الكتاب: نهاية الدراية في شرح الكفاية
المؤلف: الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهانى
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق: تحقيق وتصحيح وتعليق: الشيخ مهدي أحدي أمير كلائي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٧٤ ش
المطبعة: امير - قم
الناشر: انتشارات سيد الشهداء (ع) - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات:

نهاية الدراية
في شرح الكفاية
هوية الكتاب
اسم الكتاب: نهاية الدراية في شرح الكفاية ج 1
المؤلف: الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني - قدس سره -
المحقق: مهدي أحدي أمير كلائي
الناشر: انتشارات سيد الشهداء - قم - خيابان انقلاب پاساژ صاحب الزمان (عج)
ص. پ - 346 - 37185، تلفن - 741748
تنضيد الحروف بالكامبيوتر... حجت - قم - 738210
الطبع... الأولى 1374 ه‍ ش
القطع... 720 صفحة الوزيري
المطبعة... أمير - قم
الكمية... 2000 نسخة
حق چاپ محفوظ ومخصوص ناشر است *
تعريف الكتاب 1

نهاية الدراية
في شرح الكفاية
للحكيم الإلهي والفقيه الأصولي
الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني
حققه وصححه وعلق عليه الشيخ مهدي أحدي أمير كلائي
انتشارات سيد الشهداء (ع)
المجلد الأول
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله الذي نور قلوبنا بلوامع الادراك والتبيان، وأظهر جلاله بنور المعالم
المحاكم المختفي لشدة ظهوره وقصور الادراك، وجعل أبواب الحكمة والعلم
استنادا لكل طالبها، ثم الصلاة على نبيك محمد (ص) المرسل لاحتجاج الناس
بالتبليغ، وإثارة دفائن عقولهم، واحياء ميثاق فطرتهم، والأئمة صلوات الله
عليهم أجمعين الذين هم كانوا أحدا من الثقلين، وركنا من السنة، واللعن على
أعدائهم أجمعين.
اما بعد: فالأصول من العلوم التي من أهم المسائل الفروعية، ومقدمات
لاستنباط أفعال المكلفين التي كانت موضوعا لأن المسائل الأصولية وقواعدها
على اقسام أربعة: الأول: ما يثبت الحكم الشرعي بعلم وجداني وهي داخل في
مباحث الاستلزامات العقلية كمبحث مقدمة الواجب.
الثاني: ما يشتبه بعلم جعلي تعبدي وهي مباحث الحجج والامارات.
الثالث: ما يعين الوظيفة العملية الشرعية بعد اليأس عن الظفر بالقسمين
المتقدمين كالاستصحاب والبراءة والاشتغال.
الرابع: الشرعية، وهي مباحث الأصول العملية العقلية كالبراءة والاحتياطين
العقليين ومبحث الظن الانسدادي - بناء على الحكومة (1).

1. هذا اقتباس من المحاضرات ج 1 ص 8.
مقدمة المحقق 3

الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية
قال بعض المحققين من أساطين الفن أن الاحكام المستفادة من القواعد
الفقهية انما هي من باب تطبيق مضامينها بأنفسها على مصاديقها لا من باب
الاستنباط والتوسيط كقاعدة الفراغ واليد والحلية في الشبهات الموضوعية
وقاعدتي لا ضرر ولا حرج في الشبهات الحكمية، مع أن نتيجتها في الشبهات
الموضوعية نتيجة شخصية. واما القواعد الأصولية قواعد تقع في طريق استفادة
الأحكام الشرعية ولا يكون من باب التطبيق كتطبيق الطبيعي على أفراده بل من
باب الاستنباط والتوسيط (1).
وقال بعض الاعلام من أكابر العصر - ره - القواعد الأصولية قواعد آلية التي
يمكن ان تقع في كبرى استنتاج الأحكام الكلية الفرعية الإلهية أو الوظيفة العملية
فتخرج بالآلية القواعد الفقهية فان المراد بها كونها آلة محضة ولا ينظر فيها بل
ينظر فيها، والقواعد الفقهية ينظر فيها فتكون استقلالية لا آلية لأن قاعدة " ما
يضمن وما لا يضمن " حكم فرعى إلهي منظور فيها على فرض ثبوتها وقواعد
الضرر والحرج والضرر كذلك فإنها مقيدات للأحكام بنحو الحكومة فلا يكون آلية
لمعرفة حال الاحكام (2).
وقال بعض أهل النظر: أن المسائل الفقهية والقواعد الفقهية وسائر العلوم
متمايزة عن المسائل الأصولية بأمور:
أحدها: أن المسائل الأصولية تمهيد لاحتياجات الفقيه في تشخيص وظائف المكلفين.

1. محاضرات ج 1 ص 9 - 10.
(2) تهذيب الأصول ج 1 ص 11.
مقدمة المحقق 4

ثانيها: ان نتائجها احكام وظائف كلية فالبحث عن حجية الاستصحاب في
الشبهات الموضوعية وكذا البراءة والاحتياط الجاريتان فيها وما شاكلها ليست
أبحاثا أصولية لأن نتائجها احكام ووظائف شخصية.
ثالثها: انها لا تختص بباب دون باب بل يجرى في كل أبواب لها مصاديق.
واما المسائل الفقهية الباحثة عن الأحكام الخمسة المشهورة والوضعية
وماهية العبادات وهي المسائل الباحثة عن الاحكام والوظائف العملية الشرعية
وما يؤل إليها وعن موضوعاتها الشرعية (1).
تاريخ تأسيس علم أصول الفقه
لم يكن هذا العلم مدونا قبل دور الإمام الباقر (ع) بل أول من فتح بابه، وأسس
بنيانه، وبدأ مسائله، هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر محمد الباقر وبعده ابنه أبو
عبد الله الصادق (ع) وقد تدرسا فيه على جماعة من تلامذتهما قوائده ومسائله،
أول من أسبق في تدوين بعض مباحثه العالم الحكيم هشام بن الحكم - المتوفى
سنة 179 ه‍ تلميذ الإمام الصادق (ع) صنف مباحث الألفاظ ثم يونس بن
عبد الرحمن مولى آل يقطين تلميذ الإمام الكاظم موسى بن جعفر (ع) صنف
مباحث تعارض الدليلين والتعادل والتراجيح بينهما.
نعم: جمع القواعد الأصولية الشيخ الحر العاملي في كتاب " الفصول المهمة
في أصول الأئمة " وابسط السيد المرتضى - ره - بمقدار يعتنى به في كتاب
" الذريعة في علم الأصول الشريعة " وكذلك الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن
بن علي الطوسي في كتاب " العدة " ثم صار في أزمنة المتأخرين قد بلغوا النهاية

1 - القواعد الفقهية للأستاذ ناصر المكارم الشيرازي ج 1 ص 22.
مقدمة المحقق 5

بن علي الطوسي في كتاب " العدة " ثم صار في أزمنة المتأخرين قد بلغوا النهاية
وأقصوا في حد تحقيق هذا العلم ويحصون بأكابر الفن كالشيخ المرتضى
الأنصاري - ره -، والميرزا القمي - ره -، وفي قرن الأخير بلغ النهاية والذروة
العلمين الشرفين الميرزا النائيني - ره - والشيخ محمد حسين الأصفهاني وكانا من
الأجلة وصاحب المبنى في أصول الفقه، وكان آراء هما فيه مدارا للبحث
والتحقيق، ومحورا للمناقشات والنقض والابرام لأنهما أسسا القواعد وفرعا
الفروع.
والكتاب الذي بين أيدينا من ثمرات هذه المدرسة الأصولية ألقى مطالب
الأستاذ الفقيه - الأصولي - الحكيم البارع الشيخ محمد حسين الأصفهاني - ره -،
حق على أمثالنا ان يقر بالعجز في تعريف حالات المؤلف من علمه ودراسته
وعبادته بل نسمع تعاريفه من تلميذه الشيخ محمد رضا المظفر - ره - على ما نقل
وحكى عنه بحوث في الأصول لطباعة جماعة المدرسين بقم المشرفة فراجع في
مقدمة الكتاب ولهذا المحقق الكبير عدة مؤلفات منها " نهاية الدراية في شرح
الكفاية، وهو من أهم الكتب التي صنفها لأنه حاو جمع من القواعد والمباني
الجديدة مع حل مشكلات المسائل الأصولية بمباحثات عقلية كثيرة الفائدة
جدا.
وفى نهاية التعسف هذا الكتاب مخطوط بعد مضى الاعصار قد أشكل القراءة
وأثقل النظر فيه، مضافا إلى عدم وجود التحقيق والتصحيح وقد قمنا إلى
التحقيق والتصحيح وطبعه بأسلوب حديثة، قد أسهل قرائته على المتعلمين
والمعلمين لافادتهم وفى الخاتمة: ندعو من الله العزيز التوفيق لخدمة الحوزات
العلمية ورواد العلم والفضيلة.
الأحقر: مهدي أحدي أمير كلائي
مقدمة المحقق 6

" المستدرك "
قوله: حيث إن القدرة الواحدة الخ. وبهذا البيان تعرف انه لا يتوقف
الحكم بترتب الأمر المهم على عصيان الامر بالأهم على ورود خطاب يتكفل
لترتب الأمر بالمهم على عصيان الآخر عقلا وتقييد إطلاق الأمر بالمهم بما
يخرجه عن المزاحمة للأمر بالأهم كما أنه يتبين من هذا البيان ان القدرة على
الأهم والمهم فعلية ولا يتوقف فعلية القدرة على المهم على عصيان الأمر بالأهم
بل القدرة حيث إنها القوة المنبثة في العضلات فهي فعلية ومقدورية كل من
الأهم والمهم في حد ذاتها هي كونها في مرحلة القوة ما بالقوة ولا مانع من كونهما
كك انما الممنوع فعلية ما بالقوة فهما بأعمالهما في كليهما ومنه يندفع توهم
ابتناء الترتب على الطولية الاصطلاحية في الأمرين بتقريب أن المهم متوقف
على القدرة والقدرة متوقفة على عصيان الأمر بالأهم وهو متأخر عن الأمر بالأهم
فيتأخر الأمر بالمهم عن الأمر بمرتبتين فلا يتزاحمان فيورد عليه بأن عصيان الأمر
بالأهم وإطاعة الأمر بالمهم متقارنان كما في الضدين مطلقا حيث إنه لا توقف
لفعل أحدهما على عدم الآخر وكذلك لا توقف لمبادئ أحدهما على عدم
المبادئ للآخر فينهدم حينئذ أساس الترتب وجه الاندفاع ما عرفت من فعلية
القدرة وعدم توقفها على عصيان الأمر بالأهم بل أعمالها في أحدهما يزاحم
أعمالها في الاخر ومع عدم أعمالها في فعل الأهم لا مانع من أعمالها في فعل
المهم فما يتكرر في كلمات المجوزين للترتب من التعبير " الطولية " لا يراد منها إلا
مجرد الترتب الرافع للتزاحم بين فعلية الأمر بالأهم وفعلية الأمر بالمهم فافهم
وتدبر.
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه
وسيد رسله محمد صلى الله عليه وآله وعترته الطيبين
قوله: موضوع كل علم وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتية
أي بلا واسطة في العروض الخ:
تعريف الموضوع بذلك، وتفسير العرض
الذاتي بما فسره مد ظله، هو المعروف المنقول عن أهالي فن المعقول فإنه
متناسب لمحمولات قضايا العلم، دون العرض الذاتي المنتزع عن مقام الذات
فان التخصيص به بلا موجب كما هو واضح، مع أنهم صرحوا أيضا بان العارض
للشيئ بواسطة امر أخص أو أعم داخليا كان أو خارجيا عرض غريب، والأخص
والأعم واسطة في العروض، فيشكل ح بأن أغلب محمولات العلوم غارضة
لأنواع موضوعاتها فتكون أعراضا غريبة لها كما أن جل مباحث هذا العلم كما لا
يخفى.
وقد ذهب القوم في التفصي عن هذه العويصة يمينا وشمالا ولم يأت أحد
منهم بما يشفى العليل ويروى الغليل.
وأجود ما أفيد في دفع الاشكال ما افاده بعض (1) الأكابر في جملة من كتبه

1 - وهو صدر المتأهلين - ره - الشواهد الربوبية ص 20.
3

وهو أن الأعراض الذاتية للأنواع وما بمنزلتها وبما تكون أعراضا ذاتية للأجناس
وما بحكمها وربما لا تكون بل تكون غريبة عنها.
ووجهه بعض المحققين (1) لمرامه والشارحين لكلامه بأخذ الجنس لا بشرط
فاعراض أنواعه اعراضه حقيقة وبشرط لا فاعراض أنواعه غريبة عنه وهو منه
غريب إذ كون التعجب والضحك عرضا وغريبا للحيوان مبنى على اللا بشرطية
والا فيكون الحيوان مبائنا لمعروضهما ولا يكونان عارضين له أصلا إذا لمباينة
تعاند العروض بل الوجه فيه ما افاده المجيب في مواضع عديدة من كتبه وهو ان
ميزان العرض الذاتي ان لا يتوقف لحوقه لموضوع العلم على صيرورة الموضوع
نوعا متهيأ لاستعداد لقبوله لا أن لا يتوقف لحوقه على سبق اتصافه بوصف
مطلقا ولو كان سبقا ذاتيا رتبيا
توضيحه أن الموضوع في علم المعقول مثلا هو الموجود أو الوجود وهو
ينقسم أولا إلى الواجب والممكن ثم الممكن إلى الجوهر، والمقولات العرضية
ثم الجوهر إلى عقل ونفس وجسم ثم العرض كل مقولة منه إلى أنواع والكل من
مطالب ذلك العلم ومن لواحقه الذاتية مع أن ما عدا التقسيم الأول يتوقف على
تخصص الموضوع بخصوصية أو خصوصيات إلا أن جميع تلك الخصوصيات
مجعولة بجعل واحد، وموجودة بوجود فارد فليس هناك سبق في الوجود لواحد
بالإضافة إلى الاخر كي يتوقف لحوق الاخر على سبق استعداد وتهيؤ للموضوع
بلحوق ذلك الواحد المفروض تقدمه رتبة فان الموجود لا يكون ممكنا أولا ثم
يوجد له وصف الجوهرية أو العرضية، بل إمكانه بعين جوهريته وعرضيته، كما أن
جوهريته بعين العقلية أو النفسية أو الجسمية ففي الحقيقة لا واسطة في
العروض والحمل الذي هو الاتحاد في الوجود بل الامكان يتحد مع الوجود بعين
اتحاد الجوهر العقلي أو النفسي أو الجسماني في الوجود فليس هناك عروضان

1 - وهو الحكيم السبزواري - ره - في حاشيته على الشواهد الربوبية ص 410 در كون ذاتي النوع
ذات الجنس أو غريب الجنس باعتبار اخذ الجنس بالنسبة إلى النوع لا بشرط وبشرط لا.
4

حتى يكون أحدهما بالذات والاخر بالعرض، بخلاف لحوق الكتابة والضحك
للحيوان فإنه يتوقف على صيرورة الحيوان متخصصا بالنفس الإنسانية تخصصا
وجوديا حتى يعرضه الضحك والكتابة وليس الضحك والكتابة بالإضافة إلى
الإنسان كالعقلية والنفسية بالإضافة إلى الجوهر، بداهة أن إنسانية الإنسان ليست
بضاحكيته وكاتبيته نعم تجرد النفس وما يماثله مما يكون تحققه بتحقق النفس
الإنسانية من الاعراض الذاتية للحيوان كالنفس.
فان قلت: ليس مناط العروض هو العروض بحسب الوجود حتى يقال بأنه لا
تعدد للعوارض في الوجود ليلزم توسط بعضها لبعض بل مفاد الكون الرابط
المتعدد بتعدد العوارض التحليلية وحيث انها مترتبة والمفروض عدم تربتها
بما هي حيث إنه لا ترتب في الطبايع بما هي وعدم الترتب العلى والمعلولي فلا
محالة يكون الترتب بلحاظ العروض على الموضوع فلا يمكن فرض جوهرية
الموجود الأبعد فرض كونه ممكنا والا فلا ينقسم الموجود بما هو إلى الجوهر
والعرض وانما هو تقسيم للوجود الامكاني.
قلت: نعم المراد من العروض مفاد الكون الرابط الا انه كما أن العوارض
التحليلية بحسب الوجود الخارجي كونها النفسي واحد، وكونها الرابط
لموضوعها، ومعروضها واحد كذلك بحسب الفرض فان فرض امكان الموجود
فرض جوهريته وجسميته مثلا كما أن فرض البياض لموضوع فرض ثبوت اللون
والمفرقية للبصر بفرض واحد وان كان بين الجزئين، بل بين كل جزء، والكل سبق
ولحوق بالتجوهر في مرحلة الماهية، وسبق ولحوق بالطبع في مرتبة الوجود،
ومنه علم أن فرض الجوهر يستلزم، ففرض الامكان بفرضه لا بفرض قبله فتأمل
جيدا.
ومما ذكرنا تعرف ان الأعم والأخص سواء كانا داخليين أو خارجيين على
نهج واحد، فلابد من ملاحظة العارض، وعارضه من حيث اتحادهما في الوجود
5

لا إلى العارض ومعروضه الأولى، كما قال إليه بعض الأعلام (1) ممن قارب عصرنا
ره فجعل ملاك الذاتية كون العارض والمعروض الأولى متحدين في الوجود حتى
يكون العارض الثاني عارضا لكليهما، ولذا التجأ إلى الالتزام بكون الضاحك مثلا
عرضا ذاتيا للحيوان لأن معروضه " وهو الإنسان " متحد الوجود مع الحيوان، ولم
يبال بتسالم القوم على كونه عرضا غريبا للحيوان قائلا إن الاشتباه من غير
المعصوم غير عزيز وهو كما ترى.
وهذا الجواب: وان كان أجود ما في الباب الا انه وجيه بالنسبة إلى علم
المعقول وفى تطبيقه على سائر الموضوعات للعلوم لا يخلو عن تكلف فان
موضوع علم الفقه هو فعل المكلف وموضوعات مسائله الصلاة والصوم والحج
إلى غير ذلك وهذه العناوين نسبتها إلى موضوع العلم كنسبة الأنواع إلى الجنس
وهي وان كانت لواحق ذاتية له الا انه لا يبحث عن ثوبتها له، والحكم الشرعي
ليس بالإضافة إليها كالعقلية بالإضافة إلى الجوهرية بل هما موجودان متباينان
وكذا الأمر في النحو والصرف.
ويمكن الجواب عن موضوعات سائر العلوم بما محصله: أن الموضوع لعلم
الفقه ليس فعل المكلف بما هو، بل من حيث الاقتضاء والتخيير، وكذا موضوع
علم النحو ليس الكلمة والكلام بما هما، بل من حيث الأعراب والبناء،
والحيثيات المذكورة لا يمكن ان تكون عبارة عن الحيثيات اللاحقة لموضوعات
المسائل لما سيجئ (إن شاء الله تعالى) أن مبدء محمول المسألة لا يمكن ان
يكون قيدا لموضوع العلم والا لزم عروض الشئ لنفسه، بل المراد استعداد
ذات الموضوع لورود المحمول، وهذه حيثية سابقة لا لاحقة فالكلمة من حيث
الفاعلية مثلا مستعدة للحوق المرفوعية، ومن حيث المفعولية للمنصوبية،
وهكذا، وفعل المكلف من حيث الصلوتية والصومية مثلا مستعد للحوق
التكليف الاقتضائي أو التخييري والا فنفس الاقتضائية والتخييرية لا يمكن ان

1 - بدائع الأفكار للمحقق الرشتي - ره - ص 28.
6

يكون قيدا لموضوع العلم ولا لموضوع المسألة كما عرفت
إذا عرفت ذلك تعرف أن فعل المكلف المتحيث بالحيثيات المتقدمة عنوان
انتزاعي من الصلاة والصوم وغيرهما لا انه كلي يتخصص في مراتب تنزله
بخصوصيات تكون واسطة في عروض لواحقه له ومن الواضح ان المحمولات
الطلبية والإباحية تحمل على معنون هذا العنوان الانتزاعي بلا توسط شئ
اللحوق والصدق.
ومما ذكرنا تعرف ان الأمر في موضوعات سائر العلوم أهون من موضوع علم
الحكمة حيث لا تخصص لموضوعاتها من قبل موضوعات مسائلها أصلا
بخلاف موضوع علم الحكمة فلذا لا يتوقف دفع الأشكال عنها على مؤنة إثبات
اتحاد العارض لموضوع العلم مع العارض لموضوع المسألة على نحو ما عرفته
في موضوع علم الحكمة هذا.
والتحقيق أن الالتزام بعدم الواسطة في العروض من رأس من باب لزوم مالا
يلزم، والسر فيه أن حقيقة كل علم عبارة عن مجموع قضايا متفرقة يجمعها
الاشتراك في ترتب غرض خاص، ونفس تلك القضايا مسائل العلم، ومن الواضح
أن محمولات هذه المسائل أعراض ذاتية لموضوعاتها، وبهذا يتم أمر العلم، ولا
يبحث عن ثبوت شئ للموضوع الجامع دائما في نفس العلم فلا ملزم بما ذكروا
من كون محمولات القضايا أعراضا ذاتية للموضوع الجامع.
نعم ربما يبحث عن ثبوت شئ للموضوع الجامع أحيانا ولذا قالوا إن
موضوع المسألة تارة يكون عين موضوع العلم، وأخرى نوعا منه الا انه في مثله
يكون المبحوث عنه عرضا ذاتيا له كسائر المسائل لكنهم لما أرادوا أن يكون
الطالب للعلم على بصيرة من أمره من أول امره انتزعوا جامعا قريبا من
موضوعات مسائله كالكلمة والكلام في النحو مثلا، ليكون مميزا له عن غيره من
العلوم والا فما يترتب عليه غرض مخترع العلم ومدونه نفس مجموع القضايا
المشتركة في ترتب الغرض المهم، فاللازم أن تصدق محمولات القضايا على
7

موضوع العلم صدقا حقيقيا بلا مجاز، لا أن تكون الأعراض أعراضا ذاتية بالمعنى
المصطلح، بل بحيث لا يرى اللاحق لاحقا لغيره وان كان بالنظر الدقيق ذا واسطة
في العروض.
وبعبارة أخرى يكون الوصف وصفا له بحال نفسه لا بحال متعلقه بالنظر
العرفي المسامحي فافهم وأغتنم.
ثم اعلم إن جعل الموضوع بحيث تكون أعراض موضوعات المسائل
أعراضا له لا يتوقف على جعل الكلى بنحو الماهية المهملة عن حيثية الإطلاق
واللا بشرطية نظرا إلى أنه لو لوحظ بنحو الإطلاق لا يكون بما هو مطلق معروضا
لحكم من الأحكام بخلاف الماهية المهملة، فإنها متحدة مع الفرد فيعرضها ما
يعرضه، وأنت خبير بأن اللا بشرط القسمي وان كان بحسب التغيير في ظرف
اللحاظ مغايرا لبشرط شئ الا ان ملاحظة الماهية مطلقة ليس لأجل دخل
الإطلاق في موضوعيته، بل لتسرية حكم الماهية إلى افرادها كما هو كذلك في
" أعتق رقبة " والألم تصدق الرقبة المطلقة بما هي على فرد من الرقبة، مضافا إلى أنه
لابد من ذلك والا فالمهملة في قوة الجزئية فلا موجب لاندراج جميع
موضوعات المسائل تحتها ولا ملزم بعروض أعراضها عليها.
وأما ما ربما يقال أيضا من أن ملاحظة الكلى بنحو السريان يوجب أن يكون
نسبته إلى موضوعات المسائل نسبته الكل إلى أجزائه، وأعراض أجزائه أعراضه
كما في علم الطب فإنه يبحث فيه عن أعراض أجزاء البدن.
فمدفوع بان الكلى الساري واحد وجودا وماهية لا أنه عبارة عن مجموع
وجودات الكلى بما هي متكثرة، والا فلا سريان فإنه فرع الوحدة غاية الأمر أن
قطع النظر عن الكثرات والحاظ نفس الطبيعة التي هي واحدة ذاتا، وإضافة وجود
واحد إليها يوجب ان يكون كل واحد من الكثرات متشعبا منه تشعب الفرد من
الكلى لا الجزء من الكل ولذا لم يتوهم أحد أن الحصة جزء الكلى بأي لحاظ كان،
بل مما يصدق عليها الكلى وملاحظة الطبيعة وسارية مساوقة لملاحظتها
8

لا بشرط قسميا لا مقسميا، وان كان اعتبار السريان اعتبار بشرط شئ فإنه
لإضافات بينه وبين كل لا بشرط فتدبر.
قوله: فلذا قد يتداخل بعض العلوم الخ: وجه الترتب أن امتياز مسائل
علم عن مسائل علم اخر لو كان بنفسها لما صح التداخل، حيث لا اثنينية،
بخلاف لو ما كان الامتياز بالغرض الذي لأجله دون العلم فان الاثنينية محفوظة
والامتياز ثابت ويصح التداخل، والغرض من هذا البيان دفع الاشكال على جعل
علم الأصول علما برأسه (1) بتوهم اشتراك مسائله مع مسائل سائر العلوم
سيجئ إن شاء الله تحقيقه.
قوله: مضافا إلى بعد ذلك مع امتناعه عادة الخ: كون العلمين مشتركين
في تمام المسائل إلى جملة من العلوم غير بعيد بل لعل الامر كذلك بالإضافة إلى
جل مباحث علم الأصول، ومع ترتب الغرض على تدوينها قهرا وان لم يكن
المدون بصدده لا يبقى مجال لتدوين علم الأصول فإنه تحصيل للحاصل،
والالتزام بالاستطراد في جل المسائل باطل، وقد ذكرنا وجه التفصي عن
الأشكال في أوائل مسألة اجتماع الأمر والنهي فراجع.

1 - كتب المحشى هنا في الحاشية العلمان ان كان موضوعهما متباينين بالذات كانا متباينين وان
كان موضوع أحدهما أعم كالطبيعي بالإضافة إلى الطب كانا متداخلين وان كان موضوعهما متشاركين
في امر ذاتي أو عرضي كانا متناسبين وعليه فدخلوا مسألة واحدة في علمين انما يكون من تداخل
العلمين إذا كان موضوع أحدهما أعم وبحسبه كان موضوع المسألة مندرجا تحته كاندراج موضوع العلم
الأخص بل حقيقة التداخل في المسائل اندراج موضوع المسألة تحت موضوع مسألة أخرى كما في
تداخل العلمين من حيث الموضوع وأما إذا كان باعتبار تشارك موضوع العلمين في ذاتي ينطبق على
موضوع المسألة أو عرضي كذلك كانطباقهما على موضوعي العلمين فليس من باب تداخل العملين بل
من باب التناسب هذا بحسب الاصطلاح ولعل المراد هنا غيره على غير الاصطلاح مضافا إلى أن
الامتياز ثابت ولو لم يتعدد الغرض فان المتحد هي المسألة لا العلم والمركب الاعتباري في كل منهما
مباين للمركب الاعتباري في الاخر والاعتبار بالعلمية بالمجموع لا بالمسألة فتدبر (منه عفى عنه).
9

واما امتناعه عادة فلعل الوجه فيه إما ان القضايا المتحدة موضوعا ومحمولا
لا يترتب عليها غرضان متلازمان، للزوم تأثير الواحد أثر من متباينين، أو لأن
العلوم المدونة متكفلة لأية جهة كانت، ولا شئ من العلوم بحيث يترتب عليه
غرضان، فالبحث عن جهة أخرى مجرد فرض يمتنع وقوعه عادة حيث إنه لا
مجال لجهة غير تلك الجهات المبحوث عنها إلا أن الوجه الأول غير تام كما
سيجيئ انشاء الله، وعلى فرض التمامية فهو امتناع عقلي، والوجه الثاني
يناسب الامتناع العادي إلا أن عهدته على مدعيه، فإن الجهات المبحوث عنها
وان كانت مستوفات فلا جهة أخرى إلا أن فروعها غير مستوفات، فلعله يمكن
فرض جهة أخرى تكون من جزئيات إحدى تلك الجهات فتدبر.
" تمايز العلوم "
قوله: وقد انقدح بما ذكرنا ان تمايز العلوم انما هو باختلاف
الأغراض الخ: المشهور أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ولو بالحيثيات،
بمعنى أن موضوعي العلمين قد يتغايران بالذات وقد يتغايران بالاعتبار وليس
الغرض من تحيث الموضوع كالكلمة والكلام بحيثية الأعراب والبناء في النحو،
وبحيثية الصحة والاعتلال في الصرف ان تكون الحيثيات المزبورة حيثية تقييدية
لموضوع العلم، إذ مبد محمول المسألة لا يعقل أن يكون حيثية تقييدية
لموضوعها ولا لموضوع العلم، والا لزم عروض الشئ لنفسه، ولا يجدى جعل
التحيث داخلا والحيثية خارجة لوضوح أن التحيث والتقيد لا يكونان الا
بملاحظة الحيثية والقيد فيعود المحذور (1)، بل الغرض من أخذ الحيثيات كما
عن جملة من المحققين من أهل المعقول هو حيثية استعدادات الموضوع
لورود المحمول عليه مثلا الموضوع في الطبيعيات هو الجسم الطبيعي لا من

1 - وهو عروض الشئ لنفسه.
10

حيث الحركة والسكون، كيف ويبحث عنهما فيها، بل من حيث استعداده
لورودهما عليه لمكان اعتبار الهيولى فيه، وفى النحو والصرف الموضوع هي
الكلمة مثلا من حيث الفاعلية المصححة لورود الرفع عليها، ومن حيث
المفعولية المعدة لورود النصب عليها، أو من حيث هيئة كذا المصححة، أو
الاعتلال عليها، وجميع هذه الحيثيات سابقة لا لاحقة بالإضافة إلى الحركات
الأعرابية والبنائية ونحوهما واما ما عن بعض المدققين من المعاصرين (1) من أن
الموضع في النحو هو المعرب والمبنى، وفى الصرف هو الصحيح والمعتل،
(فقد عرفت ما فيه) فان المعرب بما هو معرب لا يعقل ان تعرض عليه الحركات
الأعرابية وهكذا.
وهذا (2) هو المشهور في تمايز العلوم، وقد يشكل كما في المتن بلزوم كون
كل باب من أبواب علم واحد بل كل مسألة منه علما برأسه لتمايز موضوعاتها،
ولا يندفع بما في الفصول من جعل الحيثية، فهذا البحث وهي عند التحقيق
عنوان اجمالي للمسائل التي تقرير في العلم انتهى. إذا مراده على البحث معناه
المفعولي لا المصدري ومن المسائل محمولات قضايا العلم لا نفس القضايا، والا
فلا معنى محصل له فيرجع الأمر إلى أن تمايز العلوم إما بتمايز الموضوعات أو
بتمايز المحمولات الجامعة لمحمولات العلم، فيرد عليه عين ما أورد على جعل
التمايز بتمايز الموضوعات من لزوم كون كل باب بل كل مسألة علما على حده
لتغاير محمولاتها ولذا جعل دام ظله ملال التعدد والوحدة تعدد الغرض ووحدته
مع أنك قد عرفت الأشكال عليه في الحاشية السابقة بالنسبة إلى فن الأصول.
والتحقيق ان العلم عبارة عن مركب اعتباري من قضايا متعددة يجمعها كما
عرفت سابقا فلا ينافي كون معرفة باب وامتيازه عن باب اخر كذلك، كما أن كون

1 - وهو الشيخ هادي بن المولى محمد أمين الطهراني النجفي، له تصنيف في أصول الفقه
المسمى " بمحجة العلماء ".
2 - أي ان لتمايز العلوم بتمايز الموضوعات.
11

وحدة الموضوع الجامع موجبة لوحدة القضايا ذاتا في قبال الوحدة العرضية
الناشئة من وحدة الفرض حيث إنه خارج عن ذات القضية، لا ينافي كون وحدة
الموضوع في الأبواب موجبة لوحدة قضايا الباب ذاتا لكن تسمية بعض
المركبات الاعتبارية علما، دون مركب اعتبارية علما، دون مركب اعتباري آخر
كباب من علم واحد بملاحظة تعدد الغرض ووحدته فقولهم " تمايز العلوم بتمايز
الموضوعات " إنما هو في مقام امتياز مركب اعتباري عن مركب اعتباري اخر في
مقام التعريف، كما أن تعدد الغرض ووحدته انما هو في مقام افراد مركب
اعتباري وعن غيره، وجعله فنا وعلما برأسه، دون مركب اعتباري اخر كباب
واحد من علم واحد ومن الواضح أن فن الأصول بنفسه يمتاز عن سائر الفنون
لامتياز كل مركب عن مركب آخر بنفسه وبموضوعهما الجامع في مقام التعريف
للجاهل لكن كون المجموع فنا واحدا دون فنون متعددة لوحدة الغرض.
ومنه أظهر أن تعدد الغرض إنما يوجب تعدد العلم في مورد قابل كمركبيتن
اعتباريتين لا مركب واحد، بل يمكن أن يقال بناء على هذا القول في كون
محمولات القضايا اعراضا ذاتية للموضوع ما محصله، أن الموضوع الجامع كما
هو معرف للعلم وموجب لوحدة القضايا ذاتا كذلك موجب لكونها فنا واحدا
منفردا عن غيره من الفنون، إذ ليس مناط موضوعية الموضوع مجرد جامعيته
لجملة من الموضوعات، بل بحيث لا يندرج تحت جامع آخر تكون محمولات
القضايا أعراضا ذاتية له، فخرج بهذا القيد موضوعات الأبواب لاندراجها تحت
جامع تكون المحمولات أعراضا ذاتية له، ودخل به موضوعا العلمين لعدم
اندراجهما تحت جامع كذلك وان اندراجا تحت جامع مطلق كعلمي النحو
والصرف، فان موضوعهما وإن اندرجا تحت الكيف المسموع لكن محمولات
قضايا العلمين ليست اعراضا ذاتية للكيف المسموع بل للكلمة والكلام بمالهما
من الحيثية المتقدمة فافهم واستقم.
قوله: كمالا يكون وحدتهما سببا لان يكون من الواحد الخ: كبابين
12

من علمين إذا كانا متحدي الموضوع والمحمول فان هذه الوحدة لا تجعل البابين
من علم واحد لتعدد الغرض الموجب لاندراجهما في علمين والا فالمركب
الاعتباري المترتب عليه غرضان لا يصح ان يدون علمين ويسمى باسمين كما
صرح مد ظله به، وفى قوله (من الواحد) إشارة إلى أن فرض الكلام ما ذكرنا فلا
تغفل.
" موضوع الأصول "
قوله: ثم انه بما لا يكون لموضوع العلم وهو الكلى الخ: قد عرفت
سابقا ان العلم عبارة عن مجموع قضايا متشتتة يجمعها الاشتراك في غرض
خاص دون لأجله علم مخصوص فلا محالة ينتهى الامر إلى جهة جامعة بين تلك
القضايا موضوعا ومحمولا، والموضوع الجامع لموضوعات القضايا، موضوع
العلم، والمحمول الجامع لمحمولاتها محموله، وقد عرفت سابقا أيضا أن امر
العلم يتم بتدوين جملة من القضايا المتحدة في الغرض ولا يتوقف حقيقته على
تعيين حقيقة الموضوع الا انه لا برهان على اقتضاء وحدة الغرض لوحدة القضايا
موضوعا ومحمولا، إلا أن الأمور المتباينة لا تؤثر أثرا واحدا بالسنخ، وأن وحدة
الموضوع أو وحدة المحمول تقتضي وحدة الجزء الاخر، مع أن البرهان المزبور
لا يجرى الا في الواحد بالحقيقة لا الواحد بالعنوان وما نحن فيه من قبيل الثاني،
بداهة أن صون اللسان عن الخطاء في المقال في علم النحو مثلا ليس واحدا
بالحقيقة والذات بل بالعنوان فلا يكشف عن جهة وحدة ذاتية حقيقية كما أن
اقتضاء القضايا للغرض واقتضاء الموضوعات لمحمولاتها ليس على حد اقتضاء
المتقضي اقتضاء الشرط لمشروطة، حيث إن المريد للتكلم على طبق القانون
لا يتمكن منه الا بمعرفته له، فمعرضة القانون شرط في تأثير الإرادة في التكلم
على طبق القانون. وفى الثانية من قبيل اقتضاء الغاية الداعية لما تدعوا إليه
13

فاقتضاء الصلاة لوجوبها باعتبار ما فيها من الغاية الداعية إليها فلا يكون الوجوب
اثرا للصلاة ليكشف وحدة الوجوب في الصوم والصلاة عن وحدتهما.
مضافا إلى فائدة التعيين أن يكون الطالب على بصيرة من امره من أول الامر
فعدم كون الجامع غير معلوم الاسم والعنوان، مع كونه محققا بالبرهان وان لم
يوجب عدم كون العلم بلا موضوع، أو عدم وحدة الفن إلا أن القائدة المترقبة من
الموضوع لا تكاد توجد إلا إذا كان معلوم الاسم والعنوان، ولا يكفي العلم
بوجوده بحسب البرهان، وجعل الموضوع لعلم الأصول خصوص الأدلة الأربعة
وان لم يكن فيه مخدور من حيث عدم وحدة الفن لانحفاظ وحدته بوحدة
الغرض لكن إذا جعل الموضوع أعم منها كي يعم الظن الانسدادي على الكشف
بل على الحكومة الشهرة والأصول العلمية من العقلية والشرعية إلى غير ذلك من
دون جامع يعبر به عنها فانتفاء الفائدة واضح.
قوله: فان كان البحث عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة
الخ: ارجاع البحث إلى ما ذكروا ان كان غير صحيح كما سيتضح انشاء الله إلا أنه
يمكن دفع الإيراد المزبور بدعوى ان المراد وساطة الخبر ثبوتا أو اثباتا، ضرورة
ان الغرض ليس الحكم بثبوت السنة خارجا بل ثبوتها بالخبر، ووساطة الخبر اثباتا
أو ثبوتا لا ينافي الفراغ عن ثبوت السنة.
اما وساطة الخبر إثباتا فمعنى ذلك انكشاف السنة بالخبر كما تنكشف
بالمحفوف بالقرنية وبالتواتر وأين التصديق بانكشاف شئ بشئ من التصديق
بثبوت الشئ، وما هو اللازم في الهلية المركبة هو الثاني دون الأول بداهة أن
انكشاف شئ بشئ من التصديق بثبوت الشئ وما هو اللازم في الهلية
المركبة هو الثاني دون الأول، بداهة ان انكشاف شئ بشئ لا ينافي الفراغ عن
ثبوته وانكشاف السنة المفروغ عن ثبوتها من لواحقها وعوارضها بعد ثبوتها من
لواحقها وعوارضها بعد ثبوتها.
واما وساطة الخبر ثبوتا فمرجعها إلى معلولية السنة للخبر، ومن البين أن
14

الكلام في معلولية شئ لشئ وكونه ذا مبدء لا ينافي في الفراغ عن أصل تحققه
وثبوته، ألا ترى أن الموضوع في علم الحكمة هو الوجود أو الموجود مع أن
البحث عن كونه ذا مبدء من أهم مسائله وأعظم مقاصده فالبحث عن معلومية
السنة بشئ يكون ذلك الشئ واسطة في ثبوتها واقعا بحث عن ثبوت شئ
لها لا عن ثبوتها فاتضح ان إرادة الثبوت الواقعي على أي تقدير لا تنافى كون
البحث عنه من المسائل.
نعم أصل ثبوت السنة بالخبر وكون الخبر واسطة في ثبوتها أو اثباتها واقعا غير
معقول إذ ليس الخبر واقعا في سلسلة علل السنة بل يستحيل وقوعه في سلسلة
عللها لان حكاية الشئ متفرعة عليه فلا يعقل ان تكون من مباديه فيستحيل
وساطة الخبر ثبوتا كما أن الخبر بما هو خبر يحتمل الصدق الكذب فلا يعقل
انكشاف السنة به واقعا فيستحيل وساطة الخبر اثباتا فإرادة الثبوت الواقعي بأي
معنى كان غير معقولة لا أن البحث عن ثبوتها بشئ ليس من المسائل فافهم جيدا.
قوله: نعم لكنه مما لا يعرض السنة بل الخبر الحاكي لها الخ: يمكن
أن يقال إن حجية الخبر على المشهور وان كان مرجعها إلى إنشاء الحكم على
طبق الخبر وهو من عوارضه إلا أنه بعناية أنه وجود تنزيلي للسنة وهذا المعنى
كما أن له مساسا بالخبر كذلك بالسنة، فحاصل البحث إثبات وجود تنزيلي
للسنة، وبهذا الاعتبار يقول بثبوت السنة تعبدا، والا فالحكم على طبق المحكى
له ثبوت تحقيقي لا تعبدي، وكونه عين التعبد لا يقتضى أن يكون تعبديا بل هو
كنفس الحكى له ثبوت تحقيقي فتأمل وربما يتخيل إمكان جعل الموضوع نفس
السنة الواقعية بالبحث عن تنجزها بالخبر لكنه كالثبوت التعبدي إشكالا وجوابا،
من حيث إن المنجزية وهي صفة جعلية قد اعتبرت في الخبر فهي من حيثيات
الخبر لا من حيثيات السنة الواقعية، ومن حيث إن المنجزية والمتنجزية
متضائفان، فجعل الخبر منجزا يلازم جعل السنة متنجزة به فيصح البحث عن كل
15

منهما بل الثبوت التعبدي أكثر مساسا بالسنة من التنجز حيث إن اعتبار الثبوت هو
اعتبار كون الخبر وجود السنة فيكون بالإضافة إلى السنة كالوجود بالنسبة إلى
الماهية بخلاف التنجز فإنه وصف زائد على السنة مجعول تبعا بجعل المنجزية
للخبر استقلالا فهو أشد ارتباطا بالخبر من السنة فتدبر جيدا.
قوله: المراد من السنة ما يعم حكايتها الخ: بأن يراد من السنة الواقعة
في كلماتهم طبيعي السنة بوجودها العيني أو الحكائي، فان الشئ له أنحاء من
الوجود بالذات والعرض ومنها وجودها في الحكاية أو أن يراد الأعم بغير ذلك.
قوله: الا ان البحث عن غير واحد من مسائلها كمباحث الألفاظ الخ:
ان كان الغرض كما هو ظاهر سياق الكلام أعمية موضوعات المباحث المزبورة
من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، فيمكن دفعه بأن قرينة المقام شاهدة على
إرادة خصوص ما ورد في الكتاب والسنة، وان كان الغرض أن عوارض هذه
الموضوعات الخاصة تلحقها بواسطة أمر أعم وهو كون صيغة " إفعل " مثلا من
دون دخل لورودها في الكتاب والسنة، فالأشكال في محله.
ولا يندفع بان البحث ليس باعتبار نفس الأمر الأعم بل بلحاظ اندارج الأخص
تحته، وذلك لأن هذا الاعتبار إن لم يكن دخيلا في عروض العارض لم يكن
لحاظه مخرجا له عن كونه عرضا غريبا كما أن الالتزام يكون موضوع العلم أعم
من الأدلة بالمعنى الأعم، مع قيام الغرض بخصوصها بلا وجه، وهو من القضايا
التي قياساتها معها، كما لا يندفع الاشكال بما ذكرناه في تصحيح العارض لأمر
أخص أو أعم من أن مجرد الصدق بلا تجوز عرفا كاف في كون العرض ذاتيا، ولا
بتوقف على عدم الواسطة في العروض حقيقة ودقة، وذلك لأنا وإن قلنا بعدم
اعتبار كون العرض ذاتيا لموضوع العلم حقيقة الا أنه لا بد من كونه عرضا ذاتيا
لموضوع المسألة عقلا، ومع تخصيص موضوع المسألة بحيثية الورود في
الكتاب والسنة حتى لا يلزم اشكال اندراج الأعم تحت الأخص يلزم كون العرض
غريبا عن موضوع المسألة، ومنه تبين عدم المناص عن أحد المحاذير الثلاثة إما
16

لزوم اندراج الأعم تحت الأخص لو أبقينا موضوع العلم على خصوصه وموضوع
المسألة وإما لزوم أخصية الفرض إذا عممنا موضوع العلم بحيث يعم
موضوعات مسائله العامة، ولا يخفى أن عدم الإلتزام بموضوع جامع يدفع
المحذورين الأولين دون الأخير كما هو واضح.
قوله: وجملة من غيرها الخ: كالمسائل الأصولية العقلية فان الملازمة بين وجوب شئ ووجوب مقدمته مثلا لا اختصاص لها بالوجوب الشرعي ولا بما
يقع في طريق الاستنباط والدليل العقلي الواقع موضوعا للعلم هي القضية العقلية
التي يتوصل بها إلى الحكم الشرعي دون الأعم مع أن العقل يحكم بالملازمة لا
من هذه الحيثية.
" تعريف الأصول "
قوله: ويؤيد ذلك تعريف الأصول الخ: وجه التأييد ظاهر حيث لم يقيد
القواعد الممهدة بكونها باحثة عن الأدلة لأربط له بكون القواعد عن أدلتها غير
مناف لذلك، كما يتخيل، إذ كون المستنبط منه هي الأدلة لا ربط له بكون القواعد
باحثة عن الأدلة.
قوله: وان كان الأولى تعريفه بأنه صناعة يعرف بها القواعد الخ
الأولوية من وجوه:
منها: تبديل تخصيص القواعد بكونها واسطة في الاستنباط كما عن القوم
بتعميمها لما لا تقع في طريق الاستنباط بل ينتهى إليه الامر في مقام العلم، وجه
الأولية: أن لازم التخصيص خروج جملة من المسائل المدونة في الأصول عن
كونها كذلك، ولزوم كونها استطرادية مثل الظن الانسدادي على الحكومة لأنه لا
ينتهى إلى حكم شرعي بل ظن به ابدا وانما يستحق العقاب على مخالفته عقلا
كالقطع، ومثل الأصول العملية في الشبهات الحكمية فان مضامينها بأنفسها
17

احكام شرعية لا أنها واسطة في استنباطها في الشرعية. منها، وأما العقلية فلا
تنتهي إلى حكم شرعي أبدا، فهذه المسائل بين ما تكون مضامينها أحكاما
شرعية وبين ما لا ينتهى إلى حكم شرعي وجامعها عدم امكان وقوعها في طريق
الاستنباط، وما يرى من إعمال الأصول الشرعية في الموارد الخاصة إنما هو من
باب التطبيق لا التوسيط.
بل يمكن الأشكال في جل مسائل الأصول فإن الأمارات الغير العلمية سندا
أو دلالة يتطرق فيها هذا الأشكال وهو ان مرجع حجيتها إما إلى الحكم الشرعي
أو غير منته إليه ابدا أو على أي تقدير ليس فيها توسيط للاستنباط.
توضيحه: أن مفاد دليل اعتبار الأمارات الغير العلمية سندا كخبر الواحد إما
إنشاء احكام مماثلة لما أخبر به العادل من إيجاب أو تحريم فنتيجة البحث عن
حجيتها حكم شرعي أو جعلها منجزة للواقع بحيث يستحق العقاب على
مخالفتها للواقع فحينئذ لا ينتهي إلى حكم شرعي أصلا ومفاد دليل اعتبار الأمارة
الغير العلمية دلالة كظواهر الألفاظ كذلك بل يتعين فنها الوجه الثاني، فإن دليل
حجية الظواهر بناء العقلاء، ومن البين أن بنائهم في اتباعها على مجرد الكاشفية
والطريقية، فالظاهر حجة عندهم أي مما يصح للمولى أن يؤاخذ به عبده على
مخالفته لمراده لا ان هناك حكما من العقلاء مماثلا لما دل عليه ظاهر اللفظ حتى
يكون إمضاء الشارع أيضا كذلك.
وأما مباحث الألفاظ فهي وإن كانت نتائجها غير مربوطة ابتداء بهذا المعنى
لكن جعل تلك النتائج (1) في طريق الاستنباط لا يكاد يكون الا بتوسط حجية
الظهور وقد عرفت حالها فلا ينتهى الأمر من هذه الجهة إلى حكم شرعي ابدا فلا
مناص من التوسعة والتعميم بحيث يعم موضوع فن الأصول ما يمكن أن يقع في
طريق الاستنباط وما ينتهى إليه أمر المجتهد في مقام العمل، والغرض يوجب

1 - وليس هذه المباحث بالإضافة إلى حجية الظاهر بناء على انها انشاء حكم مماثل واسطة في
الاستنباط لأنها مثبتة لموضوعه لا انها واسطة في استنباط من دليله فتدبر (منه).
18

تعدد العلم في المورد القابل حيث إن القواعد التي ينتفع بها في مقام الاستنباط
غير القواعد التي ينتهى إليها الامر في مقام العمل بل بان يجعل الفرض أعم من
الغرضين ليرتفع التعدد من البين لئلا يلزم كون فن الأصول علمين إلا أن يوجه
مباحث الأمارات الغير العلمية، بناء على إنشاء الحكم المماثل بأن الأمر بتصديق
العادل مثلا ليس عين وجوب ما أخبر بوجود العادل بل لازمه ذلك كما أن حرمة
نقض اليقين بالشك ليست عين وجوب ما أيقن بوجوبه سابقا. بل لازم ذلك،
والمبحوث عنه في الأصول بيان هذا المعنى الذي لازمه الحكم المماثل واللازم
والملزوم متنافيان، وهذا القدر كاف في التوسيط في مرحلة الاستنباط.
بل يمكن التوجيه بناء على كون الحجية بمعنى تنجيز الواقع بدعوى أن
الاستنباط لا يتوقف على إحراز الحكم الشرعي بل يكفي الحاجة عليه في
استنباط إذ ليس حقيقة الاستنباط والاجتهاد إلا تحصيل الحجة على الحكم
الشرعي، ومن الواضح دخل حجية الأمارات بأي معنى كان في إقامة الحجة على
حكم العلم في علم الفقه، وعليه فعلم الأصول ما يبحث فيه عن القواعد
الممهدة لتحصيل الحجة على الحكم الشرعي من دون لزوم التعميم إلا بالإضافة
إلى ما لا بأس بخروجه كالبرائة الشرعية التي معناها حلية مشكوك الحرمة
والحلية لا ملزومها ولا المعذر عن الحرمة الواقعية.
واما الإلتزام بالتعميم على ما في المتن ففيه محذوران.
أحدهما: لزوم فرض غرض جامع بين الفرضين لئلا يكون فن الأصول فنين.
ثانيهما: أن مباحث حجية الخبر وأمثاله ليست مما يرجع إليها بعد الفحص
واليأس عن الدليل على حكم العلم، إذ لا يناط حجية الأمارات بالفحص واليأس
عن الدليل القطعي على حكم الواقعة نظير حلية المشكوك، حيث إنها لا يرجع
إليها إلا بعد الفحص واليأس عن الدليل على حرمة شرب التتن، وأما جعلها
مرجعا من دون تقييد بالفحص واليأس فيدخل فيها جميع القواعد العامة الفقهية،
فإنها المرجع في جزئياتها كما لا يخفى.
19

ثم لا يخفى عليك أن الإلتزام بأعمية الغرض إنما يجدى بالإضافة إلى ما لا
يقع في طريق الاستنباط، وكان ينتهى إليه الأمر في مقام العمل إلا بالنسبة إلى ما
كان بنفسه حكما مستنبطا من غير مرجعية للمجتهد بعد الفحص واليأس عن
الحجية على حكم العمل فإنه داخل في القواعد الفقهية الباحثة عن عوارض
أفعال المكلفين واختصاصها أحيانا مستنبطة بل من حيث إن تطبيق القواعد
الكلية على مواردها موقوف على الخبرة بالتطبيق.
قوله: في الشبهات الحكمية الخ: لأنها القابلة للمرجعية بعد الفحص
واليأس عن الدليل دون الجارية في الشبهة الموضوعية فان مفادها حكم عملي
محض وحال المجتهد فيها والمقلد على السوية.
" تعريف الوضع "
قوله الوضع هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص الخ:
لا ريب في إرتباط اللفظ بالمعنى واختصاصه به، وإنما الاشكال في حقيقة هذا
الاختصاص والارتباط وانه معنى مقول أو أمر اعتباري.
وتحقيق الكلام فيه أن حقيقة العلقة الوضعية لا تعقل أن تكون من المقولات
الواقعية لا ماله مطابق في الأعيان، ولا ما كان من حيثيات ماله مطابق في الأعيان
لأن المقولات الفرضية سواء كانت ذات مطابق في الخارج أو ذات منشأ لانتزاعها
واقعاع مما تحتاج إلى موضوع محقق في الخارج، بداهة لزومه في العرض، مع أن
طرفي الاختصاص والارتباط وهما اللفظ والمعنى ليس كذلك فان الموضوع
والموضوع له طبيعي اللفظ والمعنى دون الموجود منهما فان طبيعي لفظ [الماء]
موضوع لطبيعي ذلك الجسم السيال، وهذا الارتباط ثابت حقيقة ولم يتلفظ
بلفاظ [الماء] ولم يوجد مفهومه في ذهن أحد.
ومنه يظهر أنه ليس من الأمور الاعتبارية الذهنية لأن معروضها ذهني بخلاف
20

الاختصاص الوضعي فإن معروضه نفس الطبيعي لا بما هو موجود ذهنا كالكلية
والجزئية والنوعية والجنسية، ولا بما هو موجود خارجا كالمقولات العرضية
فتدبر.
وتوهم أن صيغة [وضعت] منشأ للانتزاع فقد وجد الاختصاص والارتباط
بوجود المنشأ نظير ثبوت الملكية مثلا بالعقد والمعاطات.
مدفوع: بأن الأمر الانتزاعي مما يحمل العنوان المأخوذ منه على منشئه،
والحال أن الاختصاص والارتباط بنحو الاشتقاق لا يحملان على صيغة
[وضعت] كما لا يحمل (الملك) بالمعنى الفاعلي يحمل على (المالك)
وبالمعنى المفعولي يحمل على (المملوك) فلا وجه لدعوى أن الانشاء في
(الملك) وفى الوضع وغيرهما منشأ الانتزاع.
ومما يشهد لما ذكرنا من عدم كون الاختصاص معنى مقوليا أن المقولات
أمور واقعية لا تختلف باختلاف الأنظار ولا تتفاوت بتفاوت الاعتبار، مع أنه لا
يرتاب أحد في أن طائفة يرون الارتباط بين لفظ خاص ومعنى مخصوص ولا
يرونه بينهما طائفة أخرى بل يرون بين لفظ اخر وذلك المعنى.
ومما يؤكد ذلك أيضا أن المقولات الحقيقة أجناس عاليه للماهيات ولا
تصدق المقولة صدقا خارجيا إلا إذا تحققت تلك الماهية في الخارج وقد
عرفت أن وجود معنى مقولي لا يكون إلا إذا كان له مطابق فيه أو كان حيثية
وجودية لما كان له مطابق فيه ويسمى بالأمر الانزاعي، ومن الواضح آن مفهوم
الاختصاص بعد عمل الوضع لم يوجد له مطابق في الخارج ولم يختلف اللفظ
والمعنى حالهما بل هما على ما كانا عليه من الذاتيات والأعراض، وما لم ينضم
إلى اللفظ مثلا حيثية عينية لا يعقل الحكم بوجود الاختصاص فيه وقيامه عينا به
قيام العرض بموضوعه.
فان قلت: لا ريب في صدق حد مقولة الإضافة على الملكية (1)

1 - هذا باعتبار الملكية بالمعنى الفاعلي والمفعولي واما نفس المبدء فقد أوضحنا حاله في
مبحث الأحكام الوضعية من الاستصحاب من الجزء الثاني من الكتاب / عفى عنه)
21

والاختصاص ونحوهما من النسبة المتكررة.
قلت: فرق بين كون المفهوم من المفاهيم الإضافية وبين صدق حد مقولة
الإضافة على شئ والمسلم هو الأول، والنافع للخصم هو الثاني، ومن الواضح
أن كون المفهوم من المفاهيم الإضافية لا يستدعى وجود مطابق له في الخارج
بحيث يصدق عليه حد المقولة، والشئ لا يعقل أن يكون فردا من المقولة
ومصداقا لها إلا إذا وجد في الخارج على نحو ما يقتضيه طبع تلك المقولة ألا
ترى صدق العالمية والقادرية على تعالى مع تقدس وجوده عن الاندراج في
العرض والعرضي لمنافات الفروض مع وجوب الوجود بل تلك الإضافات
إضافات عنوانية لا إضافات مقولية، فكذا الملكية والاختصاص، فان مفهومهما
من المفاهيم الإضافية المتشابهة الأطراف بحيث لو وجدا في الخارج حقيقة كانا
من حيثيات حاله مطابق في الأعيان.
فالتحقيق (1) في أمثال هذه المفاهيم أنها غير موجودة في المقام وأشباهه
بوجودها الحقيقي بل بوجودها الاعتباري بمعنى أن الشارع أو العرف أو طائفة
خاصة يعتبرون هذا المعنى لشئ أو لشخص لمصلحة دعتهم إلى ذلك ما في
التنزيلات والحقيقة الادعائية، أما نفس الاعتبار فهو أمر واقعي قائم بالمعتبر، وأما
المعنى المعتبر فهو على حد مفهوميته وطبيعته ولم يوجد بمعنى صيرورته طرفا
لاعتبار المعتبر فينسب إليه الوجود، فالموجب والقابل مثلا ما لكان، والعوضان
مملوكان في عالم اعتبار الشارع أو العرف لا في الخارج مع قطع النظر عن
اعتبارهما.
ثم إن هذا المعنى قد يكون من الأمور التسبيبية، فبتسبب المتعاقدان
بالإيجاب والقبول للذين جعلهما الشارع سببا يتوصل به إلى اعتبار الشارع
للملكية، فالمكية توجد بوجودها الاعتباري من الشارع بالمباشرة ومن

1 - وتفصيل القول فيه في مقدمة الواجب في البحث عن الشرط المتأخر عنه).
22

المتعاقدين بالتسبيب، وقد لا يكون المعنى المعتبر تسبيبا كالاختصاص الوصفي
فإنه لا حاجة في وجوده إلا إلى اعتبار من الواضع، ومن الواضح أن اعتبار كل
معتبر قائم به بالمباشرة لا بالتسبيب كي يتسبيب إلى اعتبار نفسه بقوله [وضعت]
ونحو، فتخصيص الواضع ليس إلا اعتباره الارتباط والاختصاص من لفظ خاص
ومعنى خاص.
ثم إنه لا شبهة في اتحاد حيثية دلالة اللفظ على معناه وكونه بحيث ينتقل من
سماعه إلى معناه مع حيثيته دلالة سائر الدوال كالعلم المنصوب على رأس
الفرسخ، فإنه أيضا ينتقل من النظر إليه إلى أن هذا الموضع رأس الفرسخ، غاية
الامر أن الوضع فيه حقيقي، وفى اللفظ اعتباري، بمعنى أن كون العلم موضوعا
على رأس الفرسخ خارجي ليس باعتبار معتبر بخلاف اللفظ فإنه كأنه وضع على
المعنى ليكون علامة عليه فشأن الواضع اعتبار وضع لفظ خاص على معنى
خاص.
ومنه ظهر أن الاختصاص والارتباط من لوازم الوضع لاعينه وحيث عرفت
اتحاد حيثية دلالة اللفظ مع حيثية دلالة سائر الدوال تعرف أنه لا حاجة إلى
الالتزام بأن حقيقة الوضع " تعهد ذكر اللفظ عند إرادة تفهيم المعنى " كما عن
بعض أجلة العصر (1)، فإنك قد عرفت أن كيفية الدلالة والانتقال في اللفظ وسائر
الدوال على نهج واحد بلا اشكال فهل ترى تعهدا من ناصب العلم على رأس
الفرسخ بل ليس هناك إلا وضعه عليه بداعي الانتقال من رؤيته إليه فكذلك فيما
نحن فيه، غاية الأمران الوضع هناك حقيقي وهنا اعتباري ولا يخفى عليك أن من
يجعل الوضع عبارة عن التعهد لا بداعي انه عين الإرادة المقومة لتفهيم المعنى
الا بنفس هذه الإرادة بل المراد من التعهد هو الالتزام والبناء الكلى على ذكر

1 - وهو العلامة الآخواند ملا على النجفي النهاوندي في كتاب " تشريح الأصول " ص 30: هكذا
منقوش في ظهر المجلد المخطوط. كان - ره - تلميذ العلامة الأنصاري سنين، ودفن في وادي السلام
بمقبرة خاصة ومنع من الدفن في الصحن الشريف لاشتداد الوباء.
23

اللفظ عند إرادة تفهيم المعنى به في مرحلة الاستعمال، وتلك الإرادة
الاستعمالية وإن كانت تتوقف على سبق العلم بالوضع من المخاطب إلا أن هذا
التوقف ليس من خصوصيات التعهد، بل الوضع بأي معنى كان لابد فيه من العلم
به في مرحلة انفهام المعنى من اللفظ، فالإرادة المفهمة المقومة للاستعمال وإن
كانت توقف على سبق الوضع والعلم به إلا ان ذلك التعهد والالتزام غير موقوف
على كون اللفظ منفهما فعلا حيث إنه لم تتعلق الإرادة الفعلية بالتفهيم به فالتعهد
المعبر عنه في كلام مدعيه بالإرادة الكلية قد تعلق بأمر مقدور في موطنه وان كان
التعهد والعلم به دخيلا في امكانه فتدبر جيدا.
قوله: وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني الخ: وأما
على ذكرنا من أن حقيقة الوضع اعتبار الواضع فلا جامع بينهما بل الوضع التعيني
يشترك مع التعييني في نتيجة الأمر، إذ كما أن اعتبار الواضع يوجب الملازمة بين
اللفظ والمعنى من حيث الانتقال من سماع اللفظ إلى المعنى كذلك كثرة
الاستعمال توجب استيناس أذهان أهل المحاورة بالانتقال من سماع اللفظ إلى
المعنى فلا حاجة إلى دعوى اعتبار أهل المحاورة على حد اعتبار الواضع فإنه
لغو بعد حصول النتيجة.
قوله: الملحوظ حال الوضع اما يكون الخ: لا يخفى عليك أن الغرض
من الملحوظ حال الوضع ما لابد من لحاظه حيث إن العلقة الوضعية نسبته بين
طرفيها فلابد من ملاحظة طرفيها إما بالكنه والحقيقة أو بالوجه والعنوان، ومنه
يظهر فساد القسم الرابع لان الوضع للكلي لا يحتاج إلا إلى ملاحظته بخلاف
الوضع للأفراد الغير المتناهية فان لحاظ الغير المتناهي غير معقول فلابد من
لحاظها بجامع يجمع شتاتها، ويشتمل متفرقاتها وهو الكلى المنطبق عليها، فان
لحاظها (1) بالوجه لحاظها بوجه فما افاده بعض الأعلام قده من مقولية القسم

1 - المراد ملاحظة الكلى بما هو كلي كما في المحصورة لا نفس الطبيعي ولو مهملة ومن البديهي
ان لحاظ مالا يمتنع صدقه على كثيرين ليس لحاظ الكثيرين بل لابد من أن يكون بحيث يصدق
فعلا على الكثيرين حتى يكون لحاظه لحاظ الكثيرين فتدبر (منه).
24

الرابع نظرا إلى أنه كالمنصوص العلة فان الموضوع للحكم فيه شخصي ومع ذلك
يسرى إلى كل ما فيه العلة، وكذلك إذا وضع لفظ لمعنى باعتبار ما فيه من فائدة
فان الوضع يسرى إلى كل ما فيه تلك الفائدة فيكون الموضوع له عاما مع كون آلة
الملاحظة خاصا.
مدفوع: بأن اللحاظ الذي لابد منه ولا مناص عنه في الوضع للكلي لحاظ
نفسه ولحاظ الفرد من حيث فرديته، أو الحاظ الكلى الموجودية لا دخل له
بلحاظ الكلى بما هو كلي.
وربما يتخيل انقسام الوضع العام والموضوع له العام إلى قسمين، نظرا إلى أن
الواضع ربما يلاحظ المعنى العام مستقلا فيضع اللفظ بإزائه وربما يلاحظ المعنى
المنتزع عن الجهة المشتركة بين الأفراد الذهنية فيضع اللفظ بمراتبة العنوان
المنتزع لمنشئه وهي الجهة المشتركة بين الأفراد الذهنية لبداهة أن الأفراد
الذهنية كالأفراد الخارجية ذات جهة جامعة مشتركة لكل فرد منها حصة متقرة
في مرتبة ذاتها، ويترتب على هذا القسم من الوضع ان إفادة الجهة المشتركة
بنفس الدال عليها غير ممكن لأن الإيجاد الذهني للطبيعة كالخارجي بايجاد
فردها، فالخصوصية المفردة لابد من إحضارها بما يدل عليها حتى يعقل إحضار
الجهة المشتركة باحضارها.
وهو تخيل فاسد: من حيث المبنى والبناء، أما من حيث المبنى: فان
الموجودات خارجية كانت أو ذهنية ليس فيها بما هي موجدات جهة واحدة
مشتركة إلا بناء على وجود الطبيعي بوجود واحد عددي يتوارد على
المشخصات، وهو بديهي البطلان، فاعتبار الاشتراك والكلية ليس للمعنى بما هو
هو لأن الماهية في حد ذاتها غير واحدة إلا لذاتها وذاتياتها، ولا لها بما هي
موجودة خارجا أو ذهنا، إذ هي بهذا القيد شخصي لا كلي ولا جزئي فان مقسمهما
المعنى لا الموجود بما هو موجود بل الكلية والاشتراك من اعتبارات الماهية
25

حين كونها في الذهن فإذا كان النظر مقصورا عليها ولوحظت مضافة إلى الأفراد
الخارجية والذهنية، وكانت غير آبية عن الصدق عليها يقال إنها جهة جامعة
مشتركة، فالمنتزع عن الأفراد هي الجهة المشتركة وهي واحدة بوحدة طبيعية لا
بوحدة وجودية عددية، وصحة انتزاع هذا الواحد من كل واحد من الموجودات
هو معنى وجود الطبيعي بالعرض في الخارج بناء على أصالة الوجود وهو معنى
ان الطبيعي كالآباء بالإضافة إلى الأثناء في قبال القائل بأنه واحد عددي فإنه
كالأب الواحد والمشخصات كالأبناء.
أما من حيث البناء فلان مفرد الجامع في الذهن هو الوجود الذهني فايجاده
في الذهن باللفظ عين تفريده وجعله فردا، والمفروض عدم الاختصاص في
المفردات ومنها وجوده في ذهن المخاطب فافهم ولا تغفل.
" التحقيق في المعنى الحرفي "
قوله فقد توهم أنه وضع الحروف وما الحق بها من الأسماء الخ:
تحقيق المقام يتوقف على تحقيق المعاني الحرفية والمفهومات الأدوية وبيان
المراد من عدم استقلالها والمفهومية، فنقول الذي ينساق إليه النظر الدقيق بعد
الفحص والتدقيق أن المعنى الحرفي والأسمى متباينان بالذات، لا اشتراك لهما
في طبيعي معنى واحد، والبرهان على ذلك هو ان الاسم والحرف لو كانا متحد
في المعنى، وكان الفرق بمجرد اللحاظ الاستقلالي والآلي لكان طبيعي المعنى
الوحداني قابلا لأن يوجد في الخارج على نحوين كما يوجد في الذهن على
طورين مع أن الحر في كأنحاء النسب والروابط لا يوجد في الخارج إلا على نحو
واحد وهو الوجود لا في نفسه، ولا يعقل أن توجد المعنى النسبة في الخارج
بوجود نفسي (1) فان القائل لهذا النحو من الوجود ما كان له مهية تامة ملحوظة في

1 - والا لم يكن ثبوت شئ لشئ بل ثبوت أشياء ثلاثة فتحتاج إلى رابطة أخرى (منه).
26

العقل كالجواهر والأعراض غاية الأمر أن الجوهر يوجد في نفسه لنفسه، والعرض
يوجد في نفسه لغيره، والصحيح تنظيرهما بالوجود المحمولي فالوجود الرابط لا
الرابطي كما لا يخفى على العارف بالاصطلاح المرسوم في تقسيم الوجود
فراجع.
وبالجملة لا شبهة في أن النسبة لا يعقل ان توجد في الخارج إلا بوجود رابط
لا في نفسه، مع أن طبيعي معناها لو كان قابلا لللحاظ الاستقلالي، وإلا كان في
تلك الحال ماهية تامة في اللحاظ، ومثلها إذا كان قابلا للوجود العيني كان قابلا
للوجود في نفسه مع أن وجوده في نفسه عين وجوده لغيره فكون النسبة حقيقة
أمرا قائما بالمنتسبين لو لم يكن نقصان في حد ذاتها لم يكن مانعا عن وجودها في
نفسها، مع أن من البديهي أن حقيقة النسبة لا توجد في الخارج إلا بتبع وجود
المنتسبين من دون نفسية واستقلال أصلا، فهي متقومة في ذاتها بالمنتسبين، لا
في وجودها فقط بخلاف العرض، فان ذاته غير متقومة بموضوعه بل لزوم القيام
بموضوعه ذاتي وجوده فان وجوده في نفسه وجوده لموضوعه، وإذا كانت
النسبة بذاتها وحقيقتها متقومة بالطرفين فلا محالة يستحيل اختلافها باختلاف
الوجودين من الذهن والعين، ومنه ظهر ان الأمر كذلك في جميع أنحاء النسب
سواء كان بمعنى " ثبوت شئ لشئ " كما في الوجود الرابط المختص بمفاد
الهليات المركبة الإيجابية وبمعنى كون. هذا ذاك الثابت حتى في مفاد الهلية
البسيطة وهو " ثبوت الشئ " أو كان من النسب الخاصة المقومة للأعراض
النسبية ككون الشئ في المكان أو في الزمان أو غير ذلك.
فان قلت: إذا لم يكن بين الاسم والحرف قد جامع فما المحكى عنه بلفظ
الربط والنسبة والظرفية وأشباهها من المعاني الأسمية.
قلت: ليس المحكى عنه (1) بتلك الألفاظ إلا مفاهيم وعناوين لا حقيقة الربط

1 - وبالجملة المعاني على قسمين بالإضافة إلى ما في الخارج فتارة من قبيل الطبيعي وفرده
فالجامع بين الموجود الذهني والخارج متحقق وأخرى من قبيل العنوان والمعنون والعنوان لا
يتعدى عن مرحلة الذهن وهو غير المعنون ذاتا ووجودا (منه).
27

والنسبة كما في لفظ العدم فإنه لا يحكى إلا عن عنوان موجود في ظرف الذهن لا
عما هو بالحمل الشايع عدم، وليس العدم كالماهية يوجد بنحوين من الوجود بل
وكذلك الأمر في لفظ الوجود بناء على أصالة الوجود، فان حقيقة الوجود ليست
كالماهية حتى توجد، تارة في الذهن، وأخرى في العين.
وبالجملة مفاهيم هذه الألفاظ ما هو ربط ونسبة وعدم ووجود بالحمل الأولى
لا بالحمل الشايع، وإلا فهي غير ربط ولا نسبة بالحمل الشايع، وما هو ربط ونسبة
بالحمل الشايع، نفس ذلك الأمر المتقوم بالمنتسبين المحكى عنه بالأدوات
والحروف، وأما الظرفية والاستعلاء والابتداء فهي معان اسمية، وليس معنونها
معنى حرفيا بل كلمة (في) مثلا معنى رابطة للظرف والمظروف، وكلمة (على)
رابطة للمستعلي والمستعلى عليه، وكلمة (من) رابطة للمبتدء به والمبتدء من
عنده وهكذا لا أن الظرفية مشتركة مع أداتها في معنى، أو أحدهما (1) عنوان
والاخر معنون، كمفهوم الرابطة ومصداقها فتدبره فإنه حقيق به.
وما ذكرناه في تحقيق المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية هو الذي صرح به
أهل التحقيق والأكابر ومن أهل فن المعقول نعم بعض المعاني الأسمية ربما
يكون آلة لتعقل حال الغير، وحينئذ يكون كالمعنى الحرفي في عدم الاستقلال
في القصد واللحاظ، فيتخيل أن مجرد عدم الاستقلال في اللحاظ ملاك الحرفية
ومناط الأدوية مثلا الامكان والوجوب والامتناع معان اسمية، إلا أنا إذا حكمنا
على الإنسان بالامكان فالمحكوم به معنون هذا العنوان لأنفسه، فمفهوم الامكان
مع كونه بحسب الاستعمال ملحوظا بالاستقلال مقصود بالتبع، وكالآلة للقوة
العاقلة يتعرف بها حال الإنسان، فهو ملحوظ بالاستقلال في مرتبة الاستعمال
وملحوظ إلى في مرحلة الحكم فيكون كالمعنى الحرفي وقد يلاحظ الامكان

1 - لان الظرفية مثلا مفهوم إضافي مستقل باللحاظ له نحو من الوجود في الخارج كسائر أنحاء
مقولة الإضافة فليس كالنسبة الحقيقة التي لا استقلال ولا نفسية لوجودها الحقيقي (منه).
28

