزبور كما لا يخفى هذا ومن التأمل فيما ذكرنا كله يظهر وجه احتياط سيد الأساطين في عروته بإتمام هذه الصلاة عشاء وإعادتهما
23

والله العالم بأحكامه.
(9) إذا تذكر في أثناء العصر أنه ترك ركعة من الظهر
فلا مانع من رفع اليد عنها وإتمام الظهر لعدم قصور في إتمام ظهره بعد الجزم بعدم كون المأتي به من صلاته ماحيا لصورة صلاته وغاية ما في الباب إضراره بموالاتها الغير المضر في فرض نسيانه بعموم لا تعاد.
ويحتمل العدول قبل الدخول في ركوع الركعة الثانية إلى صلاة الظهر بجعل ما في يده ظهرا من جهة بعض النصوص الخاصة فإن تم فهو وإلا فللنظر فيه مجال لعدم جريان قواعد العدول في المقام إذا الظاهر منها جعل تمام المأتي به ظهرا وهذا المعنى في المقام يقتضي زيادة تكبيرة الإحرام الواقع فيه المضر بها ولو سهوا كما لا يخفى نعم لو فرغنا عن فساد المأتي به أولا من الظهر كان للعدول حينئذ وجه ولكن أنى لنا بإثباته.
(10) لو صلى صلاتين وعلم بنقصان ركعة من إحداهما
فإن كان بعد المنافي ولو سهوا فيجب إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمة للعلم الإجمالي بفساد إحداهما الكافي في المتجانسين، وفي المختلفين لا بد من تكرارها تحصيلا للجزم بالفراغ. وأما إن كان قبل المنافي كذلك فلا بأس بإتيان ركعة بقصد ما في الذمة مطلقا بعد الجزم بعدم إفساد الصلاة في الصلاة في صورة السهو الموجب لرفع مانعية السلام الذي هو كلام آدمي وكذلك شرطية الموالاة على فرض حصول فقدها لها كما هو ظاهر وحينئذ يظهر مما ذكرنا وجه التأمل فيما في العروة الوثقى في هذا المقام وإن التزم بما ذكرنا في مقام آخر فراجع كلماته.
وعلى أي حال لا مجال للعدول في المقام ولو رجاء إلا على فرض
24

تصحيحه حتى بعد تمام الصلاة وإلا ففي فرض كونه حال الاشتغال بالثانية يجزم بتمامية المعدول إليه فلا عدول حينئذ جزما إما لخروج محل العدول بتمام الثانية أو وقوع المعدول إليه تماما بنقص الثانية وذلك ظاهر هذا.
وإن كان التذكر المزبور قبل سلام الثانية يبني على وجود الركعة في الأولى لقاعدة الفراغ ويأتي بالركعة المشكوكة فيما بيده من الصلاة للجزم بعدم إتيانه على وفق أمره من جهة ضم احتمال فقد الترتيب باحتمال عدم إتيانه فيه رأسا غاية الأمر يحتمل عدم وجوبه من جهة احتمال فقد الترتيب وهذا الاحتمال مدفوع بقاعدة التجاوز بالنسبة إلى الأولى.
ولو كان التذكر المزبور بعد سلام الثانية وقبل سلام الأولى فحكمه الاكتفاء بركعة واحدة بنية الأولى لكون شكه هذا فيها ولا تجري معه قاعدة الفراغ فيها وقاعدة التجاوز أيضا غير جارية في الركعة كما سنشير فتبقى قاعدة الفراغ في الأخيرة بلا معارض نعم بينهما فرق من جهة عدم لزوم سجدتي السهو في المقام لاحتمال عدم زيادة شيء بخلافه في الفرع السابق إذ يعلم إجمالا بزيادة سلام سهوا فتجب سجدتا السهو له كما هو ظاهر.
(11) إذا شك بين الثلاث والأربع
وشك أن ما بيده من الركعة آخر صلاته أو أول صلاة الاحتياط يرجع شكه إلى الشك في إتيان بقية أجزاء صلاته في محلها مع عدم إحراز الدخول في غيرها ففي هذه الصورة يبني على عدم الإتيان بقاعدة الاشتغال بل ومفهوم قاعدة التجاوز بعد أصالة عدم الدخول في غيره المحرز لموضوعه.
وتوهم أن مثل هذه القواعد لا يثبت رابعية الموجود فيشكل أمر
25

سلامه مدفوع في خصوص المقام المعلوم وجود السلام في محله على فرض عدم كون الركعة المأتية رابعة كما هو ظاهر. وحكم في العروة الوثقى بالاحتياط بإعادة الصلاة أيضا ولعله لمراعات احتمال زيادة التكبيرة بناء على كونه جزء صلاته أو محكوما بحكم الجزء وهو في غاية الضعف
(12) إذا شك أن ما بيده رابعة المغرب أو أنه سلم على الثلاث
وهذه أولى العشاء فإن كان بعد دخوله في ركوع هذه الركعة فلا مجال حينئذ لجريان قاعدة الفراغ عن المغرب للشك في فراغه عنه ولم يحرز أيضا كون قيامه هذا قيام عشاء مرتب على مغربه كي تجري قاعدة التجاوز في سلام مغربه فحينئذ فلا محيص من قطع صلاته هذه لعدم طريق إلى تصحيحها حتى بالعدول كما هو ظاهر.
وأما لو كان شكه قبل الدخول في ركوع هذه الركعة فيهدم القيام ويتم الصلاة مغربا كما في العروة ووجهه ظاهر من جهة قاعدة الاشتغال وأصالة عدم الدخول في الغير المحرز لموضوع قاعدة التجاوز، بل واستصحاب عدم الإتيان بالرابعة مع عدم إضرار الشك في رابعية الموجود في تحصيل الجزم بالفراغ بسلامه للقطع بأن سلامه وقع في محله على أي حال كما تقدم نظيره، وفي وجوب سجدتي السهو لقيامه المهدوم في المقام إشكال لعدم إحراز سهويته في صلاته بمقتضى الأصول السابقة والأصل البراءة عنه.
ونظير الفرع السابق حال ما لو شك في أن ما بيده آخر ظهره أو أولى من صلاة عصره فإنه يتم صلاته ظهرا لقاعدة الاشتغال وغيرها من القواعد السابقة ولا فرق في الإتمام المزبور في المغرب أيضا بين صور جزمه بعدم
26

ركوعه أو شكه فيه إذ على أي حال يشك في إتيان التشهد والسلام في المغرب بعد هدم قيامه.
وتوهم أنه بعد الهدم يشك بأن هذا الجلوس جلوس في صلاة المغرب أم جلوس في عشائه وفي مثله لم يحرز محل التشهد والسلام كما أن استصحاب عدم إتيان التشهد أيضا لا يثبت كون ذلك جلوس مغرب يجب فيه التشهد والسلام مدفوع بأن مجرد عدم إحرازه تفصيلا لا يضر بالجزم بالمفرغية للعلم الإجمالي بوجود المفرغ منه إما سابقا أو بهذا التشهد والسلام وذلك ظاهر.
ونظيره في إتمام الظهر في الفرع الثاني ما لو علم إجمالا بأنه على فرض كون ما بيده ظهرا كان قيامه هذا قياما قبل ركوعه وعلى فرض كونه عصرا كان قياما بعد ركوعه إذ حينئذ يجب إتمام هذه الصلاة ظهرا بركوعه للشك في ركوع هذه الركعة وتوهم أن قاعدة الاشتغال بل وسائر القواعد لا يقتضي كون قيامه هذا قيام حال ذكره وقراءته كي يجب الركوع عنه مدفوع بأن محل الركوع واقعا الذي أمر به هو مطلق كينونته عن قيام بعد ذكره وقراءته لا خصوص القيام المتصل بقيام حال ذكره وقراءته والشاهد على ذلك ما لو نسي عن ركوعه إلى أن جلس للسجدة فإنه مع تذكره يجب العود إلى القيام فيركع عن قيام وحينئذ يكفي لإحراز محل الركوع مجرد إحراز كونه قبل الدخول في السجدة الأولى على المشهور أو الثانية على المختار وذلك واضح.
(13) ولو شك في الدخول في السورة ولكن يعلم أنه على فرض الدخول في السورة أتى بالحمد
وهكذا في الشك في كل فعل متأخر
27

مع العلم بأنه على فرض الدخول قد أتى بسابقة ومع عدمه لم يأت به جزما ففي هذه الصورة كان المرجع في مشكوكه قاعدة الاشتغال واستصحاب عدمهما. وأما مفهوم قاعدة التجاوز ولو بضميمة أصالة عدم الدخول في الغير غير جارية لأن في ظرف عدم الدخول في الغير واقعا لا شك في عدم إتيانه فلا يبقى مجال تطبيق مفهوم القاعدة على المورد ولو بضم الأصل الموضوعي للعلم بعدم الشك في ظرف عدم الدخول كي يترتب هذا الأمر على الأصل المزبور وذلك ظاهر وعليه فإنما يحتاج إلى هذا الأصل في فرض الشك في الوجود حتى في ظرف عدم الدخول في غيره كما لا يخفى هذا.
(14) ولو تذكر بعد الدخول في السجدة الأولى أو بعد رفع الرأس منها وقبل الدخول في الثانية أنه لم يركع
فعن المشهور الحكم ببطلان الصلاة تمسكا بظواهر ما دل على بطلانها بفوات الركوع ونسيانه ولكن يمكن دعوى منع صدق الفوت بمجرد الدخول في السجدة الأولى لأن تداركه لا يوجب إلا زيادة سجدة واحدة ولا تعاد الصلاة من سجدة وتعاد من ركعة وذلك المقدار لا إشكال فيه ظاهرا.
وإنما الكلام في أمثال المقام في جهة أخرى لا بأس بالتعرض لها وجوابها وهو أن الزيادة اللازمة على فرض التدارك حفظا للترتيب على أي واحد تنطبق فهل هو منطبق على أول الوجودين أو ثانيهما أو على أحدهما بلا عنوان فإن انطبق على أول الوجودين نظرا إلى كونه في غير محله فلازمه في فرض الدخول في الركن اللاحق بطلان الصلاة ولو كان الفائت غير ركن لصدق زيادة الركن في صلاته ولو سهوا ولا مجال حينئذ
28

أيضا لاستناد بطلانها إلى فوت الركن أبدا لأن فوت محله بالدخول في الركن بعده فلو كان مثل هذا المدخول زيادة فلا جرم يكون وجودها في رتبة سابقة عن فوت الركن فيكون بطلان الصلاة مستندا إلى أسبق العلتين وهو كما ترى بل خلاف ظاهر رواية أبي بصير حيث رتب إعادة الصلاة على فوت الركوع ونسيانه.
وإن انطبق على ثانيهما يلزم صدق الزيادة العمدية على ما يتدارك عند فوت سابقه كما لو تذكر بعد إتيان التشهد بفوت سجدة واحدة فإنه يجب إتيان السجدة وما بعدها من التشهد ليضع كل شيء في محله مع أنه ليس كذلك جزما بل خلاف قوله ليضع كل شيء في محله فإن ظاهره كون الوجودات المأتية ثانية واقعة على صفة الجزئية بلا صدق الزيادة عليها وهو موجب لكون الزيادة هو المأتي به أولا ولقد تقدم ما فيه أيضا وإن كانت الزيادة أحدهما بلا عنوان فلازمه عدم صدق التعمد به إلا بالالتفات إلى تكرر الوجود من أول الإتيان بهما وإلا فلو أتى بالحمد مثلا بانيا على الاقتصار عليه ثم بدا له إتيانه ثانيا يلزم أن لا تصدق الزيادة العمدية لعدم التفاته إلى تكرر الوجودين من حين الشروع وهو كما ترى.
وحل الإشكال بأن يقال إن من المعلوم أن الترتيب بعد ما كان شرط أصل الصلاة قبال جزئية ذوات الأفعال منها نقول من المعلوم أن عنوان الزيادة إنما تنطبق على كل فعل وقع في غير محله ومن المعلوم أن وقوعه في غير المحل فرع كونه فاقدا للترتيب وفقدانه للترتيب فرع بقاء الفاقد على إمكان تداركه ببدله إذ حينئذ مقتضى الأمر بتحصيل الترتيب إتيانه ثانيا فلازمه حينئذ انطباق الزيادة على أول الوجودين. نعم
29

لم يمكن تحصيل الترتيب المأمور به من جهة استلزامه زيادة الركن فيستحيل حينئذ وجوب تحصيل الترتيب في هذه الصورة إذ يلزم من الأمر به عدمه فلازمه عدم القدرة على تحصيل الجزء السابق فيستكشف إنا بحكم لا تعاد خروجه عن الجزئية فيلزمه كون أول وجود الركوع في محله، نعم مع فوت الركن يستند البطلان إلى فوت الركن لعدم سقوطه عن الجزئية بحكم لا تعاد.
فإن قلت إن الترتيب نظير الطمأنينة وأمثالها من واجبات الصلاة في واجب آخر فبمجرد إتيان جزء ولو غير ركني فاقدا للترتيب يستحيل تحصيل الترتيب في شخص هذا الجزء كاستحالة تحصيل الطمأنينة في شخص القيام المأتي به وأمثاله فيسقط حينئذ شرطية ترتيبه ولازمه وقوعه في محله وبمثله يفوت الجزء الآخر أيما كان إذ بتداركه حينئذ تلزم الزيادة العمدية في فعل ما
أتى به ثانيا.
قلت مجرد إتيان الثاني قبل الأول إنما يقع جزء على فرض سقوط الفائت عن الجزئية وإلا فمجرد استحالة الترتيب في شخصه لا يوجب إلا سقوط اعتبار ترتبه على غيره لا نفي اعتبار وجود الغير رأسا فالوجود الآخر حينئذ باق على جزئيته فيجب حينئذ إتيانه مرتبا المستلزم لكون الأول زائدا أو واقعا في غير محله ومن هذه الجهة كم فرق بين الطمأنينة والترتيب إذ فوت الطمأنينة في فعل لا يقتضي فوت فعل آخر والمفروض أن طمأنينة شخص هذا غير معتبر لنسيانها فيقع الفعل الفاقد لها في محله وهذا بخلاف ما نحن فيه إذ فوت الترتيب مستلزم لفوت جزء آخر ويجب مراعاة الترتيب في الجزء الفائت لا الجزء المأتي به فمهما أمكن مراعاته فيه فيجب
30

تكراره المستلزم لوقوع الأول زيادة ومهما لا يمكن مراعاته في الفاقد أيضا ولو من جهة استلزام وجوده بطلان الصلاة فيفوت الجزء السابق ترتيبه من جهة استحالة تحققه وحينئذ إن كان الفائت ركنا فتبطل الصلاة وإلا فيسقط الفائت عن الجزئية وتصح الصلاة كما أشرنا إليه.
ومن هذا البيان أيضا ظهر وجه انطباق الزيادة في بعض الأحيان على الوجود الثاني إذ هو في كل مورد أتى الجزء في محله واجدا لترتيبه إذ حينئذ يكون الثاني غير معتبر في صلاته فيكون زيادة مبطلة على فرض عمديته والله العالم.
«15» إذا شك بين الاثنين والثلاث بعد إكمال السجدتين وعلم بعدم إتيان التشهد في هذه الصلاة
فإن قلنا إن مقتضى البناء على الأكثر بالملازمة التنزيلية الحكم بمضي محل التشهد فلا بأس بتصحيح صلاته وقضاء التشهد وسجدتي السهو أيضا وإلا فتقع المعارضة بين أصالة وجوب التشهد مع البناء على الأكثر للعلم بلزوم زيادة تشهد أو نقص ركعة وفي مثله لا يبقى مجال المصير إلى قاعدة الاشتغال بالتشهد واستصحاب عدم الثالثة وذلك أيضا لا من جهة عدم إثباته ثانوية الموجود بلحاظ إثبات وجوب التشهد فيه إذ التشهد المأتي بقاعدة الاشتغال يؤتى رجاء وبمثله بضميمة قضائه بعد الصلاة يحصل الفراغ القطعي عن قبله، بل من جهة انتهاء أمر هذا الشك بالأخرة إلى رابعية المأتي به بعده فيشكل حينئذ أمر سلامه لكونه كلام آدمي يدور أمره بين المحذورين كما لا يخفى هذا.
ومن هذا الباب كل مورد شك بين الأقل والأكثر واحتمل فوت
31

شيء على فرض كونه أقل مع بقاء محله الذكري فإن أصالة وجوب إتيانه في محله تعارض مع قاعدة البناء على الأكثر فلا يبقى مصحح حينئذ لصلاته بعد سقوط أصالة الأقل عن الاعتبار في كلية الشك في عدد الركعات بمقتضى البيان السابق هذا.
ولكن هذه القاعدة إنما تتم في العلم الإجمالي بزيادة الركن ونقص الركعة وفي مثله أيضا لا تجري قاعدة البناء على الأكثر لعدم إحراز الصحة من غير جهة نقص الركعة والقاعدة المزبورة مختصة بهذه الصورة وذلك أيضا على فرض إتيان الركن بقصد الجزئية وإلا فلا يوجب مثله بطلان صلاته وأما في غير الركن فالظاهر عدم البأس بإتيانه بقصد الجزئية فضلا عن إتيانه بقصد ما في الذمة ولا يضر العلم بالزيادة أو النقيصة في المقام من جهة أن الزيادة المأتية بملزم شرعي أم عقلي محكومة بالزيادة السهوية وحينئذ لا يضر به العلم الإجمالي المزبور كما لا يخفى ولكن يلزم في البين علم إجمالي آخر بوجوب سجدتي السهو أو نقص الركعة فأصالة الأكثر والبراءة عن السجدتين متعارضتان فلا مجال حينئذ لتصحيح الصلاة بعد سقوط الأصول في الركعات وإليه أشرنا في حاشية العروة في الفرع الحادي عشر فراجع.
(16) إذا شك في حال القيام في أنه قبل الركوع من الرابعة أو بعد الركوع من الثالثة،
ففي العروة الوثقى: يبني على الأربع ويبني أيضا على عدم إتيان الركوع للشك فيه وهو في محله.
ولو كان الأمر بالعكس بأن يكون شاكا في كونه قبل الركوع من الثالثة أو بعد الركوع من الرابعة فيحتمل البناء على الأربع بلا ركوع لأنه
32

ظرف شكه المحكوم بالبناء عليه ويحتمل عدم اقتضاء البناء على الأكثر وجود الركوع فيقع حينئذ التعارض بين أصالة وجوب الركوع المشكوك في محله مع قاعدة البناء على الأكثر هذا ملخص ما أفاد.
أقول: لا يخفى أن الحكم بالبطلان في الفرض الآخر مبني على ما أشرنا سابقا من عدم تمامية البناء على الأقل وإلا فلا مانع بعد تساقط الأصلين من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال بالركوع بإتيانه رجاء ثم البناء على عدم الإتيان بالمشكوك. أما ما أفاد من البناء على الأكثر الذي ظرف شكه بجميع محتملاته فهو على فرض تسليمه إنما يتم في صورة عدم استلزامه الفساد من غير جهة فوت الركعة على فرض النقص كي يصلح الاحتياط لجبره وإلا فعلى فرض استلزام نقص الصلاة فوت الركن أو زيادة مبطلة ولو سهوا فأدلة جبر الناقص بالاحتياط غير شاملة لمثله ولازمه انصراف قاعدة البناء على الأكثر كلية عن مثل هذه الموارد.
ومن هذه الجهة نقول بعدم المجال للمصير إلى البناء على الأكثر مع الإتيان بالركوع المشكوك في محله في الفرض الأول أيضا إذ على فرض نقص الصلاة كانت الصلاة فاسدة من جهة زيادة الركوع كما هو ظاهر ولا يخفى أن مثل هذه الجهة أيضا من القواعد المطردة في تميز موارد الأخذ بالبناء على الأكثر فليكن ذلك أيضا في ذكرك والله العالم.
(17) إذا كان قائما وهو في الركعة الثانية وعلم بإتيانه ركوعين ولم يعلم أن كليهما في الأولى فتفسد الصلاة أم في كل منهما أتى بواحد
ففي العروة الوثقى أنه لا مصحح لصلاته لأن مقتضى كون شكه في محله وجوب إتيان ركوع هذه الركعة مع أنه يعلم بالزيادة. أقول: لا يخفى أن
33

القواعد المقضية لوجوب إتيان المشكوك في محله إنما كانت جارية في صور احتمال كون المأتي به على وفق أمره وفي المقام لا يحتمل ذلك إما لإتيانه أو لبطلان صلاته فالقواعد المزبورة حتى قاعدة الاشتغال غير جارية في المقام لأن اشتغاله بركوع هذه الركعة إنما هو في ظرف صحة صلاته وفي هذا الظرف يقطع بفراغه عنه وعليه يبقى احتمال وجوب البقية من أفعال الصلاة ناشئا عن احتمال فسادها وهذا الاحتمال مدفوع بأصالة عدم الزيادة في الركعة الأولى والله العالم.
(18) إذا علم في أثناء الصلاة أنه ترك سجدتين ولم يدر أنه من ركعة أو ركعتين
فتارة يكون تذكره في محل الشكي وأخرى بعده وثالثة بعد محله الذكري.
فإن كان في محله الشكي فلا شبهة في وجوب الإتيان بالسجدتين في محلهما وإجراء قاعدة التجاوز عن الأولتين لعدم المعارضة بل وفي الثانية من الثانية في جميع الفروض نقطع بعدم وجودها على وفق أمرها فبقي فيه احتمال عدم وجوبها لفساد صلاته وقاعدة التجاوز عن الأولى في الأولى تثبت الصحة ووجوبها بلا احتياج إلى إجراء مفهوم قاعدة التجاوز فيها كما أن الأولى من الأولى أيضا في تمام الفروض مجرى قاعدة التجاوز بلا معارض لعدم إحراز الأثر في البقية بدونه لأن أثرها إنما هو مشروط بصحة الصلاة المبنية على جريان القاعدة في الأولى من الأولى.
ومن هذا البيان ظهر أن ما هو طرف المعارضة في الفرع الثاني هو الثانية من الأولى والأولى من الثانية وفي مثله لا بأس بالرجوع إلى الاستصحاب فيهما فيأتي بالسجدة الأولى من الثانية لاستصحابه أو قاعدة
34

الاشتغال به ثم بالثانية من الثانية من جهة الجزم بعدم إتيان العمل على وفق أمره ويأتي بقضاء الثانية من الأولى لاستصحابه بعد سقوط القاعدة عنه بالمعارضة ولا ضير للعلم بمخالفة أحد الأصلين للواقع لعدم مخالفة عملية في البين كما أن العلم الإجمالي بزيادة الأولى من الثانية أو عدم المقتضي لقضاء السجدة لا يوجب نفي قضائها بعد ما كان مثل هذه الزيادة على فرضها بالأخرة مستندة إلى سهوه المستتبع لحكم الشارع بوجوبها كما هو الشأن في جميع الأجزاء الغير الركنية المشكوكة في محلها فإن كشف زيادة لما كانت مستندة بالأخرة إلى سهوه لا يضر بصلاته.
ومن هذا البيان ظهر حال ما لو كان التذكر المزبور بعد خروج محلهما الذكري أيضا فإن قاعدة التجاوز لم تكن جارية إلا في الأولى من الأولى وفي الباقي بين ما لا تجري فيه لعدم الشك وبينما لا تجري للمعارضة وفي مثله لا يجب عليه إلا قضاء السجدتين وسجدتي السهو لكل منهما ومقتضى الأصول وإن كان عدم الإتيان بالثلاثة إلا أنه قد تقدم منا أن الأصول بالنسبة إلى المعلومات التفصيلية من الآثار غير جارية نفيا وإثباتا وفي - المقام يعلم تفصيلا بعدم وجوب أزيد مما ذكرنا كما لا يخفى.
هذا كله حكم التذكر في أثناء الصلاة وأما لو تذكر بعدها فإن لم تكن الأخيرتان طرف الاحتمال فالحكم فيه كما تقدم في الفرض الثالث وإن كان الطرف الأخيرتين أيضا فإن تذكر قبل صدور المنافي سهويا فحكمه حكم الصورة الثانية من وجوب تداركهما وقضاء واحدة بضميمة العلم التفصيلي بعدم قضاء أزيد من ذلك لو كان طرفي العلم ثنائيا وإلا فقضاء السجدتين وإن تذكر بعد صدور المنافي سهويا فمقتضى الاستصحاب بعد تساقط قاعدة
35

التجاوز في الأطراف وجوب إعادة الصلاة نعم لو يرى نفسه فارغا عن الصلاة لا بأس بجريان قاعدة الفراغ والحكم بقضاء السجدتين إذ قاعدة التجاوز في الجميع بعد ما تتساقط يرجع إلى الأصل المحكوم من استصحاب فوت السجدتين من الصلاة الصحيحة وقاعدة الفراغ المثبتة لصحة عمله كما هو ظاهر.
(19) لو علم إجمالا بفوت السجدتين مجموعا إما من السابقة أو هذه الركعة التي بيده
فإن كان قبل فوت محلهما الشكي فلا إشكال أيضا في جريان قاعدة التجاوز في الأولى دون الأخيرة للجزم أيضا بعدم إتيانهما على وفق أمرهما فيرفع احتمال عدم وجوبهما من جهة احتمال بطلان الصلاة بقاعدة التجاوز عن الأولى فيجب إتيان السجدتين في محلهما بمقتضى القاعدة الجارية في الأولى.
ومن هنا ظهر حال ما لو كان بعد محلهما شكيا فإن قاعدة التجاوز في الأخيرتين أيضا بنفسه غير جارية للعلم التفصيلي بعدم إتيانهما على وفق أمرهما فبقي احتمال عدم وجوبهما من جهة احتمال بطلان الصلاة المدفوع بقاعدة التجاوز عن الأوليين.
وتوهم أن قاعدة التجاوز في الثانية من الأولى غير جارية لعدم ترتب أثر عملي عليه إذ يكفي في صحة العمل قاعدة التجاوز في الأولى من الأولى ولا يصلح لرفع القضاء أيضا للجزم بعدم ترتب القضاء على فوتها لأنه من باب الاتفاق ملازم مع البطلان فحينئذ يجري فيه استصحاب العدم بلحاظ الأثر الضمني المترتب عليه من البطلان فيعارض ذلك مع قاعدة التجاوز في الأولى من الأولى فلا مصحح لهذه الصلاة، مدفوع بأن دفع احتمال
36

البطلان الضمني المرتب على الثانية من الأولى كاف لجريان قاعدة التجاوز فيها أيضا وبالجملة نقول إن كل مورد يصلح لجريان الاستصحاب فيه كان مجرى لقاعدة التجاوز إذ يكفي في التعبد بالوجود نفي الأثر المرتب على عدمه ولا يحتاج إلى ترتب الأثر على وجوده مستقلا.
ولو كان تذكره بعد السلام مع كون طرف الاحتمال الأخيرتين فإن كان قبل صدور المنافي عمدا فلا شبهة في وجوب إتيان الأخيرتين للجزم بعدم إتيانهما أيضا على وفق أمرهما فقاعدة التجاوز في البقية باقية بلا معارض ومن آثارها وجوب الإتيان بهما بضميمة السجدات السهوية من الزيادات السهوية. وإن كان ذلك بعد صدور المنافي ولو سهوا فبطل الصلاة جزما إما لفوت الركن أو لوقوع المنافي في صلاته كما هو ظاهر.
(20) إذا علم بعد الدخول في الركن من السجدة الثانية على المختار أو الأولى على المشهور بفوت جزء آخر مردد بين الركن وغيره
فلا شبهة في أن قاعدة التجاوز عن غير الركن غير جارية للجزم بعدم كونه مأتيا على وفق أمره وتبقى قاعدة التجاوز في الركن بلا معارض ومن آثارها وجوب قضاء الفائت إن كان له قضاء وإلا فسجدتي السهو محضا لأنهما لكل زيادة ونقصان في صلاة صحيحة ومن هنا ظهر ما في العروة الوثقى من تقويته بطلان الصلاة ثم الاحتياط بالإتمام والإعادة.
(21) إذا علم قبل الدخول في الركن بفوات أحد الجزءين المرتبين قبله
فلا شبهة في أن قاعدة التجاوز في الأخير أيضا غير جارية للجزم تفصيلا بعدم إتيانه على وفق أمره فتبقى القاعدة في الأولى جارية بلا معارض فيرجع إلى الجزء الأخير ويأتي به في محله فقط لو لم يعد محل الأول أيضا
37

إلى الأخير فإنه حينئذ يجب إتيانهما للجزم بعدم الدخول في غيره المرتب عليه شرعا.
وتوهم أن قاعدة التجاوز في الأول إذا كانت جارية تقتضي نفي احتمال البطلان في الثاني فبقي في البين احتمال فوته في محله فتجري قاعدة التجاوز فيه لفرض الدخول في غيره المرتب عليه شرعا فتتعارضان مدفوع بأن نفي أحد الاحتمالين تعبدا لا يقتضي نفيه وجدانا والعلم التفصيلي بعدم إتيان الثاني على وفق أمره جاء من قبل مجموع الاحتمالين الوجدانيين وهذا يستحيل ارتفاعه بالأصل الجاري في الأول ومع العلم المزبور لا يبقى مجال لجريان القواعد التعبدية في مثله فتبقى حينئذ قاعدة التجاوز في الجزء الأول جارية بلا معارض ما لم يعد محله بعوده إلى الجزء الثاني إذ حينئذ لا بد من إتيان الأول أيضا كما أشرنا.
ومن هنا ظهر حال ما لو كان في حال القيام وعلم بفوت التشهد من السابقة أو السجدة فإنه بعوده لتدارك التشهد يعود محل السجدة ولو للجزم بعدم دخوله فيما يترتب عليها شرعا للعلم التفصيلي بزيادة قيامه هذا.
نعم لو كان الغير المحقق لقاعدة التجاوز أعم من ذلك أمكن دعوى صدقه بالنسبة إلى السجدة وأن يجب هدمه للتشهد وتوهم أن بعوده حينئذ يعود محل السجدة مدفوع بأن الدخول في الغير لا يرتفع بهدمه إذ المدار على حدوث هذه الطبيعة ولكن عمدة الكلام حينئذ في هذا المبنى وهو سخيف جدا لانصراف الغير في أخبار التجاوز إلى ما رتب على المشكوك شرعا وهو هنا غير حاصل جزما وعلى أي حال لا فرق فيما ذكرنا بين صورة الاشتغال بالقراءة في حال قيامه أم لا إلا في تكرار سجدات السهو لكل زيادة
38

سهوية كما لا يخفى.
(22) إذا علم إجمالا أنه أتى بأحد الأمرين من السجدة والتشهد من دون تعيين وشك في الآخر لشبهة بدوية إجمالية
فإن كان بعد الدخول في القيام فلا يعتن بشكه وذلك لا من جهة جريان قاعدة التجاوز في الشكوك بعنوانه الإجمالي كي يقال إنه بهذا العنوان لا أثر له شرعا بل من جهة الشك في كل منهما على تقدير الإتيان بالآخر فإنه يجري الأصل المزبور في كل واحد في ظرف وجود غيره ونتيجة الأصلين عدم الاعتناء بواحد منهما للعلم بحصول أحد التقديرين.
وإن كان الشك المزبور حاصلا قبل القيام ففي العروة الوثقى يجب الإتيان بهما لأنه شاك في كل منهما مع بقاء محلهما ولا يجب الإعادة وإن كان أحوط.
أقول: لا يخفى عليك أن في مثل هذا الفرع يعلم إجمالا بوجود السجدة واقعا أو بكونها مشكوكة بعد الدخول في التشهد لأنه على تقدير دخوله في التشهد يصدق واقعا بأنه شاك في السجدة بعد التجاوز عنها فيعلم حينئذ إجمالا بانطباق أحد العنوانين على السجدة المزبورة إما من امتثاله واقعا أو البناء على وجودها من جهة قاعدة التجاوز فلا مقتضي حينئذ لوجوب إتيانها فالمقتضي للتدارك منحصر بالتشهد فيقتصر عليه محضا كما لا يخفى.
(23) إذا علم أنه ترك التشهد من هذه الركعة أو السجدة من الركعة السابقة الفائت محلها الذكري
فإن كان في محل التشهد ولو شكيا بأن يكون حال الجلوس فلا شبهة في وجوب تدارك التشهد في محله وإجراء قاعدة التجاوز عن السجدة بلا معارض ولا شيء عليه.
39

وإن كان تذكره حال النهوض عن الجلوس إلى القيام قبل البلوغ بحده ففي جريان قاعدة التجاوز في التشهد أيضا كي تعارض الأولى إشكال معروف مبني على تعميم الغير في كبرى الرواية لمثله أو بتنقيح المناط من الرواية الواردة في باب الركوع بعدم الاعتناء بشكه حال هويه إلى سجوده ولكنه مدفوع بل معارض بما ورد في السجود من الاعتناء بشكه حال نهوضه وعمومات الباب أيضا منصرفة إلى الغير من أجزاء الصلاة المرتب عليه شرعا خصوصا مع ما في قوله شك في السجود بعد ما قام فرواية عدم الاعتناء بالركوع حينئذ مخصوص بعدم الاعتبار به على خلاف القاعدة بلا وجه للتعدي عنه إلى غيره.
وإن كان شكه المزبور بعد الدخول في القيام ففي العروة الوثقى أنه مضى وأتم الصلاة وأتى بقضاء كل منهما مع سجدتي السهو أقول: ما أفاد إنما يتم على القول بعدم منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات ولو لتوهم خروج التكليف الاستقبالي الذي هو طرف المعلوم عن محل الابتلاء فعلا إذ حينئذ لا بأس بجريان قاعدة التجاوز في الأخير بلا معارضة جريانه في الأولى إما لعدم جريانها فعلا فيه لعدم الابتلاء بأمره أو لعدم العلم بمخالفة تكليف يلزم فعلا غاية الأمر بعد حدوث العلم بحدوث التكليف بأحد القضاءين يجب قضاؤهما ولكن لا يخفى ما في أصل المبنى من الضعف خصوصا لو كان التكليف الاستقبالي من الواجبات المعلقة لا المشروطة وعليه فمقتضى تعارض الأصلين تساقطهما ووجوب الرجوع إلى استصحاب عدمهما المقتضي للعود لتدارك التشهد ووجوب قضاء السجدة مع سجدتي السهو لها كما لا يخفى ولقد احتمل في آخر كلامه ما ذكرنا أيضا.
40

(24) إذا علم إجمالا فوت سجدة من ركعة أو ركوع من ركعة أخرى
فإن كان محل الركوع ولو شكيا باقيا فلا شبهة في عدم معارضة قاعدة التجاوز في الطرفين فيرجع إلى الركوع في محله وتجري القاعدة في الأولى بلا معارض.
وإن كان خارجا من محله الشكي ولم يخرج عن محله الذكري فالقاعدتان متعارضتان كما أنه لو كانت السجدة المحتمل فوتها مترتبة على الركوع فيرجع إلى تدارك الثانية مع ترتبه على الأول بلا قضاء أو سجدة سهو للأول لجريان القاعدة فيه بلا معارض كما عرفت في كلية المترتبات وإلا فيتدارك الأخيرة ويقضي السجدة مع سجدتي السهو لها.
وإن خرج محله الذكري أيضا فتجري قاعدة التجاوز في الركوع بلا معارض للجزم بعدم إتيان السجدة على وفق أمره فيجب حينئذ إتيان السجدة إن كان محلها ولو ذكريا باقيا وإلا فيجب قضاؤها لأن احتمال عدم وجوبها من جهة فساد الصلاة مدفوع بقاعدة التجاوز في الركوع كما لا يخفى.
ومن هنا يظهر حال ما لو علم بترك سجدة من ركعة أو سجدتين من ركعة بل وكل مورد يكون طرف الغير الركني ركنا إذ في جميع فروضه لا مجال لمعارضة القاعدة في الركن المخرج عن محله الذكري مع غيره بل تجري في الركن بلا معارض نعم مع بقاء محل الركن ذكريا فإن كان مترتبا على وجود غير الركن لا يبقى مجال جريان القاعدة في الركن لعدم احتمال وقوعه على وفق أمره بل تجري في غيره بلا معارض وإن لم يكن مترتبا عليه فإن بقي محله الشكي فيجب الركن أيضا وتجري القاعدة في غيره بلا معارض وإن لم يبق محله الشكي فتجري القاعدة فيهما
41

وتتعارضان وبعد تساقطهما يرجع إلى الاستصحاب المقتضي لوجوب ما بقي محله ذكريا مع قضاء غيره إن كان له قضاء وإلا فيقتصر على سجدات السهو للفائت والزائد في البين سهويا وعليك بتفريع فروع كثرة على هذه الكلمات بلا احتياج إلى تكرار المتشابهات والله العالم.
(25) إذا علم إجمالا بفوت قنوت أو سجدة
فمع بقاء محل القنوت شكيا فيرجع إليه كغيره من الواجبات وتجري القاعدة في غيره بلا معارض ومع عدم بقاء المحل المزبور ففي سقوط القاعدة في الطرفين حينئذ إشكال مبني على كون المانع عن جريان الأصول في أطراف العلم هو منجزية العلم المنتهي إلى قبح الترخيص في محتمل التكليف والمعصية أو مقطوعهما أو المانع مجرد مضادة إطلاق أدلة الأصول مع ما في ذيل أدلة الاستصحاب من وجوب النقض باليقين فعلى الأول فلا قصور في عموم الدليل للطرفين لعدم استلزامه طرح تكليف ملزم ولا ترخيص في قبيح وعلى الأخير فلا تجري.
ولكن الإنصاف أنه على فرض صحة المناقضة إنما يصح لو كان بينهما مناقضة عملية وفي المقام لا يلزم ذلك إذ الترخيص في ترك القضاء غير مناف عملا مع استحباب قضاء قنوته كما هو ظاهر.
ومن هنا ظهر أن كل مورد يدور الأمر بين ما له أثر ملزم وما لا أثر له كذلك يجري الأصل فيما له ملزم بلا معارضة مع الأصل في غيره كما أنه لو دار الأمر بين ما له أثر مشترك مع غيره على وجه يعلم تفصيلا بترتبه وأثر مختص لا مانع من جريان الأصل النافي بلحاظ الأثر المختص إذ بعد سقوط الأصل عن الاعتبار بالنسبة إلى ترتيب الأثر المعلوم لعدم مجال
42

