الكتاب: نهاية الأفكار
المؤلف: آقا ضياء العراقي
الجزء: ٤ ق ٢
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث آية الله العظمى الشيخ آغا ضياء الدين العراقي

القسم الثاني من
الجزء الرابع
من كتاب نهاية الأفكار
في مبحث الاستصحاب والتعادل والتراجيح
لحضرة
حجة الاسلام والمسلمين آية الله في العالمين الورع التقي
الشيخ محمد تقي البروجردي
قدس سره
تقرير
بحث أستاذ الفقهاء والمجتهدين آية الله العظمى
الشيخ ضياء الدين العراقي
قدس سره
منشورات
جماعة المدرسين في الحوزة العلمية
في قم المقدسة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
2

(خاتمة)
يذكر فيها أمور (الأول) انه قد اشتهر في كلماتهم اعتبار القطع ببقاء
الموضوع الذي هو معروض المستصحب في الزمان اللاحق على النحو الذي كان
معروضا له سابقا في جريان الاستصحاب حتى أنه صار مثل هذه الجهة في الوضوح
عندهم كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار، غير أنهم اختلفوا في أن المدار
في البقاء بالنظر العقلي أو الدليلي أو النظر العرفي بحسب مرتكزاتهم (وعمدة)
المستند فيما أفادوه ظهور اخبار الباب في كون قوام حقيقته باتحاد القضية المتيقنة مع القضية
المشكوكة موضوعا ومحمولا، بل هذه الجهة من الاتحاد من مقتضيات طبع
الاستصحاب ولو كان اعتباره من باب إفادته الظن أو من باب بناء العقلاء، فعلى
جميع المسالك لا بد في الاستصحاب من الاتحاد المزبور بين القضيتين، والا فمع
اختلافهما موضوعا أو محمولا فلا استصحاب (ولأجل) ذلك التزموا بلزوم احراز
الموضوع في الزمان اللاحق في جريان الاستصحاب (ولكن) لا يخفى عليك ان
غاية ما يقتضيه البرهان المزبور انما هو اعتبار الجزم بتعلق الشك في القضية المشكوكة بعين
ما تعلق به اليقين السابق في القضية المتيقنة، وفي هذا المقدار لا يحتاج إلى
إلى احراز وجود الموضوع خارجا والجزم به في جريان الاستصحاب، بل يكفي في هذا
الاتحاد احتمال بقاء الموضوع أيضا
فإنه مع هذا الاحتمال يصدق الشك في بقاء ما تيقن بثبوته سابقا بماله من الخصوصية
فيكون الشك متعلقا بعين ما تعلق به اليقين السابق حتى في المحمولات الثانوية والأوصاف
الخارجية كعدالة زيد وقيام عمرو أو سواد جسم ونحو ذلك (فإذا علم) بعدالة زيد
مثلا وشك في بقائها يجري فيها الاستصحاب ولو مع الشك في بقاء زيد في الخارج
(فان) العبرة في اتحاد القضيتين انما هو تعلق الشك بما تعلق به اليقين السابق،
3

وهذا المعنى كما يصدق في الشك في العارض والمحمول من جهة الشك في طرو المانع على
نفس العارض في ظرف اليقين بوجود معروضه، كذلك يصدق عند الشك فيه من جهة
الشك في بقاء معروضه، إذ القضية المتيقنة هي عدالة زيد وهي بعينها مما تعلق به
الشك اللاحق (وحيث) انه لا دليل على اعتبارا زيد من الاتحاد بين القضيتين موضوعا
ومحمولا، فلا يحتاج في التعبد الاستصحابي إلى احراز بقاء الموضوع خارجا، بل
يكفيه مجرد الشك في بقاء المحمول والعارض ولو مع الشك في بقاء موضوعه ومعروضه (من
غير فرق) بين ان يكون المستصحب هو الوجود المحمولي أو الوجود الرابط، فإنه على كل
تقدير يكفي في التعبد الاستصحابي مجرد اتحاد المتيقن والمشكوك ولا يحتاج إلى احراز
بقاء الموضوع (نعم) قد يحتاج إلى احراز وجود الموضوع أحيانا فيما إذا كان الأثر
مما يحتاج في ترتبه إلى تطبيق الموضوع المتعبد به خارجا، كاكرامه واطعامه والاقتداء به،
لا مثل التقليد ونحوه (ولكن) ذلك لخصوصية في كبرى الأثر تقتضي تطبيق
موضوعه خارجا، والا فطبع الاستصحاب لا يقتضي أكثر من اتحاد المتيقن
والمشكوك، ولذا لو لم يكن الأثر مما يحتاج في ترتبه إلى احراز بقاء موضوع
المستصحب خارجا كجواز التقليد عند عدالة المجتهد أو إطعام الفقير عند بقاء عدالة زيد،
يكتفى في استصحاب عدالته بصرف وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة (نعم) على
القول باختصاص اخبار الباب صرفا أو انصرافا بصورة اليقين باستعداد المستصحب
للبقاء والشك في الرافع لا بد في جريان الاستصحاب في الاعراض والمحمولات
الثانوية من احراز بقاء الموضوع في الخارج (لأنه) مع الشك في بقائه يشك في
استعداد العرض المتقوم به للبقاء، لامتناع بقاء العرض بلا موضوع أو انتقاله
من محله المتقوم به إلى محل آخر، ومع الشك في استعداده للبقاء لا يجري فيه
الاستصحاب (والى ذلك) نظر الشيخ (قدس سره) في استدلاله على مدعاه بقوله
لأنه لو لم يعلم بتحققه لاحقا فإذا أريد ابقاء المستصحب العارض له المتقوم به
(فاما) ان يبقى في غير محل وموضوع وهو مجال، واما ان يبقى في موضوع غير
4

موضوع السابق وهو أيضا محال (الخ) (فان) تشبثه بالبرهان المزبور انما هو من
جهة ملازمة الشك في بقاء الموضوع للشك في استعداد العرض القائم به للبقاء
لامتناع بقائه بلا موضوع (فما افاده) (قدس سره) على مسلكه من تخصيص
الاستصحاب بخصوص الشك في الرافع في غاية المتانة (ولا يتوجه) عليه اشكال
الكفاية بان الكلام في البقاء التعبدي لا في الحقيقي والبرهان المزبور انما يتم في
الثاني دون الأول (لان) مرجع البقاء التعبدي إلى لزوم ترتيب اثر البقاء في
الظاهر، ولا استحالة فيه مع الشك في الموضوع (كيف) ولا يحتمل من مثل
الشيخ الذي هو خريط هذه الصناعة الغفلة عن الفرق بين البقاء الحقيقي والتعبدي
كي يورد عليه الاشكال المزبور (ومن العجب) ان بعض الاعلام مع سلوكه مسلك
الشيخ (قدس سره) في تخصيص لا تنقض بصورة الشك في الرافع بعد احراز
استعداد المستصحب للبقاء اعرض عن الكبرى العقلية المزبورة واتكل في اعتبار
بقاء الموضوع بكبرى اتحاد القضيتين حتى أورد على الشيخ بأن التشبث بالكبرى
العقلية لاعتبار بقاء الموضوع تبعيد للمسافة من غير وجه يقتضيه، لامكان اثبات
المدعى بنفس الاتحاد كبرى القضيتين بلا احتياج إلى ضم الكبرى العقلية (إذ قد عرفت)
انه على هذا المسلك لا محيص من تبعيد هذه المسافة وبدونه لا يمكن اثبات المدعى
بنفس كبرى اتحاد القضيتين (وبذلك) نقول ان هذه الجهة من الثمرات المترتبة على
المسلكين في الاستصحاب (فإنه) على المختار من تعميم لا تنقض لصورة الشك
في المقتضى والرافع لا يحتاج إلى احراز وجود الموضوع لا حقا حتى في استصحاب
المحمولات الثانوية، إلا في الموارد المحتاجة إلى تطبيق الموضوع خارجا في مقام ترتيب
الأثر العلمي (وهذا) لا من جهة اقتضاء التعبد الاستصحابي ذلك، بل من جهة
خصوصية في كبرى الأثر في ترتبه على مفاد كان الناقصة من نحو اتصاف الموجود
بوصف كذا كالعالمية والعادلية، نظير وجوب إكرامه وإطعامه وقبول شهادته،
خصوصا على القول بأن مفاد لا تنقض عبارة عن جعل المماثل وإن العمل المترتب عليه
من شؤون إطاعة الامر الظاهري المستفاد من جعل المماثل، فان الاحراز المزبور
5

حينئذ شرط لتطبيق كبرى حرمة النقض في مقام الامتثال، لا انه شرط لأصل الكبرى
(واما) على القول بالتخصيص بالشك في الرافع بعد احراز استعداد البقاء، فلابد في
أصل التعبد الاستصحابي من الجزم ببقاء الموضوع، والا فمع الشك فيه لا استصحاب،
لملازمة الشك في وجود الموضوع لاحقا للشك في استعداد العرض القائم به للبقاء (من
دون) فرق في ذلك بين ان يكون الأثر لنفس العارض فقط، أو لمجموع العارض والمعروض
(ولا بين) ان يكون المعروض بنفسه مجرى للأصل، وبين عدم كونه مجر له (ولا بين)
كون الشك في العارض والمحمول مسببا عن الشك في بقاء معروضه وموضوعه
بترتب شرعي أم عقلي وبين كونه مسببا عن غير الشك في بقاء موضوعه، كالشك
في عدالة زيد لاحتمال فسقه مع الشك في حياته أيضا (فإنه) على كل تقدير لا يجري
الاستصحاب فيه ولو كان موضوعه بنفسه مجرى للأصل (إذ على هذا المسلك)
لا بد في جريان الأصل في نفس العارض والمحمول من احراز استعداد المستصحب
للبقاء، ومع الشك في الموضوع يشك في استداد العارض والمحمول للبقاء (ولا يجديه)
مجرد كون موضوعه بنفسه محطا للأصل، لعدم وفاء الأصل الجاري فيه لا ثبات
استعداد المستصحب للبقاء الا على القول بالمثبت (نعم) لو كان الشك فيه مسببا
شرعيا عن الشك في بقاء موضوعه، كالشك في مطهرية الماء لأجل الشك في بقائه
على كريته أو اطلاقه يجري الأصل في موضوعه ويترتب عليه آثار المحمول المترتب
عليه، بلا مجال لجريانه في محموله، وذلك لا من جهة حكومة الأصل الموضوعي على
الأصل الحكمي، بل من جهة عدم كونه بنفسه مجرى للأصل ولو مع قطع النظر
عن حكومة الأصل الموضوعي، بلحاظ عدم احراز استعداده للبقاء مع الشك في
موضوعه (وهكذا) الكلام فيما إذا كان الشك فيه مسببا عن سبب غير الشك في بقاء
موضوعه كالشك في عدالة زيد لاحتمال فسقه مع الشك في حياته أيضا.
(ولكن الذي) يظهر من الشيخ قده وبعض آخر جريان الاستصحاب
في هذا الفرض في الموضوع والمحمول، في فرض كون الأثر لمجموعهما (حيث أفاد)
بأنه يكفي في استصحاب العدالة حينئذ الشك في بقائها على تقدير الحياة،
6

نظرا إلى أن موضوع العدالة انما هو زيد على تقدير الحياة، لا ان الموضوع هو زيد
مطلقا حيا كان أو ميتا، وليس المستصحب عدالة زيد مطلقا بل عدالته في فرض
كونه حيا، وفي هذا الفرض يحرز استعدادها للبقاء، إذ لا يكون الشك فيها إلا
من جهة احتمال فسقه، فلا قصور حينئذ في استصحابها على هذا الفرض، (وبجريان)
الاستصحاب في الموضوع يحرز ظرفه فيلتئم الموضوع المركب حينئذ من ضم أحد
الأصلين إلى الآخر ويترتب عليه الأثر، كما يلتئم من ضم الوجدان إلى الأصل فيما
كان بعضه محرزا بالوجدان وبعضه بالأصل (فهنا) مستصحبان أحدهما حياة زيد
والآخر عدالته على تقدير الحياة وبضم أحد الأصلين إلى الآخر يلتئم موضوع الأثر
(ولكن) لا يخفى ما فيه إذ نقول ان الاستعداد المحرز في المقام بعد أن كان
تعليقيا لا تنجيزيا، يلزمه تعليقية أصل استصحابه والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك،
(وهذا المقدار) غير مجد في مقام العمل وتنجيز الأثر الا بعد وصول هذا التعليق إلى
مرحلته الفعلية والتنجيز، ولا يصل إلى هذه المرحلة الا بعد احراز المستصحب للبقاء
تنجيزيا، ومع الشك في الحياة لا يحرز ذلك لا وجدانا كما هو ظاهر، ولا تعبدا
لعدم وفاء الأصل الجاري في الموضوع لا ثبات استعداد محموله للبقاء الا على المثبت،
(ومعه) كيف يجري الأصل في المحمول كي بضم جريانه في الموضوع يلتئم الموضوع
المركب فيترتب عليه الأثر (نعم) ذلك يتم على المختار من تعميم لا تنقض لصورة
الشك في الرافع والمقتضى وعدم الاحتياج إلى احراز الاستعداد (إذ عليه)
يكفيه مجرد اتحاد القضيتين بمعنى تعلق الشك بما تعلق به اليقين السابق موضوعا
ومحمولا الصادق ولو مع الشك في بقاء معروض المستصحب خارجا، فمع احراز هذه
الجهة لا بأس بجريان الاستصحاب في العارض والمعروض، حيث يلتئم بهما الموضوع المركب،
فيترتب على استصحابهما اثر المجموع (وذلك) أيضا إذا لم يحتج في مقام ترتيب الأثر
إلى تطبيق موضوع المتعبد به وجدانا، والا فلا يجري الاستصحاب على المختار
أيضا، لعدم ترتب الأثر العمل المقوم، لجريانه، الا إذا فرض كفاية احرازه تعبدا
في مقام ترتب الأثر العملي عليه، فيجري الاستصحاب حينئذ في كل من الموضوع
7

والمحمول (وبذلك) ظهر الحال فيما لو كان الشك في العارض والمحمول مسببا شرعيا
عن الشك في الموضوع، فإنه يجري الأصل في الموضوع ويترتب عليه الأثر،
بلا جريانه في طرف المحمول ولو على المختار من تعميم لا تنقض بصورة الشك في
المقتضى، وذلك لا من جهة حكومة الأصل الموضوعي عليه، بل من جهة عدم
ترتب اثر عملي عليه حينئذ الا بعد التطبيق الملازم لسقوطه، لأنه قبل تطبيق
الموضوع واجراء الاستصحاب فيه لا يترتب على استصحاب المحمول اثر عملي لما هو
الفرض من احتياج تربته إلى تطبيق موضوع المتعبد به ولو تعبدا، وبعد تطبيقه
باجراء الاستصحاب فيه يسقط استصحاب المحمول، لأنه باستصحاب الموضوع
يترتب عليه الأثر المزبور بلا احتياج إلى جريانه في نفس المحمول (هذا كله)
إذا كان الشك في المحمول المترتب مسببا عن الشك في بقاء الموضوع ذاتا أو في بقاء
قيده الذي له دخل فيه مع العلم بحقيقته بحدوده وقيوده (واما لو كان) الشك في
المحمول مسببا عن الشك في حقيقة الموضوع، لتردده بين الزائل والباقي، في فرض العلم
بانتفاء ما يحتمل دخله في حقيقة الموضوع، كالماء المتغير الذي زال تغيره من قبل
نفسه، إذ يشك حينئذ في بقاء المحمول الذي هو النجاسة من جهة الشك في موضوعها
في أنه الماء المتغير بوصف تغيره، أو ذات الماء المحفوظ مع التغير وعدمه (فلا مجال)
فيه لاستصحاب الموضوع (إذ هو) من جهة تردده بين العنوانين المعلوم انتفاء أحدهما
وبقاء الآخر مما يختل فيه أحد ركني الاستصحاب وهو الشك على كل تقدير (نعم)
ما هو المشكوك حينئذ انما هو العنوان العرضي كعنوان موضوع الحكم، ومثله
لا يكون موضوعا لاثر شرعي حتى يجري فيه الاستصحاب (وبهذه الجهة) منعنا
عن جريان الاستصحاب في الفرد المردد، وفي جميع الشبهات المفهومية الحكمية،
نظرا إلى انتفاء الشك فيما كان موضوعا للأثر الشرعي لدورانه بين ما هو المعلوم
وجوده وتحققه وبين ما هو المعلوم عدم وجوده، وانتفاء الأثر فيما كان مشكوكا (فلا بد)
في أمثال هذه الموارد من الرجوع إلى الأصل الحكمي (فيتأتى) فيه التفصيل المتقدم
بين المسلكين في لزوم احراز بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب على مسلك تخصيص
8

الاستصحاب بخصوص الشك في الرافع بعد احراز استعداد المستصحب للبقاء،
وعدم لزوم احراز بقائه على المسلك الآخر الا في موارد احتياج الأثر العملي في تربته
إلى تطبيق موضع المتعبد به في الخارج فتدبر.
(بقى الكلام)
في تحديد الموضوع والوحدة والاتحاد في الاستصحاب في أنه بالنظر الدقى
العقلي، أو النظر العرف الدليلي أو بالنظر العرف المسامحي حسب ما هو
المرتكزة في أذهانهم من مناسبة الحكم وموضوعه، ولو على خلاف نظرهم
الدليلي (فان للعرف) نظرين، (أحدهما) من حيث كونه من أهل المحاورة ومن أهل
فهم الكلام وبهذا النظر يحدد الموضوع الدليلي في فهم المرادات ولو بواسطة
القرائن الحافة بالكلام (فيفرق) بين قوله الماء المتغير ينجس، وبين قوله الماء إذا
تغير ينجس، من حيث فهمه الموضوع في الأول هو الماء المتغير بما هو متغير، وفى
الثاني ذات الماء وكون التغير جهة تعليلية لثبوت النجاسة للماء (وثانيهما) بما هو
المرتكز في ذهنه من المناسبة بين الحكم وموضوعه ولو على خلاف ما هو المتفاهم
من الكلام، فيرى ان موضوع النجاسة حتى في مثل قوله الماء المتغير ينجس ذات الماء
وان التغير واسطة في ثبوت النجاسة ومن الجهات التعليلة، لما هو المرتكز في ذهنه من
أن النجاسة من عوارض الماء لا من عوارض الماء والتغير، وان كان بحسب نظره
الدليلي خلاف ذلك فيفهم ان موضوع النجاسة في المثال هو الماء بوصف تغيره
(غاية الامر) لا بد من تحديد هذا الارتكاز بحد لا يكون من القرائن الحافة
بالكلام بحيث يمنع عن انعقاد الظهور، ولا من القرائن المنفصلة الموجبة لرفع اليد
عن الظهور (بل على وجه) يرى الخصوصية المأخوذة في الموضوع من الجهات
التعليلية لا بنحو تكون علة منحصرة.
9

(وبذلك) يندفع ما قد يتوهم من الاشكال في المقام بأنه بعد الجزم، بمرجعية
العرف في تحديد مفاهيم الألفاظ وتشخيص مداليلها بلا مدخلية للعقل في ذلك،
وعدم العبرة بالمسامحات العرفية في باب التطبيقات ولزوم كون التعويل فيها
على النظر العقلي الدقى (لا وجه) للمقابلة بين العقل والعرف والدليل (فإنه)
ان أريد من الرجوع إلى العرف الرجوع إليه في معرفة معنى موضوع الدليل
وتشخيص مفهومه، فهو صحيح الا انه لا يختص بباب الاستصحاب لعموم
مرجعية نظر العرف في تشخيص مفاهيم الألفاظ وتحديد مداليلها في القضايا الشرعية
وغيرها، فلا معنى لجعل الموضوع العرفي مقابلا لموضوع الدليلي في خصوص باب
الاستصحاب، لرجوع موضوع الدليلي حينئذ إلى الموضوع العرفي (وان أريد)
من الرجوع إلى العرف الرجوع إليه فيما يتسامح فيه العرف ويراه من مصاديق
موضوع الدليل في مقام التطبيق مع عدم كونه بالنظر الدقى من مصاديقه، نظير
اطلاقه مفهوم الكر والفرسخ وألحقه على ما ينقص ويزيد بقليل على المقدار أو
الوزن المحدود (فقد عرفت) انه لا عبرة بالمسامحات العرفية في باب التطبيقات بعد
تشخيص المفاهيم (وعليه) فلا وقع لجعل الموضوع العرفي مقابلا للموضوع الدليلي
في باب الاستصحاب
(وجه الاندفاع) ما عرفت من أن للعرف نظرين، تارة من حيث كونه
من أهل المحاورة وفهم مداليل الألفاظ، وأخرى من حيث ما ارتكز في ذهنه ولو من
جهة مناسبات الحكم وموضوعه بنحو يرى الخصوصية المأخوذة في الموضوع من
الجهات التعليلية لثبوت الحكم، أو من القيود غير المقومة لحقيقية الموضوع،
مع حكمه بان ما هو ظاهر الدليل مراد الشارع من خطابه (فالمقابلة) بين العرف
والدليل انما هو بلحاظ النظر الثاني الناشئ من المناسبات المغروسة في أذهان العرف
بنحو يرى الموضوع شيئا صالحا للبقاء (إذ حينئذ) احتمال مطابقة الشرع مع
العرف في واقع الحكم ولبه، منشأ للشك في بقائه (فيقع) الكلام في أن عموم
لا تنقض في توجيه التعبد بالبقاء سيق بأي لحاظ (فان سيق) بالأنظار الدقيقة
10

العقلية، فيشكل امر الاستصحاب في كل مورد احتمل رجوع القيد إلى الموضوع
(لان) مع هذا الشك لا يجزم باتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة (وان سيق)
بالنظر الدليلي، فلا بد من لحاظ لسان الدليل بكونه على نحو يكون القيد مأخوذا
في الموضوع كقوله الماء المتغير ينجس أو مأخوذا شرطا للحكم كقوله الماء ينجس إذا
تغير باجراء الاستصحاب في الثاني دون الأول (وان سيق) بالأنظار العرفية،
فلا بد من ملاحظة نظرهم من أنه في أي مورد يفي بالاتحاد فيجري الاستصحاب
وان لم يساعده العقل والدليل، وفي أي مورد لا يفي بالاتحاد فلا يجري الاستصحاب
وان ساعده العقل والدليل.
(وبعد ما اتضح ذلك) نقول في تنقيح المرام أولا بعد عدم وقوع عنوان
البقاء والاتحاد في حيز الخطاب الشرعي، واحتياج الاستصحاب إلى اعمال نحو
من المسامحة في ارجاع القضية المشكوكة إلى المتيقنة في اخبار الباب، بلحاظ ان
ارجاعها إليها دقة يوجب عدم اجتماع اليقين والشك في زمان واحد، فيلزم استفادة
قاعدة اليقين من اخبار الباب لا الاستصحاب، وهو مع كونه خلاف جرى عنوان اليقين
والشك بلحاظ حال النسبة المقتضى لوجود الوصفين حالها، ينافي التطبيقات الواردة فيها
من الإمام (ع) على مورد الاستصحاب (ان استفادة) البقاء والاتحاد، تارة
يكون من جهة انتزاعهما من ارجاع الشك إلى اليقين بتوسيط لحاظ اليقين بالشئ
في متعلق الشك، في مثل قوله لا تنقض اليقين بالشك، حيث إن اللحاظ المزبور في
ارجاع الشك إلى اليقين يقتضي نحوا من الاتحاد بين القضيتين الموجب لانتزاع
عنوان البقاء منه (وأخرى) من جهة اطلاق النقض في المقام الصادق حقيقة على
مجرد اتحادهما بأحد الأنظار وان لم يكن واقعيا دقيا (فعلى الأول) يكون
مرجع الخلاف في المقام إلى أن المسامحة المزبورة هل بمقدار الغاء وحدة الزمان
فيهما مع حفظ سائر الجهات دقة عقلية، كي يلزم احتياج الاستصحاب في جريانه في
المتيقن إلى صدق البقاء دقة عقلية، كما في فرض أخذ عنوان البقاء والاتحاد في حيز
الخطاب (أو أن المسامحة) ملحوظة من سائر الجهات أيضا (فعلى المسلك الأول)
11

لابد من جعل مركز البحث في المقام في اختلاف الأنظار، فيما قام به عنوان الاتحاد
والبقاء والابقاء التعبدي الذي هو نفس كبرى المستصحب وما هو موضوع
الحكم في القضية المتيقنة، لا في عنوان البقاء والاتحاد، إذ هما كعنوان الماء
والكلا من المفاهيم المحرزة من العرف في مقام شرح ألفاظها، مما لا اختلاف فيه
بين العقل والشرع والعرف، ولابد في تطبيق عنوانهما على المورد من كونه دقيا
عقليا لا مسامحيا، نظير الأوزان والمقادير (وحينئذ) فبعد اختلاف الأنظار
في موضوع الحكم باعتبار انه قد يكون عند العقل شيئا لا يصدق عليه البقاء
حتى بنظر العرف لو التفت إليه، وعند العرف شيئا يصدق عليه البقاء حقيقة حتى
بنظر العقل (وعدم) امكان سوق لا تنقض في لحاظ الاتحاد بين القضيتين بجميع
الأنظار، لاستلزامه اجتماع أكثر من لحاظ واحد في اللحاظ المقوم لارجاع
الشك إلى ما تعلق به اليقين، كما عرفت نظيره في وجه المنع في الجمع بين القاعدة
والاستصحاب (يرجع البحث) المزبور إلى أن سوق التعبد بالبقاء في الكبريات
الواقعية بلحاظ اي موضوع، من العقلي أو الدليلي، أو العرفي بلحاظ ما يفهم من نظائره
بمقتضى الارتكاز من مناسبات الحكم وموضوعه (وبعد الجزم) بعدم كون
المدار في اخذ الموضوع واتحاد القضيتين في باب الاستصحاب على الدقة العقلية
باجماع منهم، يدور الامر بين ان تكون الكبريات الواقعية عند توجيه التعبد
بالبقاء إليها ملحوظة على نحو يراها العرف من ظاهر الدليل، كي يفرق بين ان يكون
القيد المشكوك دخله مأخوذا في الدليل بنحو التوصيف، كقوله الماء المتغير ينجس، أو بنحو
التعليل، كقوله الماء ينجس إذا تغير باجراء الاستصحاب في الثاني دون الأول
(أو ملحوظة) بانظار العرف المسامحية، كي لا يفرق بين اللسانين، ويدور جريان
الاستصحاب مدار فهم كون القيد المشكوك دخله في الموضوع من القيود غير المقومة
لحقيقة الموضوع أو من القيود المقومة (فيلتزم) بجريان الاستصحاب في الأول ولو كان
اخذه في الدليل بنحو التوصيف، وعدم جريانه في الثاني ولو كان اخذه في الدليل
بلسان التعليل (وبذلك) ظهر انه ليس المقصود من المسامحة في المقام المسامحة
12

في تطبيق كبرى المستصحب على المورد، كي يورد عليه بان تطبيق الكبريات الواقعية
على مصاديقها لا يكون الا عقليا (وانما المقصود) هو المسامحة فيها في مقام توجيه
التعبد في بالبقاء إليها، لا في نفسها مع قطع النظر عن توجيه التعبد بالبقاء نحوها،
بل ولا في البقاء والابقاء المأخوذ في كبرى الاستصحاب (واما على المسلك الثاني)
وهو كون المسامحة في ارجاع الشك إلى اليقين من سائر الجهات أيضا على نحو
يقتضي نحوا من الاتحاد بين القضيتين (فلازمه) كون النظر إلى الكبريات
الواقعية دقيقيا عقليا حتى في مقام توجيه التعبد بالبقاء إليها فضلا عن مرحلة تطبيقاتها
(وعليه) لا بد من جعل مركز الخلاف في الأنظار في نفس البقاء والابقاء التعبدي
الذي هو مأخوذ في نفس الاستصحاب وفي كبرى لا تنفض اليقين، لا في كبرى
المستصحب (فإنه) يختلف فيه اللحاظ من حيث كونه، تارة متعلقا بالشئ بتمام
خصوصياته المحفوظة فيه دقة، وأخرى لا بهذه الخصوصية بل بالنظر المسامحي
الموجب لانتزاع عنوان البقاء والاتحاد المسامحي، مع كون الملحوظ أيضا تارة ذات
الشئ، وأخرى بما هو مدلول الدليل، اما بدوا أو مستقرا ولو بواسطة القرائن
المتصلة أو المنفصلة (وبكل نظر) ينتزع نحوا من البقاء (وعلى ذلك) فليس
اختلاف العقل والعرف في صدق البقاء من جهة الاختلاف في حقيقة البقاء، بل ولا
من جهة الاختلاف في حقيقة الموضوع المأخوذ في كبرى المستصحب
(وانما كان) ذلك في ارجاع الشك إلى اليقين في كبرى لا تنقض اليقين بالشك في أنه
بلحاظ ونظر دقي، أو بلحاظ ونظر مسامحي موجب لانتزاع عنوان البقاء والاتحاد
المسامحي ولو مع فهم العرف حقيقة موضوع كبرى الحكم في الدليل على نحو
ما يراه العقل موضوعا بنحو لا يصدق البقاء عليه حقيقة حتى بنظر العرف (ومن
هنا) يظهر انه لا يحتاج على هذا المسلك إلى تنقيح موضوع كبرى الحكم
الواقعي، كي يفرق بين الاحكام المستكشفة من الاحكام العقلية والنقلية ثم التشبث
في النقلية بفهم العرف موضوعا آخرا ولو على خلاف ما يفهم من ظاهر الدليل بمناسبات
ارتكازية (بل الموضوع) أيما كان يكتفي بالمسامحة في النظر في ارجاع القضية
13

المشكوكة إلى المتيقنة في تطبيق عموم لا تنقض على المورد دقة (بخلاف المسلك
السابق) فإنه يحتاج إلى تنقيح موضوع كبرى الدليل ولو بالتشبث بفهم العرف
بمناسبات ارتكازية
(وحيث اتضح ذلك) نقول بعد فرض عدم اخذ عنوان البقاء والاتحاد في
حيز الخطاب الشرعي، وفرض انتزاعهما من ارجاع الشك إلى اليقين بلحاظ اليقين
بالشئ في متعلق الشك الموجب لنحو من الاتحاد بين القضيتين بنحو ينتزع منه
عنوان الابقاء والبقاء أيضا (انه يكفي) نفس موارد نصوص الباب والتطبيقات
الواردة فيها على الاستصحاب في ترجيح المسلك الثاني من اثبات كون النظر في
ارجاع الشك إلى اليقين تسامحيا لا دقيا حقيقيا (إذ مع) لا بدية اعمال المسامحة
في النظر في ارجاع القضية المتيقنة إلى المشكوكة في انطباق أخبار الباب على
الاستصحاب (يكتفى) بهذا المقدار من الاتحاد المسامحي في تطبيق عمومات
الباب دقة على المورد (ولا يحتاج) إلى الاتحاد الحقيقي، كي يحتاج إلى استفادة
كون الموضوع في كبرى المستصحب شيئا قابلا للبقاء الحقيقي، ليصدق عليه
الاتحاد الحقيقي ولو بالتشبث بفهم العرف بمقتضى الارتكاز والمناسبات (فان ذلك)
كله انما يناسب المسلك الأول (والا فعلى) هذا المسلك يكفي مجرد صدق البقاء
والاتحاد المسامحي بين القضيتين في جريان الاستصحاب وتطبيق عمومات الباب دقة
على المورد (ومرجع) هذه المسامحة كما عرفت إلى المسامحة في أصل كبرى لا تنقض
اليقين بالشك في ارجاع الشك التي اليقين، لا في تطبيق هذه الكبرى على المورد،
ليكون على خلاف قاعدة تطبيق الكبريات الواقعية على مصاديقها دقة عقلية، بل
التطبيق فيها أيضا يكون على الدقة العقلية (وعلى ذلك) لا فرق في جريان
الاستصحاب بين أنحاء الستة الدليل (بل مهما) كان القيد المشكوك دخله من القيود
غير المقومة يجرى الاستصحاب (لان) المناط فيه حينئذ على مجرد اتحاد القضيتين
ولو مسامحيا (هذا كله) بناء على استفادة (اتحاد القضيتين من عموم لا تنقض
بلحاظ تكفله لارجاع الشك إلى متعلق اليقين) (واما بناء) على عدم تكفل
14

العموم المزور لمثل هذا الارجاع، وقلنا ان الاتحاد بين القضيتين مستفاد من
اطلاق النقض (فان قلنا) انه يصدق النقض حقيقة على مجرد وحدة القضيتين بأحد
الأنظار وان لم يكن حقيقيا، فلا شبهة في شموله لجميع الأنظار، إذ مفاد العموم
المزبور حينئذ حرمة كل ما يكون نقضا لليقين بالشك سواء كان منشئه الوحدة
العقلية أو الدليلية أو العرفية، ولازمه كفاية الوحدة بأحد الأنظار في صدق
النقض (وأما إن قلنا) إن صدق النقض الحقيقي يدور مدار وحدة القضيتين دقة
عقلية، فلا يشمل النقض العرفي المسامحي الذي هو في الحقيقة من افراده الادعائية
(لوضوح) أنه لا جامع بين النقض الحقيقي والادعائي، كي يشمله عموم حرمة
النقض، فيحتاج حينئذ إلى قيام دليل في البين يقتضي الحاق النقض الادعائي
بالنقض الحقيقي، والا فلا يشمل إلا ما كان نقضا حقيقيا (اللهم إلا) أن يقال أن
مقتضى الاطلاق اللفظي في النقض وإن كان هو الاختصاص بالنقض الحقيقي (ولكن)
مقتضى الاطلاق المقامي شموله لما كان نقضا في الأنظار العرفية (وحينئذ) فبعد سوق
مثل هذه القضية على الأنظار العرفية يستفاد بمقتضى الاطلاق المقامي كون المدار
على ما يكون نقضا بالنظر العرفي ولو لم يكن نقضا بمعناه الحقيقي، ولا يعتنى
بما يقتضيه الاطلاق اللفظي من الاختصاص بالنقض الحقيقي المستتبع للوحدة الحقيقة
بين القضيتين (لان) تمامية هذا الاطلاق فرع عدم تمامية الاطلاق المقامي الذي
من مقدماته غفلة العرف غالبا عن كثير من المصاديق الحقيقية، وإلا فبعد تمامية
الاطلاق المقامي من الخطاب المتوجه إلى العرف يستكشف عن أن المدار التام على
ما هو نقض بنظر العرف لا على النقض الحقيقي (بل وبناء) عليه يمكن دعوى عدم
شمول مثل هذا الخطاب المتوجه إلى العرف للنقض الدقي الذي لا يفهمه العرف كما
هو ظاهر (بل ولعل) مثل هذه الجهة هو المنشأ أيضا في مصيرهم إلى كون المدار
في بقاء الموضوع واتحاد القضيتين على الأنظار العرفية، بلا اعتناء منهم على صدق
النقض بمعناه الحقيقي والله العالم بالحال.
15

(الامر الثاني)
يعتبر في الاستصحاب ان يكون ما أحرز ثبوته مشكوك البقاء والارتفاع
والا فلو أحرز بقائه أو ارتفاعه فلا استصحاب ووجهه ظاهر (وهذا) في الاحراز
الوجداني واضح (وانما الكلام) في الاحراز التعبدي الحاصل مما أقامه الشارع
مقام الاحراز الوجداني، كالطرق والامارات المعتبرة (ومنشأ) الاشكال بقاء
الشك الوجداني في البقاء والارتفاع على حاله وعدم زواله بقيام الطرق والامارات
على البقاء أو الارتفاع (ولكن) مع ذلك لا اشكال بينهم في الاخذ بالطرق
والامارات وعدم الاعتناء معها بالاستصحاب (وان كان) قد يظهر من بعضهم في بعض
المسائل الفقهية اعمال المعارضة بينهما أو الاشكال في تقديم الامارة عليه (ويمكن)
أن يكون ذلك منهم للبناء على كون الاستصحاب من الأمارات الظنية كما يشهد
به استدلالهم للاستصحاب بكونه مفيدا للظن بالبقاء وحكم العقل بالأخذ بالراجح
(وإلا) فبناء على اخذه من الاخبار وكونه من الأصول العملية كما عليه المحققون
فلا اشكال في تقديم الامارة ولو على البقاء وعدم جريان الاستصحاب معها (نعم)
انما الخلاف بينهم في وجه تقديم الامارة من كونه بمناط الورود أو الحكومة
أو التخصيص.
(ولتحقيق) الكلام في المقام لا بأس بالإشارة الاجمالية إلى معنى الورود
والحكومة وبيان الفارق بينهما وبين التخصص والتخصيص (فنقول): اما الورود
فهو عبارة عن كون أحد الدليلين بجريانه رافعا لموضوع دليل المورود وجدانا
وحقيقة بحيث لولا جريانه لكان المورود جاريا، كما في الطرق والامارات المعتبرة
بالنسبة إلى الأصول العقلية، كالبرائة والاحتياط والتخيير (حيث) ان الامارة
بقيامها في مورد على الوجوب أو الحرمة مثلا تكون بيانا على الواقع، فيرتفع
16

اللابيان الذي هو موضوع البراءة العقلية، كما أنه يتحقق المؤمن عند قيامها على
الإباحة فيرتفع احتمال الضرر والعقوبة الذي هو موضوع حكم العقل بالاحتياط،
ويرتفع به أيضا التحير الذي هو موضوع حكمه بالتخيير (نظير التخصص) غير أن
الميز بينهما هو ان في التخصص يكون خروج المورد عن تحت دليل الآخر ذاتيا،
كما في خروج زيد الجاهل عن عموم أكرم العلماء، بخلافه في الورود، فان خروج
المورد عن تحت دليل المورود عرضي ناشئ عن تصرف من الشارع بالتعبد بدليل
الوارد، بحيث لولا عناية التعبد بدليله لكان دليل المورود جاريا وشاملا للمورد
(ولذلك) نفرق في الأصول العقلية تخصصا وورودا بين الأدلة القطعية والتعبدية
بخروج المورد عن مجرى الأصول في الأول من باب التخصص وفي الثاني من باب
الورود (وأما الحكومة) فهي عبارة عن كون أحد الدليلين متعرضا لحال مفاد
دليل آخر، اما بعناية التصرف في عقد وضعه توسعة أو تضييقا بادخال ما يكون
خارجا عنه أو اخراج ما يكون داخلا فيه، كقوله زيد عالم أو ليس بعالم عقيب
قوله أكرم العالم (وأما) في عقد حمله بكونه ناظرا ولو بدوا إلى تعيين مفاده،
كقوله لا ضرر ولا ضرار ولاحرج في الدين بعد تشريع الاحكام، أو قبله
(وبذلك) يفترق الحاكم عن المخصص، فان الحكومة بحسب النتيجة وان كانت
تشارك التخصيص من حيث كون خروج المورد عن تحت دليل الآخر حكميا
لا حقيقيا، (الا ان الفرق) بينهما هو ان في التخصيص يكون خروج المورد عن
تحت العام بلا تصرف من المخصص في عقد وضع العام أو عقد حمله كما في قوله
لا تكرم زيدا بعد قوله أكرم العلماء، وفى الحكومة يكون ذلك بعناية تصرف
من الحاكم في عقد وضع المحكوم ادخالا أو اخراجا، أو في عقد حمله (وربما)
يكون بينهما الفرق من جهات أخرى يأتي تفصيله في مبحث التعادل والتراجيح.
(وبعد ما عرفت ذلك) نقول ان التنزيل المستفاد من أدلة الامارات، اما
ان يكون ناظرا إلى حيث تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع، واما أن يكون
ناظرا إلى المؤدى باثبات كونه هو الواقع، بلا تكفله لحيث تتميم كشف الامارة
17

(فعلى الأول) كما هو التحقيق يكون تقديم الامارة على الأصول التي منها
الاستصحاب بمناط الحكومة لا غيرها (إذ هي) بدليل تتميم كشفها تكون رافعة
للشك الذي أخذ موضوعا في الأصول، ومثبتة للمعرفة المأخوذة غاية في مثل دليل
الحلية ودليل حرمة النقض، وبهذا الاعتبار تكون ناظرة إلى نفى الحكم المترتب
على عدم انكشاف الواقع واستتاره (ومعه) لا يكون رفع اليد عن اليقين
السابق في الاستصحاب من نقض اليقين بالشك، بل كان من نقض اليقين باليقين
(من غير فرق) في ذلك بين ان نقول برجوع التنزيل في مفاد لا تنقض إلى المتيقن
ولو بتوسط اليقين، أو إلى نفس اليقين، فإنه على كل تقدير يكون تقديم الامارة
عليه بمناط الحكومة لا بمناط الورود (إذ لا وجه) حينئذ لدعوى ورودها عليه
بعد بقاء الشك الوجداني على حاله الا بأحد الأمور (اما دعوى) كون المراد من
اليقين الناقض مطلق اليقين الصالح للناقضية عملا كي يشمل اليقين الوجداني والتعبدي
(أو دعوى) ان المراد منه خصوص اليقين الوجداني ولكن متعلقه أعم من الحكم
الواقعي والظاهري (واما دعوى) كون المراد منه مطلق الحجة سواء كانت
عقلية كالعلم أو شرعية كالأمارات، وهكذا في العلم المأخوذ غاية في سائر الأصول
(فإنه) على كل واحد من هذه الوجوه تكون الامارة واردة على الأصول لكونها
موجبة لخروج المورد حقيقة عن موضوع دليل الأصول (ولكن) الجميع كما
ترى تخالف جدا ظواهر أدلة الأصول (لوضوح) ظهورها في أن الغاية فيها هي
خصوص اليقين الوجداني المتعلق بخصوص الحكم الواقعي، كظهورها في اختصاص
الشك المأخوذ في موضوعها بالشك بالحكم الواقعي، لا الشك بمطلق الحكم (ومع
هذا) الظهور، لا مجال لتوهم ورود الامارة عليها، بل لا محيص من أن يكون تقديمها
عليها بمناط الحكومة بالحكومة الظاهرية، لا الواقعية إذ عليه يكون كل من
المعرفة والمتعلق في الأصول على ظاهره في الاختصاص بالمعرفة الوجدانية المتعلقة
بخصوص الحكم الواقعي (واما على الثاني) الراجع إلى كون التنزيل فيها راجعا
إلى المؤدي بالبناء على كونه هو الواقع بلا نظر إلى تتميم كشفها واثبات الاحراز
18

التعبدي للواقع (فلا مجال) لتقريب حكومة الامارات على الأصول (لوضوح)
عدم اقتضاء الامارة حينئذ لا ثبات الاحراز التعبدي للواقع ونفى الحكم المترتب على عدم
انكشاف الواقع (فان) غاية ما يقتضيه دليل الامارة حينئذ انما هو مجرد تنزيل
المؤدي منزلة الواقع والامر بالمعاملة معه معاملة الواقع، ومثله غير مثبت للعلم
بالواقع ولو تعبدا كي به يتحقق مناظ حكومتها على أدلة الأصول (وبذلك)
نقول ان افاده المحقق الخراساني قده من منع الحكومة على هذا المسلك الذي
هو مختاره في غاية المتانة، وان كان ما افاده حينئذ من تقريب الورود في غير محله
كما بيناه (وحينئذ) فبعد انهدام أساس حكومة الامارات وورودها على أدلة
الأصول، يتحقق التنافي لا محالة على هذا المسلك بين مفاد الامارات وبين مفاد
الأصول (حيث إنه) مع بقاء الشك الوجداني بالواقع على حاله وعدم ارتفاعه
بقيام الامارة لا وجدانا ولا تعبدا وتنزيلا، يجري فيه الاستصحاب لا محالة، ومعه
لا بد وأن يكون تقديم الامارة عليه بمناط التخصيص، لا بمناط الحكومة أو الورود
(بل لازم) هذا المسلك أيضا عدم قيام الامارة مع مقام القطع المأخوذ جزء الموضوع
أو تمامه على وجه الطريقية (لان) ذلك من لوازم رجوع التنزيل فيها إلى تتميم
الكشف واثبات الاحراز التعبدي للواقع (ولكن) الذي يسهل الخطب هو
فساد أصل هذا المسلك (فان التحقيق) كما حققناه في محله وهو المسلك الأول،
وعليه يكون تقديمها على الأصول التي منها الاستصحاب بمناط الحكومة، كما أنه
عليه يصح قيامها مقام القطع الطريقي والموضوعي جزءا أو تماما (ثم إن) ما ذكرناه
من حكومة الامارات على الأصول انما هو بالنسبة إلى الأصول الشرعية،
والا فبالنسبة إلى الأصول العقلية، كالبرائة والاحتياط والتخيير فتقديمها عليها
لا يكون الا بمناط الورود كما أشرنا إليه ووجهه واضح.
19

(الامر الثالث)
قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا الفرق بين الامارة والأصل، وان الميزان في
كون الشئ أصلا انما هو بعدم كون دليل اعتباره ناظرا إلى تتميم كشفه وان
كان فيه جهة كشف عن الواقع، كما أن الميزان في كون الشئ امارة انما هو بكونه
كاشفا عن الواقع ولو بمرتبة ما مع كون دليل اعتباره ناطرا إلى تتميم كشفه
(فكل) ما اعتبره الشارع بلحاظ كشفه عن الواقع يكون امارة (وكل) ما لم
يعتبره الشارع من هذه الجهة، اما بان لا يكون له كشف عن الواقع أصلا، أو كان
له ذلك ولكن لم يكن اعتباره من هذه الجهة يكون أصلا، وان كان في نفسه مقدما
على بعض الأصول كالاستصحاب مثلا (وعلى ذلك) قد يتردد بعض الأمور،
بين كونه أصلا، أو امارة، بلحاظ خفاء وجه اعتباره في أنه من حيث كشفه،
أو من حيث نفسه تعبدا، كما في اليد، وأصالة الصحة، وقاعدتي الفراغ والتجاوز
ونحوها (ومن هنا) وقع فيها البحث والخلاف في أنها من الامارات أو من
الأصول والقواعد التعبدية (وكذا) في وجه تقديمها على الاستصحاب في أنه
بمناط الحكومة أو التخصيص، كوقوع الخلاف بينهم في وجه تقديم الاستصحاب
على سائر الأصول، وفي حكم معارضته مع القرعة ونحوها (وتنقيح الكلام)
في هذه الجهات يحتاج إلى التكلم في مقامات (الأول) في نسبة الاستصحاب
مع ما يشك كونه من الامارات أو الأصول، كاليد وأصالة الصحة ونحوها
(الثاني) في معارضة الاستصحاب مع القرعة ونحوها (الثالث) في عدم معارضة
سائر الأصول مع الاستصحاب (الرابع) في حكم تعارض الاستصحابين
(اما المقام الأول) فيقع الكلام فيه في مسائل (المسألة الأولى) في اليد
فنقول لا اشكال في اعتبارها في الجملة، وتقدمها على الاستصحاب والحكم لصاحبها
20

بالملكية (كما لا اشكال) أيضا في عدم كونها من الأمور التي ثبت اعتبارها
بتأسيس من الشرع، بل هي مما استقرت عليه طريقة العرف والعقلاء، كما يرشدك
إلى ذلك التعليل الوارد في ذيل رواية حفص بن غياث بقوله (ع) ولو لم يجز هذا
ما قام للمسلمين سوق (وانما الكلام) في أنها من الامارات أو من الأصول العملية
(فان) مجرد بناء العرف والعقلاء على الاخذ بها وترتيب آثار ملكية ما في اليد
لصاحبها لا يقتضى اماريتها (لان) العقلاء كما أن لهم أمورا يرجعون إليها لكونها
كاشفة عن الواقع، كذلك لهم أمور يرجعون إليها عند استتار الواقع باعتبار كونها
وظيفة عملية في ظرف الجهل بالواقع (فيمكن) ان يكون اعتبارهم اليد في الحكم
بالملكية لصاحبها من جهة كونها من الأصول المتوقف عليها نظام معاملاتهم،
لا من جهة كونها من الامارات الكاشفة عن الواقع (كما أن) مجرد تقدم الاقرار
والبينة عليها لا يقتضي أصليتها، لأنه كثيرا يتقدم الامارات بعضها على بعض من
جهة اقوائية كشفه، فيمكن ان تكون اليد من الامارات الكاشفة عن الواقع،
ومع ذلك يقدم الاقرار والبينة عليها (وبما ذكرنا) ظهر انه لا مجال للتشبث
بالأخبار الواردة في الباب لاثبات أمارتيها (لأنها) انما كانت ورادة في مقام
تقرير سيرة العقلاء وبنهائهم على ترتيب اثر الملكية على ما في اليد لصاحبها، وهذا
المقدار كما يناسب امارية اليد يناسب أصليتها أيضا (ولكن) الانصاف هو كونها
من الامارات الكاشفة نوعا عن الواقع (لان) الظاهر من بناء العرف والعقلاء على
الاخذ باليد انما هو لكشفها الناشئ عن غلبة ما في اليد لصاحبها بنحو موجب
لركون النفس إليها، لان الغالب في مواردها كون ذي اليد مالكا لما في يده، (لا ان)
ذلك منهم لمحض تعبدهم بها لاستقامة نظام معاملاتهم، فان ذلك وان كان ممكنا في
نفسه كما أشرنا إليه الا انه بعيد جدا (وحينئذ) فلا ينبغي الاشكال في كونها
من الامارات العرفية العقلائية، وفى تقدمها على الاستصحاب بمناط الحكومة (نعم)
يبقى الكلام في أن اعتبار اليد في باب الأملاك، هل هو بنحو الاطلاق ولو مع
كونها معلوم العنوان من بدو حدوثها ككونها عادية أو أمانية أو عدم كون المال
21

بطبعه مما يقبل للنقل والانتقال كالوقف مثلا (أو ان) اعتبارها مخصوص بما كان اليد
من الأول مجهول العنوان بحيث يحتمل انتقال المال إلى ذي اليد من بدو حدوثها
(وعلى الأول) فهل يجري الاستصحاب في عنوان اليد وعنوان المال ويقدم على
اليد أم لا.
(وتحقيق) المرام في المقام يستدعى بيان اقسام اليد والشقوق المتصورة
فيها (فنقول) ان اليد على الشئ تارة يعلم عنوانها عند حدوثها من كونها عادية
أو أمانية بإجارة ونحوها الا انه يحتمل انقلابها بقاء إلى يد مالكية بشراء ونحوه
(وأخرى) لا يعلم عنوانها من بدو حدوثها بل يحتمل ملكية ما في اليد لصاحبها
حين وضع اليد عليها (وعلى الثاني) فتارة تكون اليد على ما كان ملكا للغير واحتمل
انتقاله إليه بناقل شرعي من بيع ونحوه (وأخرى) تكون اليد على ما كان وقفا
قبل وضع اليد عليه واحتمل انتقاله إليه بأحد مجوزات بيع الوقف (وثالثة) لا يعلم
ذلك بل يحتمل ملكية ما في اليد بالحيازة (وعلى الأول) فتارة يكون في قباله
من يدعى ملكية المال من أجنبي، أو من ذي اليد السابق (وأخرى) لا يكون
في قبالة من يدعى الملكية (وعلى الأول) فتارة يقيم المدعى البينة على دعواه
(وأخرى) لا يقيم البينة على دعواه (وعلى الأخير) فتارة يعترف ذو اليد بملكية
ما في اليد للمدعى، وأخرى لا يعترف بذلك (فهذه) صور متصورة فيها وينبغي افراد
كل واحدة منها بالبحث.
(فنقول) اما الصورة الأولى وهي ما إذا علم عنوان اليد وانها حدثت على
وجه الغصب أو الأمانة أو الإجارة، ثم احتمل انتقاله إليه بناقل شرعي (فالظاهر)
عدم شمول دليل اعتبار اليد لمثلها، لقوة دعوى اختصاص أدلة اليد بغير هذا
الفرض، بل يكفي في عدم حجيتها الشك في شمول دليل الاعتبار لمثلها (لان)
عمدة الدليل على الحجية انما هي السيرة وبناء العقلاء وهي لكونها لبية لا اطلاق
لها والقدر المتيقن منها ما عدا هذا الفرض (واما الاخبار) الواردة في الباب، فقد
عرفت ورودها في مقام تقرير سيرة العقلاء من الاخذ باليد وترتيب اثر الملكية
22

لصاحبها، لا في مقام التأسيس، كي يمكن الاخذ باطلاقها لحجية مثل هذا اليد (نعم)
لو أغمضنا عن ذلك وقلنا بأماريتها واعتبارها مطلقا (لا مجال) لتقديم استصحاب
ملكية المال للمالك أو استصحاب حال اليد عليها (بدعوى) ان استصحاب حال
اليد يمنع عن امارية اليد للمكية لان اليد انما تكون امارة على الملك وتثبت
الملكية الفعلية إذا لم تكن معنونة بعنوان الغصب أو الأمانة أو الإجارة، والاستصحاب يثبت
بمدلوله المطابقي تعنونها بالغصبية أو الأمانية، فلا يبقى معه مجال الكشف بها
عن الملكية (إذ فيه) انه بعد فرض امارية اليد واحتمال انقلابها بقاء إلى يد
مالكية لا مجال لجريان الاستصحاب المزبور فضلا عن تقدمه عليها، (لان) لازم
امارية هذا اليد وشمول دليل الاعتبار لها، هو كونها بدليل اعتبارها رافعة
للجهل عن ملكية ما في اليد لصاحبها، ولازم تطبيق يد المالكية عليها هو عدم
كونها غصبية ولا أمانية في الظاهر، فيرتفع به موضوع الأصل من جهة حكومتها
عليه (كما هو الشأن) في مطلق معارضة غير الامارات معها (نعم) انما يكون
لمثل هذا الكلام مجال، إذا كان الجهل بالعنوان في دليل الاعتبار مأخوذا في موضوع
اليد، لا مأخوذا فيها على نحو الموردية (إذ بعد) عدم اقتضاء اليد لرفع مثل
هذا الجهل المأخوذ في موضوعها تكون الاستصحاب المزبور باثباته لعنوان اليد
حاكما عليها (ولكن) ليس الامر كذلك بل الجهل فيها مأخوذ على نحو الموردية،
فيرتفع بدليل اعتبارها تعبدا، وبذلك يرتفع موضوع الاستصحاب المزبور
(مع أن) لازم ذلك هو كون اليد من الأصول، لا من الامارات وهو مع أنه
خلاف التحقيق، خلاف مختار القائل المزبور أيضا (وحينئذ) فالالتزام بكون اليد
من الامارات الملازم لاخذ الجهل بالعنوان فيها على نحو الموردية، مع دعوى
جريان الاستصحاب في عنوان اليد وحكومته على اليد لا يخلو عن تهافت واضح
(وحينئذ) فالعمدة في المنع عن حجية مثل هذه اليد ما ذكرناه من عدم مشموليتها
من الأول لدليل الاعتبار، لا انها تكون بنفسها مشمولة لدليل الاعتبار وان
استصحاب عنوان اليد مانع عن حجيتها (فعلى كل تقدير) يكون الاستصحاب
23

المزبور أجنبيا عن مرحلة المانعية عن امارية اليد المزبورة وحجيتها (لأنها) اما ان
لا يشملها دليل الاعتبار من الأول، واما ان يشملها (فعلى الثاني) لا يصلح
الاستصحاب المزبور للمنع عن امارية اليد المزبورة وحجيتها (وعلى الأول) هي
بنفسها غير مشمولة لدليل الاعتبار ولو لم يكن هناك استصحاب (فالتمسك)
بالاستصحاب المزبور في هذه المرحلة أجنبي غير مفيد (نعم) في فرض عدم شمول
دليل الاعتبار لليد المزبورة، يثمر هذا الاستصحاب في مرحلة ضمان صاحب اليد
(حيث) انه بعد عدم اقتضاء أصالة بقاء ملكية الغير للمال لاثبات الغصبية أو
الأمانية لليد الا على المثبت، يؤخذ باستصحاب عنوان غصبية اليد أو أمانيتها للحكم
بالضمان وعدمه (ولكن) هذه الجهة غير مرتبطة بمقام مانعية الأصل عن امارية
اليد كما هو ظاهر.
(ومن هذا البيان) يظهر الحال فيما بنوا عليه من قبول السجلات وانتزاع
المال من ذي اليد المدعى للملكية إذا كان في يد الطرف ورقة الاستيجار المعتبرة
المثبتة لكون اليد على المال يدا جارية (حيث إن) بنائهم على قبول السجلات وانتزاع
المال من صاحب اليد ليس من جهة تقديم الاستصحاب المزبور على اليد، بل انما
هو من جهة عدم مشمولية اليد المعلوم حدوثها على مال الغير بعنوان الغصب أو الأمانة
من الأول لدليل الاعتبار (إذ حينئذ) يكفي في انتزاع المال عن يده مجرد
استصحاب بقاء ملكية الغير للمال، بلا احتياج إلى استصحاب عنوان اليد الا في
مقام الحكم بالضمان وعدمه.
(واما الصورة الثانية) وهي ما إذا كان اليد على ما لا يكون قابلا للنقل
والانتقال الا بأحد المجوزات كالوقف (فتارة) يعلم كيفية حدوثها على المال
وانها حدثت على ما كان وقفا بعنوان الغصب أو الإجارة واحتمل بعد ذلك طرو
بعض مسوغات انتقاله إلى ذي اليد (وأخرى) لا يعلم ذلك بل يحتمل اقترانها حين
حدوثها على المال ببعض المجوزات الموجبة لانتقالها إليه، وبالجملة يحتمل حدوثها
بعد بطلان الوقف وكونها يدا مالكية من بدو حدوثها (فعلى الأول) فالحكم
24

فيه كما تقدم حرفا بحرف (واما على الثاني) فالذي يظهر من السيد الطباطبائي اليزدي
قده في كتاب قضائه هو الحكم بأمارية مثل هذا اليد للملكية وعدم انتزاع المال
من صاحبها وتسليمها إلى أرباب الوقف، ولعله اخذه من أستاذه العلامة السيد محمد باقر
الأصبهاني قده، حيث اشتهر منه هذا الحكم في أصبهان.
(وقد أورد) عليه بعض الاعلام على ما في التقرير بان اليد انما تكون حجة وامارة
على الملك إذا كان المال بطبعه قابلا للنقل والانتقال إلى ذي اليد (والوقف) لا يكون
كذلك (فان) قابليته لذلك انما هو بعروض أحد مسوغات البيع، فلا بد
أولا من احراز هذه الجهة، كي في المرتبة التالية ينتهي الامر إلى امارية اليد للملكية
(ولا يكاد) يحرز القابلية المزبورة بأمارية اليد، لان غاية ما تقتضيه اليد انما هو
ملكية المال لذي اليد وانتقاله إليه بأحد أسباب النقل، واما اقتضائها لقابلية المال
للنقل والانتقال فلا (لان) مثل هذه الجهة انما تكون من قبيل الموضوع بالنسبة
إلى الجهة التي تقتضيه اليد من الملكية، بلحاظ ان امارية اليد للملكية انما هي في
موضوع قابل للنقل والانتقال (فكان) مثل هذه الجهة من القابلية مأخوذة في
موضوع اليد، لا انها من قبيل اللوازم والملزومات كي يقال ان الامارة على اللازم
امارة على الملزوم وبالعكس (وحينئذ) فمع الشك في قابلية المال للنقل والانتقال
للشك في طرو مجوزات النقل عليه، وعدم امكان احراز هذه القبلية بنفس اليد،
تجري أصالة عدم طرو مسوغات النقل عليه وبذاك تسقط اليد عن الحجية، فيحكم
بعدم الملكية لاقتضاء الاستصحاب المزبور ارتفاع موضوع اليد (أقول) ولا
يخفى ان إناطة اليد في اعتبارها وأماريتها، اما ان تكون بالقابلية الواقعية،
واما ان تكون بعدم العلم بعدم القابلية، وكفاية الشك فيها في اعتبارها وأماريتها
(وذلك) أيضا تارة بإناطة عقلية، وأخرى شرعية (فعلى الأول) لا شبهة في أنه
بمجرد الشك في القابلية تسقط اليد عن الحجية (لاقتضاء) الشك في الشرط
الذي هو القابلية، الشك في المشروط (ومعه) لا يحتاج إلى الاستصحاب المزبور
وتحكيمه على اليد، لوضوح انه مع الشك في القابلية المزبورة تسقط اليد بنفسها
25

عن الحجية والأمارية ولو لم يكن هناك استصحاب، لا انها كانت حجة
وبالاستصحاب تسقط عن الحجية (فتحكيم الاستصحاب) حينئذ على
اليد واسقاطها به عن الحجية مما لا وجه له (واما على الثاني) وهو إناطة الحجية
بالشك وعدم العلم بعدم القابلية (فان كانت) الإناطة عقلية فلا مانع عن الاخذ
باليد والحكم بالملكية مع الشك المزبور (واستصحاب) عدم القابلية
وعدم طرو مجوزات النقل والانتقال، غير مثمر في المقام بعد عدم اقتضائه لنفي
الشك في القابلية، وعدم كونه ناظرا إلى الآثار العقلية من نفي ما هو شرط حجية
اليد واما رايتها على ملكية ما في اليد (بل اليد المزبورة) حينئذ بمقتضى دليل
اعتبارها ترفع الشك المأخوذ في موضوع الاستصحاب فتكون حاكمة
عليه (وان كانت) الإناطة شرعية (فان قلنا) في مفاد لا تنقض بان التنزيل فيه
راجع إلى المتيقن بلحاظ اليقين مرآة أو طريقا إلى المتيقن، فلا ثمرة أيضا
للاستصحاب في اسقاط اليد عن الحجية، بلحاظ عدم اقتضائه لرفع الشك عن
القابلية المزبورة (لوضوح) ان مثل هذه الجهة مخصوص بالامارات دون الأصول،
فيجري حينئذ دليل اليد ويقتضي الحكم بملكية ما في اليد لصاحبها (نعم) غاية ما يقتضيه
الاستصحاب المزبور حينئذ وقوع المعارضة بينه وبين اليد (فإنه) بعد عدم
اقتضاء اليد حسب إناطة حجيتها شرعا بالشك في القابلية، لرفع هذا الشك الذي أنيط
به حجيتها، يجري الاستصحاب، فيتحقق بينهما المعارضة (وان قلنا) برجوع
التنزيل فيه إلى نفس اليقين والامر بالمعاملة مع اليقين السابق معاملة الباقي، يكون
الاستصحاب حاكما على اليد (من جهة) كونه بالعناية مثبتا للعلم بعدم قابلية
المال للنقل والانتقال فيرتفع به ما هو شرط حجية اليد وأماريتها.
(فتلخص) ان الاستصحاب اما ان لا يحتاج إليه أصلا، كما في فرض إناطة
اليد في حجيتها بالقابلية الواقعية، فان مجرد الشك في القابلية كاف في سقوط اليد
عن الحجية بلا احتياج إلى الاستصحاب (واما) ان لا يجري لحكومة اليد عليه
26

كما في فرض إناطة الحجية فيها عقلا بالشك في القابلية، فإنه من جهة موردية الشك
للامارة تجري اليد وبجريانها يرتفع الشك الذي هو مأخوذ في الاستصحاب (واما)
ان يجرى ويعارض اليد، كما في فرض إناطة اليد في حجتها شرعا بالشك في القابلية
وعدم العلم بها بعد البناء على رجوع التنزيل في مفاد لا تنقض إلى المتيقن (نعم)،
على المختار من رجوع التنزيل فيه إلى نفس اليقين يجري الاستصحاب في هذا الفرض
فيوجب سقوط اليد عن الحجية بمناط الحكومة وذلك بناء على امكان امارية الشئ
بالنسبة إلى الملزوم دون اللازم أو بالعكس، وإلا فعلى فرض عدم التفكيك بينهما في
امارية الشئ لا محيص من المعارضة بين اليد والأصل المزبور (لان) كل واحد
يرفع موضوع الآخر (وبعد) انتهاء الامر إلى ذلك، أمكن دعوى تعين الأخير
(لأنه) القدر المتيقن من دليل حجية اليد، كما هو الشأن في كل مورد دار الامر
في الشئ بين المطلق والمقيد مع لبية دليله، حيث إن المتيقن منه هو المعنى المضيق
دون الموسع (وعليها فيندفع احتمال عدم إناطة حجية اليد بشئ أصلا، أو اناطتها
بالشك في القابلية بإناطة عقلية المستلزمة لجريان دليل اليد ولو مع قيام الاستصحاب
على الخلاف (واما) احتمال كون المنوط به هو القابلية الواقعية المستتبعة لسقوط اليد
بنفسها عن الحجية بصرف الشك في القابلية فبعيد جدا، لاقتضائه الغاء اليد في كثير
من الموارد التي يرجع الشك فيها إلى الشك في قابلية المحل للملكية وللنقل والانتقال
(وهو) كما ترى ينافي التعليل المذكور في الرواية، بأنه لو لم يجز هذا لم يبق للمسلمين
سوق الظاهر في التوسعة والتسهيل في ذلك حفظا لنظام المعاملات وعدم اختلال السوق
وتعطيله فتدبر.
(واما الصورة الثالثة) وهي ما تكون اليد على ما يقبل النقل والانتقال بطبعه
واحتمل انتقال المال إلى صاحب اليد من بد وحدوثها (فهي) على اقسام (منها)
ما إذا لم يكن في مقابل ذي اليد من يدعى ملكية المال، ولم يكن اعتراف من ذي
اليد أيضا على خلاف ما تقتضيه اليد، ولا قيام البينة على ملكية، ما في اليد للغير
(ولا اشكال) في الاخذ باليد في هذا القسم ووجوب ترتيب آثار الملكية لذي اليد
27

من غير فرق في ذلك بين ان تكون مسبوقة بيد أخرى محترمة أو لا (فإنه) على
كل تقدير يعامل مع ذي اليد الفعلي معاملة المالك لما في يده، ولا يعتني
باستصحاب بقاء المال على ملك المالك الأول، لحكومة اليد على الاستصحاب المزبور
(وكذا الحال) فيما إذا أقر ذو اليد أو قامت البينة على الملكية السابقة لشخص آخر
(فإنه) مع عدم من يدعى الملكية لا اثر لاقراره ولا لقيام البينة المزبورة، إذ لا
يزيد ذلك عن العلم بملكية المال سابقا لغير ذي اليد، فلا ينتزع المال من يده.
(ومنها) ما إذا كان في مقابل ذي اليد من يدعى ملكية المال (فان) لم تثبت
ملكية المال للمدعي، ببينة ونحوها فلا اشكال في استقرار المال في يده أيضا وعدم انتزاعه
منه وتسليمه إلى المدعي (وان ثبت) كون المال ملكا للمدعي (فان كان) الثابت
هو الملكية الفعلية ببينة، أو اقرار من ذي اليد، أو بعلم الحاكم، فلا اشكال في أنه
ينتزع منه المال ويسلم إلى المدعي، على اشكال في الأخير ينشأ من جواز حكم الحاكم
بعلمه (واما ان كان) الثابت هو الملكية السابقة قبل استيلاء ذي اليد على المال،
(فتارة) يكون ثبوت ذلك بعلم الحاكم (وأخرى) يكون بالبينة، (وثالثة) باقرار من
ذي اليد بالملكية السابقة للمدعي.
(فعلى الأول) لا اشكال في عدم انتزاع المال عن ذي اليد، لأنه لا اثر لعلم
الحاكم بان المال سابقا كان ملكا للمدعي قبل استيلاء ذي اليد عليه بعد احتمال
انتقاله إليه بناقل شرعي (واستصحاب) بقاء المال على ملك المدعي، قد عرفت كونه
محكوما باليد التي هي امارة على الملكية الفعلية لذي اليد.
(وعلى الثاني) فالمحكي عن بعض انه ينتزع المال عن ذي اليد بقيام البينة على الملكية
السابقة للمدعي الا أن يقيم ذو اليد البينة على انتقال المال إليه (وحكى) عن آخر انتزاعه عن
يده إذا ضم الشاهدان إلى شهادتهما بالملكية السابقة عدم العلم بالانتقال إلى ذي اليد
(ولكن الأقوى) عدم انتزاع المال عن ذي اليد مطلقا (لوضوح) ان البينة
على الملكية السابقة لا تزيد حكمها عن علم الحاكم بذلك مع احتمال انتقال المال إلى
28

ذي اليد بناقل شرعي (إذا قصى) ما يلزم في المقام هو التشبث باستصحاب بقاء
الملكية السابقة للمدعي، (وهو أيضا) محكوم باليد التي هي امارة على الملكية الفعلية
لذي اليد (وبذلك) ظهر انه لا أثر لضم الشاهد عدم العلم بالمزيل بشهادته في انتزاع
المال عن ذي اليد في مقابل اليد الفعلية (نعم) انما ينتزع المال عن يده
إذا شهدا بالملكية الفعلية للمدعى ولو بمقتضى استصحابهما الملكية السابقة عملا
بالبينة وعدم تعطيلها في الدعاوي (وتوهم) عدم جواز ذلك لكونه من التدليس
في الشهادة واعمالا منهما للاستصحاب في مورد لا يجوز أعماله، لكونه محكوما باليد
التي تكون حجة على الملكية الفعلية حتى بالنسبة إلى الشاهدين (مدفوع) بأنه
كذلك لولا علم الشاهدين بعنوان اليد من الأول الموجب لعدم حجية اليد عندهما
(والا) مع علمهما بعنوان اليد من الأول لا محذور في الشهادة بالملكية الفعلية استنادا
إلى استصحاب عنوان اليد وبقاء الملكية السابقة (خصوصا) مع ندرة علم البينة
في الأملاك بالملكية الفعلية الجزمية لذي اليد السابق (فان الغالب) فيها عدم علم
الشاهدين بذلك ولو بضم علمهما بعنوان اليد من الأول واحتمال انتقال المال إلى ذي
اليد الفعلي بناقل شرعي (إذ حينئذ) بمقتضى عدم تعطيل بينة المدعى في الأملاك
في الموارد الغالبة، لا بد من الالتزام بانتزاع المال عن ذي اليد اللاحقة بمقتضى البينة
على الملكية الفعلية لذي اليد السابقة.
(واما على الثالث) وهو ما إذا أقر ذو اليد بالملكية السابقة للمدعي (فتارة)
لا ينضم إلى اقراره دعوى انتقال المال إليه (وأخرى) ينضم إلى اقراره ذلك
(فعلى الأول) قد يقال انه باقراره ينتزع عنه المال ويسلم إلى المدعى (لان)
اقراره مكذب لدعواه الملكية الفعلية (فإنه) لا يمكن خروج المال عن ملك من
كان مالكا له ودخوله إلى ملك ذي اليد بلا سبب، فدعواه الملكية الفعلية تكون
مناقضة لاقراره، ومقتضى الاخذ باقراره بطلان يده وعدم سماع دعواه الا بالبينة
(وفيه) ان مجرد اقراره بالملكية السابقة للمدعى لا يقتضي تكذيب نفسه في دعواه
الملكية الفعلية وبطلان يده في الكاشفية عن الملكية الفعلية (إذ لا تنافي) بين
29

اقراره بالملكية السابقة للمدعى، وبين امارية يده على الملكية الفعلية بعد احتمال
انتقال المال إليه حين وضع اليد عليه بناقل شرعي، كي يستبعد بأنه لا يمكن خروج
المال عن ملك من كان مالكا له بلا سبب (ومجرد) عدم ضم دعوى الانتقال إلى
اقراره لا يقتضي تكذيب دعواه في الملكية الفعلية (وانما) المكذب لها هو دعوى
عدم الانتقال إليه، لا عدم دعوى الانتقال (وحينئذ) فبعد احتمال انتقال المال إليه
واقعا، وعدم التنافي بين اقراره وبين ما تقتضيه اليد من الملكية الفعلية (لا وجه)
لانتزاع المال عن يده وتسليمه إلى المدعى.
(وعلى الثاني) وهو ضم دعوى انتقال المال إليه من المدعى، فالمشهور انه
ينقلب ذو اليد في دعواه إلى كونه مدعيا والمدعى منكرا، وهل تخرج اليد بذلك عن
الا مارية على الملكية الفعلية فينتزع، المال من يده ويسلم إلى المدعى أو لا (فيه وجهان)
المشهور الأول، والمحكي عن جماعة منهم المحقق الخراساني (قده)، الثاني، حيث
أفاد بان مجرد عدم امارية اليد بالنسبة إلى مصب الدعوى الثانية وهو الانتقال إليه
بشراء ونحوه لا يوجب خروجها عن الا مارية رأسا حتى بالنسبة إلى أصل الملكية الفعلية
بل يبقى ذو اليد على حجته في استمساك المال في يده، لان غاية ما تقتضيه أصالة عدم
الانتقال هو جعل مدعيه مدعيا لكونه على خلاف الأصل الجاري في المسألة، واما
اقتضائها لاسقاط حكم اليد من الا مارية لأصل الملكية الفعلية، فينتزع عنه المال، فلا
(بل هي محكومة) من هذه الجهة باليد لبقائها على اماريتها بالنسبة إلى صرف الملكية
وان لم تثبت الانتقال (وحينئذ) فانتزاع المال من ذي اليد يحتاج إلى دليل آخر
يقتضى لغوية اليد وسقوطها عن الا مارية باقترانها بدعوى الانتقال (ولكن)
فيه ان تسليم الانقلاب في المقام كما هو المشهور لا يكون الا لحجية أصالة عدم الانتقال
(إذ لولا حجية) الأصل المزبور لما كان مجال لجعل مخالفه مدعيا (ومن المعلوم) ان لازم
البناء على حجية الأصل المزبور في مقابل اليد المزبورة هو سقوط اليد عن الا مارية
بالنسبة إلى الملكية الصرفة (لان) معنى حجية الأصل في المقام هو ترتيب اثر بقاء
المال على ملك المدعى وعدم انتقاله منه إلى ذي اليد، والا فلا معني لحجيته واقتضائه
30

لكون مخالفه مدعيا (فتسليم) حجية هذا الأصل حينئذ واقتضائه للانقلاب
المزبور، يلازم سقوط اليد عن الا مارية، فيترتب عليه انتزاع المال من يده وتسليمه
إلى المدعى عملا بأصالة عدم الانتقال (ومرجع) ذلك إلى ملازمة حجية الأصل
المزبور مع سقوط اليد عن الحجية بالنسبة إلى الملكية الفعلية، لعدم امكان الجمع
بينهما في الحجية (وبذلك) يفترق هذا الفرض المقرون بدعوى الانتقال عن الفرض
السابق، فان بنائهم على الانقلاب في هذا الفرض يستدعى حجية أصالة عدم الانتقال
(ومثله) يلازم ارتفاع حكم اليد، بخلاف الفرض السابق، فإنه من جهة عدم اقتران
الأصل فيه بدعوى الانتقال تبقى اليد على حجتها بالنسبة إلى الملكية الفعلية، ولازم
حجتها عدم جريان الأصل المزبور لانتفاء الشك في اثره بمقتضى حكومة اليد عليه
(الا) إذا فرض هناك اجماع أيضا على الانقلاب وتقديم قول المدعى على قول
ذي اليد في مقام تشخيص المدعى والمنكر (ولكن) عهدة اثباته على مدعيه، أو
يقال ان الاقرار بالملكية السابقة للمدعى اقرار له باليد الفعلية، فينتزع منه المال
وهو أيضا كما ترى (هذا إذا كان) الاقرار بالملكية السابقة للمدعى.
(وأما إذا) كان الاقرار بالملكية السابقة لمورثه فحكمه حكم الاقرار للمدعى
في أنه بانضمام دعوى الانتقال من المورث ينقلب إلى كونه مدعيا، فينتزع المال
من يده، لا بدونه (وذلك) لا من جهة توهم ان الاقرار بالملكية السابقة لمن يرثه
المدعى اقرار من ذي اليد لوارث المدعى، بخيال ان الوارث بقيامه مقام مورثه
يصير طرفا لإضافة الملكية القائمة بالمالك والمملوك، وبذلك يكون الاقرار بالملكية
للمورث اقرارا بها للوارث (لوضوح) ان مجرد الاقرار بالملكية للمورث في زمان
لا يكون اقرارا للوارث فعلا، خصوصا مع طولية ملكيته للمال لملكية مورثه له (بل انما)
هو من جهة أصالة بقاء المال على ملك المورث وعدم انتقاله منه إلى حين موته
المبتني حجتها على عدم حجية اليد من الخارج ولو للاجماع (هذا) إذا كان الاقرار
بالملكية السابقة مع دعوى الانتقال إليه من المدعى أو من مورثه.
(وأما إذا) كان الاقرار بالملكية للموصي مع كون المدعى هو الوصي أو
31

أو الموصى له، ففي كونه كالاقرار للمدعى أو لمورثه فينتزع المال من يده الا باثبات
الانتقال ببينة ونحوها، اشكال (أقواه العدم) (وذلك) لا لما أفيد من أن الاقرار
بالملكية للموصى كالاقرار بها لثالث أجنبي عن المدعي، (لا كالقرار) بها لمورث المدعى
(بتقريب) ان الموصى أجنبي عن الموصي له فلا يجديه اقراره بان المال كان ملكا
للموصي وانتقل منه إليه، فليس له ولا للوصي أو الولي انتزاع المال من ذي اليد بدعوى
انه أوصى به إليه (بخلاف) الوارث فإنه يجديه الاقرار بان المال كان لمورثه، لأنه
بقيامه مقام مورثه يصير طرفا لإضافة الملكية القائمة بين المورث والمال بلا تبدل في
أصل إضافة الملكية، فيكون الاقرار للمورث اقرارا للوارث بنفس الملكية السابقة
نظرا إلى بقاء الملكية السابقة بحالها، غير أنه تبدل أحد طرفيها في قبال المعاوضات التي
منها الوصية التمليكية، فان المتبدل فيها أصل الإضافة الملكية، حيث تنعدم شخص
الإضافة الأولى القائمة بين المملوك والمالك الأول، وتحدث إضافة أخرى بين المالك الثاني
والمملوك (إذ فيه) بعد الاغماض عن امتناع بقاء شخص الإضافة الخاصة المتقومة بطرفيها
الخاص بانعدام أحد طرفيها (انه) لا وجه لقياس الاعتراف للموصى بالاعتراف لثالث أجنبي
(لوضوح) ان الاعتراف لثالث أجنبي عن المدعى ولو بالملكية الفعلية غير مجد للمدعى
(بخلاف) الاعتراف بالملكية السابقة للموصى والانتقال منه، فإنه يجدى الموصى
له والوصي ويجديهما أيضا أصالة عدم الانتقال منه إلى ذي اليد إلى حين موته بعين
ما يجدى للوارث (ومع هذا الفرق) كيف يصح قياس الاعتراف للموصى بالاعتراف
لثالث أجنبي عن المدعى كما هو ظاهر (بل العمدة) في المنع عن انقلاب ذي اليد إلى كونه
مدعيا في مفروض البحث هو التشبث بقاعدة اليد وعموم اماريتها وتقدمها على أصالة عدم
الانتقال الا في خصوص دعوى الانتقال من المدعى أو من مورثه (وذلك) أيضا بمقتضى الاجماع
على الاخذ بالأصل فيهما الملازم لسقوط حكم اليد من الخارج، (والا) فلولا الاجماع المزبور
لكانت اليد مقتضيه للاخذ بها حتى مع الاعتراف بالملكية السابقة للمدعى والانتقال منه إلى
ذي اليد لحكومتها على الأصل المزبور (وحينئذ) فحيث انه لا اطلاق للاجماع يشمل
مورد البحث لكونها لبيا، فالقدر المتيقن منه ما عدى هذه الصورة، ولازمه الاخذ
32

بعموم اليد وتقدمها على أصالة عدم الانتقال حتى في مقام تشخيص المدعى والمنكر
(وبذلك) يندفع ما قد يتشبث به الخصم لتصحيح مطالبة الأول بالبينة من الصديقة
عليها السلام في اعترافها بكون الفدك نحلة إليها من رسول الله صلى الله عليه وآله، وانتزاعه الفدك من
يدها، للحديث المجعول عليه صلى الله عليه وآله نحن الأنبياء لا نورث الخ من دعوى ان فاطمة
سلام الله عليها صارت مدعية في دعوى انتقال الفدك إليها من رسول الله صلى الله عليه وآله نحلة،
فلذلك طالبها الأول بالبينة وانتزع الفدك من يدها للحديث المجعول، بان ما كان
لرسول الله صلى الله عليه وآله في حياته يكون فيئا للمسلمين بعد وفاته (وجه الاندفاع) ما ذكرناه
من اطلاق اليد وعموم اماريتها وتقدمها على أصالة عدم الانتقال حتى في مقام تشخيص
المدعى والمنكر، الا في خصوص دعوى الانتقال من المدعى أو من مورثه، وذلك أيضا
بمقتضى الاجماع على الانقلاب فيهما، لا لقصور اليد عن الشمول لمورد الاقتران
بدعوى الانتقال، كما يشهد له ما في خبر الاحتجاج من محاجة علي (ع) مع الأول
حينما سئل عن الزهراء عليها السلام البينة (وعليه) فلا يغنيهم الحديث المجعول ولا يصحح
ما صنعوا مع فاطمة (ع) من مطالبة البينة منها وانتزاع الفدك من يدها (ع) مع أن
انتزاع الفدك منها كان قبل دعواها النحلة، فإنه بعد ما استقام له الامر جمع المهاجرين
والأنصار وبعث إلى فدك من اخرج وكيل فاطمة منها، وبعد ذلك جاءت فاطمة
سلام الله عليها فوقع بينها وبين الأول من الاحتجاجات وكذا بين علي (ع) وبينه بما
اتضح وبان مخالفتهم للكتاب والسنة (ومع ذلك) فقد جاءت بالشهود، ولكنهم
غضوا طرفهم عنها وعاندوا الحق فلم يقبلوا شهودها حتى جاوزوا الحد معها وأساؤا
الأدب إليها بما يقرح القلوب ويفتت الأكباد ولنعم الحكم الله.
(بقى أمور)
(الأول) هل يختص اعتبار اليد وأماريتها بالنسبة إلى غير صاحبها، أو يعم
حتى بالنسبة إلى ذي اليد نفسه (فلو شك) في أن ما بيده ملك له أو لغيره يحكم بأنه له (فيه وجهان)
33

أقواهما الثاني لعموم امارية اليد في اختصاص ما في اليد لصاحبها، فيجوز له
التصرف فيما بيده وتحت استيلائه تصرف الملاك في املاكهم (ويدل) عليه مضافا إلى
السيرة عموم التعليل في خبر حفص بن غياث باختلال السوق ونظام المعاملات الشامل
لمثل الفرض (مؤيدا ذلك) في ذيل صحيحة جميل بن صالح عن الصادق (ع) قلت:
فرجل وجد في صندوقه دينارا، قال (ع): يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو
يضع فيه شيئا قلت: لا قال (ع): فهو له، حيث يستفاد من حكمه (ع) بان ما في
الصندوق له مع كونه شاكا فيه، عموم اعتبار اليد حتى بالنسبة إلى صاحبها
(الثاني) إذا قامت البينة على عدم مالكية انسان لما في يده، أو أقر ذو
اليد بذلك فهل تسقط اليد عن الاعتبار رأسا حتى بالنسبة إلى سائر الاختصاصات،
فينتزع المال من يده، أو ان سقوطها عن الاعتبار ممحض من جهة خصوص
الاختصاص الملكي (فيه وجهان) أقواهما الثاني، لعموم امارية اليد لجميع مراتب
الاختصاص التي أعلاها الاختصاص الملكي، فبالاقرار أو البينة على نفي الملكية ترفع
اليد عن ظهورها في الاختصاص الملكي به، ويؤخذ بظهورها في بقية مراتب
الاختصاص ونفيها عن غيره، نظير حجية العام المخصص في الباقي، فإذا ادعى
اختصاصه بما في يده من الجهات الاخر من إجارة أو عارية أو وكالة من صاحب المال
ونحو ذلك تسمع منه الدعوى حتى في مقام تشخيص المدعي والمنكر اخذا بأمارية
يده في نحو تلك الاختصاصات
(الثالث) هل اليد كما تكون امارة على ملكية ما في اليد لصاحبها، تكون
امارة أيضا على سائر إضافاته كالطهارة والنجاسة والتذكية ونحوها، فيحكم على ما في يد
المسلم بالطهارة والتذكية إذا كان من الجلود ولو مع عدم احراز معاملة ذي اليد
المسلم معه معاملة الطاهر والمذكى، بان كنا نحن ونفس اليد بما هي مع قطع النظر عن
اقترانها باخبار ذي اليد بطهارته أو نجاسته أو تذكيته، أو اقترانها بتصرفه فيه على
الوجه الممنوع كونه في الميتة (فيه اشكال) وان كان الظاهر من بعض كلماتهم كبعض
النصوص اعتبارها في الحكم بالتذكية، كالسوق (بل قد يقال) ان الظاهر المستفاد من
34

نصوص اعتبار السوق وأماريته كونه من جهة غلبة يد المسلمين، كقوله (ع) إذا
كان الغالب عليها المسلمون الخ، فيكون اعتباره لكونه امارة على اليد التي هي الامارة
على التذكية، لا لكونه بنفسه امارة عليها في مقابل اليد (ولكن) في الاستفادة
المزبورة نظر، فان الظاهر من نصوص السوق كونه بنفسه امارة على التذكية، كما أن
القدر المستفاد من نصوص الباب بعد حمل مطلقاتها على مقيدانها انما هو الحكم
بتذكية ما في يد المسلم من اللحوم والجلود في صورة اقتران اليد بالتصرف فيه على
الوجه الممنوع كونه في الميتة، لا مطلقا ولو مع عدم اقترانها بما لا يليق صدوره من المسلم
(ولقد) أجاد صاحب الجواهر فيما أفاد في المقام بقوله: ان المراد بيد المسلم
التصرف فيه على الوجه الممنوع في الميتة أو اتخاذه لذلك، وهل يكفي في الثاني
مجرد كونه في يده وان احتمل انه يريد الالقاء مثلا اشكال، أقواه العدم، لأصالة عدم
التذكية والشك في انقطاعها بذلك، إذ ليس ما نحن فيه بعد التأمل في النصوص
والفتاوى الا من جزئيات أصالة الصحة في فعل المسلم الخ (الا) ان يدعي استقرار
السيرة المتشرعة على الحكم بتذكية ما في يد المسلم من الجلود واللحوم ولو مع تجردها
عن التصرفات الممنوع كونها في الميتة (ولكن) الاشكال في اثبات ذلك (نعم) لو أخبر
المسلم بتذكية ما في يده من الجلود واللحوم يسمع منه ذلك، كما يسمع منه اخباره
بطهارة ما في يده أو نجاسته (ولكن) ذلك من جهة قوله، لا من جهة يده.
(المسألة الثانية)
في قاعدة التجاوز والفراغ، ولا اشكال في تقدمهما على الاستصحاب (وانما
الكلام) في مقامين: (الأول) في وجه تقدمهما على الاستصحاب من أنه بمناط
الحكومة أو التخصيص (الثاني) في أنهما قاعدة واحدة وان الكبرى المجعولة في إحديهما
عين الكبرى المجعولة في الأخرى، أو انهما قاعدتان مستقلتان وان الكبرى المجعولة
35

في إحديهما غير الكبرى المجعولة في الأخرى (اما المقام الأول) فقد يقال ان الوجه في
تقدمهما على الاستصحاب كونه بمناط الحكومة، بدعوى انهما من الامارات الكاشفة
عن الواقع، كاليد والسوق ونحوهما (لان الغالب) عند تعلق الإرادة بالفعل المركب
من الاجزاء الجري على وفق الإرادة باتيان كل جزء من اجزائه وشرائطه في
محالها بحسب القصد الاجمالي المتحقق في أول الشروع في المركب وان لم يلتفت
تفصيلا إلي الجزء في محله عند الاتيان به ولم يتعلق القصد به كذلك، وان الشارع
قد اعتبر هذه الغلبة بما في بعض نصوص الباب من التعليل بقوله هو حين يتوضأ
أذكر (فإذا) كانت القاعدة من الامارات الكاشفة عن وقوع الفعل المشكوك فيه
في الخارج، تكون حاكمة على أصالة عدم وقوع الفعل المشكوك فيه (وفيه) ان
الغلبة وان كانت مسلمة، لكن مجرد ذلك لا يقتضي صيرورتها من الامارات ما
لم يحرز اعتبار الشارع إياها من جهة تتميم كشفها (واستفادة) ذلك من اخبار
الباب ممنوعة (بل المستفاد) من الاخبار المأخوذ في موضوعها الشك خلاف
ذلك (فان) قوله (ع) إذا خرجت من شئ ودخلت في غيره فشكك ليس
بشئ، وقوله (ع) كل شئ شك فيه وقد جاوزه فليمض عليه، وكذا الاخبار
الاخر، تنادي بالغاء جهة الكشف المزبور لظهورها، في عدم جعل الشك الموجود مانعا
عن المضي في العمل، لا في الغاء الشك وتتميم كشفها (وبذلك) تكون الاخبار
ظاهرة في كون القاعدة من الأصول العملية المضروبة في ظرف الشك، لا من
الامارات، الكاشفة عن الواقع (فما ورد) من التعليل بالأذكرية في بعض النصوص
حينئذ محمول على بيان حكمة الجعل والتشريع، بقرينة ما عرفت من الاخبار الظاهرة
في كونها في مقام التعبد بوجود المشكوك فيه أو صحته في ظرف الشك، لمكان
أظهرية تلك النصوص في أصلية القاعدة من التعليل بالأذكرية في اماريتها (ولا
أقل) من تصادم الظهورين، فيجري حكم الأصلية عليها (ومعه) لا مجال
لتقديمها على الاستصحاب بمناط الحكومة (واما توهم) حكومتها على الاستصحاب
ولو على الأصلية، بدعوى مسببية الشك في بقاء الحالة السابقة في الاستصحاب
36