بماله من العنوان وهو ليس من أحوال الماهيات الإمكانية حقيقة، بل هو موجود
من الموجودات الذهنية، فحقيقة الامكان لها وجود رابط للإنسان، وعنوان له
وجود محمولي رابطي، حيث إنه موجود في الذهن والعرض وجود في نفسه
وجوده لموضوعه وهو معنى كونه رابطيا.
واما حقيقة المعنى الحرفي والمفهوم الأدوي، هو ما كان في حد ذاته غير
استقلالي بأي وجود فرض، فعدم استقلاله باللحاظ كعدم استقلاله في الوجود
العيني من جهة نقصان ذاته عن قبول الوجود النفسي في أي وعاء كان، لا أن
اتصافه بعدم الاستقلال بلحاظ اللحاظ حتى يكون الوصف المذكور وصفا له
بحال متعلقه لا بحال نفسه، وتفاوت المعاني ليس أمرا مستنكرا، والوجود مبرز
ومظهر لما هي عليه، لا أن المعنى في حد ذاته كسائر المعاني ويعرضه الالية
والاستقلال في مرحلة اللحاظ والاستعمال.
فان قلت: ما برهنت عليه وركنت إليه من أن النسبة غير قابلة للوجود النفسي
غيره مسلم، كيف والأعراض النسبية كمقولة [الأين ومتى والوضع] وأشباهه من
أنحاء النسب مع أنها موجودات في نفسها وان كان وجودها لموضوعاتها.
قلت: التحقيق كما عليه أهله أن الأعراض النسبية ليست نفس النسب بل
هيئات وألوان خاصة، ذات نسبة، فمقولة (الأين) ليست نسبة الشئ في المكان
بلا الهيئة القائمة بالكائن في المكان، غاية الامر أن الأعراض النسبية أضعف
وجودها في الخارج ليس إلا كون الشئ في الخارج بحيث إذا عقل عقل شئ
اخر معه إلا أن هذه الحيثية زائدة على نفس الشئ، إذ ذات الأب له وجود غير
متحيث بتلك الحيثية، وله وجود متحيث بالحيثية، ومنشأ هذا التفاوت ليس إلا
والاستقلال في مرحلة اللحاظ والاستعمال.
فان قلت: ما برهنت عليه وركنت إليه من أن النسبة غير قابلة للوجود النفسي
غيره مسلم، كيف والأعراض النسبية كمقولة [الأين ومتى والوضع] وأشباهه من
أنحاء النسب مع أنها موجودات في نفسها وان كان وجودها لموضوعاتها.
29

قلت: التحقيق كما عليه أهله أن الأعراض النسبية ليست نفس النسب بل
هيئات وألوان خاصة، ذات نسبة، فمقولة (الأين) ليست نسبة الشئ في المكان
بلا الهيئة القائمة بالكائن في المكان، غاية الامر أن الأعراض النسبية أضعف
وجودها في الخارج ليس إلا كون الشئ في الخارج بحيث إذا عقل عقل شئ
اخر معه إلا أن هذه الحيثية زائدة على نفس الشئ، إذا ذات الأب له وجود غير
متحيث بتلك الحيثية، وله وجود متحيث بالحيثية، ومنشأ هذا التفاوت ليس إلا
امر وجودي.
وأما النسب والروابط الصرفة فوجوداتها أضعف جميع مراتب الوجود حيث
لا يمكن وجودها لا في الخارج ولا في الذهن من حيث هي هي مع قطع النظر
عن الطرفين، فلذا لا نتدرج تحت مقولة من المقولات لأن المقولة لابد من
أن
تكون طبيعة محمولة.
إذا عرفت ما حققناه في حقيقة المعنى الحرفي تعرف أنه لا يعقل الوضع لها
من حيث هي هي، إلا بتوسط العناوين الأسمية كالابتداء الآلي ونحوها، وميزان
" عموم الوضع وخصوص الموضوع له " ليس الوضع للجزئيات الحقيقة حتى
يورد علينا بان مجرد الوضع لحقيقة الابتداء النسبي بتوسط عنوان الابتداء الآلي
لا يوجب خصوص الموضوع له لبقاء المعنون على كليته وشموله الذاتي، بل
الميزان في العموم والخصوص أن نسبة الموضوع له، والملحوظ حال الوضع إن
كانت نسبة الاتحاد والعينية، كما إذا لاحظ أمرا عاما وخاصا، فوضع اللفظ بإزاء
نفس ذلك الملحوظ ما هو ابتداء آلى بالحمل الأولى، والموضوع له ما هو ابتداء
نسبي بالحمل الشايع فلا محالة يكون نسبة الموضوع له إلى الملحوظ حال
الوضع نسبة الأخص إلى الأعم، وسره أن أنحاء النسب ليس لها جامع ذاتي بل
جامع عنواني، وهذا شأن كل امر تعلقي في حد ذاته.
لا يقال: الابتداء النسبي الملحوظ بتبع لحاظ طرفيه يصدق على الابتدائات
الخاصة النسبية الخارجية، فهي كلي ذاتي يصدق على أفراده.
30

لأنا نقول: قد عرفت سابقا أن الابتداء معنى اسمي من مقولة الإضافة وما هو
معنى حرفي هو نسبة المبتدء به بالمبتدء منه، كما أن الظرفية والمظروفية أيضا
كذلك، ونسبة الكون في المكان المقومة لمقولة الأين، تارة، ولمقولة الإضافة
أخرى من معنى حرفي، ونسبة شئ إلى شئ ليست شيئا من الأشياء، ولا
مطابق لها في الخارج بل ثبوتها الخارجي على حد ثبوت المقبول بثبوت القابل
على نهج القوة لا الفعل، وهكذا ثبوتها الذهني فلا ثبوت فعلى للنسبة إلا هكذا،
وهي دائما متقومة بطرفين خاصين بحيث لو لوحظ ثانيا كان ثبوتا فعليا آخر
للنسبة، فلا ثبوت فعلى للنسب خارجا حتى كون النسبة الذهنية بالإضافة إليها
كالطبيعي بالإضافة إلى أفراده، وإن كانت النسبة الذهنية تطابق النسبة الخارجية
فان المطابقة متحقق بين جزئين وهي غير الصدق.
وأما مفهوم النسبة فقد عرفت سابقا أن نسبتها إلى النسب الحقيقية نسبة
العنوان إلى المعنون فتدبر جيدا.
قوله: وذلك لأن الخصوصية المتوهمة إن كانت الخ: حاصله أن
الماهية مقولية كانت أو اعتبارية في حد ذاتها كلية، وصيرورتها جزئية لا يكون إلا
بالوجود، سواء كان عينيا حقيقيا أو ذهنيا ظليا إذا التشخص كما حقق في محله
بالوجود فان أريد بالجزئي ما هو جزئي عيني، ففيه أن المستعمل فيه ربما كان
كليا كما في قولك " سر من البصرة إلى الكوفة " إن أريد بالجزئي ما هو جزئي
ذهني حيث إن الوجود في الذهن وإن كان في حد ذاته ومفهومه كليا إلا أنه
بحسب وجوده الذهني جزئي ذهني، حيث إن الوجود في الذهن وإن كان في
حد ذاته ومفهومه كليا إلا أنه بحسب وجوده الذهني جزئي إذا التشخص،
بالوجود بل هو عين التشخص ففيه أن هذا الوجود المأخوذ في الموضوع له أو
المستعمل فيه إن كان نفس اللحاظ المقوم للاستعمال، فاستعمال اللفظ فيما هو
جزئي بهذا المعنى محال إذا المفروض أنه مقوم للاستعمال فكيف يعقل لاخذه
فيما هو مقدم عليه طبعا، وإن كان أعم كي يعم لحاظا اخر فالمستعمل فيه أمر
31

عقلي لا موطن له إلا في الذهن فانطباقه على الخارج إنشاء أو إخبارا محال فلابد
من التجوز الدائمي بالغاء الخصوصية فبلغوا لوضع المتخصص بهذه
الخصوصية، مضافا إلى أن الجزئية على أي تقدير بنفس اللحاظ لا بآلية كي
يختص بالحروف، فالمخصص للوضع للملحوظ بما هو ملحوظ في الحروف
دون الأسماء.
والجواب: ما أسمعناك في الحاشية المتقدمة من أن أنحاء النسب الحقيقة في
حد ذاتها مع قطع النظر عن أحد الوجودين من الذهن أو العين تعليقية، ولا يعقل
انسلاخها عن هذا الشأن والوجود ذهنيا كان أو عينيا، مبرز لأحكامها ومظهر
لأحوالها، لا أن النسبية والتعليقية بأحد الوجودين كي لا يكون فرق بين الاسم
والحرف في حد ذات المعنى، وحيث إن ذات النسبة تعليقية فلا جامع ذاتي بين
أنحائها لأن الغاء التعلق منها إخراج لها عن النسبية فلابد من الوضع لأنحائها
بجامع عنواني يجمع شتاتها بل تلاحظ به، وحيث إن النسبة بين عنوان النسبة
الكذائية ومعنوناتها نسبة الأعم والأخص كان الوضع عاما والموضوع له خاصا (1)
من دون لزوم الالتزام بالجزئية الحقيقية، عينية كانت أو ذهنية فإنه من باب لزوم
مالا يلزم فافهم واستقم.
قوله: ولذا التجأ بعض الفحول إلى جعله جزيئا إضافيا الخ: قد
عرفت وجهه وأن ميزان العموم والخصوص مجرد كون النسبة نسبة الأخص،
وإلى الأعم لا نسبة الكلى والفرد فلا تغفل.
قوله: ويكون حاله كحال العرض الخ: قد عرفت أن الأنسب تنظيره

1 - وليس حقيقة النسبة الكلية بمعنى الصدق على كثيرين فان الصدق والحمل شأن المعاني المستقلة
باللحاظ كما انها ليست بجزئية بمعنى ما يأبى الصدق على الكثيرين نعم الكلية بمعنى قبولها لوجودات
مقولة فان المقدار الذي ساق إليه البرهان عدم الاستقلال والنفسية من حيث التقوم بالمنتسبين لا زيادة
على ذلك فالنسبة المتقومة بالسير والبصرة يمكن ان يكون لها وجودات حقيقة ومع ذلك لا جامع ذاتي
لها إذ الجامع الذاتي بالغاء خصوصية الطرفين لا بالغاء الوجود الذهني والخارجي كما لا يخفى على من
لاحظ ميزان الكلية والجزئية في المفاهيم دون الجزئية والتعين والتشخص الذي لا يكون الا بنفس
الوجود (منه).
32

بالوجود الرابط لا العرض الذي هو وجود محمولي رابطي، ذلك لأن العرض
موجود في نفسه إلا أنه لغيره في قبال الجوهر حيث إنه موجود في نفسه لنفسه
وأنحاء النسب الحقيقية لا نفسية لها أصلا خارجا ولا ذهنا، فالمعنى الحرفي ليس
موجودا ذهنيا قائما بموجود ذهني آخر بل ذاته وحقيقته متقومة بمتعلقة.
قوله: ما دل على معنى في غيره الخ: أي على معنى هو في حد ذاته في
غيره لا انه موجود في غيره فان النسبة في حد ذاتها متقومة بغيرها لا في وجودها
كالعرض في الجوهر فلا دلالة لهذه العبارة المعروفة على كون المعنى الحرفي
بحسب وجوده الذهني موجودا قائما بموجود آخر كالعرض في الجوهر خارجا،
وأما جعله آلة وحالة في غيره فبملاحظة أن وقوع السير مبتدء به، والبصرة مبتدء
من عندها بلحاظه، مضافا إلى البصرة، فالإضافة المزبورة آلة لتعرف حال السير
والبصرة من حيث المبتدئية بالمعنيين، وحيث أن نفس الإضافة متقومة بهما فهي
حالة للغير وبهذين الوجهين، تارة يقال إن الحرف ما أوجد معنى في غيره فإنه
بلحاظ الالية المزبورة، وأخرى يقال ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولافعل، فإنه
باعتبار كون اللفظ بالوضع حاكيا عن الإضافة المزبورة فلا تنافى بين الكلامين
المنسوبين إلى الرواية كمالا موجب لجعلهما بلحاظ موردين من موارد
استعمالهما.
قوله: الفرق بينهما إنما هو باختصاص كل منهما بوضع الخ: محصله
ان العلقة الوضعية في كل منهما على نهج خاص، لتقيدها في أحدهما بماذا أريد
منه المعنى استقلاليا وفى الاخر بماذا أريد آليا، فاستعمال الأول في مورد الثاني
استعمال في مالا علقة وضعية له لكنه لا يذهب عليك أن لحاظ المعنى أو إرادته
من شؤون المعنى وأحواله، ووصف الاختصاص الوضعي بهما من باب الوصف بحال متعلقه لا بحال نفسه وقيدية شئ لشئ وصيرورته مكثرا له لا تكون
جزافا، ومن يلتزم باتحاد المعنى ذاتا في الاسم والحرف لا مناص له عن الالتزام
بامتياز كل منهما بما هو من شؤونهما بأن يقال إن الحرف مثلا موضوع للمعنى
33

الذي يتعلق به اللحاظ الآلي والإرادة التبعية، فهو إشارة إلى ذات المعنى الخاص
وإن كانت الخصوصية غير مقومة إلا أن المعنى في غير هذه الحال إلا أن المعين
حينئذ بالإضافة إلى الملحوظ حال الوضع كالحصة بالإضافة إلى الكلى، فيكون
الوضع عاما والموضوع له عاما أيضا مع التحفظ على ما يوجب امتيازه عن
الموجودات الذهنية بالاستقلال فإنه لا يكون إلا بالإشارة إلى الموجودات
بالعرض التي لا جامع لها إلا نفس المعنى الذي كان النظر مقصورا على نفسه
فتدبر جيدا.
" التحقيق حول الخبر والانشاء "
قوله: ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف في الخبر والانشاء الخ: أما أن
الأخبار والانشاء من شؤون الاستعمال وما كان كذلك لا يعقل دخله في
المستعمل فيه فواضح جدا.
وأما وحدة المستعمل فيه في الجمل الخبرية والانشائية ففيه تفصيل:
أما الجمل المتحدة لفظا وهيئة نحو " بعت " الأخباري والانشائي فالمستعمل
فيه نفس نسبة إيجاد المضمون إلى المتكلم وهذه النسبة الايجادية الواقعة بين
المضمون أعني المادة، والمتكلم قد يقصد الحكاية عنها وقد لا يقصد الحكاية
عنها بل يقصد ثبوتها على نحو سيأتي الكلام فيه انشاء الله.
وأما مثل صيغة إفعل وأشباهها مما لا اشتراك له لفظا وهيئة مع جملة خبرية
فالمستعمل فيه كل من الخبر والانشاء غير المستعمل فيه الاخر، وذلك لأن
صيغة " إضرب " مثلا مفادها بعث المخاطب نحو الضرب لكن لا بما هو بعث
ملحوظ بذاته بل بما هو نسبة بين المتكلم والمخاطب والمادة، فكما أن الشخص
إذا حرك غيره خارجا نحو القيام أو القعود تحريكا خارجيا لا يكون الملحوظ في
حال تحريكه إلا المادة من المخاطب ونفس تحريكه غير ملحوظ ولا مقصود
34

بالذات، فكذلك صيغة إفعل موضوعة بإزاء هذا البعث الغير الملحوظ استقلالا،
ولذا مثل هذه النية لا خارج لها يطابقها بل حالها حال تحريك الخارجي الذي هو
فعل من الأفعال وكونه نسبة بين الأطراف بملاحظة عدم لحاظ نفسه كما
أسمعناك سابقا من أن بعض المعاني الأسمية ربما يكون كالآلة لتعرف حال غيره
فيكون كالمعنى الحرفي.
وأما في الجملة الخبرية المتضمنة لمضمون البعث والتحريك كقولك " أبعثك
نحو الضرب " أو " أحركك نحوه " إذا أريد الأخبار فمن الواضح أن مضمون الهيئة
ليس نفس البعث حتى يقال إن البعث معنى واحد والتفاوت باللحاظ الغير
المقوم للمستعمل فيه بل مضمون الهيئة كما هو واضح نسبة البعث إلى المتكلم
نسبة صدورية، وكم فرق بين نسبة البعث والبعث الواقع نسبة فتدبره فإنه دقيق
وبه حقيق.
" في وضع المبهمات "
قوله: حيث إن أسماء الإشارة وضعت ليشار بها الخ: كما هو ظاهر كلام
النحويين وقال ابن مالك [بذا لمفرد مذكر أشر] وعليه فالتشخص الناشئ من قبل
الإشارة التي هي نحو استعمال اللفظ في معناه لا يعقل أن يكون موجبا لتشخص
المستعمل فيه إلا أن التحقيق ان وجود اللفظ دائما وجود بالذات الطبيعة الكيف
المسموع، ووجود بالعرض للمعنى المستعمل فيه فقولك [هذا] إن كان وجودا
لفظيا لنفس المفرد الذكر فاستعماله فيه إيجاد المفرد المذكر خارجا بوجوده
الجعلي اللفظي فمن أين الإشارة حينئذ وإن كان وجودا لفظيا للمفرد المشار إليه
بنفس اللفظ ضمن الواضح أن اللفظ لا يعقل أن يصير بالاستعمال الذي هو نحو
من الايجاد وجودا للمشار إليه بنفس اللفظ وان كان وجودا لفظيا لالة الإشارة، فهو
وجود بالعرض لآلة الإشارة لا للمعنى المشار إليه، وليست الإشارة كاللحاظ
35

والقصد المقوم للاستعمال بل لو اعتبرت لاعتبرت جعلا وبالمواضعة فيجرى
فيها ما ذكرناه من الشقوق المتقدمة.
بل التحقيق أن أسماء الإشارة والضمائر موضوعه لنفس المعنى عند تعلق
الإشارة به خارجا أو ذهنا بنحو من الأنحاء فقولك [هذا] لا يصدق على [زيد]
مثلا إلا إذا صار مشارا إليه باليد أو بالعين مثلا فالفرق بين مفهوم لفظ المشار إليه
ولفظ هذا هو الفرق بين العنوان والحقيقة نظير الفرق بين لفظ الربط والنسبة،
ولفظ [من وفى] وغيرهما، وحينئذ فعموم الموضوع له لا وجه له بل الوضع
حينئذ عام والموضوع له خاص كما عرفت في الحروف.
قوله: بيان ذلك أنه إن أعتبر دلالته الخ: بيانه أن في مثل الكلام المزبور
إما أن يفرض الدلالة على شئ والحكاية عنه فيلزم المحذور الأول إذ لا مدلول
وراء نفسه ولا محكى غير شخصه، ووصفا الدال والمدلول من الأوصاف
المتقابلة، واتصاف الواحد بوصفين متقابلين محال، وإما أن لا يفرض الدلالة
والحكاية بل كان حال موضوع القضية حال سائر الأفعال الخارجية والانشاءات
الفعلية فيلزم المحذور الثاني إذا المفروض عدم الموضوع لحقيقة القضية
الواقعية قبالا للقضية اللفظية، وإنما هناك بحسب الاعتبار محمول ونسبة مع أن
قيام النسبة بطرف واحد محال فهذان محذوران على فرضين وتقديرين.
" في صحة إطلاق اللفظ وإرادة شخصه "
قوله: يمكن أن يقال يكفي تعدد الدال والمدلول اعتبارا الخ:
حاصلة أن الصدور والمرادية حيثيتان واقعيتان موجودتان في الكلام المفروض
فلم يلزم اتصاف الواحد بما هو واحد بوصفين متقابلين بل التحقيق أن
المفهومين المتضائفين ليسا متقابلين مطلقا، بل التقابل في قسم خاص من
التضائف، وهو ما إذا كان بين المتضائفين تعاند وتناف في الوجود كالعلية
36

والمعلولية مما قضى البرهان بامتناع اجتماعهما في وجود واحد لا في مثل
العالمية والمعلومية والمحبية والمحبوبية فإنهما يجتمعان في الواحد غير ذي
الجهات كما لا يخفى، والحاكي والمحكي والدال والمدلول كاد (1) أن يكون من
قبيل القسم الثاني حيث لا برهان على امتناع حكاية الشئ عن نفسه هذا.
ويمكن الخدشة في الجواب المزبور عن المحذور المذكور بأن إرادة شخص
نفسه هنا على حد الإرادة المتعلقة بسائر الافعال الخارجية لا دخل لها بالإرادة
المدلول عليها بالدلالة الكلامية ودلالته (2) على كون نفسه مرادا على حد دلالة
سائر الأفعال الخارجية على القصد والإرادة وبالجملة إرادة شخص نفسه في قوة
عدم إرادة ارائة شئ به، فلم يبق إلا كونه أمرا اختياريا ليتوقف صدوره على
إرادته فتدبر جيدا.
ويمكن تصحيح ما في المتن بتقريب دقيق، وهو أن متعلق الإرادة والشوق
كما سيجئ إنشاء الله في محله ليس هو الموجود الخارجي لان الشوق المطلق
لا يوجد في النفس بل يوجد متقوما بمتعلقه، ولا يعقل أن يكون الخارج عن أفق
النفس مقوما لما في النفس وليس هو الموجود الذهني أيضا لتبائن صفتي العلم
والشوق وكل فعلية تأبى عن فعلية أخرى، بل المتعلق والمقوم لصفة الشوق نفس
الماهية كما في صفة العلم، فالماهية موجودة في النفس بثبوت شوقي، كما
توجد في الخارج بثبوت خارجي، وعليه فللمتكلم أن يقصد إحضار المعنى بما
له من الثبوت في موطن الشوق بتوسطه بما له من الثبوت في موطن الخارج
فالماهية الشخصية دالة بثبوتها الخارجي على نفسها الثانية بثبوت الشوقي.
نعم لابد من إرادة أخرى مقومة للاستعمال، وجعل اللفظ بوجودها الخارجي
فانيا في اللفظ بوجودها الشوقي، وإلا فالإرادة المتقومة بنفس الماهية الشخصية
كما ذكرنا مقومة لاختياريتها، ولا تكون دلالة الصادر عليها دلالة كلامية بل دلالة

1 - قال عليه السلام يا من دل على ذاته بذاته وقال عليه السلام انه دللتني عليك (منه).
2 - فهي دلالة عقلية كسائر أنحاء دلالة المعلول على علته لا دلالة جعلية كلامية كما هو محل الكلام
(منه).
37

عقلية، ونفس هذه الإرادة لا يعقل أن تكون مصححة لفناء اللفظ في نفسه للزوم
الدور على المشهور، والخلف على التحقيق، ولا ينافي ما ذكرنا إرادة شخص
نفسه لأن المراد بالذات والصادر ماهية شخصية من غير جهة الإرادة في قبال ما
إذا أريد إفناء اللفظ في طبيعة المطلقة أو المقيدة كما أن فرض إرادة أخرى
مصححة للدلالة الكلامية لا ينافي فرض إرادة شخصه، وعدم ارائة غيره به، فان
المرئي حينئذ نفس الماهية الشخصية، غاية الأمر بثبوتها في موطن دال على
ثبوتها في موطن آخر، ولا ينافي ترتب الحكم على الثابتة بثبوت شوقي لأن
الماهية واحدة فصح أن يحكم عليها بأنها لفظ وثلاثي أو غير ذلك.
قوله: مع أن تركب القضية من جزئين الخ: بيانه أن الموضوع في القضية
الحقيقية قد يحتاج في وجوده إلى الواسطة بتنزيل شئ آخر منزلة وجوده،
كاللفظ بالنسبة إلى المعنى فان موضوعية للقضية بلحاظ كونه وجودا لما هو
الموضوع، وقد لا يحتاج في وجوده إلى الواسطة لامكان إيجاده على ما هو عليه
في الخارج وترتيب الحكم عليه، كما فيما نحن فيه حيث إن المحمول سنخ
حكم يترتب على نفس الموضوع الذي أريد به شخص نفسه فالقضية الحقيقية
حينئذ ذات أجزاء ثلاثة، ودليل صحة هذا الإطلاق حسنه عند الذوق السليم
والطبع المستقيم.
قلت: ملاك الحمل ومصححه وإن كان قيام مبدء المحمول بالموضوع وهو
ثابت هنا، إلا أن ملاك كون القضية قضية كلامية حملية كون أجزائها المعقولة
المستكشفة بالكواشف ثلاثة، ومن الواضح كما قدمناه آنفا أن إرادة شخص نفسه
في قوة عدم إرائة شئ به، فيكون حاله حال سائر الأفعال الخارجية، غاية الأمر
أن سنخ هذا الفعل من مقولة الكيف المسموع فإن صح الحمل على الضرب
الخارجي بقولك " ضرب " صح الحمل على اللفظ المراد به شخص نفسه، وإلا فلا
لعدم الفارق أصلا.
قوله: بما هو مصداق لكلي اللفظ لا بما هو خصوص الخ: إلا أن
38

الحكم المرتب عليه لا يكاد يتعداه، فإنه تمام موضوع الحكم والطبيعي وإن وجد
بوجود فرده إلا أن نسبته مع الأفراد نسبة الآباء مع الأولاد، لا نسبة أب واحد مع
الأولاد فالطبيعي موجود بوجودات متعددة، وترتيب الحكم على بعض
وجوداته من حيث أنه وجود الطبيعي لا يقتضى السريان إلى سائر وجوداته فلابد
من الحكاية عنه فتأمل (1).
قوله: نعم فيما إذا أريد به فرد آخر مثله الخ: لأن الفرد المماثل مأخوذة
فيه الخصوصية، والمبائن لا يتحقق بالمبائن.
قوله: كما في مثل ضرب فعل ماض الخ: لأن ما يمكن إيجاده بوجود
فرده نفس طبيعي اللفظ لا لطبيعي بماله من المعنى إذ الطبيعي بماله من المعنى
إنما يوجد فيما إذا استعمل في معناه وهو مما لا يخبر عنه.
" في أن الدلالة هل تتبع الإرادة أم لا؟ "
قوله: فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه الخ: لا يخفى عليك أن
دخل الإرادة بحيث يوجب انحصار الدلالة الوضعية في الدلالة التصديقية لا
يكون متوقفا على صيرورة الإرادة قيدا في المستعمل فيه، بل يمكن الداخل
بأحد وجهين: إما على نحو تصوره شيخنا العلامة (أدام الله أيامه) في الفرق بين
الاسم والحرف بأن يقال إن الألفاظ موضوعة بإزاء المعاني لا مطلقا، بل لان يراد
بها معانيها كما قال دام ظله أن الاسم موضوع لأن يراد به المعنى استقلالا،
والحرف لأن يراد به المعنى حالة وآلة للغير، فيتقيد العلقة بصورة الإرادة
الاستعمالية، وفى غيرها لا وضع، وما يرى من الانتقال إلى المعنى بمجرد سماع

1 - إشارة إلى دفع ما يمكن ان يقال من أن الحكم بلحاظ نفس الطبيعة لا بلحاظ وجودها الخاص وجه
الاندفاع ان الموجود بهذا الوجود حصة من الطبيعي وقطع النظر عن وجودها لا يوجب تغيرها
وخروجها عن كونها حصة مضافا إلى لزوم ثبوت الموضوع اما جعليا أو حقيقيا والمفروض عدم الأول
وقطع النظر عن الثاني (منه).
39

اللفظ من وراء الجدار ومن لا فظ بلا شعور وغير اختيار فمن جهة أنس الذهن
بالانتقال من سماعه عند إرادة معناه هذا واما على نحو تصورناه في الفرق بين
الاسم والحرف بناء على اتحاد معناهما ذاتا بأن يكون اللفظ موضوعا للمعنى
الذي تتعلق به الإرادة الاستعمالية فهو إشارة إلى ذات الخاص ولا بوصف
الخصوصية وفائدته عدم الاختصاص الوضعي بين اللفظ والمعنى الذي لا
يتخصص بالمرادية وقد عرفت أن الثاني أقرب إلى الاعتبار لان اللحاظ والقصد
من شؤون المعنى والاستعمال فيصح جعلهما قيدا للمعنى ولا يصح جعلهما قيدا
لما لا يكونان من شؤونه وأحواله أعني الوضع فتدبر جيدا.
ولا يخفى أن لازمه كما مر سابقا وضع اللفظ للحصص المتعينة بالإرادة
فيكون الوضع عاما والموضوع له خاصا وأما توهم منافاة الوضع للمعنى حال
كونه مرادا لما وقع النزاع فيه من أن الظهور حجة مع الظن الشخصي أو النوعي
بالمراد أولا بل يكون حجة تعبدا (فمندفع بالفرق بين الظهور الذاتي وهو كون
اللفظ قالبا بالفعل فالقطع يكون اللفظ قالبا بالقوة للمعنى المراد لا ينافي الشك
في كونه قالبا له بالفعل كما أنه ربما يقطع بكونه قالبا بالفعل لا مجرد التلفظ لكنه
يشك في كونه قالبا بالفعل لما هو قالب له بالذات كالفرق بين الإرادة الاستعمالية
أو التفهيمية والإرادة الجدية المتعلقة بمضمون الكلام فلا منافاة بين القطع
بالإرادة الاستعمالية والتفهيمية وعدم الظن بالإرادة الجدية لا مكان الاستعمال
بداعي آخر (واما ما في بعض الكلمات) من أن الإرادة ان اخذت على وجه
الحرفية فلا محذور فيها وإن أخذت على وجه الاسمية ففيها محذور (فالغرض
منه) أن الإرادة الاستعمالية حال تعلقها بالمعنى غير مقصودة بالذات بل
المقصود بالذات ايجاد المعنى ومعنى اعتبارها على وجه الآلية اعتبار العلقة
الوضعية بين اللفظ والمعنى المتخصص بها بذاته بخلاف ما إذا أخذت على
وجه الاسمية فان مقتضاه دخل الإرادة في الموضوع له على حد دخل المعنى
فلابد من إرادة أخرى استعمالية وإلا لزم أن يكون الإرادة المقومة للاستعمالية آلية
40

واستقلالية معا فتدبر جيدا.
ثم لا يذهب أن الإرادة الاستعمالية بالدقة إرادة إيجاد المعنى باللفظ بالعرض
والإرادة التفهيمية إرادة إحضار المعنى في موطن فهم المخاطب مثلا وكل من
الإرادة الاستعمالية والتفهيمية متأخر بالطبع عن الاستعمال والتفهيم فضلا عن
ذات المعنى فلا يعقل أخذها في المستعمل فيه أو المراد افهامه الا أن تقدم
الاستعمال على التفهيم المتولد منه وجودا وطبعا لا يمنع من أخذ الإرادة
الاستعمالية لا أنها متأخرة عنها وجودا أو طبعا حتى لا يعقل أخذ المعنى متقيدا
بها في مرحلة الاستعمال بل المحذور حينئذ أن الإرادة التفهيمية سبب
للاستعمال في ذات ما يراد تفهيمه لا غير فلو كان المستعمل فيه متقيدا بالإرادة
التفهيمية لزم تعلق التفهيمية بالمعنى المراد تفهيمه فيلزم الدور على المشهور
والخلف على التحقيق فتدبره فإنه دقيق.
قوله: بل ناظر إلى أن دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية
الخ: ما أفاده من أن مرادهما تأخر مقام الاثبات عن مقام الثبوت وتبعية خصوص
الدلالة التصديقية للإرادة لا تبعية الدلالة الوضعية للإرادة لا يوافق صريح هذين
العظيمين وغيرهما من الأعاظم من انحصار الدلالة الوضعية في التصديقية.
قال: العلامة - قده - في شرح منطق التجريد (1) بعد ما أورد إشكال انتقاض
الدلالات الثلاث، ولقد أوردت عليه قدس الله روحه هذا الإشكال فأجاب بأن
اللفظ لا يدل على معناه بذاته بل باعتبار الإرادة والقصد واللفظ حين يراد منه
معناه المطابقي لا يراد منه معناه التضمني فهو لا يدل إلا على معنى واحد لا غير
وفيه نظر الخ.
وأصرح منه ما أفاده العلامة الطوسي قده في شرح منطق الإشارات (2) [في
دفع انتقاض تعريف المفرد والمركب] حيث قال - قده - " دلالة اللفظ لما كانت

1 - الجوهر النضيد في شرح التجريد ص 4.
2 - الإشارات والتنبيهات، الجزء الأول في علم المنطق ص 32.
41

وضعية كانت متعلقة بإرادة المتلفظ الجارية على قانون الوضع فما يتلفظ به ويراد
منه معنى ما، ويفهم عنه ذلك المعنى، يقال إنه دال على ذلك المعنى وما سوى
ذلك المعنى مما لا تتعلق به إرادة المتلفظ وإن كان ذلك اللفظ أو جزء منه بحسب
تلك اللغة أو لغة أخرى أو بإرادة أخرى يصلح لأن يدل عليه فلا يقال أنه دال عليه
الخ " ولذا أورد عليه العلامة قطب الدين في محاكماته (1) وغيره في غيرها بعدم
انحصار الدلالة الوضعية في الدلالة التصديقية، ونحوه أيضا ما ذكره في شرح
حكمة الاشراق (2) في باب الدلالات الثلاث حيث قال " الدلالة الوضعية تتعلق
بإرادة اللافظ الجارية على قانون الوضع حتى أنه لو أطلق وأريد منه معنى وفهم
منه لقيل إنه دال عليه وأن فهم منه غيره فلا يقال أنه دال عليه وإن كان ذلك الغير
بحسب تلك اللغة أو غيرها أو بإرادة أخرى يصلح لأن يدل عليه الخ ".
ثم قال والمقصود هي الوضعية وهي كون اللفظ بحيث يفهم منه عند سماعه
أو تخيله بتوسط الوضع معنى هو مراد اللافظ انتهى.
وبعد التدبر في هذه الكلمات الظاهرة أو الصريحة في حصر الدلالة الوضعية
في التصديقية مع استحالة أخذ الإرادة في المعنى الموضوع له بنحو القيدية
(لا مناص) منه تصحيحها بأحد الوجهين المتقدمين وإلا فلا يكاد يخفى استحالة
دخل الإرادة بنحو القيدية على هؤلاء الأكابر بل بملاحظة الباعث للحكيم على
الوضع وهو التوسعة في ابراز المقاصد تعلم أن الأمر كما ذكروه والعلقة الوضعية
جعلية تتبع مقدار الجعل والاعتبار سعة وضيقا.
ودعوى مصادمة الحصر في الدلالة التصديقية لبداهة حيث إن الانتقال إلى
المعنى من سماع اللفظ بديهي وإن لم يكن هناك إرادة (مدفوعة) بما تقدم من أن
الانتقال بواسطة اعتبار الذهن فالانتقال عادى وضعي فتدبر جيدا.
قوله: نعم لا يكون حينئذ دلالة الخ.

1 - علق على الإشارات صاحب المحاكمات ذيلها ص 32 الرقم: 1.
2 - شرح حكمة الاشراق للقطب الدين الشيرازي ص 36.
42

فان قلت: لا واقع للكشف وراء نفسه فما معنى عدم الدلالة مع عدم الإرادة
واقعا.
نعم الدلالة تتبع إحراز الإرادة وكون المتكلم في مقام الإفادة.
قلت: المنكشف بالذات المتقوم به الكشف والمتحقق في مرتبته هو الذي
يستحيل تخلفه عنه دون المنكشف بالعرض فمع عدمه يكون المنكشف صورة
مثله لا صورة شخصه فتدبره فإنه حقيق به.
" في وضع المركبات "
قوله لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات الخ:
لا ريب في أن المركبات ليس لها مواد غير مواد مفرداتها.
نعم ربما يكون لها هيئة زائدة على هيئة مفرداتها فان هيئة المفردات بما هي
مفردات لا تتفاوت بالتقديم والتأخير مثلا مع أن التقديم والتأخير يوجب تفاوتا
في هيئة المجموع بما هو مجموع، ولا أظن بمن يدعى الوضع للمركبات أزيد من
وضع هيئاتها الزائدة على مفرداتها مادة وهيئة لفوائد خاصة، فأن أمثال تلك
المزايا والفوائد لا يعقل أن تكون إلا بالجعل والمواضعة، وعليه فلا معنى لدعوى
كفاية وضع المفردات بجزئيها المادي والصوري عن وضع هيئة المركبات لتلك
الخصوصيات، ولا وجه لدرج مثل هذه الهيئة القائمة بالمجموع في هيئة
المفردات بداهة أن هيئات المفردات قائمة بموادها كل على حياله والهيئة
التركيبية قائمة بالمجموع وتوصيف المفردات بها من باب وصف الشئ بحال
متعلقة لا بحال نفسه، وأما إدراج الهيئة التركيبية في المفردات نظرا إلى أنها جزء
صوري آخر للكلام فيؤول إلى عدم تعقل المركب حتى يكون له وضع أولا.
نعم يظهر من بعض النافين أن محل النزاع بينه وبين خصمه، دعوى الوضع
للمركب بعد الوضع للمفردات منفردة ومنظمة كما عن ابن مالك في شرح
43

المفصل على ما حكى عنه حيث قال ما ملخصه.
" إن المركبات لو كان لها وضع لما كان لنا أن نتكلم بكلام لم نسبق إليه، إذا
المركب الذي أحدثناه لم يسبق إليه أحد فكيف وضعه الواضع " فإنه ظاهر في أن
محل النزاع هذا الأمر البديهي بطلانه، وإلا فلا يخفى عن مثل ابن مالك أن الوضع
نوعي لا شخصي، وعليه فالنزاع لفظي نشأ من إسناد الوضع إلى المركبات فتوهم
النافي أن الهيئة التركيبية المفيدة للخصوصية من أنحاء هيئات المفردات فلم يبق
ما يتكلم فيه إلا ذلك الأمر الواضح فساده، وقد عرفت أن هيئات المركبات لا
دخل لها بهيئات المفردات، وأن الحق حينئذ مع المثبت.
وأما: ما في المتن من استلزام الدلالة على المعنى تارة بنفسها، وأخرى
بمفرداتها فغير ضائر حيث لا يلزم منه محذور اجتماع السببين على مسبب واحد
لأن معاني المفردات ملحوظة بنحو الانفراد ومعنى المركب ملحوظ بنحو الجمع
واللف كما في مفهوم الدار بالإضافة إلى مفاهيم السقف والجدران والبيت مثلا
فلكل، دال مدلول على حياله، وتوهم لزوم لحاظ المعنيين في أن واحد لأن
الجزء الأخير من الكلام علة لنفس حضور معناه ومتمم لعلة حضور معنى آخر
للمركب، مدفوع بما تقرر في محله من إمكان اجتماع لحاظين للحوظين في أن
واحد.
ثم إنه ربما أمكن الأشكال على جعل وضع المواد شخصيا ووضع الهيئات
نوعيا كما هو المعروف بما محصله: أن شخصية الوضع في المواد إن كانت
بلحاظ وحدتها الطبيعية وشخصيتها الذاتية فالهيئات أيضا كذلك فان هيئة فاعل
مثلا ممتازة بنفسها عن سائر الهيئات فلها وحدة طبيعية ونوعية الوضع في
الهيئات إن كانت بلحاظ عدم اختصاص زنة فاعل بمادة من المواد، فالمواد
كذلك لعدم اختصاص المادة بهيئة من الهيئات فلا امتياز مادة عن مادة ملاك
الشخصية لامتياز كل زنة عن زنة أخرى، ولا عدم اختصاص زنة بمادة ملاك
النوعية لعدم اختصاص مادة بهيئة.
44

والتحقيق أن جوهر الكلمة ومادتها أعني الحروف الأصلية المترتبة الممتازة
عن غيرها ذاتا أو ترتيبا أمر قابل للحاظ الواضع بنفسه فيلاحظ بوحدته بنفسها
لاندماجها غاية الاندماج في المادة فلا استقلال لها في الوجود اللحاظي، كما
في الوجود الخارجي كالمعنى الحرفي فلا يمكن تجريدها ولو في الذهن عن
المواد، فلذا لا جامع ذاتي لها كحقائق النسب، فلا محالة يجب الوضع
لاشخاصها بجامع عنواني كقولهم " كلما كان على زنة فاعل " وهو معنى نوعية
الوضع أي الوضع لها بجامع عنواني لا بشخصيتها الذاتية، أو المراد أن المادة
حيث يمكن لحاظها فقط فالوضع شخصي، والهيئة حيث لا يمكن لحاظها في
ضمن مادة فالوضع لها يوجب اقتصاره عليه فيجب أن يقال هيئة فاعل وما
يشبهها، وهذا معنى نوعية الوضع أي لا لهيئة شخصية واحدة بوحدة طبيعية بل
لها ولما يشبهها فتدبر.
" في التبادر "
قوله: لا يقال كيف يكون علامة مع توقفه على العلم الخ: ربما
يقال (1) معنى كون التبادر علامة كونه دليلا إنيا على الوضع حيث إنه معلول له،
وهو لا يقتضى إلا كون الوضع مقتضيا به والعلم شرط تأثيره فلا مجال لتقرير
الدور، حيث إن صفة الاقتضاء والمعلولية غير موقوفة على العلم، كما لا مجال
لدفعه بأنه علامة للجاهل عند العالم فان صفة المعلولية بالمعنى المذكور ثابتة
في حد ذاتها من غير نظر إلى العالم والجاهل.
وفيه: مضافا إلى لزوم الدور من ناحية توقف المشروط على شرطه، والشرط
على مشروطه، أن الانتقال إلى المعنى لا يعقل أن يكون معلولا للوضع ومن

1 - القائل صاحب محجة العلماء. الشيخ محمد هادي النجفي - ره - الموجود في المكتبة المجلد
الثالث فقط ولا يوجد مباحث الألفاظ.
45

مقتضياته لأن حقيقة الوضع جعل طبيعي اللفظ وجودا تنزيليا لطبيعي المعنى
بالقوة، وبالاستعمال يكون وجود اللفظ خارجا وجودا بالذات لنفس طبيعة
اللفظ، ووجودا بالعرض لنفس المعنى بالفعل وهذا هو مقتضى الوضع الذي لا
يتفاوت العلم والجهل به حتى أنه ولو وجد اللفظ ذهنيا كان هذا الوجود الواحد
وجودا بالذات للفظ حقيقة ووجودا بالعرض لنفس المعنى، سواء علم السامع
بأنه وجود تنزيلي له أم لا، وأما وجود المعنى في الذهن كوجوده بعد وجود
اللفظ خارجا فهو يتبع وجود علته لذلك النسخ من الوجود أنه من البديهي أن
وجود المعنى في الذهن وجود بالذات له لا وجود بالعرض بتبع وجود اللفظ في
الذهن، بل هذا الوجود معلول للعلم بالملازمة الجعلية بين اللفظ والمعنى عند
تحقق العلم باللفظ كما في جميع موارد الملازمة، وليس وجود المعنى ذهنا
معلولا لوجود اللفظ ذهنا بشرط العلم بالملازمة إذا لانتقال من أحد المتلازمين
إلى الآخر غير مخصوص بأحدهما فقط فيلزم أن يكون كل واحد صالحا للعلية
والمعلولية معا.
مضافا إلى أن العلية ليست جزافية والعلم بأمر مبائن لا معنى لأن يكون علة
لأمر مبائن اخر بمجرد الاشتراك في العلمية بخلاف ما إذا جعلنا العلم بالملازمة
علة، فإن معنى العلم بالملازمة العلم بتحقق المعنى عند تحقق اللفظ، فقهرا ينتج
العلم باللفظ العلم بالمعنى، وليس العلم بالملازمة معلولا لها حتى ينتهى أمر
الانتقال إلى الوضع بالواسطة لأن المعلوم لا يكون علة للعلم بل الانتقال إلى
المعنى عند العلم بالوضع من فوائد جعل الملازمة لا من معلولاته فحينئذ يصح
تقرير الدور وجوابه ينافي المتن فتدبر جيدا.
" في صحة السلب "
قوله: وصحة الحمل عليه بالحمل الأولى الذاتي الخ: وهو أن يتصور
46

المعنى المقصود كشف حاله ويحمل اللفظ بماله من المعنى الارتكازي عليه أو
يجد صحة حمل اللفظ بمعناه عند العارفين عليه، وصحة الحمل كاشفة عن أن
المعنى المتصور هو معنى اللفظ، والا لم يصح الحمل.
واعلم: أنه لابد من فرض اللفظ مجردا عن القرينة والا لما كان الحمل فقط أو
عدم صحة سلب المعنى عنه علامة للحقيقة إذ لا يزيد الحمل على اتحاد
المعنيين، ولا يزيد التعبير عنه باللفظ على مجرد الاستعمال وشئ منهما لا
يثبت الوضع، كما أن التحقيق يقضى بجعل الحمل والسلب علامة للحقيقة
والمجاز فيما إذا كان صحة الحمل وعدمها عند العرف لأن العلم بأن اللفظ لماله
من المعنى بحيث يصح أن يحمل لابد له من سبب آخر من تنصيص أهل اللسان،
أو التبادر، أو الحمل المفيد، والمفروض كون هذه العلامة ابتدائية مستقلة
بخلاف النفس الحمل لأن عدم الحمل ليس أمرا محققا من العرف حتى يكون
دليلا على المجاز، وكونه بحيث لا يحمل راجع إلى حيثية عدم صحة الحمل وقد
عرفت أنه يتوقف على العلم بسبب آخر.
فان قلت: إن كان المحمول غير المحمول عليه لم يصح الحمل لأن مفاد
الحمل هو الاتحاد وإن كان عينه لم يصح أيضا إذ لا اثنينية حتى يتصور محمول
ومحمول عليه، وهذا غير جاز في الحمل الشايع لان مغايرتهما بالمفهوم يصحح
الاثنينية واتحادهما في الوجود يصحح الحمل، لكنه بنفسه غير مفيد لاستعلام
الحقيقة لفرض تغاير المفهومين.
قلت: هذا الأشكال هو الباعث لأنكار جماعة للحمل الذاتي لاستعلام
الحقيقة والمجازية إثبات أصل الوضع بل لاسقاط هذه العلامة عن الاعتبار
مطلقا.
والتحقيق أن الحمل لابد فيه من مغايرة من جهة واتحاد من جهة أخرى،
والمغايرة قد تكون بالمفهوم كما في الحمل الشائع بأنحائه وقد تكون بالاعتبار
والمراد به الاعتبار الموافق للواقع كاعتبار الأجمال والتفصيل في حمل الحد في
47

المحدود فان ذات الانسان والحيوان الناطق مثلا وان كانت واحدة إلا أن هذه
الحقيقة الواحدة المركبة مما به الاشتراك وما به الامتياز ملحوظة بجهة الوحدة
والجمع في الانسان وبجهة الكثرة، والفرق في الحيوان الناطق، وجهة الوحدة في
الانسان كجهة الكثرة، وانطواء المعاني في المركب موافقة للواقع، ومن الواضح
أن هذه الحقيقة بتلك الجهة غيرها بتلك الجهة الأخرى غيرية واقعية لا بالفرض
وإلا لجاز حمل الشئ على نفسه بمجرد فرض أنه غير نفسه.
ومن غريب الكلام ما عن بعض الأعلام من مقاربي عصرنا - ره - (1) حيث دفع
الأشكال بأن مفاد الحمل اتحاد الحيوان الناطق مع مفهوم مسمى الإنسان، أو ما
وضع له الانسان، فيتغايران بالمفهوم، مرجع الحمل إلى حمل العام على
الخاص، وهو إنكار للحمل الذاتي مطلقا مع رجوعه إلى تنصيص أهل اللسان لا
إلى الحمل بما هو مع أن الغرض في الحمل الذاتي شرح الحقيقة، وإنما يستفاد
المعنى الحقيقي بسبب تجرد اللفظ بضميمة الاتحاد مع أن اعتبار المسمى
ونحوه مصحح للحمل كما سمعت لا أنه مأخوذ في المحمول، ومنه تعرف أن
الغرض عنا مجرد إثبات اتحاد المعنيين ذاتا لا بمالهما من الحيثيات الإعتبارية
فإنها مصححة للموضوعية والمحمولية لا مأخوذة في المحمول والموضوع، وإن
كان مقتضى وحدة اللفظ والوضع اعتبار المعنيين بنحو الجمع هنا فافهم واستقم.
قوله: وبالحمل الشائع الصناعي الذي ملاكه الاتحاد وجودا الخ:
تحقيقه أن الحمل إما أن يكون حمل الكلى على الفرد أو كليين متساويين أو أعم
وأخص وعلى أي حال، فالمقصود في الحمل الشائع اتحاد المفهومين في
الوجود بأن يكون وجود واحد وجودا لهما بالذات وللآخر بالعرض فان كان
الحمل من قبيل حمل الكلى على الفرد فصحته كاشفة عن كون اللفظ حقيقة في
المعنى الموجود بوجود الفرد، فيلاحظ مثلا معنى الحيوان الخاص الموجود
بوجود زيد ويحمل عليه لفظ الإنسان بماله من المعنى عرفا أو ارتكازا، فان وجد

1 - القائل هو المحقق الميرزا حبيب الله الرشتي - ره - في بدائع الأفكار ص 82.
48

صحة الحمل عرفا أو تفصيلا كشف عن اتحاد المعنى الموجود بوجود زيد مع ما
للانسان من المعنى والا فلا.
وما عن بعض الاعلام قده (1) من إرجاعه إلى الحمل الأولى نظرا إلى أن الفرد
مع قطع النظر عن الخصوصية عين الكلى.
مدفوع: بأن قطع النظر عن الخصوصية في مرحلة استعلام الحقيقية
والمجازية لا دخل له بقطع النظر عن الخصوصية في مرحلة الحمل وبعبارة
واضحة: ليس الغرض في مقام الاستعلام كون معنى زيد بما هو عين معنى
الانسان بل الفرض اشتماله لفظ زيد على معنى هو متحد مع ما للانسان من
المعنى لتقرر حصة من ماهية الانسان في مرتبة ذات زيد، ففي هذه المرحلة لا
يلاحظ إلا ذلك المعنى المتقرر في مرتبة ذات زيد لاتمام معناه، وأما ملاك صحة
الحمل في مثل " زيد انسان " فليس قطع النظر عما به زيد يكون زيدا، بل زيد بما
هو " زيد انسان " بمعنى أن هذين المعنيين موجودان بوجود واحد وهذا الوجود
ينسب إلى كليهما بالذات إما إلى زيد فواضح، وأما إلى الانسان فلما سمعت من
تقرر حصة منه في مرتبة ذات زيد وليس ملاك الحمل الشائع إلا كون النظر في
الحمل إلى الاتحاد في الوجود [هذا كله فيما إذا كان المحمول والمحمول عليه
من قبيل الكلى والفرد].
وأما إذا كنا كليين متساويين، أو أعم أو أخص فلا يثبت الحقيقة والمجازية
مطلقا ولو في الجملة بمجرد الحمل والتساوي في الصدق أو الأعمية والأخصية،
لما عرفت أن كون الحمل علامة ليس لمجرد الحمل، بل لأن الحمل تارة
بحسب نفس المفهوم والذات فاتحادهما دليل قطعي على الحقيقية، كما أن
عدمه دليل قطعي على المجازية إذا لشئ لا يسلب عن نفسه، وأخرى بحسب
اتحاد المعنى الموجود بوجود زيد مع ما لمحموله من المعنى، ومثل هذين
الأمرين لا يجرى في الكليين المتساويين، والأعم والأخص، ففي قولنا " الناطق

1 - هو المحقق الرشتي - ره - بدايع الأفكار ص 84.
49

ضاحك " و " الناطق حيوان " لا اتحاد مفهومي كي يكون الحمل ذاتيا، كما أنه ليس
وجود لناطق بما هو وجود الناطق وجودا للضاحك كزيد وانسان بل متصادقان
في وجود واحد، والفرق أن زيدا لا وجود له الا وجود الانسان متشخصا
بالمشخصات فيعلم منه أن المعنى الموجود بوجود زيد معنى الانسان بخلاف
الذاتيات كالناطق والحيوان مثلا، فان مبدء الفصل غير مبدء الجنس، وإن كان
التركيب بينهما اتحاديا على التحقيق، ولذا لا اشكال عند المحققين أن حمل
ذاتي على ذاتي، أو على ذي الذاتي حمل شايع، لا ذاتي فلا محالة ليس وجود
الناطق بما هو وجود الناطق وجود الحيوان.
نعم يستثنى من الأعم والأخص حمل الجنس على نوعه فإنه كالكلي على
فرده إذا كان النظر إلى المعنى الموجود في ضمن النوع، كما يستثنى من
المتساويين في الصدق حمل الفاضل على نوعه إذا كان النظر إلى المعنى المميز
لهذا النوع من غيره، وبالجملة ففي كليهما يكون المحمول متقررا في مرتبة ذات
الموضوع فيكون الحكم باتحادهما مفيدا، وأما في غير هذه الأقسام المسطورة
فلا يفيد الحمل إلا إذا رجع إلى أحدهما، كحمل الأبيض على الجسم، فإنه لا
شك في معنى هيئة أبيض بل في مفاد مادته، وحيث إن (كلما بالغرض ينتهى إلى
ما بالذات) فلا محالة ينتهى الأمر إلى الحمل على تلك الصفة المسمات
بالبياض، وأما السلب فان كان في قبال الحمل الشايع بمعنى مجرد اتحاد
الموضوع والمحمول في الوجود بحيث يصح حمل الإنسان على البشر أيضا
بهذا الحمل نظرا إلى أن المتغايرين بالاعتبار كما أنهما متحدان ذاتا متحدان
وجودا فلا محالة يكون السلب دليلا على أن المسلوب لا عين ذات المسلوب
عنه، ولا متقرر في مرتبة ذاته، وإن كان في قبلا الحمل الشايع بمعنى كون
الموضوع مطابق مفهوم المحمول ومندرجا تحته، فلا محالة لا يكون السلب
علامة المجازية لصحة سلب الانسان بهذا الوجه عن الحيوان الناطق مع
اتحادهما ذاتا وبهذا الاعتبار يقول الجزئي بل كلي مع أن مفهوم الموضوع
50

والمحمول واحد فتدبر جيدا.
" الاطراد وعدمه "
قوله: قد ذكر الأطراد وعدمه علامة لحقيقة والمجاز الخ: ليس
الغرض تكرر استعمال لفظ في معنى وعدمه، بل مورد هاتين العلامتين، ما إذا
أطلق لفظ باعتبار معنى كلي على فرد يقطع بعدم كونه من حيث الفردية من
المعاني الحقيقية لكنه يشك أن ذلك الكلى كذلك أم لا؟ فإذا وجد صحة الإطلاق
مطردا باعتبار ذلك الكلى، كشف عن كونه من المعاني الحقيقية، لأن صحة
الاستعمال فيه وإطلاقه على أفراده مطردا لابد من أن تكون معلولة لأحد أمرين:
إما الوضع، واما العلاقة، وحيث لا اطراد لأنواع العلائق المصححة للتجوز ثبت
الاستناد إلى الوضع فنفس الأطراد دليل على الحقيقة وإن لم يعلم وجه
الاستعمال على الحقيقة، كما أن عدم الأطراد في غير مورد يكشف عن عدم
الوضع له وإلا لزم تخلف المعلول عن العلة لأن الوضع علة صحة الاستعمال
مطردا وهذه العلامة قطعية لو ثبت عدم إطراد علائق المجاز كما هو المعروف
والمشاهد في جملة من الموارد.
فان قلت: هذا بحسب العلائق المعهودة، وأما بحسب الخصوصية الواقعية
المصححة للاستعمال فالمجاز مطرد كالحقيقة لعدم إمكان تخلف المعلول عن
العلة التامة.
قلت: الكلام في عدم إطراد المعاني المجازية المتداولة بين أهل المحاورة
وإن كان المعنى المجازى المناسب للحقيقي واقعا. أخص مما هو المتداولة
بحدها ما هو كذلك إلا في الحقائق فافهم جيدا.
نعم لو فرض التناسب بين معنيين من جهات عديدة لم يكن الأطراد دليلا وان
لم تكن العلائق مطردة لامكان الإطلاق في كل مورد بجهة من تلك الجهات لا
51

بجهة واحدة حتى يقال إنها غير مطردة، ولعله فرض محض.
" التحقيق حول وضع التعييني "
قوله: وهو أن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح الخ: قد سمعت
في تحقيق حقيقة الوضع أن الوضع ليس إلا نحو اعتبار من الواضع والاعتبار أمر
مباشري للمعتبر لا تسبيبي إنشائي.
قوله: كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له الخ: لا
يخفى عليك ان الحكاية والدلالة والمرآتية وأشباهها مقصودة في الاستعمال
على الوجه الآلي دون الاستقلالي، من دون فرق بين الاستعمال الحقيقي
والمجازي وما به يمتاز الوضع عن الاستعمال كون الحكاية مقصودة على وجه
الاستقلال، إذا لوضع ليس فعلية حكاية اللفظ عن المعنى بل جعل اللفظ بحيث
يحكى به عن المعنى عند الاستعمال، ومن البين أن الجمع بينهما في لحاظ
واحد جمع بين اللحاظين، وهو محال، وعلى هذا فلا يتخصص اللفظ بالمعنى
بمجرد الاستعمال بل لابد من إنشائه بالاستقلال.
والتحقيق: أن إنشاء الوضع حقيقة بمعنى جعل اللفظ بحيث يحكى بنفسه
يجعل لازمه، وهو جعله حاكيا فعلا بنفسه معقول فالحكاية وان كانت مقصودة
وملحوظة آليا في الاستعمال إلا أنها مقصودة بالاستقلال في مرحلة التسبب إليها
بانشاء لازمها وجعله فتدبر.
وأما على ما عرفت من أن حقيقة الوضع نحو اعتبار من الواضع فيكفي في
حصول الاختصاص مجرد سبق الاستعمال بالبناء على اختصاص اللفظ بالمعنى
وهو وان كان خفيف المؤنة بل أخف مؤنة من قصد حصوله بالاستعمال حيث إنه
لا حجة إلى التسبب إلى حصوله بوجه من الوجوه إلا أنه يحتاج إلى دليل.
فان قلت: بعد ما كان الحكيم في مقام إفادة المراد دون التوصل إلى مزايا
52

المجاز فلا محالة يبنى على التخصيص ويستعمل ولا يتكلف نصب القرينة.
قلت: لو سلم ذلك لا يقتضى ترجيح التخصيص على التجوز لأن مجرد
الوضع لا يقتضى سقوط كلفة نصب القرنية لعدم هجر المعنى الأصلي بمجرد
طرو وضع آخر، غاية الأمر أن القرينة في المجاز يتصف بعنوانين من الصارفية
والمعينية، وفى المشترك بالأخير فقط وهو غير فارق قطعا فتأمل.
قوله والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة الخ: هذا بناء على ما هو المشهور
من أن الوضع تعين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه إخراجا بالقيد الأخير
للمجاز حيث إن الدلالة فيه بالقرينة فإذا استعمل الشارع مثلا اللفظ في غير ما
وضع له، قاصدا به الحكاية عنه بنفسه فقد خصصه به، حيث لا حقيقة للوضع إلا
ذلك.
ويمكن أن يقال: إن نحو حكاية اللفظ عن معناه الحقيقي والمجازي واحد
توضيحه أن الدلالة كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى، وهذه الحيثية مكتسبة
تارة:
من الوضع، بمعنى أن وضع الواضع يوجب كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى ان
التفت إلى الوضع، وأخرى من القرينة، فاللفظ المستعمل في معناه المجازي
بحيث يفهم، فمنه ذلك المعنى إن التفت إلى القرنية فكما أن وضع الواضع
يوجب تحيث اللفظ بهذه الحيثية، وهي واسطة في ثبوتها له، وإلا فالدلالة على
أي حال قائمة باللفظ المستعمل في المعنى لا به وبالقرينة معا في المجاز كما لا
قيام لها باللفظ والوضع في الحقيقة.
والتحقيق أن تعيين اللفظ لمعنى يوجب تعينه تبعا لما يناسبه فان تناسب
المناسب مناسب فاللفظ بواسطة الوضع له صلوح الحكاية عن المعنى الموضوع
له بالأصالة، وعما يناسبه بالتتبع وحيث إن فعلية دلالة على الأصل لا مانع لها فلا
محالة لا تصل النوبة إلى الدلالة على المعنى المجازى إلا بعد نصب القرنية
المعاندة لا رادة المعنى الحقيقي، فالقرينة المعاندة حيث إنها رافعة للمانع عن
53

فعلية الدلالة على المعنى المجازى فهي موجبة لفعلية الدلالة عليه فيصح أن
يقال حينئذ أن الوضع تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه بخلاف المجاز فان
التعيين فقط لا يكفي في فعلية دلالة اللفظ بنفسه بل فعلية الدلالة متوقفة على
ضم الضميمة وان كان ذات الدال هو اللفظ دائما فتدبر.
قوله فلا يكون بحقيقة ولا مجاز الخ: ان قلنا بان الاستعمال حين الوضع
كما هو ظاهر المتن فحقيقة الاستعمال حقيقة الوضع، أو قلنا بأن الوضع يتحقق
مقارنا للاستعمال من باب جعل الملزوم بجعل لازمه فلا مانع من كونه حقيقة لان
غاية ما يقتضيه الحقيقة عدم تأخر الوضع عن الاستعمال، لا تقدمه عليه زمانا
فيكفي مقارنة الوضع مع الاستعمال زمانا، فضلا عن عينية له حيث لا تقدم
للاستعمال حينئذ ولو بالعلية فتدبر.
" الحقيقة الشرعية "
قوله فأي علاقة بين الصلاة والدعاء الخ: هذا بناء على ما هو المعروف
من كونها بمعنى الدعاء لغة يصح جدلا والزاما، وأما على ما هو الظاهر بالتتبع في
موارد استعمالاتها من كونها بمعنى العطف والميل، فإطلاقها على هذا المعنى
الشرعي من باب إطلاق الكلى على الفرد حيث إنه محقق لطبيعي العطف
والميل، فان عطف المربوب إلى ربه، والعبد إلى سيده بتخضعه له، وعطف الرب
على مربوبه المغفرة والرحمة، لا أن الصلاة بمعنى الدعاء في العبد، وبمعنى
المغفرة فيه تعالى، وعليه فلا تجوز حتى يجب ملاحظة العلاقة بل تستعمل في
معناها اللغوي ويراد محققه الخاص بقرينة حال أو مقال.
قوله بناء على كون معانيها مستحدثة في شرعنا الخ: ربما يعبر عن
هذه المعاني بالماهيات الجعلية والمخترعة، فيظن الغافل تعلق نوع جعل
واختراع بها، مع قطع النظر عن جعلها في حيز الطلب، مع أن تعلق الجعل البسيط
54

بها في ذاتها محال فان الماهية في حد ذاتها لا مجعولة ولا لا مجعولة وتعلق
الجعل التأليفي التركيبي بين الماهية ونفسها كذلك، لان ثبوت الشئ لنفسه
ضروري، وتحصيل الحاصل محال، وإن قلنا بتعلق الجعل التكويني بالماهية دون
الوجود فان الجاعل بهذا الجعل هو المصلى دون الأمر والشارع.
وأما جعل الهيئة التركيبية معنونة بعنوان الصلاة بمعنى جعلها عطفا من
المربوب إلى الرب، وتذللا منه إليه، قياسا بجعل الشارع للشيئ مالا أو ملكا.
فمدفوع: بأن كون الشئ تذللا وعطفا وتعظيما مثلا، وان كان مما يتفاوت فيه
الأنظار، كما هو المشاهد من أنحاء التذللات والتعظيمات في الرسوم والعادات
لكن التفاوت بالخصوصيات الملحوظة لطائفة دون طائفة فحقيقة التعظيم كون
الفعل بحيث يمكن أن يقصد به إعظام الغير وان كان تلك الحيثية مختلفة
باختلاف الأنظار، فهذه الحيثية بإزاء الجهة الباعثة على اعتبار المالية والملكية لا
بإزاء نفس اعتبارهما فلا معنى حينئذ لجعل الهيئة التركيبية معنونة بعنوان الصلاة
بل هذه الهيئة التركيبية كما أن لها خواصا وآثارا واقعية وليست بجعل جاعل،
كذلك ذات خصوصية في نظر الشارع بحيث يمكن أن يتذلل العبد بهذا العمل
لمولاه، وأن يعظمه به فيأمر به الشارع بخلاف المالية والملكية فان كون الفعل ذا
خصوصية مقتضية الاعتبار الملكية لا يوجب اتصافه بعنوان الملك قبل اعتبار
المعتبر للملكية.
قوله: واما بناء على كونها ثابته في الشرايع السابقة الخ: مجرد الثبوت
في الشرائع السابقة لا يلازم التسمية بهذه الألفاظ الخاصة والتعبير بها عنها
لاقتضاء مقام الإفادة كما هو كذلك بالإضافة إلى جميع القصص والحكايات
القرآنية، مع أن جملة من الخطابات المنقولة كانت بالسريانية أو العبرانية.
ودعوى تدين العرب بتلك الأديان، وتداول خصوص هذه الألفاظ إذ لو
تداول غيرها لنقل إلينا ولأصالة عدم تعدد الوضع. مدفوعة: بعدم لزوم النقل لو
كان لعدم توفر الدواعي على نقل تعبيرات العرب المتدينين بتلك الآيات،
55

وأصالة عدم تعدد الوضع لا يثبت الوضع لخصوص هذه الألفاظ لا تعيينا ولا
تعينا.
قوله: فالأنصاف ان منع حصوله في زمان الشارع الخ: حتى على ما
احتملناه من استعمال الصلاة مثلا في العطف والميل وإرادة محققه الخاص نظير
إطلاق الكلى على الفرد، وإرادة الخصوصية بدال آخر، وكذا على قول الباقلاني،
إذ التحقيق كما في محله إمكان النقل في المطلقات مع أنهما استعمله في الماهية
المهملة، إذ لا ريب في أن كثرة إفادة الخاص بدالين في مقام الطلب، وبيان
الخواص والآثار والحكاية والمحاورات المتعارفة توجب اختصاص اللفظ
بالمعنى الخاص في أيام قلائل، ومنع بلوغ الكثرة في لسان الشارع ومتابعيه أي
حد يوجب الاختصاص مكابرة واضحة.
قوله: نعم حصوله في خصوص لسانه الخ: لكنه لا حاجة إلى الالتزام به
مع ترتب الأثر على تحققه في لسانه ولسان متابعيه، وتسمية حقيقة شرعية مع
تحقق الوضع باستعمال الجميع بملاحظة تبعية تابعيه في الاستعمال فيصح تمام
الانتساب إليه.
قوله: واما الثمرة بين القولين فيظهر في لزوم حمل الألفاظ الخ:
الأنسب أن يقرر الثمرة هكذا، وهو لزوم حمل الألفاظ الواقعة في كلام الشارع
على معانيها الشرعية وعدمه بناء على عدمه لأنها وإن لم تبلغ مبلغا يوجب
الوضع تعينا إلا أن معانيها من المجازات الراجحة جزما، والمشهور هو التوقف بل
الأمر كذلك على ما ينسب إلى الباقلاني أو على ما احتملناه، إذ كما أن كثرة
الاستعمال في معنى خاص رب تبلغ حدا يكفي نفس اللفظ لإفادة ذاك الخاص،
ولذا يعقل النقل فيما لا يستعمل فيه اللفظ كما سيئاتي انشاء الله تعالى في محله.
قوله: وفى جريانه على القول بالعدم اشكال الخ: لا شبهة في قصور
عنوان البحث وأدلة الطرفين عن الشمول إلا أن تسرية النزاع لا تدور مدار العنوان
والأدلة بل ربما يجب تسريته مع عموم الثمرة لغيره، كما في ما نحن فيه، فإنه لو
56

ثبت أصالة الاستعمال في الصحيحة أو الأعم لترتب عليه ثمرة النزاع من
التمسك بالإطلاق على الأعم وعدمه على الصحيحة.
" في الصحيح والأعم "
قوله: في أن الأصل في الألفاظ المستعملة مجازا في كلام الشارع
الخ: تقريبه على ما في تقريرات بعض الأعاظم (1) - ره - أن اللفظ قد استعمل عند
الصحيحي في الصحيحة لعلاقة بينها وبين المعنى اللغوي، وفى الفاسدة لا
لعلاقة بينها وبين المعنى الأصلي، ولا للمشاكلة بينها وبينه، أو بين الصحيحة بل
من جهة التصرف في أمر عقلي، وتنزيل المعدوم من الأجزاء والشرايط منزلة
الموجود لئلا يلزم سبك المجاز من المجار فلا مجاز أصلا من حيث المعنى إلا
في استعمال اللفظ في الصحيحة، وحيث إن الاستعمال دائما في الصحيحة من
حيث المفهوم والمعنى فمع عدم القرينة على التصرف في أمر عقلي بحمل على
الصحيحة، ويترتب عليه ما يترتب على الوضع للصحيحة من الثمرة.
وأما الأعمى فهو على ما ذكره المقرر قده يدعى تساوى الصحيحة والأعم في
المجازية إلا أن لازمه التوقف وهو ينافي غرضه بل الصحيح في تقريب مقالة
الأعمى أن اللفظ دائما مستعمل في الأعم، وإفادة خصوصية الصحيحة والفاسدة
بدال آخر فمع عدم الدال الاخر يحمل اللفظ على ظاهره، ويتمسك بإطلاقه،
وعلى هذا البيان لا يرد شئ إلا عدم الدليل على ملاحظة العلاقة ابتداء بين
الصحيحة أو الأعم والمعنى اللغوي، ولا حاجة إلى إثبات أن عدم نصب القرينة
على إرادة ما عدا الصحيحة دليل على إرادة الصحيحة، وذلك لأن المفروض
على الصحيحة استعمال اللفظ في الصحيحة بحسب المفهوم والمعنى دائما،
والظهور اللفظي حجة على المراد الجدي ما لم تقم حجة أخرى على خلافها،

1 - مطارح الأنظار ص 3.
57

وكذا بناء على استعماله في الأعم.
وأما ما في المتن من الحاجة إلى إثبات استقرار بناء الشارع في محاوراته على
إرادة ما لوحظ العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي عند عدم نصب قرنية معينة
للمعنى الآخر، فإنما يتجه على وجه آخر لا على ما مر وذلك بأن يكون
المستعمل فيه على تقدير إرادة الفاسد أو الأعم غير ما هو المستعمل فيه على
تقدير إرادة الصحيحة لامكان إرادة ما يناسبها لا ما يناسب اللغوي، ولا ظهور في
مرحلة المراد الاستعمالي كي يكون حجة على المراد الجدي فتدبر.
فظهر أن ما يرد على التقريب المزبور عدم الدليل على ملاحظة العلاقة بين
الصحيحة والمعنى الأصيل، مضافا إلى أن الاستعمال في الأعم ممكن مع أن
الجامع (1) بما هو جامع غير فاقد لشئ حتى ينزل منزلة الواجد فلابد من أن
يلتزم باعتبار العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي وهو خلف، ودعوى الغلبة تغنى
عن أصل هذا التكلف أو يلتزم باعتبار العلاقة بينه وبين الصحيحة فليزم سبك
المجاز من المجاز، وهو مما يفر عنه هذا المقرر فراجع وتأمل إلا أن يلتزم بأن
الحقيقة الادعائية لا تتوقف على ادعاء دخول المراد الجدي في جنس المراد
الاستعمالي حتى لا يعقل دخول الجامع تحت الصحيح بل يمكن مع ادعاء
الاتحاد بينهما، واتحاد الجامع والصحيح مما لا ريب فيه.
" في معنى الصحة "
قوله: ان الظاهر أن الصحة عند الكل بمعنى واحد وهو التمامية
الخ: لا إشكال في ذلك إلا أن حيثية إسقاط القضاء وموافقة الشريعة وغيرهما
ليست من لوازم التمامية بالدقة بل من الحيثيات التي يتم بها حقيقة التمامية

1 - هذا إذا كان الجامع صادقا على الواجد والفاقد بحدهما كما يقال بنظيره في الماهيات التشكيكية
من أن الماهية الواجدة تارة شديدة وأخرى ضعيفة وأما إذا كان الجامع من الماهيات المهملة التي
يقتضى لا بشرطيتها صدقها على الواجد والفاقد فلا كمال لا يخفى (منه عفى عنه) (خ).
58

حيث لا واقع للتمامية إلا التمامية من حيث إسقاط القضاء، أو من حيث موافقة
الأمر، أو من حيث ترتب الأثر إلى غير ذلك واللازم ليس من متممات معنى
ملزومه فتدبر (1) ثم إن المهم في هذا الامر تحقيق أن الصحة والفساد المبحوث
عنهما في هذا البحث هل التمامية وعدمها من حيث موافقة الأمر أو من حيث
إسقاط القضاء، أو من حيث استجماع الأجزاء والشرائط، أو من حيث ترتب الأثر
إلى غير ذلك.
والتحقيق عدم كونهما من حيث موافقة الأمر وإسقاط القضا محلا للبحث لا
من حيث إن موافقة الأمر واسقاط الإعادة والقضاء لا يكونان إلا مع الإتيان بداعي
الأمر، ومثله كيف يقع في حيز الأمر، فان هذا الأشكال مختص بالتعبديات ولا
يعم التوصليات بل من حيث أن الشئ لا يتصف بأحد العنوانين من كونه موافقا
للأمر، ومسقطا للإعادة والقضاء إلا بعد الأمر، ومن البين أن المراد من الوضع
للصحيح أو للأعم بهذا المعنى وغيره هو الوضع لما هو صحيح بالحمل الشايع.
فان قلت: الصحيح بهذا المعنى بالحمل الشايع لا تحقق ولا ثبوت له حقيقة
إلا بعد الأمر وإتيانه فلا ثبوت للموضوع له بما هو طرف للعلقة الوضعية في مرتبة
الوضع فلا يعقل الوضع له إذ لابد في كل نسبة من ثبوت طرفيها على ماهما عليه
من القالبية للطرفية في مرحلة ثبوت النسبة، وهذا بخلاف الوضع لعنوان موافق
الأمر، ولعنوان المسقط للإعادة والقضاء، وسائر عناوين المشتقات، فان العنوان
في مرتبة العنوانية لا يستدعى ثبوت الذات وفعلية التلبس بالمبدء.
قلت: كما يمكن ملاحظة الشئ بالحمل الأولى كذلك يمكن ملاحظة
الشئ بالحمل الشايع بنحو المحاكات لما في الخارج، سواء كان موجودا حال
لحاظه أولا، واما الصحيح بمعنى التام من حيث ترتب الأثر فربما يتوهم عدم
إمكان الوضع له نظرا إلى أنه عنوان منتزع عن الشئ بعد ترتب الأثر عليه، والأثر

1 - إشارة إلى إن اللازم أن كان من لوازم الوجود صح ما ذكر وإن كان من لوازم الماهية فلا إذ لا منافاة
في لازم الماهية وعارضها بين اللزوم وكونه محققا لها كالفصل بالإضافة إلى الجنس فإنه عرض خاص له
مع أن تحصل الجنس بتحصله (منه).
59