إعمال التعبد به بلحاظ التعبد بهذا الأثر المعلوم والمفروض أن الجهة المشكوكة في البين من حيث نشوء الأثر المعلوم من قبل أيهما أيضا مما لا يترتب عليه عمل أصلا فلا يبقى مجال حينئذ لجريان الأصل بالنسبة إلى الجهة المشتركة فيبقى حينئذ جريان الأصل في ما له الأثر المختص بحاله ومن ذلك نقول بأنه لو دار الأمر بين فوت سجدة أم فاتحة لا بأس في جريان الأصل بالنسبة إلى السجدة في نفي قضائه مع العلم التفصيلي أيضا بوجوب سجدتي السهو لواحد منهما المعلوم فوته وهذه أيضا من القواعد الملحوظة في باب تعارض الأصول وليكن ذلك أيضا في ذكرك والله العالم.
(26) ولو علم في النافلة بأنه إما ترك ركنا أو زاد
فإن كان المتروك مما تجاوز محله الشكي ولم يدخل في ركن آخر ففي جريان قاعدة التجاوز عن النقيصة فقط كما يظهر عن سيد الأساطين في عروته من جهة عدم الأثر في طرف الزيادة للجزم بعدم مضريتها لها أو أن حكمها حكم الفريضة على ما هو المحكي عن الجواهر المستلزم لكون اللازم حينئذ وجوب تدارك الناقص مع بقاء محله الذكري للجزم بعدم إتيانه على وفق أمره فبأصالة عدم الزيادة يثبت وجوبه وجهان.
بل عن الرياض عدم الاعتناء بالشك زيادة ونقيصة حتى في محله نظرا إلى عموم لا سهو في النافلة. ولكن الإنصاف منع الإطلاق في هذه القضية على وجه يشمل الشك في الأفعال بل المنصرف منه بقرينة صدر الرواية الواردة في نفي سهو الإمام مع حفظ المأموم هو الشك في خصوص الركعات بل لو لوحظ سياقه مع ما هو الأقرب من فقرات الرواية من قوله لا سهو في سهو يكون المراد من المنفي في هذه الفقرة أيضا موجب
43

الشك من الركعة الاحتياطية لأنه المراد من الفقرة السابقة عنها بقرينة قوله عليه السلام في رواية أخرى وليس على السهو سهو ولا على الإعادة إعادة إذ المراد من نفي الإعادة هو نفي الركعة الاحتياطية بقرينة رواية أخرى صريحة في كون المراد منها ذلك وبعد كونه تفسيرا لقوله وليس على السهو سهو يصير مثله قرينة على كون المراد من نفي السهو نفي موجبه من الاحتياط وأن إطلاق الإعادة عليه بعناية أنه إعادة لما بنى على وجود الرابعة وذلك كله يصير شاهد حمل نفي السهو في النافلة أيضا على نفي موجب الشك وظاهر الاقتصار عليه مع ملازمة الاحتياط مع البناء على الأكثر في الأذهان كونه في مقام تقرير وجود الملزوم ونفي الملازمة بين الاحتياط والبناء على الأكثر فهو حينئذ من شواهد البناء على الأكثر محضا، ثم يجمع بينه وبين ما دل من المرسلة الموجبة للبناء على الأقل بالتخيير برفع اليد عن ظهور كل واحد في التعيين.
وإلا فلو أغمض عن هذا التقريب وقلنا بعدم اقتضاء مثل هذه الرواية أزيد من نفي الاحتياط لا إثبات ملزومه وكنا نحن وعمومات البناء على الأكثر أمكن دعوى أخصية المرسلة عنها فتخصص بالنافلة فتعين فيها البناء على الأقل وهو خلاف المشهور كما أنه لو أغمض من سياقه مع ما هو الأقرب إليه من الفقرة السابقة عليه ولاحظنا سياقه مع صدر الرواية فظاهره حينئذ نفي الشك في النافلة ولازمه كونه في هذا البيان ناظرا إلى نفي ما رتب عليه من البناء على الأكثر وحينئذ فعلى فرض تمحض نظره إلى نفي إلزامه امتنانا لا يقتضي ذلك إلا التخيير بين البناء على الأقل في الركعات والبناء على الأكثر مع الاحتياط لا نفي الاحتياط وهو أيضا خلاف المشهور
44

وبالجملة لا يمكن استفادة نظر المشهور من هذه الفقرة إلا بالتقريب المتقدم هذا بيان التحقيق في مفاد الرواية.
ومنه ظهر وجه عدم شمولها للشك في الأفعال ولا لنفي آثار السهو من سجداته ولا لنفي الأفعال أو التروك المسهية بلحاظ سائر آثارها إذ كل خلاف المنصرف من الإطلاق مضافا إلى أن إرادة نفي الشك ونفي السهو مستلزم لاجتماع النظرين في هذه الفقرة من حيث الأصلية والكنائية أو من حيث المرآتية والاستقلالية وكل منهما كما ترى.
وعلى أي حال فلا مجال للمصير إلى ما ذهب إليه في الرياض فيبقى في البين الاحتمالان الأولان وحينئذ فنقول أن مقتضى القواعد هو الذي أفاده في الجواهر ولكن في رواية الصيقل الحكم بوجوب العود إلى المنسي ولو استلزم زيادة الركن ومقتضاه التفصيل في جريان الأصل بين الشك في الزيادة والنقيصة بأن تجري قاعدة التجاوز في الثانية دون الأولى للعلم بعدم إضرارها وإليه نظر سيد الأساطين كما أشرنا إليه.
ومن لوازمه أنه لو علم في النافلة بفوت ركن أم غيره وجب العود إلى الفائتة الأخيرة للجزم بعدم إتيانها على وفق أمرها إما لعدم وجودها أو لفوت ترتيبها فتجري القاعدة في الأولى منهما بلا معارض وبه يرفع احتمال عدم وجوب الثانية لفقد ترتيبها ومن لوازمه أيضا الحكم ببطلان الصلاة لو كان تذكره بعد الدخول في المنافي ولو سهويا سواء كان قبل صدور السلام منه أم بعده إذ على أي حال يعلم بوقوع السلام في غير محله وعموم قوله كلما مضى من صلاتك غير شاملة للمورد الذي يعلم بوقوع المبطل في الصلاة من جهة الجزم بعدم فوت محل المنسي
45

النافلة إلا بالدخول في المنافي وإلا فالمحل باق يجب تداركه في محله.
وحينئذ فما في العروة الوثقى من الحكم بالبطلان إذا كان طرفي العلم نقص الركن وعدمه إذا كان أحد طرفيه غير ركن إنما يصح في صور طرو الشك بعد السلام بضميمة مختاره بأن السلام مطلقا فراغ وإلا فبناء على التحقيق من عدم كونه فراغا ذكريا فلا مجال لتصحيح صلاته كما ذكرنا نعم غاية ما في الباب كونه محكوما بحكم الفراغ عند الشك في نقص الصلاة وتمامه رأسا لعموم كل ما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو ولا يختص هذا العموم بصور كون طرف احتمال الصحة فسادها كي لا يصلح جريانها في النافلة إلا بعد ما يرى نفسه فارغا بعد صدور المبطل ولو سهوا وإلا فقبله لا يحتمل فيها الفساد لإمكان الجبر ولو استلزم زيادة ركن بل الظاهر منه البناء على تمامية الصلاة عند احتمال نقصه بمجرد صدق مضي الصلاة والفراغ منه بسلامه وإطلاقه يشمل حتى صور إمكان جبر النقص فعلا بلا فساد صلاة ومن هذه الجهة قلنا بأن الأصل عدم اعتبار الشك في كل صلاة نافلة أم فريضة بعد صدور سلام يحتمل كونه في محله والله العالم.
(27) إذا تذكر وهو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية أنه ترك سجدة أو سجدتين من الأولى مع تركه ركوع هذه الركعة التي بيده
جعل هذه السجدة من الأولى بمعنى وقوعها عنها قهرا بعد الجزم بعدم قصدية خصوص الثانوية من السجدة أو أوليتها بضميمة عدم إضراره بقربيتها من جهة قصد امتثال أمرها الفعلي أي ما كان غاية الأمر أخطأ في التطبيق وهكذا في رجوعه في الأجزاء السابقة واحتساب المأتي به منها مهما لم يفصل بينهما ركن بل ومع فصله أيضا في خصوص النافلة لما عرفت من عدم إضرار
46

زيادتها السهوية ولو كانت ركنا والله العالم.
(28) إذا علم أنه صلى الظهرين ثمان ركعات ولكن لم يدر أنه صلى كل واحد أربعا أو أحدهما ثلاثا والآخر خمسا
فإن كان شكه حادثا بعد السلام من كل منهما فلا شبهة في أن مقتضى عموم كلما مضى من صلاتك الحكم بعدم نقص فيهما ووقوعهما كما هو من حيث الزيادة والنقصان بلا احتياج إلى أصالة عدم الزيادة بل وتجري هذه القاعدة في كل مورد يرى نفسه فارغا عن صلاة وإن لم يدر بصدور السلام منه ولو لا ذلك أشكل أمر التمسك بقاعدة التجاوز الحاكم بالبناء على الموجود ولو بضميمة أصالة عدم الزيادة لتصحيح الصلاتين لعدم صلاحية مثل هذه القاعدة بل والأصل المزبور لإثبات رابعية الموجود من الركعة ومع هذا الشك يشك في وقوع السلام في محله ولا تصلح أيضا بسلام جديد ولو في ركعة أخرى للشك في جزئية الركعة واحتمال كونها مبطلا وحينئذ لا طريق لتصحيح صلاته هذه بمثل الأصلين المزبورين ومن هذه الجهة ترى عدم تشبث أحد في شكوك الركعات بمثل قاعدة التجاوز بل وهذه النكتة دعتنا إلى البناء على أن الأصل في الشكوك الغير المنصوصة هو البطلان لا الصحة لا من جهة العلم بعدم جريان الاستصحاب في كلية الركعات من جهة مجرد أخبار الشكوك الخاصة إذ القدر المتيقن من تخصيصها خصوص موارد النصوص دون غيرها كما هو ظاهر والله العالم.
وإن كان شكه حادثا قبل السلام من الثانية فلا شبهة في جريان الفراغ في الأول ولا مجال لجريانها في الثانية لعدم حدوث شكه بعد مضيها وفي جريان قاعدة البناء على الأربع في المقام لتردد أمره بين الثلاث والأربع
47

والخمس إشكال وذلك لأن التعبد بالأربع إنما يجيء في مورد يشك في الأربع في ظرف صحة صلاته وفي المقام لا يشك فيه على فرض الصحة للجزم بوقوعها رابعة وإنما شكه فيها من جهة الشك في فسادها الناشئ عن وقوع الأولى ثلاثا أم خمسا الموجب لبطلان الثانية أيضا لفقد الترتيب وعلى أي حال يعلم حينئذ إجمالا بخلل في التعبد بالأربع في هذه الصلاة إما لعدم الشك أو لعدم الأثر، ومع هذا العلم لا يبقى مجال لشمول دليل التعبد بالأربع لمثله، وذلك واضح ظاهر، كما أنه لا مصحح لها من جهة أخرى بعد سقوط أصالة الأقل عن الاعتبار، كما أن أصالة الفراغ في السابقة أيضا لا تجدي في تصحيح هذه الصلاة لعدم رفعه العلم الإجمالي الوجداني المزبور كما لا يخفى.
(29) إذا صلى الظهرين تسع ركعات ولم يدر أنه زاد ركعة في الظهر أو العصر
فإن كان بعد سلامهما فقاعدة التجاوز غير جارية فيهما بالنسبة إلى وجود التشهد في محله لأن المنساق من أدلة البناء على وجود المشكوك هو صورة الشك في أصل الموجود رأسا لا في وقوع الموجود في محل خاص وحينئذ تنتهي النوبة إلى قاعدة الفراغ فيهما فتتساقطان فيجب إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمة بنحو الإجمال.
نعم لو بنينا على جريان قاعدة التجاوز في الشك في تحقق الموجود في محل خاص أمكن تصحيح الأولى في بعض الفروض مثل صورة عدم الدخول في غير الصلاة الأخيرة فإن قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الثانية غير جارية لعدم الدخول في الغير المرتب عليها شرعا فلا جرم تقع المعارضة بين قاعدة التجاوز في الأولى وقاعدة الفراغ في الثانية
48

فتتساقطان فيرجع بعده إلى الأصلين المحكومين من قاعدة الفراغ في الأولى واستصحاب الاشتغال أو قاعدته في الثانية ولكن الإشكال في هذا المبنى وإن كان الشك المزبور قبل سلام الثانية فلا إشكال في العلم بفساد الثانية إما لفقد الترتيب أو للزيادة فتبقى قاعدة الفراغ في الأولى جارية بلا معارض وفي مثله لا يبقى مجال للبناء على الأربع تعبدا حتى في فرض العدول رجاء لتحصيل الجزم بوقوع الظهر واقعا إذ في فرض صحة العدول الموجب لصحة هذه الصلاة يجزم بعدم وقوع الخامسة ودليل البناء على الأقل تعبدا إنما يشمل صورة الشك في وجودها في صلاة صحيحة من غير جهتها وهو غير ما نحن فيه نعم عليه بعد العدول أن يتم ما بيده بلا بناء على رابعية ولو تعبدا كما لا يخفى ومن هنا ظهر الحال فيما لو علم بالزيادة المزبورة بعد سلام الثانية وقبل سلام الأولى فإن قاعدة الفراغ في الثانية جارية بلا جريانها في الأولى للجزم بحدوث شكه في صلاته فقاعدة الاشتغال بالأولى تقتضي تكرارها.
اللهم إلا أن يقال بعدم جريان الشبهة السابقة في المقام للقطع بصحة الصلاة الأولى من غير جهة الخامسة فيقع التعارض بين قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الثانية والبناء على الأربع بالنسبة إلى الأولى.
ومن هنا ظهر حال ما لو علم بإتيان ثمان ركعات في العشاءين حرفا بحرف حتى في جواز العدول رجاء للجزم بصحة السابقة مع الجزم بعدم إضرار مثل هذا الشك في عدد الركعة في مغربه كما تقدم.
(30) إذا أتى بالمغرب ثم نسي الإتيان به وأتى به ثانيا ثم علم في الأثناء بزيادة ركعة في الأولى أو الثانية
فله أن يتم الثانية تحصيلا للفراغ
49

الجزمي وفي وجوبه نظر لجريان أصالة الصحة في الأولى لأنه مضى في صلاته فليمضه كما هو والعلم الإجمالي بحرمة قطع السابقة أو هذه غير منجز شيئا لأنه من العلم الحادث بعد خروج أحد الطرفين عن محل ابتلائه وفي المقام أيضا لا يضر الشك في عدد ركعتها في صحتها لأنه على فرض مغربيته لا شك في عددها ومن هنا ظهر الكلام في نظير هذا الفراغ في صلاة فجره.
(31) إذا شك بعد صلاة المغرب بين الثلاث والأربع واحتمل حدوثه حين الصلاة
فلا شبهة في عدم جريان عموم ما مضى من صلاتك في مثل المورد نظر إلى احتمال حدوث الشك المبطل في صلاته ولو من جهة الشك في عدد ركعاتها إذ مثل هذا العموم إنما يرفع النقص الناشئ من قبل الشك في الركعة لأنه المتعلق للشك الحادث وأما النقص في الصلاة من جهة فوت الركعة واقعا فهو متعلق الشك المحتمل حدوثه حين الصلاة وهذا النقص غير مرفوع بالعموم المزبور كما أن قاعدة التجاوز أيضا غير جارية بالنسبة إليه لعدم صلاحيتها إثبات ثلاثية الموجود المحرز لمحل السلام فيه وحينئذ لا مجال لتصحيح مثل هذه الصلاة كما هو ظاهر.
(32) إذا شك وهو قائم في الركوع
فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الإتيان به ولو نسي عنه ودخل في السجدة ثم شك في إتيانه بالوظيفة الظاهرية أمكن إجراء قاعدة التجاوز عن المشكوك من جهة حدوث شكه بالنسبة إلى الوظيفة الظاهرية بعد الدخول في الغير ولا مانع في كونه مشمول قاعدة التجاوز وإن لم يكن الشك في الإتيان بالوظيفة الواقعية مشمولا لها لحدوث الشك فيه بعد العمل ولكن ذلك المقدار لا يمنع من إجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الوظيفة الظاهرية كما لا يخفى.
50

(33) إذا علم بفوات شيء في محله ثم نسي عن إتيانه ثم شك شكا ساريا في أصل وجوده بعد الدخول في غيره
ففي مثل هذه الصورة لا بأس بجريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الوظيفة الواقعية لحدوث شكه بعد الدخول في غيره كما هو ظاهر إطلاقات الباب فتدبر.
(34) ولو شك بعد السلام قبل إتيان المنافي أن ما علم نقصه منها ركعة أم ركعتين
فلا شبهة في أن لازمه الجزم بأن سلامه في غير محله وكونه فعلا شاكا بين الاثنين والثلاث فيجب حينئذ ترتيب أحكامه التي منها الحكم ببطلان الصلاة لو كان مغربا أم صبحا واحتمال إجراء حكم الشك بعد السلام من عدم الاعتناء به مدفوع جدا إذ ليس لمثل هذا عين ولا أثر وإنما تمام المدرك فيه انصراف أدلة البناء على الأكثر بحال الصلاة بضميمة عموم ما مضى من صلاتك بالنسبة إلى الشك الحادث بعد سلام يحتمل مفرغيته لا مثل هذا السلام بل قد أشرنا سابقا بأنه لو شك بأن شكه حادث بعد السلام أم قبله لا مجال لجريان هذا العموم أيضا لدفع احتمال النقص من الركعة الواقعية كما أن قاعدة التجاوز أيضا غير جارية بالنسبة إلى الركعات المشكوكة مطلقا وحينئذ فما في العروة من احتمال عدم الاعتناء بهذا الشك لأنه من الشكوك الحادثة بعد السلام فيه إشكال ظاهر.
(35) لو تيقن بعد السلام قبل إتيان المنافي السهوي نقصان ركعة ثم شك في أنه أتى بها أم لا
فإن كان متعلق شكه إتيانها بضميمة التشهد والسلام ففي إجراء حكم الثلاث والأربع عليه إشكال لاحتمال كونه بعد السلام ولئن شئت قلت إن دليل البناء على الأكثر إنما يجري في صورة الشك فيها في ظرف كونه في الصلاة وفي المقام يعلم إجمالا باختلال أحد ركنيه
51

لأنه على فرض كونه في الصلاة لا شك له في عدم إتيانه بالرابعة وإنما الشك فيه من جهة الشك في تحقق ظرفه فيجزم حينئذ بعدم توجه خطاب التعبد بالأربع إليه نعم لا بأس بأصالة عدم وجود الرابعة أيضا لأنه وإن لم يتكفل إلا لرفع الشك في عدمه بإتيانه بعنوان كونه وجود رابعة ومثل هذه الجهة لا يصلح لرفع الشك عن رابعية الموجود ومع عدمه لا يثبت وقوع السلام حينئذ في محله كما مر منا غير مرة حرصا لدفع المغالطة في الأذهان إلا أنا نجزم بعدم مضرية مثل هذا السلام فلا بأس بمصححيته نعم لا يجري هذا الأصل في فرض الشك في إتيان الركعة بلا ضميمة التشهد والسلام فما في العروة من إجراء حكم البناء على الأربع في هذا الشك منظور فيه نعم لو كان شكه فيها مع الجزم بعدم صدور السلام منه كان لما أفيد وجه وجيه.
(36) إذا علم أن ما بيده رابعة ويشك في أنه رابعية واقعية أم بنائية
ففي الحقيقة شاك فعلا بين الثلاث والأربع والمدار على إجراء أحكامه فاحتمال الإتمام بلا احتياط كما في العروة لا وجه له.
(37) إذا تيقن بعد دخوله في القيام بفوت سجدة من سابقته ولكن يشك في أنه هدم قيامه وهذا قيام جديد واقع بعد إتيانها أم ذلك هو القيام الأول،
ففي العروة قوى وجوب التدارك للشك في الغير بالنسبة إلى ما تنجز وجوبه بجزمه بنسيانه.
أقول: بعد فرض حدوث الشك في قيام يصلح للجزئية لا قصور حينئذ في جريان القاعدة بالنسبة إلى السجدة المشكوكة ومجرد العلم بوجود قيام باطل في البين مع احتمال كون ذلك غيره غير مضر بوجود موضوع القاعدة كما لا يخفى فتأمل.
52

(38) ولو شك بعد السلام في شكه في الصلاة من أنه كان موجبا للركعة أو الركعتين
ففي النجاة أنه بنى على الأقل، وفيه تأمل ظاهر للعلم الإجمالي في موجب الشك بين المتباينين، وتوهم جريان قاعدة عدم الاعتناء بالشك بعد السلام بالنسبة إلى الركعة الواحدة المشكوكة منظور فيه لعدم الجزم بحدوث أصل شكه بعد السلام.
ولو كان شاكا فيما يوجب الركعتين فانقلب شكه إلى ما يوجب الواحدة فإن كان المنقلب إليه هو الشك بين الاثنين والثلاث فلا شبهة في كونه حينئذ في صلاته وأن السلام الصادر منه على فرضه في غير محله فيجري عليه حكم شكه الفعلي.
وأما لو انقلب شكه إلى الثلاث والأربع بعد سلامه ففي النجاة أنه لم يلتفت ولعل نظره إلى زوال الشك الحادث حين الصلاة وحدوث شكه جديدا بعد السلام ولا اعتبار بمثله. أقول: وذلك كذلك لو زال الشك الأول رأسا وحصل شك جديد بعد سلامه وأما لو انقلب حد شكه بحد آخر مع وجود أصل شكه سابقا ولو في ضمن شكه الأول ففي جريان قاعدة عدم الاعتناء بالشك الحادث بعد السلام إشكال لانصرافها إلى صورة حدوث أصل شكه بعده كما أن جريان قاعدة البناء على الأكثر والحكم بإتيان ركعة واحدة منفصلة أشكل لانصرافه إلى حدوث مثل هذا الشك بحده الخاص حين الصلاة وفي المقام ليس الأمر كذلك لأنه على فرض كونه في الصلاة يقطع بعدم إتيان الرابعة فيعلم حينئذ إجمالا بانتفاء أحد ركني التعبد بالأربع وحينئذ فلا طريق إلى تصحيح مثل هذه الصلاة إلا بإتيان ركعة متصلة بسلامها إذ حينئذ يعلم إجمالا بوجود الرابعة الواقعية منه إما بسابقته أو بهذه الركعة
53

الجزم بعدم إضرار السلام السابق لكونه سهويا كما لا يخفى.
(39) إذا شك بين الثلاث والأربع ثم أتى بركعة أخرى سهوا وتذكر بها قبل السلام بعد إكمال السجدتين
فهل يبطل الصلاة بحكم البناء على الأربع المحكومة سابقا لكونها زيادة في وظيفته أو يبني على الأربع بضميمة سجدتي السهو لانقلاب شكه بعد الإتيان إلى الأربع والخمس بعد الإكمال؟ وجهان، من انصراف دليل البناء على الأقل بصورة عدم سبقه بحدوث شك آخر، ومن أن حكم الشك السابق ما دام بقاؤه وقد زال وهذا شك حادث جديد.
أقول: لا يخفى أن الشك الحادث في المقام لما كان بمقتضى سابق كان بنظر العرف بمنزلة بقاء الأول لا بمنزلة حدوث جديد وحينئذ لا يبقى مجال الأخذ بالبناء على الأقل للانصراف السابق فلا بد حينئذ من الحكم بالبطلان بمقتضى البناء السابق أو لا أقل من عدم مصحح لها من القواعد.
ولو تذكر بعد السلام فدليل البناء على الأقل لا يشمل المقام قطعا فيبقى دليل البناء السابق على حاله من اقتضائه البطلان لوقوع الزيادة الظاهرية في صلاته. نعم لو نسي وأتى بالركعة الزائدة بعد سلامه على الأربعة البنائية فلا مقتضي لبطلان مثل هذه الصلاة إلا بناء على احتمال إضرارها بالموالاة بينه وبين صلاة الاحتياط وهو على فرض إجراء أحكام الجزء عليه لا يكاد يضر ذلك المقدار إذا كان سهويا وتوهم عدم الاحتياج حينئذ إلى الركعة المنفصلة لأنه على فرض التمام فهو زائد غير مضر وعلى فرض النقص فقد أتى بركعة متصلة مدفوع بأنه كذلك لو لا استفادة انحصار الجبر بركعة منفصلة من أخبارها وأن الأمر بالسلام من جهة كونه محققا للفصل
54

ولا يقاس المقام بالفرض السابق إذ بعد عدم شمول دليل البناء على الأربع لمثله لا يبقى في البين إلا بقية القواعد ولا ضير في إتمامها بركعة متصلة وهذا بخلاف فرضنا الشامل له قاعدة البناء على الأكثر فإنه حينئذ يستكشف منها تعيين جابر النقص بركعة منفصلة كما لا يخفى.
(40) إذا كان في التشهد ومع ذلك نسي الركوع وتذكر به وشك في إتيان السجدتين بعده
ففي جريان قاعدة التجاوز في السجدتين للشك فيهما بعد الدخول في غيرهما ولازمه الحكم بالبطلان لفوت الركن أم لا لعدم ترتب الفساد حينئذ على وجود السجدتين بل على ملزومه العادي من جهة استحالة حفظ الترتيب معه المستلزم لفوت الركوع؟ وجهان أوجههما الأخير وحينئذ يأتي بالركوع وما بعده ويتم الصلاة فتأمل والله العالم.
(41) إذا علم في هذه الصلاة التي بيده أنه فات منها شيء مردد بين الركن وغيره مما له القضاء أو غيره
فإن كان طرف الترديد الأفعال المتعاقبة فلا شبهة في وجوب الأخيرة مع بقاء محلها ذكريا للجزم بعدم وقوعها على وفق أمرها وتجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سابقها بلا معارض فيؤتى بالأخيرة مرتبا عليها وإن لم يكن المحل الذكري للأخيرة باقيا بأن دخل في الركن فيقطع حينئذ بفوت الأخيرة فمع تعيينه فيرتب عليه أثره من البطلان لو كان ركنا والقضاء لو لم يكن ركنا وسجدتي السهو أو سجدتي السهو فقط لو لم يكن له قضاء أيضا ومع تردد الأخير بين الركن وغيره يشكل أيضا تصحيح الصلاة للعلم الإجمالي بوجوب الإعادة أو القضاء أو السجدة السهوية فقاعدة الاشتغال بأصل الصلاة تعين الأول وتجري البراءة عن الباقي.
55

وإن لم يكن بين الأفعال تعاقب فمع بقاء محل الأخير شكيا فيجب الأخير وبه ينحل العلم الإجمالي فتجري قاعدة التجاوز أيضا بالنسبة إلى البقية ومع عدم بقاء محل الأخير ولو ذكريا أيضا لا شبهة في أن قاعدة التجاوز في الركن جارية بلا معارض لعدم الجزم بشمول دليل التعبد بالنسبة إلى البقية لعدم إحراز موضوعها من صحة الصلاة بدونها وببركتها يعلم إجمالا بوجوب التعبد بوجود أحد البقية وحينئذ فلا شبهة في سقوط الأصل المزبور بالنسبة إلى ما علم تفصيلا من الأمر مثل سجدتي السهو فيبقى الأصل بالنسبة إلى ما له قضاء بحاله فيحكم بجريان قاعدة التجاوز فيه بلا معارض كما هو ظاهر.
وأما لو بقي خصوص محله الذكري فإن علم بأن الباقي محله هو الركن فلا شبهة في وجوب الإتيان به بضميمة وجوب قضاء ما له القضاء وسجدتي السهو فقط لاستصحاب عدم الإتيان بالجميع بعد الجزم بسقوطه بالنسبة إلى ما علم تفصيلا عدم وجوبه ولا ضير في المقام في العلم الإجمالي بمخالفة أحد الأصول للواقع بعد عدم ترتب مخالفة عملية عليها كما هو الشأن في كلية الأصول المثبتة للتكليف في أطراف العلم بحكم غير إلزامي.
وإن علم بأن الباقي محله هو غير الركن ففي هذه الصورة أمكن دعوى أنه مع تساقط قواعد التجاوز يرجع إلى قاعدة الشك في صحة الموجود وبها تثبت صحة الصلاة المستتبع للعلم بوجوب القضاء مع سجدتي السهو مرة ولو من جهة استصحاب عدمهما اللهم أن يقال إن قاعدة صحة الموجود عبارة عن عموم ما مضى من العمل وهو على فرض شموله للأركان حال الاشتغال بالصلاة غير مختص بخصوص الشك في
56

الصحة والفساد بل يشمل كل نقص فيه ولو كان قابلا للجر لبقاء محله ذكريا ومن المعلوم أن لازمه عدم اختصاص جريانه بخصوص الركن بل يجري في غيره فيتساقط مثله أيضا في الأطراف ويرجع إلى الاستصحاب المقتضي لفساد الصلاة من جهة فوت الركن كما هو ظاهر.
(42) إذا شك بين الثلاث والأربع وعلم بالفائتة السابقة على تقدير الثلاث
ففي كل فرض حكمنا سابقا ببطلان الصلاة أو وجوب الإعادة فلا يبقى فيه مجال البناء على الأكثر وفي كل مورد حكمنا فيه بوجوب إتيان ما فات من الجزء فإن كان ذلك ركنا فلا يبقى معه أيضا البناء على الأكثر للعلم الإجمالي بزيادة ركن أم نقص ركعة كي يقال بأن النقص القابل للجبر لا يجدي شيئا بل من جهة أن دليل الجبر بالاحتياط إنما يشمل موردا لا يحتمل في العمل
بطلان من غير جهة نقص الركعة وفي المقام على فرض التمامية كان باطلا من جهة زيادة الركن وحينئذ فمع فرض سقوط بقية الأصول في الركعات لا مصحح لهذه الصلاة.
وإن كان ذلك غير ركن فإن كان الملزم بإتيانه شرعا يخرجه عن العمدية على فرض زيادته واقعا حتى في مثل المورد الذي هو طرف العلم الإجمالي مع نقص الركعة فلا بأس بالجمع بين إتيانه والبناء على الأكثر إذ أحد الطرفين مما لا أثر له ومجرد العلم الإجمالي بوجوب سجدتي السهو للزيادة السهوية أو نقص الركعة غير ضائر بالبناء على الأكثر إذ النقص المزبور لما كان قابلا للجبر بركعة الاحتياط فلا تضر مخالفة أصله للواقع والمفروض عدم محذور في صلاته أيضا من غير جهة نقصه اللهم إلا أن يدعى انصراف دليل البناء على الأكثر عن صور أطراف العلوم
57

الإجمالية بالتكليف الملزم من جهة تنجز التكليف بالركعة المتصلة معه ولا يشمله دليل الجبر ولذا قوينا في حاشية العروة إعادة الصلاة في الفرع الثالث والأربعين.
وإن لم يخرجه عن العمدية فحكمه حكم فوت الركن في الفرض السابق ولكن المبنى سخيف جدا إذ مجرد طرفية مثل هذا الملزم به للعلم الإجمالي لا يخرجه عما هو عليه فكان حاله حال سائر الشبهات البدوية الملزمة مثل المشكوكات في محالها فإنها بملاحظة انتهاء أمرها بالأخرة إلى السهو كانت زيادتها زيادة سهوية كما لا يخفى.
(43) إذا قام عن نومه في سجدته وشك أنه سجدة شكر أم سجدة صلاة
فإن علم أن نومه من الأول عن اختياره باعتقاد أنه فارغ عن صلاته فقاعدة الفراغ محكمة وإلا يشكل أمر القاعدة فلا مصحح لهذه الصلاة.
(44) إذا كان في حال القيام وعلم بأنه إن كان قيامه قبل ركوعه فقد فات منه السجدة الواحدة من سابقته وإن كان بعده فلم يفت منه شيء
فلا شبهة في المصير إلى جريان استصحاب عدم الركوع وهو يقتضي عدم فوت محل سجدته ووجوب الرجوع إليها ولئن أبيت عن اقتضاء الاستصحاب ذلك فلا أقل من قاعدة الاشتغال فيهما وإن كان الأمر بالعكس فلا شبهة حينئذ في الجزم بعدم وجوب السجدة إما للامتثال أو لفوت المحل فلا مجال حينئذ لجريان الأصول الموجبة لإتيانها وحينئذ فبقي استصحاب عدم الركوع على حاله بلا معارض.
(45) إذا تذكر بعد القيام أنه ترك سجدة
فإن شك في الجلوس
58

بين السجدتين فيجب العود إليه للجزم بعدم دخوله في غيره المحتمل ترتبه عليه شرعا للقطع بأن هذا القيام في غير محله ولقد أشرنا إلى نظائر المقام سابقا وقلنا إن كل مورد يجب العود للتدارك فمع الشك في سابق منه لا بد من تلافيه لبقاء محله الشكي لعدم الدخول في الغير بعد انصراف الدليل إلى الغير المرتب عليه شرعا.
ولو جلس عقيب السجدة باعتقاد أنه جلسة استراحة فإن قلنا باستحبابها وكونها عبادية ففي الاكتفاء بها عن الجلوس بين السجدتين عند تذكر فوته مع فوت السجدة الأخيرة وجه لعدم إضرار الخطأ في التطبيق بقربية العبادة وإن قلنا بأنها من المباحات المرخصة في الصلاة فلا تكون صالحة للقيام مقام الجلسة بين السجدتين لعدم قربيتها حينئذ وهذا الاحتمال موهون جدا.
ثم إن من قبيل الفرع السابق في وجوب التدارك ما لو علم بفوت إحدى السجدتين حال القيام وشك في الأخرى.
(46) إذا دخل في السجود من الثالثة وشك في ركوع هذه الركعة وفي السجدتين من السابقة
ففي البناء على وجود الجميع لأنه من الشك في شيء بعد تجاوز محله أم يرجع شكه هذا إلى الشك في كون هذه السجدة التي هو فيها من الركعة السابقة أم الثالثة فتبطل الصلاة لكونه من مصاديق الشك في الأوليين وجهان أوجههما الأول لاقتضاء قاعدة التجاوز خروجه عنهما نعم لو علم بترك السجدتين من السابقة يجب احتساب ذلك منها فيكملها على أن تكون من السابقة لو لا اقتضاؤه رجوع شكه حينئذ إلى الأوليين قبل الإكمال فتبطل الصلاة.
59

(47) إذا كثرت شكوكه الثانوية في صلاة
بأن تكرر منه حدوث العلم الإجمالي بفوت أحد الشيئين في صلاة واحدة متعددا على وجه لو كانت بدوية لكان كثير الشك لا يكاد يجري في حقه حكم كثير الشك لانصراف دليله عنه، نعم لو كان قطاعا فوجوب اعتنائه بقطعه هذا وعدمه مبني على صلاحية القطع الطريقي للردع وعدمها وتحقيق مثله له محل آخر قد تعرضناه في مقالتنا فراجع إليه.
(48) إذا علم إجمالا أنه ترك سجدة أم زاد ركوعا
فأصالة عدم الزيادة جارية بدوا بلا معارض ثم من لوازمه نفي احتمال عدم وجوب السجدة من جهة فساد الصلاة فحينئذ إن بقي محل السجدة ولو ذكريا يأتي بها وإلا فيأتي بقضائها ولو علم بفوت سجدتين أو زيادتهما فيفصل حينئذ بين بقاء محلهما ذكريا فيجب إتيانهما وإلا فتبطل الصلاة وذلك واضح ظاهر.
(49) إذا علم بفوت سجدة من الثانية عمدا أو زيادتها في الأولى كذلك
فإن كان المحل الشكي باقيا فيأتي بها بعد أصالة عدم الزيادة وإلا فتبطل الصلاة وإن كانت الزيادة سهوية فإن كان محلها الشكي باقيا فيأتي بها وينفي سجدتي السهو للزيادة بأصالة عدمها وإن تجاوز عنه مع بقاء محله الذكري فقاعدة التجاوز معارضة بأصالة عدم الزيادة فيرجع إلى استصحاب عدم الإتيان بما احتمل نقصه بضميمة أصالة البراءة عن سجدتي السهو كما هو الشأن في كلية الأصول الحاكمة الساقطة بالمعارضة فإنه يرجع إلى الأصل المحكوم.
وإن تجاوز عن محله الذكري أيضا ففي جريان قاعدة التجاوز حينئذ إشكال نظرا إلى أنه مع احتمال ترك الجزء عمدا لا أثر لعدم الزيادة
60

لأنها إنما يوجب السجدة إذا وقعت في صلاة صحيحة وحينئذ لا يبقى الشك بها في صلاة صحيحة ولازم ذلك العلم الإجمالي بعدم تحقق أحد ركني الاستصحاب لأنه إما لا شك في العدم وإما لا أثر له. ولئن شئت قلت بأنه في ظرف صحة الصلاة نجزم بمخالفة الأصل للواقع ولقد أشرنا كرارا بعدم جريان الأصول التعبدية في أمثال هذه الموارد وحينئذ يتوهم أن قاعدة التجاوز في الجزء جارية بلا معارض.
ولكن يمكن أن يقال أن مجرد عدم جريان أصالة عدم الزيادة لا يوجب خلو قاعدة التجاوز عن المعارضة بل تعارض حينئذ مع أصالة عدم وجوب السجدة ولازمه كون المرجع استصحاب عدم إتيانه الموجب لبطلان الصلاة ولا أقل من العلم الإجمالي بوجوب الإعادة أو السجدة فقاعدة الاشتغال بالصلاة والبراءة النقلية عن السجدة تقتضي الاكتفاء بالإعادة محضا.
وإن كانت مشكوكة عمدها وسهوها مع فرض تجاوز محل النقيصة شكيا فأصالة عدم الزيادة العمدية وإن كانت بدوا جارية للشك في موضوع الأمر في البقية إلا أنه بعده يرجع إلى أصالة عدم الزيادة سهويا مع قاعدة التجاوز في النقيصة فيتعارضان مع الأول فيتساقط الجميع. اللهم أن يقال إنه لا معنى لشمول دليل التعبد بالنسبة إلى البقية إذ من وجوده يلزم عدمه وما هو شأنه فلا يكاد يجري أصلا ولازمه الرجوع إلى استصحاب عدم إتيان الجزء في محله والبراءة عن سجدتي السهو بعد جريان أصالة عدم الزيادة العمدية بدوا بلا معارض كما أشرنا.
وإن تجاوز محل النقيصة المحتملة ولو ذكريا فقاعدة التجاوز
61