عن الشك في حدوث ما يوجب رفع الحالة السابقة، ومؤدى القاعدة بعد أن كان
هو البناء على حدوث ما يكون رافعا للحالة السابقة، رافعة لموضوع الاستصحاب
(فمدفوع) بمنع السببية والمسببية بينهما (كيف) وان بقاء عدم الشئ مع
حدوث وجوده الطارد لبقاء عدمه من النقيضين المحفوظين في مرتبة واحدة. ومعه
أين يمكن دعوى السببية والمسببية بينهما حتى تكون القاعدة حاكمة على الاستصحاب
ورافعه لموضوعه (فالأولى) حينئذ في وجه الحكومة ان يقال ان القاعدة لما
كانت ناظرة إلى نفى الشك وانه ليس بشئ في المنع عن الجري العملي على وفق احتمال الوجود
في الاستصحاب تقتضي رفع الشك المأخوذ في موضوع الاستصحاب، فتكون حاكمة
عليه بخلاف الاستصحاب إذ هو لم يكن ناظرا الا إلى اثبات المتيقن أو اليقين في ظرف الشك
بلا نظر منه إلى نفي الشك فتكون القاعدة من هذه الجهة نظير أدلة النافية للشك في كثير
الشك، ولشك كل من الإمام والمأموم مع حفظ الآخرة، بالنسبة إلى أدلة الشكوك الدالة على البناء
على الأكثر في الشكوك الصحيحة، وعلى البطلان في صلاة الصبح والمغرب وفي
الأوليين من الرباعية، في أنها من جهة تكفلها لنفي الشك وكونه ليس بشئ
تكون حاكمة على الاستصحاب، وان لم تكن ناظرة إلى تتميم الكشف لتصير امارة كما
هو مبنى الوجه الأول (ومع الاغماض) عن ذلك لا محيص في تقديمها على الاستصحاب
بكونه بمناط التخصيص (اما للاجماع)، واما من جهة ورود القاعدة في مورد الاستصحاب (فإنه) لولا تقديمها عليه يلزم لغوية جعلها (لأنه) ما من مورد تجري
فيه القاعدة الا ويجري فيه الاستصحاب.
واما المقام الثاني
فقد اختلف كلماتهم في أن ما يسمى بقاعدة التجاوز والفراغ قاعدة واحدة عامة
لموارد الشك في الشئ بعد التجاوز عن المحل، والشك في صحته بعد الفراغ عن العمل،
وان الكبرى المجعولة فيهما كبرى واحدة (أو انهما) قاعدتان مستقلتان غير مرتبطة
إحديهما بالأخرى ولا يجمعهما جامع واحد، ظاهر كلام الشيخ قدس سره وتبعه غير
37

واحد من الاعلام (الأول) حيث ارجع الشك في صحة المأتى به إلى الشك في وجود
الصحيح وجعل الجامع بينهما الشك في الوجود (بدعوى) ان الشك في قاعدة التجاوز
متعلق بوجود الشئ، وفي قاعدة الفراغ بوجود الصحيح الراجع إلى الشك في وجود
العمل بتمام اجزائه وشرائطه، فالجامع بينهما هو الشك في وجود الشئ بمفاد كان التامة،
وان الكبرى المجعولة في موردهما كبرى واحدة وهي التعبد بوجود ما شك في وجوده
بعد التجاوز عنه، سواء كان الشك في أصل وجوده، أو في صحته وتماميته (لان)
الشك في الصحة راجع إلى الشك قي وجود الصحيح (ولكن التحقيق) وفاقا لغير
واحد من المحققين، هو الثاني (وتنقيح) البحث يحتاج إلى التكلم في موردين
(أحدهما) في امكان جامع قريب بين مفاد القاعدتين ثبوتا (وثانيهما) فيما تقتضيه
اخبار الباب من الدلالة على الوحدة أو التعدد اثباتا (اما المورد الأول) فتوضيح
المقال فيه هو ان الشك في الشئ يتصور على وجوه (فان) الشك تارة يكون متعلقا
بالشئ بنحو مفاد كان التامة (وأخرى) يكون متعلقا باتصاف الشئ بوصف عنواني
بنحو مفاد كان الناقصة، كالشك في اتصاف الشئ المفروغ وجوده بالصحة والتمامية
(وعلى الأول) تارة يكون تعلق الشك في الشئ بمفاد كان التامة بلحاظ الشك في أصل
وجوده (وأخرى) بلحاظ الشك في بعض ما اعتبر فيه من القيود، كالشك في وجود
الصحيح (فان) الشك في قيد الشئ شك في وجود المقيد بنحو مفاد كان التامة
(ولا يخفى) كمال التباين بين المفاهيم الثلاثة، كالتباين بين الشك في أصل وجود الشئ
أو وجوده التام، وبين الشك في صحة الموجود وتماميته بمفاد كان الناقصة، بنحو
لا يجمعهما جامع قريب حتى يصح ارادتهما من لفظ واحد، بلحاظ اقتضاء النسبة في
مفاد كان الناقصة مفروغية تحقق ذات الشئ في الخارج ولو تصورا، وعدم اقتضائها
لذلك في مفاد كان التامة (وحينئذ) نقول: ان الشك في قاعدة التجاوز بعد ما كان
متعلقا بأصل وجود الشئ، وفي قاعدة الفراغ بصحة الموجود، نظير الشك في وجود
الكر والشك في كرية الموجود، فلا يتصور بينهما جامع قريب ثبوتا حتى يمكن
ارادتهما من لفظ واحد (ولا مجال) لارجاع الشك في صحة الموجود إلى الشك في
38

وجود الصحيح أو التام (إذ فرق) واضح بين الشك في وجود الصحيح، وبين الشك
في صحة الموجود (ومجرد) كون منشأ الشك في وجود الصحيح هو الشك في
بعض ما اعتبر فيه، لا يخرجه عن الشك في الشئ بمفاد كان التامة إلى الشك في صحة
الموجود الذي هو مفاد كان الناقصة (وان كان) يلازمه خارجا، نظير ملازمة الشك
في وجود الكر مع كرية الموجود (وحينئذ) فإذا كان المهم في قاعدة التجاوز اثبات
أصل وجود، الشئ وفي قاعدة الفراغ اثبات صحة الموجود المفروغ الوجود بمفاد
كان الناقصة، لا اثبات وجود الصحيح بمفاد كان التامة (فلا مجال) لارجاع أحد
المفادين إلى الاخر، ولا لترتيب اثر المترتب على صحة الموجود، باثبات الوجود
الصحيح بمحض ملازمة أحد المفادين مع الآخر واتحادهما بحسب المنشأ، لأنه من
المثبت المرفوض عندهم (ولذا) لا يحكمون بترتيب آثار كرية الموجود باستصحاب
وجود الكر وبالعكس (واما توهم) كفاية مجرد اثبات وجود الصلاة الصحيح في فراغ
الذمة وخروج المكلف عن العهدة بلا احتياج إلى اثبات صحة المأتى به (فمدفوع)
بان كثيرا ما تمس الحاجة إلى اثبات صحة الموجود بمفاد كان الناقصة، كما في قضاء
السجدة وسجدتي السهو ونحوهما مما اخذ في موضوعها صحة الموجود، لا مجرد
وجود الصحيح (إذ في نحو) هذه الآثار لا يكفي مجرد اثبات وجود الصحيح في
ترتبها (مع) ان قاعدة الصحة تعم الوضعيات أيضا من العقود والايقاعات التي لا بد
فيها من اثبات صحة العقد أو الايقاع في ترتيب آثارهما، ولا يكفي في ترتبها مجرد
اثبات وجود الصحيح بمفاد كان التامة (مع أنه) لا يتم فيما لو كان الشك في الصحة
من جهة الشك في فقد الترتيب أو الموالاة مثلا لا من جهة الشك في فقد الجزء (فإنه)
من جهة انصراف الشئ عرفا عن مثل هذه الإضافات إلى ما كان له وجود مستقل،
لا يصدق على الكل انه شئ مشكوك (لأنه) بما هو شئ بلحاظ اجزائه مقطوع
الوجود والتحقق، وبلحاظ الترتيب والموالاة لا يصدق عليه الشئ عرفا، فما منه
يكون الكل شيئا عرفا لا يكون مشكوكا، وما منه يكون مشكوكا لا يكون شيئا،
فلا يمكن تصحيح الصلاة الا باثبات صحة الموجود (نعم) لو اغمض عما ذكرنا لا مجال
39

للاشكال على الشيخ قدس سره بما في التقرير من أن العنوانين وان كان يجمعهما
جامع قريب وهو الشك في الوجود بمفاد كان التامة (ولكن) لا يمكن ان يعمهما لفظ
الشئ في قوله (ع) انما الشك في شئ لم تجزه (بتقريب) ان متعلق الشك في
قاعدة التجاوز انما هو اجزاء المركب، وفي قاعدة الفراغ يكون المتعلق نفس الكل
والمركب بما له من الوحدة الاعتبارية، ولا يمكن ارادتهما من لفظ الشئ (لان)
لحاظ الجزء شيئا بحيال ذاته انما يكون في المرتبة السابقة على تأليف المركب، لان في مرتبة
تأليف المركب لا يكون الجزء شيئا بحيال ذاته في مقابل الكل، بل شيئية الجزء تندك
في شيئية الكل، ويكون لحاظه تبعيا (ففي مرتبة) لحاظ الكل لا يمكن لحاظ الجزء
شيئا آخرا مستقلا، لان الكل ليس الا الاجزاء بالأسر (فلا يمكن) ان يراد من لفظ الشئ
في الرواية ما يعم الكل والجزء (بل) اما ان يراد منه الجزء فتختص الرواية بقاعدة
التجاوز، واما ان يراد منه الكل، فتختص بقاعدة الفراغ (وحاصل) الاشكال هو
ان في قاعدة التجاوز يكون الجزء ملحوظا استقلاليا فيحتاج إلى لحاظه بما هو شئ في
حيال ذاته، وفى قاعدة الفراغ يكون الجزء ملحوظا تبعيا بتبع لحاظ لكل، وإرادتهما
من لفظ الشئ مستلزم لاجتماع اللحاظين في الجزء وهو محال (فلا بد) من أن يراد
من الشئ في الرواية، اما خصوص قاعدة التجاوز، أو خصوص قاعدة الفراغ (إذ فيه)
ان الاشكال انما يرد في فرض إرادة الكل من الشئ وإرادة جزئه منه بحيث استعمل
الشئ فيهما (واما) لو أريد من الشئ في الرواية معناه الكلي العام الجامع بين
المصاديق، ومن اطلاقه في مقام التطبيق شموله لأي مصداق منه، بلا لحاظ خصوصية كل ولا
جزء، فلا يتوجه الاشكال المزبور (إذ لا قصور) حينئذ في شمول اطلاق الشئ لكل من
عنوان المركب وجزئه، فيمكن الجمع بين قاعدة التجاوز والفراغ بمثل هذه الرواية بناء
على ارجاع الشك في صحة الشئ وتماميته إلى الشك في الوجود التام، بدعوى عموم الشئ
لكل من المركب وجزئه (لا يقال) على ذلك لم لا تلتزم بالجامع بين مفاد كان التامة،
ومفاد كان الناقصة الذي هو مؤدى قاعدة الفراغ، فإنه على التقريب المزبور لا قصور
في شمول اطلاق الشئ لكل من المفادين (فإنه يقال) نعم وان أمكن ذلك، ولكن
40

مع عدم كونه من الجامع القريب، مبني على مقدمة ممنوعة، وهي صدق الشئ عرفا على
حيثية الربط التي هي من الإضافات (والا فبناء) على انصرافه إلى ما يكون له وجود
مستقل بنظر العرف، فلا يشملهما عموم الشئ أو اطلاقه (ولذا) ترى بناء الشيخ
وغيره على انصرافه عما هو أعظم من ذلك كالترتيب والموالاة المعتبرة بين الاجزاء
والكلمات، بل واجزاء الكلام الواحد كالباء من البسملة والميم منها ونحو ذلك
(ومن هنا) استشكل الشيخ قدس سره في جريان قاعدة الشك في الوجود في فرض
كون الشك في وجود الكل والمركب من جهة الشك في فقد الموالاة والترتيب كما
أشرنا إليه آنفا (ثم انه) بما ذكرنا يندفع الاشكال الآخر على الشيخ قدس سره
من جهة التجاوز (بتقريب) ان التجاوز في قاعدة التجاوز انما يكون بالتجاوز عن
محل الجزء المشكوك فيه، وفي قاعدة الفراغ يكون بالتجاوز عن نفس الكل والمركب
لا عن محله، فيلزم على القول باتحاد القاعدتين استعمال التجاوز في المعنيين وهو باطل
(إذ فيه) انه يمكن ان يكون التجاوز استعمل في معنى واحد وهو التجاوز عن نفس
الشئ المشكوك فيه، وان التجاوز عن محل المشكوك فيه عناية وادعاء تجاوز عن نفس
الشئ (غير أنه) أريد في مقام التطبيق بدالين مصداقه الحقيقي والادعائي كل بدال
خاص، وهو غير استعماله في المعنى الحقيقي والادعائي (كما أنه) يندفع عنه اشكال ثالث
وهو ان متعلق الشك في قاعدة التجاوز هو نفس الجزء، واما في قاعدة الفراغ فمتعلق
الشك فيها ليس وجود الكل، بل هو ظرف للشك فلا يمكن ان يجمعهما كبرى واحدة
(إذ فيه) ان مجرد كون المركب في الحقيقة ظرفا للشك لا يمنع عن صدق الشك فيه
(وبعد) تسليم كون الجامع بين المفادين الشك في وجود الشئ بمفاد كان التامة، فلا قصور
في عموم الشئ لكل من الشك في وجود الجزء كالركوع والشك في الكل بما هو كل
(فالعمدة) حينئذ في الاشكال ما ذكرناه من تغاير القاعدتين على نحو لا يجمعهما كبرى
واحدة، لتغاير متعلق الشك فيهما من كونه في قاعدة التجاوز أصل وجود الشئ بمفاد
كان التامة، وفي قاعدة الفراغ صحة الموجود بمفاد كان الناقصة (فان) هذين المفادين
من جهة تغايرهما لا يجمعهما جامع وحداني قريب (نعم) بين الشك في أصل الشئ أو
41

في وجوده التام يتصور جامع قريب وهو الشك في وجود الشئ بمفاد كان التامة، ولكنه
غير مرتبط بالشك في صحة الشئ الذي هو مفاد قاعدة الفراغ كما هو ظاهر واضح.
(المورد الثاني) في أن المستفاد من الأخبار الواردة في المقام هل هو قاعدة
واحدة، وهي حكم الشك في الوجود بمفاد كان التامة (أو ان المستفاد) منها قاعدتان
(إحديهما) حكم الشك في الوجود (والأخرى) حكم الشك في صحة الموجود بنحو
مفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ (فنقول) وبه نستعين، اعلم أن العمومات
الواردة في المقام على طائفتين (إحديهما) ما يكون بلسان انه إذا شككت في الشئ
بعد الدخول في غيره فشكك ليس بشئ (والأخرى) بلسان ان كل شئ شك فيه
مما قد مضى فامضه كما هو (اما الطائفة الأولى) فمنها ما رواه زرارة في الصحيح عن
أبي عبد الله (ع) وفيه يا زرارة إذا خرجت من شئ ودخلت في غيره فشكك ليس
بشئ (ومنها) رواية إسماعيل بن جابر قال قال أبو عبد الله (ع): ان شك في
الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شئ شك
فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (ومنها) قوله (ع) في موثقة ابن أبي
يعفور: إذا شككت في شئ من الوضوء ودخلت في غيره فشكك ليس بشئ انما الشك في
شئ لم تجزه (ومنها) رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) رجل شك بعدما
سجد انه لم يركع قال (ع) يمضي في صلاته حتى يستيقن (ولا يخفى) ان هذه
الطائفة في غاية الظهور في كونها في مقام ضرب القاعدة الكلية للشك المتعلق بأصل
وجود الشئ بمفاد كان التامة، لظهور الشك فيها في الشك المتعلق بأصل وجود الشئ
خصوصا بملاحظة تصدرها بالأسئلة المزبورة (ومع) قوة ظهورها في ذلك لا يبقى مجال
معارضة هذه الجهة بظهور قد جاوزه في التجاوز عن نفس الشئ لا عن محله (إذ
لا بأس) بارتكاب العناية في المضي عن الشئ والتجاوز عنه بمضي محله بعد مساعدة
العرف على اعتبار التجاوز عن الشئ بلحاظ التجاوز عن محله خصوصا بقرينة الفقرات
المذكورة في الأسئلة في صدرها (نعم لولا) الروايتان المصدرتان بالأسئلة المزبورة،
لا مكن حمل الشك فيهما على الشك في وجود المركب التام بلحاظ الشك في بعض ما يعتبر
42

فيه شطر أو شرطا (لان) الشك في الشئ يشمل مثل الشك في وجود المركب التام، بضميمه
ابقاء التجاوز عن الشئ على معناه الحقيقي (ولكن) مع وجود هذا الصدر، لا يبقى
مجال لهذا المعنى (لان) مقتضى الصدر هو كون إضافة التجاوز إليه مسامحيا، بخلاف
هذا المعنى، فإنه مستتبع لكون الإضافة المزبورة حقيقيا (وبذلك) يمكن دعوى عدم
امكان استفادة الجامع بين الشك في أصل وجود الشئ، والشك فيه بلحاظ بعض ما
اعتبر فيه المعبر عنه بالشك في وجود الصحيح أو التام، نظرا إلى أوله إلى اجتماع
اللحاظين في إضافة التجاوز إليه (فلا بد) حينئذ من حمل الروايتين على خصوص الشك
في أصل وجود الشئ بمفاد كان التامة.
(واما الطائفة الثانية) من العمومات (فمنها) قوله (ع) في موثقة ابن
مسلم: كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (ومنها) قوله (ع) في موثقة
أخرى له: كلما مضى من صلاتك وطهورك، فامضه كما هو وبهذا المضمون ما ورد في
الموارد الخاصة من نحو قوله (ع): في من شك في الوضوء بعد ما فرغ هو حين
يتوضأ أذكر (وهاتان) الموثقتان بصدرهما وان يلائم مع الشك في الوجود بمفاد
كان التامة اما رأسا أو بلحاظ بعض ما يعتبر فيه (ولكن) بملاحظة التوصيف الوارد
في ذيلهما بكونه مما قد مضى فامضه كما هو، في غاية الظهور بل الصراحة في أن المشكوك
فيه هو صحة الشئ بمفاد كان الناقصة الذي هو مفاد قاعدة الفراغ (خصوصا) قوله
فامضه كما هو، فإنه كالصريح في إرادة المضي عليه كما ينبغي ان يقع عليه من الصحة
والتمامية (ومن الواضح) ان ذلك لا يكون الا إذا كان الشك في اتصاف الشئ بالصحة
بمفاد كان الناقصة (بل إن) لوحظ ظهور المضي والتجاوز فيهما في التجاوز عن نفس
المشكوك فيه لا عن محله، ترى كونه قرينة أخرى على صرف ظهور الصدر عن الشك في
وجود الشئ إلى الشك في صحة الموجود، لملازمة التجاوز عن الشئ لمفروغية أصل
وجوده (وحينئذ) أقول انه بعد تباين كل طائفة من حيث المفاد والمدلول مع الطائفة
الأخرى (لا مجال) لاتعاب النفس في مفاد هذه الأخبار بارجاع الجميع إلى مفاد
واحد وهو بيان حكم الشك في الشئ بمفاد كان التامة بارجاع الطائفة الثانية إلى بيان
43

حكم الشك في وجود الصحيح (كما افاده الشيخ قدس سره) مع اعترافه بظهور هذه
الطائفة من جهتين في بيان حكم الشك في صحة الشئ بمفاد كان الناقصة، خصوصا مع
اباء كل من الطائفتين عن الحمل على بيان حكم الشك في الوجود التام بلحاظ الشك في
وجود بعض ما اعتبر فيه شطرا أو شرطا (إذ لا داعي) لارتكاب هذا التعويل في
مفاد تلك الأخبار بعد ظهور كل طائفة في معنى غير ما يظهر من الأخرى (بل يؤخذ)
بظهور كل طائفة فيما يقتضيه من المدلول، ويستفاد منهما قاعدتان مستقلتان
(إحديهما) متكفلة لبيان حكم الشك في الشئ بمفاد كان التامة المعبر عنها بقاعدة
التجاوز (والأخرى) لبيان حكم الشك في صحة الشئ وتماميته بمفاد كان الناقصة المعبر
عنها بقاعدة الفراغ (مع المصير) إلى اعتبار الدخول في الغير في الأولى، دون
الثانية (بلا وقوع) معارضة بين الاخبار من هذه الجهة، كي ينتهى الامر إلى اعمال
قاعدة الاطلاق والتقييد بحمل المطلق منها على المقيد (إذ لمعارضة) انما تكون في
فرض اتحاد القاعدتين واستفادة كبرى واحدة من مفاد تلك العمومات وهي حكم
الشك في الشئ بمفاد كان التامة (والا) فبناء على تعدد القاعدة وتعدد الكبرى
المستفادة منها (فلا تعارض) بين الاخبار من هذه الجهة (لان) ما كان منها متكفلا
لاعتبار الدخول في الغير في الحكم بالمضي انما هو صحيحة زرارة، وموثقة ابن أبي
يعفور، ورواية إسماعيل بن جابر (وهذه) الطائفة متمحضة في الاختصاص بكبرى
قاعدة التجاوز (وما كان) منها غير متكفل لاعتبار هذا القيد انما هو موثقتا محمد
ابن مسلم وموردهما انما هو الشك في صحة الشئ وتماميته الذي هو مفاد قاعدة الفراغ،
لا الشك في أصل وجود الشئ، أو في وجود الصحيح بمفاد كان التامة (ومع)
تغاير المفاد في هذه الأخبار من حيث تمحض بعضها في قاعدة التجاوز، وتمحض بعضها
بقاعدة الفراغ، أين يبقى مجال توهم المعارضة بينها من جهة اعتبار هذا القيد، كي يحتاج
إلى اعمال قاعدة الاطلاق والتقييد بحمل المطلق منها على المقيد (ولعمري) ان المنشأ
كله لهذه التكلفات انما هو لا جل مصير مثل الشيخ قدس سره إلى اتحاد القاعدتين
ووحدة الكبرى المجعولة فيهما بارجاعه المختلفات من الاخبار إلى مفاد واحد وبيان
44

كبرى واحدة وهي حكم الشك في الشئ بمفاد كان التامة الذي هو الجامع بين الشك
في أصل الوجود والشك في الوجود التام (والا) فبناء على الاخذ بما يقتضيه ظواهر
تلك الأخبار من تعدد القاعدة وتمحض بعضها في قاعدة التجاوز، وبعضها،
بقاعدة الفراغ، لا يبقى مجال لهذه التكلفات، ولا لالقاء المعارضة بين مفاد الاخبار كما
هو ظاهر واضح (واما توهم) ان وحدة السياق في تلك الأخبار يقتضى حمل الجميع
على معنى واحد وبيان كبرى واحدة وهي حكم الشك في الشئ بمفاد كان التامة الجامع
بين الشك في أصل وجود الشئ، والشك في الوجود التام (فكلام ظاهري) بالنسبة
إلى الاخبار المستقلة المنفصلة بعضها عن بعض المختلفة مفادا من كونه في كل واحد
معنى غير ما يظهر من الآخر (إذ في مثله) لا مجال لتوهم وحدة السياق بينها كي
تقتضي ارجاع تلك المختلقات مضمونا إلى معنى واحد (فالتحقيق) في المقام هو ان
المستفاد من اخبار الباب قاعدتان (إحديهما) قاعدة الشك في الشئ بمفاد كان التامة
بعد خروج وقته وتجاوز محله المعبر عنها بقاعدة التجاوز (والثانية) قاعدة الشك في
صحة الشئ بمفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ (واما) قاعدة الشك في
وجود العمل الصحيح بمفاد كان التامة، فلا يستفاد من اخبار الباب، ولا يكون له
في شئ منها عين ولا أثر (ثم إن هاتين) القاعدتين متصادقتان بعد الفراغ عن مركب
شك في صحته من جهة الشك في وجود بعض اجزائه مما تجاوز محله فيما عدى
الجزء الأخير، فإنه بالنسبة إلى الجزء المشكوك وجوده، يكون مورد للقاعدة الأولى،
وبالنسبة إلى نفس العمل المركب الذي شك في صحته، يكون مورد للقاعدة الثانية
(وتفترق) الأولى عن الثانية، فيما لو شك في وجود جزء من اجزاء العمل المركب
بعد تجاوز محله وقبل الفراغ عن العمل، كالشك في الركوع بعد ما سجد (كما أنه)
تفترق الثانية عن الأولى فيما لو شك بعد الفراغ عن العمل في صحته من جهة الشك
في بعض ما اعتبر في صحته كالترتيب والموالاة ونحوهما مما ليس له وجود مستقل
يصدق عليه الشئ.
(ثم انه) مما يترتب على اتحاد القاعدتين وتعددهما، انه لو علم بفوت سجدة واحدة
45

أو التشهد وقد شك في صحة صلاته من جهة احتمال الاخلال بالترتيب. أو الموالاة
المعتبرة فيها (فإنه) على ما ذكرنا من تعدد القاعدة وتعدد الكبرى المجعولة فيهما،
تجرى في الصلاة قاعدة الفراغ الحاكمة بصحتها، ويترتب على صحتها وجوب قضاء
السجدة أو التشهد وسجدتي السهو (واما) على القول بوحدة القاعدتين ووحدة
الكبرى المجعولة فيهما، كما هو مختار الشيخ قدس سره ومن تبعه، فيشكل اثبات وجوب
قضاء السجدة أو التشهد في الفرض المزبور (فإنه) بالنسبة إلى المشكوك فيه وهو
الموالاة أو الترتيب لا يصدق عليه الشئ حتى يجري فيه قاعدة الشك في الشئ بعد
تجاوز محله (واما بالنسبة) إلى المركب الذي شك في وجوده التام، فكذلك (لأنه)
بلحاظ ما يكون منه مشكوكا أعني الترتيب والموالاة لا يكون شيئا حتى تجرى فيه
القاعدة، وبلحاظ ما يكون منه شيئا وهو الاجزاء لا يكون مشكوكا (وعلى فرض)
جريان القاعدة فيه واقتضائها لاثبات وجود العمل الصحيح، لا يترتب عليه وجوب
قضاء السجدة أو التشهد لأنهما من آثار صحة الصلاة بمفاد كان الناقضة فلا يمكن
ترتيب مثل هذا الأثر عليه الا على القول بالمثبت.
(وينبغي التنبيه على أمور)
(الامر الأول) قد عرفت دلالة اخبار الباب في قاعدة التجاوز على البناء
على وجود ما شك فيه من اجزاء العمل بعد خروج وقته وتجاوز محله وعدم الاعتناء
بالشك فيه، بل مقتضى عموم الشئ في قوله (ع) كل شئ شك فيه وقد جاوزه
في رواية إسماعيل بن جابر، وموثقة ابن أبي يعفور صدرا وذيلا هو عموم القاعدة
لجميع المركبات وعدم اختصاصها بباب الصلاة وما يتعلق بها من الأذان والإقامة (الا)
انه خرج عن هذه الكلية الشك في أبعاض الوضوء قبل اتمام الوضوء، وكذا ابعاض
الغسل والتيمم على قول قوى، فإنهم اجمعوا على أن الشاك في فعل من أفعال الوضوء
قبل اتمام الوضوء يجب عليه العود لاتيان المشكوك فيه وان دخل في فعل آخر منه
46

(وقد نص جماعة على ذلك في الغسل والتيمم أيضا على نحو يظهر منهم كونه من
المسلمات (والعمدة) في مستند خروج الوضوء من الكلية المزبورة بعد الاجماع هي
صحيحة زرارة، إذا كنت قاعدا في وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فاعد عليهما
وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله تعالى ما دمت في حال
الوضوء، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة أخرى في الصلاة أو في
غيرها فشككت في بعض ما سمى الله تعالى مما أوجب الله عليك لا شئ عليك (ولا
اشكال) في تخصيص عمومات قاعدة التجاوز بمقتضى الاجماع والصحيحة المذكورة
بالنسبة إلى الوضوء، بل الغسل والتيمم أيضا (وانما الكلام) في التوفيق بين الصحيحة،
وبين موثقة ابن أبي يعفور المتقدمة، إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في
غيره فشكك ليس بشئ انما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه (حيث) ان الظاهر منها هو
ان حكم الوضوء من باب القاعدة لا خارج منها، لظهورها في عود ضمير غيره إلى
الجزء المشكوك فيه، كظهور قوله من الوضوء في كون المشكوك بنفسه صغرى للكبرى
المشتملة على الحصر في ذيلها، لا انه توطئة لبيان ما هو الصغرى وهو الوضوء الذي
شك فيه بلحاظ احتمال الاخلال ببعض ما اعتبر فيه شطرا أو شرطا (ولا جل) ذلك،
وقع الاشكال بأنه كيف التوفيق بين الصحيحة وبين الموثقة (فان) اخراج مورد
الموثقة بمقتضى الاجماع والنص المتقدم عن عموم الذيل المضروب لبيان قاعدة كلية
غير ممكن (لان) عموم الذيل بالنسبة إلى المورد المذكور في الصدر كالنص غير القابل
للتخصيص (وقد تفضوا عن الاشكال المزبور بوجوه.
(منها) حمل الموثقة على بيان حكم الشك في صحة الشئ بمفاد كان الناقصة
(بتقريب) ظهورها في أن المراد من الشئ في ذيلها هو العمل الذي وقع الشك فيه
لا جل احتمال الاخلال بشئ من أجزائه وشرائطه (لا الشئ) الذي شك في
وجوده لتكون دليلا على قاعدة التجاوز (فإنه) خلاف ما يقتضيه ظهور التجاوز
عن العمل المشكوك فيه، لا عن محله (فظهور) الذيل في القاعدة يكون رافعا لا جمال
مرجع الضمير في الصدر (لكون) القاعدة المذكورة في الذيل بمنزلة البرهان لاثبات
47

الحكم المذكور في الصدر، فيجب ان يكون الحكم المذكور في الصدر من جزئيات ما هو
الموضوع في تلك القاعدة، حتى يستقيم البرهان المزبور (فالمستفاد) من الموثقة
حينئذ أمران (أحدهما) انه لو تعلق الشك بصحة عمل مركب بعد الفراغ عنه لا يعتد
بالشك (الثاني) ان عدم الاعتداد بالشك بعد الفراغ من الوضوء انما هو لكونه
من جزيئات هذه القاعدة (كما أن) المستفاد منها هو ان مفهوم الصدر من مصاديق
منطوق الذيل، انتهى ملخص ما أفيد بطوله (وحاصله) تخصيص عموم قاعدة التجاوز
بباب الصلاة أو بغير باب الوضوء بل جميع الطهارات، وان حكم الإمام (ع) بعدم
الاعتداد بالشك في الموثقة انما هو لقاعدة الفراغ الحاكمة بصحة العمل المأتى به،
لا لقاعدة التجاوز، فالموثقة من أدلة قاعدة الفراغ لكونها متحدة السياق مع موثقة
ابن مسلم، لا من أدلة قاعدة التجاوز (فلا تهافت) حينئذ بين الموثقة وبين الصحيحة.
(وفيه) منع ظهور الموثقة في القاعدة المذكورة (بل هي) صدر أو ذيلا
ظاهرة في بيان حكم الشك في الشئ بمفاد كان التامة (فان) ظهور الشك في شئ في
عموم الذيل كظهور الصدر في الشك في أصل وجود الشئ بمثابة لا يكون قابلا للانكار،
خصوصا إذا لوحظ ظهور قوله من الوضوء في كون المشكوك فيه بنفسه صغرى للكبرى
المذكورة في الذيل، لا انه توطئة لما هو الصغرى وهو الوضوء (وبالجملة) جعل المراد
من الشئ في الرواية صدرا وذيلا هو العمل المركب الذي شك فيه لأجل احتمال
الاخلال ببعض ما اعتبر فيه جزء أو شرطا، خلاف الظاهر من الشك في الشئ، ولا
يستقيم الا بجعل من في قوله من وضوئه بيانية لا تبعيضية المستتبع لعود ضمير غيره
إلى الوضوء الذي شك في صحته، وهو خلاف ظاهر آخر في تبعيضية من (مع أنه)
على ذلك يتوجه اشكال المعارضة بين منطوق هذه الموثقة مع مفهومها في صورة الشك
في صحة فعل من أفعال الوضوء وما يلحق به الغسل والتيمم بعد الدخول في غيره
كالشك في صحة غسل اليد باعتبار جزء من اجزائه (فإنه) يتصور له في عمل واحد
مصداقان يكون الشك بعد الفراغ في أحدهما وقبله في الآخر، بل الاشكال يعم غير
باب الطهارات، كالشك في صحة القراءة باعتبار جزء من اجزائها بعد الدخول في غيرها
48

(الا ان يدعى) انصراف الشئ في الرواية عن مثلها إلى ما كان له نحو استقلال بنظر
العرف وان كان في اعتبار الشارع جزء لعمل مركب، كالطواف والسعي ونحوهما.
(ومنها) تنزيل الموثقة على بيان حكم الشك في وجود الصحيح بعد الفراغ
منه أو تنزيلها على ضرب القاعدة في الشك المتعلق بجزء العمل المركب بعد الفراغ عن
العمل، فيرتفع التهافت بينها وبين الصحيحة المصرحة بوجوب الالتفات إلي الشك في
جزء من الوضوء ما دام الاشتغال به، حيث لا منافاة حينئذ بين ظهور الموثقة في
كون حكم الوضوء من باب القاعدة مع وجوب الالتفات إلى الشك ما دام الاشتغال
بالوضوء (وفيه) ما لا يخفى فان دعوى استفادة قاعدة الشك في الوجود الصحيح
أو الشك المتعلق بجزء من العمل بعد الفراغ عن العمل من الموثقة خارجة عن السداد،
لوضوح ظهورها في بيان حكم الشك المتعلق باجزاء العمل بعد تجاوز محله بالدخول في
غير المشكوك فيه، كظهور التجاوز في كبرى الذيل في مطلق التجاوز عن الشئ،
لا التجاوز الخاص الملازم للفراغ عن أصل العمل المركب، خصوصا بملاحظة ظاهر من
في التبعيضية (فالموثقة) بحسب المدلول مساوق سائر عمومات الباب، بلا اختصاصها
بجهة زائدة عنها (بل يمكن) دعوى عدم استفادة شئ من المعنيين من شئ من عمومات الباب
وخصوصاته (لان اخبار الباب) بأجمعها بين ما يستفاد منه حكم الشك المتعلق بأصل
وجود الشئ بمفاد كان التامة بعد خروج محله، مثل قوله كل شئ شك فيه وقد
جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه، وهذه الموثقة (وبين) ما يستفاد منه حكم الشك
في صحة الموجود بمفاد كان الناقصة، مثل قوله كل شئ شك فيه مما قد مضى فامضه
كما هو، فلا يكون لشئ من المعنيين عين ولا اثر في شئ من اخبار الباب من
عموماته وخصوصاته.
(ومنها) ما افاده الشيخ قدس سره من أن الوضوء بتمامه باعتبار اثره ومسببه
وهو الطهارة فعل واحد في نظر الشارع لا جزء له مؤيدا بما في بعض اخبار الوضوء
من أن الوضوء لا يتبعض، ومع عدم ملاحظة الشارع أجزائه أفعالا مستقلة، فلا
يلاحظ كل فعل منه بحياله شيئا يشك فيه بعد تجاوز محله ليكون موردا للقاعدة،
49

فيتوجه عليه اشكال التهافت، إذ الشك في فعل من أفعال الوضوء حينئذ كغسل اليد قبل
الفراغ عن الوضوء لا يكون الا شكا في الشئ قبل التجاوز عنه (وفيه) مضافا إلى أن
ما ذكر من الوحدة خلاف ظاهر تبعيضية من في صدر الرواية (ان مجرد) بساطة
اثر الوضوء لا يقتضي هذا الاعتبار في مؤثره الذي هو نفس الوضوء (والا)
لا اقتضى جريان المناط المزبور في سائر العبادات أيضا كالصلاة بالنسبة إلى آثارها
المترتبة عليها من نحو الانتهاء عن الفحشاء والمقربية، فيلزم ان يكون الشك في كل
جزء منها قبل الفراغ عنها شكا فيه قبل التجاوز عن ذلك الجزء باعتبار وحدة السبب
الناشئ عن وحدة الأثر وبساطته (واما) ما أيدنا به من الرواية بان الوضوء لا يتبعض،
فغير مرتبط بالدعوى المذكورة (فان المراد) من التبعيض الممنوع فيه، عبارة عن
انفراد بعض اجزائه عن بعض خارجا (لا ان المراد) ان الوضوء باعتبار بساطة اثره
اعتبر أمرا واحدا بسيطا لا يلاحظ حكم الشك بالنسبة إلى اجزائه.
(فالتحقيق) في التفصي عن الاشكالات هو الالتزام برجوع الغير في صدر
الموثقة إلى الوضوء ولو بملاحظة قرب المرجع الراجع إلى تقييد التجاوز عن المشكوك فيه
في خصوص اجزاء الوضوء وما يلحق به من الغسل والتيمم بمقتضى الاجماع والصحيح
المتقدم بالتجاوز الخاص المساوق للتجاوز عن الوضوء، مع ابقاء التجاوز في كبرى
الحصر في الذيل على اطلاقه في مطلق التجاوز عن الشئ (ومرجع) ذلك إلى كشف
التوسعة بمقتضى الاجماع والنص في خصوص المورد في محل ابعاض الوضوء وما يلحق
به من الغسل والتيمم إلى ما بعد الفراغ عن الوضوء، مع ابقاء ظهور كبرى الذيل في
مطلق التجاوز عن محل الشئ الذي شك فيه على حالها بلا تخصيصه بالتجاوز الخاص
(ولا محذور) في الالتزام بهذا المقدار، فان تقييد المورد مع اطلاق الكبرى غير
عزيز (نظير) تقييد مورد مفهوم آية النباء المفروض كونه في الموضوعات الخارجية بصورة
انضمام خبر عدل آخر، مع ابقاء اشتراط كبرى قبول الخبر الواحد بكون المخبر عادلا
على اطلاقه لصورة عدم ضم خبر عدل آخر إليه.
(وعلى هذا) البيان يندفع الاشكالات الواردة على الرواية (تارة) من جهة
50

لزوم تخصيص مورد الرواية عن العموم المضروب في ذليلها لبيان القاعدة الكلية
(وأخرى) من جهة معارضه منطوق هذه الرواية مع مفهومه في صورة الشك
في صحة جزء من الوضوء مع الدخول في جزء آخر قبل الفراغ عن الوضوء (وثالثة)
من جهة المعارضة مع العمومات الدالة على عدم الاعتداد بالشك في الشئ بعد
التجاوز عن محله (توضيح الاندفاع) هو ان الاشكال الأول فرع ارجاع ضمير غيره
إلى الشئ المشكوك فيه (والا) فعلى فرض ارجاعه إلى الوضوء بقرينة الاجماع
والنص المتقدم وقرب المرجع ولو بتقييد التجاوز في المورد بمرتبة خاصة من التجاوز
المنطبق على اتمام الوضوء فلا يرد هذا الاشكال (واما الاشكال) الثاني فإنما يرد لو كان
المراد من الشئ في كبرى الذيل هو المركب المشكوك فيه باعتبار بعض ما اعتبر فيه
جزء أو شرطا، أو كان المراد من التجاوز في الكبرى هو التجاوز عن الشئ باعتبار
الخروج عن مركب اعتبر جزئيته له (إذ حينئذ) يمكن ان يتصور له مصداقان في
عمل واحد يكون الشك بعد الفراغ في أحدهما، وقبل الفراغ في الآخر فيجئ
فيه اشكال المعارضة المذكورة (والا) فعلى ما ذكرنا من ارجاع القيد في الرواية إلى
خصوص الصغرى، بجعله توطئة لتقييد خصوص التجاوز في المورد بالتجاوز الخاص
المنطبق على الفراغ من تمام الوضوء، مع ابقاء التجاوز في كبرى الذيل على اطلاقه،
لا مجال لهذا الاشكال (إذ لا يحتمل) حينئذ انطباق التجاوز الخاص في باب الوضوء
على سائر الأفعال كي يتوجه الاشكال الثاني.
(وبذلك) اتضح حال الاشكال الثالث (إذ هو) أيضا فرع كون
المراد من الشئ في كبرى الذيل هو المركب الذي شك فيه باعتبار اجزائه، أو كون المراد
من التجاوز فيها هو التجاوز الخاص، بارجاع القيد في الرواية إلى كونه توطئة لبيان
التجاوز في الكبرى لا شرحا للتجاوز في خصوص الصغرى بكونه هو التجاوز الخاص،
فإنه على أحد المعنيين يرد اشكال المعارضة بين مفاد هذا العام، ومفاد عموم قوله كل
شئ شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه في صورة التجاوز عن محل الجزء
مع عدم الفراغ عن العمل المركب (ولقد عرفت) ان استظهار هذين المعنيين من
51

الرواية خارج عن السداد (وان التحقيق) هو ابقاء الكبرى في الرواية على ظاهرها
من الشك في وجود الشئ بمفاد كان التامة، مع ابقاء التجاوز فيها أيضا على اطلاقه،
بارجاع القيد في الرواية إلى كونه توطئة لبيان خصوص التجاوز في المورد، دون
غيره (وعليه) تندفع شبهة المعارضة من رأسها (إذ حينئذ) يكون الجميع على مفاد
واحد، غاية الامر يقيد خصوص مورد هذه الرواية في الوضوء وما يلحق
به من الغسل والتيمم كما هو المشهور بمقتضى النص والاجماع بمرتبة خاصة من التجاوز (ومن
المعلوم) ان هذا التقييد في الوضوء الذي هو مورد الرواية وما يلحق به من سائر الطهارات
كما يوجب رفع اليد عن عموم كبرى ذيل الرواية، كذلك يوجب رفع اليد عن الكبرى المضروبة
في ذيل أفعال الصلاة (وعلى هذا البيان) تبقى القاعدة أيضا على عمومها الشامل لافعال
الصلاة وغيرها من سائر المركبات، بلا احتياج إلى تخصيصها بأفعال الصلاة (إذ التخصيص)
المزبور مع كونه خلاف ظاهر كل شئ في الدلالة على العموم والاستيعاب لجميع ما
يصلح انطباق المدخول عليه بحسب الوضع كما حققناه في محله، وقيامه بذلك مقام
مقدمات الحكمة الجارية في المدخول (انما يثمر) في فرض ورود شبهة المعارضة،
كما على المبنيين المتقدمين (والا) فعلى ما ذكرنا من المبنى لا موقع لشبهة المعارضة حتى
يحتاج إلى منع التعميم في مثل عموم كل شئ وعموم قوله (ع) انما الشك في شئ لم
تجزه (مع أنه) على فرض ورود شبهة المعارضة حتى على المبنى المختار، لا يجدى مجرد
منع التعميم في قوله كل شئ في دفع الاشكال، فإنه مع عموم قوله انما الشك وشموله
لباب الصلاة يتوجه اشكال المعارضة المزبورة في أفعال الصلاة كما هو ظاهر.
(الامر الثاني) قد عرفت انه يعتبر في قاعدة التجاوز أمران (أحدهما) ان
يكون الشك متعلقا بوجود الشئ بمفاد كان التامة، وبذلك يختص جريانها بما لو كان
الأثر المهم على وجود المشكوك فيه، لا على حيث اتصافه بكذا، ومن هنا لا تجرى
القاعدة في الشك في ركعات الصلاة (لان) الأثر المهم على ما يستفاد من الأدلة من
نحو قوله (ع) تشهد وسلم في الرابعة انما هو على حيث اتصاف الركعة بالرابعة بمفاد
كان الناقصة لا على وجود الرابعة بمفاد كان التامة (ولا جل) ذلك قلنا أيضا ان عدم
52

جريان الاستصحاب في ركعات الصلاة ولو في غير الموارد المنصوصة انما يكون على
القواعد بلحاظ عدم اقتضاء التعبد بعدم الاتيان بالمشكوك لاثبات كون ما في اليد
ثالثة أو رابعة، لا انه لقصور فيه عن الجريان فيها، بخلاف أدلة الشكوك الآمرة
بالبناء على الأكثر، فإنها ناظرة إلى اثبات كون الموجود ثالثة أو رابعة، فيترتب
عليه وجوب التشهد والتسليم المترتبين على رابعية الركعة.
(وثانيهما) كونه بعد التجاوز عن محله والدخول في غيره وهذا مما لا اشكال
فيه (وانما الكلام) في أن اعتبار الدخول في الغير هل هو من جهة كونه محققا
للتجاوز عن محل المشكوك فيه أو انه لخصوصية فيه في الحكم بالمضي على المشكوك
فيه (فيه وجهان) أقواهما الأول، فان الظاهر المستفاد من عمومات الباب وخصوصاته
هو كفاية مجرد المضي عن محل المشكوك فيه في الحكم بالمضي، وان التقييد بالدخول
في الغير في بعض تلك الأخبار انما هو لكونه محققا للتجاوز عن محل المشكوك باعتبار
عدم صدق التجاوز عنه الا بالدخول فيما رتب على المشكوك شرعا بحسب الجعل الأولى،
لأنه بدونه يكون المحل باقيا، فلا يصدق التجاوز المزبور (وعليه) فذكر هذا القيد
في بعض نصوص الباب لا يقتضي أزيد مما يقتضيه اطلاق بعض الآخر، كموثقة ابن
أبي يعفور من كونه مقوما لصدق التجاوز المزبور (فلا يتوهم) المعارضة حينئذ بين
الأخبار المطلقة، والاخبار المقيدة بالدخول في الغير (هذا) في قاعدة التجاوز
(واما قاعدة الفراغ) المستفادة من نحو قوله (ع): كل ما مضى من صلاتك وطهورك
فامضه كما هو (فلا يعتبر) فيها في الحكم بالمضي كما هو الا مجرد صدق المضي على
المشكوك، ويكفي في الصدق المزبور مجرد الفراغ عن العمل بلا احتياج إلى الدخول في
عمل آخر (ولذلك) أطلق في الروايات المتكفلة لهذه القاعدة ولم يقيد شئ منها بالدخول
في غير المشكوك في مقام الحكم بالمضي على المشكوك فيه (إذ التقييد) طرا انما يكون
في اخبار التجاوز غير المرتبط باخبار قاعدة الفراغ، فلا يتوهم حينئذ المعارضة بين
المقيدات، وبين هذه المطلقات كما هو ظاهر.
(الامر الثالث) ظاهر المستفاد من اخبار الباب، ان المراد من الغير الذي
53

اعتبر الدخول فيه في الحكم بالمضي، هو خصوص ما اعتبر الترتيب بينه وبين المشكوك
فيه شرعا من الاجزاء والافعال دون غيره مما لم يكن كذلك، بل كان ترتبه عليه
بحكم العقل أو العادة (وحينئذ) فلا بد في جريان القاعدة من ملاحظة ان الشارع
اعتبر الترتيب بين المشكوك فيه وأي فعل (فكل فعل) اعتبر الشارع الترتيب بينه
وبين المشكوك فيه، يصدق التجاوز عن المحل بالدخول فيما رتب عليه، فتجري فيه
القاعدة (وكل فعل) لم يرتب شرعا على المشكوك فيه، لا يجدى الدخول فيه في الحكم بالمضي،
لعدم صدق التجاوز عن المحل بالدخول في مثله، وان كان من مقدمات ما ترتب على
المشكوك فيه (ويترتب) عليه وجوب العود لتدارك المشكوك فيما إذا شك في السجدة
في حال النهوض إلى القيام، أو في الركوع في حال الهوى إلى السجود (لان) مثل
النهوض والهوى من مقدمات ما رتب على المشكوك فيه، لا من الأمور المترتبة عليه
بنفسه بالجعل الشرعي (وتوهم) كفاية الدخول في مطلق الغير ولو كان الترتب بينه وبين
المشكوك فيه عقليا أو عاديا (مدفوع) أولا بما ذكرنا من أن اعتبار الدخول في الغير
في الحكم بالمضي على المشكوك فيه انما هو لكونه محددا للمحل الذي اعتبر التجاوز
عنه، لا انه لخصوصية فيه، فمع عدم كونه مما رتب عليه شرعا لا يصدق التجاوز عن
محل المشكوك فيه، فلا تجري فيه القاعدة (وثانيا) يمنع الاطلاق في اخبار الباب
من هذه الجهة (بل الظاهر) منها بقرينة الأمثلة المذكورة فيها، هو اختصاص الغير
الذي اعتبر الدخول فيه في الحكم بالمضي بخصوص ما رتب على المشكوك فيه شرعا
(ولقد) أجاد المحقق الأنصاري قدس سره في جعل الأمثلة المذكورة في الاخبار
تحديدا للغير الذي اعتبر الدخول فيه (وحينئذ) فلا اشكال في خروج مثل الهوى
والنهوض ووجوب الاعتداد بالشك في الركوع والسجود إذا كان في حال الاشتغال
بهما (نعم) يظهر من خبر عبد الرحمن بن عبد الله عدم الاعتداد بالشك في الركوع
في حال الهوى إلى السجود قال قلت: رجل أهوى إلى السجود فلم يدر اركع أم لم
يركع قال (ع): قد ركع (ولكن) بعد ضعف الخبر في نفسه يمكن حمله على آخر
مراتب الهوى الذي يتحقق به السجود (وعلى فرض) القول به لا بد من الاقتصار على
54

مورده وعدم التعدي منه إلى غيره من المقدمات.
(ثم لا فرق) في الغير المترتب على المشكوك فيه بين كونه جزء للمركب،
وبين غيره (واحتمال) اختصاصه بما يكون جزء (يدفعه) ظهور هذه النصوص في
عدم الاعتناء بالشك في السجود بعد الدخول في القيام الشامل باطلاقه لحال عدم
الاشتغال بالقراءة أو التسبيحات، مع وضوح ان وجوبه انما كان في حال القراءة أو
التسبيحات، (ولذا) لو قرء جالسا نسيانا ثم تذكر بعدها أو في أثنائها صحت قرائته
ولا يجب عليه القيام لفوات محله، وان وجب عليه ذلك لأجل الركوع، للزوم كونه عن
قيام (وكذا) لا فرق بين كونه جزء مستقلا، وبين كونه جزء الجزء كابعاض القراءة، فلو شك
المصلى في آية بعد الدخول في آية أخرى من الحمد أو السورة، لا يجب العود إلى تدارك
المشكوك فيه، فضلا عما لو شك في أول السورة وهو في آخرها (ومجرد) عدم ذكر مثله
في أمثلة اخبار الباب لا يقتضى المنع عن شمول القاعدة لاجزاء الاجزاء بعد صدق
الشك في الشئ بعد تجاوز محله بالدخول في غيره عليه، واندراجه في الكبرى الكلية
التي أفادها الإمام (ع) بقوله، كل شئ شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض
عليه (والا) لاقتضى المنع عن جريان القاعدة فيما لو شك في قرائة الفاتحة بعد
الدخول في السورة، بل وبعد الدخول في القنوت (إذ المذكور) في الرواية رجل
شك في القراءة بعد ما ركع، مع أنه ليس كذلك (نعم) قد يشك في شمول الاخبار
للشك في ابعاض آية بعد الدخول في البعض الآخر منها (وأولى) بالتشكيك ما لو
شك المصلى في جزء من الكلمة بعد الدخول في الجزء الآخر منها، لامكان دعوى
انصراف الشئ وكذا الغير في الاخبار ولو بقرينة الأمثلة المذكورة فيها إلى ما يكون
له وجود مستقل عرفا، وان كان في اعتبار الشارع جزء للجزء، لا جزء
مستقلا (ومن التأمل) فيما ذكرنا ظهر انه لا فرق أيضا في الغير المترتب على المشكوك
بين ان يكون من الاجزاء الواجبة، أو المستحبة كالقنوت على أقوى الوجهين، بل
وجلسة الاستراحة (ولا) بين كونه جزء مستحبا، وبين كونه مستحبا نفسيا في حال
الصلاة، كالفنون على الوجه الآخر (ولا) بين كونه من المستحبات الداخلية،
55

والمستحبات الخارجية كالتعقيب ونحوه، فلو شك المصلى في الجزء الأخير وهو في حال
التعقيب، تجري فيه القاعدة، كل ذلك لاستفادة عموم الحكم بالمضي من الاخبار
بالدخول فيما رتب على المشكوك بالجعل الشرعي كان جزء للصلاة، أو مستحبا نفسيا في
حالها، أو في خارجها مما هو من تبعاتها كالتعقيب (لا انه) للتعدي عما هو جزء
الصلاة إلى غير سنخه مما هو مستحب نفسي في حالها أو في خارجها.
(الامر الرابع) هل يعتبر في قاعدة التجاوز ان يكون الغير الذي اعتبر الدخول
فيه متصلا بالمشكوك فيه، أو لا يعتبر ذلك بل يكفي في جريانها الدخول في مطلق الغير
ولو كان غير ملاصق بالمشكوك فيه، فيه وجهان (أقواهما الثاني) لما تقدم من أن المعتبر في
القاعدة هو مجرد الشك في الشئ بعد تجاوز محله وان اعتبار الدخول في الغير في
الاخبار انما هو لكونه محققا لعنوان التجاوز عن محل المشكوك فيه الموجب لصدق
الشك في الشئ بعد تجاوز محله، لا انه لخصوصية فيه تقتضي الحكم بالمضي على
المشكوك فيه (وحينئذ) فبعد صدق الشك في الشئ بعد تجاوز محله بالدخول في غير
الملاصق بالمشكوك، تجرى فيه القاعدة (وعلى فرض) الخصوصية لعنوان الدخول في
الغير (نقول): انه يكفيه اطلاق الغير في الاخبار الشامل لغير المتصل بالمشكوك
(فان دعوى) انصرافه إلى خصوص المتصل بالمشكوك فيه مما لا شاهد له.
(وتظهر الثمرة) بين الوجهين فيما لو شك في الجزئين المترتبين، كما لو شك
المصلى في الركوع والسجود وهو في التشهد (اما) بان يكون كل واحد منهما
متعلقا لشك مستقل بحيث يحتمل التفكيك بينهما في الوجود والتحقق (واما) بان
يكون المجموع متعلقا لشك واحد بنحو لا يحتمل التفكيك بينهما في الوجود (فإنه)
على المبنى المختار لا غبار في جريان القاعدة في الركوع والسجود في الصورتين
(واما على المبنى الآخر) فيشكل جريان القاعدة فيهما، فإنه مع الشك في السجود
يشك في الدخول في الغير المتصل بالنسبة إلى الركوع، فلا تجرى فيه القاعدة
(ومع) عدم جريانها فيه لا تجرى في السجود أيضا، لعدم ترتب اثر شرعي عليه
حينئذ، لبطلان الصلاة التي لم يحرز فيها الركوع (وبذلك) يندفع ما قد يتوهم، من
56

امكان جريان القاعدة فيهما، باجرائها في السجود أو لا، لمكان تحقق شرطها الذي هو الدخول
في الغير المتصل به (ثم) اجرائها بالنسبة إلى الركوع ثانيا (لان) القاعدة بجريانها في
السجود محقق لعنوان الدخول في الغير المتصل بالركوع ولو تعبدا لا وجدانا،
وبتحقق هذا العنوان تجرى في الركوع أيضا (وجه الاندفاع) مضافا إلى عدم
اقتضاء التعبد بوجود السجود لاثبات عنوان الدخول في الغير المتصل بالنسبة إلى
الركوع الا على فرض القول بالمثبت (ان جريان) القاعدة في السجود فرع ترتب
اثر شرعي عملي عليه لأنه مما لا بد منه في جريان القاعدة (وهو متوقف) على جريانها
في الركوع، إذ لولا جريانها فيه لا يترتب اثر شرعي على وجود السجدة لبطلان
الصلاة التي لم يحرز الركوع فيها، فإذا توقف جريانها في الركوع على جريانها في السجود
يلزم الدور، وهو باطل (هذا) في الصورة الأولى (واما) في الصورة الثانية،
فالامر أشكل (فإنه) مع اليقين بملازمة الاتيان بالسجود مع الاتيان بالركوع وعدم
احتمال انفكاك أحدهما عن الآخر في التحقق، يقطع بعدم الاتيان بالسجود في فرض
عدم اتيانه بالركوع، ومع هذا القطع لا تجرى القاعدة في الركوع للقطع بعدم
الدخول في الغير المتصل به (وبالجملة) القاعدة انما تجري في مورد يجامع عدم الاتيان
بالمشكوك مع الدخول في الغير المتصل به، وفي هذا الفرض لا يحتمل ذلك كي تجري
فيه القاعدة (ولكن الذي) يسهل الخطب هو فساد أصل المبنى، لما عرفت من أن
المعتبر في جريان القاعدة هو الشك في الشئ بعد تجاوز محله، وهذا مما لا شك في صدقه
بالدخول في مطلق الغير.
(الامر الخامس) ان الجزء المشكوك فيه (تارة) يكون هو الجزء الأخير
من العمل، كالتسليم في الصلاة، وغسل جانب الأيسر في الغسل، ومسح الرجل
اليسرى في الوضوء (وأخرى) يكون ما عدى الجزء الأخير، (فان كان) المشكوك فيه
ما عدى الجزء الأخير، فلا اشكال في أنه قبل الدخول فيما رتب عليه شرعا يجب العود
إليه، وبعد الدخول فيه يحكم عليه بالمضي وعدم الاعتداد بالشك (وان كان) المشكوك فيه
هو الجزء الأخير، كالتسليم في باب الصلاة، فقد يقال: بوجوب الاعتداد بالشك،
57

لعدم جريان قاعدة التجاوز فيه، لاشتراطها بالدخول في الغير المترتب عليه من
الاجزاء، وليس للصلاة وراء التسليم شئ يتصور الدخول فيه (ولا قاعدة) الفراغ
عن العمل أيضا، للشك في تحقق الفراغ بدونه (وتحقيق الكلام) فيه هو ان الشك
في التسليم (تارة) يكون في حال الاشتغال بالتعقيب (وأخرى) بعد فعل ما ينافي
الصلاة عمدا وسهوا، كالحدث والاستدبار، أو عمدا لا سهوا، كالتكلم (وثالثة)
في حال السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة عرفا (ورابعة) في حال السكوت غير
الماحي لصورة الصلاة (فان كان) الشك في التسليم في حال الاشتغال بالتعقيب،
فلا ينبغي الاشكال في عدم الاعتداد بالشك لجريان قاعدة التجاوز في المشكوك (فان
التعقيب)، وان كان من توابع الصلاة الخارجة عن حقيقتها كالاذان والإقامة لا من
اجزائها (ولكن) الشارع لما اعتبر له محلا خاصا بكونه عقيب التسليم، فلا جرم
عند الشك في التسليم تجري فيه قاعدة التجاوز، لصدق الشك في الشئ بعد تجاوز
محله على مثله (كما أنه) لو كان الشك في التسليم في حال السكوت القصير
غير الماحي لصورة الصلاة لا اشكال في الاعتداد بالشك ووجوب التسليم لبقاء محله
(واما لو كان) الشك فيه بعد فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا (فقد يقال): انه
تجرى فيه أيضا قاعدة التجاوز (بتقريب) ان الشارع وان لم يجعل لما ينافي الصلاة
محلا خاصا، بل جعله من المبطلات، الا انه لما كان تحليلها التسليم كان محل التسليم قبل
فعل المنافى، وبهذا الاعتبار يجرى عليه حكم المحل الشرعي، فتجري فيه قاعدة التجاوز
(وفيه) ان مجرد كون التسليم تحليلا لفعل المنافى لا يقتضى ترتبا شرعيا بينهما، بل
غاية اقتضائه هو جواز فعل تلك المنافيات بعد أن كانت محرمة على المكلف في أثناء الصلاة
(فما هو المترتب) على التسليم حينئذ انما هو جواز فعل المنافيات، لا نفسها (والغير) الذي
اعتبر الدخول فيه للتجاوز عن محل المشكوك، هو الغير المترتب عليه بنفسه، لا ما يكون
بحكمه مترتبا عليه، وبينهما بون بعيد، فلا مجال حينئذ لتوهم جريان قاعدة التجاوز في التسليم
وهكذا الكلام فيما لو شك في التسليم في حال السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة، فلا تجري
فيه أيضا قاعدة التجاوز (واما قاعدة) الفراغ الحاكمة بصحة الصلاة، فجريانها مبنية على
58

كفاية الاتيان بمعظم الاجزاء في صدق الفراغ عن العمل (فان قلنا) به يحكم بصحة الصلاة
للقاعدة، والا فيشكل تصحيح هذه الصلاة، لأنه مع الشك في التسليم يشك في
الفراغ الذي هو موضوع القاعدة (ولكن) الالتزام بكفاية صرف الاتيان بمعظم
الاجزاء مع الشك في التسليم في تحقق الفراغ الذي هو موضوع القاعدة، لا يخلو
عن اشكال (فان) ما يمكن الالتزام به بعد الاخذ بمعظم الاجزاء هو اعتبار امر آخر
من كونه عند الشك في حال يرى نفسه فارغا من الصلاة، أو بكون فعل المنافي من
الأول صادرا من المكلف باختياره باعتقاد فراغه، وبعد فعل المنافي أو في أثنائه يشك
في الجزء الأخير الذي هو التسليم، والا فمجرد كون الشك في التسليم في حال الاتيان
بالمنافي لا يكفي في جريان القاعدة (وبما ذكرنا) يتضح الحال في الفرع المعروف، وهو
ما لو انتبه عن نومه في حال السجدة، وشك في أنه سجدة شكر أو سجدة صلاة (فإنه)
على ما ذكرنا لا تجري قاعدة التجاوز في السجدة والتشهد لعدم احراز عنوان التجاوز
عن المحل (ولا قاعدة) الفراغ، لعدم احراز موضوعها مع الشك المزبور، فلا مصحح
لتلك الصلاة، الا في فرض علمه بان نومه من الأول كان عن اختيار منه لزعم فراغه
من الصلاة، هذا كله في الشك في الجزء الأخير في باب الصلاة.
(واما الشك) في الجزء الأخير في غير باب الصلاة، كالشك في مسح الرجل
اليسرى في الوضوء، وغسل الجانب الأيسر في الغسل فحكمه حكم الشك في التسليم،
فلا تجرى فيه قاعدة التجاوز، وان كان الشك فيه بعد جفاف تمام الأعضاء السابقة،
لعدم صدق التجاوز عن المحل بالنسبة إلى الجزء الأخير منهما (الا بتوهم) ان المحل
الشرعي المعتبر في مسح الرجل اليسرى في الوضوء بمقتضى أدلة اعتبار عدم جفاف
الأعضاء السابقة، هو كونه قبل جفاف الرطوبة من تمام الأعضاء السابقة (وفي غسل
الجانب الأيسر في الغسل الترتيبي لمن اعتاد الاتيان بغسل الأعضاء متواليا، قبل فصل
طويل ينافي عادته (فإذا) كان الشك في الجزء الأخير من الوضوء بعد جفاف الأعضاء
السابقة، وفي الجزء الأخير من الغسل الترتيبي بعد فصل طويل ينافي عادته، تجري
فيهما قاعدة التجاوز (ولكنه) توهم فاسد (اما) في الغسل فيما ذكرنا من أن العبرة
59

في صدق التجاوز عن الشئ، انما هو التجاوز عن محله الشرعي المقرر له حسب
الترتيب المعتبر شرعا بينه وبين غيره، ولا عبرة بالمحل العادي أو العقلي (واما) في
الوضوء، فبان مجرد اعتبار الشارع عدم جفاف العضو السابق أو تمام الأعضاء السابقة
في صحة غسل العضو اللاحق أو مسحة لو قلنا به ولم نقل برجوع هذه التحديدات إلى
عدم فوات الموالاة العرفية، لا يقتضى اعتبار المحل الشرعي لغسل العضو اللاحق أو
مسحه بكونه قبل جفاف الرطوبة من العضو السابق، كي بالجفاف المزبور يصدق عنوان
التجاوز عن محل الشئ (خصوصا) في مسح الرأس والرجلين، لقوة دعوى كون
الامر بإعادة الوضوء في الخبر مع عدم بقاء البلة، لأجل تعذر المسح ببلة الوضوء مع جفاف
الأعضاء، لا انه من جهة اشتراطه بعدم جفاف الأعضاء السابقة، فضلا عن اقتضائه
لاعتبار المحل الشرعي لمسح الرأس والرجلين بكونه قبل جفاف الأعضاء السابقة، كما
يشهد له ظهور قوله (ع) في مرسلة الصدوق، وان نسيت مسح رأسك، فامسح عليه
وعلى رجليك من بلة وضوئك إلى قوله (ع) وان لم يبق من بلة وضوئك شئ أعدت
الوضوء (وحينئذ) فلا يبقى مجال لاجراء قاعدة التجاوز في مسح الرجل اليسرى
عند الشك فيه بصرف كون الشك المزبور في حال جفاف تمام الأعضاء السابقة (نعم)
لا بأس بجريان قاعدة الفراغ في الوضوء، وكذا في الغسل عند الشك في الجزء الأخير
منهما بعد صدق عنوان الفراغ عن العمل عرفا ولو بمضي زمان طويل أو الدخول في
عمل آخر من صلاة ونحوها.
(الامر السادس) يعتبر في جريان قاعدة التجاوز ان يكون المشكوك فيه على
تقدير وجوده مما يجزم بكونه مأتيا على وفق امره، بحيث وقع امتثالا لامره (لان)
المجعول في قاعدة التجاوز انما هو البناء على وقوع الجزء المشكوك فيه بلحاظ ما يترتب
عليه من تحقق الامتثال الموجب لسقوط امره (فلو لم يكن) المشكوك فيه كذلك،
بل كان مما يجزم بكونه على تقدير وجوده غير موافق لامره، فلا تجرى فيه القاعدة،
لعدم ترتب اثر عملي حينئذ على التعبد بالمضي عليه (فلو علم) اجمالا في حال القيام
انه، اما ترك الركوع، أو التشهد، لا تجرى القاعدة في التشهد (لان) وجوده ملازم
60

لفوت الركوع وهو مستلزم لبطلان صلاته، فلا يترتب على وجوده اثر عملي حتى
تجرى فيه القاعدة (وان شئت) قلت في الفرض المزبور انه يعلم تفصيلا بعدم الاتيان
بالتشهد على وفق امره، اما لعدم الاتيان به رأسا، واما للاتيان به في صلاة فاسدة
(ومع) هذا العلم لا تجرى فيه قاعدة التجاوز حتى تعارض مع جريانها في الركوع،
لعدم احتمال الاتيان به في صلاة صحيحة (فتجري) القاعدة حينئذ في الركوع بلا
معارض، ومقتضاه وجوب الاتيان بالتشهد مع بقاء محله، وبقضائه بعد الصلاة مع
عدم بقاء محله بدخوله في ركن آخر (فان) احتمال عدم وجوبه حينئذ انما هو من
جهة احتمال بطلان الصلاة الناشئ من احتمال فوت الركوع (وهذا) الاحتمال مرتفع
بقاعدة التجاوز الجارية في الركوع الحاكمة بصحة الصلاة، والا فأصالة عدم الاتيان
بالتشهد غير مقتضية لوجوب الاتيان به مع بقاء محله وبقضائه بعد الصلاة مع عدم
بقائه (فان) جريان هذه القواعد الظاهرية حتى قاعدة الاشتغال انما يكون في ظرف
احتمال الاتيان بالمشكوك في صلاة صحيحة وعدم الاتيان به كذلك (ومع) دوران
المشكوك بين عدم الاتيان به رأسا، أو الاتيان به في صلاة فاسدة، لا يحتمل الاتيان
بالمشكوك في صلاة صحيحة، فلا تجري فيه القواعد الظاهرية المثبتة لوجوب الاتيان
به حتى قاعدة الاشتغال (لان) مجرى تلك القاعدة انما هو الشك في فراغ العهدة
من جهة احتمال الاتيان بالمفرغ في صلاة صحيحة، ولا يحتمل ذلك في نحو تلك
الموارد (وهكذا) الكلام في كل مورد تردد الفائت بين الركن وغيره (فان) في
جميع تلك الموارد تكون قاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما عدى الركن غير جارية، لمكان الجزم
بعدم الاتيان به على وفق امره، فتجري بالنسبة إلى الركن بلا معارض، وبجريانها
فيه يترتب صحة الصلاة، فيجب الاتيان بغير الركن مع بقاء محله، وبقضائه بعد
الصلاة مع عدم بقاء محله ان كان مما له القضاء بعد الصلاة (فان احتمال) عدم
وجوبه حينئذ انما هو من جهة احتمال فساد الصلاة، وهذا الاحتمال مرتفع بقاعدة
التجاوز الجارية في الركن الحاكمة بصحة الصلاة ظاهرا (نعم) في فرض بقاء المحل
الشكى للركن تجرى القاعدة في غير الركن فيجب الاتيان بالركن في محله لقاعدة الشك
61

في المحل (وبما ذكرنا) يتضح لك الحال في كثير من الفروع التي أوردها السيد
الطباطبائي قدس سره في العروة الوثقى فراجع وتأمل فيها تجد ما ذكرناه حقيقا
بالتحقيق فيها.
(الامر السابع) الظاهر أنه لا اختصاص لقاعدة التجاوز بباب الطهارة
والصلاة، لعموم قوله (ع) كل شئ شك فيه وقد جاوزه الشامل لغيرهما أيضا كالحج
ونحوه، ومع هذا العموم لا يحتاج إلى استفادة التعميم من لفظ الشئ الوارد في
صحيح زرارة في قوله (ع) إذا خرجت من شئ ودخلت في غيره، كي يقال: ان
الشئ في الرواية لو لم يكن ظاهرا في الاختصاص باجزاء الصلاة بقرينة الأسئلة فلا أقل
من التشكيك في ظهوره في التعميم لغير باب الصلاة (وما يقال) ان لفظ كل وان كان دالا على
الاستيعاب بلا ارتياب الا انه على استيعاب ما يراد من مدخوله الذي هو الشئ (والاشكال)
انما هو في المراد من المدخول من أنه مطلق الشئ أو هو الشئ الخاص وهو الصلاة
واستفادة العموم مبنى على تمامية مقدمات الحكمة وهي ممنوعة بعد وجود القدر المتيقن
في مقام التخاطب المذكور في صدر الرواية (مدفوع) بان التعميم كما يستفاد من
قضية الاطلاق ومقدمات الحكمة، كذلك يستفاد من لفظ كل، لما هو التحقيق من
كونه موضوعا للدلالة على استيعاب جميع ما يصلح لانطباق المدخول عليه، فيقوم حينئذ
مقام مقدمات الحكمة ويستفاد منها ما يستفاد من مقدمات الحكمة، هذا في قاعدة التجاوز
(واما قاعدة الفراغ) فلا اشكال في عمومها، بل هي أوسع من قاعدة التجاوز، فتجري
في جميع الأبواب من العبادات والمعاملات، بل الظاهر عدم اختصاصها ببعد الفراغ
من الأعمال المستقلة التي لها خطاب مستقل، كالصلاة والوضوء ونحوهما، فتجري في
أثناء العمل الواحد أيضا إذا كان المشكوك صحته وفساده مما له نحو استقلال بنظر العرف
بنحو يعد كونه عملا من الأعمال وان كان في اعتبار الشارع جزء للعمل، كالسعي
والطواف، بل والركعة في الصلاة فتدبر.
(الامر الثامن) يعتبر في جريان قاعدة التجاوز والفراغ ان يكون الشك
متعلقا بالعنوان الذي له الأثر الشرعي في كبرى الدليل (لان) شأن قاعدة التجاوز
62

والفراغ وغيرهما من الأصول المحرزة انما هو تطبيق الكبريات الواقعية على الموارد
بالعناوين التي لها الأثر الشرعي، لا بغيرها من العناوين (فلو صلى) من وظيفته
تكرار الصلاة إلى أربع جهات، وعلم بعد الفراغ منها بفساد الصلاة الواقعة في إحدى
الجهات الأربع بنحو الاجمال، لا تجرى قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الصلاة الواقعة إلى
القبلة المرددة بين الجهات بهذا العنوان الاجمالي كما توهم، بدعوى صدق الشك في صحة
تلك الصلاة وفسادها (وذلك) لأنه لا اثر للصلاة إلى القبلة المرددة بهذا العنوان
الاجمالي العرضي، كي تجري فيها القاعدة (وانما) الأثر الشرعي لواقع ما يكون
إلى القبلة بعنوانه التفصيلي، كالصلاة إلى هذه الجهة وتلك الجهة الأخرى (والا)
لاقتضى جريان القاعدة حتى في فرض العلم التفصيلي بفساد الصلاة الواقعة إلى جهة
معنية (إذ يصدق) في هذا الفرض الشك في صحة الصلاة الواقعة إلى القبلة بهذا
العنوان الاجمالي (مع أنه) لا يظن التزامهم به (نعم) لا بأس باجراء القاعدة في
كل واحدة من الصلوات المأتية إلى الجهات الأربع بعناوينها التفصيلية (فان) كل واحدة
منها على تقدير كونها إلى القبلة مما يترتب عليه الأثر (فإذا) شك في صحتها وفسادها
تجرى فيها قاعدة الفراغ (واما العلم الاجمالي) بمخالفة بعض هذه الأصول للواقع،
فغير ضائر بعد احتمال كون الفاسدة هي الواقعة إلى غير القبلة (وعلى هذا) البيان
لا يتوجه ما ذكرناه من النقض بفرض العلم التفصيلي بفساد الصلاة الواقعة إلى الجهة
المعينة (إذ في هذا) الفرض لا تجرى القاعدة بالنسبة إلى تلك الصلاة، ولا يجدى
جريانها بالنسبة إلى غيرها أيضا، لعدم احراز كونها صلاة إلى القبلة كما هو ظاهر.
(الامر التاسع) هل الشك في الشروط، كالشك في الاجزاء، فتجري فيها
قاعدة التجاوز أولا (وتنقيح) الكلام فيها هو ان الشرائط المعتبرة في الصلاة على
اقسام (الأول) ما يكون شرطا عقليا في تحقق عنوان المأمور به، من الصلاتية
والظهرية والعصرية ونحوها، كالنية (فان) هذه العناوين باعتبار كونها أمورا قصدية
لا يكاد يتحقق عقلا الا بالقصد والنية (والثاني) ما يكون شرطا شرعيا لصحة
المأمور به فارغا عن أصل تحقق عنوانه من الصلاتية أو الظهرية والعصرية، كالطهور
63

والستر والاستقبال ونحوها (الثالث) ما يكون شرطا عقليا لنفس الجزء بمعنى كونه
مما يتوقف عليه وجود الجزء عقلا، كالموالاة بين حروف الكلمة (الرابع) ما يكون
شرطا شرعيا للجزء، كالجهر والاخفات بناء على القول بكونهما شرطا للقرائة، لا شرطا
للصلاة في حالة القراءة، كما هو الظاهر المستفاد من قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك الآية
(ثم) ان ما يكون شرطا شرعيا للصلاة (اما) ان يكون شرطا لها في خصوص حال
الاجزاء (واما) ان يكون شرطا لها مطلقا حتى في حال السكونات المتخللة بين
الاجزاء، كالستر والاستقبال والطهارة الحدثية (وعلى التقديرين)، اما ان يكون له
محل مقرر شرعي بكونه قبل الدخول في المشروط كصلاة الظهر والمغرب بالنسبة إلى
صلاة العصر والعشاء على ما يقتضيه أدلة الترتيب، وكالطهارة الحدثية في الجملة، كما يقتضيه
قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية (واما) ان لا يكون له محل مقرر
شرعي كالستر والاستقبال.
(وبعد) ما تبين ذلك، نقول: (اما الأول) وهو ما يكون شرطا مقوما
لعنوان المأمور به من الصلاتية أو الظهرية أو العصرية، كالنية (فلا اشكال) في أنه
مع الشك فيها لا تجري قاعدة التجاوز فيها (فإنه) مضافا إلى اختصاص القاعدة بما
إذا كان المشكوك أمرا شرعيا له محل مقرر شرعي، لا يكاد تجدي في احراز عنوان
المشروط، فان جهة نشو الافعال عن قصد الصلاتية أو الظهرية والعصرية انما تكون
من لوازم وجود القصد والنية عقلا، والتعبد بوجود القصد لا يقتضى اثبات هذه
الجهة (وحينئذ) فمع الشك في نشو المأتى به عن مثل هذا القصد يشك في تعنونه
من أول شروعه فيه بعنوان الصلاتية أو الظهرية أو العصرية، ومع هذا الشك
لا تجرى قاعدة الفراغ في المشروط أيضا، لاختصاصها بما إذا كان العمل محرزا بعنوانه،
وكان الشك متمحضا في صحته وفساده، كما هو كذلك في قاعدة الصحة الجارية في عمل
الغير أيضا (من غير فرق) فيما ذكرنا بين ان يكون الشك في النية في أثناء العمل، وبين ان
يكون بعد الفراغ منه، فإنه على كل تقدير لا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الشرط،
ولا قاعدة الفراغ بالنسبة إلى المشروط (فلو شك) في أن ما بيده صلاة أو غيرها بطل
64

ويجب استينافه بمقتضى قاعدة الاشتغال بالصلاة (كما أنه) لو شك في أن ما
بيده ظهر أو عصر يبطل أيضا إذا علم أنه قد صلى الظهر، (لأنه) لا يعلم كونه من حين شروعه
بعنوان العصر (نعم) لو علم أنه لم يصل الظهر، أو شك في الاتيان بها عدل به إليها
وصحت صلاته (ثم إن) هذا كله في النية بمعنى القصد المقوم لعنوان المأمور به.
(واما) النية بمعنى قصد القربة، فلو شك فيها في أثناء الصلاة فقاعدة
التجاوز فيها أيضا غير جارية ولو قلنا بكونها شرطا شرعيا معتبرا في العبادة كسائر
الشروط المعتبرة فيها، لا شرطا عقليا معتبرا في مقام الامتثال، لعدم كونهما على فرض
الشرعية مما له محل مقرر شرعي حتى يصدق عليها عنوان التجاوز عن المحل والدخول في
الغير (واما) قاعدة الفراغ فجريانها في الاجزاء التي شك في اقترانها بقصد القربة،
مبنى على كونها شرطا شرعيا مأخوذا في العبادة ولو بنحو نتيجة التقييد (والا) فعلى القول
بكونها شرطا عقليا معتبرا في مقام الامتثال، فلا تجرى قاعدة الفراغ أيضا، لانتفاء الشك في
صحة المأتى به بمعنى المستجمع للاجزاء والشرائط الشرعية ولو مع القطع بعدم اقترانه بقصد
القربة، للقطع بكون المأتى به بدونه واجدا لجميع ما اعتبر في المأمور به شطرا وشرطا.
(واما الثاني) وهو ما يكون شرطا للصلاة في حال الاجزاء، أو مطلقا حتى
في السكونات المتخللة بين الاجزاء (فان لم يكن) للشرط محل مقرر شرعي بكونه
قبل الدخول في الصلاة، وانما المعتبر شرعا مجرد وقوع الصلاة في حال وجود الشرط،
كالستر والاستقبال (فلا شبهة) في عدم جريان قاعدة التجاوز فيه، لعدم صدق
عنوان التجاوز عن المحل حينئذ بالنسبة إليه بالدخول في المشروط (ومجرد) حكم العقل
بوجوب تحصيله قبل الصلاة مقدمة ليكون افتتاح الصلاة بالتكبير في حال وجوده،
غير مجدي في جريان القاعدة فيه (لما عرفت) من أن العبرة في جريان قاعدة التجاوز،
انما هو بالتجاوز عن المحل الشرعي للمشكوك فيه حسب الترتيب المقرر شرعا بينه وبين غيره
(وانه) لا عبرة بالمحل العقلي أو العادي (وحينئذ) فإذا لم يكن لمثل هذه الشروط
محل شرعي، فلا يصدق عليه بالدخول في المشروط عنوان التجاوز عن المحل (ومعه)
لا تجري فيه القاعدة (ولا فرق) في ذلك بين ان يكون الشك في الشرط في أثناء
65

المشروط، وبين ان يكون الشك فيه بعد الفراغ منه (نعم) تجري قاعدة الفراغ في
المشروط إذا كان الشك في الشرط بعد الفراغ منه (فإنه) يشك حينئذ في صحته
وفساده والقاعدة تقتضي صحته (واما) إذا كان الشك فيه في أثناء المشروط،
فتجري فيه أيضا قاعدة الفراغ إذا كانت الاجزاء الماضية بنحو يكون لها عند العرف
عنوان مستقل بحيث تعد عملا من الأعمال، كالركعة مثلا، دون غيره مما لا يكون
كذلك، كالآية ونحوها (وكون) الشرط شرطا لنفس العمل لا للجزاء (لا يضر)
بجريان القاعدة فيها بعد رجوع شرائط العمل إلى الاجزاء أيضا، بلحاظ ان المركب
هو عين الاجزاء بالأسر (ثم إن ذلك) إذا كان محرزا للشرط بالنسبة إلى ما بيده من
الاجزاء المستقبلة (والا) فمع الشك فيه حتى بالنسبة إلى ما بيده، فلا تجري القاعدة
بالنسبة إلى الاجزاء الماضية أيضا، لعدم ترتب اثر عملي على جريانها فيها مع الشك في
الشرط بالنسبة إلى ما بيده (فلا بد) حينئذ بمقتضى قاعدة الاشتغال من استيناف
الصلاة فتدبر.
(وأما إذا كان) للشرط محل مقرر شرعي، كصلاة الظهر والمغرب بالنسبة
إلى صلاة العصر والعشاء على ما تقتضيه أدلة الترتيب من نحو قوله (ع): الا ان هذه
قبل هذه، وكالطهارة الحدثية على وجه (ففي جريان) قاعدة التجاوز في الشرط عند
الشك فيه في أثناء المشروط، وعدم جريانه (وجهان).. وعلى تقدير الجريان (ففي جواز
ترتيب) جميع آثار وجود الشرط مطلقا حتى بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه،
فلا يجب تجديد الوضوء في مثال الطهارة لسائر الأمور المشروطة بالطهارة، ولا الاتيان
بالظهر بعد اتمام العصر لو شك في الظهر في أثناء العصر (أو وجوب) الاقتصار على
خصوص آثار شرطيته بالنسبة إلى المشروط الذي دخل فيه، دون غيره (فيجب) في
مثال الطهارة تجديد الوضوء لمشروط آخر لم يدخل فيه (ويجب) في مثال الظهر
والعصر الاتيان بالظهر بعد اتمام ما بيده عصرا (فيه وجهان).. ظاهر المستفاد من
العلامة الأنصاري وجماعة هو الوجه الثاني (حيث) قال: ان معنى البناء على حصول
المشكوك فيه انما هو البناء على حصوله بالعنوان الذي يتحقق معه تجاوز المحل لا مطلقا،
66

فلو شك في أثناء العصر في فعل الظهر بنى على تحقق الظهر بعنوان انه شرط للعصر
في عدم وجوب العدول إليه، لا على تحققه مطلقا حتى لا يحتاج إلى اعادتها بعد فعل العصر،
فالوضوء المشكوك فيه فيما نحن فيه انما فات محله من حيث كونه شرطا للمشروط المتحقق،
لا من حيث كونه شرطا للمشروط المستقبل (وقد أورد) عليه بأنه لا وجه للتفكيك بين
الآثار (فان القاعدة) انما تكون من الأصول المحرزة، حيث كان مفادها هو البناء
على وجود المشكوك فيه وتحققه (فإذا) فرضنا جريانها في الشرط عند الشك فيه في
أثناء المشروط، فلا بد من ترتيب جميع آثار وجوده التي منها، في مثال الظهر والعصر،
عدم وجوب الاتيان بالظهر بعد اتمام ما بيده عصرا، وفي مثال الطهارة عدم وجوب
تجديد الوضوء لسائر الغايات المشروطة بالطهارة (وفيه ما لا يخفى) إذ نقول: ان
القاعدة انما تجرى في المشكوك في مورد يصدق عليه عنوان التجاوز عن المحل
(وصلاة) الظهر انما يصدق عليها عنوان التجاوز عن المحل من حيث كونها شرطا
لصحة العصر، لا من حيث نفسها، فإنها من حيث نفسها لا يكون لها في الوقت
المشترك محل مقرر شرعي بكونه قبل العصر حتى يصدق عليها عنوان التجاوز المزبور،
بل محلها باق إلى الوقت المختص بالعصر (وحينئذ) فجريان القاعدة في الظهر بعنوان
كونه شرطا للعصر لا يقتضى الا البناء على وجوده من حيث شرطيته، لا من حيث
عنوان نفسه (فلا تنافي) بين البناء على وجود الظهر من حيث شرطيته للعصر، وبين
الحكم بوجوب الاتيان به بعد فعل العصر بمقتضى الاستصحاب (وحكومة) القاعدة
على الاستصحاب انما تكون بالنسبة إلى عنوان شرطية الظهر للعصر، لا بالنسبة إلى
عنوان ذاته (لما عرفت) من أنها بالنسبة إلى ذات الظهر غير جارية، لانتفاء شرطها
الذي هو التجاوز عن محله (وتوهم) العلم الاجمالي حينئذ بكذب أحد الأصلين، اما
القاعدة أو الاستصحاب (مدفوع) بأنه غير ضائر في المقام، لعدم استلزام جريانهما
لمحذور المخالفة العملية للتكليف (والتفكيك) بين المتلازمين في الاحكام الظاهرية،
غير عزيز، وله نظائر كثيرة (منها) في من توضأ غفلة بمايع مردد بين الماء
والبول (فان) بنائهم فيه على الحكم بطهارة البدن وبقاء الحدث، مع وضوح
67

الملازمة التامة في الواقع بين بقاء الحدث ونجاسة البدن بحيث لا يمكن التفكيك
بينهما في الواقع هذا.
(ولكن التحقيق) في المقام هو الوجه الأول، وهو المنع عن جريان
القاعدة في الشرط عند الشك فيه في أثناء المشروط (اما) في مثال الظهر والعصر،
فلظهور أدلة تشريع العدول في الأثناء في كون الشرطية ملحوظة بالنسبة إلى جميع
اجزاء المشروط على وجه يكون كل جزء من اجزاء العصر مشروطا مستقلا، بحيث
ينتزع من الشرطية اشتراطات متعددة حسب تعدد الاجزاء (لا انه) اعتبر
العصر باجزائه أمرا وحدانيا مشروطا باشتراط واحد (فان) لازم ذلك بعد ظهور
اخبار الباب في اختصاص الحكم بالمضي بخصوص ما يصدق عليه التجاوز، لا مطلقا
حتى بالنسبة إلى ما لا يصدق عليه التجاوز (هو عدم) الغاء الشك في الشرط بصرف
الدخول في المشروط، الا بالنسبة إلى الجزء المدخول فيه، لا مطلقا حتى بالنسبة
إلى تمام المشروط به (وحينئذ) فبعد الشك الوجداني فيه بالنسبة إلى الاجزاء
المستقبلة، لا محيص من العدول إلى الظهر، واتمام ما بيده ظهرا، ثم الاتيان بالعصر
(وتوهم) اختصاص أدلة تشريع العدول بصورة العلم بعدم الاتيان بالظهر، فلا تشمل
صورة الشك في الاتيان به، كي يستفاد منها الشرطية لكل جزء من اجزاء العصر
(مدفوع) بان تشريع العدول انما هو من لوازم عدم الاتيان بالظهر واقعا والتذكر
والعلم بالعدم طريق إليه (فبأصالة) عدم الاتيان بالظهر عند الشك يترتب وجوب
العدول إليه ظاهرا (لا يقال) انه مع تقدم القاعدة على الاستصحاب حكومة أو
تخصيصا لا مورد لتطبيق كبرى جواز العدول على المورد، كي تمنع عن جريان
القاعدة (فإنه يقال) ان عدم جريان القاعدة في المورد ليس من جهة قضية الاستصحاب (وانما) ذلك لقصورها في نفسها عن الجريان في المورد، لانتفاء
شرطها الذي هو التجاوز عن المحل بالنسبة إلى الاجزاء المستقبلة، حسب كشف دليل
تشريع العدول في الأثناء عن شرطية تقدم الظهر بالنسبة كل جزء من اجزاء العصر،
وان لم يكن هناك استصحاب، ولا امر فعلي بالعدول (وعلى فرض) المعارضة
68