حيث إنه خارج عن حقيقة ذات مؤثر لا يعقل أخذه فيه.
نعم يعقل الوضع للحصة الملازمة للأثر كما بينا نظائره سابقا، فاللفظ على
القول بالصحيح بهذا المعنى كما لم يوضع لمفهوم التام كذلك لمصداقه، بل هو
موضوع لما يلازم التمامية من حيث ترتب الأثر وهذا توهم فاسد، لأن خروج
الأثر عن مرتبة ذات المؤثر ووجوده واستحالة دخله فيه لا يوجب استحالة دخله
في التسمية بأن يكون اللفظ موضوعا للفعل القائم به الأثر كما إذا وضع لفظ
الصلاة لو هوناه عن الفحشاء بالحمل الشايع.
نعم لا يعقل اخذ الصلاة بهذا المعنى موضوعا في قضية الصلاة تنهى عن
الفحشاء للزوم حمل الشئ على نفسه وعروض الشئ لنفسه فيكون نظير
الاشكال المتقدم في جعل الصحيح بمعنى موافق الأمر في حيز الأمر من دون
لزوم الاستحالة في مرحلة الوضع، مع أن التمامية من حيث ترتب الأمر لا ينتزع
عن الشئ المرتب عليه الأثر بهذا القيد ليكون نظير عنوان المؤثر أو عنوان الكلى
والجزئي فإن التام بالحمل الشايع متقوم بالتمامية بلحاظ ترتب الأثر بالمبدء
القائم بذات التام المصحح لانتزاع عنوانه حيثية التمامية لا حيثية الأثر كما في
عنوان المؤثر بزعم هذا التوهم وإن كان التمامية من حيث ترتب الأثر لا ينفك
عنه كالعلة والمعلول، فان عنوان العلة منتزع من ذات العلة حيث بلغت حدا
يجب بها ذات المعلول لا من العلة المترتب عليها المعلول، وكون حقيقة التمامية
متعينة بلحاظ ترتب الأثر مثلا، نظير تعين الجنس بفصله، وتحصله بفصله، ومع
ذلك فحقيقة الجنس غير حقيقة الفصل ومبدء الجنس الطبيعي غير مبدء الفصل
الطبيعي.
ومنه تبين أن مصداق الصحيح بمعنى التام من حيث ترتب الأثر ذات ما
يترتب عليه الأثر، أي هذه الحصة لا بوصف الترتب حتى يقال انه لم يوضع اللفظ
لمصداق الصحيح بل لما يلازمه، إذا عرفت هذا فاعلم: أن ما تضاف إليه التمامية
يختلف باختلاف الأقوال فمن ذهب إلى الوضع للمرتبة العليا، والتوسع في
60

البواقي فغرضه التمامية من حيث استجماع جميع الأجزاء والشرائط، ومن ذهب
إلى الوضع لجامع يجمع جميع المراتب، فان صحح دخول القربة في متعلق الامر
فغرضه التمامية من حيث فعلية ترتب الأثر مطلقا، وإلا فالترتب بشرط ضم
القربة، ومن ذهب إلى التفصيل بين الأجزاء والشرائط فغرضه التمامية من حيث
ترتب الأثر بضم الشرائط والوجه في الجميع واضح فلا تغفل.
" وجه لزوم الجامع على القولين "
قوله: لابد على كلا القولين قدر جامع الخ: وجه اللابدية أن الأعمى
غرضه التمسك بالإطلاق وينافيه الاشتراك اللفظي، والصحيحي يدعى الأجمال
من حيث المفهوم لا من حيث المراد، مضافا إلى محاذير أخر، يأتي الإشارة إليها
في طي الكلام انشاء الله تعالى.
قوله: ولا اشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة، وإمكان الإشارة
إليه بخواصه وآثاره الخ: تحقيق المقام يستدعى زيادة بسط في الكلام.
فنقول: الجامع إما أن يكون جامعا ذاتيا مقوليا، أو جامعا عنوانيا اعتباريا،
والالتزام بهما مشكل، أما الجامع العنواني كعنوان الناهي عن الفحشاء ونحوه
فالوضع بإزائه وإن كان ممكنا لامكانه، إلا أن لازمه عدم صحة استعمال الصلاة
مثلا في نفس المعنون إلا بغاية، لأن العنوان غير المعنون وليس كالجامع الذاتي
بحيث يتحد مع جميع المراتب مع أن استعمال الصلاة في نفس الهيئة التركيبية
بلا عناية صحيح، مضافا إلى سخافة القول بوضع الصلاة لعنوان الناهي عن
الفحشاء كما لا يخفى.
وأما الجامع المقولي الذاتي فهو غير معقول لأن الصلاة مؤلفة وجدانا من
مقولات متبائنة كمقولة الكيف والوضع ونحوهما ولا تندرج تحت مقولة واحدة
لأن المقولات أجناس عالية فلا جنس لها، ولا يمكن أن يكون المركب مقولة
61

برأسها لاعتبار الوحدة في المقولات، وإلا لما أمكن حصرها، ولذا يسمى هذا
المركب وشبهه بالمركب الاعتباري، وإذا لم يكن جامع ذاتي مقولي لمرتبة
واحدة من الصلاة فعدم الجامع للمراتب المختلفة كما وكيفا بطريق أولى.
ومنه يظهر أنه لو فرض ظهور دليل في ترتب أثر واحد بسيط على الصلاة
بحيث يكشف عن جهة جامعة ذاتية لزم صرفه إلى بعض الوجوه للبرهان القطعي
على أن المقولات المتبائنة لا تندرج تحت مقولة واحدة، مضافا إلى أن وحدة
الأثر وبساطته يكشف كشفا قطعيا عن وحدة المؤثر وبساطته، والحال أن اتحاد
البسيط مع المركب محال ولو كان جميع الأجزاء من أفراد مقولة واحدة، وإمكان
التشكيك في الماهية لا يصلح اتحاد البسيط مع المركب. وبالجملة يمكن أن
يكون للبسيط شدة وضعف وتفاوت في أفراده طولا وقصرا، ولكن لا يعقل أن
يكون المركب فردا للبسيط، وقيام الكم المنفصل بالكثير من باب قيام العرض
بموضوعه لا دخل له باتحاد البسيط مع المركب من باب اتحاد الطبيعي وفرده،
والكلام في الثاني، وائتلاف حقيقة الكم المنفصل من الوحدات مخصوص به فلا
يتصور في مقولة أخرى حتى يجعل طبيعة الصلاة كذلك ووضع لفظ الصلاة
للكم المنفصل القائم بأجزاء الصلاة لا يتفوه به عاقل ضرورة أن الصلاة أمر
متكمم لا أن حقيقتها حقيقة الكم المنفصل.
واما حديث تأثير الصلاة بمراتبها المختلفة كما وكيفا في الانتهاء عن الفحشاء
فلا يكشف عن وحدة حقيقية ذاتية بين مراتب الصلاة لأن جهة النهى عن
الفحشاء والمنكر واحدة بالعنوان لا وحدة بالذات والحقيقة، والواحد بالعنوان لا
يكشف إلا عن واحد بالعنوان، وهو عنوان الناهي عن الفحشاء والمنكر، وإن كان
ذات المنكر في كل مرتبة مبائنا للمنكر الذي تنهى عنه مرتبة أخرى.
وأما تصور كيفية تأثير لمراتب الصلاة في الانتهاء عن الفحشاء فيمكن توجيهه
وتقريبه بمالا ينافي البراهين القاطعة، بأن يقال: إن مجموع الاجزاء بالأمر مؤثرة
في صرف النفس عن جملة من المنكرات أو في استعداد النفس للانتهاء عنها
62

لمكان مضادة كل جزء لمنكر بإزائه وما دون المرتبة العليا تؤثر في صرف النفس
عن جملة أقل من الأولى، هذا في المراتب المختلفة بالكمية.
وأما المختلفة بالكيفية، فيمكن الالتزام بتأثير إحديها في صرف النفس عن
جملة وتأثير الأخرى في جملة أخرى، وعلى هذا فلا حاجة إلى الالتزام بجامع
ذاتي في مرتبة فضلا عن المراتب، إما في مرتبة واحدة لأن أثر كل جزء غير ما هو
أثر الاخر وأما في المراتب المختلفة كما وكيفا فلاتحاد طبايع الأجزاء في الأولى،
واختلاف الآثار كالمؤثرات في الثانية، ومع هذا صح أن صلاة بما رتبها تنهى عن
المنكر والفحشاء، كما يمكن أن يجعل كل مرتبة ناهية عن منكر خاص من دون
الالتزام بتأثير كل جزء في النهى عن منكر، وبالجملة الاتحاد بالعنوان لا يكشف
عن الاتحاد في الحقيقة.
ثم إنه لو كان الجامع المقولي الذاتي معقولا لم يكن مختصا بالصحيحي بل
يعم الأعمى لأن مراتب الصحيحة والفاسدة متداخلة، فما من مرتبة من مراتب
الصحيحة إلا وهي فاسدة من طائفة حتى المرتبة العليا فإنها فاسدة فمن لم يكلف
بها، وإذا كان لجميع هذه المراتب جامع ذاتي مقولي فقد كان لها جامع بجميع
حيثياتها واعتباراتها ضرورة استحالة أن يكون الشئ فردا بالذات لمقولة باعتبار
وفردا بالذات لمقول أخرى باعتبار آخر إذا لمقولات أمور واقعية لا تختلف
باختلاف الاعتبارات وحيثية الصدور من طائفة دون أخرى وإن أمكن دخلها في
انطباق عنوان على الفعل، إلا أن دخلها في تحقق الجامع المقول غير معقول
وحينئذ فإذا فرض استكشاف الجامع المقولي العيني بين هذه المراتب
الصحيحة من طائفة والفاسدة من طائفة أخرى من دون دخل لحيثيات الصدور
مع القطع بأن كل مرتبة لا تؤثر في حق كل أحد لزم القطع بأن لكل مرتبة اقتضاء
الأثر غاية الأمر أن حيثية الصدور شرط لفعلية التأثير، ولكن هذه على ذكر منك
لعلك تنتفع به فيما بعد انشاء الله تعالى.
والتحقيق أن سنخ المعاني والماهيات وسنخ الوجود العيني الذي حيثية ذاته
63

حيثية طرد العدم في مسألة السعة والأطلاق متعاكسان فان سعة سنخ الماهيات
من جهة الضعف والأبهام، وسعة سنخ الوجود الحقيقي من فرط الفعلية، فلذا
كلما كان الضعف والأبهام في المعنى أكثر كان الإطلاق والشمول أوفر، وكلما كان
الوجود أشد وأقوى كان الإطلاق والسعة أعظم وأتم فان كانت الماهية من
الماهيات الحقيقة كان ضعفها وإبهامها بلحاظ الطوارئ وعوارض ذاتها مع حفظ
نفسها كالانسان مثلا فإنه لا إبهام فيه من حيث الجنس والفصل المقومين لحقيقته
وإنما الابهام فيه من حيث الشكل وشدة القوى وضعفها وعوارض النفس والبدن
حتى عوارضها اللازمة لها ماهية ووجودا، وإن كانت الماهية من الأمور المؤتلفة
من عدة أمور بحيث تزيد وتنقص كما وكيفا، فمقتضى الوضع لها بحيث يعمها مع
تفرقها وشتاتها أن تلاحظ على نحو مبهم في غاية الإبهام بمعرفية بعض العناوين
الغير المنفكة عنها، فكما أن الخمر مثلا مايع مبهم من حيث اتخاذه من العنب و
التمر وغيرهما، ومن حيث اللون والطعم والريح، ومن حيث مرتبة الإسكار، ولذا
لا يمكن وصفه أراد إلا لمايع خاص بمعرفية المسكرية من دون لحاظ
الخصوصية تفصيلا بحيث إذا أراد المتصور تصوره لم يوجد في ذهنه إلا مصداق
مايع مبهم من جميع الجهات إلا حيثية المائية بمعرفية المسكرية، كذلك لفظ
الصلاة، مع هذا الاختلاف الشديد بين مراتبها كما وكيفا لابد من أن يوضع لسنخ
عمل معرفه النهى عن الفحشاء أو غيره من المعرفات، بل العرف لا ينتقلون من
سماع لفظ الصلاة إلا إلى سنخ عمل خاص مبهم إلا من حيث كونه مطلوبا في
الأوقات الخاصة، ولا دخل لما ذكرناه بالنكرة فإنه لم يؤخذ فيه الخصوصية
البدلية كما أخذت فيها وبالجملة الابهام غير ترديد.
وهذا الذي تصورناه في ما وضع له الصلاة بتمام مراتبها من دون الالتزام
بجامع ذاتي مقولي وجامع عنواني ومن دون الالتزام بالاشتراك اللفظي مما لا
مناص عنه بعد القطع بحصول الوضع ولو تعينا.
64

وقد التزم بنظيره بعض أكابر فن المعقول (1) في تصحيح التشكيك في الماهية
جوابا عن تصور شمول طبيعة واحدة لتمام مراتب الزائدة والمتوسطة والناقصة
حيث قال " نعم الجميع مشترك في سنخ واحد مبهم غاية الإبهام، بالقياس إلى
تمام نفس الحقيقة ونقصها وراء الإبهام الناشئ فيه عن الاختلاف في الافراد
بحسب هوياتها " انتهى. مع أن ما ذكرناه أولى به مما ذكره في الحقايق المتأصلة
والماهيات الواقعية كما لا يخفى. وسيجيئ إنشاء الله تعالى أن هذا البيان
يجدى للأعمى أيضا وأن إمكان التمسك بالاطلاق وعدمه على أي وجه فانتظر.
قوله: والاشكال فيه بان الجامع لا يكاد يكون أمرا مركبا الخ: هذا ما
أشكله بعض الأعاظم - ره - في تقريراته لبحث شيخنا العلامة الأنصاري قدس
الله تربته (2) ولقد أجاد في ابتناء الاشكال على عدم جامع مقولي ولذا جعل الأمر
مرددا بين الجامع التركيبي من نفس المراتب المركبة في الخارج من مقولات
متعددة، وبين جامع بسيط منتزع عنها باعتبار الحكم المتعلق بها أو الأثر المترتب
عليها فإنهما جهة وحدة عرضية لتلك المراتب.
وتحقيق القول في بيان الاشكال وما يمكن ان يقال في دفعه: هو أن الجامع إذا
كان مركبا فلا محالة لا يكون جامعا للمراتب الصحيحة من وجهين.
أحدهما: أن الجامع التركيبي وإن أخذ ما أخذ فيه من القيود لكنه غير
متمحض في الصحيح لامكان اتصافه بالفساد بحسب صدوره ممن كان مكلفا
بغيره كالمرتبة العليا من الصلاة فإنها لا تصح في غير حالة من الأحوال، وما كان
حاله كذلك لا يكون جامعا للمراتب الصحيحة.
ثانيها: أن المراتب متداخلة صحة وفسادا فلا يعقل أن يؤخذ منها جامع
تركيبي لخصوص مراتب الصحيحة فما فرض جامعا لمراتب الصحيحة لم يكن
بجامع هذا إلا أن تعقل الجامع التركيبي بين تمام المراتب مع قطع النظر عن

1 - أي الصدر المتأهلين في الأسفار ج 1 ص 431.
2 - مطارح الأنظار ص 6.
65

الاشكال مشكل، فهو أولى بالايراد. وربما يتخيل انه لا زيادة ولا نقص في مراتب
الصلاة من حيث الأجزاء بل الصلاة موضوعة لحد خاص، وإنما التفاوت نشأ إما
من قيام حيثيات متعددة هي من اجزاء الصلاة بفعل واحد، وربما تقوم كل حيثية
بفعل آخر وأما من قيام حيثية واحدة بأفعال متعددة، وربما تقوم بفعل واحد
غيرها، فتلك الحيثيات المجتمعة في واحد غيرها، فتلك الحيثيات المجتمعة
في واحد والمتفرقة في المتعدد في المقومة لحقيقة الصلاة، وهي لا تزيد ولا
تنقض وإن كانت الأفعال تزيد وتنقص.
والجواب عنه: أن قيام تلك الحيثيات إما بنحو قيام الطبيعي بأفراده أو بنحو
قيام العرض بموضوعه انضماما أو انتزاعا أو بنحو قيام الأثر بمؤثره، والمعلول
بعلته، لا مجال للأول إذ لا يعقل فردية شئ واحد لأنواع من مقولة أو لمقولتين،
كما لا يعقل فردية أمور متعددة في الوجود لمقولة واحدة، وقد عرفت سابقا أن
إئتلاف حقيقة شئ من الوحدات مخصوص بالكم المنفصل فلا يعقل مقولة
تقوم بالمتعددة تارة، بالواحد أخرى، ولا مجال للثاني لأن العرض انضماما كان أو
اعتباريا يبائن موضوعه بحسب المفهوم بل بحسب الوجود أيضا على المشهور
مع، أنك عرفت سابقا أن إطلاق الصلاة وإرادة نفس هذه الأفعال لا تحتاج إلى
عناية أصلا، والوضع للتحيث بتلك الحيثيات لا لها لا يقيد لان المتحيث
بملاحظة تفرق الحيثيات واجتماعها يزيد وينقص، فيعود إشكال الجامع بين
الزائد والناقص، ولا مجال للثالث لمبائنة الأثر مع مؤثره مفهوما ووجودا فيرد
عليه ما يرد على الثاني مع أن الظاهر مما ورد في تحديد الصلاة من أن أولها
التكبير وآخرها التسليم، أنها هذه الأفعال لأن الأفعال محققات لها وهي مبائنة
الوجود، ولا ذات عنها فاتضح عدم معقولية الجامع التركيبي وتصحيحه بمعقولية
التشكيك في الماهية كما ربما يسبق إلى بعض الأوهام كأصل إمكان التشكيك
في ذلك المقام غير خال عن ثبوت الإبهام، وذلك لأن التشكيك الذي يقول
بإمكانه أهله اختلاف قول الماهية على أفرادها بالأشدية والأضعفية وغيرهما من
66

أنحاء التفاوت، وقد سمعت منا سابقا تركب الصلاة من مقولات مبائنة بل لو
كانت مركبة من أفراد مقولة واحدة لم يكن مجال للتشكيك إذ مراتب الصلاة
ليست أفراد مقولة واحدة حتى يقال بأن تفاوتها غير ضائر لمكان إمكان التشكيك
بل كل مرتبة مركبة من أفراد فلا وحدة حتى يجرى فيها التشكيك.
والتحقيق أنه إن أريد من الجامع التشكيكي من حيث الزيادة والنقص ما يكون
كذلك بذاته، فهو منحصر في حقيقة الكم المتصل والمنفصل، ولا مجرى له في
سواهما إلا بنحو آخر أجنبي عما نحن فيه، ومن البديهي أن حقيقة الصلاة غير
حقيقة الكم وإن كانت متكممة وإن أريد من الجامع التشكيكي ما كان كذلك ولو
بالعرض أي باعتبار كمه المتصل أو المنفصل فحينئذ ان كان المتكمم من أفراد
مقولة واحدة أن يوضع لفظ الصلاة مثلا لتلك الطبيعة الواحدة المتكممة القابلة
باعتبار تكمها للزيادة والنقص إلا أن حقيقة أجزاء الصلاة وجدانا ليست من أفراد
مقولة واحدة وهي مع ذلك وإن كانت متكممة لكنه ليس هناك جامع يكون
تشكيكيا بالعرض مع أنه ليس بجامع تركيبي حقيقة.
ومما ذكرنا ظهر أن الايراد على الجامع التشكيكي بأن الزائد هنا ليس من
جنس المزيد عليه لا وقع له فان الزائد وإن كان من جنس المزيد عليه لا مجال
للتشكيك بالذات هنا كما عرفت، وهذا في غاية الوضوح للمطلع فالبحث عن
إمكان التشكيك وامتناعه كما صدر عن بعض، في غير محله كما أن تطبيق
التشكيك الذي وقع البحث عنه في فن الحكمة على بعض العناوين الاعتبارية
المنطبقة على الزائد والناقص كما صدر عن غير واحد في المقام وغيره، غفلة
عن حقيقة الامر فان مجرى التشكيك، واختلاف قول الطبيعة المرسلة على
أفرادها في الماهيات الحقيقية دون العناوين الاعتبارية بل جريانه فيها يتبع
منشئها ومعنونها، فان كان من مقولة يجرى فيها الاشتداد ويتفاوت قول الماهية
فيها كان العنوان الانتزاعي تابعا له وإلا فلا، وقد عرفت حال الصلاة سواء لوحظ
تركبها من مقولات متعددة، أو من أفراد مقولة واحدة فافهم جيدا.
67

وقد اتضح مما بيناه أن تعقل الجامع التركيبي بين تمام المراتب المختلفة كما
وكيفا مشكل، وتصحيحه التشكيك أشكل، وغاية ما يمكن أن يقال في تقريبه
على ما سنخ بالبال هو أن كيفية الوضع في الصلاة على حد وضع سائر الألفاظ
المركبات كالمعاجين فكما أن " مسهل الصفراء " مثلا لو كان موضوعا لعدة أجزاء
فلا يتفاوت المسمى بالزيادة النقصان في تلك الأجزاء كما فتريهم يقولون إن
" مسهل الصفراء كذا وكذا " إلى آخر طبائع الأجزاء من غير تعيين المقدار وإن كان
المؤثر الفعلي في حق كل أحد غير ما هو المؤثر في حق الاخر ومع ذلك فلا
تفاوت في نفس طبايع الأجزاء فكذلك الصلاة موضوعة لطبيعة التكبير والقرائة و
الركوع والسجود وغيرها الملحوظة بلحاظ وحداني، غاية الأمر أن المطلوب من
هذه الطبيعة المركبة تارة ركعة، وأخرى ركعتان، وهكذا كما أن المطلوب من
طبيعة الركوع ركوع واحد، ومن طبيعة السجود سجودان في كل ركعة وهكذا
فجميع مراتب صلاة المختار حتى صلاة المسافر مندرجة في ذلك من دون
إلتزام بجامع وراء نفس طبايع الاجزاء نعم لابد من الالتزام يكون ما عداها أبدا لا
للصلاة بل جعل التسبيحة بدلا عن القراءة في صلاة المختار أيضا، وهو مشكل
والتفصي عن هذه العويصة وغيرها منحصر فيما أسمعناك في الحاشية المتقدمة
من الوضع بإزاء سنخ عمل مبهم في غاية الابهام بمعرفية النهى عن الفحشاء فعلا
وغيرها من الخواص المخصصة له بمراتب الصحيحة فقط.
وأما إذا كان الجامع بسيطا كالمطلوب ونحوه أو ملزومه كالناهي عن الفحشاء
فقد أورد عليه المقرر المذكورة بوجوه من الايراد.
والتحقيق: أن الجامع إن كان المطلوب بالحمل الشايع بالغاء الخصوصيات
وعلى نهج الوحدة في الكثرة فان أريد المطلوب بنفس الطلب المتعلق به لزم
الدور على المشهور والخلف على التحقيق لعدم تعدد الوجود في الطلب
والمطلوب المقوم له في مرتبة تعلقه كما حققناه في محله، وإن أريد المطلوب
بطلب آخر فلا خلف كما لا دور وإنما هو تحصيل للحاصل لأن البعث بعد البعث
68

الجدي تحصيل بما حصل بالبعث السابق حيث إن البعث لجعل الداعي وقد
حصل فايراد الدور على المطلوب بالحمل الشايع مع عدم صحته في نفسه ليس
على إطلاقه، مضافا إلى أن ملاحظة المطلوبات بالحمل الشايع على نهج الوحدة
في الكثرة والغاء الخصوصيات، إنما تجدي في غير المقام بأن يلاحظ وجود
طبيعي الطلب وجود طبيعي ذات المطلوب، وأما ما نحن فيه فحيث إنه ذو
مراتب ولا جهة جامعة ذاتية فالغاء الخصوصيات لا يوجب وحدة المراتب
وحدة طبيعية عمومية فتدبر جيدا.
وإن كان المطلوب بالحمل الأولى فهو بنفسه وإن لم يستلزم الدور مطلقا بل
الترادف فقط إلا أن الأمر بالمطلوب العنواني لا يرجع إلى محصل إلا إذا رجع
الأمر إلى المطلوب بالحمل الشايع بملاحظة العنوان في مرحلة الإرادة فانيا في
المعنون بحيث يكون الاستعمال في نفس العنوان إلا أنه بنحو الالية لمعنونه في
مرحلة الحكم فالعنوان ملحوظ استقلالي في مرحلة الاستعمال، وملحوظ آلى
في مرحلة الحكم كما مر نظيره سابقا وعليه فيجرى فيه ما أجريناه في المطلوب
بالحمل الشايع من الدور أو الخلف تارة، وتحصيل الحاصل أخرى، وما قلنا من
أن الامر بعنوان المطلوب راجع إلى الأمر بمعنونه ليس لكون إيجاد العنوان
بايجاد معنونه، ومعنون العنون المزبور الصلاة التي تعلق بها الطلب الحقيقي، لأن
إيجاد عنوان المطلوب في الخارج ليس بايجاد الصلاة فإنه يسقط الطلب، بل
بجعل الصلاة مطلوبة حتى يصدق إيجاد العنوان، ومن البين أن جعل الصلاة
مطلوبة ليس تحت اختيار المكلف حتى يكلف به فلا محالة يرجع الأمر بعنوان
المطلوب أو بالمطلوب بالحمل الشايع إلى الأمر بذات المطلوب لمطابقته
للمطلوب بالحمل الشايع في مرتبة تعلق الطلب به لا بمرآتية العنوان لذات
المطلوب من دون نظر إلى حيثية المطلوبية، وإلا فلا دور، بل إلى ذات الصلاة
المطابقة للمطلوب بشخص هذا الطلب بما هي كذلك فتدبر جيدا.
قوله: مدفوع بأن الجامع أنما هو مفهوم واحد منتزع الخ: قد عرفت
69

الاشكال في الجامع المقولي والجامع العنواني ولا ثالث حتى يوضع له اللفظ.
فان قلت: لا حاجة إلى المقولي والعنواني بل يوضع لفظ الصلاة لما هو
بالحمل الشايع ناه عن الفحشاء لا لذوات المراتب الناهية عن الفحشاء حتى يلزم
الاشتراك اللفظي بل لها بمالها من الجهة الموجبة لاجتماع شتاتها، واحتواء
متفرقاتها بنحو واحدة في الكثرة والغاء خصوصيات المراتب.
قلت: الواحد بالعرض غير الواحد العرضي، كما أن الواحد بالنوع غير الواحد
النوعي، والوحدة الحقيقية التي يوصف بها الشئ حقيقة، وبالذات هي الوحدة
الثانية، وإلا فالوحدة بالعرض وبالنوع من باب وصف الشئ بحال متعلقه، ففي
الحقيقة ليس للمراتب المختلفة وحدة على الحقيقة، وانما الوحدة للعرض القائم
بها أعني المطلوبية، والنهى عن الفحشاء، والكلام في وضع اللفظ للمراتب التي
يجمعها جهة وحدة لها حقيقة لا لنفس تلك الجهة التي هي واحدة حقيقة فتدبر
جيدا.
فان قلت: لا يجب أن تكون الوحدة حقيقية، بل يكفي أن تكون اعتبارية، بأن
يلاحظ المراتب التي هي واحدة باعتبار الغرض الواحد بالحقيقة بناء على
الصحيح، وبأن يلاحظ المراتب التي هي واحدة بالقصد بناء على الأعم، فان كل
مرتبة تنبعث عن قصد واحد، فالمراتب واحدة باعتبار وحدة القصد طبيعيا
فليست جهة الوحدة مقومة للمسمى، ولا عينه، بل موحدة للمسمى، وخارجة
عنه كما إذا وضع اللفظ لمركب اعتباري فإن اللفظ لا يقع بإزاء المتعدد بذاته بل
بإزائه بجهة وحدة له، وهي إما الغرض أو القصد أو اللحاظ أو شئ آخر، فكما
أن الموضوع له هناك واحد بالاعتبار لا بالحقيقة فكذلك فيما نحن فيه.
قلت: نعم الواحد بالاعتبار كما في المركب الاعتباري يمكن أن يوضع له
اللفظ إلا أن الواحد بالاعتبار هنا مجموع المراتب باعتبار وحدة الغرض، أو
القصد وحدة طبيعية عمومية، ومن البديهي أن كل مرتبة صلاة لا جزء مسمى
الصلاة فلا يقاس ما نحن فيه بالواحد بالاعتبار عليه فلابد من الوضع، إما لذوات
70

المراتب المتحدة في طبيعي الغرض أو القصد، وهو يوجب الاشتراك اللفظي
وإما لها بمجموعها فإنها الواحد بالاعتبار، وهو خلف، وإما للجهة الموحدة لها
التي هي واحد بالحقيقة وهو أيضا خلف، لأن الغرض وضع لفظ الصلاة لما
يترتب على الغرض لا للغرض، وأما الوضع لجامع ذاتي أو عنواني يجمعها،
والأول محال، والثاني غير صحيحي كما قدمناه، وأما تخيل أن الوحدة الاعتبارية
هنا ذهنية فيستحيل اتحادها مع الكثرات الخارجية فخطأ بل الوحدة عرضية
بالإضافة إلى المراتب ذاتية بالإضافة إلى القصد والغرض، وعلى أي حال فهي
خارجية لان الواحد بالحقيقة خارجي فالاعتبار وارد على الوحدة لا مقوم لها.
قوله وفى مثله يجرى البراءة وإنما لا يجرى فيما إذا كان الخ: إذ لو
كان بينهما اتحاد على نحو اتحاد المنتزع والمنتزع عنه فالاجمال فيما هوناه عن
الفحشاء بالحمل الشايعة وهو المأمور به ثابت، بخلاف ما لو كان بينهما السببية
والمسببية كالوضوء والطهارة فان ما هو وضوء بالحمل الشايع غير ما هو طهارة
بذلك الحمل فلا ربط للإجمال في أحدهما بالاجمال في الأخر.
قلت: الغرض إن كان مترتبا على ذات المأمور به كإسهال الصفراء المترتب
على الأدوية الخاصة فهو عنوان المأمور به، فكأنه أمر بمسهل الصفراء وإن كان
مترتبا على المأمور به إذا قصد له إطاعة الامر فمثله لا يعقل أن يكون عنوانا لذات
المأمور به كيف ومرتبته متأخرة عن الأمر بل هو غرض من الأمر، وهو معنى أن
المصالح إما هي عناوين المأمور به أو أغراض من الأوامر، فظهر أن عنوانية
المصلحة والفائدة بلحاظ أنها مبدء عنوان منتزع عن الفعل بلحاظ قيامها به بنحو
من أنحاء القيام، وإلا فكل فائدة من فوائد العقل القائمة به بنحو من أنحاء القيام
نسبتها إلى الفعل المحصل لها نسبة المسبب إلى السبب، كما أن كل عنوان منتزع
عن الفعل بلحاظ تأثيره في وجود الفائدة له نحو اتحاد مع الفعل فإذا لوحظت
الافعال الصلواتية بالإضافة إلى نفس الفائدة أعني النهى عن الفحشاء
كانت كالوضوء بالنسبة إلى الطهارة، وإذا لوحظت بالإضافة إلى العنوان المنتزع
71

عنها أعني عنوان المناهي عن الفحشاء كانت كالوضوء بالنسبة إلى عنوان الطهور
المنطبق عليه، فكما لا فرق في وجوب الإحتياط بين ما إذا تعلق الامر بالوضوء
لغرض الطهارة وبينها إذا تعلق بعنوان الطهور ابتداء بل الثاني أولى، لرجوع الأول
إليه أيضا كما عرفت في مثال إسهال الصفراء، فالأمر يتعلق بالعنوان في الأول
بالواسطة، وفى الثاني بلا واسطة فكذلك لا فرق بينما إذا أمر بالافعال الخاصة
لتحصيل الانتهاء عن الفحشاء وبينما إذا أمر ابتداء بالناهي عن الفحشاء.
ومن هذا البيان تبين أن ما ذكره المقرر - ره - انما يصح في مثل عنوان الناهي
عن الفحشاء من العناوين المنتزعة عن الافعال بلحاظ قيام مباديها التي هي من
فوائد إتيان المأمور به يقصد الإطاعة فلا يجرى فيه ما ذكرنا من تعلق الأمر به
حقيقة من طريق الغرض وإن كان بلحاظ الوضع العنوان المطلوب كذلك.
وبالجملة كون النسبة اتحادية أو بنحو السببية والمسببية لا دخل له بلزوم
الإحتياط وعدمه، بل الملاك أن ما هو مأمور به بالحمل الشايع إذا كان مجملا
ينحل إلى معلوم ومشكوك، فهو محل الخلاف من حيث البراءة والاحتياط، وإذا
كان مبينا كان الاحتياط معينا كان الاجمال في سببه ومحققه أو في مطابقه
ومصداقه، حيث أن المأمور به لا يبخل إلى معلوم يتنجز وشكوك يجرى فيه
البراءة، وعليه فان كان مسمى لفظ الصلاة عنوان الناهي عن الفحشاء كما هو
الظاهر ممن يأخذ الجامع عنوانا بسيطا منتزعا عن الافعال الصلواتية فلا مناص
عن الاحتياط، لأن المسمى عنوان مبين وقع في حيز الأمر لمكان القدرة على
إيجاده بالقدر على إيجاد معنوه، ولا ينحل إلى معلوم ومجهول، وانحلال
مطابقه إلى معلوم ومجهول أجنبي عن انحلال متعلق التكليف، وإن كان المسمى
ما هو بالحمل الشايع ناه عن الفحشاء على الوجوه الذي أشكلنا عليه وقلنا
بالوضع للعنوان لكنه لوحظ في مقام التكليف فانيا في معنونه فما هو مأمور به
بالحمل الشايع إن كان الناهي فعلا فهو غير قابل للانحلال بلحاظ حيثية الانتهاء
عن الفحشاء، وإن كان الناهي اقتضاء فكل مرتبة ناهية كذلك فمرجع الشك إلى
72

أن المقتضى بتلك المرتبة مطلوبة أم لا، مع القطع بمطلوبية المقتضى بمرتبة
الأقل.
نعم إن كان الانتهاء عن الفحشاء فعلا ذا مراتب كما هو كذلك قطعا أمكن
الانحلال نظرا إلى أن هذه المرتبة من الانتهاء عن الفحشاء متحققة بالأقل وانما
الشك في مطلوبية مرتبة أخرى لا يتحقق إلا باتيان الأكثر فافهم وتدبر.
قوله: واما على الأعم فتصوير الجامع في غاية الاشكال الخ: وأما
على ما تصورنا الجامع فالصحيحي والأعمى في امكان الجامع على حد سواء
لما عرفت أن مراتب الصحيحة والفاسدة متداخلة والصحة الفعلية وعدمها في
كل مرتبة بلحاظ صدورها من أهلها وعدمه، وحينئذ فان وضع لفظ الصلاة بإزاء
ذاك العمل المبهم من جميع الجهات إلا من حيثية كونه ناهيا عن الفحشاء فعلا
بأن تكون هذه الحيثية معرفة لا حيثية تقييدية مأخوذة في الموضوع له فلا محالة
يختص الوضع بخصوص الصحيحة وإن وضع بإزاء المبهم إلا من البين أن حيثية
الصدور ليس من أجزاء الصلاة فليست مما يقوم به الأثر فكل مرتبة من مراتب
الصلاة لها اقتضاء النهى عن الفحشاء لكن فعلية التأثير موقوفة على صدورها من
أهلها، لا ممن هو أهل لمرتبة أخرى بل سيجيئ انشاء الله تعالى أن الشرائط كلها
كذلك وحيث أن الموضوع له على الصحيح هو العمل الناهي فعلا، وهو مردد
بين الأقل والأكثر فلذا لا مجال للتمسك بإطلاقه، إذ ليس في البين معنى محفوظ
يشك في لواحقه وأحواله بل كلما كان له دخل في فعلية النهى عن الفحشاء فقد
أخذ في مدلول الصلاة بالالتزام على ما يقتضيه معرفه، وحيث أن الموضوع له
على الأعم هو العمل المقتضى للنهي عن الفحشاء والمفروض اقتضاء جميع
المراتب وعدم تعلق دخل حيثية الصدور في اقتضائها، وإلا كان من أجزائها وهو
بديهي الفساد فإذا تحققت شرائط التمسك بالإطلاق صح للأعمى نفى ما يتصور
من المراتب التي تزيد جزء وشرطا على ما صح عنده من المرتبة المقتضية للنهي
عن الفحشاء بصدق معنى الصلاة حقيقة على ما بيده.
73

نعم بناء على ما ذكرنا آنفا من احتمال كون الانتهاء عن الفحشاء فعلا ذا
مراتب، وكان كل مرتبة من الصلاة ناهية بمرتبة من النهى فعلا من أي شخص
صدرت فعليه لا بأس بالتمسك بالإطلاق حتى على الصحيح إذ المفروض وضع
الصلاة لما يكون ناهيا بجميع مراتب النهى، ويشك في مطلوبية الصلاة بمرتبة
أخرى على النهى زائدا على ما بأيدينا فيصح التمسك بإطلاقه كما على الأعم
فتدبره فإنه حقيق به.
قوله: بل وعدم الصدق عليها الخ: فان جعل الأركان جامعا بلحاظ أن
تركها مضر عمدا وسهوا، مع أن الأجزاء الغير الأركانية مشتركة معها في الإضرار
عمدا، فلابد أن لا يصدق على الفاقد لها عمدا وعليه يحمل العبارة فتدبر.
قوله: مع أنه يلزم أن يكون الاستعمال فيما هو المأمور به الخ: لا
يخفى عليك عدم ورود نظيره على الصحيح فيما إذا استعمل اللفظ كذلك مع أن
الاستعمال في كل مرتبة بحدها مجاز أيضا لأنه من استعمال الكلى في الجزئي،
والسر في عدم الورود أن الاستعمال في الجامع وإرادة الكل إطلاقا، فإنه غير
صحيح، لعدم صدق الجزء على الكل فلا محالة ينحصر إرادة الكل في استعمال
اللفظ فيه مع أن استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل مجاز ولا يلتزم القائل
بالأعم أن يكون الاستعمال المفيد لإرادة الكل مجازا، وعليه ينبغي حمل ما
أفاده هنا وإن كان الاستدلال بصدق الصلاة على المجموع، فيكشف عن أن
معناها كلي منطبق عليه، وعدم الصدق الجزء على الكل أولى.
أما صدق الصلاة بلا عناية على مراتبها المتفاوتة كما وكيفا على الصحيح
فلابتنائه على وجود الجامع الذاتي بينها، وكونها من الطبايع المشككة المقتضية
لدخول المراتب بحدودها فيها، ولا يقتضى ذلك صحة استعمالها في مراتبها
بحدودها لأن المسمى نفس الجامع مع عدم لحاظ الحدود، فاستعمال اللفظ في
المراتب بحدودها استعمال في غير ما وضع له، ودخول الحدود في الطبايع
المشككة وإن كان بلحاظ نفس الطبيعة النوعية لفرض تعقل التشكيك في
74

الذاتيات إلا أنه يصحح صدق الطبيعة النوعية على مراتبها لأنها أشد اتحادا معها
من اتحاد الطبيعي مع فرده، لأن المشخصات خارجة عن الطبيعة النوعية،
وحدود المراتب هنا داخلة في الطبيعة النوعية لا يصحح استعمال اللفظ
الموضوع للجامع التشكيكي في مراتبه لأن عمومه المنطقي بلحاظ إهماله من
حيث المراتب وإن كان قابلا للعموم الأصولي من حيث نفس ذاته أيضا لكونه في
حد ذاته مراتب والوضع له باللحاظ الأول لا باللحاظ الثاني، فلا محالة يصح
الصدق، ولا يصح الاستعمال، وأما عدمه على الأعم فالمفروض هو الوضع
للأركان ولا اتحاد للصلاة بهذا المعنى مع الأركان وغيرها كما عرفت.
فان قلت: كما يصدق الطبيعة على الفرد بمشخصاته الحقيقية فلتصدق على
الفرد بمشخصاته الاعتبارية.
قلت: لا ريب في أن الأجزاء الغير الأركانية داخلة في المأمور به وإنما لم
تدخل في المسمى على هذا الوجه فهي أجزاء طبيعة المأمور به، ولا يعقل أن
يكون جزء المأمور به عن مشخصات جزء آخر فان نسبة الأركان وغيرها إلى
المأمور به من حيث الجزئية على حد سواء.
وليس لمقام التسمية من حيث التسمية اعتبار جزء الفرد فلا يعقل أن تكون
الأجزاء الغير الأركانية جزء للطبيعة من حيث المأمور به وجزء للفرد من حيث
المسمى مضافا إلى أن في صدق الطبيعة على الفرد بمشخصاته كلاما فان [زيدا]
مثلا من حيث نفسه وبدنه مطابق للانسان في الخارج لا من حيث كمه وكيفه
ووضعه وغيرها من لوازم وجوده، بداهة أن انتزاع مفهوم واحد عن أشياء
متخالفة بما هي متخالفة محال، فكيف يعقل انتزاع مفهوم واحد وهو الانسان عن
زيد وعمرو وبكر مع تخالفها في المشخصات فليس ذلك إلا أن مطابقة هذه
المتخالفات لمفهوم الانسان بجهة وحدتها وهي كونها ذوات نفس وبدن لا
بجهات تخالفها.
والحق أن الماهية الشخصية بالإضافة إلى الماهية النوعية كالفصل بالإضافة
75

إلى الجنس بمعنى أنها مجرى فيض الوجود لها، كما أن فيض الوجود يمر من
الفصل إلى الجنس فلو ألقى خصوصية درجة الوجود من الماهية الشخصية
ولوحظ الوجود الساري منها إلى الطبيعة النوعية الكلية كانتا متحدتين في هذا
الوجود الساري فيصح الحمل بهذه الملاحظة لأن المحمول عليه في " زيد
إنسان " خصوص النفس والبدن حتى يؤل إلى الحمل الأولى وهذا معنى صدق
الطبيعي على فرده لا من حيث لوازمه فتدبره حقيق به.
ومن المعلوم أن هذا الوجه لا يجرى إلا فيما كان بين الموضوع المحمول هذا
النحو من الاتحاد لاكل جزء وكل.
" الوجه الثاني من الجوامع "
قوله: انه عليه انما يتبادل ما هو المعتبر في المسمى الخ: لا يذهب
عليك أن إشكال تبادل أجزاء ماهية واحدة انما يرد إذا لوحظت الاجزاء معينة لا
مبهمة والابهام غير الترديد فلا يرد عليه لزوم كون معاني العبادات نكرة فلو
أرجعنا هذا الوجه إلى ما وجهنا به الجامع من الوضع لسنخ عمل مبهم بمعرفية
كذا وكذا بزيادة معظم الاجزاء بنحو الإبهام، لما ورد عليه شئ إلا صدق
الصلاة الصحيحة على فاقد المعظم فضلا عن صدق مطلقها.
" الوجه الثالث من الجوامع "
قوله: وفيه أن الاعلام انما تكون موضوعة للأشخاص الخ.
إن قلت: لا ريب في أن [زيدا] مثلا مركب من نفس وبدن وأعضاء ولحوم
وعظام أعصاب، فهو واحد بالاجتماع طبيعيا لا صناعيا كالدار، وليس بواحد
بالحقيقة فهناك بالحقيقة وجودات، ووحدة جسمه بالاتصال لا تجدي إلا في
76

النمو والذبول لا في نقص يده ورجله وإصبعه وغير ذلك، وجعله لا بشرط
بالإضافة إلى أعضائه مشكل، فان ذلك الواحد الذي هو لا بشرط إما نفسه فقط
فيشكل حينئذ بأن زيدا من المجردات، أو مع بدنه فأي مقدار من البدن ملحوظ
معه.
قلت: ليس المراد من البدن الملحوظ مع النفس جسمه بماله من الأعضاء بل
الروح البخاري الذي هو مبدء الحياة السارية في الأعضاء فإنه مادة النفس، وهو
الجنس الطبيعي المعتبر عنه بالحيوان، وهو المتحد مع النفس اتحاد المادة مع
الصورة كما أن هذا الروح البخاري متحد مع الأعضاء فإنها مادة إعدادي لحدوث
الروح البخاري فظهر أن الموضوع له هو النفس المتعلقة بالبدن، وتشخص البدن
ووحدته محفوظ بوحدة النفس وتشخصها، إذ المعتبر مع النفس مطلق البدن،
وكذا الامر في النباتات أيضا فان تشخصها، بتشخص القوة النباتية فالجسم وان لم
يبق بما هو جسم، لكنه باق بما هو جسم نام ببقاء القوة النباتية فالتسمية مطابقة
للواقع ونفس الامر حيث أن المادة وما يجرى مجريها معتبرة في الشئ على
نحو الابهام، إذ شيئية الشئ بصورته لا بمادته، ومما ذكرنا ظهر أن وضع الأعلام
على الوجه المقرر في المقام لا يوجب أن يكون زيد من المجردات كما يوهمه
كلام بعض الاعلام (1).
نعم انما يلزم ذلك إذا قيل بوضعها للنفس مع قطع النظر عن تعلقها بالبدن.
والتحقيق أن الامر في الوحدة وإن كان كذلك إلا أن وضع الأعلام مما يتعاطاه
العوام ولا يخطر ببالهم ما لا تناله إلا أيدي الأعلام، وظني أن وضع الاعلام على
حد ما ذكرناه سابقا من الوضع لهذه الهوية الممتازة عن ساير الهويات مع الابهام
من سائر الجهات.

1 - والمراد منه هو الشيخ العلامة الأنصاري - ره - في مطارح الأنظار ص 8.
77

" الوجه الرابع من الجوامع "
قوله: أن ما وضعت له الألفاظ الخ: مبنى هذا الوجه على الاكتفاء بجامع
الصحيحي، لا بيان الجامع للأعمى فلا يرد عليه غير ما يرد على الصحيحي.
نعم يمكن أن يورد عليه بمنافاة لغرض الأعمى على أي حال إذ لو لم يصل
الاستعمال إلى حد التعين كان الظهور الاستعمالي في الصحيح مع أنه أولى
بالصدق باطل.
" الوجه الخامس من الجوامع "
قوله: وفيه أن الصحيح كما عرفت في الوجه السابق الخ: مع أن
المسلم في أمثال المقادير والأوزان صدقها على الناقص بيسير لا على الناقص
بكثير كما فيما نحن فيه فالدليل على فرض الصحة أخص من المدعى.
" ثمرة النزاع "
قوله: أن ثمرة النزاع إجمال الخطاب على قول الخ: تحقيق القول في
ذلك أن ظاهر شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره في ثمرة النزاع هو إجمال
المسمى على الصحيح وإمكان البيان على الأعم، وربما يورد عليه بأن إمكان
البيان ذاتا مع امتناعه فعلا عنده - قده - لذهابه إلى ورود مطلقات العبادات في
غير مقام البيان لا يمكن أن يقع ثمرة للخلاف في المسألة الأصولية، وهو موجه
لو كان الأمر كذلك عند الجميع، وفى جميع المطلقات، أما لو لم يكن كذلك كما
هو واضح فلا مانع من جعله ثمرة، كما هو الشأن في جميع موارد تأسيس
الأصل، بل الذي ينبغي أن يورد عليه هو أن إجمال المسمى مستندا إلى عدم
78

الطريق إلى ما وضع له لفظ الصلاة مثلا لا إلى الوضع للصحيح، وإلا فالموضوع له
بنفسه مجمع على الأعم أيضا، وإن كان مبينا من حيث الصدق كما سيأتي إنشاء
الله تعالى فجعل إجمال المسمى من آثار الوضع للصحيح غير صحيح، كما أن
إمكان البيان سواء أريد منه إمكان قيام المولى مقام البيان أو إمكان إحراز مقام
البيان معناه سلب ضرورة، وهو مستند إلى عدم ما يوجب الاستحالة أو الوجوب
لا إلى الوضع للأعم ومنه ظهر حال جعل الثمرة الاجمال وعدمه.
وأما ما يورد على دعوى الاجمال على الصحيح بأن الأخبار البيانية بعد ما
وردت في مقام بيان مفهوم الصلاة مع علم المولى بإجمال مفهوم الصلاة فحينئذ
كل جزء أو شرط شك في اعتباره يرجع في دفعه باطلاق كلامه، فهذه مقدمات
القطع بأن المأمور به هي هذه الأمور المبينة، من دون حاجة إلى أصل ينفى
المشكوك ليقال إنه دليل الاجمال حتى بالنظر إلى الاخبار.
مدفوع: بأنه نظير الإشكال على إمكان البيان وقد سمعت جوابه، وهو أن
الطرفين في مقام تأسيس الأصل، وهو إنما يكون لغوا لو كانت العبادات جميعها
عند الجميع مبينة بالأخبار البيانية، وأما لو لم يكن كذلك كما هو ظاهر فلا
إشكال.
فالتحقيق: في بيان الثمرة أنه لا ريب في أن إحراز الوضع للأعم بضميمة العلم
بأن ما بأيدينا من أفراد مطلق الصلاة يوجب العلم باتحاد مفهوم الصلاة حقيقة
مع هذا الفرد فيصح التمسك بإطلاقها عند اجتماع الشرائط ومن الواضح انتفاء
العلم بالاتحاد بانتفاء أحد جزئي العلة، وهو إحراز الوضع للأعم سواء أحرزنا
الوضع للصحيح أو لم نحرز شيئا من الأمرين فالشاك في المسألة حاله حال
الصحيحي فاتضح أن الأثر لاحراز الوضع للأعم، وليس للاحراز الوضع للصحيح
أثر مرغوب، وبالجملة فالغرض كله تأسيس أصل للتمسك بالاطلاق وعدمه وهو
مترتب على هذا النهج.
قوله: قلت وان كان يظهر فيما لو نذر لمن صلى الخ: أي لمن أتى
79

بمسمى لفظ الصلاة فان صدق المسمى على الأعم مقطوع به، وعلى الصحيح
مشكوك، وأصالة الصحة لا تثبت أن المأتى به مسمى لفظ الصلاة، وأما لو نذر
لمن صلى.
فيرد عليه ما أورده بعض الأعاظم - ره - في تقريراته (1) من أن النذر إن تعلق
بالمطلق فالصحيحي كالأعمى غاية الأمر أن الصلاة مستعملة في الأعم مجازا
على الصحيح، وإن تعلق بخصوص الصحيحة فالأعمى كالصحيحي في لزوم
إحراز الصحة بأصالة الصحة.
" أدلة الصحيحي "
قوله: أن تكون نتيجتها واقعة في طريق الخ: ومسألة النذر من تطبيق
الحكم الكلى المستنبط في محله على المورد، وأين هذا من ذاك.
قوله: وقد عرفت كونها مبينة بغير وجه الخ: فلا ندعي تبادر المعنى
بنفسه وبشخصه ليقال إنه مناف للاجمال، بل تبادره بوجهه وبعنوانه كعنوان
الناهي والمعراج ونحوهما من الوجوه والعناوين.
قلت: الانسباق إما إلى ذهن المستعلم أو إلى أذهان العارفين. ولابد من رجوع
الأول إلى الثاني لأن الارتكاز في ذهن المستعلم معلول قطعا لتنصيص الواضع أو
لغير من العلائم، والثاني لا مسرح له في زماننا، وما ضاهاه إلى زمان معاصري
الشارع وعترته عليهم السلام، إذ المفروض جعل الجميع بما وضع له، وإحراز
انسباق الصحيحة أو الأعم إلى أذهان المحاورين للشارع وعترته (ع) منحصر
طريقه في نقل موارد استعمالات الطرفين، والمقطوع من الانسباق عندهم
انسباق معنى آخر غير المعنى اللغوي.
أما انسباق الموجه بأحد الوجه والعناوين المزبورة فغير معلوم، بل مقطوع

1 - مطارح الأنظار ص 11.
80

العدم، وتطبيق أحد هذه الوجوه على المعنى المنسبق إلى أذهانهم اجتهاد منا، لا
أن المتبادر هو المعنى بماله من الوجوه حتى ينفعنا. فتدبر فإنه حقيق به.
قوله: صحة السلب عن الفاسدة بسبب الاخلال الخ: هذا إن اعتبرت
بالحمل الشايع، بداهة صحة حمل الجامع على فرد، فلو كان موضوع للأعم لما
صح سلبه عن مصداقه، وأما إن اعتبرت بالحمل الأولى فلا، إذ عدم اتحاد
الصلاة مفهوما مع الفاسدة مفهوما يدل على عدم الوضع لها، لا على عدم الوضع
لجامع يعمها وغيرها، بداهة أن كل لفظ وضع لكلي يصح سلبه مفهوما عن مفهوم
فرده وإنما اقتصر دام ظله في المتن على خصوص صحة السلب عن الفاسد، ولم
يتعرض لعدم صحة السلب عن الصحيح لأن صحة الحمل على الصحيحة
بالحمل الشايع لا يدل على الوضع لها لا مكان استناده إلى الوضع لجامع يعمها
وغيرها.
نعم صحة الحمل على الصحيحة بالحمل الأولى كما فيه للصحيحي، إذ لو
كان لفظ الصلاة موضوعا لمفهوم الصحيحة والأعم لزم الاشتراك اللفظي الذي لا
يلتزمه به الأعمى، فهذا المقدار من إثبات صحة الحمل على الصحيحة حملا
أوليا كاف في عدم الوضع للأعم عند الخصم.
ثم إن الصحيحي إنما لا يدعى صحة السلب عن الأعم مع أنه أنسب إما لعدم
تعقل الجامع على الأعم أو لأن موارد صحة السلب منحصرة في الفاسدة.
قوله الأخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواص الخ: إلا أن الفرق بين
الطائفة الأولى والثانية اقضاء الطائفة الثانية للوضع، لخصوص المرتبة العليا لا
لجميع مراتب الصحيحة، بخلاف الأولى فإنها آثار كل صلاة صحيحة فالدليل
على الثانية أخص من المدعى، بل مناف له على بعض الوجوه وسيجيئ انشاء
الله تعالى ما يمكن الجواب به عن الاخبار مطلقا.
قوله دعوى القطع بان طريقة الواضعين الخ: نتيجة هاتين المقدمتين
هو الوضع لخصوص المرتبة العليا فالأولى في تقريب المقدمة الأولى أن يقال،
81

نحن معاشر العرف والعقلاء إذا أردنا الوضع لمركب اخترعناه بلحاظ أثر فإنما
يضع اللفظ بإزاء ما يؤثر ذلك الأثر، وإن نقص منه شئ فينتج الوضع لما يعم
جميع مراتب الصحيحة.
وتحقيق الحال أن المركب على قسمين: حقيقي، واعتباري.
فالأول: ما كان بين الأمور التي تركب منها المركب جهة افتقار لكل من تلك
الأمور بالنسبة إلى الآخر حتى يتحقق جهة وحدة حقيقية بينها، وإلا فمجرد
انضمام شئ إلى شئ لا يوجب التركب الحقيقي، وإذا كان التركب حقيقيا
كانت الجزئية حقيقة لأن كل واحد مرتبط بالآخر، ومفتقر إلى حقيقة، فكل واحد
بعض حقيقي لذلك المركب.
والثاني: ما لم يكن كذلك، وكان كل واحد من المسمى بالجزء موجودا مبائنا
للآخر مستقلا في الفعلية والتحصل، من دون افتقار وارتباط، ولا جهة اتحاد
حقيقة لكن ربما يعرض لهذه الأمور المتبائنة الموجودة كل منها على حياله جهة
وحدة بها يكون مركبا اعتباريا فالكثرة حقيقية، ومن باب الوصف بحال نفسها،
والوحدة اعتبارية، ومن باب الوصف بحال متعلقها، وتلك الجهة كجهة وحدة
اللحاظ فيما إذا لوحظ المجموع بلحاظ واحد، فإن المجموع في حد ذاته متكثر
واللحاظ في حد ذاته واحد، لكنه ينسب إليه هذه الوحدة بنحو من الاعتبار،
وكجهة الوفاء بغرض واحد، فان جهة الوحدة حقيقية قائمة بالغرض إلا أن هذا
الواحد حيث إنه قائم بالمجموع فينسب إليه الوحدة بالعناية، وكجهة الطلب
والامر فان الطلب الواحد إذا تعلق بالأمور متكثرة فلا محالة يكون هذا الواحد
كالوحدات السابقة جامعا لشتاتها، وموجبا لاندراجها تحت الواحد إلا أن جميع
هذه الوحدات والتركيب لما كانت بالإضافة إلى تلك الأمور غير حقيقية فلذا كان
المركب اعتباريا وكانت الجزئية المتنزعة عن كل واحد من تلك الأمور اعتبارية
غاية الامر أنها اعتبارية باعتبار موافق للواقع ونفس الامر لا بفرض الفارض.
ثم إن هذه الأمور الملحوظة بلحاظ واحد لقائمة بغرض واحد المطلوبة
82

بطلب واحد ربما تكون نفس التكبيرة والقرائة والركوع والسجود وغيرها.
فالجزئية تنتزع عن نفس ذواتها، وأخرى تكون التكبيرة المقارنة لرفع اليد الواقعة
حال القيام والقرائة المسبوق أو الملحوقة أو المقارنة لكذا، فهذه الخصوصيات
مقومات للجزء بمعنى أن بعض ما يفي بالغرض هذا الخاص فالجزء امر خاص لا
أنها خصوصيات في الجزء بمعنى أن بعض ما يفي بالغرض هذا الخاص فالجزء
أمر خاص لا أنها خصوصيات في الجزء المفروغ عن جزئيته، وعليه فالشرط
المقابل للجزء ليس مطلق الخصوصية بل خصوصية خاصة، لها دخل في فعلية
تأثير تلك الأمور القائمة بغرض واحد وليكن على ذكر منك لعلك تنتفع به فيما
بعد إنشاء الله تعالى.
إذا عرفت ما تلونا عليك فاعلم أن الظاهر من الطريقة العرفية خروج ماله دخل
في فعلية التأثير عن المسمى في أوضاعهم فتريهم يضعون اللفظ بإزاء معجون
خاص مركب من عدة أشياء، من دون أخذ ماله دخل في فعلية تأثيرها من
المقدمات والفصول الزمانية وغيرها في المسمى، بل يضعون اللفظ لذات ما
يقوم به الأثر وهذا أمر لا يكاد يدانيه ريب من ذي بصيرة، والظاهر أن الشارع لم
يسلك في أوضاعه مسلكا آخر، كما يشهد له ما ورد في تحديد الوضوء " إنه
غسلتان ومسحتان " (1) من دون أخذ شرائطه في حده بل وكذا قوله عليه السلام
" أولها التكبير وآخرها التسليم " (2) ويشهد له أيضا جميع الأخبار الواردة في بيان
الخواص والآثار فان الظاهر من هذه التراكيب الواردة في مقام إفادة الخواص
سوقها لبيان الاقتضاء لا الفعلية، نظير قولهم " السنا مسهل " و " النار محرقة " و
" الشمس مضيئة " إلى غير ذلك، فان هذه التراكيب ظاهرة في بيان المقتضيات،
فيعلم منها أن موضوع هذه القضايا المسمى بلفظ الصلاة والصوم نفس ما يقتضى
هذه الخواص، ويؤيده قوله تعالى * (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء

1 - وسائل ج 1 ص 280 ح 23.
2 - وسائل ج 1 ص 256 ح 4 و 7.
83

والمنكر) * (1) فان الظاهر اتحاد المراد من الصلاة عقيب الأمر، والصلاة المؤثرة
في النهى عن الفحشاء، مع أن فعلية النهى عن الفحشاء، موقوفة على قصد
الامتثال الذي لا يمكن أخذه فيما وقع في حيز الأمر مع أنه من الواضح عدم
التجوز بالتجريد كما لا يخفى.
ومما ذكرنا ظهر إمكان استظهار اتحاد طريقتي الشارع والعرف في الأوضاع،
وأن لازمه الوضع لذات ما يقتضى الأثر فالشرائط خارجة عن المسمى. ومنه ظهر
أن أخبار الخواص تجدي للصحيحي من حيث الأجزاء، بل مقتضى النظر الدقيق
هو الوضع للأعم لأن المقتضى لتلك الآثار نفس المراتب المتداخلة، وحيثية
الصدور غير دخيلة في الاقتضاء فالأخبار المتقدمة بالآخرة دليل للأعمى كما قد
اتضح أن هذا الدليل بالآخرة دليل للأعمى فتدبر.
" أدلة الأعمى "
قوله: ومنها صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم الخ: إعلم أن صحة
التقسيم لها جهتان الأولى: أن حقيقة المعنى في حد ذاته لها فردان، نظير النزاع
المعروف في اشتراك الوجود معنى فان صحة التقسيم هناك بلحاظ أن هناك
حقيقة واحدة لها أفراد متحدة الحقيقة نظرا إلى أن المفهوم الواحد لا ينتزع عن
المتعدد بلا جهة وحدة، ومن الواضح أن هذه الجهة لا ربط لها بالوضع للمقسم بل
الفرض اتحاد حقيقة المقسم بأي لفظ عبر عنها مع الأقسام.
الثانية: أن حقيقة المعنى بما هي مسماة بلفظ كذا منقسمة إلى أمرين فلو صح
لدل على أن المسمى هو الجامع فلابد أن ينظر إلى أن هذا المعنى هل هو معنى
اللفظ ومفاده بلا عناية أم لا فنفس صحة التقسيم بما هي هي لا دلالة لها على
الوضع، بل الأمر بالآخرة يرجع إلى استعمال اللفظ في المقسم، ومجرد

1 - العنكبوت: 45.
84

الاستعمال لا يدل على الحقيقة مع أن صحة الاستعمال بلا ضم ضميمة عندنا لا
عبرة بها وعند الشارع ومعاصريه لا طريق إليها كما عرفت سابقا.
قوله: منها استعمال الصلاة وغيرها في غير واحد من الأخبار في
الفاسدة الخ: الأولى، أن يقال بالاستعمال في الأعم لأن الاستعمال في الفاسدة
مجاز على أي حال بل المستعمل فيه هو الأعم، وأريد خصوصية الفاسدة بدال
آخر.
قوله: فان الأخذ بالأربع الخ: فان مقتضى العهد الذكرى استعمال
المذكورات في صدر الخبر، وهي الأربعة المأخوذة وهي لا محالة فاسدة في
الأعم، وأما على ما في غير واحد من الكتب المشتملة على الخبر المزبور من
تنكير الأربع، بل بأربع تشاكلها وتشابهها في الصورة دون المعنى.
قوله لعدم قدرة الحائض على الصحيحة منها الخ: إذ الصحيحة
مشروطة بالطهارة عن الحيض وهي غير مقدورة للحائض لا لاشتراط الصحيحة
بالقربة وهي غير مقدورة لها في ظرف الامتثال حيث لا أمر ولا لاستلزام إرادة
الصحيحة دلالة النهى على الصحة دون الفساد، إذ لا تعلق لكليهما بالوضع
للصحيحة، بل الأول إشكال على تعلق الحرمة الذاتية بالعبادة، والثاني على تعلق
النهى المولوي بالصحيحة، فالوضع والاستعمال كلاهما أجنبي عن مرحلة
الاشكال ودفعه في محله.
قوله: للارشاد إلى عدم القدرة على الصلاة الخ: هكذا أجاب بعض
المحققين - ره - (1) وأورد عليه بعض الأعلام من مقاربي عصرنا - ره - (2) بان النهى
الارشادي أيضا يستدعى محلا قابلا كالنهي الشرعي إذ الارشاد إنشاء من المرشد
متعلق بترك النهى عنه، ولذا يقبح أن يقال للأعمى لا تبصر، ولو على وجه
الارشاد، ولا يخفى عليك أن هذا الإيراد لا يندفع بمجرد دعوى أن النهى

1 - هو الشيخ محمد تقي صاحب هداية المسترشدين ص مخطوط.
2 - هو المحقق ميرزا حبيب الله الرشتي قدس سره في بدائع الأفكار ص 150.
85

الإرشاد نهى إنشائي إيقاعي يتعلق بالمحال بداعي الإرشاد إلى استحالة صدوره،
وليس نهيا حقيقيا يطلب فيترك النهى عنه حقيقة حتى يجب كونه مقدورا.
وجه عدم الاندفاع أن الموضوع إن كانت الصلاة عن طهارة من المحيض كان
النهى الارشادي لغوا بل ولو لم يكن إلا مجرد الأخبار بداهة لغوية الاخبار بعدم
القدرة على الصلاة عن طهارة من الحيض في حال الحيض فحاله بعينه حال
إخبار الأعمى بعدم القدرة على الابصار، فالوجه في دفع الاشكال أن يقال: المراد
من استعمال الصلاة في الصحيحة استعمالها في تام الاجزاء والشرائط المجعولة
حال الاستعمال، ومن الواضح أن الطهارة عن الحيض إنما جعلت شرطا بمثل
هذا الدليل فالصلوتة المستعملة في المستجع للاجزاء والشرائط الطهارة عن
الحيض قد استعملت في الصحيحة حال جعل الشراط فصح حينئذ أن ينهى عن
الصلاة بذاك المعنى إرشادا إلى عدم ترتب فائدة عليها لفقد شرطها أعني
الطهارة عن الحيض فهو جعل لشرطية الطهارة ببيان لازمها، وهو الفساد حال
الحيض، هذا إذا كان اعتبار الشرائط على التدريج، ومع عدمه يمكن أن يقال أيضا
بان المأخوذ في المسمى على الصحيح هو مطلق الطهارة على وجه الابهام، وإن
كان متعينا في حقيقة الصلاة شرعا فيكون هذا الدليل تعيينا لتلك الطهارة المبهمة
ببيان لازم تعينها وهو الفساد لولاها. هذا على ما هو المتداول عندهم في الوضع
للصحيح من حيث ملاحظة الاجزاء والشرائط بعينها تفصيلا.
وأما على ما اخترناه من الوضع نسخ عمل مبهم من حيث تعينات الاجزاء
والشرائط بمعرفية النهى عن الفحشاء بالفعل فالارشاد إلى عدم القدرة على فعله
في حال الحيض لا يكون لغوا كما هو واضح.
وأما توهم صحة النهى المولوي بتقريب أن المنهى عنه ما هو صلاة في غير
حال الحيض ومثله محفوظ في حال الحيض، غاية الأمر، إن قصد التقرب به على
وجه التشريع فمبني على توهم بناء الاستدلال على عدم القدرة من حيث القربة
وقد عرفت إنه أجنبي عن المقام، وأما من حيث فقد الطهارة فلا معنى لهذا
86

الجواب لأن الصلاة المتقيدة بالطهارة عن الحيض لا يعقل تحققها في حال
الحيض حتى ينهى عنها، وجعل حال الحيض وحال عدمه من أحوال الصلاة
خلف واضح وتسليم للموضع للأعم.
قوله: والا كان الإتيان بالأركان الخ: الوجه واضح إلا أن يقال إن الصلاة
وإن استعملت في الأعم إلا أنه أريدت خصوصية التمامية من حيث ما عدا
الطهارة من الحيض بدال آخر، بداهة أن المراد النهى عما كان مقتضى الأدلة لزوم
الاتيان به فلا يقتضى تحريم كل ما يصدق عليه الأعم ذاتا.
قوله: إنه لا شبهة في صحة تعلق النذر وشبهه الخ: تقريب هذا
الاستدلال بوجهين:
أحدهما: بنحو القضايا المسلمة، وهو أنه مما تسالم عليه الكل صحة تعلق
النذر بترك الصلاة وحصول الحنث بفعلها، ولو كانت صحيحة لم يكن لها حنث
حيث لا صلاة صحيحة بعد الحلف أو النذر لحرمتها.
ثانيهما: بنحو القضايا البرهانية، وهو أنه مقتضى تعلق النذر بالصحيحة تعلق
النهى بها، إذ ذاك مقتضى انعقاد النذر ونفوذه، ومقتضى تعلق النهى بها عدم تعلق
النهى بها إذ مقتضى النهى عن العبادة عدم وقوعها صحيحة، حيث إنها مبغوضة
لا يمكن التقرب بها، ومقتضى عدم وقوعها صحيحة عدم صحة تعلق النهى بها،
إذ المنهى عنه لابد من أن يكون مطابقا لما تعلق به النذر، وهي الصحيحة على
الفرض مع أنها غير مقدورة في ظرف الامتثال، وكما أن عدم القدرة على
الصحيحة حال النذر أو النهى يمنع عن تعلق النهى بها، كذلك عدم القدرة عليها
بعد النهى لأن الملاك هي القدرة في ظرف الامتثال، حيث أن الغرض من البعث
والزجر هو الامتثال، وظرفه عقيبهما، وإن كان منشأ عدم القدرة تعلق النهى، فلا
يكاد ينقدح في نفس العاقل النهى عما لا قدرة عليه في ظرف الامتثال بأي سبب
كان، وحيث ظهر أن تعلق النهى بالصحيحة لازمه عدم تعلقه بها، وما يلزم من
وجوده عدمه محال تعرف عدم الوضع للصحيحة والاستعمال فيها.
87

قوله: لا يخفى أنه لو صح ذلك لا يقتضى إلا الخ: الوجه واضح، ولذا
لو كانت موضوعة للأعم ومع ذلك حلف على ترك الصحيحة لزم المحذور، كما
أنه لو كانت موضوعة للصحيحة ومع ذلك حلف على ترك الأعم لما لزم منه
محذور فيعلم منه أن هذا الاشكال أجنبي عن الوضع والاستعمال.
قوله: مع أن الفساد من قبل النذر الخ: ليس الغرض أن تعلق النذر
الموجب لتعلق النهى لا يوجب خروج المتعلق عن القدرة لمكان فساده لأجل أن
مقتضى الشئ لا ينافيه فلا يعقل أن يؤثر الفساد من قبل النذر والنهى في عدمها
لأنك عرفت أن المعتبر من القدرة هي القدرة في ظرف الامتثال، وزوالها فيه بلا
إشكال بل الغرض أن الصحة التي يعتبر في متعلق النهى والنذر لا تزول بالفساد
الآتي من قبل النذر والنهى.
وتوضيحه على وجه الاستيفاء لجميع الأنحاء هو أن النذر إن تعلق بترك
الصلاة المطلوبة بعد النذر والنهى بحيث تكون مقربة فعلية بعدهما فهو والذي
يلزم من وجوده عدمه، ولم يذهب إلى انعقاد هذا النذر ذو مسكة وإن تعلق بترك
الصلاة المأتى بها بأحد الدواعي التي لا يتوقف على الطلب والأمر ولا ينافي
تحققها مع المبغوضية الفعلية أيضا كالصلاة بداعي حسنها الذاتي، أو بداعي
التعظيم لله، أو بداعي التخضع له تعالى، فالصلاة بهذا المعنى تامة الاجزاء
والشرائط حتى بعد النذر والنهى، سواء قلنا بالحرمة المولوية أم لا، لأن هذه
الدواعي لا تنافى المبغوضية الفعلية، وما هو المسلم من انعقاد النذر وإمكان
حنثه لابد من أن يصرف إلى هذا الوجه، وإن تعلق النذر بترك مسمى الصلاة
شرعا من غير تعيين من قبل الناذر فصحته وفساده يدوران مدار أقوال المسألة،
فان قلنا بالأعم صح النذر وإن قلنا بالصحيحة من حيث الاجزاء فقط أو ما عدا
القربة صح النذر أيضا وان قلنا بالصحيحة بقول مطلقا، فان اقتصرنا في القربة على
الإتيان بداعي الأمر بطل النذر، وإن جوزنا الإتيان بساير الدواعي الغير الموقوفة
على الأمر بل الغير المنافية للحرمة المولوية صح النذر، نعم إن قلنا بأن القربة
88

إتيان العمل بداعي الأمر، فالناذر الملتفت لابد من أن يقصد الصلاة الصحيحة لولا
تعلق النهى والنذر، فمتعلق النذر هو الصحيح بهذا المعنى ولو فرض كون
الاستعمال في الصحيح بهذا المعنى مجازا لم يكن به بأس إذ لزوم التجوز في
مورد لا يكشف عن الوضع له كما لا يخفى، وظاهر المتن في الجواب عن
الاشكال هذا الوجه الأخير.
قوله: أن أسامي المعاملات كانت موضوعة للمسببات فلا مجال
للنزاع الخ: توضيحه أن الايجاب والقبول المستجمعين للشرايط إذا حصلا
حصلت الملكية الحقيقة، والعقد المزبور بلحاظ تأثيره في وجود الملكية وقيام
الملكية به قيام المعلول بالعلة محقق للتمليك الحقيقي، والتمليك فعل تسبيبي،
ولا يصدق على نفس العقد إذ التمليك والملكية من قبيل الايجاد والوجود فهما
متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار، فكما أن وجود الملكية ليس متحدا مع
العقد كذلك لمتحد معه ذاتا فافهم جيدا.
فحينئذ إن قلنا بأن البيع موضوع للتمليك الحقيقي أي ما هو بالحمل الشايع
تمليك أو للتمليك الذي لا يصدق في الخارج إلا على المتحد مع وجود الملكية
ذاتا كما هو الظاهر (1)، فلا محالة لا يجرى فيه النزاع لما سمعت من أن التمليك
والملكية الحقيقة من قبيل الايجاد والوجود وهما متحدان بالذات متفاوتان
بالاعتبار، ولذا أطلق عليه المسبب المعبر به عرفا عن الأثر، وليس لمثله أثر كي
يتصف بلحاظ ترتبه عليه بالصحة، وبلحاظ عدم ترتبه عليه بالفساد، ومنه علم أن
توصيفه بالصحة، مسامحة، لا لأن الصحة والفساد متضائفان فيجب قبول المورد
لتواردهما، (كيف) والعلية والمعلولية من أوضح أنحاء التضائف، وليس كلما

1 - وجهه ان التمليك بالحمل الشايع لا يمكن ان ينشأ باللفظ كما لا يمكن الوضع له حقيقة لتقيده
بالوجه الخارجي كما أن التمليك الانشائي لمكان تقيده بقصد ثبوته باللفظ لا يمكن ان ينشأ باللفظ بل
التمليك كسائر الألفاظ الموضوعة لنفس المعاني ولا يصدق على شئ حقيقة إلا إذا وجد مطابقة في
الخارج (منه).
89

صح أن يكون علة صح أن يكون معلولا وبالعكس، كما في الواجب تعالى شأنه
بالنسبة إلى معاليله، بل لأنهما من المتقابلين بتقابل العدم والملكة فلا يصدق
الفاسد إلا على ما من شأنه ترتب الأثر وهو السبب دون نفس المسبب، بل
المسبب يتصف بالوجود والعدم، وبعبارة أخرى الشئ لا يكون أثرا لنفسه، ولا
لما هو متحد معه ذاتا، ومنه علم أنهما متقابلان لا متضائفان فان التضائف قسم
خاص من التقابل، ولابد فيه من كون كل من المفهومين بحيث لا يعقل إلا
بالقياس إلى غيره، ويلزمه التكافؤ في القوة والفعلية كالفوقية والتحتية، مع أن
الصحيح والفاسد ليسا كذلك بحيث لو وجد الصحيح وجد الفاسد، بل متقابلان
بنحو لا يجتمعان، لكنهما يرتفعان في قبال السلب والايجاب.
وأما توهم أن نفوذه لازم وجوده باعتبار ترتب الآثار التكليفية والوصفية على
الملكية فلا توجد إلا مترتبة عليها آثارها فيتصف بالصحة دون الفساد.
فمدفوع: بأن نسبة تلك الآثار إلى الملكية نسبة الحكم إلى موضوعة، لا نسبة
المسبب إلى سببه فضلا عن نسبة المسبب إلى الأمر التسبيبي فلا يتصف
بالملكية مع عدم كونها مؤثرة في تلك الأحكام بالصحة.
فان قلت: سلمنا أن البيع هو إيجاد الملكية الحقيقة إلا أن إيجاد الملكية أمر،
وإمضاء العرف والشرع أمر اخر، فان أمضاه الشارع أو العرف اتصف بالصحة وإلا
فبالفساد.
قلت: الملكية الشرعية، أو العرفية ليست من المقولات الواقعية بل المعقول
نفس اعتبار الشرع أو العرف هذا المعنى لمن حصل له السبب، كما أشرنا إليه في
تحقيق حقيقة الوضع، وبيناه مما لا مزيد عليه في محله، ومن الواضح أن اعتبار
كل معتبر لا واقع له وراء نفسه، وهو أمر قائم بالمعتبر بالمباشرة، وليس من حقيقة
البيع في شئ حيث إنه من الأمور التسبيبية بل الشارع والعرف المعتبران
للملكية ربما يجعلان سببا ليتوسل به إلى اعتبارهما فإذا تسبب الشخص بما
جعله الشارع مثلا سببا لاعتباره فقد أوجد الملكية الاعتبارية بالتسبيب، ولا حالة
90

منتظرة بعد حصول الملكية الشرعية بعلتها التامة الشرعية كي يقال بان إيجاد
الملكية أمر، وإمضائه أمر آخر، وإن أوجد ما هو سبب لاعتبار العرف فقط
فالملكية الشرعية حقيقة لم توجد بعدم سببها، وليس التمليك العرفي سببا
بالإضافة إلى الملكية الشرعية حتى يكون ترتبها عليه مناط صحته وعدمه مناط
فساده وعلى أي حال فالقابل للتأثير وعدمه هو السبب دون المسبب عرفيا كان
أو شرعيا.
قوله: واما إن كانت موضوعة للأسباب فللنزاع فيه مجال الخ: الوجه
واضح، لا يقال: لا مجال للنزاع أيضا إذ الصحيحي كالأعمى من حيث التمسك
بالإطلاق فيلغو النزاع مع عدم ترتب الثمرة المهمة لأنا نقول قد مر مرارا أن مثله
إنما يلغو إذا كان الأمر كذلك في الجميع عند الجميع، وإلا فذهاب طائفة في
طائفة من ألفاظ المعاملات في بعض الحالات إلى التمسك بالاطلاق لا يقلع مادة
النزاع والشقاق.
قوله: ولا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة الخ: قد عرفت
سابقا أن الطريقة العرفية جارية على الوضع لذات المؤثر، وعدم ملاحظة ماله
دخل في فعلية التأثير في المسمى والمفروض عدم تصرف الشارع في المسمى
من حيث التسمية فتعين القول بوضع ألفاظ المعاملات على هذا الوجه لذوات
الأسباب، لا للصحيح المؤثر منها، وليست كألفاظ العبادات حتى يتوقف على
دعوى اتحاد طريقتي العرف والشارع في الأوضاع.
قوله: والاختلاف بين الشرع والعرف مما يعتبر الخ: هذا إذا كان اللفظ
موضوعا لما يؤثر في الملكية فعلا، وأما إذا كان لما يؤثر فيها اقتضاء فالاختلاف
تارة في المصداق، وهو ما إذا كان ذات السبب شرعا غير ما هو ذات السبب
عرفا، وأخرى ليس في المفهوم ولا في المصداق، بل تقييد وتضييق لدائرة
السبب العرفي، وهو ما إذا اتحد السبب وضم الشرع إليه ضميمة لها دخل في
فعلية تأثير، وأما الضميمة التي لها دخل في اقتضاء فهي مقومة للسبب، لا أنها
91

شرط في تأثيره كما مر نظيره في العبادات، ومثل هذه الخصوصية ترجع إلى
الاختلاف في المصداق أيضا.
قوله: وتخطئة الشرع العرف في تخيل الخ: حاصله أن الحكم بعدم
نفوذ سبب عرفي ليس من أجل الاختلاف في المفهوم، ولا من أجل التقييد في
الحكم بل السبب حيث إنه ما يؤثر في الملكية واقعا، وكان نظر الشرع والعرف
طريقا إليه فلا محالة يكون نهى الشارع الناظر إلى الواقع تخطئة لنظر العرف
بحيث لو كشف الغطاء لوجدوا الأمر على ما يجده الشارع من عدم تأثير السبب
في الملكية في الواقع.
قلت: إن كانت الملكية من المقولات الواقعية ولو كانت انتزاعية، وأمكن
إطلاع الشارع على خصوصية موجبة لعدم تحقق المقولة، أو لتحققها كانت
التخطئة معقولة، وأما إذا كانت من الاعتبارات على ما قدمنا بيانه وشيدنا بنيانه،
فلا مجال للتخطئة والتصويب حيث لا واقع، لاعتبار كل معتبر إلا نفسه فالملكية
الموجودة في اعتبار العرف بأسبابها الجعلية موجودة عند كل أحد، ولا واقع
لتأثير السبب الجعلي إلا ترتب مسببه عليه، والمفروض تحقق الاعتبار عند تحقق
السبب الجعلي في جميع الأنظار، كما أن الملكية الشرعية التي هي نحو من
الاعتبار لم يتحقق سببها أيضا في جميع الأنظار.
نعم اقتضاء الأسباب لاعتبار المعتبر ليس جزافا، فإنه على حد المعلول بلا
علة بل لصالح قائمة بما يسمى سببا يقتضى عند حصول السبب اعتبار الشارع أو
العرف للملكية لمن حصل له السبب والعقول متفاوتة في إدراك المصالح
والمفاسد الباعثة على اعتبار الملكية، أو الزوجية وغيرهما، فربما يدرك العرف
مصلحة في المعاطاة مثلا، فندعوهم تلك المصلحة إلى اعتبار الملكية مع عدم
اطلاعهم، لقصور عقولهم على مفسدة تقتضي عدم اعتبار الملكية، وقد ادركها
الشارع الناظر إلى الواقع فتجري التخطئة والتصويب في هذه المرحلة، لا في
مرحلة الملكية فإنها اعتبارية لا واقعية ولا في مرحلة الأسباب فإنه جعلية، وبعد
92

حصولها وترتب مسبباتها عليها فقد وجد مصداق ما يؤثر في اعتبار العرف في
جميع الإنظار، وإن لم يوجد مصداق ما يؤثر في اعتبار الشارع في جميع الأنظار،
فليس هنا أمر محفوظ أخطأ عنه العرف إلا المصالح والمفاسد المقتضية لجعل
تلك الأمور أسبابا بالاعتبار الملكية، ولك أن تنزل عبارة الكتاب على ما هو
الصواب من التخطئة في الوجه الباعث على جعل الشئ سببا لا في السبب ولا
في المسبب فتدبره جيدا.
قوله: أن كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب
إجمالها الخ: إذا لمانع هو الاجمال من حيث الصدق، وإن لم يكن مجملا من
حيث المفهوم، كما أن المصحح للتمسك بالاطلاق عدم الاجمال من حيث
الصدق، وإن كان مجملا من حيث المفهوم كما عرفت في ألفاظ العبادات على
الأعم، والسر في عدم إجمال ألفاظ المعاملات من حيث الصدق تعارف
المعاملات وتداولها بأسبابها، فلها بعض ما يصدق عليه في نظر العرف أنه مؤثر
في الملكية، غاية الامر أن نفوذ كل ما يصدق عليه عرفا أنه مؤثر في الملكية
يتوقف على الإطلاق وتقريب الاطلاق على ما أفاده شيخ المحققين في هداية
المسترشدين (1) بتوضيح منى هو أن (البيع) لغة موضوع لما يؤثر في الملكية
واقعا، ونظر العرف والشرع طريق إليه فإذا كان المولى في مقام البين وحكم بنفوذ
كل ما يؤثر في الملكية واقعا من دون أن يقيده بمصداق خاص ولا بمحقق
مخصوص فهو حجة، على أن ما هو مملك في نظر العرف فهو مملك في نظر
الشارع واقعا فاتباع نظر العرف في تطبيق المفهوم على المصداق بالحجة
الشرعية، وهو الاطلاق فلا مجال لأن يقال العرف مرجع تشخيص المفاهيم دون
المصاديق، وموارد النهى حينئذ من باب التخطئة لنظر العرف فهو تخصيص في
حجية نظر العرف لا في موضوع الحكم لأن المملك الواقعي نافذ أبدا، والمنهى
عنه مالا يؤثر في الملكية واقعا وإن اعتقد تأثيره العرف.