النقيصة العمدية مع أصالة عدم الزيادة العمدية جاريتان بلا معارضتهما مع أصالة عدم الزيادة السهوية لعدم جريان الثانية بنفسها لأنه في فرض وجود الأثر يجزم بمخالفة الأصل المزبور للواقع
ولكن مع ذلك لا يستلزم ذلك خلو الأصلين عن المعارض رأسا فيتعارضان مع البراءة عن السجدة السهوية فيتساقط الجميع ولازمه الرجوع إلى الاستصحاب المبطل للصلاة.
وإن كانت الزيادة عمدية والنقيصة سهوية فأصالة عدم الزيادة جارية بدوا بلا معارض مع فرض بقاء محل النقيصة ولو ذكريا للجزم بعدم وجود الجزء على وفق أمره فيرفع حينئذ احتمال عدم وجوبه من جهة بطلان الصلاة بأصالة عدم الزيادة الرافعة لاحتمال عدم وجوب سجدتي السهو لشبهة بطلان الصلاة.
ولو كان النقص محتمل العمدية والسهوية فمع بقاء محله الشكي فلا إشكال في وجوب إتيانه بضميمة أصالة عدم الزيادة ومع بقاء محله الذكري وتجاوزه عن الشكي فقاعدة التجاوز عن النقيصة أيضا غير جارية بنفسها لأنه في ظرف الصحة نعلم بعدم الإتيان به في محله فيجب الإتيان به أيضا ومع عدم بقاء محله ولو ذكريا فأصالة التجاوز أيضا للشبهة السابقة وإن لم تكن جارية ولكن ذلك لا يقتضي وجوب سجدتي السهو لاحتمال عمدية النقيصة فتجري فيه البراءة النقلية فيعارض مثل هذا الأصل مع أصالة عدم الزيادة فيتساقطان فينتهي حينئذ إلى قاعدة الاشتغال بالصلاة والبراءة العقلية عن السجدة كما لا يخفى هذا.
(50) إذا علم قبل الانتصاف من الليل
أنه فات من دورة صلاته
62

صلاتان ولم يدر أنهما العشاءان أم غيرهما فلا شبهة في وجوب العشاءين وعدم وجوب البقية لأن الوقت حائل فيها. وإن علم أنه فات منه أربعة ضم إلى العشاءين قضاء ثنائية ورباعيتين لاحتمال فوت الرباعيتين في النهار وفي مثله لا يكفي إتيان رباعية واحدة نهارية بنية إجمالية إذ هو إنما يجدي في صورة العلم بفوت رباعية واحدة مرددة بين العنوانين وأما مع احتمال فوت الرباعيتين باحتمال يكون طرف المعلوم بالإجمال فلا يجدي في الفراغ عنه إتيان رباعية واحدة إجمالية وما نحن فيه من هذه القبيل إذ الفائت فيما مضى وقته إذا كان مرددا بين الثنائية والرباعية أو الرباعيتين فهذا العلم يقتضي ضم رباعية أخرى إلى المأتي به في وقته بقاعدة الاشتغال بلا صلاحية انطباق تمام المعلوم بالإجمال على ما هو مورد قاعدة الاشتغال كما لا يخفى.
وتوهم أن الأمر بالنسبة إلى الرباعية مردد بين الأقل والأكثر ولازمه الأخذ بالأقل ثم بضم ثنائية إليه يحصل الجزم بالمفرغ ظاهرا مدفوع بأن البراءة عن الأكثر إنما يتم في صورة عدم كون علم إجمالي آخر زائدا عما هو بشخصه مورد قاعدة الاشتغال وحينئذ ظهر ما في العروة الوثقى من ظهور بنائه في الاكتفاء في المقام أيضا برباعية واحدة إجمالية زائدة عن عشائه ويمكن أن يكون مراده من قوله «وكذا» تنظير فرع آخر بهذا الفرع في الإتيان بما هو وظيفة علمه لا الاكتفاء برباعية واحدة نهارية فيه أيضا.
(51) إذا صلى الظهر والعصر وعلم أنه شك في أحدهما بين الثلاث والأربع
فالظاهر كفاية ركعة واحدة منفصلة بقصد ما في الذمة بعد الجزم بعدم الإضرار بالفصل بالصلاة سهوا حتى على الجزئية لكونه من
63

باب فوت الموالاة التي لا يضر سهوها نعم بناء على إضرار هذا المقدار أيضا لا بأس بإجراء قاعدة الفراغ في الأولى لأن الشك في وقوع المبطل فيها حدث بعد العمل وإجراء قاعدة البناء على الأكثر في الثانية لبقاء محله فلا يجب حينئذ إلا ركعة منفصلة تحصيلا للفراغ عن احتمال نقصها فيأتي بها للثانية بعد الحكم بتمامية الأولى بقاعدة الفراغ ولكن هذا كله مبني على فرض باطل والأقوى في المسألة ما ذكرنا أولا فراجع.
(52) إذا علم إجمالا أنه إما زاد قراءة أم نقصها سهوا
فإن لم يكن داخلا في غيره أو شاكا فيه يأتي بالقراءة بضميمة أصالة عدم الزيادة وإن كان داخلا في غيره فيعارض الأصلان فمع بقاء محله الذكري يأتي بها للاشتغال بضميمة لا تعاد عن الزيادة السهوية ومع دخوله في الركن فيأتي بسجدتي السهو لواحد منهما المعلوم إجمالا ولئن قصد بهما النقيصة أيضا له وجه وجيه لاستصحاب عدمها والبراءة عن سجدة الزيادة.
(53) إذا شك في ترك جزء عمدا
ففي جريان قاعدة التجاوز إشكال معروف مبني على فهم العلية من قوله هو حين يتوضأ أذكر وأما بناء على التحقيق من احتمال الحكمة فيه كان مقتضى بقية الإطلاقات متبعة والله العالم.
(54) إذا توضأ وصلى ثم علم ترك جزء من وضوئه أو ركن من صلاته
فلا شبهة في الجزم بفساد صلاته فلا يبقى حينئذ مجال لجريان قاعدة الفراغ عن الصلاة بتوهم أن أجزاء المركب مقدمة رتبة على كلها فالعلم التفصيلي بفساد الصلاة وبعدم كونها على وفق أمرها النفسي ناش عن العلم الإجمالي بفقد إحدى المقدمتين ومثل هذا العلم من جهة تأخره الرتبي
64

غير صالح لانحلال المعلوم بالإجمال فالعلم الإجمالي السابق باق بحاله المانع عن جريان الأصلين في الطرفين بل وأصل واحد ولو لم يعارض بغيره بناء على المختار من علية العلم للموافقة القطعية لأنه يقال مضافا إلى أن المبنى في منتهى الضعف أن قاعدة التجاوز في ركوع الصلاة بنفسها غير جارية إذ يعلم بعدم وقوعه على وفق أمره فأصالة الفراغ عن الوضوء يوجب إتمام الصلاة عند عدم الخروج عن محل الركوع ذكريا ويرفع احتمال عدم وجوبه من ناحية فسادها.
(55) لو كان مشغولا بالتشهد وشك أنه في الاثنين أو الثلاث
فالبناء على الأكثر وإن اقتضى عدم تشريع التشهد في هذه الركعة ولكن لا يقتضي سقوط ما وجب في حقه جزما فاستصحاب وجوبه حينئذ باقيا فينتهي الأمر حينئذ إلى العلم الإجمالي إما بزيادة التشهد أو بنقيصة الركعة فتساقط الأصلان فينتهي إلى أصالة عدم الإتيان بالثلاث وقاعدة الاشتغال بالتشهد هكذا قيل ولكن لا يخفى ما فيه أولا من أن العلم الإجمالي السابق لا يوجب سقوط البناء على الأكثر لأن احتمال النقص غير مضر بعد جبره بركعة الاحتياط فتأمل فالأولى في وجه سقوط البناء على الأكثر في أمثال الموارد أن يقال إن دليل البناء على الأكثر إنما يجري في صورة عدم احتمال فساد الصلاة من غير جهة نقص الركعة وفي المقام لو كانت الصلاة تامة لكان فيه زيادة مبطلة ولكن ذلك أيضا على فرض الالتزام بمبطلية مثل هذه الزيادة الغير الركنية الملزم بإتيانه في الصلاة وإلا فمن قبل هذه الزيادة أيضا لا يرد نقص في الصلاة فغاية الأمر مستلزم لوجوب سجدتي السهو في فرض كشف واقعه وعليه أمكن دعوى عدم كون هذا العلم الإجمالي مانعا عن جريان
65

الأصلين لعدم انتهائه إلى مخالفة عملية لكن قد مر التأمل فيه.
ثم إنه على فرض سقوط الأصلين لا يكاد انتهاء النوبة إلى أصالة الأقل كما عرفت من عدم جريانه في الركعات فيقتضي حينئذ عدم وجود مصحح في صلاته وبالجملة نقول كلية إن كل مورد شك بين الأقل والأكثر على وجه يقتضي العقل والنقل فعل شيء أو تركه في هذه الركعة بضميمة البناء على الأكثر فإن لم يكن ما فعل من المشكوك أو ما ترك ركنا فلا ضير في إجراء الأصلين فلا ضير في العلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع لعدم استلزامه طرح تكليف ملزم وإن كان ركنا فلا يجري البناء على الأكثر من جهة انصراف دليله عن صورة احتمال فساد الصلاة من غير جهة نقص الركعة في فرضي التمام والنقص كما هو ظاهر.
نعم، لو بنينا على أن دليل البناء على الأكثر لا يكاد يجري في كل مورد يكون طرف العلم الإجمالي المزبور لا من جهة مانعية العلم بل من جهة قصور عموم الدليل عن شموله كان لسقوط
البناء على الأكثر في مطلق الفروض المزبورة مجال ولكن أنى لك بإثباته مع فرض إطلاق أدلته ومع هذا الإطلاق أيضا نقول إن احتمال نقص الركعة ولو كان طرفا للعلم الإجمالي بزيادة شيء آخر غير مضر بالأخذ بالأكثر بملاحظة جبر نقصه بالاحتياط فيبقى الطرف الآخر أصله بلا معارض فصح حينئذ دعوى عدم مانعية العلم الإجمالي في مثل المقام عن جريان الأصل وإنما المانع هو انصراف دليل البناء على الأكثر إلى صورة عدم قصور في الصلاة على تقدير النقص من غير جهة نقص الركعة ولذا يفصل جريانه بين صورة كون طرف العلم الإجمالي وجود ركن أو عدمه أم غير ركن فلا يجري في الأول دون الأخير
66

وليكن مثل هذه القاعدة أيضا في ذكرك فإنه من الكلمات الدقيقة وخذه منا وكن من الشاكرين.
(56) لو كان في الركعة الأولى أو الثالثة وشك في شيء منهما ودخل في التشهد
فلا تجري في حقه قاعدة التجاوز على التحقيق من منع إطلاق الغير لما لم يترتب عليه شرعا فيعود ما لم يكن المأتي به ركنا إلا إذا لم يأت به بقصد الجزئية إلا في السجدتين بناء على التعدي من أخبار العزائم إلى مطلق السجدة وإن كان فيه نظر والاحتياط بإعادة الصلاة بعد تدارك ما فات في محله لا يخلو عن وجه.
(57) لو بقي أربع ركعات من وقت العصر وكان شاكا في إتيان ركعة الاحتياط لظهره
فإن كان حدث الشك بعد خروج وقت الظهر فعلى القول بأن الاحتياط بحكم الجزء فمقتضى حيلولة الوقت في الموقتات عدم الاعتناء به ولازمه مزاحمته مع العصر على فرض إحراز فوته ولو بالأصل كما في فرض حدوث الشك قبل خروج وقت الظهر وإن قلنا بأنه صلاة مستقلة ففي كونها من الموقتات إشكال كما أن في مزاحمتها حينئذ مع العصر أشكل ونظيره من تلك الجهة قضاء الأجزاء المنسية بل والسجدات السهوية فإن إجراء أحكام نفس الصلاة من الحكم بالمزاحمة المزبورة بل وحيلولة الوقت عند حدوث الشك بإتيانها بعد خروج وقت الصلاة في مثلها في غاية الإشكال خصوصا في السجدات السهوية الخارجة عن الموقتات جزما إذ مجرد كونها من تبعات الصلاة غير مستلزم لإجراء مثل هذه الأحكام عليها.
(58) لو علم من عليه قضاء الميت بفوت صلاة منه في وقته
67

وشك في إتيانه لها في خارج وقتها فالأصل يقتضي وجوب قضائه عليه ولو لا حيلولة الوقت نقول به في كل صلاة شك في إتيانها في وقتها نعم لو شك في مقدار الفائت من جهة الشك في مقدار الوقت المار عليه من أوقات صلاته كان المقام من باب دوران الأمر بين الأقل والأكثر كما هو الشأن من حيث وجوب الأخذ بالمتيقن صورة العلم بمقدار الأوقات المارة مع الشك في إتيانها في أوقاتها فإنه كذلك أيضا على التحقيق من حائلية الوقت وعدم الاعتناء بالشك بعد خروجه نعم لو لا هذه الجهة كان مقتضى الأصل الموضوعي وجوب الأخذ بطرف الأكثر.
وبمثل هذين الفرضين أمكن الجمع بين من قال بأن الأصل في عدد القضاء هو الاحتياط وبين من قال بأن الأصل هو البراءة عن الشكوك وأن نظر الطائفتين أيضا إلى صرف مقتضى الأصول الأولية مع قطع النظر عن عمومات حيلولة الوقت كما هو ظاهر.
ولو شك في إتيانه صلاة احتياطه مع علمه بكونه عليه فإن مات قبل خروج الوقت أو بعده مع كونه شاكا به على وجه لا يشمله عموم حيلولة الوقت فمقتضى الأصل كونه بحكم اليقين بعدمه وفي هذه الصورة ففي وجوب مثل هذه الركعة على الولي محضا أم يجب عليه تمام الصلاة أم يجب عليه الجمع بين الوظيفتين وجوه من كون صلاة الاحتياط صلاة مستقلة غير محكومة بحكم الجزء فلا يجب عليه الاحتياط ومن أنه بحكم الجزء فكأنه مات في أثناء صلاته فيجب تمام الصلاة أو لا أقل من عدم إطلاق لدليل الجبر لمثل هذه الصورة كانصراف إطلاقه إلى عدم حصول اليقين بالنقص قبل الشروع في الاحتياط ومن جهة التشكيك في الجهتين يجب
68

الجمع بينهما.
أقول: ذلك كله أيضا على فرض دليل يشمل ثبوت النيابة حتى في صلاة الاحتياط على الاستقلال وإطلاق دليله عليه وفي إقامة الدليل إشكال لعدم وجود إطلاق في أخبار الباب على وجه يشمل تلك الجهة ولازمه عدم وجوبه بل وعدم مشروعيته عنه لأن النيابة في العبادات على خلاف القاعدة بملاحظة أن صحة النيابة فرع صلاحية العمل للصدور عن غيره مع قطع النظر عن ظهور خطابه إلى المكلف في المباشرة وثبوت ذلك في العبادات الخارجة عن الوظائف العرفية يحتاج إلى دليل متيقن وعمومات النيابة على فرض وجودها غير صالحة لإثبات قابلية المحل للتوسعة وإن كانت حاكمة على ظهور الخطابات في المباشرة في ظرف قابلية المحل لها وعليه فلا يكاد يثبت وجوب قضاء الركعة على الولي إلا بعد تسليم وجود دليل فيها واف بمثلها وإتمامه فيها خصوصا مع عدم شمولها للنوافل بضميمة شوب الاحتياط بكونها منها إشكال ونظيره في الإشكال قضاء منسياته بل وسجداته السهوية ومجرد كونها من تبعات الصلاة لا يقتضي إجراء حكم المتبوع حتى في هذه الجهة.
وللتأمل في المسألة بعد مجال خصوصا مع عدم الظفر بهذا الاحتمال في كلام الأساطين فإن تم في البين إجماع على وجوب إتيانه على الولي حتى على الاستقلال وإطلاق دليله فهو وإلا فللنظر فيه مجال خصوصا مع كون جل الكلمات صريحة في وجوب قضاء تمام الصلاة جريا على وفق تجزئته وإلا فعلى القول بكونها صلاة مستقلة لم أر وجوبه إلا مستفادا من فحوى من أفتى بالجميع كما أشرنا والمسألة بعد محتاجة إلى تأمل والله العالم.
69

(59) إذا قرأ في صلاته شيئا باعتقاد الذكر والدعاء ثم بان بأنه كلام آدمي
فلا شبهة في عدم بطلان صلاته لعدم الالتفات إلى عنوانه وفي وجوب سجدتي السهو إشكال من جهة احتمال انصراف دليله إلى صورة السهو بأصل وجوده لا من جهة الغفلة عن عنوانه وفي حكمه سبق اللسان بل وقراءته لحنا باعتقاد الصحة فإن عموم لا تعاد يشمل جميع الصور المنتهية بالأخرة إلى السهو الموجب لإتيانه ولو بتوسط حكم إلزامي شرعي كما أن في شمول دليل سجدتي السهو لأمثالها إشكال لما عرفت.
(60) لو عكس سهوا بين الجزءين المرتبين
فمع التذكر به قبل الدخول في الركن فيجب إعادة المتأخر ومع التذكر بعده ففي كون المقام من باب فوت الترتيب فلا يجب سجدتا السهو أيضا لعدم إطلاقه لغير نقص الأفعال أو من باب فوت الجزء فيجب وجهان قد يتوهم المصير إلى الأول بناء على التحقيق من كون الترتيب شرطا لأصل الصلاة ولكن لا يخفى أن الترتيب على فرض شرطيته للصلاة إنما هو قائم بطبيعة الجزء لا بشخص ما هو الصادر منه كيف ولازمه على فرض عدم الدخول في الركن عدم وجوب الإعادة لاستحالة تدارك الترتيب في محله نظير سائر الواجبات في بعض الأفعال فوجوب تداركه حينئذ كاشف عن قيام الترتيب بالطبيعة ومن المعلوم صدق فوت الطبيعة المترتبة فيجب سجدتا السهو حينئذ لفوته.
وفي العروة الوثقى احتمال وجوب سجدتي السهو ولعله من جهة التشكيك في كون الترتيب قائما بشخص ما صدر ومع صدوره لا يبقى بعد محل للترتيب فيكون هو الفائت دون غيره، وفيه أنه يرد عليه النقض السابق
70

ولا أظن التزام أحد به ولازمه حينئذ صدق فوت الجزء أيضا فيشمله حينئذ دليل سجدتي السهو كما لا يخفى هذا وللتأمل في المسألة بعد مجال.
(61) إذا وجب عليه قضاء المنسي
فلا شبهة في كونه مشروطا ببقاء صلاته على الصحة فلو أبطلها يكشف عن عدم وجوبه من الأول وهكذا الأمر في وجوب سجدتي السهو لأنهما أيضا من الجوابر المنوطة ببقاء المجبور بها على صحته واحتمال عدم سقوطها بإبطال العمل بخيال كونهما نحو جريمة مترتبة على السهو في صلاة يصلح للصحة منظور فيه ومن هنا ظهر حال كشف البطلان من الأول بل الأمر فيه أوضح.
(62) إذا كان عليه فائتة مرددة بين أطراف المعلوم بالإجمال وعلم بورود نقص ركن في أحد الأطراف
فإن كان ذلك بنحو الإجمال فلا بأس بجريان قاعدة التجاوز في كل منها من الأفعال التفصيلية ولو تقديرا فلا ضير للعلم الإجمالي بكذب أحدها لاحتمال عدم مطابقتها للواقع فلا يكون لمثله أثر عملي وأما لو علم بفوت الركن في أحدها تفصيلا فلا بد من إعادة هذا الطرف من جهة منجزية العلم الإجمالي الملزم بإتيان الأطراف على وجه صحيح في فرض مطابقته للواقع.
وتوهم أن قاعدة الفراغ جارية في المعلوم بالإجمال في البين حينئذ أيضا مدفوع بأن أدلة التعبد في كلية الأصول إنما تجري في صورة توجه الشك إلى عنوان له الأثر وفي المقام ليس الأمر كذلك إذ بذاك العنوان الإجمالي لم يترتب أثر أصلا وإنما الأثر مترتب على عنوانه تفصيلا وفي هذا العنوان يعلم تفصيلا بعدم نقص شيء في بعضها ونقصه في البعض الآخر ولذا نقول بأن مثل هذا الأصل في الفرض الأول أيضا لا يجري في العنوان
71

الإجمالي وإنما يجري في العناوين التفصيلية على تقدير المطابقة ومثل هذا المعنى هو الفارق بين الفرعين وبهذا البيان أيضا نقول بعدم جريان الأصل في الفرد المردد مع فرض العلم التفصيلي ببقاء أحدهما وانتفاء الآخر.
(63) إذا شك أنه سجد واحدا أم اثنين أم ثلاثا عمدا
فإن كان محله الشكي باقيا فيأتي بواحدة أخرى ويجري الأصل عن الزيادة وإن تجاوز عن محله الشكي وبقي محله الذكري فأصالة عدم الزيادة جارية بدوا للشك في موضوع التعبد بدونه وبعد ذلك لا يبقى مجال الجريان لقاعدة التجاوز للجزم بانتفاء أحد ركنيه لعدم الشك بالفوت في صلاة صحيحة فلا مجرى لها بنفسها فيجب إتيان السجدة ولا شيء عليه وإن تجاوز محله الذكري أيضا فأصالة عدم الزيادة أيضا جارية فيجب إتمامها مع سجدتي السهو وقضاء السجدة لاستصحاب عدمها في محلها كما هو الشأن في كل مورد يكون أمر الخلل دائرا بين المبطل وغيره فإن الأصل في المبطل يجري بلا جريان الأصل النافي في غيره.
هذا كله لو كانت الزيادة المحتملة عمدية ولو كانت سهوية فالأصلان بالنسبة إلى السجدة من حيث قضائها جارية بلا معارض كما أشرنا إلى مثل هذه القاعدة في نظائر هذا الفرع.
(64) لو علم إجمالا أنه سجد إما واحدا أم ثلاثا عمدا
فيجزم حينئذ بعدم إتيان الثانية على وفق أمرها فيجب بمقتضى أصالة عدم الزيادة إتيانها لكونها رافعا للشك في وجوبها من جهة فساد الصلاة من دون فرق بين بقاء محله الشكي أم تجاوزه عنه نعم مع التجاوز عن محله الذكري يجب قضاؤها وسجدتا السهو.
72

(65) إذا ترك جزءا من جهة الجهل بوجوبه
فإن كان ركنا فلا إشكال في بطلان صلاته مع عدم إمكان تداركه في محله وإلا ففي شمول عموم لا تعاد في فرض عدم إمكان تداركه في المحل كلام معروف ولقد تقدم الكلام فيه في طي بعض الفروع السابقة فراجع.
(66) إذا صلى في مكان غصبي أو لباسه ثم علم بغصبيتهما
فلا إشكال ظاهرا في صحة صلاته لعدم تنجز النهي عنه المانع عن وقوع الصلاة قربيا وليس اشتراط إباحة المكان نظير سائر الشرائط الشرعية الواقعية بل تمام المانع في باب الغصب هو تنجز النهي كما هو الشأن في كلية المزاحمات. نعم قد يقع الإشكال في مزاحمة اللباس الغصبي لصحة الصلاة بدعوى عدم اتحاد التصرف فيه مع الأفعال غاية الأمر سببية الهوي والنهوض للتصرف فيه وهما ليسا من أجزاء الصلاة فضلا عن كونها عبادية ولكن ذلك إنما يصح لو كان التصرف المنهي في اللباس منصرفا عن استعماله بالصلاة فيه والأكل فيه وأمثالها وإلا لكان النهي متوجها إلى نفس عنوان العبادي فيكون المسألة من صغريات النهي في العبادة لا اجتماع الأمر والنهي والله العالم.
(67) لو علم أنه لو كان ما بيده ظهرا لكان في الركعة الثالثة وإن كان عصرا لكان في الرابعة
فلا شبهة في عدم المجال في البناء على الأكثر بالنسبة إلى ما بيده للجزم بعدم إتيانه الرابعة على وفق أمره إما لعدم وجودها أو لفساد صلاتها من جهة فقد الترتيب كما أن أصالة الأقل أيضا غير جارية في مطلق الركعات خصوصا مع عدم صلاحيتها لإثبات الظهرية فلا مصحح لهذا العمل حتى بمثل العدول إلى الظهر وإتيان الركعة المشكوكة
73

إذ الأصل في عدم الزيادة إذا لم يثبت رابعية الموجود فكيف يمكن تحصيل الجزم بكون سلامه في محله الموجب لتصحيح صلاته ولو كان الأمر بالعكس لا بأس بالبناء على الأكثر والعدول إلى الظهر رجاء.
(68) إذا علم أنه إن كان في الركعة الرابعة من صلاته هذا كان غير مدرك للركعة في وقته
وإن كان في الثالثة كان مدركا لها فيه فإن قلنا بعدم وقوع غير المدرك للركعة قضاء أيضا ولو من جهة عدم وقوع تمامه خارج الوقت أيضا فلا مجال حينئذ للأمر بالبناء على الأكثر للجزم بعدم وقوع الرابعة على وفق أمره فحينئذ لا مصحح لصلاته هذا حتى مع استصحاب بقاء الوقت إذ مثله لا يثبت ثالثية الموجود كي ينتهي إلى وقوع السلام في محله ولازمه أيضا عدم انتهاء أمر هذه الصلاة إلى مصحح وإن قلنا بوقوعه قضاء فلا بأس بالبناء على الأكثر ولكن لا يثبت بمثله عنوان القضائية أو الأدائية والله العالم.
(69) لو علم نسيان شيء وشك بعد السلام أنه هل تذكره بعد فوت محله الذكري أم قبله
فمقتضى استصحاب نسيانه إلى بعد الدخول في الركن يقتضي الأول اللهم أن يقال هذا الاستصحاب لا أثر له عملا لأن عدم وجوب التدارك المستتبع لصحة صلاته فعلا من آثار عدم تمكنه من حفظ الترتيب وهو من لوازم بقاء النسيان إلى حين الدخول في الركن عقلا أم عادة فإثباته بالأصل المزبور مبني على فرض الأصول المثبتة وعليه فلا غرو بدعوى جريان قاعدة الفراغ بناء على جريانها في صحة الموجود ولو في مثل الركعة وإلا فيشكل تصحيح مثل هذه الصلاة.
(70) إذا علم إجمالا بفوت السجدتين من هذه الركعة أو سجدة من السابقة
74

فمع تجاوزه عنه وبقاء محله الذكري يتساقط القاعدة في الطرفين ويرجع إلى استصحاب عدمهما الموجب لإتيانهما في محلهما وقضاء الآخر ومع التجاوز عن المحل الذكري تجري القاعدة في السجدتين بلا معارض للجزم بعدم إتيانها على وفق أمرها فيقضي بعد الصلاة من جهة رفع الشك عن وجوبها من جهة احتمال بطلان الصلاة.
(71) لو شك في إتيان ما وجب عليه من صلاة الاحتياط
فعلى القول بكونها بحكم الجزء فلا إشكال في وجوب الإتيان بها في الوقت ما دام باقيا وعدم وجوبها لو حدث الشك بعد الوقت وأما لو قلنا بكونها صلاة مستقلة جابرة لما فات ففي كونها حينئذ من الموقتات أيضا إشكال ولازمه وجوب الإتيان بها أي وقت كان.
(72) لو شك في أنه شك شكا موجبا للبناء على الأقل المبطل أو موجبا للبناء على الأكثر المستتبع للاحتياط
فإن كان حدوث شكه قبل السلام فمرجع شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع والخمس بعد الإكمال مثلا ولا شبهة في أنه يجري عليه حكم الشك المبطل لعدم طريق إلى إثبات وقوع السلام في محله وإن كان حدوثه بعد السلام فالظاهر جريان قاعدة الفراغ المثبت لوقوع الصلاة كما هو وعلى ما ينبغي بلا احتياج إلى أصالة عدم الزيادة أيضا.
(73) لو كان عليه قضاء السجدة والتشهد فنسي ترتيب فوتهما
ففي وجوب الترتيب بينهما بنحو يعلم بكونها واحدا له ولو بأن يكرر واحدا منهما أولا وآخرا وجهان مبنيان على وجوب مراعاة الترتيب في القضاءين كالمقضيين وهو في غاية الإشكال إذ مجرد البدلية لا يقتضي إجراء
75

جميع أحكام المبدل عليه نعم بناء على توهم بقائهما على الجزئية أمكن المصير إلى وجوب حفظ الترتيب بينهما إذ غاية ما سقط هو الترتيب بين بقية الأجزاء وهذين الجزءين لا بينهما بنفسهما وظاهر هذا كله أيضا مع سعة الوقت وإلا فمع الضيق وقلنا بكونهما أيضا من الموقتات فالأقوى سقوط إجراء الترتيب بين القضاءين في فرض مزاحمته لحفظ الوقت لأنه أهم.
(74) ولو شك في الإتيان بهما فإن كان قبل خروج الوقت
فلا إشكال في وجوب الإتيان وإلا فإن قلنا بكونهما أيضا من الموقتات المحتمل وقوعها فيه فالوقت حائل لو لا دعوى اختصاصه بنفس الصلاة وإلا فيشكل أمرهما بل ولا بد من إيجادهما أي وقت كان.
(75) إذا اعتقد المضطر عن القيام أم غيره من سائر الأفعال بارتفاع عذره في الوقت
ففي وجوب الإقدام بالعمل قبل الشروع فيه إشكال لظهور عمومات الاضطرار إلى الاضطرار بالطبيعة الغير الحاصلة إلا ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت كما أن إطلاق قوله المريض يصلي قاعدا غير ظاهر الشمول لما يعلم بزواله في الوقت وإلى ما ذكرنا أيضا أشار شيخنا العلامة أعلى الله مقامه في صلاته ولكن نسب إلى ظاهر الأصحاب وجوب إتمام الصلاة لو التفت برفع العذر في الوقت في أثناء الصلاة واستدل لهم بظهور إطلاق إذا قوي فليقم وإطلاق اضطراره إلى القعود فيقعد وفي إطلاقهما نظر خصوصا الأخير كيف ولازم إطلاقه جواز إبدائه بالشروع في العمل وإن تذكر قبل الشروع فيه وهو بظاهره لم يلتزم به أحد بل حكي عن محتمل النهاية أيضا الالتزام بوجوب الاستئناف في الفرع المزبور و
76

في المسألة لو لا ظهور الإجماع من تطابق الكلمات كمال إشكال لعدم مساعدة الدليل عليه بضميمة إطباق كلمة الأصحاب على وفقه.
وتوهم أن إطلاقات الباب على فرض انصرافها إلى صور الاضطرار عن الطبيعة بالإضافة إلى وجوبها فلا شبهة في شمولها للفرد الداخل فيه من حيث وجوب إتمامه واضطراره غير مبني على بقائه إلى آخر الوقت بل مجرد حدوثه في الفرد كاف في وجوب إتمامه وإن كشف الخلاف قبل الوقت، مدفوع بأن أمر وجوب الإتمام في الفرد فرع انطباق الطبيعة الواجبة عليه ومع كشف عدم الانطباق لا مجال لوجوب إتمامه وإن دخل فيه باعتقاد الانطباق كما هو ظاهر.
ثم إنه في فرض وجوب الإتمام إما لضيق الوقت أو مطلقا على المشهور ففي وجوب القراءة حال الانتقال إلى حال أخرى نظر ووجوه من أن كل مرتبة ينزل إليه أو يترقى كانت أقرب إلى المرتبة السابقة فكانت بمنزلة القيام في كونه مما شرعت فيها القراءة ويصلح القراءة فيها ومن أن من شرائط القراءة الاستقرار في حالها وهو في المقام منتف ولا بد من الانتظار إلى الوصول إلى حالة مستقرة ولازم ذلك حينئذ التفصيل بين صورة عدم حصول الاستقرار في البين إلى أن يصل إلى حد القعود أو حد القيام وبين صور حصول الاستقرار في الدرجات الوسطى لتمام القراءة أو لبعضها ومن أن الواجب في حال القراءة مهما أمكن في شخص هذه الصلاة هو القيام ومع التمكن من تحصيله لا يجوز الاكتفاء بغيره غاية الأمر خرج عنه حال التكبيرة الصادرة في حال القعود باعتقاد بقاء الاضطرار أو مطلقا بقي الباقي تحت دليل وجوب القيام فيجب حينئذ الانتظار في ظرف الصعود إلى حدوث القيام ولا يعتنى بالدرجات الوسطى كما أن يدعى أيضا
77

طرف النزول أن القدر المتيقن من البدلية للمقام في المراتب السابقة عن القعود هو الصورة التي يمكن تحصيل تمام الصلاة مستقرا فيها وإلا فليس البدل إلا القعود على وجه لا بد من المنزل إليها وأن يمكن من القراءة في بقية المراتب تماما فضلا عن بعضها.
والتحقيق التفصيل بين صورة النزول والصعود فإنه في فرض الصعود فالأمر كما تقدم بأنه مهما يمكن تحصيل القيام في شخص هذه القراءة فهو الواجب بخلافه في طرف النزول فإن مقتضى قاعدة الميسور وجوب تحصيل الأقرب إلى القيام فالأقرب مع حفظ الاستقرار ولو بالنسبة إلى بعض القراءة فضلا عن جميعها. نعم مع عدم الاستقرار لا بد من الانتظار إلى تحصيل حالة مستقرة وعليه فلا بد في طرف النزول من المصير إلى التفصيل بين صور إمكان الاستقرار ولو لبعض القراءة وبين عدمه وإلى ذلك أشرنا في بعض المقامات بمنع تمامية إطلاق كلماتهم في المنع عن القراءة حال طرو العجز والنزول إلى القعود إلى أن يقعد لو لا انصرافها إلى صور عدم استقرارها. ثم إن ذلك كله أيضا مع وفاء الوقت لتحصيل القيام أو حالة مستقرة وإلا فيسقط شرطية القيام والاستقرار جزما ويقرأ في الحالتين بأية مرتبة وبأي نحو كما هو ظاهر والله العالم.
(76) لو طرأ الاضطرار في الوقت وشك في بقائه إلى آخر الوقت
فعلى القول بجواز البدار لأولي الأعذار حتى مع العلم بطرو الاختيار في الوقت فلا إشكال وأما على القول بعدم الجواز إلا في ظرف بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت فقد يتوهم في المقام حينئذ بجواز الإقدام بالعمل ظاهرا بمقتضى الاستصحاب ولكن فيه نظر إذ ذلك صحيح في فرض كون موضوع
78

الجواز هو الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت بهذا العنوان وأما لو كان الموضوع هو الاضطرار عن الطبيعة الملازم لهذه الاضطرار الخاص عقلا فلا مجرى للاستصحاب المزبور كما لا يخفى وإلى ذلك نظر بعض الأعاظم في احتياطه بعدم الشروع بالعمل الاضطراري مع احتمال طرو اختياره في الوقت كما أنه لا بأس بإثبات عدم المشروعية بمقتضى استصحاب عدم طرو الاضطرار على الطبيعة أو عدم اتصافها بكونها مضطرا إليها.
(77) إذا تذكر بعد الدخول في الركن أنه حصل في تشهده نسيان وكان مرددا بين التمام والنقص
كما أن النقص أيضا مردد بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وغيرها فأصالة عدم الإتيان بتمام التشهد تقتضي وجوب قضائه لو لا دعوى جريان قاعدة التجاوز عن المقدار المشكوك الموجب لنفي قضاء التمام وحينئذ ففي وجوب قضاء البقية كلام فالمشهور وجوب قضاء بعض التشهد كتمامه ولكن الدليل غير واف به إذ غاية ما استدلوا به بعض الروايات المشتملة على وجوب ما ترك من الصلاة من ركعة أو سجدة أو شيء منها المعلوم لزوم تنزيله بصورة إمكان التدارك في محله بقرينة الركعة وعدم لزوم تخصيص الأكثر في شيء منها فلا دلالة على
وجوب قضاء البعض أصلا كما أن استفادة الفحوى من إطلاقات قضاء التشهد بالنسبة إلى أبعاضه حتى الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله أشكل فلو لا إطباق الكلمات في وجوب قضاء بعض التشهد مثل كله لكان للتأمل في أصل وجوب قضاء بعض التشهد مجال بل عن ابن إدريس إنكار قضاء تمام التشهد أيضا ولكنه مبني على أصله من إنكاره حجية الخبر الواحد وعلى أي حال فعلى المشهور من وجوب قضاء البعض لا بد في المقام من قضاء الجزء الأخير
79

منه الوافي بمقدار المعلوم بالإجمال بناء على وجوب الترتيب بين أجزائه إذ هو المتيقن في عدم إتيانه على وفق أمره فيقضي ذلك وتجري قاعدة التجاوز في غيره بلا معارض كما لا يخفى.
(78) إذا علم إجمالا بورود خلل سهوي في صلاته من سكوت طويل مردد بين كونه ماحيا لصورة الصلاة أو مضرا بموالات أجزائها
الغير المضر بها سهوه فاستصحاب بقاء السكوت إلى حد الماحي لا يكون جاريا لكونه مثبتا إذ مرجع الماحي إلى كونه بنحو يرى المتشرعة بمقتضى ارتكاز أذهانهم مضادته مع حقيقة الصلاة وبذلك يمتاز عنوان الماحي عن قواطع الهيئة الاتصالية المعنوية أو ما يضر بتوالي الأجزاء خارجا فإن لكل واحد عنوان وحكم خاص غير مرتبط بالآخر فما هو مضاد معها مانع عن تحققها حتى في فرض تحققه سهويا بخلاف ما هو مضر بقطع الهيئة الاتصالية مع القواطع الشرعية أو مضر بتوالي الأجزاء خارجا من بعض مراتب الفعل الكثير أو السكوت الطويل فإن سهوها بحكم لا تعاد غير مضر جزما.
نعم قد يستشكل في تعيين مصاديق كل منها فمع الشك في قاطعية الهيئة الاتصالية فاستصحاب بقاء الهيئة محكم ومع الشك في إضرار شيء بالموالاة الصورية فاستصحاب بقاء الأجزاء على صلاحيتها الفعلية لانضام البقية إتماما محكم لو لا دعوى مثبتية هذه الجهة لملازمتها لحفظ الوحدة الصورية في الأمور التدريجية بحكم العرف في كل مركب اعتباري تدريجي إلا ما خرج من الغسل والتيمم بدله على وجه كما أنه مع الشك في ماهوية شيء لحقيقتها لا بد من المصير إلى الاشتغال لو لا الإطلاقات
80