بين القاعدة، وبين دليل تشريع العدول في مقام التطبيق على المورد، لإناطة جواز
العدول على عدم جريان القاعدة، وبالعكس (نقول): انه بعد عدم مرجح لاحد الامرين
يوجب تقدمه على الآخر (يصير موردية) المورد للقاعدة مشكوكة، للشك في تحقق
شرطها الذي هو التجاوز عن المحل (ومع) هذا الشك لا تجرى القاعدة، فينتهى
الامر إلى أصالة عدم الاتيان بالظهر (فلا بد) في مقام اسقاط التكليف وتفريغ الذمة
من العدول إلى الظهر ولو برجاء الواقع واتمام ما بيده من الصلاة ظهرا، ثم الاتيان
بصلاة العصر (هذا) إذا كان الشك في الظهر في أثناء العصر (واما) لو كان الشك
فيه بعد الفراغ عنه، فلا شبهة في صحة المأتى به عصرا (لان) الترتيب بينهما شرط ذكرى،
لا شرط واقعي (وفي جريان) قاعدة التجاوز حينئذ في الظهر، كي لا يجب الاتيان
به ولو مع بقاء الوقت (اشكال) تقدم ان الأقوى هو المنع، لعدم تحقق عنوان
التجاوز عن المحل بالنسبة إلى عنوان ذاته في الوقت المشترك.
(وبما ذكرنا) من البيان يتضح الحال في مثال الشك في الطهارة في أثناء
الصلاة (إذ نقول) ان الحكم بالمضي فيه والغاء الشك في الوضوء حتى بالنسبة إلى
الاجزاء المستقبلة (مبني) على اعتبار الشرطية المنشأ لانتزاع المحل، بين الصلاة
بأجمعها، والوضوء بنحو لم يلحظ كل جزء مشروطا مستقلا، بل اعتبر الصلاة باجزائها
أمرا وحدانيا مشروطا باشتراط واحد بالوضوء السابق (والا) فعلى ما هو التحقيق
من اعتبار الشرطية المنشأ لانتزاع المحل، بين الوضوء السابق، وبين كل جزء بنحو
يكون كل جزء منه مشروطا مستقلا (فلا يكفي) في الغاء الشك في الوضوء، مجرد
الدخول في المشروط حتى بالنسبة إلى الاجزاء المستقبلة، بل لا بد من احراز الشرط بالنسبة
إلى الاجزاء المستقبلة أيضا (وبدونه) لا بد من قطع الصلاة، واستينافها بعد تجديد
الوضوء (لان) نسبة الشرط حينئذ إلى جميع اجزاء المشروط نسبة واحدة، وتجاوز
محله باعتبار كونه شرطا للاجزاء الماضية لا يكفي بالنسبة إلى الاجزاء المستقبلة بعد
عدم صدق تجاوز المحل بالنسبة إليها.
(ثم إن ذلك) أيضا بناء على تسليم ان شرط الصلاة هو الوضوء على ما يقتضيه،
69

قوله سبحانه إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، الظاهر في كون الشرط هو الوضوء
قبل الصلاة (والا) فعلى ما هو التحقيق من أن الشرط هو الطهور المسبب عنه،
لقوله (ع) لا صلاة الا بالطهور وان الامر بالوضوء في الآية المباركة من جهة كونه محققا
للشرط الذي هو الطهور (يدخل) في الشروط المقارنة للعمل، كالستر والاستقبال
(وعليه) يمكن المنع عن اعتبار محل شرعي له بكونه قبل الدخول في العمل، إذ
لا طريق إلى اثبات هذه الجهة بعد حكم العقل بوجوب تحصيله بايجاد محققه الذي هو
الوضوء قبل الصلاة مقدمة، ليكون الصلاة بما لها من الاجزاء في حال الطهارة (والآية)
المباركة لا ظهور لها في اثبات هذه الجهة، لاحتمال كونها ارشادا إلى حكم العقل
بوجوب الوضوء قبل الصلاة تحصيلا للطهور الذي هو من الشروط المقارنة للصلاة،
لعدم امكان تحصيله بدونه حال الصلاة (وبالجملة) يكون حال الطهور حال سائر
الشروط المقارنة للعمل، ولا مجرى فيه لقاعدة التجاوز إذا كان الشك فيه في أثناء
الصلاة (وعلى فرض) جريانها، فحيث انه شرط لكل جزء من اجزاء الصلاة، لا
تجدي القاعدة بالنسبة إلى الاجزاء المستقبلة، بل لا بد من احراز الشرط بالنسبة إليها
أيضا، وبدونه لا بد من قطع الصلاة واستينافها بعد تجديد الوضوء (نعم) لو كان الشك فيه
بعد الفراغ عن الصلاة يحكم بصحة الصلاة، ولكنه لا من جهة قاعدة التجاوز في الشرط،
بل من جهة قاعدة الفراغ في نفس المشروط، لمكان الشك حينئذ في صحته وفساده،
فتجري فيه قاعدة الفراغ الحاكمة بصحته (ثم انه) مما يؤيد ما ذكرناه بل يشهد له
ما رواه الشيخ قدس سره في فرائده من صحيحة على بن جعفر عن أخيه (ع)..
قال سألته عن الرجل يكون على وضوء، ثم يشك على وضوئه هو أم لا..
قال (ع) إذا ذكرها وهو في صلاته انصرف وأعادها، وان ذكر وقد فرغ من
صلاته أجزئه ذلك، بناء على أن مورد السؤال هو الكون على الوضوء باعتقاده ثم شك
في ذلك (والا فلو كان) التفصيل المزبور في الاستصحاب لكان مخالفا للاجماع
وللنصوص المستفيضة الدالة على عدم نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها.
(واما الثالث) وهو ما يكون شرطا عقليا للجزء، كالموالاة بين حروف الكلمة
70

فحيث ان الشك فيه يرجع إلى الشك في وجود الكلمة، تجرى فيها قاعدة التجاوز الحاكمة
بوجودها (واما الرابع) وهو ما يكون شرطا شرعيا للجزء، كالجهر والاخفات بناء
على أحد الوجهين، فلا تجري فيه قاعدة التجاوز لعدم صدق الشئ على مثله حتى
تجري فيه القاعدة (واما) بالنسبة إلى المشروط وهو القراءة، فهي وان صدق عليها
الشئ الا انه لا يشك في وجودها (نعم) الشك انما هو في صحتها، فتكون
موردا لقاعدة الفراغ (ولكن) البحث في ذلك قليل الجدوى لورود النص على عدم
وجوب العود إلى القراءة عند نسيانهما ولو مع التذكر قبل الركوع، فضلا عن صورة
الشك فيهما (ولم نعثر) أيضا على مثال له غير الجهر والاخفات، كي نبحث عن
بيان حكمه.
(الامر العاشر) يعتبر في قاعدة التجاوز والفراغ ان يكون الشك في وجود
الشئ أو في صحته راجعا إلى الشك في انطباق المأتى به على متعلق التكليف، بعد
العلم باجزائه وشرائطه وموانعه (لأنهما) انما جعلنا لتصحيح العمل المأتى به من
حيث انطباقه على المأمور به باجزائه وشرائطه، فلا بد من أن يكون الشك متمحضا
من جهة خصوص الانطباق (واما) لو كان الشك في الصحة راجعا إلى الشبهة
الحكمية، كالشك في أن الشئ الكذا جزء للمأمور به أو شرط له أو مانع عنه، فهو
خارج عن مصب قاعدة التجاوز والفراغ، وان حصل منه الشك في الانطباق أيضا
(ولا بد) فيه من الرجوع إلى الأصول الاخر من البراءة، أو الاحتياط (ولقد)
ذكرنا تحقيق القول في الجزء الثالث من الكتاب في مبحث الأقل والأكثر
الارتباطيين فراجع (نعم) لا فرق في الشك في الانطباق الذي هو مصب قاعدة
التجاوز والفراغ بين ان يكون من جهة الشك في اتيان العمل بجزئه أو شرطه المعلوم
مصداقه، وبين ان يكون من جهة الشك في مصداقية المأتى به لما هو جزء المأمور به
أو شرطه (فلو صلى) إلى جهة معينة وشك بعد السلام في كونها مصداقا للقبلة
تجرى فيه قاعدة الفراغ (ولا وجه) لتخصيص القاعدة بالشك الأول بعد صدق
الشك في انطباق المأتى به على المأمور به باجزائه وشرائطه المعلومة في الصورتين
71

(وتنظير) الثاني بفرض الاتيان بالصلاة بلا سورة مع الشك في جزئيتها للصلاة، كما
ترى (فان الشك) فيه انما كان ناشئا عن الشبهة الحكمية (بخلاف) الفرض، فان
مرجع الشك فيه إلى الشك في الاتيان بما هو جزء المأمور به أو شرطه المعلوم جزئيته
أو شرطيته، ومرجعه إلى الشك في انطباق المأتى به على المأمور به المعلوم.
(ثم إن المراد) من الشك في اخبار الباب في قاعدة التجاوز
والفراغ، هو خصوص الشك الحادث بعد تجاوز المحل وبعد العمل
(لا الأعم) منه ومن الشك الباقي قبل العمل بلا تخلل غفلة في البين (فلو كان) شاكا
في الوضوء أو في القبلة من حين الدخول في الصلاة، لا تجرى في صلاته قاعدة الفراغ،
وهذا لا اشكال فيه (وانما الكلام) في أن المراد من الشك الطاري بعد تجاوز
المحل في قاعدة التجاوز وبعد اتمام العمل في قاعدة الفراغ، هو الشك الناشي عن احتمال
ترك الجزء أو الشرط غفلة أو نسيانا (أو يعمه) والشك الناشي عن احتمال الترك
العمدي أيضا (وعلى التقديرين) فهل المراد من الشك، هو الشك الذي لم يسبق
بشك آخر من سنخه أو من غير سنخه (أو يعم) الشك المسبوق بالشك الآخر
أيضا (وعلى التقادير) فهل القاعدة تختص بصورة الجزم بالتفات المكلف إلى صورة
العمل وما ينبغي ان يقع عليه عند الشروع في العمل (أو تعم) صورة الجزم بعدم
التفاته إلى صورة العمل في حال الشروع فيه
(وتنقيح) المقال يحتاج إلى بيان صور الشك في صحة العمل وفساده
(فنقول) اعلم أن الشك في صحة العمل وفساده يتصور على وجوه (الأول) ان
يكون جازما بالتفاته حال الشروع في العمل إلى صورة العمل باجزائه وشرائطه وما
ينبغي ان يقع عليه، ولكن بعد العمل طرء الشك في وقوع العمل على ما ينبغي ان
يقع عليه، لاحتمال انه حصل له الغفلة وترك جزء أو شرطا (ولا ينبغي) الاشكال
في دخول ذلك في اخبار الباب، بل هو المتيقن منها، فتجري فيه قاعدة
التجاوز والفراغ،
(الثاني) هذه الصورة بعينها، لكن مع احتمال ترك الجزء أو الشرط عن
72

عمد واختيار، لا عن غفلة ونسيان (والظاهر) دخولها أيضا في اطلاق الاخبار
(والاشكال) عليه بما في بعض نصوص الباب من التعليل بالأذكرية الظاهر في
اختصاص الحكم بالمضي وعدم الاعتداد بالشك، بمورد كان احتمال ترك الجزء أو
الشرط ناشئا من جهة الغفلة لا من جهة العمد (مدفوع) بان قوله (ع) حين يتوضأ
أذكر ظاهر في كونه صغرى لكبري مطوية، وهي اعتبار ظهور حال المسلم المريد
للامتثال في أنه لا يتركه سهوا ولا عمدا، فينفع هذا التعليل لمن احتمل الترك نسيانا،
كما ينفع لمن احتمل الترك عمدا (بل دلالته) على الثاني أقوى، كما هو ظاهر،
(الثالث) ان يشك بعد التجاوز أو الفراغ في صحة العمل مع الجزم بغفلته
عن صورة العمل حال الاشتغال به، بحيث لو كان ملتفتا حال الاشتغال به ليشك في
صحة ما يأتي به وانطباقه على المأمور به (كما لو علم) كيفية غسل اليد وانه كان بارتماسها
في الماء، ولكن شك في أن ما تحت خاتمة الغسل بالارتماس أم لا (وكما) لو صلى غفلة
إلى جهة وشك بعد الصلاة في أن الجهة التي صلى نحوها هي القبلة (وفي جريان)
القاعدة في هذه الصورة اشكال (من اطلاق) اخبار الباب من نحو قوله (ع) كلما
مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو (ومن التعليل) بالأذكرية في بعضها، فإنه
بمقتضى المفهوم موجب لتقييد مطلقات اخبار الباب بغير فرض الجزم بالغفلة في حال العمل، بل
واحتمالها أيضا (ولكن الأول) أوجه (فان) التقييد المزبور فرغ ظهور الأذكرية
في العلية للحكم بعدم الاعتداد بالشك، وهو ممنوع (بل الظاهر) كونه حكمة لبيان
تشريع الحكم بالمضي، بلحاظ ان الغالب كون المكلف حين العمل أذكر (وعليه)
فلا مفهوم له يوجب تقييد المطلقات (مع أن) مجرد العلية أيضا لا يقتضى المفهوم،
الا في فرض ثبوت الانحصار، وكون الحكم المعلق عليه حكما سنخيا لا شخصيا،
وهو أول الكلام (ولا أقل) من الشك في ذلك، فتبقى مطلقات الاخبار على حالها.
(الرابع) ان يشك بعد الفراغ في الصحة والفساد، مع الجزم بكونه في حال
الشروع في العمل محتملا أيضا لصحته وفساده (كما لو كان) مستصحب الحدث،
ثم غفل وصلى (وهذا الوجه) يتصور على وجهين (أحدهما) ان يكون بعد
73

الصلاة محتملا لاتيانه بوظيفة الشاك وهو الوضوء في المثال قبل الصلاة (وثانيهما) ان
لا يحتمل ذلك، بل يعلم أنه لم يتوضأ قبل الصلاة بعد ما شك في الطهارة، ولكن
يشك في صحة صلاته من جهة احتمال كونه متطهرا واقعا (وفي اندراج) هذين
الوجهين في عموم القاعدة (وجهان) مبنيان على أن المستفاد من الشك في اخبار
الباب هو مطلق الشك الحادث بعد العمل ولو كان مسبوقا بشك آخر قبل العمل من
سنخه أو غير سنخه (أو هو) خصوص الشك غير المسبوق بالشك والالتفات قبل
العمل (فعلى الأول) تجري القاعدة فيحكم بالصحة حتى في الوجه الثاني، لحكومتها
على الاستصحاب الجاري بعد الفراغ (بخلافه) على الثاني، فإنه لا تجري في حقه
قاعدة الفراغ حتى في الوجه الأول (لأنه) لا موضوع لها مع سبق الشك في
الحدث قبل الدخول في الصلاة (وحيث) ان الظاهر من الشك المأخوذ في موضوع
القاعدة في اخبار الباب هو طبيعة الشك الحادث بعد التجاوز أو الفراغ على الاطلاق
الغير الصادق على الشك المسبوق بالشك قبل العمل، فلا تجرى القاعدة في حقه،
لا في الوجه الأول ولا في الوجه الثاني، كان هناك استصحاب أو لم يكن.
(ولكن) يظهر من بعض الأعاظم قدس سره، التفكيك بين
الوجهين (فالتزم) بجريان القاعدة في الوجه الأول، وعدم جريانها في الوجه الثاني
(وقد أفاد) في وجه التفكيك بينهما (بان) جريان القاعدة في الوجه الأول، انما
هو من جهة انه لا يزيد حكم استصحاب الحدث عن حكم العلم الوجداني بالحدث (فكما)
انه لو كان عالما بالحدث واحتمل بعد الفراغ عن العمل انه توضأ قبل العمل تجري في
حقه قاعدة الفراغ (كذلك) لو كان مستصحب الحدث (واما) عدم جريانها في
الوجه الثاني وهو ما إذا لم يحتمل الوضوء بعد استصحاب الحدث، فإنما هو من جهة
الاستصحاب الجاري قبل العمل (لان) قاعدة الفراغ انما تكون حاكمة على
الاستصحاب الجاري بعد العمل (لا على الاستصحاب) الجاري قبل العمل، لأنه
لا موضوع لها قبل العمل (ولما كان) المكلف قبل الصلاة مستصحب الحدث يكون
في حكم من دخل في الصلاة عالما بالحدث، فلا تجري في حقه قاعدة التجاوز ولا الفراغ
74

(ولا ينتقض) ذلك بالوجه الأول، فان جريانها فيه ليس لأجل حكومتها على
الاستصحاب الجاري قبل الصلاة (بل لأجل) كون المكلف محتملا للوضوء
قبل الصلاة بعد استصحاب الحدث وهو مانع عن جريانه لرجوع الشك المزبور إلى
الشك في انتقاض اليقين باليقين، ومثله مساوق احتمال عدم جريان استصحاب الحدث
السابق، ولا دافع لهذا الاحتمال الا استصحاب الحدث المستصحب (وهذا)
الاستصحاب انما يجري بعد الصلاة، فتكون القاعدة حاكمة عليه، وأين هذا مما
إذا لم يحتمل الوضوء بعد استصحاب الحدث.
(أقول) وفيه ان ما أفيد في وجه التفكيك بين الوجهين في جريان قاعدة
التجاوز والفراغ، مبني على مقدمتين ممنوعتين (الأولى) تعميم الشك المأخوذ في
قاعدة التجاوز والفراغ لمطلق الشك الحادث بعد التجاوز وبعد الفراغ وان كان مسبوقا
بشك آخر قبل العمل (وإلا) فعلى فرض تخصيصه بالشك غير المسبوق بشك آخر قبل
العمل من سنخه أو غير، سنخه كما استفدناه من أخبار الباب فلا تجري القاعدة فيهما
(لان) في كلا الوجهين يكون الشك مسبوقا بشك آخر قبل العمل (غير) ان الفرق
بينهما، هو ان في الوجه الأول يكون المتحقق فردان من الشك (أحدهما) الشك في
الحدث (وثانيهما) الشك في اتيانه بوظيفة الشاك، فيكون الشك فيه بالنسبة إلى
أحد الشكين مسبوقا بشك من سنخه، وبالنسبة إلى الآخر بشك من غير سنخه
(بخلاف) الوجه الثاني، فان الشك فيه مسبوق بشك واحد من سنخه، وهو الشك
في الحدث.
(الثانية) اقتضاء الاستصحاب الجاري في زمان لترتيب الأثر عليه للثالي
حتى في أزمنة انعدامه أو خروجه عن الحجية وهي واضح الفساد (لوضوح) ان
كل طريق أو أصل معتبر عقليا كان أو شرعيا عند قيامه على شئ انما يجب اتباعه
ويترتب عليه الأثر من المنجرية أو المعذرية في ظرف وجوده وبقائه على حجيته،
لا مطلقا حتى في ظرف انعدامه، أو خروجه عن الحجية حتى في مثل العلم الذي هو
من أقوى الحجج. (ولذا) ولو شك في صحة فعل أو فساده فعلا، لا يجدي العلم
75

السابق بصحته أو فساده لرفع هذا الشك، ولا لترتيب اثر الصحة أو الفساد عليه
فعلا، بل لا بد من الرجوع إلى ما تقتضيه الأصول الجارية في المسألة (وعلى ذلك)
نقول انه قبل الدخول في العمل وان كان يجري في حقه استصحاب الحدث (ولكن)
الأثر المترتب عليه انما هو عدم جواز الدخول في الصلاة وبطلانها سابقا لو فرض
دخوله فيها (واما) وجوب الإعادة والقضاء في ظرف بعد الفراغ، فلا يترتب على
الاستصحاب المزبور (لأنه) من آثار الاستصحاب الجاري بعد الفراغ، لا من
آثار الاستصحاب الجاري قبل الصلاة (فإذا كان) هذا الاستصحاب محكوما بالقاعدة،
فمن حين الفراغ لا بد بمقتضى القاعدة من الحكم بالصحة حتى في الوجه الثاني، لا
البطلان (لأنه) لا اثر للاستصحاب السابق بعد كون العمل محكوما بالصحة من
حين الفراغ بمقتضى القاعدة (ولا فرق) في ذلك بين القول باعتبار الشك الفعلي في
الاستصحاب، والقول بكفاية الشك التقديري أيضا (فإنه) على القولين لا قصور
في جريان القاعدة في الوجه الثاني أيضا (فالتفصيل) بين الوجهين في جريان القاعدة
حينئذ مما لا وجه له (وبمثل) هذا البيان أيضا نفينا الثمرة بين القولين هناك في نحو
الفرع المزبور (حيث) قلنا بجريان القاعدة فيه حتى على القول بكفاية الشك التقديري
في الاستصحاب، نظرا إلى عدم اجداء الاستصحاب الجاري في ظرف الغفلة حال
الشروع في العمل، لترتيب وجوب الإعادة والقضاء بعد الفراغ من العمل، لكونه
من آثار الاستصحاب الجاري بعد الفراغ الذي هو محكوم بقاعدة الفراغ (ولقد)
تقدم منا تفصيل الكلام في تلك المسألة فراجع (وحينئذ) فالعمدة في المنع عن
جريان القاعدة، ما ذكرناه من خروج المورد عن مجرى القاعدة، باعتبار اختصاص
موضوعها بالشك غير المسبوق بشك آخر قبل الدخول في العمل (إذ حينئذ) يكون
عدم جريان القاعدة مع السبق بالشك والالتفات قبل العمل لأجل انه لا موضوع لها
(لا انه) لأجل الاستصحاب السابق الجاري في ظرف العمل (ولازمه) عدم
التفكيك بين الوجهين، لاشتراكهما في السبق بالشك والالتفات قبل العمل، كما هو
ظاهر واضح.
76

(الوجه الخامس) ان يشك بعد الفراغ من العمل في الصحة والفساد، مع
احتمال كونه شاكا في ظرف العمل في وجدانه لشرائط الصحة، أو قاطعا بالعدم
(ويمكن ان يقال فيه بالصحة، لعموم قوله (ع) كلما مضى من صلاتك وطهورك
فامضه كما هو وللتعليل بالأذكرية، فان مقتضاه هو نفي الغفلة ونفي الترك العمدي
أيضا (ولكن) يشكل ذلك على ما اخترناه من تخصيص موضوع قاعدة التجاوز
والفراغ بطبيعة الشك الحادث بعد تجاوز المحل وبعد العمل على الاطلاق التي من لوازمها العقلية
عدم كونها مسبوقة بالشك والالتفات قبل التجاوز أو الفراغ، حيث إنه مع الاحتمال
المزبور يكون التمسك بالقاعدة من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس
العام (وأصالة) عدم حودث الشك والالتفات قبل العمل انما تجدي إذا كان الموضوع
في القاعدة معنى تركيبيا، وهو الشك الذي لم يكن مسبوقا بالشك والالتفات في
ظرف العمل، لاندراجه حينئذ في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان
وبعضها بالأصل (وإلا) فعلى فرض كون الموضوع أمرا بسيطا ملازما عقلا لعدم الشك
والالتفات في ظرف العمل، فلا تجدي الأصل المزبور لاثبات عنوان الموضوع
(والمسألة تحتاج إلى التأمل).
(الامر الحادي عشر) الظاهر أن المضي على المشكوك فيه في قاعدة التجاوز
عزيمة لا رخصة، فلا يجوز الاتيان بالمشكوك ولو برجاء الواقع (لظهور) الامر
بالمضي في أخبار الباب، وقوله (ع) بلى قد ركعت في وجوب البناء على وجود
المشكوك فيه وتحققه في محله والغاء الشك فيه (فإنه) مع هذا الامر وهذا البناء
لا يجوز العود إلى المشكوك فيه ولو رجاءا، (لأنه) لا موضوع له مع حكم الشارع
بوجوده، فيكون الاتيان به حينئذ من الزيادة العمدية بالنسبة إلى نفس المشكوك
فيه، وبالنسبة إلى الغير الذي دخل فيه، وهي موجبة لبطلان الصلاة (مع أن الظاهر)
كون المسألة اتفاقية، فلا يعتنى حينئذ بما يختلج بالبال من الاحتمالات (هذا تمام
الكلام) في قاعدة التجاوز والفراغ.
77

(المسألة الثالثة)
في أصالة الصحة في عمل الغير (وتنقيح الكلام فيها) انما هو بتوضيح أمور
(الامر الأول) لا اشكال في اعتبارها في الجملة (ويدل عليه) بعد الاجماع المحقق
فتوى وعملا، والسيرة القطعية من المسلمين بل من كل ذي دين في جميع الأعصار على
حمل الافعال الصادرة من الغير على الصحيح فيما يتعلق بعباداته ومعاملاته وترتيبهم اثر
الصحة عليها (مناط التعليل) الوارد في اخبار اليد في رواية حفص بن غياث من لزوم
العسر والحرج واختلال النظام بقوله (ع) ولولا ذلك ما قام للمسلمين سوق (بل
الاختلال) اللازم من ترك العمل بهذه القاعدة أزيد من الاختلال الحاصل من ترك
العمل باليد، لأهمية موارد القاعدة من موارد اليد، لجريانها في جميع أبواب الفقه
من العبادات والمعاملات في العقود والايقاعات، والى ذلك أيضا نظر من استدل على
اعتبار هذا الأصل بحكم العقل (بل لعل) هذه الجهة هي المستند للمجمعين، وللسيرة
المستمرة من المسلمين، وذوي الأديان وغيرهم في جميع الأعصار والأمصار حسب
ارتكازهم وجبلتهم على حمل الفعل الصادر من الغير على الصحة وترتيب آثارها (فان)
من البعيد جدا ان يكون ذلك منهم لمحض التعبد (نعم لو أغمضنا) عما ذكر، لا يتم
الاستدلال لها بالكتاب والسنة، من نحو قوله سبحانه: وقولوا للناس حسنا بناء
على تفسيره بما في الكافي من قوله (ع): لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو
(وقوله سبحانه) اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم (وقوله (ع))
ضع امر أخيك على أحسنه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا، وأنت تجد لها
في الخير سبيلا (وقوله (ع)) ان المؤمن لا يتهم أخاه وانه إذا اتهم أخاه انماث
الايمان في قلبه كانمياث الملح في الماء: وان من اتهم أخاه فلا حرمة بينهما: وان من
اتهم أخاه فهو ملعون ملعون (وقوله (ع)) لمحمد بن الفضل كذب سمعك وبصرك
78

عن أخيك المؤمن، فان شهد عندك خمسون قسامه انه قال: وقال لم أقل فصدقه وكذبهم
إلى غير ذلك من الاخبار المشتملة على هذه المضامين أو ما يقرب منها (فان) من
الواضح عدم دلالة شئ من تلك الأدلة على ما نحن بصدده من الصحة بمعنى ترتيب
آثار الصحيح على الافعال والأقوال الصادرة من الغير (فإنها) طرا ناظرة إلى مقام
تعليم آداب المعاشرة مع الناس من عدم ترتيب آثار القبيح على الفعل أو القول
الصادر من الأخ المؤمن عند الظن به، بعد امكان الحمل على الوجه الحسن، كما يدل
عليه قوله (ع) وأنت تجد لها في الخير سبيلا (لا في مقام) ترتيب آثار الحسن
عليه، كوجوب رد السلام في الكلام الصادر من الغير المردد بين الشتم والسلام، فمرجع
الحمل على الوجه الحسن إلى حسن الظن بالأخ المؤمن فيما يصدر منه من الافعال
والأقوال وعدم السرعة إلى ترتيب آثار القبيح عليه عند احتماله أو الظن به مهما أمكن،
لا لزوم ترتيب آثار الحسن عليه، من الحكم بصحة المعاملة المرددة بين الربوية وغيرها،
كما هو مفروض البحث في المقام (فلا ينافي) الحمل على الوجه الحسن من حيث إنه
حسن، مع التوقف عن ترتيب آثار الحسن (بل الظاهر) من بعض هذه الأخبار
هو ذلك، كما في رواية إسماعيل المعروفة (وكيف كان) فعدم وفاء هذه الأخبار بما
نحن بصدده من الصحة بمعنى ترتيب الأثر على ما يصدر من الغير من الافعال والأقوال
أوضح من أن يحتاج إلى البيان (فالعمدة) حينئذ في مدرك القاعدة ما ذكرناه من
الاجماع والسيرة، ولزوم الاختلال الذي علل به في اخبار اليد.
(الامر الثاني) هل المدار في الصحة على الصحة الواقعية، أو الصحة
باعتقاد الفاعل، أو الصحة باعتقاد الحامل (فيه وجوه) والمشهور الأول: وهو
الأظهر، لما ذكرنا من الاجماع والسيرة ولزوم الاختلال، فلا عبرة حينئذ بالصحة
عند الفاعل باعتقاده اجتهادا، أو تقليدا (فان) اعتقاده، كاعتقاد الحامل طريق
إلى الواقع الذي عليه مدار الصحة في مقام ترتيب الأثر، لا ان له موضوعية في
ذلك (نعم) لو كان مدرك القاعدة ظهور حال المسلم في عباداته ومعاملاته على الاتيان
بها على وجه يراه صحيحا، أمكن دعوى تخصيص الصحة بالصحيح عند الفاعل
79

(ولكنه) مضافا إلى اختصاصه بصورة علمه بالصحيح والفاسد، خلاف التحقيق
(فان الصحيح) من مدارك هذا الأصل انما هو الاجماع والسيرة، وبرهان اختلال
النظام (وعليه) فمدار الحمل على الصحة الواقعية لا غيرها، كما عليه المشهور (ولازمة)
العموم لصورة علم الفاعل بالصحيح من الفعل وفاسده، وجهله به (كعمومه) لصورة
علم الحامل بمخالفة اعتقاده لمعتقد الفاعل في صحيح الفعل وفاسده بنحو العموم المطلق
بل التباين أيضا على وجه، فضلا عن صورة جهله بالحال (فان) المدار في الحمل على
الصحة على مجرد احتمال مطابقة العمل الصادر من الغير عبادة أو معاملة الواقع (فمهما)
شك في صحة العمل وفساده تجرى فيه أصالة الصحة ويترتب عليه اثره، من غير
فرق فيه بين الصور المزبورة (وهذا) ولمضح بعد ملاحظة اختلاف الفتاوي والابتلاء
باعمال عوام الناس من أهل الأسواق وأهل الصحارى والبراري من الرجال والنساء
مع عدم معرفتهم بالأحكام في العبادات والمعاملات (نعم الاشكال) انما هو في صورة
علم الحامل بمخالفة معتقده اجتهادا أو تقليدا لمعتقد الفاعل كذلك على نحو التباين،
كما لو كان معتقد الفاعل وجوب الجهر بالبسملة في الصلوات الاخفاتية ووجوب الجهر
بالقراءة في يوم الجمعة، وكان معتقد الحامل وجوب الاخفات فيهما (إذ ليس) لنا
دليل لفظي يكون هو المدرك للقاعدة حتى نتمسك باطلاقه (بل عمدة) المدرك لها
هو الاجماع والسيرة، وبرهان الاختلال في النظام (والأولان) لا اطلاق لهما
يعم هذا الفرض، والاختلال أيضا غير لازم في عدم العمل بالقاعدة في هذا الفرض
لقلة مورده في الفقه (فالمسألة) محل اشكال من اطلاق الأصحاب، ومن عدم مساعدة
الأدلة.
(الامر الثالث) ان هذا الأصل كما يجرى ويثبت صحة الفعل إذا كان الشك
فيه بعد الفراغ منه، كذلك يجري ويثبت صحته إذا كان الشك في أثنائه وان لم
يصدق عليه المضي، فمن اشتغل في غسل الميت أو الصلاة عليه وشك في أن ما يوقعه
الغير صحيح أو فاسد تجرى فيه أصالة الصحة ويترتب عليه الآثار المقصودة.
(الامر الرابع) لا تجرى هذا الأصل إلا بعد احراز صدور العمل المشكوك
80

صحته وفساده بالعنوان الذي تعلق به الامر أو ترتب عليه الأثر (فإذا كان)
موضوع الأثر من العناوين القصدية، كالوضوء، والصلاة، والبيع لا بد في جريان
هذا الأصل من احراز عنوان العمل (اما) بالعلم الوجداني، أو بما يقوم مقامه من
الامارات المعتبرة، أو الأصول العقلائية، وإلا فلا يكفي في جريان هذا الأصل مجرد
احراز صدور ذات العمل مع الشك في عنوانه الذي تعلق به الامر أو ترتب عليه
الأثر (فلو شوهد) من يأتي بصورة عمل من وضوء، أو صلاة، أو زكاة، أو بيع
ونحو ذلك، وشك في أنه قصد بما يأتي به من العمل تحقق العبادة أو المعاملة، أم لا،
لم يحمل على ذلك ولا تجري فيه قاعدة الصحة (إلا) إذا كان هناك ظهور حال في كون
الفاعل بصدد الانقياد والإطاعة، وفي مقام التوصل بالانشاء الصادر منه إلى حقيقة
البيع أو الإجارة ونحوهما (نعم) في العناوين غير القصدية كغسل اليد والثوب يكفي في الحمل
على الصحة مجرد احراز ذات العمل (فإذا) شوهد من يجري الماء على يده أو ثوبه
بحيث تحقق عنوان الغسل العرفي وشك في صحته وفساده من جهة الشك في بعض
ما اعتبر الشارع فيه في حصول الطهارة، تجرى فيه أصالة الصحة ويترتب عليه آثار
الطهارة الواقعية، وان لم يحرز كون الفاعل باجراء الماء على المحل في مقام التطهير
الشرعي وإزالة الدنس (نعم) لو كان مدرك القاعدة ظهور حال المسلم في عدم اقدامه
على الفاسد، لكان للاشكال في جريان أصالة الصحة عند عدم احراز كون الفاعل
بصدد التطهير وإزالة الدنس مجال (ولكن) ليس لأمر كذلك، بل المدرك لها
انما هو الاجماع والسيرة وبرهان الاختلال الذي علل به في بعض اخبار اليد (ولا
ريب) في أن مقتضاها التعميم فتأمل.
(الامر الخامس) لا اشكال في جريان أصالة الصحة في أبواب العقود
وتقدمها على أصالة الفساد، كجريانها في غيرها من العبادات والمعاملات (بل قيل)
ان جريانها في أبواب العقود بالخصوص معقد الاجماع (وانما الكلام) في أن المراد
من الصحة فيها استجماع العقد للشرائط المعتبرة فيه بما هو عقد، كالعربية والماضوية
والتنجيز وأشباهها، فتختص أصالة الصحة في جريانها فيها بما إذا كان الشك في الصحة
81

والفساد مسببا عن الشك في أحد الشرائط المذكورة (أو ان المراد) ما يعمها
والشرائط المعتبرة في المتعاقدين والعوضين (وبعبارة) أخرى كل شرط شرعي أو
عرفي اعتبر في ترتب الأثر وتحقق النقل والانتقال الفعلي سواء كان الشرط راجعا
إلى العقد بما هو عقد، أو إلى المتعاقدين، أو العوضين، أو إلى نفس المسبب في
قابليته للتحقق (وحيث) ان أصالة الصحة في العقود بنفسها من المسائل التي تعم بها
البلوى خصوصا في باب الترافع والتخاصم في تشخيص المدعى والمنكر (فالحري) هو بسط
المقال فيها لمعرفة ما هو الموصوف بالصحة والفساد، وما يكون مجرى لأصالة الصحة
(وتوضيح) الكلام يتم برسم أمرين (الامر الأول) لا شبهة في أن الشرائط
المعتبرة في صحة العقد وتماميته في المؤثرية الفعلية لترتب الأثر لا تكون على نمط
واحد (بل هي) بين ما يرجع اعتباره إلى دخله في نفس السبب الذي هو العقد من
حيث تماميته في السببية والمؤثرية، كالموالاة بين الايجاب والقبول والترتيب والتنجيز
والعربية والماضوية وأشباهها، وبين ما يرجع اعتباره إلى دخله في قابلية المسبب
للتحقق عند تحقق سببه باجزائه وشرائطه (وهذه) الطائفة بين ما يكون محله
المتعاقدين كالبلوغ والرشد والعقل ونحوها، وبين ما يكون محله العوضين كالمعلومية
والمالية ونحوهما، وبين ما يكون محله نفس المسبب، كعدم الربوية والغررية في البيع (فان)
هذه الأمور وان كانت معتبرة في فعلية الأثر وترتبه على السبب (ولكنها) أجنبية
عن مقام الدخل في السبب بما هو سبب وتماميته في السببية والمؤثرية (لوضوح) ان
العقد بدونها على تماميته في الاقتضاء والسببية (وان عدم) اتصافه بالمؤثرية الفعلية
بدون الأمور المذكورة انما هو لقصور المحل عن قابلية التأثر من قبله (الا انه)
لقصور في العقد في اقتضائه وسببيته (كيف) ولا يزيد ذلك عن العلل والأسباب
التكوينية كالنار مثلا، (فكما) ان عدم ترتب الاحراق الفعلي على النار عند وجود
الرطوبة المانعة في المحل أو انتفاء المحاذاة الخاصة لا يوجب قصورا في النار من
حيث تماميتها في السببية والمؤثرية، كذلك في المقام (فان) حال العلل والأسباب
في الأمور الاعتبارية، حال العلل والأسباب التكوينية في الأمور الخارجية (الامر الثاني)
82

لا ريب في أن الصحة في كل شئ بحسيه (لأنها) بمعنى التمامية، وتمامية كل شئ
انما هو بلحاظ وفائه بالأثر المرغوب منه في قبال فاسده الذي هو عدم تماميته في الوفاء
بما هو الأثر المرغوب منه (فصحة الايجاب) مثلا عبارة عن كونه مؤثرا ضمنيا
بحيث لو تعقبه قبول صحيح لحصل اثر العقد، في مقابل فاسده الذي لا يكون
كذلك، كالايجاب بالفارسي بناء على القول باعتبار العربية فيه، (فلو تجرد) الايجاب
عن القبول لم يوجب ذلك فساد الايجاب (لان) القبول معتبر في القعد لا في الايجاب،
فالايجاب يدونه على صحته وتماميته في المؤثرية الضمنية (كما أن) صحة العقد عبارة
عن تماميته في نفسه في المؤثرية بحيث لو ورد على محل قابل لترتب عليه الأثر واتصف
بالمؤثرية الفعلية، في مقابل فاسده الذي لا يكون كذلك (وبعبارة) أخرى ان
الصحة في العقد عبارة عن مفاد قضية تعليقية (وهي) كونه بحيث لو ورد على محل
قابل لا تصف بالمؤثرية الفعلية، نظير العلل والأسباب التكوينية بالقياس إلى معلولاتها
(لا ان) معنى الصحة فيه هو المؤثرية الفعلية في حصول الأثر على الاطلاق، كما يتوهم
(فلو تجرد) العقد عن الأثر، لأجل انتفاء ما يكون شرطا لقابلية المسبب للتأثر من
قبله، فلا يوجب ذلك فسادا في العقد، بل العقد بدونه على تماميته في السببية والمؤثرية
(وحيث) اتضح ذلك: نقول ان مرجع الشك في الصحة والفساد بعد أن
كان إلى تمامية الشئ بلحاظ الأثر المرغوب منه (فلا بد) في جريان أصالة الصحة
والفساد في العقود والايقاعات من معرفة ما يكون معروضا للشك في الصحة والفساد
من السبب أو المسبب، وذلك لا يكون إلا بملاحظة منشأ الشك في الصحة في كونه هو
الشك في فقد الشرائط الراجعة إلى السبب، أو الشرائط الراجعة إلى المسبب (مع
ملاحظة) ان الشرط المشكوك فيه من الشرائط العرفية للسبب أو المسبب، أو من
الشرائط الشرعية لهما (فان كان) الشك في الصحة والفساد مسببا عن الشك في فقد
بعض الشرائط العرفية للسبب أو المسبب: كالشك في التوالي المعتبر عرفا بين الايجاب
والقبول: ومطلق المالية في العوضين (فلا مجرى) لأصالة الصحة، لا في السبب،
ولا في المسبب، لرجوع الشك المزبور إلى الشك في مجرى أصالة الصحة (ولقد)
83

تقدم في الامر السابق انه لا بد في جريان هذا الأصل من احراز عنوان موضوعه
عرفا (وإلا) فمع الشك فيه لا تجرى أصالة الصحة (وأما إذا كان) الشك في الصحة
والفساد مسببا عن الشك في فقد بعض الشرائط الشرعية (فان كان) الشرط المشكوك
فيه من الشرائط الراجعة إلى العقد كالتنجيز، والعربية والماضوية بناءا على اعتبارهما
فيه والترتيب بين الايجاب والقبول: تجرى أصالة الصحة في العقد (لأنه) عقد
عرفي قد شك في صحته وفساده شرعا (وان كان) من الشرائط الراجعة إلى المسبب،
وهو البيع مثلا، كالشك في كون المبيع أو الثمن خمرا، أو خنزيرا، أو الشك في بلوغ
البائع أو المشترى، أو الشك في كون المعاملة ربوية أو غررية ونحوها (فلا تجرى)
الأصل في العقد بما هو عقد (لما عرفت) من أن الصحة فيه عبارة عن تمامية العقد
في نفسه في السببية والمؤثرية، وهذا مما يقطع به ولو مع القطع بعدم ترتب المسبب
عليه فضلا عن الشك فيه (وعلى فرض) جريانه فيه لا يجدى لاثبات صحة المعاملة،
ولا لاثبات قابلية المسبب للتحقق ورفع الشك من جهته (ولو قلنا) بان أصالة الصحة
من الأصول المحرزة (لان) غاية اقتضائها انما هو اثبات تمامية العقد في نفسه في
السببية لترتب النقل والانتقال (وأما) اثبات قابلية المحل للتحقق من قبله فلا.
(نعم) لا بأس حينئذ باجراء أصالة الصحة في عنوان المسبب وهو البيع مثلا
وترتيب آثار الصحة عليه بعد احراز عنوانه عرفا (لأنه) بيع عرفي قد أحرز عنوانه
وشك في صحته وفساده شرعا من جهة الشك في صدوره من البالغ، أو الشك في
المالية الشرعية في الثمن أو المثمن، فتجري فيه أصالة الصحة (ومن هنا) قلنا أيضا
انه لا يجدى التمسك بالأدلة المتكفلة للأسباب، كعموم الوفاء بالعقد عند الشك في
صحة المعاملة من جهة الشك في شرطية شئ للمسبب لأجل الشبهة الحكمية، بلحاظ
عدم تكفل هذه الأدلة لاثبات قابلية المحل ورفع الشك من جهته (وانه) لا بد في
اثبات الصحة من التمسك بالعمومات المتكفلة للمسببات، من نحو قوله سبحانه: أحل
الله البيع، وتجارة عن تراض ونحو ذلك (وان كان) الشرط المشكوك فيه من
الشرائط الشرعية الراجعة إلى السبب والمسبب، بان كان الشك في الصحة والفساد
84

ناشئا من الجهتين: تارة من الشك في فقد بعض الشرائط المعتبرة في السبب: وأخرى
من الشك في فقد بعض الشرائط المعتبرة في المسبب (فلا بد) في الحكم بالصحة
وترتيب الأثر من اجراء أصالة الصحة، تارة في السبب، وأخرى في المسبب بعد
احراز عنوان العقد والبيع العرفي (ولا يكفي) في الحكم بالصحة وترتيب الأثر مجرد
اجرائها في العقد، لما عرفت من أن أصالة الصحة في العقد لا تقتضي أزيد من تمامية
العقد في المؤثرية، فليس شأنه اثبات قابلية المحل للتأثر (واما) المنع عن جريان
أصالة الصحة في المسبب، بأنه لا دليل على أصالة الصحة في العقود إلا الاجماع وليس
لمعقد الاجماع اطلاق يعم جميع موارد الشك في الصحة، بل القدر المتيقن منه هو
ما إذا كان الشك في الصحة والفساد مسببا عن الشك في تأثير العقد للنقل والانتقال
من جهة احتمال فقد بعض ما يعتبر فيه: بعد الفراغ على أهلية المتعاملين وقابلية المعقود
عليه شرعا للنقل والانتقال (فمدفوع) بمنع انحصار الدليل بالاجماع المدعى في المسألة
(بل العمدة) في الدليل على المسألة، هو برهان اختلال النظام الذي جعل مناطا
لاعتبار اليد في رواية الحفص ولازمه التعميم لجميع موارد الشك في الصحة سببا كان
أو مسببا (من غير) فرق بين أنحاء القيود الشرعية للسبب أو المسبب.
(وتوهم) ان أهلية العاقد لايجاد المعاملة وقابلية المعقود عليه للنقل والانتقال
مأخوذ في عقد وضع أصالة الصحة، فلا بد من احرازهما، وإلا فمع الشك فيهما لا تجرى
أصالة الصحة لرجوع الشك فيهما إلى الشك في عقد وضع هذا الأصل، فكان المرجع
حينئذ هو سائر الأصول العملية حسب ما يقتضيه المقام (مدفوع) بأنه ان كان
المقصود بذلك كونهما من القيود العرفية للعقد بما هو عقد بحيث لا يصدق العقد عرفا
على العقد الصادر من غير البالغ، ولا على العقد الواقع على ما لا يقبل الانتقال، كما
هو الظاهر من كلام المحقق الثاني قده في مسألة اختلاف الضامن والمضمون له من قوله
بعد ترجيح قول الضامن (فان قلت) ان للمضمون له أصالة الصحة في العقود،
وظاهر حال البالغ انه لا يتصرف باطلا (قلنا) ان الأصل في العقود الصحة بعد
استكمال أركانها ليتحقق وجود العقد، واما قبله فلا وجود له... الخ ما نقله الشيخ
85

عنه (ففساده) أوضح من أن يخفى، لوضوح تحقق العقد العرفي مع القطع بعدم
صدوره من البالغ وعدم وقوعه على ما يقبل الانتقال شرعا فضلا عن الشك فيهما (ودعوى)
الفرق في صدق العقد عرفا بين العقد الصادر من البالغ، والعقد الصادر من غيره ولو
كان مراهقا، كما ترى ليست إلا المكابرة مع الوجدان (وان كان) المقصود ان
أهلية العاقد وقابلية المعقود عليه للنقل والانتقال من القيود الشرعية لصحة العقد بما
هو عقد من حيث تماميته في السببية والمؤثرية (ففيه) مضافا إلى فساده في نفسه
(انه) يبقى سؤال الفرق، بين الشك في صحة العقد وفساده من جهة الشك في أهلية
العاقد لايجاد المعاملة أو قابلية المعقود عليه للنقل والانتقال، وبين الشك في الصحة
والفساد من جهة سائر القيود الشرعية المعتبرة في العقد كالماضوية والترتيب بين الايجاب
والقبول بناء على اعتبارهما فيه، والتنجيز وعدم الاقتران بالشرط الفاسد (فكما) انه
تجرى أصالة الصحة في الثاني عند احراز موضوعها عرفا (كذلك) تجري في الأول
(إذ لا فرق) بينهما بعد كون الجميع من القيود الشرعية للعقد (مع أن) هذه
الدعوى، دعوى بلا بينة، ولا برهان حتى بالنسبة إلى البلوغ (لان) عمدة
ما دل على اعتباره في مقابل مطلقات الأدلة، انما هو حديث رفع القلم، (وما ورد)
بأنه لا يجوز امر الصبي (وغاية) ما يستفاد منهما انما هو اثبات قصور الصبي عن
السلطنة في استقلاله على التصرفات المالية فيما يرجع إلى ما له أو نفسه (لا اثبات)
كونه مسلوب العبارة بحيث يكون العقد الصادر منه لايجاد المعاملة بمنزلة العدم حتى في
مقام ايجاد المعاملة عن الغير (وان كان) المقصود كونهما من الشرائط الشرعية في تأثير
العقد وقابلية المسبب للتأثر (وان) المنع عن جريان أصالة الصحة في العقد، لمكان
عدم اقتضاء الأصل الجاري في السبب لاثبات قابلية المسبب ورفع الشك من جهته
(لان) غاية ما تقتضيه أصالة الصحة في العقد انما هو مجرد تماميته في نفسه من
حيث السببية والمؤثرية لا اثبات قابلية المحل للتأثر (فهو وان كان) متينا جدا كما
ذكرناه (ولكن) ذلك مع كونه خلاف الظاهر من كلامه في كون الامرين مأخوذا
في عقد وضع أصالة الصحة، لا يقتضى المنع عن جريانها بقول مطلق حتى في طرف
86

المسبب عند احراز مجريها عرفا (إذ لا فرق) حينئذ بين الشك في الصحة من جهة
الشك في أهلية العاقد وقابلية المعقود عليه، وبين الشك فيها من جهة الشك في مالية
العوضين شرعا، أو الشك في ربوية المعاملة أو غرريتها (اللهم) الا ان يكون
المقصود دخل أهلية العاقد وقابلية المعقود عليه للنقل والانتقال عرفا في قابلية المسبب
للترتب على السبب (ولكن) دون اثباته خرط القتاد (إذ الظاهر) انه لا قصور
في صدق عنوان البيع والإجارة والضمان ونحوها عرفا بدون الأمور المذكورة.
(فالتحقيق) حينئذ بالنظر إلي الأدلة السابقة من السيرة ولزوم الاختلال هو
التعميم في جميع ما يتصور له الصحة والفساد، بعد احراز مجريها عرفا (ولازمه) التفصيل
في جريان هذا الأصل بحسب الموارد باجرائه، تارة في خصوص السبب إذا كان الشك في
الصحة مسببا عن الشك في بعض ما اعتبر فيه شرعا، وأخرى في المسبب دون السبب
إذا كان الشك في الصحة مسببا عن الشك فيما اعتبر فيه شرعا في قابليته للترتب على
السبب، وثالثة في كل من السبب والمسبب، إذا كان الشك في الصحة وترتب الأثر
ناشئا من الجهتين (من غير فرق) بين ان يكون الشرط المشكوك فيه مما محله العقد
أو المتعاقدين أو العوضين، أو نفس المسبب فان جميع هذه القيود راجعة، اما إلى
السبب أو المسبب لاستحالة تمامية السبب وقابلية المسبب مع عدم الأثر، فلا بد في
جريان هذا الأصل من ملاحظة مجريه بعد أحرار عنوانه عرفا في كونه هو السبب أو
المسبب أو كليهما.
(ثم انه) يظهر من الشيخ (قده) وبعض آخر الاشكال في جريان أصالة
الصحة في بعض الفروع (منها) الشك في صحة بيع الصرف من جهة الشك في تحقق
القبض في المجلس بعد العلم بتحقق الايجاب والقبول، وكذا الشك في صحة البيع
من جهة الشك في إجازة المالك لبيع الفضول (ومنها) الشك في صحة بيع الوقف
ولو من المتولي من جهة الشك في وجود المصحح له، لمكان ان بيع الوقف لو خلى
وطبعه مبنى على الفساد (ومنها) الشك في صحة بيع الراهن من جهة الشك في اذن
المرتهن أو اجازته (ومنشأ) الاشكال انما هو لدعوى ان المتيقن من مجرى هذا
87

الأصل في عناوين المسببات هو صورة تردده حين وجود العقد بين الصحة الفعلية
والبطلان، لا الصحة التأهلية (كما في صورة) الشك في صحة البيع وفساده من
جهة بلوغ العاقد أو مالية العوض أو المعوض، أو من جهة ربوية المعاملة وغرريتها
(فان) مجرى الأصل في جميع هذه الصور مردد من حين وجود العقد بين الصحة
الفعلية والبطلان محضا (وهذا) المعنى لا يتصور في الأمثلة المزبورة (فإنه) على
المشهور من كون القبض في الهبة والصرف والسلم، وإجازة المالك لبيع الفضول شرطا
ناقلا من الحين لا كاشفا، لا يحتمل فيه الصحة والفساد من حين حدوث العقد، وانما المحتمل
فيه عند وجود العقد هي الصحة الفعلية أو التأهلية،، فلا تجرى أصالة الصحة بالنسبة
إلى عنوان الهبة والصرف والسلم (كما لا تجرى) بالنسبة إلى العقد أيضا مع الشك في
القبض أو الإجازة في بيع الفضول (لان) صحة العقد ليست إلا عبارة عن تمامية
العقد بما هو عقد من حيث اقتضائه للتأثير، وهذا المعنى مما يقطع به ولو مع اليقين
بعدم حصول القبض في المجلس في بيع الصرف وعدم الإجازة من المرتهن لبيع الرهن،
ولا إجازة من المالك في بيع الفضول (وان شئت) قلت إن الصحة في العقد ليست إلا
تأهلية معناها كون العقد بحيث لو تعقبه ما يتوقف عليه الصحة الفعلية من القبض أو
اذن من المرتهن في المجلس أو من المالك في عقد الفضول، لكان مؤثرا فعليا في النقل
والانتقال، لا ان الصحة فيه بمعنى المؤثرية الفعلية، كي يقال ان القبض وكذا
الإجازة بعد ما لا يكون من اجزاء السبب، بل من شرائط نفوذه وتأثيره، فالصحة
الفعلية فيه تكون مشكوكة بلحاظ الشك في تحقق ما هو شرط نفوذه وتأثيره (ولا
مانع) من اجراء أصالة الصحة الفعلية فيه للحكم بترتب النقل والانتقال في بيع الصرف
والسلم، إلا بقصر مجرى الأصل على صحة العقد عند حدوثه.، لا مطلقا ولو بقاء
(فإنه) بلحاظ حدوثه مع الشك في القبض لا تكون الصحة فيه الا التأهلية التي هي
أيضا غير مشكوكة (نعم) لو كان القبض في الهبة والصرف والسلم من قبيل الشرائط
المتأخرة كاشفا عن تحقق الملكية والنقل والانتقال من حين العقد بالكشف الحقيقي،
كما قيل به في إجازة المالك في عقد الفضول، لكان للتمسك بأصالة الصحة في عنوان
88

المسبب من الهبة وبيع الصرف والسلم وفي بيع الراهن بعد احراز عنوانه العرفي مجال
(ولكنه) خلاف التحقيق (فان) التحقيق هو كون القبض من الشرائط المقارنة
الناقلة من حين وجوده (ومعه) لا تجرى في أصالة الصحة مع الشك في تحقق القبض
(بل الامر) في إجازة المالك لعقد الفضول حتى على مذاق المشهور من الكشف
الحقيقي أشكل (لان الأثر) انما هو للبيع المنتسب إلى المالك الذي هو الموصوف
بالصحة الفعلية، ولا انتساب إلا بالإجازة، فمع الشك في الإجازة يشك في الانتساب
المزبور، فلم يحرز عنوان موضوع الأصل، وعلى فرض احرازه لا يعقل الشك في العقد
المنتسب إلى المالك من جهة الشك في الإجازة (نعم) لو قلنا انه يكفي في صحة عقد
الفضول مجرد رضى المالك في نفس الامر، وان الاحتياج إلى الإجازة في الحكم
بالصحة وترتب النقل والانتقال انما هو لكشفه عن رضى المالك، لا انه لخصوصية
فيها تقتضي إضافة العقد الصادر من الفضول إلى المالك (لأمكن) التمسك بأصالة
الصحة عند الشك في الإجازة على التفصيل المتقدم في القبض بين الكشف الحقيقي
والنقل (ولكن) المبني ضعيف جدا (وبمثل هذا) البيان انقدح الحال في بيع
الوقف عند الشك في عروض ما يسوغ معه بيعه (فان) بيع الوقف لو خلى وطبعه
لما كان مبنيا على الفساد، لاباء طبع الوقف بعنوانه الأولى عن قابلية النقل والانتقال
يحتاج صحة بيعه إلى طرو ما يسوغ معه بيعه، ومع الشك في ذلك لا مجرى لأصالة
الصحة فيه، وذلك لا من جهة ان أصالة الصحة فيه لا يثبت عروض مسوغات بيعه
، بل من جهة عدم احراز ما هو موضوع الصحة (الا ان يقال) انه ليس في الأدلة
إلا ان بيع الوقف حال صدوره مع عدم المسوغ فاسد لا يصلحه لحوق الشئ، ومع
المسوغ صحيح، نظير البيع الصادر من البالغ وغير البالغ، بلا اخذ هذا العنوان في
موضوع الصحة (ولازمه) الحمل على الصحة خصوصا إذا كان البيع صادرا من
المتولي، كما هو الشأن في كل عمل صادر من الغير بعنوانه الاجمالي القابل للاتصاف
بالصحة الفعلية والفساد، والمسألة غير نقية عن الاشكال، فتحتاج إلى مزيد تأمل
فيها (ثم إن ذلك) كله بالنظر إلى ترتيب الشاك في الصحة للأثر، مع قطع النظر
89

عن تخاصم المتعاملين في بعض ما يتفرع عليه صحة المعاملة (وإلا) وجب العمل فيه
بالقواعد المقررة لفصل الخصومة بالنسبة إلى مورد المخاصمة، ويختلف الحكم في ذلك
باختلاف كيفية تحرير الدعوى.
(تفريع) إذا علم بوقوع الرهن على مال الغير وصدور واذن أيضا من المالك
في رهن ماله مع رجوعه عن اذنه، وشك في تقدم الرجوع على الرهن وتأخره عنه
(أو علم) وقوع البيع من الراهن وصدور اذن ورجوع من المرتهن، وشك في
تقدم الرجوع على البيع وتأخره عنه (ففي جريان) أصالة الصحة في الرهن في
الفرع الأول، وفي البيع في الفرع الثاني، الاشكال المتقدم من دوران الامر في
كل من الرهن والبيع عند وجود العقد بين الصحة الفعلية والتأهلية، لا بين الصحة
الفعلية والفساد (بل يزداد) الأول اشكالا بما ذكرناه في بيع الفضول عند الشك في
الصحة فعلا من جهة الشك في إجازة المالك، من حيث عدم احراز عنوان الموضوع،
وعدم اثبات أصل الصحة لحيث انتساب البيع إلى المالك (واما) أصالة بقاء الاذن
أو عدم الرجوع عنه إلى حين وجود العقد (فقد) يقال بجريانها في الفرعين واقتضائها
صحة كل من الرهن والبيع (ولكنه) مشكل في الفرع الأول (لان) مقتضى
التجارة عن تراض هو ان يكون الرهن حين وجوده ناشئا عن اذن مالك العين
المرهونة، بل ذلك يكون من مقتضيات طبع الوثيقة عرفا (فكان) لحيث النشو المزبور
دخل في موضوع الأثر (وأصالة) بقاء اذن المالك، أو عدم رجوعه عن اذنه غير
مثبت لمثل هذه الإضافة النشوية (لان) نشو الرهن عن كونه من رضى المالك واذنه
من اللوازم العقلية لبقاء الاذن إلى حين وجود العقد (نعم) يتم ذلك في الفرع
الثاني (فان) الاحتياج إلى اذن المرتهن أو اجازته، ليس لأجل انتساب الرهن
إلى المرتهن، كما في إجازة المجيز المالك لعقد الفضول (وانما) هو لأجل ابطال
حقه المتعلق بالعين المرهونة المانع عن نفوذ بيع الراهن المالك (فأصالة) عدم
الرجوع عن الإذن السابق إلى حين وجود العقد تكون مجدية في ترتيب آثار الصحة
على البيع الصادر من الراهن.
90

(الامر السادس) قد عرفت ان مقتضى هذا الأصل ترتيب الشاك الحامل
جميع الآثار الثابتة للفعل الصحيح التي لها مساس به (فلو صلى) شخص على ميت
وشك في صحتها تحمل على الصحيح ويسقط عنه الصلاة عليه، وكذا لو آجر
شخصا لتطهير ثوبه، فغسله وشك في صحته من جهة الشك في بعض شروطه من
اطلاق الماء أو وروده على النجاسة ونحو ذلك حكم بطهارته بعد احراز الغسل العرفي،
من غير فرق في ذلك بين العناوين القصدية وغيرها (نعم، في العناوين القصدية كعنوان
الصلاة يحتاج في جريان أصالة الصحة إلى احراز القصد المقوم للعنوان أيضا، ولا يكتفى في الحكم
بالصحة بصرف احراز ذات العمل مع الشك في تعنونه بالعنوان الذي ترتب عليه الأثر
أو تعلق به الامر (وإذا كان) العمل من الأعمال النيابية كالصلاة عن الميت،
والحج عن العاجز (لا بد) في الحكم بالصحة وترتيب الأثر من استحقاق العامل
الأجير للأجرة، وتفريغ ذمة المنوب عنه زائدا عن احراز العمل المعنون من احراز
وقوعه من الفاعل النائب على وجه النيابة عن المنوب عنه، اما بالوجدان أو بالبينة
أو باخبار الفاعل اما مطلقا، أو بشرط عدالته على ما يأتي تفصيله (فإذا) أحرز
صدور العمل من النائب على وجه النيابة وتفريغ الذمة عن الغير المكلف بالعمل أو لا
وبالذات، كالحج عن العاجز والصلاة عن الميت، وشك في صحته لأجل احتمال
اخلاله ببعض ما يعتبر في صحته، يحمل على الصحيح، ويترتب عليه جميع ما له من الآثار
(ولكن) الذي يظهر من الشيخ (قده) هو الاشكال في الحكم بالصحة
في تفريغ ذمة المنوب عنه ولو مع احراز قصد الفاعل بعمله تفريغ ذمة المنوب عنه
(ومحصل) ما افاده قده هو ان لفعل النائب حيثيتين (الأولى) كونه فعلا من أفعال
النائب، وبهذا الاعتبار يترتب عليه آثار صدور الفعل الصحيح منه، كاستحقاقه
للأجرة وجواز استيجاره ثانيا (الثانية) كونه فعلا للمنوب عنه عرضا لكونه
بمنزلة الفاعل بالتسبيب، فكان الفعل الصادر منه بعد قصد النيابة قائما بالمنوب عنه،
وبهذا الاعتبار يترتب عليه تفريغ ذمة المنوب عنه وعدم وجوب الاستيجار عليه ثانيا
(والصحة) من الحيثية الأولى لا يستلزم الصحة من الحيثية الثانية لأنه من هذه الحثيثة
91

فعل من الافعال القائمة بالمنوب عنه والشاك الحامل لا من أفعال الصادر
من الغير (فأصالة الصحة) فيه بما هو فعل من أفعال الغير، لا يثبت الصحة بما هو فعل
من أفعال المنوب عنه (فيجب) التفكيك بين اثرى الفعل من الجهتين، فيحكم باستحقاق
النائب الأجير للأجرة، وعدم تفريغ ذمة المنوب عنه
(وفيه ما لا يخفى) فان الصحة من الجهة الثانية انما هي من آثار الصحة من
الجهة الأولى (لوضوح) ان الفعل الواحد الصادر من الغير بعنوان النيابة عن
المنوب عنه إذا كان صحيحا تعبدا، فهذا الصحيح بعينه هو المنسوب إلى المنوب عنه
بنحو من الانتساب، فكيف لا يكون مبرء للذمة (إذ لا معنى) لحكم الشارع
البناء على صحة فعل النائب من حيث النيابة عن الغير ولاستحقاق الأجرة عليه
بهذا العنوان، الا البناء على تفريغ ذمة المنوب عنه (واما حكم) المشهور باعتبار
العدالة في النائب عن الحي والميت (فليس) من جهة عدم كفاية صحة التعبدية في
فعل النائب من حيث النيابة للصحة من جهة براءة ذمة المنوب عنه (بل انما) هو من
جهة احراز صدور الفعل على وجه النيابة، بلحاظ اقتضاء العدالة للوثوق بصدور
العمل النيابي عنه (والا) فمع احراز صدوره على وجه النيابة عن الغير، اما بالوجدان،
أو بغيره من الامارات المعتبرة، لا يظن بأحد منهم التشكيك في اقتضاء الصحة من
الجهة الأولى للصحة من الجهة الثانية (مضافا) إلى منع كون الفعل الصادر عن النائب بعنوان
النيابة عن الغير من قبيل الفعل بالتسبيب أو الآلة بالنسبة إلى المنوب عنه
بحيث يصاف ويستند إليه باسناد حقيقي (إذ نقول) انه ليس لفعل النائب حتى
بمعناه الاسم المصدر الا إضافة واحدة وقيام واحد بالفاعل المباشر دون
المنوب عنه (وان) ما يقع عن المنوب عنه انما هو اثره من تفريغ ذمته وتخضعه
للمولى وتقربه إليه كما يقع نظيره في الخضوعات العرفية من نحو تقبيل اليد وغيره (فإنه)
بايجاد ما هو آلة الخضوع عن الغير، يقع الخضوع لذلك الغير مع رضائه به بلا احتياج
إلى امره بذلك، بخلاف باب التسبيب، فإنه يحتاج فيه إلى امر من الآمر بالايجاد
ولا يكفيه صرف رضائه بفعله " فخضوع " المنوب عنه وتقربه إلى المولى وتفريغ
92

ذمته انما يكون من آثار فعل النائب بايجاد ما هو آلة الخضوع ووظائف العبودية
عن قبله، كما أن من آثاره في فرض الاستيجار عليه استحقاق النائب الأجرة عليه، لا انها
من آثار إضافة فعل النائب إليه وقيامه به ولو بمعناه، الاسم المصدر، لما عرفت من أنه
ليس له الا إضافة واحدة قائمة بالنائب، لا ان له إضافتين، إضافة إلى النائب
وإضافة إلى المنوب عنه " وما يرى " أحيانا من انتساب العمل واسناده إلى المنوب
عنه " فإنما " هو بنحو من العناية، لا انه باسناد حقيقي كما في التسبيبيات " وحينئذ "
فإذا كان العمل الصادر من النائب بعنوان النيابة عن الغير وتفريغ ذمته محكوما
بالصحة، يترتب عليه لا محالة، كلا الاثرين من استحقاق العامل للأجرة وبرائة ذمة
المنوب عنه.
(بقى الكلام) فيما يحرز به موضوع الأثر (فنقول) اما في العناوين غير
القصدية، كتطهير الثوب وإزالة الخبث عنه، فلا اشكال في أنه يكتفى في جريان
أصالة الصحة مجرد احرازها بصورتها (فإذا) شوهد من يأتي بصورة الغسل المزيل
عرفا للخبث وشك في كونه مزيلا شرعا لاحتمال الاختلال ببعض شروطه، يحمل
على الصحيح ويترتب عليه اثره (واما في العناوين القصدية)، كالعبادات والمعاملات
من العقود والايقاعات المتقومة بالقصد (فالظاهر) كفاية احراز عناوينها بصورتها
أيضا في الحمل على الصحة، ولا يعتنى باحتمال كونها مجرد صورة قصد بها التعود أو
غيره من الدواعي العقلائية (ولذا) لا يتوقف أحد في الاخبار عمن شوهد كونه
متلبسا بصورة هذه الأعمال من صلاة أو زيارة، أو نسك، بأنه يصلى ويزور
(فلو شوهد) من يأتي بصورة الصلاة على ميت وشك في صحتها من جهة احتمال
كونها مجرد صورة قصد بها التعليم، يحمل على كونها صلاة فيسقط عنه التكليف بالصلاة
عليه (وكذا) من يأتي بصورة عقد في مقام المعاملة من بيع ونحوه، حيث يحمل
على كونه صادرا عن قصد التسبب به إلى المعاملة بحيث يقدم قول من يدعي الصحة
إذا تنازعا في صحة العقد وفساده لأجل التنازع في القصد وعدمه (والعمدة) في
ذلك هي السيرة العرفية وبرهان اختلال النظام (حيث إنهما) يقضيان بالحمل على الصحيح
93

في نحو هذه الأمور من حيث اقترانها بالقصد ما لم يعلم كونها مجرد صورة خالية عن
قصد عناوينها، ومن حيث اشتمالها على الشرائط الشرعية المعتبرة في صحتها، وان
لم يكن اخبار من الفاعل باقترانها بالقصد المقوم لعناوينها (هذا) في غير الأعمال
النيابية (واما) في الأعمال النيابية كالصلاة عن الميت، والحج عن العاجز (فان
كان) الشك فيها من جهة القصد المقوم لعنوان العمل من الصلاتية ونحوها، فحكمها
ما تقدم من الاكتفاء في احراز عناوينها باحراز صورتها (وان كان) الشك من جهة
وقوعها عن قصد النيابة عن المنوب عنه (فلا طريق) إلى احرازها الا اخبار العامل
بعمله من كونه قاصدا به عن المنوب عنه (ولا اشكال) في قبول قوله، لكونه مما لا يعلم
الا من قبله (وهل يعتبر) فيه العدالة، أو يكفي فيه الوثوق، أو لا يعتبر فيه العدالة
ولا الوثوق فيه وجوه (أظهرها) الأخير، لكونه مما لا يعلم الا من قبله، فيكتفي
باخباره في الحكم بفراغ ذمته واستحقاق الأجرة، وفراغ ذمة المنوب عنه (هذا)
إذا كان العمل بصورته أو بعنوانه محرزا بالوجدان (واما لو كان) الشك في أصل
وجود العمل وتحققه (فالظاهر أنه) لا طريق إلى احرازه الا العلم أو البينة من غير
فرق بين العناوين القصدية وغيرها، فلو استأجر شخص لتطهير ثوبه أو للصلاة عن
الميت فشك في أصل صدور الغسل المزيل للخبث منه أو اتيانه بالصلاة فلا بد من
احراز أصل العمل اما بالعلم أو بالبينة (ولا يكتفي) باخباره في احراز العنوان
وان كان عدلا أو ممن يحصل الوثوق من قوله (إذ لا دليل) على حجية اخباره (بل
مقتضى الأدلة) كرواية مسعدة بن صدقة من قوله " ع " حتى تستبين أو تقوم بها
البينة اعتبار التعدد والعدالة في الموضوعات الخارجية (وشمول) أدلة حجية خبر
الواحد لمثله، ممنوع (لاختصاصه) بالاخبار القائمة على الأحكام الشرعية (وعلى)
فرض عمومها للموضوعات الخارجية، لا بد من تقييدها بما دل على اعتبار التعدد
والعدالة فيها (نعم) لو فرض كونه مندرجا في مورد تحت قاعدة من القواعد
المقتضية لقبوله، كقاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به، أو قاعدة الايتمان،
يقبل قوله في ذلك المورد بلحاظ تلك القاعدة، فيحزر به عنوان الموضوع،
94

وتجري فيه أصالة الصحة عن الشك في صحته وفساده (والا) فيشكل اثبات
حجيته قوله ولو مع كونه عدلا أو ممن يوثق بقوله
(الامر السابع) ان الثابت بهذه القاعدة انما هو خصوص ترتب
الآثار الشرعية المترتبة على العمل الصحيح (دون) ما يلازم الصحة من الأمور
الخارجة عنها (فلو شك) في صحة عقد من العربية أو الماضوية، أو من جهة بلوغ
العاقد، يحمل على الصحة بلحاظ ما يترتب عليها من تحقق الملكية والنقل
والانتقال (لا بلحاظ) الآثار المترتبة على ما يلازمها من عربية العقد، وماضويته
أو بلوغ المتعاقدين (لقصور) أصالة الصحة عن اثبات هذه اللوازم، حتى على القول
بأمارية هذه القاعدة، فضلا عن أصليتها (لان) مجرد كون الشئ امارة لا يقتضى
حجيته بجميع مداليله مطابقة والتزاما (وانما) هو تابع اطلاق دليل تتميم كشفه في
الشمول لجميع ما يحكى عنه من المدلول المطابقي والالتزامي (والا) فبدونه لا بد من
الاقتصار في تتميم كشفه على المدلول المطابقي " وحيث " انه ليس في المقام دليل
لفظي يقتضى باطلاقه حجية هذه القاعدة وتتميم كشفها في جميع ما تحكي عنه مطابقة
والتزاما " لان " العمدة في الدليل على حجيتها هو الاجماع، والسيرة، ومناط
الاختلال " فلا بد " من الاقتصار على ما هو المتيقن منها، ولا يكون ذلك الا
تتميم كشفها من حيث الصحة، دون ما يلازمها " هذا " على المختار في وجه حجية
مثبتات الامارة من كونه بمناط تعدد الحكاية في الامارة مطابقة والتزاما
" واقتضاء " دليل حجيتها لتتميم كشفها بجميع مداليها " واما " على ما سلكه بعض
الأعاظم قده، من كونه بمناط ان المجعول في الامارات في نفسه معنى يقتضى حجية مثبتاتها
" فلا بد " من الالتزام بعدم التفكيك، بين امارية هذه القاعدة، ومثبتيتها (ولكن)
الكلام في أصل المبني (ولقد) أشبعنا الكلام في ضعفة بما لا مزيد عليه في التنبيه
السابع في شرح مثبتات الأصول والامارات فراجع.
(ثم إن) الشيخ قده أفاد في التفريع على هذا البحث مسألة الشك في كون
الشراء بما يملك أو ما لا يملك (حيث قال): فلو شك في أن الشراء الصادر من الغير
95

كان بما لا يملك أو بعين من أعيان ماله، فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته،
بل يحكم بصحة الشراء وعدم انتقال شئ من تركته إلى البايع: انتهى (وظاهر)
اطلاقة شمول الحكم بعدم الانتقال، لما إذا كان المبيع عينا معينا قد شك بشهة
بدوية في كونه خمرا أو خلا (مع أنه) في هذا الفرض، كما يحكم بصحة الشراء
وانتقال الثمن إلى البائع، كذلك يحكم أيضا بانتقال العين المعين الخارجي إلى ملك
المشترى (لان) الحكم بصحة الشراء الصادر ليس إلا الحكم بانتقال كل من الثمن
والمثمن من ملك صاحبه إلى ملك الآخر (نعم) لا يحكم عليه بالمالية الشرعية،
لكونه مما يقصر الحمل على الصحة عن اثباته (نعم لو كان المقصود) من التفريع
المزبور صوره تردد ما وقع عليه الشراء بين الفردين أحدهما الخل والآخر الخمر
(لكان) ما افاده قدس سره من صحة الشراء وعدم الحكم بانتقال شئ من تركته
إلى البايع في غاية المتانة (وذلك) اما الحكم بصحة الشراء الصادر في الفرض مع
الشك في مالية الثمن شرعا، فلوجود المقتضى للحمل على الصحة (لان) ما به قوام الشراء
عرفا انما هو مطلق المالية في العوضين، لا خصوص المالية الشرعية فيها (ولذا)
لا شبهة في صدق عنوان البيع والشراء عرفا عند كون الثمن أو المثمن خمرا أو خنزيرا
(وحينئذ) فبعد احراز عنوانه العرفي بالوجدان والشك في صحته وفساده من جهة
الشك في مالية الثمن شرعا وقابليته للانتقال، تجرى فيه أصالة الصحة (واما) عدم
الحكم بانتقال عين من أعيان ماله مما له المالية الشرعية، كالخل مثلا (فإنما) هو من جهة
كونه من لوازم تطبيق العنوان المعلوم بالاجمال الذي وقع به الشراء على خصوص الخل (ومثله)
خارج عن عهدة هذا الأصل (لان) غاية ما يقتضيه الأصل المزبور انما هو التعبد بانتقال
العوض المعلوم بالاجمال المردد بين الخمر والخل إلى البايع (واما) كونه هو الخل
بالخصوص فلا، وان كان ذلك مما يلازم الصحة واقعا (كما نظيره) في استحباب
الكلى المردد بين الباقي والزائل من حيث عدم اثباته لكون الموجود هو الفرد الباقي
(وان كان) بينهما فرق من جهة أخرى (ولا تنافي) بين الحكم بصحة الشراء
وانتقال المبيع إلى المشتري ظاهرا، وبين عدم الحكم بانتقال شئ من تركته إلى
96

البايع، بل ومع الحكم ببقائه على ملك المشتري ظاهرا بمقتضى أصالة عدم النقل
(لان) مثل هذا التفكيك في الاحكام الظاهرية، غير عزيز (نعم) ما ينافي الحكم
بصحة الشراء انما هو الحكم بعدم انتقال شئ إلي البايع ولو بالعنوان الاجمال
المردد بين الفردين (وقد) فرضنا اقتضاء الحمل على الصحة انتقال المعلوم بالاجمال
بالعنوان الاجمالي إلى البايع، غير أنه لا طريق إلى تطبيقه في الخارج على خصوص
الخل.
(وبما ذكرنا) من البيان، يظهر اندفاع ما أورد عليه من الاشكال (تارة)
على أصل حكمه بصحة الشراء، من جهة ما توهم من تخصيص مورد القاعدة بما إذا كان
الشك في الصحة والفساد، من غير جهة الشك في أهلية العاقد وقابلية العوضين شرعا
للنقل والانتقال (وأخرى) على قوله بعدم الحكم بانتقال شئ من تركته إلى البايع
(بدعوى) انه لا معنى الحكم بصحة الشراء مع القول بعدم انتقال شئ من تركته
إلى البايع (لأنه) اما ان نقول بانتقال المبيع من البايع إلى المشترى، واما ان
لا نقول بذلك (فعلى الأول) يلزم الحكم بدخول المبيع في ملك المشتري من دون ان
يدخل في ملك البايع ما يقابله من الثمن وهو كما ترى (وعلى الثاني) لا اثر لأصالة
الصحة في شرائه (لان) كلا من الثمن والمثمن بعد باق على ملك مالكه، فأي
أثر يترتب على أصالة الصحة (وجه الاندفاع) يعلم مما بيناه (اما الاشكال)
الأول، فيما ذكرنا من أن ما به قوام الشراء عرفا انما هو مطلق المالية في العوضين
(وبعد) احراز عنوانه عرفا والشك في صحته وفساده شرعا من جهة المالية الشرعية
في الثمن أو المثمن، لا قصور في جريان القاعدة والحمل على الصحة (واما الاشكال)
الثاني، فاندفاعه انما هو بالالتزام بخروج المبيع من ملك البايع إلى ملك المشتري،
ولكن لا بلا عوض، بل بإزاء المعلوم بالاجمال المردد بين الخمر والخل، وان لم يكن
طريق شرعي إلى تطبيقه على خصوص الخل، أو شئ من أعيان تركته، بلحاظ عدم
كون مثل هذا التطبيق من شؤون هذه القاعدة، إلا على القول بالمثبت (فالاستغراب)
المزبور من كلام الشيخ قده في حمل الشراء الصادر على الصحة مع عدم الحكم بانتقال
97

خصوص شئ من أعيان تركة المشتري إلى البايع، لا يخلو عن غرابة (اللهم) الا ان
يقال ان الحكم بانتقال المعلوم بالاجمال بعنوانه الاجمالي إلى البايع انما يصح، إذا كان
بحيث على تقدير انطباقه على كل من الفردين قابلا للانتقال إلى البايع بإزاء المبيع
(والا) فعلى فرض عدم قابليته لذلك الا على تقدير خاص، فلا يصح الحكم بانتقاله
بإزاء المبيع (وبعد) عدم الحكم بانتقال شئ من أعيان تركته إلى البايع، يلزمه عدم
الحكم بصحة الشراء أيضا (ولكن) هذه الدعوى غير وجيهة (والا) لاقتضت الحكم بعدم
الصحة حتى في فرض العلم بوقوع الشراء بعين معينة محتمل بشبهة بدوية كونها خمرا
أو خلا، لجريان المناط المزبور فيه أيضا (وهو) كما ترى (ثم انه) قد يورد على
الشيخ قده اشكال آخر، (وهو) استلزام الحمل على الصحة في الشراء الصادر،
وعدم الحكم بانتقال شئ من تركة المشتري إلى البايع، الوقوع في محذور مخالفة
العلم الاجمالي في مجموع التركة، وفيما لو جمع بعض الورثة أو الثالث بين المبيع،
والعوض الذي حكم ببقائه على ملك المشترى (ولكنه) كما ترى فان الوقوع في
محذور مخالفة العلم الاجمالي أحيانا امر غير مرتبط بصحة الشراء من حيث الشراء في
الحكم بانتقال المبيع إلى المشتري تعبدا.
(الامر الثامن) في نسبة القاعدة مع الاستصحاب وتقديمها عليه في
استصحابات الحكمية والموضوعية (فنقول): اما تقديمها على استصحاب الفساد وما
في معناه من الأصول الحكمية، فلا اشكال فيه (من غير فرق) بين القول بكون
القاعدة من الامارات الكاشفة، أو من الأصول المحرزة (ولا بين) جعل الصحة
في القاعدة بمعنى التمامية، أو بمعنى ترتب الأثر (فإنه) على جميع التقادير تكون القاعدة
مقدمة على الأصول الحكمية المقتضية لفساد المعاملة، وعدم ترتب النقل والانتقال
(وهذا) على امارية القاعدة واضح، فإنها بمقتضى دليل تتميم كشفها تكون
حاكمة على تلك الأصول لكونها رافعة للشك في ترتب النقل والانتقال المأخوذ في
موضوع تلك الأصول (وهكذا) الكلام على أصلية القاعدة مع البناء على كون
الصحة فيها بمعنى التمامية، لا بمعنى ترتب الأثر (بلحاظ) مسببية الشك في ترتب
98

الأثر وتحقق النقل والانتقال، عن الشك في تمامية العقد في المؤثرية، وتمامية
المسبب في قابليته للمتأثرية (واما) بناء على كون الصحة فيها عبارة عن نفس ترتب الأثر
(فتقديم) القاعدة عليها يكون بمناط التخصيص (لأنه) ما من مورد يمكن ان
تجري فيه القاعدة إلا وفيه أصل يقتضي الفساد وعدم ترتب الأثر المقصود (فلولا)
تقديم القاعدة على تلك الأصول، ليلزم لغوية جعلها (بخلاف) العكس، فإنه
لا يلزم من تقديم القاعدة على الأصول الحكمية محذور الغوية في جعل الأصول
(لان) لها موارد كثيرة لا تجرى فيها القاعدة (مع امكان) دعوى الحكومة على
هذا المبنى أيضا بناء على ما عولنا عليه من الدليل لهذه القاعدة من السيرة واختلال
النظام المستفاد من التعليل الوارد في بعض اخبار اليد بأنه لولاه ما قام للمسلمين سوق
(فان) مثل هذا اللسان ناظر إلى تخصيص مجرى الأصول الحكمية المقتضية للفساد، بغير
مجرى هذه القاعدة (إذ لا نعنى) من الحكومة الا ما يكون ناظرا إلى دليل آخر
بتوسعة أو تضيق في دائرته، ولولا يكون بلسان تتميم الكشف.
(واما تقديمها) على الاستصحابات الموضوعية، كاصالة عدم البلوغ ونحوها
فقد اختلف فيه كلمات الاعلام (والظاهر) اختلاف الحكم في المقام باختلاف
المباني في مفاد دليل الاستصحاب من حيث جعل المماثل والأثر، أو مجرد الامر
بالمعاملة من حيث الجري العملي، وكذا في القاعدة من جهة الا مارية والأصلية، ومن
حيث معنى الصحة فيها في كونه نفس ترتب الأثر، أو التمامية (فنقول): ان جعلنا
هذا الأصل من الامارات والظواهر المعتبرة، كما هو ظاهر جماعة (فان) قلنا بحجتيه في
جميع ماله من المدلول مطابقة والتزاما (فلا شبهة) في تقديمه على تلك الاستصحابات
بمناط الحكومة، لاقتضائه بدليل كشفه ارتفاع الشك المأخوذ في موضوع تلك الأصول
(واما ان قلنا) بعدم حجيته الا في خصوص مدلوله المطابقي دون غيره، كما هو
التحقيق وتقدم الكلام فيه في الامر السابق (فان بنينا) في مفاد لا تنقض على
كونه ناظرا إلى جعل المماثل في استصحاب الاحكام وجعل الأثر في استصحاب
الموضوعات (فلا محيص) من التعارض بين هذا الأصل، وبين استصحاب عدم
99

بلوغ العاقد حين العقد (إذ بعد) عدم اقتضاء هذا الأصل لاثبات بلوغ العاقد ورفع الشك
من جهته، يجري فيه استصحاب العدم ويترتب عليه أثره الذي هو فساد العقد وعدم
ترتب النقل والانتقال، فتقع بينهما المعارضة (ومع) هذا التعارض لا مجال لتقديم
القاعدة على الاستصحاب الا بمناط التخصيص بما ذكرنا من لزوم اللغوية في جعلها لولا
تقديمها على تلك الاستصحابات (كما لا مجال) لتقديم الاستصحاب عليه من جهة الحكومة
(بتوهم) تسبب الشك في الصحة والفساد حينئذ عن الشك في بلوغ العاقد، وبأصالة
عدمه يرتفع الشك عن صحة العقد تعبدا (فإنه) لو تم ذلك فإنما هو فيما إذا كان
الشك مأخوذا في موضوع القاعدة، لا موردا لها (والا) فعلى فرض اخذه
فيها على نحو الموردية، كما هو المفروض من امارية القاعدة، فلا حكومة
للاستصحاب عليها (واما ان بنينا) في مفاد لا تنقض على كونه ناظرا إلى مجرد
الامر بالمعاملة مع المستصحب معاملة الواقع من حيث الجري العملي كما هو المختار
(فيمكن) ان يقال بتقديم القاعدة على الاستصحاب الموضوعي بمناط الحكومة
(لأنها) بمقتضى دليل تتميم كشفها توجب الغاء احتمال فساد المعاملة (ومعه)
لا يجري استصحاب عدم البلوغ، لخلوه حينئذ عن الأثر (لا يقال) على هذا
الفرض لا بد من التعارض أيضا بين الاستصحاب والقاعدة، كالفرض السابق، فكيف
التفكيك بينهما (فإنه يقال) ان مرجع التنزيل في الفرض الثاني في استصحاب
الموضوع إلى تعبدين تعبد بالموضوع وتعبد بأثره حسب تعدد الشك من حيث الموضوع
واثره من الحكم التكليفي أو الوضعي (فإذا) كان التعبد الثاني محكوما بأصالة
الصحة، يكون التعبد بالموضوع لغوا لخلوه عن الأثر (بخلاف) الفرض الأول (فان)
فيه لا يكون الا تعبد واحد بالموضوع بلحاظ جعل اثره (ولأجله) يقع التعارض
بين التعبد بالصحة بمقتضى القاعدة، وبين التعبد بعدمها بمقتضى استصحاب عدم
البلوغ (ولا مجلل) فيه لتقديم القاعدة على الاستصحاب الا بمناط التخصيص من
جهة محذور اللغوية في جعلها، من غير فرق في ذلك بين القول بأن الصحة في القاعدة
بمعنى التمامية، أو ترتب الأثر (هذا كله) على القول بأمارية هذه القاعدة (واما
100

على القول) بأصليتها، كما هو التحقيق فيها (فان جعلنا) الصحة فيها عبارة عن
نفس ترتب الأثر، كما هو المشهور (فلا محيص) من حكومة
الاستصحاب على القاعدة (بلحاظ) تسبب الشك في ترتب الأثر عن
الشك في بلوغ العاقد، وباستصحاب عدمه يرتفع الشك المزبور، فيترتب
عليه الحكم بالفساد وعدم ترتب الأثر من النقل والانتقال (من غير) فرق في
ذلك بين القول باستفادة جعل الأثر من دليل حرمة النقض في استصحاب الموضوع،
وبين القول باستفادة الامر بالمعاملة منه من حيث الجري العملي منه (وان كانت)
الحكومة على الأول أظهر (وان جعلنا) الصحة فيها بمعنى التمامية، كما هو المختار
(فقد يتوهم) كونها محكومة أيضا باستصحاب عدم البلوغ، باعتبار تسبب الشك
في تمامية العقد عن الشك في بلوغ العاقد، فأصالة عدم البلوغ تكون مزيلة للشك في
تمامية العقد (ولكنه) توهم فاسد (إذ نقول) انهما وان كانا متغايرين مفهوما،
ولكنهما متحدين منشئا، فان تمامية العقد في مرحلة السببية والمؤثرية، وكذا
تمامية المسبب في مرحلة القابلية للمتأثرية ليست الا عين واجدية العقد والمسبب
للشرائط المعتبرة فيهما (وانما الفرق) بينهما بصرف الاجمال والتفصيل بلا سببية ولا
مسببية في البين (ومعه) كما تجرى استصحاب عدم البلوغ فيترتب عليه الفساد،
كذلك تجرى أصالة الصحة، فيتعارضان ولازمه الحكم بسقوطهما معا (الا) ان
يتشبث لتقديم القاعدة عليه بما ذكرناه من محذور اللغوية في جعل القاعدة (لأنه)
ما من مورد يشك في صحة عمل وفساده في أبواب العقود وغيرها الا وكان الشك
في بعض ما يعتبر فيه وجودا وعدما مما كان في نفسه مجرى الاستصحاب (فلو قيل)
حينئذ بسقوط القاعدة في تلك الموارد لأجل الأصول الجارية فيها لم يبق لجريانها
الا الموارد النادرة، فيلزم من جعلها محذور اللغوية ويلزمه محذور الاختلال في النظام
(بخلاف) فرض العكس، فإنه لا يلزم محذور من تقديم القاعدة على الاستصحاب في موارد
جريانها في طرف الاستصحاب (فالأقوى) حينئذ تقديم القاعدة على
الاستصحاب مطلقا سواء في الاستصحابات الحكمية أو الموضوعية، وسواء بين
101