1 - هداية المسترشدين مطبعة آل البيت ص 114.
93

ولا يخفى عليك، أنه لا فرق بين القيد المغفول عنه عند العامة والملتفت إليه
عندهم إلا في لزوم القيام مقام البيان لو كان دخيلا في التأثير إذ لولاه لم يلتفت إليه
العرف حتى يكون مجرى أصالة الفساد مع عدم الاطلاق اللفظي بخلاف
الملتفت إليه، فإنه لا يجب التنبيه عليه إلا إذا فرض قيامه مقامه بيان كل ماله
دخل في تأثير ما هو سبب بنظر العرف، فالاطلاق على الأول من مقدماته لزوم
القيام مقام البيان، وفى الثاني لزوم البيان لو كان في مقام البيان تخصيص الاطلاق
المقامي هنا. بخصوص القيد المغفول عنه بلا وجه، لكنك قد عرفت أن التخطئة
في المصداق تدور مداركون الملكية من الأمور الانتزاعية الواقعية حتى يتصور
هناك طريقته نظر العرف، والتخطئة والتصويب، وأما بناء على كون الملكية من
الاعتبارات فلا كما عرفت القول فيه مفصلا.
والتحقيق أن البيع وإن كان موضوعا لما هو المؤثر في الملك من دون تقييد
بكون الملك بحسب اعتبار الشارع أو العرف، لكنه حيث لا واقع للملكية التي
بتسبب إليها بأسبابها إلا نفس اعتبار الشارع أو العرف فالموضوع للحكم لابد من
أن يكون أحد الأمرين، إما ما يؤثر في الملكية عرفا أو ما يؤثر في الملكية شرعا
فان كان الأول صح التمسك بالاطلاق، إلا أن لازمه الالتزام بالتخصيص الحكمي
في موارد النهى، إذ المفروض أن الموضوع بحده هو المؤثر عرفا وهو على حاله
موجود في موارد النهى فهو من أفراد البيع الحلال حقيقة، ومع ذلك فقد حكم
بعدم صحته تعبدا، وإن كان الثاني لم يصح إذ المفروض أن الموضوع هو ما يؤثر
في الملك شرعا وهو مشكوك الانطباق على السبب العرفي والاطلاق لا يكاد
يشخص المصداق.
والتحقيق في حل الاشكال اختيار الشق الثاني بمناسبة الحكم الموضوع إذ لو
فرض انفاذ المملك العرفي لكان راجعا إلى جعله مملكا شرعا حيث لا أثر
للسبب شرعا إلا اعتبار الملكية شرعا وتقريب الاطلاق أن الاطلاق قد يكون
بلحاظ الكلام كما في ما لو كان الموضوع ما يؤثر عرفا، وقد يكون بلحاظ المقام
94

كما في ما لو كان الموضوع ما يؤثر واقعا، فان تعيين المصداق يضيق دائرة
الموضوع في الأول، فيعلم أن التوسعة بلحاظ الكلام بخلاف الثاني، فان تعيين
المصداق لا يضيق دائرة ما يؤثر واقعا كما هو ظاهر، فيعلم أن التوسعة بلحاظ
المقام، فكذا فيما نحن فيه، فان المولى بعد ما كان في مقام بيان لا حكم العقلي
وانفاذ السبب شرعا، ولم يعين محققا ولا مصداقا لما هو الموضوع لحكمه فنفس
عدم تعيين المصداق كاشف عن عدم تعين مصداق خاص لموضوع حكمه وأن
ما هو المصداق لما يؤثر في الملك عرفا مصداق لما يؤثر في الملك شرعا،
فمرجع الاطلاق إلى التلازم بين المحقق لجعلي الشرعي والمحقق الجعلي
العرفي، كما أن مرجع التخصيص في موارد النهى إلى التخصيص في هذه
الملازمة المستفادة من إطلاق المقام، لا إلى تخصيص موضوع الحكم لان
السبب الشرعي باق على نفوذه بما هو سبب شرعي من دون خصوصية أخرى،
ولا إلى تخصيص الحكم لأن النفوذ لم يرتفع عن السبب الشرعي في مورد أصلا،
ولا إلى التخطئة لنظر العرف إذ لم يكن هناك واقع محفوظ جعل نظرهم طريقا
إليه فافهم واغتنم.
قوله دخل شئ وجودي أو عدمي في المأمور به الخ: قد عرفت
في ذيل الدليل الرابع (1) من أدلة الصحيحي تفصيل القول في حقيقة الجزء
والشرط وان الشرط ليس مطلق ما يوجب خصوصية في ذات الجزء، بل
خصوصية خاصة وهي ماله دخل في فعلية تأثير الاجزاء بالأسر، واما الخصوصية
المقومة للجزء فليست هي من عوارض الجزء بل الجزء أمر خاص، وتسمية
مطلق الخصوصية شرطا مع كون بعضها مقوما للجزء جزاف فراجع.
إنما الكلام هنا في تحقيق الفرق بين جزء الطبيعة وجزء الفرد، والفرق بينهما
في غير المركبات الاعتبارية أن ما كان من علل قوام الطبيعة وكان أصل الماهية
مع قطع النظر عن الوجود مؤتلفة منه، فهو جزء الطبيعة، وما لم يكن من علل

1 - قد مر في صفحة 80 من هذا الكتاب فراجع.
95

القوام وما يأتلف منه الطبيعة بل كان من لوازم وجود الطبيعة في الخارج بوجود
فردها، وهو عند الجمهور من مشخصات الطبيعة في الخارج، وعند المحققين
من لوازم التشخص حيث أن التشخص بالوجود يسمى جزء الفرد لأن الفرد
بحسب التحليل العقلي الموافق للواقع مركب من الطبيعة ومشخصاتها.
وأما المركبات الاعتبارية فإجراء هذا البيان فيها لا يخلو عن شئ ومجرد
ملاحظة الطبيعة الواجبة لا بشرط لا يستدعى اعتبار مشخصية الزائد على أصل
الطبيعة، فان الطبيعة بالإضافة إلى الخارج عنها لا بشرط، ومع ذلك فليس كل
خارج من مشخصاتها بل المشخصية من أوصاف لازم وجودها في الخارج،
وهذا المعنى غير قابل لاعتبار صحيح إلا أن يقال فضيلة الطبيعة وكمالها من
شؤونها وأطوارها، لا أنها شئ بجبالها، فيكون كالمشخصات التي لا تلاحظ في
قبالها، فالقنوت ليس بعض ما يفي بالغرض إلا وفى، بل القائم به نفس طبيعة
الصلاة لا مطلقا بل عند تحقق القنوت فيها حيث أن القنوت كمال للصلاة، وقد
عرفت أن كمال الشئ لا يحسب في قباله، بل كالمشخص له ومن شؤونه
وأطواره، فاتضح أن اعتبار المشخصية على أي وجه، وهو أن الشارع لم يأخذه
في حيز الطلب الوجوبي، ولم يكن مما يفي بالغرض، بل إنما ندب إليه لكونه
كمالا للصلاة مثلا فالصلاة المشتملة عليه أفضل حيث إنها أكمل.
ثم لا يخفى، أن مثل هذا الجزء المعبر عنه الجزء الفرد خارج عن حقيقة
المسمى لصدق الصلاة على فاقده، وإن صدقت على واجده، كما هو شأن
المشخص فان مشخصات (زيد) خارجة عن حقيقة الانسان وعن مسماه، ومع
ذلك فزيد بما هو (زيد إنسان) لا أنه انسان، وزيادة كما أشرنا إليه، وإلى وجهه في
بعض الحواشي المتقدمة، وأولى منه بالخروج عن المسمى ما يستحب نفسا في
أثناء العبادة بحيث كانت العبادة ظرفا له ولو بنحو الظرفية المنحصرة، إذ
المفروض أنه ليس مما يتقوم به الطبيعة، ولا من شؤونها وأطوارها ومجرد
استحباب عمل في عمل لا يقضى بالجزئية، ولا بالمشخصية وترشح
96

الاستحباب منه إلى العبادة إنما يكون إذا تمحضت العبادة في المقدمية لوجوده،
ولم تكن مقدمة لوجوبه أيضا بأن كان مستحبا في الصلاة مطلقا لا مشروطا وإلا
فلا ترشح حيث لا استحباب قبل فعل الصلاة على الفرض.
ولغير واحد من الأعلام كلام في المقام في الفرق بين الجزء المفرد
والمستحب في أثناء العبادة بما لا يخلو من ثبوت الابهام، وهو سراية فساد الجزء
المفرد إلى العبادة دون الاخر نظرا إلى أنه جزء لا فضل الافراد، ومن جملة
الافعال الصلوتية دون الآخر، وكذا يفرق بينهما في التسليم بناء على استحبابه
فإنه إذا كان جزء الفرد كان الشك في حالة شكا قبل الفراغ عن الصلاة، وإذا كان
مستحبا بعد التشهد في نفسه لا من حيث المشخصية كان الشك في تلك الحال
شكا بعد الفراغ.
وفى كلا الفرقين نظر واضح فإنهما انما يتمان إذا كان المسمى بالمشخص
كالمشخص الحقيقي الذي يوجب زواله وانعدامه زوال الطبيعة، وانعدامها
لوجودها بوجود شخصها وفردها فتزول بزواله، وتنقطع بانقطاعه، وليس الأمر
كذلك لما عرفت مفصلا آنفا أن اعتبار المشخصية باعتبار أن مثل هذا الجزء كمال
للطبيعة، وكمالها ليس أمرا في قبالها فيكون كالمشخص الحقيقي الذي لا يعد
موجودا مستقلا في قبال وجود الطبيعة بل هو من أطوار وجودها وشئونه وإلا
فتحقق نفس الطبيعة بتحقق التكبيرة والقرأة إلى آخر الاجزاء الواجبة، فالصلاة
المشتملة على القنوت الفاسد كالتي لم تشتمل عليه من حيث تحقيقها بتحقق ما
هو من علل قوامها، وكذلك تنقطع طبيعة الصلاة بالتشهد والتسليم كمالها، فإن
وجد صحيحا كانت الصلاة كاملة به، وإلا فلا وليس مشخصا حقيقيا كي يتخيل
أن الطبيعة لا توجد إلا بوجود شخصها فافهم جيدا.
97

" الاشتراك "
قوله: ألحق وقوع الاشتراك للنقل الخ: المراد من المواد الثلاثة أعني
الامكان وطرفيه، هو الوقوعي منها دون الذاتي، ضرورة أن النظر إلى ذات
الاشتراك لا يقتضى ضرورة الوجود أو العدم، بل المدعى لزوم المحال من فرض
وقوعه، ولا وقوعه وعدمه، وكما أن إمكان الشئ ذاتا لا ينافي وجوبه، أو
امتناعه الوقوعي فيصير واجبا أو ممتنعا بالعرض، كذلك لا منافاة بين المكان
الشئ وقوعيا ووجوبه بالغير، ضرورة أن عدم الوجوب لعدم اللازم الممتنع لا
وقوعه غير الوجوب لوجود العلة التامة.
ثم إنه أدل دليل على إمكان الاشتراك وقوعه في اللغة كالقرء للحيض،
والطهر، والجون للسواد والبياض وغير ذلك.
ومن غريب الكلام ما عن بعض المدققين من المعاصرين (1) حيث زعم اللفظ
في المثالين غير موضوع للمعنيين، بل للجامع الرابط بينهما نظرا إلى استحالة
التقابل بين معنيين لا جامع بينهما، مستشهدا بعدم التقابل بين الظلمة والحمار، و
لا بين العلم والحجر، فالقرء موضوع للحالة الجامعة بين حالتي الطهر والحيض
من المرأة، والجون لحال اللون من حيث السواد والبياض، وظن أن خفاء الجامع
أو هم الاشتراك.
ولعمري إنه من بعض الظن إما لزوم الجامع في المتقابلين فان إرادة المتقابلين
بحسب الاصطلاح وهما الأمران اللذان يمتنع اجتماعهما في موضوع واحد أو
محل واحد بجهة واحدة، فمن الواضح عدم لزوم الجامع مطلقا إذ من أقسام

1 - وهو صاحب محجة العلماء الشيخ محمد هادي النجفي - ره -.
98

التقابل تقابل الايجاب والسلب، وعدم الجامع بينهما بديهي، وإن أراد المتقابلين
بتقابل التضاد فلزوم اندراجهما تحت الجامع قول به في فن الحكمة، ولذا اعتبر
امتناع اجتماعهما في المتعاقبين على موضوع واحد، لا محل واحد إلا أن
المتقابلين غير منحصرين في المتضادين، فان العلم والجهل عند هذا القائل من
المتقابلين، مع أنهما غير متقابلين بتقابل التضاد بل بتقابل العدم الملكة، ولا
جامع بينهما، ولم يذكر أحد من أرباب الفن لزومه في تقابلهما، وحيث أن اللازم
في تقابل العدم والملكة إضافة العدم إلى ما يقبل الوجود كالعمى، فإنه يوصف به
من يقبل " البصر " فلذا لا يطلق على الحجر أنه جاهل أو أعمى، وأما عدم التقابل
بين الظلمة والحمار والعلم والحجر، فان أراد عدم التقابل اصطلاحا وإن كان
بينهما التعاند والغيرية، فلو سلم لا يدل على لزوم الجامع بين المتقابلين بقول
مطلقا مع أنه لو كان المتضاد أن اصطلاحا الوجود بين اللذين يمتنع اجتماعهما
في محل واحد يكون المثالان من المتقابلين بتقابل التضاد.
نعم بناء على عدم تضاد الجواهر بعضها مع بعض، ومع العرض لا تضاد
بينهما وإن كان متعاندين، ثم لو أغمضنا النظر عن كل ذلك فأي دليل دل على أن
الأمرين المندرجين تحت الجامع، كالسواد والبياض، يجب الوضع للجامع بينهما
دونهما، وهل هو إلا بحكم بلا وجه، هذا مع أن الجامع بين السواد والبياض ليس
إلا اللون، ولازمه صحة إطلاق الجون على كل لون، وإلا فخصوصية السواد
والبياض المعرفة بينهما لا يعقل (1) أن يكون لها جامع فتدبر جيدا.
قوله: وان أحاله بعض لا خلاله الخ: ذكر بعض أجلة العصر (2) برهانا على
الاستحالة، إذا كان الوضع عبارة عن جعل الملازمة الذهنية بين اللفظ والمعنى،
أو عما يستلزمها، ملخصه بتوضيح منى، أن الوضع لكل من المعنيين بحيث لو لم

1 - إذ لا جامع للفصول ومنه ظهران الجامع بهذا المعنى لا يفيد الخصم لتوهمه ان الخصوصيات
المميزة الموجبة للتقابل لها جامع رابط مع أن التقابل بهذه الأنحاء الأربعة المعروفة ذاتي فيها (منه) (خ).
2 - هو النهاوندي في تشريح الأصول ص 47.
99

يكن هناك إلا معنى واحد، ووضع واحد، وليس أحد الوضعين متمما للاخر، وإلا
ناظرا إليه، فعليه إن كان اللفظ ملازما للمعنيين دفعة واحدة بانتقال واحد لزم
الخلف، إذ المفروض جعل ملازمتين بالإضافة إلى معنيين، وعدم كون أحد
الوضعين متمما للاخر، ولا ناظرا إليه، فعليه إن كان ملازما لأحد المعنيين على
الترديد فهو أيضا كذلك، وهو واضح، وإن كان ملازما للمعنيين بملازمتين
مستقلتين وانتقالين حقيقيين كما هو المفروض، فحيث لا ترتب بينهما، فلابد من
تحقق انتقالين دفعة واحدة من غير ترتب بمجرد سماع اللفظ وهو محال.
وفيه: إن الوضع ليس جعل اللفظ علة تامة للانتقال كي يلزم هذا المحال بل
جعله مقتضيا له، فان كان هناك اقتضاء واحد لمكان وحدة اللفظ والمعنى، لم
يكن هناك اقتضاءات متعددة متساوية الأقدام، أو كانت هناك قرينة المجاز فلا
يتحقق المقتضى، وهو معنى الاجمال إلى أن تقوم قرينة معينة، وهي في الحقيقة
من قبل رفع المانع عن تأثير المقتضى في المقتضى.
ومما ذكرنا تعرف أن الوضع الثاني غير ناقض، ولا مناقض للوضع الأول فإنه
إنما يكون كذلك إذا كان الوضع جعل اللفظ علة تامة، وإلا فاللفظ باق على
اقتضائه حتى مع القرينة المعينة لمعنى آخر، هذا بالإضافة إلى الانتقال
التصديقي، وأما بالإضافة إلى الانتقال التصوري، أو الانتقال التصديقي بالإضافة
إلى لفظين مقرونين بالقرينة المعينة لمعنيين فتمنع استحالة انتقالين في أن واحد
دفعة واحدة لمكان بساطة النفس وتجردها فلا مانع من حصول صورتين في
النفس في آن واحد، والشاهد عليه لزوم حضور المحمول، والمحمول عليه عند
النفس الحاكم بثبوت أحدهما للآخر في آن الحكم والاذعان كما هو واضح.
" استعمال اللفظ في أكثر من معنى "
قوله: بأن يراد منه كل واحد كما إذا الخ: وعليه ينبغي تنزيل ما قيل من
100

كون كل واحد مناطا للاثبات والنفي، ومتعلقا للحكم والاثبات، وإن أصر عليها
بعض الاعلام ممن قارب عصرنا (1) - ره - توضيحه أن مفاد لفظ " العشرة " مثلا وإن
كان وحدانيا ملحوظ بلحاظ واحد، ومرادا استعماليا بإرادة واحدة، لكنه مع ذلك
ربما يكون الحكم المرتب عليه بلحاظ كل واحد على نهج العموم الأفرادي، كما
إذا قيل " هؤلاء العشرة علماء " أو " واجب الاكرام " وربما يكون الحكم المرتب
عليه بلحاظ المجموع على حد العموم المجموع، كما إذا قيل " هؤلاء العشرة
يحملون هذا الحجر العظيم " أو " واجب الاكرام " بنحو لو لم يكرم أحدهم لم
يتحقق الامتثال من رأس، وكذلك العام الاستغراقي كالعلماء فان الحكم المرتب
عليه معقول الوجهين، وكما أن الجمع في اللحاظ لا يقتضى وحدة الحكم، كذلك
التفريق في اللحاظ لا يستدعى تعدد الحكم بالنسبة إلى كل ملحوظ، كما إذا رتب
حكما واحدا على زيد وعمرو معا كما عرفت في العام الاستغراقي، واستعمال
اللفظ في المعنيين لا يريد على استعماله فيهم مرتين، ومما ذكرنا يظهر أن
استعمال اللفظ في معنيين بإرادتين ولحاظين مستقلين، وإن كان مغائرا لاستعماله
في مجموع المعنيين من حيث الامكان والجواز، لكنه يترتب على الأخير ما
يترتب على الأول من الفائدة والثمرة، فإذا أردت الحكم على السواد والبياض
بأنهما من عوارض الأجسام صح لك أن تقول الجون من عوارض الأجسام، مريدا
به السواد والبياض على وجه الجمع في اللحاظ، وقد عرفت أن الجمع في
اللحاظ لا يستدعى الجمع في الحكم كي يكون خلاف الفرض.
فان قلت: وعليه فلا ثمرة عملية للنزاع.
قلت: أما على القول بصحة استعمال فيهما حقيقة فواضح لان الاستعمال في
مجموع المعنيين بنحو الجمع في اللحاظ مجاز لا يصار إليه بلا قرينة.
وأما على القول بصحته مجاز، فهما وإن تساويا في المجازية إلا أن ظاهر
الحكم المرتب على مفهوم وحداني، وإن كان بنحو الجمع في اللحاظ كون

1 - هو المحقق الرشتي في بدائع الأفكار ص 161.
101

المعنى موضوعا تاما للحكم، كما إذا حكم على الدار بشئ، فان أجزاء معناها
ليس كل واحد منها موضوعا له بخلاف ظاهر الحكم المرتب على مفهومين سواء
كان بلفظين أو بلفظ واحد، فان مقتضاه كون كل منهما موضوعا للحكم فاثبات
الامكان مقدمة لاحد الامرين بضميمة ما بيناه من الظهور فتدبر جيدا.
قوله: ان حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة على
إرادة المعنى الخ: وإلا كان الاستعمال في معنيين بمكان من الامكان إذ غاية ما
يتخيل في امتناعه على هذا الوجه ما عن بعض المدققين من المعاصرين (1) من
أن ذكر اللفظ التفهيم المعنى أو لكونه علامة عليه، بمعنى كونه مقتضيا للعلم به،
والانتقال إليه لمكان الملازمة الحاصلة بالوضع تفهيم المعنى، ونفس المقتضى
للعلم به، وكونه أعلاما تحصلا وتحققا، كما في سائر الأمور التوليدية والتسبيبية،
والوجود الواحد يمنع أن يكون ايجادين، فيمتنع تحقق تفهيمين وأعلامين
بوجود لفظ واحد لوحدة الوجود والايجاد ذاتا، وإن اختلفا اعتبارا.
ويندفع أولا: بأن وحدة الوجود والايجاد تقتضي وحدة ما يضاف إلى شئ
واحد، وأي مساس لوجود اللفظ بايجاد المعنى في ذهن المخاطب، ولو اتحدا
لما كان اتحادهما مستندا إلى اقتضاء وحدة الوجود لوحدة الايجاد، فايجاد اللفظ
عين وجوده، لا إيجاد شئ آخر.
وثانيا: بأن حضور المعنى في الذهن مبائن تحققا وتحصلا، لحضور اللفظ فيه
ومقتضى وحدة الوجود والايجاد ذاتا كون إحضار المعنى في الذهن باحضار
اللفظ فيه بذكر اللفظ الذي يدخل من طريق السمع فيه، وحيث أن المعاني
صارت الملازمة بالوضع للألفاظ، فأي مانع من إحضارها في الذهن بوقتها بسبب
إحضار اللفظ فيه بذكره خارجا فهناك بعد المعاني حضورات وإحضارات
وإرادات، وحيث انها غير متحدة مع وجود اللفظ خارجا وحضوره وإحضاره
ذهنا بل ملازمة له فلا يلزم اثنينية الواحد وتعدده.

1 - هو صاحب محجة العلماء الشيخ محمد هادي النجفي - ره -.
102

واما الجواب عنه بأن الاحراق مترتب على الالقاء بمقدار تخلل الفاء نظرا إلى
أن وجود الحرقة مترتب على الملاقاة بمقدار تخلل الفاء فمندفع بان ترتب
وجود الحرقة على الملاقاة من باب ترتب المشروط على شرطه، وعلى وجود
النار من باب ترتب المسبب على سببه، بخلاف إحراق النار فإنه معنى تأثيرها
أثرها، والتأثير ليس أثر المؤثرة كي يترتب عليه، بل التأثير والتأثر متضائفان،
فالاحراق بالعرض المنسوب إلى الشخص بالأولوية، وتأثير النار وأثرها أو وجود
الأثر وإن كان مشروطا، لكنه بالملاقات لا بحيثية صدورها من الشخص التي هي
معنى الالقاء، فلا ترتب للاحراق، ولا لوجود الحرقة على الالقاء، لا من باب
ترتب المسبب على سببه، ولا من باب ترتب المشروط، وعلى شرطه مع أن
مجرد الترتيب الناشئ من التقدم والتأخر بالطبع لا يقتضى التقدم في الوجود، ولا
عدم الاتحاد في الوجود، كما في تقدم الواحد على الاثنين أو تقدم الجنس
والفصل على النوع، كما أن توهم استحالة جعل اللفظ علامة كجعله فانيا ومرآة،
نظرا إلى امتناع لحاظين لمعنيين في أن واحد كامتناع لحاظين في لفظ واحد
مدفوع بما تقدم من إمكان لحاظين في آن واحد بل الموجب للاستحالة ما
سيجيئ إنشاء الله تعالى فتدبره فإنه دقيق وبه حقيق.
قوله: بل جعله وجها وعنوانا له بل بوجه نفسه كأنه الملقى الخ:
والشاهد عليه عدم صحة الحكم على اللفظ بما هو في حال الاستعمال، فيعلم
منه أن النظر بالذات إلى المعنى، وأن اللفظ آلة لحاظه، ولا يعقل أن يكون آلة
اللحاظ في حال كونه كذلك ملحوظا بلحاظ آخر لا آليا ولا استقلاليا، لامتناع تقوم
الواحد بلحاظين، حيث إنه من قبيل اجتماع المثلين، أو لامتناع الجمع بين
اللحاظين، في لحاظ واحد، للزوم تعدد الواحد ووحدة الاثنين.
والتحقيق أن الأمر في الاستحالة أوضح من ذلك، بيانه أن حقيقة الاستعمال
إيجاد المعنى بالجعل والمواضعة والتنزيل، لا بالذات إذ لا يعقل أن يكون وجود
واحد وجودا لماهيتين بالذات كما هو واضح، وحيث أن الموجود الخارجي
103

بالذات واحد، فلا مجال لأن يقال بأن وجود اللفظ وجود لهذا بالمعنى خارجا
وجود آخر لمعنى آخر، حيث لا وجود آخر كي ينسب إلى الاخر بالتنزيل، وليس
الاستعمال إلا إيجاد المعنى بنحو وجوده اللفظي خارجا، وقد عرفت أن الإيجاد
والوجود متحدان بالذات، وحيث إن الوجود واحد، فكذا الايجاد، وبالجملة
الاستقلال في الايجاد التنزيلي كما هو معنى الاستعمال الذي هو محل الكلام
يقتضى الاستقلال في الوجود التنزيلي وليس الوجود التنزيلي إلا وجود اللفظ
حقيقة فالتفرد بالوجود التنزيلي والاختصاص به تقتضي التفرد بالوجود
الحقيقي، وإلا لكان وجودا تنزيليا لها معا لا لكل منفردا فتدبره جيدا.
ومنه تعرف أن الاستعمال لو فرض محالا تحققه بلا لحاظ لكان محالا، وأنه لا
يدور الامتناع والجواز مدار امتناع تقوم الواحد بلحاظين وعدمه، وأما الامتناع
بواسطة الجميع بين لحاظين في لحاظ واحد فهو وإن كان حقا، إلا أن اللفظ
والمعنى من أعظم أركان الاستعمال، فالعدول عن التعليل بلزوم تعدد الواحد في
اللفظ إلى مثله في اللحاظ بلا وجه، بل يجب الاستناد في الاستحالة إلى ما ذكرنا،
لا إلى امتناع تقوم الواحد بلحاظين، ضرورة أن اللفظ بوجوده الخارجي لا يقوم
اللحاظ بل المقوم له صورة شخصه في أفق النفس فأي مانع من تصور شخص
اللفظ الصادر بتصورين في آن واحد مقدمة لاستعمال اللفظ الصادر في معنيين
لو لم يكن جهة أخرى في البين.
وربما يورد (1) على ما أفيد في المتن بالنقض بالعام الاستغراقي الملحوظ
بنحو الكل الافرادي، نظرا إلى أن أفراد العام ملحوظة كل على انفراده بلحاظ
واحد، فكما أن لحاظ كل من أفراده على انفراده كذلك لحاظ كل من المعاني
على انفراده، يصحح تعلق الحكم بكل واحد من أفراده على انفراده، كذلك لحاظ
كل من المعاني على انفراده يصحح استعمال اللفظ الواحد فيه على انفراده، ولا
يندفع هذا النقض بأن لحاظ المتكثرات بالذات بلحاظ واحد، والاستعمال فيها

1 - كما عن صاحب تشريح الأصول.
104

خارج عن محل النزاع فان المدعى الاستعمال في كل من المعاني على انفراده،
مع وحدة اللفظ واللحاظ، لا في الكل بنحو الوحدة، بل يندفع النقض، الفرق بين
الاستعمال وتعلق الحكم فان المستعمل فان في المستعمل فيه، وعين وجوده
تنزيلا، بخلاف الحكم فإنه لا يكون فانيا في موضوعه، ولا وجودا تنزيليا له، بل
يتوقف تعلقه بموضوعه على لحاظ موضوعه بأي وجه كان، فلا يلزم فناء الواحد
في الاثنين، ولا تقوم الواحد بلحاظين.
لا يقال: لابد في الحكم على عنوان العام من ملاحظته فانيا في معنونه، فإذا
تعدد المعنون كما في الملحوظ على نهج كل الأفرادي لزم فنائه في المتعدد، ولا
فرق في الامكان والامتناع بين فناء مفهوم واحد في مطابقات متعددة وفناء لفظ
واحد في مفاهيم متعددة بما هي كذلك.
لأنا نقول: أما مثل مفهوم " العشرة " وسائر المفاهيم التركيبية فمطابقها واحد
مشتمل على كثرة بالذات، وكذا مفهوم " كل عالم " فان مطابقه الآحاد بالأسر لاكل
واحد، بداهة أن مفهوم كل عالم لا يصدق على كل عالم، وأما مفهوم " العالم "
الصادق على المتكثر بسبب أداة العموم، فليس شأن أداة العموم التوسعة في
صدق مدخوله، وجعله فانيا في المتكثر بعد ما لم يكن في حد ذاته كذلك، بل
مطابق مفهوم العالم بما هو مطابق له واحد وإنما شأن أداة العموم التوسعة في
ذات المطابق فيفيد المطابق بما هو مطابق للمفهوم بجعل المفهوم فانيا فيه،
ويفيد تعدده وتكثره الحاصل له بسبب المميزات والخصوصيات بأداة العموم،
لا أنها تجعل المدخول فانيا في مطابقه وفيما هو خارج عن المطابق بما هو
مطابق له.
ومما ذكرنا يندفع نقض آخر بصورة عموم الوضع وخصوص الموضوع له نظرا
إلى أنه، كما أن ملاحظة عنوان واحد يصحح الوضع لخصوصات المندرجة
تحته، كذلك يصح ملاحظة عنوان عام، والاستعمال في كل واحد من
الخصوصيات المندرجة تحته.
105

وجه الاندفاع: ما تقدم من أن اللفظ يجب أن يكون في مرحلة الاستعمال
فانيا في المعنى، ولا يجب أن يكون كذلك حال الوضع، ولا الوضع بنفسه يحتاج
إلا إلى لحاظ الموضوع له بأي وجه كان، كما عرفت في الحكم بالإضافة إلى
موضوعه.
قوله: فان اعتبار الوحدة في الموضوع له الخ: بحمل القول فيه أن
المعنى له وحدة ذاتية لا ينسلخ عنها أبدا، ولو اجتمع مع غيره، وله وحدة
عرضية هو هي كونه واحدا في اللحاظ، وما يعقل أن يكون قيدا هو الثاني،
وحينئذ فيشكل بأن الوحدة اللحاظية مقومة للاستعمال، فيستحل أخذها في
الموضوع له، ويندفع بما عرفت في نظائره من أن اعتبار أمثال هذه الأمور بنحو
الإشارة إلى ذات الموضوع له معقول، فيضع اللفظ بإزاء المعنى الذي يصير
باللحاظ الاستعمالي موصوفا بصفة الوحدة في قبال مالا يصير كذلك.
نعم المتبادر من مسميات الألفاظ نفس معانيها، حتى أن أوصافها الذاتية غير
ملحوظة بلحاظها، ولا متبادرة بتبادرها، وأما قيدية الوحدة للوضع فقد عرفت
سابقا أنها جزاف، وأن الاختصاص الوضعي لا يتخصص ولا ينكثر حقيقة بقيود
المستعمل فيه وخصوصياته وهو ظاهر لمن أمعن النظر.
قوله: وكون الوضع في حال وحدة المعنى الخ: تفصيله أن حال
الوحدة تارة تضاف إلى المعنى، ومن الواضح أن مجرد وقوع اللفظ بإزاء المعنى
في حال تفرده باللحاظ عند الوضع لا يقتضى تقيد الموضوع لها بها، وأخرى
تضاف إلى نفس الوضع ويراد منها استقلال كل وضع، وعدم كونه ناظرا إلى وضع
آخر، ولا متمما له، فالاستعمال الموافق للوضع يجب أن يكون كذلك بأن يقع كل
استعمال منفردا عن استعمال آخر، وهو ظاهر بعض أجلة العصر (1) وفيه أن
مطابقة الاستعمال للوضع إنما تجب في الموضوع، والموضوع له بحدودهما
وقيودهما، ولا تجب في غير ذلك، وملاك صحة الاستعمال الحقيقي جريه على

1 - صاحب تشريح الأصول ص 39.
106

قانون الوضع وهو مطابقته له على الوجه المزبور.
وأما خصوصيات الوضع أعني عمل الواضع فغير لازمة المراعاة، لوضوح أن
متابعة كل جعل من كل جاعل إنما هي بملاحظة مجعوله فمسلم إلا أن مرحلة
الاستعمال أيضا كذلك، حيث أن الاستعمال لفظ في معنى ليس متمما
للاستعمال الاخر فكما أن الوضعين لا يرجعان إلى وضع واحد كذلك
الاستعمالان فالجمع بين الاستعمالين لابين المعنيين كي يؤل إلى استعمال واحد
لينافي تعدد الوضع فافهم واستقم.
قوله: لأن الأكثر ليس جزء المقيد بالوحدة الخ: يمكن أن يقال ليس
الغرض من الاستعمال في الأكثر الاستعمال فيه على وجه الجمع في اللحاظ
كيف وهو خارج عن محل الكلام، بل الفرض استعماله في كل منهما، كما لو لم
يكن غيره فاللفظ وإن كان واحدا إلا أن المستعمل فيه متعدد، لا أن المستعمل
فيه بذاته متعدد، وبما هو مستعمل فيه واحدا يخرج عن محل البحث، وسر إلغاء
الوحدة مع أن كلا من المعنيين ملحوظ بالاستقلال فهو متفرد باللحاظ، هو أن
الموضوع له عند هذا القائل هو المعنى الملحوظ على وجه لا يكون، ومعه
ملحوظ آخر لا على وجه لا يكون معه ملحوظ بلحاظه وحينئذ فكل من المعنيين
الملحوظين المجتمعين فاقد لهده الوحدة، ومن الأصح أن المستعمل فيه حينئذ
جزء الموضوع له فيكون النسبة بين المستعمل فيه والموضوع له نسبة ذات
المطلق إلى المقيد ومن المعلوم أن المطلق بداهة هو اللا بشرط المقسمي، إذ
ليس الأكثر بما هو مستعملا فيه باستعمال واحد ليكون بينهما المبائنة بل
المبائنة (1) بالنحو المذكور في المتن إنما تكون أيضا فيما إذا لوحظ لحاظ المعنى

1 - هذا بناء على أن المعنى مستندا باللحاظ الخاص كما هو كذلك عند القائل به وأما بناء على ما
قدمناه من أن الموضوع له حصة من المعنى المتخصص باللحاظ الخاص فنقل الخصوصية مع فرض
خصوصية مباينة يوجب ان يكون المستعمل فيه حصة أخرى لا جزء الأولى فحينئذ يستقيم ما افاده
- قدس سره - (منه).
107

لاخر معه في المستعمل فيه، وإلا فمجرد الاستعمال في مجموع المعنيين بنحو
الجمع في اللحاظ لا يوجب المبائنة المزبورة بل المعنيان فاقد أن لجزء من
الموضوع له، وكل واحد بالإضافة إلى اجتماع الاخر معه بذاته لا بشرط، بل هو
استعمال في جزئين من معنيين لا في جزء واحد من معنى واحد كما في صورة
الجمع بين الاستعمالين فافهم جيدا.
قوله: لأن هيئتها أنما تدل على إرادة المتعدد الخ: لا يخفى عليك أنه
لا يتصور إلا إذا كان المراد من المادة ما يعبر عنه بلفظ [كذا] حقيقة أو تأويلا، وإلا
فلا يعقل تعدد مرحلة الهيئة والمادة.
نعم إذا قلنا أن هذه المادة المتهيئة بهيئة التثنية، لها وضع واحد، صح إرادة
الباكية والجارية من المعنيين، إلا أنه خارج عن محل البحث لاستعماله في
المعنيين معا لا في كل منهما بإرادتين، وإلا لم يكن تثنية.
وأما تصحيح تثنية الأعلام بدون التأويل بالمسمى ونحوه بدعوى كفاية وحدة
مادة اللفظ الذي هو مرآة لمعناه لسراية أحكام المعنى إلى اللفظ وبالعكس،
فالتعدد المستفاد من الهيئة إذا أضيفت إلى مثل هذه المادة يوجب صحة إرادة
المعنيين لأنهما كفردين من هذه المادة الملحوظة مرآة لمعناها، ففيه أن الهيئة
وإرادة على مادة اللفظ، ويستحيل ورودها على معناها لأنهما مقولتان متبائنتان،
وكذلك يستحيل تعلق مفاد الهيئة الواردة على المادة بنفس المادة فلحاظ المادة
اللفظية مرآة لمعناها إن أوجب تعلق التعدد بمعناها فمعناها في الأعلام غير قابل
له، لعدم الوحدة الطبيعية ليراد منها، فردان منها، وان لم يوجب فالمادة غير قابلة
بنفسها المعلق مفاد الهيئة بها بنفسها.
نعم يمكن تصحيح التثنية والجمع في الأعلام بوجه آخر، وهو استعمال
المادة في طبيعي لفظها لكن بماله من المعنى بحيث لا يكون المعنى مرادا من
المادة ليلزم المحذور، بل بنحو الإشارة إليه بما هو معنى لطبيعي اللفظ، لا بما هو
معنى اللفظ المستعمل فيكون كقولك ضرب فعل مشتمل على النسبة فان
108

المعنى النسبي غير مراد من نفس لفظ ضرب بل المراد منه طبيعي لفظه، ولكن لا
بما هو إذ لا نسبة فيه، بل بما هو ذو معنى نسبي، فيكون المراد من قولنا [زيدان]
فردان من لفظ زيد بماله من المعنى والمفروض أنه له معنيين فتأمل.
تذييل وتكميل: قد ظهر مما ذكرنا حال استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي
والمجازي إمكانا وامتناعا، ومنعا جوازا، وعن بعض المدققين من المعاصرين (1)
دعوى الاستحالة هنا.
وإن قلنا بالامكان هناك نظرا إلى أن الحقيقية والمجازية وصفان متقابلان
والاستعمال الواحد واللفظ الواحد لا يتصف بوصفين متقابلين لاستحالة الجمع
بين المتقابلين، ويندفع باختلاف الجهة والحيثية، فان اللفظ من حيث أنه يفيد
المعنى الموضوع له مطابق للوضع، فمن هذه الجهة يتصف بوصف اعتباري وهو
كونه حقيقة، ومن حيث إنه يفيد المعنى الذي لم يوضعه له غير مطابق للوضع
فيتصف من هذه الحيثية بالمجازية فهناك حيثيتان حقيقيتان موافقتان لنفس
الامر، وبهما يصح اتصاف اللفظ والاستعمال بالحقيقة والمجازية، ولا يجرى هذا
الوجه في الأعراض المتأصلة كالسواد والبياض، حتى ينتقض بهما، لما عرفت
أنهما وصفان انتزاعيان من اللفظ واقعا، بملاحظة الحيثيتين المزبورتين
الموجودتين في اللفظ مع أنه لو تم الاشكال لما اختص بالاستعمال في الحقيقي
والمجازي بل يعم الحقيقتين والمجازيين، لامتناع اجتماع المتماثلين كامتناع
اجتماع المتقابلين فافهم واغتنم.
قوله: أو كان المراد من البطون لوازم معناه الخ: فتراد تلك اللوازم على
وجه الكناية أو على وجه آخر، وربما يمكن إصلاح تعدد البطون بتعدد
المحققات والمصاديق لمعنى واحد مثلا، الطريق والميزان لهما معنى معروف،
وهما ما يسلك فيه بوزن به، ومحققاتهما كثيرة، منها: الطريق الخارجي وماله
كفتان ومنها: الإمام عليه السلام حيث أن السبيل الأعظم والصراط الأقوم الذي لا

1 - وهو دعوى صاحب محجة العلماء الشيخ محمد هادي النجفي.
109

يضل سالكه، وبه عليه السلام يعرف صحة الأعمال وسقمها وخفتها وثقلها إلى
غير ذلك من المصاديق المناسبة، وإرادة المصاديق المتعددة في كل مورد بحسبه
لا تنافي الاستعمال في معنى واحد يجمع شتاتها، ويجرى متفرقاتها، ونظير
إشكال تعدد البطون ما ورد من طلب الهداية عند قرائة قوله عز من قائل * (إهدنا
الصراط المستقيم) * ونحوه في غيره، فان محذور الاستحالة تعدد المحكى عنه
مع وحدة الحاكي، وهو جار هنا لان القراءة هي الحكاية عن اللفظ باللفظ
المماثل، والانشاء قصد ثبوت المعنى باللفظ، ولا يمكن استعمال اللفظ في
اللفظ وفى المعنى. وربما يجاب عنه: بأن المعنى يقصد من اللفظ الذي هو المعنى، كما في
أسماء الافعال عند من يجعلها موضوعة لألفاظ الأفعال، فلم يلزم استعمال اللفظ
في أكثر من معنى، بل استعمل كل لفظ في معنى.
وربما يجاب عنه: بأن المعنى يقصد من اللفظ الذي هو المعنى، كما في
أسماء الافعال عند من يجعلها موضوعة لألفاظ الأفعال، فلم يلزم استعمال اللفظ
في أكثر من معنى، بل استعمل كل لفظ في معنى.
وفيه أن قصد المعنى من اللفظ المحكى عنه باللفظ أوضح استحالة من قصده
من اللفظ الحاكي، ضرورة أن الاستعمال كذلك غير معقول، سواء كان الاستعمال
بمعنى الاعلام والتفهيم، أو بمعنى إيجاد المعنى باللفظ، أو بمعنى إفناء اللفظ في
المعنى وجعله وجها وعنوانا له، فان هذه الأوصاف لا يوصف بها مالا وجود لها
خارجا، بل جعلا وتنزيلا، مع أن الفرض إنشاء المعنى باللفظ، فاللفظ مما ينشأ به
ويتوسل به إلى ثبوت المعنى، وهذا مع عدم تحقق ما ينشأ به ويتوسل به غير
معقول، إذ ليس الإنشاء مجرد قصد المعنى كما لا يخفى.
فالأولى أن يجاب عن الاشكال بحمل ما ورد من الاخبار في هذا المضمار
على طلب الهداية مقارنا لقرائة * (اهدنا الصراط المستقيم) * لا طلب الهداية
بها.
ويمكن أن يجاب أيضا بأن القراءة ليست الحكاية عن الألفاظ بالألفاظ
واستعمالها فيها، بل ذكر ما يماثل كلام الغير من حيث أنه يماثله في قبال ذكره من
تلقاء نفسه، وهذا المعنى غير مشروط بعدم إنشاء المعنى به حتى يلزم الجمع
110

بين اللحاظ الاستقلالي والآلي فيما يماثل كلام الغير، من حيث أنه يماثله بقصد
المعنى فان من مدح محبوبه بقصيدة بعض الشعراء فقد قرء قصيدته ومدح
محبوبه بها.
نعم لو لم يلتفت إلى ذلك ومدحه بما انشاء من تلقاء نفسه لم يصدق القراءة
وان كان مماثلا لما انشاء الغير فتدبره جيدا.
111

الكلام في مسألة المشتق
112

قوله: اختلفوا في أن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس في
المبدء في الحال الخ: ينبغي التنبيه على امر، وهو أن النزاع هنا في الوضع
والاستعمال أو في صحة الإطلاق وعدمها، مع التسالم على المفهوم والمعنى،
الظاهر هو الأول كما تفصح عنه كلمات القوم من قديم الزمان إلى اليوم، فان
الحقيقة والمجاز المذكورين في عنوان النزاع من شؤون الاستعمال، ولا ربط لهما
بالصدق والاطلاق، ويشهد له استدلال العلامة قده في التهذيب وغيره في غيره
للقول بالأعم، بان معنى الضارب (من حصل منه الضرب) فيعم من انقضى عنه
المبدء إلى غير ذلك من الشواهد، وأما ما تكرر في كلماتهم في عنوان البحث من
اشتراط بقاء المبدء في صدق المشتق وإطلاقه فلا ينافي ذلك، فان الصدق بلا
عناية وعدمه حيث كانا دالين على الخصوصية وعدمها، فلذا عنونوا النزاع بذلك
مضافا إلى أنه لولا الاختلاف في المفهوم والمعنى فما وجه هذا الخلاف العظيم
في هذه السنين المتمادية.
وصريح بعض المدققين من المعاصرين (1) هو الثاني بدعوى أن وجه الخلاف
مع عدم الاختلاف في المفهوم والمعنى هو الاختلاف في الحمل، فان القائل
بعدم صحة الاطلاق على ما انقضى عنه المبدء يرى وحدة سنخ الحمل في
المشتقات والجوامد، فكما لا يصح إطلاق الماء على الهواء بعد ما كان ماء،
وزالت عنه صورة المائية فانقلبت هواء، كذلك لا يصح إطلاق المشتق على ما
زال عنه المبدء يعد تلبسه به، فان المعين الانتزاعي تابع لمنشأ انتزاعه حدوثا
وبقاء، والمنشأ مفقود بعد الانقضاء والانتزاع بدونه على حد المعلول بلا علة،
والقائل بصحة الاطلاق يدعى تفاوت الحملين، فان الحمل في الجوامد حمل هو

1 - صاحب محجة العلماء الشيخ محمد هادي النجفي - ره -.
113

هو، فلا يصح أن يقال للهواء أنه ماء، والحمل في المشتقات حمل ذي هو،
وحمل انتساب، ويكفي في النسبة مجرد الخروج من العدم إلى الوجود، فيصح
الحمل على المتلبس وعلى ما انقضى عنه دون ما يتلبس.
قلت: فيه من الخلط مالا يخفى، على من له خبرة بالاصطلاح المرسوم في
تقسيم الحمل إلى هو هو، وذي هو، توضيحه أن ما كان قابلا لان يحمل على
شئ من دون واسطة لفظة ذي ولا اشتقاق لغوى فهو المحمول مواطاة كما في
" الانسان جسم " و " هذا حجر " وما لم يكن قابلا للحمل إلا بأحد الأمرين
المزبورين كالأعراض من السواد والبياض مثلا، فهو المحمول اشتقاقا، إذ السواد
مثلا لا يحمل على موضوعه بنفسه، بل بواسعة لفظة ذي فيقال: " الجسم ذو
سواد " أو بواسطة إشتقاق وصف منه فيقال: " الجسم أسود " فالمحمول
بالاشتقاق نفس العرض والوصف المشتق منه محمول مواطاة لعدم الحاجة في
حمله إلى الشئ، واشتقاقية الحمل بالإضافة إلى المبدء دون الوصف فان حمله
حمل بالمواطاة قطعا.
قال: العلامة الطوسي - قدس سره - القدوسي في شرح منطق الإشارات (1)
بعد ما بين حقيقة الحمل مواطاة ما لفظه - ره - و " هنا نوع آخر من الحمل يسمى
حمل الاشتقاق، وهو حمل ذو هو كالبياض على الجسم، والمحمول بذلك
الحمل لا يحمل على الموضوع وحده بالمواطاة بل يحمل من لفظة ذو، كما يقال
" الجسم ذو بياض " أو يشقق منه اسم كالأبيض، ويحمل بالمواطاة عليه كما يقال
" الجسم أبيض " والمحمول بالحقيقة هو الأول " انتهى.
وغرضه من الأول هو المحمول بالمواطاة فاتضح أن حمل الأوصاف حمل
هو هو والمواطاة لا حمل ذي هو، وبالاشتقاق كما تخيله المعاصر المتقدم،
وإسناد اختلاف الحمل على الوجه المزبور إلى العلماء من المتأخرين والقدماء،
وجعله منشأ لهذا الخلاف العظيم سخيف جدا كما لا يخفى.

1 - الإشارات والتنبيهات، الجزء الأول في علم المنطق ص 31.
114

قوله: بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضي الخ: مقتضى إطلاقه (1)
وقصر الخارج عن محل النزاع على الجامد المحض، ودخول كل ما لا يأتلف منه
الذات وإن كان ذاتيا بمعنى آخر، وهو كفاية نفس الذات في انتزاعه عنها، مع
عدم كونه من ذاتياتها وأجزائها الخارجية والعقلية، حتى يعم النزاع مثل الامكان
ومقابليه والوجود والعدم، بل وجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا الجارية
عليه تعالى حيث أن ذاته تعالى بذاته، ولذاته مطابق لصفاته بلا حيثية تعليلية،
ولا تقييدية مع أن الذاتي بهذا المعنى أيضا خارج عن محل النزاع لدوران التلبس
مدار بقاء الذات.
نعم هذه النعوت الجلالية والجمالية كبعض الأوصاف الأخر، كالامكان ونحوه
وان لم يكن لها زوال عن موردها، فيلغو النزاع بالإضافة إليها، إلا أن المفهوم بما
هو غير مختص بما لا زوال له، كي يلغو النزاع، فيصح النزاع باعتبار ما هو غير ذاتي
له، وأما ما لا مطابق له إلا ما هو ذاتي كالموجود والمعدوم فان مطابقهما بالذات
نفس حقيقة الوجود والعدم دون الماهية، فإنها موجودة أو معدومة بالعرض، فلا
مجال للنزاع فيه حتى بالإضافة إلى الماهية، فإنها موجودة أو معدومة بالعرض، فلا
مجال للنزاع فيه حتى بالإضافة إلى الماهية، فان الماهية أنما توصف بالموجودية
بالعرض، فما لم يكن الموجود بالذات لا موجود بالعرض، ومع ثبوته لا انقضاء
هناك فتدبر جيدا.
قوله: فهذا القسم من الجوامد أيضا من محل النزاع الخ: توضيحه
أن عموم النزاع وشموله لشئ لا يدور مدار صدق العنوان بل لنا تسرية النزاع
لعموم ملاكه، أو لترتب ثمرته على شئ، وكلاهما موجود في هذا القسم من

1 - إلا أن حمل مقابلا للعرض قرينة على عدم إرادة العرض المقابل للذاتي في كتاب الكليات لكن
لا يخفى ان العرض تارة في قبال العرضي كالأبيض بالنسبة إلى البياض وهذا غير مراد قطعا إذ لا يعقل
مبدئية الأبيض وأخرى في قبال الذاتي في كتاب الكليات وهو لا يقابل العرض بل العرض باقسامه داخل
في العرض وثالثة في قبال الذاتي في كتاب البرهان وحيث إن مقسمة الامر الانتزاعي فيقابل العرض
المتأصل لا العرض الذي نحو وجوده بوجود موضوعة كمقولة الإضافة فتدبر (منه) (خ).
115

الجوامد ما ترتب الثمرة فواضح، كما يشهد له ما عن الايضاح والمسالك (1) وإن
كان تسليم حرمة المرضعة الأولى والخلاف في الثانية مشكلا، لاتحادهما في
الملاك، وذلك لأن أمومة المرضعة الأولى وبنتية المرتضعة متضائفتان متكائفتان
في القوة والفعلية وبنتية المرتضعة وزوجيتها متضادتان شرعا، ففي مرتبة حصول
أمومة المرضعة تحصل بنتية المرتضعة، وتلك المرتبة مرتبه زوال زوجية
المرتضعة، فليست في مرتبة من المراتب أمومة المرضعة مضافة إلى زوجيه
المرتضعة، حتى تحرم بسبب كونها أم الزوجة هذا.
وأما عموم الملاك فإن بقاء الذات كما كان موهما لصدق الوصف عليها بعد
زوال تلبسها بمبدئه كذلك يوهم صدق عنوان الزوج بعد زوال مبدئه، وهي
العلقة الخاصة، والفرق بينه وبين سائر الجوامد أن الذات فيها محفوظة بانحفاظ
الذاتيات فإذا زالت سورة المائية فقد زالت ذات الماء لان شيئية الشئ بصورته
النوعية وما يجرى مجراها والمادة وما يجرى مجراها فعليتها عين القوة فليست
هي شيئا من الأشياء حتى يكون بقائها بما هي في نظر العرف موهما لصدق
صورة المائية عليها بعد زوالها بخلاف مثل الزوجية والرقية والحرية وغيرها من
الجوامد، لانحفاظ ذات متحصلة في الحالتين فيها.
" اسم الزمان "
قوله: ربما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسم الزمان الخ: لا يذهب
عليك (2) أن هويات أجزاء الزمان وإن كانت واحدة بوحدة إتصالية دقة وعقلا إلا

1 - المسالك ج 1 ص 379 إيضاح الفوائد ج 3 ص 52.
2 - اعلم أن الإمكان ليس من أجل تخلل غير المماثل بين ما تلبس بالظرفية وما يماثله حتى
ينتقض بأسامي الشهور من حيث الوضع لكي يكون كل واحد من الأيام والشهور المفصولة مصداقا له
بل من أجل عدم التطابق لما تلبس بالظرفية إلا فرد لا بقاء له وتوهم اتصاف الكلى بالعرض بسبب
اتصاف فرده بالنظر فيه مدفوع بان المتصف بها بالعرض هو الكلى الموجود في ضمنه لا مطلقا
فتبدر جيدا (منه) (خ).
116

أن كل هوية من تلك الهويات المتصلة مغايرة بنفس ذاتها الهوية أخرى، وما
يصدق عليه حقيقة وبلا عناية أنه تلبس بالمبدء تلك الهوية الواقع فيها المبدء،
وهذه الهوية هي الذات اللازم بقائها في صدق الوصف.
فما عن بعض المدققين من المعاصرين (1) جوابا عن الاشكال من أن للزمان
استمرارا وبقاء عرفا والبقاء فرع الوحدة، فإذا وقع في أول هذا الواحد حدث
وانقضى صح لك أن تقول أن هذا الأمر الوحداني تلبس بعنوان الظرفية لشئ،
وانقضى، فبقى بلا تلبس وإلا لزم الإشكال على الأوصاف الجارية على الزمان بل
على مطلق الأمور التدريجية الغير القارة، فإن ما صدق عليه في هذه الموارد ليس
له بقاء فلا وجه لتخصيص الاشكال باسم الزمان.
مدفوع: بما عرفت من أن اتصال الهويات المتغايرة لا يصحح بقاء تلك الهوية
التي رفع فيها الحدث حقيقة، وإلا لصح أن يقال " كل يوم مقتل الحسين عليه
السلام " للوحدة المزبورة، مع أنه لا شبهة في عدم صحة إطلاق المقتل إلا على
العاشر من محرم وما يماثله.
نعم ربما يطلق المثل ويراد الساعة التي وقع فيها القتل، وربما يطلق ويراد به
اليوم الواقع فيه، وربما يراد الشهر، وربما يراد العام، وهذا كله أجنبي عن الوحدة
المزبورة إذ على هذا الاطلاق لا انقضاء ما دامت الساعة أو اليوم أو الشهر أو العام
باقية، وبعد مضى أحدها لا بقاء لما أطلق المقتل بالإضافة إليه كي ينازع في
الوضع له أو للأعم، فالبقاء إن أضيف إلى أحد تلك الأمور المتصفة بنحو من
الوحدة فالتلبس بحسبه باق ما دام باقيا وإلا فلا، وإن أضيف إلى الزمان لا بلحاظ
تلك الوحدات، بل بلحاظ إتصالية الزمان فمع فرض صحة هذا الاطلاق فالدهر
باق والتلبس كذلك، فالامر دائما يدور بين البقاء والتلبس، أو عدمه وعدمه.