المقامية في أوامر العبادات الكاشفة عن تحقق ماهيتها مع كل ما شك في مضاديتها في حقيقتها خصوصا مثل باب الصلاة المناسبة للخضوع المعلوم عند العرف أيضا مضادة بعض الأمور مع كونها خضوعا فإن إلقاء خطابها إليهم يكشف عن إمضاء نظرهم في فهم مضادة الأمور المعهودة عندهم في خضوعاتهم بالنسبة إلى الصلاة ولعله أيضا منشؤه ارتكاز أذهان المتشرعة في فهم مضادة بعض الأمور مع حقيقة الصلاة بل كان مثل هذه الجهة ميزان تميز الماحي عن غيره وعلى أي حال ظهر في البين أن استصحاب عدم تحقق الماحي في أثناء الصلاة غير مثمر شيئا لعدم إثباته وجود حقيقتها كما أن الإطلاقات المقامية أيضا غير وافية لدفع الشبهة الموضوعية بعد تسليم صلاحيتها لدفع شبهة الماحي حكمية كما أن قاعدة الفراغ في المقام أيضا غير جارية لأنه فرع إحراز الحقيقة والشك في نقصها من جهة فقدان جزء أو وجود مانع وأما مع الشك في صدق أصل الصلاة فلا إطلاق فيما مضى من العناوين الخاصة على وجه يشمل ما نحن فيه فحينئذ قاعدة الاشتغال تقتضي وجوب الإعادة والله العالم.
(79) لو تذكر النقص بعد سلامه بالبناء على الأكثر
فإن كان قبل الشروع في احتياطه فلا شبهة في عدم انتهاء النوبة إلى صلاة الاحتياط لانصراف دليله عن صورة زوال الشك قبل الدخول كما أنه كان بعد تمام احتياطه فلا شبهة في تماميتها وعدم الاحتياج إلى شيء آخر لظهور أدلته في الجابرية حتى مع الالتفات بنقصها بعده.
وأما لو كان في أثناء الاحتياط فقد اختلفت الكلمة فيها وعمدة نظر القائلين بجابرية الاحتياط إلى الإطلاقات بضميمة استصحاب الصحة
81

بتقريب أنه لو صدرت الصلاة قبل زوال الشك لكانت صحيحة والآن كما كان وفيه منع الإطلاق لو لم نقل بانصرافه إلى خلافه وأما الاستصحاب فهو محكوم باستصحاب آخر من استصحاب مانعية العلم لو حدث قبله واستصحاب بقاء شرطية الشك سابقا لصحة الصلاة والآن كما كان وعليه فلا بد من رفع اليد من هذه الصلاة وضم ركعة أخرى متصلة بالمأتي بها أولا لو كان ذلك قبل صدور المنافي سهويا وإلا فيتم هذه الركعة ثم يعيد الصلاة احتياطا تحصيلا للجزم بالفراغ نعم لو كان شكه مقتضيا لإتيان الركعتين ثم بان نقص الركعة في أثناء الصلاة فالحكم بعدم الاكتفاء بهذه الصلاة حتى مع إمكان تصحيحها وإرجاعها إلى ركعة واحدة بهدم قيامه قبل ركوعه أوضح من جهة صدق عدم الشك من الأول الموجب لإتيان صلاة ركعة وما كان موجبا للركعتين فقد زال فلا مصحح لمثل هذه الصلاة أبدا كما أنه لو كان شكه من الأول موجبا لركعة فبان الاحتياج إلى الركعتين كان الأمر كما تقدم ولا مجال لإتمام الركعة التي بيده ركعتين لعدم مساعدة الدليل على مثله نعم لو كان يصلي قاعدا فبان النقص بركعة فمقتضى تمسكهم بالإطلاقات والاستصحاب السابق هو الاكتفاء بذلك في مقام الجبر كما هو الشأن في فرض التذكر بعد الصلاة فما في النجاة حينئذ من عدم الاكتفاء بهما وتتميم الناقص بإتيان ركعة متصلة منظور فيه كما أنه لو كان شكه موجبا لركعتين فأتى بهما فبان بعد الصلاة نقص ركعة أمكن الاكتفاء بالمأتي به بدلا عما نقص ولو بركعة منه لإطلاق الأدلة من تلك الجهة نعم لو كان الأمر بالعكس ففي الاكتفاء بالمأتي به ولو بدل ركعة واحدة إشكال فالأحوط في الفرضين خصوصا الأخير تتميم ما نقص بركعة متصلة بناء على
82

عدم إضرار هذه الصلاة في الصلاة إذ كانت سهوية كما لا يخفى.
(80) إذا علم بمقتضى القواعد الرصدية انحرافه عن القبلة
بمعنى عدم عبور الخط المستقيم من موقفه إلى الكعبة، ففي الاكتفاء بمثل هذه الصلاة كلام مبني على كون القبلة للبعيد نفس الجهة بنحو الموضوعية الغير المضر بها التخلف عن عين الكعبة بنحو اليقين أو أن الجهة اعتبر طريقا إليها بحيث لا تضر بالصلاة إليها ما دام شاكا في التخلف عنها وأما مع العلم به فيضر جزما أو أن المدار مطلقا ليست على الجهة بل تمام المدار على الاستقبال لعين الكعبة ولكن لدائرة الاستقبال بالنسبة إلى البعيد نحو توسعة أو أن المدار على الاستقبال الحقيقي المساوق لاتصال الخطوط المستقيمة بينه وبين الكعبة غاية الأمر بنحو يرى بحس البصر مستقيما وإن كان بمقتضى البرهان الهندسي غير مستقيم وجوه ربما يختلف النتيجة على كل واحد من الاحتمالات وعلى أي حال لا شبهة ظاهرا في عدم كون المدار على استقامة الخطوط بينهما بنحو الدقة والبرهان وإن لم يبلغ إلى حد البصر كيف ولازمه بطلان صلاة الصفوف المستطيلة الزائدة عن عرض الكعبة وليس كذلك جزما بل ربما دعت هذه الجهة إلى الالتزام بإحدى الجهات السابقة الراجعة بعضها إلى الالتزام بتوسعة القبلة واقعا أم ظاهرا مع عدم إضرار العلم بالتخلف بين الشخصين في قبلة كل منهما ظاهرا أو بعضها بتوسعة الاستقبال.
ولكن التحقيق أن حقيقة الاستقبال إنما تحصل بمجرد اتصال الخطوط المستقيمة الحسية وأن المدار في القبلة على الاستقبال إلى الكعبة ومثل هذا المقدار أيضا مقتضى حفظ ظواهر الأدلة بعد طرح الأخبار المفصلة
83

بين قبلة أهل مكة والحرم وغيرهم أو توجيهها بل القبلة مطلقا هو الكعبة وربما يختلف سعة القبلة بازدياد البعد مع حفظ استقامة الخطوط حسا نظرا إلى أنه كلما ازداد بعدا عن جسم بحسب المسافة تتسع الدائرة عليه على وجه لا يرى تقوس مقدار منها بحس البصر ويختلف مقدار المستقيم الحسي منها حسب اختلاف سعة الدائرة وضيقها ولازم ذلك استقامة الخطوط المارة من هذا المقدار المستقيم الحسي إلى المركز حسا ولازمه كون الصف الواقع في هذا المقدار من الدائرة أيضا مستقيما حسا وربما يختلف طول مثل هذا الصف بطول مقدار استقامة الدائرة بلا اعوجاج وبه حينئذ ترتفع أيضا شبهة الصف الطويل في البعيد ولازم ذلك حينئذ مراعاة الدقة من حيث الوقوع في الدائرة المزبورة كيف ومع التخلف عنها قليلا ربما يؤدي إلى الانحراف عن الكعبة بكثير
على وجه لا يبقى مجال استقامة الخط حسا أيضا وعليه فمقتضى ما ذكرنا الحكم ببطلان الصلاة مع العلم بالانحراف بالمعنى المزبور ومع فرض حفظ الاستقامة الحسية في الخطوط المزبورة لا يبقى مجال الحكم ببطلان صلاته ولعله من جهة مراعاة الدقة في الجهة المزبورة التي نحن أشرنا احتاط بعض الأعاظم في باب أمارية الجدي بمراعاة غاية ارتفاعه إذ هو المناسب للوقوع في الدائرة دقة وإلا فلو كان المدار على الجهة أو التوسعة في أصل دائرة الاستقبال لما بقي مجال لمثل هذه الملاحظات بل الأمر يكون بأوسع منها بكثير بل ربما يكون اختلاف وضع الجدي على المنكب الأيمن في بعض الأمكنة أو بين الكتفين في بعض أخرى شاهد عدم التوسعة في أمر القبلة وحينئذ فلا وجه لمراعاتها بعد عدم مساعدة الدليل عليها وبعد ظهور قوله تعالى «فول وجهك شطر المسجد الحرام» في الطريقية إلى نفسه بلا موضوعية له لا واقعا
84

ولا ظاهرا كما لا يخفى بملاحظة سائر موارد إطلاقاته وتتمة الكلام في محله
(81) لو كان عليه قضاء السجدة والتشهد
ففي وجوب حفظ الترتيب بينهما كلام فإن قلنا بأنهما من أجزاء الصلاة السابقة حقيقة غاية الأمر محلهما في حال النسيان بعد سلامها فأمكن دعوى أن غاية ما يجب رفع اليد عن الترتيب بين نفسهما فعموم دليل الترتيب محكم بالنسبة إليهما وأما إن قلنا بكونهما قضاء لما فات من الصلاة السابقة فلا وجه لمراعات الترتيب بينهما إذ غاية ما ثبت بدليل الترتيب وجوب مراعاته بين أجزاء الصلاة لا قضائها وبدلها بل البراءة عقليها ونقليها جارية في قضائها وما ورد في النص بالأمر بمماثلة التشهد القضائي مع الفائت منصرف إلى المماثلة من حيث الأجزاء وفي شمولها للشرائط الراجعة إلى شرائط الصلاة في حاله كمال إشكال ولذا نقول بعدم إضرار المبطلات بين الصلاة وبينهما أيضا وحينئذ فيأتي بهما أي نحو شاء بل وفي فورية وجوبهما إشكال آخر ومجرد التعبير بالقضية الشرطية من قوله فإذا سلمت فتشهد لا يكون شاهد الفورية لإمكان رجوع المفيد للتوقيت إلى الوجوب لا التشهد أو السجدة وحينئذ الأصل البراءة عن جميع ذلك كما هو الشأن أيضا بالنسبة إلى صلاة الاحتياط وأن ظاهرها بمقتضى عموم تحليلها التسليم وكونه فراغا وتحريمها التكبير وأنه افتتاح للصلاة كونها صلاة مستقلة وأن السلام في الأولى كان مفرغا لها والتكبيرة في الثانية افتتاحا لصلاة جديدة وغاية ما يتوهم منه الجزئية كون هذه الصلاة تماما لما نقص وهو على فرض تسليم ظهوره فيها لا تقاوم مع الظهورات السابقة في الاستقلال وعليه فلا وجه للالتزام بإضرار مبطلات الصلاة إذا وقعت بين الصلاتين ولو لا ظهور الفاء في قوله فيقوم في الاتصال بين
85

لكنا نقول بعدم إضرار الفصل الطويل بينهما أيضا ووجه الكل بعد عموم دليل البراءة ظاهر.
(82) لو صلى في غيم وبان خروج مقدار من صلاته عن الوقت
فإن كان مدركا للركعة فيه فالظاهر كونهما بحكم الأداء لعموم من أدرك من دون إضرار كون البقية واقعة في الوقت المختص بغيرها لأن العموم المزبور ناطق بمزاحمة الشريكة مع ما اختص بوقته ولذا التزموا بأن على المدرك لخمس ركعات من وقت الظهرين وجوب المبادرة إليهما في حقه نعم هنا إشكال معروف وهو أن فعل الشريكة إن كان صالحا لمزاحمة ما اختص بوقته فلم لم يزاحم المغرب مع العشاء في المسافر المدرك لثلاثة ركعات من آخر وقت العشاءين بتطبيق عموم من أدرك على المغرب وإن استلزم فوت العشاء رأسا، ولئن قيل إن الأولى لا يزاحم الثانية إلا بعد توسعة الثانية ولو بتطبيق من أدرك على الثانية، فيرد عليه النقض بصورة بقاء أربع ركعات من وقت العشاءين للحاضر إذ بالعموم المزبور يوسع دائرة وقت الثانية فيؤتى في وقتها المغرب أيضا.
وتوهم أن عموم من أدرك قاصر الشمول عن صورة فوت تمام الثانية دون بعضها مدفوع بمنع قصوره من هذه الجهة بنفسه إذ بعد ورود سوقه لبيان مزاحمة الأولى للثانية بالنسبة إلى وقتها المختص لا يكاد يكون في هذا اللسان فرق بين صورة فوت تمام الثانية أم بعضها كما هو ظاهر.
وحل الإشكال أن مقتضى عموم لا تسقط الصلاة بحال بعد ما اقتضى لابدية وقوع الصلاة في وقتها المنع من شمول من أدرك صورة فوت
86

الثانية إلا بعد توسعة الثانية بتطبيق آخر لمن أدرك إذ بعد تطبيقه على الثانية أيضا يصير حاكما على العموم المزبور وبعد ذلك لا يمنع مثل هذا العام عن تطبيق من أدرك على الأولى أيضا وهذا بخلاف ما لو لم يشمل من أدرك الثانية فإنه لا يكون في البين موسع لدائرة الوقت كي ترتفع به مزاحمة لا تسقط الصلاة لمن أدرك في الأولى وبهذه الملاحظة لا يكاد يمكن شمول من أدرك للمغرب في فرض المسافر السابق وأما عدم صحة المغرب في وقت العشاء في الحاضر مع فرض عموم من أدرك العشاء فليس ذلك لقصور في وقت العشاء بل من جهة قصور المغرب عن وقوعه بحسب أصله بعد مضي وقته بتمامه فلا يبقى مصحح له بمقتضى عموم شرطية الوقت لها والمفروض عدم صلاحيته لشمول من أدرك له كي به يوسع وقته فمن أين يصحح المغرب حينئذ فلا يكاد حينئذ تصحيح المغرب للحاضر إلا بفرض بقاء خمس ركعات كي ببركة تطبيق من أدرك على الأولى المستتبع لتطبيقه على الثانية أيضا يصير حاكما على عموم لا تسقط وبدون هذه الحكومة ولو بالواسطة لا يكاد تكون مزاحمة لمن أدرك بالنسبة إلى عموم لا تسقط المنطبق على شريكته إذ غاية الأمر يكون نظر عموم من أدرك إلى توسعة وقت مورده بلا نظر فيه إلى تضيق وقت شريكته فعموم لا تسقط يجري في الشريكة بلا حاكم في مورده فيعارض عموم من أدرك في مورد شريكته بل يقدم عليه لعدم كون العموم المزبور في مقام دفع المزاحمات على وجه يثبت به قابلية المحل لتتميم مورده فعموم لا تسقط يخرج المحل عن قابلية تتميم غيره فيه.
ثم إنه لو لا مثل هذا العموم منطوقا ومفهوما لكنا نقول بأهمية
87

الوقت من سائر الأجزاء وشرائط الصلاة المستلزم لانتهاء النوبة في بعض الأحيان إلى مثل صلاة الغرقى ولكن مقتضى عموم من أدرك وجوب حفظ الأجزاء والشرائط في مقام الدوران مع الوقت غاية الأمر مع درك الركعة يوسع دائرة الوقت ومع عدمه فتسقط الصلاة أداء.
نعم لو كان مضطرا من الخارج عن بعض الأجزاء والشرائط فيلاحظ درك الركعة بالنسبة إلى ما يثبت له من الوظيفة بحسب حاله وليس حينئذ المعيار صلاته بحسب حال الاختيار وذلك ظاهر واضح وعلى أي حال لو لم يدرك بمقدار الركعة لا شبهة في عدم كونها محكومة بالأدائية وحينئذ ففي جواز إتيان أصل الصلاة في هذا المقدار في الوقت كلام آخر من جهة توهم أنه لا يكون صلاته هذه في وقتها ولا في خارجها ولكن لا يخفى ما فيه من أن قضية استكشاف تعدد المطلوب من دليل القضاء لا يقتضي أزيد من مطلوبية صرف الطبيعة عند فوت وقته.
نعم لو قيل بأن القضاء من باب جبران الفائت وأنه من باب الترتب لا تعدد المطلوب أمكن دعوى عدم صلاحية مثل هذه الصلاة للجبران لأن المتيقن من أدلة القضاء ما هو واقع بتمامه في خارج وقته ولكن الإنصاف منع هذا التشكيك أيضا في أدلة القضاء خصوصا مع إطلاقات بابه الظاهرة في ترتب القضاء والتدارك على مجرد فوت وقته الصادق على المقام أيضا والله العالم.
(83) إذا شك بين الأولى والثانية من الرباعية بل في مطلق الأوليين قبل الإكمال وهكذا في الثنائية والثلاثية
فلا شبهة في عدم مضيه
88

معه في صلاته بمعنى عدم وقوع ما يأتي به حال الشك على صفة الجزئية قطعا للأخبار المستفيضة الآمرة بالإعادة بمحض الشك بل وفي بعضها لزوم الحفظ فيهما وبعض آخر النهي عن المضي في صلاته حاله.
ولا يخفى أن محتملات عدم المضي بالمعنى المزبور أمور ثلاث أحدها صرف مانعية وجود الشك محضا عن أصل الصلاة بشرط استمراره إلى حد لا يمكن تداركها في محلها وأخرى شرطية الحفظ للصلاة في الظرف المزبور المستتبع لكفاية تحققه في ظرف إمكان تدارك الجزء في محله الواقعي وثالثة مانعية الشك عن وقوع الجزء على صفة الجزئية في حالة الملازم لاستناد بطلان الصلاة إلى الفصل الطويل المخل بالموالاة أو صدور قاطع آخر وفي قباله شرطية الحفظ لهذه الجهة المستتبع لعدم وقوع الجزء في حال عدمه على صفة الجزئية فتبطل الصلاة حينئذ لا لوجود الشك أو عدم الحفظ بل من جهة انتهاء أمره إلى الفصل الطويل أو مبطل آخر ومقتضى ظهور قوله لا تمض في صلاتك مع الشك هو مانعية الشك عن المضي في الصلاة التي هي كناية عن إتيان أجزائها لا مانعية نفس الشك عن الصلاة بل ويمكن إرجاع ما دل على اعتبار الحفظ أيضا إلى هذا المعنى بلا شرطية مستقلة فيما ذكره وإلى ذلك أشار شيخنا العلامة في صلاته بل وفي حاشية النجاة أيضا وربما يترتب على المعنيين مطلب آخر وهو أنه بناء على مانعية الشك إلى كذا عن أصل الصلاة فمع حدوث الشك أمكن إحراز المانع باستصحاب بقائه إلى كذا وأما بناء على المعنى الثاني فلا مجرى لهذا الأصل لأن جهة مانعيته عن اتصاف الجزء بالجزئية في حال الشك إنما هو من آثار صرف وجوده
89

المحرز بالوجدان وليس لبقائه إلى زمان كذا دخل في هذه الجهة وإنما هو ملازم عقلا لطرو مبطل آخر والأصل عاجز عن إثبات مثل هذه اللوازم الغير الشرعية ولازم ذلك وجوب الصبر إلى أن يقطع بطرو المبطل وليس له الإبطال فعلا لأن المقام من باب الشك في القدرة على إتمام الصلاة في هذه الحالة ومع الشك المزبور يحرم الإبطال فعلا نعم مع الجزم ببقاء الشك إلى كذا وإن لم تكن الصلاة فعلا باطلة ولكن لما يعلم بعدم قدرته على الإتمام فلا يجب إتمام العمل من أول الأمر فلا بأس برفع اليد عنه من الحين أيضا لأن دليل حرمة الإبطال غير شامل من الأول صلاة لا يقدر على إتمامها.
ثم إنه في وجوب التروي لرفع شكه حينئذ وجه إذ المفروض أنه لا يكون نفس الشك مانعا وإنما المانع وجود مبطلات أخر غاية الأمر الشك ملازم لطرو أحدها فمع القدرة على منع حصولها يجب عليه رفع الموانع فيجب التروي حينئذ مقدمة لرفع هذه الموانع وهذا بخلاف ما لو قلنا بأن الشك المستمر إلى كذا مانع إذ حينئذ لا مقتضي لوجوب التروي وإن علم بزوال الشك به فضلا عما لم يعلم لأنه في فرض البقاء كانت الصلاة باطلة من الأول وكان رفع اليد عن مثلها رفع يد عن الباطل فمع العلم بارتفاع الشك بالتروي لا يكون رفع اليد عنها إبطالا لصلاته غاية الأمر له أن يقلب عنوان الموضوع فيصير صحيحا نعم لو كانت مانعية الشك المزبور من قبيل سائر الموانع في كون إعدامها واجبا مطلقا كان لوجوب التروي مقدمة لرفعها حينئذ مجال نظير وجوب رفع سائر الموانع من باب مقدمة الواجب ولعل مثل هذه الجهة دعا القوم في حكمهم
90

بوجوب التروي لرفع الشك مهما أمكن نعم مع الجزم بعدم الزوال بالتروي واحتمال زواله من قبل نفسه كان بين المشربين فرق إذ على مشرب مانعية الشك أمكن دعوى جواز رفع اليد عن الصلاة فعلا باستصحاب بقاء الشك وهذا بخلاف المشرب الآخر إذ لا يجوز فعلا رفع اليد عنها لاحتمال قدرته على إتمام صلاته وفي مثله تتنجز حرمة الإبطال كما هو الشأن في كل مورد يكون الشك في التكليف من جهة الشك في القدرة وعليه فربما يكون إطلاق أوامر الإعادة بمحض طرو الشك بلا استفصال بين صورة احتمال زواله بنفسه أم لا شاهد المشرب الأول لو لا دعوى وجوب رفع اليد عن إطلاقها جزما لأن مقتضاه عدم وجوب التروي حتى مع القطع بزواله به ومع ذلك لم يترو وأتى بصلاته.
وتوهم الانصراف إلى الشك المستقر بالتروي مدفوع جدا إذ لازمه صحة الصلاة مع الشك المزبور عند عدم ترويه من باب الاتفاق وهو باطل جزما بل ولازم إطلاقها كون الشك بمجرد حدوثه من المبطلات كالحدث وليس كذلك وإن ذهب إليه بعض لكنه معرض عنه لدى الأعاظم ومثل هذه كلها من موهنات الإطلاقات وعليه فمن الممكن حملها على صورة بقاء الشك إلى طرو مبطل آخر خصوصا مع ما في بعض الأخبار من شرح الأمر بالإعادة بالنهي عن المضي فيه.
ولكن الإنصاف منع توهين الإطلاقات بأزيد من صورة الجزم بارتفاعه قبل طرو المبطل وأما مع الشك بالارتفاع فالإطلاق باق بحاله بلا مقتض لرفع اليد عنه ولازمه حينئذ استكشاف المانعية لنفس الشك المستمر المحرز بالاستصحاب كما لا يخفى وعليه فيشكل ما حكيناه عن
91

شيخنا العلامة في صلاته بل الأولى المصير إلى مذهب الجواهر لمساعدة الإطلاقات له دون مذهب شيخنا العلامة فتأمل في المقام فإنه من مزال الإقدام.
(84) لو صلى العصر باعتقاد أنه أتى بظهره فبان عدم إتيانه بظهره بعد سلام عصره
فإن كان ذلك بعد مضي مقدار أربع ركعات من الوقت فلا إشكال في صحة صلاته لعموم لا تعاد بالنسبة إلى الترتيب بينهما بعد عدم قصور فيها من جهة الوقت وإن كان ذلك قبل مضي هذا المقدار في الحاضر أو مقدار الركعتين من المسافر ففي صحة الصلاة المأتي بها خلاف بين الأصحاب من جهة اختلاف أخبار الباب على اشتراك الوقت من حين دخوله بينهما إلا أن هذه قبل هذه فلا يكون المنسي حينئذ إلا الترتيب المرفوع شرطيته بعموم لا تعد ومن ظهور رواية داود في اختصاص الوقت من أوله بمقدار أداء الواجب بالأول ومن آخره بالآخر ولازمه عدم شمول لا تعاد لمثله لأنه داخل في المستثنى والأقوى ما هو المشهور تحكيما لرواية داود على البقية ولو بحمل دخل الوقتان على نحو التعاقب كدخول الرجال بنحو التدريج والتعاقب.
نعم هنا إشكال آخر مشهور وهو أنه ما المعيار في تحديد مقدار أداء الواجب فهل هو مقدار أدائه على حسب صلاة الكامل المختار أو مقدار ما يصدق عليه أول مصداق الطبيعة ولو من المضطر جزءا أم شرطا فعلى الأول يلزم صبر المضطر والناسي إلى مضي المقدار المزبور حتى مع فرض إيجاده صلاة ظهره على حسب وظيفته وعلى الثاني يلزم صحة صلاة العصر حتى من المختار بمحض مضى مقدار أول مصداق من
92

الطبيعة ولو بمقدار صلاة من نسي فيها نوع أجزائها الغير الركنية وكلاهما غير ملتزم به.
وحل الإشكال بأن يقال إن من المعلوم أن مقتضى قيام المصلحة بجميع أجزاء الصلاة وشرائطها وجود اقتضاء الأمر الفعلي في صلاة الكامل المختار إلا أن المانع عن التكليف بها تارة متحقق فعلا قبل إقدامه بالعمل على وجه يرفع التكليف عن مورده بقول مطلق من دون فرق بين المقدم بإتيان العمل وغيره نظير الاضطرار الناشئ عن أسباب خارجية في ظرف الالتفات إليها قبل العمل ففي هذه الصورة وظيفته الفعلية بقول مطلق هو الصلاة المضطر إلى ترك بعض أجزائها وحينئذ تحديد مقدار أداء الصلاة يكون بهذا الحد ولم يلاحظ بالنسبة إليه صلاة الكامل المختار.
وأما إن لم يكن فعلا مضطرا إلى ترك أجزائها أو شرائطها وإنما هو بطرو النسيان في ظرف الإقدام بالعمل ففي هذه الصورة يصدق بأن المانع عن فعلية التكليف منوط بإقدامه في إيجاد العمل فقبل الإيجاد والإقدام لا مانع عن فعلية تكليفه فيكون وظيفته الفعلية الصلاة التام الكامل فلذا يراعى عند تركه مضي مقدار الصلاة الكامل المختار.
وأما إذا أقدم على العمل وأتى بصلاة نسي فيها جميع أجزائه وشرائطه الغير الركنية فيكون وظيفته الفعلية هذا المأتي به لفرض تحقق موانع تكليفه حين إقدامه ومثل هذا الشخص لا ينتظر في دخول وقت عصره مضي وقت صلاة الكامل الغير الناسي بل وظيفته هذا الذي أتاه فيكتفي به في تحديد اختصاص وقته بظهره وذلك المقدار ظاهر واضح.
(85) إذا انكشفت عورته في صلاته وهو لا يعلم به
93

الاجتزاء بصلاته هذه بلا لزوم إعادتها لا من جهة عموم لا تعاد حتى يقال بعدم شموله لحال الجهل بل مختص لدى المشهور بصورة السهو والنسيان بل من جهة النص الوارد في مورده من رواية علي بن جعفر بل ومنه يتعدى إلى صورة النسيان أيضا مضافا إلى عموم لا تعاد ومن دون فرق في الاجتزاء به بين صورة كشف الواقع بعد صلاته أم في أثنائها لشمول النص مع فورية
المبادرة إلى سترها على وجه لم يقع شيء من الصلاة بلا ستر.
ولكن الإنصاف أنه على فرض شموله لصورة الكشف في الأثناء لازمه الالتزام بعدم إضرار الكشف ولو آنا ما لاضطراره الناشئ عادة عن تحصيل ستره ولو مع المبادرة جدا.
ويمكن جعل مثل هذا وجه نظر بعض الأعاظم أيضا في الحكم بالإجزاء مع الاضطرار إليه لريح أو غيره وإلا فلا يقتضي دليل ذلك في قبال اقتضاء الإطلاقات فسادها.
اللهم إلا أن يقال إن ذلك إنما يتم على فرض تعرض النص لخصوص مورده وإلا فمثل المقام المستفاد منه كون مناط الإجزاء حيث جهله لا جهة أخرى فالرواية من الجهة الأخرى مهملة محضة إلا أن يقال إن الجهة المطلقة إذا كانت ملازمة للجهة المهملة كان إطلاقها شارحا لإهمالها ومع الغض عنه لا مجال لإثبات الإجزاء إلا إذا قيل بتنقيح المناط بين الجهل والاضطرار إذ حينئذ كان لما أفيد مجال من هذه الجهة ولكن أنى لنا بإثباته وعليه فالمسألة من جهة مخالفة الكلمات مع القواعد في غاية الإشكال.
ثم بناء على مانعية الكشف في أثناء الصلاة فهل المانع خصوص ما هو المانع حين الاشتغال بالأفعال أو المانع مطلق وجوده في أثناء الصلاة
94

ولو في خلال أفعالها؟ ظاهر الجواهر في النية كفاية وجودها حين الاشتغال بأفعالها نظرا إلى أن الصلاة ليست الأنفس الأفعال وفقد النية خلالها لا يضر بها ولازمه عدم إضرار الكشف في خلال الأفعال إذا وقعت أفعالها طرا في حال الستر.
ولكن ظاهر كلماتهم حتى الجواهر في غير النية لزوم حفظ الشرائط وعدم الموانع حتى في خلال الأفعال وعمدة نظرهم كون حالات الصلاة من حين التكبيرة إلى زمان الفراغ عنها بالسلام محسوبة من الصلاة فشرائطها حينئذ ملحوظة في جميعها وربما يستظهر ذلك من عموم محرمية التكبير ومحللية التسليم إذ معنى المحرمية كون التكبيرة موجبة لحرمة ما هو ممنوع وجوده في الصلاة أو عدمه فكان لسانه ناطقا بأن المحرمات الغيرية للصلاة متوجهة إلى المكلف من قبل التكبيرة بمعنى كونها مبقية لها من حينها أو محدثة لعموم المحرمات حتى القواطع كما أن تحليلها يجيء من قبل التسليم من دون فرق في ذلك بين الموانع والقواطع أو الشرائط الوجودية وعليه فحكم النية أيضا حكم سائر الشرائط بلا خصوصية فيها.
والعجب من الجواهر من تفكيكه بينها وبين سائر الشرائط من دون فارق ظاهر بينهما كما لا يخفى وعليه فالفرق بين المانع والقاطع ليس إلا بدخل أحدهما في قطع الهيئة الاتصالية دون المانع وإلا فلا فرق في إضرارهما بالصلاة بين كونها في خلال الأفعال أم في حالها والله العالم.
(86) لو شك الإمام بين الثلاث والأربع
ويعلم أنه على تقدير الثلاث ترك ركنا من صلاته غير قابل للتدارك وشك المأموم بين الاثنين
95

والثلاث ففي رجوع المأموم إلى ما حفظه الإمام من وجود الثلاث ورجوع الإمام إلى ما حفظه المأموم من الجزم بعدم الأربع إشكال لأن من رجوع الإمام إلى مأمومه يلزم بطلان الصلاة وذلك لا من جهة طريقية حفظ المأموم حتى من جهة فوت الركن الملازم لتعيين الركعة بل من جهة ابتلائه حينئذ بالعلم الإجمالي إما بفوت الركن أو زيادة الركعة وبعد ذلك لا يبقى مجال لكون حفظ مأمومه مرجعا وفي رجوع الإمام إلى شك نفسه من البناء على الأكثر أيضا إشكال تقدم نظيره من جهة أن دليل البناء على الأكثر إنما يجري في فرض يكون نقصه قابلا للجبر بركعة الاحتياط وفي المقام ليس الأمر كذلك كما أنه لا مجال للمصير إلى الأقل أيضا لما قلنا بعدم جريان أصالة الأقل في الركعات وعليه فلا مصحح لهذه الصلاة وفي هذه الصورة فهل يرجع المأموم إلى حفظ إمامه قبل رفع يده عن صلاته نظرا إلى عدم قصور في صحة صلاته فعلا ولو من جهة جريان قاعدة أصالة الصحة في فعل غيره بملاحظة هذا الأثر ولا ينافي ذلك جواز رفع يده فعلا عن هذه لعدم حرمة إبطاله من جهة الجزم بعدم تحصيل الفراغ في هذه الصلاة ودليل حرمة الإبطال غير شامل لمثلها فيه إشكال وإن لم يترتب عليه نتيجة عملية لأن حكم شكه في هذا الفرع أيضا البناء على الثلاث.
نعم لو كان المأموم على فرض الاثنين ترك ركنا من الركعة السابقة ففي رجوع الإمام إليه بالبناء على الأقل يجيء الإشكال السابق إذ في شمول الإطلاقات لمثله إشكال وإن كان الأحوط الرجوع والإعادة.
ثم إن ذلك كله أيضا على تقدير صدق حفظ كل منهما على حفظه من جهة دون جهة وإلا فعلى فرض انصراف دليل الحفظ بصورة الحفظ
96

من جهتي الأقل والأكثر فلا يصدق هذا المعنى على المورد ولو مع عدم المحذور السابق بل حالهما حال صور لم يكن بين شكيهما رابطة أصلا في كون المرجع في كل منهما حكم شكه والله العالم.
(87) لو شك المأموم بين الثلاث والأربع وعلم بأنه على تقدير الأربع فاتت سجدة من هذه الركعة مع بقاء محلها الشكي والإمام جازم بالثلاثة
فهل مرجعية الإمام في حفظه يجدي في الحكم بعدم ترك السجدة أم لا؟ وجهان أقواهما الثاني لعدم إطلاق في المرجعية حتى بالنسبة إلى هذه اللوازم وعليه يجيء محذور المعارضة بين دليل المرجعية واستصحاب الاشتغال فيتساقطان فيرجع إلى البناء على الأكثر ويأتي بالتشهد لقاعدة الاشتغال نعم لو قلنا بعدم جريان استصحاب الاشتغال في مورد القاعدة لا يبقى مجال منع لدليل المرجعية لأن السجدة المأتية احتياطا غير مضرة بالصلاة ولا يترتب عليها الأثر نعم لو كانت بقصد الجزئية يشكل أمرها للعلم الإجمالي السابق.
لا يقال إن مثل هذا العلم الإجمالي إنما يجدي في تساقط الأصول لو كان مثل هذه الزيادة في السجدة زيادة عمدية وإلا فلو أجرينا على مثل ذلك حكم السهو فلا مجال لتساقط الأصول بل لا يكاد يترتب على طرف احتمال الزيادة أثر عملي.
قلت يكفي فيه وجوب سجدتي السهو فينتج العلم للمعارضة بين الأصول وعليه فلا محيص من البناء على الأكثر وإتيان السجدة في محلها.
(88) لو شك الإمام بين الثلاث والأربع وعلم على تقدير الثلاث ترك ركوع هذه الركعة مع بقاء محله الشكي وكان المأموم حافظا للثلاث
ففي
97

هذه الصورة لا بأس برجوع الإمام مع إتيانه الركوع بقاعدة الاشتغال ومع تجاوز محله يتعارض قاعدة التجاوز في الركوع مع قاعدة المرجعية فينتهي الأمر حينئذ إلى قاعدة الاشتغال والبناء على الأكثر وهو أيضا غير جار لأنه أحد طرفي العلم الإجمالي بالنقيصة أو الزيادة فتسقط قاعدة البناء على الأكثر أيضا فلا مصحح لهذه الصلاة بعد سقوط أصالة الأقل أيضا ولو كان تاركا للركوع على تقدير الأربع فإن كان محله الشكي باقيا فلا يبقى مجال لقاعدة المرجعية مع فرض حكم العقل بوجوب الإتيان بالركوع للعلم بالزيادة أو النقيصة المضرتين بصلاته كما أن قاعدة البناء على الأكثر أيضا غير جارية لأنه على فرض النقص غير قابل للجبران وأخبار الباب منصرفة إلى هذه الصورة فحينئذ لا مصحح لهذه الصلاة بعد عدم جريان أصالة الأقل.
ومن هنا ظهر أيضا حال ما لو تجاوز محله الشكي أيضا فإن قاعدة التجاوز وقاعدة المرجعية جارية بلا معارض فيبني على الثلاثة فيتم صلاته
(89) إذا صلى الظهر بوضوء ثم أحدث وجدد وضوء العصر فعلم إجمالا إما بفساد صلاته السابقة من جهة فساد وضوئها أو فساد هذا الوضوء الثاني
فلا شبهة في تعارض قاعدتي الفراغ بالنسبة إلى وضوئه وتبقى القاعدة بالنسبة إلى الصلاة جارية بلا معارض نظرا إلى أن الأصل في السبب إذا تساقط بالتعارض يرجع إلى الأصل المسببي
كما هو الشأن في ملاقي الشبهة المحصورة في ظرف يكون العلم الإجمالي بين المسبب وذلك الطرف في طول العلم بين الطرفين كي به يخرج عن المؤثرية في التنجز وإلا فلا مجال لجريان الأصل المسببي في طرف العلم المنجز ولو كان بلا معارض بناء على المختار من كون العلم علة تامة في المنجزية حتى بالنسبة
98

إلى الموافقة القطعية وبملاحظة اعتبار الطولية بين العلمين ربما يصير النتيجة تساقط الأصلين في المسبب والطرف ويبقى الأصل في الطرف الآخر جاريا بلا معارض.
وبالتأمل في المقام تقدر على استخراج فروع مختلفة حكما في بحث الملاقي خلافا لمسلك شيخنا العلامة في هذا المبحث حيث إنه يبني على كون المدار في الجريان على طولية الأصول لا طولية العلم وذلك ينافي مختاره في بحث الشبهة الوجوبية من الشبهة المحصورة من كون العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي علة تامة للموافقة القطعية فراجع إلى كلماته وتأمل فيها.
(90) إذا شك في الأوليين أنه شاك فيهما أم ظان
فتارة نقول إن الشك الوجداني بحصول الظن وعدمه غير معقول لأن الوجدانيات يستحيل أن يخفى على الوجدان فلا شبهة حينئذ في استقرار شكه ويترتب عليه حكم الشك في الأوليين وإن قلنا بإمكان خفائه فإن قلنا بعدم اعتبار الظن في الأوليين ولو من جهة عدم دليل واف به لاختصاص دليل اعتبار الظن بالركعات بخصوص الأخيرتين وصورة لم يدر كم صلى بلا شمولها حتى الأخيرة للمقام فلا شبهة في أن دليل عدم المضي في الصلاة مع الشك على فرض عدم شموله لاحتمال دخل خصوصية الشك في المانعية فلا أقل من شمول دليل اعتبار الحفظ فيها فتبطل الصلاة حينئذ على أي تقدير في الفرض المزبور وإن قلنا بشمول المناط في رواية كم صلى إذا حصل الظن بإحدى الأوليين قبل الإكمال في مورده بالنسبة إلى غيره من سائر الموارد أيضا كما هو المختار والتحقيق ففي فرضنا يحتمل صحة الصلاة لو لا أصل موضوعي بعدم وقوع الوهم في أحد الطرفين فتبطل لأنه من تبعات عنوان عدم وقوع الوهم في مورد لم يحفظ فجزء الموضوع حينئذ وجداني وجزؤه الآخر مستند
99