الصحة بمعنى التمامية، وبينها بمعنى ترتب الأثر (ثم إن) للشيخ الأعظم قده كلاما
في المقام في وجه بيان المعارضة وتقديم أصالة الصحة، ولأجل تلامذته السيد العلامة
الشيرازي قده كلام آخر في وجه المعارضة، ولا يسعني المجال للتعرض لهما، خصوصا
لما عرض على من ضعف الحال وضيق.. مع تشتت البال واليه شكواي وهو المستعان
(بقى الكلام) في أصالة الصحة في الأقوال والاعتقادات (اما
الأقوال) فالشك في صحتها يتصور على وجوه (الأول) من حيث كونه مباحا،
أو حراما موجبا لفسقه (ولا اشكال) في الحمل على الصحة من هذه الجهة (الثاني)
من حيث كونه على طبق القواعد العربية من حيث المادة والهيئة، كما (لو شوهد)
صدور عقد أو ايقاع من الغير وشك في كونه على طبق القواعد العربية من حيث
المادة والهيئة (ولا اشكال) في الحمل على الصحة من هذه الجهة أيضا وانه يترتب عليه
آثار الصحة من حيث النقل والانتقال وغيرهما (الثالث) من حيث كونه كاشفا عن
المعنى المقصود (والشك) من هذه الحيثية يكون من وجوه (الأول) من جهة
ان المتكلم قصد المعنى بقوله بعت أو ملكت أم لم يقصده بل تكلم من غير قصد
(ولا ريب) في الحمل على الصحة من هذه الجهة وترتيب آثارها، بحيث لو ادعى
عدم قصد المعنى بقوله بعت أو انه تكلم لغوا أو للتعلم ونحو ذلك لم يسمع منه
(الثاني) من جهة ان المتكلم أراد من اللفظ معناه الحقيقي حتى يترتب عليه الأثر،
أو أراد منه المعنى المجازي في مقام الاستعمال بلا ذكر القرينة (وفي جريان) أصالة
الصحة في هذه الصورة اشكال ينشأ من عدم تصور الفساد في استعماله ذلك. لعدم
كون استعمال اللفظة في المعنى المجازى في نفسه بلا ذكر القرينة استعمالا فاسدا، مع
وضوح اختصاص هذا الأصل بما إذا كان مجريه مما له فرد صحيح وفرد فاسد
(وكذا الكلام) فيما لو شك في كون المتكلم معتقدا لمؤدي قوله من الاخبار
أو الانشاء (نعم) في فرض تصور الصحة والفساد في انشائه أو اخباره، لا اشكال
في الحمل على الصحيح (ولكن) ذلك مع قطع النظر عن أصالة الحقيقة وأصالة الظهور
ونحوها من الأصول اللفظية المرادية (والا) فلا مجال لأصالة الصحة في الكلام
102

الصادر من المتكلم مع وجود هذه الأصول كما هو ظاهر (الرابع) من جهة كون
اخباره مطابقا للواقع في نفس الامر، وهذا معنى حجية خبر المسلم (ولا ينبغي)
الاشكال في عدم جريان قاعدة الحمل على الصحيح في هذه الصورة (وذلك) لا من
جهة الاجماع على عدم قبول كل خبر صدر من مسلم (بل من جهة) عدم دخل حيث
المطابقة واللامطابقة للواقع في صحة اخبار المسلم (لان) هذه الحيثية من الأمور
الاتفاقية غير الملازمة لخبرية الخبر (مضافا) إلى أنه لا اثر لحيث مطابقة الخبر
للواقع ونفس الأثر، كي عند الشك في المطابقة وعدمها تجرى فيه أصالة الصحة
(لوضوح) ان الامر وهو الحجية أو المعذرية انما هو من لوازم احراز الواقع
بخبره، لا من لوازم صدق الخبر ومطابقته للواقع في نفس الامر (ولذا لو أخبر)
بوجوب شئ وأحرز كونه مطابقا للواقع يترتب عليه الحجية ووجوب العمل على
طبقه، وان كان ما أخبر بوجوبه مباحا في الواقع (وبالعكس) لو أخبر بعدم وجوب
ما كان واجبا في نفس الامر، يترتب عليه مع الاحراز المزبور المعذرية (فإذا كان)
عنوان المطابقة واللا مطابقة للواقع أجنبيا عن موضوع الأثر، وعن حيث دخله في
اتصاف الخبر بالصحة والفساد، فلا تجري فيه هذا الأصل (لما عرفت) من اختصاصه
بما إذا كان مجراه مما له فرد صحيح يترتب عليه الأثر، وفرد فاسد لا يترتب عليه
الأثر (وحينئذ) فعدم جريان هذا الأصل من هذه الحيثية انما يكون من جهة عدم
المقتضى للحمل على الصحة، لا انه من جهة عدم وفاء الدليل عليه، كما يظهر من
الشيخ قده.
(واما الصحة في الاعتقادات) فاجمال الكلام فيها، هو ان الشك في صحة
اعتقاد الغير (ان كان) من جهة نشوه عن مدرك صحيح من دون تقصير منه في
مقدماته، أو نشوه عن مدرك فاسد لتقصير منه في مقدماته (فالظاهر) هو الحمل
على الصحيح، كما في المفتى وغيره ممن يعتبر رأيه واعتقاده بالنسبة إلى مقلديه،
فان الحجة بالنسبة إلى المقلد انما هو رأي المجتهد واعتقاده في المطلب، وان حجية
قوله بأنه يجب كذا ويحرم كذا انما يكون من جهة كونه كاشفا عما هو الحجة وهو رأيه واعتقاده
103

(فإذا) شك في صحة اعتقاده من الجهة المزبورة يحمل على الصحة (وان كان)
الشك في صحته من جهة المطابقة للواقع، فلا يحمل على الصحة لما تقدم من عدم
المقتضى للحمل على الصحة من هذه الجهة.
المقام الثاني
في تعارض الاستصحاب مع القرعة (والكلام) فيها يقع تارة في مقدار
دلالة دليلها وموارد جريانها (وأخرى) في بيان نسبتها مع الاستصحاب وغيره
من الأصول، كاصالة التخيير، والإباحة، والاحتياط (اما الأول) فمجمل القول
فيه هو ان اخبارها العامة في بعضها: كل شئ مجهول فيه القرعة، كما في التهذيب
عن محمد بن حكم قال سألت أبا الحسن موسى (ع) عن القرعة في أي شئ: قال (ع)
كل شئ مجهول ففيه القرعة فقلت له ان القرعة تخطئ وتصيب: فقال ما حكم الله
به فليس بمخطئ (وفي بعضها) القرعة لكل أمر مشتبه (وفي ثالث) انها لكل أمر
مشكل (ولكن) الظاهر رجوع الأولين إلى مفاد واحد، بلحاظ ان المجهول هو المشتبه والمشتبه
هو المجهول (ولازمها) الاختصاص بالموارد التي يكون للشئ نحو تعين في الواقع ونفس
الامر، إلا أنه طرء عليه الاشتباه ولم يعلم كونه هذا أو ذاك، فتكون القرعة بالنسبة إليه
من قبيل الواسطة في الاثبات، حيث يتعين بها ما هو المجهول والمشتبه في البين
(بخلاف الثالث) وهو المشكل، فإنه ظاهر في الاختصاص بالمبهمات المحضة التي
لا تعين لها في الواقع ونفس الامر (فتكون) القرعة بالنسبة إليها من قبيل الواسطة
في الثبوت، حيث يستخرج بها ما هو الحق (كما) في باب القسمة، وباب العتق
والطلاق فيما لو أعتق أحد عبيده لا على التعيين، أو طلق إحدى زوجاته كذلك
بناءا على صحة هذا الطلاق (ولا يخفى) انه على هذا المعنى لا تعارض القرعة شيئا
من الأدلة والأصول الجارية في الشبهات الحكمية والموضوعية (لأنها) بنفسها غير
104

جارية في مواردها (فلا يكون) العمل بأدلة الأصول في مواردها تخصيصا لدليل
القرعة، وان أبيت عما ذكرنا من المعنى للمشكل وقلت إنه في العرف عبارة عما يصعب
حله وما يتحير المكلف في مقام العمل، فلا يشمل أيضا موارد الأصول الجارية في
الشبهات الحكمية والموضوعية، لأنه بجريان تلك الأصول في مواردها
لا صعوبة على المكلف ولا تحبر له في مقام الوظيفة الفعلية (نعم) انما يتصور
ذلك في مثل عنوان المجهول والمشتبه (حيث) يقع المجال لتوهم المعارضة
بين دليل القرعة، وأدلة الأصول الجارية في مواردها (من جهة) دعوى عموم المشتبه
للشبهات الحكمية والموضوعية بالشبهة البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي (وان كان)
دقيق النظر يقتضى خلافه (لظهور) عنوان المجهول والمشتبه في قوله (ع) القرعة
لكل امر مجهول أو مشتبه في الاختصاص بالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم
الاجمالي وعدم عمومها للشبهات الحكمية مطلقا ولا الشبهات
الموضوعية البدوية (بداهة) ظهور عنوان المشتبه في قوله القرعة
لكل امر مشتبه في كونه وصفا لذات الشئ المعنون من جهة تردده بين الشبئين أو
الأشياء (لا وصفا) لحكمه ولا لعنوانه، ليكون من قبيل الوصف بحال المتعلق
(فالشبهات) الحكمية مطلقا حتى المقرونة بالعلم الاجمالي خارجة عن مورد جريان
القرعة (لان) الشبهة فيها انما هي في حكم الشئ لا في ذات الشئ (كما) ان الشبهات
الموضوعية البدوية أيضا خارجة عن مورد القرعة (لان) الشبهة فيها انما تكون
في انطباق عنوان ما هو موضوع الحكم كالخمر ونحوها على الموجود الخارجي (لا
فيما انطبق) عليه عنوان الموضوع فارغا عن الانطباق في الخارج، بكونه هذا أو
ذاك، كالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي حيث إن فيها يكون كل من
الخطاب وعنوان الموضوع وانطباقه في الخارج معلوما بالتفصيل (ولكن) الشك
في أن المنطبق عليه عنوان المحرم أي الامرين (ومع خروج) موارد الأصول
الجارية في الشبهات الحكمية مطلقا والشبهات الموضوعية البدوية من مورد جريان
القرعة، بالبيان المتقدم، يعمل بتلك الأصول في موارد جريانها (ولا يحتاج) إلى
105

ملاحظة النسبة بين القرعة، وبين تلك الأصول (إذ لا يلزم) من العمل بتلك
الأصول في موارد جريانها تخصيصا لدليل القرعة كما هو ظاهر (نعم) حيث إن مصب
الاستصحاب في القرعة وموارد جريانها يعم الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي بين
الشخصين في الحقوق والماليات، يحتاج إلى ملاحظة النسبة بين القرعة، وبين
الاستصحاب وغيره من الأصول كما سنذكره.
(وكيف كان) فبعد ما عرفت من اختصاص مورد جريان القرعة بموارد العلم
الاجمالي في الشبهات الموضوعية نقول: ان الموضوع المشتبه في موارد العلم الاجمالي
بين المتبائنين (اما) ان يكون متعلقا لحق الله سبحانه (واما) ان يكون متعلقا
لحق الناس (فان كان) مما يتعلق به حق الله سبحانه، فلا مجال لجريان القرعة فيه
وذلك لا من جهة قصور القرعة في نفسها عن الجريان فيه (بل من جهة)
وجود المانع وهو العلم الاجمالي بالتكليف الملزم واقتضائه بحكم العقل
الجزمي بلزوم الفراغ (فان) الوظيفة حينئذ هو الاحتياط في جميع المحتملات مع
الامكان (الا إذا كان) هناك ما يوجب انحلال العلم الاجمالي، أو بدلية بعض
الأطراف على التعيين عن المعلوم بالاجمال، فلا يجب معه مراعاة الاحتياط في بقية
المحتملات (ومن المعلوم) ان القرعة في نفسها غير صالحة للانحلال، ولا لاثبات
البدلية عن المعلوم بالاجمال (اما الأول) فمن جهة تأخرها عن العلم الاجمالي (إذ
لا تزيد) القرعة عن العلم التفصيلي المتأخر بثبوت التكليف في بعض الأظراف على التعيين
(فكما) ان العلم التفصيلي المتأخر لا يوجب الانحلال (كذلك القرعة) في المقام
(ولقد) أشبعنا الكلام في ذلك في الجزء الثالث من الكتاب في مبحث انحلال
العلم الاجمالي فراجع (واما الثاني) وهو عدم كونها مثبتة لجعل البدل ولو على القول
باماريتها (فلان) غاية ما يقتضيه دليلها هو التعبد بكون مؤديها هو الواقع، واما
اثبات عدم كون المعلوم بالاجمال في المحتمل الآخر، فلا الا على فرض اقتضاء دليلها
لتتميم كشفها بجميع ما لها من المدلول مطابقة والتزاما، وهو ممنوع جذا (ولكن)
الانصاف انه يكتفى في جعل البدل مجرد قيام امارة أو أصل على تعيين المعلوم بالاجمال
106

في طرف معين (وهذا) مما يتحقق بقيام القرعة عليه، حيث يتعين بها المعلوم بالاجمال
فيرتفع اثر العلم الاجمالي (فالعمدة) حينئذ في المنع عن جريان القرعة هو الاجماع وعدم
القول بجواز تعيين الحكم الشرعي أو موضوعه بالقرعة، الا في بعض الموارد الخاصة
التي ورد النص فيها بالخصوص، كما في اشتباه الموطوء بغيره في قطيع الغنم.
(وان كان) مما يتعلق به حق الناس، كما في الحقوق والأموال (فان أمكن)
فيه الاحتياط التام (فلا مجرى) أيضا للقرعة، لما ذكرنا من العلم الاجمالي (وكذلك)
الامر في فرض امكان الاحتياط ولو بالتبعيض، كما في صورة العلم الاجمالي بكون
أحد المالين ملكا للغير (فان مقتضى) العلم الاجمالي وان كان وجوب الاحتياط
باعطاء كلا المالين إليه (ولكن) بعد أن يكون ذلك ضررا على الدافع منفيا بقاعدة
نفى الضرر، ويحرم على الغير أيضا اخذها لعلمه بكون أحد المالين ملكا للغير،
يسقط العلم المزبور عن التأثير بالنسبة إلى الموافقة القطعية ويبقى تأثيره بالنسبة إلى
المخالفة القطعية، فيجب عليه التبعيض في الاحتياط باعطاء أحد المالين إلى الغير
ولو بدسه في أمواله كي يلائم مع حرمة اخذه على الغير بمقتضى الحكم الظاهري في
حقه فتأمل (وان لم يمكن) الاحتياط ولو تبعيضا كالولد المردد بين كونه من حر أو عبد
أو مشرك فيما لو ادعى كل واحد منهم الولد، وكالمال المردد بين الشخصين ففيه)
تجري القرعة، والظاهر أنهم عملوا أيضا بالقرعة فيما كان من هذا القبيل مما يتعلق
بالحقوق والأموال (وان كانت) الوظيفة قد تقتضي العمل بمناط النص الوارد في باب
الدرهم الودعي من قاعدة العدل والانصاف من التنصيف أو التثليث والتربيع حسب
اختلاف الموارد والدعاوى، هذا (ولكن) الانصاف ان تشخيص موارد القرعة
عن موارد جريان الاحتياط والتخيير وقاعدة العدل والانصاف في غاية الاشكال
(ولنعم) ما قيل من أنه لا يجوز العمل بالقرعة الا في مورد عمل الأصحاب بها.
(واما نسبتها) مع الاستصحاب (فقد يقال) انه لا مورد لنا تجري فيه
القرعة والاستصحاب حتى يحتاج إلى ملاحظة النسبة بينهما (لان) المورد الذي
تجري فيه القرعة لا تجري فيه الاستصحاب (لان) التعبد بالقرعة انما يكون في
107

موارد اشتباه موضوع التكليف وتردده بين الأمور المتبائنة (وفى تلك) الموارد
لا تجري الاستصحاب لسقوطه عن الجريان من جهة العلم الاجمالي (ولكن) فيه
ان التعبد بالقرعة وان كان مخصوصا بموارد العلم الاجمالي في الشبهات الموضوعية
(الا) ان غالب موارد جريانها انما يكون في موارد العلم الاجمالي بين الشخصين في
باب الحقوق والأموال، وحيث إن في تلك الموارد تجرى الاستصحاب (فلا محالة)
يبقى المجال لملاحظة النسبة بينها وبين الاستصحاب ومعارضتها معه (وعليه) نقول
ان النسبة بينها وبين الاستصحاب وان كانت على نحو العموم من وجه (الا) انه
لا بد من تقديمها عليه، نظرا إلى قلة موردها وكثرة موارده (فإنه) لو قدم
الاستصحاب عليها يلزم محذور اللغوية في جعلها (لأنه) قل مورد تجري فيه
القرعة، ولا تجري فيه الاستصحاب (بخلاف) ما لو قدم القرعة على الاستصحاب
(فإنه) يبقى للاستصحاب موارد كثيرة لا تحصى لا تجري فيها القرعة.
المقام الثالث
في نسبة الاستصحاب مع سائر الأصول العملية من البراءة والتخيير
والاحتياط عقليها ونقليها (فنقول): اما الأصول العقلية (فلا شبهة) في عدم
معارضتها مع الاستصحاب لكونه واردا عليها (فان) حكم العقل بالبرائة،
وكذا الاشتغال انما يكون في ظرف عدم وجود البيان على التكليف وجودا وعدما
وعدم وجود المؤمن من العقوبة المحتملة من قبل الشارع، والاستصحاب بيان شرعي
على وجود التكليف أو عدمه، فيرتفع موضوع حكمه وجدانا (كما) انه مؤمن
شرعي من العقوبة، فيرتفع حكمه بوجوب الاحتياط (واما الأصول) النقلية،
كحديث الرفع ودليل الحلية ونحوهما مما مفاده الترخيص في الارتكاب، أو مفاده
وجوب الاحتياط (فلا اشكال) أيضا في تقديم الاستصحاب عليها (نعم) انما
الكلام في وجه تقديمه عليها، من كونه للورود، أو الحكومة، أو
التخصيص (حيث) ان فيه وجوه وأقوال (منشئها) الخلاف المتقدم في مفاد
108

دليل الاستصحاب من أن قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك ناظر إلى اثبات اليقين
بالواقع في ظرف الشك، أو إلى المتيقن باثبات كونه هو الواقع ولو بتوسيط اليقين بجعله
في القضية مرأتا إليه (فعلى الأول) كما اخترناه سابقا، يتعين الوجه في تقديمه عليها
بكونه بمناط الحكومة دون غيرها (لأنه) بتكفله لاثبات اليقين بالواقع مثبت لما
هو الغاية المأخوذة في حديث الرفع والحجب ودليلي الطهارة والحلية، وهو العلم
والمعرفة فيكون بهذا الاعتبار حاكما على الأصول المغياة بالعلم والمعرفة (وهكذا)
بالنسبة إلى قوله (ع) كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي، حيث يكون الاستصحاب
بدليل اعتباره حاكما عليه ورافعا لموضوعه تعبدا، بناء على كون المراد من الورود
فيه هو وصول النهى والعلم به، لاصرف ورود النهي الواقعي حتى يكون أجنبيا عن
أدلة البراءة (واما على الثاني) وهو رجوع النقض فيه إلى المتيقن (فلا مجال)
لحكومة الاستصحاب عليها (بل لا بد) وأن يكون تقديمه على تلك الأصول
بمناط الورود، أو التخصيص (فعلى القول) بان الغاية فيها عبارة عن العلم بمطلق
الحكم أعم من الواقع والظاهر يكون الاستصحاب واردا عليها لا محالة (إذ
باستصحاب) الوجوب أو الحرمة يحصل العلم الوجداني بالحكم الظاهري فيرتفع
موضوع تلك الأصول (واما على القول) بان الغاية فيها عبارة عن العلم بخصوص
الحكم الواقعي (فلا محيص) من أن يكون تقديمه عليها بمناط التخصيص
دون الورود ودون الحكومة (لعدم) حصول العلم بالحكم الواقعي من قبل الاستصحاب
لا وجدانا ولا تعبدا (لان) غاية ما يقتضيه دليل الاستصحاب حينئذ انما هو
العلم الحقيقي بالحكم الظاهري، وهذا العلم لم يجعل غاية للحكم الظاهري في هذه الأصول
(ولازمه) وقوع التعارض بين الاستصحاب، وبين تلك الأصول (إذ مفاد)
الاستصحاب هو التعبد ببقاء المتيقن من الوجوب أو الحرمة في ظرف الشك بالواقع،
ومفاد تلك الأدلة هو التعبد بحلية المشكوك فيه ونفى الالزام عليه (ومعه) لا محيص
في تقديم الاستصحاب عليها من كونه بمناط التخصيص دون الحكومة (ولا يفيد)
في اثبات حكومة الاستصحاب عليها مجرد كونه من الأصول التنزيلية المحرزة
109

للواقع ما لم يكن بلسان اثبات العلم بالواقع بلحاظ الآثار المترتبة عليه نفسه وآثار
متعلقه (والا) لاقتضى جريان ذلك في غيره من الأصول التنزيلية أيضا، كقاعدة الطهارة
(فإنها) أيضا من الأصول التنزيلية المحرزة للواقع، بشهادة صحة الوضوء والغسل
بالماء المشكوك طهارته ونجاسته (والا) فلو لم تكن القاعدة ناظرة ولو تنزيلا إلى
اثبات الطهارة الواقعية (يلزم) أحد المحذورين (لان) المستفاد من أدلة شرطية
طهارة ماء الوضوء (اما ان يكون) شرطية الطهارة الواقعية (أو الأعم) من
الواقعية والظاهرية (فعلى الأول) يلزم عدم جواز الوضوء بالماء المزبور، لعدم
احراز الطهارة الواقعية بقاعدة الطهارة (وعلى الثاني) يلزم الحكم بعدم إعادة الوضوء
مع تبين الخلاف وكشف نجاسة الماء بعد الوضوء، لكونه واجدا حين وجوده لما
هو شرط صحته واقعا وهو مطلق طهارة الماء ولو ظاهرية (مع أنه) لا يلتزم بهما
أحد (فلا محيص) حينئذ من الالتزام بان قاعدة الطهارة من الأصول التنزيلية
الناظرة إلى اثبات الطهارة الواقعية، حتى يمكن الجمع بين صحة الوضوء بالماء الجاري
فيه القاعدة، وبين الحكم بإعادة الوضوء مع انكشاف نجاسته واقعا بعد الوضوء
ومعه يشكل تقديم الاستصحاب على القاعدة بمناط الحكومة بصرف كون الاستصحاب
من الأصول التنزيلية الناظرة إلى الواقع، كما هو ظاهر.
(تنبيه) قد يقع الاشكال في بعض اخبار أصالة البراءة في الشبهة الموضوعية
ذكره الشيخ قده، وهو قوله (ع) في الموثقة كل شئ حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه
فتدعه من قبل نفسك (وذلك) مثل الثوب عليك ولعله سرقة، والمملوك عندك ولعله
حر قد باع نفسه أو قهر فبيع، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء
كلها على هذا حتى تستبين لك غيره أو تقوم به البينة (فإنه) قد استدل بها جماعة
كالعلامة في التذكرة وغيره على أصالة الإباحة، لمكان تطبيق قاعدة الحلية في الموثقة
على الا مثلة المذكورة (وجه الاشكال) ان أصالة الإباحة في الثوب والعبد ان
لوحظت باعتبار اليد عليهما فالحلية مستندة إليها لا إلى أصالة الإباحة وان لوحظت مع قطع
النظر عن اليد فهي معارضة باستصحاب حرمة التصرف في الأشياء المذكورة،
110

كاصالة عدم التملك في الثوب والعبد لأصالة الحرية في كل انسان مشكوك الحرية
والرقية، وأصالة عدم تأثير العقد في الامرئة (ولو أريد) من الحلية في الرواية
ما يترتب على أصالة الصحة في شراء الثوب والمملوك، وأصالة عدم تحقق النسب
والرضاع في المرأة، كان خروجا عن الإباحة الثابتة بأصالة الإباحة، كما هو ظاهر
الرواية (ويمكن) دفع هذا الاشكال بما ذكرناه في مسألة أصالة البراءة (وحاصله)
حمل الرواية على كونها اخبارا منه (ع) عن ثبوت الحلية للأمثلة المذكورة لأمور
منها اليد، ومنها القاعدة، ومنها غيرهما (لا انشاءا) منه (ع) للحلية بحيث
تكون الأمثلة من تطبيق قاعدة الحلية عليها حتى يتوجه الاشكال المزبور (ويمكن)
دفع الاشكال بوجه آخر (وحاصله) جعل الأمثلة في الرواية تنظيرا منه (ع)
للمقام، لا تفريعا على ما افاده من الكبرى (فكان) الإمام (ع) بعد اثبات الحلية
الظاهرية للأشياء بقوله كل شئ الخ صار بصدد التنظير للمقام بالأمثلة المذكورة
لتقريب ذهن السائل ودفع استيحاشه، بان الحلية كما هي ثابتة في الأمثلة المذكورة
لأمور خاصة من نحو اليد وغيرها (كذلك) هي ثابتة للأشياء المشكوكة
حليتها بقاعدة الحلية المستفادة من قوله (ع) كل شئ لك حلال (وعلى ذلك)
يكون قوله (ع) كل شئ الخ باقيا على ظاهره في كونه في مقام اثبات الحلية
للأشياء، لا في مقام الاخبار عن ثبوتها لها لأمور خاصة كما هو مقتضى الوجه الأول
المقام الرابع في تعارض الاستصحابين
(وتفصيل الكلام) فيه هو ان في تعارض الاستصحابين لا يخلو (اما ان يكون)
الشك في بقاء أحد المستصحبين مسببا عن الشك في بقاء الآخر (واما ان يكون)
الشك في كل منهما مسببا عن امر ثالث، وهو العلم الاجمالي الموجود في البين، ولا ثالث
لهما (لان) كون الشك في كل منهما مسببا عن الشك في الآخر غير معقول
(والتمثيل) له بالعامين من وجه فاسد (لان) الشك في أصالة العموم في كل منهما انما
يكون مسببا عن العلم بعدم إرادة العموم في أحدهما (وكيف كان) فعل الأول اما
111

ان يكون ترتب المسبب على السبب شرعيا، واما ان يكون عقليا (واما على الثاني)
فله اقسام عديدة (فان) الأصلين، اما ان يكونا نافيين للتكليف المعلوم في البين
اما مطابقة أو التزاما بحيث يلزم من العمل بهما طرح تكليف ملزم (واما) ان يكونا
مثبتين للتكليف بحيث لا يلزم من العمل بهما إلا المخالفة الالتزامية، كما في العلم
الاجمالي بطهارة أحد الاتائين مع كون الحالة السابقة فيهما النجاسة (واما) ان
يكونا مختلفين، كما في العلم بوجوب أحد الامرين مع كون الحالة السابقة في أحدهما
الوجوب، وفي الآخر الإباحة أو الاستحباب (وعلى الأخير) فاما ان يحتمل مطابقة
كلا الاستصحابين للواقع، كما في المثال المزبور (واما) لا يحتمل ذلك، لما يلزمهما
من التفكيك بين المتلازمين واقعا (وعلى الأخير) اما ان يقوم دليل خارجي على
عدم امكان الجمع بين المستصحبين لعدم التفكيك بين المتلازمين ولو ظاهرا، كما في
الماء النجس المثمم كرا بماء طاهر، حيث قام الاجماع على اتحاد حكم المائين المجتمعين الممتزجين
وعدم امكان بقاء الطاهر على طهارته والنجس على نجاسته (واما) ان لا يقوم دليل
خارجي على عدم امكان الجمع بينهما، كما في استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث
لمن توضأ غفلة بمايع مردد بين الماء والبول " فهذه " اقسام عديدة لتعارض
الاستصحابين " وبعد " ذلك نقول.
(اما القسم الأول) وهو ما يكون الشك في بقاء أحد المستصحبين مسببا
عن الشك في الآخر " فان كان " التسبب عقليا، كما في الشك في بقاء الكلى
لأجل الشك في كون الحادث هو الفرد الباقي، يجري الاستصحاب في كل من السبب
والمسبب بعد تمامية أركانه فيهما ولا يقدم أحد الاستصحابين على الآخر " واما
ان كان " التسبب فيها شرعيا بأن يكون أحد طرفي الشك في أحدهما من الآثار
الشرعية لاحد طرفي الشك في الآخر، كالشك في نجاسة الثوب المغسول بماء علم
طهارته سابقا مع كونه في حال التطهير به مشكوك الطهارة والنجاسة " حيث "
ان الشك في بقاء نجاسة الثوب المغسول به وارتفاعها مسبب شرعا عن الشك في بقاء طهارة الماء وارتفاعها " لان " طهارته من الآثار الشرعية لطهارة الماء " ولا ينبغي "
112

الاشكال في تقديم الاستصحاب في السبب على الاستصحاب في المسبب والحكم
لأجله بطهارة الثوب، من غير ملاحظة معارضته بالاستصحاب في المسبب " بل
الظاهر " ان المسألة اتفاقية، فلا يصغى حينئذ بما يظهر من بعض من القاء المعارضة
بينهما " بل ما ذكرناه " يجري في كل أصل سببي وان لم يكن له حالة سابقة " ومن
هنا " لا اشكال في الحكم بطهارة الثوب النجس المغسول بالماء الجاري فيه قاعدة
الطهارة، من غير ملاحظة المعارضة بين القاعدة الجارية في السبب والاستصحاب في
المسبب " فلا اشكال " حينئذ في تقديم الأصل السببي على الأصل المسببي " وانما الكلام "
في وجه تقديمه عليه في كونه للورود، أو الحكومة، أو التخصيص بعد الفراغ
عن كون كل من السبب والمسبب موردا للاستصحاب ومشمولا لعموم ما دل على عدم
نقض اليقين بالشك.
(فنقول): الذي يظهر من المحقق الخراساني قده، هو الأول، حيث أفاد
في تقريب الورود بما حاصله ان الاستصحاب الجاري في السبب في المثال والحكم
بطهارته موجب لليقين بطهارة الثوب المغسول به لكمونه من آثاره، فيوجب خروج
المسبب حقيقة من افراد عموم حرمة نقض اليقين بالشك (إذ) يكون رفع اليد عن
بقاء نجاسة الثوب المغسول به من باب كونه نقضا لليقين باليقين، لا من نقض اليقين
بالشك (بخلاف) الاستصحاب في المسبب الذي هو نجاسة الثوب، فإنه موجب
لتخصيص دليل الاستصحاب في طرف السبب وجواز نقض اليقين يه بالشك بعدم
ترتيب اثره الشرعي بلا وجه يقتضيه (لكن) فيه ما لا يخفى (فان) ما افاده
من تقريب الورود مبني على شمول اليقين الناقض في لا تنقض اليقين لليقين بالحكم بأي
عنوان حتى بعنوان عدم نقض اليقين بالشك (والا) فعلى فرض انصرافه إلى اليقين
المتعلق بما تعلق به الشك وهو اليقين بحكم الشئ بعنوانه الأولى، فلا يكاد مجال
لهذا الورود (لوضوح) ان مفاد الاستصحاب حينئذ وان كان حرمة نقض المتيقن
بلحاظ اثره، الا انه لا يكاد يتحقق من قبل استصحاب طهارة الماء الا العلم بطهارة
الثوب المغسول به بعنوان كونه نقض يقين بالشك، بلحاظ ان عدم الحكم بطهارة
113

الثوب نقض يقين بطهارة الماء بالشك به (فإذا) لم يكن اليقين بطهارة الثوب بهذا
العنوان مشمولا لليقين الناقض في اخبار الباب، فلا محالة يكون الشك في بقاء
نجاسته الواقعية على حاله، من غير أن يرفعه الاستصحاب السببي لا حقيقة ولا
تنزيلا، ومع بقاء الشك بحاله يجري فيه استصحاب النجاسة (إذ يكون) رفع
اليد عن اليقين بنجاسته الواقعية من نقض اليقين بالشك (نعم) انما يتجه دعوى
الورود لو قلنا ان المأخوذ في كبرى طهارة الثوب واقعا غسله بكل ماء محكوم بالطهارة
ولو بعنوان ثانوي ظاهري (أو قلنا) ان مفاد التعبد في استصحاب طهارة الماء
هو جعل الطهارة الحقيقية في ظرف الشك، لا مجرد البناء العملي على طهارته بلحاظ
اثره (ولكن) يلزمهما الحكم في الثوب بالطهارة الواقعية حتى مع انكشاف كون الماء نجسا
واقعا لانغساله بالماء الطاهر حين الغسل (وهو كما ترى) مما لا يمكن الالتزام به (فان) ما يمكن
الالتزام به في فرض نجاسة الماء واقعا انما هو الطهارة الظاهرية، كالطهارة الظاهرية
لأصل الماء المغسول به الثوب النجس (وعليه) كيف يمكن تقديم الأصل السببي على
الأصل المسببي بمناط الورود.
(ومن التأمل) فيما ذكرنا ظهر عدم تمامية تقريب الحكومة أيضا بناء على
توجيه التنزيل في لا تنقض إلي المتيقن، لا إلى اليقين (خصوصا) في قاعدة
الطهارة الجارية في الماء المشكوك الذي غسل به الثوب النجس (لوضوح) ان غاية
ما تقتضيه القاعدة انما هو التعبد بالبناء على طهارة الماء واقعا وبأثره الذي هو طهارة
الثوب، بلا نظر فيه إلى الغاء الشك في بقاء النجاسة السابقة في الثوب، ولا إلى
اثبات اليقين الناقض، بها ولو على المختار بكونها من الأصول التنزيلية الناظرة إلى
الواقع، فضلا عن القول بعدم كونها من الأصول التنزيلية (نعم) لازم التعبد
المزبور هو اليقين بطهارته بعنوان ثانوي (ولكن) مثل هذا اليقين لا يكون
ناقضا ولا بمنزلته (الا) بدعوى عموم اليقين بحكم الشئ ولو بعنوان ثانوي
ظاهري (وهذا المعنى) مع كونه مستلزما للقول بالورود، كما اختاره
العلامة الخراساني قده، لا الحكومة، خلاف التحقيق (فان) المنصرف من اليقين الناقض في
114

قوله (ع) ولكن انقضه بيقين آخر هو خصوص اليقين المتعلق بما تعلق به الشك،
ولا ريب في أنه لا يكون الا اليقين بالحكم الواقعي الثابت للشئ بعنوانه الأولى
(ومعه) فلا ورود للقاعدة ولا حكومة، لبقاء الشك في بقاء النجاسة الواقعية
المتيقنة في الثوب على حاله وعدم ارتفاعه لا حقيقة ولا تبعدا وتنزيلا (وهكذا
الكلام) في الاستصحابين (فإنه) على هذا المسلك يكون كل من الأصل السببي
والمسببي مثبتا للتعبد، بالحكم طهارة ونجاسة في ظرف الشك، من دون ان يكون
لأحدهما النظر إلى نفى موضوع الآخر من الشك في الطهارة والنجاسة ولا إلى
اثبات ما هو اليقين الناقض (وتوهم) ان تقدم الأصل السببي على الأصل المسببي
من جهة سبق رتبة شكه على شكه يقتضي جريانه في المرتبة السابقة بلا معارض،
وبجريانه فيه في المرتبة السابقة واقتضائه طهارة الثوب، لا يبقى المجال لجريانه في
الثوب في المرتبة المتأخرة (مدفوع) أولا بان مجرد تقدم رتبة المشكوك لا يقتضى
تقدم رتبة شكه مطلقا، كما بينا نظيره في العلم الاجمالي في مسألة الملاقي والملاقى
(وثانيا) ان التعبد بالأثر في استصحاب طهارة الماء انما يكون في طول التعبد بطهارة
الماء (ولازمه) كونه في عرض التعبد بنجاسة الثوب بمقتضى استصحابها فيقع بينهما
التعارض لتحقق موضوعهما الذي هو الشك في مرتبة واحدة (وعليه) فما افاده بعض
الأعاظم قده من تقريب الحكومة للأصل السببي تبعا للشيخ الأعظم قدس سره، مع
التزامه بتوجيه التنزيل في لا تنقض إلى المتيقن بلحاظ البناء العملي على كونه هو
الواقع، لا إلى نفس اليقين (منظور فيه) لما عرفت من بقاء الشك الوجداني الذي
هو موضوع استصحاب نجاسة الثوب على حاله وعدم ارتفاعه باستصحاب طهارة الماء
على هذا المبنى لا حقيقة ولا تعبدا وتنزيلا (واما) ما افاده من برهان التخصيص
والتخصص بالنسبة إلى نجاسة الثوب وطهارتها (فقد) عرفت اندفاعه، حيث إنه
مبني على اقتضاء الاستصحاب الجاري في السبب لرفع الشك المأخوذ في استصحاب
المسبب، اما حقيقة أو تعبدا وتنزيلا (والا) فعلى فرض عدم اقتضائه لرفعه ولو
تعبدا وتنزيلا يكون تقديم كل منهما على الآخر من هذه الجهة من باب التخصيص محضا
115

(نعم) على المختار من توجيه التنزيل في باب الاستصحاب إلى نفس اليقين
ولو من حيث طريقيته (يمكن) تقريب الحكومة للأصل السببي (ببيان) ان شأن
الاستصحاب حينئذ بعد أن كان هو التعبد بالعلم بالواقع بلحاظ المعاملة، يتعدى منه
إلى التعبد بالعلم بأثره واثر اثره، لملازمة التعبد بالعلم بموضوعية شئ للتعبد بالعلم
بأثره بالملازمة العرفية، حتى في الموارد التي يكون الأثر المزبور خارجا عن ابتلاء
المكلف، وكان الأثر المبتلى به هو اثر الأثر (فلا محالة) يكون مثل هذا العلم
بمنزلة اليقين الناقض في طرف استصحاب المسبب، فيكون رفع اليد عن النجاسة
المتيقنة سابقا في الثوب ببركة استصحاب طهارة الماء من نقض اليقين بما هو بمنزلة
اليقين (وهذا) بخلافه على مبنى توجيه التنزيل إلى المتيقن، فإنه لا يتحقق اليقين
الناقض من استصحاب طهارة الماء لا وجدانا ولا تعبدا وتنزيلا (ولكن الانصاف)
عدم تمامية الحكومة على هذا المبني أيضا (لما فيه) أولا منع اقتضاء التعبد بالعلم
بالموضوع التعبد بالعلم بأثره (بل نقول) ان مرجع التعبد ببقاء اليقين السابق في
باب الاستصحاب، انما هو إلى الامر بمعاملة عمل اليقين بالواقع في ظرف الشك
بالبناء العملي على وجوده في ظرف الشك من حيث ترتيب الآثار المترتبة عليه التي منها
في استصحاب طهارة الماء المعاملة مع الثوب النجس المغسول به معاملة المغسول بالماء
المعلوم طهارته، بلا تكفله لاثبات العلم التعبدي بطهارته الواقعية ليتحقق به اليقين
الناقض (وثانيا) على فرض تسليم ذلك نقول: ان التعبد في استصحاب نجاسة الثوب
أيضا مثبتة لليقين ببقاء نجاسته الناظر إلى نفي الشك عن طهارته (ومعه) يتوجه
الاشكال بأنه مع اقتضاء كل من الاستصحابين لاثبات العلم، لم لا يجري أولا استحصاب
نجاسة الثوب الناظر إلى نفي الشك عن طهارته كي لا يبقى مجال النظر لعموم لا تنقض
في استصحاب طهارة الماء إلى هذا الأثر (واما) توهم تقدم الاستصحاب الجاري
في الماء طبعا على هذا الاستصحاب (فقد عرفت) الاشكال فيه، بان التعبد بالأثر
انما يكون في طول التعبد بالموضوع، فيكون في عرض التعبد بالنجاسة.
(وحينئذ فالتحقيق) في تقريب حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي
116

(ان يقال) ان قوام الحكومة انما هو بكون أحد الدليلين أو الأصلين بمدلوله
ناظرا إلى مفاد الآخر ومدلوله (وهذا) كما يتحقق برجوع مفاده إلى التصرف في
عقد وضع الآخر بتوسعة أو تضييق فيه بادخال ما يكون خارجا عنه
أو اخراج ما يكون داخلا فيه بنحو من التصرف (كذلك)
يتحقق بالتصرف في عقد حمل الآخر،، كأدلة - نفى الحرج
والضرر بالنسبة إلى الاحكام الأولية، حيث إن حكومتهما على أدلة الاحكام الأولية
انما كانت بالتصرف في عقد حملها ببيان، ما هو المراد منها (وبعد) ذلك نقول ان
حكومة الأصل السببي في المقام من قبيل الأخير (حيث) ان الأصل السببي
بتكفله لاثبات الطهارة للماء المشكوك طهارته ناظر إلى اثبات آثار طهارته، وبذلك
يكون ناظرا إلى مؤدى الأصل المسببي من نفى ترتيب آثار طهارة الماء (ولا نعنى)
من الحكومة الا ما كان ناظرا إلى نفي الآخر اما بدوا، أو بتوسيط نظره إلى نفى
موضوعه (وعلى ذلك) نقول: انه يكفي في تقديم الأصل السببي هذا المقدار من
النظر، بلا احتياج في وجه تقديمه إلى كونه ناظرا إلى نفي الشك عن المسبب في
الاستصحاب المسببي (لا يقال) انه كما أن نظر الأصل السببي إلى نفي التعبد بعدم
آثار طهارة الماء المشكوك طهارته (كذلك) الأصل المسببي بالتعبد بنجاسة الثوب ناظر إلى نفي
التعبد باثر طهارة الماء (فإنه يقال) كلا فان غاية ما يقتضيه الأصل المسببي من النظر
انما هو إلى نفى ما نظر إليه الأصل السببي الذي هو نقيض مؤداه، لا إلى أصل
نظره (وبالجملة) نظر الأصل المسببي انما هو إلى نفى التعبد بنقيض مؤداه الذي
هو عين المنظور في الأصل السببي، لا إلى نفى أصل نظره إلى لوازمه وآثاره التي
منها نفى التعبد بعدم ترتيب آثار طهارة الماء المشكوك، بل بالنسبة إليه يكون من
باب تخصيص نظر الأصل السببي إلى غير هذا الأثر (وحينئذ) فمن طرف الأصل
السببي كان نفى الأصل المسببي من جهة نظره إليه، ومن طرف الأصل المسببي
كان نفى نظر الأصل السببي إلى اثره من باب التخصيص، لا من باب الحكومة
والنظر (ومن المعلوم) انه عند الدوران بين الحكومة والتخصيص،
117

تكون الحكومة مقدمة على التخصيص (ومن هنا) ترى بنائهم على تقديم الحاكم بعد ثبوت
أصل نظره، ولو مع كون المحكوم أقوى دلالة من الحاكم (هذا كله) في
القسم الأول.
(واما القسم الثاني) وهو ما يكون الشك في كل من المستصحبين مسببا
عن امر ثالث وهو العلم الاجمالي، فقد عرفت انه على اقسام (الأول) ان يكون
العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة قطعية عملية للتكليف المعلوم بالاجمال، كما لو
علم بنجاسة أحد الطاهرين (وقد وقع) الخلاف بين الاعلام في جريان كلا
الاستصحابين وعدم جريانهما، أو جريان أحدهما تخييرا (ومنشأ) الخلاف فيه هو
الخلاف في العلم الاجمالي من حيث الاقتضاء والعلية بالنسبة إلى المخالفة والموافقة
القطعيتين (وتفصيل) الكلام وان تقدم في الجزء الثالث من الكتاب في مبحث
الشك في المكلف به (ولكن) لا بأس بالإشارة الاجمالية في المقام إلى بيان
المسالك في العلم الاجمالي وبيان ما يترتب عليها من اللوازم (فنقول) اما على القول
بعلية العلم الاجمالي حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية كما هو التحقيق (فلا اشكال)
في سقوط الأصول عن الجريان ولو في بعض أطراف العلم حتى مع خلوه عن المعارض
(لان) مرجع علية العلم الاجمالي حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية، انما هو إلى
حكم العقل تنجيزا بثبوت التكليف في العهدة ولزوم التعرض للامتثال بتحصيل الجزم
بالفراغ عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف (ومقتضى) ذلك بعد تردد المعلوم
بالاجمال من حيث الانطباق، ومساوقة احتمال انطباقه على كل طرف لاحتمال وجود
التكليف المنجز في مورده المستتبع لاحتمال العقوبة على ارتكابه، هو استقلال العقل
بلزوم الاجتناب عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه من الأطراف،
وعدم جواز القناعة بالشك في الفراغ والموافقة الاحتمالية، لعدم الا من من العقوبة عند
مصادفة ما ارتكبه مع الحرام المنجز عليه، فتجري فيه قاعدة وجوب دفع الضرر
المحتمل (ولازمه) اباء العقل أيضا عن مجئ الترخيص الشرعي على خلاف معلومه
ولو في بعض الأطراف، من جهة كونه من الترخيص في محتمل المعصية الذي هو من
118

الحكيم في الاستحالة كالترخيص في مقطوعها (وبذلك) ظهر ان سقوط الأصول
المرخصة النافية للتكليف عن الجريان في أطراف العلم ليس من جهة المعارضة، ولا من
جهة قصور أدلة الترخيص عن الشمول لأطراف العلم الاجمالي، كي يفرق بين المخالفة
القطعية وموافقتها، بعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في الأولى وانحفاظها في
الثانية (وانما) هو من جهة اباء العقل عن مجئ الترخيص على خلاف معلومه ولو
في بعض الأطراف بلا معارض، لكونه بنظره من الترخيص في محتمل المعصية الذي
هو كالترخيص في مقطوعها (كما يفرض) ذلك في العلم الاجمالي بنجاسة أحد المايعين
مع كون الحالة السابقة في أحدهما الطهارة دون الآخر (فإنه) بعد تعارض استصحاب
الطهارة في طرف مع قاعدة الطهارة في الآخر، تبقى قاعدة الطهارة في الطرف الجاري
فيه استصحابها بلا معارض (فإنه) على القول بعلية العلم الاجمالي لا تجري فيه
القاعدة، أيضا لمكان مانعية العلم الاجمالي (هذا) على المختار من علية العلم الاجمالي
حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية.
(واما على القول) باقتضائه بالنسبة إلى الموافقة القطعية المستتبع لتعليقية حكم
العقل بوجوب تحصيلها على عدم مجئ ترخيص شرعي على خلافه في بعض المحتملات
(فلا اشكال) أيضا في عدم جواز اعمال كلا الأصلين المشتملين على الترخيص، لما
يلزمه من الوقوع في محذور المخالفة القطعية العملية للتكليف المعلوم في البين (وانما
الكلام) في جواز اعمال أحد الأصلين ولو على نحو التخيير (فان) الذي يظهر من
جماعة منهم الشيخ قده وتبعه بعض الأعاظم هو عدم جوازه، والقول بتساقط
الأصول الجارية في أطراف العلم، بتقريب ان أدلة اعتبار تلك الأصول تقتضي اعمال
كل أصل بعينه، فإذا لم يمكن ذلك فلا بد من التساقط (لعدم) الدليل على التخيير
في اعمال أحد الأصلين المتعارضين (وبهذه) الجهة جعل الأصل في تعارض
الأصول مطلقا التساقط دون التخيير (ولكن) لا يخلو من اشكال (بل نقول)
انه لا مانع على هذا المسلك من الالتزام بالتخيير في اعمال أحد الأصلين المتعارضين،
وذلك لا من جهة بقاء أحدهما المخير تحت عموم دليل الترخيص، كي يقال ان أحدهما المخير
ليس من افراد العام (بل من جهة) تقييد اطلاق دليل الترخيص الجاري في كل طرف بحال
119

عدم ارتكاب المحتمل الآخر (لان) منجزية العلم الاجمالي وعليته لحرمة المخالفة
القطعية على هذا المسلك انما يكون مانعا عن اطلاق الترخيص في كل واحد من طرفي
العلم المستتبع لتجويز الجمع بينهما في الارتكاب، وبالتقييد المذكور يرتفع المحذور
المزبور، ولا نعني من التخيير في اعمال أحد الأصلين الا ذلك (ولا فرق) في
ذلك بين الأصول التنزيلية، وغيرها، فإنه بما ذكرنا من التقييد يرتفع المعارضة
من البين لبقاء كل من الطرفين حينئذ تحت عموم دليل الترخيص، غايته يقيد اطلاق
كل منهما بصورة عدم ارتكاب الآخر، من غير احتياج إلى ارتكاب التخصيص
باخراج كلا الفردين عن عموم أدلة الترخيص ولو بضميمة بطلان الترجيح بلا مرجح
(ثم إن ذلك كله) فيما إذا كان الأثر لكل من الأصلين (وأما إذا كان) الأثر لأحدهما
المعين دون الآخر، كما إذا كان أحد المستصحبين خارجا عن ابتلاء المكلف حين العلم
الاجمالي بحيث لا يعلم بتوجيه تكليف منجز إلى المكلف من قبل العلم الاجمالي فلا
شبهة في أنه يعمل بالأصل الجاري في الآخر على جميع المسالك بل يكون
ذلك خارجا في الحقيقة عن تعارض الأصول (هذا) على القول باقتضاء العلم
الاجمالي بالنسبة إلى الموافقة القطعية مع عليته بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية
(واما على القول) باقتضائه حتى بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية (فلا اشكال) في أن
لازمه جواز اعمال كلا الأصلين في طرفي العلم لان مرجع اقتضاء العلم الاجمالي حينئذ إلى
تعليقية حكم العقل في عدم جواز ارتكاب المشتبهين على عدم ورود ترخيص شرعي على
الخلاف وبجريان الأصول المرخصة يرتفع حكم العقل (وأولى) بذلك هو القول
بعدم الاقتضاء في العلم الاجمالي رأسا (ولكن) ذلك كله خلاف التحقيق، حتى
القول بالتفصيل في الاقتضاء والعلية بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية
(فان) التحقيق هو علية العلم الاجمالي مطلقا حتى بالنسبة إلى الموافقة القطية،
ولازمه كما عرفت هو المنع عن جريان الأصول المرخصة ولو في بعض المحتملات حتى
مع الخلو عن المعارض (هذا) إذا كان الأصلان نافيين للتكليف.
(وأما إذا كانا) مثبتين للتكليف (كما لو علم) بطهارة أحد الثوبين النجسين
120

(فالظاهر) انه لا مانع من جريان استصحاب النجاسة في الثوبين (إذ لا يلزم) من
جريانهما محذور المخالفة العملية (واما) المخالفة الالتزامية فهي وان كانت لازمة الا
انها غير ضائرة (وتوهم) منافاة التعبد ببقاء الواقع في كل منها بمقتضى الاستصحاب
مع العلم الاجمالي بعدم بقاء الواقع في أحدهما، فلا يمكن ثبوتا جعل الاستصحابين
في الطرفين والتعبد ببقاء الاحراز السابق فيهما، مع الاحراز الوجداني بانتقاض
الحالة السابقة في أحدهما (من غير فرق) بين ان يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة
عملية للتكليف المعلوم بالاجمال، وبين أن لا يلزم ذلك، كما في المثال (مدفوع)
بمنع المضادة بين الاحراز التعبدي في كل من الطرفين بعنوانه التفصيلي، وبين
الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما (فإنه) مع تغاير متعلق اليقين والشك
ووقوف كل منهما على نفس معروضه من العنوان التفصيلي، لا وجه لدعوى المضادة المزبورة
(فان) موضوع الابقاء التعبدي فيهما لا يكون الا المتيقن أو اليقين السابق بنجاسة
كل من الثوبين أو الانائين بعنوانه التفصيلي، وبالعلم الاجمالي المزبور لم ينقلب اليقين
السابق في شئ منهما إلى اليقين بالخلاف (لان) كل واحد منهما بعنوانه الخاص مما
يشك فيه وجدانا في بقاء نجاسته بعد كونه مسبوقا باليقين بها (نعم) ما هو المنقلب
بالعلم الاجمالي إنما هو أحد اليقينين أو اليقين بأحد العنوانين بهذا العنوان
الاجمالي (ولكن) موضوع التعبد بالبقاء لا يكون هو اليقين بأحد العنوانين ولا
أحد اليقينين حتى ينافي العلم الاجمالي (وانما) موضوعه خصوص اليقين بنجاسة هذا
الثوب، واليقين بنجاسة ذاك الثوب الآخر بعنوانه التفصيلي، ولا يعلم بانتقاض شئ
منهما حتى يمنع عن جعل كلا الاستصحابين (نعم) لو قيل بسراية اليقين من متعلقه
الذي هو العنوان الاجمالي إلى الخارج أو إلى متعلق الشك، لكان لدعوى المضادة
المزبورة وجه وجيه (ولكنه) ممنوع بشهادة اجتماع اليقين، والشك في كل علم
اجمالي بتوسيط العنوان الاجمالي والتفصيلي (فإنه) لولا وقوف كل من الوصفين
على عنوان معروضه، للزم اجتماع اليقين والشك في موضوع واحد مع ما كان بينهما من
المضادة (وحينئذ) فإذا لم يكن الاحراز الوجداني القائم بالعنوان الاجمالي منافيا مع
121

الشك القائم بالعنوان التفصيلي (فكيف) يكون منافيا مع ما هو من احكام هذا الشك القائم
بالعنوان التفصيلي المعبر عنه بالاحراز التعبدي (مع أن) لازم البيان المزبور، هو المنع عن
جريانهما في الموارد التي يلزم من الجمع بين الاستصحابين التفكيك بين المتلازمين،
كاستصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن في المتوضئ غفلة بمايع مردد بين الماء والبول
(فإنه) كما أن التعبد ببقاء نجاسة الانائين واقعا ينافي الاحراز الوجداني بعدم بقاء
الحالة السابقة في أحدهما (كذلك) التعبد ببقاء الحدث وطهارة البدن ينافي
الاحراز الوجداني بعدم بقاء أحدهما (ومجرد) مخالفة الأصلين في مفروض النقض
في المؤدى، غير مجد في رفع المضادة بين الاحراز التعبدي ببقاء الامرين، والعلم
بعدم بقاء أحدهما تفصيلا (لان) العقل كما يرى المضادة بين العلم بطهارة أحد
الامرين واقعا، وبين التعبد بنجاستهما (كذلك) يرى المضادة بين التعبد ببقاء
طهارة البدن وبقاء الحدث مع العلم بعدم بقاء أحدهما (مع أن القائل) المزبور وفاقا
للمشهور ملتزم بالجمع بين الاستصحابين (فالانصاف) ان ما افاده قده في وجه
المنع عن جريان الاستصحابين في طرفي العلم من برهان المضادة بين الاحرازين مما
لا يرجع إلى محصل (ومن التأمل) فيما ذكرنا يظهر عدم تمامية ما افاده الشيخ قده
أيضا لمنع جريان الاستصحاب في طرفي العلم، من محذور مناقضة الصدر والذيل في
بعض أخبار الاستصحاب، في مثل قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه
بيقين آخر (بتقريب) ان حرمة نقض اليقين بالشك في كل واحد من الامرين
ينافي وجوب نقض اليقين في أحدهما بمقتضى الذيل (فمع) العلم الاجمالي بارتفاع
الحالة السابقة في أحد المستصحبين، لا بد من خروجهما عن عموم لا تنقض إذ
(لا يمكن) ابقاء كل منهما تحت عمومه لمحذور المناقضة، ولا ابقاء أحدهما المعين،
لعدم الترجيح، ولا أحدهما المخير، لعدم كونه من افراد العام، إذ ليس فردا ثالثا
غير الفردين المشخصين (إذ فيه) بعد الغض عن انصراف الذيل إلى اليقين المتعلق
بما تعلق به الشك واليقين السابق، وعدم شموله لليقين المتعلق بالعنوان الاجمالي
(والغض) عن كون الامر بالنقض باليقين في الذيل ارشاديا لا مولويا، كما شرحناه
122

سابقا (يتوجه عليه) ما أوردناه آنفا حرفا بحرف (وكيف كان) فالتحقيق انه
لا قصور في شمول أدلة الأصول لأطراف العلم الاجمالي من هذه
الجهات ما لم يستلزم جريانها طرح تكليف ملزم في البين من غير فرق بين الأصول
المحرزة كالاستصحاب، وبين غيرها كدليل الحلية وحديث الرفع والحجب ونحوها
(وان ما ذكرنا) من عدم جريان الأصول المرخصة في موارد العلم بالتكليف، فإنما
هو من جهة مانعية العلم الاجمالي من حيث منجزيته للتكليف، لا من حيث ذاته (ولا
من جهة) قصور أدلتها بنفسها عن الشمول لموارد العلم الاجمالي، ولا من جهة
محذور مناقضة الصدر والذيل في اخبار الاستصحاب (وبما ذكرنا) ظهر الحال فيما
إذا كان مؤدى الاستصحابين مختلفين (فإنه) مع احتمال مطابقة الاستصحابين للواقع
يعمل بالاستصحابين بلا كلام، كما في العلم الاجمالي بنجاسة أحد الثوبين مع كون الحالة
السابقة في أحدهما النجاسة وفي الآخر الطهارة، فإنه يعمل بكلا الأصلين ولا تأثير
للعلم الاجمالي، بل هذا الفرض خارج عن مسألة تعارض الأصول كما هو ظاهر (ومع)
عدم احتمال مطابقتهما للواقع لاستلزم جريانهما التفكيك بين المتلازمين واقعا (فان)
لم يقم دليل على عدم جواز التفكيك بينهما ظاهرا، يعمل بهما أيضا بلا كلام، كما في
استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث فيمن توضأ غفلة بمايع مردد بين الماء والبول
(ان) قام دليل خارجي على عدم جواز التفكيك بينهما ولو ظاهرا كالماء النجس
المتمم كرا بطاهر، حيث قام الاجماع على عدم تبعض الماء الواحد في الحكم نجاسة
وطهارة فيسقط الاستصحابان فينتهى الامر فيه إلى أصالة الطهارة (هذا) تمام
الكلام في الاستصحاب والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا (وقد وقع) الفراغ
من تسويده في جوار أبي الأئمة عليهم الصلاة والسلام على يد العبد الآثم محمد تقي ابن
عبد الكريم في الثامن من الشهر الثاني سنة 1353 ثلاث وخمسين بعد الألف وثلاثمائة
من الهجرة النبوية عليه وعلى أخيه والأئمة من ذريته آلاف الثناء والتحية.
123

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمد وآله
الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم ومخالفيهم أجمعين إلى يوم الدين.
خاتمة في التعادل والترجيح
ولما كان موردهما الدليلين المتعارضين (كان الحري) هو البحث عن عنوان التعارض
وشرح معناه، والتكلم فيه بجعل تعارض الأدلة عنوانا للبحث، ومقسما للجمع وللعنوانين
المذكورين (وتنقيح) الكلام يقع في أمور (الامر الأول) في تعريف التعارض
(فنقول) ان التعارض لغة من العرض بمعنى الاظهار، ومنه عرض المتاع للبيع.
(وأطلق) في الاصطلاح على تنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار المدلول
والمنكشف بهما من حيث اؤلهما إلى اجتماع الضدين وثبوت النقيضين (ولذلك)
عرفه الشيخ قده تبعا للمشهور بتنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد،
من جهة عرض كل واحد من المتنافيين نفسه في مقام الإرائة عن الواقع واثباته على
غيره (ولا يخفى) وجه مناسبة اطلاق التعارض في الأدلة على هذا التعريف (نعم)
حيث إن التنافي المزبور قائم حقيقة بنفس المدلولين بلا مساس بالدليل بما هو دليل
124

الا بنحو من العناية باعتبار ان الحاكي عن المتنافيين، كأنه عين المحكى، عدل في
الكفاية عن تعريف المشهور، إلى تعريفه بتنافيهما في مرحلة الدلالة ومقام الاثبات،
من حيث عرض كل من الدليلين نفسه لدليل الاعتبار في مقام الحجية (حيث)
انه على هذا التعريف يكون التنافي المزبور حقيقة قائما بنفس الدليلين بلا رعاية
عناية، ويكون اتصافهما بالتنافي المزبور من باب وصف الشئ بحال نفسه لا بلحاظ
حال متعلقه (كما أنه) على هذا التعريف يكون التعارض الذي هو محط عنوان
البحث، عين ما وقع موضوعا للاخبار العلاجية بناء على انصرافها عن موارد الجمع
العرفي (فإنه) على هذا التعريف يخرج موارد الحكومة والجمع العرفي بين العام
والخاص والمطلق والمقيد والظاهر والأظهر عن موضوع التعارض (لان الجمع)
العرفي مانع عن حجية الظاهر في قبال النص والأظهر وعن حجية العام والمطلق في
مقابل الخاص والمقيد، فلا يكون بينهما التنافي في مقام الاثبات والدلالة ومرحلة
الحجية (بخلافه) على تعريف الشيخ قده (فإنه) يدخل فيه موارد الجمع العرفي
بالحكومة وغيرها، بلحاظ استقرار الظهور لكل من العام والمطلق في العموم
والاطلاق، وعدم انقلابه بالدليل المنفصل (لان) غاية ما يقتضيه دليل الخاص
المنفصل من تقديم أقوى الحجتين انما هو رفع حجية ظهورهما في العموم والاطلاق،
لارفع تنافيهما في مقام الدلالة وهكذا في موارد الحكومة (وبذلك) يكون التعارض
الواقع في عنوان البحث مغايرا مع العنوان الواقع في موضوع الاخبار العلاجية،
(كما أنه) عليه يكون توصيف الدليلين بالتنافي المزبور من باب وصف الشئ بحال
متعلقه (ولكن) مع ذلك فالمتجه هو عدم العدول عن تعريف المشهور باخراج
موارد الجمع العرفي بالحكومة وغيرها عن موضوع التعارض (إذ لا وجه) لاخراج
مثل هذه المسألة المهمة عن مقاصد الباب، لمحض عدم اعمال المرجحات السندية أو
التخيير في مواردها، ليكون التكلم في احكام الجمع وما يتعلق به في هذا البحث لمحض
الاستطراد (وكيف كان) فالظاهر أن المراد بالتنافي في كلماتهم هو مطلق تنافي
الدليلين ولو كان لأمر خارجي (كما إذا) كان مفاد أحد الدليلين وجوب الظهر يوم
125

الجمعة، ومفاد الآخر وجوب الجمعة (حيث) ان الدليلين غير متنافيين بحسب المدلول
ابتداء (ولكن) بعد العلم بعدم وجوب أحدهما على المكلف (يقع) بينهما التنافي
والتكاذب (لان) كل منهما يثبت مؤداه وينفى بلازمه مؤدى الآخر، فيدخل بذلك في
عنوان البحث (ثم إن) توسعة التنافي على التعريف الأول بكونه على وجه التناقض والتضاد
مبني على عدم تعميم المدلول للمدلول الالتزامي (والا) فعلى التعميم لا يحتاج إلى إضافة قيد
التضاد، بل يكتفي في التعميم بالاقتصار على التناقض فقط (لان) الدليلين الدالين بالمطابقة
على المتضادين، كالوجوب والحرمة (دالان) بالالتزام على المتناقضين أيضا (كما أنه)
على التعريف الثاني لا بد من الغاء قيد التناقض (بلحاظ) ان التنافي بين الدليلين في
مرحلة الاثبات والحجية دائما يكون على وجه التضاد حتى فيما كانا بحسب المدلول
من المتناقضين لكون التنافي بينهما بين الوجوديين (فلا وجه) حينئذ لتوسعة التنافي
بكونه على وجه التناقض، إذ ذلك انما يناسب مع تنافيهما مدلولا لا مع تنافيهما في
مقام الدلالة والحجية كما هو ظاهر (وحينئذ) فحق التعريف على هذا المسلك هو
الاقتصار على قيد التضاد (كما أنه) على التعريف السابق هو الاقتصار على قيد
التناقض بعد تعميم المدلول للمطابقة والالتزام.
(ثم انه) قد يورد على تعريف المشهور باستلزامه دخول باب التزاحم أيضا في
موضوع تعارض الدليلين، كموارد الامر بالضدين وموارد تصادق متعلق الأمر والنهي
بناء على الامتناع (بتقريب) انه بعد امتناع ثبوت الحكمين الفعليين اما
ذاتا، كموارد تصادق متعلق الأمر والنهي على الامتناع، واما عرضا كموارد الامر
بالضدين لكونه من التكليف بالمحال مع عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام
الامتثال، يقع التنافي بحكم العقل بين المدلولين من حيث اقتضاء كل منهما ثبوت
الحكم الفعلي تعيينا في مورده (ولازمه) اندراج باب التزاحم على هذا التعريف
في موضوع التعارض (ولكن) يندفع ذلك بان المقصود من تنافي مدلولي الدليلين
على وجه التناقض أو التضاد، انما هو تنافيهما في مقام الجعل والتشريع حتى في
مرحلة الملاك والمقتضى، بحيث يعلم بعدم ثبوت الملاك في أحدهما، لا مجرد تنافيهما في
126

مقام الحكم الفعلي (ومن الواضح) حينئذ خروج موارد التزاحم عن موضوع
التعارض المصطلح (لان) باب التزاحم لا يكون الا في مورد الجزم بوجود الملاكين
والغرضين مع ضيق خناق المولى من تحصيل كلا الفرضين، وأين ذلك وباب التعارض
الذي يجزم بعدم ثبوت الملاك والمقتضى لاحد الحكمين (وبالجملة) مرجع باب التعارض
المصطلح إلى تكاذب المدلولين حتى في مرحلة الملاك والمقتضى، وهذا لا يكون الا في
صورة العلم بكذب أحد الدليلين فيما يؤدى إليه من الملاك والمقتضى (ومن هنا)
نقول ان باب اشتباه الحجة بلا حجة خارج من موضوع التعارض، كصورة العلم
بصدور أحد المدلولين تقية ولو مع اليقين بصدور كلا الخبرين عن الإمام (ع) (نعم)
لا يختص باب التعارض بما إذا كان الدليلان مؤديين إلى ثبوت النقيضين (بل يعم)
مطلق فرض العلم بتكاذب الدليلين ولو عرضا لأمر خارجي، كمثال وجوب الظهر
والجمعة (من غير فرق) بين اتحاد سنخ الحكم فيهما كما في المثال وعدم اتحاده، كما لو
كان مؤدى أحد الدليلين وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وكان مؤدى الآخر وجوب
دية الحر في قتل عبد المدبر مع العلم بعدم تشريع أحد الحكمين (فإنه) يدخل ذلك
أيضا في باب التعارض بعين ملاك دخول مثال الظهر والجمعة فيه من حيث امكان
تشريع كلا الحكمين ذاتا وامتناعه عرضا (لا في باب) اشتباه الحجة بغيرها كما توهم
بصرف عدم اتحاد سنخ الحكم فيهما.
(الامر الثاني) قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه الفرق بين باب التعارض وباب التزاحم
فان الضابط في باب التزاحم انما هو بوجود الملاك والغرض في كل واحد من الخطابين مع
ضيق خناق المولى من تحصيلهما (سواء) كان تزاحمهما في عالم التأثير في الرجحان والمحبوبية
الفعلية لدى المولى، كموارد تصادق الأمر والنهي في مثل الصلاة والغصب على القول
بالامتناع (أو كان) تزاحمهما ممحضا في عالم الوجود ومرحلة الإرادة الفعلية، كما في
المتضادين وجودا، ومنه مورد التصادق في باب الاجتماع على القول بالجواز خصوصا
مع عدم المندوحة (كما أن) الضابط في باب التعارض انما هو بعدم الملاك والمقتضى
في أحد الخطابين، ولذا قلنا برجوع التعارض بين الدليلين من حيث المدلول إلى
127

تكاذيبهما حتى في مرحلة أصل الاقتضاء (فكل مورد) أحرز ولو من الخارج عدم
وجود الملاك والمقتضى الا لاحد الحكمين، يكون داخلا في صغرى التعارض الذي
ملاكه تكاذب الدليلين حتى في أصل الاقتضاء فيجب اجراء احكامه عليه من الترجيح
بقوة السند مع عدم امكان الجمع العرفي بينهما (وكل مورد) أحرز فيه وجود
الملاكين والغرضين في الخطابين يكون داخلا في صغرى التزاحم الذي يكون الملاك
في ترجيح أحد الخطابين على الآخر بقوة مناطه لا بقوة سنده سواء كان تزاحمهما في
مرحلة ايراث الحب والبغض الفعلي لدى المولى، أو في مرحلة الوجود محضا كما في
المتضادين وجودا (إذ لا وجه) لتخصيص باب التزاحم بالمتضادين وجودا الا
الجمود بظاهر لفظ تزاحم الحكمين (والا) فلا نعنى من باب التزاحم الا صورة
الجزم بوجود الملاكين والغرضين في الخطابين مع عدم امكان تحصيلهما الذي من
احكامه تقديم الأقوى ملاكا وان كان أضعف سندا، بل ودلالة، وان كان تمانعهما في
عالم التأثير من حيث الرجحان لدى المولى (نعم) قد يحتاج في بعض موارد التزاحم
إلى اعمال احكام التعارض، بلحاظ رجوع الامر إلي تكاذب الدليلين من حيث
الملاك، كما إذا أحرز أو احتمل الأهمية لأحدهما لا على التعيين، فإنه من هذه الجهة
يقع بين دليلهما التنافي والتكاذب لاقتضاء اطلاق كل واحد منهما لكونه هو الأهم
الذي يجب صرف القدرة إليه.
(وبما ذكرنا) انقدح فساد الفرق بين البابين بما أفيد من الضابط فيهما،
بكونه في باب التعارض بعدم امكان اجتماع الحكمين في مرحلة الجعل والتشريع
ثبوتا، لما يلزم من تشريعهما اجتماع الضدين أو النقيضين في نفس الامر (وفي باب)
التزاحم بعدم امكان اجتماعهما في مرحلة الامتثال (وحاصله) تخصيص باب
التزاحم بالمتضادين وجودا (ببيان) ان التزاحم انما يكون بين الحكمين في عالم
الوجود ومرحلة صرف القدرة على الامتثال بعد الفراغ عن أصل تشريع
الحكمين حسب ما اقتضته الملاكات، كما في المتضادين وجودا، وموارد اتفاق اتحاد
متعلق الحكمين في الوجود مع كونهما متغايرين ذاتا وهوية (واما التزاحم) بين
128

الملاكين في عالم تشريع الاحكام وجعلها، فهو خارج من باب التزاحم ومندرج في
صغرى التعارض الذي ملاكه تنافي الدليلين باعتبار مدلولهما في مقام الجعل والتشريع
نظير العامين من وجه، ومنه مورد تصادق متعلق الأمر والنهي على الامتناع بناء
على كون التركيب بين المتعلقين اتحاديا نظير التركيب من الجنس والفصل بحيث كان
أحد المتعلقين متحدا مع الآخر بالذات والهوية (فإنه) يندرج مورد التصادق حينئذ
في صغرى التعارض، ولا يكون من باب التزاحم (إذ فيه) ما لا يخفى (اما أولا)
فبأنه لا وجه لارجاع تزاحم الملاكين في التأثير من حيث الرجحان لدى المولى إلى باب التعارض
المحكوم بالأخذ بالأقوى دلالة وسندا الا توهم ان في التزاحم في التأثير من حيث الرجحان
الفعلي لدى المولى يكون العقل منعزلا عن تعيين مرامه ويكون زمام امر بيانه بيد المولى فيمكن
ان يوكل امر بيانه إلى ما هو أقوى سندا، بخلاف التزاحم في عالم الوجود ومرحلة
صرف القدرة في مقام الامتثال، فإنه ليس مما امر تعيينه بيد المولى، لأنه مبين
لأصل مرامه بخطابه، ففي هذه المرحلة لا بد من ايكال امر التزاحم إلى العقل المستقل
بالأخذ بما هو أقوى ملاكا لا سندا (وهو) في غاية الضعف (إذ نقول) انه
بعد اطلاق الخطابين وظهورهما في وجود الملاك والغرض في كل منهما وعدم المانع عن
تأثيرهما الفعلي الا تمانعهما، كيف يمكن للمولى ترجيح أقوائهما
سندا على أقوائهما مناطا مع فرض احراز الأقوائية لدى العقل (نعم) انما
يمكن ذلك في فرض احتمال وجود مانع آخر في البين عن تأثير ما هو الأقوى مناطا
بنظر العقل، لانعزال العقل حينئذ عن الحكم، ولكنه خلاف الفرض من عدم احتمال
مانع آخر في البين عن تأثير الأقوى مناطا (ولذلك) ترى بناء المحققين في مثل الفرض
على اعمال قواعد التزاحم من الاخذ بالأقوى مناطا (مع أن لازم) هذا القول هو
الالتزام بفساد الصلاة عند ايقاعها في مكان مغصوب مع الجهل بالموضوع، بل ومع الجهل
بالحكم أيضا قصور الا تقصيرا (لان) من لوازم كونه من باب التعارض بعد ترجيح
النهى، اما لأقوائية دلالته، واما من جهة رجوعه إلى حقوق الآدمي التي هي أولى
بالمراعاة عند التزاحم مع حق الله سبحانه، هو تقييد التكليف بالصلاة واقعا بغير
129

مورد تصادق العنوانين (ولازمه) هو خروج المأتي به عن دائرة المطلوبية بمباديها
من الملاك والغرض الذي هو مساوق بطلانه (وهو) كما ترى خلاف ما بنوا عليه من
الحكم بالصحة في الفرض المزبور حتى على القول بالامتناع وتقديم جانب النهى
(وثانيا) ان ما أفيد من الضابط في البابين بتخصيص باب التزاحم بتزاحم الحكمين
بعد تشريعهما في مقام الامتثال، انما يتم إذا كانت القدرة كالعلم من شرائط تنجيز
التكليف (والا) فعلى ما هو التحقيق وعليه بنائهم من كونها شرطا لأصل تشريع
الحكم الفعلي وتوجيهه إلى المكلف في رتبة سابقة عن تنجزه لاستقلال العقل بقبح
توجيه التكليف الفعلي إلى العاجز عن الامتثال (فلا جرم) بعد عدم قدرة المكلف
على الجمع بين الحكمين في مقام الامتثال، يمتنع تشريع اطلاق الحكمين حتى في
المتضادين وجودا، نظير امتناع تشريع اطلاق الحكمين في العامين من وجه بالنسبة إلى
المجمع (ومرجع) ذلك بعد تقييد مضمون الخطابات بالقدرة على هذا المسلك إلى نفي
الصغرى لباب التزاحم رأسا (لاندراج) جميع موارد التزاحم بمقتضى الضابط
المذكور في صغرى التعارض بين اطلاقي الخطابين نظير العامين من وجه (وتوهم)
الفرق بين العجز الدائمي والعجز الاتفاقي بتسليم شرطية القدرة في الأول، دون
الثاني (فاسد) فان العقل لا يفرق في قبح توجيه التلكيف الفعلي إلى العاجز بين
العجز الدائمي والاتفاقي (فكما) يمتنع عقلا مع العجز الدائم أصل تشريع الحكمين،
كذلك يمتنع تشريع اطلاق الحكمين على نحو يشمل مورد العجز، نظير امتناع تشريع
اطلاق الحكمين في العامين من وجه (وحينئذ) فعلى ما أفيد من الضابط في تزاحم
الحكمين، يلزم من تقييد مضمون الخطابات بالقدرة ارجاع موارد العجز عن
الامتثالين إلى باب التعارض بين اطلاقي الخطابين، كما في العامين من وجه بالنسبة
إلى المجمع، وهو كما ترى (فلا محيص) حينئذ من الفرق بين باب التعارض والتزاحم بما
ذكرناه من الضابط فيهما (هذا كله) في أصل الفرق بين باب التعارض والتزاحم
(واما تشخيص) صغرياتهما، فهو موكول إلى نظر الفقيه (نعم) يمكن ان يقال في
تشخيص صغريات البابين (ان كل) مورد اتحد عنوان المأمور به والمنهى عنه
130

كعنوان الاكرام في قوله أكرم العالم ولا تكرم الفساق كان من صغريات باب التعارض،
حيث إن قوله أكرم العالم يدل باطلاقه على ثبوت الحكم بمباديه حتى في حال فسقه،
كما أن قوله لا تكرم الفساق يدل باطلاقه الشامل لحال كونه عالما على عدم ثبوت الملاك
في اكرام الفاسق، فيقع التكاذب في المجمع بين الدليلين، حتى بحسب الملاك
والمقتضى (إذ كان) الأول مثبتا لوجود الملاك للاكرام بالنسبة إلى المجمع، وكان الثاني
ولو بمدلوله الالتزامي نافيا له، فيقع بينهما التعارض فلا بد من الرجوع فيهما إلى الجمع الدلالي
ان أمكن، والأفالي المرجحات السندية ان كان لأحدهما مرجح، وبدونه فالتخيير
بمقتضى النصوص العلاجية (وكل مورد) تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه بان
بكون معروض الحكمين عنوانين مختلفين، كعنوان الغصب والصلاة في قوله صل ولا
تغصب، وعنوان الاكرام والتوهين كقوله أكرم العالم وأهن الفاسق، كان من
صغريات باب التزاحم (حيث يستكشف) من اطلاق المادة بل الهيئة أيضا في كل من
الخطابين وجود الملاك في كل من العنوانين حتى في المجسم كما هو الشأن في جيع
الخطابات، ولذا ترى بنائهم على كشف قيام المصلحة بمتعلق التكاليف على الاطلاق
حتى في حال العجز عن امتثالها، مع الجزم باختصاص فعلية التكاليف بحال القدرة
من غير تخصيص للمصلحة بحالها الا في فرض اخذ القدرة قيدا في حيز الخطاب، كما
في الحج ونحوه (وحينئذ) فمع كشف قيام الملاك والمقتضى من اطلاق كل من الخطابين
بموضوعهما من العنوان على الاطلاق حتى في المجمع، يندرج قهرا في باب التزاحم الذي
حكمه هو الاخذ بأقوى الملاكين (وحينئذ) فينبغي ملاحظة معروض الحكمين من كونه
عنوانا واحدا كعنوان الاكرام، أو عنوانين متغايرين (فعلى الأول) يندرج في
صغرى باب التعارض، (وعلى الثاني) يندرج في صغرى باب التزاحم، من غير
فرق في الصورتين بين ان يكون متعلق معروض الحكم عنوانا واحدا أو متعددا
(لان) المدار في وحدة العنوان وتعدده على وحدة ما يكون معروض الحكم وتعدده
لا على وحدة متعلق معروض الحكم وتعدده كما هو ظاهر (ولقد) تقدم منا
في الجزء الثاني من الكتاب في مبحث اجتماع الأمر والنهي شطرا وافيا من
131

الكلام فيما يتعلق بالمقام فراجع (واما مرجحات) باب التزاحم، فهي أمور (منها)
أقوائية الملاك، فيقدم الأقوى ملاكا على غيره (ومنها) ما إذا كان أحدهما مشروطا
بالقدرة الشرعية دون الآخر، فيقدم ما لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعية على
المشروط بها وان كان أقوى ملاكا منه (ومنها) ما إذا كان أحدهما مضيقا والآخر
موسعا، فان المضيق مقدم بحكم العقل على الموسع جمعا بين الفرضين (ومنها) ما إذا
كان لأحدهما بدل اضطراري، فإنه يقدم بحكم العقل ما لا بدل له على ما له البدل (واما
مرجحات) باب التعارض فسيجئ الكلام فيه انشاء الله تعالى.
(الامر الثالث) لا اشكال في أن التعارض بكل واحد من المعنيين
غير صادق في موارد الورود التي يكون أحد الدليلين نافيا لموضوع الآخر حقيقة،
نظير الامارات المعتبرة بالنسبة إلى الأصول العقلية من البراءة والتخيير والاحتياط
(واما موارد) الحكومة، فقد عرفت خروجها عن موضوع التعارض على أحد
المعنيين للتعارض (واما) على المعنى الآخر، فيمكن دعوى خروجها عن موضوعه
أيضا (إذ بعد) ان يكون دليل الحاكم متعرضا لحال غيره وناظرا إلى شرح مدلوله
وبيان المراد منه، لا يكاد يرى العرف تنافيا بين مدلوليهما، كي تدخل موارد
الحكومة في موضوع التعارض (بل الحاكم) عند العرف بعناية شارحيته لبيان
مدلول الغير وتعرضه له يكون بمنزلة القرائن المتصلة الحاكية مع ذيها عن معنى
واحد، بلحاظ ان مدلول المحكوم هو الذي تكفل الحاكم لشرحه لا غيره،
غير أن في القرائن المتصلة، كما كان المدلول فيها واحدا، كذلك الدال يكون واحدا
(وفي الحكومة) باعتبار عدم اقتضاء الحاكم مع انفصاله قلب ظهور المحكوم،
يكون المدلول فيها واحدا والدال متعددا (وبذلك) يكون الحاكم وسطا بين
القرائن المتصلة والمنفصلة، فمن حيث وحدة المدلول يشبه بالقرائن المتصلة، ومن
حيث تعدد الدال يشبه بالقرائن المنفصلة،
(وكيف كان) فقوام الحكومة انما هو يكون أحد الدليلين ناظرا إلى
مفاد غيره ومبينا لكمية مدلوله ولو واقعا، لا بما هو مدلوله، ولا يعتبر فيها كون
132

الحاكم بمدلوله اللفظي شارحا لمفاد الغير بما هو مدلوله، كي يلزم اعتبار كونه دائما
بلسان أي التفسيري أو مصدرا بأداته (وان شئت) قلت إن ما به قوام الحكومة
انما هو بنظر أحد الدليلين إلى مفاد غيره من حيث عقد حمله (اما) بعناية
التصرف في عقد وضعه ادخالا أو اخراجا بتوسعة فيه أو تضييق، كقوله زيد عالم
عقيب قوله أكرم العلماء، أو ان النحويين ليسوا من العلماء (واما) بكون نظره
إليه بدوا بلا توسيط عناية تصرف في عقد وضعه ادخالا أو اخراجا، كان ذلك بلسان أي
التفسيري ومصدرا بأداته، أو بصرف نظره إليه، كما في أدلة الضرر والحرج النسبة إلى أدلة
التكاليف الواقعية (فان) جميع ذلك مما ينطبق عليه ضابط الحكومة ويجري فيه خواصها
(ولذلك) ترى بنائهم على تحكيم أدلة الضرر والحرج على أدلة الاحكام الواقعية الثابتة
للموضوعات بعناوينها الأولية، مع وضوح عدم كونهما بلسان أي التفسيري في مقام
الشارحية (مضافا) إلى أن الحكومة ليست مدلول دليل لفظي حتى يدعي ان
المستفاد منه ما يكون بلسان اي التفسيري في مقام شرح مدلول الغير (وانما هو)
اصطلاح خاص نعبر بها عن كل دليل أو أصل يكون ناظرا إلى مفاد غيره ومبينا
لكمية مدلوله، ولولا بما هو مدلوله، بل بما هو امر واقعي، كان ذلك بلسان
أي الشارحة، أو بعناية التصرف في عقد وضعه ادخالا أو اخراجا أو بصرف النظر
إلى عقد حمله والتصرف فيه، بلا توسيط عناية التصرف في عقد وضعه بتوسعة
أو تضييق (فكما) تتحقق الحكومة المصطلحة بما يكون بمدلوله اللفظي شارحا
ومفسرا لمدلول الغير بما هو مدلوله (كذلك) تتحقق بغيره (خصوصا) مع ندرة
الحكومة بالمعنى المزبور فيما بأيدينا من الأدلة المتكفلة للأحكام الكلية (فان) الغالب
فيها كونه بلسان نفي الموضوع أو اثباته، كقوله لا شك في النافلة، أو مع كثرة
الشك أو مع حفظ الامام أو المأموم، أو بلسان نفى المحمول، كأدلة الضرر والحرج
(ولعل) إلي ما ذكرنا يرجع كلام الشيخ قده في الفرق بين الحكومة والتخصيص:
بقوله ان كون التخصيص بيانا للعام انما هو بحكم العقل بعدم جواز إرادة العموم مع
القرينة الصارفة وهذا بيان لفظي ومفسر للمراد من العام الخ (فيكون) المقصود
133

من البيان مطلق ما يكون ناظرا إلي شرح المراد من العام ومبينا لمقدار مدلوله
ولو واقعا، لا خصوص ما يكون بلسان شرح اللفظ (والا) فقد عرفت عدم
انطباق الحكومة فيما بأيدينا من الأدلة على هذا الضابط مع وجود خواص
الحكومة فيها.
(وكيف كان) فالتحقيق في شرح الحكومة ما ذكرناه من أنه لا يعتبر فيها
أزيد من كون مفاد أحد الدليلين ناظرا ولو بوجه إلى مفاد الآخر وشارحا لكمية
مدلوله ولو واقعا لا بما هو مدلوله (لان) ذلك أيضا نحو شارح للغير بتضييق
المراد منه أو توسعته بما هو امر واقعي اما بدوا أو بتوسيط عناية التصرف في عقد
وضعه (ثم إن) هذه الجهة من الشارحية للحاكم بعد أن كان من تبعات الحكم
المجعول للغير، فلا جرم يحتاج صحة تشريعه إلى وجود المحكوم وتشريعه حتى
تتحقق جهة الحكومة والشارحية، والا فبدونه يكون دليل الحاكم لا غيا، كما في
قوله لا شك في النافلة أو مع كثرة الشك، فإنه لولا تشريع حكم للشكوك عموما
أو خصوصا، لما كان مورد للأدلة النافية لحكم الشك في الأمثلة المزبورة (وكذلك)
أدلة نفي الضرر والجرح، فإنه لو فرض عدم تشريع حكم في الشريعة لم يكن مورد
للأدلة النافية للجرح والضرر (نعم) لا يعتبر في الحكومة ان يكون تشريع المحكوم
متقدما على تشريع الحاكم زمانا (بل يكفي) في صحة تشريعه وعدم لغويته مجرد
تشريع مفاد المحكوم ولو في زمان متأخر عن زمان تشريع الحاكم (واما) المنع
عن أصل احتياج الحاكم إلى وجود المحكوم، كما عن المحقق الخراساني قده من
دعوى انه لا يعتبر في الحكومة الا سوق الدليل بنحو يصلح للنظر إلى كمية
موضوع الآخر مستشهدا بأدلة الامارات بالإضافة إلى أدلة الأصول من حيث
صحة التعبد بها ولو مع عدم جعل الأصول إلى يوم القيامة (فمدفوع) بأنه
كذلك على مختاره في أدلة الامارات من كون التنزيل فيها راجعا إلى نفس المؤدى،
لا إلى تتميم كشفها والغاء احتمال الخلاف (إذ حينئذ) لا نظر لدليل الامارة إلى
شرح المراد من أدلة الأصول المثبتة للحكم في ظرف الشك واستتار الواقع، بل
134