1 - صاحب محجة العلماء الشيخ محمد هادي النجفي - ره -.
117

فتدبره فإنه حقيق به.
وأما ما ذكره من الأوصاف مشتركة بين الأمور التدريجية وغيرها، فلا وجه
لاخراجها لأجل عدم بقاء ما تصدق هي عليه في بعض الموارد والأحيان، من
دون فرق بين مثل السيال والمتصرم ونحوهما، وغيرها، فان السيلان والتصرم لا
يختص بالتدريجيات كما لا يخفى، بخلاف اسم الزمان المأخوذ فيه الزمان.
فافهم واستقم.
قوله: ويمكن حل الاشكال بأن انحصار مفهوم عام الخ: لا يخفى على
أنه لا يتوقف على تعقل جامع مفهومي بين المتلبس بالظرفية للحدث وعدمه
حتى لا يعقل بل على الجامع المفهومي بين المتلبس والمنقضى عنه، فكما يقول
القائل بالوضع للأعم أن مفهوم اسم المكان تحليلا هو المكان الذي وقع فيه
الحدث فيعم المتلبس والمنقضى عنه، فكذا هنا يقول بأن مفهوم اسم الزمان
تحليلا هو الزمان الذي وقع فيه الحدث، فهو بمفهومه يعمهما لكنه بحسب
الخارج حيث إن المكان قار الذات، فله مصداقان والزمان، حيث إنه غير قار
الذات فله مصداق واحد، ويؤيده أن المقتل والمضرب وغيرهما من الألفاظ
المشتركة بين اسمي الزمان والمكان لها مفهوم واحد، وهو ما كان وعاء القتل أو
الغروب مثلا، زمانا كان أو مكانا، ولا إباء لمفهوم من حيث هو مفهوم للشمول
والعموم المتلبس والمنقضى عنه، وان لم يكن له في خصوص الزمان إلا مصداق
واحد.
قلت: الأمر في حل الاشكال على ما افاده الأستاذ العلامة أدام الله أيامه، إلا
أن تحرير النزاع في اسم الزمان لا يكاد يترتب عليه ثمرة البحث، إذ ثمرة البحث
تظهر في ما انقضى عنه المبدء، وإلا لا فارق في المتلبس بين الطرفين، وحيث لا
مصداق لما انقضى عنه المبدء في اسم الزمان فيلغو البحث عنه جزما.
نعم لو قلنا بأن المقتل ونحوه موضوع لوعاء القتل مثلا، دون ملاحظة
خصوصية الزمان أو المكان، فعدم صدق على ما انقضى عنه في خصوص الزمان
118

لا يوجب لغوية النزاع، بخلاف ما إذا كان موضوعا للزمان الأعم من المتلبس وما
انقضى عنه فان البحث عن وضعه للأعم مع عدم المطابق إلا للأخص لغو. فتدبر.
قوله: مع أن الواجب موضوع المفهوم العام الخ: فلا اختصاص
لانحصار المفهوم العام في فرد باسم الزمان، بل يجرى في اسم الفاعل كالواجب
إلا أنه يمكن الخدشة فيه بأن الواجب بما هو لا اختصاص له خارجا به تعالى بل
توصف به الأفعال الواجبة أيضا، وكذلك واجب الوجود لا يختص به تعالى لأن
كل موجود وأحب الوجود حيث أن الشئ ما لم يجب لم يوجد، نعم واجب
الوجود بذاته مختص به تعالى وهو أيضا مفهوم عام لكنه من المفاهيم المركبة لا
مما وضع له لفظ مخصوص كي يكون نظيرا للمقام إلا أن لفظ الجلالة يكفي في
صحة الوضع للعام مع انحصاره في فرد بلا كلام.
" الأفعال والمصادر "
قوله: ضرورة أن المصادر المزيد فيها كالمجرد في الدلالة إلخ: هذا
بناء على ما هو المتعارف في حقيقة المصدر حيث يجعلونه أصلا للمشتقات.
والتحقيق: أن الصادر مطلقا لم توضع لنفس المعاني الخالية من جميع أنحاء
النسب بل المصدر من جملة المشتقات لاشتماله على نسبة ناقصة ومبدء، من
دون فرق بين المجرد والمزيد فيه بتخيل أن المزيد فيه مشتق من المجرد، ولذا
خصص الاخراج عن عناوين النزاع هنا بالمزيد فيه ودون المجرد، والفرق بين
المبدء والمصدر كالفرق بين ملاحظة ذات العروض وملاحظة بما هو عرض
والنسبة المصدرية في نقصها وعدم صحة السكوت عليها كالنسبة الحاصلة من
إضافة الغلام إلى زيد مثلا، بل الفرق بين معاني المصدر المجردة والمزيد فيها
المتحدة في المادة دليل على اشتمال كل منهما على نسبة ناقصة مبائنة للآخر و
إلا لزم أن لا يكون بينهما فرق إلا بالهيئة اللفظية فقط، إذا لمفروض اتحادهما في
119

المادة اللفظية المقتضية لوحدة المعنى فتدبر جيدا.
وبالجملة الاشتمال على النسبة معنى الاشتقاق المعنوي والمبدء الساري في
جميع مراتب الاشتقاق هو المشتق هو المشتق منه، وهو نفس المعنى الخالي عن جميع
أنحاء النسب في حد ذاته، فهذا الاطلاق الذاتي للمبدء هو المصحح لأصالته،
وجعله مشتقا منه فان الإختصاص بالأصالة والاشتقاق، منه معنى يقتضى أن
يكون المشتق بعض المشتق منه، مع أن الأمر بالعكس في بادي النظر فان المبدء
جزء سائر المشتقات لكن بعد ملاحظة لا بشرطية وقبوله لكل صورة، بخلاف
المواد المتصورة بصورة خاصة فإنها لا تقبل ورود صورة أخرى عليها تعرف أن
المبدء أوسع دائرة من جميع المشتقات وأنها تنشعب منه، وأن المصدر
لاشتماله على نسبة ناقصة أحد المشتقات المنشعبة منه، وأنه لا يعقل أن يكون
المصدر مشتقا منه وأصلا لغير إذ لمادة المتصورة لا تقبل صورة أخرى، وحيث
أن المصدر مشتمل على نسبة ناقصة لا يصح السكوت عليه، ويكون مقدما في
الرتبة على غيره لتقدم الناقص على التام لزيادة التام عليه، فالتحقيق في خروج
المصادر مطلقا مع كونها من المشتقات عدم الجري لها على الذات، وعدم
اتحادها معها كي يكون بقائها موهما لمصداقها فافهم فاستقم.
قوله: وان الافعال إنما تدل على قيام المبادئ الخ: توضيحه: أن هيئات
الأوصاف والأفعال وإن كانت مشتركة في الدلالة على النسب وغيره، غير معقول
لوضوح أن الهيئة مطلقا بعد وضع المادة للمبدء لا يعقل أن يكون إلا لمعنى
حرفي، وهي النسبة، غاية الأمر الاختلاف بين أنحاء النسب فان النسبة في الفعل
لها حجة حركة من العدم إلى الوجود فيحضر في الذهن من سماع، " ضرب زيد "
مثلا حركة الضرب حقيقة من العدم إلى الوجود بحقيقة الحركة الصدورية فكأنه
يرى الحدث المخصوص متحركا من العدم إلى الوجود بخلاف " الضارب " فان
النسبة المأخوذة فيه نسبة الواجدية للمبدء، ولها جهة ثبات وقرار، وبها يكون
مفادها وجها وعنوانا للذات كما سيأتي انشاء الله تعالى فحيث أن معاد الوصف
120

أمر منتزع عن الذات متحد معها، فلذا يكون بقائها موهما لبقائه، بخلاف ما إذا لم
يكن كذلك فإنه لا موهم للبقاء.
قوله: وإلا لزم القوم بالمجاز أو التجريد عند الاسناد إلى غيرها من الزمان والمجردات الخ: بل ينتقض أيضا بمثل " علم الله تعالى، وبعلم الله
تعالى " ونحوه من الصفات الذاتية لتقدس ذاته وصفاته تعالى عن الزمان بل
ينتقض أيضا بمثل " خلق الله تعالى " ونحوه مما كان مبدئه من صفات الأفعال لما
برهن عليه في محله، من أن الفعل الزماني لا يكون إلا لفاعل زماني.
ويمكن الجواب عن الجميع عموما بأن هذه المخاطبات حيث كانت مع
المحبوسين في سجن الزمان فلا مانع من اعتبار السبق واللحوق فيما لا يتطرق
إليه سبق ولا لحوق، ويمكن الجواب عن خصوص الاسناد إلى نفس الزمان أن
المتقدم والمتأخر بالذات نفس أجزاء الزمان، والحوادث الآخر يتصف بهما
بالعرض، إذ ملاك التقدم والتأخر الزمانيين عدم مجامعة المتقدم والمتأخر في
الوجود، وهو قد يكون ذاتيا كتقدم بعض أجزاء الزمان على البعض الآخر فما به
التقدم وما فيه واحد، وقد يكون عرضيا كتقدم بعض الزمانيات على الآخر،
فالزمان زماني بنفسه وغيره زماني به، والمدعى وضع هيئة الماضي مثلا لنسبة
خاصة متصفة بخصوصية المتقدم الذي لا يجامع المتأخر في الوجود، وهو على
حد سواء في الزمان والزماني فتدبره فإنه حقيق به. ويمكن الجواب عن مثل
" علم الله وأراد الله " فيما إذا تعلق العلم مثلا بالحوادث الزمانية ونحوها، أنه تبارك
وتعالى مع الزمان السابق معية قيومية لا تنافى تقدسه عن الزمان فهو تعالى
باعتبار المعية مع السابق سابق، وباعتبار معية مع اللاحق لا حق فتوصيف شئ
بالسبق اللحوق الزمانيين بأحد اعتبارين إما باعتبار وقوعه في الزمان السابق
واللاحق كالزمانيات، وإما باعتبار المعية مع الزمان السابق واللاحق كما في
المقام.
وبنظيره يمكن الجواب عن الاسناد إلى المجردات والمفارقات فإنها وإن لم
121

تكن في الزمان إلا أنها معه كون عالمها في طول عالم الطبيعة لا تنافى معيتها لما
في عالم الطبيعة في الوجود كما لا يخفى، وأما إذا نسب علمه تعالى إلى ذاته
وصفاته جلت ذاته وعلت صفاته، فاتصافه بالسبق نظير اتصاف الزمان به، وهو
عدم مجامعة المتقدم للمتأخر في الوجود.
وبالجملة المعلوم إما أن يكون في زمان النطق مثلا كالحادث اليومي، وإما أن
يكون سابقا على زمان النطق كالحادث في الأمر مثلا، وأما أن لا يكون كك بل كان
موجودا أزلا وأبدا فإن كان من قبيل الأول فالأمر كما مر عن أن السبق واللحوق
معيته القيومية مع الزمان السابق واللاحق، وإن كان من قبيل الثاني فمضافا إلى ما
مر يمكن الجواب عنه بأن جميع الموجودات من مراتب علمه تعالى وهي
المرتبة الأخيرة من تلك المراتب، إذ لا حيثية لها إلا حيثية الربط الذاتي، ولا
حضور أقوى من هذه الحيثية، والعلم عين الحضور فالموجودات علم ومعلوم
باعتبارين، فكما أن المعلومات تتصف بالسبق واللحوق الزمانيين كذلك هذه
المرتبة من العلم فإنه عينها وإن كان من قبيل الثالث فليس هناك إضافة للعلم إلى
الزماني، لكن توصيفه بالسبق الزماني لما عرفت من أن ملاك السبق الزماني عدم
مجامعة المتأخر مع المتقدم في الوجود، وجميع الموجودات بالإضافة إليه
تعالى كذلك فافهم أو ذره لأهله.
قوله: نعم لا يبعد أن يكون لكل من الماضي والمضارع الخ:
توضيحه أنه لا ريب في غلطية " زيد ضرب غدا ويضرب أمس " فلابد من الإلتزام
باشتمال الفعلين على خصوصية تقتضي عدم جواز تقييد الماضي بالحال
والاستقبال وتقييد المضارع بالمضي.
قلت: المعقول من مفادهما هو الحديث والربط، وكونه في زمان كذا، وأما
وجود خصوصية أخرى تناسب الخارج عن أفق الزمان والواقع فيه وكذا
خصوصية مانعة عن التقييد بغد في الماضي، وبأمس في المضارع فلا طريق لنا
إلى تصديقه.
122

فان قلت: الخصوصية المدعاة خصوصية السبق واللحوق الحرفيين، والسبق
واللحوق غير منحصرين في الزماني، بل السبق بالزمان وبالطبع بالذات وغيرها
فان أسند الماضي والمضارع إلى الزماني كان زمانية ما أسند إليه، دلالة على أن
السبق واللحوق الملحوظين في الهيئة زمانيان، وإن أسند إلى الزمان كان السبق
واللحوق ذاتيين وهكذا.
قلت: لا ارتباط لما عدا السبق الزماني بمداليل الأفعال ضرورة أن السبق
بالعلية وبالطبع وبالرتبة وبالشرف وبالماهية جميعا أجنبي عن مداليلها، كما هو
بديهي، والسبق بالذات هو الجامع بين السبق بالعلية، والسبق بالطبع الذي هو
سبق العلة الناقصة على معلولها، والسبق بالماهية الذي هو تقدم علل القوام على
المعلول في جوهر ذاته وعدم ارتباطه بمداليل الأفعال حتى المسندة إلى نفس
الزماني واضح فاتضح إن أخذ مطلق السبق واللحوق، مع أن ما عدا الزماني الأجنبي
عن مدلول الفعل لغو صرف، ودعوى خصوصية أخرى غير السبق واللحوق
إحالة إلى المجهول.
فالتحقيق أن ملاك الفعلية ومناطها صحة السكوت وتمامية النسبة فلابد من
التماس دليل أخر على مأخوذية الزمان في الفعل، والقدر الذي لا مناص عنه
بشهادة العرف والعادة هيئة الماضي والمضارع، لما عرفت من غلطية " زيد
ضرب غدا ويضرب أمس " فلابد من أخذ السبق واللحوق الزمانيين بالمعنى
المذكور سابقا بهما، وقد عرفت بحمد الله تعالى الدفاع ما أورد على ذلك فافهم
جيدا.
قوله: ويؤيده أن المضارع يكون مشتركا الخ: توضيحه: أن المضارع
عندهم مشترك بين الحال والاستقبال فأن أريد الاشتراك اللفظي كان قولنا " زيد
يضرب " حالا و " غدا " استعمالا في أكثر من معنى وهو غير معقول، وعلى
المشهور غير صحيح مع أن المثال المزبور لا شبهة في صحته، وإن أريد لاشتراك
المعنوي فلا جامع بين الحال والاستقبال إلا غير الماضي، وإدراج هذا المفهوم
123

في المضارع سخيف جدا، مضافا إلى لزوم غلطية " كان زيد بالأمس يضرب
عمروا للتناقض، ولا مدفع لكل ذلك إلا الالتزام بعدم اشتمال الفعل على الزمان
بنحو من الأنحاء مع الالتزام باشتماله على خصوصية تناسب المضي في
الماضي، وتناسب الحل والاستقبال في المضارع.
قلت: قد سمعت الكلام في الخصوصية آنفا، وأما كيفية اشتمال الماضي
والمضارع على الزمان فمجمل القول فيها أن هيئة الماضي موضوعة للنسبة
المتقيدة بالسبق الزماني على ما أضيفت إليه بالمعنى المتقدم من السبق بنحو
يكون التقيد والقيد خارجا، وهيئة المضارع موضوعة للنسبة المتقيدة بعدم
السبق الزماني على ما أضيفت إليه على الوجه المذكور، لأن الزمان الماضي أو
الحال والاستقبال أو غير الماضي بهذه العناوين الاسمية مأخوذ في الهيئة كي
يقال إن الزمان عموما وخصوصا من المعاني المستقلة بالمفهومية فلا يعقل
أخذها في النسبة التي هي من المفاهيم الأدوية، والمعاني الحرفية، ولا يعقل
لحاظها بنحو الحرفية، كي يجعل من جهات النسبة، وقد عرفت الجواب عن
الأول.
وأما عدم مقولية لحاظها حرفيا، ففيه أن النسبة الواقعة في الزمان مقيدة به
قطعا فتلاحظ على هذا النهج من دون عناية أخرى وهو معنى لحاظ الزمان بنحو
المعنى الحرفي، وأما حديث التناقض في مثل " كان زيد يضرب عمروا بالأمس "
فتوضيح الحال فيه وفى أمثاله أن السبق واللحوق قد يلحظان بالإضافة إلى زمان
النطق كما إذا قيل من دون تقييد " ضرب زيد " أو " يضرب " وقد يلحظان بالإضافة
إلى أمر آخر كما يقال " رأيته يصلى " أو " أراك خدعتني " فان الغرض في الأول
حينئذ الأخبار عن الصلاة حال الرؤية والرؤية في زمان سابق على زمان النطق،
والفرض في الثاني الأخبار عن سبق الخدعة بالإضافة إلى زمان الرؤية والرؤية في
الحال، وليس الغرض الأخبار عن الرؤية والصلاة والرؤية والخدعة في عرض
واحد وإلا لناسب أن يقال رأيته وصلى وأراك وخدعتني، وعليك بارجاع ما يرد
124

عليك من الأمثلة الموهمة للتناقض إلى ما ذكرنا.
قوله: كما أن الجملة الاسمية كزيد ضارب الخ: نعم انطباقه على الحال
والاستقبال يمكن أن يكون على حد انطباق الجملة الإسمية لعدم الاشتمال على
خصوص زمان إلا أن الاشكال الباعث على الالتزام باشتماله على الزمان غلطية
" زيد يضرب أمس وضرب غدا " فلو لا خصوصية السبق الزماني وعدمه في
الماضي والمضارع لما كان الاطلاق المزبور غلطا كما في الجمل الاسمية القابلة
للتقييد بأي نحو كان وسيأتي تحقيق حال الأوصاف.
قوله: وربما يؤيد ذلك أن الزمان الخ: قد عرفت وجه التأييد والجواب
عنه فلا نعيد.
قوله: فالمعنى في كليهما في نفسه كلي طبيعي الخ: اعلم أن الكلى
الطبيعي نفس معروض الكلية كالحيوان والانسان، والكلي العقلي هو الحيوان
بوصف الكلية، وحيث أن الكلية من الاعتبارات العقلية فلا محالة لا موطن
للموصوف بها بما هو كذلك إلا في العقل، ولذا وصف بالكلي العقلي لا أن كليته
العقلية بلحاظ تقييده باللحاظ الاستقلالي أو الآلي، كما في المتن كيف واللحاظ
الذي هو وجوده الذهني، مصحح جزئية في الذهن، مع أن صيرورته جزئيا ذهنيا
بملاحظة تقيده بالوجود الذهني مسامحة واضحة، إذ الجزئية والكلية من
اعتبارات المعاني والمفاهيم، لأن الآباء عن الصدق وعدمه إنما يعقل في
المفهوم لا في الموجود، فالموجود مطلقا خارج عن المقسم، ولذا لو قيد به
شئ خرج عن قابلية الصدق لا لأنه كلي عقلي أو جزئي عقلي، فإن الكلى
العقلي قابل للحمل على نفسه بالحمل الذاتي الأولى بخلاف الوجود الحقيقي
والمتقيد به فإنهما غير قابلين للصدق رأسا.
125

" اختلاف مادة المشتقات "
قوله: اختلاف المشتقات في المبادئ وكون المبدء في بعضها الخ:
تحقيق القول فيه: أن عدم رجوع الاختلاف إلى الجهة المبحوث عنها بأحد
وجهين، إما بأشراب الجهات المذكورة في المتن من الفعلية والقوة، والملكة
والاستعداد، ونحوهما في ناحية المبادئ فالتلبس في كل واحد بحسبه كما هو
ظاهر غير واحد من الأصحاب في مقام الجواب، وإما بعدم الالتزام بالتصرف في
ناحية المبادئ أيضا بل بوجه آخر كما يساعده دقيق النظر.
فنقول: أما في مثل " النار محرقة " و " الشمس مشرقة " و " السم القاتل " و
" السقمونيا مسهل " إلى غير ذلك مما يكون سوقا لبيان المقتضيات فالجواب عنه
أن النظر فيها إلى مجرد اتحاد الموضوع والمحمول في الوجود، لا إلى اتحادهما
في حال ليقال بأنه إطلاق على غير المتلبس فالقاتل في قضيتي " زيد قاتل " و
" السم قاتل " على نهج واحد من حيث الاستعمال في معنى مطابقة الذات
المتلبسة حقيقة بالقتل لا أن التلبس والنسبة أعم من الاقتضاء والفعلية فإنه لا
معنى محصل له، إذا الخروج من العدم إلى الوجود الذي هو جامع جميع أنحاء
النسب والسلبيات عين الفعلية فلا يجامع الاقتضاء، نعم التلبس بالاقتضاء أمر
معقول فيرجع إلى إشراب الاقتضاء في ناحية المبدء.
ومما ذكرنا يظهر الفرق بين تعميم القيام في مثل " زيد ضارب " إذا أمر
بالضرب وعدم التعميم في الاقتضاء إذا القيام، تارة بنحو قيام العرض بموضوعه
كما في صورة المباشرة فان الحركة الخاصة من أعراضه القائمة به، وأخرى بنحو
قيام المعلول بالعلة كقيام الضرب بالأمر فإنه بأمره وتحريكه أو جده، وهذا
بخلاف المقتضى فإنه وإن كان قائما بالمقتضى عند اجتماع الشرائط لكن عند
عدمها لا ثبوت حقيقي لها أصلا فلا معنى لقيامه به بأي معنى كان.
والتحقيق انه للمقتضى ثبوت في مرتبة ذات مقتضية عرضا فوجود المقتضى
126

وجوده بالذات ووجود مقتضاه بالعرض فهو باعتبار، ثبوت فعلى عرضي
وباعتبار، ثبوت اقتضائي في قبال الثبوت المناسب للمقتضى في نظام الوجود،
فمن يقول بأعمية النسبة من الاقتضاء والفعلية إن أراد ما ذكرنا فهو المطلوب، وإلا
فلا معنى محصل له، وأما في مثل " الانسان كاتب بالقوة " فمن الواضح أن الكاتب
مستعمل في معناه لا فيما له الكتابة بالقوة وإلا لم يصح أن يوجه بالقوة إذ القوة
بالفعل لا بالقوة، وبالجملة " الكاتب " مستعمل في معنى ثبوتي مطابقه حيثية ذاته
حيثية طرد العدم لكن الغرض بيان اقتضاء الانسان لهذا المعنى بالقوة لا بالفعل،
وكذا الكلام في أسماء الأمكنة والأزمنة، والآلات " كهذا مذبح " أو " مسلخ " أو
" مفتاح " فان الجري فيها بلحاظ لقابلية والاستعداد وإلا فالمفهوم مطابقه ما ذكرنا،
ضرورة أن التصرف في المادة والهيئة غير ممكن فيها، أما في المادة فلان الآلة
مثلا فاعل ما به الفتح في المفتاح وفاعل ما به الكنس في المكنس، ولا معنى
لكون الشئ فاعلا لقابلية الفتح أو الكنس أو الاستعداد هما فلا معنى لأشراب
القابلية والاعداد والاستعداد في المادة، وأما في الهيئة فلأن مفاد الهيئة نسبة
الفاعلية في اسم الآلة، ونسبة الظرفية الزمانية والمكانية في اسمي الزمان
والمكان، ولا معنى لأشراب الجهات المزبورة في النسب المذكورة، إذ ليست
تلك الجهات جهات النسب بحيث تلحظ النسبة مع إحدى تلك الجهات بطور
المعنى الحرفي والمفهوم الأدوي، فأما أن يلاحظ الفاعل والأثر والظرف
والمظروف على الوجه المصحح لانتزاع نسبة الفاعلية والظرفية فقد لوحظت
النسبة على وجه الفعلية وإلا فلا فتدبر جيدا.
وأما في مثل (الخياط والتمار والعطار) ونحوها من الأوصاف الدالة على
الصنعة والحرفة فتوضيح الحال فيها أن ما كان مبدئه قابلا للانتساب إلى الذات
بذاته كالخياط والنساج والكاتب إذا كانت الكتابة حرفة فسر الاطلاق مع عدم
التلبس بنفس المبدء أنه باتخاذه تلك المبادئ حرفة فكأنه ملازم للمبدء دائما،
وإلا فالوجدان أصدق شاهد على أن المتبادر من الكاتب في " زيد كاتب " وفى
127

" زيد كاتب السلطان " معنى واحد ومفهوم فارد، ومطابق كل واحد حيثية، ذاته
حيثية طرد العدم لكن العناية المصححة للاطلاق مع عدم المطابق له في ظرف
الاتصاف كون المورد باتخاذه المبدء حرفة وشغلا كالمطابق له، وأما ما لم يكن
مبدئه قابلا للانتساب بذاته، كالتامر واللابن والبقال لأن مباديها أسماء الأعيان،
فلابد من الالتزام بأن الربط الملحوظ بينها وبين الذات ربط تبعي لا بالذات
بمعنى أن حقيقة الربط أولا وبالذات بين الذات، واتخاذ بيع التمر واللبن والبقل
حرفة وشغلا إلا أن التمر واللبن والبقل صارت مربوطة بالذات بالتبع لا بالذات،
وكذا الحداد فان الحديد مربوط بالذات باتخاذ صنعة الحديد حرفة لا بالذات
فهذه الهيئة كسائر الهيئات في أصل المفهوم والمعنى، غاية الامر أن الربط فيها
ربط مخصوص من شأنه صدق الوصف على الذات ما دام الربط الذاتي المصحح
لهذا الربط باقيا لا أن المبدء اتخاذ الحرفة، ولا أن الهيئة موضوعة للأعم.
وأما ما عن المحقق الدواني من عدم لزوم قيام المبدء في صدق المشتق
مستشهدا بمثل المقام ولذا جعل الموجود بمعنى المنتسب إلى حقيقة الوجود
لا ماله الوجود، ففيه أن الأوصاف الاشتقاقية من وجوه الذات وعناوينها والمبدء
بلا لحاظ القيام ليس وجها ولا عنوانا لشئ بلا كلام وسيجئ انشاء الله تعالى
تحقيقه، كما أن ما ذكرنا في تحقيق حال الحداد ونحوه أولى ما ذكره بعض أكابر
فن المعقول (1) في جواب المحقق الدواني حيث قال ما ملخصه " أن المبدء في
الحداد والشمس هو التحدد أو الحديدية والتشمس أو الشمسية بدعوى أن
للحديد حصولا في صانعه باعتبار مزاولته لصنعة الحديد فكأنه صار ذا قطعة منه
خصوصا بملاحظة قيام الحديد بذهنه من جهة كثرة المزاولة لا مجرد الملاحظة،
وكذا في الشمس فإنه لكثرة وقوع شعاع الشمس عليه كأنه صار قطعة منها لكن ما
ذكرنا أقرب إلى الاعتبار العرفي كما هو غير خفى فتدبر في أطراف ما ذكرنا في
المقام.

1 - صدر المتأهلين.
128

" ما المراد بالحال؟ "
قوله: المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال
النطق الخ: تحقيق المقام أن المراد من الوضع للمتلبس في حال أو للأعم، هو
أن مفهوم المشتق نحو مفهوم لا ينطبق إلا على المتلبس بالمبدء في مرحلة
الحمل والتطبيق أو ينطبق عليه وعلى المنقضى عنه المبدء، فزمان الحال سواء
أضيف إلى النطق وإلى النسبة الحكمية أو التلبس أجنبي عن مفاد المشتق
ومفهومه وعن مرحلة حمله وتطبيقه، إما عدم أخذه في مفهومه فلما تسالموا
عليه من خروج الزمان مطلقا عن مداليل الأسماء ومنها الأوصاف، مضافا إلى ما
سيجئ إنشاء الله تعالى، وإما عدم أخذ أحد الأزمنة في مرحلة الحمل والصدق،
وإن لم يؤخذ في المدلول.
فتوضيحه إما عدم وضع الوصف لمعنى ينطبق على المتلبس في زمان النطق
فللزوم التجوز في " زيد ضارب أمس " إذا كان ظرف تلبسه أمس، وكذا في " زيد
كان ضاربا بالأمس " مع أنه لا منشأ صحيح للتجوز. ودعوى العضدي الاتفاق
على المجازية في " زيد ضارب غدا " اشتباه منه في تطبيق مورد الاتفاق على
المجازية بتخيل أن المراد من الحال حال النطق، وإما عدم الوضع للمتلبس في
زمان التنبيه فلان الوصف ربما لا يكون لنسبة زمان، كما في الخارج عن أفق
الزمان فاللازم أن لا يصدق العالم بماله من المعنى عليه تعالى حيث إن النسبة
الاتحادية بين ذاته المقدسة والوصف المزبور غير واقعة في الزمان.
لا يقال: ما لم يقع في الزمان نفس التلبس بالمبدء واما النسبة الحكمية.
لأنا نقول: الفرق بين التلبس والنسبة الاتحادية مطلقا أن قيام المبدء بالذات
تلبسها به، وهو منشأ لانتزاع وصف عن الذات المتلبسة بالمبدء فمطابقة الذات
خارجا لهذا الوصف العنواني هو معنى اتحادهما في الوجود والحمل ليس إلا
الحكم بهذا الاتحاد الوجودي بين العنوان والمعنون والوصف والموصوف، ومن
129

الواضح أن مطابقة ذاته المقدسة لوصف العالم غير واقعة في الزمان. هذا ولو كان
الوصف والموصوف زمانيين لكن ربما لا يكون النظر في إجراء الوصف عليه إلى
الزمان، كما في حمل الذاتي على ذي الذاتي كما في (الإنسان حيوان) أو " ناطق "
أو حمل لوازم الطبيعة عليها كما في " النار حارة " فإن النظر فيهما إلى مجرد اتحاد
الموضوع والمحمول في الوجود من دون نظر إلى زمان، لا أن مطلقه ملحوظ
دون خصوص زمان كما يساعده الوجدان، وأما عدم الوضع بلحاظ زمان التلبس
فلما سمعت في نظيره آنفا من أن الوصف ربما لا يكون لمبدئه وتلبس الذات به
زمان كما في الخارج عن أفق الزمان ولو كان التلبس في الزمان لكن ربما لا يكون
النظر إليه كما عرفت
ومما ذكرنا تبين وجه عدم أخذ أحد الأزمنة في مفهوم الوصف مضافا إلى أن
النسبة الحكمية الاتحادية متأخرة عن مفهوم الوصف المحمول على موصوفه فلا
يعقل تقيد مفهوم الوصف بزمان النسبة المتأخرة عنه، كما أن التلبس بالمبدء إذا
كان زمانيا لا يعقل تخلفه عن زمانه فأخذ التلبس متقيدا بزمانه لغو لا يفيد فائدة
فالصحيح أن الوصف موضوع لنحو مفهوم مطابقة المتلبس بالمبدء دون غيره فلا
يصدق إلا عليه من دون ملاحظة أحد الأزمنة كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله.
ثم لو أغمضنا عما ذكرنا فالأنسب هو الثالث: وهو الوضع للمتلبس بلحاظ
حال تلبسه بالمبدء بمعنى الوضع لمعنى وصفي عنواني مطابقه الذات في زمان
تلبسها بالمبدء لا مطابقة المتلبس بالمبدء في زمان تلبسه بالمبدء فإنه لغو محض
دون الثاني لأن اتحاد زماني النسبة والتلبس كما هو مقتضى الوجه الثاني ليس
مستندا إلى ظهور الوصف في معناه، بل إلى ظهور قضية الحمل لأن مفاد الحمل
الشايع هو الاتحاد في الوجود فظهور الحمل دال على اتحاد زماني النسبة وتلبس
الموضوع بمبدء المحمول وإلا لم يكن اتحاد بينهما في الوجود، ولذا ربما
يتخلف هذا الظهور فيما إذا كان الوصف معرفا لا عنوانا فإن الوصف في حالتي
العنوانية والمعرفية مستعمل في معنى مطابقه المتلبس بالمبدء حقيقة إلا أن
130

الغرض من الحمل عند المعرفية ليس إفادة اتحاد الموضوع مع مفهوم المحمول
في الوجود بل الغرض الإشارة إلى حقيقة الموضوع بمعرفية الوصف وطريقيته
كما في " هذه زوجة زيد " إذا كانت بائنة منه فزمان النسبة الحملية غير زمان
التلبس، مع أن الوصف على ما هو عليه من المعنى.
وأوضح منه ما إذا نسب إلى الوصف شئ فان الظهور في الاتحاد بين
الزمانين أضعف لاستناده إلى مجرد عدم التقييد وكونه في مقام البيان كما في
" جائني الضارب " فإن ظهور الضارب في المتلبس بالضرب حال إسناد المجيئ
إليه مستند إلى ما ذكرنا لا إلى ظهور الوصف في معناه، ولذا يصح " جائني اليوم
الضارب بالأمس " من دون تصرف في الوصف. ويؤيده عدم ظهور الكلام في
شئ إذا كان المتكلم في مقام الاهمال فافهم جيدا.
تنبيه: ربما يتوهم (1) أن الوضع للمتلبس بالمبدء ينافي عدم التلبس بالمبدء
ينافي عدم التلبس به في الخارج بل امتناع التلبس به كما في المعدوم والممتنع
للزوم وانقلاب العدم إلى الوجود والامتناع إلى الامكان ولذا يصح ذلك بإرادة
الكون الرابطي من التلبس نظرا إلى ما عن أساطين فن الحكمة (2) " من أن الوجود
الرابط لا ينافي الامتناع الخارجي للمحمول " وهو غفلة عما اصطلحوا عليه في
الكون الرابط (3) وانه غير متحقق ألا في الهليات المركبة الايجابية دون غيرها

1 - صاحب محجة العلماء.
2 - له بحث فراجع في الأسفار ج 1 ص 327 إلى 329.
3 - لا يخفى ان النسبة الحكمية الاتحادية غير الوجود الرابط لورودها في كل القضايا دون الوجود
الرابط غاية الامر ان منشأ النسبة الحكمية وهي ان هذا ذاك تارة ثبوت المبدء للموضوع كما في القضايا
المركبة الإيجابية وأخرى اتحاد المبدء مع الموضوع كما في الإنسان موجود وثالثة عينية المبدء
للموضوع كما في الوجود موجود كما أن الوجود الرابط غير الوجود الرابطي إذ لا وجود رابطي في زيد
أعمى حيث لا ثبوت للعمى في الخارج بمعنى كونه ذا صورة في العين مع أن الكون الرابط في زيد أعمى
موجود فلا وجود رابطي إلا في مثل ثبوت الأعراض لموضوعاتها (منه) (خ).
131

فليراجع. بل التحقيق أن صدق المشتق على شئ بالحمل الشايع الذي مفاده
الاتحاد في الوجود على أنحاء فان الوجود خارجي وذهني وكل منهما بتي
وتقديري، ففي قولنا " زيد كاتب " يكون الاتحاد في الخارج بتا وفى قولنا " الانسان
نوع " يكون الاتحاد في الذهن بتا حيث إن النوعية من الاعتبارات الذهنية وفى
قولنا " كذا معدوم " يكون الاتحاد في الخارج تقديرا إن كان النظر إلى الخارج، وإلا
ففي الذهن تقديرا وإنما كان هذا القسم بالتقدير دون البت، لأن المعدوم المطلق
من جميع الجهات وبتمام أنحاء الوجود لا يعقل أن يحكم به وعليه، إذ لابد في
وقوعه طرفا للنسبة من تمثله في الذهن وحضوره عند العقل ليحكم به وعليه،
وحيث إن الحكم به وعليه ليس باعتبار المفهوم والعنوان لكونه موجودا بالحمل
الشايع لا معدوما والمفروض عدم وجود المطابق له في الخارج للزوم والخلف
فلا محالة لا مناص من أن يقال كما عن بعض الأكابر (1) ونعم ما قال إن العقل
بتعلمه واقتداره يقدر ويفرض لعنوان المعدوم والممتنع وأشباههما فرد أما
بحيث تكون ذاته محض الهلاك وعين البطلان فيحكم عليه وبه بمراتية العنوان
فظهر أن المنافاة أنما هي بين الوجود البتي والعدم والامتناع لا بينهما، والتقدير
الذي لا بد منه فالتلبس في كل مورد بحسبه.
ومما ذكرنا يظهر أن النزاع المعروف بين المعلم الثاني والشيخ الرئيس في
الأوصاف العنوانية المجعولة موضوعات في القضايا حيث اكتفى الأول بامكان
التلبس، وزاد الثاني قيد الفعلية، لا ينافي كون الموضوع معدوما تارة وممتنعا
أخرى وليس من الخرافات كما زعمه المتوهم المتقدم.
قوله فإن الظاهر أنه فيما إذا كان الجري في الحال كما هو الخ:
لا يذهب عليك أن تلبس الذات بالمبدء قيام المبدء بها بنحو من أنحاء القيام وهو
يصحح انتزاع الوصف العنواني الاشتقاقي عن الذات ومطابقتها له والنسبة
الحكمية الاتحادية عبارة عن مطابقة الموضوع المفهوم المحمول في الوجود،

1 - صدر المتألهين.
132

ومن البين أن مفاد القضية الحملية بالأصالة ثبوت مفهوم المحمول للموضوع،
ومطابقة الموضوع لمفهوم المحمول في الوجود والتلبس الذات بمبدء المحمول
ملزوم النسبة الحكمية مطلقا أو في الجملة والظاهر من القيود المأخوذة في
القضية رجوعها إلى ما هو مفاد القضية بالأصالة، وهي النسبة الحكمية لا رجوعها
إلى ملزومها أو لازمها، فارجاع الغد إلى التلبس المستفاد من القضية بنحو التبعية
للنسبة الحكمية دون مفادها بالأصالة أعني النسبة الحكمية خلاف الظاهر جدا.
ومنه يظهر أيضا أن ظهور القضية في كون الجري في الحال أنما هو بالإطلاق،
ومع القرينة الصالحة لا وجه لاستظهار الجري في الحال مع أن هذه الحال حال
النطق، واتحادها مع حال الجري والنسبة يقتضى اتحادها مع حال التلبس، وهو
أنما يصح مع عدم المعين لحال التلبس فمع فرض المعين حال التلبس لا وجه
لدعوى ظهور الجري في حال النطق فافهم جيدا.
والعجب من بعض الاعلام من مقاربي عصرنا - ره - (1) حيث أفاد أن [الغدو
الأمس] ليسا من الروابط الزمانية بل اسم لنفس الزمان فلا يدلان على وقوع
النسبة في الزمان، وأنت خبير بأن عدم كون شئ من الروابط الزمانية لا ينافي
قيدية للنسبة المستفادة من القضية بمالها من الربط الزماني أو غيره فكما أن القيد
المكاني صالح لتقييد النسبة فيقال " زيد ضارب في الدار " كذلك القيد الزماني من
دون فارق أصلا.
قوله: مع معارضها بأصالة عدم ملاحظة العموم إلخ: توضيحه أن
المفاهيم في حد مفهوميتها متبائنات فالعموم والخصوص في مرحلة الصدق
ومع دوران الامر بين الوضع لمفهوم أو لمفهوم آخر ليس أحدهما متيقنا بالنسبة
إلى الآخر فان التيقن في مرحلة الصدق لمكان العموم والخصوص لا دخل له
بمرحلة المفهوم الذي هو الموضوع له فتدبر جيدا.

1 - هو المحقق الرشتي في البدائعة ص 179.
133

" في بساطة المشتق "
قوله: ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس الخ: تحقيق المقام أن
مفهوم الوصف كما سيجئ إنشاء الله تعالى، بسيط سواء كانت البساطة على ما
يراه العلامة الدواني (1) تبعا لبعض عبارات القدماء من اتحاد المبدء والمشتق ذاتا
واختلافهما اعتبارا، أو كانت البساطة على ما يساعده النظر من كون مفهوم
المشتق صورة مبهمة متلبسة بالقيام على نهج الوحدانية، كما هو كذلك في
الخارج وسيجيئ تفصيل كل من النحوين إنشاء الله تعالى، ومع البساطة بأحد
الوجهين لا يعقل الوضع للأعم كما نقل الميل إليه عن شيخنا العلامة الأنصاري
- قده - في كلام بعض أعلام تلامذته - ره - (2) والوجه فيه أما على البساطة التي
ذهب إليها المحقق الدواني فلما سيجيئ إنشاء الله أن الوجه الوجيه في تصحيح
كلامه وتنقيح مرامه، هو دعوى ملاحظة المبدء من أطوار موضوعه وشئونه،
وكون مرتبة منه فالوصف نفس المبدء ذاتا وغيره بهذه الملاحظة، ومن الواضح
أنه مع زوال المبدء وانقضاء التلبس به لا شئ هناك حتى يعقل لحاظه من أطوار
موضوعه وشئونه فكيف يعقل الحكم باتحاد المبدء مع الذات في مرحلة الحمل
مع عدم قيامه به وأما على البساطة التي ساعدها النظر القاصر فلأن مطابق هذه
المعنى الوحداني ليس إلا الشخص على ما هو عليه من القيام مثلا، ولا يعقل
معنى بسيط يكون له الانتساب حقيقة إلى الصورة المبهمة المقومة لعنوانية
العنوان، ومع ذلك يصدق على فاقد التلبس.
بل التحقيق أن الأمر قريب من ذلك في وضوح الفساد بناء على تركب مفهوم
المشتق حقيقة سواء كان مفهوم المشتق من حصل منه الضرب مثلا كما هو

1 - اسمه الشريف " ملا جلال " صنف ثلاث رسائل على حواشي التجريد " قديم - جديد - أجد "
نقل هذا المتن عنه في المشاعر للملا صدرا ص 91.
134

المترائى في بادي النظر عن العلامة - ره - في التهذيب (1) وغيره في غيره، أو كان
له من الضرب كما عن آخرين فان الصدق على الأعم في الأول بملاحظة أن من
زال عنه الضرب يصدق عليه أنه من حصل منه الضرب في الثاني بلحاظ اهمال
النسبة عن الفعلية والانقضاء كما إذا وقع التصريح به، وقيل زيد من له سابقا
الضرب فعلا بجعل الفعلية قيدا للنسبة الاتحادية بين الموضوع ومحموله وهو
الموصول بماله من المتعلقات.
ووجه وضوح الفساد أما في الأول فلأن لازمه تركب الأوصاف عن فعل ماض
وزيادة، وهو بديهي فساده مع لزوم التجوز في " زيد ضارب الان " لمنافاة القيد لما
أخذ في الوصف، وكذا في " ضارب غدا " إلا بالتجريد وهو بعيد واما في الثاني
فلأن إهمال النسبة لو كان منشأ للصدق على من زال عنه التلبس فاللازم صدق
الوصف على من لم يتلبس لمكان حقيقتها الجامعة لجميع أنحائها هو الخروج
من العدم إلى الوجود، وهو عين الفعلية فلا معنى لاهمالها ولا لكونها أعم من
الوجود والعدم، وبالجملة الربط المأخوذ في الأوصاف والأفعال ما هو ربط
بالحمل الشايع لا بالحمل الأولى فتصور مفاهيم المشتقات وإن لم يتوقف على
ذات وتلبس ومبدء إلا أن صدقها على شئ يتوقف على أن يكون مطابقها على
ما وصفناه فاتضح من جميع ما ذكرناه أن المدعى للوضع للأعم من المتلبس
والمنقضى عنه التلبس لا يدعى أمرا معقولا أو قابلا لوجه وجيه كي يحتاج في
دفعه إلى إعمال علائم الحقيقة والمجاز، وأما تحقيق بساطة المشتق وتركبه فعلى
عهدة ما سيأتي إنشاء الله عما قريب فانتظر.
" التحقيق في صحة المنقضى "
قوله: وفيه أنه إن أريد تقيد المسلوب الذي يكون سلبه أعم الخ:
135

توضيح المقام: على وجه الاستيفاء لتمام الأقسام أن السلب إن اعتبر بالحمل
الأولى الذاتي فاللازم سلب ما ارتكز في الأذهان أو تعارف في عرف أهل اللسان
من المعنى الجامع، لا من خصوص ما انقضى عنه المبدء، فان سلبه لا يستدعى
السلب عن الجامع بخلاف السلب عن الجامع لأن عدم تعدد الوضع لعله مما لا
ريب فيه، وحيث إن السلب بلحاظ المفهومين فلا حاجة إلى التقييد بالزمان كي
يورد عليه بما حكى في المتن، وإن اعتبر السلب بالحمل الشايع فتارة، يلاحظ
الزمان قيدا للسلب وهو علامة عدم الوضع للجامع وإلا لما صح سلبه عن
مصداقه في حين من الأحيان وأخرى، يلاحظ المسلوب عنه في حال الانقضاء
فيسلب عنه مطلقا مطلق الوصف، ثالثة يلاحظ المسلوب في حال الانقضاء
فيسلب عن الذات مطلقا فإن مالا أمارية لصحة سلبه هي المادة المقيدة فان عدم
كونه ضاربا بضرب اليوم لا ينافي كونه فعلا ضاربا بضرب الأمس بخلاف الهيئة
المقيدة فان عدم كونه ضارب اليوم ولو بضرب الأمس نافى الوضع للأعم من
التلبس فاتضح بما ذكرنا صحة أمارية صحة السلب مقيدا للمجازية سواء كان
القيد قيدا للسلب، أو المسلوب، أو المسلوب عنه، وأما ما يقال من أن سلب
المقيد لا يستلزم سلب المطلق فإنما يسلم فيما إذا كان للوصف بلحاظ حال
الانقضاء فردان، فان سلب أحد الفردين لا يستلزم المطلق، فإنما يسلم فيما إذا
كان للوصف بلحاظ حال الانقضاء فردان فان سلب أحد الفردين لا يستلزم
المطلق، لامكان وجوده في الفرد الآخر، مع أن المدعى كون الوصف في حال
الانقضاء فردا في قبال حال التلبس فإذا صح سلبه في حال الانقضاء فقد صح
سلبه بقول مطلق لانحصاره فيه.
والتحقيق عدم خلوص كل ذلك عن شوب الاشكال، وذلك لأن زيدا
المسلوب عنه غير قابل لتقيده بالزمان (1) لعدم معنى لتقيد الثابت وتحدده

1 - لا يقال هذا بناء على عدم الحركة الجوهرية والا فتبدله الطبيعي الجوهري متقدر بالزمان لأنا
تقول نعم إلا ان الجري لا يمكن إلا بلحاظ ذاك الأمر الثابت الذي لابد منه في موضوع الحركة لما
عرفت سابقا أن بقاء ما يصدق عليه المشتق لازم على كل حال ولذا أخرجنا اسم الزمان عن محل
البحث فيعود المحذور إن كان الصدق بلحاظ ذلك الأمر الثابت الغير المتقدر بالزمان مضافا إلى أن زيدا
لماله من التبدل الطبيعي الجوهري لو كان موضوعا للقضية بنحو القيدية والعنوانية لا بنحو المعرفية لم
يمكن اجراء الوصف عليه بلحاظ حال التلبس أيضا فلا شهادة لعدم الصدق حينئذ وأما إذا أخذ بنحو
الارشاد والمعرفية إلى ذلك الأمر الثابت فعدم الصدق في حال الانقضاء أول الكلام لان الموضوع حقيقة
غير مقيد بشئ يمنع عن الصدق فافهم واستقم (منه).
136

بالزمان فإنه مقدر الحركات والمتحركات، ولحاظه موصوفا بزوال المبدء عنه، لا
يصحح سلب الوصف عنه مطلقا لصحة توصيفه به معه، فيقال زيد الذي زال عنه
الضرب ضاربا بالأمس، فمجرد لحاظ الموضوع في حال الانقضاء لا يصحح
السلب مطلقا، وأما تقييد السلب فقط، فغير سديد لأن العدم غير واقع في الزمان،
ولو كان مضافا إلى شئ، كيف وقد عرفت أن التقيد والتحدد به ليس شأن كل
موجود كان، بل القابل للتقيد والتحدد بالزمان نفس التلبس بالضرب الذي هو
نحو حركة من العدم إلى الوجود، فإنه واقع بنفسه في الزمان والنسبة لاتحادية بين
الوصف والموصوف موصوفة بالوقوع في الزمان بالتبع، وإلا فالوصف بما هو غير
واقع فيه لأنه بما هو غير موجود إلا بتبع وجود زيد متلبسا بالضرب.
ومنه ظهر أن تقييد المسلوب وهو الوصف بمعناه بالزمان لا معنى له بل
القابل هي النسبة الاتحادية بتبع مبدئها وهو التلبس الواقع في الزمان بالأصالة،
وحيث إن التحقيق الذي ينبغي ويليق كما عليه أهله أن القضايا السلبية ليست
كالقضايا الايجابية مشتملة على نسبة بل مفادها سلب النسبة الايجابية بمعنى أن
العقل يرى زيدا ويرى الوصف، فيرى عدم مصداقية لمفهوم الوصف لا أنه يرى
مصداقية لمفهوم الوصف إذ الوجود لا يكون مصداقا للعدم، ولا أنه يرى قيام
العدم به إذ لا شئ حتى يقوم بشئ فنقول حينئذ مفاد " زيد ليس بضارب ألان "
سلب النسبة المتقيدة بالآن، ولو كان الوصف موضوعا للأعم كان زيد مصداقا له
ألآن، ولم يصح سلب مصداقية ومطابقته المزبورة كما لا يخفى.
137

فان قلت: النسبة في السوالب نسبة سلبية بإزاء العدم الناعتي الرابطي
كالنسبة في الموجبات بإزاء الوجود الناعتي الرابطي، وإلا لو ورد السلب على
النسبة لزم إنقلاب المعنى الحرفي إسميا فلا يبتنى التفصي عن الاشكال على
جعل السلب واردا على النسبة فإن العدم الناعتي إذا كان في حال الانقضاء فلا
محالة يستحيل أن يكون الوجود الرابطي فيه، ولو كان الوصف موضوعا للأعم
لكان وجوده الناعتي الرابطي متحققا في حال التلبس والانقضاء معا.
قلت: نعم لا فرق بين جعل النسبة في السالبة سلبية وجعل السلب واردا
عليها فيما هو المهم في المقام، وإنما المهم عدم جعل الزمان قيدا للسلب، وأما
تفسير النسبة السلبية بالعدم الناعتي والنسبة الايجابية بالوجود الرابطي فقد مر
سابقا أن النسبة الحكمية أعم من الوجود الرابط، وهو أيضا أعم من الوجود
الرابطي، وأما جعل العدم ناعتيا رابطيا فلا وجه له فإن الرابطية للوجود بلحاظ
حلوله في الموضوع وأن كونه في نفسه كونه لموضوعه وهذا شأن الوجود فإنه
الحال وله الناعتية والرابطية، والعدم لا شئ حتى يحل في شئ ليكون ناعتيا
رابطيا.
وأما لزوم إنقلاب المعنى، الحرفي اسميا بورود السلب على النسبة فمدفوع،
بأن العقل إذا وجد كون هذا ذاك فقد وجد المطابقة، وأدركها بالعرض والتبع، لا
أنه وجد المطابقة وأدركها بما هي مطبقة فكذلك إذا أدرك ان هذا ليس ذاك فقد
أدرك عدم مطابقة الذات لعنوان الوصف بالتبع لا أن عدم المطابقة بهذا العنوان
ملحوظ استقلالا، هذا ويمكن إصلاح قيدية الزمان للمسلوب عنه بتقريب أن
الثابت الذي له وحدة مستمرة بلحاظ الوجود وإن لم يتقدر بالزمان لأنه شانه الأمر
الغير القار لكنه مع كل جزء من أجزاء الزمان وبهذا الاعتبار يقال بمرور الزمان
عليه فصح أن يلاحظ زيد مع جزء من الزمان الذي له المعية معه فيسلب عنه
مطلقا مطلق الوصف، وأما قيدية الزمان للعدم ولو بهذا المعنى فلا معنى لها إذا
لعدم لا شئ حتى يكون له المعية مع الزمان.
138

نعم مرجع معيته مع الزمان إلى عدم معية الوجود الذي هو بديله مع الزمان
فتكون النسبة متقيدة بالزمان حقيقة لا السلب، بل نقول لو صح تقييد السلب
بالزمان مع عدم تقييد النسبة الحكمية لزم صحة السلب حتى مع تقييد النسبة
بحال التلبس حيث يصح أن يقال " زيد ليس الان ضاربا بالأمس " بداهة أن النسبة
المتقيدة بالأمس لا وعاء لها إلا الأمس، مع أن إطلاقه بلحاظ حال التلبس حقيقة
عند الكل فكما لا يكون صحة السلب في مثل المثال علامة المجاز فليكن فيما
نحن فيه كذلك.
قوله: وفيه أن عدم صحته في مثلهما إنما هو لأجل لأنه أريد إلخ:
اختصاص التمثيل باسم المفعول مع وحدة المبدء الذي يتوارد عليه أنحاء
النسب كاشف عن خصوصية في اسم المفعول في طرف مبدئه عرفا إن كان
الاطلاق حقيقيا، وإلا فتوسعا وتنزيلا، وإلا فالفاعل والمفعول كالضارب
والمضروب والقاتل والمقتول متضائفان، والمتضائفان متكافئان في القوة
والفعلية فصدق أحدهما دون الآخر غير ممكن إلا بأخذ المبدء على نحو يخرج
عن التضايف.
قوله: والجواب منع التوقف على ذلك بل يتم إلخ: التحقيق في
الجواب ما أشرنا إليه في بعض الحواشي المتقدمة من أن ظهور المشتق في معناه
الذي مطابقة لمتلبس بالمبدء على أنحائه أمر، وظهور اتحاد زماني التلبس
والنسبة الحملية أو الاسناد إليه أمر آخر، وقد سمعت أن ظهور المشتق في ذلك
فيما إذا نسب إليه شئ أنما هو لعدم كون المتكلم مهملا، وعدم التقييد بزمان
خاص وعدم كون الوصف معرفا فلو انتفى أحد هذه الأمور لما كان ظهور، وعلى
أي حال فالمشتق في مرحلة الاستعمال مستعمل في معناه، ومطابقة المتلبس
الحقيقي بالحمل الشايع.
وتوضيحه أن الوصف ربما يكون عنوانا محضا كما في (صل خلف العادل)
(ويقبل شهادة العدل) وربما يكون معرفا محضا كما في " هذه زوجة زيد " إذا
139

كانت بائنة منه وأريد تعريف شخصها لا الحكم على وصفها، وربما يكون معرفا
مشوبا بعنوانية لنكتة من مدح أو ذم أو علية لحدوث الحكم، ومورد استدلال
الامام - عليه السلام - من قبيل الأخير فإن مقتضى جلالة قدر الإمامة والخلافة
وعظم بيان وعلو مكانها عدم لياقة من عبد الصنم مدة واتصف بالظلم في زمان
لعهد الخلافة أبد الدهر، وإلا لكانت الخلافة كسائر المناصب الشرعية فهذه
القرينة قرينة على عدم اتحاد زماني التلبس والاسناد لا على استعمال الوصف
في المنقضى عنه المبدء مجازا كما عن بعض الاعلام. (1)
فان قلت: فعلى هذا مخالفة الظاهر دائما مستندة إلى غير الجهة المبحوث
عنها فما ثمرة البحث عن ظهور المشتق في المتلبس أو الأعم.
قلت: أما القائل بالأعم فهو ليس له حالة منتظرة في أجزاء الحكم المترتب
على وصف اشتقاقي، وإما القائل بالوضع لخصوص المتلبس فاقتصاره على
خصوص المتلبس في ترتيب الحكم عليه يتوقف على إحراز الظهور في اتحاد
زماني النسبة والتلبس بأن لا يكون الكلام مهملا أو الزمان معينا أو الوصف معرفا
محضا أو مشوبا في قبال التمحض في العنوانية، وهذا لا يقتضى لغوية النزاع، كما
ربما يتوهم إذ لزوم توسط شئ في ترتيب الثمرة لا ينفى الثمرة، ولا يوجب
لغوية النزاع في ثبوت ما يترتب عليه بلا واسطة أو معها فافهم واغتنم.
قوله: بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس إلخ: والقرينة
المزبورة ليست قرينة على لحاظ حال التلبس إذ لا شئ من الحقيقة كذلك بل
قرينة على انفكاك زمان التلبس عن زمان الاسناد إليه، وقد عرفت أن الظهور في
الاتحاد ليس من ناحية وضع المشتق للمتلبس.
قوله: وقد أفاد في وجه ذلك (2) أن مفهوم الشئ إلخ: توضيحه: أنه
بعد عدم تعدد الوضع في المشتقات إما أن يكون الملحوظ حال الوضع من

1 -...
2 - أي وقد أفاد المحقق الشريف في وجه بساطة مفهوم المشتق، في شرح المطالع ص 11.
140

المفاهيم العامة كالذات والشئ ونحوهما هو الموضوع له أو مصاديقه فإن كان
الأول لزم دخول العرض العام في مثل [الناطق] من الفصول، مع أن شيئية من
الأعراض العامة وهي غير مقومة للجوهر النوعي والفصل هو الذاتي المقوم. وإن
كان الثاني من باب عموم الوضع وحصوص الموضوع له لزم إنقلاب مادة الإمكان
الخامس إلى الضرورة في مثل الانسان كاتب إذ الكاتب بماله من المعنى المرتكز
في الأذهان ممكن الثبوت للانسان، ولو كان الانسان الذي هو مصداق الشئ
مأخوذا فيه كان ضروري الثبوت للانسان لأن ثبوت الانسان لنفسه ضروري.
قوله: والتحقيق أن يقال إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي إلخ:
توضيحه: أن المبدء وهو النطق إما أن يراد منه النطق الباطني أعني إدراك
الكلمات وهو كيف نفساني، أو إضافة، أو انفعال على اختلاف الأقوال، وعلى أي
حال فهو من الأعراض والعرض لا يقوم الجوهر النوعي، ولا يحصل الجوهر
الجنسي وإنما يعرض الشئ بعد تقومه في أصله وتحصله بفصله، وسر جعل
مثله في مقام التحديد هو أن الذاتي لما لم يعلم بل لا يكاد يعلم (1) كما عن الشيخ
الرئيس في التعليقات (2) على ما حكى عنه لم يكن بد إلا التعريف باللوازم،
والخواص، والناطق هو الشئ والمتخصص بالنطق فلم يلزم دخول العرض في
الذاتي.
وهذا الجواب وإن كان صوابا كيف وقد صدر عن جملة من الأكابر لكنه يمكن
أن يجعل الناطق فصلا حقيقيا من دون محذور بأن يكون المراد منه ماله نفس
ناطقة والنفس الناطقة بما هي مبدء لهذا الوصف فصل حقيقي للانسان لكن الجزء
ما لم يلاحظ لا بشرط لا يقبل الحمل فلذا يجب في تصحيح الحمل من إضافة

1 - أي بنحو العلم الحصولي بالكنه من طريق الحد وذلك لان البسيط وما ينتهى إليه كالأنواع
المركبة لأحد حقيقي لهما للزوم الخلف من التركب الذي يقتضيه الحد الحقيقي المشتمل على جزئين
ذاتيين (منه).
2 - التعليقات حققه الدكتور عبد الرحمن بروى، للطبعة القاهرة ص 34.
141

لفظة ذي فيقال " الانسان ذو نفس ناطقة " أو من إشتقاق لغوي أصلى أو جعلي
فيقال " الانسان ناطق " أي ماله نفس ناطقة فأخذ الشئ في هذا المشتق الجعلي
لا يوجب محذور دخول العرض في الذاتي، بداهة أن الفصل الحقيقي هو المبدء
وإلا فالمشتقات غير موجودة بالذات، ولذا لا تدخل تحت المقولات فتدبره فإنه
حقيق به.
والتحقيق أن توصيف النفس بالناطقة بمعنى المدركة للكليات يوجب أن لا
يكون الفصل ذاتيا وبمعنى آخر لا يعرفه العرف واللغة، مناف للتعريف فالصحيح
في دفع الاشكال كلية ما أشرنا إليه من أن أخذ الشئ والذات ونحوهما
لتصحيح الحمل ولذا لا شبهة في أن خاصة الانسان هو الضحك ومع ذلك لا
يصح حمله في مقام الرسم إلا بعنوان اشتقاقي ونحوه، وأما صلوح المبدء لكونه
فصلا حقيقيا فهو مما لا محيص عنه سواء أخذ فيه الشئ ونحوه أم لا فافهم
جيدا.
فان قلت: حقايق الفصول كما عن بعض أكابر فن المعقول (1) هي أنحاء
الوجودات الخاصة فان بها تحصل كل متحصل والحقيقة العينية ليست
كالماهيات الطبيعية بحيث يتخذ الذهن موطنا كالخارج، وعليه فلا يعقل الحكاية
عن حقيقة الفصل بمفهوم كي يلزم المحذور من أخذ الشئ في الاشتقاقي منه
بل نسبة كل مفهوم يحكى عنه إليه نسبة العنوان إلى المعنون، والوجه إلى ذي
الوجه.
قلت: لحاظ التقويم وكون الشئ من علل القوام غير لحاظ التحصيل، وكون
الشئ من عدل الوجه وحقيقة الفصل الحقيقي لا يعقل أن يكون بوجوده من
علل قوام الماهية النوعية، ضرورة أن ما حيثية ذاته حيثية الأباء عن العدم مغاير
لما لا يأبى عن الوجود والعدم، بل الفصل أنما يكون مقوما بذاته وماهيته،
وبالجملة وجود الفصل الأخير وإن كان بوحدته وجودا لجميع الأجناس

1 - صدر المتألهين في الاسفار ج 1 ص 50.
142

والفصول الطولية وكانت تلك برمتها مضمنة فيه، لكن هذا الوجود الواحد ينتزع
عنه معان ذاتية، ومعان عرضية فكلما انتزع عنه بلا ملاحظة أمر خارج عن مرتبة
ذاته يسمى ذاتيا كالأجناس والفصول، وكلما انتزع عن مرتبة متأخرة عن ذاته
يسمى عرضيا، والفصل المحكى عنه بمثل [الناطق] أنما يكون ذاتيا لم يكن
كذلك فافهم جيدا.
قوله: ثم قال ويمكن أن يختار الوجه الثاني ويجاب بأن المحمول
إلخ: هذا الذي أجاب به في الفصول مما قد سبقه إليه بعض أهل المعقول،
وسبقهما إليه نفس المورد أعني المحقق الشريف (1) في كلام آخر له، وحاصله أن
المقيد بغير الضروري غير ضروري، والذي ينسح بالبال عدم سلامة هذا الجواب
عن الإشكال لا لأن لازمة إمكان سلب الشئ عن نفسه عند تقيده بقيد وهو
محال لأن الشئ لا ينسلخ عن نفسه في جميع المراحل بل هو محفوظ في
جميع المراتب لان ذلك يصح في الجزئيات الحقيقية فإنها غير قابلة للتقييد
بخلاف الكليات فإنها قابلة فتكون بذلك حصصا لها، وثبوت الكلى للحصص وإن
كان ضروريا إلا أن ثبوت الحصة له ليس كذلك إذ ليس ورود كل قيد ضروريا بل
لأن بعض الموضوعات كالجزئيات الحقيقية غير قابلة للتقييد لأنها لا تتعدد
بإضافة القيود فليست كالأجناس كي تصير بالقيود أنواعا ولا كالأنواع كي تصير
بالقيود أصنافا فلا معنى لقولك [زيد] زيد له الكتابة، وأما بعض الموضوعات
الأخر (2) القابلة للتقييد فلا تقبل الحمل ولا السلب لا لأن المفروض أنها بنفسها
مأخوذة في المحمول، وإثبات الشئ لنفسه كسلبه عنه محال لما عرفت انفا،
بل لأن حمل الأخص على الأعم بحسب المفهوم غير صحيح فلا يصح أن يقال
ا [لحيوان انسان] الا بنحو القضية الشرطية المنفصلة بان يقال [الحيوان اما انسان

1 - شرح المطالع ص 11 حاشية مير سيد شريف - ره -.
2 - فقولهم المقيد بغير الضروري صحيح بالإضافة إلى غيره مما يندرج تحته لا بالإضافة إلى نفسه
كما في المقام (منه).
143

أو حمار] أو غير ذلك وعليه فالحمل غير صحيح لا أنه صحيح، وانقلاب المادة
مانع، وبالجملة الحصة لا تحمل على الكلى وإن صح تقسيم الكلى إليها وإلى
غيرها، ومن الواضح أن حمل الكاتب لما له من المعنى صحيح من دون عناية
زايدة ولو كان مفهومه مركبا من نفس الانسان، وقيد الكتابة مكان حصة من
الانسان. فيرد عليه حينئذ ما أوردناه عليه لكن هذا الإشكال بناء على ما عن أهل
الميزان من أن الملحوظ في طرف الموضوع هي الذات وفى طرف المحمول هو
المفهوم وأن الموضوع لابد من اندراجه تحت مفهوم المحمول وصدق
المحمول عليه وأما بناء على أن ملاك الحمل الشايع هو الاتحاد في الوجود فكما
أن الكلى يتحد مع الحصة في الوجود فكذا العكس فصح حملها عليه.
قوله: إن كان ذات المقيد وكان القيد خارجا الخ: فيكون كالمركب
التقييدي الذي لا نظر فيه إلى المقيد بما هو مقيد بل هو آلة لتعرف حال ذات
المقيد والفرض أن المحمول هو المقيد بقيد غير ضروري، ومع ذلك فهو
ضروري إذا لوحظ بنحو المعنى الحرفي، وأما جعل الكاتب مثلا عنوانا محضا
وطريقا إلى معنونه على الانسان، فهو وإن كان بمكان من الامكان، والجهة حينئذ
هي الضرورة دون الامكان إلا أنه ليس لازم التركب بل يجرى على البساطة أيضا
كما هو واضح.
قوله: وإن كان المقيد بما هو مقيد على أن يكون القيد داخلا إلخ:
توضيحه، أن لازم التركب انحلال قضية الانسان ضاحك إلى قضيتين: إحديهما
" الانسان انسان " والأخرى " الانسان له الضحك " والأولى ضرورية والثانية ممكنة
مع أن قضية الانسان ضاحك بمالها من المعنى المرتكز في الأذهان موجهة بجهة
الامكان.
لا يقال له الضحك مأخوذ في المحمول على نحو التوصيف لا أنه خبر بعد
خبر لتكون هناك قضيتان.
لأنا نقول: الضحك بماله من المعنى خبر، والقضية خبرية محضة، وما هو
144

انحلال للخبر يكون خبرا أيضا وإن أخذ في مقام الجمع بنحو التوصيف لأن
الأوصاف قبل العلم بها أخبار، كما أن الأخبار بعد العلم بها أوصاف، فيكون ما
نحن فيه نظير ما إذا قيل " زيد شاعر ماهر " فإن [الماهر] وإن كان صفة اصطلاحا
للشاعر إلا أنه في الحقيقة قبل العلم به كما هو فرض الخبر، اخبار بشاعريته
وبمهارته في الشعر وإن لم يكن خبر بعد خبر كقولنا " زيد كاتب شاعر ".
لكنه لا يخفى عليك أن هذا الانقلاب ليس على حد ما أفاده الشريف وإن كان
نحوا من الانقلاب المصحح للاشكال على تركب المشتق، ولا يذهب عليك
أيضا أن عقد الحمل لم ينحل (1) إلى قضية ضرورية كي يكون نظيرا لعقد الوضع
المنحل إلى قضية ممكنة أو فعلية بل عقد الحمل منحل إلى خبرين، بأحدهما
تكون القضية ضرورية، وبالاخر تكون ممكنة مع أن القضية بماله من المعنى
ممكنة. وبالجملة نتيجة ذلك انحلال القضية إلى قضيتين كما هو لازم انحلال
الخبر إلى خبرين لا انحلال عقد الحمل إلى قضية، فما في المتن من التفريع على
ما ذكر من أن انحلال عقد الحمل إلى قضيته كانحلال عقد الوضع إلى قضية
ممكنة عند الفارابي أو إلى قضية فعلية عند الشيخ الرئيس، ليس في محله إلا أن
يراد من القضية الثانية نفس قولهم " له الضحك " باعتبار الثابت ونحوه فإنه قضية
ممكنة أخذت في عقد الحمل، فعقل الوضع بانضمام جزء من عقد الحمل
قضية، وجزئه الآخر قضية أخرى لكنه لا يوافق عبارته - مذ ظله - في بيان القضية
الثانية حيث قال و " الأخرى قضية الإنسان له النطق " فلا تنطبق إلا على انحلال

1 - وأما ما في بعض تعليقات الأسفار للمحقق السبزواري من تشبيه انحلال القضية إلى قضيتين
بانحلال عقد الوضع إلى قضيته فهو مضافا إلى ما ذكرنا في المتن قابل للتوجيه فان غرضه التشبيه من
حيث انحلال المجموع إلى قضيتين بمعنى انه كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية والمركب من عقد
الوضع عقد الحمل أيضا قضية، كذلك مجموع قضية كما أن عقد الوضع كذلك على ما هو صريح المتن
وان كان كلامه في فوائده موافقا لما في حاشية الأسفار من حيث تشبيه المقام لعقد الوضع لا تشبيه عقد
الحمل بعقد الوضع فافهم واستقم (منه).
145

الخبر إلى خبرين.
نعم ما ذكرنا من التوجيه وجيه بالنسبة إلى عبارة المحقق السبزواري
في تعليقاته على الاسفار فإنه عبر عن القضية الثانية بقولهم " له الضحك " فتدبر
جيدا.
نعم هيهنا وجه آخر للانقلاب إلى الضرورة يصح تنظيره بانحلال عقد الوضع
إلى قضية، وهو أن نفس عقد الحمل ينحل إلى قضية وهي إنسان له الكتابة مثلا،
ومادة هذه القضية هي الامكان إذ كون القضية ذات مادة نفس أمرية عبارة عن
اقتضاء ذات الموضوع لذاك المحمول لا بما هما موضوع ومحمول فاقتضاء
شئ لشئ إن كان على نحو يستحيل عدمه فالمادة ضرورة وإلا فامكان سواء
كان هناك صورة القضية أم لا فالانسان المأخوذ في المحمول إذا قيس إلى مبدء
المحمول كان لا محالة مقتضيا له بنحو من الأنحاء، وإن لم يكن اقتضائه مقصودا
بالذات إذ تعلق الغرض والقصد بالذات وبالعرض لا دخل له في اقتضاء
الواقعيات بل لا يعقل دخله فيها لتأخر رتبة عنها، وهذا بعينه نظير انحلال عقد
الوضع إلى قضية ممكنة عند المعلم الثاني، وإلى فعلية عند الشيخ الرئيس مع أن
عقد الوضع غير مقصود اقتضائه ولا متعلق للغرض لا بالذات ولا بالعرض وعليه
فالمحمول على الانسان هو الانسان الذي مادته الامكان ولا يعقل أن يكون
اقتضاء الانسان لمثل هذا المحمول بنحو الامكان وإلا جاز ضرورية عدم الكتابة
إن كان الامكان عاما وضرورية ثبوتها إن كان خاصا مع أن المفروض عدم ضرورية
الكتابة وعدمها فتدبره فإنه دقيق وبه حقيق.
وليعلم أن هذا الانقلاب لا دخل بضرورية ثبوت الشئ لنفسه، ولا من
جهة كون القيد ضروريا إذ المفروض كون المحمول في حد ذاته مادته الامكان،
ولا من جهة أن جهة القضية جزء المحمول فإنه يوجب الانقلاب ولو على
البساطة، مضافا إلى أن القابل لاخذه جزء للمحمول هي الجهة دون المادة فان
مادة القضية هي كيفية نسبة الواقعية بين شيئين وإن لم تلاحظ بخلاف الجهة فإنها
146

ما يفهم ويتصور عند النظر إلى تلك القضية سواء طابقه النسبة الواقعية أم لا، ومن
الواضح أن المادة حيث إنها لم تلاحظ فلا وجه لتوهم أخذها جزء للمحمول بل
الانقلاب من جهة أخذ الموضوع في المحمول فيتحقق هناك نسبة ومادة بين ما
اخذ في عقد الحمل ومبدء المحمول وحينئذ فلا يعقل أن يكون نسبة المحمول
الذي مادته الامكان في حد ذاته بالإضافة إلى عقد الوضع بالامكان.
والتحقيق أن ثبوت امكان الكتابة للإنسان ليس بالإمكان بل بالضرورة لما ذكر
انفا، وكذا ثبوت إمكان الانسان الذي له الكتابة أي امكان هذه الحصة أيضا
بالضرورة لا بالامكان، وأما ثبوت نفس هذه الحصة الممكنة لطبيعي الانساني
فهو بالامكان لا بالضرورة لان ورود هذا القيد على الانسان الموجب لكونه حصة
بالامكان فثبوت هذه الحصة الممكنة للطبيعي بالامكان ولازم حمل الانسان
الذي له الكتابة على الانسان إفادة كون الانسان ذا حصة خاصة لا إفادة إمكان
الكتابة له ولا إمكان الحصة له حتى يكون بالضرورة فتدبر جيدا.
قوله: لكنه قده تنظر فيما أفاده بقوله إلخ: النسخة المصححة بل
المحكى عن النسخة الأصلية هكذا، وفيه نظر لأن الذات المأخوذة مقيدة
بالوصف قوة أو فعلا أو كانت مقيدة به واقعا صدق الايجاب بالضرورة وإلا صدق
السلب بالضرورة مثلا لا يصدق زيد كاتب بالضرورة ولكن يصدق زيد زيد
الكاتب بالفعل أو بالقوة بالضرورة انتهى.
وأما ما في النسخ الغير المصححة في بيان المثال الثاني و [لكن يصدق زيد
الكتاب كاتب بالفعل أو بالقوة بالضرورة] فهو غلط بالضرورة لأن لازم تركب
المشتق تكرر الموضوع لا تكرر المحمول.
قوله: لا يذهب عليك أن الصدق الايجاب بالضرورة بشرط كونه
مقيدا الخ: تركب المشتق لو اقتضى إنقلاب مادة الامكان إلى الضرورة بشرط
المحمول ولو بملاحظة الجهة التي ذكرناها أخيرا في تصحيح الانقلاب، وإليه
147

يرجع ما في الفصول لا إلى فرض الثبوت وفرض العدم (1)، لكان ذلك من مفاسد
الالتزام بتركب المشتق إذ المفروض أن قضية [الانسان كاتب] مادتها الامكان
وتركب [الكاتب من الانسان] ونسبة الكتابة التي هي متكيفة واقعا بالامكان،
يقتضى أن يكون مادتها الضرورة واقعا ضرورة بشرط المحمول حيث إن الجهة
إذا صارت جزء المطلوب والمحمول كانت جهة القضية منحصرة في الضرورة
إثباتا أو نفيا، والفرق بين ما نحن فيه وبين ما ذكره أهل الميزان في الضرورة بشرط
المحمول أن العبرة عندهم في القضايا الموجهة بالجهة، والجهة غير المادة، لكن
المحذور الحقيقي لا يدور مدار إنقلاب جهة إلى جهة بل انقلاب مادة إلى مادة
كذلك كما لا يخفى.
وما ذكره في الفصول من المثالين ليس مثالا للشرطيتين الواقعتين في كلامه إذ
الشرطية الثانية مقتضاها صدق السلب بالضرورة والمثال عدم الصدق بالضرورة،
وظني أن مثاله الأول ناظر إلى البساطة وعدم اقتضائها الانقلاب والمثال ناظر إلى
التركب واقتضائه الانقلاب لصيرورة المحمول من حيث تركبه ذا مادة، والمراد
من الشرطيتين موافقة الجهة لمادة القضية واقعا كالمثال المزبور وعدمها كما إذا
قيل [الانسان انسان له النطق بالامكان] فان الجهة غير موافقة لمادة القضية
فيصدق السلب بالضرورة فيقال ليس الانسان بالضرورة إنسانا له النطق بالامكان
فالمراد من التقيد بالوصف واقعا وعدمه (2) هذا المعنى دون الثبوت وعدمه.