إلى الأصل وبهذه الجهة نقول بجريان حكم الشك على مثل هذا الترديد في جميع الصور كما لا يخفى.
بل ومن هذا البيان أيضا يظهر أن العمل بالظن في الركعات ليس من باب حكومتها على أدلة الشكوك المبطلة كي يحتاج إلى إتعاب النفس في إثبات قيام الأمارة مقام العلم الموضوعي بناء على دخل عنوان الحفظ في الأوليين بل هو بمناط التخصيص وإن كان المختار إمكان تقريب الحكومة أيضا في المقام على وجه يقوم مقام الحفظ أيضا بناء على دخل الحفظ في الموضوع على وجه الطريقية وتوضيح هذه الجهات موكول إلى محلها.
(91) لو نقص في صلاة احتياطه شيئا عمدا
فلا شبهة في بطلانها كما أنه لو نقص أمرا غير ركني سهوا لا يبطل لعموم لا تعاد.
وأما لو زاد فيه شيئا كذلك فإن كان غير ركن فلا شبهة أيضا في عدم البطلان لعموم لا تعاد وأما لو كان ركنا ففي الحكم بالبطلان إشكال نظرا إلى تخصيص عموم دليل الزيادة بالنسبة إلى سهوها بالنص الوارد في النافلة وما نحن فيه من تلك الجهة شبهة مصداقية للعموم المزبور فلا يجوز التمسك به فلا جرم ينتهي أمره إلى الشك في المانعية فيجري البراءة.
اللهم أن يقال إن صلاة الاحتياط بحسب أصل تشريعه لا بد وأن يكون على نحو يكون قابلا للجابرية على تقدير نقص الصلاة وهنا على تقدير النقص لا يصلح للجابرية فالاشتغال بتتميم الصلاة السابقة يقتضي تحصيل الجزم بالمسقط وبمثل هذا الاحتياط لا يكاد حصول هذا الجزم ولا يقاس مقامنا هذا بصورة الشك في جزئية السورة مثلا في صلاة الاحتياط إذ في مثله على فرض نقص الركعة أيضا كان مثل هذه الصلاة بضم البراءة عن
100

الجزئية قابلا للجبر وهذا بخلاف مقامنا إذ على فرض النقص نجزم بالبطلان وإنما احتمال عدم بطلانها من توالي احتمال عدم النقص وعدم الاحتياج إليها ومن هذه الجهة نقول بأن المجرى في مثله قاعدة الاشتغال لا البراءة وإن قلنا بأن مرجع الشك في جزئية شيء فيها أو مانعيته على الإطلاق إلى البراءة كنفس الصلاة والله العالم.
(92) إذا سها جزءا غير ركني في صلاة احتياطه
ففي وجوب سجدتي السهو إشكال بناء على التحقيق في عدم وجوبه في النافلة واختصاص أدلتها بالفرائض وعمدة وجه الإشكال فيه أيضا شبهة كونها نافلة لا يجب فيها سجدة سهو فتكون الشبهة في المقام من تلك الجهة مصداقية بلا أصل موضوعي يصلح لإحرازه في صور تعلق الشك بالعناوين الذاتية فالمرجع في مثله البراءة.
اللهم أن يقال أيضا إن السجدة السهوية إذا كانت واجبة من جهة الجابرية للنقص السهوي فلا محيص في المقام أيضا من إجراء قاعدة الاشتغال بالصلاة إذ على فرض النقص يحتاج إلى جابر قابل للتدارك من جميع الحيثيات وفي المقام على فرض النقص يقطع بعدم صلاحية الجابرية إلا بضميمة السجدتين فالاشتغال بالصلاة حينئذ يقتضي إتيان السجدتين.
وأما توهم عموم لا سهو في السهو بحمل الثاني على موجب الشك من الاحتياط والأول على نفي السهو بلحاظ نفي أثره من السجدة فهو بعيد من سوق الحديث بل الظاهر من السهو الأول أيضا بقرينة تاليه موجب الشك كما يشهد قوله في رواية أخرى وليس على السهو سهو ولا على الإعادة إعادة وأن المراد من الإعادة ولو بقرينة رواية أخرى صريحة فيه هو صلاة
101

ولو بمناسبة كونه إعادة لما بنى في صلاته على تحقق الرابعة ولقد شرحنا ذلك سابقا في ذيل بعض الفروع أيضا فراجع.
(93) إذا تذكر زيادة جزء مستحبي مثل القنوت في صلاته
فالظاهر عدم قصور في شمول عموم تسجد سجدتي السهو لكل زيادة على الطبيعة إذا كانت من سنخ أجزائها كما لا قصور في عموم من زاد فعليه الإعادة وأما نقصه ففيه إشكال لانصراف العموم إلى نقص أصل الطبيعة لا النقص بالإضافة إلى الرتبة الكاملة وحينئذ لا وجه لسجدتي السهو في مثله كما لا يخفى وحينئذ فلو علم إجمالا بنقص قنوت أو زيادته يرجع أمره إلى العلم الإجمالي بوجوب سجدتي السهو للزيادة أو قضاء القنوت فلا بأس حينئذ بجريان أصالة عدم الزيادة وقاعدة التجاوز عن القنوت بلا لزوم طرح التكليف الإلزامي.
نعم لو قلنا بمعارضة الأصلين في كل مورد يعلم انتقاض أحدهما واقعا يجب الجمع في المقام بين السجدة السهوية وقضاء القنوت ولكن أنى لنا بإثباته ما لم ينته الانتقاض المزبور إلى طرح تكليف إلزامي في البين ولقد أشرنا إلى نظيره في بعض الفروع السابقة.
(94) إذا ظن بوجود جزء في محله أو ظن بعدمه بعد تجاوزه
ففي اعتبار مثل هذا الظن إشكال لعدم قيام دليل على اعتباره فالمرجع فيهما قاعدة التجاوز منطوقا ومفهوما بناء على حمل الشك فيها على عدم الوصول إلى الواقع كما هو الشأن في كلية أدلة الأصول العملية وتوهم أخذ مناط الظن بالركعة للأفعال أيضا بتوهم أن الركعة أيضا ليس إلا مجموع آحاد الأفعال مدفوع بإمكان الأقربية في الظن بوقوع أفعال
102

متعددة عن الظن بفعل واحد فلا يكون المناط حينئذ منقحا ولذا ذهب جل من الأعاظم إلى التفكيك بين الظن بالأفعال والركعات وحينئذ فلو علم إجمالا بفوت سجدة أو شيء آخر مضى محل أحدهما وظن بوجود الباقي محله المستلزم للظن بفوت ما مضى محله لا يثمر ذلك المقدار في المنع عن جريان قاعدة التجاوز عن السابقة وقاعدة الاشتغال بالثانية.
(95) إذا قام خبر واحد بفوت السجدة الواحدة وقام خبر واحد آخر على فوت القراءة فهل هما بمنزلة البينة على وجوب سجدتي السهو أم لا؟
وجهان من أن المدلول المطابقي إذا لم يثبت في البين لعدم قيام البينة لا ينافي ثبوت المدلول الالتزامي القائم به مجموع الخبرين فيكون المقام حينئذ من قبيل قيام البينة على المدلول الالتزامي من وجوب سجدتي السهو.
ولكن التحقيق أن ما هو حجة مداليل البينة ولو التزاميا وفي المقام ليس في البين مدلول التزامي للبينة غاية الأمر في البين مدلول التزامي لخبري الواحد وكل منهما ليست ببينة وعمدة النكتة هو أن البينة عبارة عن الأخبار الصادرة من الاثنين ولوازم الأخبار لا يصدق عليها الأخبار بل هي محكيات قهرية ربما لا يلتفت المخبر إليها وإنما كانت مأخوذة من جهة عموم دليل الأخذ بجميع حكايات ما اعتبر في لسان الدليل فإذا فرض اختصاص دليل الاعتبار بعنوان البينة فلا يكاد يصدق ذلك على المورد كي يوجد بلازمه.
نعم لو كان المخبران بصدد الإخبار عن اللازم بنحو الكناية وأظهر كل منهما ما اعتقد بملزوميته لا بأس حينئذ بدعوى قيام البينة على اللازم لصدق إخبارهما حينئذ بالنسبة إلى اللازم ولا يضر بذلك مجرد اختلافهما في الملزوم
103

نظير المتواتر المعنوي من تلك الجهة وعلى هذا القياس كل مورد قام خبران على أمرين مشتركي اللازم أو الملزوم أو الملازم وعليك استخراج فروع كثيرة في أبواب المعاملات والعبادات وغيرها من مثل هذه الكبرى.
(96) إذا شك في صلاته من حيث عدد ركعاتها وسلم بعد البناء على مقتضى شكه ثم شك في أنه هل كان شاكا بين الأربع والخمس كي لا يجب عليه إلا سجدتا السهو أو بين الثلاث والأربع كي يجب عليه الاحتياط
ففي هذه الصورة يعلم إجمالا بتوجه أحد الخطابين نحوه ولازمه الجمع بينهما ولو بتقديم الاحتياط على السجدتين من جهة مراعاة احتمال الجزئية في صلاة احتياطه وإن لم يكن ذلك لازما على الأقوى.
ويمكن في المقام دعوى الاكتفاء بالسجدتين نظرا إلى أنه من مصاديق الأقل والأكثر بناء على عدم وجوب ذكر مخصوص فيهما لأن مرجع علمه إلى العلم بوجوب السجدتين بذاتهما أو هما مع أشياء أخر مرتبطة بهما التي منها قصد عنوان الصلاتية بهما وفي مثله يكون المرجع البراءة عن الأكثر.
اللهم أن يقال إن ما أفيد إنما يصح لو لم يكن وجوب الأكثر منجزا من غير قبل العلم المردد بينه وبين أقله فإنه يجيء في مثله الانحلال الموجب للبراءة عنه وأما لو كان هذا الوجوب ناشئا عن تكليف آخر كان ذاك التكليف طرف العلم الإجمالي بينه وبين وجوب الأقل وهو التكليف بتتميم ما ورد من النقص المحتمل في الصلاة فإن مثل هذا التكليف نسبته مع وجوب المرغمتين من قبيل المتباينين فتنجز هذا التكليف يقتضي حينئذ وجوب
104

الأكثر وتنجزه لأن تداركه لا يكون إلا بالأكثر.
نعم لو لم يكن التتميم المزبور طرف هذا العلم بل كان تداركه مرددا بين الأقل والأكثر فلا بأس بجريان البراءة عن الزائد للشك في التكليف بأصل جبر النقص بأزيد من المقدار المعلوم ولذا نقول لا بأس بجريان البراءة عن السورة مثلا عند الشك في جزئيتها لصلاة الاحتياط وهذا بخلاف محل بحثنا إذ النقص المحتمل على تقدير كان تحت إيجاب الاحتياط بإيجاد ما هو جابره من الركعة المنفصلة ومثل هذا الإيجاب طرف العلم الإجمالي بينه وبين وجوب المرغمتين وبواسطته يتنجز على المكلف التكليف بإتمام صلاته المباين مع وجوب السجدتين وتنجز هذا التكليف يقتضي تنجز وجوب الأكثر في المقام كما هو ظاهر فتدبر.
ثم إن ذلك على فرض عدم وجوب ذكر مخصوص فيهما مباين لذكر السجدة الصلاتي وإلا فأمر التباين بينهما أظهر ولا يبعد الالتزام به لما ورد من النص تارة بوجوب قوله باسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد وفي نسخة أخرى اللهم صل على محمد وآل محمد بدل وصلى الله وأخرى بقوله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بدل الصلاة وفي نسخة والسلام إلخ بزيادة كلمة واو قبل السلام ولا يبعد الجمع بالتخيير بين الثانية وبين الأولى وأما مع اختلاف النسخ في كل واحد من الفقرتين فلا محيص من الجمع بينهما رجاء.
ولكن الذي يسهل الخطب ورود الموثقة على نفي وجوب أزيد من السجدتين ونفى فيهما التكبيرة والتسبيحة والتشهد وبمثله يرفع اليد عن الأوامر المزبورة بالحمل على الاستحباب كما هو الشأن في حمل أوامر التشهد فيهما أيضا عليه ولكن كلاهما خصوصا استحباب التشهد خلاف
105

المشهور الكاشف عن إعراض الأصحاب عن سند الموثقة فيكون المرجع حينئذ بقية الأوامر وفي الجواهر الأخذ بالموثقة في نفي وجوب الذكر وطرحه بإعراض المشهور في نفي وجوب التشهد وهو كما ترى.
اللهم أن يدعى صلاحية فتوى جملة من الأعاظم بنفي وجوب الذكر لجبر سند الموثقة بالنسبة إلى نفي وجوب الذكر بخلاف نفي التشهد فإنه ليس في البين إلا ما حكي عن المختلف وصلاحيته لجبر سندها مشكل فلا محيص حينئذ عن التفكيك بين الفقرتين من حيث الوثوق بالصدور وعدمه كما لا يخفى هذا والمسألة من هذه الجهة غير نقية من الإشكال والاحتياط لا يترك فيه.
(97) لو شك في السجود الصلاتي بعد ما قام ثم هدم هذا القيام عمدا
ففي عود المحل بهدمه هذا وجهان من إطلاق قوله بعد ما قام ومن انصرافه إلى قيام يصلح أن يصير جزءا أو الهدم كاشف عن عدم صلاحيته من الأول فيجب حينئذ إتيان المشكوك والأحوط إعادة الصلاة أيضا.
(98) إذا علم إجمالا بفوت ركوع في صلاته الأصلي أو ركوع في صلاة احتياطه
فقاعدة التجاوز بالنسبة إلى صلاة الاحتياط غير جارية جزما للجزم بعدم إتيانه على طبق أمره ولو ندبا إذ مشروعيته لمن صلى صحيحا من جهة غير النقص المحتمل القابل للتدارك فتجري حينئذ أصالة التجاوز في الصلاة الأولى ويحتاط ثانيا تحصيلا للجزم بالجبران نعم لو كان طرفا العلم فوت السجدتين الأخيرتين أمكن وجوب تداركهما في صلاة احتياطه قبل صدور المنافي كما هو ظاهر وتجري قاعدة التجاوز
106

عن الأولى بلا معارض ولو كان طرف العلم المزبور سجدة واحدة أمكن دعوى وجوب قضاء السجدة وسجدتي السهو بناء على شمول دليلهما لصلاة الاحتياط أيضا وإلا فتجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الصلاة السابقة بلا معارض.
(99) إذا علم بزيادة ركوع فيما صلى سابقا ولكن شك بأنه صلاة جماعة زاد الركوع فيها حفظا لمتابعة الإمام أم صلاة منفردة تبطل بزيادته فيها
فأصالة عدم اتصاف الركوع الزائد بعنوان متابعة الإمام يوجب الحكم بفساد صلاته ووجهه ظاهر ولا يرد عليه بجريان أصالة الصحة في السابقة لأنه إنما يجري في مورد يشك في صحة موضوع له الأثر وفي المقام لا شك في ذلك بل ذلك من قبيل الشك في الفرد المردد الخارج عن مجرى التعبد بالأصول.
(100) إذا علم إجمالا بفوت إحدى الصلاتين من اليوم السابق وعلم أيضا إن كان الفائت ظهرا ففاتت من عصره سجدة وإن كان عصرا ففات من ظهره تشهد
فيجب عليه إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمة ثم يأتي بقضاء السجدة والتشهد وسجدتي السهو للعلم الإجمالي بالأولين والعلم التفصيلي بعدم وجوب أزيد من سجدتي السهو مرة والله العالم.
(101) إذا علم بعد دخول الوقت بصدور عمل مردد بين الجنابة أو الصلاتين
فاستصحاب عدم الجنابة غير جار بالنسبة إلى ما اقتضت قاعدة الاشتغال بالصلاتين إتيانه للجزم بعدم وقوعها على وفق أمرها فلا محيص في تحصيل الجزم بالفراغ من تجديد غسل بقصد الجنابة رجاء
107

فيصلي تحصيلا للفراغ عن صلاة الوقت والله العالم.
هذه إحدى ومائة من الفروع المتشتة الراجعة إلى الخلل الناشئ عن أنحاء الشكوك في صلاته من جهة أجزائها وشرائطها والحمد لله أولا وآخرا. ولقد فرغت من تسويده غرة ربيع الثاني من سنة سبعة وثلاثين بعد ثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية عليه آلاف التحية وأنا الأحقر ضياء الدين بن محمد العراقي عفي ذنوبهما
108

قاعدة
اعلم أنه قد يحصل للمكلف علم إجمالي بوجود أحد الخللين في صلاته نقصا أو زيادة مع كونهما منشأ أثر من قضاء أو سجدة سهو أو لا يكون واحد منهما كذلك أو هما مختلفان في ذلك وكون الخلل مرددا بين الركنين أو غير الركنين أو مختلفين وكل منهما بعد محلهما الذكري أو قبله أو مختلفان وبعد محلهما الشكي أو قبل محله الشكي في أحدهما وبعده في الآخر ويلحق بالركن صور كون الطرف ركعة ثم الخلل المعلوم تارة في صلاة واحدة وأخرى في صلاتين مع اعتبار ترتيب بينهما وعدمه وحصول التذكر تارة في أثناء الصلاة وأخرى في صلاتين مع اعتبار ترتيب بينهما وعدمه وحصول التذكرة تارة في أثناء الصلاة وأخرى في خارجها فهذه صور لا بأس بالإشارة إلى حكمها بنحو الإجمال فنقول وعليه التكلان:
أما صور العلم بحصول أحد الخللين في صلاة واحد فإن كان الطرفان ركنين فإن حصل العلم بعد التجاوز عن محلهما الذكري فلا إشكال في بطلان الصلاة للعلم بنقص الركن فيها وإن كان قبل تجاوز واحد منهما عن محله الذكري فلا شبهة في جريان قاعدة التجاوز فيما مضى
109

محله للعلم تفصيلا بعدم إتيان الثاني على وفق أمره فيأتي به ويتم صلاته من دون فرق في ذلك بين تجاوز محله الشكي وعدمه إذ مع العلم المزبور لا مجال لمعارضة الأصلين كما لا يخفى.
وتوهم عدم تأثير هذا العلم بعد نشوئه عن العلم الإجمالي الحاصل أولا مدفوع بأن ما له الأثر من العلم هو العلم بفوت أحد الجزءين الفعليين وهذا المعنى يستحيل تحققه في المرتبات أو في الأركان وغيرها لأن شأن العلم الإجمالي انحلال القضيتين التعليقيتين بأنه إن لم يكن ذاك فذلك وهذا المعنى مستحيل التحقق في المقام لأنه لا يصدق فوت الركن على تقدير وجود غيره وهكذا السابق بالنسبة إلى اللاحقة بل فوتهما ملازم لفوتهما بلا ترتب في فوتهما أيضا.
ولئن شئت قلت إن العلم الإجمالي بفوت أحد العملين لا أثر له إلا من جهة استتباعه لفوت التكليفين ومن المعلوم أنه بالنسبة إلى التكليفين يدور أمره بين فوتهما أو فوت أحدهما ولا نعني من الأقل والأكثر الموجب للجزم بأحدهما والشك في الآخر إلا هذا وبهذا البيان قلنا في كلية الأقل والأكثر بناء على عدم مقدمية الأجزاء للكل بانحلال علمه.
نعم بناء على المقدمية لا يبقى مجال للانحلال المزبور لأن العلم التفصيلي بتكليف الأقل نشأ من العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين المتباينين وفي مثله لا يصلح العلم المتأخر لرفع تأثير العلم الإجمالي السابق وأين ذلك ومقامنا.
وإن كان أحد الطرفين ركنا والآخر غير ركن له الأثر من سجدة أو
110

قضاء فإن كان العلم بعد فوت محلهما الذكري فلا شبهة في أن قاعدة التجاوز جارية في الركن مقدما كان أم مؤخرا للجزم بعدم إتيان الآخر على وفق أمره وحينئذ لا يكون احتمال عدم وجوب القضاء مستندا باحتمال وجود الفعل على وفق طلبه لفرض الجزم بعدمه فلا جرم يستند إلى فساد الصلاة من جهة احتمال فوت الركن فقاعدة التجاوز عن الركن يثبت الصحة ويرفع احتمال فسادها المتتبع لعدم وجوب قضاء السجدة أو القضاء لأن شأن الأصل قلب نقيض الأثر بنقيض موضوعه الثابت بمثله.
وإن كان قبل فوت محله الذكري في أحدهما فإن كان ذلك هو الجزء الغير الركني فلا شبهة أيضا في أن العلم التفصيلي بعدم إتيانه على وفق أمره يوجب إتيانه فتجري قاعدة التجاوز فيما مضى محله الذكري وبعين التقريب السابق تحكم بوجوب إتيان الجزء الغير الركني في محله ويتم الصلاة.
وإن كان محتمل الفوت قبل مضي محله الذكري هو الركن والفائت محله الذكري غيره فإن كان قبل محله الشكي أيضا فلا شبهة في أن قاعدة التجاوز تجري فيما مضى محله ويأتي بالآخر في محله لمفهوم قاعدة التجاوز.
وإن كان محتمل الركن بعد محله الشكي فتقع المعارضة بين قاعدتي التجاوز فيهما فيجب الجمع بين إتيان الركن في محله وقضاء الفائت محله أو سجدة السهو بعد الصلاة.
وإن كان طرف الركن ما لا أثر له فلا أثر له إلا في صورة كون أحدهما
111

في محله الشكي أو كليهما في محلهما الذكري مع فوت محلهما الشكي فعلى الأول تجري القاعدة فيما مضى محله وعلى الأخير تتعارض القاعدتان فيجب الإتيان بهما.
ومع فرض فوت محل الركن ذكريا يحصل أيضا العلم بعدم إتيان الآخر على وفق أمره فمع بقاء محله الذكري يجب إتيانه دون غيره.
وإن كان الطرفان غير ركن فإن كان كل منهما ذا أثر وكانا مما مضى محلهما الذكري فإن كان أثرهما من سنخ واحد فلا يجب بعد تتميم صلاته إلا قضاء واحد أو سجدة كذلك وإن كانا مختلفين في الأثر فيجب الجمع بينهما بعد صلاته.
وإن كان أحدهما بعد محله الذكري والآخر قبله فإن كان قبل محله الشكي فلا إشكال في جريان قاعدة التجاوز فيما مضى محله ووجوب إتيان الآخر في محله.
وإن كان بعد محله الشكي فيتعارض القاعدتان فيتساقطان فيجب الجمع بين إتيان الأخير في محله وبين أثر غيره من قضاء أو سجدة سهو بعد الصلاة.
وإن كان أحد المحتملين بلا أثر فلا أثر له أيضا إلا في صورة كون كليهما في محلهما الذكري فإنه يأتي بهما في محلهما وهكذا لو كان ذو الأثر مضى محله الذكري دون غيره فإنه يأتي بأثر الآخر بعد الصلاة لتعارض القاعدتين فيهما.
وإن كان الفعلان كلاهما بلا أثر فلا أثر له إلا في صورة كونهما في المحل الذكري فيأتي بهما أو كان الآخر في محله الشكي فيأتي به فقط و
112

إلا فلو كان بعد محله الشكي فلا يعتني بشكه إذا القاعدة جارية في الأخير بلا معارض لعدم أثر عملي فيما مضى محله كما لا يخفى.
ثم لا يخفى أن في جميع الصور المزبورة لو كان طرف العلم الفعل المتعلق بالركعة الأخيرة بعد ركوعها فإن كان التذكر الإجمالي حصل قبل صدور المنافي سهويا فيجب أن يأتي به لبقاء محله وإن حصل بعد صدور المنافي سهويا فلا محيص من الحكم ببطلان الصلاة لوقوع المنافي في صلاته بعد عدم المجرى لقاعدة التجاوز إما لعدم التجاوز أو للمعارضة فالاستصحاب حينئذ يقتضي وقوع المنافي في محله كما هو الشأن في صورة كونه مشكوكا بدويا مع بقاء محله فضلا عن كونه طرف العلم الإجمالي من دون فرق فيه أيضا بين كون طرفه ركنا أم غيره ذات أثر أم
لا مع بقاء محله الشكي.
هذا كله حكم الخلل في صلاة واحدة وعليك بتطبيق الكبريات على صغريات عديدة ربما تبلغ إلى نيف وأربعين فرعا ولا بأس بالتعرض لبعض هذه الفروع الذي صار مورد تعرضهم ومعركة لآرائهم.
وهو أنه لو ترك سجدتين من ركعة أو ركعتين وتذكر بعد محلهما الشكي فنقول لا شبهة في عدم جريان القاعدة في السجدة الثانية من الثانية للجزم بعدم وقوعها على وفق أمرها كما أنه تجري بالنسبة إلى الأولى من الأولى بلا معارض لأنه منقح لموضوع القاعدة في البقية وبعد ذلك يبقى طرف المعارضة الثانية من الأولى والأولى من الثانية فيتساقطان في مورد الفرض فيأتي بالسجدتين الأخيرتين مع بقاء محلهما الذكري وبقضاء الثانية من الأولى ولا ضير في العلم بمخالفة أحد الأصول للواقع لعدم مخالفة عملية في مثل هذا العلم كما لا يخفى ومع
113

فوت محلهما فيأتي بالقضاءين وأربع سجدات مع كون المحتملات الفائتة ظاهرا ثلاثة للجزم بعدم أثر زائد من ذلك كما لا يخفى.
ثم إن ذلك أيضا في صور لم تكن السجدة المحتملة من الركعة الأخيرة وإلا فيجئ فيه التفصيل السابق والله العالم.
وإن كان طرفا العلم في الصلاتين المترتبتين فإن كان طرفا العلم مما لا أثر لهما فلا أثر لهما إلا إذا فرض أحد الطرفين مما بقي محله الشكي خصوصا لو كان من قبيل السلام أو أجزاء التشهد الأخير بناء على عدم وجوب قضائها ولا وجوب السجدة لها فإنه يدور حينئذ أمره بين وجوب الإتيان أو إعادة الصلاة ولكن ليس ذلك من لوازم العلم به بل نفس شبهته بدوا موجبة لهذا المعنى.
وإن كان لأحدهما أثر فلا أثر له أيضا إلا إذا فرض لما لا أثر له بقاء محله الذكري إذ حينئذ يجب الإتيان به وبأثر الفائت الآخر في الصلاة السابقة عند تعارض القاعدتين وبالاقتصار به مع عدم التعارض بفرضه في محله الشكي.
وإن كان كلاهما ذا أثر ولم يكن من الأركان فلا جرم يقع التعارض بينهما ما لم يكن الآخر في محله الشكي ولازمه مع بقاء محله الذكري إتيانه في محله وإتيان الأثر الآخر وإلا فيجب الجمع بين الأثرين إن كانا مختلفين وإلا فيأتي بأثر واحد لعدم اشتغاله بأزيد من ذلك كما لا يخفى.
وإن كان أحد الطرفين من الأركان فإن كان المحتمل الركني الصلاة السابقة فإن كان التذكر في أثناء الصلاة الثانية المترتبة على الأولى فلا شبهة في أن الطرف الآخر مقطوع عدم إتيانه على وفق أمره.
114

فإن كان له أثر فيأتي به مع بقاء محله وإلا فأثره وتجري القاعدة في الأولى بلا معارض.
وإن كان التذكر بعد الفراغ من الثانية فمع عدم الأثر للمحتمل الآخر فلا إشكال ومع وجوده يقع التعارض بين القاعدتين فيجب الإتيان بالأولى وإتيان أثر الآخر إلا إذا فرض من الركعة الأخيرة فإنه يجيء فيه التفصيل السابق من الإتيان بالمحتمل أو إعادة الصلاة وإجراء القاعدة في الصلاة الأولى بلا معارض لوجود الأصل المثبت للتكليف في أحد الطرفين.
وإن كان الطرفان ركنين فلا شبهة أيضا في جريان التفصيل السابق بين كون التذكر في أثناء الصلاة الثانية أو بعد فراغه وكون المحتمل الآخر في الركعة الأخيرة بعد ركوعه أو في غيره فتمام الكلام في الفرض السابق يجيء في المقام إلا أن الفارق بينهما في التكليف بإتيان الأثر في السابق وإعادة الصلاة في الثاني ولو كان المحتمل الثاني ركعة فحكمه حكم الركن في الركعة الأخيرة الغير الفائت محله إلا بالقواطع.
وإن كان المحتملان ركعة فمع عدم صدور القاطع سهويا يجب الإتيان بالأخيرة فتجري القاعدة في الأولى بلا معارض وإلا فيأتي بركعة واحدة بلا قصده للأولى أو الثانية هذه شرذمة قليلة من فروع شبهة الخلل الناشئ في الصلاة من الشبهة الموضوعية وهنا فروع أخرى جارية في فرض كون الطرف المشكوك المنصوصة في الركعات إذ مع وجود العلم المنجز قبل الدخول في الاحتياط لا يبقى مجال لجريان أدلة البناء على الأكثر كما أن مجراها أيضا إنما هو في صورة الجزم بعدم خلل في الصلاة من غير ناحية نقص الركعة وإلا فمع احتمال هذا الخلل الغير المدفوع بأصل من الأصول
115

لا يبقى مجال لجريان قاعدة البناء على الأكثر.
وعليه فلو كان شاكا بين الثلاث والأربع وعلم أنه على فرض الثلاث فات ركن منه لا مجال لإجراء مثل هذه القاعدة في المورد وأمثاله كما لا يخفى وعليك باستخراج فروع كثيرة مما تلوناك وكن من الشاكرين.
116

رسالة في اللباس المشكوك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اعلم أنه قد يظهر من المحقق قدس سره في الشرائع وجماعة أخرى من الأعلام عدم جواز الصلاة فيما شك أنه مما يصلى فيه لاحتمال كونه حريرا أو مما لا يؤكل لحمه أو ميتة فيما لو لم يكن فيها أمارة التذكية وظاهر هذا العنوان بقرينة اشتماله على الحرير المنهي عن الصلاة فيه يقتضي بناؤهم على عدم الجواز حتى على المانعية للعنوان الوجودي بلا ابتنائه على شرطية ضده إذ هو خلاف ظاهر ترتب الحكم على العنوان المأخوذ في كلماتهم كما لا يخفى بل وظاهر إطلاق العنوان المزبور شمول الحكم لما شك في أصل الحيوانية أيضا بل شموله لصورة الشك في المأكولية في
117

أصل اللباس أو فيما يطرأ عليه مع عدم كون اللباس محرم الأكل أو حيوانيا رأسا ونسب التفصيل بين الشقين في الآخرين إلى بعض المحققين.
وتوضيح المقام يقتضي رسم مقدمة في ذكر الأخبار الواردة في الباب توضيحا لكبرى المسألة كي يتضح بها مجاري الأصول عقلية وشرعية موضوعية وحكمية.
فنقول إن من النصوص الواردة في الباب موثقة ابن بكير، قال سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله إن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله ثم قال يا زرارة هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائزة إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسدة ذكاه الذبح أو لم يذكه. (ومنها) ما في رواية ابن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام أو أبا الحسن عليه السلام من لباس الفراء والصلاة فيها فقال لا تصل فيها إلا ما كان منه ذكيا قال قلت أو ليس الذكي ما ذكي بالحديد قال بلى إذا كان مما يؤكل لحمه الحديث، (ومنها) ما في رواية أبي تمامة قال قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام إن بلادنا بلاد باردة فما تقول في لبس هذا الوبر فقال البس منها ما أكل وضمن، (ومنها) ما في العلل قال لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لأن أكثرها مسوخ، (ومنها) ما في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي
118

عليه السلام لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه (ومنها) رواية سماعة قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن جلود السباع فقال اركبوها ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه.
هذه عمدة ما ورد من النصوص في المقام بألسنة مختلفة وما في بعضها من التعبير بالكراهة غير صالح للمعارضة بعد عدم ظهور فيه في الكراهة المصطلحة وحينئذ يبقى المجال في التكلم في مفاد هذه النصوص من جهات فتارة من حيث استفادة المانعية منها أو شرطية ضده وأخرى من أن المانع عنوان حرمة الأكل بنفسه أو المانع إضافة الوبر إلى عناوين خاصة محكومة بحرمة الأكل وثالثة في أن المانع من الموانع المطلقة أو المشروطة بكون الملبوس حيوانيا كما هو الشأن في شرطية المأكولية جزما نعم قد يتوهم إمكان جعل المأكولية من أفراد الشرط بنحو الإطلاق بجعل الشرط الجامع بين غير الحيواني أو المأكول منه وهو صحيح بالنسبة إلى خصوص ساتر العورة وكلماتهم في المقام في الأعم منه ومن غيره فلا يتصور في غيره إلا الشرطية المشروطة ورابعة في أن المستفاد من النصوص قيدية الأمر المذكور وجوديا أم عدميا للصلاة أو اللباس أو المصلى وخامسة في أن المانع على فرض الإطلاق هو صرف وجوده أو الوجود الساري في أي وجود وسادسة في أن المانع هل هو الشيء بوجوده الواقعي أو العلمي وسابعة في أن المانعية مطلقة أو مختصة بحال العمد والاختيار
فهاهنا مقامات.
(أما المقام الأول)
فقد يتوهم استفادة الشرطية تارة من ذيل الموثقة في قوله عليه السلام لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله
119

وأخرى في قوله عليه السلام بعد ذلك فيها هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة فإن كان مما يؤكل لحمه إلخ وثالثة من قوله عليه السلام في ذيل رواية ابن أبي حمزة المتقدمة بلى إذا كان مما يؤكل لحمه ورابعة من قوله عليه السلام في رواية أبي تمامة البس منها ما أكل وضمن (أقول) أما استفادة الشرطية من قوله لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله ففيه أن الظاهر من المشار إليه إنما هي الصلاة المأتية فيما حرم الله أكله ومن المعلوم أن استناد عدم القبول إلى مثل تلك الصلاة إنما هو بملاحظة وقوعها فيما حرم ولازمه مانعية هذه الجهة لا شرطية ضده كما أن لازمه عدم فراغه عن الصلاة إلا بأن يأتي في غيره وهو في فرض حيوانية اللباس كما هو مورد السؤال لا يكون إلا بأن يأتي فيما أحل فذكر هذه الفقرة حينئذ ليس إلا بملاحظة كونه من تبعات الفقرة الأولى مع قطع النظر عن صدره وإلا فلو أضيف إليه صدره فاستفادة المانعية أوضح نعم لو كان المشار إليه الصلاة الواقعة في الحيواني أمكن استفادة الشرطية من هذه الفقرة إذ مرجعه حينئذ إلى عدم قبول الصلاة المزبورة ما لم يكن فيما أحل ومن المعلوم أن إناطة البطلان بأمر سلبي مساوق الشرطية لحلية الأكل لا مانعية حرمته وحينئذ لا يبقى مجال جعله تبعا للصدر بل هما فقرتان مستقلتان بصدره تدل على المانعية وبذيله على الشرطية.
وتوهم عدم إمكان الجمع بينهما بملاحظة أن الشرطية منتزعة عن دخل الأمر الوجودي في تتميم المقتضي والمانع منتزع عن منافاته لمناط حسن الشيء الذي هو المقتضى بالفتح في ظرف تمامية اقتضاء مناط حسنه فانتهاء النوبة إلى فعلية المانعية إنما هو في ظرف تمامية المقتضي
120

فلا جرم تكون المانعية الموجبة لتقييد المطلوب بعدمه في ظرف فعليتها وإلا فمع عدمها لا يكاد انتهاء النوبة إلى الممانعة الفعلية لأن عدم الشيء مستند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع فيستحيل حينئذ دخل عدمه في المطلوب وعليه فيستحيل تحقق المناطين المزبورين في الضدين المستلزم لتحقق أحد الوجودين في ظرف عدم الآخر (مدفوع) بأن الغرض من كون الشرط متمما للمقتضي إن أريد أن للشرط دخل في معطي الوجود وأنه من أجزاء ما يترشح الوجود من قبله ففساده أوضح من أن يبين كيف ومحاذاة الجسم للشمس في تغير اللون وملاصقة النار للشيء في إحراقه من شرائط التأثير وأن المقتضي المترشح منه الوجود هو نفس الشمس والنار بلا صلاحية للمحاذاة والملاصقة المزبورتين في إعطائهما الوجود أبدا مع أنه يلزم أن يكون كل شرط شريك العلة المؤثرة وربما تنتهي إلى احتياج المفيض على الإطلاق إلى وجود غيره في كونه مفيضا وهو كما ترى وإن أريد أن للشرط دخل في فعلية الأثر من المقتضي وأن تمام المفيض للأثر هو المقتضي فمرجع هذا الكلام إلى دخل الشرط في قابلية المعلول للتأثر الذي يرجع لبه إلى كون وجوده محدد الماهية التي هي بالحد المخصوص قابل للوجود من ناحية علته فهو في غاية المتانة ويخرج الشرط عن شريك العلة وإن كان دخيلا في العلية التامة المصطلحة ولازمه حينئذ كون المقتضي مؤثرا في طرف وجوده الملازم لقابلية المحل للتأثر وبهذه العناية يعتبر العقل تقيد المقتضي بحال وجوده ولكنه نقول إن مناط المانعية أيضا ليس إلا بلحاظ دخل عدمه في قابلية المحل للتأثر ومثل هذا الدخل كما عرفت ليس دخلا تأثيريا كي يستحيل ثبوته في الأعدام بل يكون من
121

قبيل دخل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري وعلى هذا البيان أيضا صححنا استصحاب الصحة في المركبات بالنسبة إلى وجود مشكوك المانعية أو فقد ما هو مشكوك الشرطية وتوضيحه موكول إلى محله وحينئذ فلا قصور في كون المأكولية شرطا وغير المأكولية مانعا ولو بملاحظة كونهما في رتبة واحدة ويكون خروج المحل عن القابلية في مرتبة فاردة مستندا إليهما بلا ترتب في المانعية الفعلية على وجود الشرط أبدا.
ومن هذا البيان ظهر أيضا فساد توهم كون مناط مانعية الشيء للمطلوب مضادة وجود الشيء مع مناطه ومنافاته معه إذ لازمه كون عدم المانع في رتبة المناط المزبور وحيث إن المطلوب مقدمة للمناط فيصير نسبة المطلوب والمانع نسبة مقدمة ضد الشيء للشيء وفي مثله لا مجال لاعتبار تقيد المطلوب بعدم المانع كي يصير عدم المانع مثل وجود الشرط من المقدمات فيقتضي إيجابه إيجاب مقدماته وجودية أم عدمية فلا مجال لاعتبار مقدمية الأعدام المزبورة حينئذ إلا بدخلها في قابلية المعلول للتأثر ومرجعه إلى كونها منشأ لتحديد الشيء بحد يكون بذلك الحد قابلا للوجود دون غيره فيكون حينئذ عدم المانع والشرائط في كيفية الدخل في المعلول بمساق واحد.
ومن هذا البيان أيضا اتضح فساد دفع المقدمية بين الضدين باستحالة التأثير والتأثر بين الوجود والعدم بل عمدة الوجه فيه الدور المعروف وعلى هذا الأساس أسسنا إمكان الشرط المتأخر والمتقدم المعدوم لا على شرطية الأشياء بوجوداتها العلمية كما توهم كي يشكل ذلك في مناط الأحكام وتوضيحه بأزيد من ذلك موكول إلى محله في الأصول
122