كل منهما في ظرف استتار الواقع مثبت لحكم تعبدي على خلاف الآخر (ولكن)
قد عرفت منع الحكومة على هذا المسلك (واما على التحقيق) كما هو المختار من
توجيه التنزيل فيها إلى تتميم الكشف واثبات كونها علما تنزيليا الذي هو المايز بين
الامارة والأصل (فلا محيص) من سوقها لبيان كمية مدلول أدلة الأصول بتوسعة
أو تضيق (وبهذه) الجهة قلنا ان الامارة، كما تضيق دائرة الاستصحاب السابق
برفع شكه، كذلك توسع دائرة الاستصحاب اللاحق باثبات اليقين السابق، فيصح
بذلك الاستصحاب في الموارد التي كان ثبوت المستصحب بالامارة لا باليقين الوجداني،
كما هو ظاهر.
(ثم انه) بما ذكرنا من الشارحية للحاكم تفترق الحكومة عن التخصيص وسائر
موارد الجمع العرفي من جهات (منها) هذه الجهة، فان في باب التخصيص لا يكون
دليل المخصص ناظرا إلى شرح مدلول العام وبيان كمية مفاده غاية الامر لا يتحير
العرف في تقديمه عليه من جهة اقوائية دلالته (ومن المعلوم) ان مجرد ذلك غير
ملازم لكونه بلسانه شارحا للمراد من العام واقعا (ولذلك) ترى صحة التعبد
بالخاص الأظهر لكونه مفيدا للفائدة التامة المستقلة ولو مع عدم تشريع حكم العام إلى
يوم القيامة.
(ومنها) تقديم الحاكم على دليل المحكوم بعد ثبوت نظره إليه، وان كان
أضعف دلالة على مؤداه من المحكوم من غير ملاحظة النسبة بين دليل الحاكم
والمحكوم ولا ملاحظة قوة الظهور وضعفه، بل يقدم الحاكم بعد ثبوت نظره ولو مع
كون النسبة بينه وبين دليل المحكوم العموم من وجه (بخلاف) باب التخصص وسائر موارد
الجمع (فان) تقديم الخاص والأظهر على العام والظاهر على ما هو التحقيق انما يكون
بمناط الاخذ بأقوى الدلالتين وطرح الأخرى (ولذلك) قد يتوقف في تقديم الخاص
على العام، كما في فرض تساويهما في الدلالة، فيعامل معهما في الجهة المشتركة بينهما معاملة سائر
المتعارضين (بل قد يقدم) العام على الخاص في المقدار الذي كان العام نصا فيه
أو أقوى ظهورا من الخاص (وبذلك) ربما يظهر جهة أخرى فارقة بين التخصيص
135

والحكومة (وهي) ان في موارد الحكومة لا يخرج سند المحكوم عن الاعتبار
حتى في فرض اقتضاء الحاكم طرح ظهور المحكوم رأسا بحيث لا يبقى تحت ظهوره شئ
من مدلوله (لان) الحاكم بلحاظ تكفله لشرح مدلول المحكوم يكون بمنزلة القرينة
المتصلة في تعيين المراد الواقعي من مدلول المحكوم وانه هو الذي تكفل لشرحه،
وبذلك لا يخرج سند المحكوم عن الاعتبار، لانتهاء الامر إلى العمل بما هو المراد
منه ولو بتوسيط شارحه (وهذا) بخلاف باب التخصيص وسائر موارد الجمع العرفي
(فان) دليل المنفصل الأظهر بعد ما لا يكون بلسانه ناظرا إلى شرح المراد من الظاهر،
ولا موجبا لقلب ظهوره كالقرائن المتصلة (فلا محالة) يكون العام باقيا على ظهوره في
المراد منه مع احتمال كون المراد الواقعي على طبق ظهوره (غاية الامر) يجب رفع
اليد عن حجية ظهوره في المقام الذي قام الأظهر على خلافه أعني الجهة المشتركة بينهما
فيؤخذ بظهوره في المقدار الباقي من الجهة المختصة بالعام، وهو المصحح للتعبد بسنده
(فإذا) فرض انتهاء الامر في مورد إلى طرح ظهوره رأسا، يلزمه خروج سنده
أيضا عن الاعتبار، لعدم انتهاء امر التعبد بسنده إلى العمل، فيصير مثل هذا
الظاهر بعد عدم حجية ظهوره كالمجمل المعلوم عدم التعبد بسنده.
(ومنها) سراية اجمال الحاكم إلى المحكوم ولو مع انفصاله حتى فيما
لا يسرى الاجمال إلى العام من الخاص المنفصل المجمل المردد مفهوما بين الأقل
والأكثر (فان) الحاكم بعد أن كان ناظرا إلى شرح مدلول المحكوم وتفسيره بما
هو المراد من لفظه واقعا لا بمقدار ما فيه من الإرائة والدلالة، فلا محالة يكون
اجماله وتردده بين الأقل والأكثر موجبا لاجمال المحكوم بمعنى صيرورته بمنزلة
المجمل في عدم جواز الاخذ بظهوره (نعم) لو كان نظره إليه بمقدار دلالته وارائته،
لكان المتبع عند اجماله هو ظهور المحكوم في مقدار اجمال الحاكم (ولكن) مرجع ذلك
في الحقيقة إلى عدم حكومته بالنسبة إلى مقدار اجماله، لا إلى عدم اتباعه فارغا عن
نظره (والا) فعلى فرض النظر المقوم لحكومته لا محيص من اتباع الحاكم مجملا كان أو مبينا
(لان) المدار على ما أريد من الشارح (وتوهم) انه لا معنى حينئذ لاتباع المجمل
136

فلا يشمله دليل التعبد بسنده (مدفوع) بأنه كذلك إذا لم يترتب عليه اثر أصلا
(واما) لو ترتب عليه هذا المقدار من الأثر من نفي العمل على طبق ظهور المحكوم
فيكفي ذلك في صحة التعيد بسنده (وعليه) فما افاده المحقق الخراساني قده في
الحاشية من الاخذ بظهور المحكوم ورفع اجماله به منظور فيه (الا ان يقال)
ان كون الحاكم ناظرا إلى شرح الغير وتفسيره بما هو المراد من لفظه
واقعا لا بمقدار دلالته انما يتم إذا كان بلسان أي الشارحة بمثل قوله المراد من العلماء
هو العدول أو غير الفساق منهم (إذ حينئذ) يسرى اجماله إلى المحكوم (واما)
لو كان بلسان نفي الموضوع أو الحكم عن بعض افراده، كما هو الغالب فيما بأيدينا
من الأدلة (فلا يكون) النطر منه إلى مدلول المحكوم الا بمقدار إرائته ودلالته
(وعليه) فعند اجماله لا يكون حكومته الا بالنسبة إلى المقدار المعلوم دلالته عليه
(ولازمه) الرجوع في مقدار اجماله إلى ظهور دليل المحكوم، كما في الخاص
المنفصل المجمل المردد بين الأقل والأكثر فتأمل (ثم إن) ما ذكرناه
من تقديم الحاكم على المحكوم ولو كان أضعف دلالة منه (انما يكون) إذا
لم يزاحمه دليل المحكوم في أصل نظره (والا) ففيما زاحمه المحكوم في نظره يعامل
معهما من تلك الجهة معاملة سائر المتعارضين، (كما لو كان) مفاد دليل المحكوم
وجوب اكرام العلماء وحرمة لعنهم، وكان مفاد الحاكم عدم كون النحويين من
العلماء (فإنه) بالنسبة إلى حرمة اللعن ولو من جهة انغراس الذهن بعدم جواز لعن
المؤمن يزاحمه دليل حرمة اللعن في نظره، فيوجب صرف نظره إلى حيث
الاكرام (ولكن) ذلك في الحقيقة خارج عن مفروض الكلام من تقديم الحاكم بما
هو حاكم على المحكوم، لرجوعه إلى نفى نظره الذي هو مقوم حكومته بالنسبة
إلى حيث حرمة اللعن.
(الامر الرابع) ان موارد الجمع المصطلح العرفي وان كانت داخله في
موضوع التعارض على أحد المعنين في شرح التعارض، لصدق تنافي المدلولين في مثل
العام والخاص والمطلق والمقيد والظاهر والأظهر المتنافيين بالايجاب والسلب بحسب
137

ما لكل منهما في نفسه من الظهور النوعي في المعنى المراد (ولكن) لا شبهة في
خروجها عن حكمه (لان) التعارض الذي هو موضوع الاحكام الخاصة من
الترجيح والتساقط والتخيير، انما هو فيما يتحير العرف في التوفيق بين الظهورين
(ولا تحير) للعرف في التوفيق بين مثل العام والخاص والمطلق والمقيد ونحوهما
من الظهورين المنفصلين الذين يصلح أحدهما المعين للقرينية على التصرف في الآخر
(نعم) حيث إن هذا الجمع لا يكون الا بين الظاهر والأظهر، يعتبر فيه بقاء مقدار
من الدلالة للظاهر بعد تقديم الأظهر عليه ليكون هو المصحح للتعبد بسنده والجمع
بين الظهورين (والا) ففي فرض اقتضاء تقديم الأظهر طرح ظهوره رأسا لا يشمله
دليل التعبد بالسند فيخرج عن موضوع هذا الجمع، كما أشرنا إليه فينتهى الامر فيهما إلى
اعمال قواعد التعارض من التساقط أو الترجيح أو التخيير (كما أن) موضوع
البحث في هذا الجمع انما هو في الكلامين الصادرين من شخص واحد أو الشخصين
هما بمنزلة شخص واحد، كالاخبار الصادرة بعضها عن امام وبعضها عن امام آخر
(والا) ففي غيره كالبينتين المتعارضتين ونحوها (لا يجرى) هذا الجمع، لعدم
الدليل على الجمع بينهما بحمل الظاهر منهما على الأظهر، بل لا بد فيهما من الحكم بالتساقط الا إذا كان
هناك دليل خارجي على الترجيح من بعض الجهات (ومن هذا) البيان ظهر اعتبار
امر آخر في الجمع بين الاخبار وهو احتمال صدور كلا الخبرين عن الإمام (ع)
بمعنى عدم العلم بكذب أحد الراويين في حكاية صدور الخبر عن الإمام (ع)، ولو
لاشتباهه في نقله عنه (والا) ففي فرض اليقين بعدم صدور أحد الخبرين عن
الإمام (ع) لا ينتهى الامر إلى التعارض بين الدلالتين فارغا عن سندهما كي
تجرى قاعدة الجمع المزبور (لان) أصالة التعبد بالسند في كل منهما حينئذ تقتضي
بالالتزام عدم صدور الآخر من الامام، ولازمه نفي التعبد بدلالته أيضا، ومعه
لا ينتهى الامر إلى التعارض بين الدلالتين (وبعبارة أخرى) المدار في هذا
الجمع انما هو على التصرف في كلام امام ورد على خلافه أظهر من الامام (وهذا)
يقطع تفصيلا بعدمه (لأنه) على تقدير كون الصادر هو الأظهر، فلا ظاهر في
138

قباله حتى يقتضى الأظهر التصرف فيه (وعلى تقدير) كون الصادر هو الظاهر، فلا أظهر في
قباله (ومرجع) ذلك إلى العلم بعدم صدور ظاهر من الإمام (ع) يجب التصرف فيه
بحمله على الأظهر، اما لعدم صدور الظاهر نفسه، واما لعدم صدور أظهر على خلافه
(وحينئذ) فبعد خروج هذا الفرض عن موضوع الجمع بين الدلالتين ينتهى الامر
فيهما إلي التساقط إذا لم يمكن الاحتياط بالجمع بينهما في مقام العمل كما لو كان مفاد
العام وجوب اكرام العلماء، وكان مفاد الخاص حرمة اكرام النحويين من العلماء
وسيأتي مزيد توضيح لذلك عند تأسيس الأصل في المتعارضين انشاء الله.
(وكيف كان) فموضوع الجمع الدلالي انما يكون في مورد ساعد عليه العرف
في التوفيق بين الظهورين، وهو كما عرفت لا يمكن الا بين النص، أو الأظهر
والظاهر (لا في الظاهرين) كالعامين من وجه ونحوه إذا تساويا في الظهور،
لعدم الدليل بعد عدم مساعدة العرف عليه (وعليه) فما يظهر من بعض الكلمات من
وجوب الجمع بين الدليلين ولزوم تقديم الترجيح الدلالي مهما أمكن على الترجيح
السندي والتخيير، محمول على الامكان العرفي (والا) فلا دليل عليه (مضافا)
إلى ما يلزمه من سد باب الترجيح بالمرة (لأنه) ما من خبرين متعارضين الا ويمكن الجمع
بينهما عقلا ببعض جهات الحمل والتأويل حتى في مثل قوله يجب اكرام زيد ويحرم اكرام
زيد (وهو كما ترى) يستتبع تأسيس فقه جديد (ثم إن الارتكاز) العرفي في الجمع بين
الظهورين المنفصلين في مثل العام والخاص ونحوه بعد ما لم يمكن بمثابة يوجب كون المراد
الواقعي من العام والمطلق هو الخاص والمقيد، بل يحتمل مع ذلك كون المراد الجدي
منهما على طبق ظهورهما في العموم والاطلاق، وان وجب رفع اليد عن ظهورهما بمقتضى
النص والأظهر (يقع الكلام) في وجه تقديم النص أو الأظهر على الظاهر في مثل
العام والخاص من أنه بمناط الورود، أو الحكومة، أو بمناط الاخذ بأقوى الظهورين
والحجتين من جهة الأهمية، نظير المتزاحمين.
(ومورد) الكلام انما يكون فيما عدى الخاص القطعي السند والدلالة كالنص
الكتابي، أو المتواتر المحفوف بالقرائن القطعية (والا) فيقطع بعدم كون العموم
139

مرادا من ظهور العام فيقطع بخروجه عن موضوع دليل الاعتبار للجزم بعدم صلاحيته
عقلا للطريقية وأعمال التعبد فيه (بل عليه) يكون خروجه من باب التخصص دون
الورود (ثم إن) مبنى الوجوه المتقدمة، هو الخلاف المعروف في أصالة الظهور،
من حيث تقيد موضوع الحجية بعدم قيام الحجة على وجود الأقوى، على الخلاف
أو بعدم العلم به، أو بعدم وجوده واقعا، (وعدم) تقيده بشئ من ذلك (فإنه)
على الأول يكون دليل الخاص ولو كان ظنيا واردا على أصالة الظهور في العام، لان
التعبد بسنده حجة على وجود الأقوى وبيان على التخصيص، فيرتفع به موضوع
الحجية في العام حقيقة لا حكما وتعبدا (من غير) فرق بين الوجهين في اعتبار
أصالة الظهور من كونه بمناط الظهور والكشف النوعي عن المراد، أو لأجل أصالة
عدم القرينة (فإنه مهما) كان التعليق على عدم قيام الحجة على وجود الأقوى على
الخلاف، فلا محيص من الورود، ولا مجال في هذا الفرض لتقريب الحكومة في تقديم
دليل الخاص (واما) على فرض كون التعليق على عدم العلم بوجود الأقوى أو
عدم وجوده واقعا (يكون) دليل الخاص حاكما لا واردا (لان) دليل التعبد بسند
الخاص باعتبار تكفله لتتميم الكشف ونفي احتمال عدم صدوره، مثبت لوجود
الأقوى ظاهرا، وللعلم التعبدي بصدوره عن المعصوم (ع) (فيكون) رافعا
لموضوع أصالة الظهور في العام تعبدا وتنزيلا لا حقيقة (من غير فرق) في هذه
الجهة بين فرضي التعليق (غاية الامر) ان الحكومة في الفرض الأول من باب حكومة
أدلة الاحكام الظاهرية على مثلها، نظير حكومة الاستصحاب على مثل دليل الحلية والطهارة
وحديث الرفع والحجب حيث كان الحاكم والمحكوم في مرتبة واحدة وهي في مرتبة الشك في
وجود الأظهر، فكان الحاكم بتكفله لنفي الشك عن وجود الأظهر ناظرا إلى تضييق دائرة
أصالة الظهور في العام والظاهر في مرحلة الثبوت فتأمل (وفي الفرض) الثاني تكون الحكومة فيه
من قبيل حكومة أدلة الاحكام الظاهرية على الاحكام الواقعية (حيث) ان التعبد
بالظهور من جهة تعليقه بعدم وجود الأظهر واقعا، يكون من قبيل الحكم الواقعي
بالإضافة إلى التبعد بالسند في الأظهر فيكون التعبد بالسند في الأظهر بتكفله
140

لاثبات وجوده ناظرا إلى توسعة موضوع التعبد بالظهور أو تضييقه في مرحلة الظاهر
وعند الشك في وجود الأظهر وان لم يوجب تضييقا فيه واقعا (من غير) فرق في
ذلك أيضا بين الوجهين في اعتبار أصالة الظهور، ولا بين كون الخاص الظني السند
قطعي الدلالة أو ظني الدلالة (فعلى) كل تقدير في فرض كون الإناطة والتعليق على
عدم العلم بوجود الأقوى أو عدم وجوده واقعا، لا محيص من الحكومة،
ولا وجه لتقريب الورود (نعم) لو كان الخاص قطعيا من جهة السند وظنيا من جهة
الدلالة، كالمتواتر الظاهر في المؤدى، يكون تقديمه على جميع فروض التعليق بمناط
الورود ولا مجال للحكومة للقطع الوجداني بوجود ما هو الأقوى ظهورا من
ظهور العام ووروده عن المعصوم (ع).
(وبما ذكرنا) انقدح فساد ما عن بعض الأعاظم قده من ابتناه التفصيل في المقام
حكومة وورودا على الوجهين في اعتبار أصالة الظهور: بقوله ان بنينا على كون الوجه
فيها أصالة عدم القرينة يكون الخاص حاكما على العام (وان بنينا) على كون الوجه فيها
الظن النوعي يكون الخاص واردا عليه حتى أنه جعل هذه الجهة منشئا لترديد
الشيخ قده في الحكومة والورود (وجه الفساد) يظهر مما عرفت من عدم
الفرق حكومة وورودا بين الوجهين في اعتبار أصالة الظهور (فان المناط) كله في
ورود الخاص أو حكومته على ملاحظة المعلق عليه (فان كان) التعليق في أصالة
الظهور على عدم قيام الحجة على وجود الخاص والأظهر يكون دليل الخاص ولو كان
ظنيا واردا على أصالة الظهور في العام لا حاكما: قلنا ان الوجه في اعتبارها الظن
النوعي الكاشف عن المراد، أو أصالة عدم القرينة، فإنه على كل من الوجهين في
فرض التعليق بذلك يكون دليل الخاص حجة على ورود الأقوى على التخصيص،
فيرتفع موضوع أصالة الظهور حقيقة (وان كان) التعليق على عدم العلم بورود
الخاص، أو عدم وروده واقعا، يكون دليل الخاص حاكما عليه لا واردا كما
ذكرناه: قلنا ان الوجه في اعتبار أصالة الظهور هو أصالة عدم القرينة، أو الظهور
النوعي (واما) ترديد الشيخ قده في الورود والحكومة في المقام، فليس منشئه
141

اختلاف الوجهين في اعتبار أصالة الظهور (بل المنشأ) فيه اختلاف فروض التعليق من
كونه، تارة على عدم الحجة على التخصيص، وأخرى على عدم ورود المخصص واقعا، وثالثة
على عدم العلم بوروده (كما انقدح) بما ذكرناه فساد ما التزم به في المقام على ما في تقرير
بعض تلامذته من القول بوجوب الاخذ بالخاص وتخصيص العام به مطلقا ولو كان
ظهوره أضعف من ظهور العام مستدلا بان أصالة الظهور في الخاص تكون حاكمة
على أصالة الظهور في طرف العام، لكونه بمنزلة القرينة على التصرف في العام فيقدم
على العام ولو كان أضعف ظهورا منه، كما يقدم ظهور يرمي في الرمي بالنبل على
ظهور أسد في الحيوان المفترس في قوله رأيت أسدا يرمى، مع كون ظهور الأسد
في الحيوان المفترس أقوى من ظهور يرمى في رمي النبل، لكونه بالوضع، وذلك
بالاطلاق (إذ فيه) ما لا يخفى فإنه لم يرد تقديم الخاص بما هو خاص على العام بهذا
العنوان في دليل لفظي حتى نتمسك باطلاقه (وانما العمدة) في الباب هي السيرة
العرفية وبناء العقلاء على الاخذ بالخاص وتخصيص العام به (والمتيقن) من بنائهم
على ذلك انما هو في مورد يكون الخاص أقوى ظهورا من العام، كما هو الغالب
في التخصيصات (واما) في غيره فلم يعلم بنائهم على الاخذ بالخاص كي يستكشف
منه عن تقييد بنائهم على العمل بالعام بعدم ورود مطلق الخاص في قباله (كما أن)
بناء الأصحاب على تقديم الخاص انما هو من جهة اقوائية ظهور الخاص من العام
(والا) فلو فرض في مورد يكون العام بملاحظة بعض الخصوصيات أقوى ظهورا
من الخاص يكون الامر بالعكس فيقدم على الخاص ويجرى عليه حكم القرينة على
التصرف في الخاص (واما التعليل) الذي افاده لتقديم الخاص بما هو خاص
وحكومته، من كونه بمنزلة القرينة على التصرف في العام (فعليل جدا): فان كون
الخاص بما هو خاص بمنزلة القرينة على التصرف في العام، مبنى على كونه ناظرا بمفاده
إلى شرح مدلول العام، وهو كما ترى لا يكون الا من شؤون الحاكم (والا
فشأن) المخصص كما اعترف به هو قده لا يكون الا اثبات حكم آخر مضاد أو
مناقض لحكم العام في بعض افراده بلا سوقه للقرينية على شرح مدلول العام
142

(ومثله) لا يكون الا معارضا مع العام، لا قرينة على التصرف فيه (وعليه)
فلا بد من الترجيح بالاقوائية واجراء حكم القرينة على الأقوى منهما بلا كونه
قرينة حقيقة (فاجراء) حكم القرينة حينئذ على الخاص لا يكون الا باقوائية
دلالته، والا فمع تساويهما في الدلالة بالنسبة إلى الجهة المشتركة يعامل معهما معاملة
المتعارضين (ومع) اقوائية دلالة العام على المورد ولو من جهة ابائه عن التخصيص
يقدم العام عليه ويجرى عليه حكم القرينة على التصرف في الخاص (فما افاده) قده
في المقام من القول بتقديم الخاص على العام مطلقا ولو كان أضعف ظهورا
لا يخلو عن غرابة (واغرب منه) استشهاده على مرامه بتقديم ظهور يرمى
في رمى النبل على ظهور الأسد في الحيوان المفترس مدعيا بان ظهور الأسد في
الحيوان المفترس من جهة كونه بالوضع أقوى من ظهور يرمى في رمى النبل (إذ
فيه) ان مجرد وضعية الدلالة لا يقتضى الأقوائية خصوصا في المثال (فان) ظهور
يرمى بمقتضى الانصراف والانسباق في رمي النبال غير المناسب للحيوان أقوى
بمراتب من ظهور الأسد في الحيوان الخاص (فكيف) يصح قياس المثال بالخاص
المنفصل عن العام.
(ثم انه) أورد على جريان تقريب الحكومة بالإضافة إلى الأدلة اللفظية
الثابتة حجيتها ببناء العقلاء بوجهين (الأول) ان حقيقة الحكومة عبارة عن
كون أحد الدليلين ناظرا بمدلوله اللفظي إلى تفسير مدلول الآخر وشرح المراد منه
(وهذا العنوان) مختص بالأدلة اللفظية، ولا معنى لجريانه في اللبيات التي تكون
من مقولة المعنى (الثاني) ان في ظرف وجود الأظهر ان كان البناء الفعلي من
العقلاء على العمل بالعام الظاهر، فيستحيل مع وجود هذا البناء بناء آخر منهم على
الاخذ بسند الأظهر (وان كان) البناء على الاخذ بالأظهر وتخصيص العام به عند
المعارضة، فلا يكون ذلك الا من جهة ان بنائهم على العمل بالظاهر كان معلقا
على عدم التعبد بالأظهر (ولازم) ذلك هو كون التعبد بالأظهر وأرادا على التعبد
بظهور الظاهر، لا حاكما عليه، لوضوح ارتفاعه بمثله حقيقة لا حكما (فعلى
143

كل حال) لا يتصور للعرف وجود بنائين فعليين عموما وخصوصا يكون أحد
البنائين رافعا للآخر حكما، كما هو قضية الحكومة (وانما المتصور) دائما بناء
فعلى واحد، اما على العمل بالظاهر عند عدم الأظهر، واما على الاخذ بالأظهر عند
وجوده وتخصيص العام به (ولكن يندفع) الاشكال الأول بأنه انما يتم بناء
على الحكومة بمعنى الشرح والتفسير، وهو كون أحد الدليلين شارحا لفظيا
لمدلول الآخر، إذ حينئذ لا مجال لاطلاقها على الأدلة اللبية التي لا يكون فيها لفظ
كما في المقام (واما) على ما ذكرنا سابقا من الضابط فيها بكونها متقومة بصرف
نظر أحد الدليلين إلى مفاد الآخر بتوسعة أو تضييق ولو بما هو امر واقعي، فلا
قصور في تصويره في اللبيات (إذ لا فرق) على هذا الضابط بين الأدلة اللفظية
واللبية (واما الاشكال) الثاني (فيمكن دفعه) أيضا بان بناء العقلاء على العمل
بالظاهر إذا كان معلقا على عدم ورود أظهر على خلافه من الشارع واقعا، فلا
جرم يكون بنائهم على التعبد بسند الأظهر ناظرا إلى توسعة البناء الآخر أو
تضييقه في مرحلة الظاهر تعبدا لا حقيقة، وليس هذا الا الحكومة (وما أفيد)
من التنافي بين البنائين حينئذ (مدفوع) بأنه كذلك إذا كان البنائان عرضيين
(واما) إذا كانا طوليين وفي مرتبتين فلا تنافي بينهما (وتوضيح ذلك) هو ان
موضوع التعبد بالظاهر بعد أن يكون مقيدا بعدم ورود أظهر على خلافه
من الشارع واقعا، يكون التعبد بالظاهر باعتبار قيد موضوعه من قبيل الحكم
الواقعي بالإضافة إلى التعبد بسند الأظهر، ويكون التعبد بسند الأظهر في رتبة
متأخرة عن الشك في ورود الأظهر واقعا من الشارع، وبذلك يكون البنائان في
مرتبتين بحيث لا يشمل فعلية كل واحد لمرتبة الآخر، نظير الحكم الواقعي
والظاهري غير المتنافيين باختلاف مرتبتهما (غاية) الامر يكون العمل الفعلي على
طبق البناء الظاهري على وجود الأظهر ووروده من الشارع (ولكن) لا بعنوان
عدم ثبوت موضوع البناء الواقعي حقيقة، بل بعنوان عدم ثبوته تعبدا وتنزيلا،
كما هو الشأن في جميع موارد محكومة الأدلة الاحكام الظاهرية على الاحكام
144

الواقعية الراجعة إلى توسعه الواقعيات أو تضييقها في مرحلة الظاهر (واما توهم).
ان بناء العرف والعقلاء على شئ ليس الا عبارة عن معاملتهم (فإذا كان) عملهم
الفعلي في المقام على طبق الأظهر، يلزمه عدم معاملتهم فعلا على طبق الظاهر، ولازمه
هو تعليق البناء على العمل على طبق الظاهر على عدم البناء على طبق الأظهر، فيلزم
ارتفاع البناء على طبق الظهور حقيقة لا حكما وتعبدا (فمدفوع) بمنع كون
بناء العرف والعقلاء عبارة عن صرف عملهم (بل العمل) انما يكون مترتبا على بنائهم
لكونه في الحقيقة إطاعة وامتثالا لبنائهم (وبالجملة) نقول ان نسبة العمل إلى
بنائهم انما هو كنسبة الوفاء بنذورهم وعهودهم في كونه إطاعة وفي مرتبة متأخرة
عن بنائهم (وعليه) فلا بأس بالالتزام ببنائين طوليين للعقلاء من حيث الواقعية
والظاهرية مع الالتزام بكون عملهم الفعلي على طبق الأظهر بمناط الحكومة بعناية كونه هو
الواقع الراجع إلى توسعة للبناء الآخر أو تضييقه في مرحلة الظاهر حكما وتنزيلا،
لا حقيقة (نعم) في فرض تقيد موضوع التعبد بالظهور بعدم العلم بورود أظهر
من الشارع على خلافه يتجه الاشكال المزبور على تقريب حكومة سند الأظهر على الظاهر
ولا يجديه مجرد كون التعبد بسنده ناظرا إلى الغاء احتمال الخلاف وتتميم كشفه
(لان) مقتضى التقييد المزبور هو كون البنائين في مرتبة واحدة وهي مرتبه
الشك في وجود الأظهر، ولازمه تحقق المضادة، بين البنائين، ومع تضادهما وجودا
لا وجود للبناء على طبق الظاهر مع البناء الفعلي منهم على الاخذ بسند الأظهر والعمل
على طبقه حتى يصلح لرفعه تنزيلا لا حقيقة، كما هو ظاهر.
(ثم إن ذلك) كله في فرض الالتزام بتقييد موضوع التعبد بالظهور بأحد
الوجوه المتقدمة (واما في فرض) عدم تقييده بشئ كما هو المختار فلا سبيل إلى
تقديم الأظهر بمناط الورود، ولا بمناط الحكومة بالتقريب المتقدم، لعدم ترتب
شرعي حينئذ للتعبد بالظهور على عدم وجود الأظهر حتى يصلح التنزيل المستفاد
من التعبد بسند الأظهر لان يكون ناظرا إليه شرعا (بل الوجه) في تقديم الأظهر
على هذا المبنى ينحصر بكونه بمناط الاخذ بأقوى الملاكين وتقديمه على أضعفهما،
145

كما في جميع أبواب المزاحمات (فان المقتضى) المؤثر في نفوس العقلاء للاخذ
بالكلام الصادر من المتكلم للاستطراق به إلى الواقع، انما هو ظهوره وكشفه
النوعي عن المراد الجدي وارائته لمتعلق الإرادة الواقعية (وحيث) ان هذا الملاك
يوجد في الأظهر على نحو أقوى من الظاهر، فلا جرم يكون مورد التزاحم مندرجا
في صغرى باب التزاحم الذي حكمه هو الاخذ بأقوى الملاكين والمقتضين، فيجب
الاخذ بالأظهر، لأقوائية كشفه من الظاهر، كما هو ذلك في جميع موارد تزاحم
الملاكين والمقتضيين، حيث يكون التأثير الفعلي للأقوى ملاكا منهما (هذا) إذا
كان الأظهر قطعي السند (واما) إذا كان ظنيا (فلازم) التزاحم المزبور وان
كان هو الاخذ بالظاهر عند الشك في وجود الأظهر وصدوره من الشارع، لحكم
العقل في باب التزاحم بلزوم الاخذ بالمهم مع الشك في وجود المزاحم الأهم بمناط
الاشتغال في مطلق الشك في القدرة (ولكن) موضوع حكم العقل بذلك لما كان
معلقا على عدم الحجة على وجود الأهم، فلا محالة يكون دليل التعبد بسند
الأظهر رافعا لموضوع حكم العقل، حيث يكون بيانا وحجة على وجود الأظهر
وصدوره من الشارع، فيكون واردا على هذا الحكم العقلي حقيقة، وعلى التعبد
بالظاهر عناية، بلحاظ ملازمة ارتفاع حكم العقل بالأخذ بالظاهر لتحقق
البناء على طبق الأظهر، كما هو ذلك في كل مورد قام الدليل على وجود المزاحم
الأهم (ففي الحقيقة) يكون ذلك نحو تقريب لورود أصالة السند في الأظهر على
أصالة الظهور في الظاهر، ولكن لا بالورود بالمعنى المتقدم في فرض إناطة موضوع
التعبد بالظهور بعدم الحجة على وجود الأظهر (فان أصالة) السند في الأظهر على
التقريب السابق رافع للتعبد بالظاهر حقيقة لارتفاعه بارتفاع موضوعه (بخلاف)
ما ذكرنا من التقريب (فان) المرتفع حقيقة ليس هو البناء على التعبد بالظهور
واقعا لكونه وجودا وعدما تابع قيام الأظهر على خلافه واقعا وعدم قيامه،
وانما المرتفع هو حكم العقل بمقتضى الاشتغال بالأخذ بالظاهر عند الشك في
وجود الأظهر والمزاحم الأقوى، غاية الامر ارتفاعه يلازم للبناء الفعلي على طبق
146

الأظهر ظاهرا (هذا كله) فيما قيل أو يمكن ان يقال في وجه تقديم الأظهر على الظاهر ثبوتا
(واما) تشخيص الأظهر وتمييز الأقوائية في الظهور اثباتا، فلا يدخل تحت
ضابط كلي، وانما هو موكول إلى نظر العرف (وحيث) انه يختلف بذلك باختلاف
الموارد من حيث اقتران الكلام بالقرائن الشخصية الحافة الخارجة عن تحت الضبط
وعدم اقترانه بها، فلا بد للفقيه من اتعاب النفس في تشخيص اقوائية أحد الظهورين
كتشخيص أصل الظهور من ملاحظة الخصوصيات المكتنفة بالكلام من القرائن
الحالية أو المقالية، ومناسبات الحكم والموضوع، بل وخصوصيات المتكلم والمخاطب
ونحوها من الأمور الموجبة لصيرورة أحد الكلامين باقترانها به بمثابة من الظهور
توجب عرفا قرب التصرف في الآخر، لا مجرد كون التصرف في أحدهما أبعد من
الآخر (ويمكن) جعل الضابط فيه، بفرض كون الجميع في كلام واحد، ولحاظ
ان أيهما في هذا الفرض يكون موجبا لقلب ظهور الآخر، فكل ما يكون منشئا لقلب
ظهور الآخر فهو الأقوى، هذا بالنسبة إلى شخص المتعارضين.
(واما) بالنسبة إلى نوعهما (فقد ذكروا) أمورا في ضابط الأقوائية
والترجيح (منها) ما إذا تعارض العام الأصولي مع الاطلاق الشمولي، ودار الامر
بين تخصيص العام أو تقييد المطلق، كما لو قال أكرم العالم ولا تكرم الفساق (فإنه)
بعد تعارضهما في مادة الاجتماع يدور الامر بين تقييد قوله أكرم العالم بغير الفاسق
وبين تخصيص قوله لا تكرم الفساق بما عدى العالم (حيث) قيل بان شمول العام
الأصولي لمورد الاجتماع أظهر من شمول المطلق له (لان شمول) الأول لمادة
الاجتماع يكون بالوضع وشمول الثاني له يكون بالاطلاق ومقدمات الحكمة التي من
جملتها عدم ورود ما يصلح ان يكون بيانا للتقييد، والعام الأصولي يصلح لذلك،
فلا تتم معه مقدمات الحكمة في المطلق الشمولي، فيقدم العام الأصولي عليه ويقيد به
المطلق بما عدى مورد الاجتماع (وبتقريب) آخر ان ظهور العام الأصولي من
جهة كونه بالوضع ظهور تنجيزي، وظهور المطلق في الاطلاق ظهور تعليقي على
تمامية مقدمات الحكمة التي من جملتها عدم ورود ما يصلح ان يكون بيانا على التقييد،
147

وبعد صلاحية العام الأصولي لذلك لا ظهور للمطلق في الاطلاق في مقابل العام
الأصولي حتى يدور الامر بين الاخذ بالمطلق أو العام (ولكن) فيه انه يتجه
ذلك إذا كان أساس مقدمات الحكمة على كون المتكلم في مقام بيان مرامه بمطلق كلامه ولو
منفصلا عن كلامه الملقى إلى المخاطب في مجلس التخاطب (إذ حينئذ) يكون لعدم
القرينة على التقييد ولو في كلام آخر منفصل دخل في ظهور المطلق في الاطلاق، فيتجه معه اخذ
النتيجة المزبورة في المقام لصلاحية العام المزبور للبيانية على التقييد (واما) إذا كان أساس
المقدمات على كون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بخصوص الكلام الذي وقع به التخاطب،
لا به وبكلام آخر منفصل عنه ولو بعد سنين، كما عليه بناء العرف والعقلاء في محاوراتهم
(فلا محالة) عند عدم نصب البيان على التقييد متصلا بكلامه الملقى إلى المخاطب
في مجلس التخاطب، ينعقد الظهور الاطلاقي للمطلق وتتحقق الدلالة التصديقية
النوعية التي عليها مدار الحجية في باب الألفاظ (ولازم) ذلك مع احراز المقدمات
جزما هو طرح ظهور القيد الوارد في كلام آخر منفصل للجزم بخلافه، ومع
احرازها بالأصل وظاهر حال المتكلم في كونه بصد تمام مرامه بتمام لفظه الملقى إلى المخاطب
هو وقوع المزاحمة بين ظهور كلامه في الاطلاق وظهور كلامه المنفصل في التقييد
(وفي مثله) لا بد من الترجيح بالاقوائية، بلا ورود أحدهما على الآخر (ولا يكفي)
حينئذ في رفع اليد عن الاطلاق مجرد وضعية الدلالة فيما دل على التقييد (لان)
مجرد وضعية الدلالة لا يكون منشئا للأقوائية كما هو ظاهر (وحيث) ان بناء
العرف والعقلاء في محاوراتهم على الاخذ بالاطلاق في الكلام الصادر من
المتكلم عند عدم نصب البيان على التقييد متصلا بالكلام الملقى إلى المخاطب في
مقام الإفادة والاستفادة (فلا محيص) عند التزاحم في مادة الاجتماع من الاخذ
بأقوى الظهورين والعمل على طبقه من تخصيص العام أو تقييد المطلق على قواعد
الأظهر والظاهر.
(وبما ذكرنا) اتضح الحال فيما لو دار الامر بين تقييد الاطلاق البدلي،
وتخصيص العام الأصولي كقوله أكرم عالما، وقوله لا تكرم الفساق (فإنه) قيل
148

فيه أيضا بتقديم تقييد الاطلاق البدلي على تخصيص العام الأصولي بعين ما تقدم
بيانه في فرض الدوران بين العام الأصولي، والاطلاق الشمولي (بل قيل) ان
الامر في تقديم تقييد الاطلاق البدلي أوضح من تقديم التقييد في الاطلاق الشمولي
(بتقريب) ان المطلوب في الاطلاق البدلي انما هو صرف الوجود، ومثله لا يصلح
لان يعارض العام الأصولي الذي يكون المطلوب فيه هو الوجود الساري (لان)
الأول انما يقتضي الاجتزاء بأي واحد من الافراد إذا كانت متساوية الاقدام ولم
يكن في البين، ما يقتضي المنع عن بعض الافراد (والعام الأصولي) باعتبار شموله لجميع
الافراد واقتضائه لحرمة اكرام كل فرد من افراد الفساق يقتضي خروج العالم الفاسق
في مادة الاجتماع من دائرة الاطلاق البدلي (وفيه ما تقدم) من ابتنائه على كون
عدم البيان الذي هو أساس مقدمات الحكمة هو مطلق عدم البيان ولو في كلام آخر
منفصل (والا) فعلى فرض كون المدار على عدم البيان في مقام التخاطب كما
أوضحناه لا مطلقا ولو بعد حين (فلا جرم) بعدم نصب القرينة على التقييد ما دام
التخاطب يستقر الظهور الاطلاقي، (ومعه) لا محيص في تقديم أحدهما على الآخر
في مادة الاجتماع من الأقوائية في الظهور والدلالة من غير فرق بين ان يكون ورود
العام قبل المطلق أو مقارنا له أو متأخرا عنه (وهذا) هو الذي اختاره المحقق
الخراساني قده (وما افاده) في فوائده من لزوم جمع كلمات الأئمة (ع) المتفرقة
في الزمان وفرض ورودها في زمان واحد والاخذ بما هو المتحصل منها على فرض
الاجتماع، لا ينافي ذلك (فان المقصود) من ذلك انما هو بيان تشخيص الأظهرية
الموجبة للجمع، كما أشرنا إليه آنفا قبال عدم صلاحية مجرد أبعدية التصرف فيه من
غيره، فلا تنافي بين ما افاده في المقام من انعقاد الظهور الاطلاقي للمطلق عند عدم
نصب القرينة على التقييد متصلا بالكلام ما دام التخاطب، وبين ما افاده في فوائده
حتى يشكل عليه كما هو ظاهر.
(ومنها) ما إذا تعارض الاطلاق البدلي مع الاطلاق الشمولي، ودار الامر
بين تقييد الاطلاق البدلي أو الشمولي، كقوله أكرم عالما، ولا تكرم الفاسق
149

(حيث) قيل بتقديم الأول على الثاني بالتقريب المتقدم في تعارض الاطلاق البدلي
مع العام الأصولي (ويرد عليه) ما تقدم من استقرار الظهور الاطلاقي لكل واحد
منهما عند عدم اتصال الكلام الذي وقع به التخاطب بما يصلح لتقييده (ومجرد)
كون أحد الاطلاقين شموليا غير موجب لخروج الافراد في الاطلاق البدلي عن
كونها متساوية الاقدام في مقام الإطاعة (لان) ذلك انما يتم في المتصلات في كلام
واحد (والا) ففي المنفصلات لا بد في الترجيح من لحاظ الجهات الموجبة لأظهرية
أحد الاطلاقين واقوائيته (ومنها) ما إذا تعارض بعض جمل ذوات المفهوم مع بعض
آخر (كتعارض) مفهوم الغاية مع مفهوم الشرط في مثل قوله يجب الامساك إلى
الليل، وقوله ان جائك زيد فلا يجب الامساك في الليل (فان) مفهوم الغاية تقتضي
عدم وجوب الامساك في الليل، ومفهوم الشرط يقتضي وجوبه في الليل
(وكتعارض) مفهوم الشرط مع مفهوم الوصف بناه على كون القضية الوصفية ذات
مفهوم (حيث) قيل في الأول بتقديم مفهوم الشرط (لان) ثبوت المفهوم
للقضية الشرطية بالاطلاق ومقدمات الحكمة، بخلاف القضية الغائية، فان دلالتها على
انقضاء حكم ما قبل الغاية عما بعدها تكون بالوضع (وفي الثاني) بتقديم ظهور
مفهوم الشرط على مفهوم الوصف، لكون القضية الشرطية أظهر في المفهوم من القضية
الوصفية (ويرد) على الأول ما ذكرناه من أن المدار في عدم البيان المقوم للاطلاق
انما هو على عدمه المتصل بالكلام الذي وقع به تخاطب المتكلم في مجلس التخاطب،
لا على عدمه مطلقا ولو منفصلا عنه (فلا مجال) لهذا الكلام في المنفصلين، بل لا بد
فيهما عند الترجيح من لحاظ الجهات الموجبة لأظهرية أحدهما على الآخر (وعلى
الثاني) بان الحكم بأظهرية الجملة الشرطية في المفهوم من القضية الوصفية بنحو الموجبة
الكلية، غير تام، لاختلافه باختلاف المقامات والخصوصيات المكتنفة بالكلام
ومناسبات الحكم والموضوع ونحوها، فإنه بملاحظة هذه الجهات قد تكون القضية
الوصفية أظهر في المفهوم من القضية الشرطية، وقد تكون ظهورهما في المفهوم
متكافئين فيتعارضان.
150

(ومنها) ما إذا دار الامر بين التخصيص والنسخ (حيث قيل) بتقديم
التخصيص على النسخ، لكثرة الأول وشيوعه، وقلة الثاني وندرته (وقيل) بتقديم
الثاني (وقبل الخوض) في تنقيح المرام ينبغي التعرض لبيان الشقوق المتصورة
للعام والخاص المتخالفين ناسخا ومخصصا ومنسوخا (فنقول) إذا ورد عام وخاص
متخالفان (فاما) ان يكونا متقارنين، واما ان يكونا متعاقبين (وعلى الثاني)
فالمتقدم منهما، اما ان يكون هو العام، واما ان يكون هو الخاص (وعلى
التقديرين) فالخاص أو العام المتأخر (اما) ان يكون وروده قبل وقت العمل بالمتقدم (واما) يكون وروده بعد وقت العمل به (والظاهر) ان في جميع هذه
الفروض يتأنى الدوران المزبور بين النسخ والتخصيص (فان في فرض) تأخر العام
عن الخاص كما يحتمل كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر (كذلك) يحتمل
كونه منسوخا بالعام (كما أن) في فرض تأخر الخاص عن العام يتصور احتمال
المخصصية والناسخية للخاص المتأخر (من غير فرق) بين ان يكون ورود الخاص
قبل حضور وقت العمل بالعام أو بعده (وهكذا) في فرض ورودهما متقارنين،
حيث يتصور احتمال المخصصية والناسخية بل المنسوخية للخاص.
(ولكن) الذي يظهر من جماعة هو التفصيل بين الشقوق المذكورة للعام
والخاص من حيث الناسخية تارة والمخصصية، أخرى، والقابلية للامرين ثالثة
(حيث) انهم اعتبروا (في التخصيص) ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام
لا بعده معللين ذلك بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة (وفي النسخ) وروده بعد
وقت العمل بالعام (لان) النسخ رفع للحكم الثابت الفعلي من جميع الجهات، فلا
يكفي فيه مجرد فرضية الحكم ولو بفرض موضوعه ما لم يصل إلى مرحلة الفعلية،
فقبل وقت العمل بالعام لا يكون الحكم الا فرضيا (فعلى هذا الضابط) يكون
الخاص المقارن للعام والخاص الوارد بعد العام قبل وقت العمل به مخصصا محضا
لا ناسخا، لعدم حكم فعلى حينئذ للعام كي يقبل النسخ (وكذا) في العام الوارد
بعد الخاص قبل وقت العمل به (حيث) يكون الخاص في هذه الفروض الثلاثة
151

مخصصا وبيانا للعام لا ناسخا ولا منسوخا (ويكون) الخاص الوارد بعد العام
وبعد حضور وقت العمل به ناسخا للعام لا مخصصا لعدم جواز تأخير البيان عن وقت
الحاجة (فيختص) مورد الدوران بين النسخ والتخصيص بما إذا كان الخاص مقدما
على العام، وكان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص (إذ في مثله)
كما يحتمل كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر (كذلك) يحتمل كونه منسوخا بالعام
(هذا) ملخص ما أفادوه في المقام من التفصيل بين الصور المذكورة ناسخا
ومنسوخا ومخصصا (وقد عرفت) ابتنائه (على مقدمتين) إحديهما قبح تأخير البيان
عن وقت الحاجة (وثانيتهما) كون النسخ رفعا للحكم الفعلي الثابت (ولكن
لا يخفى) ما في المقدمتين.
(اما المقدمة الأولى) وهي قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة (ففيه) ان
المراد من الحاجة ان كان حاجة المولى إلى الفعل أو إلى البيان (فالكبرى) وان
كانت مسلمة، فان التأخير حينئذ قبيح بل مستحيل، لأنه من نقض الغرض
المستحيل من الحكيم حتى عند الأشعري (ولكن) الصغرى ممنوعة (إذ يمنع)
تعلق الغرض الجدي من القاء تلك العمومات لبيان المراد الواقعي (ومجرد) كونه
وقت حاجة المكلف في العمل بالعموم، لا يقتضي كونه وقتا لحاجة المولى إلى الفعل
أوال البيان بل نفس تأخير البيان في المنفصلات دليل على عدم حاجة المولى إليه (وان
كان) المراد من الحاجة حاجة العبد إلى العمل ولو لم يكن وقتا لحاجة المولي، فقبحه
غير معلوم، بل معلوم العدم (بداهة) انه لا قبح فيه إذا كان التأخير عن مصلحة
أوجبت اخفاء الحكم الواقعي إلى زمان ورود المخصص (فيمكن) ان تكون
المصلحة في القاء الظهور إلى المكلف على خلاف المراد الواقعي ليتكل عليه العبد
ويكون حجة له وبيانا إلى أن تقتضي المصلحة بيان المراد الجدي (وبالجملة) اخفاء المراد
الجدي مع القاء الحجة على خلاف الواقع لمصلحة مما لا قبح فيه (كما يظهر) ذلك من ملاحظة
نصب الطرق غير العلمية في الموارد التي يؤدى إلى خلاف الواقع، كما أجبنا به عن ابن قبة
ببعض تقريباته (وحينئذ) فكما ان الوظيفة الظاهرية في موارد الطرق المنصوبة
المؤدية أحيانا إلى خلاف الواقعيات هو الاخذ بها حجة وبيانا، وفي غير مواردها هو
152

الرجوع إلى ما يستقل به العقل من البراءة أو الاحتياط (كذلك) في المقام، فقبل
ورود البيان على التخصيص يكون المكلف محكوما بالحكم الظاهري بالعمل على طبق
العالم إلى مجئ البيان على المراد الواقعي بلا ورود محذور قبح في البين (والمراد)
من الحكم الظاهري انما يكون هو الحكم المستفاد من أصالة الظهور عند الشك في
مطابقة ظهور العام للواقع، لا ما تضمنته العمومات (فان) مفاد العمومات ليس الا
الحكم الواقعي، فما في تقرير بعض الأعاظم من جعل الحكم الظاهري عبارة عن مفاد
العمومات مبنى على المسامحة أو طغيان القلم، والا فبطلانه واضح (وبما ذكرنا) ظهر
ان مخصصية الخاص للعام لا يتعين بوروده قبل وقت العمل بالعام، بل كما يصلح
للمخصصية في الفرض المزبور يصلح للمخصصية أيضا في فرض وروده بعد وقت العمل
بالعام، فيمكن ان تكون المخصصات المتأخرة الواردة عن الأئمة (ع) هي المخصصات
حقيقة، لا انها كاشفات عن اتصال كل عام حين صدوره بمخصصه (وتوهم ان)
مصلحة الحكم الواقعي الذي هو مفاد المخصصات المنفصلة ان كانت تامة فلا بد من
اظهاره والتكليف به من الأول (وان لم تكن) تامة ولو بحسب مقتضيات الزمان بان
يكون للزمان دخل في الملاك فلا يمكن ثبوت الحكم الواقعي حتى يكون مفاد العام حكما
ظاهريا، بل يكون الحكم الواقعي هو مفاد العام إلى زمان ورود الخاص، وفي مثله يكون
الخاص المتأخر عن وقت العمل بالعام ناسخا لا مخصصا (مدفوع) بما ذكرنا من أن مجرد
تمامية ملاك الحكم الواقعي في المخصصات المنفصلة لا يلازم وجوب اظهاره
والتكليف به من الأول، لا مكان ان يكون في التأخير مصلحة ولو كانت هي لتسهيل على
المكلفين في الصدر الأول أو جلب رغبتهم في الإطاعة والعبودية أو غير ذلك
(فيمكن) حينئذ ايكال اظهاره إلى أوصيائه عليهم السلام مع اعطاء الحجة فعلا
على خلاف الواقع.
(واما المقدمة الثانية) ففيها منع كون النسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت
الفعلي من جمع الجهات (بل نقول) انه يكفي في صحته مجرد ثبوت الحكم ولو بمرتبة انشائه
الحاصل بجعل الملازمة بينه وبين شرطه في مقابل عدمه، كما في الموقتات والمشروطات
153

قبل تحقق وقتها وشرطها (فإنه) كما يصدق على جعل مثله انه ايجاد للحكم كذلك يصدق
على رفعه انه نسخ له، بلا احتياج في صحة رفعه إلى فعليته (ولذلك) ترى صحة النسخ في
الاحكام العرفية في الموقتات والمشروطات قبل وقتها وشرطها في مثل قول المولى
لعبده يجب اطعام العلماء في شهر كذا، أو ان جائك عالم فأكرمه (وقوله) بعد
هنيئة نسخت هذا الحكم (فإذا كان) هذا المقدار من الثبوت في الاحكام العرفية
كافيا في صدق الرفع وصحة النسخ (كذلك) في الأحكام الشرعية، فيكتفي في صحة
النسخ فيها كونه رفعا لما هو المنشأ بالانشاء السابق ولو كان ذلك مجرد احداث
الملازمة بين الحكم وشرطه (ثم إن ذلك) بناء على المشهور من إناطة فعلية الحكم
في الواجبات المشروطة بوجود شرائطها خارجا، لجعلهم الخطابات الشرعية الطلبية
من سنخ القضايا الحقيقية التي يتبع المحمول فيها في الفعلية والفرضية فعلية وجود
موضوعه وفرضيته (واما) على المختار فيها من إناطة الحكم فيها بفرض وجود
الشرط في لحاظ الآمر ولو طريقا إلى الخارج، لا بوجوده خارجا كما شرحناه
في الجزء الأول من الكتاب في مبحث الواجب المشروط في مقدمة الواجب، فلا
محالة يكون الحكم فعليا فيها، غايته منوطا بفرض وجود الشرط في لحاظه الآمر
(ومع) فعلية الحكم فيها قبل وجود شرائطها خارجا (لا بأس) بالالتزام بصحة
النسخ فيها قبل تحقق شرطها خارجا وقبل وقت العمل بها ولو على القول بكون
النسخ رفعا للحكم الفعلي الثابت (إذ لا يحتاج) في صحة النسخ حينئذ إلى أزيد من
فعلية الخطاب بمضمونه حسب استعداد الخطاب لها (نعم) لو كان المقصود من
فعلية الخطاب بمضمونه هي الفعلية المطلقة حتى بالمرتبة المساوقة لمحركية العبد فعلا
نحو الامتثال (لكان) للاشكال المزبور كمال مجال لاحتياج صحة النسخ حينئذ
إلى فعلية وجود الشرط خارجا الملازم للمحركية الفعلية المساوق لوقت العمل (ولكنه)
من الأغلاط (لوضوح) ان هذه المرتبة من الفعلية انما هي من شؤون تطبيق العبد
مضمون الخطاب على المورد خارجا (ومثله) كما ترى أجنبي عن مضمون الخطاب،
لكونه في مرتبة متأخرة عن الخطاب بمضمونه، فلا يمكن اخذ هذه المرتبة في
154

مضمون الخطاب المحفوظ في مرتبة نفسه كما هو ظاهر (وحينئذ) فلو قلنا ان النسخ
رفع للحكم الفعلي الثابت، فلا بد من أن يراد به رفع ما هو مضمون الخطاب
الصادر من المولى بماله من الفعلية المناسبة له المحفوظة في المرتبة السابقة عن مرحلة
المحركية الخارجية التي هي من شؤون تطبيق العبد مضمون الخطاب على المورد (وبعد)
تحقق الفعلية بهذا المعنى على المختار في الموقتات والمشروطات، لا يحتاج في صحة
النسخ إلى حضور وقت العمل ووجود شرائط الحكم خارجا (ولازمه) بطلان
التفصيل السابق، لتساوي جميع الفروض المتقدمة للعام والخاص في صحة التخصيص
والنسخ، لدوران الامر في الخاص المتقدم على العام بشقيه بين كونه مخصصا للعام أو
منسوخا، وفي الخاص المتأخر عن العام بكلا شقيه بين كونه مخصصا أو ناسخا
(فلا بد) حينئذ من وجود مرجح لترجيح أحد الامرين على الآخر.
(وبعد ذلك) نقول: انه قد يرجح التخصيص على النسخ لكثرته وشيوعه حتى
قيل ما من عام الا وقد خص (ولأن) النسخ تخصيص في الأزمان وهو أقل موردا
من تخصيص الافراد فيجب تقديم التخصيص على النسخ عند الدوران (وفيه)
اما الوجه الأول، فيرد عليه أولا انه نفرض الكلام في أول زمان ورودهما الذي
لم يبلغ التخصيص بعد إلى حد الكثرة (فان الظاهر) هو بنائهم قديما وحديثا على
تقديم التخصيص على النسخ عند الدوران بينهما حتى في الخصوصات الواردة في بدو
الشريعة (ودعوى) ان المقصود من كثرة التخصيص الموجب للحمل عليه عند
الدوران انما هو بالنظر إلى الاحكام العرفية، لا بلحاظ الخطابات الشرعية، كي
ينتقض بفرض ورودهما في بدو الشريعة (مدفوعه) بمنع أكثرية التخصيص من
النسخ في الاحكام العرفية (بل الامر) فيها يكون بالعكس، بلحاظ ما هو الغالب
من خفاء الموانع والمزاحمات الواقعية على العرف والعقلاء حين تشريعهم الاحكام وعدم
اطلاعهم عليها الا بعد ابتلائهم بها (بل إن تأملت) ترى رجوع أكثر التخصيصات
الواردة في أحكامهم إلى النسخ، كما هو المشاهد بالعيان والوجدان (وعلى فرض)
تسليم أكثرية التخصيص من النسخ في أحكامهم يمنع كون مجرد الأكثرية موجبا
155

لترجيح احتمال التخصيص ما لم تكن بمثابة توجب انس الذهن به (واما الوجه
الثاني) ففيه مضافا إلى ما أوردناه على الوجه الأول، انه يمنع كون النسخ تخصيصا
في الأزمان الراجع إلى التصرف الدلالي (بشهادة) صحة النسخ عقيب العموم
الأزماني ولو بزمان يسير بلا استبشاعه (في مثل) قوله أكرم زيدا في كل يوم أو كل
زمان، وقوله عقيب ذلك بزمان يسير نسخت هذا الحكم خصوصا قبل حضور وقت
العمل بالعام (فإنه) لو كان النسخ تخصيصا في الأزمان يلزم في نحو المثال
التخصيص المستهجن بل القبيح لكونه من التخصيص المستوعب
لجميع افراد الأزمنة (فصحة) النسخ في نحو المثال أقوى شاهد
على عدم ارتباط النسخ بباب التخصيص الذي هو من التصرف
الدلالي (بل التحقيق) في النسخ كما بيناه في مبحث العام والخاص هو كونه من
سنخ التصرفات الجهتية الراجعة إلى التصرف في جهة الحكم، بعدم كونه مجعولا على
مقتضى الجهات الموجودة في موضوعه المقتضية له، لا إلى التصرفات الدلالية
الراجعة إلى عدم كون الدلالة مطابقا للمراد الجدي (ففرق) واضح حينئذ بين
التخصيص والنسخ (فان) في باب التخصيص يكون المراد الجدي من العام على
خلاف مدلوله، فيكون الخاص يتكفله للتصرف في الدلالة مبينا لما هو المراد الجدي
من العام (بخلاف) باب النسخ، فان المراد الجدي فيه يكون على طبق مدلول العام
بما هو عام، غاية الامر لا تكون إرادة الجد بالمدلول لبيان الجد بالمراد الواقعي،
كما في التقية وبذلك يكون النسخ تصرفا في الحكم المجعول في المورد ومبينا
لعدم كونه مجعولا على طبق الجد بالواقع على حسب المقتضيات الموجودة في
موضوعه، من غير فرق بين ان يكون النسخ راجعا إلى أصل ثبوت الحكم، أو إلي
دوامه واستمراره من بيان انتهاء أمده أو ابتلائه بالموانع والمزاحمات أو غير ذلك من
الوجوه في التي تقتضي الحكمة تحميل شئ على المكلف لامتحان أو غيره
على خلاف الجهات الواقعية الموجودة من اظهار أصل ثبوت الحكم أو دوامه
واستمراره مع علمه بأنه ليس له في الواقع ثبوت ولا دوام واستمرار، لوجود
156

الموانع والمزاحمات المهمة في نظره مع قيام المصلحة على اخفائها على المكلف إلى
غير ذلك من الوجوه التي يصحح بها النسخ الوارد في الأحكام الشرعية، بلا ورود
محذور جهل أو تغيير إرادة في ساحة قدسه سبحانه تعال الله عن ذلك علوا كبيرا
(وكيف كان) فقد يقال في ترجيح التخصيص على النسخ عند الدوران بوجوه اخر
(منها) ما عن بعض الأعاظم قده من أن النسخ متوقف على ثبوت حكم العام لما
تحت الخاص من الافراد من الأول (ومقتضى) حكومة أصالة الظهور في طرف
الخاص على أصالة الظهور في العام هو عدم ثبوت حكم العام لافراد الخاص، فيرتفع
موضوع النسخ (وفيه) انه يتم ذلك بناء على ما سلكناه من انعقاد الظهور
الاطلاقي للمطلق واستقراره بعدم البيان على التقييد متصلا بالكلام الذي وقع
به التخاطب (واما) على مختاره من تعميم البيان الذي هو من مقدمات الحكمة
لمطلق البيان ولو منفصلا وتحكيم الظهور الوضعي على الظهور الاطلاقي حتى في
المنفصلين: لا مجال لتحكيم أصالة الظهور في الخاص في المقام على أصالة العموم في
العام بعد كون ظهور الأول في الدلالة على ثبوت مدلوله من الأول بمقتضى الاطلاق
ومقدمات الحكمة وظهور العام فيه بالوضع (ومنها) ترجيح التخصيص عليه بما
يرجع التصرف الدلالي على التصرف الجهتي عند الدوران بين
التخصيص والثقية، من الجمع بين السندين مهما أمكن (بتقريب) ان الحمل
على النسخ يوجب الغاء التعبد بسند المنسوخ رأسا، لعدم انتهاء الامر في التعبد به
إلى اثر عملي لا بالنسبة إلى الأزمنة المتقدمة لخروجه من محل الابتلاء حتى بأثره،
ولا بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة لفرض منسوخيته (بخلاف) الحمل على التخصيص،
فإنه معه يبقى للعام مقدار من الدلالة يوجب الاخذ بسنده (فعند الدوران) بين
النسخ والتخصيص، يكون أصالة التعبد بسندهما مهما أمكن مرجحا للتصرف الدلالي
على التصرف الجهتي (وفيه) انه لو تم ذلك، فإنما هو في الخاص المتقدم، لما يلزم
من فرض منسوخيته بالعام المتأخر طرح أصل مضمونه الموجب للغوية التعبد بسنده
أيضا (واما) في الخاص المتأخر عن العام (فلا مجال) لهذا الكلام (لبقاء)
157

العام على حاله في بعض مدلوله بالنسبة إلى بقية الافراد المندرجة تحته على تقديري
مخصصية الخاص وناسخيته، بلا انتهاء الامر فيه إلى لغوية التعبد بسنده
(ومنها) ان تقديم التخصيص على النسخ انما هو من جهة اقتضاء الأصل الجهتي
وتقدمه الرتبي على الأصل الدلالي (وبتقريب) ان أصالة الظهور انما تجري في
الظهورات الصادرة لبيان الحكم الواقعي، فيكون الأصل الجهتي كالأصل السندي
منقح موضوع الأصل الدلالي وفي رتبة متقدمة عليه، لكونه مثبتا لصدور الظاهر
لبيان الحكم الواقعي لا لتقية ونحوها (ولازم ذلك) هو جريانه في المرتبة السابقة
على الأصل الدلالي بلا معارض في مرتبة جريانه (وبعد) جريانها لا بد من
التخصيص والتصرف الدلالي في العام (من غير فرق) بين ظهور الخاص على فرض
المخصصية في ثبوت مدلوله، من الأول، وبين عدم ظهوره في ذلك أو ظهوره في ثبوت
مدلوله من الحين (وان كان) على الأخير لا ثمرة عملية بين النسخ والتخصيص،
للعلم بحجية ظهور العام ومرجعيته على كل تقدير إلى حين صدور الخاص، ولزوم
الاخذ بالخاص ورفع اليد عن عموم العام بعد صدور الخاص كذلك (وفيه) ان
مجرد تقدم الطبعي لبعض هذه الأصول لا يقتضى الإناطة والشرطية بين بعضها
وبعض الآخر في مقام الحجية (لوضوح) ان الانتهاء إلى العمل شرط في التعبد
بكل واحد من الأصول الثلاثة أعني أصالة الصدور والجهة والظهور (وبعد) ان
كان الانتهاء إلى العمل منوطا بسد الاحتمالات الثلاثة من احتمال عدم الصدور،
وعدم كون الصادر لبيان غير الحكم الواقعي، وعدم مخالفة الظاهر لما هو المراد الواقعي
(فلا محالة) يكون مجموع الأصول الثلاثة من قبيل العلة المركبة لترتب الأثر
العملي بحيث بانتفاء بعضها ينتفى الأثر فينتفي التعبد عن البقية من غير ترتب في هذه
المرحلة لبعضها على البعض الآخر بحيث يكون بعضها مأخوذا في موضوع الآخر
(نعم) هي متلازمات في مقام الحجية بحيث لا يكون بعضها حجة الا في ظرف
حجية الآخر لأجل ان الأثر العملي لا يكون إلا في ظرف حجية الجميع، نظير
اجزاء المركب المأمور به في كونها متلازمات في مقام الاتصاف بالوجوب بلا إناطة
158

بعضها بوجود غيره (ولازم) ذلك عدم تقدم أحد هذه الأصول الثلاثة الجارية
في السند أو الجهة أو الدلالة على الآخر في مقام الجريان على وجه يكون جريان
بعضها منقحا لموضوع الآخر وفي رتبة متقدمة على جريانه (بل اللازم) في مثله
تزاحم الأصول الثلاثة عند العلم بمخالفة بعضها للواقع وسقوطها عن الاعتبار الا في
الموارد التي يبقى مقدار من الظهور والدلالة القابلة للاخذ بها، فيؤخذ حينئذ بالجميع
بملاحظة العمل المترتب عليه بالنسبة إلى هذا المقدار، كما في موارد الجمع الدلالي
العرفي (وعلى ذلك) فبعد عدم مرجح خارجي لتقديم التخصيص على النسخ ينتهى
الامر إلى الأصول العملية (فإذا كان) الخاص مقدما على العام، كان المرجع بعد
تعارض أصالة الجهة في الخاص مع أصالة الظهور في العام وعدم مرجح لأحدهما، هو استصحاب
حكم الخاص المتقدم (واما) إذا كان الخاص متأخرا عن العام فان كان الخاص واردا قبل
وقت العمل بالعام، فلا ثمرة تترتب على كونه ناسخا أو مخصصا (لان) العمل على كل تقدير
يكون على طبق الخاص المتأخر (وان كان) واردا بعد العمل بالعام، فان لم يكن
له ظهور في ثبوت مدلوله من حين ورود العام، فلا اشكال في أن المتبع هو أصالة
العموم إلى حين ورود الخاص، لجريان كل من الأصل الجهتي والدلالي في العام إلى
حين ورود الخاص، وبعد ورود الخاص يكون المتبع هو الخاص على كل تقدير
(وان كان) له ظهور في ثبوت مدلوله من الأول، فبالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة
عن زمان ورود الخاص، لا يترتب اثر عملي على كونه ناسخا أو مخصصا، لان
العمل على كل تقدير يكون على طبق الخاص دون العام ناسخا كان أو مخصصا
(واما بالإضافة) إلى الأزمنة المتقدمة عن ورود الخاص، فيدور الامر في العام بين
التصرف في ظهوره أو التصرف في جهته (ولكن) طرف المعارضة بدوا لما كان
هو اطلاق الخاص المتأخر في ثبوت مدلوله من الأول لمنافاته مع قضية ظهور العام
في العموم، (فلا جرم بعد تساقطهما يجري) عليه حكم التخصيص إذا كان مفاد
الخاص نقيضا لحكم العام، وحكم النسخ إذا كان ضدا له (ولكن) الذي يسهل
الخطب هو عدم ترتب اثر عملي على هذه الفروض بالنسبة إلينا مع تأخر زماننا عن
159

زمان ورود العام والخاص لخروج ذلك كله عن محل ابتلائنا حتى بلحاظ آثارها
(فان الواجب علينا) هو الاخذ بالخاص المتأخر والعمل على طبقه ناسخا كان أو
مخصصا (نعم) في الخاص المتقدم على العام يترتب ثمرة عملية مهمة على كونه
مخصصا أو منسوخا (ولكن) عرفت، ان المرجع فيه بعد سقوط الأصل الجهتي
في الخاص بالمعارضة مع الأصل الدلالي في العام هو استصحاب حكم المخصص (هذا
كله) إذا كان التعارض بين الدليلين لا أكثر.
(الامر الخامس) إذا كان التعارض بين أكثر من دليلين، ففيه صور
كثيرة (الصورة الأولى) ما إذا ورد عام وخاصان متبائنان، كما لو قام دليل على
وجوب اكرام العلماء، وقام دليل آخر على عدم وجوب اكرام الكوفيين من العلماء،
وقام دليل ثالث على عدم وجوب اكرام البصريين من العلماء (فان النسبة) بين
قوله أكرم العلماء، وبين كل من قوله لا يجب اكرام الكوفيين، وقوله لا يجب
اكرام البصريين هي العموم المطلق (وبالنسبة) بين كل من الخاصين مع الآخر هي
التباين (ولا اشكال) في تخصيص العام بكل واحد من الخاصين إذا لم يلزم منه
التخصيص المستهجن، أو بقاء العام بلا مورد (واما) إذا لزم منه التخصيص الأكثر
المستهجن أو التخصيص المستغرق (فلا بد) في مثله من معاملة التعارض بين العام
ومجموع الخاصين باعمال المرجحات السندية (فان) اخذ بالخاصين ترجيحا أو
تخييرا طرح العام ولا تعارض بينهما (وان اخذ) بالعام كذلك، فحيث ان المعارض
للعام هو مجموع الخاصين دون الجميع، يقع بين الخاصين تعارض بالعرض فيعامل
معهما معاملة المتعارضين (فان كان) لاحد الخاصين مزية على الآخر يؤخذ به
ويخصص به العام ويطرح الآخر (والا) فيؤخذ بأحدهما تخييرا ويخصص به العام
ويطرح الآخر (ثم إن ذلك) إذا لم يكن بين الخاصين معارضة ذاتية كما في المثال،
والا فلا بد من اعمال الترجيح بينهما أو لا، ثم تخصيص العام بالراجح منهما ولا وجه
حينئذ لأعمال الترجيح في العام لأنه فرع معارضة الخاصين معه، فإذا كان الترجيح
بينهما اقتضى قصر الحجية بذى المرجح منهما يسقط الآخر عن صلاحية المعارضة
160

مع العام ولو بضميمة غيره، فينحصر المعارض للعام بالخاص الراجح فيخصص به العام
لأقوائية دلالته منه (هذا) إذا كان الخاصان متساوي الافراد بمعنى عدم اباء العام
عن تخصيصه بكل واحد منهما منفردا (واما) إذا كان أحد الخاصين أكثر افرادا
من الآخر بحيث يأبى العام عن تخصيصه به بانفراده (فلا شبهة) في أنه يخصص العام
بالخاص الآخر الذي لا يلزم من التخصيص به محذور الاستهجان، ويعامل مع
ما يلزم منه المحذور معاملة التباين، الا إذا فرض كون العام اصنافيا لا افراديا، فلا
يضر حينئذ كثرة افراده بتخصيص العام به كما هو ظاهر.
(الصورة الثانية) ما لو ورد عام وخاصان بينهما العموم المطلق، كقوله
أكرم العلماء، وقوله لا تكرم النحويين منهم، ولا تكرم الكوفيين من النحويين
(فان) النسبة بين العام وبين كل واحد من الخاصين هي العموم المطلق (والنسبة)
بين الخاصين أيضا هي العموم المطلق (وتحقيق) الكلام في حكم هذا القسم هو ان
الحكم في الخاصين، اما ان أحرز كونه على نحو وحدة المطلوب (واما) ان أحرز
كونه على نحو تعدد المطلوب ان يكون اكرام مطلق النحوي مبغوضا، واكرام
الكوفي من النحوي مبغوضا آخر بنحو الأشد (فعلى الأول) يخصص العام بأخص
الخاصين (لأنه) كما يخصص به العام، يخصص به الخاص الأعم أيضا حسب
احراز وحدة المطلوب فيهما (ومع) تخصيصه به يخرج عن الحجية فيما عدى مورد
الأخص، فلا يصلح للمعارضة مع العام كي تلاحظ النسبة بينه وبين العام فيخصص
به، بل العام يبقى على حجيته في ما عدى مورد الخاص الأخص وهو الكوفي من
النحوي من غير أن يزاحمه حجة أخرى (وعلى الثاني) وان يبقى المجال في بدو
الامر لتخصيص العام بكل من الخاصين (ولكن) بعد خروج أخصهما من حكم
العام على كل تقدير اما مستقلا واما في ضمن الخاص الأعم، ينقلب (1) النسبة بين العام وبين
الخاص الأعم إلى العموم من وجه لان النحوي يعم الكوفي وغيره والعالم الكوفي يعم
النحوي وغيره (فملى القول) بالانقلاب كما هو مسلك جماعة، تقع المعارضة بينهما في
مورد الاجتماع وهو النحوي غير الكوفي، حيث كان مقتضى العام وجوب

(1) قوله: ينقلب: ولكن الانصاف عدم تمامية دعوى انقلاب
النسبة في الفرض المزبور فإنه مع امكان تخصيص العام بكل واحد من الخاصين
فلا محالة يخصص بهما جميعا ولا مجال لتخصيصه بأحدهما أولا ثم ملاحظة النسبة بينه
وبين الخاص الآخر ومجرد خروج أخص الخاصين من تحته على كل تقدير لا يقتضى
قلب النسبة بينه وبين الخاص الأعم نعم لهذا الكلام مجال في الفرض الأخير
وهو فرض عدم صلاحية العام لتخصيصه بينهما كما هو ظاهر منه قده
161

اكرامه، وكان مقتضى الخاص الأعم حرمة اكرامه (لا يقال) انه لاوجه لتخصيص العام
أو لا بأخص الخاصين، ثم ملاحظة النسبة بين الباقي تحت العام وبين الخاص الأعم
(بل اللازم) بعد تسوية نسبة العام إلى كل من الخاصين هو تخصيص العام بكل
منهما دفعة (فإنه يقال) ان تخصيص العام بأخص الخاصين قهري للعلم بعدم حجية
العام بالنسبة إليه لخروجه عن تحته على كل تقدير (وحينئذ) فعلى القول بالانقلاب
لا محيص من لحاظ نسبة العموم من وجه بين العام وبين الخاص الأعم، لا نسبة
العموم المطلق بينهما كما هو ظاهر (نعم) على المختار من عدم انقلاب النسبة في
التخصيصات المنفصلة كما سيأتي تحقيقه انشاء الله تعالى يخصص العام بهما جميعا
(وهذا) إذا لم يلزم من تخصيص العام بكل من الخاصين التخصيص المستهجن أو
المستوعب (وأما إذا لزم) منه ذلك، فحيث ان المحذور لا يكون الا من جهة عدم
صلاحية الأعم من الخاصين لتخصيصه والا فصلاحيته لذلك ملازم لصلاحية
الأخص أيضا لتخصيصه (فلا محالة) لا بد من تخصيصه بالخاص الأخص
والرجوع إلى المرجحات السندية بين العام والخاص الأعم كما أشرنا إليه آنفا (وبما
ذكرنا) (1) انقدح عدم صحة ما عن بعض الأعاظم قده من الحاق حكم هذا القسم بالقسم الأول
خصوصا على مختاره من انقلاب السنة، فراجع كلامه قده ترى فيه مواقع
للنظر.
(تبصرة) اعلم أن العبرة في استهجان التخصيص أو قبحه انما
هو على لغوية القاء العام إلى المكلف مع التخصيص الكثير أو المستوعب (وهذا
المحذور) انما يتحقق إذا كان الخاص مستوعبا للعام بما له من الافراد الفعلية والفرضية
(والا) فمجرد استيعابه لافراده الفعلية لا يوجب لغويته، فإذا ورد دليل على
وجوب اكرام العلماء، ودليل آخر على حرمة اكرام فساقهم يخصص به العام المزبور
وان كان مستوعبا لافراده الفعلية (إذ يكفي) في عدم لغوية العام ان يكون له
افراد فرضية بعد التخصيص (نعم) انما يرد المحذور فيما إذا كان مفاد العام على
نحو القضية الخارجية، نظير قوله كل من في الدار هلك، لا على نحو القضية

(1) قوله: وبما ذكرنا: كما أنه على ذلك لا بد على القول
بانقلاب النسبة من ملاحظة النسبة بين العام المخصص وبين الخاص الأعم وليس
هنا مجال دعوى ان نسبة العام إلى كل واحد من الخاصين على السوية لأن المفروض
ح نصوصية العام بالنسبة إلى مقدار مدلول الخاص الأعم لفرض عدم قابليته للتخصيص
به واختصاص صلاحيته له بخصوص أخص الخاصين و ح فعلى القول بالانقلاب لاوجه لملاحظة العام مع مجموع الخاصين كي ينتهى الامر إلى التعارض بينه وبينهما كما
لا يخفى منه قده.
162

الحقيقة (وعلى هذا) الضابط يختلف الحال في ورود محذور التخصيص المستهجن
والقبيح وعدم وروده باختلاف الموارد حسب كون مفاد العام وكذا الخاص على
نحو القضية الحقيقية أو الخارجية (فكل مورد) يكون مفاد العام والخاص على
نحو القضية الخارجية يتحقق المحذور باستيعاب الخاص للأفراد الفعلية الخارجية
فيرجع إلى المرجحات السندية بين العام والخاص (وكل) مورد يكون مفادهما
على نحو القضية الحقيقية الناظرة إلى الافراد الفعلية والفرضية، فلا يتحقق المحذور، الا
باستيعاب الخاص لجميع افراده الفعلية والفرضية، أو لأكثرها، لا بصرف استيعابه
للافراد الفعلية كما هو ظاهر (الصورة الثالثة) ما إذا ورد عام وخاصان تكون
النسبة بينهما العموم من وجه، كما إذا قال أكرم العلماء، ثم قال لا تكرم النحويين،
وقال أيضا يستحب اكرام الصرفيين (فان) النسبة بين قوله أكرم العلماء وبين كل
من قوله لا تكرم النحويين ويستحب اكرام الصرفيين هي العموم المطلق، والنسبة
بينهما هي العموم من وجه ومجمع التصادق فيهما هو النحوي الصرفي (وحكمه) انه
يخصص العام بكل واحد من الخاصين مع الامكان حتى بالنسبة إلى مجمع تصادق
الخاصين (ومع) عدم امكان تخصيصه بهما يرجع إلى التفصيل الذي ذكرناه في
الصورة الأولى (لا يقال) ان في مجمع تصادق الخاصين يسقط الخطابان عن
الحجية بالمعارضة، فلا وجه لتخصيص العام بهما حتى في مجمع تصادقهما (بل لا بد)
حينئذ من أن يكون العام مرجعا بالنسبة إلى المجمع بعد تعارض الخطابين وتساقطهما
فيه عن الحجية (فإنه يقال) ان سقوط الخطابين عن الحجية في المجمع انما هو
بالنسبة إلى مدلولهما المطابقي (واما) بالنسبة إلى مدلولهما الالتزامي في نفي الثالث
فهما على حجيتهما، ولازمه هو خروج المجمع عن تحت العام وكونه محكوما بغير
حكمه، وسيأتي تنقيح البحث في ذلك انشاء الله تعالى.
(الصورة الرابعة) ما إذا ورد عامان بينهما العموم من وجه وخاص، كما إذا
قال أكرم النحويين، ثم قال لا تكرم الصرفيين، وقال أيضا يستحب أكرم النحوي
غير الصرفي (فتارة) يكون مفاد الخاص اخراج مورد اقتران أحد العامين كما في
163

المثال (وأخرى) يكون مفاده اخراج مورد اجتماع العامين. كقوله يستحب اكرام
الصرفي من النحويين (فعلى الأول) تنقلب النسبة بين العامين بعد التخصيص إلى
العموم المطلق (لأنه) بخروج النحوي غير الصرفي يختص قوله لا تكرم النحويين
بالنحويين من الصرفيين، فتصير النسبة بينه وبين قوله لا تكرم الصرفيين هي العموم
المطلق (وعلى الثاني) تنقلب النسبة بين العامين بعد اخراج مورد الاجتماع إلى
التباين، لاختصاص قوله لا تكرم النحويين بما عدا الصرفيين، وقوله لا تكرم
الصرفيين بما عدا النحويين، فتوجب هذا الانقلاب على القول به في مقام اخذ
النسبة لنحو جمع بين العامين المزبورين
(الصورة الخامسة) ما إذا ورد عامان متعارضان بالتباين، كقوله أكرم
العلماء، وقوله لا تكرم العلماء (فإنه) بملاحظة ورود دليل ثالث قد يقال بانقلاب
النسبة بينهما من التباين إلى العموم المطلق تارة، والى العموم من وجه أخرى
(فالأول) ما لو كان مفاد دليل الثالث اخراج عدول العلماء من قوله لا تكرم
العلماء، أو اخراج فساق العلماء من قوله أكرم العلماء (فإنه) تنقلب النسبة بذلك
بين العامين إلى العموم المطلق (ومن ذلك) الأدلة الدالة بعضها على إرث الزوجة من
العقار مطلقا وبعضها على عدم ارثها منها مطلقا، وبعضها على ارثها من العقار ان كانت أم ولد
(والثاني) فيما لو ورد دليل رابع يوجب تخصيص قوله أكرم العلماء بالفقهاء منهم (فإنه) بعد
هذا التخصيص تنقلب النسبة بين قوله أكرم العلماء وبين قوله لا تكرم العلماء بعد
تخصيصه بما عدى العدول إلى العموم من وجه (وهكذا) الكلام في النسبة بين
أكثر من دليلين، كقوله أكرم العلماء، ولا تكرم الفساق، ويستحب اكرام
الشعراء (فان) النسبة بين كل واحد من الأدلة الثلاثة مع الآخر هي العموم من
وجه (وبعد) ورود دليل رابع على اخراج مجمع التصادق فيها وهو العالم الفاسق
الشاعر تنقلب النسبة بينها من العموم من وجه إلى التباين (وعلى) اخراج مورد
الافتراق عن إحدى الأدلة الثلاثة تنقلب النسبة بينه وبين الآخرين إلي العموم
المطلق، وهكذا (فإنه) قد يتوهم كون المدار في ملاحظة كون الأدلة متعارضة أو
164

غير متعارضة على هذه النسبة المنقلبة بعد تخصيص بعض الأدلة ببعضها لا على
النسبة الأولية المتحققة بينها.
(وغاية ما قيل) أو يمكن ان يقال في تقريب الانقلاب، وجهان (أحدهما)
ان التعارض انما يلاحظ بين الأدلة بمقدار كشفها وحكايتها عن المراد النفس الأمري
(ولا شبهة) في أن العام المخصص بعد التخصيص يتضيق دائرة كشفه وحكايته عن
الواقع ولا يبقى حيث كشفه على ما كان له قبل التخصيص (لان) دليل الخاص في
مثل قوله لا تكرم الفساق من العلماء يكشف عن عدم كون عنوان العام في قوله
أكرم العلماء تمام المراد وان المراد الجدي منه هو ما عدا الفساق فيوجب تضييق
دائرة كشف العام عن المراد النفس الأمري (ومع) تضيق دائرة كشفه وحكايته
عن الواقع يلزمه انقلاب النسبة بينه وبين العام الآخر المقابل له من حيث كشفه
إلى العموم المطلق (وثانيها) ان ملاحظة النسبة بين المتعارضين لا بد ان تكون
بين الحجتين بان يكون كل واحد من المتعارضين من حيث ذاته مع قطع النظر عن
معارضه حجة فعلية تصح الركون إليه في استفادة الحكم الشرعي والافتاء بمضمونه
وحيث إن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل لم يكن حجة فعلية في تمام مدلوله، وانما
حجيته فيما عدا عنوان الخاص وهو المقدار الباقي تحته بعد التخصيص (فلا محيص)
في مقام لحاظ النسبة من لحاظها بينه وبين العام الآخر في مقدار يكون حجة فعلية
فيه لولا معارضه، ولا يكون ذلك الا بعد تخصيصه بالخاص الوارد عليه (وهذا)
معفى انقلاب النسبة بين الدليلين أو الأكثر.
(أقول) ولا يخفى ما فيه من الفساد (اما الوجه الأول) ففيه ان تعارض
الأدلة وان كان باعتبار كشفها عن المراد الواقعي بمعنى الدلالة التصديقية على المراد،
لا الدلالة التصورية (ولكن) المدار في الحجية في باب الألفاظ بعد أن. كان
على الكاشفية النوعية الحاصلة من القاء الظاهر في مقام الإفادة والاستفادة، لا على
الكاشفية الفعلية المنافية مع الظن بالخلاف (نقول) انه مع انعقاد الظهور النوعي
العمومي للعام الملقى في مقام الإفادة والاستفادة وعدم انثلامه بقيام القرينة المنفصلة
165

على التخصيص، لعدم اقتضاء الخاص المنفصل الأقصر حجية ظهور المدلول ورفع
اليد عن البعض الآخر (لا يبقى) مجال دعوى انقلاب النسبة بين العام المخصص، بالمنفصل
بعد التخصيص وبين العام أو الخاص الآخر المنفصل (ولا فرق) في ذلك بين ان يكون المتكلم
من عادته إفادة مرامه بكلامين منفصلين، أو لم يكن كذلك (فان) مثل هذه العادة
غير مغيرة للكاشفية النوعية التي عليها مدار دلالة الألفاظ على المراد الجدي، بل
غاية ما تقتضيه هو عدم ترتب الأثر على ظهور كلام مثله قبل الفحص عن القرينة
المنفصلة على خلاف ما يقتضيه ظهور كلامه (ولذا) لا يكون الظفر بالقرينة على
التخصيص الا رافعا لحجية ظهوره لا كاشفا عن عدم ظهوره من الأول ولا رافعا لظهوره
بعد انعقاد (نعم) لو قلنا ان القرائن المنفصلة كالمتصلة منها تكون كاسرة لأصل
ظهور الكلام ودلالته على المراد (أو قلنا) ان مناط الحجية في الظهورات على
الكاشفية الفعلية عن المراد الجدي (لاتجه) القول بانقلاب النسبة في الموارد
المذكورة، لارتفاع الظهور النوعي العمومي للعام على الأول، وارتفاع كاشفيته
الفعلية عن المراد الواقعي عن الثاني بقيام القرينة المنفصلة على التخصيص (ولكن)
المبنيين مع كونهما سخيفان في نفسهما لا يلتزم بهما القائل بالانقلاب (ومن التأمل) فيما
ذكرنا يظهر الجواب عن الوجه الثاني (إذ نقول) ان التعارض في الأدلة وان كان
بين الحجتين، للزوم ان يكون كل من المتعارضين في نفسه مما يصح الركون إليه
لولا المعارض (ولكن) الكلام في الظهور الذي هو موضوع الحجية وانه ليس
ظهورا آخر وراء ما يقتضيه العام أولا من الظهور النوعي العمومي (لما ذكرنا) من أن
نتيجة التخصيص بالمنفصل ليست الأقصر حجية ظهور العام ببعض مدلوله ورفع
اليد عنه ببعضه الآخر (ومن البديهي) ان قصر حجيته ببعض مدلوله غير موجب
لقلب دلالته النوعية على العموم، ولا لأقوائية دلالته في مقدار حجيته (لان)
ظهوره ودلالته في مقدار حجيته انما هو بعين ظهوره ودلالته على تمام مدلوله قوة
وضعفا لا بظهور آخر غيره (وحينئذ) فإذا كان هذا الظهور مساويا أو أضعف من
ظهور غيره، فكيف يقدم ظهوره في مقدار الحجية على ما كان مساويا أو أقوى
166

ظهورا منه بصرف أخصيته (وتوهم) ان الخاص أينما وجد يقدم على العام ولو كان
ظهوره مساويا أو أضعف من ظهور العام (مدفوع) بأنه على فرض تسليمه انما يتم
في الخاص الحقيقي لا في الخاص الاعتباري الناشئ من طرو حد اعتباري على
بعض مدلول العام لأجل قصر الحجية عليه (نعم) لو كانت الأخصية حاصلة من
قرينة متصلة بالعام لكان لتقديمه على غيره مجال (ولكن) أين ذلك والقرينة المنفصلة
غير الكاسرة لظهوره في العموم كما هو ظاهر (وحينئذ) فالتحقيق في جميع الموارد
المذكورة هو ملاحظة النسبة الأولية الثابتة بين الدليلين أو أزيد، من التباين أو
العموم من وجه أو المطلق بفرض وجود المخصص من هذه الجهة كان لم يكن ثم العمل
على ما تقتضيه النسبة الأولية من التعارض أو الترجيح.
تكملة
ينبغي تتميم البحث بالإشارة إلى بيان النسبة بين أدلة ضمان العارية (فنقول)
ان الأخبار الواردة في هذا الباب على طوائف أربع.
(الأولى) ما يدل بعمومه أو اطلاقه على عدم ضمان العارية مطلقا من غير
تقييد بشئ، كصحيحة الحلبي عن الصادق (ع): ليس على مستعير عارية ضمان
وصاحب العارية والوديعة مؤتمن، وقريب منها صحيحة بن مسلم عن الباقر (ع).
(الثانية) بهذا المضمون الا انه استثنى مطلق الذهب والفضة، كرواية
إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله أو أبى إبراهيم عليهما السلام: قال العارية ليس
على مستعيرها ضمان الا ما كان من ذهب أو فضة فإنهما مضمومان اشترطا أو لم يشترطا.
(الثالثة) بهذا المضمون الا انه استثنى الدنانير، كرواية عبد الله بن سنان
قال قال أبو عبد الله (ع) لا تضمن العارية الا أن يكون قد اشترط فيها الضمان
الا الدنانير فإنها مضمونة وان لم يشترط فيها ضمانا.
(الرابعة) بهذا المضمون الا أنه استثنى الدراهم خاصة، كرواية عبد الملك
167