1 - لان تركب المشتق وصيرورة عقد الحمل ذا مادة يمكن أن يوهم الانقلاب إلا أنه لا يستلزم
صيرورة القضية فعلية حتى يلازم الانقلاب إلى الضرورة بشرط المحمول مضافا إلى ظهور كلامه في
أخذ الجهة قيدا في عقد الحمل وفرض الفعلية لا يتوقف على أخذ الجهة كما لا يخفى نعم كما أن التركب
المشتق لا يقتضى فرض الفعلية كذلك لا يقتضى صيرورة المادة جزء المطلوب بل يقتضى صيرورة عقد
الحمل ذا مادة فقط كما عرفت في الحاشية المتقدمة (منه) (خ).
2 - وإلا لزم ان يقول وإن كانت مقيدة بعدمه واقعا فان مجرد عدم التقييد به واقعا كما هو قضية
الشرطية الثانية لا توجب صدق السلب بالضرورة بل عدم صدق الإيجاب بالضرورة (منه).
148

هذه غاية ما يمكن أن يوجه به كلامه رفع مقامه.
قوله: فان لحوق مفهوم الذات والشئ لمصاديقهما انما يكون
ضروريا الخ: الأولى أن يقال أن إلزام الشريف (1) بانقلاب إن كان من باب
ثبوت الشئ لنفسه كما هو ظاهر الشريف فمن البديهي أن مفهوم الشئ غير
مفهوم الانسان، وإن كان من باب أن الموجهة بجهة الإمكان ليس بالإمكان بل
بالضرورة ففيه أن الإنسان بانسانيته يقتضى الكتابة لكن الشئ بشيئيته لا يقتضى
الكتابة بل الشئ إن كنى به عن الانسان كان مقتضيا بالامكان فيرجع إلى
مصداق الشئ وإن كنى به عن غير الانسان لم يكن بهناك اقتضاء بل صح
السلب بالضرورة فالشيئ بشيئيته لا حكم له وإن كان إلزامه من باب أن الإنسان
شئ لا أنه لا شئ، والشيئية لا تنسلخ عنه في جميع المراتب، ففيه أنه قابل
للتقييد بقيد لا يكون بما هو ضروريا للانسان وليس كنفس الانسان كي يكون
محفوظا في جميع المراتب حتى يكون حمله غلطا للزوم حمل الأخص مفهوما
على الأعم بل مفهومه حينئذ أعم مفهوما من الموضوع.
نعم انحلال القضية إلى ضرورية وممكنة من باب انحلال الخبر إلى خبرين
جار بناء على إرادة مفهوم الشئ وإن كان ظاهر كلام صاحب الفصول هو الشق
الثالث (2).
قوله: لزوم اخذ النوع في الفصل الخ: ليس المراد من النوع هو النوع
العقلي كي يقال إن الانسان الموجود بوجود أفراده ليس نوعا بل المراد هو النوع
الطبيعي وهو معروض النوعية والانسان بما هو، كما أنه كلي طبيعي كذلك نوع
طبيعي، كما أن الناطق الموجود بوجود المصاديق فصل طبيعي فيلزم من أخذ
الإنسان في الناطق دخول النوع الطبيعي في الفصل الطبيعي بل لو لم يكن الناطق

1 - أي المحقق الشريف في حاشية شرح المطالع ص 10.
2 - حيث قال لأن لحوق مفهوم الذات أو الشئ لمصاديقها أيضا ضروري انتهى (منه) فصول ص
62).
149

فصلا وكان لازما له كان الايراد واردا (1) إذا لا يعقل دخول النوع في لازم فصله.
والتحقيق أن النطق وهو إدراك الكليات ليس لازما لماهية الإنسان بل لهوية
النفس الانسانية فيلزم دخول الشئ في لازم وجوده، ومن الواضح أن الشئ
في لازم وجوده، ومن الواضح أن الشئ لا يتأخر بالوجود عن وجود نفسه إلا أن
يقال كما أشرنا إليه في بعض الحواشي المتقدمة أن الناطق ماله نفس ناطقة،
والفصل الحقيقي مبدء هذا العنوان فدخول الانسان في هذا العنوان لا يستلزم
الدخول في الفصل الحقيقي، وكذا لو قلنا بأن الناطق لازم الفصل فان اللازم
الحقيقي مبدئه لا المعنى الاشتقاقي والاشتقاق لتصحيح الحمل في مقام
التعريف فلا يلزم دخول النوع في لازمه ولا في لازم وجوده.
قوله: إرشاد لا يخفى أن البساطة بحسب المفهوم وعدمه إدراكا
الخ: البساطة إما لحاظية وإما حقيقية، أما البساطة اللحاظية فالمراد منها كون
المعنى واحدا إدراكا وفاردا تصورا بحيث لا ينطبع في مرآة الذهن إلا صورة
علمية واحدة سوء كان ذو الصورة، وهو ذات ما تمثل في الذهن بسيطا في
الخارج كالأعراض أو مركبا حقيقيا كالانسان ونحوه من الأنواع المركبة أو مركبا
اعتباريا سواء كان الافتقار ثابتا لاحد الجزئين إلى الآخر كالمركب من العرض
وموضوعه، أو لم يكن افتقار أصلا كالدار المركبة من الجدران والسقف ونحوهما
فمناط البساطة اللحاظية وحده الصورة الادراكية سواء أمكن تجليلها عند العقل
إلى معان متعددة تحليلا مطابقا للخارج كما في المركبات مطلقا أو تحليلا مطابقا
للواقع ونفس الامر دون الخارج كالبسائط الخارجية فان اللونية ليست كالجسمية
ليتوارد عليها الصور كي يكون التحليل مطابقا للخارج بل اللونية حيث إنها تنتزع
عن البياض والسواء واقعا فلها نحو ثبوت واقعا وإن لم يكن ثبوت بحيث يتوارد

1 - غاية الامر ان عدم دخول النوع في الفصل للزوم تقدم المتأخر وتأخر المتقدم بالماهية وعدم
دخوله في لازم الفصل للخلف لا لتأخر فان النوع ولازم الفصل كلاهما متأخر عن الفصل فلم يلزم إلا
دخول المتأخر في المتأخر (منه) (خ).
150

عليها الصور.
وإلى ما ذكرنا من البساطة اللحاظية التركيب اللحاظي يرجع الاجمال
والتفصيل الفارقان بين الحد والحدود فان ذات الانسان مثلا والحيوان الناطق مثلا
واحدة لكن هذا الواحد بالمفهوم والحقيقة ملحوظ على جهة الجمع وانطواء
المعاني المتكثرة في الانسان وعلى جهة الفرق وتفصيل المعاني المنطوية في
الحيوان الناطق وإلا لم يكن الحد حدا لذلك المحدود لما حمل الحد على
المحدود حملا أوليا ذاتيا كما هو واضح.
ومما ذكرنا يظهر أن تحليل المعاني الاشتقاقية في الأوصاف إلى ما اشتهر
بينهم من أن المشتق ما ثبت له مبدء الاشتقاق أو شئ له المشتق منه، غير ضائر
بالبساطة اللحاظية بل غير ضائر بالبساطة الحقيقة كما سيجيئ إنشاء الله تعالى
فإذا عرفت ذلك تعرف أن الاستدلال لمثل هذه البساطة اللحاظية بما استدل
به المحقق الشريف أو بغير ذلك مما استدل له في إخراج الذات عن المشتقات
غير وجيه لان البساطة اللحاظية تجتمع مع تركب المفهوم حقيقة أو اعتبارا كما
عرفت آنفا بل البساطة اللحاظية في كل مدلول ومفهوم للفظ واحد مما لا يكاد
يشك فيها ذو مسكة إذ البداهة قاضية بأن اللفظ وجود لفظي بتمامه لمفهومه،
ومعناه، لا أنه وجود لفظي لكل جزء من أجزاء معناه بتمامه، وكون اللفظ وجودا
لفظيا لمعنى تركيبي لا يكون إلا مع جهة وحدة فلا محالة لا ينتقل إلى المعنى
التركيبي إلا بانتقال واحد كما هو المحسوس بالوجد أن في الانتقال إلى معنى
الدار المؤلفة من البيوت والسقف والجدران فاتضح أن البساطة اللحاظية مما لم
يقع لاحد فيها شك وريب. إنما الكلام في البساطة الحقيقية من وجهين:
أحدهما: ما هو المعروف الذي أستدل له الشريف وهي البساطة من حيث
خروج الذات عن المشتقات وتمحضها في المبدء والنسبة.
ثانيهما: ما ادعاه المحقق الدواني (1) من خروج النسبة كالذات عن

1 - قد سبق في صفحة 131 الرقم: 1.
151

المشتقات وتمحضها في المبدء فقط وان الفرق بين مدلول لفظ المشتق ومدلول
لفظ المبدء بالاعتبار، والكلام في الثاني سيجيئ إنشاء الله تعالى وستحقق فيه ما
عندنا في محله إنما الكلام في الأول وقد عرفت ما يتعلق بما استدل به المحقق
الشريف من النقض والابرام. وتحقيق الحق في المقام والمحاكمة بين الاعلام
يقضى باعتبار أمر مبهم مقوم لعنوانية العنوان لمكان الوجدان والبرهان.
أما الوجدان: فبأنا لا نشك عند سماع لفظ القائم في تمثل صورة مبهمة
متلبسة بالقيام وهي تفصيل المعنى الوحداني المتمثل في الذهن ووحدانية في
الذهن على حد وحدانية في الخارج فكان الصورة الخاصة الخارجية انطبعت في
مرآة الذهن.
وأما البرهان: فبان المبدء حيث إنه مغاير لذي المبدء فلا يصح الحكم
باتحاده معه في الوجود وإن أعتبر فيه ألف اعتبارا، إذ جميع هذه الاعتبارات لا
توجب إنقلاب حقيقة المبدء عما هي عليه من المبائنة والمغايرة، وليست
المغايرة بمجرد الاعتبار كي ينتفى باعتبار طار، وسيأتي لهذا مزيد بيان انشاء الله
تعالى.
ومن المعلوم: أن نسبة الواجدية ما لم يعتبر في طرفها الأمر المبهم المقوم
للعنوان لم يصح حمل نفسها على ما يقوم به المبدء والمجموع من المبدء
والنسبة كذلك أيضا فلا مناص من الالتزام بوضع هيئة " ضارب وكاتب " ونحوهما
بمرآتية الجامع الانتزاعي للعنوان البسيط المأخوذ من المواد التي وضعت
للمبادئ بحيث لو أردنا شرح ذلك العنوان قلنا إنها الصورة المتلبسة بالضرب أو
الكتابة، فإنها القابلة للحكم بالاتحاد وجودا مع الموضوع، فمفاد " زيد قائم " أن
وجود الصورة الذاتية لزيد، وجود للصورة المنتزعة منه بالعرض وأما أن هذه
الخصوصية المقومة للعنوان جوهر وعرض، أو أمر اعتباري فليست بشئ منها
بل مبهم من جميع هذه الجهات وقابل للاتحاد مع الجواهر والاعراض وغيرهما،
بل هو مبهم من حيث أنها عين المبدء في الخارج فالوجود موجود لهذا الوجه،
152

والبياض أبيض لهذا الوجه حيث لم يعتبر فيها أن لا يكون عين المبدء خارجا.
ومن جميع ما ذكرنا اتضح أن القول بعدم أخذ الذات عموما أو خصوصا في
المشتقات لا ينافي ما ذكرنا هنا حيث أن الأمر المبهم المأخوذ لمجرد تقوم
العنوان ليس من مفهوم الذات ولا من المفاهيم الخاصة المندرجة تحتها في
شئ بل مبهم من جميع هذه الجهات والخصوصيات المميزة، واعتبار هذا
الأمر المبهم لا ينافي البساطة العنوانية بمعنى تمثل صورة وحدانية في الذهن
على حد الواحدانية في الخارج، فالمشتق بحسب وجوده الجمعي بسيط بهذا
المعنى من البساطة، وبحسب وجوده الفرقي التفصيلي ماله مبدء الاشتقاق
وتفاوت الأوصاف العنوانية مع سائر المشتقات في هذه الجهة لا دليل على
عدمه بل الوجدان والبرهان على ثبوته ولا ينافي تحدد الوضع أيضا إذ المادة
موضوعة لنفس المبدء والهيئة بمرآتية الجامع الانتزاعي موضوعة لذلك المعنى
الوحداني المناسب لمادتها وحاصل الوضعين أن الضارب مثلا وجود لفظي
لمعنى وحداني مطابقة المتلبس بالضرب خارجا على نحو الجمع والوحدة لا
للذات والحدث والربط فتدبر في المقام فإنه من مزال الاقدام.
" الفرق بين المشتق ومبدئه "
قوله: الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما أنه بمفهومه الخ: المحكي
عن العلامة الدواني أنه لا فرق بين المشتق ومبدئه الحقيقي دون مبدئه
المشهوري وهو المصدر إلا باعتبار، وقد صرح بخروج الذات والنسبة معا عن
مداليل المشتقات فإنه قال في تعليقاته على شرح التجريد للقوشجي (1) في مقام
الرد على من زعم أن الاجزاء المحمولة لا تكون مفهومات المشتقات لاشتمالها

1 - المير سيد علي بن محمد علي الحسيني الاسترآبادي، كان متعلما، حكيما، شرح المطالع
ص 11 " إن معناه شئ له المشتق منه ".
153

على النسبة ما لفظه.
" التحقيق أن معنى المشتق لا يشتمل على النسبة بالحقيقة فان معنى الأبيض
والأسود ونظائر هما ما يعبر عنه في الفارسية (بسفيد وسياه) وأمثلهما (1) ولا
مدخل في مفهومهما للموصوف لا عاما ولا خاصا إذ لو دخل في مفهوم الأبيض
الشئ كان معنى قولنا [الثوب الأبيض] الثوب الشئ الأبيض ولو دخل فيه
الثوب بخصوصه كان معناه الثوب الثوب الأبيض، وكلاهما معلوم الانتفاء بل
معنى المشتق هو المعنى الناعت وحده ثم العقل يحكم بديهة أو بالبرهان أن
بعضا من تلك المعاني لا يوجد إلا بأن يكون ناعتا الحقيقة أخرى مقارنا لها شايعا
فيها لا كجزئها وتسميتها بالعرض، وبعضها ليس كذلك ولولا تلك الخصوصية لم
يلزم أن يكون هناك شئ هو أبيض أو أسود إلى أن قال: ومن هنا يظهر أن
الأعراض هي المشتقات وما في حكمها كما سبق التلويح إليه ولذا أمكن النزاع
بعد تصور بعضها بالكنه في عرضيته كما وقع لهم في الألوان فان كنهها عندهم
بديهي ومع ذلك نازع العقلاء في عرضيتها ولو كان حقيقتها مبادئ الاشتقاق لم
يتصور النزاع فان العاقل لا يشك في أن التكمم والتلون بالمعنى الذي أخذوه
ليسا جوهرين قائمين بذاتهما الخ.
وهذا الكلام صريح في أن مبادئ الاشتقاق عندهم هي المعاني المصدرية
وحيث لا واسطة بين المشتق ومبدئه فلذا قالوا الأعراض هي المشتقات فهو
قائل باتحاد المشتقات مع مباديها الحقيقية دون مباديها المشهورية أعني
المعاني المصدرية بمعنى اتحاد المشتقات مع العلم بمعنى الصورة مثلا
والضرب بمعنى الحركة الخاصة مع خلوهما عن جميع أنحاء النسب حتى
النسبة الناقصة المصدرية كيف وهو بصدد إخراج النسبة عن مفهوم المشتق

1 - استدل لخروج النسبة بخروج طرفها لأنها متقوم بالمنتسبين وفيه أن تقومها في ظرف ثبوتها
بطرفها أمر والمقدار المدلول عليه الكلام أمر آخر كما في الافعال فإنه لاشك في اشتمالها على النسبة مع
أن مادتها لا تدل إلا على المبدء وهيئتها لا تدل إلا على النسبة (منه) (خ).
154

فنسبة اتحاد المشتق مع المصدر إليه كما هو ظاهر الفصول وغيره لا وجه لها،
ومنه يظهر ما في كلام المحقق الدواني أيضا حيث زعم عدل الواسطة بين
المشتقات والمصادر فحكم بأن نزاع القوم في عرضية الألوان كاشف عن أن
الأعراض هي المشتقات مع أنك خبير بأن ملاحظة ذات العرض غير ملاحظته
بما هو عرض فلا يكشف النزاع في العرضية عن كون الأعراض هي المشتقات.
نعم نقل عنه بعض المحققين (1) وجهين آخرين أحدهما: أنا إذا رأينا شيئا
أبيض فالمرئي بالذات هو البياض ونحن نعلم بالضرورة أنا قبل ملاحظة أن
البياض عرض، والعرض لا يوجد قائما بنفسه يحكم بأنه بياض وأبيض ولولا
الاتحاد بالذات بين الأبيض والبياض لما حكم العقل بذلك في هذه المرتبة (2).
ولم يجوز قبل ملاحظة هذه المقدمات كونه أبيض لكن الأمر خلاف ذلك.
وحاصل الوجه الآخر أن المعلم الأول ومترجمي كلامه عبروا عن المقولات
بالمشتقات ومثلوا لها بها فعبروا عن الكيف بالمتكيف ومثلوا لها بالحار والبارد
ولولا الاتحاد لم يصح ذلك.
وهذان الوجهان أيضا ظاهران في دعوى الاتحاد بين مفاهيم المشتقات
ومباديها الحقيقة دون المشهورية بل حاصلهما دعوى الاتحاد بين خصوص
العرض والعرضي لا كل مشتق وبمبدئه الحقيقي وإن كان ظهر كلامه المتقدم هو
الإطلاق كما يشهد له كونه هناك في مقام الرد على من زعم أن مفاهيم المشتقات
لاشتمالها على النسبة لا تكون أجزاء محمولة. وبالجملة غرض المحقق المزبور
خروج النسبة إلى الموضوع عن مفهوم المشتق بملاحظة أنا إذا لاحظنا حقيقة

1 - هو الحكيم السبزواري في تعليقاته على الأسفار (منه). الاسفار ج 1 ص 42.
2 - هذا يجدى لخروج النسبة عن الموضوع لا لعدم كون المعنى نسبيا بنحو تارة يطابق النسبة
الخارجية إلى الموضوع وأخرى النسبة التحليلية المعبر بثبوت الشئ لنفسه ووجد أنه لنفسه فاعتبار
قيام البياض بذاته المصحح لعنوان الأبيض هو عين اعتبار النسبة التحليلية فتدبره فإنه حقيق به (منه)
(خ).
155

البياض فهذا الملحوظ بما هو بياض وبما هو قائم بذاته أبيض.
ولذا قال بهمنيار (1) تلميذ الشيخ الرئيس " إن الحرارة لو كانت قائمة بذاتها
لكانت حرارة وحارة " وبهذا الاعتبار تكون حقيقة العينية التي حيثية ذاتها حيثية
طرد العدم وجودا وموجودا فإذا كانت حقيقة البياض الملحوظة بما هي قائمة
بذاتها أبيض مع قطع النظر عن موضوعها فلا محالة لا دخل للنسبة في مفهوم
الأبيض، وإذا كان موقوفا على ملاحظة موضوعها وقيامها به، وهذا معنى بساطة
المشتق بساطة حقيقية وكون الفرق بينه وبين مبدئه الحقيقي باعتباري بشرط لا
ولا بشرط، فان المراد من ملاحظته بشرط لا ملاحظته باستقلاله، وبما هو شئ
على حياله، ومن ملاحظة لا بشرط إلغاء كونه كذلك، وهو عين ملاحظته بما هو
قائم بذاته، ولكن لا يخفى عليك أن غاية ما أفاده المحقق المزبور اتحاد الأبيض
الحقيقي والبياض دون الأبيض المشهوري إذ من الواضح أن الأبيض بالمعنى
الذي تصوره المحقق لا يصدق على العاج فإنهما موجودان متبائنان فلم يثبت
اتحاد المشتق ومبدئه مطلقا ولا العرض والعرضي مطلقا.
نعم هنا وجه آخر لتميم الامر وتسريته إلى الأبيض المشهوري أيضا، وهو ما
أفاده بعض المحققين (2) وملخصه: أن نفس حقيقة البياض وغيرها من الأعراض
تارة تلاحظ بما هي، وأنها موجودة في قبال موضوعها فهي بهذا اللحاظ بياض،
ولا يحمل على موضوعه كيف، وقد لوحظ فيه المبائنة مع موضوعه، والحمل
هو الاتحاد في الوجود، وأخرى تلاحظ بما هي ظهور موضوعها، وكونها مرتبة من
وجود موضوعها، وطورا لوجوده، وشأنا من شؤونه ظهور الشئ، وطوره وشأنه
لا يبائنه، فيصح حملها عليه إذ المفروض أن هذه المرتبة مرتبة من وجود
الموضوع والحمل هو الاتحاد في الوجود (3).

1 - التحصيل ص 297.
2 - هو الحكيم السبزواري في تعليقاته على الأسفار ج 1 ص 42 الرقم 3.
3 - هذا إذا أريد مجرد الحمل بالاعتبار اللا بشرطي فقط وأما إذا أريد جعله مناطا لتباين
مفهومي البياض والأبيض فلا هما له يكون جزء المدلول عليه بهيئته المشتق نفس هذا الاعتبار
فيكون مفهوم المشتق مادة وهيئة هو المبدء الملحوظ هكذا كالأفعال بعينها (منه) (خ).
156

ولا يذهب عليك أن هذه الاعتبارات مصححة للحمل لا أنها جزء المحمول
ليقال أن المفهوم حينئذ مركب لا بسيط وهل هي إلا كاعتبار الاجمال والتفصيل
في حمل الحد على المحدود فإنه مصحح التغاير المعتبر في الحمل لا جزء
مفهوم المحمول، وما نحن فيه مصحح الاتحاد المعتبر في الحمل وبهذا
الوجه الذي صححنا به الحمل يمكن الجواب عما في الفصول من أن العلم
والحركة يمتنع حملهما على الذات وان اعتبار لا بشرط حيث عرفت أن
ملاحظتهما من أطوار الذات يصحح الحمل لأن طور الشئ بما هو طوره لا
يباينه لأنه نحو من أنحاء وجوده.
وأما " ما افاده أستادنا العلامة أدام الله أيامه في المتن، من أن الفرق بين
المشتق ومبدئه أنه بمفهومه لا يأبى عن الجري والحمل بخلاف المبدء فإنه يأبى
عنه وأنه إلى ذلك يرجع ما افاده أهل المعقول من الفرق بينهما بلا شرط وبشرط
لا، لا حفظ مفهوم واحد وملاحظة الطوارئ ". فهو وإن كان صحيحا في نفسه
حيث أنهما كك كما سيجئ إنشاء الله تعالى إلا أن إرجاع كلمات أهل المعقول
إلى ذلك لعله لحسن ظنه بهم وإلا فكلماتهم صريح فيما ذكرنا ويكفيك شاهدا
عليه ما ذكره بعض الأكابر في شواهده (1) حيث قال " مفهوم المشتق عند جمهور
علماء الكلام متحصل من الذات والصفة والنسبة وعند بعض المحققين هو عين
الصفة لاتحاد العرض والعرضي عنده بالذات والفرق يكون الصفة عرضا غير
محمول إذا أخذ في العقل بشرط لا شئ، وعرضيا محمولا إذا أخذ لا بشرط "
إلخ.

1 - صدر المتأهلين في الشواهد الربوبية ص 43 الاشراق الثامن.
157

ومن الغريب ما عن بعض المدققين من المعاصرين (1) حيث ذكر في بيان من
جعل الفرق بينهما بالاعتبار ما محصله: أن الحدث قد يلاحظ بنفسه مع قطع
النظر عن النسبة الآتي من قبل الهيئات من المشتقات وحينئذ يمكن الحمل إذا
انتزع من الحدث مع النسبة عنوان مساو للذات، فالمراد من لا بشرط وبشرط لا
ملاحظة النسبة وعدمها وهو غفلة عن حقيقة الأمر لما سمعت من أن العلامة
الدواني ينادى بخروج النسبة عن المشتقات مضافا إلى أن القوم يقولون بأن نفس
الاعتبار الا بشرطي يصحح الحمل لا أنه مورد لانتزاع عنوان مساو للذات يصح
حمله عليها هذا.
والانصاف أن هذا الوجه الذي صححنا به الحمل أنه لا يجرى في جميع
المشتقات لا يكاد يجدى في أنظار أهل النظر، وإن كان كلاما مشهوريا إذ الاعتبار
لا يجعل المتغايرين في الوجود متحدا فيه واقعا والحمل هو الاتحاد في الوجود
بحيث ينسب ذلك الوجود إلى كل منهما إما بالذات وبالعرض في الطرفين أو في
طرف واحد، ومن الواضح أن الطور الشئ ليس نفس الشئ فلا وجه لدعوى أنه
الشئ، فملاحظة العرض من أطوار موضوعه (2) لا يصحح دعوى أن وجوده
وجود موضوعه وإن كان وجوده في نفسه وجوده لموضوعه، ومن الواضح أيضا
أن تعدد الغرض وموضوعه ليس بالاعتبار كي ينتفى بطرو اعتبار أخر فتدبر جيدا.
فان قلت: فما وجه حمل الجنس على الفصل والفصل على الجنس مع أن
طبيعة الجنس في الخارج غير طبيعة الفصل وهل المصحح إلا الاعتبار اللا

1 - صاحب محجة العلماء ولا يكون المجلد الأول موجودا في مكتبة بل الموجود هو المجلد
الثاني والثالث.
2 - ولا يخفى ان مفاد القضية الحملية هو أن هذا ذاك وأما مجرد ملاحظة العرض على ما هو عليه
من الوجود الحلولي الناعتي في قبال ملاحظته بذاته فلا يصحح قضية حملية ذات نسبة تامه إذ ليس
المحمول إلا العرض الملحوظ على ما هو عليه ولا الموضوع إلا ذات ما هو طرف هذا العرض وهذا الا
يحقق نسبة تامة يصح السكوت عليها فتدبر (منه) (خ).
158

بشرطي.
قلت: التحقيق فيه كما عن بعض الأكابر (1) أن التركيب بينهما في المركبات
الحقيقية اتحادي لا انضمامي: بيانه على وجه الاجمال أن المركبات الحقيقية
لابد لها من جهة وحدة حقيقية بداهة أنه لولاها لكان التركيب اعتباريا والوحدة
الحقيقية لا تكون إلا إذا كان أحد الجزئين بنحو القوة والابهام، والآخر بنحو
الفعلية والتحصل ضرورة أن كل فعلية بما هي فعلية فهي تأبى عن فعلية أخرى،
وإذا كان أحد الجزئين عين الفعلية والآخر عين القوة فلا محالة يكونان مجعولين
بجعل واحد، وإلا لزم الخلف إذ الاستقلال في الجعل ينافي الوحدة الحقيقية،
ومن الواضح أن كل مجعولين بجعل واحد لابد من أن يكون أحدهما مجعولا
بالذات والاخر بالعرض حتى يصح نسبة الجعل إليهما مع وحدة الجعل حقيقة
وحينئذ لابد من مرور فيض الوجود من الأصل إلى التابع كالصورة بالنسبة إلى
المادة، وكالفصل بالنسبة إلى الجنس فإذا لوحظ مبدء الجنس الطبيعي مثلا بماله
من الدرجة الخاصة من الوجود الساري لم يحمل على الفصل لتبائن الدرجتين
بما هما درجتان وإذا ألفي الخصوصية ولوحظ اتحادهما في الوجود الساري صح
الحمل، وهذا معنى اتحاد الجنس والمادة، واتحاد الفصل والصورة بالذات،
واختلافهما بالاعتبار فتبين الفرق بين الجنس والفصل، وبين العرض وموضوعه
حيث أن التركيب بين الأولين حقيقي اتحادي، وبين الأخيرين اعتباري لعدم
الافتقار من الطرفين ولعدم اتحادهما في الوجود، ومع المغايرة الحقيقية بينهما لا
يمكن حمل أحدهما على الأخر بأي اعتبار كان.
نعم بناء على اتحاد الأعراض مع موضوعاتها في الوجود كما عن بعض أهل
التحقيق (2) بل يستفاد من بعض الأكابر (3) في مسألة إثبات الحركة الجوهرية من

1 - صدر المتأهلين.
2 - وهو الحكيم المحقق الآقا على المدرس، له تعليقة رشيقة على الشوارق ص 94.
3 - صدر المتأهلين في الاسفار ج 3 ص 80.
159

أن التبدل في الأعراض تبدل في موضوعاتها، ولولا الاتحاد لما صح ذلك يصح
حمل العرض على موضوعه، والمراد من الاتحاد نظير اتحاد الجنس والفصل،
وهو أن إفاضة الوجود يتعلق أولا وبالذات بالموضوع وبعرضه ثانيا كما أن
الوجود أولا للصورة بما هي صورة، وثانيا للمادة بما هي مادة ولهذا الاتحاد في
الوجود الساري في الموضعين يصح الحمل إذا أخذ لا بشرط لا إذا أخذ بحسب
مرتبة من الوجود، ودرجة من التحصل ولا نعنى بالحمل إلا الاتحاد في الوجود
فقط، وعلى هذا المعنى من اللا بشرط وبشرط لا لا بد من أن يحمل ما يوجد في
كلمات أهل النظر لا على الوجه المشتهر فإنهم وتدبر.
تتمة: كل ما ذكرنا إنما يصحح حمل العرض على موضوعه، واتحاد العرض
والعرضي بحسب الواقع لا أن مفهوم الأبيض عرفا نفس حقيقة البيان المأخوذة لا
بشرط إذ صحة الحمل لا ربط لها بالعينية والاتحاد من حيث المفهوم في الأبيض
والبياض، وغرض العلامة الدواني كما هو صريح كلامه (1) والنافع للأصولي عينية
المفهومين ذاتا ولا دليل عليها ومما يرشد إلى ما ذكرنا ما عن بعض المحققين (2)
أن المشتق عند الإلهيين كل ما يحمل على غيره بالتواطؤ من دون اشتقاق لغوي
ولا إضافة كلمة ذي، والمبدء ما ثبت به مفهوم المحمول للموضوع. ولا يخفى أن
مثل هذا المشتق يصدق على حقيقة البياض المأخوذ لا بشرط فلا مانع من
دعوى الاتحاد بين هذا المشتق ومبدئه لا المشتقات اللغوية والعرفية ومباديها
الحقيقية فتبدر في أطراف ما ذكرنا في المقام فإنه حقيق بالتدبر التام.
قوله: كما يظهر منه في بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة
والصورة إلخ: لعله نظر السامي - ره - إلى ما تكرر في كلماتهم، من أن الأجزاء
الخارجية المركبات الحقيقية إذا لوحظت بشرط لا، وبما هي أجزاء متغايرة يعبر
عنها بالبدن والنفس مثلا، ومثلهما لا يحملان على الانسان، ولا يقعان في حده.

1 - مر كلامه في ص 150.
2 - وهو الحكيم المحقق الآقا على المدرس.
160

وإذا لوحظت لا بشرط وبما هي موجودة بوجود واحد يعبر عنها بالحيوان
والناطق وهما يحملان على الانسان، ويقعان في حده فالأولى أجزاء غير
محمولة، بخلاف الثانية، فمرجع الاعتبار اللا بشرطي والبشرط لائي إلى ملاحظة
حقيقة واحدة بحيث ينتزع عنها مفهومان غير قابلين للحمل أو مفهومان قابلان
للحمل فكذا الأمر في العرض والعرضي لكنك بعد الإحاطة بما تلوناه عليك في
الحاشية السابقة لا تكاد تشك في أن غرض المحقق الدواني المنسوب إليه عدم
الفرق بين المشتق ومبدئه إلا بالاعتبار ما ذكرناه، وما فهمه صاحب الفصول (1) مع
أن غرض القوم من الاعتبارين أيضا هو اعتبار الوارد على أمر واحد لكن لا نظر
لهم إلى اتحاد الجنس والمادة والفصل والصورة مفهوما كما يراه الدواني في
العرض والعرضي بل إلى وحدة المطابق ذاتا واختلافهما بالاعتبار المصحح
للمادية والجنسية أو الصورية والفصلية كما أشرنا إليه في أخر الحاشية السابقة.
قوله: ملاك الحمل كما أشرنا إليه هو الهوهوية والاتحاد إلخ: ملاك
الحمل الذاتي هو الهوهوية بالذات والحقيقة، والمغايرة بالاعتبار الموافق للواقع
لا بالغرض كما سمعت غير مرة، وملاك الحمل الشايع هو الاتحاد في الوجود
والمغايرة بالمفهوم فلابد فيه من وجود واحد ينسب إلى صورتين مقولتين
بالذات أو بالعرض في الطرفين أو في طرف واحد، وعليه فلا يعقل حمل أحد
المتغايرين في الوجود على الأخر بنحو من أنحاء الحمل.
وزعم في الفصول (2) إمكان حمل أحد المتغايرين في الوجود على الأخر بما
محصله: ملاحظة كل من الجزئين لا بشرط حتى لا يتأبيان عن اعتبار الوحدة

1 - فإنه - قدس سره - وان أصاب في فهم الاعتبار اللا بشرطي وانه يرد على مفهوم واحد لا أنه
بمعنى آخر لكنه أخطأ في جعله كسائر الاعتبارات في ساير المقامات بلحاظ الطوارئ بل هو اعتبار وارد
على صفة المبدء بلحاظ اتحاده مع موضوعه في الوجود الساري وحيث إن الاتحاد واقعي فلذا عبر عنه
القوم بالاعتبار اللا بشرطي دون بشرط شئ فافهم جيدا (منه) (خ).
2 - الفصول ص 62.
161

بينهما، وملاحظتهما من حيث المجموع واحدا كي يتحقق هناك وحدة مصححة
للحمل، وملاحظة الحمل بالإضافة إلى المجموع من حيث الهيئة الاجتماعية
حتى يكون الحمل بالإضافة إلى المتحدين في الوجود بنحو من الاعتبار.
وفيه: كما أن اللا بشرطية لا يصحح حمل أحد المتغايرين في الوجود على
الأخر كذلك ملاحظتهما من حيث المجموع واحدا واعتبار الحمل بالنسبة إليه إذ
بناء على هذا الاتحاد لأحد الجزئين مع الأخر في الوجود كما لا اتحاد لأحدها
مع الكل بل الوحدة في الحقيقة وصف اللحاظ والاعتبار فلا يصح أن يقال هذا
ذاك بل هذا ذاك في اللحاظ والاعتبار الذي مرجعه إلى أنه بجميعهما لحاظ
واحد لا وجود واحد والحمل هو اتحاد الموضوع والمحمول في الوجود لا
الجمع في لحاظ واحد.
والعجب أنه - ره - زعم أن حمل الناطق على الحيوان والانسان بهذه
الملاحظة مع أن بعض الأكابر (1) جعل صحة الحمل فيه دليلا على التركيب
الاتحادي.
لا يقال: إذا كان الناطق عبارة عن النفس الناطقة صح القول بأن الاعتبار اللا
بشرطي غيره مصحح للحمل، وأن صحة الحمل دليل على التركيب الاتحادي
وأما إذا كان عنوانا متنزعا عن الذات ولو بمعنى ماله نفس ناطقة فلا فان هذا
المعنى ينتزع من الإنسان لكونه واجدا للنفس كما ينتزع عنوان [الضارب] لكونه
متلبسا بالضرب.
لأنا نقول: المنتزع عنه لو لم يكن له جهة وحدة لم يصح الانتزاع عن مرتبة
الذات والذاتيات إذ مجموع النفس والبدن غير واجد للنفس، وأما حمل أحد
الجزئين على الأخر بملاحظة العنوان المنتزع من كل منهما بسبب قيام كل منهما
بالأخر لا بلحاظ اتحاد كل منهما مع الأخر فهو أيضا غير صحيح لأن قيام النفس
الناطقة بالبدن يصحح انتزاع الناطق من البدن بالنفس الناطقة، يصحح انتزاع

1 - صدر المتألهين.
162

عنوان الحيوان من النفس الناطقة، وكما أن المبدأين متغايران وجودا كذلك
المنشآن متغايران وجودا فلا يصح حمل الناطق على الحيوان (1) لعدم اتحاد
مطابقهما في الوجود مع أنه لا شبهة في صحة الحمل، وليس الوجه فيها إلا انتزاع
كل من العنوانين من هوية واحدة تسمى بالانسان، وأما عدم صحة حمل الناطق
على البدن مع قيام الصورة بالمادة وبالعكس. فالوجه فيه أنه بعد عدم الإلتزام
باتحادهما في الوجود ليس الناطق عنوان الفصل الطبيعي ليكون حمله على
البدن من باب حمل الفصل على الجنس وكذا العكس مع أنه لا قيام إلا للمادة
والجنس بالصورة والفصل من باب قيام المعلول بالعلة، وليس وجود المعلول
نعتا للعلة ولا وجود العلة ناعتا للمعلول فلا يحمل المعلول على علته، وكذا العلة
على معلولها كما لا يحمل العنوان الذي كان مبدئه ذات المعلول أو ذات العلة
فتدبره فإنه دقيق.
فلابد من جهة وحدة حقيقية بين مبادئ الذاتيات حتى يصح حمل أحدهما
على الأخر أو على ذيها، والاعتبار اللا بشرطي والبشرط لائي بعد الالتزام
بالوحدة الحقيقية لما أشرنا إليه في الحواشي المتقدمة فراجع. وأعجب منه أنه
قده زعم أن التغاير بين الناطق والحساس اعتباري كما في [هذا زيد] مع أن
التغاير في المثالين مفهومي وهو المعتبر في مرحلة الحمل الشايع.
قوله: لاستلزامه المغايرة بالجزئية إلخ: هذا لو أريد حمل أحد الجزئين
على الأخر الملحوظ معه غيره وأما إذا كان الموضوع نفس الجزء والغرض دعوى
اتحادهما في الكل الملحوظ شيئا واحدا نظير ما يقال زيد وعمرو واحد في
الإنسانية " فلا مغايرة بالجزئية والكلية بل الكل ما به الاتحاد وملاكه، لا أنه
المحمول عليه دائما وهو المراد من لحاظ الحمل بالقياس إلى المجموع وإلا قال
على المجموع بل الأمر كذلك إذا حمل الجزء على المجموع أيضا كما صرح

1 - أما حمل الحيوان بالعرض على الناطق بالذات وحمل الناطق بالعرض على الحيوان بالذات
فهو صحيح إلا أنه ليس من حمل أحد الذاتيين على الأخر والكلام فيه (منه (خ).
163

بصحته صاحب الفصول، وذلك لأن حمل الجزء على الكل إنما لا يصح بلحاظ
الوعاء الذي يكون كل جزء مغايرا للآخر وجودا، وإما بلحاظ الوعاء الذي فرض
اتحادهما في ذلك النحو من الوجود الاعتباري فلا مانع من صحة الحمل لمكان
الاتحاد في الوجود الاعتباري فلا يرد عليه إلا ما أوردناه سابقا ومحصله: أن
الاتحاد بلحاظ وعاء، والحمل بلحاظ وعاء اخر غير مفيد، بداهة أن مفاد قولنا
" الانسان حيوان أو ناطق " أن هذا ذاك في الخارج مع أنه لا اتحاد بينهما فيه بل
في غير موطن الحمل.
قوله: مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا
الخ: يمكن الذب عنه أما في التحديدات فلان الاشكال والكلام في حمل أحد
المتغايرين في الوجود على الاخر أن على المجموع بالحمل الشايع والحمل في
التحديدات حمل أولى ذاتي يصح اعتباره في المركب من أمرين فمرجع قضية
الانسان حيوان ناطق إلى أن معنى ذاك اللفظ وحقيقته عين معنى هذين اللفظين
وحقيقتهما كما إذا صرح بذلك وقال حقيقة الانسان مركبة من النفس والبدن مثلا
وما في سائر القضايا (1) فليس فيها حمل أحد المتغايرين في الوجود الخارجي
على الأخر لما عرفت غير مرة أن الضارب مثل عنوان منتزع عن زيد بلحاظ قيام
الضرب به قيام الفعل بفاعله أو العرض بموضوعه وانطباقه على زيد وكون وجود
زيد وجودا له بالعرض بملاحظة أن معنى الضارب هو الصورة المبهمة المتلبسة

1 - لا يخفى عليك أن صاحب الفصول في مقام الإيراد على القائلين باتحاد العرضي والعرض وأن
اللا بشرط تصحح الحمل فغرضه أن اللا بشرط لا تجدي بنفسها بل بضميمة اعتبارين آخرين لا أن
الحمل في القضايا بهذه الاعتبارات الثلاثة ليورد عليه بأنه خلاف الظاهر بل صرح - قدس سره - بذلك
عند تحقيق مختاه فراجع. وأما ما سلكناه في الحاشية من أن مورد كلامه القضايا الجارية في الذاتيات
نظرا إلى أنها لا تصح إلا بلحاظ الاتحاد الذي ذكرناه أو بالاتحاد الذي يراه صاحب الفصول المندفع بأن
كلام صاحب الفصول يعم جميع موارد المتغايرين في الوجود ويصرح بالتعميم فلا يندفع عنه ما أوردناه
في المتن إلا بالوجه الذي سلكناه هنا (منه) (خ).
164

بالضرب، ومن الواضح انطباقها على زيد لانطباقها على زيد لانطباق الأمر المبهم
على ذات زيد، والربط المأخوذ في العنوان على تلبس زيد، والمادة على الضرب
القائم به بخلاف الناطق بالإضافة إلى الحيوان أو إلى الإنسان كما عرفت في
الحاشية السابقة انفا فلا نقض لا بالتحديدات ولا بسائر القضايا الجارية في غير
الذاتيات فافهم جيدا.
" كيفية جرى الصفات على الله تبارك "
قوله: لا ريب في كفاية مغايرة المبدء مع ما يجرى عليه المشتق
مفهوما الخ: توضيحه قد مر مرارا أن الحمل مطلقا لابد فيه من مغايرة ما، ومن
اتحاد ما فان كان الحمل أوليا ذاتيا فالمغايرة المعتبرة فيه بالاعتبار والاتحاد
المعتبر فيه بالحقيقة والماهية، إذ المفروض أن النظر فيه إلى الذات من حيث هي
لا من حيث الوجود الخارجي ومع فرض الاتحاد بالذات والحقيقة لا يبقى مجال
للمغايرة إلا المغايرة الاعتبارية الموافقة للواقع لا بفرض الفارض كحمل الحد
على المحدود حيث أن المحدود ملحوظ بنحو الجمع والانطواء والاجمال
والحد ملحوظ بنحو الفرق والكثرة والتفصيل وكحمل أحد المترادفين على
الأخر فان المفهوم الواحد بما هو مسمى هذا اللفظ غيره بما هو مسمى ذلك
اللفظ، واعتبار المسمى كاعتبار الأجمال والتفصيل مصحح للحمل لا مأخوذ في
المحمول كما ربما يتوهم وإن كان الحمل حملا شايعا صناعيا فالاتحاد المعتبر
فيه كما عرفت غير مرة هو الاتحاد في الوجود مخل بالحمل الذي حقيقته الهوهوية
في الوجود لا يتصور الوحدة في الوجود لا يبقى مجال للمغايرة المعتبرة
في صحة الحمل إلا المغايرة المفهومية إذا عرفت ذلك فاعلم أن المغايرة
المعتبرة في المفهوم في الحمل الشايع إنما هي بين الموضوع والمحمول إذا
عرفت ذلك فاعلم: أن المغايرة المعتبرة في المفهوم في الحمل الشايع إنما هي
165

بين الموضوع والمحمول المحكومين بالاتحاد في الوجود والمبدء بما هو
أجنبي عن الاتحاد والمغايرة فكما أن الاتحاد في الوجود لا يلاحظ بين المبدء
والذات كذلك المغايرة بين المفهومين لا تلاحظ بين المبدء والذات فالبحث عن
لزوم المغايرة بينهما فضلا عن دعوى الاتفاق على لزوم المغايرة أجنبي عن
مقتضيات الحمل بل المغائرة بين المبدء والموضوع مفهوما ومصداقا أمر اتفاقي
لا تدور صحة الحمل مدارها فإذا كان الحمل بين الوجود والموجود والسواد
والأسود ونحوهما فلا مغايرة مفهوما بين الموضوع ومبدء المحمول مع ثبوت
المغايرة المفهومية بين المحمول والموضوع.
وأما ما عن شيخنا الأستاد في فوائده (1) من أن الوجود أن حمل على الوجود
المفهومي أي المعنى المصدري فلا يصح الحمل لعدم المغايرة مفهوما بين
الموضوع ومبدء المحمول، وإن حمل على الوجود العيني الطارد للعدم فلا
مفهوم في طرف الموضوع ليوافق مبدء المحمول ليمنع عن الحمل بل المغايرة
ثابتة بين العيني ومفهوم المبدء بالحقيقة فمما لا يصل إليه فكري القاصر لأن عدم
صحة حمل الموجود على الوجود المفهومي ليس لأجل عدم المغايرة مفهوما
بل لعدم الاتحاد مفهوما بين الموضوع ونفس المحمول إن كان الحمل ذاتيا
ولعدم الاتحاد وجودا بينهما إن كان الحمل شايعا، وأما صحة الحمل على
الوجود العيني فليست من أجل كون الموضوع هو الوجود العيني بما هو وإلا لما
انعقدت قضية حملية بل بتوسط مفهوم الوجود الفاني في مطابقة فعاد عدم
المغايرة المفهومية بين مفهوم الموضوع ومبدء المحمول فالوجه في صحة
الحمل ما ذكرنا. وإذا كان الحمل بين الماهية والموجود والجسم والأسود كانت
المغايرة المفهومية بين الموضوع ومبدء المحمول ثابتة قهرا إلا أن المعتبر من
المغايرة غير هذه، وكذلك الأمر في المغايرة مصداقا بين الموضوع ومبدء
المحمول فان المحمول إن كان منتزعا عن نفسه مرتبة ذات الموضوع فلا محالة

1 - فوائد الأصول للآخوند - ره - صححه وعلق عليه السيد مهدي شمس الدين ص 77.
166

مبدئه كذلك إذ المفروض أن وضع ذات الموضوع من غير ملاحظة أمر خارج
عن ذاته كاف في صدق المحمول هذا لا يعقل إلا مع تحقق مبدئه في ذات
الموضوع وإلا لزم توقف صدق المحمول على قيام مبدئه به خارجا وهو خلف،
وبهذا الاعتبار الباري عن اسمه عالم وعلم، وإن كان المحمول منتزعا عن
الموضع بلحاظ امر خارج عن مرتبة ذات الموضوع كما في " زيد قائم " و " الجسم
أبيض " فالمبدء لا محالة مغاير مع ذي المبدء مصداقا هكذا ينبغي تحقيق المقام.
" كيفية قيام المبادئ بالذات "
قوله: التحقيق انه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولى الألباب في أنه
يعتبر في صدق المشتق الخ: لا يخفى عليك أن منشأ صدق المشتق
وحمله على شئ إما قيام مبدئه به بقيام انضمامي كما في صدق الأسود على
الجسم، وكما في صدق الكاتب والضارب فإنه مباديها أعراض قائمة بقيام
انضمامي لها صورة في الأعيان بما تجرى عليه أو قيامه به بقيام انتزاعي كما في
صدق الفوق على الشئ فان مبدئه وهي الفوقية لا صورة لها في الأعيان كي
تقوم بشئ على نحو الانضمام بل هي من حيثيات وجود شئ في الخارج
تنتزع عنه عند ملاحظة بما هو متحيث بها، أو تقرر حصة من المبدء في ذات
الموضوع على نحو الجزئية كما في تقرر حصة من الانسانية في ذات زيد
المتشخص بالوجود ولوازمه حيث أن نسبة الطبيعي إلى الافراد كنسبة الآباء لا
أب واحد إلى الأولاد أو اتحاد المبدء مع الموضوع في الوجود كما في حمل
الجنس على الفصل وبالعكس لاتحاد مبادئ الذاتيات في الوجود كما هو
التحقيق، أو اتحاد لمبدء مع الموضوع بحيث يكون المبدء هو نحو وجود
الموضوع لا كالمثال السابق، وهذا كما في " الانسان موجود " فان الماهية والوجود
متحدان في الوجود لكن الوجود نفس كون الماهية في الخارج أو عينية المبدء
167

لتمام ذات الموضوع عينا كما في صدق الأسود على السواد وصدق الموجود
على الوجود، إذ لو اتصف الجسم بواسطة أمر خارج عن ذاته بالأسود فالسواد
أولى بأن يصدق عليه الأسود لأن وجود أن الشئ لنفسه ضروري، وكذلك في
الوجود والموجود، ومن هذا الباب صدق الصفات الكمالية والنعوت الجلالية
والجمالية على ذاته الأقدس تعالى وتقدس فان مباديها عين ذاته المقدسة، وهذا
نحو من القيام بل هو أعلى مراتب القيام وإن لم يصدق عليه القسام في العرف
العام، ولا بأس به لعدم انحصار مناط الصدق في ما هو قيام في العرف العام،
وتفاوت الموارد في وجه الصدق لا يوجب تفاوتا في المفهوم كي يقال إن العرف
لا يراعى مثل هذه الأمور الدقيقة، فان العرف مرجع تشخيص المفاهيم
والمفروض عدم اختلافها باختلاف وجه تطبيقها على مصاديقها، مثلا العالم من
ينكشف لديه الشئ وما به الانكشاف، تارة عرض كما في علمنا بالأمور
الخارجة عن ذاتنا، وأخرى جوهر نفساني كما في علمنا بذاتنا فان مرجعه إلى
حضور ذاتنا لذاتنا وعدم غيبة ذاتنا عن ذاتنا، وثالثة جوهر عقلي كما في علم
العقل، ورابعة وجود واجبي لا جوهر ولا عرض كما في علمه تعالى وحقيقة
العلم في جميع الموارد بنحو من الحضور، وإن كان ما به الحضور في كل مورد
غير ما به الحضور في مورد أخر، فدعوى النقل أو التجوز في العالم وأشباهه من
الأسماء الحسنى والصفات العليا الجارية عليه تعالى تارة من جهة عدم المغايرة
بين المبدء وذيه، وأخرى من جهة عدم قيام مباديها بذاته المقدسة لعينيتها له
تعالى كما عن صاحب الفصول وصدقها عليه تعالى بمعنى أخر، دعوى بلا
شاهد وإحالة إلى المجهول بل كما قبل ونعم ما قبل يؤدى إلى الاتحاد والتعطيل
كما أشير إليه في المتن (1) وأوهن منه دعوى مرادفة الصفات كما نسب إلى بعض

1 - لا يخفى عليك أن ما افاده في المتن من لزوم الاتحاد أو التعطيل بناء على عدم الصدق عليه
تعالى بماله من المفهوم العام إنما يرد على صاحب الفصول إذا التزم بالنقل أو التجوز من حيث
مفهوم المادة كما هو المبحوث عنه في مسألة اشتراك الوجود معنى أو لفظا وأما إذا أراد النقل
والتجوز من حيث مدلول هيئة المشتق بما هو مشتق فلا يرد محذور الاتحاد والتعطيل ومن الواضح أن
محل الكلام هنا هو الثاني فمراده قده أن العالم في غيره تعالى بمعنى من تقوم به العلم وفيه تعالى من
يكون عينه العلم مع انحفاظ مفهوم واحد من حيث المادة ولابد من ذلك وإلا لورد عليه المحذور الذي
يفر منه صاحب الفصول فان ذلك المفهوم المجهول إن كان مبدئه عين الذات عاد محذور عدم القيام
المنافى لصدق المشتق وإن كان غير الذات وقائما بها لزم القول بعدم عينية العلم لذاته المقدسة فتدبر
فإنه حقيق به (منه) (خ).
168

أهل المعقول.
فان قلت: فكيف ينتزع مفاهيم متعددة عن مصداق واحد بلا جهة كثرة مع
أنه كانتزاع مفهوم واحد عن المتعدد بلا جهة وحدة في الاستحالة بل ادعى أنه
من الفطريات، ولا يعقل تكثر الجهات والحيثيات في ذاته الأحدية جلت ذاته
فان واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات فكما أنه تعالى
صرف الوجود كذلك صرف العلم وصرف القدرة وهكذا، ولذا قال أساطين
الحكمة: وجود كله وجوب كله، علم كله، قدرة كله لا أن منه ما هو علم، ومنه ما
هو قدرة.
قلت: المفاهيم وإن كانت مثار الكثرة والمغايرة إلا أنها قسمان: منها ما هي
متبائنة لا يعقل أن يكون مطابقها واحد كالعلة والمعلول مثلا، ومنها ما لا يأبى أن
يكون مطابقها واحدا بالوجود كالعلم والقدرة فان مفهومهما لا يقتضيان تغاير ما
تصدقان عليه بل المغايرة إنما تثبت من الخارج ففيما كان ذات الشئ بذاته
مطابقا ومصداقا للعلم والقدرة لا في مرتبة متأخرة عن ذاته، فلا محالة تكون
موجودة بوجود واحد بلا جهة وحيثية زائدة على حيثية الذات، وفيما إذا كان
الذات مصداقا لها في المرتبة المتأخرة من ذاتها فلا محالة تكون مطابق المبدء
الذي هو من المفاهيم الثبوتية موجودا آخر غير الذات، وأما تصور مطابقة بذات
169

واحدة لمفاهيم متعددة، ورجوع حقايق صفاته تعالى إلى حيثية ذاته المقدسة،
فهو وإن كان له مقام آخر لكنه لا بأس بالإشارة الاجمالية إليه تحقيقا لما حققناه
وتثبيتا لما ذكرناه.
" رجوع حقائق صفات الله إلى حيثية ذاته "
فنقول العلم حقيقة حضور شئ بشئ حتى في العلم الحصولي فان
حقيقته حضور الشئ بصورته المجردة عند النفس، ومن الواضح البديهي أن
ذاته تعالى حاضر لذاته، غير غائب عن ذاته كما في علم غيره تعالى بذاته،
والفرق أن علمه تعالى بذاته مناط علمه بمصنوعاته لا أنه مبدئها ومبدء الكل
ينال الكل من ذاته لا بصور زائدة على ذاته كما في غيره، ومن البديهي أن حضور
ذاته لذاته الذي هو ملاك حضور مصنوعاته ليس بأمر زائد على ذاته، كما في
غيره. ومن البديهي أن حضور ذاته لذاته الذي هو ملاك حضور مصنوعاته ليس
بأمر زائد على ذاته، فهو المعلوم بالذات وغيره معلوم بالعرض وإلى هذه المرتبة
أشير في قولهم عليهم السلام " عالم إذ لا معلوم (1) " وهكذا الإرادة فان معناها
العام هو الابتهاج والرضا، وصرف الوجود صرف الخير، والخير هو الملائم،
والموجب للابتهاج فذاته تعالى بذاته صرف الوجود فهو صرف الخير فيكون
صرف الرضا وصرف الابتهاج وكذا في سائر صفاته فإنها راجعة إلى حيثية
وجوده الواجبي جل ذكره وتمام الكلام في محله.
فما أشد سخافة ووهنا، قول من ينفى الصفات بحقائقها ويثبت له تعالى
آثارها ولم يتفطن بأن لازمه خلوه تعالى في مرتبة ذاته عن الصفات الكمالية
والنعوت الجلالية والجمالية، مع أنه بنفس ذاته المقدسة مبدء كل وجود وكل
كمال وجد ومنبع كل فيض وجود.

1 - منهم عن علي (ع) في النهج خطبة 63.
170

وأما ما عن أمير المؤمنين وسيد الموحدين عليه وعلى أولاده المعصومين
أفضل صلاة المصلين حيث قال عليه السلام " وكمال الاخلاص نفى الصفات
عنه (1) " فقد يوجه بان المراد نفى مفاهيمها وهذا لا اختصاص له بالواجب جل
ذكره إذ كل وجود حيثية ذاته حيثية الأباء عن العدم، والماهية من حيث هي لا
تأبى عن الوجود والعدم فلا يتطرق ما سنخه هكذا إلى ما سنخه كذلك وإلا لزم
الخلف والانقلاب. وقد يوجه بأن المراد نفى حقايقها على وجه المباينة مع
الذات كما في غيره تعالى إلا أنه يبعده أن نفى تعدد الواجب وإثبات وحدته أول
مراتب التوحيد والاخلاص فلا يناسب جعله من كمال الاخلاص، ولذا ربما
يقوى في النظر أن المراد هو الالغاء في مقام المشاهدة لا نفيها حقيقة عن الذات
فان أقصى مراتب شهود السالك المشاهد شهود الذات على وجه التجرد والتنزه
عن شهود تعينات الصفات وإن كان الصفات مشهودة في مقام شهود الذات،
ودون هذه المرتبة شهود الذات في مقام مشاهدة الصفات إلا أن بعد تلك الفقرة
الشريفة ما يعين الوجه الثاني حيث قال عليه السلام " لشهادة كل صفة أنها غير
الموصوف (2) " فالمراد بكمال الاخلاص هو الكمال الأول الذي ينتفى ذو الكمال
بانتفائه كما يقال: النفس كمال أول ويشهد له قوله عليه السلام في أول الخطبة
" أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به ".

1 - نهج البلاغة خطبة 1.
2 - نهج البلاغة خطبه 1.
171

" المقصد الأول في الأوامر "
قوله: أن عد بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم إلخ: لا
يخفى عليك أن عد بعضها من معانيه إنما يدخل تحت عنوان اشتباه المصداق
بالمفهوم (1) إذا كان اللفظ موضوعا للمصداق من حيث أنه مصداق للمعنى الذي
عدمن معانيه، مثلا اللفظ تارة يوضع للغرض بالحمل الأولى، وأخرى للغرض
بالحمل الشايع، وأما إذا كان معنى من المعاني مصداقا لمعنى آخر، ولم يلاحظ
مصداقية له في وضع لفظ له أصلا فليس من الخلط بين المفهوم والمصداق كما
هو كذلك في هذه المعاني المنقولة في المتن حيث لم تلاحظ مصداقية
الموضوع له لها قطعا، مضافا إلى أن الفعل الذي يتعلق به الفرض لما فيه من
الفائدة الملائمة للطبع ليس مصداقا للغرض بل مصداقه تلك الفائدة فليس
مدخول اللام دائما مصداقا للغرض.
ولعله قده أشار إليه بقوله " فافهم " بل ذكر بعضها في عداد معانيه غفلة واضحة
كما في جعل الأمر في قوله تعالى * (وما امر فرعون برشيد (2)) * تارة بمعنى
الفعل وأخرى بمعنى الشأن حيث أن الآية هكذا * (واتبعوا امر فرعون وما امر
فرعون برشيد) * ولا شك أن الأمر هنا بمعناه المعروف، وكما في جعل الأمر في

1 - هذا إذا كانت المعاني معاني حقيقية للأمر فإنه لابد من ملاحظة مصداقية المعنى للغرض وأما
إذا كانت أعم والغرض من شأنه تعداد موارد استعمال الأمر فالمستعمل فيه مصداق للغرض وإن يكن
بما هو مصداق له مستعملا فيه (منه) (خ).
2 - هود: 97.
172

قوله تعالى * (ولما جاء أمرنا (1) بمعنى الفعل العجيب فإنه لا موهم لمصداقية
للفعل العجيب بما هو عجيب فضلا عن الوضع لمفهومه أو لمصداقه، بل الأمر
هنا بمعناه المعروف حيث أن العذاب لمكان تعلق الإرادة التكوينية به، وكونه
قضاء حتميا يطلق عليه الأمر كما أنه في جميع موارد إنزال العذاب عبر عنه به
لهذه النكتة، ولو مثل لمصداق العجيب بقوله تعالى * (أن هذا لشئ عجيب
قالوا أتعجبين من امر الله (2)) * لكان أولى، مع أن الأمر هنا أيضا بمعناه المعروف
لمكان تعلق الأمر التكويني به فهو مصدر بمعنى المفعول.
" في معنى مادة الأمر "
قوله: قده ولا يبعد كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشئ
الخ:
كونه حقيقة في هذين الأمرين وإن كان مختار جملة من المحققين على ما حكى
إلا أن استعمال الأمر في الشئ مطلقا لا يخلو عن شئ إذا لشئ يطلق على
الأعيان والأفعال، مع أن الأمر لا يحسن إطلاقه على العين الخارجية فلا يقال
رأيت أمرا عجيبا إذا رأى فرسا عجيبا، ولكن يحسن ذلك إذا رأى فعلا عجيبا من
الأفعال ولم أقف على مورد يتعين فيه إرادة الشئ حتى مثل قوله تعالى * (الا
إلى الله تصير الأمور (3) لا مكان إرادة المصنوعات فان الموجودات كلها
باعتبار صنعه وفعله تعالى، وكذلك قوله تعالى * (باذن ربهم من كل أمر (4)) *
فإنه لا يتعين فيه إرادة كل شئ بل كل ما تعلقت به إرادة التكوينية والتشريعية،

1 - هود: 40.
2 - هود: 73.
3 - الشورى: 53.
4 - القدر: 4.
173

وبالجملة النازل على ولى الأمر في ليلة القدر دفتر قضاء الله التكويني والتشريعي
وأوضح من ذلك قوله تعالى * (قل الروح من أمر ربى (1)) * وقوله تعالى * (
الخلق والأمر (2)) * فان المراد من الأمر معناه المعروف لأن عالم الأمر هو العالم
الموجود بلا مادة ولا مدة بل بمجرد توجه الإرادة التكوينية المعبر عنها بكلمة
[كن] مع أنه لا يستقيم إرادة الشئ في مثل أمر فلان مستقيم.
نعم لو كان الشئ منحصرا مفهوما في المعنى المصدري لشاء يشاء، وكان
إطلاقه على الأعيان الخارجية باعتبار أنها مشيئات وجوداتها فالمصدر مبنى
للمفعول لما كان إشكال في مساوقته مفهوما لمفهوم الأمر كما ربما يراه أهل
المعقول لكن الشئ بهذا المعنى لم يكن في قبال الطلب حينئذ وأما جعل الأمر
بمعنى الفعل حتى يستقيم في جميع موارد إطلاقه الذي لا يتعين فيه إرادة
الطلب حتى في مثل أمر فلان مستقيم.
فتوضيح الحال: فيه أن الموضوع له إما مفهوم الفعل أي ما هو بالحمل
الأولى فعل، أو مصداقه وما هو بالحمل الشايع فعل، لا شبهة في عدم الوضع
بإزاء مفهومه، وإلا لزم مرادفته واشتقاقه بهذا المعنى حتى يكون معنى أمر يأمر
وفعل يفعل سواء، والوضع بإزاء مصاديقه من الأكل والشرب والقيام والقعود
وغيرها بلا جهة جامعة تكون هي الموضوع لها حقيقة، سخيف جدا. والجهة
الجامعة بين مصاديق الفعل بما هو فعل ليس إلا حيثية الفعلية فان المعاني القابل
لورود النسب عليها تارة من قبيل الصفات القائمة بشئ وأخرى من قبيل
الأفعال قابلا لتعلق الإرادة به دون ما كان من قبيل الصفات كالسواد والبياض في
الأجسام وكالملكات والأحوال في النفوس، فيرجع الأمر في الأمر بالآخرة إلى
معنى واحد وأن إطلاقها على خصوص الافعال في قبال الصفات والأعيان
باعتبار مورديتها لتعلق الإرادة بها بخلاف الأعيان والصفات فإنها لا تكون معرضا

1 - الأسراء: 85.
2 - الأعراف: 54.
174

لذلك فالأمر يطلق بمعناه المصدري المبنى للمفعول على الأفعال كاطلاق
المطلب والمطالب على الأفعال الواقعة في معرض الطلب كما يقال " رأيت اليوم
مطلبا عجيبا " ويراد منه فعل عجيب كذلك في " رأيت اليوم أمرا عجيبا " والغرض
أن نفس موردية الفعل ومعرضيته لتعلق الطلب والإرادة به يصحح إطلاق
المطلب والمقصد والأمر، وإن لم يكن هناك قصد ولا طلب متعلق به
وأما إشكال اختلاف الجمع حيث أن الأمر بمعنى الطلب المخصوص يجمع
على الأوامر، وبمعنى آخر على الأمور.
فيمكن دفعه بأن الأمر حيث يطلق على الأفعال لا يلاحظ فيه تعلق الطلب
تكوينا أو تشريعا فعلا بل من حيث قبول المحل له فكان المستعمل فيه متمحض
في معناه الأصلي الطبيعي الجامد، والأصل فيه حينئذ أن يجمع الأمر على أمور
كما هو الغالب فيما هو على هذه الزنة، وحيث أنه ليس في البحث والفحص عن
تحقيق حال الأمر من هذه الجهة كثير فائدة فالأولى الاقتصار على هذا المقدار.
قوله وأما بحسب الاصطلاح فقد الخ: الظاهر كما هو صريح جماعة من
المصنفين أن هذا المعنى من المعاني اللغوية والعرفية ودون الاصطلاحية بمعنى
أن من أثبته جعله منها، ولو كان الكلام في مجرد ثبوت الاصطلاح لكفى فيه نقل
بعض مهرة الفن في ثبوته، ولم تكن حاجة إلى نقل الاجماع على أنه حقيقة فيه.
ونعم الظاهر أن ما هو أحد المعاني اللغوية إما الطلب المخصوص والطلب
القولي لا أن كليهما من معانيه وإن كان ذلك ظاهر بعضهم بل صريح.
قوله ولا يخفى انه عليه لا يمكن الاشتقاق منه فان معناه حينئذ لا
يكون معنى حديثا الخ: فيكون كما في الفصول وغيره نظير الفعل والأسم
والحرف في الدلالة على ألفاظ خاصة لها معان مخصوصة.
والتحقيق أن الاشتقاق المعنوي كما أشرنا إليه في أوائل مبحث المشتق
عبارة عن قبول المبدء للنسبة وذلك لا يكون عقلا إلا في ماله نحو من أنحاء القيام
بشئ قيام العرض بموضوعه أو غير ذلك، والفرق بين المعنى الجامد والمعنى
175

الاشتقاقي أن المعنى إذا كان قابلا للحاظ نسبته إلى شئ بذاته كان معنى
اشتقاقيا وإلا كان جامدا فحينئذ نقول أن وجه الأشكال إن كان فتوهم أن
الموضوع له لفظ لا معنى فضلا مع أن يكون حديثا. ففيه أن طبيعة الكيف
المسموع بأنواعه وأصنافه كساير الطبايع قابلة للحكاية عنها بلفظ كما في اللفظ
والقول والكلام، فان مفاهيمها ومداليها ليست إلا الألفاظ وكون اللفظ وجودا
لفظيا لطبيعة الكيف المسموع بأنواعه وأصنافه في غاية المعقولية فان طبيعي
الكيف المسموع كغيره له نحوان من الوجود العيني والذهني، فلا يتوهم عدم
تعقل سببية لفظ في وجود لفظ آخر في الخارج، وإن كان وجه الإشكال ما هو
المعروف من عدم كونه حدثيا. ففيه أن لفظ [اضرب] صنف من أصناف طبيعة
الكيف المسموع، وهو من الاغماض القائمة بالمتلفظ به فقد يلاحظ نفسه من
دون لحاظ قيامه وصدوره عن الغير فهو المبدء الحقيقي الساري في جميع
مراتب الاشتقاق، وقد يلاحظ قيامه فقط فهو المعنى المصدري المشتمل على
نسبة ناقصة، وقد يلاحظ قيامه وصدوره في الزمان الماضي فهو المعنى
الماضوي، وقد يلاحظ صدوره في الحال أو الاستقبال فهو المعنى المضارعي،
وهكذا فليس هيئة [اضرب] مثلا كالأعيان الخارجية والأمور الغير القائمة بشئ
حتى لا يمكن لحاظ قيامه فقط، أو في أحد الأزمنة وعليه فالأمر موضوع لنفس
الصيغة الدالة على الطلب مثلا، أو للصيغة القائمة بالشخص، وأمر موضوع
للصيغة الملحوظة من حيث الصدور في المضي، ويأمر للصيغة الملحوظة من
حيث الصدور في الحال أو الاستقبال.
قوله نعم القول المخصوص أي صيغة الامر إذا أراد الخ: ينبغي
التكلم في أن الأمر هل هو مطلق الطلب أو الطلب المنشأ مطلقا أو بخصوص
القول والظاهر من الإطلاقات العرفية أنه لا يقال لمن أراد قلبا أنه أمر بل يقال أراد
ولم يأمر بالمراد بل سيجئ انشاء الله تعالى ما لا يبقى معه مجال لصدق الأمر
بلا دال، كما أن الظاهر صدق الأمر على الطلب المدلول عليه بدال وإن لم يكن
176

بخصوص القول، لصدقه عرفا على البعث بالإشارة والكتابة عرفا، ولا يتوهم أن
صدقه على البعث بهما من جهة الكشف عن الطلب القولي، وذلك لأن الإشارة
إنما هي إلى المعاني خصوصا فمن لا يعرف أن في دار الوجود ألفاظا فتوسط
نقش اللفظ للدلالة على الطلب لا يجعل الطلب قوليا، والإجماعات المحكية
على وضع الأمر للطلب القولي مع مصادمتها بتعريف كثير من القدماء للأمر
بصرف الطلب لا حججية فيها بعد مساعدة العرف على خلافه، مع أنه يمكن
إرادتهم لأشيع أفراد ما ينشأ به البعث مثلا، فأما قوله تعالى * (إنما أمره إذا أراد
شيئا أن يقول له كن فيكون (1)) * فلا دلالة على انحصار الدال في القول وإن كان
قوله تعالى أن يقول إلخ بيانا لأمره تعالى يوجه عدم الدلالة أن المراد بقوله [كن]
ليس هذه الصيغة الانشائية قطعا بل هذه هي المعبر عنها في كلمات أهل المعرفة
بالكلمة الوجودية. وفى خطبة أمير المؤمنين وسيد الموحدين عليه السلام إنما
" يقول لما أراد كونه: كن فيكون. لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه
فعله إلخ " (2) وسر التعبير عن أنحاء الوجودات بالكلمات هو أن الكلام ما يعرب
عن ما في الضمير، وهذه الموجودات معربة عما في الغيب المكنون، فظهر أن
فعله تعالى أمره باعتبار دلالته على تعلق إرادته به، وكذا في جميع موارد إنزال
العذب حيث عبر عنه بقوله تعالى جاء أمرنا في غير مورد فإنه بلحاظ دلالته
على تحتمه وتعلق الإرادة التكوينية به فافهم.
قوله كما لا يبعدان يكون كذلك في المعنى الأول إلخ: مع أنه قده لم
يستبعد أولا كونه حقيقة في الطلب والشئ.
والتحقيق بعد الاعتراف بالاستعمال في ما عدا الطلب أنه لابد من الالتزام
بالاشتراك اللفظي دون المعنوي، أو الحقيقة والمجاز لأن القابل للوضع
والاستعمال بلا اشتباه مما عدا الطلب هو الفعل والشئ دون بقية المعاني

1 - يس: 82.
2 - الخطبة: 186.
177

المبنية على ضرب من الاشتباه والاختلاط، ومن الواضح أن اللفظ لو كان حقيقة
في أحد المعنيين من الطلب وغيره، وكان في الآخر مجازا لما اختلف جمع الأمر
بأحد المعنيين من جمعه بمعنى آخر، كما هو المشاهد في سائر الحقائق
والمجازات، مع أن جمع الأمر بمعنى الطلب على الأوامر وجمعه بمعنى آخر
على الأمور، وهكذا الأمر لو كان الأمر موضوعا لجامع يجمع الطلب وغيره فان
عدم اختلاف الجمع بعدم اختلاف المصاديق أوضح حيث أن المستعمل فيه
مفهوم واحد أبدا فاختلاف الجمع ينفى الاشتراك المعنوي والحقيقة والمجاز،
مضافا إلى عدم العلاقة الصحيحة بين الطلب والفعل والشئ مع اختصاص
الاشتراك المعنوي بين الطلب والشئ باشكال آخر، وهو أن الأمر مما لا إشكال
إجمالا في إشتقاقه، والجامع بين ما يقبل الاشتقاق وما لا يقبله غير معقول إذا
لشئ بما هو غير قابل للقيام بشئ حتى يكون قابلا لطرو النسب عليه بذاته أو
في ضمن معنى جامع، ولا يجرى هذا الأشكال في الفعل فإنه قابل للقيام مفهوما
أو مصداقا كما سمعت نظيره سابقا كما لا يجرى هذا الأشكال بناء على الحقيقة
والمجاز لأن لفظ الأمر قابل للاشتقاق اللفظي قطعا ومعناه المستعمل فيه أعني
الطلب قابلا للاشتقاق المعنوي وطرو أنحاء النسب عليه جزما وإن كان مجازيا.
نعم التحقيق أن الجامع بين جميع المعاني إن كان مفهوم الشئ إذ لا جامع
بينها أعم منه فهو مع أنه خلف لأن المفروض الوضع لما يعمه لا لنفسه لم يصح
التصريف والاشتقاق لعدم قبول الشئ للقيام بشئ، مع أن الأمر بمعناه
الحقيقي قابلا للاشتقاق لكنه لا دخل له بعدم معقولية الجامع بين المعنى
الحدثي والجامد بل نفس المعنى الجامع لا يقبل الاشتقاق بنفسه، وإن كان
الجامع مفهوما آخر فعدم معقولية بديهي إذ لا جامع أعم من مفهوم الشئ لكن
عدم قابلية بعض المصاديق للاشتقاق لا يدل على عدم قبول الجامع كما أن عدم
قبول الجامع لا يدل على عدم قبول بعض المصاديق كما في الوجود الشئ مثلا
فان الوجود جامع لجملة الماهيات الموجودة، وهو قابل للاشتقاق، ومصاديقه
178

متفاوتة، والشئ جامع لكل شئ وهو غير قابل للاشتقاق حيث لا قيام له
بشئ بخلاف مصاديقه فإنها مختلفة لكن الذي يسهل الخطب هو عدم القول
بمعنى آخر غير هذه المعاني المذكورة في الأمر، ولا أعم فيها من الشئ، ولو
بنى على الوضع لجامع يجمع الطلب وغيره لكان هو المتغير وحينئذ يرد عليه ما
عرفت فافهم واستقم.
قوله الظاهر اعتبار العلو في معنى الأمر فلا يكون الطلب من
السافل الخ: توضيحه أن الصيغة وما شابهها إذا سيقت لأجل البعث والتحريك
ينتزع منها عناوين مختلفة كل منها باعتبار خاص، ولحاظ مخصوص، فالبعث
بلحاظ أنه يوجهه بقوله نحو المقصود، والتحريك التسبيب بالصيغة مثلا إلى
الحركة نحو المراد، والإيجاب بلحاظ إثبات المقصود عليه، وإلا لزم بلحاظ جعله
لازما وقرينا بحيث لا ينفك عنه، والتكليف بلحاظ إحداث الكلفة وإيقاعه فيها،
والحكم بلحاظ إتقان المطلوب والطلب بلحاظ إرادته القلبية أو الكشف عنها
حقيقة أو إنشاء، وعنوان الامر بلحاظ كون البعث من العالي كما يشهد له مرادفه
بالفارسية فان معناه في الفارسية ما يعبر عنه (بفرمودن) ولذا لا يتكلم أحد من
أهل العلم في اقتضاء سائر العناوين للصدور عن العالي فالتحقيق كما يساعده
العرف والاستعمالات الصحيحة أن صدور البعث عن العالي مقوم لعنوان
الأمرية.
وليعلم أن هذا البحث لغوي لا أصولي إذ الكلام في البعث الصادر عن الشارع
وأما استحقاق العقاب على المخالفة فهو أثر الوجوب والتكلم فيه صحيح في
الأصول.
لا يقال: ليس مطلق الإيجاب موجبا لاستحقاق العقاب بل إذا كان من العالي
فهذا البحث مقدمة للبحث الآتي.
لأنا نقول: الأمر وإن كان كذلك إلا أن علو الباعث والطالب مفروغ عنه
فاعتباره في مفهوم الأمر وعدمه لا يكاد يفيد فائدة أصولية، ولعله لأجل هذا بنى
179

المحقق القمي - ره - على أن الاستعلاء المعتبر في الأمر هو الإيجاب، زاعما أن
الاستعلاء تغليظ القول في مقام البعث حيث لم يجد فائدة أصولية للبحث عن
إعتبار العلو والاستعلاء.
قوله: وتقبيح الطالب السافل من العالي الخ: الأولى في تقريبه أن يقال
يصدق الأمر على طلبه في مقام توبيخه بقولهم " أتأمر الأمير " مثلا، وإلا فنفس
التوبيخ والتقبيح في مرحلة تقوم الأمر بالصدور عن العالي أو المستعلى مستدرك
جدا، فيرجع حاصل التقريب إلى صدق الأمر، وإطلاقه على طلب المستعلى عن
العالي. والجواب حينئذ أن الإطلاق بعناية جعل نفسه عاليا ادعاء فطلبه حينئذ
أمر ادعائي، لا أن إطلاق الأمر لمكان استعلائه إذ الاستعلاء هو إظهار العلو، وهو
حقيقي لا ادعائي، ومقوم عنوان الأمر هو العلو لا الاستعلاء، وأما بيان وجه
التوبيخ فمستدرك كأصله فتدبر.
" في اتحاد الطلب والإرادة "
قوله ألحق كما عليه أهله وفاقا للمعتزلة وخلافا للأشاعرة هو
اتحاد الطلب والإرادة إلخ: ينبغي أولا تحقيق أن المسألة على أي وجه
عقلية، وعلى أي وجه أصولية، وعلى أي وجه لغوية.
فنقول: إن كان النزاع في ثبوت صفة نفسانية أو فعل نفساني في قبال الإرادة
عند الأمر بشئ، كانت المسألة عقلية وسنبين إنشاء الله تعالى ما عندنا امتناعا
وامكانا، وإن كان النزاع في أن مدلول هل الأمر هو الإرادة والطلب متحد معها أو
منطبق على الكاشف عنها أولا كي يكون الصيغة كاشفة عن الإرادة عند الإمامية
والمعتزلة وكاشفة عن الطلب المغاير لها فلا يترتب عليها ما يترتب على إحراز
إرادة المولى كانت المسألة أصولية وسيجيئ توضيحه انشاء الله تعالى، وإن كان
النزاع في مجرد مرادفة لفظ الطلب مع لفظ الإرادة من دون نظر إلى ثبوت صيغه
180

نفسانية، أو إلى مدلول الصيغة وشبهها، كانت المسألة لغوية فلا ربط لها بالأصول
ولا بالكلام.
لا يقال: الكلام في مرادفتهما ليس من جهة تشخص المفهوم بل من جهة أنه
لو ثبت وحدة المعنى كشف كشفا قطعيا عن أن المصداق واحد، بداهة استحالة
انتزاع الواحد عن المتعدد فيطيل الكلام النفسي ولو ثبت تعدد المفهوم كشف
عن تعدد المصداق فيصح دعوى الكلام النفسي.
لأنا نقول: ليس لازم الالتزام بعدم المرادفة تعدد المصداق في مرتبة النفس
لأحتمال أن يكون مفهوم الطلب كما سيجيئ إنشاء الله تعالى أمرا منتزعا عن
قول أو فعل مظهر للإرادة.
إذا عرفت ذلك فأعلم: أن الأظهر كما يستفاد من تتبع كلمات الباحثين عن
المسألة في بدو الأمر أن النزاع في هذه المسألة نشأ من النزاع في الكلام النفسي
حيث استدل الأشاعرة بأن الأمر الامتحاني ونظائره مدلولها الطلب دون الإرادة
فيعلم أن ما عدا الإرادة والكراهة في الأمر والنهى معقول، والسر في دعواهم
ذلك، والالتزام بالكلام النفسي تصحيح متكلميته تعالى (1)، في قبال سائر
الصفات مع التحفظ على قدم الكلام إذا الالتزام بقدم الكلام اللفظي مع كونه
مؤلفا من أجزاء متدرجا متقضية متصرمة في الوجود غير معقول، ومن هنا تعرف
أن الالتزام بمغايرة الطلب والإرادة والالتزام بأن مدلول الصيغة غير الإرادة إذا لم
يلزم منه ثبوت صفة أخرى في النفس غير ضائر، وان التفرد في أحد الأمرين لا
يوجب الاستيحاش ولا موافقة الأشاعرة فيما دعاهم إلى دعوى المغايرة.
فنقول: إن كان النزاع في إمكان صفة أخرى أو فعل آخر في مرتبة النفس في

1 - قد مر منا إن الكلام الذي هو من صفات الأفعال كما ورد في رواياتها هو عين الإحداث
والإيجاد وأما جعله من صفات الذات كما في كلمات أهل المعرفة فهو باعتبار أن وجوده تعالى معرب
عن مقام ذاته المقدسة وأن صفاته وأسمائه معربة عن كمالاته المندمجة في مقام ذاته كما أن للوجودات
التي هي مظاهر أسمائه وصفاته كلمات وجودية معربة عن حقايق أسمائه وصفاته تعالى (منه) (خ).
181

قبال الإرادة فالحق إمكانه لكنه لا يكون كلاما نفسيا مدلولا عليه بالكلام اللفظي
فالدعوى مركبة من أمرين: أحدهما مجرد إمكان أمر آخر غير الإرادة، وسائر
الصفات المشهورة، ثانيهما: امتناع مدلولية للكلام اللفظي.
أما الأول: فتحقيقه يتوقف على بيان وجه الامتناع على الأجمال وهو أن
الأجناس العالية للماهيات الإمكانية كما برهن عليه في محله منحصرة في
المقولات العشر أعني مقولة الجوهر والمقولات العرضية التسع والوجود
الحقيقي الذي حيثية ذاته حيثية طرد العدم منحصر في العيني والذهني، غاية
الأمر أن طرد العدم في كل منهما بحسب حظه ونصيبه قوة وضعفا، ومن الواضح
أن ما يقبل كلا الوجودين هي الماهيات حيث أنها في حدود ذواتها لا تأبى عن
الوجود والعدم، وأما الوجود الحقيقي فحيثية ذاته حيثية الآباء عن العدم فلا
يقبل وجودا آخر لا من سنخه ولا من غير سنخه وهو بمكان من الوضوح فالقائل
بالكلام النفسي إن كان يدعى أن سنخه إجمالا سنخ الماهيات (1) فالبرهان قائم
على انحصارها في المقولات العشر، فحاله حالها من حيث قبول الوجودين
فحينئذ يقال إن قيامه بالنفس إن كان بنفسه كالصفات النفسانية من العلم والإرادة
وغيرهما فهو من الكيفيات النفسانية، والبرهان قائم في محله على ضبطها
وحصرها، ومدلولية أحدها للكلام اللفظي كقولك [أعلم وأريد] على ثبوت
العلم والإرادة لا يجعلهما كلاما نفسيا، وإن كان قيامه بالنفس قيامه بصورته
قياما علميا فهو أمر مسلم بين الطرفين فهو من هذه الجهة داخل في مقولة العلم
والمفروض غيره.