ثم لئن أغمض عما ذكرنا وقلنا بأن الشرائط من متممات المقتضي فقولك بتقدم عدم المقتضي على وجود المانع رتبة موجب لمنع جزئية عدم المانع للعلة التامة المصطلحة وإلا فمع تسليم كونه من أجزاء العلة المصطلحة فلا محيص من كون ترتب المعلوم على أجزاء علته بتخلل ماء واحد ولازمه كون الجميع في عالم الدخل في المعلول في رتبة واحدة فمع وحدة هذه الرتبة يلزم ترتب عدم المعلوم على وجود المانع المقرون بعدم المقتضي في رتبة واحدة حفظا للرتبة بين النقيضين وبذلك الوجه أيضا أجبنا عن المحقق الخوانساري في جوابه عن الدور الوارد في مقدمية الضد فراجع وبالجملة لا مجال في إثبات المانعية والشرطية في الضدين لتوهم المحذور المزبور (نعم) قد يقال إن منشأ اعتبار الشرطية والمانعية بعد ما كان فعلية الأمر بالمشروط فمع الأمر بالمقيد بأحدهما لا يبقى مجال إعمال المولوية في الأمر بالمقيد بالآخر إذ الغرض المترتب بأمره حاصل بذاك الأمر فلا داعي لإعمال الجهة المولوية فيه وبهذا الوجه التزموا بعدم تحقق ملاك المولوية في إيجاب المقدمة بعد الأمر بذيها عند الالتفات إلى المقدمية نظير عدم المجال في الأمر بالإطاعة فلا جرم يكون مناط المولوية مفقودا في أحدهما (ولا يخفى) ما فيه أيضا من وضوح الفساد إذ مضافا إلى فساد قياس باب المقدمة بباب الإطاعة كما حقق في محله أن مناط الشرطية والمانعية إنما هو باعتبار تقيد المطلوب في رتبة سابقة عن طلبه فليس مثل الشرطية والمانعية منتزعتين عن نفس الطلب ولا للفعلية دخل في اعتبارهما وبهذا البيان أوردنا على من جعل الشرطية للمطلوب والمانعية على منوال الجزئية منتزعين عن التكليف وقلنا بأن ما هو منتزع
عن التكليف هو الجزئية محضا فراجع
123

في توضيح ذلك إلى مقالتنا.
وبعد ما اتضح ما تلوناه فلنرجع إلى ما كنا فيه وهو أنه بعد إمكان شرطية أحد الضدين ومانعية الآخر لا مانع من إبقاء ظهور الفقرتين على حالهما واستفادة الجهتين منهما ولكن ذلك فرع كون المشار إليه في تلك الصلاة في الحيواني ولقد عرفت ما فيه بل الظاهر منه كونها إشارة إلى الصلاة في حرام الأكل ففي مثله يكون عدم القبول مستندا إلى أمر وجودي ولا مساس له بالشرطية كما أن ذيله أيضا من توابعه وبيان لازمه لا أنه مسوق لبيان شرطية المأكولية وأما الفقرة الأخرى فالظاهر أنها في مقام بيان شرطية التذكية فيما يحل أكله لا في مقام شرطية حل الأكل في الصلاة.
وما يقال إن التذكية غير معتبرة في وبر المأكول فذلك يقتضي كونها في مقام شرطية حلية الأكل في الصلاة غاية الأمر مع اشتراط التذكية فيما يعتبر فيه لا مطلقا مدفوع بأن ظاهر تعليق الجواز في كل شيء منه بالتذكية يكشف عن عدم كونه في مقام إناطة الجواز بحلية الأكل ولا تستفاد الشرطية إلا من هذه الجهة بل تمام ظهوره في إناطة الجواز بالتذكية وحينئذ فذكر وبره في طي هذا الجواز محمول على بيان تعليق عموم الحكم بالتذكية لا الحكم العام كيف ومثل هذا الحكم غير مشروط بالتذكية فيه وظاهر الخبر تعليق الجواز الثابت للجمع بالتذكية فتحتاج الرواية على أي حال إلى توجيه وذلك أيضا لو لم نقل إن هذا كان مستندا إلى سوء تعبير ابن بكير كسوء تعبيره في صدره وربما يشهد له تعبيره في الفقرة الأخيرة من قول الإمام عليه السلام وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسدة ذكاه الذبح أم لم يذكه وبالجملة المتأمل في سوق الرواية
124

يرى أن الإمام عليه السلام بعد الأمر بحفظ ما صدر عن رسول الله عليه السلام كان في مقام بيان معنى زائد عما أفاده رسول الله صلى الله عليه وآله وهو دخل حيثية التذكية في المأكول وعدمها في غيره وحينئذ فليس في الموثقة من شرطية المأكولية عين ولا أثر نعم هنا إشكال آخر وهو أن في صدر الموثقة ذكر السنجاب أيضا ولازم تطبيق الإمام عليه السلام إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله عليه كون وبره وغيره مانعا عن الصلاة وتخصيصه من العموم المزبور من قبيل تخصيص المورد المستهجن ولكن يمكن الفرار عنه بأن في أخبار السنجاب ما هو بمنزلة الشارح لهذه الموثقة والحاكم عليها حيث قال فيها: وليس ذلك مما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله يعني ليس منه من حيث مانعيته في الصلاة لا من حيث حرمة الأكل تكليفا نعم في نص آخر تعليل عدم المانعية فيه بأنه لا يأكل اللحوم وفي ثالث بأنه لم يكن ذا ناب ومخلب ومقتضى التعليل التعدي إلى ما كان كذلك مما لا يؤكل اللحم والظاهر عدم التزامهم به وقد يتوهم في دفع هذا الإشكال بمعارضة هذا التعليل بتعليل آخر في مانعية الحرمة بأنه مسوخ أكثره وادعى أظهرية هذا التعليل وأخصيته فيا ليت شعري أين وجه الأخصية بعد كون النسبة بينهما عموما من وجه بل واحتمال كون ما لا يأكل اللحوم غير داخل في المسوخ أو كونه من أفراده القليلة مع كون لسان التعليل بمسوخية أكثره في مقام اطراد الحكم للجميع ينادي بكونه حكمة لا علة فكيف يعارض ذلك مع ظهور العلة السابقة في العلية والأولى طرد العلية بإعراض الأصحاب بجعل فهمهم قرينة حكمتيته بل ربما ينادي اختلاف العلل في لسان النصوص بكونها حكمة لإتمام المناط في الحكم كيف ويستحيل تعدد المناطين المستقلين لحكم واحد كما لا يخفى.
125

وأما رواية ابن أبي حمزة ففيه أن الظاهر هو كونها في مقام بيان عدم كفاية صرف التذكية بالحديد لا في مقام بيان قيدية حلية الأكل للصلاة فقوله عليه السلام بلى إذا كان مما يؤكل لحمه بيان لظرف شرطية التذكية التي كان صدر الرواية متكفلا له وأن القضية الشرطية راجعة إلى ما توهمه من النتيجة المترتبة على الصغرى في صدره والكبرى في مورد سؤاله وهي جواز الصلاة في كل ما ذكي بالحديد فصدقه الإمام عليه السلام في هذه النتيجة الكلية لكن مع الشرط المزبور فمفاده أن هذه الكلية تامة إذا كان مما يؤكل فمفهومه عدم الاكتفاء بالتذكية بالحديد إذا لم يكن مما أكل بل يحتاج إلى قيد آخر يمكن أن يكون أمرا عدميا من أن لا يكون فيما حرم أكله فلا يقتضي مثله حينئذ شرطية المأكولية في الصلاة وحينئذ لا تنافي أيضا بين هذه الفقرة وبين ما دل على جواز تذكية المسوخ أيضا كما توهم من دون احتياج أيضا فيه إلى جعل الشرطية متمم الصدر وجعل متلوه جملة معترضة كي يكون مستبشعا وأما نص أبي تمامة المشتمل على الأمر بلبس ما أكل في البلاد الباردة فقد يتخيل أنه أظهر أخبار الباب في الدلالة على شرطية المأكولية لظهور الأمر المزبور فيها ولكن دقيق النظر يقتضي خلافه لإمكان كون المشار إليه في قوله هذا الوبر وبر المأكول وإن الأمر به لمحض مناسبته مع مورد ابتلائه مع إمكان دعوى أن المناسب في مقام بيان الوظيفة في مقام إلجائه باللبس للبرودة أمره بلبس المأكول لا نهيه عن لبس غيره لأن الطبع السليم في مثل هذا المقام يقتضي إفحامه في مقصوده من اللبس لا زجره من لبس غيره ومثل هذه المناسبة الموردية يمنع عن انعقاد ظهور الأمر المزبور لبيان الشرطية للعنوان المأخوذ في حيز خطابه أو لا أقل من كونه نظير
126

توهم الحظر مما يصلح للقرينية وإن لم تكن قرينة ظاهرة في خلافه وحينئذ صح لنا دعوى عدم المجال لاستفادة شرطية المأكولية من أمثال هذه الوجوه وحينئذ يبقى ظهور الموثقة مناديا بمانعية حرمة الأكل وأما نصوص النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فقد يتوهم أيضا مفروغية ظهورها في المانعية وفيه أن ذلك إنما يتم لو كان عنوان ما لا يؤكل كناية عن حرمة الأكل وإلا فلو كان المراد ما تقتضيه الجمود بظاهر الرواية من عدم حلية أكله فالنهي عن الصلاة فيما لا يحل أكله كاشف عن استناد الفساد إلى أمر سلبي وهو مناسب شرطية ما يؤكل لا مانعية حرمة الأكل نعم الذي يسهل الخطب تعليل هذا الحكم في بعضها بأن أكثرها مسوخ وهذا التعليل يقتضي المعنى الأول إذ هذه الجهة مناسب جعل الحرمة لا عدم جعل الحليلة كما هو ظاهر
(المقام الثاني)
في بيان أن عنوان حرمة الأكل أو حليته المأخوذتين في لسان دليل المانعية أو الشرطية هل كان على وجه الاستقلال كي يبقى مجال التعدي إلى المحرمات العرضية النوعية أيضا كالموطوءة والجلال أو أنه مأخوذ بنحو المرآتية إلى عناوين خاصة أولية والحيوانات المخصوصة؟ وجهان: مقتضى طبع ظهور العناوين المأخوذة في طي الخطابات هو الأول ولكن: مقتضى بعض التعليلات الواردة في بعض النصوص من مثل المسوخية أو أكل اللحم أو كونه ذا ناب ومخلب على ما هو مفهوم بعض النصوص الواردة في السنجاب كون موضوع الحكم ما اتصف بهذه الصفات من الحيوانات المخصوصة بعناوينها الأولية وبعد الجزم بعدم دخل المناطين في المقام خصوصا مع تقدم أحدهما رتبة على الآخر يدور الأمر بين صرف النظر عن ظهور العناوين بجعلها مرآة للعناوين الأولية أو صرف النظر عن ظهور الأخيرة
127

في كون الموضوع ما اتصف بالصفات المزبورة وجعلها حكمة لجعل ملزومها من حرمة الأكل مناطا لا نفس موصوفاتها ولا يبعد ترجيح الأول ولا أقل من الشك فلا محيص أيضا إلا من ترتب آثار المرآتية كما لا يخفى وسيتضح حال ذلك عند مجاري الأصول إن شاء الله تعالى.
(المقام الثالث)
لا إشكال في أنه على شرطية المأكولية لا تكون الشرطية على نحو الإطلاق بل المنساق من أدلتها إنما هو الشرطية في مورد لبس الحيواني في الصلاة كما لا يخفى على المتأمل في فقرات الموثقة وغيرها مما يتوهم استفادة الشرطية منها وإنما الكلام في طرف المانعية لحرمة الأكل في أنها أيضا في ظرف الفراغ عن لبس الحيواني أو أن أدلتها مطلقة من تلك الجهة وكانت في مقام إثبات مانعية ما يحرم أكله مطلقا المستلزم لكونها في مقام الردع عن لبس حيواني كذائي الملازم لأخذ جهة الحيوانية أيضا في طي الحكم بالفساد المستتبع لدخل هذه الجهة أيضا في المانعية؟
فيه وجهان ويبعد ترجيح الأول بمقتضى الموثقة إذ الظاهر من تطبيق الإمام عليه السلام إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله على مورد السؤال كونه في مقام إثبات الحكم في مورد الفراغ عن الصلاة في الحيواني وليس لنا طريق لإطلاق كلام الرسول من تلك الجهة نعم في بقية النواهي لا بأس بإطلاقها فتستفاد منها المانعية المطلقة وتوهم الإهمال فيها أيضا من تلك الجهة خلاف الأصل كما لا يخفى.
(المقام الرابع)
في أن الظاهر من الحكم بفساد الصلاة في المحرم أو صحتها في محلل الأكل وكذا من النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل وأمثالها كون حرمة الأكل أو حليته قيدا للصلاة نعم في بعض النصوص المتقدمة
128

النهي عن لبس ما لا يؤكل وهو يوهم كونه قيدا للباس ولكن ذيله من قوله يصلون فيه شاهد جعل الصدر بيانا للزجر عما هو مانع عن الصلاة ومن قيودها ولا أقل من كونه صالحا لمنع استقرار ظهور الصدر في قيديته للباسه وأما احتمال كونه قيدا للمصلي ففي غاية الوهم لعدم إشعار شيء من النصوص عليه فراجع.
(أما المقام الخامس)
أنه لا شبهة على الشرطية في عدم كونه الوجود الساري في جميع الأفراد بل مثل هذا المعنى غير معقول في شرط من الشرائط الوجودية لانتهائه إلى التكليف بما لا يطاق نعم لا بأس به إذا لم يكن الشرطية مطلقة بل مشروطة بوجود موضوعه فإن في ظرف كل موضوع تتحقق الشرطية والمأكولية على فرض الشرطية من هذا القبيل لا من قبيل الأول جزما إذ لازمه عدم الإضرار بلبس غير المأكول فوق لباس المأكول ولا أظن التزامه من أحد بل ولئن تأملت في غالب الشرائط ترى انحصار وجودها في الخارج بالفرد الواحد بلا تصور تكرر وجود له مثل الستر والقبلة والطهارة وأمثالها وأما المانع فالظاهر قابليته لتكرار الوجود غالبا عكس الشرط وحينئذ يبقي مجال البحث في أن المانع في أمثال المقام صرف وجود الشيء أو وجوده الساري وربما ينتج ذلك في صورة سقوط مانعيته باضطرار أو غيره فإنه على الأول يسقط المانعية بالمرة فلا بأس بعده بإتيانه في عمله بخلافه على الأخير وربما يستنتج من هذا المبنى مسألة وجوب تقليل المانع مهما أمكن وعدمه نعم في غير صورة سقوط المانعية لعذر لا ثمرة بين الفرضين من حيث بطلان العمل بأول وجوده وبهذه الجهة أمكن دعوى أن المانعية الفعلية يستحيل تحققه في الطبيعة السارية في
129

الوجودات المتعاقبة نعم لا قصور في تصوره في الوجودات المقارنة زمانا وأن الجهة الفارقة بين الفرضين حينئذ انحلال تقيد المطلوب بإعدامها إلى تقييدات متعددة على الساري وتقيد واحد بمجموع الأعدام على الصرف وذلك أيضا لا بمعنى دخل خصوصية كل عدم في القيد بنحو التركيب والانضمام كيف ونقيض صرف الوجود ليس مجموع الأعدام بخصوصياتها بل ليس النقيض إلا مرتبة من العدم الغير المنفك عن مجموع الأعدام الخاصة إذ هو الذي رافع لصرف وجوده وبعد ما ظهر ذلك نقول إن طبع الإطلاق يقتضي مطلوبية صرف الوجود نفسيا أو مقدميا أو مبغوضيته ولكن في النواهي النفسية قل ما اتفق في الشرعيات كونها من هذا القبيل بل المبغوض فيها طرا الوجود الساري منها ولذا لا يسقط التكليف بعصيان واحد أو بالاضطرار على المخالفة مرة ولعل هذه الجهة أوجبت ظهورا ثانويا فيها في صرفها إلى الطبيعة السارية بخلاف الأوامر المطلقة فإنها ربما تكون باقية على إطلاقها من مطلوبية صرف الطبيعة الصادقة بامتثال واحد والساقطة بإتيانها مرة فاردة نعم في الموقتات والمشروطات ربما يقتضي الإطلاق اقتضاء كل شرط طبيعة فيكون المراد من القضية التعليقية الطبيعة السارية وعليه فربما يقتضي مثل هذه الجهة في النواهي الغيرية أيضا مبغوضية الطبيعة السارية جزما على وفق النواهي النفسية ولكن قد عرفت أن مثل هذا الإطلاق بالنسبة إلى الأفراد التدريجية في المانعية الفعلية غير معقول فطبع النواهي الفعلية في الغيرية أيضا يقتضي مبغوضية أول الوجودات وحينئذ فربما يوهن ذلك مقايسة باب النواهي الغيرية بالنواهي النفسية بل ولئن يقاس باب القيود العدمية بالوجودية ربما يكون الأمر أوهن ولكن مع ذلك ربما يوجب قوة مخلية الوجود الساري في الأغراض النفسية منشأ استظهار
130

مخلية السارية في المقدمات والموانع أيضا ولذا بنوا على وجوب تقليل النجاسة عن البدن في الصلاة ولا يبعد الالتزام بمثله في غير المأكول والميتة وغيرهما ولازمه انحلال تقيد الطبيعة بعدم طبائعها إلى تقييدات متعددة بعدد الأفراد ثم لو انضم إليه إطلاق مانعيته يقتضي ذلك مانعية كل حيواني خاص بلا اشتراط المانعية بكون الملبوس حيوانيا فيصير المطلوب الغيري ترك كل حيواني غير مأكول في الصلاة فتصير الصلاة متقيدة بالطبيعة السارية منها المنحل إلى تقييدات متعددة بعدد الأفراد.
(وأما المقام السادس)
فالظاهر من النصوص المتقدمة إناطة الفساد بما لا يؤكل الظاهر في المفهوم الحاكي عن الوجود واقعا كما هو شأن كل لفظ وتوهم كون الألفاظ موضوعة للمعاني المعلومة غلط واضح وتفصح عن ذلك صحة اتصاف كل عنوان بالمعلومية والمشكوكية ولا فرق في ذلك بين أن يكون لسان الدليل لسان الوضع كصدر الموثقة أو لسان التكليف كالنهي عن لبس ما لا يؤكل وتوهم أن فعلية الزجر منوطة بالعلم به وبموضوعه ولازمه بعد ظهور النهي المزبور في الزجر المسطور اختصاص المانعية بحال العلم مدفوع بأنه كيف يعقل ظهور الخطابات في الفعلية الناشئة من قبل العلم بنفسها لأن ظهورها في الفعلية فرع إطلاقها بالنسبة إلى الحالات المتأخرة عن نفسها ومثل هذا الإطلاق مستحيل في الخطابات ففعلية الخطابات الواقعية ليست إلا محفوظة في مرتبة أنفسها وهذه المرتبة من الفعلية لا تقتضي العلم بها ولا بموضوعها وحينئذ نفس إطلاق موضوعاتها لحالي العلم بها وجهلها كاف في عدم إناطة حكمها بالعلم بالموضوعات كما لا يخفى مع أن قصور دليل التكليف عن الشمول لحال الجهل غير مضر بإطلاق دليل الوضع الشامل للحالتين وبذلك أيضا يكتفى في إطلاق
131

الموضوع لحال العجز والغفلة أيضا وإن لم يرد الإشكال السابق في العلم هنا كما لا يخفى علاوة على أن مجرد قيام القرينة على تقيد فعلية النهي بحال القدرة لا يقتضي صرف النظر عن ظهورها في الإرشاد إلى المصلحة بنحو الإطلاق ولئن أغمض عن دلالة الأوامر غيرية أو نفسية ضمنية أو استقلالية على الإرشاد إلى مناطات الأحكام زائدا عن دلالته على الطلب وأن استفادة المناطات إنما هو بالملازمة العقلية بين الطلب ومناطه لنا كلام آخر وهو أن مجرد قيام القرينة العقلية المنفصلة على قصور شمول الطلب لصورة العجز والغفلة عن العمل لا يقتضي كسر صولة ظهور الأمر في الطلب الدال بالملازمة العقلية على وجود المصلحة في متعلقه على الإطلاق بل غاية الأمر يرفع بها اليد عن حجيته وذلك لا ينافي مع حجية الظهور في مدلوله الالتزامي نعم لو كان مثل هذه القرينة من القرائن الحافة بالكلام الموجبة لرفع أصل الظهور في إطلاق الطلب فلا يبقى حينئذ طريق لكشف المناط أصلا ولكن من أين لك إثبات هذه الجهة كما أنه ليس لك دعوى إضرار القرائن المنفصلة لأصل الظهور وحينئذ فإتمام هذه المرحلة منوطة بإثبات هذه المقدمة وإلا فلا فرق في كون الطريق لاستكشاف شرطية القدرة دلالة لفظية أم عقلية كما أنه لا مجال لخلع الأوامر المتعلقة بالقيود بل وأجزاء المركب عن الطلب قياسا لها بباب ما ورد في بيان الأسباب الخالية عن التكليف ولا يجدي في الكشف عن المناط على الإطلاق أيضا كون مثل هذه الأوامر لبيان أنحاء تعلقات الطلب بالمجموع إذ حينئذ كان لمنع اقتضاء الطلب بالمجموع لقيام المصلحة في متعلقاته على الإطلاق كمال مجال فلا محيص حينئذ من
132

كشف ذلك بلسان آخر غير لسان التكليف وحينئذ فلا محيص عن التفرقة والتفصيل في أنحاء الكاشف عماله الدخل ولئن تأملت فيما ذكرنا ليس لك التشبث بمثل هذه الجهات وإغماض النظر عن أصل المناط في البابين وأعجب من الجميع توهم آخر في ذيله من اقتضاء تقيد بعض القيود أو الأجزاء بحال العلم سقوط التكليف عن البقية بمحض الجهل بالقيد المزبور إذ ذلك إنما يلزم على فرض كون العلم من قيود وجود القيد لا من شروط القيدية وإلا فيحصل المركب مع الجهل بالأمر المزبور بالفاقد منه وبهذه البيانات ظهر حال المقام السابع أيضا.
(بقي الكلام) فيما لو فرض انتهاء الأمر في بعض المقامات المزبورة إلى الشك
ولم يستظهر الحال من النصوص السابقة فنقول: أما في المقام الأول لو شك في الشرطية أيضا مع ظهور الأدلة في المانعية فلا إشكال في أن هذه الشبهة من الشبهات الحكمية المرجع فيها البراءة على المختار في الأقل والأكثر الارتباطيين ولكن في المقام مع العلم بالموضوع ربما يشكل إجراء البراءة فيها للجزم بترتب العقوبة في ظرف تفويته ولو لمانعية غيره فلا يلزم من قبل البراءة توسعة على العباد ولذا لا يشمل مثل حديث الرفع ولا عموم الحلية على تقريب تطبيقه على مشكوك الحرمة الغيرية أيضا كما سيأتي تقريبه فضلا على سائر التقريبات الآتية نعم لا قصور في شمول أدلة البراءة عقلها ونقلها في فرض الجهل بموضوعه أيضا كما سيأتي من أنه على الشرطية كان العباد في ضيق من قبله عند الشبهة الموضوعية فالبراءة عن الشرطية في الشبهة الحكمية لا قصور فيه حينئذ من هذه الجهة كما لا يخفى ثم إن ذلك على المختار من إمكان الجمع بين المانعية والشرطية في الضدين وأما لو بنينا على عدمه كما توهم
133

الشك في استفادة الشرطية من النصوص سراية الشك في استفادة المانعية أيضا فينتهي الأمر إلى العلم الإجمالي بشرطية المأكولية أو مانعية ضده وفي مثله قد يتوهم أن لازم العلم الإجمالي العلم التفصيلي بلزوم التحرز عن مقطوعات المانعية وأما مشكوكها فهو فرع إحراز الشرطية وبعد انحلال العلم المزبور إلى العلم التفصيلي والشك البدوي في ظرف المشكوك كما سيجيء توضيحه أيضا في بيان لوازم المانعية فلا قصور في شمول أدلة البراءة أيضا لمثل المقام ولكن لا يخفى ما فيه من منع الانحلال إلى الحكم الشرعي في المقام أولا لأن لازم الشرطية ترك ضده باللابدية العقلية وحينئذ يبقى العلم الإجمالي بتعلق التكليف الشرعي بأحد الأمرين بنحو التباين بحاله ولازم منجزية العلم الإجمالي لمحتمل الشرطية وجوب التخلص عن شبهاته ولا يحصل إلا بالجزم بحصوله وعلى فرض تسليم اقتضاء العلم المزبور العلم التفصيلي بتعلق الإلزام الشرعي بترك محرمات الأكل نقول إن مثل هذا العلم التفصيلي معلول للعلم بأحدهما إجمالا ومن المعلوم أنه لا يصلح لحل العلم السابق عنه رتبة فلا جرم يقتضي العلم السابق تنجز التكليف في الطرفين ومن المعلوم أن تنجزه في طرف الشرطية يكفي في حكم العقل بالاشتغال كما سيأتي بيانه في فرض العلم بالشرطية ولكن أنى لنا بإثبات هذه الجهة كما لا يخفى.
وأما لو شك في المقام الثاني فلقد أشرنا بأن الأصول تجري على وفق المرآتية إذ هما مشتركان في بعض مجاري الأصول وإنما يختلفان في البعض الآخر ولا بأس بجريانها على العنوانية دون المرآتية وفي مثله يكفي في عدم الجريان احتمال المرآتية كما لا يخفى.
134

ولو شك في المقام الثالث فإنما يثمر ذلك في صورة الجزم بالحيوانية وفي مثله ربما يشكل جريان البراءة عن المانعية لأن احتمال الشرطية المزبورة منشأ لعدم الجزم بالانحلال في مثله ومع عدمه لا محيص من تحصيل الجزم بالفراغ حتى على المانعية فضلا عن الشرطية وسيجئ توضيحه في محله.
ولو شك في المقام الرابع فالأصول تقتضي أيضا حكم قيديته للصلاة لأن ما يجري في سائر الفروض ربما لا يجري في هذا الفرض فاحتماله كاف في عدم جريانها كما لا يخفى.
وأما المقام الخامس فلا ثمرة مهمة في مجاري الأصول فيه.
وأما المقام السادس فمقتضى الأصل هو الحرمة العلمية لأن المرجع في الزائد البراءة من أصل الشرطية أو المانعية كما أنه في فرض الشك في المقام السابع الأصل هو الجزئية المطلقة الموجبة لسقوط الأمر عن تمام المركب لأن في جزئية خصوص الاختيارية منه ضيق على المكلف فلا تنفى بحديث الرفع ولا بقبح العقاب بلا بيان نعم في صورة الشك في اعتبار عدم الغفلة في القيدية قد يدعى عدم معقولية دخل الالتفات في القيدية ولقد بينا دفعه في محله وإن كان مقتضى الأصل في المقام أيضا ما هو مقتضاه في فرض الاضطرار والله العالم.
وحيث اتضح مثل هذه الجهات فلنشرع في المهم من المقصود من بيان مجاري الأصول في الشبهات الموضوعية على المانعية والشرطية
فنقول وعليه التكلان:
توضيح المقصود يقتضي رسم مقدمة وهي أن متعلق الطلب النفسي وجودا أو عدما تارة نفس فعل المكلف بلا إناطته وتعلقه بأمر خارجي كالصلاة
135

والتغني وأخرى يكون فعله المتعلق بموضوع خارجي كإكرام العالم وتوهينه وعلى أي تقدير فتارة يكون المطلوب الطبيعة السارية في كل فرد وأخرى صرف وجوده ولا يخفى أن الشق الأول من الأول في الواجبات الشرعية غير متحقق كما أن الثاني من الثاني أيضا كذلك بل الواجبات ما كان منها غير متعلق بأمر خارج عنه يكون مورد التكليف فيها صرف وجوده وما كان منها متعلقا بأمر خارجي يكون متعلق التكليف فيها الطبيعة السارية في ضمن أي وجود من متعلقاته نعم في النواهي الشرعية جميعها من قبيل الطبيعة سواء تعلق بموضوع كالاجتناب من الخمر وتوهين المؤمن أم لم يتعلق كالغناء والكذب وأمثالهم ثم إن في صورة إناطة الفعل بأمر خارجي تارة يكون التكليف منوطا به شرعا وأخرى يكون مطلقا بحيث يجب إحداث الموضوع في الأوامر مع تمكنه منه أو إعدامه في النواهي مع عدم التمكن عن اجتنابه إلا به والظاهر أن غالب الواجبات المنوطة بالموضوع الخارجي من قبيل الأول كما أن في المحرمات عكسه كيف وعلى فرض إناطة وجوب الاجتناب بوجوده لا يقتضي مثل هذا التكليف إعدام ظرفه إذ ليس تركه ولو بإعدام موضوعه مطلوبا فكيف يقتضي الطلب المنوط بوجود الشيء بالاجتناب إعدام شرطه لأن شأن الواجب المشروط ليس إلا توجيهه في ظرف وجود الشرط بلا اقتضائه حفظ الشرط ولا إفنائه كما هو أوضح من أن يبين وعلى هذا الأساس يبتني ما هو المعروف من عدم حرمة الإقدام على موضوع حكمه ضرري أو حرجي كالإقدام على الجنابة في الهواء البارد وإلا فلو فرض كون التكليف من ناحية حفظ الموضوع أيضا مطلقا لم يلتزم أحد بجواز الإقدام بعمل يكون امتثاله حرجيا كما لا يخفى
136

وحينئذ فبعد الجزم بوجوب إعدام الموضوع مع القدرة عليه عقلا وشرعا عند توقف الاجتناب عنه بإعدامه يكشف ذلك كشفا قطعيا بعدم مشروطية الطلب في المحرمات بوجود متعلقاتها كما أن إطلاقه أيضا لا يقتضي وجوب إيجادها لعدم مقدميته للمطلوب وهو الترك عكس الواجب كما أنه مع عدم توقف الترك على إعدام الموضوع أيضا لا يجب الإعدام بل يكفي في الامتثال الاجتناب عنه في ظرف وجوده وهذا المقدار لا يكشف عن إناطة طلبه شرعا بوجوده مثل الواجبات وحيث اتضح ذلك فنقول إن في صورة التكليف بصرف وجود الشيء مع فرض عدم تعلق العمل بشيء خارجي فلا شبهة في أن العقل بعد العلم بخطابه يحكم حكما جزميا بوجوب الفراغ عن عهدته إذ بعد إحراز المصلحة في نفس العمل وقدرته على تحصيل الغرض الملزم به بلا إجمال في ناحية الموضوع ولا في ناحية الحكم يحكم العقل باشتغال عهدة المكلف به ولازمه عدم القناعة بالفراغ الاحتمالي فلا محيص من تحصيل الجزم به حقيقة أو جعليا بإتيان بدله ظاهرا وفي هذا المقدار كان حكم العقل أيضا تنجيزيا بلا صلاحية ترخيص من قبل الشارع على خلافه فلا يتوهم حينئذ التشبث بحديث الرفع بتقريب رفع الإيجاب الفعلي ولو بترخيص من ناحيته على ترك المطلوب من ناحية الشك في فراغه وبهذا البيان فرقنا في المعلوم بالإجمال بين قيام الدليل على تعيين المعلوم بالإجمال في طرف المسمى بجعل البدل وبين عدمه وأنه مع عدم جعل البدل لا يعقل الترخيص في أحد طرفي العلم ولو لم يكن معارضا بالآخر كما هو الشأن فيما لو كان فإنه ينتهي الأمر حينئذ إلى جريان قاعدة الطهارة في الطرف الآخر بلا معارض
137

ولا أظن التزامه من أحد نعم لو فرض انحلال العلم الإجمالي لا بأس بالترخيص في الآخر ولكن ذلك أيضا من جهة مانعية الانحلال عن أصل الاشتغال وتوضيح ذلك موكول إلى محله ثم في هذه الصورة التي كان التكليف متعلقا بصرف الوجود لو كان متعلق التكليف منوطا بوجود خارجي فمع العلم بوجوده فلا إشكال ومع عدمه واشتراطه به فلا إشكال أيضا في سقوط التكليف ظاهرا للشك في أصل توجه الخطاب من جهة الشك في تحقق شرطه وأما لو كان الخطاب من جهته مطلقا بحيث يقتضي حفظ موضوع التكليف مع القدرة به فمع الشك في وجود الموضوع
أمكن أن يقال إن المرجع بعد الجزم بقيام الغرض بصرف الوجود من الطبيعة الخاصة إلى الشك في القدرة على امتثاله والعقل في مثله مستقل بالاحتياط ولا يدخل مثل هذا الشك في الشكوك البدوية الجارية فيها البراءة لأنها في مورد الشك في أصل الغرض لا في القدرة عليه مع الجزم بثبوته فيه ولذا لا يعتني العقل في الحكم بوجوب الامتثال باحتمال وجود مزاحم أهم ولو لم نقل بالترتب كما لا يخفى هذا كله في فرض كون الطلب وجوبيا وأما لو كان تحريميا وفرضنا تعلق النهي بصرف الوجود مع كون الطلب مطلقا فلا يقال إن مثل هذا النهي أيضا مثل الأمر يقتضي اشتغال الذمة بعدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده ولازمه انتهاء الأمر إلى مرحلة الفراغ القطعي حقيقة أم جعلا ولو بأصل موضوعي يقتضي كونه تاركا للطبيعي إذ لا يخفى ما فيه وذلك لأن الطبيعي بعد ما كان بكثرة أفراده يتسع دائرة انطباق صرف وجوده وبقلتها يتضيق الدائرة المزبورة فمن الواضح أن مرجع مبغوضية صرف وجود الطبيعي إلى مطلوبية مجموع أعدامه في ضمن أفراده لأن
138

نقيض وجود الطبيعة عدمها الذي لا يحصل إلا بعدم تمام أفرادها وذلك لا بمعنى أن عدم كل فرد فرد بخصوصيته دخيل في نقيض وجود الطبيعي إذ بعد خروج خصوصيات الوجود عن دائرة صرف الوجود يستحيل دخل خصوصيات إعدام كل فرد في النقيض إذ عدم الخصوصية نقيض الخصوصية الخارجة عن صرف الوجود المبغوض بالفرض ولا بمعنى أن عدم الأفراد محصل لعدم الطبيعي بأن يكون عدم الطبيعي أمرا واحدا بسيطا متحصلا من إعدام فرده إذ بعد ما كان وجود الطبيعي عين وجود الأفراد يستحيل أن يكون عدمه معلول عدم أفراده بل ليس عدم الطبيعي أيضا متحققا في الخارج في ضمن عدم الأفراد كوجوده غاية الأمر نقيض الوجود ليس إلا العدم الساري في ضمن تمام الأعدام الفردية فيصير متعلق الطلب بالنسبة إلى العدم الساري كمتعلق الأمر بالوجود الساري في ضمن الأفراد في كون كل فرد وجودا أم عدما متعلق التكليف من حيث انطباق الطبيعة عليه ولكن لا بنحو ينحل تكليفه إلى تكاليف متعددة بل بنحو وحدة المطلوب ولازمه صيرورة هذه المرتبة من عدم الطبيعي متعلق تكليف واحد بنحو الارتباط لا بنحو الاستقلال وحيث كان كذلك فنقول إنه مع الشك في انطباق الطبيعة على المشكوك يشك في مقدار دائرة المأمور به من أنه بحد يكون المشكوك خارجا منه أم بحد يكون المشكوك داخلا فيه ومن المعلوم أن لازمه صيرورة المقام من صغريات مسألة الأقل والأكثر الارتباطي فلو بنينا فيها على جريان البراءة العقلية هناك لا بأس بجريانها في المقام وحينئذ كم فرق بين الطلب بصرف الوجود وبين الطلب بالعدم الساري في ضمن إعدام الفرد لأن المطلوب في الأول قائم بصرفه المبين حكما وموضوعا وأن الشك في فردية شيء
139

للطبيعي لا يورث شكا في مورد التكليف ولا يتسع دائرة موضوع التكليف بازدياد الفرد كما لا يتضيق بقلته وإنما السعة والضيق في دائرة ما ينطبق عليه موضوع التكليف وما يصلح للانطباق عليه لا في دائرة نفس موضوعه وهذا بخلافه في العدم الساري إذ التكليف فيه كالوجود الساري حيث يسري إلى الفرد ولو لا من حيث الخصوصية فبإزدياد الفرد وقلته تتسع دائرة الموضوع ويتضيق فيبقى مجال الشك في نفس متعلق التكليف من جهة الشك في فردية المشكوك للطبيعي فيدخل به في صغريات مسألة الأقل والأكثر لا في مصاديق الشك في المحصل ومن هذا البيان ظهر الحال فيما لو كان التكليف وجوبيا أو تحريميا متعلقا بالطبيعة السارية على وجه ينحل إلى تكاليف متعددة فإنه حينئذ لا مجال لجريان قاعدة الاشتغال وإن كان الطلب متعلقا بفعل لا تعلق له بموضوع خارجي أو كان ولكن كان التكليف بالفعل مطلقا على وجه يقتضي حفظ موضوعه مع القدرة وذلك لأن طبع الطبيعة السارية يقتضي سراية الأمر منها إلى أفرادها ولو لا من حيث الخصوصية بل من حيث وجدانه للطبيعة والحصص المضمونة فيهما فتمام الحصص حينئذ تحت هذا الأمر أو النهي وحينئذ ولو شك في حصة أخرى من جهة الشك في فردية شيء لها ينتهي الأمر فيه إلى الشك في أصل اقتضاء الخطاب تكليفا بالنسبة إليه وفي مثله لا يخفى على الخبير بأنه لا يبقى مجال الاشتغال بالتكليف المشكوك كي يحتاج إلى الفراغ الجزمي ولئن شئت قلت إن الاشتغال بالتكليف في هذه الصورة إنما تعلق بما انطبق عليه الطبيعة من الحصص المتحققة في ضمن أفرادها ومن المعلوم أن تنجز التكليف به فرع الفراغ عن انطباق الطبيعة عليه وإلا فمع الشك فيه لم يحرز الخطاب بالنسبة إلى
140