عن أبي عبد الله (ع) قال ليس على صاحب العارية ضمان الا أن يشترط صاحبها الا
الدراهم فإنها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط (فهذه) طوائف أربع من الاخبار
قد توافقت على عدم ضمان العارية في غير جنس الذهب والفضة الا مع اشتراط
الضمان فيها (واما) في جنس الذهب والفضة فقد اختلف فيها الأخبار المذكورة
حيث إن مقتضى اطلاق صحيحة الحلبي هو عدم الضمان فيها أيضا، ومقتضى البقية
هو ثبوت الضمان فيها (كما أن) بين الطائفة الثانية وبين الطائفة الثالثة والرابعة أيضا
اختلاف في مطلق الذهب والفضة (فان مقتضى) الطائفة الثانية ثبوت الضمان
فيهما، ومقتضى الطائفة الثالثة والرابعة نفي الضمان في عارية مطلق الذهب والفضة،
وبينهما العموم من وجه (وأيضا) بين الطائفتين الأخيرتين اختلاف آخر في ضمان
الدرهم والدينار من حيث اقتضاء العقد السلبي في كل منهما نفي ما يثبته الآخر بالعقد
الاثباتي (فلا بد) حينئذ من العلاج بالجمع بين هذه الأخبار (فنقول) اما
الطائفتان الأخيرتان فالجمع بينهما انما هو بتقييد اطلاق العقد السلبي في كل منهما
بالعقد الاثباتي في الآخر، فتصير النتيجة هي عدم الضمان الا في عارية الدراهم
والدنانير (لان) الروايتين حينئذ بمنزلة رواية واحدة نافية للضمان الا في عارية
الدراهم والدنانير (وبهاتين) الطائفتين يخصص عموم نفي الضمان في العارية في
صحيحة الحلبي، فيصير نفي الضمان فيها مختصا بما عدا الدراهم والدنانير (فيبقى
التعارض) بينهما، وبين رواية إسحاق بن عمار في الذهب والفضة المسكوكين (فان)
مقتضى رواية إسحاق بن عمار هو ثبوت الضمان في عارية مطلق الذهب والفضة وان
لم يكونا مسكوكين، ومقتضى العقد السلبي في روايتي الدراهم والدنانير هو عدم
الضمان فيما عدا الدرهم والدينار مطلقا، وبينهما العموم من وجه، فيتعارضان في
مجمع تصادقهما، وهو الذهب والفضة غير المسكوكين، ويكون المرجع بعد تساقطهما
فيه، عموم ما دل على نفي الضمان كصحيحة الحلبي المتقدمة من قوله (ع) ليس على مستعير
عارية ضمان وصاحب العارية والوديعة مؤتمن (وقد يتوهم) بان النسبة بين عموم
ما دل على نفى الضمان، وبين ما دل على ثبوت الضمان في مطلق الذهب والفضة بعد
168

ما كانت على نحو العموم المطلق وجب تخصيص الأول بالثاني كتخصيصه بما دل
على ثبوت الضمان في عارية الدراهم والدنانير، لما تقدم من أنه إذا ورد عام
وخاصان بينهما العموم المطلق وجب تخصيصه بكل من الخاصين ولو كانت النسبة بين
الخاصين هي العموم المطلق (ولكنه) مدفوع بان عدم تخصيصه به انما هو من
جهة عدم حجيته لابتلائه بالمعارضة مع ما دل على نفي الضمان فيما عدا الدراهم والدنانير
(إذ حينئذ) يبقى عموم ما دل على نفي الضمان في العارية بالنسبة إلى الذهب
والفضة غير المسكوكين على حاله، فيكون مرجعا في مجمع التصادق عن تصادم
الظهورين وتساقطهما في المجمع (هذا) على ما اخترناه من عدم انقلاب النسبة بين
الدليلين بعد تخصيص أحدهما بدليل ثالث (واما على القول) بالانقلاب تكون
النتيجة أيضا هي عدم الضمان في عارية غير المسكوك من الذهب والفضة (لأنه)
بتخصيص عموم نفي الضمان في العارية في صحيحة الحلبي بما دل على الضمان في الدرهم
والدنانير، تنقلب النسبة بين العام المزبور وبين ما دل على ثبوت الضمان في مطلق
الذهب والفضة إلى العموم من وجه وبعد تعارضهما في مجمع التصادق وهو الذهب
والفضة غير المسكوكين، يكون المرجع أصالة البراءة عن الضمان في حلى غير
المسكوك من الذهب والفضة، فتكون النتيجة على المسلكين هي عدم الضمان
(غير أن) عدم الضمان على المختار يكون من جهة الأصل اللفظي وهو عموم نفي
الضمان (وعلى مسلك) انقلاب النسبة من جهة الأصل العملي (ثم إن) ما ذكرناه
من مرجعية عموم نفي الضمان في عارية الذهب والفضة غير المسكوكين، أو مرجعية
أصالة البراءة على المسلك الآخر مبنى على تصادم كلا الاطلاقين وتساقطهما (والا)
فيمكن ترجيح تقييد اطلاق رواية الذهب والفضة بخصوص المسكوك منهما على
تقييد اطلاق العقد السلبي في روايتي الحصر في الدرهم والدينار لأظهرية الثاني
في العموم بملاحظة الاستثناء الوارد فيه من الأول في اطلاقه لمطلق الذهب والفضة
(واما) توهم بعد تقييد اطلاق رواية الذهب والفضة بخصوص المسكوك منهما،
لكونه من التقييد بالفرد النادر المستهجن عرفا (لان) الغالب في عارية الذهب
169

والفضة هو عارية الحلي غير المسكوك، لأنه هو الذي يستعار للزينة، فيكون حمل
اطلاق رواية ضمان عارية الذهب والفضة على المسكوك منهما حملا له على الفرد النادر
(فمدفوع) أولا بمنع ندرة عارية المسكوك من الذهب والفضة خصوصا مع كثرة
الحلي المتخذ منهما (وثانيا) ان حمل المطلق على الفرد النادر انما يستهجن إذا لم
يكن المتكلم متكفلا لبيان الفرد النادر، والا فلا استهجان فيه، وبعد تكفل
روايتي الدرهم والدينار لبيان حصر الضمان في العارية بخصوص المسكوك من الذهب
والفضة أين يبقى المجال للتوهم المزبور (ولا أقل) من تصادم الاطلاقين في المجمع وعدم ترجيح أحدهما على الآخر، فيكون المرجع فيه عمومات نفي الضمان في مطلق
العارية التي لم يتصل بها استثناء الدراهم والدنانير (هذا كله) إذا كان لاحد
المتعارضين مزية في الدلالة تقتضي الجمع العرفي بينهما (واما) إذا لم يكن لأحدهما
مزية تقتضي ذلك بان كانا متكافئين في الدلالة (ففيه) يقع الكلام في مقامين
(الأول) في حكم المتعارضين بالنظر إلى ما يقتضيه الأصل الأولى في المتعارضين
بلحاظ عموم دليل الحجية من أنه هو التساقط وفرضهما كان لم يكونا أو هو
التخيير (الثاني) في بيان حكمها بالنظر إلى ما يستفاد من الاخبار العلاجية من الترجيح
أو التخيير.
اما المقام الأول
فالبحث فيه يقع (تارة) على الطريقية في الامارات (وأخرى) على السببية
والموضوعية فيها (فيقول) ان تحقيق الكلام في المقام، هو أن يقال ان التنافي
بين الخبرين أو أزيد (اما ان يكون) من جهة العلم الاجمالي بكذب أحد الخبرين
مضمونا للواقع، لتناقضهما أو تضادهما اما ذاتا أو غرضا، كما في مثال وجوب صلاة
الظهر ووجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة، مع احتمال صدور الخبرين معا عن
الإمام (ع) (واما ان يكون) التنافي بينهما من جهة العلم بعدم صدور كلا الخبرين
170

من الإمام (ع) ولو لاشتباه أحد الراويين في حكاية صدور مضمون الخبر عن
الإمام (ع)، مع احتمال مطابقة كلا المضمونين للواقع بعكس الفرض الأول (فإنه)
لأجل العلم الاجمالي المزبور يقع التنافي بين الخبرين بلحاظ صدورهما عن الإمام (ع)
لا بلحاظ مضمونهما لاحتمال مطابقتهما للواقع (ولا يخفى) ان مورد الكلام الذي انعقد هذا
البحث لأجله من الحكم بالجمع أو الترجيح أو التخيير انما هو في خصوص الفرض
الأول (واما) الفرض الثاني فهو خارج عن مصب هذه الأحكام، فلا تجرى فيه
الجمع العرفي بين الأظهر والظاهر ولا الترجيح والتخيير (لان) ذلك كله فرع تنافي
الخبرين بمضمونهما للواقع (بل الحكم) فيه عند كون الخبرين نصين في المؤدى هو
وجوب الاخذ بسند كل منهما والعمل على طبقه لعدم مخالفة عملية من اعمال كل من
التعبدبن فيهما (ومجرد) العلم الاجمالي بعدم صدور أحد الخبرين عن الإمام (ع)، لا يضر
بالأخذ بالامر الطريقي في كل منهما بعد عدم سراية العلم الاجمالي من متعلقة الذي
هو العنوان الاجمالي إلى الخارج، وكون كل من الخبرين بعنوانه التفصيلي محتمل
الصدور (إذ في مثله) لا قصور في شمول دليل السند لكل منهما بعنوانه التفصيلي
وتتميم كشفه (كما أن) عدم شمول الامر الطريقي لما هو معلوم الكذب بنحو
الاجمال، لا يمنع عن شموله لكل منهما بعد كون كل منهما محتمل الصدق بعنوانه
الخاص وقابليته لتتميم كشفه (وحكمة) الأوامر الطرقية التي هي غلبة الايصال أيضا
غير مانعة عن شمولها لمثل الفرض (وتوهم) ان المدلول الالتزامي في التعبد بكل من
السندين لما كان نافيا لصدور الآخر بمقتضى العلم الاجمالي، امتنع دخولهما معا تحت
دليل الحجية لأدائه إلى التناقض، ودخول أحدهما بعينه تحته دون الآخر ترجيح
بلا مرجح، فلا بد من الحكم بخروجهما معا عن تحت دليل السند (مدفوع) بأنه
كذلك إذا كان الخبران متناقضي المضمون (واما) إذا لم يكونا متناقضي
المضمون، فلا اثر لمدلولهما الالتزامي خصوصا بعد كون الخبرين نصين في المؤدى
(إذ لا اثر) حينئذ لمجرد عدم صدور الخبر عن الإمام (ع) كي يترتب ذلك على
ما يقتضيه المدلول الالتزامي فيهما (وانما) الأثر العملي على مطابقة مضمون
171

الخبر للواقع، وعدم مطابقته (وبعد) عدم اقتضاء المدلول الالتزامي فيهما نفي
مطابقة مضمونهما للواقع، لعدم التلازم بين عدم صدور الخبر عن الامام واقعا،
وبين عدم مطابقة مضمونه للواقع، فلا محالة يسقط المدلول الالتزامي في الطرفين
عن الحجية ويكون وجوده كعدمه (فيصير) حال الخبرين من هذه الجهة حال
الاستصحابين الجاريين في طرفي العلم الاجمالي مع عدم استلزام جريانهما للمخالفة
العملية (إذ لا فرق) بين أوامر الطرق، وبين نهى لا تنقض من حيث كونهما أمرين
طريقيين (ومجرد) اختلافهما في كيفية اللسان من حيث التعرض لتتميم الكشف
في أوامر الطرق وعدم التعرض له في نهى لا تنقض لا يوجب فرقا بنيهما من هذه الجهة
(بل الامر) في المقام (أوهن) لان فيه لا علم بمخالفة أحد المضمونين للواقع، بخلاف
الاستصحابين الجاريين في طرفي العلم.
(وبما ذكرنا) ظهر انه يمكن الالتزام بشمول دليل التعبد للامارتين المعلوم
كذب أحدهما مضمونا للواقع في فرض عدم حجية مدلولهما الالتزامي (كما لعله)
من هذا الباب حجية الاقرار، فيما لو أقر بعين لواحد ثم أقر بكونها للآخر، فإنه
يحكم باعطاء العين للأول، وباعطاء القيمة للثاني مع فرض العلم بمخالفة أحد الاقرارين
للواقع (إذ بعد) عدم حجية المدلول الالتزامي في الاقرارين من
نفي استحقاق الغير للعين، لكونه من الاقرار على الغير غير المسموع منه (وعدم)
استلزامهما المخالفة العملية الموجبة لطرح تكليف ملزم في البين لا من الحاكم ولا
المقر له لكونه من العلم الاجمالي بالتكليف بين الشخصين (فلا جرم) يؤخذ بكل
من الاقرارين بمقتضى التعبد بهما بلا ورود محذور في شمول دليل التعبد لهما فيحكم
الحاكم على طبق كلا المضمونين حتى على القول بطريقية الاقرار لا موضوعيته كما
توهمه بعض (كما أنه بما ذكرناه) من شمول دليل التعبد بالسند لكل من الخبرين
يظهر الحال فيما إذا لا يمكن العمل بمضمون كل واحد منهما من جهة العجز عن
الجمع بينهما (فإنه) يصار إلى التخيير في العمل بكل واحد منهما برفع اليد عن اطلاق
المنع عن جميع أنحاء الترك في كل منهما بقصره على بعضها الراجع إلى جواز ترك كل
172

منهما في ظرف الاتيان بالآخر، وعدم جوازه في ظرف ترك الآخر
كما هو الشأن في كل واجب تخييري على ما حققناه في محله (هذا
كله) إذا كان الخبران نصين في المؤدى (واما) إذا كانا غير نصين في
المؤدى بحيث يحتاج في ترتيب الأثر على التعبد بسندهما إلى تعبد آخر بالمؤدى
(ففيه) يسقط الخبران عن الحجية ولكن لا بمناط تصادم الظهورين (بل من
جهة) اقتضا التعبد بكل واحد من السندين بالالتزام نفي صدور الآخر الملازم
شرعا لنفي التعبد بدلالته أيضا (لوضوح) ان التعبد بدلالة كل خبر فرع
صدوره عن الإمام (ع)، ومع اقتضاء المدلول الالتزامي للتعبد بكل من السندين
طرح موضوع التعبد بالدلالة في الآخر، فلا يعمهما التعبد بالدلالة (ولازمه) عدم
شمول التعبد بالسند لهما أيضا، لصيرورتهما حينئذ في عدم الانتهاء إلى الأثر العملي
بمنزلة المجمل الذي لا ظهور فيه فلا يشملهما دليل التعبد بالسند، للغوية التعبد بسند
ما لا يكون له ظاهر متعبد به (ولا فرق) في ذلك بين ان يكونا متعادلين في الدلالة،
وبين ان يكون أحدهما أقوى من الآخر (فان جهة) الأقوائية في الدلالة غير
مثمرة في هذا الفرض (ولذا) قلنا بخروج هذا الفرض عن موضوع الجمع العرفي
بين الدلالتين (لان) المدار فيه انما هو في الكلامين الصادرين من متكلم واحد
أو المتكلمين هما بمنزلة متكلم واحد كالاخبار الصادرة من المعصومين (ع)
(ومثله) مما يقطع بعدمه في مفروض البحث (لأنه) على تقدير كون الصادر هو
الظاهر فلا وجود الأظهر حتى يقتضي التصرف في ظهوره (وعلى تقدير) كونه هو
الأظهر فلا وجود للظاهر حتى يتصرف فيه (وهذا) بخلاف ما لو كان الخبران نصين
في المؤدى (إذ في مثله) لما لا يحتاج في الانتهاء إلى الأثر العملي إلى التعبد بالدلالة
لفرض كونهما نصين في المؤدى، فلا محالة يعمهما الدليل التعبد بالسند فيؤخذ بكل واحد
من الخبرين ويعمل على طبقهما بلا اقتضاء المدلول الالتزامي فيهما شيئا (وبذلك) يظهر
الحال فيما لو كان أحد الخبرين نصا في المؤدى والآخر ظاهرا فيه (فإنه) يؤخذ
بالنص منهما ويطرح الآخر الظاهر (هذا كله) إذا كان التنافي بين الخبرين لأجل
173

العلم بعدم صدور أحدهما من الإمام (ع) واقعا.
(وأما إذا كان) التنافي بينهما لأجل التنافي بين مدلوليهما اما على وجه
التناقض أو التضاد ذاتا أو عرضا (فالبحث فيه) تارة يكون على القول بالطريقية
والكاشفية في الامارات، وأخرى على السببية والموضوعية فيها (فنقول) اما على
الطريقية، فلا ينبغي الارتياب في أن مقتضي الأصل في المتعارضين هو سقوطهما
عن الحجية (وذلك) لا لما توهم من مانعية العلم الاجمالي، لما تكرر منا غير مرة
من عدم مانعية مجرد العلم الاجمالي عن شمول دليل الحجية لكل واحد من
المتعارضين الا على مبنى سخيف وهو سراية العلم إلى الخارج (بل) من جهة ان
الدليلين المتعارضين لما كان كل واحد منهما دالا على نفي الآخر اما بالمطابقة لو كانا
متناقضي المضمون بالايجاب والسلب، أو بالالتزام لو كانا متضادي المضمون
كالوجوب والحرمة، وكان اطلاق دليل حجيتيهما في المدلول المطابقي والالتزامي في
عرض واحد (يمتنع) دخولهما تحت دليل الحجية، لا داء التعبد بسند كل واحد
منهما بما لهما من المضمون مطابقة والتزاما إلى التعبد بالنقيضين، وهو من المستحيل
حتى فيما كان التعارض بينهما عرضيا، كوجوب صلاة الظهر ووجوب صلاة الجمعة
(واما دخول) أحدهما بعينه تحت دليل التعبد دون الآخر، فهو أيضا ممتنع لكونه ترجيحا
بلا مرجح (فلا بد) من سقوطهما معا عن الحجية (لا يقال) انه كذلك إذا كانا
نصين في المؤدى (واما) إذا كانا ظاهرين فيه فلا محذور في الاخذ بالمتعارضين
بمقتضى عموم دليل التعبد بالصدور ثم الجمع بينهما مع عدم امكان العمل بهما ولو بضرب
من التأويل كما في مقطوعي الصدور (فإنه يقال) أولا منع وجوب التأويل
في مقطوعي الصدور بنحو يستخرج مراد المتكلم منهما ولو ببعض المحامل البعيدة
التي لا يساعد عليها العرف وطريقة المحاورة فضلا عن مظنوني الصدور (لان) القطع
بالصدور لا يقتضى التأويل حتى يجب ذلك في مظنونه (بل اللازم) في مثله، هو الحكم
باجمال المراد والتوقف محضا (وعلى فرض) وجوب التأويل في مقطوعي الصدور،
فإنما هو لأجل ان القطع بالصدور قرينة على عدم إرادة المتكلم ظاهر كل واحد منهما
174

(وفي المقام) لا ملزم للاخذ بسند المتعارضين حتى يلتجئ إلى التصرف في ظاهرهما
بضرب من التأويل (فلا محيص) حينئذ من القول بتساقطهما، لعدم امكان دخولهما
معا تحت دليل الحجية، ولا دخول أحدهما المعين لعدم المرجح،
(واما توهم) التخيير في الاخذ بهما بدعوى شمول عموم دليل الحجية
للواحد منهما بلا عنوان القابل للانطباق على كل واحد ولو بتوسيط اختيار المكلف،
كما لو ورد من الأول التعبد بأحدهما المخير نظير التخيير في خصال الكفارة
(فمدفوع) بان الوجوب التخييري غير متصور في مثل المقام المنتهى إلى التعبد
بالنقيضين ولو باعتبار المدلول المطابقي والالتزامي (لان) مرجع الوجوب التخييري انما
هو إلى الامر بكل واحد من الامرين في ظرف عدم وجود بديله، وهذا انما يتصور إذا لم
يكونا مانعتي الخلو بحيث أمكن اعمال المولوية بالنهي عن ترك مجموع الامرين، لا في
مثل النقيضين أو الضدين لا ثالث لهما مما يكون وجود الشئ في فرض عدم ضده
أو نقيضه حاصلا قهرا (نعم) لو كان مفاد دليل التعبد وجوب الالتزام بمؤدى أحد
الخبرين ولو مقدمة للعمل (لأمكن) تصوير الوجوب التخييري في مفاد دليل
التعبد، وأمكن أيضا استفادته من قضية اطلاق دليل التعبد بهما برفع اليد عن
اطلاق كل من التعبدين في صورة الاخذ بالآخر (ولكن) المبنى فاسد جدا
(لوضوح) ان متعلق وجوب التعبد في الامارات والأصول
انما يكون هو العمل محضا، ولا يجب الموافقة الالتزامية حتى في مورد الامارات
غير المتعارضة (ومعه) لا يتصور الوجوب التخييري بعد انتهاء الامر في التعبد
بالمتعارضين بمدلولهما المطابقي والالتزامي إلى النقيضين أو الضدين لا ثالث لهما من
وجوب الشئ وعدم وجوبه أو حرمته (هذا كله) بالنسبة إلى خصوص مؤدى
الخبرين.
(واما بالنسبة) إلى نفي الحكم الثالث بمقتضى مدلولهما الالتزامي (فلا اشكال)
في عدم سقوطهما في الجملة عن الحجية (وانما الكلام) في أن نفي الثالث هل يكون
بهما معا (أو انه يكون) بأحدهما غير المعين، حيث إن فيه خلاف، منشئه الخلاف
175

المتقدم في سراية العلم إلى الخارج ومانعيته عن صلاحية دليل التعبد للشمول لكل
من المتعارضين (فعلى المختار) من عدم منع مجرد العلم الاجمالي بالخلاف عن شمول
دليل التعبد لأطرافه بعناوينهما التفصيلية المشكوكة كما مر مرارا (فلا شبهة) في أن
لازمه هو القول باشتراكهما في نفي الثالث بالدلالة الالتزامية (لعدم) مانع
حينئذ من الاخذ بمدلولهما الالتزامي بالنسبة إلى مالا يلزم منه مخالفة عملية للمعلوم
بالاجمال واما على القول بمانعيته العلم الاجمالي ذاتا عن شمول دليل التعبد لكل من المتعارضين،
لمنافات التعبد بهما معا مع العلم بكذب أحدهما بنحو الاجمال (فلازمه) هو خرج معلوم
الكذب منهما بنحو الاجمال من تحت دليل التعبد رأسا بما له من المدلول المطابقي والالتزامي،
فلا يكون الباقي تحته الا غيره المشكوك اجمالا بلا تعيين ولا عنوان (ولازمه)
هو تخصيص نفي الثالث بأحدهما بلا تعيين لا بهما معا (ولا مجال) في مثله لما عن بعض
من توهم لزوم استناد نفي الثالث إليهما معا، بدعوى ان الدلالة التزامية فرع الدلالة
المطابقية في الوجود لا في الحجية، فلا يلزم سقوط المعارضين عن الحجية في
المؤدى سقوطهما عن الحجية في نفي الثالث (لان) سقوطهما في المؤدى انما هو
لأجل التعارض ولا تعارض بينهما في نفي الثالث (إذ فيه) ان ذلك انما يتم في فرض
عدم مانعية العلم الاجمالي ذاتا عن شمول دليل الحجية لكل من المتعارضين، فإنه
بعد وجود مقتضى الحجية في كل من المتعارضين يقتصر في رفع اليد عنهما على
مقدار المانع وهو تعارضهما في خصوص المؤدى، فيؤخذ بهما بالنسبة إلى نفي الثالث
الذي لا تعارض بينهما (والا) فعلى مسلك مانعية العلم الاجمالي ذاتا فلا يدخل
معلوم الكذب بنحو الاجمال من الأول تحت دليل التعبد حتى يفكك بين مدلوله
المطابقي والالتزامي، ولا يبقى تحته الا غيره بنحو الاجمال بلا تعيين (ولذلك)
يكون التعارض بينهما في المؤدى من باب اشتباه الحجة بغير الحجة لا من باب
تعارض الحجتين (ومعه) كيف يمكن دعوى اشتراكهما في نفي الثالث مع البناء
على هذا المسلك في الأصول التنزيلية (ومن العجب) شدة انكاره على المحقق
الخراساني قده في مصيره إلى استناد نفي الثالث إلى أحدهما لا إليهما معا (مع أن)
176

ما افاده قده على مبناه من خروج معلوم الكذب بالاجمال بلا تعيين ولا عنوان عن
تحت دليل الحجية، وبقاء الآخر كذلك تحته في غاية المتانة (نعم) يرد عليه قده
بمنافاة ما افاده في المقام لما اختاره في الاستصحابين المثبتين من عدم اضرار العلم
الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما بجريانه في طرفي العلم (إذ لا فرق) في
مانعية العلم الاجمالي وعدم مانعيته بين الأصول وبين الامارات (هذا كله) على
القول بحجية الامارات من باب الطريقية.
(واما على القول) بحجيتها من باب السببية والموضوعية (فالمصرح) به
في كلام الشيخ قده هو ان الأصل في المتعارضين هو التخيير (وتحقيق القول) فيه
هو ان السببية في الامارات تطلق على معان (أحدها) انحصار المصالح في حق
الجاهل بالأحكام بمؤديات الامارات، بلا مصلحة أخرى في البين تقتضي وجوب
شئ عليه واقعا مع قطع النظر عن قيام الامارة، وهذا هو التصويب الباطل الذي
اتفق النقل والعقل على بطلانه واستحالته (وثانيها) ما ينسب إلى المعتزلة من أن قيام
الامارة على وجوب شئ أو حرمته سبب لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى
غالبة على المصلحة أو المفسدة الواقعية المقتضية لوجوب الشئ أو حرمته (وهذا)
أيضا من التصويب الذي قام الاجماع على بطلانه، لرجوعه إلى نفي الحكم الواقعي
الفعلي في موارد قيام الامارة على الخلاف (وثالثها) اقتضاء الامارة بقيامها على
وجوب شئ أو حرمته لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى تقتضي وجوبه أو حرمته
ظاهرا في المرتبة المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعي مع بقاء الحكم الواقعي الناشئ عن
المصلحة الواقعية القائمة بذات العمل في المرتبة السابقة على الشك على حاله من الفعلية بلا
مضادة بينهما، ففي العمل الذي قامت الامارة على وجوبه اجتمع حكمان فعليان
في مرتبتين أحدهما الحكم الواقعي المحفوظ بفعليته في مرتبة ذاته (والآخر) الحكم
الظاهري الحادث بسبب قيام الامارة في المرتبة المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعي
بلا مضادة بينهما (ولا يخفى) ان الموضوعية بهذا المعنى امر ممكن في نفسه ولم
يقم أيضا اجماع على بطلانه لبقاء الحكم الواقعي على فعليته بالنسبة إلى العالم والجاهل بلا
177

تغيير فيه ولا تبدل بقيام الامارة على خلافه، ولا لزوم محذور اجتماع الضدين أو
المثلين كما أوضحناه في الجزء الثالث من الكتاب في الجمع بين الحكم الواقعي
والظاهري (رابعها) ما ينسب إلى بعض الامامية من أن قيام الامارة على وجوب
شئ لا يكون من العناوين المغيرة للمصالح والمفاسد الواقعية، ولا يكون محدثا
لمصلحة في المؤدى تقتضي وجوبه ظاهرا (الا ان) في سلوك الامارة والتطرق بها
مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع عند عدم إصابة الامارة للواقع
(وهذا) أيضا أمر ممكن في نفسه ولم يقم اجماع على بطلانه لكونه ملائما مع
مذهب المخطئة (وبعد ما عرفت) ذلك فاعلم أن مورد البحث في المقام انما
هو على السببية بالمعنيين الأخيرين الملائمين للتخطئة.
(فنقول) اما على السببية بالمعنى الأول الموجب لقيام المصلحة بالمؤدى عند
الشك (فملخص) الكلام فيه هو ان تعارض الامارتين تارة يكون لأجل تضاد
المتعلقين، كما إذا كان مفاد أحد الدليلين وجوب شئ وكان مفاد الآخر وجوب
ضده (وأخرى) يكون لأجل اتحاد المتعلقين (وعلى الثاني) فتارة يكون
تعارضهما بنحو الايجاب والسلب، كما إذا كان مفاد أحد الدليلين وجوب شئ
كالدعاء عند رؤية الهلال، وكان مفاد الآخر عدم وجوبه عنده (وأخرى) يكون
على وجه التضاد، كما إذا كان مفاد أحدهما وجوب شئ وكان مفاد الآخر حرمته
(وعلى الأول) تارة تكون للامارة النافية للوجوب اقتضاء المصلحة في الترخيص
في المؤدى، نظير الاباحات الاقتضائية (وأخرى) اقتضاء عدم المصلحة فيه
(واما) حكم هذه الأقسام (ففي القسم) الأول الذي كان التعارض بين الامارتين لأجل
تضاد المتعلقين (فلا شبهة) في كونه من باب تزاحم الحكمين في مرحلة الامتثال،
وحكمه انه مع تساويهما في الاهتمام هو التخيير عقلا بين الامتثالين بتقييد
اطلاق الوجوب التعييني في كل من الحكمين في مقام صرف القدرة على الامتثال
بصورة عدم الاتيان بالآخر المنتج لعدم جواز تركهما معا (واما) في القسم الثاني
الذي كان التعارض بينهما لأجل وحدة الموضوع والمتعلق فيهما (فلا شبهة) أيضا
178

في اندراجهما في تزاحم المقتضيين في أصل تشريع الحكم الفعلي على طبقهما، لا في
عالم الوجود والتحقق كما في الفرض الأول (وحكمه) انه مع وجود مزية لأحدهما
على الآخر توجب أقوائيته يكون التأثير الفعلي في تشريع الحكم الفعلي لذي المزية
منهما دون الآخر (ومع) تساويهما في الاقتضاء قوة وضعفا لا تأثير لواحد منهما
في تشريع الحكم الفعلي على طبقه، وتكون النتيجة بعد سقوطهما عن التأثير الفعلي
هي الإباحة والتخيير بمعنى اللاحرجية في الفعل والترك، لا الحكم التخييري ولو
عقليا لوضوح ان الحكم التخييري شرعيا أو عقليا غير متصور بين النفي والاثبات،
وانما المعقول في مثله هو التخيير العملي محضا بمقتضى اللاحرجية العقلية في الفعل والترك
(وحينئذ) فما يظهر من الشيخ قده من أن مقتضى الأصل على السببية في تعارض
الامارتين هو التخيير بينهما منظور فيه، الا ان يكون المقصود التخيير الناشئ من تقييد
اطلاق التعبد بكل واحد منهما بصورة الاخذ به الراجع في الحقيقة إلى التخيير
في المسألة الأصولية (ثم لا فرق) فيما ذكرنا بين أن يكون الاختلاف بين الامارتين
على وجه التضاد، كالوجوب والحرمة أو في الايجاب والسلب كالوجوب
واللاوجوب (بل ولا) في الثاني بين أن يكون للامارة النافية للوجوب اقتضاء
المصلحة في الترخيص، كالإباحات الاقتضائية، أو اقتضاء عدم المصلحة في المتعلق في قبال
الامارة المثبتة لها فيه (فإنه) على جميع هذه الفروض يندرج باب تعارض
الامارتين على السببية ووحدة المتعلق، في كبرى تزاحمين المقتضيين في مرحلة التأثير
في تشريع الحكم الفعلي على طبقهما (وقد عرفت) انه مع وجود المزية لأحدهما على
الآخر يكون التأثير الفعلي لذي المزية منهما دون الآخر (ومع) تساويهما في الملاك
لا تأثير لواحد منهما، وتكون النتيجة هي الإباحة اللا اقتضائية والتخيير العملي في
الفعل والترك لا الحكم التخييري، حتى فيما كان التزاحم بين الامارتين من حيث
اقتضاء المصلحة واقتضاء عدمها (وتوهم) ان المتيقن حينئذ هو العمل على طبق
الامارة القائمة على الوجوب فإنه يكفي في وجوبه اقتضاء الوجوب فيه بعنوان قيام خبر
العادل على وجوبه بلا منافاته مع الامارة النافية للوجوب لا في مقام العمل لكون
179

العمل به عملا أيضا على طبق الامارة النافية للوجوب من حيث كونه اختيار للفعل (إذ
لم يكن) مفادها الا جواز الترك لا وجوبها (ولا) في مرحلة الحكم الشرعي، لعدم
التنافي بين ان يكون في الشئ اقتضاء الوجوب ببعض العناوين ولم يكن فيه هذا
الاقضاء ببعض العناوين الاخر (فمدفوع) بأنه كذلك لولا اقتضاء الامارة النافية
نفي اقتضاء الوجوب فيه خصوصا بملاحظة مدلولها الالتزامي الراجع إلى سببية الخبر
لنفى المقتضى فيه والا فتقع المزاحمة قهرا بين مقتضى الوجوب ومقتضى عدمه، ولازمه
هو سقوط مقتضى الوجوب من التأثير في الحكم الفعلي (ومعه) لا ملزم على اختيار
الفعل، كما هو ظاهر (هذا كله) على السببية بالمعنى الأول.
(واما السببية) بالمعنى الثاني الراجع إلى قيام المصلحة الملزمة في سلوك
الامارات والتطرق بها إلى الواقع في مقام العمل، فحكمه يظهر مما بيناه من أنه بعد
وقوع المزاحمة بين المصلحتين في مقام السلوك وعدم امكان الاخذ بكلتا الامارتين
لا محيص مع تساويهما في الملاك من التخيير عقلا في الاخذ بأي واحد منهما والعمل
على طبق المأخوذ (وفي فرض) تعارض الامارتين من حيث وجوب المؤدى وعدم
وجوبه يتخير بين الاخذ بالامارة المثبتة للوجوب ليصير الفعل متعينا عليه بعد
الاخذ بها، وبين الاخذ بالامارة النافية للوجوب ليصير الفعل مباحا لا اقتضائيا
(فكان) التخيير بين الآخذين، لا بين العمل بهما ليكون من التخيير العملي بين
النفي والاثبات.
(وهم ودفع) قد يورد على ما افاده الشيخ قده من ادراجه السببية بمعنى
المصلحة السلوكية في باب التزاحم (بان) المصلحة السلوكية على القول بها انما تكون
قائمة بالطريق بلحاظ ان سلوك الطريق يكون ذو مصلحة ملزمة، فطريقية الطريق
تكون بمنزلة الموضوع للمصلحة السلوكية (ومع) سقوط المتعارضين بالنسبة إلى
المؤدى لا يبقى موضوع للمصلحة السلوكية حتى يقال بوقوع المزاحمة بين
المصلحتين في مقام الاستيفاء (ولكنه توهم) فاسد (فان) لمقصود بالطريق الذي
هو موضوع المصلحة السلوكية (إن كان) ذات الطريق، فلا معنى لدعوى سقوطه
180

بالمعارضة (لان) مرجع سقوط الطريقين انما هو إلى عدم شمول دليل الحجية لواحد
منهما بمناط الترجيح بلا مرجح، ومع فرض عدم دليل في البين يقتضي الاخذ بهما
سابقا على المصلحة السلوكية كيف يبقى مجال القول بتساقط الطريقين (وان كان)
المقصود من الطريق الذي هو موضوع المصلحة السلوكية هو الطريق بوصف
الطريقية والحجية الفعلية، فلا معنى للمصلحة السلوكية الموجبة للامر بالعمل على
طبق الطريق (فان) الالتزام بالمصلحة السلوكية انما هو لتصحيح الامر بسلوك
الطريق والعمل على طبقه (فمع فرض) حجية الطريق في رتبة سابقة على المصلحة
المزبورة، لا معنى للالتزام بالمصلحة السلوكية (مع أن) لازم ذلك هو كون المصلحة
السلوكية دائما مسبوقة بالامر بالأخذ بالطريق (ولازمه) هو الالتزام في باب
الامارات بأمرين طوليين حتى مع عدم المعارض، أحدهما ما هو المقوم لموضوع
المصلحة السلوكية (والآخر) هو الامر الناشئ من المصلحة المزبورة وهو كما ترى
لا يلتزم به أحد (هذا كله) فيما يقتضيه الأصل في المتعارضين بالنظر إلى الأدلة
العامة من حيث الطريقية والموضوعية
(واما بالنظر) إلى ما تقتضيه اخبار العلاج الواردة في خصوص المتعارضين من
الاخبار فلا اشكال في عدم سقوطهما مع فقد المرجح (وهل الحكم) حينئذ هو
التخيير أو التوقف والعمل بما يوافق منهما الاحتياط ان أمكن (فيه خلاف) منشئه
اختلاف الاخبار " وتحقيق " القول فيه هو أن الأخبار الواردة في المقام على طوائف (منها)
ما يدل على التخيير المطلق، كرواية الحسن بن الجهم عن الرضا (ع): قلت يجيئنا
الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال (ع) إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما
أخذت، وبهذا المضمون روايات اخر ذكرها في الوسائل (ومنها) ما يدل على التخيير
في زمان عدم التمكن من الوصول إلى الإمام (ع) الشامل لحال الغيبة، كرواية
الحرث بن المغيرة عن أبي عبد الله قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث فموسع عليك
حتى ترى القائم فترد إليه بناء على ما فهمه الأصحاب من ظهوره في كونه في مقام بيان
التخيير في المتعارضين من الاخبار، لا في مقام بيان التوسعة في الاخذ بالاخبار
181

المروية عنهم (ع) والعمل بها في نفسها مع قطع النظر عن تعارضها (والا) فلا
ترتبط الرواية بما نحن بصدده من التوسعة في الاخذ بأحد الخبرين المتعارضين (وقد
يتوهم) اختصاص التخيير فيها بحال الحضور والتمكن من الوصول إلى الإمام (ع)
(ولكنه) مندفع بان التحديد في قوله (ع) حتى ترى القائم كناية عن مرور
الأزمنة السابقة على زمان التمكن من الوصول إلى الحجة وبهذه الجهة تكون
الرواية كالصريح في الشمول لحال الغيبة (إذ لا خصوصية) لزمان الحضور وانما
المدار على التمكن من الوصول إلى الامام وعدم التمكن منه (ومنها) ما يدل
على التوقف في زمان الحضور والتمكن من الوصول إلى الإمام (ع)، كما في ذيل
مقبولة عمر بن حنظلة من قوله (ع): إذا كان ذلك فارجه حتى تلقى امامك
(وقد يقال) بوجود طائفة أخرى رابعة تدل على التوقف المطلق (ولعلها) هي
الخبر المروى عن محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجالي لعلى ابن محمد،
ان محمد بن علي بن عيسى كتب إليه يسئله عن العلم المنقول عن ابائك وأجدادك " ع "
قد اختلف علينا فكيف العمل به على اختلافه أو الرد إليك فيما اختلف فيه، فكتب (ع)
ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه إلينا (والا) فلم نقف في الاخبار على
رواية تدل على التوقف المطلق في فرض تعارض الخبرين.
(ولا يخفى) ان هذه الأخبار بظاهرها متعارضة، ولا بد فيها من العلاج
بالجمع بينها (فنقول) ان النسبة بين ما يدل على التخيير المطلق وبين ما يدل على التخيير
عند عدم التمكن من الوصول إلى الإمام (ع)، وان كانت هي العموم المطلق، كالنسبة بين
ما يدل على التوقف المطلق على تقدير وجوده، وما يدل على التوقف في زمان الحضور
(ولكن) لما لا تنافي بين التخيير المطلق، والتخيير في زمان عدم التمكن من
الوصول إلى الحجة (ع) (ولا بين) التوقف المطلق، والتوقف في حال الحضور
لكونهما مثبتين (فلا يحمل) المطلق منهما على المقيد، بل يبقى اطلاق المطلق في كل
منهما على حاله (نعم) انما التعارض بين ما يدل على التخيير عند عدم التمكن من
الوصول إلى الإمام (ع)، كرواية الحرث بن المغيرة على ما قويناه، وبين ما يدل
182

على التوقف المطلق (وكذا) بين مطلقات التخيير، وما يدل على التوقف في زمان
الحضور (وحيث) ان النسبة بين كل طائفة مع الأخرى العموم المطلق فمقتضى
صناعة الاطلاق والتقييد هو تقييد المطلق من كل منهما بمقيده (وبذلك) ترتفع
المعارضة من بين الاخبار (إذ بعد) هذين التقييدين تختص مطلقات التخيير بغير
زمان الحضور، كما تختص مطلقات التوقف على تقدير وجودها بزمان الحضور
والتمكن من الرجوع إلى الإمام (ع) (هذا) بناء على ما قربناه في مفاد رواية
الحرث بن المغيرة (واما) بناء على الاحتمال الآخر الذي توهمه بعض من تخصيص
مفاد الرواية بحال الحضور (فلازمه) وقوع المعارضة بين ما يدل على التوقف في
زمان الحضور، وما يدل على التخيير في زمان الحضور (لان) النسبة بينهما يكون
بالتباين وبعد سقوطهما عن الحجية بالمعارضة، ينتهى الامر إلى مطلقات التخيير
والتوقف لسلامتها عن المقيد، فيقع بينهما التعارض بالتباين (فانقدح) بذلك فساد
توهم ان مطلقات التخيير بعد تقييدها بما دل على التوقف في زمان الحضور تختص
بما عدا زمان الحضور فيقدم على مطلقات التوقف لانقلاب النسبة بينهما إلى العموم
والخصوص (إذ فيه) مضافا إلى فساد مبنى الانقلاب (ان) ذلك فرع عدم ابتلاء
دليل التوقف في زمان الحضور بالمعارضة مع ما دل على التخيير في زمان الحضور، والا فمع
سقوطه عن الحجية بالمعارضة كيف يصلح لتقييد مطلقات التخيير حتى ينتهى الامر إلى
الانقلاب المزبور (وحينئذ) فبعد ان كانت النسبة بينهما هي التباين تستقر
المعارضة بينهما (ولكن) الذي يسهل الخطب انه لم نعثر على رواية تدل على
التوقف المطلق في المتعارضين وما ذكرناه من خبر محمد بن علي بن عيسى المروى عن
كتاب مسائل الرجال مع ضعف سنده غير ظاهر الدلالة في التوقف المطلق، لولا
دعوى ظهوره في الاختصاص بزمان الحضور والتمكن من الرجوع إلى الإمام (ع)
(فان) قوله (ع): وما لم تعلموا، فردوه إلينا ظاهر في الرد إلى الامام الموجود
في ذلك الزمان بالرجوع إليه، نظير ما في المقبولة من قوله (ع) فارجه حتى تلقي
امامك (لا انه) من قبيل الرد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله الذي هو وارد في الاخبار
183

(وعلى فرض) ان يكون لنا دليل آخر في الاخبار يقتضي التوقف في العمل مطلقا
ولو في زمان الغيبة (نقول) ان التوقف والاحتياط في العمل يقتضي اختصاصه
بصورة التمكن من الاحتياط (ولازمه) وان كان هو أخصيته مما دل على التخيير
المطلق، فيوجب بمقتضى صناعة الاطلاق والتقييد حمل مطلقات التخيير على صورة
عدم التمكن من الاحتياط (ولكن) بعد اباء تلك المطلقات عن هذا الحمل وعدم
القول به من الأصحاب، لا بد من حمل ما دل على التوقف في العمل على الاستحباب
(نعم) لو كان مفاده مجرد التوقف في الفتوى والحكم مع مراعاة الاحتياط في
العمل، لاتجه التعارض بينهما، ولا يتأتى الحمل على الاستحباب في اخبار التوقف
(ولكن) الكلام وجود مثل هذا الخبر ودلالته على المعنى المزبور " هذا
كله " فيما لو كان المقصود من الخبر الدال على التوقف المطلق خصوص ما يكون
واردا في موضوع تعارض الخبرين " واما " لو كان المقصود منه هو الأخبار الآمرة
بالتوقف في مطلق الشبهة، كقوله (ع) قفوا عند الشبهة فان الوقوف عند
الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة " فلا ارتباط " لها بالمقام حتى تعارض عمومات
التخيير " لوضوح " ان مورد التوقف في تلك الأخبار إنما هو في صورة فقد الحجة
وعدم الطريق إلى الواقع ومفاد الأخبار الآمرة بالتخيير إنما هو اثبات وجود الحجة
وهو أحد الخبرين " فعلى فرض " عموم الشبهة في تلك الأخبار لمثل المقام تكون
اخبار التخيير بتكفلها لاثبات الحجة حاكما عليها (ثم لا يخفى) ان التخيير المستفاد
من تلك الأخبار ليس هو التخيير في العمل بمؤدى أحد الخبرين، ليكون من
التخيير في المسألة الفرعية كالتخيير بين القصر والاتمام " لما عرفت " من أن في باب
تعارض الطرق المنتهى فيه الامر في الأغلب إلى النفي والاثبات يمتنع الوجوب التخييري
بين المدلولين في العمل بهما " نعم " لا مانع من التخيير بين الفعل والترك
بمعنى اللاحرجية فيهما عقلا كما في الدوران بين المحذورين، ولكنه خارج عن مصب
هذه الأخبار قطعا (بل التخيير) المستفاد من إطلاقات التخيير إنما هو في المسألة
الأصولية أعني التخيير في الاخذ بأي واحد من الخبرين في مقام الاستطراق به إلى
184

الواقع المنتج لتعين العمل على طبقه (ومرجعه) بحسب اللب إلى وجوب التعبد بكل
واحد من الخبرين والعمل بمضمونه في ظرف اختياره والاخذ به المنتج لصيرورة
المأخوذ بعد الاخذ به حجة تعيينه يجب العمل بمضمونه كما لو لم يكن له معارض " فطرف
التخيير " المستفاد من ظاهر قوله " ع " بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك انما يكون هو
الاخذ بأي الخبرين في مقام الاستطراق الذي لازمه تعين مضمونه عليه، ومرجع وجوبه
إلى كونه ارشادا إلى حكم العقل بلزومه مقدمة لتحصيل الحجة الشرعية، لا شرعيا مولويا
" هذا كله " فيما يتعلق بالمقام الأول " وقد عرفت " ان حكم المتعارضين على ما هو التحقيق
من الطريقية في الامارات التساقط بالنظر إلى عموم أدلة الحجية " وبالنظر " إلى
ما يستفاد من أخبار العلاج هو التخيير في الاخذ بأي الخبرين.
المقام الثاني في الترجيح
وهو تقديم أحد الخبرين على الآخر في العمل به لمزية له عليه بوجه من الوجوه
وفيه " مطالب " الأول " في تأسيس الأصل عند الشك في وجوب ترجيح إحدى
الامارتين بالمزايا الداخلية أو الخارجية الموجودة فيها " الثاني " في ذكر المزايا
المنصوصة في الاخبار " الثالث " في وجوب الاقتصار على المزايا المنصوصة أو
التعدي التي غيرها.
(اما المطلب الأول) فقد يقال ان مقتضى الأصل في المقام هو وجوب
الترجيح بكل مزية يحتمل اعتبارها عند الشارع (لأنه) من صغريات مسألة التعيين
والتخيير في المكلف به، حيث يعلم تفصيلا بوجوب العمل على طبق ذي المزية اما
تعيينا أو تخييرا ويشك في وجوب العمل على طبق مضمون غيره لاحتمال عدم وجوبه
مع وجود ما يحتمل التعيين (والأصل) فيه يقتضي التعيين بناء على ما هو التحقيق
من الاشتغال في تلك المسألة (وفيه) ما لا يخفى من الفساد " فان " جعل المقام من
185

صغريات تلك المسألة مبني على جعل التخيير في المقام التخيير في المسألة الفرعية
أعني التخيير في العمل بمؤدي أحد الخبرين (وهو) باطل قطعا، لما عرفت من امتناع الوجوب
التخييري في باب التعارض المنتهي فيه الامر إلى التناقض في المدلول والا فعلى فرض كون التخيير
فيه في المسألة الأصولية الراجع إلى كون طرف التخيير هو الاخذ باي الخبرين في مقام
الاستطراق به إلى الواقع (فلا يرتبط) بباب التعيين والتخيير (فان) مرجع التخيير في المقام
انما هو إلى ايجاب التعبد بكل واحد من الخبرين مشروطا بالأخذ به (ولازمه) بعد دوران ذي
المزية منهما عند الشك المزبور بين كون التعبد به مطلقا غير مشروط بالأخذ به، واختياره هو عدم
العلم بوجوب واحد منهما قبل الاخذ بهما وكذا بعد الاخذ بغير ذي المزية " ومع " هذا الشك كيف
يندرج المقام في مسألة التعيين والتخيير المستلزم للعلم بوجوب المعين على كل تقدير
(وبذلك) ظهر عدم ارتباط المقام بباب الدوران بين معلوم الحجة ومشكوكها أيضا
" فالأولى " في تقريب الأصل ان يقال ان الاخذ بذي المزية لما كان موجبا للقطع
بحجيته على كل تقدير،: بخلاف غيره، فان لاخذ به لا يوجب إلا الشك في
حجيته " فلا جرم " يحكم العقل بمناط الشك قبل الفحص مع التمكن من تحصيل
الحجة الشرعية، بوجوب الاخذ بذي المزية منهما مقدمة لتحصيل الحجة (لان)
بالأخذ به يعلم تفصيلا بحجيته (بخلاف) غيره فإنه بالأخذ به لا يعلم بحجيته، فلا
يخرج عن عهدة حكم العقل بوجوب تحصيل الحجة الشرعية " وبهذا البيان " نقول
بالتعيين في المقام ولو لم نقل به في دوران الامر بين التعيين والتخيير في المسألة الفرعية
(المطلب الثاني) في الترجيح بالمزايا المنصوصة (فنقول) الأخبار الواردة
في المقام على طوائف (منها) ما اقتصر فيه على الترجيح بمخالفة العامة أو ما يميل إليه
حكامهم كالمروي، عن القطب الراوندي بسنده الصحيح عن الحسن بن الجهم في حديث
قلت له يعني العبد الصالح (ع): يروى عن أبي عبد الله (ع) شئ ويروى عنه
أيضا خلافه فبأيهما تأخذ: قال (ع) خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه
(والمروي) عنه أيضا بسنده عن محمد بن عبد الله: قال قلت للرضا (ع)
كيف نصنع بالخبرين المختلفين: فقال (ع) إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى
186

ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا إلى ما يوافق اخبارهم فدعوه (والخبر)
المروي عن الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران: قال قلت لأبي عبد الله (ع)
يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا قال (ع) لا تعمل بواحد
منهما حتى تلقى صاحبك: قلت لا بد ان نعمل قال (ع) خذ
بما فيه خلاف العامة.
(ومنها) ما اقتصر فيه على الترجيح بموافقة الكتاب (كرواية حسن بن الجهم
عن الرضا (ع) قلت يجيئنا الأحاديث عنكم مختلفه: فقال (ع) ما جائك عنا فقس
على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فان كان يشبههما فهو منا وان لم يشبههما فليس منا
قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال (ع) فإذا
لم تعلم فوسع عليك بأيهما اخذت (وخبره الآخر) أيضا عن العبد الصالح (ع)
قال إذا جائك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا فان أشبههما
فهو حق وان لم يشبههما فهو باطل.
(ومنها) ما يدل على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة (مثل ما رواه) القطب الراوندي
سعيد بن عبد الله بسنده الصحيح عن الصادق (ع) قال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما
على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه وان لم تجدوهما في كتاب الله
فاعرضوهما على اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف
اخبارهم فخذوه
(ومنها) ما يشتمل على الترجيح بهما وبالشهرة والشذوذ (كمقبولة) عمر بن حنظلة قال
سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين
أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك قال (ع) من تحاكم إليهم في
حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وان كان حقه ثابتا
لأنه أخذه بحكم الطاغوت وانما امر الله سبحانه ان يكفر به قال الله تعالى ويتحاكمون
إلى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به: قلت فكيف يصنعان قال (ع) ينظران من
كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا فليرضوا به حكما فاني قد
187

جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا قد
رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله: قلت فان كان كل رجل يختار
رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما
اختلفا في حديثكم قال (ع) الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث
وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر: قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا
لا يفضل واحد منهما على الآخر: قال (ع) ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في
ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ الذي
ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وانما الأمور ثلاثة، امر بين
رشده فيتبع، وامر بين غيه فيجتنب، وامر مشكل يرد حكمه إلى الله قال رسول
الله صلى الله عليه وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من
المحرمات ومن اخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم: قال قلت فان كان
الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال (ع) ينظر ما وافق حكمه حكم
الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف الكتاب والسنة ووافق
العامة: قلت جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة
فوجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا بأي الخبرين يؤخذ: قال (ع)
ما خالف العامة ففيه الرشاد: فقلت جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال (ع)
ينظر إلى ما حكامهم إليه أميل وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر: قلت فان وافق حكامهم
الخبرين جميعا قال (ع) إذا كان ذلك فارجه حتى تلقي امامك فان الوقوف عند
الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة (وهذه) الرواية وان تضمنت الترجيح بالصفات
أيضا كالأعدلية والا وثقية، الا انها كانت بالنسبة إلى الحكمين في مقام تقديم حكم
أحدهما على الاخر، لا بالنسبة إلى الروايتين (ولذا) بعد أن فرض الراوي تساوى
الحكمين في الصفات وبين كون الوجه في اختلاف حكمهما هو الاختلاف في مدركهما
أحاله الإمام (ع) إلى النظر في مستند حكمهما، وأول المرجحات في هذا المقام هو
الشهرة والشذوذ الذي امر الإمام (ع) بالأخذ بالمشهور وترك الشاذ منهما (ومنها)
188

ما يدل على الترجيح بالمذكورات وبالصفات والاحتياط (مثل) ما رواه ابن أبي
الجمهور الأحسائي في غوالي اللئالي عن العلامة قده مرفوعا إلى زرارة قال سئلت أبا جعفر
(ع) فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما
آخذ: فقال (ع) يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر: فقلت
يا سيدي انهما مشهوران مأثوران عنكم: فقال خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما
في نفسك: فقلت انهما معا، عدلان مرضيان موثقان فقال (ع) انظر ما وافق منهما
العامة فأتركه وخذ بما خالف فان الحق في خلافهم: قلت ربما كانا موافقين لهم أو
مخالفين فكيف اصنع: قال (ع) إذا فخذ بما فيه الحائط لدينك واترك الآخر:
قلت فإنهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان فكيف اصنع: فقال (ع) إذا فتخير
أحدهما فتأخذ به ودع الآخر (فهذه) طوائف خمس من الأخبار الدالة على الترجيح
وأجمعها الطائفة الأخيرة وهي المرفوعة (وهنا) طائفة أخرى سادسة تدل على
الاخذ بأحدثهما وهي اخبار كثيرة (ولكن) نحن ندع تلك الطائفة لاختصاصها
بزمان الحضور لشواهد تشهد به مما في نفس تلك الأخبار من نحو قوله (ع) انا
والله لا ندخلنكم الا فيما يسعكم (ولذلك) لم يمكن بناء الأصحاب أيضا على عد
الأحدثية من المرجحات في تعارض الاخبار.
(ثم انه) بعد ما تلونا عليك هذه الأخبار يبقى الكلام في أنه هل يجب
الترجيح بجميع هذه المرجحات، أو لا يجب الترجيح بها، أو يفصل بينها بوجوب
الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة، وعدم وجوبه في غيرهما (فيه) وجوه
وأقوال (أقواها الأخير): اما وجوب الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة،
فللأخبار الكثيرة الظاهرة في وجوب الترجيح بهما المعمول بها بين الأصحاب
(فان) من تتبع كلماتهم في الفقه يرى أن ديدنهم عند تعارض الاخبار وتنافيها على
الترجيح بهما من الاخذ بالخبر الموافق لظاهر الكتاب والمخالف للعامة، وطرح
ما يخالف الكتاب ويوافق العامة (وبمثل هذه) الاخبار يقيد مطلقات اخبار التخيير
بغير صورة ذين المرجحين.
189

(وما قيل) من أن اخبار التخيير لورودها في مقام البيان والحاجة آبية عن
هذا التقييد، فلا بد من حمل تلك الأخبار على استحباب الترجيح (مدفوع) بان
مجرد ورود مطلقات التخيير في مقام البيان والحاجة لا يمنع عن تقييدها بها (مع أن
) حمل تلك الأوامر الدالة على الترجيح بهما على الاستحباب أيضا مما يأبى عنه
نفس هذه الأخبار والتعليل الوارد فيها بان الرشد في خلافهم (ولا ينافي) ذلك
ما في بعض تلك الأخبار من الاقتصار على العرض على الكتاب، وفي بعضها
الأخرى الاقتصار على العرص على الاخبار العامة (لان) غاية ذلك هو كونهما
مطلقين، فيقيدان بما في المقبولة وخبر الراوندي المشتملين على الترجيح بهما (فلا
يكون) ذلك شاهدا على استحباب الترجيح بهما (كما لا ينافيه) أيضا ما في بعض
الأخبار الواردة في طرح المخالف للكتاب، من أنه زخرف، أو باطل، أو فاضربه
على الجدار مما ظاهره نفى أصل صدور الخبر ولو بلا معارض، لا نفي حجية (فان)
ظهور هذه الطائفة في ورودها في نفي صدور الخبر المخالف رأسا ولو
بلا معارض وتمييز الحجة عن لا حجة، لا ينافي ظهور غيرها مما اقترن بالمخالف
للعامة في كونه في مقام الترجيح عند المعارضة (وحينئذ) فيحمل الطائفة الأولى
على صورة كون مخالفة الخبر للكتاب على نجو التباين الكلى، والطائفة الثانية على
التباين بنحو العموم من وجه، كما سنذكره الله تعالى.
(واما عدم) وجوب الترجيح بغيرهما، فلعدم دليل صالح يقتضى تقييد مطلقات
التخيير (فان المستند) لذلك لا يكون الا المقبولة والمرفوعة، وهما غير صالحين
لاثبات الترجيح بالصفات وبالشهرة والشذوذ في مقابل اطلاقات التخيير (اما
المقبولة) فهي وان كانت مقبولة عند الأصحاب، ولا مجال للخدشة في سندها
(ولكنها) بصدرها المشتمل على الترجيح بالصفات من الأعدلية وتالييها مختصة
بترجيح الحكمين، نظير روايتي داود بن الحصين والنميري، ولا ترتبط بمقام ترجيح
الروايتين وان كان الحاكمين في الصدر الأول راويين للاخبار أيضا (لان) ترجيح
أحدهما من حيث الحكومة غير مرتبط بترجيحه من حيث الراوية (واما) بذيلها
190

المشتمل على الترجيح بالشهرة والشذوذ فهي وان كان ظاهرة في وجوب الترجيح
بها، ولا مجال لتوهم كونها أيضا من مرجحات الحكمين (ولكن) الاشكال فيها
انما هو لعدم كونها بمثل هذا الترجيح معمولا بها عند الأصحاب في موردها حتى
يتعدى منها إلى غير موردها في مقام الفتوى (إذ ليس) بناء الأصحاب في مقام
ترجيح أحد الحكمين على الرجوع إلى مدركهما (بل الحاكم) بعد ما اخذ بالرواية
وحكم في الواقعة على وفق رأيه في الشبهات الحكمية كان ذلك متبعا حتى بالنسبة
إلى مجتهد آخر لان الحكم لا ينقض بالفتوى، ومع تعارضه فرضا
يرجح حكم أحدهما في مقام فصل الخصومة من حيث صفات الحاكم من
الأعدلية والأوثقية والأفقهية، ومع فرض تساويهما من حيث الصفات، فغايته هو
سقوط الحكمين والرجوع إلى حكم حاكم ثالث في رفع الخصومة (لا الرجوع)
إلى مدرك الحكمين حتى بالنسبة إلى مجتهد ثالث فضلا عن المتخاصمين (وذلك)
أيضا فيما لو حكما في الواقعة دفعة (والا) فعلى فرض تعاقب الحكمين يكون المتبع
هو الأسبق منهما، لاندفاع الخصومة بحكمه في الواقعة، ولا ينظر إلى ما حكم به
الآخر (فلا محيص) حينئذ من الاعراض عن ذيل المقبولة في موردها (ومعه)
لا يكون دليلا على لزوم الترجيح ليقيد به مطلقات اخبار التخيير (واما) توهم
اختصاص الاشكال بقاضي المنصوب (واما) في قاضي التحكيم فلا مانع من الارجاع
إلى مدرك الحكمين، فيمكن حمل المقبولة عليه (فمدفوع) بأنه خلاف ظاهر الرواية
(فان) قول الراوي قلت: فان كان كل رجل يختار رجلا ظاهر في كونه سؤالا
عن فرض الوقايع المتجددة بعد هذه المقبولة (ومن المعلوم) انه بعد نصب
الإمام (ع) القاضي لا يتصور القاضي التحكيم حتى يصح الامر بالرجوع إلى مدرك
الحكم.
(واما المرفوعة) فهي من جهة وهنها سندا غير صالحة لان تكون دليلا على
وجوب الترجيح بما ذكر فيها من المرجحات حتى أنه ناقش فيها بعض الأخباريين الذين
ليس من دأبهم الخدشة في سند الاخبار (مضافا) إلى ما فيها من الاشتمال على الترجيح بموافقة
191

الاحتياط التي ليس بناء الأصحاب على الترجيح بها (ومثله) موجب لوهن آخر فيها
(وما يظهر) من الشيخ قده من تصحيحها بدعوى جبر ضعفها بعمل الأصحاب
(فممنوع) جدا بل بناء الأصحاب على ما يشهد به التتبع في كلماتهم في الفقه انما
هو على الاخذ بما يوافق الكتاب ويخالف العامة في مقام الترجيح وطرح ما يقابلهما
وان كان راويه أوثق وأعدل من غير اعتناء منهم إلى صفات الراوي، خصوصا إذا
لوحظ الترتيب بين المرجحات حسب ما في المرفوعة وخصوصا مع ندرة الترجيح
بها بلحاظ توقفه على احراز هذه الصفات في جميع سلسلة الرواية بالقياس إلى ما يقابله
(فان) ذلك أقوى شاهد على اعراضهم عن المرفوعة (مع أنها) معارضة أيضا مع
المقبولة (فان) المقبولة مع كونها في مقام بيان المرجحات وتعرضها للترجيح
بالصفات بالنسبة إلى الحاكمين في تقديم حكم أحدهما على الآخر، غير متعرضة
للترجيح بالصفات عند الإحالة إلى مدرك الحكمين بل اقتصرت على الترجيح بالشهرة
والشذوذ وبموافقة الكتاب ومخالفة العامة (وحينئذ) فما عن الشيخ قده من الجمع
بينهما بجعل المدار على ما في المرفوعة والتصرف في المقبولة بتقييد اطلاقها بما
تضمنته المرفوعة من الترجيح بالصفات (منظور فيه) فان ذلك انما يتم لولا اشتمال
المقبولة على الترجيح بالصفات بالنسبة إلى الحاكمين (والا) فسكوتها عن التعرض
للترجيح بها في مدرك الحكمين يكون بمنزلة البيان على عدم اعتبار صفات الراوي
في مقام الترجيح (ولازمه) معارضتها من هذه الجهة مع المرفوعة (مع أن)
لازمه هو الالتزام بتقييد الاخبار المقتصرة على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة
العامة خصوصا على القول بالترتيب بين المرجحات (وهذا) مما تأبى عنه تلك الأخبار
(فتلخص) ان المقدار الذي يمكن استفادته من الأدلة في وجوب الترجيح وتقييد
مطلقات التخيير انما هو بالنسبة إلى خصوص موافقة الكتاب ومخالفة العامة (واما
بالنسبة) إلى غيرهما من المرجحات، فالمتبع هو مطلقات اخبار التخيير، لعدم
الدليل على الترجيح بها سوى المقبولة والمرفوعة اللتين عرفت عدم صلاحيتهما التقييد
مطلقات التخيير (واما) الاجماع المدعى في المقام على وجوب الترجيح بالمرجحات
192

المزبورة (فعلى فرض) تسليمه انما يكون دليلا إذا لم يعلم مدرك المجمعين، وإلا
فمع العلم به كما في المقام من كون مستندهم هو المرفوعة والمقبولة، فلا يعتني بمثله
(مضافا) إلى كونه موهونا بذهاب الكثير على الخلاف كما أشرنا إليه (ويكفيك)
في ذلك ما نص به الكليني قده في ديباجة الكافي بقوله: اعلم يا أخي انه لا يسع
أحد تمييز شئ مما اختلفت الرواية عن العلماء (ع) برأيه الا ما أطلقه العالم (ع)
بقوله أعرضوهما على كتاب الله عز وجل فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف
كتاب الله فردوه " وقوله " ع " دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم:
وقوله خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه ونحن لا نعرف بذلك إلا أقله ولا
نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كل إلى العالم (ع) قبول ما وسع من
الامر فيه بقوله بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم انتهى
(فان) هذا البيان منه قده مع كونه في عهد الغيبة الصغرى واختلاطه مع
النواب والسفراء شهادة على عدم بناء الأصحاب على الترجيح بالمرجحات المذكورة
(المطلب الثالث) في أنه بناء على وجوب الترجيح هل يجب الاقتصار
على المرجحات المنصوصة أو يتعدى إلى غيرها (فيه وجهان) ثانيهما مختار الشيخ
قده، لوجوه (منها) الترجيح بالأصدقية في المقبولة والأوثقية في المرفوعة (بتقريب)
ان مناط الترجيح بهاتين الصفتين إنما هو الأقربية إلى الواقع في نظر الناظر في المتعارضين
فيتعدى إلى كل ما يكون موجبا لأقربية أحد الخبرين إلى الواقع ولو لم يكن من
صفات الراوي (ومنها) التعليل الوارد في الاخذ بما يخالف العامة بقوله (ع) فان
الرشد في خلافهم (ومنها) التعليل الوارد في الترجيح بالشهرة: بقوله (ع) فان
المجمع عليه لا ريب فيه الدال على الاخذ بكل ما ليس فيه الريب بالإضافة إلى الخبر
الآخر (ولكن) الأوفق بالقواعد هو عدم التعدي، لعدم صلاحية شئ منها
للنهوض علي تقييد مطلقات أدلة التخيير (اما الأول) وهو الترجيح بالأصدقية والأوثقية
(ففيه) بعد الغض عن أن الترجيح بالأوصاف في المقبولة راجع إلى الحكمين لا إلى
الروايتين كما اعترف به هو قده (نقول) ان الترجيح بالوصفين ليس إلا كالترجيح
193

بالأعدلية والأفقهية (فكما) انه يحتمل في الترجيح بهما كونه لخصوصية في القرب
الحاصل من السبب الخاص في نظر الشارع، كذلك يحتمل ذلك في الترجيح
بالوصفين أيضا (ومع احتمال) ذلك لا يستفاد من الترجيح بهما كبرى كلية ليتعدى
منه إلى كل ما يوجب أقربية أحد الخبرين بنظر المكلف إلى الصدور أو
الواقع (واما الثاني) وهو التعليل بالرشد (ففيه) بعد الجزم بعدم كون الرشد في
المقام رشدا جزميا، للقطع بان كثيرا من الاحكام الحقة توافق مذهبهم، ولاقتضائه
خروج الفرض من كون الترجيح به من باب ترجيح الحجة على الحجة (نقول) انه يدور الامر
فيه بين كونه رشدا واقعيا غالبيا ملحوظا في نظر الشارع في مقام الامر بالترجيح به،
نظير غلبة الايصال إلى الواقع التي هي الحكمة في جعل الطرق غير العلمية وفى أصل
التعبد بالخبر، وبين كونه رشدا إضافيا بالقياس إلى الخبر الموافق لهم، أو رشدا
ظنيا أو اطمينانيا بنظر المكلف (وفى مثله) لولا دعوى أظهرية الأول، فلا أقل من
احتماله المانع عن ظهوره في أحد الأخيرين (ومعه) لا يبقى مجال استفادة المناط
من التعليل به حتى يتعدى بحكم التعليل إلى الترجيح بكل ما كان معه امارة الرشد
والحق وترك ما فيه مظنة خلاف الحق والبعد عن الصواب (خصوصا) بعد العلم بأنه
ليس كل ما يخالفهم مظنة الحق، ولا كل ما يوافقهم مظنة خلاف الحق لمكان
القطع بان كثيرا من الاحكام الحقة توافق مذهبهم (فان) ذلك يوجب خروج
التعليل المزبور عن ضابط منصوص العلة التي امر تطبيقها في الموارد بنظر المكلف
(نعم) غاية ما يكون، هو غلبة الباطل في أحكامهم (ولكن) مثله لا يصلح للحكم
بالترجيح الا بنظر الشارع، نظير غلبة الايصال إلى الواقع في جعل الطرق غير
العلمية، لا بنظر المكلف الا في فرض احرازه (وعليه) فلا يكون التعليل بالرشد
الا بيانا لعلة تشريع الحكم، لا ضابطا كليا للمكلف، كي ينطبق على منصوص العلة
فيتعدى منه إلى عير مورده كما هو ظاهر
(ومن التأمل) فيما ذكرنا يظهر الحال في التعليل الوارد في قوله (ع) بان
المجمع عليه لا ريب فيه (فإنه) يأتي فيه جميع ما ذكرناه في التعليل بالرشد حرفا
194

بحرف (فلا بد) من حمله أيضا على بيان علة تشريع الحكم في نظر الآمر، لا بيان
ضابط كلي ليكون من منصوص العلة (وعلى فرض) تسليم كون الريب المنفي فيه هو
الريب بنظر المكلف، ولو بملاحظة تثليث الأمور والاستشهاد في رد المشكل إلى
الله تعالى بقول النبي صلى الله عليه وآله... حلال بين... الخ فلا شهادة فيه على كون
المراد من الريب المنفي فيه هو الريب الإضافي بالقياس إلى معارضه حتى يتعدى إلى
كل ما يوجب أقربية أحد الخبرين من الآخر إلى الصدور أو الواقع (بل الظاهر)
منه هو عدم الريب بقول مطلق من حيث السند بمعنى كون أحد الخبرين في نفسه
مع قطع النظر عن ملاحظة اضافته إلى ما يقابله مما يطمئن بصدوره بحيث يصدق
عليه عرفا إنه لا ريب في سنده (فان) ذلك هو الذي يقتضيه مورد التعليل بالشهرة
(لوضوح) ان كون الخبر مشهورا عند الأصحاب لا سيما بين أرباب الأصول في
الطبقة الأولى وأرباب الكتب المدونة لروايات الأصول مما يوجب الاطمينان غالبا
بسنده بحيث يصح أن يقال عرفا انه مما لا ريب فيه (بخلاف) الخبر الذي لم يدون
في كتب الأصحاب ولا كان معروفا بين أرباب الأصول من الرواة (فإنه) مما
لا يطمئن بصدوره (ومن المعلوم) ان غاية ما يقتضيه التعليل المزبور حينئذ بناء على
التعدي إنما هو التعدي إلى كل ما يوجب الاطمينان بسند أحد المتعارضين في نفسه
لا إلى كل ما يوجب أقر بيته بالإضافة إلى معارضه كما هو مرام القائل بالتعدي
(لان) مثله خارج عن مقتضى التعليل المزبور كما هو ظاهر (ومع الاغماض) عن ذلك
نقول أنه بعد اختلاف المزايا المنصوصة في مناط الأقربية من حيث سند الرواية
ومن حيث نفس الخبر ومن حيث مضمونه وجهة صدوره، كان اللازم على القول
بالتعدي هو التعدي من كل مزية إلى ما هو الأقرب من سنخه، فيتعدى من التعليل
بالمجمع عليه إلى الأقربية بحسب الصدور ومن التعليل بالرشد إلى الأقربية بحسب الجهة
وهكذا (لا التعدي) بقول مطلق إلى كل ما يوجب كون أحد الخبرين أقرب إلى
الواقع أو الصدور، كما هو مرام القائل بالتعدي (نعم ذلك انما يتم بناء على المختار
من إرجاع جميع هذه المرجحات إلى مرجح واحد صدوري ولازمه أيضا هو سقوط
195

الترتيب بين المرجحات كما سيأتي بيانه خصوصا على القول بالتعدي بلا وقوع محذور
معارضة في فرض اشتمال أحد الخبرين على مزية من جهة واشتمال الآخر على مزية من
جهة أخرى (ولكن) القائل بالتعدي لا يلتزم بذلك، فان بنائه على تعدد
المرجحات والترتيب بين المرجحات الصدورية والمضمونية (وكيف كان) فالتحقيق
هو وجوب الاقتصار على المرجحات المنصوصة وعدم جواز التعدي منها في
مقام الترجيح إلى غيرها
بقى التنبيه على أمور
(الامر الأول) الأخبار الواردة في الاخذ بما يوافق الكتاب
وطرح ما يخالفه على طائفتين (الأولى) الأخبار المتقدمة الواردة في مقام العلاج
في خصوص الروايات المتعارضة التي منها المقبولة الآمرة بالأخذ بما يوافق الكتاب
في مقام الترجيح وطرح ما يخالفه (الثانية) الأخبار الواردة في عرض الأحاديث على
القرآن الآمرة بطرح المخالف للكتاب في نفسه والاعراض عنه، بمثل قوله (ع)
ما خالف قول ربنا لم أقله.. أو فاضربه على الجدار، وانه زخرف أو باطل ونحو
ذلك من التأكيدات البليغة الواردة فيها بلزوم طرح المخالف وعدم العمل به (وبعد)
سقوط الخبر المخالف للكتاب من الاعتبار بمقتضى هذه الأخبار يقع الاشكال في
التوفيق بين هاتين الطائفتين (بتقريب) ان الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفته انما
يكون في فرض كون الخبر المخالف في نفسه واجدا لشرائط الحجية.
(فإذا كان) من شرائط حجية خبر الواحد عدم مخالفته للكتاب، يكون
المخالف له ساقطا بنفسه عن الحجية (فكيف) تكون الموافقة للكتاب من المرجحات
(ولكن) حل الاشكال ان يقال بحمل المخالفة في الطائفة الثانية على مخالفة الخبر
للكتاب بالتباين الكلي (وفي الطائفة) الأولى على المخالفة بنحو العموم المطلق
والعموم من وجه (والوجه) فيه انما هو للعلم بصدور اخبار كثيرة منهم (ع)
196

مخالفة لظاهر الكتاب بالعموم المطلق والعموم من وجه (مع وضوح) اباء الأخبار الدالة
على ضرب المخالف للكتاب على الجدار وانه زخرف أو باطل من التخصيص
(فإنه) من ضم الوجدان المزبور إلى إباء تلك النصوص وامتناعها من التخصيص
يعلم أن المراد من المخالف الذي امر بضربه على الجدار وانه زخرف وباطل هو
خصوص المخالف للكتاب بالتباين الكلي بنحو لا يمكن الجمع بينهما، وانه هو الذي
يوجب سقوط الخبر من درجة الحجية وخروجه عن موضوع التعارض ومرحلة الترجيح
وبذلك يرتفع التنافي بين الطائفتين ويندفع المحذور من البين (إذ يختص) موضوع
اخبار الترجيح بالموافقة والمخالفة للكتاب على نحو العموم المطلق والعموم من وجه
(فإذا) كان أحد المتعارضين موافقا للعام الكتابي، وكان الآخر مخالفا له اما بنحو
العموم المطلق أو العموم من وجه، يكون الترجيح للخبر الموافق للكتاب (وبما
ذكرنا انقدح) ضعف الاشكال بان المخالفة للكتاب لفظ واحد وظاهره في المقامين بمعنى
واحد فلا وجه لحمل المخالفة في أحد المقامين على المخالفة بالتباين وفي المقام الآخر على
المخالفة بالعموم من وجه والعموم المطلق (لما عرفت) من أن الموجب لهذا الحمل
انما هو العلم بصدور الأخبار الكثيرة منهم (ع) على غير وجه التباين الكلى مع
اباء ما دل على أن المخالف للكتاب زخرف أو باطل من التخصيص (وعليه) فلا وجه
لاخراج الخبر المخالف للكتاب بقول مطلق من اخبار المقام والمصير إلى كون
المخالف غير حجة في نفسه مطلقا وان الموجب للترجيح هو عنوان الموافقة للكتاب
لا هو وعنوان المخالفة (كيف) وان ذلك خلاف ما يقتضيه اخبار الباب كما هو ظاهر
(فلا محيص) حينئذ من المصير إلى ما ذكرناه من ادراج المخالفة على غير وجه التباين
الكلى في اخبار الباب (وتوهم) عدم اندراج المخالف للكتاب بالعموم المطلق
في اخبار الترجيح، لعدم التنافي بين العام والخاص، ولما هو التحقيق من تخصيص
العام الكتابي بالخبر الواحد كتخصيص المتواتر به (مدفوع) بأنه كذلك لولا
ابتلاء الخاص الخبري بالمعارض (فلا تنافي) حينئذ بين تخصيص الكتاب بالخبر
الواحد، وبين دخول هذا النحو من المخالفة في أدلة الترجيح واقتضائها لطرحه
197

عند معارضته مع الخبر الموافق للكتاب (كيف) ولازم خروج هذا القسم من
المخالف للكتاب عن موضوع اخبار الترجيح هو حصر مورد الترجيح بالموافقة
والمخالفة بما يكون على نحو العموم من وجه (وبعد) ندرة المخالف للكتاب وقلة
وجوده في الاخبار المتعارضة، يلزم حمل ما أطلق فيه الترجيح بموافقة الكتاب
ومخالفته على المورد النادر الذي هو بحكم المعدوم، وهو كما ترى (فلا محيص)
حينئذ من تعميم المخالفة في تلك الأخبار بما يعم العموم المطلق (ثم إن) الحكم
بالترجيح بموافقة الكتاب أو مخالفته انما يكون إذا كان التنافي بين الخبرين
بالتباين الكلى، كما إذا كان مفاد أحد الخبرين حرمة لحم الحمار، وكان مفاد الآخر
حليته (فإنه) في مقام الترجيح يقدم ما دل على حليته لكونه موافقا للعام الكتابي
وهو قوله سبحانه أحل لكم ما في الأرض جميعا (واما) لو كان التنافي بينهما بنحو
العموم المطلق، فلا ترجيح بموافقة الكتاب ولا بمخالفته، بل يقدم الخبر
المخالف ويخصص به العام الخبري والكتابي على قواعد الجمع بين الأظهر والظاهر،
لما تقدم من خروج موارد الجمع العرفي عن موضوع اخبار العلاج (هذا) إذا كان
التنافي بين الخبرين على نحو التباين الكلى أو العموم المطلق (واما) إذا كان التنافي
بينهما بنحو العموم من وجه فسيأتي حكمه انشاء تعالى.
(هذا كله) في الترجيح بموافقة الكتاب.
(واما الترجيح بمخالفة العامة فلا ريب في أصل الترجيح بها لدلالة غير واحد
من الاخبار التي منها المقبولة على وجوب الاخذ بما يخالف العامة وطرح ما يوافقهم
(وانما) الكلام في وجه الترجيح بها (فان) المحتمل بدوا في الترجيح بمخالفة
العامة أمور (الأول) ان يكون وجه الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم، كما قيل إنه
ظاهر مرسل داود بن حصين من قوله (ع) من وافقنا خالف عدونا ومن وافق
عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه (الثاني) ان يكون لمحض التعبد،
لقوله (ع) في رواية سماعة بن مهران خذ بما خالف العامة (الثالث) ان يكون
198

لأجل أن الرشد والصواب في خلافهم، كما هو ظاهر كثير من الاخبار التي منها
التعليل بالرشد (ومنها) قول الرضا (ع) في خبر ابن أسباط ائت فقيه البلد
واستفته، فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه فان الحق فيه (ومنها) قوله (ع) في خبر
الا رجائي: أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامة: قلت لا ادرى فقال
(ع): ان عليا (ع) لم يكن يدين الله بشئ الا خالف عليه العامة إرادة لا بطال
امره، وكانوا يسئلون عن الشئ لا يعلمونه، فإذا أفتاهم بشئ جعلوا له ضدا من
عندهم ليلبسوا على الناس (الرابع) ان يكون لا جل صدور الموافق لهم تقية،
كقوله (ع) ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية، وما سمعته مني لا يشبه
قول الناس فلا تقية فيه.
(ولكن) الاحتمالين الأولين بعيدان جدا عن ظاهر الاخبار خصوصا
الأول منهما، إذ لا اشعار لرواية داود بن حصين عليه فضلا عن الدلالة (فان) قوله (ع)
من وافقنا خالف عدونا... الخ ظاهر في الموافقة معهم في معتقداتهم الفاسدة وفي
أخذ معالم دينه منهم، كما يدل عليه رواية حسين بن خالد من قوله (ع) شيعتنا
المسلمون لامرنا الخ (مضافا) إلى اقتضائهما لكون الامر في الترجيح بمخالفتهم
نفسيا لا طريقيا (فيدور) الامر بين الاحتمالين الأخيرين (ولا ينبغي) الاشكال
في أن المتعين منهما هو الاحتمال الثالث، لظهور الاخبار المزبورة في أن الترجيح
بمخالفة العامة انما هو من جهة كون الخبر المخالف لهم أقرب إلى الواقع من الموافق،
لا لان الموافق فيه التقية لتكون المخالفة من المرجحات الجهتية، خصوصا بملاحظة
ما اقترن الترجيح بها بموافقة الكتاب كما في المقبولة الظاهر في أنهما من سنخ
واحد، لا سنخين أحدهما المرجح المضموني الملحوظ فيه الأقربية إلى الواقع،
والآخر المرجح الجهتي (واما) قوله (ع) ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه
التقية الخ، فغير ظاهر في مفروض البحث، بل ظاهره هو كونه في مقام تمييز الحجة
من لا حجة، لا في مقام ترجيح الحجة على الحجة.
(الامر الثاني) المزايا المنصوصة المرجحة لاحد المتعارضين وان كانت
199

على أنحاء مختلفة ومواردها متعددة من راوي الخبر، كالأوثقية والأعدلية ونحوهما،
ونفس الخبر، كالشهرة والشذوذ، ومضمونه كالموافقة للكتاب ووجه صدوره
كالمخالفة للعامة بناء على أن الترجيح بها لاحتمال كون الموافق صدر تقية (ولكن)
مرجع الجميع عند التأمل إلى الترجيح الصدوري والتعبد بأحد السندين وطرح
الآخر (فإنه) مع سقوط الخبرين بالتعارض من الحجية الفعلية وعدم شمول عموم دليل
السند لواحد منهما بمقتضى بطلان الترجيح بلا مرجح بشهادة مرجعية الأصول العملية لولا
الاخبار العلاجية (لا مناص) من ارجاع الجميع إلى الترجيح الصدوري حتى في
المخالفة للعامة (والا) فبدونه لا يكاد انتهاء النوبة إلى الترجيح بها من حيث الجهة
(إذ بعد) ان يكون التعبد بالجهة والدلالة من آثار كلام الصادر ممن له الحكم، فلا
جرم لا بد في انتهاء الامر إلى الترجيح بهما من احراز كون الخبر كلاما واقعيا
للامام اما بالوجدان أو بالتعبد، والا فما لم يحرز موضوعهما يمتنع الترجيح بهما ومع
سقوط عموم دليل السند في اثبات الموضوع الذي هو كلام الامام وعدم مرجح سندي في
البين لم يحرز كون ذي الجهة كلاما للامام حتى يترتب عليه آثاره من حجية دلالته
وجهته (ومجرد) اقتضائه للحجية ومشموليته في نفسه لدليل السند لا يكفي في
التعبد الفعلي بالترجيح بهما ما لم يحرز كونه كلاما للامام بالتعبد به فعلا (وما توهم)
جريان أصالة السند فيهما معا ولو من حيث كونهما موضوعا لأدلة التخيير والترجيح،
فينتهى الامر حينئذ إلى الترجيح الجهتي أو المضموني بمخالفة العامة وموافقة
الكتاب الموجب لسقوط المرجوح جهة أو مضمونا عن الحجية (فمدفوع) بان
شمول أدلة السند لهما ولو من هذه الجهة متفرع على ترتب اثر عملي للمكلف على التعبد
بهما، والا فبدونه لا يكفي مجرد موضوعيتهما لاخبار الترجيح في توجيه التعبد الفعلي
بهما إلى المكلف كما هو ظاهر (وحينئذ) فلا محيص من ارجاع الامر بالأخذ بما
يخالف العامة وما يوافق الكتاب إلى التعبد بالبناء على أنه هو الصادر وان الموافق
للعامة والمخالف للكتاب غير صادر ومرجع ذلك إلى ما ذكرنا من رجوع المرجحات
إلى الترجيح الصدوري، إذ لا نعنى من كونها مرجحا صدوريا الا هذا، غاية الامر
200

يختلف وجه ترجيح السند في هذه المرجحات من كونه تارة لأجل قوة احتمال
الصدور، وأخرى لأجل قوة المضمون، وثالثة لأجل قوة الجهة (نعم) انما تتمحض
المخالفة للعامة في الترجيح بالجهة فيما إذا كان الخبران مقطوعي الصدور (ولكن)
ذلك لا يقتضى كونها كذلك حتى في غير مقطوعي الصدور.
(ويترتب) على ما ذكرنا عدم ملاحظة الترتيب بين المرجحات لان الجميع
حينئذ في عرض واحد (ولازمه) وقوع التزاحم بين المرجحات، فيما لو كان
لاحد الخبرين مزية من جهة كالشهرة في الرواية، ولآخر مزية أخرى كالمخالفة
للعامة فيقدم ما هو أقوى مناطا في القرب إلى الصدور، ومع تساويهما فالتخيير بينهما
(نعم) بناءا على الاقتصار في الترجيح على المرجحات المنصوصة يمكن الالتزام
بالترتيب بينها تعبدا حسب الترتيب المذكور في المقبولة والمرفوعة بعد الجمع بينهما،
لولا دعوى ان مفادهما مجرد بيان ان هذا مرجح وذاك مرجح آخر (بخلافه) على
القول بالتعدي وإناطة الترجيح بالظن أو بمطلق الأقربية العرفية إلى الواقع أو
الصدور (فإنه) بعد اقتضائه رفع اليد عن خصوصية المرجحات بمقتضى التعليلات
الواردة فيها (لا محيص) من الغاء الترتيب بين المرجحات، لعدم اجتماع القول
بالترتيب بينها مع البناء على التعدي منها (ولذلك) أشكل المحقق الخراساني قده
على العلامة الأنصاري قده، بعدم امكان الجمع بين القول بالترتيب بين المرجحات مع
الالتزام بالتعدي عنها (هذا) على المختار من استفادة كون الاخبار المرجحة
بصدد اثبات مرجح واحد.
(واما) بناءا على استفادة كونها بصدد اثبات مرجحات متعددة من
حيث الصدور تارة والجهة أخرى والمضمون ثالثة (فلا شبهة) في أن لازمه هو
الترتيب بين المرجح الصدوري " والمرجح الجهتي (لا من جهة) تقدم رتبة
التعبد بالصدور على التعبد بجهة الصدور والمضمون (لوضوح) ان التعبد بالجهة
والمضمون بعد أن كان من آثار الكلام الواقعي الصادر من الامام يكون التعبد
بالسند بالنسبة إلى التعبد بالجهة والمضمون بمنزلة المنقح لموضوع الأثر الواقعي، نظير
201

التعبد بالحياة بالنسبة إلى الأثر المترتب على الحياة الواقعية، ويكون نسبة التعبد
بهما إلى التعبد بالسند من قبيل الحكم الواقعي لموضوع قامت الامارة على
اثباته ظاهر (ولازمه) هو تقدم التعبد بالجهة والمضمون رتبة على التعبد بالسند، كتقدم
الأثر الواقعي المترتب على موضوع قامت الامارة أو الأصل على اثباته ظاهرا (بل
من جهة) ان موضوع التعبد بالجهة والمضمون هو الكلام الواقعي الصادر من
المعصوم (ع)، فان لازمه هو عدم جريان التعبد بالجهة والمضمون الا بعد الفراغ عن ثبوت
أصل السند واحرازه بالوجدان أو التعبد (فلو كان) أحد المتعارضين واجدا للمرجح
السندي كالشهرة في الرواية، وكان الآخر واجدا للمرجح الجهتي أو المضموني
كالمخالفة للعامة والموافقة للكتاب يقدم ذو المرجح السندي على ذي المرجح الجهتي
أو المضموني لان المرجح السندي باقتضائه لطرح المرجوح سندا موجب لسقوط
موضوع أصالة الجهة والدلالة فلا يبقى معه كلام الامام حتى تنتهي النوبة إلى ترجيح
جهته أو مضمونه على الآخر (هذا) في الترتيب بين المرجح الصدوري، والمرجح الجهتي
والمضموني (وأما المرجح الجهتي) والمضموني فالظاهر أنه لا ترتيب بينهما (لان) التعبد بالجهة
والدلالة اثران عرضيان للكلام الواقعي بلا تقدم رتبي لأحدهما على الآخر (وما يرى) من
بنائهم على تقديم الجمع على التقية، في مقام الترجيح، فإنما هو من جهة ان طرح الجهة
يؤدى إلى طرح السند، بخلاف طرح الدلالة في مقام الجمع فإنه لا يوجب طرح
السند رأسا، إذ يبقى معه مقدار من الدلالة يوجب الاخذ بسنده (لا انه) من
جهة تقدم الأصل الجهتي على الأصل الدلالي.
(ثم انه) على هذا المبنى وان صح الجمع بين الترتيب في المرجحات وبين
الالتزام بالتعدي (ولكن) اللازم حينئذ ان يكون التعدي من كل مرجح إلى
ما هو الأقرب من سنخه لا مطلقا، فيتعدى من التعليل بعدم الريب في المجمع عليه ومن
تعليق الحكم على الأوصاف إلى الأقربية الصدورية (ومن) التعليل بالرشد في مخالفة
العامة بناء على كونها من المرجحات الجهتية إلى الأقربية الجهتية (ومن الترجيح)
بموافقة الكتاب إلى الأقربية المضمونية للواقع، مع أن هذا التفصيل خلاف
202