1 - مع أن المقسم للنفسي واللفظي حيث أنه طبيعة الكلام وهو من الكيف المسموع فلا قيام له
بالنفس بنفسه بل قيامه علمي وإذا أريد من المقسم مدلول الكلام حيث أنه تارة يوجد في النفس و
أخرى بوجود اللفظ فمن الواضح أن المداليل مختلفة فتارة يكون من الأمور التي توجد في أفق النفس
كالكيفيات النفسانية وأخرى في خارج النفس كغيرها وعلى الأول هو إحدى الكيفيات النفسانية التي لا
كلام فيها وعلى الثاني لا قيام له بالنفس إلا بقيام علمي (منه (خ).
182

ومنه يظهر أن قيام الكلام اللفظي بالنفس قياما علميا لا دخل له بالكلام
النفسي لأن ماهية الكيف المسموع كماهية الكيف المبصر في أن لها نحوين
من الوجود، هذا إذا كان القائل بالكلام النفسي يدعى أن سنخه سنخ الماهيات
وإن كان يدعى أن سنخه سنخ الوجود فهو على التحقيق المحقق عند أهله في
محله معقول وإن لم يتفطن له الأشعري إلا أن مدلوليته للكلام اللفظي غير
معقول.
أما أصل معقوليته فالوجدان الصحيح شاهد على ذلك كما في إيقاع النسبة
الملازم للتصديق المقابل للتصور، فان صورة [إن هذا ذاك] مطابقان لما في
الخارج، وناظرا إليه تصديق داخل في العلوم الانفعالية لانتعال النفس، وتكيفها
بالصورة المنتزعة من الخارج، ونفس [هذا ذاك] من دون نظر إلى صورة مطابقة له
في الخارج من موجودات عالم النفس ونسبة النفس إليه بالتأثير والايجاد لا
بتكيف والانفعال وحقيقته وجود نوري قائم بالنفس قياما صدوريا، وهو المراد
بالعلم الفعلي في قبال أفعالي، ومنه الأحاديث النفسانية فان الوجدان أصدق
شاهد على أن نسبة النفس إليها بالايجاد والتأثير، ونفس وجودها الحقيقي عين
حضورها للنفس، بل هذا حال كل معلول بالنسبة إلى علته حيث أن وجوده عن
إرتباط به، وهو أفضل ضروب العلم إذ ليس العلم إلا حضور الشئ، وأي حضور
أقوى من هذه الحضور. فتوهم انحصار موجودات عالم النفس في الكيفيات
النفسانية بلا وجه بل التحقيق أن نسبة النفس إلى علومه مطلقا نسبة الخلق
والايجاد.
قال: أمير المؤمنين عليه السلام " كلما ميز تموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو
مخلوق لكم مردود إليكم (1) وإلى ما ذكرنا في تحقيق هذا الوجود النوري الخارج

1 - بحار الأنوار طبعة بيروت المجلد 66 الصفحة 293. منقول عن الإمام أبى جعفر بن محمد بن علي
الباقر (ع) مع اختلاف العبارة " كلما ميز تموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم
مردود إليكم " ولم أجد هذه الرواية منقولا عن أمير المؤمنين (ع).
183

من الكيفيات النفسانية حيث أنها ماهيات موجودة، وهذا حقيقة الوجود أشار
بعض أكابر فن المعقول (1) في غالب كتبه وصرح به في رسالته المعمولة في
التصور والتصديق.
وإما استحالة مدلوليته للكلام اللفظي، فلأن المدلولية للكلام ليس إلا كون
اللفظ واسطة للانتقال من سماعة إليه وهذا شأن الماهية والوجود الحقيقي عينيا
كان أو نوريا إدراكيا غير قابل للحصول في المدارك الادراكية لما عرفت سابقا فلا
يعقل الوضع له ولا الانتقال باللفظ إليه إلا بالوجه والعنوان، ومفروض الأشعري
مدلوليته بنفسه للكلام اللفظي لا بوجهه وعنوانه.
هذا كله إذا كان الكلام على وجه يناسب علم الكلام وإن كان النزاع في مدلول
الصيغة كما هو المناسب لعلم الأصول.
فالتحقيق أن مدلول صيغة إفعل وأشباهها ليس الطلب الانشائي ولا الإرادة
الانشائية بل البعث المأخوذ على نحو المعنى الحر في والمفهوم الأدوى كما
أشرنا إليه في أوائل التعليقة وسيجيئ انشاء الله تعالى عما قريب. والبعث
الموجود بوجوده الانشائي ليس من الطلب والإرادة في شئ ولا يوجب القول
به إثبات صفة نفسانية أو فعل نفسانية يكون مدلولا للكلام اللفظي إلا بتوهم أن
الانشاء إيجاد أمر في النفس وسيجيئ تحقيق نحو وجود الأمر الانشائي إنشاء
الله تعالى، وأما أن مدلول الصيغ هو البعث تقريبا دون الإرادة والانشائية فيشهد له
الوجدان (2) فان المريد لفعل الغير كما أنه قد يحركه ويحمله عليه تحريكا حقيقيا

1 - صد المتألهين، له رسالة في التصور والتصديق الذي طبع في حاشية جوهر النضيد للعلامة الحلي
- ره - إن شئت فراجع.
2 - فان الإنسان بعد اشتياقه بفعل الغير الذي هو تحت اختياره تقوم بصدد تحصيله منه أما بالبعث
إليه أو بإيجاد الداعي له ونحوهما فيناسبه وضع الهيئة لمثل هذه الأمور حتى تكون الهيئة بعثا تنزيليا أو
جعلا للداعي تنزيلا وأما إنشاء الإرادة مع تحقق نفس الإرادة فهو أجنبي عن ذلك لان وجودها الواقعي
حاصل ومع ذلك يحتاج إلى توسط أمر آخر فكيف يتوسط بينها وبين المراد إنشاء مفهوم الإرادة
فتدبر فإنه حقيق به (منه) (خ).
184

وحملا واقعيا فيكون المراد ملحوظا بالاستقلال والتحريك الذي هو آلة إيجاده
خارجا ملحوظا بالتبع، كك قد ينزل هيئة إضرب منزلة التحريك الملحوظ بالتبع
فيكون تحريكا تنزيليا يقصد باللفظ ثبوته، ولذا لو لم يكن هناك لفظ لحركه خارجا
بيده نحو مراده، لا أنه يظهر إرادته القلبية، مع أن تحقيق هذا الأمر ليس فيه فائدة
أصولية إذ مدلول الصيغة على أي حال أمر إنشائي لا إرادة نفسية بل اللازم
والنافع هو البحث عن أن الصيغة ولو عند الإطلاق هل يكشف عن إرادة قلبية
باعثة للبعث الانشائي، أو الإرادة الانشائية، أو الطلب الانشائي أم لا؟ وهذا
المعنى لا يتوقف إثباتا ونفيا على كون مدلول الصيغة أي شئ.
نعم البحث الكلامي على الوجه المتقدم ينفع للطرفين إثباتا ونفيا وإن كان
النزاع في مجرد اتحاد الإرادة مع الطلب مفهوما ومصداقا وإنشاء، فمن الواضح
أن البحث حينئذ لغوي وتحقيق الحال فيه أن الظاهر من أهل اللغة تقاربهما معنى
ولا يختص الطلب بالإرادة من الغير كما يشهد له قولهم " فلان طالب الدنيا " أو
" طالب المال " إلا أن الظنون قويا أن الطلب عنوان لمظهر الإرادة قولا أو فعلا فلا
يقال لمن إرادة بقول أو فعل كما يظهر من قولهم " طلبت زيدا فما وجدته " فإنه هنا
عنوان لفعله الخارجي، وليس المراد منه أنه أراده قلبا، بل التحقيق ذلك وإن لم
يكن له إرادة نفسانية كما يتضح من قولهم " أطلب لي من فلان شئت " وكذلك
قولهم " طالبته بكذا " فان الأول ليس أمرا بالإرادة من الغير بل هو أمر بما يعنون
بعنوان الطلب من قول أو فعل، والثاني ليس إخبارا بالإرادة منه بل بما يعنون
بعنوان المطالبة في الخارج فالمادة من المثالين نفس حقيقة الطلب لا الانشائي
من حتى يقال بأنه من جهة الانصراف إليه.
والعجب أنه ذهب بعض الأعلام من مقاربي عصرنا (1) إلى أن الطلب عنوان
للكاشف عن الإرادة ومع ذلك جعل هذا قولا باتحاد الطلب والإرادة حيث لم

1 - المحقق الرشتي - قده - في بدايع الأفكار ص 207.
185

يلزم منه إثبات صفة في النفس وهو وإن كان وجيها من حيث أنه إلتزام بالمغايرة
مع عدم لزوم وما التزمت به الأشاعرة إلا أن ذلك أجنبي عن القول بالعينية
والاتحاد، كيف وصريح العلامة - ره (1) - في جملة من كتبه، وغيره في غيرها أن
الطلب الذي هو مدلول صيغ الأمر هي الإرادة، ولذا التزموا بأن الأمر في الإرادة
فيه صوري، وهذا دليل على أن مرادهم من العينية هي العينية مفهوما ومصداقا
وإنشاء، لا أن مدلول الأمر نفس الإرادة الخارجية وأنها عين الطلب حتى يقال بأنه
غير معقول وأن مرادهم مجرد عدم ثبوت صفة في النفس غير الإرادة من دون
نظر إلى أنها عين الطلب في الخارج وتتمة الكلام فيما بعد.
قوله: فيرجع النزاع لفظيا فافهم الخ: قد عرفت أن هذا البحث من تبعات
البحث عن الكلام النفسي وأن الأشاعرة يدعون ثبوت صفة أخرى في النفس في
قبال الإرادة، وسائر الصفات الأخر تصحيحا لكلامه تعالى حيث أرادوا إثبات
قدمه وقيامه بذاته تعالى فكيف يعقل الاكتفاء في المغايرة بالمغايرة بين الحقيقي
والانشائي إلا أن يقال أن الأشاعرة يزعمون أن الإنشاء إيجاد أمر في النفس فيصح
دعوى المغايرة وإثبات أمر آخر غير الإرادة قائما بالنفس، غاية الأمر أنهم أخطئوا
في حقيقة الانشاء فلا نزاع واقعا إلا في حقيقة الوجود الانشائي وهو غير هذا
النزاع.
قوله: لا يخفى أنه ليس غرض الأصحاب والمعتزلة الخ: قد مر غير
مرة أن الباعث على هذا البحث للأشاعرة تصحيح كلامه تعالى وجعله صفة
قائمة بذاته قديما بقدمه في قبال اللفظي، وإلا لم ينقسم الكلام إلى لفظي ونفسي
وكان الإتعاب في إثباته لغوا محضا لكن الأصحاب والمعتزلة لم يلزمهم في مقام

1 - جمال الدين أبى منصور حسن بن يوسف بن مطهر المشتهر بعلامة الحلي - ره - له تأليفات
في الفقه - والأصول - والحكمة - والكلام منه " أنوار الملكوت في شرح الياقوت " قال - ره - فيه
" والطلب الذي أثبتموه هو الإرادة نفسها " الصفحة 71 للطباعة دانشگاه تهران أيضا في معارج الأصول
ص 63 خلافا للأشعرية وجماعة من الفقهاء.
186

الرد على الأشاعرة إثبات أن الصفات النفسية والأمور القلبية إلا العلم والإرادة
والكراهة في مجموع القضايا الخبرية والانشائية المنحصر فيهما الكلام، وأما أن
مدلول الكلام ماذا، فهو أمر أخر، ولو قال منهم قائل بأن الإرادة مدلول الكلام فهو
باعتبار أن الإرادة الطبيعية المنحفظة في الموطنين من الذهن والعين إذا لوحظت
بنحو المعنى الحرفي والمفهوم الأدوى كما سيأتي إنشاء الله تعالى كان معنى
إنشائيا يقصد ثبوته باللفظ لا بمعنى آخر فتدبر.
قوله: أما الجمل الخبرية فهي دالة على ثبوت النسبة بين طرفيها
الخ: لا يخفى عليك أن المنقول عن الأشاعرة في كلمات بعضهم أن الكلام
النفسي المدلول عليه بالكلام اللفظي الخبري عبارة عن النسبة الموجودة بين
مفردين، ولذا ذهب بعض الأعلام من مقاربي عصرنا (1) إلى أن الإلتزام بالنسبة
الحكمية إلتزام بالكلام النفسي، وهو قده وإن أصاب في فهم المراد من كلمات
الأشاعرة، وأنهم يجعلون النسبة كلاما نفسيا لكنه لم يصب في الالتزام بكونه
كلاما نفسيا غير معقول، بل كان يجب عليه كشف مغالطتهم، وحل عقدتهم بما
نتلوه عليك، وهو أن المعنى كما أشرنا إليه سابقا تارة: يقوم بالنفس بنفسه على
حد قيام الكيفيات النفسانية بالنفس من العلم والإرادة وغيرهما، وأخرى: يقوم
بالنفس بصورته المجردة قياما علميا والنسبة المتصورة بين المحمول والموضوع
وهي كون [هذا ذاك] في الخارج تقوم بالنفس لا بنفسها بل بصورتها فهي
كالمعلومات الأخر من حيث أن قيامها قيام علمي لا كقيام العلم، والذي يجب
على الأشعري إثباته قيام شئ بالنفس بنفسه على حد قيام العلم والإرادة لا
على حد قيام المعلوم والمراد، فان هذا القيام لا يوجب ثبوت صفة أخرى
بالنفس حتى ينفع في إثبات الكلام القائم بذاته تعالى وراء علمه وإرادته وسائر
صفاته العليا.
نعم هنا أمر آخر له قيام بالنفس بنفسه وهو نحو من الوجود النوري القائم

1 - المحقق الرشتي في بدايعه ص 211.
187

بالنفس قيام المعلول بعلته، لا قيام العرض بموضوعه، وقد أشرنا إليه سابقا،
وهذا المعنى وإن لم يبلغ إليه نظر الأشعري إلا أنه لا يجدى للأشعري لأنه يجعله
مدلولا للكلام اللفظي وحقيقة الوجود كما عرفت لا يقبل المدلولية للكلام بنفسه
لأن المدلولية ليس إلا بحصوله في المدارك الادراكية والوجود كما عرفت لا يقبل
المدلولية للكلام بنفسه لأن المدلولية ليس إلا بحصوله في المدارك الادراكية،
والوجود لا يقبل وجودا آخر سواء كان العارض من سنخ المعروض أم لا فتدبر.
فان قلت: ثبوت القيام لزيد في الخارج وانكشافه في الذهن مما لا شك فيه
ولا ينبغي استناد الريب فيه إلى أحد من أهل العلم لكنه غير النسبة الحكمية بل
المراد منها هي النسبة التي حكم بها النفس فوجد في مرحلة النفس حكم
وإذعان بها غير انكشافها انكشافا تاما مستقرا وهذا هو الذي جعله بعض الأعلام
المتقدم (1) ذكره كلاما نفسيا، ونطقت الأشاعرة بكونه غير العلم والإرادة، ومثل
هذه النسبة الحكمية لو جعلت مدلولا للقضية الخبرية كان التزاما بالكلام النفسي
جزما.
قلت: التحقيق كما نص به بعض الأكابر (2) في رسالته المعمولة في التصور
والتصديق أن التصديق ليس مجرد انكشاف ثبوت القيام لزيد فإنه تصور محض،
بداهة أن ثبوت القيام لزيد قابل للتصور وليس هو إلا انكشافه بل التصديق هو
الانكشاف الملزوم لحكم النفس وإقرارها بثبوت القيام لزيد لما عرفت سابقا أن
صورة [هذا ذاك] ناظرا إلى الخارج ومنتزعا لهذه الصورة عن ذيها فيه علم
انفعالي من مقولة الكيف لانفعال النفس، وتكيفها بالصورة المنتزعة عن الخارج
ولكن نفس [هذا ذاك] عند النفس إقرار، وحكم، وتصديق، وإذعان من النفس،
وهذا علم فعلى، وهو ضرب من الوجود النوري القائم بالنفس قياما صدوريا
يكون نسبة النفس إليه بالتأثير والايجاد، ومنه مقولة الاعتقاد فان عقد القلب على

1 - المحقق الرشتي - ره -.
2 - صدر المتألهين. قد سبق منا شرح اجمالي للرسالة المذكورة في المتن.
188

شئ غير اليقين قال تعالى * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم (1)) * فالاقرار
والجحود النفسيان أمر معقول يشهد به الوجدان والالزام الالتزام بايمان الكفار
الموقنين بالتوحيد والنبوة أو جعل الأيمان الذي هو أكمل كمالات النفس مجرد
الإقرار باللسان.
وبالجملة: فالنسبة الحكمية وإن كانت كما ذكر إلا أن مدلول الكلام مطلقا
نفس الماهية والمعنى، فكما أن مدلول القيام طبيعي القيام الموجودة في
الموطنين كذلك مدلول الجملة بما هي جملة ثبوت القيام لزيد، وأن [هذا ذاك]
وأما أن هذا المعنى المستفاد من الجملة هل هو مورد للتصور المحض، أو
للتصديق الملازم للاقرار به فهو أمر آخر. وعلى أي حال فلا ربط له بنفس الإقرار
النفسي والكلام في النسبة المتعلق بها الإقرار الذي هو فعل من أفعال النفس، وما
نقول بدلالة الجملة عليه بنفسها أو بضميمة أمر آخر نفس النسبة وهي لها شؤون
من كونها متصورة ومرادة، ومتعلقا لاقرار النفس بها، وما يجدى الأشعري ويكون
التزاما بالكلام النفسي، كون الحكم والأقرار المزبور مدلولا للجملة وقد عرفت
استحالته.
وأما توهم أن النسبة المتصورة نسبة ناقصة لا يصح السكوت عليها، وأن
مدلول الجملة الخبرية هو الجزم بالنسبة أو التجزم بها فيما إذا كان الخبر شاكا، أو
معتقدا لخلافها فتوجد النفس صفة علم وجزم بالنسبة ويخبر عنها.
فمدفوع: بأن ثبوت القيام لزيد الذي هو مدلول الجملة ليس هو هذا المفهوم
الأسمى فإنه عنوان النسبة لا نفسها بل النسبة الحرفية التي هي معنون هذا
المفهوم وهو معنى يصح السكوت عليه في حد ذاته وهذا المعنى الذي يصح
السكوت عليه ربما يتصور بتصور طرفيه، وربما يجزم به فتمامية النسبة ونقصها
وإن لم تكن بلحاظ الخارج لأنها نحو واحد بل بحسب مدلوليتها للكلام فقد
يكون مدلولا بمقدار لا حالة منتظرة للسامع وقد لا يكون كذلك.

1 - النمل: 14.
189

نعم إذا كان بمقدار لا يصح السكوت عليه لا يقبل التصديق لا أن ما يصح
السكوت عليه يتقوم بالتصديق، ومنه تعلم أنه لا حاجة إلى التجزم الذي هو
بظاهره غير معقول إلا بالحمل على البناء على وقوع النسبة وهو فعل قلبي من
الكلام فيه وفى أمثاله، فتحقق من جميع ما ذكرنا أنا لا نساعد الأصحاب
والمعتزلة في عدم شئ آخر وراء العلم والإرادة ونحوهما بل نقول إن ما اقتضاه
البرهان والفحص انحصار الكيفيات النفسية التي هي من مقولة الماهية في ما ذكر
لا انحصار موجودات عالم النفس فيه كمالا نساعد الأشاعرة في كون مثل هذا
الأمر المغاير للعلم والإرادة مدلولا للكلام اللفظي لاستحالة حصول الوجود
الحقيقي في المدارك الادراكية فتدبره فإنه في كمال الغموض والدقة وإن
أوضحناه على حسب الوسع والطاقة.
قوله: وأما الصيغ الانشائية فهي على ما حققناه في بعض فوائدنا
موحدة لمعانيها في نفس الأمر الخ: بل التحقيق أن وجودها وجود معانيها
في نفس الأمر بيانه أن المراد من ثبوت المعنى باللفظ إما أن يراد ثبوته بعين
ثبوت اللفظ بحيث ينسب الثبوت إلى اللفظ بالذات وإلى المعنى بالعرض، وإما
أن يراد ثبوته منفصلا عن اللفظ بآلية اللفظ بحيث ينسب الثبوت إلى كل منهما
بالذات، لا مجال للثاني إذ الوجود المنسوب للماهيات بالذات لابد من أن يكون
في أحد الموطنين من الذهن والعين، ووجود المعنى بالذات في الخارج يتوقف
على حصول مطابقه في الخارج، أو مطابق ما ينتزع عنه، والواقع خلافه إذ لا
يوجد باللفظ موجدا آخر يكون مطابقا للمعنى أو مطابقا لمنشأ انتزاعه، ونسبة
الوجود بالذات إلى نفس المعنى مع عدم وجود مطابقة أو مطابق منشائه غير
معقول ووجوده في الذهن بتصوره لا بعلية اللفظ لوجوده الذهني والانتقال من
سماع الألفاظ إلى المعاني لمكان الملازمة الجعلية بين اللفظ والمعنى مع أن
ذلك ثابت في كل لفظ ومعنى ولا يختص بالانشائي فالمعقول من وجود المعنى
باللفظ هو الوجه الأول، وهو أن ينسب وجود واحد إلى اللفظ والمعنى بالذات
190

في الأول وبالعرض في الثاني، وهو المراد من قولهم إن الانشاء قول قصد به
ثبوت المعنى في نفس الأمر، وإنما قيدوه بنفس الأمر، مع أن وجود اللفظ في
الخارج وجود للمعنى فيه أيضا بالعرض تنبيها على أن اللفظ بواسطة العلقة
الوضعية وجود المعنى تنزيلا في جميع النشآت فكان المعنى ثابت في مرتبة
ذات اللفظ بحيث لا ينفك عنه في مرحلة من مراحل الوجود والمراد بنفس الأمر
حد ذات الشئ من باب وضع الظاهر موضع المضمر.
فان قلت: هذا الطلب جار في جميع الألفاظ بالنسبة إلى معانيها من دون
اختصاص بالانشائيات.
قلت: الفرق أن المتكلم قد يتعلق غرضه بالحكاية عن النسبة الواقعة في
موطنها باللفظ المنزل منزلتها، وقد يتعلق غرضها بايجاد نفس هذه النسبة
المتعلقة بالملكية، وهيئة بعث وجود تنزيلي لهذه النسبة الإيجادية القائمة
بالمتكلم والمتعلقة بالملكية فقد يقصد وجود تلك النسبة خارجا بوجودها
التنزيلي الجعلي اللفظي فليس وراء قصد الايجاد بالعرض وبالذات أمر آخر وهو
الانشاء، وقد يقصد زيادة على ثبوت المعنى تنزيلا الحكاية عن ثبوته في موطنه
أيضا، وهو الأخبار، وكذلك في صيغة إفعل وأشبهها، فإنه يقصد بقوله إضرب
ثبوت البعث الملحوظ نسبته بين المتكلم والمخاطب والمادة فيوجد البعث في
الخارج بوجوده الجعلي التنزيلي اللفظي فيترتب عليه إذا كان من أهله، وفى
محله ما يترتب على البعث الحقيقي الخارجي مثلا، وهذا الفرق بلحاظ المقابلة
بين المعاني الخبرية والانشائية فلا ينتقض باستعمال الألفاظ المفردة في معانيها
فإنها كالإنشائيات من حيث عدم النظر فيها إلا إلى ثبوتها خارجا ثبوتا لفظيا، غاية
الأمر أنها لا يصح السكوت عليها بخلاف المعاني الانشائية المقابلة للمعاني
الخبرية. وهذا أحسن ما يتصور في شرح حقيقة الانشاء وعليه بحمل ما أفاده
أستادنا العلامة لا على أنه نحو وجود آخر في قبال جميع الأنحاء المتقدمة فإنه
غير متصور.
191

ومما ذكرنا في تحقيق حقيقة الانشاء تعلم أن تقابل الانشاء والأخبار ليس
تقابل مفاد كان التامة ومفاد كان الناقصة نظرا إلى الانشاء إثبات المعنى في نفس
الأمر والإخبار ثبوت شئ لشئ تقريرا وحكاية، وذلك لأن طبع الانشاء كما
عرفت لا يزيد على وجود المعنى تنزيلا بوجوده اللفظي، وهو قدر جامع بين
جميع موارد الاستعمال فان القائل [بعت] اخبار أيضا يوجد معنى اللفظ
بوجوده العرضي اللفظي، والحكاية غير متقومة بالمستعمل فيه بل خارجة عنه
فهي من شؤون الاستعمال، بل الفرق أنهما متقابلان بتقابل العدم والملكة تارة،
وبتقابل السلب والايجاب أخرى، فمثل [بعت] وأشباهه من الجمل المشتركة
بين الانشاء والأخبار يتقابلان بتقابل العدم والملكة لأن المعنى الذي يوجد
بوجوده التنزيلي اللفظي قابل لأن يحكى به عن ثبوته في موطنه فعدم الحكاية و
التمحض فيما يقتضيه طبع الاستعمال عدم ملكة ومثل [إفعل] وأشباهه
المختصة بالإنشاء عرفا يتقابلان تقابل الإيجاب والسلب إذ المفروض أن البعث
الملحوظ نسبة بين أطرافها نظير البعث الخارجي غير البعث الملحوظ بعنوان
المادية في سائر الاستعمالات كما سمعت منا في أوائل التعليقة فمضمون صيغة
إضرب مثلا غير قابل لأن يحكى به عن ثبوت شئ في موطنه بل متمحض في
الانشائية وعدم الحكاية حينئذ من باب السلب المقابل للايجاب.
ومما ذكرنا ظهر أن إبداء الفرق بينهما بأن مفاد الانشاء يوجد ويحدث بعد أن
لم يكن، ومفاد الأخبار يحكى عما كان أو يكون، غير تام أيضا فان وجود المعنى
باللفظ وحدوثه به مشترك بين الإنشاء والاخبار وإنما يزيد الاخبار عليه المورد
القابل بجعله حاكيا ومرآة لثبوت المضمون في موطنه كما أنه اتضح من جميع ما
ذكرنا أن الانشاء لا دخل له بايجاد شئ في النفس وإن كان معقولا لكن إيجاده
خارجي بنحو التنزيل وبالعرض لا بالحقيقة وبالذات لأن إيجاده في النفس وإن
كان معقولا لكن إيجاده باللفظ غير معقول فلا يكون معنى إنشائيا.
وأما تخيل أن الكلام الانشائي موضوع لاظهار الإرادة إما طبعا أو ايجادا نظرا
192

إلى إمكان إيجاد القصد لفائدة فيه لا في المقصود كما في الإتمام المرتب على
قصد الإقامة حيث أنه أثر القصد لا الإقامة عشرا، ولو لم يقصد، ولا الإقامة بعد
القصد فإنه يتم ولو لم يقم بعده، وحينئذ فان كان هناك في النفس إرادة اللفظ
والأظهار باللفظ كما في كل لفظ ومعنى فليس هناك نسبة إنشائية، وإن كان نفس
إظهار الإرادة معناه فالهيئة حينئذ وجود لفظي لمفهوم إظهار الإرادة ولو فانيا في
معنونه، وهو ليس معنى يصح السكوت عليه إلا أن يرجع إلى الإرادة النسبية
الانشائية، وكون هذه الهيئة كاشفة عن إرادة جدية حتمية وضعا أو انصرافا
وإطلاقا معنى آخر لا دخل له بمدلول اللفظ استعمالا، وأما إيجاد القصد لفائدة
فيه فهو وإن كان ببعض الوجوه ممكنا لكنه لا بهذا النحو، والمثال المزبور لا
يجدى في تصحيحه لأن الإقامة القصدية أي المقومة لتقتصد إليها أيضا لفائدة
فيما يتعلق بها بحيث لولاها لما وجب الإتمام وفناء المقصود في الإقامة
الخارجية أيضا لازم وإلا أمكن إيجاد القصد مع العلم بعدم الإقامة خارجا.
قوله: وأما للدفع فهو أن استحالة التخلف إنما يكون في الإرادة
التكوينية إلخ: توضيحه: أن حقيقة إرادته تعالى مطلقا هو العلم بالصلاح فان
كان المعلوم ما هو صلاح بحسب النظام الكلى فنفس هذا العلم من دون حالة
منتظرة علة للتكوين فان المحل قابل يسئل بلسان استعداده الدخول في دارا
الوجود والمبدء تام الإفاضة لا بخل في ساحته المقدسة والوجود بما هو خير
محض فلا محالة يستحيل تخلف المراد عن هذه الأداة وإن كان المعلوم ما هو
صلاح بحسب بعض الأشخاص لا بحسب النظام التام فحيث أن مقتضى العناية
الربانية سوق الأشياء إلى كمالاتها، وإعلام المكلفين بصلاحهم وفسادهم، فهذا
العلم يقتضى تحريكهم إلى ما فيه الصلاح والرشاد وزجرهم عما فيه الفساد، فهذه
الإرادة متعلقة بالبعث والتشريع دون الخلق والتكوين، فلذا تكون علة للتشريع
دون التكوين فلم يلزم استحالة التخلف، ولا اجتماع الضدين، أو المتناقضين
وتفسير الإرادة بالعلم بالصلاح نظير تفسير السمع والبصر فيه تعالى بالعلم
193

بالمسموعات والمبصرات.
وتحقيق هذا المرام يستدعى طورا آخر من الكلام ربما لا يسعه بعض
الأفهام، ولا بأس بالإشارة إلى نبذة مما يتعلق بالمقام فنقول وبالله الاعتصام لا
ريب عند أهل النظر أن مفاهيم الصفات حسبما يقتضيه طبعها متفاوتة مخالفة لا
متوافقة مترادفة وإن كان مطابقها واحدا بالذات من جميع الجهات فكما أن
مفهوم العلم غير مفهوم الذات، وساير الصفات وإن كان مطابق مفهوم العلم
والعالم ذاته بذاته حيث أن حضور ذاته لذاته بوجدان ذاته لذاته، وعدم غيبة ذاته
عن ذاته، كذلك ينبغي أن يكون مفهوم الإرادة بناء على كونها من صفات الذات
كمفهوم العلم مبائنا مع الذات، ومفهوم العلم لا أن لفظ الإرادة معناه العلم
بالصلاح فان الرجوع الواجب هو الرجوع في المصداق لا رجوع مفهوم إلى
مفهوم، ومن البين أن مفهوم الإرادة كما هو مختار الأكابر من المحققين هو
الابتهاج والرضا وما يقاربهما مفهوما ويعبر عنه بالشوق الأكيد فينا، والسر في
التعبير عنها بالشوق فينا وبصرف الابتهاج والرضا فيه تعالى، إنا لمكان إمكاننا
ناقصون غير تامين في الفاعلية، وفاعليتنا لكل شئ بالقوة فذا نحتاج في
الخروج من القوة إلى الفعل إلى أمور زائدة على ذواتنا من تصور الفعل والتصديق
بفائدته، والشوق الأكيد المميلة جميعا للقوة الفاعلة المحركة للعضلات بخلاف
الواجب تعالى، فإنه لتقدسه عن شوائب الامكان، وجهات القوة، والنقصان فاعل
وجاعل بنفس ذاته العليمة المريدة وحيث أنه صرف الوجود، وصرف الوجود
صرف الخير فهو مبتهج بذاته أتم ابتهاج، وذاته مرضى لذاته ثم الرضا، وينبعث
من هذا الابتهاج الذاتي، وهي الإرادة الذاتية ابتهاج في مرحلة الفعل فان من
أحب شيئا أحب آثاره، وهذه المحبة الفعلية هي الإرادة في مرحلة الفعل، وهي
التي وردت الأخبار عن الأئمة الأطهار سلام الله عليهم بحدوثها لوضوح أن
المراد هي الإرادة التي هي غير المراد دون الإرادة الأزلية التي هي عين المراد،
حيث لا مراد في مرتبة ذاته إلا ذاته كمالا معلوم في مرتبة ذاته إلا ذاته، والوجه
194

في تعبير الحكماء عن الإرادة الذاتية بالعلم بنظام الخير وبالصلاح أنهم بصدد ما
به يكون الفعل اختيارا، وهو ليس العلم بلا رضا، وإلا كانت الرطوبة
الحاصلة بمجرد تصور الحموضة اختيارية، والسقوط عن حافظ دقيق العرض
بمجرد تصوره اختياريا، وكذلك ليس الرضا بلا علم وإلا كانت جميع الآثار
والمعاليل الموافقة لطبايع مؤثراتها وعللها اختيارية، بل الاختياري هو الفصل
الصادر عن شعور ورضا فمجرد الملائمة والرضا المستفادين من نظام الخير
والصلاح التام لا يوجب الاختيارية بل يجب إضافة العلم إليهما فما به يكون
الفعل اختياريا منه تعالى، هو العلم بنظام الخير لا أن الإرادة فيه تعالى بمعنى
العلم بناظم الخير وهذا الذي ذكرنا مع موافقته للبرهان مرموز في كلمات الأعيان
بل مصرح به في كلمات جملة من الأركان، وما توهم أن الإرادة بمعنى الجد وفيه
تعالى جد يناسب مقام ذات الواجب بل يناسب الممكن الذي يحصل له التردد
ويقتضيه حينئذ تصميم العزم واجماع الرأي.
ثم إن تقسيم الإرادة التكونية والتشريعية باعتبار تعلق الأولى بفعل المريد
بنفسه، وتعلق الثانية بفعل الغير أعني المراد منه. توضيحه: أن فعل الغير إذا كان
ذا فائدة عائدة إلى تشخص فينبعث من الشوق إلى تلك الفائدة شوق إلى فعل
الغير بملاحظة ترتب تلك الفائدة العائدة إليه وحيث أن فعل الغير بما هو فعل
اختياري له ليس بلا واسطة مقدورا للشخص بل تتبع البعث والتحريك إليه
لحصول الدواعي للغير فلا محالة ينبعث للشخص شوق إلى ما يوجب حصول
فعل الغير اختيارا وهو تحريكه إلى الفعل فالإرادة التشريعية ليست ما تعلق
بالتحريك والبعث فإنهما من أفعاله فلا مقابلة بين التشريعية والتكوينية التشريعية
هي الشوق المتعلق بفعل الغير اختيارا، وأما إذا لم يكن لفعل الغير فائدة عائدة
إلى الشخص فلا يعقل تعلق الشوق به بداهة أن الشوق النفساني لا يكون بلا داع.
نعم ربما يكون إيصال النفع إلى الغير بتحريكه أمرا، أو التماسا، أو دعاء ذا
فائدة عائدة إلى الشخص فينبعث الشوق إلى إيصال النفع بالبعث والتحريك ولا
195

وجه لحد مثله إرادة تشريعية فان متعلقها ايصال النفع إلى الغير بتحريكه وهو
فعله لا فعل الغير إذا عرفت ما تلونا عليك فاعلم أن حقيقة إرادته تبارك وتعالى
في مرتبة ذاته ابتهاج ذاته بذاته لما سمعت غير مرة أنه تعالى صرف الوجود
والوجود بما هو وجود خير محض فهو صرف الخير والخير هو الملائم اللذيذ
الموجب للابتهاج والرضا فهو صرف الرضا والابتهاج كما كان صرف العلم
والقدرة لا أن منه ما هو علم، ومنه ما هو قدرة، ومنه ما هو إرادة، فالمراد بالإرادة
الذاتية نفس ذاته المقدسة بالذات كما أن المعلوم في مرتبة ذاته بالذات نفس
ذاته، وكما أن غيره بنفس علمه بذاته بالعرض والتبع كذلك غيره محبوب
بالعرض والتبع بنفس محبة ذاته لذاته، وكما أن كل ما يوجد في دار الوجود له
نحو من الحضور في مرتبة الذات لا بالذات لا بمرادية أخرى بالعرض لا بالذات،
وإن كان لكل موجود معلومية أخرى، ومرادية أخرى في غير مرتبة الذات، ومن
ذلك كله يظهر للفطن العارف أن النظام التام الامكاني صادر على طبق النظام
الشريف الرباني، وهذا أحد الأسرار في عدم إمكان نظام أشرف من هذا النظام،
وحيث لم يقع الكفر من المؤمن والأيمان من الكافر كشف ذلك عن عدم تعلق
الإرادة الذاتية بهما وعدم دخولهما في النظام الشريف الرباني وإلا لوجدا في
النظام التام الامكاني.
نعم من جملة النظام التام الذي لا أتم منه نظام انزال الكتب وارسال الرسل
والتحريك إلى ما فيه صلاح العباد والزجر عما فيه الفساد فالمراد بالإرادة الذاتية
بالعرض لا بالذات هذه الأمور دون متعلقاتها فلا أثر للإرادة التشريعية في صفاته
الذاتية جلت ذاته وعلت صفاته لكنه لا بأس باطلاقها على البعث والزجر كما في
الخبر الشريف المروى في توحيد الصدوق - قده - بسنده عن أبي الحسن عليه
السلام قال (ع) " ان لله إرادتين ومشيتين، إرادة حتم، وإرادة عزم ينهى وهو يشاء
ويأمر وهو لا يشاء (1).

1 - أصول الكافي ج 1 ص 151 الحديث 4.
196

الخبر. وهو ظاهر في أن الإرادة التشريعية حقيقيتها الأمر والنهى وأن حقيقة
الإرادة والمشية هي الإرادة التكوينية.
ومما ذكرنا في المقدمة آنفا في الفرق بين الإرادة التكوينية والتشريعية تعرف
أنه لا مجال لانقداح الإرادة التشريعية في النفس النبوية، ولا في النفس الولوية
خصهما الله بألف تحية، وذلك لبداهة عدم فائدة عائدة من الفعل إليهما بل إلى
فاعله، وعود فائدة من قبل إيصال النفع إلى النبي أو الولي لا يوجب كون الإرادة
المعلقة بالبعث والزجر تشريعية لأنهما من أفعالهما الاختيارية المتوقفة على
الإرادة فهي تكوينية لا تشريعية (فتحصل من هذا البيان القويم البنيان) أن حقيقة
التكليف الجدي البعث إلى الفعل بداعي انبعاث المكلف أو الزجر عنه بداعي
الانزجار، وهذا المعنى لا يتوقف على إرادة نفس الفعل مطلقا بل فيما إذا رجع
فائدته إلى المزيد، ومن البين أن حقيقة التكليف الجدي بهذا المعنى موجود في
حق المؤمن، والكافر، والمطيع، والعاصي إذ ليس المراد من كون البعث بداعي
الانبعاث جعل البعث علة تامة للفعل، وإلا كان المكلف مجبورا لا مختارا بل
جعله بحيث يمكن أن يكون داعيا وباعثا للمكلف فلو خلا عن ما يقتضيه شهوته
وهواه كان ذلك التكليف باعثا فعلا فيخرج من حد الامكان إلى الوجود
وسيجيئ إنشاء الله تعالى ما يتعلق بالمقام في مستقبل الكلام.
قوله: قلت إنما يخرج بذلك عن الإختيار لو لم يكن الخ: توضيحه أن
إرادته تعالى لو كانت متعلقة بفعل العبد مطلقا إرادة أم لا لكان للجبري أن
يستكشف عدم تأثير قدرة العبد وإرادته في فعله، إذا لمفروض أنه واجب
الصدور أراده العبد أم لا، ففيما أراده العبد من باب الاتفاق يكونان معلولي علة
واحدة وهي الإرادة الأزلية والمشية الإلهية، وأما إن كانت متعلقة بفعله بماله من
المبادئ المصححة لاختيارية في حد ذاته من القدرة والإرادة والشعور علا طريق
للجبري إلى عدم تأثير قدرة العبد وإرادته إذ المفروض أن نفى الاختيار بمجرد
وجوب الصدور لمكان تعلق الإرادة الأزلية به، وبعد ما علم أن الإرادة لم يتعلق
197

بالفعل بما هو بل بمباديه الاختيارية أيضا فلا مجال لأن يقال بعده الاختيارية
لوجوب الصدور.
ومما ذكرنا يتضح فساد ما ربما يتوهمه الجاهل من أن مسبوقية الفعل بالإرادة
وجدانية فيرجع النزاع إلى أن العدلي يسمى هذا الفعل بالاختياري دون الجبري
فالفراغ من التسمية (وجه وضوح الفساد) أن كل سابق لا يجب أن يكون مؤثرا في
اللاحق فمجرد تسليم الطرفين بسبق الإرادة لا يرفع النزاع عن البين فلا تغفل.
وأما لا بدية صدور الفعل بالاختيار وانقلاب الأمر على الجبري فهو أجنبي عن
جواب هذا الأشكال بالخصوص، ولا يصح حمل اللابدية في المتن على اللا
بدية من حيث فرض توسط الإرادة، وذلك لأن لازم عدمه الخلف لا تخلف
المراد عن إرادته تعالى.
توضيحه أن الإشكال تارة في وجوب الفعل بإرادة الباري، وأخرى في
وجوب الفعل بإرادة الفاعل، وثالثة في وجوب نفس الإرادة. والأول ما توهمه
الأشعري وقد عرفت أن الفعل لم يتعلق به إرادة الباري بما هو هو بل به بمباديه
الاختيارية، والثاني: مندفع بأن وجوب الفعل بالإرادة تؤكد إراديته.
ودعوى لزوم بقاء الإرادة (1) على حال بحيث لو شاء فعل ولو لم يفعل،

1 - ربما يقال (القائل المحقق النائيني) لابد من عدم علية الإرادة بنحو لا ينفك عنها الفعل وإلا لم
تكن العضلات منقادة للنفس في حركاتها مع أن النفس تام التأثير وجدانا في العضلات ولا مزاحم لها في
سلطانها وتأثير النفس في عضلاتها هو اختيارها فالاختيار مرتبة أخي بعد الإرادة وهو مناط اختيارية
الأفعال وهو فعل النفس وعليتها وتأثيرها وحيث أنه عين الإختيار فلا يحتاج إلى أمر آخر يكون به
الإختيار فعلا اختياريا (وتوهم) كونه (أي الفعل) ممكنا وحادثا فيحتاج إلى علة تامة فيكون ترتبه عليها
ترتبا قهريا نظير ترتب الفعل على الإرادة قهرا.
مدفوع بالفرق بين الفعل الاختياري وغيره من الممكنات فان الفعل الاختياري لا يحتاج إلا إلى
فاعل مع وجود المرجحات لاختيارها من دون حاجة إلى علة تامة بخلاف ما عداه فإنه موقوف على
العلة التامة.
والجواب ان الإلتزام بالفعل النفساني المسمى بالاختيار أما لأجل تحقيق استناد حركة العضلات
إلى النفس حتى تكون النفس فاعلا ومؤثرا في العضلات بخلاف ما إذا استندت حركة العضلات إلى
صفة النفس وهي الإرادة فان المؤثر فيها هي تلك الصفة لا النفس، وأما لأجل أن الإرادة حيث أنها صفة
قهرية منتهية إلى الإرادة الأزلية توجب كون الفعل المترتب عليها قهريا غير اختياري فلابد من فرض فعل
نفساني هو عين الإختيار لئلا يلزم كون الفعل بواسطة تلك الصفة القهرية قهريا، فإن كان الأول ففيه أن
العلة الفاعلية لحركة العضلات هي النفس بواسطة اتحادها مع القوى والعلم والقدرة والإرادة مصححات
لفاعلية النفس وبها تكون النفس فاعلا بالفعل والفعل مستند إلى النفس وهي العلة الفاعلية دون شرائط
الفاعلية كما في غير المقام فان المقتضى يستند إلى المقتضى دون الشرائط وإن كان له ترتب على
المقتضى وشرائطه فمن هذه الحيثية لا حاجة إلى فعل نفساني يكون محققا للاستناد، وإن كان الثاني
ففيه أن هذا الأمر المسمى بالاختيار إن كان عين تأثير النفس في حركة العضلات وفاعليتها لها فلا محالة
لا مطابق له في النفس ليكون أمر أما وراء الإرادة إذ ما له مطابق بالذات ذات العلة والمعلول وذات
الفاعل والمفعول وحيثية العلية والتأثير والفاعلية انتزاعية ولا يعقل أن يكون لها مطابق، وإن كان أمرا
قائما بالنفس.
فنقول أن قيامه بها قيام الكيف بالمتكيف فحاله حال الإرادة من حيث كونه صفة نفسانية داخلة في
مقولة الكيف النفساني فكل ما هو محذور ترتب حركة العضلات على صفة الإرادة وارد على ترتب
الحركات على الصفة المسماة بالاختيار فإنها أيضا صفة تحصل في النفس بمباديها قهرا فالفعل المرتب
عليها كذلك، وإن كان قيامه بها قيام الفعل بالفاعل لا قيام الكيف بالمتكيف (ففيه أولا) أن النفس بما هي
مع قطع النظر عن قواها الباطنة والظاهرة لا فعل لها وفاعلية النفس لموجودات عالم النفس التي مرت
سابقا هو إيجادها النوري العقلاني في مرتبة القوة العاقلة أو الوجود الفرضي في مرتبة الواهمة أو
الوجود الخيالي في مرتبة المتخيلة كما أن استناد الأبصار والاسماع إليها أيضا بلحاظ أن هذه القوى
الظاهرة من درجات تنزل النفس إليها ومن الواضح أن الإيجاد النوري المناسب لإحدى القوى المذكورة
أجنبي عن الإختيار الذي جعل أمرا آخر مما لا بد منه في كل فعل اختياري (بداهة) أن النفس بعد
حصول الشوق الأكيد ليس لها الاهيجان بالقبض والبسط في مرتبة القوة العضلانية (ثانيا) أن هذه الفعل
لنفساني المسمى بالاختيار إذا حصل في النفس فان ترتب عليه حركة العضلات بحيث لا تنفك
الحركة عنه كان حال الحركة وهذا الفعل النفساني حال الفعل وصفة الإرادة فما المانع عن كون
الصفة علة تامة دون الفعل النفساني وكونه وجوبا بالاختيار مثل كونه وجوبا بالإرادة (وثالثا) أن الإختيار
الذي هو فعل نفساني إن كان لا ينفك عن الصفات الموجودة في النفس من العلم والقدرة والإرادة فيكون
فعلا قهريا لكون مباديه قهرية لا اختيارية وإن كان ينفك عنها وأن تلك الصفات مرجحات فهي بضميمة
النفس الموجودة في جميع الأحوال علة ناقصة ولا يوجد المعلول إلا بعلته التامة (وتوهم) الفرق بين
الفعل الاختياري وغيره من حيث كفاية وجود المرجح في الأول دون الثاني (من الغرائب) فإنه لا فرق
بين ممكن وممكن في الحاجة إلى العلة ولا فرق بين معلول ومعلول في الحاجة إلى العلة التامة فان
الإمكان مساوق للافتقار إلى العلة والمعلول إذا وجد له ما يكفي في وجود المعلول به كان علة تامة له
وإذا لم يكن كافيا في وجوده فوجود المعلول به خلف فتدبره فإنه حقيق به (ورابعا) أن الفعل المسمى
بالاختيار إن كان ملاكا لاختيارية الأفعال وإن ترتب الفعل على صفة الإرادة مانع عن استناد الفعل إلى
الفاعل لكان الأمر في الواجب تعالى كذلك فان الملاك عدم صدورها عن اختيارها لا انتهائه الصفة إلى
غيره مع أن هذا الفعل المسمى بالاختيار يستحيل أن يكون عين ذات الواجب فان الفعل يستحيل أن
يكون عين فاعله فلا محالة يكون قائما بذاته قيام الفعل بفاعله صدورا فان كان قديما بقدمه كان حال هذا
القائل حال الأشعري القائل بالصفات القديمة القائمة بذاته الزائدة عليها وان كان حادثا كان محله
الواجب فكان الواجب محلا للحوادث فيكون حاله حال الكرامية القائلين بحدوث الصفات ويستحيل
حدوثه وعدم قيامه بمحل فان سنخ الإختيار وليس كسنخ الافعال الصادرة عن اختيار من الجواهر
والاعراض حتى يكون موجودا قائما بنفسه أو قائما بموجود آخر بل الإختيار يقوم بالمختار لا بالفعل
الاختياري في ظرف وجوده وهو واضح. وأما وما ورد في باب المشية الفعلية التي هي عين الوجود
الإطلاقي المنبسط على الماهيات والمراد من الأشياء هي الموجودات المحدودة ومن البين أن الوجود
المنبسط الذي هو فعله الإطلاقي تعالى ما به موجودية الموجودات الخاصة وليس لما به الوجود ما به
الوجود وبالجملة فهذه المشية الفعلية عين الإحداث والإيجاد كالعلم الفعلي في قبال العلم الذاتي فافهم
جيدا. (منه).
198

فاسدة لأن الإرادة ما لم تبلغ حدا يستحيل تخلف المراد عنها لا يمكن وجود
الفعل لأن معناه صدور المعلول بلا علة تامة، وإذا بلغت ذلك الحد امتنع تخلفها
عنه، وإلا لزم تخلف المعلول عن علة التامة.
200

وأما الثالث: فبيانه أن الإرادة من الممكنات فلابد من استنادها إلى الإرادة
الواجبة بالذات فليس فعل العبد بإرادته حيث لا تكون إرادته بإرادته، وإلا
لتسلسلت الإرادات. وفيه أن الفعل الاختياري ما كان نفس الفعل بالإرادة (1) لا ما

1 - توضيح المقام وتنقيح المرام يبتنى على مقدمة هي أن الفاعل باعتبار ينقسم إلى ما منه الوجود
وإلى ما به الوجود والمراد بالأول من يفيض عنه الوجود وهو بذاته مفيد الوجود وهو منحصر في
واجب الوجود تعالى شأنه، والمراد بالثاني من يباشر الفعل الذي يفاض على الوجود ويكون مجرى
فيض الوجود فيمر فيض الوجود منه إلى غيره وهو منحصره في غيره تعالى لاباء صرافة وجوده عن
الاتحاد مع الممكنات ليكون مباشر الحركات ومعدا لجميع المستعدات. وينقسم الفاعل باعتبار آخر إلى
الفاعل بالطبع، وإلى الفاعل بالقسر، وإلا الفاعل بالاختيار: والمراد بالأول ما يكون الفعل باقتضاء طبيعته
وذاته من دون شعور وإرادة كما في الاحراق من النار، والمراد بالثاني ما يكون الفاعل بالإضافة إلى الفعل
كالموضوع لعرضه وبالحقيقة يكون فاعله غيره فان من يحرك يد غيره يكون مباشر التحريك هو الفاعل
ومن يتحرك يدها يكون محلا للحركة لا فاعلا لها إلا بنحو من المسامحة، والمراد بالثالث من يكون
صدور الفعل منه منوطا بعلمه وقدرته وإرادته فتكون العلم والقدرة والإرادة مصححات فاعليته بالفعل إذا
عرفت ذلك (فاعلم) إنه إن كان المراد من انتهاء الفعل إلى إرادة الباري تعالى بملاحظة انتهاء إرادة العبد
إلى إرادته تعالى لفرض امكانها المقتضى للانتهاء إلى الواجب فهذا غير ضائر بالفاعلية التي هي شأن
الممكنات فان العبد بذاته بصفاته وبأفعاله لا وجود لها إلا بإفاضة الوجود من الباري تعالى ويستحيل أن
يكون الممكن مفيضا للوجود، وإن كان المراد من الانتهاء انتهاء الإرادة إلى الباري تعالى على حد انتهاء
الفعل إلى فاعل ما به الوجود فهو مستحيل في حقه تعالى حتى يلزم الجبر وبالجملة الانتهاء إلى فاعل
ما منه الوجود لازم لا أنه ضائر والانتهاء إلى فاعل ما به الوجود ضائر إلا أنه غير لازم بل مستحيل
(فاتضح) أن جوع الفاعل بالإرادة إلى الفاعل بالجبر والقسر محال لاستحالة أن يكون الباري تعالى فاعل
ما به الوجود بالإضافة إلى ذات العبد أو صفاته أو أفعاله بل بالإضافة إلى الكل هو تعالى فاعل ما منه
الوجود ولا يترقب من الممكن أن يكون فاعلا بهذا المعنى حتى لا يلزم الجبر وهذه الشبهة هي العمدة
في القول بالجبر وأما رجوع الفاعل بالإرادة إلى الفاعل بالطبع (فنقول) بعد وضوح أن الفعل يستند إلى
الفاعل كالإحراق بالنسبة إلى النار لم يبق وجه للرجوع إلا توهم أن الفاعل المختار لابد من أن يكون
فاعلا لشرائط الفاعلية ما به الوجود وإلا لكان نظير فاعل بالطبع وإن لم يكن عينه للزوم الخلف
(وهو توهم فاسد) إذ يستحيل أن يكون الإنسان فاعلا لشرائط الفاعلية إلا بالطبع ولو بالآخرة
لاستحالة التسلسل (لا يقال) لازمه أن لا يكون فعل اختياري في العالم وهو لا محذور فيه إذ القائل
بالجبر يدعى هذا المعنى أيضا (لأنا نقول أولا) أنه قد عرفت أن هذا غير الجبر لاستحالة انتهاء الفعل
وشرائطه الفاعلية إليه تعالى بهذا الوجه من الفاعلية الضائرة بالاختيار (وثانيا) ليس الأثر المرغوب لكون
الفعل اختياريا في قبال غيه إلا حسن التكليف والمؤاخذة وليس هذا الأثر من الأحكام العقلية النظرية
حتى يقام عليه البرهان بل من الأحكام العقلية العملية ومن البين أن مناط الحسن والقبح عند العقلاء، هو
الفعل الصادر عن شعور، وقدرة وإرادة وهو حقيقة وواقعا مغاير للفعل الصاد بقسر القاسر وللفعل الصادر
عن محض الطبع بحيث لو فرض الإلتزام بعدم المبدء للموجودات وفرض استقلال الإنسان في أفعاله
بأن كان مفيدا لوجودها لم يكن صفاته التي هي شرائط إفاضة الوجود منه عليها إلا طبيعية ومع ذلك
يحكمون بحسن التكليف والمؤاخذة بالإضافة إلى الفعل الصادر من فاعله عن شعور وقدرة وإرادة دون
غيره سواء كان بالقسر والجبر أو بالطبع وباقتضاء ذاته يفرقون بين فاعلية النفس لا فعاله الصادرة عن
شعور وقدرة وإرادة وفاعليتها لحفظ المزاج وإفادة الحرارة الغريزية فإنها طبيعية والنفس فاعل بالطبع
لمثل هذه الأفعال دون الأولى. (منه).
201

كان إرادته بالإرادة فان القادر المختار من إذا شاء فعل لا من إذا شاء شاء، وإلا لم
يكن فعل اختياري في العالم حتى فعله تعالى عما يقول الظالمون إذا لمفروض
أن اختيارية فعله تعالى لصدوره عن العلم والإرادة، ولو كانت إرادته تعالى بإرادته
للزم أن لا يكون إرادته عين ذاته تعالى إذ لابد من فرض إرادة أخرى حتى يصح
إرادته الأولى فيلزم زيادة الثانية على الأولى المتحدة مع ذاته تعالى.
توضيحه: أن الأشكال إن كان في أصل وجوب الإرادة، ففيه أن إرادته تعالى
واجبة بالذات فالأمر فيها أشكل، وإن كان في وجوبها بالغير وانتهائها إلى الغير
ففيه أن المانع من الانتهاء إلى الغير ليس إلا لزوم كون الفعل بجميع مقدماته، أو
بهذه المقدمة الأخيرة صادرا عن اختيار فينتقض بإرادة الباري إذ ليست إرادته من
أفعاله الاختيارية مع أنه موجب لعدم كون الإرادة عين ذاته للزوم التعدد بل
بشكل حتى على القول بعدم كون إرادته عين ذاته للزوم التسلسل، مضافا إلى أن
202

الحاج إلى مرادية الإرادة من جهة أن الإرادة من مقدمات الفعل فلو لم تكن بإرادته
لم يكن الفعل بإرادته وحينئذ فيشكل بأن هذا الأشكال لا اختصاص له بالإرادة
بل يجرى في علمه وقدرته ووجوده حيث أنها مما يتوقف عليه الفعل وليست
تحت قدرته واختياره، ويسرى هذا الأشعال في فعل الواجب تعالى حيث أنه
يتوقف على ذاته وصفاته مع أنه ليس شئ منها من أفعاله الاختيارية فان
وجوب الوجود بالذات يقتضى كونه بلا علة لا كونه موجدا لذاته وصفاته، فمناط
المقهورية والمجبورية وهو عدم كون الفعل بجميع مقدماته تحت اختيار الفاعل
مشترك بين الواجب والممكن من دون دخل فيه للوجوب والامكان.
ومنه يظهر أن تصحيح مرادية الإرادة كما عن السيد العلامة الداماد - قده - (1)، أو
إدخالها تحت الأفعال الاختيارية كما عن صاحب الفصول لا يجدى شيئا، ولا
يرجع إلى محصول.
أما ما أفاده السيد - قده - فمحصله أن الإرادة الوحدانية بالالتفات إليها تنحل
إلى إرادة الإرادة وإلى إرادة إرادة، وهكذا، وفيه أن الانحلال إن كان بمجرد
الاعتبار بمعنى أنه لو التفت إليها لأرادها، وهكذا فتنقطع السلسلة بانقطاع
الاعتبار فهي غير مرادة بالحقيقة بل بالاعتبار وبالقوة لا بالفعل، وإن كان بالحقيقة
وفى الواقع حتى تكون هناك إرادات موجودة حقيقة بإرادة واحد ففيه أنه لا
موجب لتحليل حقيقة إذا التحليل الحقيقي بتصور مع التعدد الواقعي بالإضافة
إلى ما أجزاء عقلية أو حقيقة كما في الأنواع المركبة والبسيطة. مضافا إلى أن
هذه الإرادات الموجودة بوجود واحد ما تكون معلولة الإرادة أخرى فيلزم كون
شئ واحد داخلا وخارجا إذ المفروض أن هذه الإرادة الإلهية فقد عاد
المحذور.
وأما ما أفاده في الفصول من أن ما عدا الإرادة من الأفعال تكون اختيارية

1 - محمد باقر بن شمس الدين المشهور بمير داماد - فقيه، متكلم، حكيم له تصانيف كثيرة منها
في الحكمة " القبسات " و " جذوات " المتوفى 1040.
203

بصدوره عن علم وقدرة وإرادة، وأما الإرادة فاختياريتها بصدورها عن علم وقدرة
فقط فهو جزاف بين.
" تنبيه وتنزيه "
الجبري زعم أن نفى الاختيار عن العباد واستناد الأفعال إليه تعالى نوع تمجيد
وتعظيم له حيث لا مؤثر في الوجود إلا الله وإن عاده الله جرت على إيجاد ما
يسمى بالمسببات بعد ما يسمى بالأسباب، ولكنه غفل عن أنه ظلم عظيم في
حق عادل حكيم لأن هذه الأفعال لا يعقل (1) استنادها بلا واسطة إلا إلى القوى
الجسمانية المتجددة الذوات والطبايع المتصرمة الآنيات، لا إلى الأرواح القدسية
والشامخات العقلية فضلا عن واجب الوجود بالذات وللذات كما أن المفوضة
زعموا أن استناد الأفعال إلى العباد على وجه الاستقلال نوع تنزيه له تعالى عن
استناد القبائح إليه تعالى ولم يتفطنوا أنه شرك محض فان الاستقلال في الإيجاد
فرع الاستقلال في الوجود، وهو مختص بواجب الوجود تعالى فهؤلاء أعظم
شركاء من الثنوية فإنهم قالوا بشريك واحد له تعالى، وأسندوا إليه الشرور وهؤلاء
قالوا بتعدد الشركاء بعدد الفاعلين، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا بل
التعظيم العظيم، والتنزيه الوجيه ما تضمنته هذه الكلمة الإلهية المأثورة في
الأخبار المتكاثرة عن العترة الطاهرة عليهم صلوات الله المتواترة أعني قولهم
عليهم السلام " لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين (2) " وتقريب هذه الكلمة

1 - وجه الملازمة أن هذه الحركات الأينية والوضعية حيث أنها منبعثة عن القوى العضلاتية وهي
متحركة بتحريك النفس فلو لم يكن محركية النفس بتأثير الإرادة بل بإرادته تعالى لزم أن يكون تعالى
متحدا مع النفس ليكون محركا للقوى بإرادته وهو تعالى بصرافة وجوده يستحيل اتحاده مع الممكنات
المتحيثة بحيثيات إمكانية وعدمية (منه) (خ).
2 - بحار الأنوار ج 4 ص 197.
204

المباركة بوجهين أحدهما أن العلة الفاعلية ذات المباشر بإرادته وهي العلة
القريبة، ووجوده وقدرته وعلمه وإرادته لها دخل في فاعلية الفاعل الفاعل ومعطى هذه
الأمور هو الواجب تعالى فهو الفاعل البعيد فمن قصر النظر على الأول حكم
بالتفويض ومن قصر النظر على الثاني حكم بالجبر، والناقد البصير ينبغي أن
يكون ذا عينين فيرى الأول فلا يحكم بالجبر، ويرى الثاني فلا يحكم بالتفويض.
وثانيهما ما هو أدق وأقرب للتوحيد فان الموحد كما يجب أن يكون موحدا
في الذات والصفات كذلك يجب أن يكون موحدا في الأفعال، وملخص هذا
الوجه أن الإيجاد يدور مدار الوجود في وحدة الانتساب وتعدده، وفى
الاستقلال وعدمه فلابد هيهنا من بيان أمرين أحدهما: بيان كيفية استقلال
الوجود وعدمه، وتعدد الانتساب وعدمه، ثانيهما: تبعية الإيجاد للوجود فيما
ذكر.
أما الأول فمجمل القول فيه أنه قد تقرر في مقره أن المجعول بالذات هو
الوجود المنبسط المجعول، والمعلول بالذات حيثية ذاته حيثية المجعولية
والمعلولية والارتباط لا أن هناك شيئا له المجعولية، والربط، والبرهان عليه أن كل
ما كان بذاته مطابقا لمحمول اشتقاقي فهو مصداق لمبدئه أيضا، وإلا لزم
مصداقيته له في المرتبة المتأخرة عن ذاته وهو خلف، وهذا معنى عدم
الاستقلال في الوجود حيث أن الوجود المفروض حينئذ عين الربط ومحض
الفقر وهذا الوجه المطلق المنبسط على هياكل الماهيات والمتحد مع مراتب
الموجودات بما هو عين كل مرتبة بلحاظ إطلاقه ولا بشرطية له إنتسابان إلى
الفاعل بالوجوب وهو بهذا الاعتبار فعله تعالى وصنعه تعالى ومشيته الفعلية
وإلى القابل بالإمكان وهو بهذا الاعتبار وجود زيد وعمرو وبكر إلى غير ذلك من
الموجودات المحدودة والماهيات.
وأما الأمر الثاني: فمختصر الكلام فيه أن الوجود المجعول بالذات بعد ما
كانت حيثية ذاته حيثية الربط والفقر فلابد من أن يكون أثره كذلك وإلا لأنقلب
205

الربط المحض إلى محض الاستقلال وهو محال، إذ الجاعل بالذات حيثية ذاته
حيثية الجاعلية كما عرفت فان كان ذاته مستقلة كانت حيثية الجاعلية مستقلة،
وإن كانت عين الربط والفقر كانت حيثية الاقتضاء والجاعلية عين الزلل والفقر إذ
لا تغاير ين الحيثيتين حقيقة ومن هنا قلنا سابقا أن التفويض شرك بين
إذا عرفت ذلك تعرف أن هذا الوجود الاطلاقي الذي حيثية ذاته حيثية الربط
والفقر وكان له انتسابان حقيقة إلى الفاعل والقابل أثره كذلك (1) فمن حيث أن
حيثية الأثر كحيثية المؤثر عين الارتباط تعرف أنه لا تفويض، ومن حيث أن الأثر
كالمؤثر له انتسابان حقيقة تعرف أنه لا جبر فاثر كل مرتبة له جهتان جهة انتساب
إليه تعالى حيث أنه أثر فعله الحقيقي الاطلاقي، وهذه جهة تلي الرب وجهة
انتساب إلى العبد حيث أنه أثر وجوده لحقيقي وهي جهة تلي الماهية فكما أن
وجوده وجوده حقيقة وبلا عناية، ومع ذلك فهو فعل الله وصنعه حقيقة كذلك
إيجاده إيجاده حقيقة وبلا تجوز ومع ذلك فهو أثر فعله تعالى بلا مجاز فإذا تمكن
العبد من نفى وجوده عن نفسه تمكن من في إيجاده عن نفس.
ولا يخفى عليك أن الأثر أنما ينسب إليه تعالى بما هو مطلق، وإلى العبد بما
هو محدود ومقيد والا فجل جنابه تعالى من أن تستند إليه الأفعال التي لا تقوم إلا
بالجسم والجسماني، ولو كان من الأعمال الحسنة فضلا عن الأعمال السيئة.
نعم ربما تغلب الجهة التي تلي الرب، وتندك فيها الجهة الأخرى كما في قوله
تعالى * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى (2)) * فحينئذ ينفى الانتساب إلى
المربوب وينسب إلى الرب ومن ذلك يظهره عدم استناد الأفعال السيئة إليه
تعالى من جهة أخرى فتفطن وأفهم أو ذره في سنبله والله المسدد.