المشكوك.
(وتوهم) أن مثل هذا الشك ملازم للشك في القدرة على امتثال التكليف به ولو من جهة احتمال انطباق الطبيعي عليه ولقد تقدم أن مورد الشك في القدرة مورد حكم العقل بوجوب الاحتياط (مدفوع) بأن ما هو موضوع الاحتياط هو الشك في القدرة بعد الجزم بتطبيق الخطاب على موضوعه وهنا مثل هذا المعنى تحت المنع فلا محيص من مرجعية البراءة.
فإن قلت إن تعلق الخطاب بالأفراد المتصورة الفرضية ثابت وإنما الشك في القدرة عليها بإتيان المشكوك.
قلت مجرد العلم بالأفراد الفرضية لا يوجب الإلزام بالخارجيات إلا مع العلم بانطباقها عليها وهو تحت المنع في المقام حسب الفرض.
فإن قلت بناء على ذلك لم التزمت بالاحتياط في فرض تعلق الطلب بصرف الوجود المتعلق بموضوعه مع الشك في أصل موضوعه فهل هو إلا لمحض احتمال انطباق التكليف عليه الموجب لاحتمال القدرة على امتثاله.
قلت توضيح الفرق يحتاج إلى دقيق النظر وهو أن في التكليف بصرف الوجود كان موضوع التكليف ما يصلح للانطباق على أي فرد وبواسطة ذلك كان تحصيل الانطباق في عهدة المكلف في عالم الفراغ فلا يكون توجيه الخطاب إلى المكلف منوطا بالفراغ عن فردية شيء للطبيعة إذ جهة الفردية والانطباق خارجة عن موضوع التكليف وحينئذ فكلما احتمل الانطباق عليه بملاك احتمال القدرة عليه يجب بحكم العقل إتيانه بتطبيق احتمالي هو محقق فراغه بعد فرض اشتغاله بموضوع لم يلحظ
141

الانطباق وهذا بخلاف الطلب المتعلق بالطبيعة السارية فإن التكليف متعلق بالطبيعة المنطبقة على أفرادها وهذا الانطباق خارج عن عهدة المكلف بل كان عهده بيان التطبيق حينئذ على الأمر إذ المفروض أن التكليف إنما توجه إلى ما هو المفروغ انطباق الطبيعي عليه ومن المعلوم أنه مع الشك في التطبيق يشك في أن الآمر وجه أمره إلى مشكوك الانطباق أو ما وجه فمثل هذا الشك يوجب قهرا قصورا في بيان الآمر بخلاف الأول فإن ما في عهدة الآمر هو بيان تكليفه موجها إلى صرف وجود متعلقه على الإطلاق مع جهل عهدة التطبيق على المأمور فالشك في مثله لا يرجع إلى الشك في بيان الآمر بل تمام الشك فيه هو الشك في خروج المكلف عن عهدة الخطاب بالاكتفاء بغير المشكوك ففي مثل هذا الفرض يجيء مناط حكم العقل بعدم الاكتفاء باحتمال العجز بعد الجزم بالاشتغال بموضوع يكون أمر تطبيقه على عهدة المكلف بخلاف الفرض الأخير فإن عهدة بيان التطبيق لما كان على الآمر فبمقدار يصلح خطابه للتطبيق كان حجة وفي غيره يكون الشك ساريا في أصل توجيه التكليف والغرض لا في القدرة مع الجزم بتمامية الغرض في موضوعه فافهم وتدبر.
فتلخص مما ذكرنا أن مجرى قاعدة الاشتغال في التكاليف في فرض العلم بالخطاب وكون الشبهة في صرف المصداق إنما هو في صورة كون التكليف وجوبيا مطلقا متعلقا بصرف الوجود سواء كان الفعل المتعلق للطلب له تعلق بموضوع خارجي أم لا وأما في غيره فالمرجع طرا هو البراءة سواء كانت الشبهة وجوبية أو تحريمية وسواء كان الفعل له تعلق بموضوع خارجي أم لا وسواء كان التكليف به في الثاني منوطا شرعا بوجوده أم لا وسواء كان التكليف في الحرمة بصرف الوجود
142

أيضا أم لا.
ثم إنه من التأمل فيما ذكرنا ظهر الحال في القيود، فإن التصورات السابقة جارية فيها أيضا غاية الأمر الواقع منها في الشرع في طرف الشرطية غالبا بين ما لا تكرار لوجوده خارجا أو على
فرض تكرره كان الشرط صرف وجوده بخلافه في طرف المانع فإنه ربما يكون وجوده الساري المستلزم لوجوب تقليله عند الاضطرار ببعض أفراده كما أن الشرط قد يكون نفس الشيء بلا تعلقه بموضوع كالوضوء وأخويه وقد يكون الشرط ما له تعلق بموضوع خارجي كالاستقبال للقبلة وأمثاله وكذا المانع قد يكون نفس الشيء كالتكتف وقد يكون ما له تعلق بموضوع خارجي كنجاسة اللباس والبدن كما أن كل واحد من الشرطية والمانعية فيما له تعلق بأمر خارجي قد يكون منوطا بوجوده شرعا على وجه لا يحكم العقل بتحصيل شرطه في الواجب منه ولا بحرمة إفنائه وأخرى لا يكون كذلك لكن وقوع الأخير في الشروط في غاية الإشكال نعم لا بأس به في الموانع وربما ينتج إطلاقه وجوب إعدام الموضوع عند الاضطرار بإيقاعه في ظرف وجوده كما عرفت نظيره في التكليف بحرمة شرب النجاسات فإنه من هذا القبيل جزما كما لا يخفى.
ثم إنه لا إشكال في أن مسألتنا من شرطية المأكولية أو مانعية غير المأكول إنما هو من قبيل الشرائط أو الموانع التي لها تعلق بأمر خارجي وإنما الكلام أولا في تميز الشرط أو المانع عما تعلق به فإن كان الشرط أو المانع نفس تلبس الإنسان لما يؤكل أو لا يؤكل في حال الصلاة فلا إشكال في أن المأكولية أو غير المأكولية أمر خارج عن الشرط والمانع وكان مما
143

لهما تعلق به، وإن قلنا بأن الشرط والمانع نفس المأكولية وغيرها وأن التلبس بهما مستفاد من نحو تقيد الصلاة بهما وهو كونها فيهما فما هو متعلق الشرط أو المانع حيثية الحيوانية وربما يترتب على هذين المسلكين نتيجة مهمة وهي أنه على المسلك الأول من كون القيد هو التلبس المزبور لازم إناطة القيدية بموضوعه شرعا دخل وجود صفة المأكولية أو عدمها في المتلبس به في أصل القيدية وأما لو بنينا على أن القيد هو المأكولية واللا مأكولية فقضية إناطة القيدية بموضوعه شرعا اعتبار وجود الحيوانية لا اعتبار وجود المأكولية فيما فرغنا عن حيوانيته فبعد حصول الحيوانية لا يجدي كبرى إناطة القيد بأمر خارجي في نفي وجوب تحصيل القيد بل نفي وجوب تحصيله حينئذ ليس إلا بجعل الأمر بالتقيد به مشروطا بوجوده ومن لوازم هذا البيان هو أنه على فرض مانعية التلبس كان مورد الشك في المأكولية من باب الشك في أصل القيدية لمثل هذا اللبس فيرجع المسألة إلى الأقل والأكثر الارتباطي وأما على فرض كون القيد هو المأكولية مع كون متعلق المانع جهة الحيوانية فعلى فرض إناطة التكليف النفسي بالتقيد على وجود المأكولية فالأمر كما تقدم أيضا في مرجعية البراءة عند الشك في المأكولية مبنيا على جريان البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين وأما على فرض عدم إناطة التكليف بالتقيد منوطا بوجود قيده بل كانت القيدية منوطة بوجود صفة الحيوانية في لباسه فجريان البراءة مع الشك في أصل الحيوانية بالمشي السابق واضح وأما مع العلم بالحيوانية والشك في غير المأكولية ففي جريان البراءة العقلية في مثله ولو بنينا على البراءة في الأقل والأكثر الارتباطي إشكال وذلك لأن من المعلوم أن في ظرف لبس الحيواني لا يتصور لمأكوليته أفراد كي يتصور
144

فيه العدم الساري في ضمنها فلا محيص حينئذ من توجيه التكليف إلى التقيد بعدم مأكولية هذا الملبوس ومثل هذا المعنى أمر مبين علم بتوجه التكليف به ويجب بحكم العقل الفراغ منه ولا يحصل إلا بترك لبسه ولا يبقى مجال انحلال التقيد المزبور أو التكليف به حينئذ إلى معلوم تفصيلي وشك بدوي وحينئذ لا يمكن إدخال المورد في مسألة الأقل والأكثر إلا بعد إناطة القيدية حينئذ بالحيوانية بل كان القيد من الأول الحيوان الخاص إذ حينئذ للقيد أفراد متكثرة ومانعية وجودها أو الوجود الساري مستتبع للتقيد بأعدامها السارية بتقيد واحد أو بتقييدات متعددة وعلى أي تقدير يرجع الأمر مع الشك في المأكولية في حيوان إلى الشك في تقيد الصلاة بعدمه ضمنا أيضا أو مستقلا وعلى أي تقدير صارت المسألة من صغريات الأقل والأكثر حسب ما أشرنا إليه في طي التكاليف النفسية.
ثم إن في المقام نتيجة أخرى ربما يثمر ذلك في التمسك بعمومات الحلية على المانعية دون الشرطية وسيجئ الإشارة إليه في محله.
وبعد ما ظهر بيان مثل هذه المسالك وثمرة اختلافها يبقى الكلام في الاستظهار من النصوص فنقول: لا شبهة في أن الظاهر من الأمر بالصلاة في شيء كون القيد هو نفس الشيء وأن مفاد كلمة في عبارة عن تقيد الصلاة به غاية الأمر بنحو خاص ملازم لنحو تلبس بالمأكولية في حالها وحينئذ التلبس المزبور من تبعات المعنى الحرفي المفيد لإضافة الصلاة إليه بإضافة خاصة ولا نعني من تقيد الصلاة بشيء إلا إضافتها إليه بنحو من الإضافة والاختصاص فما هو طرف هذه الإضافة هو القيد الخارج عن المطلوب وأما الإضافة المزبورة فهي داخلة في المطلوب
145

نفسيا جزما.
ومن هذا البيان ظهر الأمر في طرف المانعية في مورد النهي عن الصلاة فيه إذا المعنى الحرفي في النهي عنه أيضا يكشف عن تعلق النهي بمفاده قبال الأمر به ولازمه كونه أيضا عبارة عن التقيد بخصوصية تكون ملازما لمانعية الخصوصية قبال شرطيتها كما أشرنا إليه فلا يكون المانع المستفاد منه أيضا إلا ما كان متعلق المعنى الحرفي وهو في المقام ليس إلا كونه محرم الأكل لا التلبس به المستفاد من كلمة في بل مقتضى إطلاق القيدية عدم إناطتها بكون الملبوس حيوانيا.
وتوهم قياس الوضع بباب التكاليف المتعلقة بالموضوعات الخارجية كشرب الخمر وإكرام العالم في ظهور القضية في إناطة الحكم بوجود الموضوع شرعا ممنوع مع إمكان المنع في المقيس عليه في مثل المحرمات أيضا إذ لازم المشروطية عدم لزوم تفويت النجس عند اضطراره بشربه على فرض وجوده كفرض إكراهه على شربه على الشرط المزبور ولا أظن الالتزام به من أحد في مثل النجاسات نعم في كثير من النواهي المتعلقة بموضوعات خارجية ربما لا يتمكن على تفويت موضوعه ولا يضر ذلك بمدعانا من إطلاق التكليف بالنسبة إلى إعدام الموضوع شرعا لا عقلا.
وأما توهم إناطة التكليف النفسي بالتقيد بعدمه بوجود المأكولية شرعا فهو أوهن الاحتمالات إذ الظاهر من الخطاب كون نسبة الطلب بجميع الأجزاء الخارجية أو العقلية المعبر عنه بالتقيد على نهج واحد فكما أن الطلب ببقية الأجزاء مطلق من هذه الجهة فكذلك التكليف بالتقيد بالمأكولية أيضا من دون فرق بين كون لسان الخطاب الأمر المتعلق بالمقيد بالعدم أو
146

النهي المتعلق بالمقيد بالوجود وحينئذ لا محيص إلا من دعوى أن المستفاد من نصوص الباب هو مانعية الغير المأكول من الحيوان في صلاته على نحو ينتزع من إضافة صلاته به تلبسه به وذلك أيضا بنحو الإطلاق في عالم المانعية والمطلوبية بلا اعتبار اشتراط المانعية أو مطلوبية التقيد بعدمه بشيء أصلا وحينئذ ففي كون المانع الوجود الساري منه كي يوجب ذلك تقيد المطلوب بعدمها على نحو ينحل إلى تقييدات متعددة بعدد الأفراد أو صرف وجودها المستتبع لتقيد الصلاة بمجموع الأعدام بنحو يكون كل واحد من الأعدام تحت التقيد ضمنا وجهان ولا يكاد يترتب ثمرة على هذه الجهة من حيث البراءة والاشتغال بعد كون الفرضين فيما نحن فيه راجعين إلى الأقل والأكثر الارتباطيين كما لا يخفى.
ومن التأمل فيما ذكرنا ظهر لك وجه النظر فيما أفيد في ميزان كون الشبهة مجرى الاشتغال أو البراءة تارة في التكاليف النفسية وأخرى في القيود. ومحصل ما أفيد بطوله في النفسيات هو أن التكليف المتعلق بشيء إما لا تعلق له بموضوع خارجي وأخرى له تعلق وعلى الأخير فتارة لا يكون للمتعلق دخل في مناط الحكم شرعا وإنما هو دخيل في القدرة على موضوع تكليفه وأخرى له دخل في مناطه وجعل الأول بقول مطلق مورد حكم العقل بالاشتغال مع الشك فيه ولو من جهة الشك في محصله والثاني أيضا مجرى حكم العقل بالاحتياط ولو بالفحص عن مقدمات قدرته على العمل والثالث مجرى البراءة عند الشك فيه من جهة الشك في وجود ما تعلق به العمل من دون فرق في هذه الفروض براءة واشتغالا بين كون التكليف وجوبيا أم تحريميا وبين كون التكليف متعلقا بصرف الوجود أو الوجود الساري
147

ولقد تقدم مستقصى أن ما هو مورد قاعدة الاشتغال هو التكليف الوجوبي المتعلق بصرف وجود الشيء بنحو الإطلاق سواء كان له تعلق بموضوع أم لا وأما في صورة تعلق التكليف الوجوبي
بالطبيعة السارية أو كان التكليف تحريميا بأي نحو منه فالمجرى فيه البراءة محضا بل ولقد حققنا سابقا أن في التكاليف التحريمية المتعلقة بالموضوعات الخارجية كثيرا لا يكون لمتعلق العمل دخل في مناط الحكم شرعا بنحو الشرط للتحريم كيف ولازمه مع التمكن من تفويت الموضوع عند الإلجاء بالشرب على فرض وجوده كما في فرض إكراه الشخص على شرب النجس في ظرف وجوده عدم وجوب إعدامه أو عدم وجوب إبقاء عدمه بل جواز شربه إذ من البديهي أن التكليف المشروط بوجود شيء لا يقتضي حفظ وجوده ولا إعدامه فمع فرض إلجائه بالمخالفة في ظرف التكليف لا يقتضي مثل هذا التكليف الردع من الشرب ولو بنفي شرط التكليف كما هو الشأن في إكراه الحاضر على الإفطار فإنه يجوزه ولا يقتضي مثله وجوب تفويت حضره بأن يسافر ولعمري إن الالتزام بذلك في شرب النجاسات لا يكاد يرضى به أحد فيكشف ذلك كشفا جزميا بأن التكليف بترك شرب النجس مطلق حتى من قبل إعدام موضوعه أو إبقاء عدمه.
وتوهم إدخال المقام في صغريات المقدمات المفوتة الغير الجائز تفويتها حتى في المشروطات مدفوع بأن مورد الكلام فيها في المقدمات الوجودية الغير المنوط بها الوجوب شرعا لا في مثل المقام الذي كان الفائت مما ينوط به التكليف كما لا يخفى نعم عند التمكن من الترك في ظرف الوجود لا يقتضي العقل إعدامه لحصول غرضه من تركه بغير ذلك
148

وهذا المقدار لا يقتضي المشروطية بالموضوع الخارجي شرعا وحينئذ لازم مسلكه رجوع أمثال هذه الشبهات التحريمية إلى الاحتياط عند الشك في تحقق موضوعها بمناط الشك في القدرة على التكليف وهو كما ترى وبالله عليك التأمل في المقام فإنه مزال الأقدام.
(وملخص ما أفيد في القيود والوضعيات أيضا) هو الذي أشار إليه في طي كلامه بأنه بعد عدم اختصاص الانقسام المذكور في النفسيات بل يجري في القيود جعل مجرى البراءة فيها أيضا القسم الأخير من فرض إناطة القيدية بأمر خارجي على وجه يكون الشك فيه شكا فيما ينوط به التقيد شرعا وغير ذلك مجرى الاشتغال ثم أطال الكلام في تميز المقامات والصغريات بأن أي مقام من قبيل الأول وأي مقام من قبيل الثاني ويا ليت الناظر البصير يبين وجه دخل المقدمة الأولى في مورد الكلام من كون ما نحن فيه من قبيل دخل وجود الموضوع الخارجي في أصل التقيد به شرعا نعم هو دخيل في كبرى جريان البراءة في الأقل والأكثر كما أن المقدمة الثانية راجعة إلى أن مرجع مانعية الشيء الفارغ عن إناطته بموضوع خارجي إلى تقيد المطلوب بنفس عدم كل واحد في ظرف وجود موضوعه أو تقيد المطلوب بعنوان بسيط ملزوم لهذه القيود العدمية وهذه الجهة أيضا أجنبية عما هو المهم من إثبات أن المقام من باب إناطة القيد بأمر خارجي أم لا.
وكيف كان نقول إنه بعد التأمل في كلماته يستفاد أن تمام همه إثبات أن الصلاة مقيد بعدم التخصص بالخصوصية الوجودية وأن هذه الخصوصية الوجودية من غير المأكولية مما أنيط به تقيد الصلاة بعدم التخصص به ولئن تأملت فيما تلوناه عليك ترى ما في هذا البيان
149

النظر خصوصا في تقييد الصلاة بعدم التخصص الذي هو مفاد كلمة في والحال أن ذلك دال على نفس التقيد وأن الصلاة متخصصة بعدم الخصوصية ومتقيدة به لا مقيدة بعدم تخصصها بها وحينئذ فالقيد هو نفس اللا مأكولية لا أنه مما أنيط به قيدية شيء آخر كما لا يخفى.
ثم إنه في طي كلماته أجرى الكلام في أصل جريان البراءة العقلية في الأقل والأكثر وفي ذيله يظهر منه إجراء البراءة الشرعية مثل حديث الرفع وأمثاله فيه حتى على عدم انحلال العلم الإجمالي فيه والقول بوجوب الاحتياط عقلا ولقد حققنا في محله بأن مثل هذا التفكيك في نهاية الإشكال على مسلكنا من علية العلم الإجمالي للموافقة القطعية على وجه يمنع عن جريان الأصل في أحد الطرفين ولو بلا معارض إلا في صورة إثبات لسانه تعيين المعلوم بالإجمال وكون مثل ذلك شأن مثل حديث الرفع دونه خرط القتاد فتدبر وراجع إلى محله هذا كله في البراءة العقلية على المانعية ولقد عرفت أنه في غاية المتانة على المانعية.
نعم يبقى الكلام في بيان الأصول الشرعية وتقريب إجرائها في المقام على المختار من المانعية.
فنقول: منها عمومات الحلية (وقد يقرب ذلك) بأن مانعية الشيء بعد ما كانت منتزعة عن النهي عن الصلاة فيه فيصدق على الموضوع الذي تعلق النهي عن الصلاة فيه بأنه من الموضوعات المحرمة كالخمر وإن كانت حرمته بلحاظ الأفعال المتعلقة به إما مطلقا أو ببعض جهاتها وحينئذ فتارة يراد من الشيء في نص الحلية نفس هذا الموضوع وأخرى الفعل المتعلق به من الصلاة فيه وحينئذ فإذا شك في مورد أن الوبر الكذائي
150

من هذا الموضوع أم لا فيصح التشبث بعموم الحلية لنفي حرمة الصلاة فيه وبه يستكشف ترخيص ظاهري على إتيان الصلاة فيه الملازم لعدم مانعية المشكوك وهو مستتبع لصحة الصلاة ظاهرا ولا يجري مثل هذا التقريب في الشرائط المشكوكة لأن منشأ انتزاع الشرطية هو الأمر بالمقيد بالوجود وليست أدلتها متضمنة لمنع شرعي عن الفاقد كي يشمله الحديث هذا ملخص كلامه سلمه الله تعالى.
(أقول) لا يخفى أن المانعية بعد ما كانت بإخلال وجود الشيء في المطلوب فليس ذلك إلا بملاحظة مقدمية وجوده في عدمه ومثل ذلك في عالم التأثير والتأثر مستحيل فلا محيص إلا بلحاظ دخل عدمه في قابلية المعلول للتأثر كي بضم حفظ الرتبة بين النقيضين يثبت مقدمية وجوده لعدم الممنوع ولازم هذا المعنى قهرا اعتبار العقل تقيد المطلوب بعدمه ومعلوم أن الأمر بالشيء يقتضي مبغوضية نقيضه وليس النقيض إلا عدم الصلاة المقيد بالعدم لا الصلاة المقيد بالوجود بل هذا المقيد لازم النقيض لا عينه فالنهي عنه الكاشف عن المبغوضية ليس إلا من النواهي العرضية نظير ذروا البيع في باب صلاة الجمعة وهذا النهي أيضا لا يكون منشأ انتزاع المانعية في عالم الثبوت بل المنشأ ليس إلا التقيد المأخوذ في موضوع الطلب في رتبة سابقة عن الأمر به أو النهي عن نقيضه نعم هو كاشف عن المانعية وواسطة لإثباتها لا ثبوتها.
ولئن قلت إن منشأ اعتبار المانعية ربما ليس إلا لسان الدليل من النهي عن شيء في قبال إطلاق الأمر بعنوان آخر فإنه ملازم لتقيد المطلوب
151

بعدمه وتخصيصه بغيره فلا يكون المنشأ للتقيد إلا هذا النهي الظاهر في تعلقه بالمقيد بالوجود كإكرام الفاسق في قبال إكرام العالم فكيف يلتزم بعرضية هذا النهي.
قلت لسان النهي تارة لسان تخصيص العام ففي مثله لا يوجب تقيدا في موضوع حكم العام أبدا بل غاية لسانه إخراج بعض الأفراد وحصر الحكم بغيرها نظير موتها وأخرى لسان تقييد ففي مثله يوجب هذا النهي في عالم الإثبات كشفا عن مانعية موضوعه وحينئذ فطبع المانعية لا يقتضي إلا ما ذكرنا ولازمه أيضا الكشف عن كون النهي عن المقيد بالوجود عرضيا إلا إذا أريد به بيان مفسدة أخرى في متعلقه وهذه الجهة أمر أجنبي عما هو المقصود كما لا يخفى وحينئذ لا يكاد كون النهي عن الصلاة فيه بلحاظ فوت الغرض من النواهي الحقيقية الكاشفة عن حرمة متعلقه كي به يصير مشمول كل شيء لك حلال بل ما هو قابل لأن يتصف بالمبغوضية هو نفس وجود القيد لأن عدمه مقدمة للواجب فوجوده مبغوض ومن المعلوم أن القيدان كان نفس التلبس على ما تقدم من أحد المسلكين كان لتطبيق عمومات الحلية على نفس المانع مجال ولكن قد عرفت ما فيه بل تقدم أن ظاهر الدليل كون القيد عدم المأكولية في اللباس وهو غير قابل لتوجه النهي إليه مولويا ولو غيريا لخروجه عن حيز اختيار المكلف وإنما النهي متعلق بترك الصلاة الخاص ومرجعه إلى مبغوضية ترك الذات أو ترك التقيد وحينئذ فلو شمل عموم الحلية لمثله فلا محيص من شموله للشرط المشكوك أيضا لأن تقيد المطلوب بوجوده يقتضي مبغوضية ترك الصلاة الخاص فيصير محرما حسب اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن نقيضه فلا وجه حينئذ
152

لصرف عموم الحلية عن مثله إلا بدعوى انصرافه إلى المحرمات الوجودية وعليه فيخرج ما نحن فيه عن مجراه حتى على المانعية أيضا لما عرفت أن نقيض المطلوب الوجودي الخاص عدمه لا وجودي آخر يلازمه ولئن أغمض عما ذكرنا وقلنا بأن نقيض الوجود المقيد بالعدم الوجود المقيد بالوجود فلنا أن نقول إن نقيض الوجود المقيد بالوجود أيضا الوجود المقيد بالعدم فنقيض صل
في الطهارة لا تصل في عدمها فلا يبقى أيضا جهة فرق بين المانع والشرط في مشموليته لحديث الحلية لمشكوك الحرمة كما لا يخفى نعم لو كان القيد وهو اللا مأكولية أمرا اختياريا قابلا لتوجه النهي إليه بملاحظة مطلوبية تركه كان التفصيل بين المانع والشرط من تلك الجهة في غاية المتانة لأن المانع حينئذ من المحرمات الوجودية المشمولة لعموم الحلية بخلاف الشرط ولكن أنى لنا بإثباته في المقام بل لا محيص في مثل المقام من صرف المبغوضية والنهي إلى ترك الصلاة الخاص وهو بعينه موجود في الشرائط أيضا فلا مجال للفرق بينهما في شمول دليل الحلية كما لا يخفى.
ثم إن الأولى من هذا التقريب تقريب آخر وهو حمل الحلية في الرواية على الحلية الوضعية بمعنى نفوذه في تأثيره قبال الحرمة الوضعية الراجعة إلى حرمانه من تأثيره ومن المعلوم أن واجد المانع محروم عن التأثير قبال الفاقد له النافذ فيه فعموم الحلية في المشكوك يقتضي نفوذه وعدم حرمانه من تأثيره في الغرض وهو ملازم للصحة ظاهرا وربما يكون إطلاق عدم حلية الصلاة في كذا أو حليتها الواردة في النصوص المتفرقة
153

مثل قوله لا يحل الصلاة في الحرير وأمثاله بهذا المعنى لا بمعنى المبغوضية التكليفية إذ في هذا المعنى لا يلزم مسامحة في ترتب عدم النفوذ على الواجد للمانع بخلافه على المعنى السابق لأن الحرمة الكاشفة عن المبغوضية غير متعلق بالفعل المقيد بالوجدان بل متعلقه ليس إلا نقيض المطلوب الذي هو ترك للصلاة المقيدة بالعدم الملازم مع الصلاة في غير المأكول أو الحرير وأمثالها كما هو ظاهر نعم عيب هذا التقريب أيضا شموله لفاقد الشرط أيضا ولازم الأخذ بإطلاقه تأسيس فقه جديد كما أجاده بعض من نقل الاعتراض عنه ولا يستأهل مثل هذا المعترض بأن يرمى بعدم إعطائه حق التأمل في المقام على كلا التقديرين والتقريبين نعم لا بأس بالتمسك به لحلية لحم مشكوك علم أخذ الوبر منه مبنيا على كون حرام الأكل هو العنوان لا كونه مرآة لعناوين خاصة بل وعلى كون موضوع الحكم هو الحلية الأعم من الواقعية والظاهرية أو البناء على أن مفاد دليل الحلية الظاهرية البناء على الحلية الواقعية ظاهرا وإلا فلا مجال للتشبث بمثله مع أنه لا يفي في كثير من المقامات التي لا يشك في حلية لحم معين وحرمة غيره ويشك في أخذ الوبر من أيهما فإنه بعنوان كان مشكوكا لا أثر له وبعنوان له أثر لا يشك في حلية لحمه أو حرمته.
(وأما الاستصحاب)
فتارة يجري في عدم حرمة اللحم المأخوذ منه الوبر وذلك مبني على العنوانية لحرمة الأكل بل وعلى مشكوكية اللحم المعلوم أخذ الوبر منه وإلا فيرد الإشكالان السابقان هنا أيضا (وأخرى) يجري في عدم تلبس المصلي وبر ما حرم الله أكله عنوانا أو مرآة وفيه أن ذلك إنما يصح على فرض كونه قيدا للمصلي وإلا فمع كونه قيدا للصلاة
154

لا يقتضي هذا الأصل وقوع الصلاة في عدمه إلا على مثبتية الأصل المزبور (وثالثة) أصالة عدم اتصاف الوبر بكونه من حرام الأكل وذلك أيضا على فرض جريان مثل هذه الأصول العدمية فرع كون غير المأكولية من قيود اللباس وإلا فلا يثبت مثله وقوع الصلاة في عدمه كما هو ظاهر.
(ومنها) استصحاب صحة الصلاة على تقدير الوجود قبل لبسه بتقريب أنه لو صلى لكانت صلاته صحيحة والآن صحيح بناء على كون تبدل عدم المشكوك بوجوده من حالات الصلاة لا من مقوماتها عرفا وتوهم أن صحة الصلاة بمعنى موافقة أجزائها للأمر بها في ظرف تحقق بقية الشرائط وجودية أم عدمية مقطوع البقاء فلا شك فيه والصحة الفعلية الملازمة لعدم شرطية شيء فيها من الأول مشكوك وبعبارة أخرى إن الصلاة إنما تقع تمام الموضوع للصحة في ظرف كونها تام الأجزاء والشرائط وهذا المعنى محرز بنحو الإجمال سابقا وأما في الآن اللاحق لا تكون الصلاة تمام الموضوع للصحة مع احتمال المانعية (مدفوع) بأن ذلك كله مبني على حكم العرف بمغايرة موضوع الصحة في الحالتين عرفا وهو كما ترى.
(ومنها) استصحاب عدم اتصاف الصلاة بكونها فيما لا يؤكل ولو قبل وجوده فيحكم ببقائه إلى حين وجودها وبمثله يرتفع النهي عنها المنشأ لانتزاع المانعية كما تقدم دخل عدمه المطلوب نقيضه في قابلية الغرض للتحقق المستتبع لدخل عدمه فيه الملازم لتقيد المطلوب بحال عدمه وحينئذ فما هو موضوع التكليف تقيد العمل بعدمه ولازمه مبغوضية نقيضه وهو ترك هذا المقيد لا الوجود المقيد بالوجود فما هو متعلق النهي
155

حقيقة هو الأول لا الأخير بل لو ورد النهي بلسان الأخير كان من النواهي العرضية لا الحقيقية ويكون من قبيل ذروا البيع في صلاة الجمعة ومثله لا يكون موضوع أثر مصحح للتعبد بعدمه بل موضوع الأثر لازمه فالأصل المزبور على فرض جريانه وعدم الإشكال عليه من سائر الجهات لا يجري في المقام لكونه مثبتا كما لا يخفى فتلخص مما ذكرنا أنه لا مجال لجريان الاستصحابات العدمية إلا في بعض الفروض بالنسبة إلى حرمة أكل اللحم وأما في الصلاة بلحاظ عدم اتصافها بكونها في محرم الأكل أو في الوبر بعدم كونه مضافا إلى ما لا يؤكل أو في المصلي بعدم كونه لابسا له فلا مجال لجريانها أصلا لكونها طرا من المثبتات التي لا نقول بحجيتها نعم لا بأس باستصحاب صحة الصلاة على فرض الوجود على وجه تقدم شرح كل ذلك مستقصى. ثم إن بعض الأعلام مع التزامه بأن النهي عن الصلاة في كذا منشأ انتزاع المانعية أنكر في سلب هذا النهي بمثل أصالة عدم كينونة الصلاة في كذا نظرا إلى إشكاله في كلية مثل هذه الأصول الجارية في الأعدام الأزلية وحيث أن جريانها في مورد يترتب عليه مثل هذا الأثر عندنا ثابت يقتضي أولا تبيان وجه المختار ثم نزيل بشرح ما أفيد في وجه الشبهة والإشكال.
فنقول وعليه التكلان توضيح المدعي يقتضي رسم مقدمة:
وهي أن مناط القضايا في صيرورتها قضية ليس إلا بإيقاع ربط ذهني بين الطرفين وهذا الربط تارة يكون إيجابيا بمعنى إثبات محمول متصور في الذهن وأخرى سلبيا بمعنى إيقاع نسبة سلبية بينهما نظير إيقاع الوصل
156

بين الشيئين تارة والفصل أخرى وحيث إن مثل هذه النسبة حاكية عن الخارج على وجه لا يرى بينهما الاثنينية يقال بأن ظرفها خارجية في أمثالها كما أن المحكي بالنسبة الثانية لما كان نقيض المحكي للنسبة الثبوتية يعبر عنه بسلب الربط وإلا لا معنى لهذا البيان مع فرض كون القضايا السالبة قضية فلا محيص حينئذ من اشتمال القضية لنسبة إيقاعية وهي مقوم كونها قضية غاية الأمر هذه النسبة بنفسها سلبية نظير النسبة الفصلية بين الشيئين قبال الوصلية ومن البديهي أن مثل هذه النسبة أيضا غير نسبة إيجابية لمعنى سلبي إذ مرجعه نظير سائر الإيجابات إلى إيقاع ربط ثبوتي بين المعنيين غاية الأمر المعنى المرتبط سلبي لا أن الربط سلبي بل هو داخل في إيقاع نسبة وصلية بين معنى سلبي وإيجابي قبال إيقاع نسبة فصلية بين الوجودين وحينئذ فكم فرق بين المفهومين وعدم صلاحية إرجاع أحدهما إلى الأخر فما توهم من عدم اشتمال السوالب على النسبة رأسا وأن السلب فيها وارد على النسبة الثبوتية في الإيجابية ورجوع مفادها إلى سلب الربط فاسد جدا ولكن ليس لازمه رجوع القضايا السالبة مفهوما إلى المعدولة نعم لا بأس باقتضاء ترتب أحدهما على الآخر بترتب العناوين الثانوية على محصلاتها في عالم الاعتبار كما أنه لا بأس باعتبار مثل هذا الترتيب بين مفاد السالبة في القضايا وبين المركب التقييدي بأمر سلبي وبهذه العناية أيضا نقول إن الأوصاف قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها أوصاف بل ولئن تأملت ترى بين الجمل التامة وبين المركبات التقييدية جهة فرق أخرى وهي أن الجمل التامة مشتملة على نسبة إيقاعية مستتبعة لانسباق مفروغية تحقق محموله خارجا إلى الذهن بخلاف المركبات التقييدية إذ لا ينسبق
157

الذهن المعنى المزبور بل غاية الأمر ينتقل الذهن إلى مجرد وجود خاص وأما كونه متحققا في الخارج فلا بل كان بنحو قابل لأن يقال بأنه قابل لأن يتحقق في الخارج وأن لا يتحقق وبهذه النكتة صارت النسب في القضايا التامة تصديقية وفي المركبات التقييدية تصورية لمناسبة مقام التصديق لمرحلة مفروغية خارجية متعلقه بخلاف مرحلة التصور.
(وحيث اتضح ذلك فنقول) إن ذوات الموضوعات المأخوذة في طي الأحكام لا شبهة في أنها وإن كانت بمفاهيمها حاكية عن الوجود بنحو لا يرى اثنينية بينهما ولكن ليست حكايتها عنه إلا حكاية تصورية غير مستتبعة لمفروغية وجوده في الخارج بل كان بنحو قابل بنظر العقل للوجود والعدم وفي هذه الصورة لو قيدت هذه الذات بصفة وجودية أو عدمية فلا شبهة في أن هذا التوصيف لا يقتضي إلا اعتبار التقيد بينهما في مرتبة الذات السابقة في لحاظ العقل عن وجودهما وكان بنحو يحمل الوجود على التقيد بوصف تقيده تارة والعدم أخرى.
نعم لو فرض أخذ الذات في طي قضية شرطية بوجود شيء وقيد بوصف وجودي أم عدمي مثل ما لو قيل إن وجد زيد وكان قائما فكذا كان مثل هذا التوصيف مقتضيا لاعتبار التقيد بالقيام في ظرف وجوده بحيث يرى التقيد متأخرا عن وجود الذات رتبة ومن نتائج هذه المرتبة من التقييد خروج مرتبة الذات عن صقع التقيد بل صقعه ليس إلا في ظرف وجوده ولازمه حينئذ عدم صدق نقيض التقيد في ظرف عدم الذات إذ نقيض الشيء ما كان في مرتبة وجوده فإذا كان وجود التقيد في الرتبة المتأخرة عن وجود الذات فنقيضه ليس إلا بعدمه في هذه المرتبة وبواسطته تضيق دائرة القيد
158

بما هو قيد أيضا وجودا وعدما ومنحصر بحال وجود الذات ولذا لا يتصور فيه أيضا إلا القضية السالبة بانتفاء المحمول أو المعدولة وعليه فالعدم الحاصل حين عدم الموصوف ليس مربوطا بموضوع الأثر حينئذ أصلا وإبقاؤه تعبدا إلى حين الوجود أيضا لا يثبت العدم الخاص الذي هو موضوع الأثر بنفسه أو بنقيضه وفي مثله لا يكاد جريان الاستصحاب في العدم الأزلي إذ القضية السالبة الحاكية عن ربط سلبي كان مورد اليقين بالثبوت قبل وجود الموضوع أجنبية عن موضوع الأثر بالمرة كما بينا وبقاؤه إلى زمان الوجود أيضا لا يثبت الموضوع إلا بالملازمة العقلية وأما لو كانت مرتبة التقيد معتبرة في مرتبة الذات كما في صورة أخذ الذات بمعناه التصوري في طي التقيد غير مقيد بوجود شيء بنحو الشرطية فهذا التقييد وارد على الذات القابل للوجود والعدم ولازمه اعتبار التقيد في مرتبة الذات قهرا ومعلوم أن صقع هذه الرتبة هو صقع الذات المحفوظة في عالم اللحاظ في المرتبة السابقة عن الوجود ومن المعلوم أن مثل هذا التقييد يتصف في رتبة الذات تبعا لها بالوجود والعدم ومن نتائج هذه المرتبة من التقييد اعتبار نقيض وجود التقيد ما دامت الذات في عالم تقررها محفوظة ومن تبعاته حينئذ توسعة دائرة نقيض القيد بنحو يصدق حتى مع عدم الذات فالقضية السالبة حينئذ توسعة دائرة نقيض القيد بنحو يصدق حتى مع عدم الذات فالقضية السالبة حينئذ في مثله لا ينحصر بسلب المحمول بل يتم مع سلب الموضوع أيضا وحينئذ لو كان التقيد بالقيد في هذا الاعتبار موضوع أثر كان لنقيضه مصداقان أحدهما السالبة بانتفاء المحمول وأما المعدولة فهي خارجة عن النقيض فلا يكون موضوع أثر بنفسه ولا بنقيضه إذا المعدولة لا تكون نقيض الموجبة كما هو ظاهر وإن كانت تلازمه عقلا إذ من البديهي أن مدار الاستصحاب على عنوان مأخوذ
159