ظاهر كلمات الشيخ قده (فان) ظاهره هو التعدي إلى مطلق الأقرب إلى الواقع أو
الصدور، وهو كما ترى لا يتم الا بارجاع جميع المرجحات إلى مرجح واحد
صدوري.
(ولكن) الذي يسهل الخطب هو فساد أصل هذا المبنى (لما عرفت) من أن
موضوع الأصل الجهتي والدلالي هو الكلام الصادر من المعصوم (ع) ولا
بد في جريانهما من احراز موضوعهما بالوجدان أو التعبد، وبعد سقوط المتعارضين عن
الحجية الفعلية وعدم شمول عموم السند لهما، وعدم مرجح سندي في البين حسب
الفرض لذي المرجح الجهتي أو المضموني لم يحرز كلام الامام حتى ينتهى إلى ترجيح
أصله العقلائي على غيره (وحينئذ) فبعد عدم كفاية مجرد اقتضاء الحجية لمثل هذا
الترجيح، فلا محيص من ارجاع هذين المرجحين إلى المرجح الصدوري بارجاع
الامر بالأخذ بما يخالف العامة وما يوافق الكتاب عند التعارض إلى التعبد بالبناء
على أنه هو الصادر وان غيره الموافق للعامة أو المخالف للكتاب غير صادر ولازمه
هو كون جميع المرجحات في عرض واحد بلا تقدم لاحدها على الآخر.
(والى ما ذكرنا) نظر المحقق الخراساني قده فيما أفاد من عدم الترتيب بين المرجحات
ووقوع التزاحم بينها فيما لو وجد في أحد المتعارضين مرجح وفي الآخر آخر..
الخ: فلا يرد عليه ما أورد: تارة بان الترجيح بمخالفة الكتاب، وموافقة العامة
يرجع إلى التخصيص في الأصول العقلائية التي تقتضي البناء على صدور الكلام على
وفق المراد وان مضمونه تمام المراد. والترجيح بالشهرة وبالصفات يرجع إلى
التخصيص في أدلة حجية خبر الواحد فلا وجه لارجاع المرجحات كلها إلى المرجح
الصدوري.. وأخرى على ما افاده بقوله لا معنى للتعبد بعد ما يتعين حمله على
التقية: بأنه ناشء عن الخلط بين الحمل على التقية في باب تعارض الخبرين، وبين
الحمل على التقية في غير باب التعارض، فان ما لا يمكن فيه التعبد بالصدور مع الحمل
على التقية انما هو فيما لو كان الخبر في حد نفسه ظاهرا في التقية (واما) لو كان
الخبر في نفسه غير ظاهر فيها فالحمل على التقية انما هو بعد وقوع التعارض بينه وبين
203

الخبر المخالف للعامة، ووقوع التعارض بينهما فرع شمول أدلة التعبد بالصدور لكل من
الموافق والمخالف (إذ فيه) ان مبنى الاشكال على كون المخالفة للعامة من
المرجحات الجهتية إذا كان من جهة امتناع جريان أصالة الجهة مع عدم احراز
موضوعها الذي هو كلام الإمام (ع)، فكيف يصير ذلك جوابا عن اشكاله،
وكيف يكون هذا المقدار من البيان مصححا لكون المخالفة والموافقة للعامة من
المرجحات الجهتية بعد عدم احراز موضوعها الذي هو كلام الامام لا وجدانا ولا
تعبدا، لسقوط المتعارضين عن الحجية الفعلية وعدم شمول عموم دليل السند لواحد
منهما بالفعل، مع عدم مرجح سندي في البين حسب الفرض يقتضي التعبد الفعلي
بصدور المخالف (إذ في مثله) أين كلام الامام حتى ينتهى الامر إلى التعبد بترجيح
جهته على الجهة في الآخر (وشمول) عموم التعبد بالسند لكل واحد من الخبرين في
حد نفسه مع قطع النظر عن معارضة، غير مجد في التعبد الفعلي بهذا الترجيح (إذ بمثل
هذه) الحجية الاقتضائية لا يحرز كون الخبر المخالف كلاما للامام حتى يترتب عليه اثره
الذي هو التعبد بترجيح أصالة الجهة فيه على أصالة الجهة في الخبر الآخر الموافق للعامة
(وعلى فرض) كفاية مجرد اقتضاء الحجية لذلك.. نقول ان أصالة الجهة بعد أن
تكون من آثار الكلام الواقعي للامام لا من آثار التعبد به فلازم الترجيح بها
هو تقديم هذا الترجيح على الترجيح السندي، لاقتضاء دليل الترجيح بها في الخبر
المخالف للعامة للعلم الاجمالي في الخبر الموافق لهم اما بعدم صدوره، أو بوجوب
حمله على التقية، ومع هذا العلم الاجمالي لا مجال لترجيح سنده في فرض وجود
مرجح سندي فيه من أوصاف الراوي أو الشهرة في الرواية والى ذلك يرجع
مقالة المحقق الرشتي قده فيما أورده في بدايعه على العلامة الأنصاري قده (فلا
يتوجه) عليه اشكال المحقق الخراساني قده بمنع دوران أمر الموافق بين الصدور
تقيه وعدم الصدور رأسا، لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا وعدم صدور
المخالف المعارض له (إذ هذا) الاشكال انما يرد عليه فيما لو أراد بالدوران المزبور
في الخبر الموافق الدوران الواقعي مع قطع النظر عن ملاحظة أدلة الترجيح
204

بالجهة المقتضية لكون الخبر الموافق لهم على تقدير صدوره صادرا تقية (كيف)
وهذا الاحتمال مما لا يكاد خفائه على الأصاغر من الطلبة فضلا على مثله قده (بل المقصود)
هو الدوران الحاصل من ملاحظة الأدلة المرجحة لأصالة الجهة في الخبر المخالف
للعامة على أصالة الجهة في الخبر الموافق لهم المقتضية لحمل الموافق على تقدير صدوره
واقعا على التقية (فإنه) بملاحظة أدلة الترجيح يصير الخبر الموافق محصورا بين
الاحتمالين لارتفاع احتمال صدوره لبيان حكم الله الواقعي (فعدم) الالتزام بذلك
يشهد بما ذكرناه من رجوع المرجح الجهتي أيضا إلى المرجح الصدوري فتأمل.
(الامر الثالث) في مرجحية الشهرة، وهي على اقسام الشهرة
الروائية والشهرة العملية، والشهرة الفتوائية (اما الشهرة) الروائية فهي عبارة عن
اشتهار الرواية بين الرواة وأرباب الحديث بكثرة نقلها وتكررها في الأصول وفي
كتب المحدثين الجوامع للاخبار (ولا اشكال) في الترجيح بها، بل هو المتيقن
من المقبولة المصرحة بالترجيح بالشهرة.
(واما الشهرة) العملية، فهي عبارة عن عمل المشهور بالرواية واستنادهم إليها
في الفتوى (والنسبة) بينها وبين الشهرة الروائية هي العموم من وجه (إذ رب)
رواية مشهورة بين الرواة ومدونة في كتب المحدثين ولم يعمل بها المشهور (ورب)
رواية قد عمل بها المشهور ولم تكن مشهورة بين الرواة وأرباب الحديث (ورب)
رواية اجتمع فيها الأمران (ولا اشكال) في الترجيح بهذه الشهرة، بل الترجيح بها أولى من
الترجيح بالشهرة الروائية، لكونها جابرة لضعف الرواية ومصححة للعمل بها وان
كانت الرواية بحسب القواعد الرجالية في منتهى درجة الضعف (بل اطلاق) المرجح عليها
لا يخلو من مسامحة (فان) هذه الشهرة كما تكون جابرة لضعف الرواية، كذلك
تكون موهنة للرواية التي على خلافها وان كانت مشهورة قد رواها الثقات، نظرا
إلى كشف اعراضهم عنها عملا عن خلل فيها يوجب سقوطها عن الاعتبار لارتفاع
الوثوق عنها (فان) المناط في حجية خبر الواحد بعد أن كان هو الوثوق بسنده
وجهته ولو بالأصول العقلائية، فلا جرم باعراض المشهور من المتقدمين عنه يرتفع
الوثوق النوعي بسنده فيخرج عن درجة الاعتبار وان كان بحسب القواعد
205

الرجالية في منتهى درجة القوة (ومن هنا) قيل إنه كلما ازداد الخبر صحة ازداد
باعراض الأصحاب عنه ضعفا (وعليه) فالعبرة على الشهرة العملية الاستنادية في
الوثوق الذي عليه مدار حجية الخبر (بل مع) وجود هذه الشهرة لا يكاد انتهاء
الامر إلى الترجيح بشئ من المرجحات ولكن بشرط ان تكون من المتقدمين من
أرباب المتون، وإلا فلا اثر لشهرة المتأخرين ما لم تتصل بشهرة المتقدمين.
(واما الشهرة) الفتوائية فهي عبارة عن مجرد اشتهار الفتوى من المتقدمين
على طبق مضمون الرواية مع عدم العلم باستنادهم في الفتوى إلى الرواية الموجودة
في المسألة (ولا اشكال) في كون هذه الشهرة موهنة للرواية التي على حلافها (فان)
اشتهار الفتوى منهم في المتون على خلاف مضمون الرواية مع قرب عصرهم بزمان
صدور الاخبار وكون الرواية بمريئهم ومنظرهم، يكشف كشفا اطمينانيا عن اطلاعهم
على خلل فيها سندا أو جهة، بحيث لو كنا نحن في عصرهم لكنا نطرح الرواية أيضا
(ولا يخفى) انه على هذا البيان لا يحتاج إلى ضم شهرة المتأخرين إلى شهرة المتقدمين،
بل يكفي في طرح الرواية شهرة الفتوى من القدماء على خلاف مضمون الرواية، وان
كان شهرة المتأخرين على طبق مضمونها (نعم) لو أحرز ان فتواهم على خلاف
مضمون الرواية من جهة مناقشتهم في دلالتها، لكان المتبع هو الرواية إذا كانت
واجدة لشرائط الحجية ولو لم تكن الشهرة المتأخرة أيضا على طبق مضمونها فضلا
عما لو كانت على وفقها (ومع الشك) في ذلك وعدم العلم بان فتواهم على خلاف
مضمون الرواية، لأجل اعراضهم عن الرواية سندا أو جهة، أو لأجل المناقشة
في دلالتها يحكم عليها بحكم الاعراض، لعدم الوثوق الذي عليه مدار حجية
الخبر.
(وانما الكلام) في كون هذه الشهرة مرجحة لاحد المتعارضين، أو جابرة
لضعف الرواية (ومنشأ) الاشكال ان الترجيح والجبر بها متفرع على استنادهم في
الفتوى إلى الرواية واعتمادهم عليها، ولا يكفي فيهما مجرد تطابق فتواهم لمضمون الرواية
مع عدم احراز استنادهم إليها في الترجيح أو الجبر، كما لا يكفي فيهما عمل المتأخرين
206

بالرواية ما لم يتصل بشهرة المتقدمين (ولكن) التحقيق هو التفصيل بين أن يكون
الفتوى على طبق القاعدة وبين كونها على خلافها (فعلى الأول) لا تكون الشهرة
الفتوائية مرجحة لاحد المتعارضين ولا جابرة لضعف الرواية (فإنه) مع كون
الفتوى على طبق ما تقتضيه القاعدة، يحتمل قريبا كونها هي المستند في فتواهم،
لا الرواية الموجودة في المسألة (ومع) هذا الاحتمال لا يحصل الوثوق باستنادهم
في الفتوى إليها، وان استند إليها المتأخرون في فتواهم، لما تقدم من أنه لا عيرة
بعمل المتأخرين بالرواية في الترجيح والجبر ما لم يتصل بشهرة المتقدمين (فلا
تكون الشهرة الفتوائية حينئذ مرجحة للرواية على معارضها ولا جابرة لضعفها إذا لم
يكن لها معارض (واما على الثاني) وهو كون الفتوى في المسألة على خلاف
ما تقتضيه القاعدة، فلا قصور في جابرية الشهرة الفتوائية لضعف الرواية الموجودة
في المسألة ومرجحيتها خصوصا إذا توافق شهرة المتأخرين مع شهرة المتقدمين في
الفتوى على طبق مضمون الرواية، لحصول العلم العادي بان مستند فتوى المتقدمين
هو تلك الرواية (والموجب) لذلك أمور ثلاثة بعد انضمام بعضها ببعض (أحدها)
كون الحكم المفتي به على خلاف ما تقتضيه القاعدة (وثانيها) إياء عدالتهم وعلو مقامهم
عن الفتوى في المسألة بلا مستند صحيح عندهم (وثالثها) بعد أن يكون لهم مستند آخر غير
ما وصل إلينا من الرواية بطرقهم (إذ لو كان) لهم مستند آخر غير الرواية الموجودة
فيما بأيدينا لوصل إلينا منهم، ولكان المتأخرون الشارحون للمتون يستندون إليه في
فتواهم بعثورهم عليه لقرب عصرهم بعصرهم (حيث) انه بانضمام هذه الأمور
بعضها ببعض مع اتصال شهرة المتأخرين بشهرة المتقدمين يحصل العلم العادي بأنه لا يكون
المستند في فتواهم إلا تلك الرواية الموجودة في المسألة (ومعه) تكون هذه الشهرة
207

جابرة لضعف الرواية إذا لم لها يكن معارض ومرجحة لها على معارضها
على تسامح في ذلك.
(الامر الرابع) في أنه هل يرجع في تعارض العامين من وجه إلى اخبار
العلاج بأعمال المرجحات الصدورية والجهية والمضمونية (أو لا يرجع) فيهما إليها،
بل يحكم فيهما في مورد الاجتماع بالتساقط مع تساويهما في قوة الدلالة ويكون المرجع هو
الأصل الجاري في المسألة (وعلى الأول) فهل الرجوع إلى المرجحات في تمام الخبر
فيؤخذ بأحد العامين ويطرح الآخر في تمام مدلوله حتى في مادة الافتراق (أو ان)
الرجوع إليها في مورد تعارضهما وهو مادة الاجتماع (فيه وجوه) من انصراف
اخبار الترجيح والتخيير إلى صورة تعارض الخبرين بتمام مدلوليهما الموجب لخروج
العامين من وجه من مصب الاخبار (ومن صدق) التعارض ولو في الجملة وكفايته
في دخولهما في مصب الاخبار (ومن أن) التعارض بينهما انما هو في بعض مدلوليهما
فلا وجه لأعمال المرجحات وطرح أحدهما سندا حتى فيما لا تعارض بينهما
(ولكن الأقوى) الوجه الأول وهو عدم الرجوع إلى المرجحات حتى في مجمع
تصادقهما الذي هو مورد التعارض وفاقا للمشهور بل المعظم (وذلك) لا من جهة
عدم قابلية الخبر للتبعيض في المدلول من حيث السند، لامكان دفعه بان ما هو غير
قابل للتبعيض انما هو التبعيض الحقيقي بحيث يكون الخبر صادرا في بعض مدلوله وغير
صادر في بعض آخر (واما التبعيض) التعبدي، فلا محذور فيه عقلا، لامكان التعبد
بصدور الخبر في بعض مدلوله، وعدم التعبد به في البعض الآخر، كيف والتفكيك بين
اللوازم والآثار في التنزيلات الشرعية فوق حد الاحصاء، ولا يأبى العرف أيضا عنه
(بل من جهة) خروجها من مصب اخبار العلاج، لاختصاصها صرفا أو انصرافا بما إذا
كان التعارض بين الخبرين بنحو لا يتمكن من الجمع بين سنديهما والعمل على طبق
مدلولهما ولو في الجملة (وفي العامين) من وجه يمكن الجمع بين سنديهما ولو بلحاظ
مادة افتراقهما (فان) هذا المقدار يكفي في صحة التعبد بسندهما وجهتهما، نظير
208

التعبد بسند العام المتصرف في ظهوره في قبال الخاص الأظهر (غاية) الامر يقع
بينهما التكاذب في الدلالة في مجمع تصادقهما، وحيث لا ترجيح لاحد الدلالتين يحكم
عليهما في المجمع بحكم الاجمال والرجوع إلى الأصل الموجود في المسألة، كما في مقطوعي
الصدور، لا إلى المرجحات السندية، ولا إلى المرجحات الجهتية والمضمونية كالمخالفة
للعامة والموافقة للكتاب، كما هو ظاهر بعض الأعاظم قده على ما ذكر في التقرير
خصوصا على مسلك المختار من ارجاع المرجح الجهتي والمضموني إلى المرجح الصدوري
كما تقدم بيانه (وما ذكرنا) هو الوجه في تسالم الأصحاب على التساقط في العامين من
وجه في مجمع تصادقهما والرجوع إلى الأصل.
(الامر الخامس) في الترجيح بالأصل بناء على التعدي من المرجحات
المنصوصة (فان الذي) يظهر من بعضهم الترجيح به وتقديم الخبر الموافق للأصل
على المخالف له (ولكن) فيه نظر واضح (فان) الأصول الفقاهية من جهة تأخر
مضمونها لا تكون في مرتبة الأدلة الاجتهادية حتى تصلح للمرجحية وتقوية مضمونها
(كيف) ومورد جريانها انما هو ظرف فقد الدليل الاجتهادي المطابق أو المخالف
أما رأسا، أو لسقوطه عن الحجية بالمعارضة، فلا مورد لجريان الأصل قبل سقوط
المتعارضين، وبعد سقوطهما عن الحجية يكون الأصل مرجعا لا مرجحا، من غير فرق
في ذلك بين الأصول العقلية والشرعية، ولا في الثاني بين الأصول التنزيلية وغيرها
(وأما الترجيح) بالظنون غير المعتبرة، فعلى القول بالتعدي من المرجحات، فلا بأس
بالترجيح بها ما لم يكن من الظنون المنهى عن أعمالها كالظن القياسي، والا فلا يعتني
به، لأنه نحو اعمال له الذي هو المنهى عنه.
(بقى الكلام) فيما يتعلق بالتخيير وهي أمور (الأول) قد تقدم ان حكم
المتعارضين على الطريقية في الامارات بالنظر إلى عموم دليل الحجية هو التساقط
(وعلى السببية) والموضوعية هو التخيير على التفصيل المتقدم بين أن يكون التعارض
بين الخبرين لأجل تضاد موضوعي الحكمين ولو عرضا، وبين ان يكون لأجل وحدة
موضوعهما (وبالنظر) إلى ما يستفاد من اخبار العلاج هو عدم سقوطهما ووجوب
209

الترجيح والاخذ بذي المرجح منهما ان كان هناك مرجح، ومع فقده وتساويهما
فالتخيير بينهما (وقد عرفت) ان هذا التخيير ليس تخييرا في المسألة الفقهية،
كالتخيير بين القصر والاتمام في المواطن الأربعة (إذ بعد) انتهاء الامر في
المتعارضين ولو بمقتضى المدلول الالتزامي لهما في أغلب الموارد إلى النفي والاثبات
يمتنع الوجوب التخييري في العمل بمؤدى الخبرين لكونه من ايجاب التخيير بين النقيضين
(بل ولا تخييرا) عمليا منتجا للإباحة الظاهرية بمقتضى اللاحرجية بين الفعل والترك
كما في الدوران بين المحذورين (فان) ذلك وان كان ممكنا في نفسه، ولكنه
لا يساعده أدلة التخيير (بل هو) تخيير في المسألة الأصولية اي في الاخذ بأحدهما
في مقام الاستطراق إلى الواقع المنتج لكون المأخوذ حجة تعيينية يتعين العمل
بمضمونه بعد الاخذ به (فان) الظاهر من قوله (ع).. بأيهما اخذت من باب التسليم وسعك، هو
أن طرف التخيير هو الاخذ بأحدهما ليكون المأخوذ حجة وطريقا محرزا للواقع الذي
لازمه تعين العمل بمضمونه (ومرجعه) في الحقيقة إلى الامر التعييني بالعمل بكل
واحد من الخبرين مشروطا بالأخذ به (فان) ذلك مما يستتبع تخيير المكلف بالأخذ
بأحدهما مقدمة لتحصيل الحجة الشرعية (ومن هنا) لا يكون الحكم بالتخيير في
الاخذ بأحدهما حكما مولويا يترتب العقوبة على تركه من حيث نفسه، وانما هو ارشاد إلى حكم العقل
بوجوبه مقدمة لتحصيل الحجة الشرعية مع القدرة عليه، كما هو الشأن في حكمه في الشبهة
قبل الفحص للقادر على تحصيل الحجة الشرعية.
(الثاني) في أنه هل بتعين على الحاكم وكذا على المفتي في مقام الافتاء ان يختار أحد الخبرين
والافتاء على طبق مضمون ما اختاره من الحكم الفرعي (أو ان) له الافتاء بالحكم الأصولي وهو
التخيير في الاخذ بأحد الخبرين، فيختار المقلد ما أحب منهما ولو على خلاف ما اختاره مجتهده
(أو الافتاء) بالتخيير في العمل بكل منهما (فنقول) اما الحاكم والقاضي فلا اشكال
في أنه يتعين عليه اختيار أحدهما والحكم على طبقه، لعدم فصل الخصومة إلا به
ولا معنى لتخيير المتخاصمين في الاخذ أو في العمل بأحد الخبرين.
(واما المفتى) في مقام الافتاء (فقد) يقال بابتناء الخلاف المزبور على
210

الخلاف فيما هو المستفاد من أدلة التخيير من كون التخيير في المسألة الأصولية فيكون
التخيير للمفتي أو كونه في المسألة الفرعية فيكون التخيير للمستفتي في العمل
بمضمون أحدهما (ولكنه) ليس كذلك لتأتي، الخلاف المذكور ولو على القول بكون
التخيير في المسألة الأصولية (بل التحقيق) ابتناء هذا الخلاف على الخلاف في
شمول الاحكام الطرقية المستفادة من أدلتها كالأحكام الواقعية للجاهل المقلد، وعدم
شمولها له واختصاصها بالمجتهد (فان قلنا) باختصاص الأوامر الطرقية بالمجتهد المتمكن
من تحصيل شرط العمل بها من الفحص ونحوه وعدم شمولها للعاجز عنه (فلا شبهة)
في أنه ليس للمجتهد الفتوى بمضمون هذه الوظائف الفعلية غير الشاملة للمقلد
العاجز، لعدم شمول أدلة رجوع الجاهل إلى العالم لمثله (لوضوح) ان المراد من العالم هو
العالم بوظيفة المقلد لا العالم بوظيفة نفسه، فيتعين عليه حينئذ اختيار أحد الخبرين
والافتاء بمضمون ما اختاره من الحكم الواقعي (وتوهم) ان الامر التعييني بمضمون كل
واحد من الخبرين بعد أن يكون مشروطا بالأخذ الذي هو وظيفة المجتهد، فيلزم
اختصاص الحكم التعييني المستفاد من المأخوذ بخصوص المجتهد، فلا يشمله دليل
رجوع الجاهل إلى العالم بعد اختصاصه بالعالم بوظيفة المقلد لا العالم بوظيفة نفسه
(مندفع) بان مجرد إناطة التعبد بمضمون الخبر بالأخذ به لا يقتضى اختصاص
مضمونه بخصوص المجتهد الآخذ بل هو حكم واقعي شامل لجميع افراد المكلفين
واحتياج التعبد به إلى الفحص والاخذ غير ضائر بعد كون فحص المجتهد
وأخذه مجزيا عن فحصه وأخذه (وبتقريب آخر) أن أخذ المجتهد بعد أن كان
بملاك تحصيل الحجة فبالأخذ بأحد الخبرين يصير المأخوذ حجة تعيينية عليه (فإذا)
كان دليل تتميم كشفه مثبتا للعلم التنزيلي بالمؤدى يكون المجتهد بمنزله العالم بالوظيفة
الواقعية لمقلده فيفتي بمضمون ما اختاره من الحكم الواقعي المشترك بين الجاهل
والعالم، فيترتب عليه رجوع الجاهل إليه (واما ان قلنا) ان الاحكام الطرقية
الظاهرية كالأحكام الواقعية شاملة للمقلد الجاهل أيضا، كما هو الظاهر من اطلاق
أدلتها، بلا اختصاص خطاباتها بالمجتهد لا ذاتا ولا عرضا من جهة اشتراطها بالفحص
(لان) المتيقن من دليل الفحص اشتراطه بأعم من فحص نفسه أو مجتهده، فيكون
211

فحص المجتهد بمقتضى أدلة الافتاء والاستفتاء فحصا للمقلد أيضا (فلازمه) جواز
الافتاء في التخيير بالأخذ بأحد الخبرين (لان) رأى المجتهد كما هو حجة في
تعيين الحكم الفرعي الواقعي باستنباطه من الأدلة، كذلك حجة في تعيين الحكم
الظاهري، بل قد يقال ان المتعين حينئذ حجية رأيه فيما استنبطه من الأدلة عند
تكافؤ الخبرين، لا ما اختاره لنفسه في مقام العمل لعدم الدليل على حجية ما اختاره
لنفسه على مقلده بحيث يكون تكليفا تعيينيا بالنسبة إليه (نعم) ليس له الافتاء
بالتخيير في المسألة الفرعية بالعمل على طبق أحد الخبرين (إذ هو) مع عدم كونه
مفادا لأدلة التخيير، لا يكون مؤدى واحد من الخبرين أيضا، فيكون الفتوى
بالتخيير بالعمل بهما فتوى بلا دليل، مضافا إلى ما تقدم من امتناع الوجوب
التخييري بين العمل بهما بعد انتهاء الامر بينهما في الغالب إلى النقيضين. (هذا)
إذا أريد من التخيير الوجوب التخييري (واما) لو أريد التخيير العملي بمعنى
الإباحة، فعليه وان لم يتوجه الاشكال الأخير، ولكنه يتوجه عليه اشكال كونه
فتوى بلا دليل (نعم) لا بأس بالفتوى بالوجوب التخييري بناء على استفادة
كون التخيير في المسألة الفرعية ولكنه يتوجه عليه الاشكال الأخير من أنه
لا معنى للوجوب التخييري بعد انتهاء الامر بينهما إلى النفي والاثبات (فعلى كل تقدير)
يسقط القول بالافتاء بالوجوب التخييري.
(الامر الثالث) هل التخيير في المسألة بدوي فليس للمكلف ان
يختار في الزمان الثاني غير ما اختاره في ابتداء الامر، أو انه استمراري فللمكلف
الاختيار في كل زمان في الاخذ باي الخبرين شاء (فيه وجهان) بل قولان،
ومورد البحث انما هو في فرض كون التخيير في المسألة الأصولية (والا) ففي
فرض كونه في المسألة الفرعية، فلا اشكال في استمراره وان للمكلف ان يعمل
بمضمون أحد الخبرين تارة وبمضمون الآخر أخرى، كما في التخيير بين القصر
والاتمام في المواطن الأربعة (وبعد ذلك) نقول.. انه قد يقرب الأول بوجهين
(أحدهما) ما افاده العلامة الأنصاري قده من أن الأخبار الدالة على التخيير مسوقة
212

لبيان وظيفة المتحير في ابتداء الامر، فلا اطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحير بعد
الالتزام بأحدهما، واستصحاب التخيير غير جار (لان) الثابت سابقا ثبوت الاختيار
لمن لم يتخير، فاثباته لمن اختار والتزام اثبات للحكم في غير موضوعه (ويتوجه عليه)
أولا، منع سوق الاخبار لبيان وظيفة المتحير في بدو الامر (بل هي) ظاهرة في
سوقها لبيان حكم المتحير من حيث هو، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق في الحكم
بالتخيير بين ابتداء الامر أو بعده (وثانيا) منع كون موضوع التخيير هو المتحير
إذ لا دليل على اخذ عنوانه في موضوع التخيير (بل الموضوع) هو من جائه
الحديثان المتعارضان، فالتحير حكمة لجعل الحكم المذكور، كما هو ذلك في الحكم
بالترجيح (ومن الواضح) بقاء هذا الموضوع على حاله في جميع الأزمنة وعدم
انقلابه بالاختيار وبالعلم بالحكم الفعلي (مع أن) التحير في الحكم الواقعي متحقق
حتى مع الاختيار، والتحير العقلي في المتعادلين مرتفع بالعلم بالتخيير (فلا يمكن،
ان يكون عنوانا للموضوع يدور الحكم مداره.
(وثانيهما) ان طبع الاطلاق في التخيير المأخوذ موضوعا للوجوب يقتضي
كون المطلوب صرف وجود الاختيار، لا الطبيعة المهملة، ولا السارية، كما هو
ذلك في كلية الأوامر (ولازمه) سقوط حكمه بمجرد حصوله في الزمان الأول بلا
احتمال بقائه (فلو شك) حينئذ في بقاء التخيير، فلا بد وأن يكون من جهة احتمال
تعلق امر جديد به في الزمان الثاني (وفي مثله) لا مجال لاستصحاب التخيير، بل
الاستصحاب جار في وجوب العمل بما اختاره في الزمان الأول (وفيه) انه كذلك
إذا كان الامر بالاختيار شرعيا مولويا، وليس الامر كذلك (بل هو) ارشادي
إلى حكم العقل به بمناط وجوب تحصيل الحجة الشرعية للقادر على تحصيلها، كما
ذكرناه (وما هو) شرعي انما هو ملزومه الذي هو الامر بالتعبد بكل منهما في ظرف
الاخذ به واختياره فيكون اطلاقه تابع اطلاق ملزومه (فإذا كان) الظاهر من
اطلاق هذا النحو من القضايا الشرطية هو كون الشرط الطبيعة السارية في كل زمان
فلا محالة يتبعه اطلاق الامر بالتخيير ولو ارشادا في كون المطلوب طبيعة الاختيار
213

الساري في كل زمان، فيتم المطلوب من استمرار التخيير بلا احتياج إلى استصحابه
(اللهم) الا ان يقال ان ذلك انما يتم لو كانت القضية الشرطية من القضايا الملفوظة،
وليس الامر كذلك (فان) منطوق الرواية ليس الا مجرد الامر باختيار أحد المتعارضين
ولو ارشاديا، لا ملزومه الذي هو حجية ما يختاره المكلف في ظرف اختياره
(فإذا) اقتضت المقدمات الحكمة في التخيير المأخوذ موضوعا للوجوب ولو ارشادا
كونه على نحو صرف الوجود المنطبق بتمامه على الاختيار في الزمان الأول، يتبعه
اطلاق ملزومه المستفاد منه (ولا أقل) من عدم استفادة شرطية الاختيار بنحو
الطبيعة السارية في كل زمان (نعم) على ذلك يبقى المجال لاستصحاب بقاء التخيير في
الزمان الثاني (فإنه) يكفي فيه مجرد عدم استفادة صرف الطبيعي المنطبق على
الاختيار في الزمان الأول (واما توهم) معارضته مع استصحاب التعيين في طرف
المأخوذ (فمندفع) بكون الشك في الثاني مسببا شرعيا عن الأول فاستصحابه
يكون حاكما على استصحاب التعيين.
هذا تمام الكلام في الجزء الرابع من الكتاب والحمد لله أولا وآخرا وصلى
الله على محمد خير خلقه وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم
الدين (وقد) وقع الفراغ من تسويده على يد العبد الآثم المحتاج إلى رحمة ربه
الغني محمد تقي النجفي البروجردي ابن عبد الكريم عفى الله عنهما في ثلاث بقين من
شهر جمادى الثانية سنة 1353 ثلاثة وخمسين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية
عليه وعلى أخيه والأئمة من ذريته آلاف الثناء والتحية.
214

في الاجتهاد والتقليد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمد وآله
الطاهرين المعصومين الغر الميامين: ولعنة الله على أعدائهم ومخالفيهم أجمعين إلى
قيام يوم الدين.
(وبعد) فهذه وجيزة فيما يتعلق بالاجتهاد والتقليد قد حررناها في سالف
الزمان فأجبت الحاقها بالكتاب وهو الموفق للصواب (اما الاجتهاد) ففيه مواضع
للبحث.
الموضع الأول
في تعريفه (فنقول) الاجتهاد لغة من الجهد بالفتح بمعنى تحمل المشقة ومن
الجهد بالضم بمعنى صرف الطاقة، وقيل إنه بالفتح والضم بمعنى المشقة (واما اصطلاحا) فقد
اختلف عباراتهم في شرح معناه فعن محكى العلامة قده والحاجبي تعريفه باستفراغ الوسع في
تحصيل الظن بالحكم الشرعي وعن البهائي قده فيما حكى عنه انه ملكة يقتدر بها على استنباط
الحكم الفرعي (وعن) ثالث انه حالة أو قوة قدسية إلهية إلى غير ذلك مما هو
مذكور في المطولات (ولكن) الظاهر أن اختلاف عباراتهم في شرح معناه
المصطلح ليس لأجل اختلافهم في حقيقته (بل هو) عند الجميع عبارة عن استفراغ
الوسع في اعمال القواعد لتحصيل المعرفة بالوظيفة الفعلية من الواقعية والظاهرية
(وان) المقصود من تلك العبارات المختلفة هو مجرد الإشارة إليه بوجه ما (فمن
215

جهة) ان استخراج الاحكام والوظائف الفعلية من أدلتها لا يكون الا عن قوة
راسخة في تنقيح القواعد النظرية واعمالها في مواردها، عرف بالملكة تارة، وبالقوة
القدسية أخرى باعتبار كونها من المواهب الآلهية والنور الذي يقذفه الله في قلب
من يشاء (ومن جهة) ملازمة اعمال القواعد في مقام الاستنباط لاتعاب النفس
وتحمل المشقة، عرف باستفراغ الوسع في تحصيل المعرفة بالحكم الشرعي، كما أن
اشتماله على المشقة هو الموجب لصحة اطلاق معناه اللغوي عليه لكونه حقيقة من
افراده ومصاديقه، فكان اطلاقه عليه من باب اطلاق الكلى على فرده، لا من باب العناية
والمجاز (نعم) لاوجه لما عن العلامة قده والحاجبي من شرحه باستفراغ الوسع في تحصيل
الظن بالحكم الشرعي (إذا لا عبرة) بصرف الظن بالحكم ما لم ينته إلى الحجية الفعلية (ومعه)
تكون العبرة بها (فكان) الحري هو تبديل الظن بالحكم الشرعي بالحجة عليه عقلية كانت أو
شرعية، ليدخل فيه اعمال مسائل الانسداد حتى على الحكومة (وأخرى) من ذلك
تبديل الحكم الشرعي أيضا بمطلق الوظيفة الفعلية من الواقعية والظاهرية الشرعية
أو العقلية، ليدخل فيه الاجتهاد المؤدي إلى البراءة وغيرها من الوظائف العقلية
كالاحتياط والتخيير (وبما ذكرنا) ظهر ان الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع في
تحصيل الحجة جهة مشتركة بين العامة والخاصة الأصوليين منهم والأخباريين (غاية
الامر) انه تختلف انظارهم في حجية بعض القواعد، كاختلاف العامة والخاصة في
حجية القياس والاستحسان، واختلاف الاخباري والأصولي في حجية ظواهر
الكتاب والقطع الحاصل من غير الأدلة السمعية، وتمامية البراءة العقلية في الشبهات
الحكمية البدوية التحريمية، فتكون منازعة كل طائفة في حجية ما يقول به الطائفة
الأخرى لا في اجتهاده (ومن الواضح) ان مثل هذا الخلاف غير ضائر بالاتفاق
على صحة الاجتهاد بالمعنى المزبور (إذ هذا النزاع) كما هو موجود بين العامة والخاصة
الأصوليين منهم والأخباريين (كذلك) موجود بين أخباري وأخباري وبين أصولي،
وأصولي نظير النزاع بين القائل بالظن المطلق من المجتهدين والقائل بالظنون الخاصة منهم
(فلا وجه) حينئذ لتأبي الأخباريين واستيحاشهم من اطلاق الاجتهاد على تحصيل
216

المعرفة بالأحكام من أدلتها باعمال القوة النظرية في تطبيق القواعد الكلية بعد
اتقانها على مواردها وإكثارهم التشنيع على المجتهدين في أصل الاجتهاد، مع كونهم
موافقين لمعناه في استخراجهم الاحكام والوظائف الفعلية من أدلتها عصمنا الله من
الزلات (وكيف كان) فالطاهر ان المراد من الاجتهاد المصطلح هو الاستفراغ
الفعلي في تحصيل المعرفة بالأحكام (لان) الاجتهاد هو الاستنباط الفعلي من الأدلة،
ولا يكفي فيه مجرد الملكة الموجبة للقدرة على الاستنباط، كما هو الظاهر المتبادر
من المواد المأخوذة في كل هيئة في فعليتها، كالفتوى والقضاء والكتابة والتجارة
(ولا ينافي) ذلك صدق المجتهد والقاضي والمفتي في حال عدم الاشتغال الفعلي
بالاجتهاد والقضاوة والافتاء لنوم أو شغل ونحوهما (إذ من الممكن) دعوى كون
ذلك من جهة اقتضاء الهيئة في المشتقات الوصفية نحو توسعة في التلبس بالمبدء الفعلي
على وجه لا ينافيه التخللات العدمية (أو دعوى) كفاية بقاء المقتضى فيها في
صحة اطلاق عنوان المجتهد والقاضي في حال عدم الاشتغال الفعلي بلا اخذها في
المادة أصلا كي يلزم اختلاف المادة المحفوظة في ضمن الهيئات المصدرية وغيرها
(فان) ذلك مما يأبى عنه ارتكاز الذهن (لا يقال) على ذلك يلزم عدم صدق
المجتهد على من له ملكة الاستنباط ولم يستنبط بعد حكما من الاحكام (فإنه يقال)
انه لا بعد في الالتزام به كما نلتزم في غيره من الكاتب والتاجر ونحوهما (وعلى
فرض) صدق عنوان المجتهد عليه، نقول انه من باب العناية والتنزيل (فلا شهادة)
حينئذ في صحة اطلاق المجتهد على مثله على إرادة الملكة من المبدء (مع أنه) لم يرد
عنوان المجتهد في آية ولا رواية في موضوع حكم من الاحكام (وانما) الموضوع
للآثار عنوان الفقيه والناظر في حلالهم وحرامهم والعارف بأحكامهم كما في المقبولة وغيرها
(ولا ريب) في عدم صدق هذه العناوين على من له مجرد الملكة على الاستنباط
ولم يستنبط حكما من الاحكام.
217

الموضع الثاني
ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجزي (فالأول) هو ما يقتدر به على استنباط
الأحكام الشرعية والوظائف الفعلية من امارة معتبرة، أو أصل معتبر عقلي أو نقلي
في الموارد التي لم يظفر بدليل معتبر (والثاني) ما يقتدر به على استنباط بعض
الأحكام الشرعية والوظائف الفعلية العملية لا كلها أو جلها (ولا اشكال) في
امكان الأول وحصوله للاعلام (ولا ينافيه) ترددهم في بعض المسائل النظرية
(فان) ذلك انما هو بالنسبة إلى الحكم الواقعي لأجل عدم الظفر بدليل صالح
مساعد لحكم المسألة بعد الفحص التام عنه، لا ان ذلك لأجل قصور باعهم أو قلة
اطلاعهم (والا) فلا تردد لهم بالنسبة إلى ما هو الوظيفة الفعلية في المسألة كما هو
ظاهر (كما لا اشكال) في وجوب العمل بهذا الاجتهاد لمن هو متصف به وعدم
جواز رجوعه إلى غيره، سواء فيه بين كونه ممن انفتح له باب العلم والعلمي بالأحكام،
أو ممن انسد عليه بابهما فيها في غير الضروريات من المسائل النظرية (فإنه) على كل
تقدير يكون اجتهاده حجة في حق نفسه (واما) حجية فتواه لغيره ممن لم يتضف
بالاجتهاد سواء كان له نصيب من العلم أم لا (فان) كان المجتهد ممن يرى انفتاح
باب العلم والعلمي بالأحكام فلا اشكال أيضا في حجية فتواه لغيره وجواز رجوعه
إليه خصوصا على القول بتعميم مفاد أدلة الطرق والأصول بالنسبة إلى المقلد.
(واما) ان كان المجتهد ممن يرى انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام، ففي
جواز رجوع الغير إليه اشكال (والذي) يظهر من المحقق الخراساني قده هو المنع عن
جواز رجوع الغير إليه وحجية فتواه بالنسبة إليه، لعدم صدق العارف بالأحكام
على مثله، وكون الرجوع إليه من باب رجوع الجاهل إلى مثله لا إلى العالم بناء على
الحكومة (فلا يشمله) أدلة التقليد، وقضية مقدمات الانسداد ليست الا حجية
ظنه في حقه لا في حق غيره (فلا بد) في جواز الرجوع إلى فتواه من التماس دليل
218

آخر غير دليل التقليد ودليل الانسداد الجاري في حق المجتهد من اجماع أو جريان
مقدمات الانسداد في حقه (والأول) مفقود (والثاني) غير تام بعد وجود
المجتهد الانفتاحي وتمكنه من الرجوع إليه والاخذ بفتواه (وفيه) أولا
النقض برجوع المقلد إلى المجتهد الانفتاحي في مورد الوظائف العقلية أو الشرعية
الظاهرية من البراءة والاحتياط والتخيير ونحوها مما كان موضوعه عدم العلم بالواقع
أو بالحجة عليه، بل مطلقا بنا ما على أن نتيجة دليل اعتبار الطرق مجرد جعل الحجية
المستتبعة لتنجيز الواقع مع الإصابة والعذر مع عدمها، بلا جعل الحكم المماثل
ظاهرا، أو تتميم الكشف الموجب للعلم التعبدي بالواقع، لعدم صدق المعرفة
بالأحكام بصرف العلم بالحجة القاطعة للعذر كما هو ظاهر (وثانيا) ان الاشكال
انما يتوجه إذا كان دليل التقليد هو المقبولة ونحوها مما اعتبر في الموضوع عنوان
العارف بأحكامهم (واما) لو كان الدليل القاعدة المرتكزة المقتضية لرجوع الجاهل
بالوظيفة الفعلية الظاهرية من العقلية والشرعية إلى العالم بها (وبعبارة) أخرى
رجوع من لم يكن ذا حجة على الوظيفة الفعلية الظاهرية ولو عقلية إلى من كان ذا
حجة عليها شرعية أو عقلية (فلا قصور) في جواز رجوعه إلى الانسدادي بعد
كونه ذا حجة عقلية في فتواه بمناط الحكومة أو شرعية بمناط الكشف (فإذا)
تعلق ظن المجتهد بالتكليف الذي له مساس بالغير وكان ظنه ذلك حجة ولو من
باب، الحكومة كان له الافتاء على طبق ظنونه (ولازمه) بمقتضى القاعدة
المرتكزة جوار رجوع الغير إليه وحجية فتواه في حقه بعد رجوعه إليه.
(وبتقريب) آخر ان المقلد العامي إذا التفت إلى الاحكام (فاما) ان يعلم بها
اجمالا (واما) ان لا يعلم بها بل كان شاكا في جميعها (وعلى الأول) اما ان
لا يكون له ظنون بان كان محتملا للتكليف في جميع الموارد (واما) ان يكون له
ظنون أيضا (اما الصورة الأولى) وهي علمه بالتكليف اجمالا مع
تساوى احتمالاته، فعليه وان لم يلتفت المقلد إلى وظيفته الفعلية لكونه جاهلا بها
(ولكن) المجتهد بعد ما يرى عدم تمكنه من الاحتياط التام للعسر والحرج
219

الشاملين له بعموم دليلهما (ويرى) انه في ظرف الانسداد يتعين عليه بمقتضى
المقدمة الرابعة الاخذ بالأقرب إلى الواقع، وان الأقرب إلى الواقع من محتملات
المقلد، هو ما يكون على طبق ظنه لكونه هو الأقرب إلى الواقع بنظره، والا فنفس
شكوك المقلد من جهة كونها قبل الفحص لا يكون مدارا للحكم، لان المدار على
ما حصله المجتهد بعد فحصه من أقرب الطرق (فلا جرم) يفتي على طبق ما هو
الأقرب بنظره وهو ما أدى إليه ظنونه التي هي مؤدى احتمالات المقلد أيضا (واما
الصورة الثانية) وهي ما إذ كان للمقلد ظنون أيضا ولو على خلاف ظنون المجتهد، ففي
مثله لا يرجع إلى المجتهد في مؤدى ظنونه، بل المجتهد يعلمه بان تكليفه هو الاخذ
بما هو أقرب الطرق إلى الواقع بنظره أعني الاخذ بظنونه، لا بما هو أقرب بنظر
مجتهده (لان) الجاهل يرجع إلى العالم في المقدار الذي كان جاهلا به لا مطلقا حتى
في المقدار الذي لم يكن جاهلا، فيصير المقلد حينئذ هو المجرى لدليل الانسداد،
ويكون ذلك نحو اجتهاد مشوب بالتقليد، ولازمه هو الاخذ بمؤدى ظنونه وان
كان على خلاف ظنون المجتهد (اللهم) الا ان يقال ان ظنون المقلد حينئذ لكونه
قبل الفحص مما لا عبرة به، وانما العبرة بما يكون بعد الفحص، وهو لا يكون
الا ظنون المجتهد (ولازمه) هو الاقتصار في ظنونه على ما لا يخالف ظنون مجتهده
(الا) ان يمنع أصل وجوب الفحص في فرض المسألة حتى في فرض القدرة على الفحص
بدعوى ان الفحص انما يجب عقلا في فرض احتمال تحصيل الأقرب إلى الواقع، كما
في موارد الشكوك الفعلية المحتمل تبدل بعضها بعد الفحص بالظن بالتكليف، لا في
مثل الفرض المحتمل تبدل ظنه الفعلي بالتكليف بالشك أو الظن بالخلاف (فان)
لازم وجوبه حينئذ هو جواز التنزل عما يقطع فعلا بأقربيته إلى الواقع إلى ما يقطع
فعلا بأبعديته (وفي مثله) يمنع حكم العقل بوجوب الفحص (ومعه) لا قصور في
مرجعية ظنه قبل فحص نفسه أو فحص من ينوبه على الاطلاق ولو على خلاف ظنون
مجتهده فتأمل (وكيف كان) فلا فرق في هاتين الصورتين في الرجوع إلى
الانسدادي في المسألة الأصولية بين وجود القائل بالظنون الخاصة، وعدمه
220

(إذ لا يفرق) العقل في رجوع الجاهل بالوظيفة إلى العالم بها، بين الانفتاحي
القائل بانحلال العلم الاجمالي بما في موارد الظنون الخاصة، وبين الانسدادي القائل
بعدم انحلاله (فكما) ان الأول عالم بالوظيفة الشرعية الظاهرية (كذلك) الثاني
عالم بالوظيفة العقلية الظاهرية، وهو الاخذ بالأقرب إلى الواقع لعلمه بعدم الوظيفة
الشرعية (وبالجملة) لا يفرق العقل في حكمه برجوع الجاهل إلى العالم بين العالم
بالوظيفة الشرعية الظاهرية، والعالم بعدمها (فلا يتعين) عليه
الرجوع في هذه المسألة الأصولية إلى خصوص الانفتاحي
(بل هو) مخير بين الرجوع إلى الانفتاحي ليدخل في من له الحجة
الشرعية فينحل علمه الاجمالي ولا تجري في حقه مقدمات الانسداد، وبين الرجوع
إلى الانسدادي ليدخل في من ليس له الحجة الشرعية، فتجري في حقه مقدمات الانسداد
(فان) التخيير في المقام كالتخيير في باب تعارض الخبرين راجع
إلى التخيير في الاخذ بإحدى الفتوائين ومرجعه إلى حكم العقل بمنجزية فتوى كل
واحد منهما على تقدير الاخذ به (نظير) المجتهد الذي تعارض عنده خبران القائم
أحدهما على حجية طائفة من الاخبار الوافية عنده بمعظم الفقه، والآخر على عدم
حجيتها بنحو يحتاج إلى اعمال مقدمات الانسداد (فكما) انه لا يتعين على المجتهد
اختيار الأول (بل كان) له الاخذ بأي واحد منهما بنحو يصير انفتاحيا بالأخذ
بأحدهما، وانسداديا بأخذه بالآخر (كذلك) المقلد مخير فيه هذه المسألة بين الاخذ
بفتوى الانفتاحي ليدخل في من له الحجة الشرعية فينحل علمه الاجمالي، وبين
الاخذ بفتوى الانسدادي القائل بعدم الحجة الشرعية، ولا يتعين عليه الرجوع
في هذه المسألة إلى خصوص الانفتاحي، كما لا يتعين عليه أيضا الرجوع إلى
المجتهد في خصوص المسألة الفرعية الا من جهة توهم تخصيص المسائل الأصولية
بالمجتهد وعدم تعميمها للمقلد (وعلى ما ذكرنا) لا يبقى موقع لاشكال العلامة
الخراساني قده، بان مع وجود المجتهد القائل بالظنون الخاصة يكون باب العلم
منفتحا في حق المقلد، فلا تجري معه مقدمات الانسداد الا بفرض انحصار المجتهد
221

بالانسدادي (نعم) ما افاده قده، انما يتم في فرض تعين الرجوع إلى المجتهد
في خصوص المسائل الفرعية، ولو لدعوى اختصاص المسائل الأصولية بالمجتهد وعدم نصيب
للمقلد منها، اما ذاتا أو عرضا لأجل اشتراطها بالفحص الذي يكون المقلد عاجزا عنه
(وذلك) أيضا بضميمة تخصيص أدلة التقليد برجوع الجاهل بالحكم الشرعي إلى
العالم به لا بمطلق العالم بالوظيفة الفعلية ولو كانت عقلية (والا) فعلى ما هو التحقيق
من تعميم المسائل الأصولية كالفرعية للمجتهد والمقلد كما هو مختاره قده، فلا يتعين
عليه الرجوع إلى المجتهد في خصوص المسألة الفرعية (بل له) الرجوع إلى المجتهد
في المسألة الأصولية أيضا (وفي هذا) الفرض لا يتعين عليه الرجوع إلى المجتهد
الانفتاحي بالتقريب المتقدم.
(ومن التأمل) فيما ذكرناه يظهر الحال في الصورة الثالثة، وهي ما إذا كان
المقلد شاكا في جميع الأحكام وغير عالم بها حتى اجمالا (إذ بعد) عدم كونه شكوكه
مدارا للحكم يجب عليه الرجوع إلي العالم بالأحكام ولو اجمالا، فان صدقه وحصل
له العلم الاجمالي بالأحكام من قوله (وإلا) يكون علمه اجمالا حجة في حق المقلد (وبعد)
ذلك تنتهي النوبة إلى رجوعه إليه في تعيين وظيفة من له العلم الاجمالي بالأحكام،
فيأتي فيه جميع ما ذكرناه في الصورة الأولى والثانية، فتكون النتيجة هو التخيير
في رجوعه إلى كل من المجتهد الانفتاحي والانسدادي بالتقريب المتقدم آنفا.
(وبما ذكرنا) يظهر أيضا وجه رجوع المقلد إلى المجتهد في مورد الوظائف
العقلية أو الشرعية الظاهرية، كالاحتياط والبرائة والاستصحاب (فلو كان) المجتهد
عالما بحكم المسألة اجمالا ورجع إليه الجاهل في حكم المسألة يفتي المجتهد على طبق معتقده
من لزوم الموافقة القطعية أو جواز المخالفة القطعية أو التفصيل بينهما (ولو لم يكن)
عالما بالحكم لا اجمالا ولا تفصيلا ورجع إليه الجاهل يفتيه بالاحتياط أو بالترخيص
العقلي أو الشرعي (وكذا) في موارد الاستصحابات الحكمية، فإنه مع علم المجتهد
بوجود الحجة على الحكم السابق وعدم قيام حجة على ارتفاعه يحكم بمقتضى أدلة
الاستصحاب بان حكمه وحكم كل من كان على يقين بحكم فشك في بقائه هو عدم
222

نقض اليقين بالشك (فإذا) رجع إليه المقلد مع تشخيصه للموضوع يفتي إياه بحرمة
نقض اليقين بالشك (ومع) فرض عدم التفات المقلد إلى الحالة السابقة وكونه شاكا
في حكم المسألة يكون علم المجتهد وفحصه يمنزلة علم المقلد وفحصه، فيدخل بذلك
تحت عنوان الشاك الفعلي العالم بالحكم السابق فيفتيه بحرمة نقض اليقين بالشك (ثم إن
) ذلك كله بناء على الحكومة (واما) بناء على الكشف عن كون الظن طريقا
مثبتا للتكليف شرعا، فلا اشكال في جواز الرجوع إليه (إذ هو) حينئذ كالقائل
بالظن الخاص، حيث يتحقق مورد التقليد في موارد ظنونه لكونه عالما فيها بالحكم
الشرعي، فيكون الرجوع إليه من باب رجوع الجاهل إلى العالم لا الجاهل كما هو
ظاهر.
(واما قضائه) ونفوذ حكمه في المخاصمات، فعلى تقدير الانسداد بنحو
ينتهى إلى الكشف عن حجية الظن شرعا في مقام اثبات التكليف، فلا اشكال في
نفوذ حكمه (فإنه) يصدق على مثله انه ناظر في حلالهم (ع) وحرامهم وعارف بأحكامهم
(ع) فيكون مشمولا للمقبولة (واما بناءا) على تقريره بنحو الحكومة (ففيه)
اشكال (ولكن) يمكن الالتزام بجواز الترافع إليه ونفوذ حكمه، من جهة كفاية علمه
بجملة من الاحكام الضرورية من المذهب والمسائل الواقعة في موارد الاجماعات القطعية
والأخبار المتواترة لفظا أو معنى أو المحفوفة بالقرائن القطعية، فإنه بذلك يصدق عليه
انه عالم بشئ معتد به من الاحكام وقضاياهم (ع) فتشمله مشهورة أبى خديجة من
قوله (ع) انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا (وان انسد) عليه باب
العلم والعلمي بمعظم المسائل بحيث يحتاج إلى اعمال مقدمات الانسداد (بل ويمكن)
دعوى التوسعة في صدق العرفان بالنظر إلى مثل هذا العرفان الظني الحاكم به العقل المستقل
(وبالجملة) المدار في صدق المعرفة بحكمهم على قيام الحجة عليه وان كانت عقلية (بل
وبالتوسعة) في الحكم المتعلق للمعرفة أيضا بأعم من كونه بلا واسطة أو بتوسيط منشئه بقرينة
اضافه الحكم إليهم في الوقايع الجزئية بقوله (ع) فإذا حكم بحكمنا، كما هو ظاهره
من كون المحكوم به على طبق حكمهم من حيث الموازين الثابتة عندهم (إذ حينئذ)
223

لا بأس بدعوى شمول الحكم للوظائف المعلومة له، لأنها ناشئة من قبل حكمهم،
فيصدق بهذه العناية انه عارف بأحكامهم، وكيف كان فهذا كله في الاجتهاد المطلق.
(واما التجزي في الاجتهاد فيقع الكلام فيه من جهات)
(الأولى) في أصل امكانه (فنقول) قد يقال بعدم امكانه لدعوى بساطة
الملكة وعدم قابليتها للتجزية (وان) الاقتدار على استنباط بعض الأحكام الشرعية
ملازم مع الاقتدار على استنباط الجميع (ولكنه) كما ترى مما يكذبه الوجدان
لما هو المشاهد بالعيان من حصوله لكثير من أفاضل الطلاب (لوضوح) ان
مسائل الفقه ليست على نهج واحد (بل تختلف) وضوحا وغموضا من حيث
المدرك عقلا ونقلا (وكذلك) الأشخاص يختلف من حيث طول الباع وقصوره
(فرب شخص لمهارته) في المبادئ العقلية أو النقلية يكون له من القوة ما يقتدر
به على استنباط طائفة من المسائل المرتبطة بتلك المبادئ دون غيرها من المسائل
الأخرى (ورب) شخص آخر بعكس ذلك (فان) معرفة كل علم من العلوم النظرية
انما توجب القدرة على استنباط طائفة من الاحكام المناسبة لتلك المبادئ دون
غيرها (وحينئذ) فلا يلزم من الاقتدار التام على استنباط بعض المسائل الشرعية
اما لسهولة مدركه أو مهارة الشخص في مباديه، الاقتدار على استنباط الجميع
(وبساطة) الملكة وعدم قابليتها للتجزية لا تنافي ذلك بعد كونها ذات مراتب
مختلفة شدة وضعفا واختلاف المسائل وضوحا وغموضا من حيث المدرك والمبادئ (مع أنه)
لا اثر لهذا الخلاف (إذ لم يقع) عنوان الاجتهاد موضوعا لاثر من الآثار في آية
ولا رواية (وانما) الآثار المهمة من نحو جواز عمله بفتويه، ورجوع الغير إليه،
وجواز تصديه للقضاء وفصل الخصومات، مترتبة على عنوان الفقيه والعارف
بالأحكام (وترتب) هذه الآثار تابع شمول أدلة كل باب لمثله وعدمه، قلنا بامكان
التجزي أم لم نقل به (وعليه) فترك التعرض له أولى من إطالة البحث فيه بالنقض
والابرام.
(الجهة الثانية) هل للمتصف بهذه المرتبة من الاجتهاد التعويل على نظره
224

واجتهاده في عمل نفسه، أو يتعين عليه الرجوع إلى فتوى المجتهد المطلق أو الاخذ
بأحوط القولين (فيه وجوه) أقواها الأول (إذ بعد استقصاء المتجزي أدلة مدرك المسألة
وفحصه عن معارضاته وانتهاء امره إلى الجزم بحجية الامارة الكذائية في حقه
فعلا سندا وجهة ودلالة، لا معنى للمنع عن تعويله في عمله على ما استقر عليه رأيه في المسألة
(إذ هو) حينئذ يساوي المجتهد المطلق الذي استفرغ وسعه فيها من حيث القدرة
على الفحص ورفع معارضاته (وعدم) قدرته على استنباط مسألة أخرى أجنبية
غير ضائر بعد فرض عدم الارتباط بينهما (ولازمه) عدم جواز رجوعه إلى الغير
في المسألة التي تخالف فتواه لرأيه، كيف وهو جازم بخطأ غيره في نظره، فلا معنى
لتعويله على رأيه (وتوهم) اختصاص أدلة حجية الطرق بالمتصف بالاجتهاد المطلق،
كما ترى دون اثباته خرط القتاد (هذا إذا كان) قادرا على استنباط بعض أبواب
الفقه باعمال جميع ما تحتاج إليه المسألة من القواعد (واما) لو لم يقدر الا على اعمال
بعضها بان كان مجتهدا في بعض القواعد المعمولة في كل مسألة لا في جميعها، فلا
شبهة في عدم تحقق الاجتهاد في مسألة من المسائل، لعدم قابليته للتجزية من هذه
الجهة، ولازمه كونه مقلدا في المسألة لا مجتهدا (وانما الكلام) في أنه هل له الاكتفاء
بتطبيق ما يقدر عليه من قواعد المسألة بضميمة التقليد في غيرها وتطبيقها على
المسألة واخذ نتيجتها والعمل بها ولو مع مخالفة نظره لرأي غيره ليكون نحو اجتهاد
مشوب بالتقليد أو يتعين عليه التقليد في المسألة بتمامه، فيه وجهان، من أن
الجاهل ببعض جهات المسألة جاهل بأصل المسألة، ومن أن رجوع الجاهل إلى
العالم انما هو في الجهة التي يكون جاهلا بها لا مطلقا حتى في الجهة التي هو عالم بها
مع كونه مخطئا لنظر غيره، لا يبعد تعين الأول.
(الجهة الثالثة) هل يجوز رجوع الغير إلى المتجزي في المسائل التي
استخرجها من الأدلة (فيه وجهان) أظهرهما الأول لعموم أدلة التقليد الشامل لمثله
(وعدم) اقتداره على استنباط ساير المسائل غير ضائر بجواز الرجوع إليه فيما
اقتدر على استنباطه (بل قد) يتعين إذا كان اعلم فيه ممن له القدرة على استنباط
225

جميع الأحكام بناءا على ما سيأتي من وجوب تقليد الأعلم (ولا غرو) في كون
المتجزي لمهارته في بعض المبادئ العقلية أو اللفظية اعلم من المجتهد المطلق في
استنباط طائفة من الاحكام المناسبة لتلك المبادئ (نعم) لو كان المتجزي دون
المطلق في العلم والفضل فيما اقتدر على استنباطه، لكان المتجه هو المنع عن حجية
فتواه في حق الغير، ولكن ذلك لا من جهة كونه متجزيا في الاجتهاد (بل من
جهة) الاشكال في أصل جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل ولو كان مجتهدا
مطلقا.
(الجهة الرابعة) في جواز تصدي المتجزي للقضاء وفصل الخصومات
(وفيه) أيضا اشكال بين الاعلام، ظاهر كلمات جماعة منهم المسالك قدس الله
اسرارهم العدم (ولكن) الأظهر الجواز إذا كان ما يقتدر على استنباطه جملة معتد
بها من الاحكام (والعمدة) في ذلك هي مشهورة أبى خديجة من قوله (ع)
انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا أو قضايا، على اختلاف النسخ، فاجعلوه بينكم
قاضيا فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه (فان) ظاهره كفاية المعرفة بمقدار
معتد به من الاحكام وقضاياهم في جواز التصدي للقضاء وفصل الخصومات بلا
اعتبار المعرفة بجميع الاحكام (وتوهم) ان حرف الابتداء في قوله (ع) من قضايانا
للبيانية لا التبعيضية ولازمه اعتبار المعرفة بجميع المسائل في مثل هذا المنصب، نظير
ما في المقبولة من قوله (ع) ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا من حيث
إفادة الجمع المضاف العموم (مدفوع) بظهور لفظة من في المقام في التبعيض دون
البيان (والا) كان المناسب ان يقول أشياء من قضايانا ليوافق البيان المبين (واما)
المقبولة فعلى فرض تسليم إفادة الجمع المضاف العموم، فغايته الدلالة على الاذن في
التصدي للمجتهد المطلق العارف بجميع الاحكام، (واما) نفي الاذن في التصدي
عن غيره ممن هو عارف ببعض الاحكام فلا، فتبقى المشهورة على حالها في
الشمول للمتجزي المقتدر على استنباط بعض الأحكام (نعم) يعتبر ان يكون
ما يقدر على استنباطه جملة معتدا بها من المسائل على وجه يصدق عليه عرفا انه عارف
226

بشئ من قضاياهم، لانصرافه جزما عمن عرف أقل قليل من الاحكام، نظير انصراف
اطلاق الشئ من البحر عن القطرة والقطرات وان كان يصدق عليها بحسب الدقة.
(ثم انه) لا بد في الاجتهاد والقوة على الاستنباط من معرفة العلوم التي يتوقف
عليها الاستنباط من العلوم العربية وغيرها كالتفسير وعلم الرجال والأصول ونحوها
(فإنه) بدونها يستحيل حصول القوة على استنباط الحكم الشرعي ويكفي من
العلوم العربية كالصرف والنحو واللغة معرفة مقدار معتد به بحيث يقدر على استخراج
المسائل الشرعية المتوقف عليها ولو بالرجوع إلى ما دون فيه هذه العلوم (وكذا)
التفسير ولو بالمراجعة إلى الاخبار المدونة في كتب التفاسير للعلم الجمالي بإرادة خلاف
الظاهر في كثير من الآيات المتعلقة بالأحكام (وعمدة) ما يحتاج إليه الاجتهاد معرفة قواعد
الأصول (فإنه) ما من مسألة الا ويحتاج في استنباط حكمها إلى اعمال قاعدة أو
قواعد متعددة من قواعد الأصول (من غير فرق) بين الأصولي والأخباري (فان) الاخباري
أيضا يحتاج في استنباط الاحكام من أدلتها إلى اعمال القواعد المبرهنة عليها في
الأصول، كاحتياجه إلى اعمال غيرها من قواعد الصرف والنحو، وبدونه لا يمكن
استنباط الاحكام (ومجرد) تدوين هذه القواعد علي حده بعد شتاتها، وتسميتها
باسم خاص لا يوجب كونها بدعة (والا) كان تدوين غيرها مما يتوقف عليه
الاستنباط كالصرف والنحو وغيرهما أيضا بدعة (فلا وجه) حينئذ لمنازعة الاخباري
مع الأصولي في ذلك واكثارهم التشنيع عليهم (كما أن) علم الرجال أيضا من عمدة
ما يحتاج إليه الاجتهاد في مقام استنباط الاحكام بناءا على كون مدار حجية الخبر
على الصحيح الاعلى المعدل كل من رجاله بعدلين، خصوصا عند تعارض الاخبار
بناء على الترجيح بالصفات من الأعدلية والأوثقية والأفقهية (فان) احراز هذه
الصفات في رجال الاسناد موقوف على الرجوع إلى أهل خبرته، فلا بد من مراجعة
الكتيبة الموجودة في كتب الماهرين في هذا الفن والعارفين بالطبقات (نعم) بناءا
على ما هو المعروف في زماننا هذا المحرر في الأصول من كون مدار الحجية على الخبر
الموثوق الصدور، فتقل فائدة الرجال جدا لمكان حصول الوثوق بصدور الخبر
227

باتكال المشهور عليه، وان كان بحسب القواعد الرجالية في منتهى درجة الضعف،
كما أن اعراضهم عنه يوجب وهنا فيه وان كان جميع رجال اسناده عدلا، لكشف
اعراضهم عنه مع كونه بين أظهرهم عن وجود خلل فيه يوجب سلب الوثوق
بصدوره، ولذا اشتهر ان الخبر كلما ازداد صحة واعتبارا ازداد باعراض الأصحاب
عنه ضعفا وانكسارا (وعلى كل حال) لا بد من كونه مجتهدا في هذه القواعد في
استخراج الحكم الشرعي، ولا يكفي فيها التقليد، بل لو فرض تقليده في واحد
منها كانت النتيجة تقليدية، لأنها تابعة لأخص المقدمتين (وفي الاكتفاء) باجتهاده
في سائر القواعد وتطبيقها على المسألة بضميمة تطبيق القاعدة التقليدية عليها واخذ
النتيجة الفرعية والعمل بها كلام قد تقدم سابقا.
(هذا كله) في القواعد المعمولة في طريق استنباط الاحكام الكلية (واما
القواعد) المعمولة في تطبيق الاحكام الكلية على مصاديقها، كقواعد الهيئة
والحساب ونحوهما، فهي غير مرتبطة بمرحلة الاجتهاد ولا يضر الجهل بها بأصل
الاجتهاد، ولا بأس برجوع المجتهد فيها في مقام تطبيق الاحكام الكلية إلى العالم
بها من باب الرجوع إلى أهل الخبرة.
الموضع الثالث في التخطئة والتصويب
قد اختلف كلماتهم في التخطئة والتصويب في الشرعيات، بعد اتفاقهم على
التخطئة في العقليات (ولعل) هذا الوفاق في العقليات انما هو بالنظر إلى العقليات
الاستكشافية التي يكون درك العقل طريقا محضا إلى الواقع لا مقوما، لحكمه، كما في
باب الملازمات ونحوها من الأمور الواقعية، (فان) درك العقل وتصديقه فيها لما كان
طريقا إليها كان لتطرق التخطئة إليها مجال (بل لا محيص) من القول بها (فان)
الملازمة بين الشيئين امر واقعي قد يدركها العقل فيحكم بها وقد لا يدركها أو يخطئ
عنها فيحكم بعدمها، وكذا الاستحالة الواقعية للشئ والمصلحة والمفسدة الواقعيتين
228

والحسن والقبح الواقعيين ونحوها (والا فبالنظر) إلى العقليات الوجدانية التي يكون
درك العقل وتصديقه مقوما لحكمه، كالتحسين والتقبيح العقليين (فلا يتطرق) إليها
التخطئة، بل لا محيص فيها من التصويب محضا (فان) حقيقة الحسن العقلي ليس الا عبارة
عن ملائمة الشئ لدى القوة العاقلة، كسائر ملائمات الشئ لدى سائر القوى من
الذائقة والسامعة والشامة ونحوها مما هو في الحقيقة من آلات درك النفس وجنودها
قبال منافرته لدى القوة العاقلة المسمى بالقبح (ومن الواضح) استحالة تطرق التخطئة في
مثل هذه الادراكيات الوجدانية (لأنه) ليس لها واقع محفوظ وراء حصول صفة
الانبساط والاشمئزاز الوجدانية (وذلك) قلنا بامتناع تطرق الشك في مثل هذه
الادراكيات الوجدانية، لامتناع خفاء الوجدانيات على الوجدان (نعم) ما هو
القابل للتخطئة ولتطرق الشك إليها انما هو مناط حكمه بالحسن والقبح من المصالح أو
المفاسد الواقعية النفس الامرية وكذا الحسن والقبح الواقعيان (واما الأحكام الشرعية
) فالظاهر اطباق القول من أصحابنا الامامية رضوان الله عليهم على التخطئة
فيها لاتفاقهم على أن له سبحانه وتعالى في كل مسألة حكم مخصوص يؤدي إليه
الاجتهاد تارة، والى غيره أخرى (وانما القول) بالتصويب فيها من مخالفينا، حيث
قالوا ان لله سبحانه وتعالى أحكاما بعدد آراء المجتهدين فما يؤدي إليه الاجتهاد فهو
حكم الله الواقعي.
(وحيث) انتهى الكلام إلى ذلك، فلا بأس بالإشارة الاجمالية إلى انحاء
التصويب وبيان ما يمكن منها (فنقول) اعلم أن الوجوه المتصورة في المقام: أربعة
(أحدها) ان لا يكون قبل الاجتهاد وحصول الرأي حكم أصلا، وانما
يحدث الحكم حال الاجتهاد وحصول الرأي على معنى انشاء الحكم لنفس الذات
لكن لا مطلقا بل في حال اعتقاد المجتهد به لا بشرط الاعتقاد، نظير ما ذكره
المحقق القمي قده في قوله اللفظ موضوع للمعنى لا بشرط الانفراد ولا لا بشرط الانفراد
(وثانيها) ان يكون له سبحانه أحكاما متعددة حسب تعدد الآراء بمعنى انه
سبحانه لعلمه بما ينتهى إليه رأي المجتهدين في كل مسألة ينشأ احكاما متعددة على
229

طبق ما يستقر عليه رأي المجتهدين (ومرجع) ذلك أيضا إلى خلو الواقعة عن
الحكم مع قطع النظر عما يؤدي إليه نظر المجتهد واجتهاده، غير أن الفرق بينهما هو
خلو الواقعة في الأول عن الحكم رأسا قبل اجتهاد المجتهد واستقرار رأيه بالحكم
(وفي الثاني) كانت الواقعة محكومة عند الله بما سيستقر عليه رأيه من الوجوب أو
الحرمة أو غيرهما (وثالثها) خلو الواقعة عن الحكم الفعلي، بمعنى ان له سبحانه
حكم واقعي في كل واقعة يشترك فيه العالم والجاهل، الا ان الحكم الفعلي يكون
على طبق ما يؤدي إليه اجتهاد المجتهد، فربما يتوافق الحكم الواقعي والفعلي وربما
يتخالفان، فكان التصويب في مرحلة الفعلية، لا في مرحلة الواقع (ورابعها)
ان يكون التصويب في مرحلة الحكم الظاهري الثابت في المرتبة المتأخرة عن الشك
بالواقع مع كون الحكم الواقعي حتى بمرتبة فعليته مشتركا بين العالم والجاهل، كما
هو لازم القول بموضوعية الامارات وسببيتها.
(ولا ينبغي) الاشكال في بطلان الوجه الأول وذلك لا من جهة الدور أو
محذوره وهو تقدم الشئ على نفسه (فان العلم) بالحكم أو الظن به لا يتوقف على
ثبوته التحقيقي (لان) معروض هذه الصفات انما هو ذات الشئ بوجوده الزعمي
الذهني ولكن لا بما انه يلتفت إلى ذهنيته في قبال الخارج، بل بما يرى كونه عين الخارج،
كما أن الحكم بحقيقته غير متوقف على علم المجتهد أو ظنه به، لما ذكرنا من أن
حدوث الحكم للذات انما يكون في حال اعتقاد المجتهد به لا مقيدا به (بل العمدة)
في المحذور بعد الاجماع على عدم خلو الوقايع عن الحكم الشرعي، هو عدم تصور
الاجتهاد في المسألة والفحص عن حكمها ولو بنظر ذي الرأي (إذ كيف) يمكن
تعلق رأي المجتهد ونظره في حكم المسألة بما لا يكون له في الواقع باعتقاده عين
ولا اثر (واما الوجه الثاني) فهو وان يسلم من المحذور السابق، حيث كان المجال
لفحص المجتهد عن حكم الواقعة (الا إنه) مع كونه خلاف الاجماع وما تواتر عليه
الاخبار من أن له سبحانه في كل واقعة حكم يشترك فيه العالم والجاهل (يلزمه)
اجتماع الظن الفعلي بالحكم واليقين به في زمان واحد، فإنه باعتبار تعلق ظنه بالواقع
230

يكون مظنونا، وباعتبار أن مؤدى ظنه هو حكم الله المجعول في حقه يكون مقطوعا
فيلزم اجتماع الظن الفعلي بالحكم مع القطع الفعلي به في زمان واحد (نعم) لو كان
المقصود من جعل الحكم على طبق الرأي جعله على طبق الرأي القطعي الناشئ من الأدلة
القطعية، لا يتوجه هذا المحذور (ولكن كلام القائلين بالتصويب يعم موارد الظن
بالحكم أيضا.
(واما الوجه الثالث) وهو التصويب في مرحلة فعلية الحكم، فالظاهر
امكانه في نفسه لكونه سليما عن المحذورات المتقدمة، إذ كان الفحص عن الاحكام الانشائية
المنبعثة عن المصالح الواقعية (ويمكن) أيضا ان تكون الاحكام الواقعية المجامعة مع الجهل
بها احكاما انشائية وان فعليتها وبلوغها إلى مرتبة الانقداح منوطة بالعلم بها بحيث بقيام العلم
أو العلمي عليها تبلغ إلى مرحلة الانقداح والإرادة الفعلية فيتنجز (الا) انه بعيد عن ظاهر
الاخبار ومعاقد اجماعاتهم في كون الحكم المشترك بين العالم والجاهل هو الحكم الفعلي البالغ
إلى مرحلة الانقداح الفعلي من المولى، دون الحكم الاقتضائي أو الانشائي فصرف
هذه الأخبار عن ظاهرها كما أفاده في الكفائية يحتاج إلى دليل.
(واما الوجه الرابع) وهو التصويب في الحكم الظاهري بناءا على السببية
والموضوعية في الامارات، لا الطريقية والكاشفية فيها (فعلى ما اخترناه) من
الوجه في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري باختلاف المرتبة بينهما ولو بجعل الجهل
بالحكم من الجهات التعليلية للحكم الظاهري، لا من الجهات التقييدية المأخوذة في
ناحية موضوعه (فلا اشكال) لخلوه عن جميع المحاذير المتقدمة، وملائمته لظواهر
الاخبار ومعاقد اجماعاتهم في اشتراك العالم والجاهل في الاحكام الواقعية حتى بمرتبة
فعليتها الراجعة إلى مرحلة الانقداح الفعلي من المولى، مع اندفاع شبهة التضاد بين
فغلية الاحكام الواقعية والترخيصات الشرعية الظاهرية على خلاف الواقعيات أيضا،
من دون احتياج في رفع المضادة بينهما إلى الالتزام بمراتب الحكم بجعله ببعض مراتبه
مشتركا بين العالم والجاهل وببعضها الآخر مختصا بمن قامت عنده الامارة الموافقة للواقع (واما)
بناء على عدم كفاية هذا المقدار من اختلاف المرتبة بينهما في رفع التضاد فلا محيص من
231

المصير إلى ما في الكفاية من حمل الحكم المشترك على الانشائي المحض والالتزام
بعدم بلوغ التكليف إلى مرحلة الفعلية في موارد الجهل به وموارد قيام الامارات
على خلاف الواقع، اما لمزاحمة مصلحة أخرى أقوى في جعل الحكم الظاهري، أو
لمانعية الجهل به عن بلوغه إلى مرحلة الانقداح الفعلي (بل لا محيص) من الالتزام
به حتى على القول بالطريقية والكاشفية في الامارات (فإنه) كما يضاد الحكم الظاهري مع
الواقعي على السببية والموضوعية في الامارات، كذلك يضاده الترخيص الفعلي على
خلاف الواقع على الطريقية، بل يضاده الترخيص الناشئ من العذر العقلي أيضا
(ولكن) التحقيق في دفع الشبهة ما ذكرناه من اختلاف المرتبة بين الحكمين وقد
ذكرنا تفصيل الكلام فيه في الجزء الثالث من الكتاب عند التعرض لدفع شبهة ابن
قبة بما يندفع به جميع المحاذير المتوهم ورودها في التعبد بالامارات غير العلمية على
الطريقية والموضوعية في ظرف الانفتاح والانسداد فراجع.
(ثم إن) تمام المنشأ في التفكيك بين مرتبة الانشاء والفعلية في الاحكام
الواقعية (انما هو) تخيل ان فعلية الحكم الواقعي عبارة عن البعث والزجر الفعلي
المنتزع عن مرحلة انشاء المولى بداعي التحريك الفعلي نحو العمل (فإنه) من
جهة مضادة هذا المعنى مع الترخيص الفعلي على خلاف المرام الواقعي في
موارد الامارات المؤدية إلى خلاف الواقع والوظائف المقررة شرعا في حق الجاهل،
التجئ إلى التفكيك المزبور، فالتزم بان التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر
فعليا وما لم يصر فعليا لم يبلغ مرتبة التنجز واستحقاق العقوبة على المخالفة (والا) فبناء
على جعل فعلية التكليف عبارة عن الخطاب الصادر من المولى نحو المرام بداعي
التوصل إلى حفظ مرامه من ناحية خصوص خطابه المجامع مع الجهل به والعذر العقلي،
لا التوصل إليه بقول مطلق ولو من غير ناحية خطابه، فلا يحتاج في رفع التضاد
إلى الالتزام بالتفكيك المزبور (فان) الفعلي بهذا المعنى محفوظ في ظرف الجهل به
ويجامع مع الترخيص الشرعي كما يجامع مع العذر العقلي، ولا يكاد اقتضاء تنجزه
بقيام الطريق إليه أيضا اختلافا في مرتبة التكليف في لب الإرادة (بل الإرادة)
232

والانقداح القلبي من المولى في خطابه المتوصل به إلى مرامه ليست الا المرتبة
الخاصة المتحققة في ظرف الجهل أيضا، وانما الاختلاف في حكم العقل بتنجزه عند
قيام الطريق إليه، وعدم تنجزه عند عدمه (نعم) لو كان المراد من فعلية التكليف
توجيه الإرادة المطلقة من المولى نحو مقصوده بانشاء الخطاب بقصد التوصل به إلى
التحريك الفعلي نحوه في ظرف عدم تحقق أسباب تنجيزه، لكان للاشكال المزبور مجال
(ولكن) لازمه أن لا يقتصر بصرف خطابه المتعلق بذات العمل، بل اللازم
حينئذ كونه بصدد رفع جهل المكلف ولو بانشاء آخر في ظرف الجهل بخطابه كي به
يرفع عذره العقلي (لان) مثل هذه المرتبة من الفعلية المطلقة كما لا يجامع مع
الترخيص الشرعي، كذلك لا بجامع مع الترخيص العقلي بمناط العذر أيضا، فلا بد
من انشاء آخر منه في ظرف الجهل بايجاب احتياط ونحوه، والا فبدونه لا يكاد
التوصل الفعلي بانشائه إلى مقصوده (وحينئذ) يبقى مجال السؤال عن المراد من
البعث والزجر الذي يجامع مع الاعذار العقلية ولا يجامع مع الترخيصات الشرعية
في موارد الامارات والوظائف المقررة شرعا في حق الجاهل (فان) أريد به الانشاء
بداعي التوصل به إلى التحريك الفعلي نحو المراد في ظرف عدم تحقق أسباب التنجيز
فعلا، فهذا كما لا يجامع مع الترخيص الشرعي على خلاف المراد، كذلك لا يجامع
مع الترخيص العقلي بمناط العذر، (فلا بد) في هذا الفرض من كون المولى بصدد
رفع العذر العقلي بانشاء آخر في ظرف الجهل بخطابه المتعلق بذات العمل (وان
أريد) به الانشاء بداعي التوصل به إلى مراده في ظرف تحقق أسباب التنجيز من
الخارج، فهذا كما يجامع مع الاعذار العقلية، يجامع أيضا مع الترخيصات الشرعية
(فان) مرجعه إلى ما ذكرنا من فعلية الحكم المجامع مع الجهل به والعذر العقلي
وتفصيل الكلام بأزيد من ذلك موكول إلى محله فراجع الجزء الثالث من الكتاب.
(الموضع الرابع) إذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبدل الرأي بما يخالفه أو
بزواله بدونه (فلا شبهة) في أنه في الأعمال اللاحقة. لا بد من اتباع الاجتهاد
الثاني أو العمل بما يقتضيه الاحتياط فيها في الأول وتعين الاحتياط في الثاني (واما
233

في الأعمال السابقة) الواقعة على وفق الاجتهاد الأول المختل بعض ما اعتبر في صحتها
حسب الاجتهاد الثاني (فقد اختلفت) فيها كلماتهم في الاجزاء وعدمه (ونحن)
وان أشبعنا الكلام في المسألة في مبحث الاجزاء (ولكن) لا بأس بالتعرض لها
في المقام وتحقيق الحال فيها على نحو الاجمال والاختصار (فنقول) ان انكشاف
الخلاف تارة يكون قطعيا وأخرى ظنيا اجتهاديا بحجة معتبرة (فان كان) كشف
الخلاف قطعيا (فلا شبهة) في عدم الاجزاء ولزوم المعاملة مع الأعمال السابقة معاملة
البطلان، حيث لا تكليف سابقا ولا وضع حتى يقال فيه بالاجزاء، فكان الامر
الواقعي على حاله بلا موافقة ولا معنى حينئذ للقول بالمضي عليها، الا إذا دل دليل
خاص من الخارج على المضي فيها، كما في باب الصلاة من نحو حديث لا تعاد وغيره
(ولا فرق) فيما ذكرنا بين ان يكون مؤدى الاجتهاد الأول أيضا قطعيا أو ظنيا
اجتهاديا، فمهما كان انكشاف الخلاف قطعيا يعامل مع الأعمال الواقعة على وفق
الاجتهاد الأول معاملة البطلان (وأما إذا كان) انكشاف الخلاف ظنيا اجتهاديا،
اما من حيث اختلاف الرأي في أصل الظهور واما من حيث العثور على مخصص
للعموم بعد أن لم يكن أو العثور على المعارض الأقوى من الدليل الأول (فقد) يقال
بالمضي على الأعمال السابقة وعدم نقضها (لعدم) انكشاف الخلاف حقيقة حتى
ينتقض، ولعدم حجية الامارة اللاحقة الا من حين قيامها، فلا تكون حجة الا
بالإضافة إلى الأعمال المستقبلة دون الماضية مع اقتضاء الأوامر الشرعية الظاهرية
للاجزاء (وفيه) ان الحجة اللاحقة القائمة على الرأي الجديد وان لم تكن حجة الا
من حين قيامها (ولكن) بعد قيامها على خلاف الحجة السابقة واقتضائها لكون
السورة مثلا جزءا للصلاة وكون العربية أو الماضوية شرطا في صحة العقد من دون
اختصاص بزمان دون زمان، فلا بد من الحين من ترتيب اثر البطلان على الصلاة
المأتية سابقا بلا سورة وعلى العقد الواقع بغير العربية والماضوية، فإذا كان من آثار
بطلان العمل الواقع سابقا وجوب قضائه واعادته فعلا يجب بمقتضى الحجة اللاحقة
تدارك ما وقع قبلا خاليا عن الجزء والشرط لكونه اثرا فعليا للحجة اللاحقة.
234

(والتحقيق) في المسألة هو ان مؤدى الاجتهاد الظني السابق إذا كان ما قامت
عليه امارة شرعية كالخبر مثلا (فاما) ان نقول بحجيتها من باب الطريقية والكاشفية
واما من باب السببية والموضوعية (وعلى التقديرين) فتارة تكون الامارة قائمة على
نفس الحكم الشرعي (وأخرى) على موضوعه (فان كان) مؤدى الامارة نفس
الحكم الشرعي وقلنا بالطريقية فيها (فلا ينبغي) الاشكال في أن مقتضاه هو عدم
الاجزاء ووجوب نقض الآثار مطلقا من غير فرق في كيفية التنزيل في مفاد أدلة
حجيتها بين كونها بنحو تتميم الكشف، أو تنزيل المؤذى منزلة الواقع أو مجرد الامر بالعمل
على طبق الامارة (فإنه) على كل تقدير لا حكم حقيقي في فرض مخالفة الامارة
للواقع، ولا كان في مؤداه أيضا مصلحة قابلة لتدارك المصلحة الواقعية، فالتكليف
الفعلي الواقعي كان باقيا على حاله بلا موافقة ومصلحته بلا استيفاء ولا متداركة
(ووجود) المصلحة في جعل الامارة طريقا إلى الواقع غير صالح لجبر مصلحة الواقع
كي يتوهم الاجزاء لأجله، والا لاقتضى الجبر ولو قبل العمل بها (لان) هذه
المصلحة وهي التسهيل على العباد انما كانت قائمة بفعل الآمر وهو جعله، لا بفعل
المأمور (فان) المفروض على الطريقية هو خلو العمل عن المصلحة رأسا (فكيف)
يمكن ان يتدارك بها ما يفوت من المصلحة الواقعية (نعم) غاية ما يكون هو أهمية
هذه المصلحة وهي التسهيل على العباد لدى الشارع من حفظ المصالح الواقعية الفائتة
عند تخلف الامارات عن الواقعيات عند الانفتاح، ولكن ذلك أجنبي عن تدارك
المصالح الفائتة بها كما لا يخفى (لا يقال) هذا إذا كان الاجزاء بمناط استيفاء المصالح
الواقعية أو تداركها (واما) إذا كان بمناط التفويت فلا بأس باستفادة الاجزاء من
نفس الامر بالعمل على طبق مؤديات الامارات (فان) الامر بسلوك الامارة مع العلم
بكونها مؤدية كثيرا إلى خلاف الواقع مع عدم التنبيه على لزوم الإعادة عند
انكشاف خطأ الامارة عن الواقع يكشف عن عدم امكان تدارك الواقع بما له من
الخصوصية المطلوبة (فإنه) يقال انه يكفي في التنبيه على وجوب الإعادة عند كشف
خطأ الامارة عن الواقع نفس أدلة الاحكام الواقعية الشاملة بفعليتها للعالم والجاهل
235

(هذا كله) في الامارات المؤدية إلى الحكم الشرعي.
(وأما الامارات) المؤدية إلى موضوع الحكم الشرعي أو قيوده، فحكمها على الطريقية
حكم الامارات المؤدية إلى الحكم الشرعي في عدم الاجزاء ولزوم نقض الأعمال السابقة
من حيث الأثر المبتلى به فعلا (من غير فرق) بين ان يكون الموضوع الذي قامت
الامارة عليه أمرا شرعيا قد اعتبره الشارع في موضوع حكمه كطهارة الماء للوضوء
والغسل، وطهارة التراب للتيمم، وحلية الاكل في الحيوان في لباس المصلي ونحوها،
وبين ان يكون أمرا واقعيا غير شرعي، كالماء والتراب، والغنم ونحوها من الأمور
الواقعية الخارجية التي جعلها الشارع موضوعات لأحكامه.
(فان) مرجع التعبد بالموضوع بعد أن كان إلى التعبد بأثره من الحكم
الشرعي، فيجري فيه على الطريقية ما ذكرناه في التعبد بالامارة القائمة على الحكم
الشرعي (نعم) لو كان مفاد دليل التنزيل فيها ناظرا إلى اثبات التوسعة الحقيقية
للمنزل عليه بما يعم الواقعي والظاهري، أو اثبات جعل الأثر ومماثله حقيقة في مرحلة
الظاهر (لكان) مثله مفيدا للاجزاء قطعا (إذ حينئذ) تكون مؤدى الامارة من
المصاديق الحقيقية لما هو موضوع الحكم في الكبريات الواقعية، حيث يكون له
مصداقان أحدهما واقعي والآخر ظاهري (فتكون) الصلاة المأتية مع الوضوء بالماء الذي
قامت الامارة على طهارته واجدة لما هو شرطها حقيقة عند الاتيان بها، وانكشاف
الخلاف موجب لارتفاع الموضوع من الحين، لا من الأول (ولكنه) ليس كذلك
قطعا (والا) لاقتضى القول بصحة الوضوء والصلاة عند تبين كون المايع الذي
توضأ به بولا أو خمرا مع قيام الامارة على كونه ماءا طاهرا، وهو كما ترى لا يلتزم
به ذو مسكة (بل نقول) ان غاية ما يقتضيه مثل هذا اللسان في دليل التنزيل انما
هو مجرد توسعة الواقع في ظرف الشك عملا، لا أثرا حقيقة (ولازمه) عند تبين
الخلاف ولو بالامارة الظنية المعتبرة هو عدم الاجزاء (من غير فرق) بين العبادات
والمعاملات من العقود والايقاعات وغيرها (هذا) على المختار من الطريقية في
الامارات.
236