في موضوع الدليل وبعد ما فرض اعتبار عناوين متعددة على وجه يتشكل بأشكال مختلفة من صور القضايا من وجود واحد فليس مدار جريان الاستصحاب على ملاحظة وحدة المنشأ خارجا بل هو تابع نحو اعتبار المنتزع عنه المأخوذ في لسان الدليل فمع أخذ عنوان خاص في لسانه ينحصر مجرى الاستصحاب به ولا يجري في عنوان آخر مباين له بمحض اتحاد منشئهما خارجا وهذا المقدار من أوليات باب الأصول كما لا يخفى على المتدرب.
وبعد ما اتضح ما تلوناه عليك ظهر فساد ما توهم من الأساس في إبطال مثل هذا استصحاب بما ملخصه بعد تطويله بتمهيد مقدمات:
(منها) كفاية ترتب الأثر على أحد النقيضين في استصحاب الطرفين.
(ومنها) أن النهي عن فعل متخصص بخصوصية تارة لمحض بيان مانعية الخصوصية للأمر الثابت في الطبيعة الشاملة له ولغيره ومنه يستكشف تقيد متعلق أمرها بعدم تخصص الطبيعة بتلك الخصوصية وأخرى لبيان حرمة مستقلة ملازمة لعدم سراية الأمر بالطبيعة إلى هذا المتخصص بنحو يدل بالملازمة العقلية على تقييد المأمور به بعدم هذا التخصص وأنه يكفي في نفي هذا الحكم استصحاب عدم وجود المخصص ولا يكفي ذلك لإثبات موضوع الأمر إلا بالملازمة العقلية التي لا نقول به.
(ومنها) أن المركب من أمور متعددة تارة مركب من أمور متباينة غير مربوطة بنفسها بالآخر إلا بحسب الزمان ومرجعه إلى الأمر بوجود كل في ظرف وجود الآخر وأخرى من باب تقييد الذات بوصفه.
ثم هذا الوصف تارة يلاحظ بما هو شيء في حيال ذاته وأخرى
160

بما هو قائم بوجود موصوفه وعبر عن الأول بالوجود المقارن وعن عدمه بالعدم المقارن وعن الثاني بالوجود النعتي وعن عدمه بالعدم النعتي وجعل الظاهر من الدليل المأخوذ فيه وصف الشيء من قبيل الثاني ثم استنتج بأن وجوده النعتي لما كان عبارة عن وجوده بما هو قائم بالغير ومنوطا بغيره فنقيضه أيضا ليس إلا العدم النعتي المأخوذ فيه قيامه بوجود الغير فيصير المأخوذ في الموضوع في طرف النقيض العدم الخاص المنوط بالوجود ومن المعلوم أن ذلك غير العدم الثابت في حال عدم الموضوع إذ هو عدم مقارن غير مرتبط بالعدم النعتي فإبقائه بالاستصحاب لا يقتضي إثبات العدم الخاص إلا بالملازمة العقلية.
ثم إنه من جهة هذا الأساس أنكر السالبة المحصلة في القضايا معللا بأن في مرحلة الثبوت لا يكون إلا وجود فاقد للوصف أو الواجد والأول يرجع إلى القضية المعدولة والثاني إلى الإيجابية المحضة ولا معنى ثالث في البين يعبر عنه بقضية مشتملة على النسبة الثالثة بين الطرفين وتسمى بسلب الربط فالقضية الواقعية منحصرة بالشقين الأولين فلا وجود ثالث في البين وأن الفارق بين السالبة والمعدولة إنما هو من جهة ترتب الإيجاد المعدولي على السلب المحصلي وذلك إنما يثمر في رجوع التكليف في مثل المورد إلى الشك في التكليف أو المحصل.
ثم أورد على نفسه بأن الصفة النعتي بوصف نعتيتها المأخوذة في موضوع الأثر مسبوق بالعدم ولو في حال عدم موضوعه فيستصحب ذلك فأجاب بما ملخصه بتوضيح منا أن النعتية المنتزعة عن قيام الوصف بالموضوع ليس وجودا آخر مسبوقا بالعدم بل في ظرف عدم الموضوع لا صقع لهذه
161

الإضافة بل صقع تحققها في ظرف وجود الموضوع فنقيضها ما هو في رتبة وجودها وهو ظرف وجود الموضوع فعدمها في غير هذه الرتبة ليس نقيضا لهذا القيام فلا يتصور في ظرف عدم الموضوع إلا عدم ذات الوصف بما هو شيء في حيال ذاته وهو المعبر عنه بالعدم المقارن المفروض خروجه بنفسه وبنقيضه عن محط الأثر وإبقاؤه بالأصل أيضا لا يثبت العدم النعتي إلا بالملازمة (انتهى ملخص كلامه بطوله وتفصيله).
أقول لا يخفى ما في هذه الكلمات من مواقع النظر:
(منها) قوله في المقدمة الثانية من اقتضاء النهي عن العنوان المتخصص بالملازمة العقلية إلخ وتوضيحه أن من المعلوم أن قضية تضاد الحكمين ليس إلا عدم سراية الأمر المتعلق بالطبيعة إلى هذه الحصة وحصره ببقية الحصص وذلك لا يقتضي تقيد موضوعه بعدمه إذ باب خروج الفرد عن تحت العام أو الطبيعة لا يقتضي إلا حصر الحكم لقصور فيه عن الشمول لغيره ببقية الأفراد نظير موت الفرد لا أنه يثبت تقيدا ودخل إضافة بعدم الخارج في موضوع الأمر بالنسبة إلى بقية الحصص أو الأفراد فبقية الحصص أو الأفراد بقاؤها تحت العام بعين وجودها فيه حال عدم خروج هذا الفرد فكما أن كل حصص من الطبيعة أو فرد منها قبل خروج هذه الحصة لا يكون معنونا بوجه ولا مقيدا بجهة كذلك بعد إخراج هذا الفرد أو الحصة لا يتغير الحصص الباقية تحته عما لها من العنوان ولذلك نقول إن لباب التخصيص مقاما ولباب التقييد الراجع إلى دخل التقيد والإضافة بأمر سلبي أو إيجابي في الموضوع مقاما آخر ففي التقيد يحتاج إلى عناية زائدة يثبت
بها دخل الإضافة بالخارج الذي يسمى بالتقيد في موضوع الحكم ولا يحتاج ذلك
162

في التخصيص أبدا ولذا نقول إن كلمات القائلين بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية آبية عن الالتزام بجواز التمسك بالمطلق عند الشك في مصداق قيده إذ شمول الإطلاق للمورد وحجيته لا يثبت إلا جزء الموضوع ولا يثبت بمثله تقييده الثابت بالدليل ومع ذلك يلتزم بجواز التمسك بالعام إذ يكفي شموله للمورد في إثبات كونه تحت العام بمحض احتمال كونه باقيا تحته وغير خارج عنه وحينئذ لا يبقى مجال لكشف المناقضة المزبورة عن التقيد المسطور وإن لم يصلح هذا المقدار أمر استصحاب عدم الموضوع لإثبات حكم العام ولكنه من جهة أخرى لا من جهة عدم إحراز القيد أو التقيد فتدبر.
(ومنها) ما في قوله في قوله في مرجع الأمر بالمتباينات إلى الأمر بكل واحد في ظرف وجود الآخر إلخ.
وتوضيح الإشكال أن المتباينات تارة من أجزاء مركب واحد وأخرى من قبيل القيد والمقيد أما الأول فحيث إن مرجع الأمر بالمركب إلى الأمر بعدة وجودات متكثرة خارجية بلا جهة وحدة فيها اعتبارية إلا من ناحية الأمر أو المصلحة ومن البديهي عدم معقولية أخذ كل واحد من الوحدات تحت الأمر فلا يكون موضوع الأمر الواحد إلا المتكثرات وينتزع من اجتماعها تحت أمر واحد الكلية للمقام والجزئية للآحاد ولذا نقول بأن جزئية الشيء للواجب منتزع عن الأمر بالمركب وحينئذ فتمام الآحاد في عرض واحد تحت الأمر بالكل بلا شرطية وجود غيره في وجوبه نعم لما كانت الوجوبات المتعلقة بالأجزاء وجوبات تحليلية ضمنية وكان لوجوبها قصور عن الثبوت في حال الانفراد عن غيره لا يكاد يتصف كل جزء بالوجوب
163

إلا في ظرف اتصال غيره به ولازم ذلك قصور تطبيق ما هو الواجب على الفاقد عن الغير لا أن وجوبه في ظرف وجود الغير كي يوهم شرطية وجود الغير في وجوبه.
(ومنها) قوله في العرض من كونه ملحوظا بما هو شيء في حيال ذاته إلخ.
أقول ما أفيد في تصور الإعراض في عالم القيدية بنحوين في غاية المتانة ولكن نقول إن تمام الكلام في استنتاج النتيجة المقصودة من هذا الأساس.
وتوضيح المقال أن يقال إنه لو فرض كون الوصف المأخوذ في الموضوع بلحاظ النفسية لا النعتية فإن كان التقيد الملحوظ في الموضوع في الرتبة المتأخرة عن وجوده بأن يكون المأخوذ في الموصوف صفة الموجودية بنحو القضية التصديقية فلا شبهة في أن اعتبار الوصف في الموصوف بالنحو المزبور لا يقتضي إلا تقييد الذات بمثله في ظرف وجوده ومثل هذا المقيد غير قابل لطرو العدم عليه لأن العدم كما لا يطرأ على الوجود كذلك لا يطرأ على ما هو من شؤونه الوجود ومأخوذ في الرتبة المتأخرة عن الوجود ولازمه أيضا عدم تصور عدم القيد بما هو قيد في ظرف عدم الذات بل القيدية للوصف الملازم لأثره إنما هو ثابت لذات الوصف في ظرف وجود الذات فعدم القيد بهذا الوصف أيضا الذي هو نقيض وجوده هو العدم في ظرف وجود الذات ولو بلحاظ كون الوصف شيئا في حيال ذاته بلا لحاظ قيامه بموصوفه الذي هو من تبعات نعتيته وفي مثله لا مجال لاستصحاب عدم الوصف في حال عدم الموصوف
164

إذ مثل هذا العدم لا يكون موضوع أثر ولا نقيضه وإبقاؤه تعبدا أيضا لا يثبت العدم الخاص لأن شأن الاستصحاب حينئذ إثبات المقارنة بين الذات والعدم المطلق المحفوظ في الرتبة السابقة عن الوجود وإبقاؤه لا يقتضي إثبات العدم المحفوظ في الرتبة اللاحقة حسب اعتبار قيديته فيه بل لو بنينا على حجية الأصل المثبت لا يكون المستصحب في المقام ببقائه الحقيقي ملازما للعدم المتأخر عن رتبة وجود الموضوع بملاحظة تأخر رتبة تقييده إذ لمثل هذا العدم مقام وللعدم المحفوظ في الرتبة السابقة عن وجود الذات مقام آخر فثبوت العدم الأول واقعا ليس من لوازم بقاء العدم الثاني بل له مبادي آخر كما لا يخفى نعم لو اعتبرت القيدية في رتبة الذات السابقة عن مرتبة وجوده في لحاظ العقل كما في المركبات التصورية كان لاستصحاب العدم الثابت حال عدم الموضوع مجال لأن مثل هذا العدم محفوظ في مرتبة الذات ومعنى أخذه فيه بالاعتبار المزبور اعتبار تقيد الذات بالوصف بما هو شيء في حيال ذاته ولازمه صدق عدم المقيد بعدم الموضوع ويكفي حينئذ في إثبات نقيضه مجرد عدم وصفه بالنحو الثابت حال الموضوع وبه يرتفع الحكم الثابت لوجوده وحينئذ ففي هذا الفرض لو فرض دخل الوصف في الموضوع من حيث قيامه بالموصوف الذي يعبر عنه بالنعتي لا بأس بدعوى صدق عدم المقيد أيضا بعدم الذات إذ مرجع تقييد الذات بمفهومه التصوري بالوصف النعتي اعتبار العقل تقيد الذات به في الرتبة السابقة على الوجود ولازمه اعتبار عدم التقيد وعدم القيد أيضا في ظرف عدم الموضوع.
فإن قلت إن وجود القيد إذا كان منوطا بوجود الذات فنقيض
165

الوجود هو العدم في رتبة نفسه وهو غير العدم المحفوظ في مرتبة الذات فكيف يثمر استصحاب عدمه المقارن لحال عدم موضوعه.
قلت مجرد تأخر وجود ذات الوصف عن مرتبة الموصوف خارجا لا يقتضي تأخر قيديته المساوق لاعتبار تقيد الموصوف به فلا ينافي هذا التأخر مع تقدم اعتبار تقيده في الرتبة السابقة إذ نتيجة هذا الاعتبار ليس إلا توسعة في دائرة عدم القيد على وجه يشمل العدم ولو في ظرف عدم الذات ولا - يختص بالعدم في الرتبة المتأخرة عن وجوده كيف ولو فرض صيرورة وجود ضيق الوصف سببا لضيق في دائرة عدم القيد يلزم هذا المحذور في الوصف المأخوذ ولو بلحاظ كونه شيئا في حيال ذاته إذ مجرد هذا الاعتبار لا يخرج وجود الوصف خارجا عما له من الرتبة المتأخرة فلو لا تقتضي التوسعة في مرحلة التقيد به توسعة في عدم القيد وجعلنا نقيض القيد نقيض ذات الوصف فلا يكون ذلك إلا العدم في رتبة وجوده لا العدم المحفوظ في مرتبة عدم الذات أيضا فمن أين يثمر الاعتبار المزبور حينئذ في جريان الأصل باعترافه فليس ذلك إلا بدعوى عدم اقتضاء ضيق وجود الوصف ضيقا في قيديته وعمدة النكتة في ذلك هو أن مرحلة تقيد شيء بشيء في عالم جعل الأثر ليس إلا باعتبار الطرفين في عالم اللحاظ واعتبار إضافة بينهما ومن المعلوم أن في هذا المقدار لا يقتضي وجود الطرفين خارجا بل ربما يعتبر الجاعل تقيد شيء بشيء وينتزع العقل اعتبار كون أحدهما قيدا للآخر والآخر مقيدا به ولو لم يكن في البين وجودهما في العالم من دون فرق بين كون القيد بنحو النعتية أو النفسية إذ مرجع التقييد في عالم الاعتبار إلى ملاحظة ذات واعتبار وصف بما هو قائم به أو بما هو شيء في حيال ذاته وهذا المقدار لا يقتضي اعتبار
166

التقيد في ظرف الفراغ عن وجود الذات.
نعم مثل هذين الاعتبارين ربما يصير مركز اعتبارين آخرين وهما اللذان أشرنا إليهما من أنه تارة يعتبر الجاعل تقيد الذات بوجود شيء أو عدمه في مرتبة الذات وأخرى في ظرف وجوده من دون فرق بين كون المقيد الملحوظ في عالم التقيد وجود الشيء بما هو شيء في حياله أو وجوده بما هو قائم بغيره فكما أن التقيد بالشيء في ظرف وجود الموصوف يوجب ضيقا في عالم تطبيق القيد وجودا وعدما بالإضافة إلى ظرف وجود الذات بحيث يخرج ظرف عدمه عن صقع عالم التقيد فلا يصح تطبيق عدم القيد على مثله سواء فرض القيد وصف الشيء بما هو في حيال ذاته أو بما هو قائم بغيره كذلك التقيد بالشيء في عالم الذات يوجب توسعة في عالم تطبيق القيد عدما وإن لم يوجب هذه التوسعة في ناحية الوجود ولو من جهة ضيق في نفس الوجود فيصدق حينئذ عدم القيد في مرتبة الذات السابقة على وجوده سواء ذلك أيضا بين فرض القيد الوصف بما هو شيء قائم بغيره أو بما هو في حيال ذاته ولا يقتضي اعتبار النعتية والقيام بالغير في عالم القيد تخصيص التقيد بطرف وجود الذات بل من الممكن أيضا اعتبار التقيد في مرتبة الذات المستلزم لاعتبار توسعة في عدم القيد وإن لم يوسع ذلك المقدار دائرة وجوده كما أن أخذ الوصف بما هو شيء في نفسه لا يقتضي أخذ التقيد به في مرتبة الذات على وجه يوجب التوسعة في عدمه بل من الممكن أخذه على وجه يوجب التضيق في وجوده وعدمه كما أن ضيق وجود القيد على أي نحو من الاعتبارين في الوصف أيضا لا يوجب ضيقا في ناحية عدم الوصف الذي هو نقيض
167

القيد ولئن شئت التصديق بذلك فراجع وجودات الأجزاء فإن محبوبيتها قائمة بوجودات محدودة غير منفكة عن وجود البقية ومع ذلك ليس نقيضها خصوص العدم في ظرف وجود الباقي بل العدم في ظرف بقية الأعدام أيضا مبغوض بمناط نقيض الوجود بل ولئن فرضت اعتبار الجزئية بين الوصف والموصوف كان باب المقايسة بالمقام أوضح ووجه التوسعة في ظرف العدم هو اعتبار جزئية الوصف ولو بما هو قائم بغيره في مرتبة ذات الموصوف وإلا فلو اعتبرت جزئية الوصف في ظرف وجود موصوفه لما كان فوته مبغوضا إلا في ظرف وجود الموصوف ولو كان المعتبر ذات الوصف بما هو شيء في حيال ذاته.
وكيف كان نقول إن ما أسس من الأساس في وجه هدم هذا السنخ من الاستصحاب على الإطلاق مما لا أصل له بل الحري في المقام ما أسسناه ولازمه جريان الأصل المزبور في كل مورد كان الموضوع المقيد بالوصف مأخوذا في لسان الدليل بمفهومه التصوري الغير الحاكي عن مفروغية وجوده خارجا كما هو الغالب نعم لو كان المأخوذ في لسانه مقيدا بالوجود بنحو القضية التصديقية الحاكية عن مفروغية الوجود لا مجال لجريان الاستصحاب فيه من دون فرق بين كون القيد وجوديا أو عدميا بنحو السلب المحصل أو المعدول بل في مثل هذه الصورة كانت السالبة المحصلة في عالم القيدية من السالبة بانتفاء المحمول فيكون في مثله مساوق المعدولة وإن لم يكن عينها بل مفاد المعدولة خارجة عن حيز الأثر وإن كان في الخارج ملازما مع السالبة المزبورة كما أن الأمر بالعكس في طرف العكس لما أشرنا إلى وجه هذه الجهة في طي الكلمات فراجع وبالله عليك أن تتأمل
168

في المقام وتنظر إلى ما قيل لا إلى من قال.
(ومنها) ما أفيد من الفرق بين السالبة المحصلة والمعدولة إلخ ولقد عرفت توضيح ما فيه مما أسسنا من المقدمة في شرح حقيقة القضايا السلبية وفرقها مع المعدولة بلا احتياج إلى التكرار وتمام منشأ الخلط هنا أيضا خيال أن اعتبار النسبة في القضايا تابع وجود الموضوع خارجا ومنشأ الخيال أن الموضوعات المأخوذة في القضايا حاكيات عن الوجود المستتبع لاعتبار مفروغية وجودها في عالم النسبة فإنه حينئذ لا يتصور إلا السلب المحمولي ولكن لا يخفى ما فيه من الخلط من جهة أن مجرد حكاية الموضوعات بالحكاية التصورية عن الوجود لا يقتضي مفروغية وجودها في عالم النسبة كما لا يقتضي ذلك في عالم التقييد ولو بنحو النعتية بل عالم النسبة والتقييد في مثل هذه المعاني التصورية ليس إلا مرتبة نفس الذات القابلة لدى العقل للوجود والعدم ومن المعلوم أن النسبة في هذا العالم لا يلزم أن تكون ثبوتية بل من الممكن أن يكون سلبية بالنحو الذي قررناه كما لا يخفى.
(بقي الكلام في بيان جريان حديث الرفع على المختار) فنقول:
إنه لو بنينا على البراءة العقلية في الأقل والأكثر وأرجعنا الشبهة الموضوعية في المانعية إليه كما أسلفنا فتقريبه بوجوه تارة برفع دخل ترك المشكوك في المطلوب وأخرى برفع الحرمة المستقلة المتعلقة به في ظرف إتيان البقية وثالثة برفع الوجوب الضمني المتعلق بتركه في ضمن بقية الأجزاء ومرجع هذا الرفع بملاحظة علية الشك له لسياق بقية أخواته المستتبع لتوجهه إلى المشكوك في رتبة متأخرة عن ذاته المحفوظ جزئيته على
169

الفرض واقعا إلى رفع إيجاب الاحتياط المحفوظ في مرحلة الشك في الواقع لمحض وجود مقتضية وفي مثل هذا التقريب لا يكاد يثبت تمامية البقية في مثل الصلاة كما لا تثبت ذلك بالبراءة العقلية وليس ذلك أيضا بمهم بعد حكم العقل بالبراءة في الأقل والأكثر.
وأما لو بنينا على وجوب الاحتياط عقلا في الأقل والأكثر ففي جريان حديث الرفع بل وعموم الحلية ولو بتقرب تقدم من بعض الأعلام كمال إشكال إذ لازم حكم العقل بالاحتياط منجزية العلم الإجمالي وعدم تمامية الانحلال وحينئذ إتمام الترخيصات المزبورة ولو بنحو رفع إيجاب الاحتياط العقلي بتوسيط منشئه مبني على اقتضاء العلم الإجمالي للمنجزية بالنسبة إلى الموافقة القطعية وإلا فعلى المختار من علية العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في وجوب الموافقة القطعية أيضا لا مجال لجريان الأصول النافية في أطراف العلم ولو لم يكن معارضا بالمثل إلا في صورة اقتضائها جعل البدل وتطبيق معلومه على الفاقد وإثبات ذلك من مثل حديث رفع الجزئية في غاية الإشكال إذ مثل هذا الحديث غير ناظر إلى رفع الواقع كي بضم بقية الأدلة يثبت تمامية الفاقد وإنما تمام نظره إلى رفعها في مرتبة الشك بها وأدلة الجزئية الواقعية قاصر الشمول لهذه المرتبة فمن أين تثبت صلاة ظاهرية تامة بمثل ضم حديث الرفع إلى بقية أدلة الأجزاء وأما مفهوم نفسه أيضا قاصر عن إثبات تمامية البقية كي يؤخذ بدلالته الالتزامية فيصير تمامية الباقي من لوازم الرفع الظاهري نعم لو كان الرفع ناظرا إلى الواقع المشكوك بلا إناطة رفعه بنفس الشك كي يكون مفاده في عرض دليل مثبتية جزئيته واقعا وكان مقيدا له بحال العلم به كان لإثبات تمامية البقية
170

بضم بقية أدلة الأجزاء كمال مجال وذلك أيضا بعد الفراغ عن جعل الشك به هو الشك في الحكم الاقتضائي أو الإنشائي وأن المرفوع مرتبة فعليته وإلا يستحيل مثل هذا التقييد أيضا لأوله إلى الدور فتدبر ولكن أنى لك بإثبات مثل هذا النظر لمثل حديث الرفع المعدود من أدلة الأحكام الظاهرية التي شأنها إيراد النفي والإثبات في الرتبة المتأخرة عن الشك بالواقعيات كما لا يخفى خصوصا في مثل هذا الحديث بملاحظة سياق أخواتها وتتمة الكلام موكول إلى محله والله العالم.
لقد فرغنا من تسويده يوم الخميس في عشرين من شهر رجب سنة 1342
على يد الأقل الأحقر ضياء الدين بن محمد العراقي عفي عنهما.
باسمه تعالى
وله الحمد والصلاة على محمد وآله. لقد ضممنا رسالة الأستاذ قدس سره في اللباس المشكوك إجابة لجمع من الأفاضل ونتبعها بما برز من قلمه الشريف في خصوص استصحاب العدم الأزلي حرصا على توضيحه وإن تعرض له فيها بما لا مزيد عليه، ونرجو من أهل العلم المساعدة في طبع الأدلة العقلية من المقالات مستمدا من الله التوفيق والله خير معين.
الأقل مرتضى الموسوي الخلخالي النجفي
171

باسمه تعالى
تلخيص المقال ببيان أوضح في شرح جريان الأصل في الأعدام الأزلية يتوقف على تمهيد مقدمات.
(الأولى)
أنه بعد ما كان مرجع تقييد شيء بشيء إلى اعتبار إضافة بين الشيئين فمركز هذه الإضافة ليس إلا الذهن كيف وقد يكون طرف هذه الإضافة الطبائع بالإضافة إلى خصوصياتها المفردة وكذا الذوات بالنسبة إلى أوصافها ومن البديهي اقتضاء النسبة المزبورة اثنينية الطرفين وبديهي أن صقع هذه التجريد بين الطبائع وخصوصياتها ليس إلا الذهن وإلا فالخارج ظرف اتحادهما كما هو الشأن بين الذوات وأوصافها لأن الخارج ظرف اتحادها مع الوصف بنحو لا يتصور تخلل عدم بينهما مع أن شأن النسبة المزبورة ذلك ومن هنا نقول إن سنخ هذه النسب غير سنخ الإضافات المقولية والنسب الخارجية الموجبة لإحداث هيئة للطرفين في الخارج نعم قد يطابق هذه النسبة الاعتبارية مع الإضافة المقولية ولكن مجرد ذلك لا يقتضي إرجاعها إليها وحينئذ لا محيص من الالتزام بأن ظرف عروض التقيدات ذهني وحيث إن طرفيها لوحظت مرآة للخارج ربما تتصف النسبة المزبورة بالخارجية كما هو الشأن في متعلق الإرادات والعلوم وغيرهما
172

من الصفات الوجدانية كالتمني والترجي وغيرهما حيث أن ظرف عروضها الذهن وأن الخارج ظرف اتصافها.
(الثانية)
أنه بعد ما يكفي لاستصحاب كل طرف من النقيضين ترتب الأثر على نقيضه بلا احتياج إلى ترتب الأثر على نفسه لا شبهة في أنه لو ترتب الأثر على المقيد بأمر وجودي يكفي في نفي الأثر استصحاب نقيض المقيد بالوصف من نفي المقيد أو نفي القيد أو نفي النسبة الخارجية بينهما غاية الأمر لا يجري الأصل في الأخير إلا في ظرف وجود الذات وإلا ففي ظرف عدمها ينتفي المقيد بنفي الذات ولا يكاد يستند إلى نفي النسبة فلا أثر لنفي النسبة حينئذ بخلاف فرض وجود الذات فإن نفي النسبة أيضا من أحد أفراد نقيض المقيد وإن كان في طول نفي القيد.
ثم لا فرق في هذا الأصل بين أن يكون مجراها سلب الذات أو النسبة أو القيد بنحو السلب التام أو الناقص بنحو السلب المحصل لا المعدولة كيف والمعدولة في طول السالبة المحصلة لأن النسبة السلبية التي بها قوام القضية السلبية مأخوذة في محمول المعدولة فتصير النسبة المقومة لصيرورتها قضية في طول النسبة في السالبة المحصلة ولذا تخرج المعدولة عن كونها نقيضا للموجبة بل كانت من أضدادها الغير الكافي أثر الموجبة لجريان الأصل فيها.
وتوهم أن السالبة المحصلة ليست بقضية لأن القضية لا بد وأن تشتمل على النسبة والربط بين الموضوع والمحمول فلا يكون المتصف بعنوان القضية إلا المعدولة كلام ظاهري إذ الربط بين الشيئين كما أنه بوضع شيء على شيء كذلك ربما يتحقق برفع الشيء عن الشيء وفصله عنه فكان الفرق
173

بين النسبة الإيجابية والسلبية كالفرق بين الوصل والفصل حيث إن كلاهما نسبة غاية الأمر في الأول إيجابية وفي الأخير سلبية محضة.
فما اشتهر بأن مرجع السلب المحصل إلى سلب الربط قبال المعدولة الراجعة إلى ربط السلب كلام ظاهري بل مرجع السلب المحصل إلى ربط سلبي لا ربط سلب كما لا يخفى نعم النسبة السلبية لما كانت قائمة بالذات في صقع الذهن كالإيجابية على ما عرفت ربما يصدق مفاد السلب المحصل مع انتفاء الموضوع في الخارج وهذا المقدار لا يخرجه عن كونه قضية مشتملة على الموضوع والمحمول والنسبة السلبية التي ليس صقع الجميع إلا الذهن.
(الثالثة)
أن القيد وصفا كان أو غيره إنما يصير ذات أثر في ظرف عروض التقيد عليه لأنه ظرف شرطيته فقهرا يصير الوصف ذات أثر شرعي في المرتبة المتأخرة عن تقيده فلا جرم يكون عدم ذات الوصف ذات أثر في هذه الرتبة لأنه في هذه الرتبة نقيض الوجود المتصف بالأثر نظرا إلى لزوم حفظ الرتبة بين النقيضين وحينئذ ليس مطلق عدم الذات ولو في رتبة التقيد فضلا عن السابق عنه ذا الأثر بالمناط المزبور بل ما هو ذو أثر هو العدم المتأخر عن التقيد المتأخر عن الذات ولئن شئت قلت إن مركز الاستصحاب هو العدم المتأخر عن الذات برتبتين فما هو متأخر عن الذات برتبة واحدة خارجة عن محط الاستصحاب لعدم كونه نقيض ما هو ذو الأثر في كبرى الدليل كما لا يخفى نعم يكفي في الاستصحاب أيضا ترتب الأثر على الشيء في ظرف البقاء وإن لم يترتب عليه الأثر في الزمان السابق المتيقن حدوثه.
174

(وحيث اتضح مثل هذه الجهات نقول) إن التقيد القائم بالشيئين في لسان الدليل تارة قائم بالذاتين مطلقا من دون إناطته بوجود الذات الذي هو موضوع القضية وأخرى قائم بهما في ظرف وجود الذات هو موضوع القضية ومثال الفرضين واضح فعلى الأول كما هو الغالب في القضايا المقيدة كالامرأة القرشية والشرط المخالف واليد الأماني وماء الكر وأمثالها لا شبهة في أن التقيد المزبور قائم بنفس الذات في الرتبة السابقة عن وجوده نظير الملازمة القائمة بنفس الذات المحفوظة في المرتبة الصادقة حتى مع عدم الطرفين في الخارج خصوصا مع فرض استحالتهما فيه نظير الملازمة بين تعدد الآلهة وفساد العالم ففي هذه الصورة لا شبهة في أن في ظرف عدم الذات كان التقيد القائم بالطرفين محفوظا ولا يوجب عدم الذات في الخارج سلب هذا التقيد لما عرفت من أن معروض التقيد ليس إلا نفس الذات المحفوظ بين طرفي الوجود والعدم وحينئذ يصدق على عدم الوصف حتى في ظرف عدم الذات عدم ذات القيد الذي هو نقيض موضوع الأثر فإذا جر هذا العدم بالاستصحاب إلى حين الوجود يصدق نقيض القيد في هذا الظرف فيترتب عليه الأثر من رفع الحكم الثابت لوجوده وأما لو كان التقيد المزبور منوطا بالوجود المزبور فلا شبهة في أنه في ظرف عدم هذا الوجود لا يكون تقيد أصلا ففي هذا الظرف وإن صدق عدم الوصف الناشئ عن عدم الموصوف لكن مثل هذا العدم لا يكون ذا أثر لا لنفسه ولا بمناط المناقضة والأول واضح وهكذا الثاني لأن ذات العدم في ظرف عدم الموضوع ليس نقيض الوجود المأخوذ في الرتبة المتأخرة عن التقيد المتأخر عن وجود الموضوع برتبتين فلا جرم ما هو
175

ذو الأثر هو العدم المتأخر عن التقيد المتأخر عن الوجود برتبتين وحينئذ فلو جر هذا العدم إلى زمان الوجود فلا ينتزع العقل منه إلا العدم المتأخر عن الوجود برتبة واحدة وهذا العدم لا أثر له بل ما له الأثر هو العدم المتأخر عن التقيد المتأخر عن الوجود برتبتين فلا مجال حينئذ لإجراء الاستصحاب فيه بل إنما يصير مجرى الأصل العدم في ظرف التقيد المتأخر عن الوجود لا مطلقا وحينئذ الأصل في الأعدام يصير عقيما في هذه الصورة لا الصورة السابقة وحينئذ العمدة في المسألة ملاحظة هذه الجهة.
(وعن بعض الأعاظم من المعاصرين) جعل مناط جريان هذا الأصل وعدمه على كون الوصف المأخوذ قيدا بما هو شيء في حيال ذاته أو بما هو قائم بموصوفه وسمي الأول بالوصف المقارن والآخر بالنعتي وتوضيح مقالته هو أن الوصف الذي له وجود في غيره تارة يلاحظ نفس وجوده بما هو شيء في حيال ذاته بلا نظر إلى حيث قيامه بغيره وأخرى يلاحظ وجوده بما هو قائم بغيره فعلى الأول لا بأس بجريان الأصل في الأعدام الأزلية لأن عدم الوصف في ظرف عدم الموصوف نقيض نفس وجوده فبالاستصحاب يترتب الأثر على العدم المزبور من نفي الأثر القائم على الوجود وأما على الثاني فلا شبهة في أن عدم ذات الوصف في ظرف عدم الموصوف لا يكون نقيضا للوجود القائم بالذات لأن الوجود القائم بوجود الغير يكون في رتبة متأخرة عن وجوده فلا جرم يكون نقيض هذا الوجود المتأخر عن وجود موصوفه بوصف قيامه به هو العدم في ظرف وجود هذا الموصوف لا مطلق العدم فلا مجال لجر العدم السابق بالاستصحاب. هذا غاية مرامه.
(أقول) لا يخفى أن وجود الوصف بعد ما كان في الخارج قائما
176

بالموصوف وأن الموصوف من أجزاء علة وجوده فقهرا يصير بحسب الرتبة متأخرا عنه ولازم حفظ الرتبة بين النقيضين أن يكون عدمه أيضا في الرتبة المتأخرة عن نقيض الموصوف كما هو الشأن في العلة والمعلول وإلا ففي طرف الأعدام لا يكون تأثر وتأثير وحينئذ فكما يصدق أن بوجود الموصوف ربما يوجد الوصف كذلك يصدق أن بعدمه يعدم وحينئذ نقيض وجود الوصف لا يكاد ينحصر بالعدم في ظرف وجود موصوفه بل له فردان أحدهما العدم في ظرف الوجود والآخر العدم في ظرف عدم موصوفه نعم عدم الوصف متأخر رتبة عن الموصوف وجودا أم عدما وحينئذ مجرد أخذ حيث قيام الوصف بالموصوف قيدا في لسان الدليل لا يوجب حصر نقيضه بالعدم في ظرف وجوده بل يصدق نقيض الوصف بالعدم في ظرف عدم الموصوف أيضا وحينئذ فلو فرضنا أخذ التقيد في مرحلة الذات لا بأس باستصحاب عدم الوصف المتحقق في ظرف عدم موصوفه إلى حين وجوده ولا يكاد ينقلب عدم الوصف بانقلاب عدم الموصوف بالوجود كما هو واضح.
وتوهم أن مرجع أخذ الوصف بنحو النعتية قيدا إلى دخل قيامه بالموصوف في أصل التقيد ولازم ذلك دخل وجود الذات أيضا في التقيد فيرجع مآله إلى الصورة الثانية في الحكم بعدم جريان
الأصل فيه عند الشك أيضا، مدفوع بأن مجرد النعتية بالمعنى المزبور لا يقتضي دخل القيام المزبور في أصل التقيد بل يناسب مع دخله في القيد القائم به التقيد لا فيه نفسه وحينئذ لنا أن نلتزم بعدم اقتضاء الوصف بنحو النعتية قيدا منع جريان الأصل في نقيضه الأزلي فتدبر ولئن سلمنا حصر نقيضه بالعدم في
177

ظرف الوجود نقول بعد ما يكفي في استصحاب شيء ترتب الأثر على الشيء في ظرف بقائه بلا احتياج إلى الأثر في ظرف حدوثه نقول إن عدم الوصف بعد ما كان في ظرف عدم الموصوف بملاحظة تأخره رتبة عن نقيض الموصوف يصير متأخرا عن وجوده أيضا حفظا للرتبة بين النقيضين فإذا جر عدم الوصف إلى حين وجود موصوفه صدق حينئذ نقيض الوصف القائم بوجود موصوفه وهو العدم في ظرف الوجود فيترتب عليه أثر بقائه وإن لم يكن لحدوثه أثر لعدم كونه نقيض وجوده.
(فإن قلت) إن عدم الوصف إنما يصير متأخرا رتبة عن عدم موصوفه بملاحظة كونه نقيض وجوده المتأخر عن وجوده وإلا فمع صرف النظر عن هذه الجهة لا مجال لتأخر رتبة عدم الوصف عن عدم الموصوف بل ليس في البين حينئذ إلا العدم المقارن لعدم موصوفه وجر العدم المزبور لا يوجب تأخره عن الموصوف كي يصير نقيضا لوجوده المتأخر عنه رتبة وإنما هو نقيض لذات وجوده الغير الملحوظ قيامه بموصوفه وهو المسمى بالوصف المقارن فالاستصحاب المزبور يثمر في هذا المقام لا المقام السابق المأخوذ فيه الوصف نعتيا ومن حيث إنه قائم بموصوفه.
(قلت) إن وجود الموصوف بعد ما كان من أجزاء علل وجود الوصف كيف يعقل أن يكون عدمه مقارنا لعدم جزء علته بل المعلول وجودا وعدما متأخر عن علته بجميع أجزائه وجودا وعدما فلا محيص من الالتزام بتأخر عدم الوصف عن عدم الموصوف قهرا من دون فرق بين أخذه في عالم القيدية بنحو النعتية أو بنحو آخر فلا جرم يصير عدم الوصف في رتبة متأخرة عن وجود موصوفه أيضا في ظرف بقائه إلى حين الوجود لحفظ
178

الرتبة بين النقيضين وحينئذ لا فرق في هذه الصورة بين أن يكون القيد ذات الوصف مستقلا أو بما هو قائم بالغير ونعتيا كما هو ظاهر.
فتخلص أن في ظرف أخذ التقيد بين الموصوف والوصف بنحو الإطلاق لا بأس باستصحاب العدم المزبور ولو كان المأخوذ قيدا بنحو النعتية وإن كان ظرف التقيد متأخرا عن وجود موصوفه فلا يكاد يثمر استصحاب عدم الوصف إلى حين وجود الموصوف ولو فرض كون القيد هو الوصف لا بنحو النعتية لأن جر هذا العدم إلى حين الوجود لا يثبت إلا عدم الوصف في ظرف وجود موصوفه برتبة واحدة وهذا لا أثر له وإنما الأثر للعدم الملحوظ في الرتبة المتأخرة عن التقيد المتأخر عن الوجود برتبتين ولا يكاد ينطبق على المستصحب هذا العدم كما أشرنا وحينئذ مدار الجريان في الاستصحاب بالنسبة إلى الأعدام الأزلية ما ذكرنا من التفصيل لا ما أفيد فتدبر فإنه دقيق نافع
حرره ضياء الدين بن محمد العراقي سنة 1348
179