(وأما) على السببية والموضوعية فيها (فعلى السبيبة) بمعنى انقلاب الواقع
حتى بمصلحته إلى مؤدى الامارة (فلا اشكال) في أن لازمه الاجزاء (ولكنه)
تصويب محال مجمع على بطلانه (واما بمعنى) سببية الامارة لحدوث المصلحة في
المؤدى عند تخلفه عن الواقع بنحو موجب للامر باتباعه (فالظاهر) عدم الاجزاء
أيضا مطلقا سواء كان مؤدى الامارة نفس الحكم الشرعي أو موضوعه وقيوده
(فان) مجرد اشتمال المؤدى على المصلحة لا يقتضى الاجزاء ما لم تكن مصلحته مسانخة لمصلحة
الواقع، أو جابرة، أو مفوتة لها (فاستفادة) الاجزاء حينئذ مبنية على احراز
كون المصلحة المؤدى من سنخ المصلحة الواقعية الموجبة للتوسعة الحقيقية للأثر في
الكبريات الواقعية بما يعم الواقعي والظاهري، أو احراز كونها جابرة للمصلحة
الواقعية بخصوصيتها، أو مفوتة لها بمناط المضادة (والا) فبدون احراز إحدى
هذه الأمور، لا يكفي مجرد امكان مسانخة مصلحة مؤديات الامارات للمصالح
الواقعية، أو مفوتيتها لها بمناط المضادة، أو جابريتها للمصالح الواقعية الفائتة،
في الحكم بالاجزاء والمضي على الأعمال السابقة حتى فيما كان دليل تنزيل الامارة
بنحو جعل المماثل أو الأثر، فضلا عما لو كان بلسان تتميم الكشف، أو مجرد الامر،
بالعمل على طبق المؤدى، لامكان كون نظر التنزيل إلى مجرد التوسعة للواقع عملا،
لا اثرا (ومع امكان) ذلك لا مجال للحكم بالاجزاء لأجل مجرد موضوعية الامارة
واشتمال مؤديها على مصلحة ما (إذ في مثله) تبقى الكبريات الواقعية على ظهورها في دخل
الخصوصيات الواقعية المقتضية لعدم الاجزاء بالمأتى به الا بمناط التفويت الممنوع في
المقام أيضا لعدم اقتضاء مجرد الامر بالعمل بمؤدى الامارة حينئذ الرضا بتفويت الواقع
(فما عن المحقق الخراساني) قده من تسليم الاجزاء بالمأتى به على الموضوعية منظور
فيه (وبما ذكرنا) يظهر الحال فيما لو كان زوال الاجتهاد الأول لأجل الظفر
بالامارة المعارضة للامارة الأولى مع تساويهما في جهات الترجيح دلالة وسندا (إذ
في مثله) يكون مخيرا في الاخذ بأيهما (فان) اختار الخبر الأول فلا اشكال (وأما إذا
اختار) الثاني الحاكم ببطلان العمل على طبق الأول (فلا بد) من عدم الاجزاء
237

وترتيب اثر البطلان من الحين على الأعمال السابقة (كما أنه بما ذكرنا) من عدم
الاجزاء في الامارات على السببية والطريقية يظهر الحال في الأصول العملية عند
انكشاف الخلاف (فان التحقيق) فيها أيضا عدم الاجزاء حتى في الأصول
التنزيلية كالاستصحاب وقاعدة الطهارة على وجه قوى وغيرهما (فإنهما) لا تزيد عن
الامارات التي قلنا فيها بعدم الاجزاء حتى على السببية (فالتحقيق) حينئذ عدم
الاجزاء مطلقا سواء في الامارات أو الأصول وسواء في العبادات وغيرها الا إذا قام
دليل بالخصوص في مورد على الاجزاء من اجماع أو غيره هذا كله في الاجتهاد.
واما التقليد
(ففيه مقامات) (المقام الأول): التقليد لغة من القلادة بمعنى جعل القلادة
في العنق، وهو يتعدى إلى مفعولين، أحدهما القلادة أو ما هو بمنزلتها، وثانيها
ذو القلادة، ومنه تقليد السيف اي جعل حمالته في عنقه، وتقليد الهدي، وفي
حديث الخلافة وقلدها رسول الله صلى الله عليه وآله عليا (ع).
(واما اصطلاحا) فقد اختلف كلماتهم في تفسيره (فقيل) أنه عبارة عن
الاخذ بمعنى الالتزام الكلى بالعمل على فتوى مجتهد معين في الوظائف التكليفية
والوضعية (لان) المقلد التزامه الكلى وبنائه على تبعية فتوى المجتهد في مقام العمل
من غير تأمل ونظر كأنه جعل فتواه قلادة في عنقه، نظير أخذ البيعة والالتزام
بالقيام بلوازمها (وقيل) أنه عبارة عن نفس العمل بفتوى المجتهد المعين اعتمادا على
فتواه وأنه لا مدخل لحيث الاخذ والالتزام في مفهوم التقليد، ولا يتحقق عنوانه
خارجا إلا بنفس العمل لا بصرف أخذ الفتوى أو الرسالة (ولا يخفى) أن التفسير
الأول وإن كان أوفق بالمعنى اللغوي، ولازمه تحقق عنوانه بصرف أخذ الرسالة
وتعلم المسائل، لصدق المقلد حقيقة على الآخذ بفتوى الغير للعمل بها وان لم يعمل بعد
بفتواه لفسق أو لعدم وقوع العمل مورد ابتلائه (إلا) أن الاشكال في قيام
238

الدليل على وجوبه بهذا المعنى (لوضوح) أن موضوع الوجوب الشرعي في
التقليد الذي هو مورد البحث بمقتضى السيرة والأدلة الشرعية والفطرة السليمة
المقتضية لرجوع الجاهل بالوظيفة إلى العالم بها ليس الا ما هو الموضوع للوجوب
الشرعي في التعبد بالخبر في حق المجتهد (فكما) ان حجية الخبر منشأ لوجوب معاملة
المجتهد مع مؤداه معاملة الواقع في جواز الافتاء بمضمونه ووجوب العمل على طبقه
بلا وجوب امر آخر عليه من التزام وبناء على العمل به (كذلك) حجية الفتوى في
حق المقلد منشأ لوجوب العمل على طبقها بلا لزوم بناء والتزام منه على العمل بها (ولذا) لو
عمل المكلف على طبق رأي المجتهد بلا التفات إلى هذا البناء لم يكن عاصيا وكان عمله
صحيحا ومجزيا (فما هو) الواجب شرعا في المقامين ليس إلا ما هو مفاد صدق
الخبر في حق المجتهد وصدق الرأي في حق المقلد، ومرجع وجوب التصديق في
المقامين إلى وجوب العمل على طبق مؤدى الخبر والرأي عند الالتفات إليهما، بلا
وجوب شئ آخر من بناء والتزام بالعمل بالخبر أو الفتوى مقدمة للعمل فان مثل هذا المعنى مع
كونه أجنبيا عن موضوع الوجوب الشرعي في التقليد الذي هو موضوع البحث
لا يكون له دخل في حجية الفتوى، بل ولا في صحة العمل أيضا وانما هو امر مستقل
في نفسه يحتاج وجوبه إلى قيام دليل عليه بالخصوص، وإلا فهو أجنبي عما دل على وجوب
التقليد من السيرة والعقل الفطري الارتكازي وسائر الأدلة الشرعية (هذا كله) في فرض
انحصار المجتهد المتعين حجية فتواه في حقه.
(واما في فرض عدم) انحصار المجتهد واختلاف فتاويهم مع تساويهم في الفضل (فعليه)
وان لم يكن محيص من الالتزام بفتوى خصوص أحد المجتهدين في حجية رأيه في
حقه، فإنه بعد عدم امكان حجية فتوى الجميع في حقه للتكاذب الموجب للتناقض،
ولا أحدها المبهم، ولا المعين لبطلان الترجيح بلا مرجح، ولا التساقط رأسا
والرجوع إلى غير الفتوى، لكونه خلاف الاجماع، (فلا جرم) ينتهى الامر
إلى التخيير في الاخذ بإحدى الفتاوى للاستطراق بها إلى الواقع، نظير التخيير في
الخبرين المتعارضين (وفى مثله) يتعين الحجة بما يختاره، فيجب عليه عقلا الاختيار
239

بمعنى الالتزام بالعمل على طبق إحدى الفتويين أو الفتاوى معينا مقدمة لتحصيل الحجة على
امتثال الاحكام بمناط حكمه في الشبهة قبل الفحص بوجوب تحصيل الحجة على
الجاهل المتمكن من تحصيلها، لا بمناط وجوب رجوع الجاهل إلى العالم وحجية فتواه
(لان) حجية كل واحدة من الفتويين أو الفتاوى مشروطة بالأخذ بها بمعنى الالتزام
بحجيتها والعمل على طبق مؤديها، والا فقبل الاخذ بإحدى الفتاوى لا تكون واحدة
منها حجة في حقه (وعلى ذلك) نقول ان الاخذ والالتزام وان كان مقدمة للعمل،
لا نفسه وينتزع من هذا الالتزام الكلى عنوان التقليد، الا ان وجوبه حينئذ
لا يكون الا عقليا بمناط تحصيل الحجة على امتثال الاحكام لا شرعيا مولويا (بل لو
ورد) دليل شرعي على وجوبه يكون ارشادا إلى حكم العقل (وانما) الوجوب
الشرعي متعلق بما يختاره في ظرف اختياره، كما ذكرناه في الامر بالتخيير في الخبرين
المتعارضين (فلا مجال) حينئذ للتشبث على وجوبه بمثل السيرة وسائر الأدلة
الشرعية، ولا بالعقل الفطري الارتكازي بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم (لما
عرفت) من أن هذه الأدلة، نظير أدلة حجية خبر الواحد ناظرة إلى اثبات حجية
فتوى المجتهد الراجع إلى ايجاب العمل على طبق فتوى المجتهد، لا إلى وجوب تحصيل
الحجة على امتثال الاحكام (بل لا بد) حينئذ في اثبات وجوبه من التشبث بحكم العقل
المستقل بوجوب تحصيل الحجة على المتمكن منها مقدمة لامتثال الاحكام.
(مع أنه) لا ثمرة مهمة تترتب على هذا النزاع، لا في مرحلة المصححية للعمل
ولا في مقام المعذرية (فإنه) في فرض انحصار المجتهد يكفي في الصحة مجرد تطبيق
العمل على فتوى المجتهد المنحصر حجية فتواه في حقه، بل يكفي فيها مجرد اتفاق مطابقة
العمل لرأي من يجب اتباع رأيه تعيينا ولو لم يتحقق عنوان التقليد بالأخذ والالتزام
أو تطبيق العمل على الفتوى معتمدا عليها (ولذلك) تريهم مصرحين في فتاويهم بان المقلد لو
عمل عملا واتفق كونه مطابقا لفتوى المجتهد المنحصر حجية فتواه في حقه أجزئه
(وهكذا الكلام) في فرض عدم انحصار المجتهد واتفاقهم في الفتاوى (فان تعدد)
الفتاوى حينئذ كتعدد الخبر الدال على وجوب شئ في كون الجميع حجة على المقلد
240

من غير احتياج في مرحلة صحة العمل ولا في المعذرية والمنجزية إلى تعيين شخص خاص
في العمل برأيه (واما) في فرض تعدد المجتهد واختلافهم في الفتاوى وتساويهم في
الفضل، وان كان لا محيص من الاخذ والاختيار مقدمة لتحصيل الحجة على امتثال
الاحكام، ويجب العمل شرعا على طبق ما يختاره لصيرورته بعد الاخذ حجة تعيينية
على المقلد (إلا) انه لا يتفاوت الحال فيه بين القولين في التقليد.
(المقام الثاني) في وجوب التقليد أو جوازه على العامي وبيان أدلته
(ولا يخفى) أن عمدة المستند على لزوم التقليد بالنسبة إلى المقلد العامي، وهو الامر
الجبلي الفطري الارتكازي في نفوس عامة الناس على لزوم رجوع الجاهل بالوظيفة
إلى العالم بها بنحو موجب لجريهم عليه طبعا وعلمهم بالحكم بلا التفات منهم إلى وجه
علمهم، كما في سائر ارتكازاتهم بحسب الفطرة والجبلة التي أودعها فيهم بارئهم
(والى ذلك) أيضا يرجع السيرة المعهودة من العرف والعقلاء والمتدينين من الصدر
الأول على رجوعهم في كل ما جهلوا به إلى العالم، بل ويرشد إليه ما ورد في الأدلة
الشرعية من ارجاع الجاهل إلى العالم (وعليه) فيكفي مثل هذا الارتكاز الفطري
دليلا على المسألة (ولا يحتاج) إلى اتعاب النفس بجعل المستند الحامل للعامي على
التقليد بالنسبة إلي الوظائف التكليفية والوضعية دليل الانسداد (بتقريب) ان
المقلد العامي بعد علمه بثبوت المبدأ وارسال الرسل وتشريع الشريعة، وعلمه بلزوم
التعرض للوظائف الشرعية المقررة له، وعدم تمكنه من الامتثال التفصيلي باستخراج
وظائفه من الأدلة، ولا من الامتثال الاجمالي بالاحتياط، لعدم معرفته بموارد
الاحتياطات، وللعسر والحرج المنفيين في الشريعة، يحكم عقله السليم بلزوم
الرجوع إلى فتوى المجتهد لكونها أقرب الطرق لديه إلى الواقع (كيف) وعلى ذلك
يشكل في مرجعية فتوى المجتهد في تعيين وظائفه في الموارد التي يكون المقلد ظانا
على خلاف رأي المجتهد (فنفس بنائهم) على الرجوع إلى فتوى المجتهد وعدم
اعتنائهم بظنونهم على خلاف رأي المجتهد من غير نكير من أحد يكشف عن أن
المستند الباعث على حملهم على التقليد هو الامر الجبلي الفطري السليم على لزوم
241

رجوع الجاهل إلى العالم، لا انه ملاك الانسداد (ولقد) عرفت كفاية هذا العلم
الارتكازي في لزوم التقليد على العامي في الاحكام الفرعية (والا) فبعد عدم
تمكن المقلد من الرجوع إلى الأدلة والاجتهاد فيها لا يمكن اثبات هذه المسألة بالتقليد
للزوم الدور أو التسلسل (إلا) إذا كان العامي غير ملتفت بحصر الوظيفة بالتقليد في
الاحكام الفرعية، بأن كان شاكا في تعيين وظيفته الفعلية من حيث التقليد أو
الاحتياط أو تحصيل الاجتهاد في المسائل الفرعية (حيث) ان مثله جاهل في مسألة
الرجوع إلى الغير في المسائل الفرعية أيضا (فيجعل) مركز اجتهاده حينئذ ولو
بمقتضى الاركاز في الرجوع إلى المجتهد في تعيين هذه الوظيفة، من غير أن يكون
اجتهاده ذلك من أدلة جواز التقليد في الاحكام الفرعية، فيفتيه المجتهد بما استقر
عليه رأيه من كون الوظيفة الفعلية هو التقليد دون الاحتياط أو تحصيل الاجتهاد
(وعلى كل حال ففي كل تقليد لا بد من انتهاء امر التعبد بقول الغير إلى اجتهاد
المقلد العامي وقطعه الوجداني بمرجعية الغير ولو بمقتضى الفطرة الارتكازية في
نفوس عامة الناس من مرجعية العالم بالوظيفة للجاهل بها (فان) مرجع الحجج التعبدية
إلى حجتها بالغير ولا بد من انهاء كل ما بالغير إلى ما بالذات.
(وكيف كان) فما ذكرناه من الدليل الارتكازي هو العمدة في المستند
لوجوب أصل التقليد (والا) فما عداه من الأدلة الشرعية قابل للمناقشة (اما
الاجماع) المدعى في المقام، وكذا السيرة المستمرة من الصدر الأول فالمناقشة
فيهما ظاهرة، لقوة احتمال كون مدرك المجمعين، وكذا مبنى السيرة هي القاعدة المرتكزة في
نفوس عامة الناس (ومع) هذا الاحتمال لا يحصل الوثوق من هذا الاتفاق بنحو
يكشف عن رأي المعصوم (ع)، ليكون بنفسه دليلا على المسألة في مقابل العقل
الفطري الارتكازي (واما الآيات) فعمدتها آيتي النفر والسؤال (وهما) أيضا
قاصرتان عن إفادة حجية فتوى العالم في حق العامي (أما) آية السؤال، فلقوة احتمال
كون ايجاب السؤال عن أهل الذكر لأجل حصول العلم بالواقع، لا لمحض التعبد
بقولهم ولو لم يفد العلم للسائل (فالمراد) من الآية والله العالم فاسئلوا أهل الذكر
242

الذكر إن كنتم لا تعلمون حتى تعلموا، كما يقال لمن ينكر شيئا لعدم علمه به سل
فلانا ان كنت لا تعلم (مضافا) إلى ورود الآية المباركة في أصول العقائد التي
لا يكتفي فيها بغير العلم، لظهورها بمقتضى السياق في إرادة علماء أهل الكتاب
والسؤال عنهم فيما لديهم من علامات النبوة المكتوبة في كتبهم السماوية (والى)
ما ورد من تفسير أهل الذكر بالأئمة المعصومين (ع) المعلوم إفادة قولهم العلم بالواقع
(واما) آية النفر، فلمنع اقتضائها وجوب الحذر مطلقا ولو مع عدم حصول العلم للمنذرين
بالفتح (إذ لا إطلاق) من هذه الجهة وإنما اطلاقها مسوق لايجاب الانذار على
النافرين بما تفقهوا من الاحكام، لا لبيان وجوب الحذر والقبول مطلقا، فيمكن
ان يكون الحذر المطلوب عقيب الانذار منوطا بحصول العلم لاقتضاء تراكم
إخباراتهم لافشاء الحق الموجب لحصول العلم (فمعنى الآية) والله العالم انه يجب
على النافرين الانذار بما تفقهوا إذا رجعوا إلى المتخلفين لعله يحصل لهم العلم
فيحذرون (وربما يشهد) لذلك استشهاد الإمام (ع) بالآية على وجوب نفر جماعة
من كل بلد لمعرفة الامام اللاحق إذا حدث على الامام السابق حدث (كقول
أبى عبد الله (ع) ليعقوب بن شعيب بعد ما سئله عن الامام إذا حدث عليه حدث
كيف يصنع الناس.. أين قول الله عز وجل فلولا نفر الآية: ثم قال (ع) هم في
عذر ما داموا في الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم
أصحابهم، مع وضوح ان الإمامة لا تثبت الا بالعلم (مؤيدا) ذلك بما في الآية من
التعبير بالطائفة التي هي عبارة عن الجماعة (إذ من المعلوم) ان اخبار الجماعة بشئ
موجب عادة للعلم بذلك الشئ (لا يقال) انه كذلك لو أريد من الجمع في الآية
انذار مجموع النافرين من حيث المجموع (واما) لو أريد منه العموم الافرادي،
فلا موقع لهذا الاشكال (فإنه يقال) ان مجرد كون الجمع في الجملات المذكورة
في الآية على نحو العموم الاستغراقي لا يقتضى اطلاق الآية من حيث مطلوبية
الحذر عقيب إنذارهم على الاطلاق (إلا) في فرض كون الانذار الواجب هو انذار
كل واحد من النافرين طائفة من المتخلفين (فان) وجوب انذارهم كذلك يلازم
243

اطلاقها على وجه يستفاد منه وجوب القبول تعبدا وإثبات مثله من الآية محل منع
(نعم) لو اغمض النظر عما ذكرنا لا وجه للمناقشة فيها من جهة تخصيصها بباب
الخبر والحكاية عما رووه وسمعوا من الأحاديث المشتملة على التخويف (كيف)
وان الانذار بما تفقه ظاهر في دخل الفقاهة وانشاء التخويف في الحجية ووجوب
الحذر عقيب الانذار (ومن المعلوم) أن ذلك إنما يناسب مقام الفتوى لا مقام
الرواية والحكاية عن قول المعصوم (ع) الذي لا يكون لحيث فهم الراوي واستفادته
دخل في الحجية ووجوب الحذر (فإذا) كان ظاهر الآية هو الانذار بما تفقه من
حيث فقاهته واستفادته من كلام المعصوم (ع) (فلا محالة) تكون من أدلة حجية
الفتوى، ولا يكون لها مساس بباب الانذار في مقام الحكاية والرواية الذي هو اخبار
عن قول المعصوم (ع).
(وأما الاخبار) الدالة على جواز الافتاء والاستفتاء مفهوما ومنطوقا مطابقة
والتزاما، فهي وإن كانت أحسن ما في الباب (كقول) الباقر (ع) لأبان بن تغلب
إجلس في المسجد وأفت الناس فاني أحب ان يرى في شيعتي مثلك (وقول)
الصادق (ع) في خبر طويل.. فأما من كان من الفقهاء صائنا لدينه مخالفا على
هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه (ومفهوم) ما ورد في النهى عن الافتاء
بغير علم (وما ورد) من الارجاع إلى مثل الأسدي يعنى أبا بصير، وزكريا بن آدم،
ويونس بن عبد الرحمن وأضرابهم من ثقات أصحابهم عليهم السلام (وكذا)
ما ورد من الارجاع إلى رواة الاحكام في الترافع، كمقبولة عمر بن حنظلة، ومشهورة
أبي خديجة، والتوقيع الشريف لا حمد بن إسحاق.. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا
فيها إلى رواة أحاديثنا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (فيخصص) بها ما دل
على النهى عن اتباع غير العلم والذم على التقليد من الآيات والاخبار على فرض شمولها
للتقليد في الاحكام الفرعية بالحمل لها على التقليد في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها
العلم واليقين، وعلى تقليد الفسقة من العلماء في الفروع الفقهية (كما يشهد) به المروى
في الاحتجاج من قوله (ع) وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق
244

الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا إلى قوله (ع).. من قلد من
عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله سبحانه بالتقليد لفسقة
فقهائهم (ولا مجال) للمناقشة في دلالة تلك الأخبار بجعلها من أدلة حجية الرواية
لا الفتوى بمحض كون الافتاء في الصدر الأول بنقل الرواية بألفاظها أو بمضمونها
(إذ نقل) الرواية منهم في مقام الافتاء بالواقع للجاهل بالأحكام إنما كان باعمال
الرأي والنظر في حكم المسألة والاجتهاد في استفادته من ظاهر الرواية، لا بصرف
نقل الرواية عن الامام بما هو، كيف وان صرف نقل الرواية لا يكون إفتاء الحكم
المسألة، ولا يصدق على مثله عنوان الفقيه والعارف بالأحكام الذي أفيد في تلك الأخبار
لزوم رجوع العوام إليه في أخذ الفتوى وتقليده في المسائل الفرعية
(ولذلك) اعتبر في المقبولة حيث النظر والمعرفة بالأحكام فيمن يترافع لديه
بقوله (ع) ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا وكذا في مشهورة أبى خديجة
(ودعوى) ان المقبولة ونظرائها واردة في مقام القضاء ولا ربط لها بباب الفتوى،
مندفعة بعدم الفصل بينهما (فحمل) تلك الأخبار حينئذ على بيان حجية الرواية
لا الفتوى ناشء عن قلة التأمل فيها (نعم) بعد استقلال عقل المقلد بمرجعية فتوى
العالم في جميع الأحكام الفرعية لا يثمر بحث المجتهد فيها إلا من حيث اطلاقها
من جهة بعض خصوصيات المرجع من حيث الحياة والا علمية
والا وثقية ونحوها مما كان المقلد جاهلا في اعتباره في المرجع (وإلا) فبالنسبة إلى
أصل وجوب التقليد لا يكون البحث فيها مثمرا لا في حق المجتهد في افتائه بالوجوب
ولا في حق المقلد (الا) إذا فرض كون المقلد جاهلا في تعيين الوظيفة الفعلية
من حيث التقليد أو تحصيل الاجتهاد في الاحكام الفرعية أو الاحتياط، فيكون
لبحث المجتهد حينئذ واستنباطه من تلك الأدلة مجال، فيفتي إياه بكون الوظيفة هو
التقليد في الاحكام الفرعية.
(وعلى كل حال) فالتقليد حيثما قلنا بوجوبه على العامي فوجوبه لا يكون
الا طريقيا لا شرطيا لصحة العمل، كما يوهمه اطلاق كلامهم بطلان عمل تارك
245

طريقي الاجتهاد والتقليد، بداهة أنه لا مدخلية للتقليد في صحة عمل العامي (بل يكفي)
في صحته واقعا مجرد كونه مطابقا للواقع ولو من باب الاتفاق، وظاهرا مجرد اتفاق
كونه على وفق رأي من وجب عليه تقليده تعيينا والاستطراق به إلى الواقع ولو لم يكن
حين العمل ملتفتا إلى فتوى من وجب عليه تقليده، فقولهم بوجوب التقليد على العامي
انما هو من جهة كونه طريقا له إلى الاحكام الواقعية وأنه بدونه لا يتمكن الجاهل الملتفت
من قصد التقرب في عباداته (مع أنه) لاوجه لحصر طريق تصحيح الأعمال الصادرة
من المكلف عبادة ومعاملة بالامرين المزبورين بعد امكان تصحيحها بالاحتياط
الحاوي لجميع ما احتمل دخله في صحة العمل وجودا وعدما، كما هو ظاهر.
(ثم إن) مرجع حجية فتوى المجتهد بالحكم الشرعي على المقلد العامي انما
هو باعتبار كشفه عن رأيه واعتقاده الذي هو الحجة على المقلد، لا باعتبار كشفه
بنفسه عن الواقع، فما هو موضوع الحجية في باب الفتوى انما هو رأي المجتهد
بما هو طريق إلى الواقع لا نفس فتواه واخباره بالحكم فتكون حجية فتواه في
حق المقلد من باب كونها طريقا إلى ما هو الطريق إلى الواقع وهو رأيه واعتقاده
في حكم المسألة (ولذلك) يصح للمقلد الاعتماد في مقام العمل على رأيه
المستكشف بطريق آخر غير فتواه كما لو علم من مذاقه ان رأيه على اقتضاء الامر
بالشئ للنهي عن ضده الخاص (فلو أفتى) بوجوب شئ في مسألة ليس له الاتيان
بضده ولا يكاد يصح عنه أيضا إذا كان عباديا ولو لم يكن له فتوى في تلك المسألة
أصلا (وبذلك) اتضح الفرق بين باب حجية الفتوى وباب حجية الخبر (فان)
موضوع الحجية في باب الخبر هو نفس الاخبار بما هو حاك عن الواقع ولا مدخل في
الحجية لحيث فهم المخبر واعتقاده، بخلاف باب الفتوى، فان الحجة على العامي انما هو
رأى المفتي واعتقاده فيكون بين البابين من هذه الجهة تمام المعاكسة (وبذلك) يظهر وجه
رجوع الأصحاب عند اعوازهم النصوص إلى فتاوى على بن بابويه وغيره ممن دأبه على
الافتاء بمضامين الاخبار (حيث) أن رجوعهم إلى مثله انما هو باعتبار كشف
فتواه في المسألة عن كونها مضمون رواية عن المعصوم (ع)، لا باعتبار كشفها عن
246

رأيه واعتقاده الذي هو موضوع الحجية في باب التقليد (لوضوح) ان فتوى
الفقيه من هذه الجهة انما تكون حجة في حق العامي، لا في حق مجتهد آخر
مثله.
(ثم لا يخفى) ان الارتكاز العقلي على لزوم رجوع الجاهل إلى العالم انما هو
قضية اجمالية لا يكاد يستكشف منها الخصوصيات المحتملة دخلها في المرجع من
مثل الحياة والايمان والعدالة والأعلمية والذكورية والحرية ونحوها لا اثباتا ولا نفيا
(ولذلك) كان المجال لرجوع المقلد في هذه الخصوصيات بحكم العقل الاجمالي
إلى العالم إذا شك في اعتبارها في المرجع كلا أو بعضا (ولا محيص) له
عند الشك من الرجوع أولا إلى من هو جامع جميع ما احتمل دخله في المرجع من
الصفات، فيفتيه العالم بها بما استقر عليه رأيه بمقتضى استفادته من الأدلة الشرعية
اطلاقا وتقييدا.
(المقام الثالث) قد اختلفوا في وجوب تقليد الأعلم عند اختلاف
الاحياء في العلم والفضيلة وعدم وجوبه ومساواته مع العالم من هذه الجهة على قولين
(والظاهر) ان الخلاف كما يظهر من تصريح بعضهم انما هو في فرض كون فتوى
الأعلم مخالفة لفتوى غيره، بل ومع علم المقلد باختلافهما في الفتوى أيضا (والا)
ففي فرض توافقهما في الفتوى وعلم المقلد بذلك لا اشكال ظاهرا في التخيير بينهما
لعدم الدليل على تعين الرجوع إلى الأعلم، بل لا ثمرة للنزاع في هذا الفرض، لان
العمل بفتوى أحدهما عمل بالآخر أيضا ولا تختص الحجية حينئذ بواحد معين لكونهما
من قبيل تعدد الرواية في حكم المسألة، وقد عرفت خروج البناء والالتزام في العمل
على طبق الحجة عن موضوع الحكم الشرعي والمصححية للعمل (ودعوى) سقوط
فتوى المفضول عن الحجية مع وجود الأفضل بالمرة واندراجها فيما دل على النهى
عن اتباع غير العلم (يدفعها) اطلاق الأدلة المتقدمة كتابا وسنة (بل ويدفعها)
السيرة القطعية والقاعدة الارتكازية الفطرية (وحينئذ) فلا ينبغي التشكيك في
حجية فتوى غير الأعلم في نفسها (وانما) الاشكال كله في فرض كون فتوى
247

الأعلم مخالفة لفتوى غيره مع علم المقلد بالمخالفة أيضا (والا) ففي فرض عدم العلم
بمخالفة الفتويين يمكن احراز عدم المخالفة بالأصل، نظير احراز عدم المخالفة
للكتاب والسنة بمثله في الشرط ونحوه (وقد عرفت) ان المسألة ذات قولين
(أحدهما) تعين تقليد الأعلم وهو المعروف المشهور بين الأصحاب، بل عن المحقق
الثاني الاجماع عليه، وعن محكى السيد في الذريعة كونه من المسلمات عند الشيعة
(وثانيهما) جواز الرجوع إلى غير الأعلم كما عن جماعة منهم الفصول لأمور يأتي
ذكرها إن شاء الله تعالى (ولكن التحقيق) وفاقا للمشهور هو الأول (للأصل)
للشك في حجية فتوى المفضول عند معارضتها مع فتوى الأفضل، وهو كاف في عدم
حجيتها وعدم جواز الاعتماد عليها في مقام العمل (بل يمكن) ان يقال بصيرورة
مشكوك الحجية حينئذ مشمولا لما دل على النهى عن اتباع غير العلم كتابا وسنة بناء
على حمل النهى فيها عن العمل المنشأ للتشريع بمؤداه ولو كان ذلك من جهة عدم اقتضاء
الحجية فيها، لا لاقتضاء عدمها كما في نواهي القياس (من غير) أن يكون في البين
ما يقتضي خروجه من الأصل ومن مورد تلك النواهي، عدا ما توهم من أدلة
مشروعية التقليد (وهي) غير صالحة لذلك (اما القاعدة) الارتكازية التي
هي عمدة ما في الباب، فظاهرة (إذ لا اطلاق) لها يقتضي جواز الرجوع إلى كل
عالم ولو مفضولا حتى عند تعارض فتواه مع فتوى الأفضل في زمانه، لولا دعوى
اقتضائها تعين الرجوع حينئذ إلى الأفضل من باب القدر المتيقن في الحجية (واما
سيرة) المتشرعة فلم يعلم قيامها على الرجوع إلى المفضول مطلقا، بل المتيقن منها
في الرجوع إليه مع وجود الأفضل انما هو في ظرف عدم العلم بالمعارضة والمخالفة
لفتوى الأفضل (وأما الآيات) كآيتي النفر والسؤال فعلى فرض نهوضهما على حجية
فتوى العالم تعبدا والغض عما ذكرنا فيهما من الاشكال، فغايتهما الدلالة على حجية
فتوى كل عالم في الجملة موجبة جزئية (وأما) اطلاقهما لحال تعارض فتوى العالم مع
فتوى الأعلم فلا (وهكذا) الكلام في الاخبار (إذ نقول) ان غايتها الدلالة على حجية
فتوى كل عالم ولو كان مفضولا في الجملة (وأما) اطلاقها لحال المعارضة مع فتوى
248

الأفضل فلا (وبالجملة) ان اثبات حجية فتوى العالم مطلقا حتى مع المعارضة
والمخالفة لفتوى الأعلم في زمانه منوط بثبوت الاطلاق الأحوالي لتلك الأخبار
(وحيث) انه لم يحرز ثبوت هذا الاطلاق، ولم تكن قضية اطلاقها الأحوالي أيضا
تابعة لعمومها الافرادي (فلا جرم) عند الشك تسقط فتوى المفضول من الحجية
عند المعارضة لفتوى الأفضل، للشك في حجيتها حينئذ، فتبقى تحت الأصل
والاطلاقات الناهية عن اتباع غير العلم بالتقريب الذي ذكرناه.
(ثم لا يخفى) ان العمدة في تخصيص الحجية عند المعارضة مع فتوى الأعلم
هو ما ذكرناه من قضية الأصل (وإلا) فلا مجال لاثبات تعين تقليد الأعلم بمقتضى
الأخبار الدالة على ترجيح الأعلم والأفقه عند المعارضة التي (منها) المقبولة من
قوله (ع) الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما (ومنها) خبر داود بن حصين من
قوله (ع).. ينظر إلى قول أفقههما وأعلمهما (ومنها) ما في خبر موسى بن
أكيل من قوله (ع) ينظر إلى أعدلهما وأفقههما فيمضي حكمه (بتقريب) انها وان كانت
ظاهرة في الاختصاص بباب القضاء وفصل الخصومات (ولكن) الترجيح بالأعلمية
والأفقهية فيها لما كان بمناط تقديم الفتوى، يتعدى إلى باب الفتوى أيضا لوحدة
المناط (لان) حكم الحاكم في الشبهات الحكمية ليس الا انشاء الفتوى المستنبطة
من الأدلة في الواقعة الجزئية التي وقعت المنازعة فيها، فالحكم والفتوى
مشتركان في المدرك مختلفان في الموضوع، فتكون الفتوى هو الاخبار عن ثبوت
الحكم الكلى للموضوع الكلى، والحكم هو انشاء تلك الفتوى في الموضوع
الشخصي المترافع فيه، فحجية كل حكم مستلزمة لحجية الفتوى (مضافا) إلى
امكان دعوى عدم الفصل بينهما بالاجماع المركب فان كل من قال بتقديم حكم
الأعلم في مقام فصل الخصومة قال بتقديم فتواه مطلقا (بل قد يقال) ان المراد من
الحكم في تلك الأخبار هو معناه اللغوي، نظير قوله سبحانه وتعالى ومن
لم يحكم بما انزل الله الآية.
(ولا يخفى) ما في هذا الاستدلال من الضعف (اما الاجماع المركب)
249

فممنوع جدا مع هذا الخلاف العظيم في المسألة والتزام القائلين بجواز تقليد العالم
مطلقا بالتفكيك بين باب القضاء وباب الفتوى (ومثله) في المنع دعوى المناط
المزبور واستفادته من الاخبار المزبورة (فان) الترجيح بالأعلمية فيها لأجل رفع
الخصومة وحسم مادة النزاع عن البين لا يقتضى الترجيح به في باب الفتوى
والتقليد، وكون حكم الحاكم في الواقعة الجزئية انشاءا للفتوى المستنبطة من الأدلة
لا يلازم اتحادهما في الترجيح حتى يتعدى إلى باب الفتوى والتقليد (فان) الخصومة
لا بد من رفعها بأي نحو كان (ولذلك) ذكر الترجيح بالأعدلية والأورعية
والأصدقية في تلك الأخبار، مع أنها غير معتبرة في باب الفتوى بلا اشكال
(وعليه) أين يبقى مجال الاستدلال بتلك الأخبار على الترجيح بالأعلمية في باب
الفتوى عند المعارضة والمخالفة، وأين مناط قطعي يتعدى به إلى باب التقليد (واما)
احتمال كون المراد من الحكم في تلك الأخبار معناه اللغوي، نظير ما في الآية
المباركة، فهو كما ترى لا يستأهل ردا.
(واضعف) من ذلك الاستدلال على وجوب تقليد الأعلم وتعينه بملاك
التعيين والتخيير لكونه في الحقيقة من صغريات مسألة التعيين والتخيير، حيث يعلم تفصيلا بوجوب العمل على طبق فتوى الأعلم اما تعيينا أو تخييرا ويشك في وجوب
العمل على طبق فتوى غيره لاحتمال عدم حجيته مع وجود ما يحتمل التعيين (والأصل)
فيه يقتضى التعيين بناء على ما هو التحقيق من الاشتغال في تلك المسألة (إذ فيه)
ان جعل المقام من صغريات تلك المسألة مبني على جعل التخيير فيه في المسألة الفرعية
وهو باطل قطعا لامتناع الوجوب التخييري في العمل في كلية باب التعارض المنتهى
فيه الامر إلى التناقض في المدلول (بل التخيير) فيه راجع إلى التخيير في المسألة
الأصولية أعني الاخذ بإحدى الفتويين الراجع إلى ايجاب التعبد بكل منهما مشروطا
بالأخذ (وفى مثله) يكون المقام من باب دوران الامر بين حجية فتوى الأعلم
ووجوب العمل على طبقها من غير اشتراطها بالأخذ والالتزام بمؤديها، وبين حجية
كل منهما مشروطا بالأخذ بها (ومن المعلوم) أن لازم ذلك هو عدم اليقين بحجية
250

فتوى الأعلم مطلقا (فإنه) قبل الاخذ بها يشك في حجيتها ووجوب التعبد بها،
وكذا بعد الاخذ بفتوى غيره (ومع) هذا الشك كيف يمكن دعوى اندراج
المقام في مسألة التعيين والتخيير المستلزم لليقين بوجوب العمل على طبق المعين على كل
تقدير (نعم) حيث أن الاخذ بفتوى الأعلم موجب لليقين بحجيتها، بخلاف فتوى
غيره، فأنه مع الاخذ بها يشك في حجيتها، ينتهى الامر إلى مقطوع الحجية
بالأخذ ومشكوكها فيحكم العقل بوجوب الاخذ بما هو مقطوع الحجية دون مشكوكها
(وبذلك) يفترق المقام على مسألة التعيين والتخيير في المسألة الفرعية، حيث نقول
بالتعيين في المقام ولو مع عدم القول به في تلك المسألة والمصير فيها إلى البراءة (ولعل)
مثل هذه الجهة أيضا هو الموجب لمصيرهم إلى التعيين في المقام مع تشكيكهم في
تلك المسألة.
(وقد استدل) لوجوب تقليد الأعلم والمنع عن تقليد غيره بوجهين آخرين
(أحدهما) دعوى الاجماع على وجوب تقليد الأعلم عند التعارض واختلاف الفتوى
(وثانيهما) ان فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع من فتوى غيره، فيجب الاخذ به
لقضاء العقل بلزوم الاخذ بالأقرب عند التعارض والاختلاف (وفيهما) من الضعف
ما لا يخفى (أما الاجماع) فلا وجه لدعواه في المسألة مع وجود هذا الخلاف العظيم
(مضافا) إلى قوة احتمال كون مدرك المتفقين هو الأصل الذي قررناه (إذ معه)
لا مجال لتحصيل الاجاع بالظفر باتفاق جماعة من الاعلام (وأما الدليل) العقلي
فممنوع صغرى وكبرى (اما الصغرى) فبمنع كون فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع من
غيره (بل قد يكون) فتوى غيره أقرب إلى الواقع من فتواه خصوصا لموافقته لفتوى من هو
أعلم منه ممن مات، أو للشهرة ونحوها من الأمور الداخلية والخارجية (واما دعوى) ان
المناط في الأقربية انما هو على أقربية الفتوى في نفسها مع قطع النظر عن الأمور
الخارجية ولا شبهة في أقربية فتوى الأعلم من فتوى غيره (فهي) مع كونها ممنوعة
لا تكون صغرى لتلك الكبرى العقلية (إذ هي) غير مختصة بالأقربية الحاصلة من نفس
الفتوى (واما الكبرى) فبأنه لا دليل على اعتبار الأقربية بنظر العقل في الامارات التعبدية
251

التي منها فتوى المجتهد في حق المقلد (فان) حجية فتوى العالم في حق العامي وان
كانت من باب الطريقية كغيرها من الطرق التعبدية لا من باب السببية والموضوعية
الا انه لم يعلم كون المناط في التعبد بها هو القرب إلى الواقع بنظر العقل كي يدور في
مقام الترجيح مدار الأقربية (فلعل) المناط في نظر الشارع في التعبد بها شئ آخر
يكون الأعلم وغيره فيه سيان (وكون) غلبة الايصال في نظر الشارع حكمة لجعل مطلق
الطرق غير العلمية (لا يقتضي العلية والا) لاقتضى القول به في التعبد بساير الطرق والامارات
غير العلمية كالبينة ونحوها (مع أنه) قد يكون فتوى العالم أقرب إلى الواقع من
فتوى الأعلم لموافقته لفتوى اعلم الميت، أو لجهة أخرى، فيلزم الاخذ بفتوى العالم
المطابق لفتوى الأعلم الميت، ولا أقل من تأتي احتمال التعيين في فتوى العالم أيضا
(وفى مثله) ربما ينتهى الامر إلى الاخذ بأحوط القولين في المسألة (نعم) لو
كان القولان مخالفين للاحتياط تعين الاخذ بفتوى الأعلم لاحتمال عدم مناطية
الأقربية الحاصلة من أمر خارجي (بل بما ذكرنا) يمكن الخدشة في مرجعية الأعلم
على الاطلاق حتى فيما كان فتواه في المسألة مخالفة للاحتياط وكان فتوى غيره موافقة
للاحتياط (إذ في مثله) يمكن القول بجواز الاخذ بفتوى غيره لانتفاء ما يقتضي
تعين الاخذ بخصوص فتوى الأعلم.
(بقى الكلام) في أدلة القول بجواز تقليد العالم مطلقا ومساواته مع
الأعلم وهي أمور (منها) إطلاقات الأدلة كتابا وسنة (ومنها) سيرة المتشرعة
من الصدر الأول على الرجوع إلى أصحاب الأئمة وأرباب النظر والاجتهاد مع العلم
باختلافهم في العلم والفضيلة، بل واختلافهم في الانظار (ويظهر) الجواب عنهما مما
تقدم سابقا فراجع (ومنها) ان وجوب الرجوع إلى الأعلم عسر منفى في الشريعة،
لانحصاره في واحد مضافا إلى لزوم المشقة الشديدة في حق المرجع من رجوع جميع
المقلدين إليه لاخذ الفتوى منه (وفيه) منع عسرية تقليد الأعلم، لا عليه ولا على
المقلدين خصوصا في زماننا الذي تداول فيه طبع الكتب والرسائل العملية (فان)
الرجوع إلى كتبه ورسائله لاخذ الفتوى امر سهل في نفسه (وأما) تشخيص
252

الأعلمية، فليس بأشكل من تشخيص أصل الاجتهاد (فكما أن) المرجع في
تشخيص الاجتهاد هو أهل الخبرة، كذلك في تشخيص الأعلمية (واما العمل)
على طبق فتوى الأعلم، فليس فيه أيضا صعوبة، بل الصعوبة في العمل بفتوى غيره
لكثرة إفتائه بالاحتياط بلحاظ عدم اقتداره على استخراج حكم المسألة عن مداركها
كما هو خصوصا إذا كان مغمورا في بحر التقوى والورع (ومنها) انه لو
وجب تقليد الأعلم لما جاز رجوع الشيعة في الصدر الأول إلى فتاوى
أصحاب الأئمة (ع) مع تمكنهم من الوصول إلى الامام واستعلام حكم
الواقعة منه (ع) والتالي باطل فالمقدم مثله، ومنافاته أيضا لما يظهر من الاخبار
من ارجاع الأئمة إلى فتاوى أصحابهم واظهارهم الشوق في جلوسهم للفتيا (ومنها)
ما استند إليه المحقق القمي قده من دليل الانسداد القاضي بجواز الرجوع إلى العالم
مطلقا (ولكن) في الأول ما لا يخفى من فساد المقايسة (لوضوح) ان مورد
البحث في المقام إنما هو في فرض العلم بمخالفة فتوى العالم لفتوى الأعلم، وفي هذا
الفرض يقطع بعدم رجوع الشيعة إلى من يخالف قوله قول الإمام (ع)، لمكان
اليقين ببطلان قوله ومخالفته للواقع، وأين ذلك ومفروض البحث في المقام (واما)
ما استند إليه المحقق القمي قده، فله وجه على أصله (لان) المدار عنده على الظن
بالواقع من أيهما حصل (ولكن) الكلام معه في أصل المبنى (لما تقدم) سابقا من
أن عمدة المستند على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم ولزوم التقليد انما هو الارتكاز
الفطري الجبلي في نفوس عامة الناس بضميمة تقرير الشارع وامضائه إياه، لا انه
قضية مقدمات الانسداد (ولذا) ترى بناء كل من تعرض للمسألة على جعله من
الظنون الخاصة، كساير الطرق والامارات التعبدية، لا من الظنون المطلقة الثابتة
حجيتها بدليل الانسداد (هذا كله) بالنظر إلى ما يستفيده المجتهد من الأدلة.
(وأما بالنظر إلى) ما يصلح ان يكون مستندا للمقلد العامي في حكم المسألة
(فان) استقل عقله بتساوي الأعلم وغيره في الرجوع إليه لاخذ الفتوى (وإلا)
فلا بد من رجوعه إلى الأعلم في تعيين هذه الوظيفة (إذ بعد) ان كانت قضية
253

الارتكاز الفطري قضية اجمالية من حيث الخصوصيات المحتملة دخلها شرعا في
موضوع الحجية بحيث لا يكاد يستكشف منها هذه الخصوصيات لا نفيا ولا اثباتا
(فلا جرم) يستقل عقله بمناط حكمه الاجمالي بالرجوع إلى من هو مجمع جميع ما احتمل
دخله في المرجع من الصفات، فيجب عليه الرجوع في هذه المسألة إلى الأعلم،
وليس له الرجوع بدوا إلى غيره في استعلام حكم المسألة إلا على نحو دائر، إذ لم
يثبت بعد جواز تقليده (نعم) لا بأس بالرجوع إليه في سائر المسائل الفرعية
إذا أفتى الأعلم بجواز تقليد المفضول، فصح تقليده إياه في المسائل الفرعية حينئذ
بمقتضى فتوى الأعلم بجوازه.
تنبيهات
(الأول) المراد من الأعلم من كان أحسن استنباطا من غيره لكونه
أقوى نظرا في تنقيح قواعد المسألة ومداركها، وأكثر خبرة في كيفية تطبيقها على
مواردها، وأجود فهما للاخبار في استنباط المسائل الفرعية من مضامينها مطابقة
والتزاما وإشارة وتلويحا، وأكثر اطلاعا بمدارك المسألة ونظائرها، كما يرشد إليه
قوله (ع) أنتم اعلم الناس ان عرفتم معاني كلامنا (نعم) لا عبرة بكثرة الاستنباط
والإحاطة بالفروع الفقهية (لان) ذلك يجامع مع ضعف الملكة أيضا.
(الثاني) إذا دار الامر بين الأعلم العادل والعالم الأعدل الأورع
ففي تقديم الأعلم على الأورع أو التخيير بينهما وجهان، أقواهما الأول لبناء العقلاء
على تعينه وعدم دخل لحيث الأعدلية والأورعية فيما هو مناط التقليد وحجية الفتوى
(نعم) لو كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة مختلفان في الفتوى، وكان
أحدهما أورع من الآخر، فقد يقال كما عن جماعة من الأساطين بلزوم تقديم الأورع
(ولكنه) لا يخلو عن اشكال، لعدم الدليل على الترجيح بالأورعية سوى ما يظهر من
اخبار العلاج كالمقبولة ونحوها (ومثله) مختص بباب القضاء وفصل الخصومات
(وعلى فرض) التعدي إلى باب تعارض الاخبار لا يتعدى إلى باب الفتوى الا بعدم الفصل
254

بينهما، وهو أيضا غير معلوم، بل المعلوم عدمه (ومعه) يكون الحكم هو التخيير
في الاخذ بإحدى الفتويين كما لو كانا متساويين في الورع والعدالة (نعم) لو انتهى
الامر إلى الشك يمكن دعوى وجوب تقديم الأورع لكونه هو المتيقن في الحجية
عند التعارض والاختلاف في الفتوى (ولكن) أنى ينتهى الامر إلى ذلك.
(الثالث) انما يجب تقليد الأعلم ويجب الفحص فيما لو علم بالتفاضل
والاختلاف في الفتوى تفصيلا أو اجمالا (واما) إذا لم يعلم باختلاف الفتوى
لا تفصيلا ولا اجمالا، فلا يجب تقليد الأعلم ولا الفحص أيضا (وتفصيل) الكلام
في ذلك، هو أنه تارة يعلم تفصيلا أو اجمالا بالتفاضل والاختلاف في الفتوى
(وأخرى) يعلم بالتفاضل دون الاختلاف (وثالثة) بعكس ذلك (ورابعة)
لا يعلم بالتفاضل ولا بالاختلاف في الفتوى (اما الصورة الأولى) فمع العلم التفصيلي
باختلاف الفتوى وأفضلية شخص معين، لا اشكال في لزوم الرجوع إلى الأفضل
، ومع العلم الاجمالي بهما يجب الفحص ولا مجال للرجوع إلى فتوى أحدهما المعين أو
المخير قبل الفحص، لكونه من باب اشتباه الحجة بغير الحجة، ومع العجز عن
معرفة الأفضل يجب الاخذ بأحوط القولين (واما الصورة الثانية) وهي صورة
العلم بالتفاضل تفصيلا أم اجمالا مع الجهل في أصل الاختلاف في الفتوى، فلا يجب
عليه تقليد الأفضل ولو مع العلم به تفصيلا ولا الفحص أيضا (إذ لا مانع) حينئذ
عن الاخذ باطلاق دليل الحجية بالإضافة إلى فتوى المفضول المنتهى بعد تعارض
الفتويين إلى التخيير في الاخذ بأيهما (ولا يعتنى) باحتمال الاختلاف الموجب
لسقوط فتوى المفضول من الحجية الفعلية، لاندفاعه بالأصل، نظير أصالة عدم
المخالفة للكتاب والسنة في الشرط ونحوه (واما الصورة الثالثة) وهي صورة العلم
بالاختلاف في الفتوى والجهل بالتفاضل، فتتصور على وجهين (فإنه) تارة يكون
احتمال الأعلمية ثنائيا بان يحتمل تساويهما في الفضيلة ويحتمل أعلمية زيد (وأخرى)
يكون الاحتمال ثلاثيا بان يحتمل كونهما متساويين، ويحتمل أعلمية زيد من عمرو،
ويحتمل العكس أيضا (وقد يقال) في الأول بوجوب الاخذ بفتوى محتمل
255

الأعلمية للقطع بحجية فتواه والشك في حجية فتوى غيره (وفي الثاني) بلزوم العمل
بأحوط القولين (لان) مع العلم باختلاف الفتوى والشك في الأعلمية بالنسبة إلى
كل واحد منهما تصير كل من الفتويين مشكوكة الحجية ولا مجال في مثله للاخذ
بواحدة منها ولو تخييرا (ويندفع) الأول بأصالة عدم التفاضل (فان) المانع عن
جواز العمل بفتوى الآخر انما هو حيث الأفضلية المدفوعة بالأصل (فإذا جرى)
الأصل المزبور يترتب عليه جواز الاخذ بفتوى غيره وعدم تعين الاخذ بفتوى من
احتمل أعلميته (وإذا) ثبت هذا الجواز الشرعي فلا جرم ينتهي الامر إلى التخيير في
الاخذ بهما، بلا احتياج إلى احراز عنوان تساويهما في الفضل كي يقال بمثبتية
الأصل المزبور بالنسبة إليه (وتوهم) انتفاء اليقين السابق في مثله مدفوع بأنه
لا نعني من أفضلية شخص الا مزيد فضل لشخص لا يكون لغيره تلك المزية، ومن
المعلوم كون ذلك بنفسه أمرا حادثا مسبوقا بالعدم فإذا شك في حدوثه له فالأصل عدمه
(ولو سلم) عدم اجداء مثل هذا الأصل في المقام، لكون المجدي هو نفي أفضليته
بالقياس إلى المجتهد الآخر نقول أنه يمكن تصويره فيما لو علم سابقا بتساويهما في
الفضل فشك في حصول مزيد فضل لأحدهما بالقياس إلى الآخر، حيث يقال انه لم
يكن ذلك أفضل من هذا والآن كما كان (ويمكن) تقريب الأصل بوجه آخر وهو
ان يقال ان هذا المجتهد قبل بلوغه مرتبة الاجتهاد لم يكن أفضل من هذا المجتهد
الآخر وبعد بلوغه مرتبة الاجتهاد يشك في أفضليته منه والأصل عدمه (وهكذا)
الكلام في فرض احتمال الأفضلية في كل منهما (فإنه) يجري أصالة عدم التفاضل
بالنسبة إلى كل منهما ونتيجة ذلك عدم وجوب الفحص وجواز الاخذ بفتوى كل
منهما بمقتضى حكم العقل بالتخيير وحجية ما يختاره من الفتويين (واما الصورة
الرابعة) وهي عدم العلم لا باختلاف الفتوى ولا بالتفاضل فالحكم فيها أظهر مما
سبق).
256

المقام الرابع
(قد اختلف) كلمات الاعلام في اشتراط الحياة في المفتى وعدمه على أقوال
(ثالثها) التفصيل بين التقليد ابتداء، والبقاء عليه استدامة (ويظهر) من بعضهم
تفاصيل اخر (كالتفصيل) بين صورة وجود المجتهد الحي وتمكن المقلد من الرجوع
إليه في اخذ المسائل الفرعية، وصورة عدم وجوده بالاشتراط في الأول دون الثاني
(والتفصيل) بين ان يكون المفتي ممن يعلم من حاله انه لا يفتى الا بمنطوقات الأدلة
كالصدوقين واضرابهما من المتقدمين فيجوز تقليده حيا وميتا، وبين من يعلم أنه
يعمل بالافراد الخفية للعمومات واللوازم غير الجلية للملزومات فلا يجوز تقليده حيا
وميتا (ولكنهما) في الحقيقة ليسا تفصيلا فيما هو مورد البحث في المقام (لان)
الأخير تفصيل في أصل التقليد ولذلك لم يفرق جوازا ومنعا بين الحي والميت (والأول)
خارج عن مورد البحث (فان) مورد البحث جوازا ومنعا انما هو في فرض وجود
المجتهد الحي وتمكن المقلد من الرجوع إليه (وإلا) ففي فرض انحصار الطريق للعامي
بالرجوع إلى فتاوى الأموات فلا يظن بأحد الاشكال في جواز الرجوع إلى فتاوى
الأموات (ثم الظاهر) أيضا ان مورد الكلام إنما هو في صورة مخالفة رأى الميت لرأي
المجتهد الحي، وإلا ففي صورة موافقة رأيه لرأيه، فعلى ما ذكرنا سابقا من أن
الواجب على المقلد هو العمل على طبق رأي الغير واحدا كان أو متعددا، لا تترتب على
هذا النزاع ثمرة عملية من حيث صحة العمل وعدم صحته (إذ العمل) المطابق لرأي
الميت المطابق لرأي المجتهد الحي مما يقطع بصحته مطلقا قلنا بجواز تقليد الميت أم
لم نقل به، غاية الامر تكون صحته على فرض القول بالجواز لأجل موافقته لرأي الجميع،
وعلى فرض عدم الجواز لأجل موافقته لرأي المجتهد الحي فعلى كل حال تكون صحة
العمل محرزة عند العقل (نعم) ثمرة النزاع على ذلك انما يكون من حيث التشريع
وعدمه في العمل الناشئ عن التعبد برأي الميت (وكيف كان) فتنقيح البحث في هذه
المسألة تارة يكون في جواز تقليد الميت ابتداء (وأخرى) في جواز البقاء عليه استدامة
257

(اما الأول) فالمعروف بين الأصحاب عدم الجواز، وهو المختار، للشك في
حجية رأى الميت ولو مع الاخذ به والأصل عدم الحجية بالتقريب المتقدم في المسألة
السابقة (بعد) عدم ثبوت قيام السيرة وبناء العقلاء على الرجوع إلى الأموات
ابتداء، واجمال الارتكاز الفطري من هذه الجهات على نحو لا يمكن ان يستكشف
منه الاطلاق من جهة هذه الخصوصيات، وقصور الأدلة اللفظية من الآيات والاخبار
عن اثبات حجية فتوى الميت بالنسبة إلى التقليد البدوي لعدم كونها مسوقة في
مقام الاطلاق من جهة هذه الخصوصيات، وعدم امكان شمولها للفتاوى المختلفة على
فرض كونها مطلقة (مضافا) إلى استفاضة نقل الاجماع على عدم الجواز من أعاظم
العلماء وأكابر الفقهاء الذين لهم المقام الرفيع في الضبط والاتقان (بل يمكن)
تحصيل الاجماع في المسألة من أصحابنا الامامية من نقل هذه الاجماعات (فان)
كل من تعرض للمسألة ادعى الاجماع واتفاق الامامية على عدم الجواز في التقليد
الابتدائي، مع تلقى الأصحاب لنقلهم له بالقبول بلا تشكيك أو توقف من أحد،
مع ما يرى من بنائهم غالبا على التشكيك في الاجماعات المنقولة في الموارد الأخرى
(فان) ذلك كله موجب للحدس القوى بالاتفاق المزبور ويستكشف به رأي
المعصوم (ع) في المسألة (مضافا) إلى أنه لم ينقل الخلاف في المسألة إلا من جماعة
من علمائنا الأخباريين، وبعض المجتهدين، كالأردبيلي والفاضل التوني والمحقق القمي
ونظرائهم (ومن المعلوم) عدم إضرار خلافهم بالاتفاق المزبور (خصوصا) مع ظهور
كلمات بعضهم في غير ما هو مورد الكلام (إذ الظاهر) ان مخالفة الأخباريين في
التقليد بمعنى آخر غير ما هو مورد البحث (لان) ما يجوز عندهم من الفتوى التي
يعول عليها عبارة عن نقل الأحاديث بالمعنى، وهو الذي قالوا بجواز التعويل عليها حيا
وميتا، لا ما يدعيه المجتهدون من العمل بالرأي الحاصل من اعمال الظنون الاجتهادية
في الأدلة (فان) ذلك مما لم يجوز الاخباري العمل على وفقه لا في حق المجتهد
نفسه ولا في حق المقلد، (بل هو) جار عندهم مجرى العمل بالاستحسان والقياس،
ولذا منعوا عنه أشد المنع وشددوا النكير على المجتهدين وأرباب الفتاوي بأنه من
258

العمل بالرأي المنهى عنه في الاخبار (ومثله) خلاف فاضل التوني قده (فان)
الظاهر منه كون خلافه كالأخباريين في التقليد بمعنى آخر (ولذا) بنى على التفصيل
فيما حكي عنه بين من لا يفتي إلا بمنطوقات الأدلة ومداليلها الظاهرة، وبين من يفتي
بالمداليل الالتزامية ويأخذ بالافراد الخفية للعمومات، فالتزم في الأول بجواز التقليد
حيا وميتا، وعدم جوازه في الثاني كذلك (واما) سائر المجتهدين فظاهر خلاف
بعضهم أيضا إنما هو في فرض عدم وجود المجتهد الحي أو عدم تمكن المقلد من
الرجوع إليه (ومثله) أيضا خارج عن مفروض البحث وعن مورد الاجماعات
(وحينئذ) ففي هذه الاجماعات كفاية في حكم المسألة وسقوط ما يتصور في المقام
من الاستصحابات الجارية أو المتوهم جريانها بتقريبات مختلفة من استصحاب حجية
الفتوى تارة، ووجوب العمل على طبقها أخرى، واستصحاب الاحكام الظاهرية من نحو
وجوب السورة في الصلاة وحرمة العصير العنبي ووجوب القصر في الثمانية الملفقة من
الذهاب والإياب وغيرها بنحو التنجيز أو التعليق على وجود المكلف أو الاخذ
أو البلوغ ونحوها من أنحاء التعليق (فان) العمدة في سقوط هذه الأصول إنما هو
هذا الاجماع (وإلا) فلا قصور في جريانها ولو ببعض تقريباتها، كما سنشير إليها
في المسألة الآتية (ولا ينتهى النوبة) مع جريانها إلى أصالة عدم الحجية (لان)
جريانها موقوف على عدم جريان هذه الأصول الشرعية (وإلا) كان هي المعول
عليها دونها (بل لولا) هذا الاجماع يشكل تعين مرجعية المجتهد الحي مطلقا حتى
في فرض كون الميت اعلم فضلا عما لو كان فتواه موافقة للمشهور أو الاحتياط (فان)
في مثله يمكن دعوى حكم العقل بتعين الاخذ بفتوى الميت لأقربيتها إلى الواقع
(ولكن) اطلاق معاقد اجماعاتهم على عدم جواز تقليد الميت ابتداءا يمنع عن
ذلك كله (فإذا) العمدة في المسألة هو الاجماع وبه كفاية والله العالم (هذا كله في
تقليد الميت بدوا)
(وأما البقاء عليه استدامة) ففيه أيضا خلاف بين الاعلام في الجواز مطلقا
أو العدم كذلك، أو التفصيل بين المسائل التي قلده فيها وعمل بها في حياته، وبين غيرها،
259

بالجواز في الأول وعدم جوازه في الثاني (ولكن) المختار وفاقا لغير واحد من
الأعاظم هو الجواز مطلقا حتى في المسائل التي لم يعمل بها إما لفسق أو لعدم وقوعها
مورد ابتلائه الفعلي (فإنه) وإن لم يكن مجال للاستدلال له بالأدلة اللفظية كتابا وسنة
ولا بالعقل الارتكازي لاجماله من جهة هذه الخصوصيات (إلا أنه) قضية
استصحاب بقاء الأحكام التكليفية والوضعية الظاهرية الناشئة عن قيام رأي المجتهد
وحجيته الثابتة في حق المقلد سابقا في زمان حياته بناءا على ما هو التحقيق من
كون مفاد دليل حجية الفتوى كسائر أدلة حجية الامارات هو الامر بالمعاملة
واحداث احكام تكليفية ظاهرية على طبق المؤدى (فإذا أفتى) المجتهد بوجوب
السورة في الصلاة وحرمة العصير العنبي ونحو ذلك تكون هذه الأحكام بدليل حجية
الفتوى ثابتة في حق المقلد ظاهرا ومنجرة عليه في زمان حياته وإن لم يعمل بها فسقا
(فإذا) شك في بقائها بعد موته لأجل الشك في حجية رأيه بعده يجرى فيها
استصحاب البقاء لتمامية أركانه من اليقين بالثبوت سابقا والشك في البقاء لاحقا
واتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا (وذلك) بعد عدم قيام اجماع منهم بالخصوص على
المنع في المسألة واختصاص معقد الاجماع المتقدم بالتقليد البدوي للميت (واما
الاشكال) على هذا الاستصحاب بأن ثبوت تلك الأحكام الظاهرية لمعروضاتها في
حق المقلد سابقا إنما هو باعتبار كونها مما قام عليه رأي المجتهد، لأنه من جزيئات
وجوب اتباع رأي المجتهد وظنه (فإذا كان) لرأي المجتهد دخل في الموضوع،
فلا بد في استصحاب بقائها من احراز بقاء الرأي بعد الموت (والا) فمع اليقين
بزواله بالموت عند النزع كما قيل أو الشك فيه، فلا استصحاب لعدم احراز اتحاد
القضيتين موضوعا ومحمولا مع الشك الوجداني في بقاء الرأي الذي هو مقوم
المعروض " إلا " بتوهم كفاية مجرد حدوث الرأي في زمان في بقاء حجيته وثبوت
تلك الأحكام إلى الأبد (وهو) واضح البطلان، بشهادة بنائهم على عدم جواز
اتباع رأيه عند زواله بنسيان غير عادي أو جنون أو اغماء ونحو ذلك (كيف)
وان حجية رأي المجتهد بالإضافة إلى المقلد ليست بأعظم منها بالإضافة إلى المجتهد
260

نفسه (ومن المعلوم) أن حجية الرأي بالإضافة إليه في كل زمان منوطة ببقائه في
ذلك الزمان لا بمجرد حدوثه سابقا (فمدفوع) بأنه كذلك إذا كان رأى المجتهد في
المسألة من مقومات المعروض والجهات التقييدية لثبوت تلك الأحكام لمعروضاتها ولو
عرفا (وإلا) فعلى ما هو التحقيق من كون رأي المجتهد كسائر الحج التعبدية
من علل ثبوت تلك الأحكام الظاهرية، بلا دخل لعنوان قيامه فيما هو معروض تلك الأحكام
، فحرمة العصير العنبي ظاهرا على المقلد العامي مثلا لأجل انه أفتى المجتهد بحرمته
لا بعنوان كونها مما قام عليه رأي المجتهد (فلا قصور) في استصحاب تلك الأحكام
الظاهرية مع الشك في بقاء الرأي، بل ومع القطع بزواله عند النزع مثلا لتمامية أركانه
جميعا من اليقين بالثبوت سابقا والشك في البقاء لاحقا لاحتمال دخل الحياة في
حجية الرأي مع اتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا عرفا ودقة (ولا ينتقض) ذلك
بتبدل الرأي في زمان الحياة (فان) عدم جواز اتباع الرأي في مفروض النقض
إنما هو من جهة اشتراط حجية الرأي بعدم عدول المجتهد عنه بظهور الخطأ في
مستنده، لأنه بذلك يخرج الرأي عن الصلاحية للطريقية والكاشفية عن الواقع،
نظير ما إذا ظهر للشاهد الخطأ في مستنده، لا انه من جهة اشتراط حجية الرأي
وثبوت الاحكام الظاهرية ببقاء الرأي (فبين) البابين فرق واضح ومقايسة أحدهما
بالآخر ناشئ عن قلة التأمل (لا يقال) على ذلك يلزم جواز البقاء على تقليد المجتهد مع
زوال رأيه بالجنون أو الاغماء أو النسيان غير العادي ونحوها، مع أنه ليس كذلك
اجماعا، فإذا لم يجز البقاء على التقليد والعمل بالرأي السابق في الموارد المذكورة لم
يجز البقاء في الموت الذي يوجب زوال الرأي ويصير الذهن معه جمادا لاحس فيه
بالأولوية (فإنه يقال) ان بناء الأصحاب واجماعهم على ذلك إنما هو لانتفاء ما اعتبر
في المفتى من العقل والضبط وغيرهما في حجية رأيه، نظير سائر ما اعتبر فيه من الايمان
والعدالة ونحوهما مما ترتفع حجية الرأي بارتفاعه، لا أنه لأجل زوال الرأي (وعلى
فرض كون المناط فيها) هو هذه الجهة فالفارق هو الاجماع، ولا اجماع في مورد
الكلام الذي اختلف فيه كلمات الأصحاب (والاجماع) المتقدم ذكره في المسألة
261

السابقة مختص بالتقليد الابتدائي للميت ولا يشمل الاستدامة على تقليده، هذا
(مع أنه) لا قصور أيضا في استصحاب بقاء الرأي السابق عند الشك في زواله
بالموت وتبدله بانكشاف كونه على خلاف الواقع في تلك النشأة، لولا شبهة كونه
بانظار العرف متقوما بحيوته وبدنه العنصري في النشأة الدنيوية لكون الموت عند
العرف منشأ لانعدام الميت ورأيه (فإنه) كما يجري في الرأي استصحاب البقاء عند
الشك في زواله وتبدله في ظرف الحياة ويترتب عليه آثاره من الحجية وغيرها،
كذلك يجري فيه الاستصحاب عند الشك في زواله في ظرف بعد الموت (إذ لا فرق)
بينهما إلا من حيث كون منشأ الشك في تبدل الرأي في ظرف الحياة احتمال ظهور
خطائه في المدرك بنظره من حيث عثوره على ما لم يعثر عليه أو لا من قرينة أو معارض
أرجح بنظره وغيرهما وفي التبدل في ظرف الموت احتمال انكشاف كون مؤدي
المدرك على خلاف الواقع لانكشاف الواقع لديه في تلك النشأة وهذا المقدار لا يوجب
فرقا بينهما في جريان الاستصحاب (واما توهم) كفاية هذا المقدار من الفرق في عدم
جريان استصحاب بقاء الرأي بعد الموت كما عن بعض بان تبدل الرأي في عالم
الحياة انما هو بتبدل منشأه في نظره مع احتمال مطابقة الرأي الأول للواقع بخلاف
تبدل الرأي في ظرف الممات فإنه لا يكون إلا بانكشاف كونه مخالفا للواقع، فمما لا ينبغي
الاصغاء إليه (كيف) وكثيرا ما يكون تبدل رأي المجتهد في حياته بالقطع الوجداني
بمخالفة الرأي الأول للواقع.
(واما) توهم ان آراء المجتهد ليست إلا عبارة عن ادراكاته الظنية الحاصلة
له من النظر في الأدلة (وهي) باعتبار كون موطنها الذهن الذي هو من القوى
الجسمانية مما تزول بالموت وبذهاب القوة الجسمانية، بل وتزول أيضا بضعف القوى
وعروض العوارض من مرض ونحوه، فلا يمكن بقائها بعد الموت وفناء البدن،
لامتناع بقاء العرض بعد زوال موضوعه (وفيه) ما لا يخفى، فان ادراكات المجتهد
وإن كانت حاصلة بتوسيط القوى المتعلقة بالبدن العنصري من الواهمة أو المتخيلة ونحوهما
(إلا) انها قائمة بالنفس الناطقة الباقية بعد فناء البدن واضمحلاله، فالقوى المتعلقة
262

بالبدن العنصري هي آلات درك النفس في هذه النشأة والنفس هي المدركة لها
بتوسيطها، كما تدرك الأشياء الخارجية المحسوسة بتوسيط القوى الحساسة، فإنه
بالنظر إلى الأمور الخارجية المحسوسة والتدبر فيها وفي اتقانها وكونها على ما ينبغي
يحصل للنفس العلم بوجود صانع حكيم فتتحلى بذلك بحلية العارفين وتنال مقام المقربين
في النشأة الآخرة (كيف) ولولا قيام الادراكات بالنفس الناطقة الباقية بعد فناء
البدن واضمحلال القوى الجسمانية يلزم زوال العلوم والمعارف الحاصلة للانسان في
مدة عمره بعد اتعاب شديد ومجاهدات عظيمة فتبطل الحكمة الإلهية والعناية الربانية
في بعث الرسل وانزال الكتب (لان) الغرض من ذلك ليس إلا تكميل العباد لأجل
المعرفة بالمبدأ والمعاد وبلوغهم بما حصل لهم من المعارف الآلهية والقوانين الشرعية
المتعلقة باعمالهم الجوارحية والجوانحية مع العمل بها في هذه النشأة إلى الدرجات
الرفيعة ومقام المقربين ومنزلة المرسلين (فالقضايا) المتعلقة بالأحكام الشرعية المدركة
للمجتهد باستنباطها من الأدلة التي أتقنها بنظره بعد اتعاب شديد علمية تكون أم ظنية
كالمعارف الآلهية لا تكون محلها إلا نفس المجتهد فتكون باقية ببقائها، ولا يطرء عليها
الزوال بالموت إلا بانكشاف خلافها في النشأة الأخروية التي هي دار الكشف والشهود
ولا تزول أيضا بمثل الهرم والنسيان والمرض والجنون والاغماء وانما هي باقية وفى
خزانة النفس محفوظة (غاية الامر) النفس غير متمكنة عند عروض هذه العوارض
على البدن العنصري في هذه النشأة من ترتيب الأثر عليها، لمكان اشتغالها بتدبير
البدن أو التوجه إلى نشأة أخرى، كما في حال النوم ونحوه (وحينئذ) فإذا كان
الحامل لتلك الادراكات القوة العاقلة والنفس الناطقة الباقية بعد فناء البدن واضمحلاله
وذهاب القوى الحيوانية المتعلقة به (فلا جرم) مهما شك في زوال آراء المجتهد
بالموت لأجل احتمال انكشاف مخالفتها للواقع لديه في النشأة الأخروية يجري فيها
الاستصحاب، ويترتب على بقائها ما لها من الآثار كجواز التقليد والحجية (لا يقال)
ان الامر كذلك في الآراء القطعية، (واما الآراء) الظنية فلا مجال لاستصحاب
بقائها للقطع بزوالها بانكشاف الواقع في تلك النشأة نفيا أو اثباتا (فإنه يقال) ان
263

انقلابها إلى اليقين ليس إلا خروجها من حد الضعف إلى الشدة، فموضوع الحجية
في مثله باق بذاته ولولا بحده، ولا مدخلية في خصوصية حده في موضوع الحجية
(لان) الحجة انما هو مطلق تصديقه واعتقاده، فإذا شك في انقلابه في تلك
النشأة باليقين بالخلاف، يجري فيه الاستصحاب ويترتب على بقائه ماله من الآثار
لولا شبهة تقوم الرأي بالحياة في انظار العرف
(فتلخص) مما ذكرنا انه على ما هو التحقيق من كون مفاد دليل اعتبار الرأي
كسائر أوامر التصديق في الامارات هو احداث احكام تكليفية ظاهرية في مواردها
يجري فيها الاستصحاب، ولا مجال لشبهة الشك في الموضوع في استصحابها من غير
فرق بين القول بكون المجعول الظاهري جعل المماثل، أو القول بكون المجعول هو
الحكم الطريقي (واما) بنا على كون مفاده مجرد جعل الحجية واحداث احكام عقلية
في موارد رأي المجتهد من تنجيز الواقع عند المصادفة وصحة الاعتذار للعبد عند
المخالفة بلا جعل حكم تكليفي ظاهري ولا امر بالمعاملة مع المؤدي معاملة الواقع إلا
من باب الاحتياط فلا مجال للاستصحاب، لا لعدم كون المستصحب أثرا مجعولا
(لأنه) يكفي في شرعية الأثر في باب الاستصحاب مجرد كون المستصحب مما
ينتهي امر رفعه ووضعه بيد الشارع، كما في غيره من العقليات المنتهية إلى جعل شرعي
وبعض الأحكام الوضعية كالجزئية والسببية (بل من جهة) انتفاء الشك الذي هو
ركن الاستصحاب في الحكم العقلي (لان) قوام حكم العقل انما هو بدركه الوجداني
فهو إما جازم بالوجود واما بالعدم ومع الشك يجزم بعدم حكمه ودركه (فلا يبقى
حينئذ) إلا اجراء الاستصحاب في الحكم الواقعي المجعول (وهذا) وان تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب من كفاية قيام الحجة على الوجود السابق في الحكم بالبقاء
وصحة الاستصحاب عند الشك في البقاء بلا احتياج إلى احراز ثبوت المستصحب
واقعا بالعلم الوجداني أو التعبدي (لان) شأن الاستصحاب انما هو اثبات البقاء
التعبدي للشئ على تقدير حدوثه الراجع إلى جعل الملازمة الظاهرية بين ثبوت
الشئ وبقائه، فيكفي في جريانه مجرد قيام الحجة على الوجود السابق (إلا أنه)
264

يتوقف على قيام الحجة الفعلية على الوجود السابق حال الاستصحاب ولا يكفي فيه
قيام الحجة سابقا على الوجود مع الشك في حجيته فلا، كما هو المفروض من
الشك في حجية الرأي بعد الموت (نعم) لو قلنا ان الحجية بنفسها من الأحكام الوضعية
المجعولة كالملكية ونحوها بحيث يصح اعتبارها من مجرد جعلها ويترتب عليها آثارها
العقلية من صحة احتجاج المولى واعتذار العبد بها، كان لاستصحابها مجال لولا
شبهة الشك في الموضوع (ولكن) الذي يسهل الخطب هو فساد أصل المبنى
(فان) التحقيق في جميع أدلة اعتبار الطرق والامارات التي منها دليل حجية
الفتوى باي لسان تكون من تتميم الكشف أو غيره انما هو كونها متكفلة لاحداث
احكام ظاهرية طريقية في موارد الطرق الراجعة إلى الامر بالمعاملة مع مؤدي الطريق
معاملة الواقع ظاهرا من حيث الجري العملي على طبقه (وعليه) فلا قصور في صحة
استصحاب بقاء الاحكام الظاهرية الناشئة عن قيام رأي المجتهد الثابتة في حق المقلد
سابقا في زمان حياته، ومقتضاه هو جواز البقاء على تقليد الميت في المسائل التي
استقر رأيه عليها في زمان حياته مطلقا عمل بها المقلد سابقا أم لم يعمل (إذ بعد)
ان تكون فتوى الميت في المسألة حجة تعيينية على المقلد اما مطلقا، لانحصاره
أو لكونه اعلم، وإما بعد الاخذ بها عند التعارض ومثبتة بدليل اعتبارها لاحكام
ظاهرية في حق المقلد، فلا يفرق في استصحابها بين ان يكون المقلد عمل على طبق فتوى
الميت في زمان حياته أم لم يعمل بها فسقا أو لعدم الابتلاء بالعمل بها اتفاقا (ولذلك)
قلنا ان النزاع في مفهوم التقليد في أنه الالتزام بالعمل بفتوى المجتهد أو نفس العمل
بها غير مثمر لشئ حتى في مسألة البقاء على تقليد الميت (فالقول) بالتفصيل في المسألة
حينئذ بتخصيص الجواز بالمسائل التي قلد الميت فيها وعمل بها في زمان حياته دون
غيرها من المسائل التي لم يعمل فيها بفتواه مما لا يساعده دليل ولا برهان، وان كان
القائل به من الاعلام (نعم) لو كان دليل الجواز سيرة المتشرعة في عصر المعصومين
عليهم السلام على البقاء على تقليد الميت كما هو المظنون قويا يمكن ان يقال ان القدر
المتيقن من السيرة على البقاء انما هو في المسائل التي عمل بفتوى الميت فيها في زمان
265

حياته لا مطلقا، ولكن الكلام في اتمام هذه السيرة بنحو يصح ان يعتمد عليها في
المسألة (فإنه) وان قلنا بكونها مظنونة بالظن القوي ولكن النفس بعد في دغدغة
من ذلك (فالعمدة) حينئذ هو الاستصحاب (وإلا) فمع المناقشة فيه أيضا لا محيص
من الاخذ بأحوط القولين من الميت أو الحي ان كان، والا فمع احتمال التعيين في كل منهما
ينتهى الامر إلى التخيير بينهما بالتقريب الذي تقدم شرحه سابقا في المجتهدين
المختلفين في الفتوى المتساويين في الفضيلة حذرا من الترجيح بلا مرجح وبطلان
تساقطهما وبقاء المقلد بلا طريق إلى الاحكام الواقعية أو رجوعه إلى غير الفتوى
(ولكنك) عرفت انه لا قصور في الاستصحاب (ولازمه) هو تعين البقاء على
تقليد الميت إذا كان اعلم، بل ومع تساويهما إذا قلنا بكون التخيير بدويا لا استمراريا
وإلا فيجوز العدول إلى الحي بلا كلام بل مطلقا إذا كان هناك اجماع منهم على عدم
وجوب البقاء على تقليد الميت وجواز الرجوع إلى الحي حتى في
فرض كون الميت اعلم (ولكن) الاشكال في تحقق هذا الاجماع (وحينئذ)
فالقول بوجوب البقاء إذا كان الميت أعلم لا يخلو من قوة (نعم) في فرض كون الحي
اعلم يتعين الرجوع إليه بلا اشكال
(ثم إن ذلك) كله بالنسبة إلى المجتهد فيما يستفيده من الأدلة جوازا أو منعا
(واما) بالنسبة إلى المقلد العامي فحكمه عند الالتفات والشك هو الرجوع إلى المجتهد
الحي في تعيين هذه الوظيفة ولو على القول بجواز البقاء، لأنه المتيقن في الحجية
وليس له البقاء على تقليد الميت مع الشك المزبور إلا إذا أفتى المجتهد الحي بوجوبه
أو جوازه بعد رجوعه إليه (ومن ذلك) تكون ثمرة هذا البحث جوازا أو منعا
كالبحث في الأعلمية مختصة بالمجتهد في افتائه بالجواز أو المنع إذا رجع إليه العامي
واستفتى منه حكم المسألة كما هو الشأن في جميع الشروط الخلافية في المفتى (فان)
وظيفة المقلد في جميع هذه الأمور عند الالتفات والشك هو الرجوع إلى المجتهد كما
هو ظاهر
(فرعان) الأول لو قلد مجتهدا فمات فقلد آخر فمات أيضا فقلد من يقول
266

بوجوب البقاء على تقليد الميت أو جوازه (فهل) يبقى على تقليد الأول، أو الثاني
أو يتخير في البقاء على أيهما، أو يفصل بين ان يكون مذهب الثالث وجوب البقاء
فيبقى على تقليد الأول، أو جوازه فعلى تقليد الثاني، وجوه وأقوال (أظهرها الأخير)
فإنه مع كون مذهب الثالث وجوب البقاء يكون رجوعه إلى الثاني بنظره في غير محله
وتقليده إياه تقليدا غير صحيح (ولازمه) تعين البقاء على تقليد الأول (بخلاف)
ما إذا كان مذهبه جواز البقاء (فإنه) معه يكون رجوعه إلى الثاني بنظره في محله،
وتقليده إياه من التقليد الصحيح (فإذا) أراد البقاء على تقليد الميت يتعين البقاء
على تقليد الثاني دون الأول، لانقطاع تقليده برجوعه منه إلى الثاني بتقليد صحيح
فلا يكون رجوعه إلى الأول حينئذ من البقاء على تقليده، بل هو من التقليد
الابتدائي للميت (ويحتمل) التخيير في البقاء على أيهما في هذا الفرض، بل مطلقا
بناءا على القول بعدم انتقاض التقليد الواقع في زمان سابق بتقليد مجتهد آخر في
زمان لاحق بالإضافة إلى اثره المبتلى به في الزمان اللاحق (فان مستند) الثالث
بوجوب البقاء أو جوازه انما يكون هو الاستصحاب لاحتمال بقاء الاحكام المأخوذة
من المجتهد السابق ولو واقعا (وحيث) ان هذا الاحتمال بنظره بالإضافة إلى الاحكام
المأخوذة من كل منهما على السوية بلا ترجيح لأحدهما على الآخر (يلزمه) التخيير
في البقاء على تقليد أيهما من الأول أو الثاني (وما ذكرناه) من عدم صدق البقاء على
التقليد بالإضافة إلى الأول، لانقطاع تقليده برجوعه إلى الثاني بتقليد صحيح
(مخدوش) باشتراكهما في هذه الجهة (فإنه) كما انقطع تقليد الأول برجوعه إلى الثاني
بتقليد صحيح، كذلك انقطع تقليد الثاني برجوعه إلى المجتهد الحي فالحكم الظاهري في
كل من التقليدين تبعا لموضوعه مرتفع قطعا، فلا يبقى إلا احتمال بقاء الاحكام
المأخوذة من السابق ولو واقعا (وبعد) ان كان هذا الاحتمال بالإضافة إلى كل
من الحكمين السابقين على السوية، بلا ترجيح لأحدهما على الآخر، يلزمه اعتقاد
الثالث جريان الاستصحاب في حق مقلده بالإضافة إلى كل منهما من غير ترجيح
لأحدهما، ولازمه تخيير المقلد في البقاء على تقليد أيهما من الأول أو الثاني بلا ترجيح
267

للثاني على الأول، ولذا لو سئل المجتهد الحي عن ذلك ليفتيه بالتخيير في البقاء على
الأول أو الثاني، فاحتمال تعين البقاء على تقليد الثاني كما افاده السيد الطباطبائي قده
في عروته ضعيف على كل تقدير خصوصا على مبنى انتقاض التقليد الواقع
في زمان سابق بتقليد مجتهد آخر في زمان لاحق على خلاف فتوى السابق بالإضافة
إلى الآثار المبتلى بها في الزمان اللاحق.
(الثاني) إذا قلد من يقول بحرمة البقاء على تقليد الميت فمات، فقلد من
يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت أو جوازه (فهل) الحكم بالبقاء وجوبا أو جوازا
يختص بسائر المسائل الفرعية ولا يعم مسألة حرمة البقاء، أو انه يعم الجميع حتى هذه
المسألة، فللمقلد البقاء على تقليده في مسألة حرمة البقاء كي يلزمه العدول في المسائل
الفرعية (فيه وجهان) أقواهما الأول، لا لاستلزامه التخصيص المستهجن كي يندفع
بالالتزام بالتقييد في مثله (بل من جهة) امتناع اخذ مثل هذا المضمون في موضوع
فتوى المجتهد بجواز البقاء على تقليد الميت، لامتناع فتوى المجتهد بوجوب البقاء على
تقليد الميت أو جوازه في حرمة البقاء على تقليد الميت أو جوازه، أو الفتوى بحجية
فتوى الميت في عدم حجية فتوى الميت، فلا محيص من كون التقليد الذي هو
موضوع الجواز في البقاء على التقليد هو التقليد في غير هذه المسألة ولا يمكن
شمول اطلاقه للتقليد في نفس هذه المسألة، بل لا يفرق في الامتناع بين ان يكون
رأي الميت على حرمة تقليد الميت أو جوازه، فإنه على كل تقدير يمتنع اخذ هذا
الحكم أو نقيضه في موضوع الحكم بجواز تقليد الميت ولو من حيث اطلاقه
لاستلزامه شمول اطلاق الشئ لمرتبة الشك بنفسه (وبهذه) الجهة قلنا بعدم امكان
شمول مفهوم آية لبناء لمثل خبر السيد الحاكي للاجماع على عدم حجية الخبر الواحد،
بل ولا لمثل خبر الشيخ الحاكي للاجماع على حجيته، بلحاظ ان شموله للتعبد بخبر
السيد بعدم الحجية انما هو في ظرف الشك في الحجية واللاحجية الذي هو عين
مضمون الآية فيستحيل شمول اطلاق مضمون الآية لمرتبة الشك بنفسه (هذا كله)
مضافا إلى ما يلزم من شمول اطلاق الحكم بجواز البقاء على تقليد الميت لنفس هذه
268

المسألة خروجها عنه (لان) فتوى الميت بحرمة البقا على تقليد الميت كما تشمل المسائل
الفرعية، كذلك تشمل نفسها في هذه المسألة فلا يمكن الرجوع إلى الميت في
نفس هذه المسألة فتأمل (مع أنه) برجوع المقلد إلى الحي في مسألة جواز البقاء على
تقليد الميت لا يبقى المجال لرجوعه أيضا فيها إلى الميت لان المسألة الواحدة لا تتحمل
تقليدين ولو مترتبين (لان) بافتاء المجتهد الحي بجواز البقاء أو وجوبه يصير المقلد
ذو حجة في البقاء على تقليد الميت في المسائل الفرعية وعالما بجوازه بالعلم التعبدي
فلا يبقى له الشك في الجواز وعدمه حتى ينتهى الامر إلى الرجوع إلى الميت في هذه
المسألة كما هو ظاهر واضح، فالمتعين حينئذ هو البقاء على تقليد الميت في جميع المسائل
الا مسألة حرمة البقاء (هذا) آخر ما أوردناه في الاجتهاد والتقليد والحمد لله اولا
وآخرا وظاهرا وباطنا وقد وقع الفراغ من تسويده على يد العبد الآثم الراجي
لعفو ربه محمد تقي النجفي البروجردي ابن عبد الكريم عفى الله عنهما في يوم الثلاثا
في الرابع من شهر صفر المظفر سنة ثلاثمائة وستين بعد الألف من الهجرة النبوية عليه
وعلى ابن عمه والأئمة من ذريته آلاف الثناء والتحية 1360 والرجاء من إخواني ان
لا ينسوني من الدعاء في حياتي وبعد مماتي.
ونسئله التوفيق لطبع الجزء الأول والثاني
269