1 - وبعبارة أخرى حيث أن الفاعل بمعنى ما منه الوجود وهو الله تعالى فلا تفويض ومن حيث أن
ما به الوجود بإرادته هو العبد فلا جبر وقد عرفت سابقا أنه ينحصر ما منه الوجود فيه تعالى وينحصر ما
به الوجود في غيره تعالى (منه) (خ).
2 - الأنفال: 17.
206

قوله: ومعه كيف تصح المؤاخذة الخ: كيف وقد عرفت أن الاستناد إلى
الله تعالى آكد من الاستناد إلى العباد فإنه إليه تعالى بالوجوب وإليهم بالإمكان كما
عرفت وإنما عطف النظر قدس سره عن التكليف إلى المؤاخذة لكفاية هذا
المقدار من الإختيار في توجيه التكليف إلى الغير ويخرج بذلك عن اللغوية (1)
بخلاف المؤاخذة ممن ينتهى إليه سلسلة الفعل.
" كيفية المثوبة والعقوبة "
قوله: قلت: العقاب أنما يتبع الكفر والعصيان التابعين للاختيار
الخ: توضيح الحال يستدعى بسطا في المقال فنقول وعلى الله الاتكال. المثوبة
والعقوبة على نحوين:
أحدهما: المثوبة والعقوبة اللتان هما من تبعات الأفعال ولوازم الأعمال،
ونتائج الملكات الفاضلة، وآثار الملكات الرذيلة، ومثل هذه العقوبة على النفس
لخطيئتها كالمرض على البدن لنهمه والمرض الروحاني كالمرض الجسماني،
والأدوية العقلائية كالأدوية الجسمانية.
وأما شبهة استلزام الملكات النفسانية للآلام الجسمانية والروحانية فمدفوعة
بوجوده في هذه النشأة الدنيوية بداهة أن النفس يؤلمها تصور المنافرات

1 - فان التكليف لجعل الداعي ومع صدور الفعل عن إرادة الباري لا معنى لجعل الداعي الموجب
لانقداح الإرادة بخلاف ما إذا صد عن إرادة العبد فان جعل الداعي صحيح بخلاف المؤاخذة من مفيض
الوجود على الفعل وإرادته ولو بواسطة فإنه مناف لعدله أعلم أن الإشكال في العقوبة تارة يرتبط بباب
الجبر والتفويض وهو ما ذكرناه في آخر المبحث فان ملاك الإشكال في العقوبة وأخرى يرتبط بباب
القضاء والقدر وهو ما ذكرناه في آخر المبحث فان ملاك الاشكال هناك ليس انتهاء الفعل وعدم اختياريته
بالآخر بل الملاك أن إيجاب من يوجد منه الموجبات للعقوبة باختياره ولو من حيث كون العقاب من
لوازم إعماله مناف لرحمته (منه) (خ).
207

ويحدث فيها الآلام الجسمانية من غلبة الدم ونحوه عند الغضب وشبهه فلا مانع
من حدوث منافرات روحانية وجسمانية بواسطة الملكات الرذيلة النفسانية
المضادة لجوهر النفس فليس عقاب من معاقب خارجي حتى يقال كيف العقاب
من الحكيم المختار على ما لا يكون بالآخرة بالاختيار، وفى الآيات والروايات
تصريحات وتلويحات إلى ذلك فقد تكرر في القرآن المجيد * (انما تجزون ما
كنتم تعلمون (1)) * وقال عليه السلام " إنما هي أعمالكم ترد إليكم (2) " فراجع.
وثانيهما: المثوبة والعقوبة من مثيب ومعاقب خارجي، وهذه المثوبة
والعقوبة هو الذي ورد به ظاهر التنزيل فقصرهما على الأول خلاف ظواهر
الكتاب والسنة، وتصحيحهما بعد صحة التكليف بذلك المقدار من الاختيار في
غاية السهولة إذ كما أن المولى العرفي له مؤاخذة عبده إذا أمره فخالفه كذلك
مولى الموالى إذ لو كان الفعل بمجرد استناده إلى الواجب تعالى غير اختياري
وغير مصحح للمؤاخذة لما صحت مؤاخذة المولى العرفي أيضا، وإذا كان الفعل
في حد ذاته قابلا للمؤاخذة عليه تكون المؤاخذ ممن إنتهت إليه سلسلة الإرادة
والاختيار لا يوجب إنقلاب الفعل عما هو عليه من القابلية للمؤاخذة ممن
خولف أمره ونهيه.
والتحقيق أن الأشكال إن كان في استحقاق العقاب على مثل هذا الفعل
المنتهى إلى ما لا بالاختيار.
فالجواب عنه: بترتب العقاب من باب الملازمة بينه وبين المعصية وأنها
كالمادة للصورة لمنافرة في الآخرة، أجنبي عن مبنى الأشكال بل المناسب لهذا
المبنى هو الوجه الثاني وإن كان الأشكال في فعلية العقاب ولو مع ثبوت
الاستحقاق واختيارية الفعل حقيقة من حيث استحالة التشفي فالجواب بأن

1 - التحريم: 7.
2 - بحار الأنوار - ج 3 ص 90 استشهد الإمام الصادق (ع) للمفضل بهذا الحديث المنقول عن
رسول الله (ص).
هذا الجواب مبنى على ما يناسب طريقة المتكلمين إلا أنه باطل على مذاق أهل المعرفة أما
وجه بطلانه فلان ما تصحيحه من جعل العقاب حفظا للنظام إنما يناسب حفظ نظام الاجتماع البشرى
فان جعل الجزاء لا يطلب منه إلا حفظ النظام الاجتماعي واجرائه أيضا بهذه الغاية لئلا يرتكب المجرم
ثانيا ولئلا يتجرأ على مثله غيره ومثال هذه النتيجة لا يرقب في الآخرة حتى يكون العقاب لهذه الغاية
مع أن جعل العقاب على عمل في الآخرة الإلتزام بفعل اختياري في الآخرة لغرض لا محالة ومن
المستهجن المستقبح جدا الالتزام بإجراء العقاب في الآخرة تصديقا لهذا الالتزام الذي لا سبب له غيره
بل التحقيق أن هذا الجعل وذاك الإجراء في الدار الآخرة كساير الإيجادات منه تعالى فإنه تعالى هو غاية
الغايات ومعروفية ذاته بتمام أسمائه وصفاته هي الغاية لجميع أفعاله التي هي أنواع تجلياته وظهوراته
فظهور اسم الهادي والمرشد والدليل هو المقتضى لجعل الأحكام وتأكيد الدعوة بحكمته وعنايته هو
المقتضى لجعل العقاب وكونه عادلا وشديد العقاب هو المقتضى لاجراء العقاب فتفطن (منه) (خ).
208

العقاب من لوازم الأفعال صحيح دافع لمحذور استحالة التشفي لكنه غير مناسب
للكلام في اختيارية الفعل والأشكال في العقوبة من أجلها ولا لترتب العقاب على
الاستحقاق فان مبنى الملازمة غير مبنى الاستحقاق بحكم العقلاء بل الجواب
عنه بناء على المبنى المزبور ما سيأتي إنشاء الله تعالى، ولعل الجواب المزبور من
أجل عدم الاعتناء بالمبنى المذكور وأنه لا نقول بالعقاب من أجل عدم الاعتناء
بالمبنى المذكور وأنه لا نقول بالعقاب من أجل حكم العقلاء بالاستحقاق حتى
يرد علينا إشكال انتهاء الفعل إلى ما لا بالاختيار. بل نقول بأن الفعل الناشئ عن
هذا المقدار من الاختيار مادة لصورة أخروية، والتعبير بالاستحقاق بملاحظة أن
المادة حيث كانت مستعدة فهي مستحقة لإفاضة الصورة من واهب الصورة.
ومنه تعرف أن نسبته التعذيب والادخال في النار إليه تعالى بملاحظة أن
إفاضة تلك الصورة المؤلمة المحرقة التي تطلع على الأفئدة منه تعالى بتوسط
ملائكة العذاب فلا ينافي القول باللزوم مع ظهور الآيات والروايات في العقوبة من
معاقب خارجي.
نعم يبقى الأشكال من جهات لا ينبغي إهمالها وقطع النظر عن دفعها.
منها أنه ما الموجب لاختيار التعذيب والمعاقبة من المختار الرجيم بعد
استحالة التشفي في حقه تعالى بناء على مبنى الاستحقاق عقلا أو شرعا.
ويجاب عنه بأحد وجهين.
الأول: أن التعذيب من باب تصديق التخويف والايفاء بالوعيد الواجبين
209

في الحكمة الإلهية، فان أخلاف الميعاد مناف للحكمة موجب لعدم ارتداع
النفوس من التوعيد والتخويف، وهذا الوجه ذكره الشيخ الرئيس في الإشارات (1)
على ما هو يبالي، وغيره من غيرها لكن الكلام في أصل التخويف والتوعيد، إذ
أي موجب لهما عقلا حتى يجيب ايفائهما وإحقاقهما وصححه بعض أجلة
العصر بأن أصل التخويف والتوعيد وإن كان بنفسه تعهد إيذاء الغير إلا أن ذلك
من باب دفع الأمد بالفاسد، وهو دفع وقوع العبد في المفسدة، أو فوت المصلحة
عنه بالتخويف والتوعيد المقضيين لترتب العقاب على ما اختاره العبد من
المعاصي والمآثم.
وأنت خبير بأن مفسدة نفس التوعيد وهي تخويف الغير وإدغامه وإن كانت
جزئية لا تقاوم، ومفسدة الزنا مثلا لكن لازم هذا الجعل والتوعيد وهو وقوع العبد
في العذاب الأخروي أعظم بمراتب من وقوعه في المفسدة الدنيوية، ومن فوت
المصلحة الدنيوية عنه فكيف يكون من باب دفع الأفسد بالفاسد بل الأمر بلحاظ
لازمه بالعكس، وكون الإثم والعصيان باختيار المكلف لا دخل له في هذه
المرحلة فإنه يصحح جعل الضرر من الغير أولا فلكل واحد جعل الضرر على
عباد الله بل جعل الضرر أنما يصح إذا كان بعد الكسر والانكسار حسنا وواجبا في
الحكمة وقد عرفت أن مفسدة جعله أعظم من مفسدة تركه إذ لو لم يكن تخويف
وتوعيد بالنسبة إلى هذا العاصي لم يكن في الخارج إلا وقوعه في مفسدة دنيوية،

1 - الإشارات والتنبيهات ج 3 ص 373 و 374 قال فيه: يجب أن يكون النبي داعيا إلى التصديق
بوجود خالق قدير خبير، وإلى الإيمان بشارع مبعوث من قبله صادق، وإلى الاعتراف بوعد ووعيد أخرو
بين.
210

وإيكاله إلى نفسه وهواه الموجب لوقوعه فيها أولى من جعل يوجب وقوعه في
العقاب الأخر، وأيضا فجعل العقاب مقدمة لحفظ العبد عن الوقوع في المفسدة
أنما يكون إحسانا تعبد إذا لم يستلزم ما هو أعظم من وقوعه في المفسدة.
فالتحقيق أن مصلحة التخويف العام حفظ النظام، والحكيم يراعى
المصلحة العامة الكلية فكما لولا تخويف من يرتدع حقيقة بالردع لما ارتدع فلم
يبق نظام الكل محفوظا كذلك. لو احتمل المجرم بما هو مجرم أنه لا يعذب
فعموم التخويف والترهيب مما له دخل في حفظ النظام الذي لا أتم منه نظام.
ومنه ظهر أن المصلحة الداعية إلى التخويف ليست مجرد حفظ العبد عن
الوقوع في المفسدة وإن كانت من الفوائد أحيانا حتى يقال بأنه لا يقاوم مفسدة
الوقوع في العذاب الدائم بل حفظ النظام الذي لا يزاحمه شئ أبدا فليس
للمجرم حجة على الله تعالى لأقدامه على الضرر بإرادته ولا لأحد حجة عليه
تعالى من جهة جعل العقاب لاقتضاء المصلحة الغير المزاحمة بشئ.
ومن هنا اتضح سر التكليف والتخويف مع القطع بعدم التأثير حيث أن
المقدمة وإن كان شأنها إمكان التوصل بها لكن إيجادها مع القطع بعدم الموصلية
لغو جزما، وإن لم يسقط عن المقدمية إلا أن بعد ما عرفت أن الداعي الحقيقي
حفظ النظام وهو مترتب على عموم التخويف والالزام فلا مجال للأشكال، غاية
الأمر أن ارتداع النفوس الطاهرة من الفوائد كما أن كونه (1) حجة لله على النفوس
الخبيثة من الفوائد، وهذا معنى تسجيلية أو أمر العصاة والكافر. فافهم واستقم.
الثاني: أن المخالفة والعصيان تقتضي استحقاق العقاب عقلا فالعقل هو
المخوف على المخالفة، واختيار العقاب فيما لا مانع منه من توبة أو شفاعة مثلا
مما تقتضيه الحكمة الإلهية والسنة الربانية لعين ما ذكرناه في جعل العقاب، غاية
الأمران للشارع الاكتفاء في التخويف بتخويف العقل من دون حاجة إلى جعل
العقاب فما ورد من التصريح بالعقاب على المخالفة ليس تعهدا للعقاب بل

1 - كونها، ن ل.
211

تصريح بمقتضى الأمر عقلا فحينئذ إذا أقدم العبد على مخالفة المولى عن علم
وعمد هتك لحرمة المولى، وخروج معه عن رسوم العبودية ومقتضيات الرقبة
وهو ظلم خصوصا على مولى الموالى، ومن يتوهم أن الظلم على المولى لا
يسوغ عقاب الظالم ومؤاخذته فقد كابر مقتضى عقله ووجدانه وتمام الكلام في
محله.
ومنها: أن المبدء الخير لا يصدر منه إلا الخير، ولا يصدر منه الشر لعدم
السنخية وعقاب المجرم شر فكيف يصدر منه، وهذا الأشكال جار حتى على
الوجه الأول أعني كونه من لوازم الأفعال إذ لابد من خلو النظام عن الشر.
والجواب: أن اللازم خلو النظام عن الشر بالذات، وأما الشر بالعرض الذي
كان بالذات خيرا فلا مانع من صدوره عن الخير المحض، وإفاضة العقاب الدائم
على أهله كإفاضة الثواب الدائم على أهله عين العدل والصواب لأنها إفاضة
محضة من حيث اقتضاء المورد القابل والشئ لا ينافي مقتضاه بل يلائمه وإن
كان العذاب الجسماني من حيث تفرق الاتصال المنافر للبدن شرا بالإضافة إليه
إلا أنه بالعرض.
ومنها: أن إيجاد من سيوجد منه الموبقات والمهلكات أو إيجاد نفس
الموجبات لأنواع العقوبات على أيدي العباد مناف رحمة رب الأرباب.
وتحقيق الجواب بتمهيد مقدمات نافعة:
الأولى: أن لكل ماهية من الماهيات في حد ذاتها حدا ما هويا بحيث لو زيد
عليه أو نقص عنه لخرجت تلك الماهية عن كونها هي، وكانت ماهية أخرى مثلا
ماهية الشجر جوهر ممتد نام، فلو زيد على هذا الحد الماهوي الحساس خرجت
عن كونها ماهية الشجر وكانت ماهية الحيوان كما أنه لو نقص عن الحد المذكور
النامي خرجت عن الشجرية ودخلت في الجماد، وهكذا الأمر في الماهيات
الأخر فلكل ماهية وجدان وفقدان.
الثانية: قد تقرر في مقره أن لماهيات الأشياء كائنة ما كانت نحو وجود في
212

العلم الأزلي الرباني بتبع العلم بالوجودات، أو بتبع الصفات والأسماء كما
لهجت (1) به ألسنة العرفاء غاية الأمر أن العلم في مرتبة الذات، والمعلوم في
المرتبة المتأخرة إذ لا يعقل أن يكون لنفس الماهية طريق في مرتبة وجود العالم
وإلا لأنقلب ما حيثية ذاته حيثية طرد العدم إلى ما لا يأبى عن الوجود والعدم.
الثالثة: أن سنخ الوجود كما برهن عليه في محله هو المجعول بالأصالة
وبالذات، والماهية مجعولة بالتبع وبالعرض، وإلا فوجدان الماهية لذاتها
وذاتياتها ولوازمها غير محتاج إلى جعل وتأثير، ولا يعقل الجعل بين الشئ
ونفسه، ولا بينه وبين لوازمه.
الرابعة: كل ما أمكن وجوده بالذات وجب وجوده إلا إذا توقف على ممتنع
بالذات إذ لا نقص في طرف علة العلل من حيث المبدئية والعلية فلا بد من أن
يكون النقص إما في المعلول، والمفروض إمكانه، أو في الوسائط من الأسباب
والشرائط فالنقص المانع ليس إلا امتناعها الذاتي وإلا فيجرى في تلك الواسطة
هذا البيان فاحتفظ به واغتنم.
إذا تمهدت هذه المقدمات وتدبرت فيها حق التدبر تعرف أن تفاوت
الماهيات الجنسية والنوعية، والصنفية والشخصية في أنفسها ولوازمها بنفس
ذواتها لا بجعل جاعل، وتأثير مؤثر " فمنهم شقي ومنهم سعيد " بنفس ذاته وما
هويته، وحيث كانت الماهيات موجدة في العلم الأزلي وطلبت بلسان حال
استعدادها الدخول في دار الوجود، وكان الواهب الجواد فياضا بذاته، غنيا بنفسه
فيجب عليه إفاضة الوجود، ويمتنع عليه الأمساك عن الجود، وحيث أن الجود
بمقدار قبول القابل، وعلى طبق حال السائل كانت الإفاضة عدلا وصوابا إذا
لشئ لا ينافي مقتضاه فإفاضة الوجود على الماهيات كائنة ما كانت إفاضة على
ما لا يلائم الشئ حيث أن الشئ يلائم ذاته، وذاتياته، ولوازمه، وقياسه بإجابة
لسفيه قياس باطل إذ السفيه ربما يطلب ما ينافي ذاته فأجابته خلاف الحكمة

1 - وفى نسخة " بهجت ".
213

بخلاف إجابة الماهيات فإنه لا اقتضاء وراء الذات والذاتيات فالاعتراض إن كان
بالإضافة إلى مرتبة الذات والماهية، فهو باطل بأن الشقي شقي في حد ذاته
والسعيد سعيد كذلك كما عرفت، والذاتي لا بعلل إلا بنفس ذاته، وإن كان
بالإضافة إلى الوجود فهو فاسد لما عرفت من أن إفاضة الوجود على وفق قبول
القوابل عدل وصواب، وهذا معنى ما ورد من " أن الناس معادن كمعادن الذهب
والفضة (1) " وهو معنى قوله عليه السلام " السعيد سعيد في بطن أمه والشقي
شقي في بطن أمه (2) " والاختصاص ببطن الأم إما لكونه أول النشئات الوجودية
عند الجمهور، أو المراد ما هو باطن الشئ وسكون ذاته، ومكنون ماهيته،
وإطلاق الأم على الماهية بلحاظ جهة قبولها كما أطلق الأب على الباري تعالى
بلحاظ جهة فاعلية في بعض الكتب السماوية وهو معنى ما عن العرفاء من أن
العلم تابع للمعلوم فإنه تعالى لم يول أحدا إلا ما تولى ولم يعطه إلا ما أعطاه من
نفسه، وما ظلمهم الله، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون والله العالم.
قوله: لكنك غفلت من أن اتحاد الإرادة إلخ: قد عرفت ما عندنا في هذا
المقام عند البحث عن الإرادة التكوينية والتشريعية في بعض الحواشي
السابقة (3) فلا نعيد فراجع.
قوله: ضرورة أن الصيغة ما استعملت في واحد إلخ: بل ربما لا يعقل
إذ مفاد الهيئة كما هو بمعنى البعث أو الطلب الملحوظ نسبة بين المادة والمتكلم
والمخاطب، فتكون المادة مبعوثا إليها أو مطلوبة والمخاطب مبعوثا أو مطلوبا
منه كذلك لابد تلاحظ السخرية والتعجيز والتهديد متعلقة بالمادة مع أنه لا معنى
لجعل المخاطب مسخرة بالحدث، ولا لجعله عاجزا به، ولا لجعله مهددا به،
وإنما يسخره ويعجزه ويهدده بتحريكه نحو المادة.

1 - الروضة من الكافي ج 8 ص 177 الحديث 197.
2 - ورد بهذا المضمون في توحيد الصدوق ص 356 الباب 58 الحديث 3.
3 - قد سبق منه - ره - بحث في الأداة التكوينية والتشريعية تفصيلا فراجع في صفحة 192.
214

" في معاني صيغة الأمر "
قوله قصارى ما يمكن أن يدعى أن تكون الصيغة إلخ: فاستعمالها في
الطلب بسائر الدواعي خلاف الوضع لا الموضوع له وما يمكن اثبات هذه
الدعوى به أمور.
منها: انصرافها إلى ما كان بداعي الجد فان غلبة الاستعمال بداعي الجد ربما
يصير من القرائن الحافة باللفظ فيكون اللفظ بما احتفت به ظاهرا فيما أن كان
الانشاء بداعي الجد إلا أن الشأن في بلوغ الغلبة إلى ذلك الحد لكثرة الاستعمال
بسائر الدواعي ولو بلحاظ المجموع فتأمل.
منها: اقتضاء مقدمات الحكمة فان المستعمل فيه وإن كان مهملا من حيث
الدواعي، وكان التقييد بداعي الجد تقييدا للمهمل بالدقة إلا أن عرفا ليس في
عرض غيره من الدواعي إذ لو كان الداعي جد المنشأ فكأن المنشئ لم يزد على
ما أنشأ.
منها: الأصل العقلائي إذ كما أن الطريقة العقلائية في الإرادة الاستعمالية على
مطابقة المستعمل فيه للموضوع له، مع شيوع المجازات في الغاية، كذلك
سيرتهم وبنائهم على مطابقة الإرادة الاستعمالية للإرادة الجدية، وبالجملة
الأصل في الأفعال حملها على الجد حتى يظهر خلافه، وكثرة الصدور عن غير
الجد لا يوجب سد باب الأصل المزبور فتدبره.
قوله: لا لاظهار ثبوتها حقيقة بل لأمر آخر الخ: لا يخفى عليك أن
المحال في حقه تعالى ثبوتها لا إظهار ثبوتها (1)، والأغراض المترتبة على

1 - والغرض من إظهار ثبوت تلك الصفات إيراد كلام له ظهور بحسب مقام المحاورة في ثبوت
هذه الصفات وإن لم يقصد الحكاية عن ثبوتها بل قصد بإيراده إظهار اللطف المحبة لئلا يلزم من قصد
الحكاية عن ثبوتها الكذب فتدبر (منه).
215

إنشائاتها بلحاظ كشفها عن ثبوتها لا بلحاظ نفس وجوداتها الانشائية فان إيجاد
المفهوم بوجوده الجعلي العرضي اللفظي مع قطع النظر عن كشفه عما هو
استفهام أو تمن وترج بالحمل الشايع لا يترتب عليه إظهار المحبة وغيرها من
الأغراض فالأنصاف أن كيفية الاستعمال والدلالة على الجد في ما وقع في كلامه
تعالى على حد ما في كلام غيره إلا أنه فيه تعالى لاظهار المحبة مثلا فهو يظهر
المحبة والاستيناس باظهاره الاستفهام الحقيقي بقوله تعالى * (وما تلك بيمينك
يا موسى (1)) * كما أنه تعالى يشجعه عليه السلام على دعوة فرعون باظهاره
الترجي الحقيقي بقوله تعالى * (لعله يتذكر أو يخشى (2)) * فافهم.
" صيغة الأمر حقيقة في الوجوب "
قوله: في أن الصيغة حقيقة في الوجوب الخ: المراد بالوجوب كون
الفعل مبعوثا إليه بالبعث الناشئ عن إرادة حقية والفرق بينه وبين الإيجاب بنحو
من الاعتبار فان البعث الصادر عن إرادة حتمية له جهتان من الانتساب جهة
انتساب إلى الباعث لقيامه به قياما صدوريا، وهو قيام الفعل بفاعله وجهة
انتساب إلى المادة لقيامه بها قيام حلول، وهو الصفة بالموصوف، فهذا البعث
الوحداني الواقع بين الباعث والمبعوث إليه بالملاحظة هاتين النسبتين إيجاب
ووجوب كالايجاد والوجود، وأما المصلحة القائمة بالمادة الموجبة لتعلق البعث
بها فهي من الدواعي الباعثة على إرادتها والبعث نحوها لا أنها عين وجوبها كما لا
يخفى.

1 - طه: 20.
2 - طه: 44.
216

وأما ما عن بعض الأعلام من مقاربي عصرنا - قده (1) - من أن التغاير بين
الإيجاب والوجوب حقيقي لأن الإيجاب من مقولة الفعل، والوجوب من مقولة
الانفعال والمقولات متبائنة فهو اشتباه بين الفعل والانفعال المعدودين من
المقولات، وبين ما يعد عرفا من الفعل المقابل للصفة، وميزان المقولتين
المتقابلتين أن يكون هناك شيئان لأحدهما حالة التأثير التجددي وللآخر حالة
التأثر التجددي كالنار والماء فان النار في حال التسخير لها حالة التأثير التجددي
آنا فآنا في الماء باعطاء السخونة، والماء له حالة التأثر والقبول التجددي
للسخونة، وأما نفس السخونة الحادثة في الماء فهي من مقولة الكيف، ومثل هذا
المعنى غير موجود في المقام وأشباهه ولو تنزلنا عن ذلك لم يكن الوجوب من
مقولة الانفعال بل الوجوب كالسخونة القائمة بالماء، وحيثية قبول المادة
للوجوب على فرض التنزل من مقولة الانفعال لا نفس الوجوب وليس الإيجاب
إلا هذا الوجوب من حيث صدوره عن الموجب وحيثية الصدور والتأثير
وأشباهها حيثيات انتزاعية فافهم واستقم.
قوله: كيف وقد كثر استعمال العام في الخاص حتى قيل ما من عام
إلخ: ربما يقال: إن كثرة الاستعمال الموجبة للنقل أو الأجمال إنما تصح في مثل
أسماء الأعلام والأجناس لا في مثل الهيئات التي لا تنتهي إلى جامع لفظي بل
ينتزع عن الهيئات المختلفة باختلافها تارة وزنا وحركة، وباختلاف موادها أخرى
جامع يعبر عنه بصيغة إفعل ومن الواضح أن هذا الجامع الانتزاعي لم يستعمل
في شئ غالبا حتى يوجب أنس الذهن بالنسبة إلى اللفظ والمعنى، واستعمال
هيئة خاصة في الندب تارة، واستعمال هيئة خاصه أخرى فيه أخرى لا يوجب
الأنس بين لفظ ومعنى، والجامع الانتزاعي غير مستعمل في شئ ولا أنه ليس
من مقولة الألفاظ.

1 - هو المحقق الرشتي في بدايع الأفكار ص 218.
217

وجوابه يتضح (1) بالرجوع إلى ما أسمعناك في تحقيق نوعية الوضع في
الهيئات وإجماله أن الهيئات الموضوعة للبعث اللزومي باختلاف موادها
وأوزانها وحركاتها لها نحو وحدة، باعتبار أن جميع هذه المختلفات بوضع واحد
وضعت لمعنى واحد فإذا استعملت المتفرقات من هذه الهيئات في غير ما
وضعت له كثيرا ينثلم ظهورها في معناها والوحداني وإن لم يكن كل واحدة من
هذه الهيئات مستعملة في غير ما وضعت له كثيرا، ومنه يظهر الفرق بينها وبين
ألفاظ العموم وأدواتها فان الجمع المحلى باللام والنكرة في سياق النهى والنفي،
ومثل كل وجميع وأشباه ذلك، وإن وضعت لنسخ معنى واحد لكن لا بوضع
واحد بل بأوضاع متعددة فكثرة استعمال الجمع المحلى بالأمر في الخصوص لا
يوجب انثلام سائر أدوات العموم في العموم فتدبر.
" الجمل الخبرية "
قوله: بل يكون أظهر من الصيغة الخ: لا يخفى أن النكتة الآتية في كلامه
مد ظله، من أن إظهار الطلب بعنوان الاخبار بوقوع المطلوب يدل على أنه لا
يرضى بتركه حتى أخبر بوقوعه. يمكن الخدشة فيها بأن الاخبار بالوقوع يناسب
إرادته لا الاخبار بسائر الدواعي الجارية في الصيغة من التهديد والتعجيز و
غيرهما فان هذه الدواعي لا تناسب الأخبار بالوقوع، بخلاف ما إذا كان الغرض
وقوعه في الخارج فإنه يناسبه الاخبار بوقوعه فكان وقوعه مفروغ عنه، وأما أن
إرادة وقوعه على وجه عدم الرضا بتركه أولا فلا شهادة لمضمون الجملة الخبرية
الخبرية عليه كما لا يخفى، إلا أن يقال إن الملازمة بين الاخبار بالوقوع، واظهار إرادة

1 - إلا أن هذا إنما يصح إذا كان الوضع واحدا بالحقيقة وذلك لا يمكن إلا مع وحدة الموضوع
حقيقة مع أنك قد عرفت أنه لا جامع ذاتي بين الهيئات فليس هناك إلا جامع عنواني والمعنونات بما هي
موضوعة بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص فلا وحدة إلا بحسب العنوان والعبارة (منه)
218

الوقوع لابد من أن تكون للملازمة بين الوقوع وطلب الوقوع، ومن البين أن
الوقوع من المنقاد لازم لطلبه منه فالبعث نحو المنقاد ملزوم لوقوع المبعوث منه
في الخارج فلذا أخبر عن اللازم إظهارا لتحقق ملزومه، ومن الواضح أن البعث
الذي لا ينفك عن الوقوع من المنقاد هو البعث الحتمي، وإلا فالبعث الندبي ولو
إلى المنقاد لا يلازم الوقوع بل ربما يكون وربما لا يكون، وأما استفادة ذلك
بملاحظة أن الوقوع لا يكون إلا مع ضرورة الوجوب فالمراد إظهار لأبدية الوقوع
بالاخبار عن الوقوع المستلزم لضرورة الوجود فبعيدة في الغاية عن أذهان العامة
في مقام المحاورة.
قوله: إنما يلزم الكذب إذا أتى بها بداعي الاخبار والاعلام الخ:
القصد الاستعمالي المتعلق بالجملة لا واقع له وراء نفسه فلا يعقل اتصافه بصدق
ولا كذب بل مناط الصدق والكذب هو القصد الجدي أن تعلق بمضمون الجملة
ولولا لداعي الأعلام وحصول العلم للمخاطب، بل لإفادة لازمه أو إظهار التألم
كما في قولك [الهواء حار] و [بارد] وإظهار التأسف كما في قولك " مات زيد " إذا
علم المخاطب بموته، وبعلمك بموته فان هذه الأغراض لا تترتب على الحكاية
الحقيقية بخلاف الكتابة فإنه لمجرد الانتقال من الملزوم إلى اللازم فلا شأن
لمضمون الجملة إلا كونه قنطرة محضة إلى اللازم، وكك الاخبار بداعي البعث و
التحريك فإنه لمجرد إظهار الطلب.
فان قلت: الحكاية والكشف والإرائة حقيقة بلا محكي ولا مكشوف ولا
مرئي حقيقة محال فلا يعقل أن يتعلق به القصد فما المقسم في الخبر الصادق و
الكاذب؟
قلت: المراد من الحكاية الحقيقية بالجملة الخبرية إحضار الواقع باحضار
المفهوم الفاني فيه في ذهن المخاطب بتوسط إحضار اللفظ، وحضور الواقع
بنحو فناء المفهوم فيه في ذهن المخاطب لا يستدعي ثبوت المطابق في الخارج
إذ العلم يتقوم بالمعلوم بالذات لا بالمعلوم بالفرض، وهذا الأحضار الخاص ربما
219

يكون عن جد بداعي الأعلام، أو الأعلام بعلم المتكلم، أو بداعي إظهار التألم، أو
التأسف، وربما لا يكون عن جد بل قنطرة محضة إلى لازمه أو ملزومه فلذا لا
يتصف بالصدق والكذب بلحاظ نفسه.
قوله: فان شدة مناسبة الاخبار بالوقوع الخ: لكنه لا يوجب تعينه من بين
المحتملات في مقام المحاورة حتى يقال إنه مبين بذاته في مقام البيان، فلو
اقتصر عليه المتكلم لم يكن ناقضا لغرضه، ولعله - قدس سره - أشار إليه بقوله
[فافهم].
لا يقال: حيث لا نكتة للاخبار عن الوقوع إلا ما ذكر فيتعين الوجوب.
لأنا نقول: لا تنحصر النكتة فيما يعين الوجوب بل من المحتمل إرادة مطلق
الطلب نظرا إلى أن الإرادة سواء كانت حتمية حيث إنه لجعل الداعي إلى الفعل
فهو مقتضى للوقوع فالاخبار عن المقتضي إظهارا للمقتضي نكتة صحيحة
مصححة لإرادة الفعل كك.
نعم النكتة المعينة للوجوب أنسب بالاخبار عن الوقوع، وشدة المناسبة
بنفسها لا توجب كون الوجوب قدرا متيقنا في مقام المخاطبة.
قوله: نعم فيما كان الأمر بصدد البيان الخ (1): توضيحه أن حتمية
الإرادة (2) عبارة عن بلوغها مرتبة لا يرضى بترك ما تعلقت به، وندبيتها عبارة عن

1 - لا يخفى أن ما ذكرناه في التعليقة غاية ما يمكن تصحيح كلامه قدس سره به وإلا فظاهر كلامه
مخدوش بأن عدم المنع من الترك بعدم نصب القرينة على المنع من الترك بخلاف المنع من الترك فإنه
محتاج إلى نصب قرينة عليه كما في كل أمر عدمي بالنسبة إلى الوجودي كما أن الأمر بالعكس إذا جعل
الوجوب معنى لازمه عدم الرضاء بالترك والندب معنى لازمه الرضاء بالترك (منه).
2 - تنقيح المرام أن الإيجاب والاستحباب هل هما مرتبتان من الإرادة، أو إنشائان منبعثان عن
مرتبتين من الإرادة، أو إنشائان منبعثان عن مصلحة ملزمة وغير ملزمة، أو هما إنشادان بداعي جعل
الداعي مع المنع من الترك وعدمه، أو إنشائان بداعي جعل الداعي مع الرخصة في الترك وعدمها، أو
إنشائان بداعي البعث الأكيد وبداعي البعث الغير الأكيد فهذه مجموع المحتملات ويتفاوت
بحسبها تقريب مقدمات الحكمة واستفادة الوجوب والاستحباب: أما الأول فساقط عن الاعتبار
هنا لأن الكلام في الإيجاب والاستحباب اللذين هما من الاحكام المجعولة شرعا وعرفا والإرادة وإن
كانت روح الحكم إلا أنها ليست أما الثاني فلا بأس به بناء على تفاوت الإرادة الباعثة على جعل الداعي
في مقام الإيجاب والاستحباب ونحن وإن أشكلنا عليه في أثناء مباحث الضد لكنا دفعناه أيضا بتعلق
التفاوت فان شدة الإرادة وضعفها منبعثة عن شدة موافقة المصلحة لغرض المولى وضعفها بحيث تؤثر
الشدة في دفع المزاحم ولا يؤثر الضعف في دفعه لو كان وإن كانت تؤثر في حركة العضلات لو لم يكن
مزاحم من باب الاتفاق، وأما الثالث فهو أيضا مما لا بأس به إلا أن الإنشاء المنبعث عن مصلحة ليس إلا
اظهارا للمصلحة الملزمة مثلا وهذا ليس من حقيقة الحكم المجعول وهو الإنشاء بداعي جعل الداعي
فلابد من توسيط جعل الداعي كما أن الإنشاء بداعي إظهار الإرادة الحتمية كذلك كما لا يخفى وهذا كله
لأن الوجود الإنشائي ليس إلا وجود المعنى بوجود اللفظ تنزيلا كما هو شأن الاستعمال وهو غير
الوجود الاعتباري للبعث أو للملكية ونحوهما كما حقق في محله، وأما الرابع والخامس ففيه. معية
المنع من الترك أو الترخيص فيه مع البعث الجدي والتحريك الحقيقي أما معية موجود مستقل مع
وجود مستقل آخر فيكون النتيجة انبعاث الإنشاء عن مجموع داعيين، وأما معية الفصل مع الجنس
بحيث يكون أمر واحد حقيقة ينبعث عنه الإنشاء، واما معية لازم الوجود مع ملزومه بحيث يكون
الإنشاء منبعثا عن الملزوم، وإن كان له هذا اللازم فلا بد من خصوصية أخرى يكون جعل الداعي تارة
ملزوما لهذا اللازم وأخرى لا يكون وتلك الخصوصية إما حتمية الإرادة أو كون المصلحة ملزمة أو كون
البعث أكيد أو هذا لازم تأكده وعلى أي حال لا يكون هذا الاحتمال بناء على الوجه الأخير مقابلا لسائر
الاحتمالات، واحتمال المعية بالمعنى الأول لا يساعده مقام الثبوت ولا مقام الإثبات: أما مقام الثبوت
فلان الفعل إذا كانت فيه مصلحة لزومية لا ينقدح بسببها إلا الإرادة المحركة للعضلات أو المحركة إلى
جعل الداعي وليس هناك كراهة الترك ولا انبعاث المنع عن تركه بل ربما لا يخطر بباله الترك وأما مقام
الإثبات فقد مر مرارا أن الإنشاء بأي داع كان مصداق ذلك الداعي فالإنشاء يناسبه انطباق عنوان البعث
نحو الفعل إذا كان بداعي البعث فإذا كان بداعي البعث نحو الفعل والمنع عن الترك كان مصداقا لهما مع
أن عنوان المنع من الترك لا يناسب إنشاء البعث نحو الفعل وليس الوجوب إلا مجموع الأمرين وما ذكرنا
في بحث الضد من أن التحريك نحو الفعل تحريك عن خلافه كما أن التقريب إلى جهة تبعيد عن
خلافها لا يجدى هنا إذ هذا المعنى لازم كل تحريك وجوبي أو ندبي والكلام في المنع من الترك
الذي يقوم الوجوب، واحتمال المعية بالمعنى الثاني يتضح الجواب عنه بما ملخصه أن المعاني
الإعتبارية تارة يكون ينسخها اعتباريا لا موطن لها إلا العقل كالوجوب والإمكان والامتناع والكلية
والجزئية والجنسية والفصلية والنوعية ومثل هذه الاعتباريات بسائط لا جنس لها ولا فصل حتى عقلا
وليست من سنخ المقولات والماهيات الطبيعية حتى تكون لها جنس وفصل ولو عقلا تحليلا، وأخرى
تكون من المعاني التي توجد بوجود اعتباري وإن كان لها وجود حقيقي في نظام الوجود وهذه هي
الاعتباريات المتداولة في الفقه والأصول مثلا المملكية توجد بوجودها الحقيقي الذي لها في نظام
الوجود فتكون جدة مثلا وليست بهذا النحو من الوجود موضوع الآثار الخاصة شرعا وعرفا وتوجد
أيضا بوجدها الاعتباري الذي له آثار شرعا وعرفا ومثل هذه الاعتباريات من حيث وجودها في أفق
الاعتبار لا جنس لها ولا فصل ومن حيث نفسها تارة تكون من المعاني المقولية فاعتبارها اعتبار مالا
جنس له ولا فصل والإيجاب والاستحباب من القسم الثاني إذ ليس مطابقها إلا الإنشاء بداعي البعث
والتحريك ومن الواضح أن المنع من الترك ليس فصلا للبعث والتحريك فان ذلك المعنى الذي يعتبره
العقلاء في مقام البعث إما إيجاد المولى الفعل تسبيبا أو تحريك العبد، والإيجاد ليس معنى ماهويا
والتحريك باعتبار مبدئه ليس مقولة من المقولات بل من شؤون وجود معنى مقولي فليس البعث مقوليا
ليكون له فصل حتى يجعل المنع من الترك فصلا مقوما له فلا يتصور على هذا الوجه إلا رجوع الإيجاب
الاعتباري العقلائي إلى الإنشاء بمجموع الداعيين المجموعين في الاعتبار وقدم أنه لا يساعدها مقام
الثبوت والإثبات، وأما الاحتمال السادس فنقول أن البعث والتحريك العقلائي وإن كان من الاعتباريات
ولا شدة ولا ضعف في الاعتبارات بل الحركة من حد إلى حد شأن بعض المقولات إلا أن اعتبار معنى
مقولي بمرتبته الشديدة الضعيفة لترتيب أثر خاص ممكن والحركة في الخارج من حيث وجودها توجد
بوجود قوى وبغيره فيمكن اعتبار دفع قوى وغيره والمصلحة اللزومية كما يناسب إرادة قوية كذلك
يناسب في مقام جعل الداعي جعل داع أكيد وعدم الرضا بالترك والمنع من الترك لازم هذه المرتبة من
الإرادة القوية وهذه المرتبة من البعث الأكيد، ومما ذكرنا يتضح أن إلا وفق بالاعتبار هو الاحتمال
السادس وأما جعل الوجوب عبارة عن نفس كون الشئ ذا مصلحة لزومية كجعله عبارة عن كونه بحيث
يستحق على مخالفته العقوبة فهو اشتباه المبدء بالفعل الناشئ منه في الأول واشتباه الأثر بما
يترتب عليه في الثاني بل الا وجه ما عرفت وأما تقريب مقدمات الحكمة فعلى الأول والثاني ما
ذكرناه في المتن ونتيجته تعين الوجوب من حيث خلوص الإرادة وعدم شوبها بأمر خارج عن حقيقة
الإرادة ليجب التنبيه عليه، وأما على الثالث فلا معين لكيفية المصلحة من أنها لزومية أو غير لزومية،
(ودعوى) أن العقل يحكم بحمل الإنشاء على الوجوب لاقتضاء العبودية لامتثال الأمر على أي تقدير
إلا إذا علم بقرينة متصلة أو منفصلة أنه منبعث عن مصلحة غير لزومية.
فمدفوعة: بأن حكم العقل بلزوم الامتثال بملاك التحسين والتقبيح العقلانيين بملاحظة أن ترك
موافقة البعث المنبعث عن مصلحة لزومية ظلم على المولى لأنه خلاف رسوم العبودية ولا يعقل أن
يكون ترك موافقة البعث عن مطلق المصلحة كذلك فكذلك الحكم العقلي بملاك قبح الظلم غير محقق
إلا بفرض وصوله بالنحو الخاص الذي يكون مخالفته ظلما وحكم العقل بملاك آخر ليكون كالوظائف
العملية في مورد الشك غير بين ولا مبين، وعلى الرابع يتعين الاستحباب فان المنع من الترك أمر
وجودي ينبغي التنبيه عليه بخلاف عدم المنع من الترك فإنه يكفيه عدم التنبيه على المنع، وأما على
الخامس فبالعكس لأن الرخصة في الترك وجودي فينبغي التنبيه عليه ويكفي في عدمها عدم التنبيه
عليها، وأما على السادس فتقريب مقدمات الحكمة على نحو الأول والثاني لأن البعث الأكيد لا يزيد
اعتباره على اعتبار أمر وراء حقيقة البعث بخلاف البعث الغير الأكيد فان اعتباره اعتبار أمر ما واء حقيقة
البعث مع البعث فيجب التنبيه عليه لكنك قد عرفت أن هذا التقريب غريب عن أنظار العرف.
والتحقيق: أن تعيين الوجوب بمحض خلوص الإرادة والبعث وإن كان دقيقا إلا أن تعيينه بملاحظة
أنه مرتبة يلزمها عدم الرضا بتركه وعدم الرخصة في تركه فليس دقيقا لا يلتفت إليه العامة وهو كاف في
تعيين الوجوب ولا يرد الإشكال بعدم المرجح للترخيص وعدمه المعين للوجوب على المنع وعدمه
المعين للاستحباب لأن مجرد المنع من الترك لا يقتضى الوجوب لأن المنع أيضا تارة لزومي وأخرى
غير لزومي فلابد من تحديده أيضا بما لا يرخص في خلافه فللازم الذي يعين الاستحباب والوجوب
أخيرا هو الترخيص في الترك وعدمه فتدبر جيدا (منه).
220

نقصان مرتبتها بحيث يرضى بترك متعلقها فالإرادة الحتمية الأكيدة إرادة محضة
لا يشوبها شئ، والإرادة الندبية أنها مرتبة ضعيفة من الإرادة فهي فاقدة لمرتبة
منها فهي متفصلة بفصل عدمي ليس من حقيقة الإرادة في شئ فإذا كان
المتكلم في مقام البيان فله الاقتصار على الصيغة الظاهرة في البعث الصادر عن
223

إرادة في إفادة حتمية الإرادة، لأن حتمية الإرادة حيث أنها مرتبة من نفس الإرادة
الخالصة فكأنها لم تزد شيئا على الإرادة حتى يحتاج إلى التنبيه عليه، بخلاف ما
إذا كان في مقام إفادة الندب لأنه ممتاز بأمر خارج عن حقيقة الإرادة، وإن كان
عدميا فلابد من التنبيه عليه، وإلا كان ناقضا لغرضه، ولعل المراد بالأكملية
المحكية عن بعض المحققين (1) هذا المعنى كما حكى عنه أن الانصراف الموجب
لتبادر الوجوب من الصيغة انصراف حقيقة الطلب ولبه لا انصراف الصيغة،
فالمراد بالانصراف ليس معناه المصطلح بل مطلق ما يوجب تعين بعض
المحتملات في مقام البيان إلا أن الانصاف أن هذا التقريب دقيقه ومثله غير
قابل، للاتكال عليه عند التحقيق فهو نظير إطلاق الوجود وإرادة الواجب نظرا
إلى أنه صرف الوجود الذي لا يشوبه العدم فكما لا يمكن الاتكال عليه في
المحاورات العرفية فكك فيما نحن فيه، ولعله قده أشار إليه بقوله فافهم.
" التعبدي والتوصلي "
قوله: الوجوب التوصلي هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد
حصول الواجب الخ: لا يخفى عليك أن الفرق بين التعبدي والتوصلي في
الغرض من الواجب لا الغرض من الوجوب، إذ الوجوب ولو في التوصلي لا
يكون إلا لأن يكون داعيا للمكلف إلى ما تعلق به، ومنه يظهر أن الوجوب في
التوصلي لا يغاير الوجوب في التعبدي أصلا حتى بلحاظ الغرض الباعث
للايجاب والاطلاق المدعى في المقام هو إطلاق المادة دون إطلاق الوجوب و
الأمر ففي الحقيقة لا وجه لجعل هذا البحث من مباحث الصيغة فتدبر جيدا.
قوله: إن التقرب المعتبر في التعبدي إن كان الخ: تحقيق الحال أن
الطاعة إما تكون بمعنى ما يوجب استحقاق المدح والثواب أو ما يوجب

1 - صاحب هداية المسترشدين ص 154.
224

التخلص عن الذم، والعقاب فان أريد الإطاعة بالمعنى الأول فالتقرب معتبر فيها
عقلا إلا أن الإطاعة بهذا المعنى غير واجبة بقول مطلق عقلا بل في خصوص
التعبدي، وإن أريد الإطاعة بالمعنى الثاني فهي وإن كانت واجبة عقلا مطلقا إلا
أن التقرب غير معتبر فيها بقول مطلق بل في خصوص ما قام الدليل على دخله
في الغرض من الواجب ليجب إسقاط الغرض عقلا فيجب التقرب.
وتوضيح القول في ذلك أن الاستحقاق المدح والثواب على شئ عقلا لا
يكون إلا باستجماعه لأمرين إحداهما: انطباق عنوان حسن بالذات أو ما ينتهي
إلى ما هو كك عليه.
ثانيهما: إضافته إلى من يستحق من قبله المدح والثواب بالذات أو بالعرض، و
لو فقد أحد الامرين لم يستحق المدح والثواب.
والوجه في اعتبار الأول أن مجرد المشي إلى السوق مثلا لا يمدح عليه عند
العقلاء ما لم ينطبق عليه عنوان يوجبه ذاتا ومجرد كون الداعي أمر المولى لا
يوجبه ذاتا إذ الداعي المذكور إن لم يوجب تغير عنوان الفعل لم يكن موجبا
لتأثيره في المدح ذاتا وإن أوجب ما لا يوجبه ذاتا بل بالعرض وجب انتهائه إلى
ما يوجبه ذاتا للزوم انتهاء كل ما بالعرض إلى ما بالذات وإلا لزم التسلسل، و
العنوان الحسن المنطبق على المأتي به بداعي الأمر عنوان الانقياد والتمكين
الذي هو عدل واحسان.
والوجه في اعتبار الثاني أن الفعل إذا لم يرتبط بمن يستحق من قبله المدح و
الثواب كان نسبته إليه وإلى غيره على حد سواء وارتباطه إلى المولى إما بالذات
أو بالعرض المنتهي إلى ما بالذات فمثل تعظيم المولى يضاف إليه بنفسه ولو لم
يكن أمر وإرادة، وأما مثل تعظيم زيد الأجنبي عن المولى فهو غير مضاف بطبعه
إلى المولى ولابد في إضافته إليه من أن يكون بداعي أمره وإرادته، فهذا الداعي
من روابط الفعل إلى المولى ويدخل تحت عنوان مضاف إليه بذاته كعنوان
الانقياد والاحسان. فاتضح أن الفعل وإن لم يكن في حد ذاته موجبا للمدح و
225

الثواب لانتفاء الأمرين لكنه إذا أتى به بداعي الأمر انطبق عليه عنوان حسن
بالذات، وارتبط إلى المولى أيضا كك.
وأما الاتيان بسائر الدواعي القريبة فليس كك ولا باس بالإشارة إليه كي
ينفعك فيما بعد إنشاء الله تعالى.
أما الاتيان بداعي أهلية المولى للعبادة فمورده العبادة الذاتية أي ما كان حسنا
بالذات بداهة أن المولى ليس أهلا لما لا رجحان فيه ولم يكن حسنا ذاتا فالمورد
مع قطع النظر عن هذا الداعي حسن بالذات ومثله مرتبط بذاته لا من طريق
الداعي فهذا الداعي كما لا يوجب انطباق عنوان حسن ذاتا كك لا يوجب إرتباط
الفعل بالمولى بل يتعلق بما كان في حد ذاته ذا جهتين من الحسن والربط ومنه
تعرف حال الشكر والتخضع ونحوهما فان الاتيان بأمثال هذه الدواعي يتوقف
على كون الفعل مع قطع النظر عن هذه الدواعي شكرا وتخضعا وتعظيما فيكون
الفعل مع قطع النظر عنها حسنا ومرتبطا ذاتا، أو منتهيا إليهما كك، ومنه يتبين
حال الإتيان بداع الثواب، أو الفرار من العقاب فان الفعل لو لم يكن موجبا للثواب
ومانعا من العقاب لم يتوجه إليه مثل هذا الداعي فيخرج هذا الداعي عن كونه
موجبا لعنوان حسن ذاتي، ورابطا له إلى المولى وإنما صح أن يكون داعيا لما
كان كك، أو داعيا للداعي.
وأما الاتيان بداعي المصلحة الكامنة في الفصل فان كان بعنوان أنها داعية
للمولى إلى الأمر والإرادة لولا غفلته أو لولا مزاحمته كان هذا الداعي موجبا
لانطباق عنوان الانقياد والتمكين بل الانقياد فيه أعظم من الانقياد في صورة
الأمر والإرادة، وكك يكون رابطا له إلى المولى، وإن كان لمجرد كون الفعل ذا
فائدة سواء رجعت إلى المولى، أو إلى غيره فلا ريب في عدم كونه موجبا لعنوان
حسن، ولا لارتباط إلى المولى إذ لا مساس له إلى المولى فالمولى وغيره في
عدم إضافة الفعل إليه سواء فلا الفعل انقياد، وتمكين، وإحسان له، ولا بنفسه، و
لا بالعرض مربوط به، وإن استفاد المولى منه فائدة إلا أن استفادته غير ملحوظة
226

للفاعل حتى يكون هذا نحو انقياد له.
إذا عرفت ما ذكرنا تعرف أن استحقاق المدح والثواب لا يدور مدار صدق
الإطاعة لترتبها على ما لا أمر ولا إرادة هناك كالتعظيم الذي لم يؤمر به، ولم
ينطبق عليه عنوان قبيح كما أن الإطاعة الموجبة للمدح والثواب مشتركة بين
التعبدي والتوصلي فلا تجب عقلا بل تجب بمعنى آخر، وهو ما يوجب
التخلص من الذم والعقاب، وهو لا يكون إلا إذا ترتب الغرض من الواجب على
المأتي، سواء أتى به بهذا الداعي ونحوه أم لا.
نعم ربما يكون الاتيان بداع مخصوص دخيلا في الغرض فالتخلص عن الذم
والعقاب باتيان الفعل على نحو يترتب عليه الغرض، وهذا أمر لا طريق للعقل
إليه وحاله حال سائر ما له دخل في فيما يحكم العقل وجوبه لا طريق له إلى
دخل القربة فيه وما له طريق الغرض لدخل القربة فيه لا يحكم بوجوبه وحديث
الشك والحكم بالاشتغال أمر آخر سنفصل فيه المقال إنشاء الله تعالى.
قوله: وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلا من قبل الأمر الخ:
ربما توجه الاستحالة بأنه لابد من ثبوت الموضوع في مرتبه موضوعية حتى
يتعلق الحكم به، وسنخ الموضوع هنا لا ثبوت له في حد ذاته مع قطع النظر عن
تعلق الحكم به لأنه الفعل بداعي شخص الطلب الحقيقي المتعلق به.
وفيه: أن الحكم بالإضافة إلى موضوعه من قبيل عوارض الماهية لا ما قبيل
عوارض الوجود كي يتوقف عروضه على وجود المعروض، وعارض الماهية لا
يتوقف ثبوته على ثبوتها بل ثبوتها بثبوته كثبوت الجنس بفصله والنوع
بالتشخص إذ من الواضح أن الحكم لا يتوقف على وجود موضوعه خارجا كيف
ووجوده خارجا يسقط الحكم فيكف يعرضه كما لا يتوقف على وجوده ذهنا
بداهة أن الفعل بذاته مطلوب لا بوجوده الذهني بل الفعل يكون معروضا للشوق
النفساني في مرتبة ثبوت الشوق حيث أنه لا يتشخص إلا بمتعلقه كما في
المعلوم بالذات بالنسبة إلى العلم فما هو لازم توقف العارض على معروضه هذا
227

النحو من الثبوت بل المانع من تقويم الحكم لموضوعه وتقوم موضوعه به أو بما
ينشأ من قبل حكمه أن الحكم متأخر طبعا عن موضوعه فلو أخذ فيه لزم تقدم
المتأخر بالطبع وملاك التقدم والتأخر الطبعيين أن لا يمكن للمتأخر ثبوت إلا و
للمتقدم ثبوت ولا عكس كما في الاثنين بالنسبة إلى الواحد، ونسبة الإرادة إلى
ذات المراد كك، إذ لا يمكن ثبوت للإرادة إلا وذات المراد ثابت في مرتبة ثبوت
الإرادة، ولا عكس لامكان ثبوت ذات المراد تقررا وذهنا وخارجا بلا ثبوت
الإرادة، ولا منافاة بين التقدم والتأخر بالطبع والمعية في الوجود كما لا يخفى.
ومما ذكرنا يظهر بالتأمل عدم الفرق بين الأمر بالصلاة بداعي شخص الأمر
المتعلق بها، أو بداعي الأمر الحقيقي بنحو القضية طبيعية بمعنى عدم النظر إلى
شخص الأمر لا بمعنى آخر فان شخص هذا الأمر ما لم يسر إلى الصلاة لا يكون
المقيد بداعي الأمر موضوعا للحكم، وسرايته إلى المقيد من قبل نفسه واقعا
محال وإن لم يكن ملحوظا في نظر الحاكم.
ومما بينا في وجه الاستحالة يتبين أن توهم كفاية تصور المقيد بداعي الأمر
الشخصي مثلا في الموضوعية للحكم أجنبي عن مورد الاشكال، وكأنه مبني
على توهم الاشكال من حيث توقف الحكم على ثبوت الموضوع فأجيب بأن
ثبوته في التصور كاف فتدبر جيدا.
ولا يخفى عليك أن إشكال التقدم والتأخر الطبعي أيضا قابل للدفع عند
التأمل لأن الأمر بوجوده العلمي يكون داعيا وبوجوده الخارجي يكون حكما
للموضوع والوجود العلمي لا يكون متقوما بالوجود الخارجي بما هو بل بصورة
شخصه لا بنفسه فلا خلف كما لا دور بل التحقيق في خصوص المقام أن الانشاء
حيث أنه بداعي جعل الداعي جعل الأمر داعيا إلى جعل الأمر داعيا يوجب
علية الشئ لعلية نفسه، وكون الامر محركا إلى محركية نفسه وهو كعلية الشئ
لنفسه، وسيجيئ إنشاء الله تعالى نظيره (1) في عبارة المصنف قدس سره.

1 - فإنه هنا في مرحلة اقتضاء الدعوة لاقتضاء الدعوة وهناك في مرحلة فعلية الدعوة في
نفس المكلف ولذا قلنا نظيره (منه) (خ).
228

نعم هذا المحذور إنما يرد إذا أخذ الاتيان بداعي الأمر بنحو الشرطية، أو
بنحو الجزئية وأما إذا لوحظ ذات المأتي به بداعي الأمر أي هذا الصنف من نوع
الصلاة وأمر به فلا يرد هذا المحذور كما سيجيئ إنشاء الله تعالى.
قوله: فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر لا يكاد يمكن الخ:
لا يخفى عليك أن ما أفاده - قدس سره - أولا كاف في إفادة المقصود وواف
باثبات تقدم الحكم على نفسه، والظاهر أن نظره الشريف إلى لزوم الدور في
مرحلة الاتصاف خارجا كما صرح به في تعليقته الأنيقة على رسالة القطع من
رسائل شيخنا العلامة الأنصاري - قده (1) -. بيانه " أن اتصاف الصلاة المأتي بها
خارجا بكونها واجبة مثلا موقوف على إتيانها بداعي وجوبها وإلا لم يكن مطابقا
للواجب ويتوقف قصد امتثالها بداعي وجوبها على كونها واجبة حتى يتمكن من
قصد امتثالها بداعي وجوبها فيدور ". إلا أن التحقيق في الاشكال ما ذكرناه في
الحاشية السابقة مع أن الفعل المأتي به في الخارج لا يتصف بكونه واجبا كيف و
هو يسقط الوجوب بل الفعل بمجرد تعلق الوجوب به يتصف بأنه واجب مضافا
إلى أن الداعي لسبقه على العمل لا يتوقف على اتصافه بعد إتيانه بالوجوب كي
يدور بل قبل إتيانه يتعلق الأمر به فلا دور حينئذ لتغاير الموقوف والموقوف
عليه.
وأما إرجاعه إلى وجه آخر (2) وهو أن الأمر المأخوذ في الصلاة كمتعلقات

1 - تعليقة على الفرائد ص 21.
2 - بل بهذا البيان يدعى ورود محذور الدور في مقام الجعل لأن المأمور به هو الفعل بداعي الأمر
فلابد من فرض وجود شخص الأمر في مقام الجعل فيلزم وجود شخص الأمر قبل وجوده ويندفع بأن
اللازم في المقام الحكم بشئ إذا كان معلقا على شئ فرض وجوده فرضا مطابقا للواقع إلا أن فرض
وجوده هكذا يستلزم وجوده فعلا بل يمكن فرض وجوده الاستقبالي أيضا ونتيجة فرض وجود شخص
الأمر ليس وجود الشئ قبل وجوده التقديري قبل وجوده الحقيقي وهذا غير وجود
الشئ قبل وجوده ليلزم تقدم الشئ على نفسه (منه) (خ).
229

موضوعات الاحكام لابد من تحققها في فعلية الأحكام فلا يكون التكليف
بشرب الماء فعليا إلا مع وجود الماء خارجا فما لم يكن أمر فلا معنى للأمر باتيان
الصلاة بداع الأمر لأنه على الفرض شرط فعليته فيلزم الدور في مقام الامتثال،
فهو مدفوع بما قدمناه في الحاشية المتقدمة من أن الأمر بوجوده العلمي يكون
داعيا ووجوده العلمي لا يتقوم بوجوده الخارجي فلا دور بل المحذور ما تقدم.
نعم لازم التقييد بداع الأمر محذور آخر وهو لزوم عدمه من وجوده وذلك
لأن أخذ الاتيان بداع الأمر في متعلق الأمر يقتضي اختصاص ما عداه بالأمر لما
سمعت عن أن الأمر لا يدعو إلا إلى ما تعلق به، وهو مساوق لعدم أخذه فيه إذ لا
معنى لأخذه فيه إلا تعلق الأمر بالمجموع من الصلاة والآتيان بداع الأمر فيلزم
من أخذه فيه عدم أخذه فيه، وما يلزم من وجوده عدمه محال.
ومن الواضح أن عبارته قده هنا غير منطبقة على بيان هذا المحذور وإلا لكان
المناسب أن يقال لا يكاد يمكن الأمر بإتيانها بقصد الامتثال أمرها أنه لا يمكن
إتيانها بقصد امتثال أمرها.
نعم هذا المحذور أيضا أنما يرد إذا أخذ الاتيان بداع الأمر بنحو الجزئية، و
بنحو القيدية فان لازم نفس هذا الجزء أو القيد تعلق الأمر بذات الصلاة، ولازم
جعل الأمر داعيا إلى المجموع أو إلى المقيد بما هو مقيد عدم تعلق الأمر ببعض
الأجزاء بالأسر، أو بذات المقيد. وأما إذا تعلق الأمر بذات المقيد أي بهذا
الصنف من نوع الصلاة وذات هذه الحصة من حصص طبيعي الصلاة فلا محذور
من هذه الجهة أيضا لفرض عدم أخذ قصد القربة فيه وإن كان هذه الحصة خارجا
لا يتحقق إلا مقرونة بقصد القربة فنفس قصر الأمر على هذه الحصة كاف في لزوم
القربة، وحيث ذات الحصة غير موقوفة على الأمر بل ملازمة لها على الفرض (1)

1 - نعم لا ينبعث بلا واسطة وأما مع الواسطة فلا وذلك لأن ذات الحصة معلومة لقصد الأمر
فترشح الأمر الغيري إليه مع أنه لا قدرة على هذه المقدمة المنحصرة إلا من قيل الأمر فيتوقف الأمر
على القدرة على متعلقه بواسطة المقدمة المنحصرة توقف المشروط على شرطه ويتوقف القدرة
على المتقدمة على الأمر بذيها توقف المسبب على سببه والجواب ما في الحاشية الآتية (منه) (خ).
230

فلا ينبعث القدرة عليها من قبل الأمر بها بل حالها حال سائر الواجبات كما
سيجيئ انشاء الله تعالى مع أن الإشكال القدرة مندفع أيضا بما تقدم وما سيأتي.
قوله: إلا أنه لا يكاد يمكن الإتيان بها بداعي أمرها الخ: الأولى أن
يجاب بما تقدم في تحقيق حقيقة التقدم المعتبر في الموضوع بالإضافة إلى
الحكم لا العدول إلى لزوم محذور آخر.
نعم هذا البيان في دفع ما ذكر في توهم الامكان من ثبوت القدرة في ظرف
الامتثال وجيه حيث لا قدرة في ظرف الامتثال لعدم الأمر بنفس الصلاة حسب
الفرض حتى يمكن إتيانها بداعي أمرها، وهو ظاهر في عدم محذور فيه مع
ثبوت القدرة في ظرف الامتثال مع أنه يستلزم الدور لتوقف فعلية الأمر بالمقيد
بداع الأمر على القدرة على الإتيان بداع الأمر توقف المشروط على شرط، و
تتوقف القدرة المزبورة على نفس فعلية الأمر توقف المعلول على علته إذ القدرة
على الإتيان بداع الأمر غير معقولة مع عدم الأمر فنحن لا ندعي أن القدرة حال
الأمر لازمة كي يجاب بكفايتها حال العمل ولا ندعي أن انبعاث القدرة من ناحية
البعث ضائر كي يقال بأنها كك دائما، بالإضافة إلى قصد القربة بل نقول أن انبعاث
القدرة على المأخوذ في متعلق البعث من نفس البعث الفعلي يستلزم المحال، و
لا يندفع إلا بما مر أن الأمر بوجوده الخارجي موقوف وبوجوده العلمي الغير
المتقوم بوجوده الخارجي موقوف عليه فان القدرة على الاتيان بداع الأمر تتحقق
بمجرد العلم وإن لم يكن أمر خارجا في الواقع.
ومما ذكرنا إشكالا وجوابا يظهر حال الجواب عن الدور كلية بجعل الأمر
متعلقا بالفعل الصادر لا عن داع نفساني فإنه منحصر في المأتي به بداع الأمر من
دون أخذه في متعلق الأمر والإشكال فيه عدم القدرة على إتيانه لا عن داع
نفساني إلا بعد الأمر المحقق لداع أخر غير الدواعي النفسانية وجوابه ما تقدم.
231

قوله: فإنه ليس إلا وجود واحد الخ: لا يذهب عليك أن ذات المقيد و
التقييد وإن كانا في الخارج موجودين لكل منهما نحو وجود يباين الأخر فان
الصلاة مثلا لها وجود استقلالي وتقيدها بالقصد له وجود انتزاعي إلا أن العبرة
في التعدد والوحدة بلحاظ الأمر فإنه قد يلاحظ الموجودين المتبائنين على ما
هما عليه من التعدد فيأمر بهما بأمر واحد فيحدث بالإضافة إلى كل واحد
وجوب غيري كما توهم، أو تعلق عن قبل وجوب نفسي واحد كما هو الحق، و
قد يلاحظهما بنحو الوحدة فيلاحظ المقيد بما هو مقيد لا ذات المقيد والتقيد
فالمأمور به حقيقة واحد، والأمر واحد وجودا، وتعلقا، والدعوة واحدة فلا أمر
لا حقيقة، ولا تعلقا بذات المقيد فكيف به بداعي أمره.
قوله: فإنه يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اعتباري الخ: يمكن الذب
عنه بأن الإرادة أنما لا تكون إرادية إلى الآخر، وأما سبق الإرادة بإرادة أخرى
توجب خلو النفس عن موانع دعوة الأمر ففي غاية المعقولية والخصم يكفيه
سبق الإرادة بإرادة أخرى كما يكفيه سبق الفعل بالإرادة ولا حاجة إلى سبق كل
إرادة بإرادة ليلزم التسلسل.
لا يقال: هذا لو كانت الإرادة كيفية نفسانية في قبال العلم، وأما لو كانت عبارة
عن اعتقاد النفع فلا إذ لا يعقل إيجاب اعتقاد النفع ولا تحريمه، وكيف يعقل
تحريم التصديق بموافقة شرب الخمر للقوة الشهوية مع أنه غير اختياري.
لأنا نقول: ليس اعتقاد النفع مطلقا مؤثرا فعليا في حركة العضلات إلى الفعل
بل عند عدم المانع فصح الأمر بالإرادة أي بجعل اعتقاد النفع مصداقا للإرادة
بجعله مؤثرا بتخلية النفس عن الموانع كما أنه يصح النهي عنها لرجوعه إلى
إحداث المانع عن تأثير اعتقاد النفع فلا تغفل، من أن الخصم لا يلزمه القول
بالأمر بالفعل وبقصد الامتثال ليلزم الأمر بالقصد بل يقول بالأمر بالصلاة وبجعل
الأمر بها محركا وداعيا إلى فعلها فهو إلزام بالصلاة التي هي من أعمال الجوارح،
وبجعل الأمر محركا بتخلية النفس عن موانع دعوة الأمر وتحريكه وتأثيره في
232

تعلق الإرادة بالصلاة، أو بتخلية النفس عما يقتضي تأثير غير الأمر في صيرورته
داعيا إلى إرادة الصلاة وأين هذا من التكليف بقصد الامتثال.
ومنه يظهر اندفاع ما يقال من أن قصد الامتثال ليس إلا إرادة خاصة، وكما لا
يعقل الأمر بالفعل وبالإرادة في عرض واحد للزوم تعلق الأمر بالفعل الخالي عن
الإرادة وإلا لزم إما اجتماع إرادتين على واحد وهو من اجتماع علتين مستقلتين
على معلول واحد، أو الخلف بعدم كون الفعل والإرادة جزء لمتعلق الأمر، كك لا
يعقل الأمر بالفعل وبالإرادة الخاصة لعين ما مر، وجه ظهور الاندفاع ما عرفت
من أن لازم مقالة الخصم ليس تعلق الأمر بقصد الامتثال بل بجعل الأمر داعيا إلى
إرادة الفعل وهو لا يستلزم خلو الفعل عن الإرادة.
قوله: أنما يصح الإتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه الخ: توضيحه
أن الاجزاء بالأسر ليس لها إلا أمر واحد (1) ولا لأمر واحدا، لا دعوة واحدة فلا
يكون الأمر داعيا إلى الجزء إلا بعين دعوته إلى الكل، وحيث أن جعل الأمر
داعيا إلى الصلاة مأخوذ في متعلق الأمر في عرض الصلاة فجعل الأمر المتعلق
بالمجموع داعيا إلى الصلاة بجعل الأمر بالمجموع داعيا إلى المجموع ليتحقق
الدعوة إلى الصلاة في مضمون الدعوة إلى المجموع، مع أن من المجموع الدعوة
إلى الصلاة في ضمن الدعوة إلى المجموع فيلزم دعوة الأمر إلى جعل نفسه
داعيا ضمنا إلى الصلاة ومحركية الأمر لمحركية نفسه إلى الصلاة عين عليته
لعلية نفسه ولا فرق بين علية الشئ لنفسه وعليته لعليته.

1 - ويمكن تقريب محذور الدور بوجه آخر وهو أن قصد الامتثال تارة يلاحظ بالإضافة إلى
المقصود بالذات فلو أخذ فيه لزم تقدم الشئ على نفسه وأخرى يلاحظ بالإضافة إلى المقصود بالعرض
والقصد حينئذ علة لوجوده فله التقدم بالعلية على المقصود بالعرض فلو كان داخلا في جملة ما تعلق به
الأمر ويطلب به امتثاله لزم تأخر الشئ عن نفسه إلا أن الأول ملاك الخلف والثاني ملاك الدور لأنه في
الأول تأخر وتقدم طبعي والثاني تقدم وتأخر وجودي والجواب ما مر مرارا من تعلق الأمر بذات الحصة
بانضمام اصلاح شرطية القدرة بما مر (منه) (خ).
233

نعم لو قلنا بترشح الأمر الغيري إلى الأجزاء، وإمكان التقرب بالأمر لغيري لم
يرد هذا المحذور لأن جعل الوجوب الغيري المختص بالصلاة داعيا إلى الصلاة
لا يتوقف على جعل الأمر بالكل داعيا، لكن المبنى غير مستقيم كما سيأتي إنشاء
الله تعالى في محله، مع جريان إشكال الدور من ناحية القدرة كما تقدم لتوقف
الأمر بالمجموع على القدرة على مثل هذا الجزء، وهو جعل الأمر
المقدمي الغيري داعيا توقف المشروط على شرطه ويتوقف القدرة على فعلية
الأمر الغيري المعلول للامر النفسي فيتوقف فعلية الأمر النفسي على فعلية نفسه،
والجواب ما تقدم مرارا.
قوله: إن الأمر الأولي إن كان يسقط بمجرد موافقته الخ: لنا الالتزام
بهذا الشق، ولكن نقول بأن موافقة الأول ليست علة تامة لحصول الغرض بل
يمكن إعادة المأتي به لتحصيل الغرض المترتب على الفعل بداعي الأمر
توضيحه أن ذات الصلاة مثلا لها مصلحة ملزمة، والصلاة المأتي بها بداعي
أمرها لها مصلحة ملزمة أخرى، أو تلك المصلحة بنحو، أوفى بحيث تكون
بحدها لازمة الاستيفاء، وسيجيئ إنشاء الله في المباحث الآتية أن الامتثال ليس
عنده قده علة تامة، لحصول الغرض كي لا تمكن الإعادة وتبديل الامتثال بامتثال
آخر، غاية الأمر أن تبديل الامتثال ربما يكون لتحصيل غرض أوفى فيندب
الإعادة، وأخرى يكون لتحصيل المصلحة الملزمة القائمة بالمأتي به بداع
الامتثال فتجب الإعادة فموافقة الأمر الأول قابلة لإسقاط الأمر لو اقتصر عليه لكن
حيث أن المصلحة القائمة بالمأتي به بداع الامتثال لازمة الاستيفاء وكانت قابلة
للاستيفاء لبقاء الأول على حاله حيث لم يكن موافقته علة تامة لسقوطه فلذا
يجب إعادة المأتي به بداعي الأمر الأول فيحصل الفرضان فتدبر جيدا.
وأما توهم: أنه يسقط الأمر الأول، وكذا الثاني لكنه حيث أن الغرض باق
فيحدث أمران آخران إلى أن يحصل الغرض، وإلا فبقاء الأمر الأول بعد حصول
متعلقه طلب الحاصل.
234

فمندفع: بأن الغرض إن كانت علة للامر فبقاء المعلول ببقاء علته بديهي وإلا
لا يوجب حدوثه أولا فضلا عن عليته لحدوثه ثانيا وثالثا، ولا يلزم منه طلب
الحاصل لأن مقتضاه ليس الموجود الخارجي كي يكون طلبه طلب الحاصل كما
لا يلزم منه أخصية الغرض لما سيجيئ إنشاء الله تعالى فانتظر.
قوله: وإن لم يكد يسقط بذلك فلا يكاد الخ: لنا الالتزام بهذا الشق أيضا
من غير لزوم، محذور وتقريبه أن الشرائط كما أسمعناك في مبحث الصحيح و
الأعم على وجه أتم ما له دخل في فعلية تأثير المركب فيما له من الأثر، وأما
الخصوصية الدخيلة في أصل الغرض فهي المقومة للجزء بمعنى أن الخاص جزء
لا أن الخصوصية خصوصية في الجزء المفروغ عن جزئيته، وقصد القربة و
الطهارة والتستر والاستقبال من الشرايط جزما فهي ذات دخل في تأثير المركب
من الأجزاء في الغرض القائم به، ومن الواضح أن الغرض أنما يدعو بالأصالة إلى
إرادة ذات ما يفي بالغرض، ويقوم به في الخارج.
وأما ما له دخل في تأثير السبب فلا يدعو إليه الغرض في عرض ذاته السبب
بل الداعي إلى إيجاد شرائط التأثير وإيجابها أغراض تبعية منتهية إلى الغرض
الأصلي لاستحالة التسلسل، ومثل الإتيان بالصلاة بداعي أمرها من شرائط
تأثيرها في الانتهاء عن الفحشاء كما أن من روابط ما يقوم به الغرض بالمولى
فالمصلحة القائمة بالمركب الصلوتي تدعو المولى إلى الأمر بالصلاة المحصلة
للغرض أولا وبالذات، وإلى الأمر بما له دخل في فعلية تأثيرها ثانيا وبالعرض
إذا لم يكن موجودا، ولم يكن العقل حاكما بايجاده بعنوانه، وإلا فمع أحدهما لا
يجب عليه في مقام تحصيل غرضه الأصيل الأمر المقدمي بالشرائط أكما أنه مع
عدم وجود الشرط وعدم حكم العقل بعنوانه يجب عليه الأمر المقدمي
بتحصيله، وإلا كان لنا التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان في نفيه كما سيجيئ
إنشاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المولى لا يجب عليه أخذ كل ما له دخل في تأثير
235

مطلوبه في غرضه في متعلق أمره بذات ما يفي بالغرض سواء أمكن أخذه فيه
كالطهارة ونحوها، أو لم يكن كالقربة ونحوها، بل قد عرفت أنه بلحاظ لب الإرادة
لا يعقل تعلقها بذات السبب وشرائطه في غرض واحد فله الأمر حينئذ بذات
السبب، والأمر بكل واحد من الشرائط مستقلا وعدم سقوط الأمر بالسبب، مع
عدم الاتيان بشرائطه من لوازمه الاشتراط من دون فرق بين القربة وغيرها، وكما لا
يحكم العقل بدخل الطهارة بعنوانها في ترتب الغرض من الصلاة عليها مع عدم
البيان من الشارع كك لا يحكم العقل بدخل القربة بعنوانها في ترتب الغرض و
حكمه بدخلها في استحقاق الثواب لا دخل له بما نحن فيه كما سمعت سابقا، و
أما حكم العقل باتيان ما يحتمل دخله في الغرض فهو مقيد بعدم تمكن المولى
من البيان، ولو بالأمر به ثانيا، فكما لا يقتضي إيجاب الطهارة مثلا إذ احتمل دخلها
في الغرض لتمكن المولى من بيانها، كك لا يقتضي إيجاب القربة لتمكنه من
بيانها، غاية الأمر أن دائرة البيان أوسع في الأولى من الثانية لتمكن المولى من
بيانها بالأمر الأول، والثاني في الأولى دون الثانية حيث لا يمكن بيانها إلا بالأمر
الثاني، وكون الأمر الثاني بيانا مصححا للعقوبة سيجيئ توضيحه إنشاء الله
فتحصل من جميع ما حررناه أن الأمر الأول لا يسقط بموافقته لبقاء ما له دخل في
تأثيره على حاله، ولا يلزم لغوية الأمر الثاني فإنه أنما يلزم ذلك لو حكم العقل
بايجاده بعنوانه، والفرض عدمه، وحكم العقل باتيان ما يحتمل دخله في
الغرض مقيد بعدم تمكن المولى من البيان كي لا تجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا
بيان، والمفروض تمكنه منه بالأمر الثاني، وتخصيص التمكن بالتمكن من بيانه
بالأمر الأول بلا مخصص إلا توهم أن البيان المصحح للعقوبة منحصر في
الكاشف عن الإرادة المتعلقة بالفعل، والمفروض عدم إمكان أخذ القربة فيما
تعلقت به الإرادة وسيجيئ جوابه إنشاء الله تعالى.
قوله: إلا أنه غير معتبر فيه قطعا الخ: لأن جواز الاقتصار على الاتيان
بداع الأمر يكشف عن تعلق الأمر بنفس الفعل لا الفعل بداعي حسنه أو غيره من
236

الدواعي إذ لا يمكن إتيانه بداع الأمر إلا مع تعلقه بذات الشئ، وإلا يلزم
اجتماع داعيين على فعل واحد، أو كون داع الأمر من قبيل داع الداعي، وهو
خلف لغرض كفاية إتيانه بداع الأمر بنفسه، مع أن الكلام فيما يكون الفعل عباديا
وقربيا، وهذه الدواعي بين ما لا يوجب العبادية والقربية، وما يتوقف على
عبادية الفعل وقربيته أما الاتيان بداعي كونه ذا مصلحة فقد عرفت سابقا أنه
بمجرده لا يوجب الارتباط إلى المولى، ولا انطباق عنوان حسن عليه (1)، وأما
الاتيان بداعي كونه ذا مصلحة موافقة للغرض وداعية للمولى إلى إرادة ذيها فهو و
إن كان يوجب الارتباط وانطباق الوجه الحسن لكنه لا يعقل تعلق الإرادة بما فيه
مصلحة داعية إلى شخص هذه الإرادة بما هو داع إليها لا بذاته، وأما الاتيان بداع
الحسن الذاتي أو بداعي أهليته تعالى، أو له تعالى بطور لام الصلة لا لام الغاية
فكل ذلك مبنى على عبادية المورد مع قطع النظر عن تلك الدواعي أما الأول
فواضح، وأما الأخيران فلانه تعالى أهل لما كان حسنا وعبادة، لا لما لا حسن فيه
والعمل لله ليس إلا العمل الإلهي من غير أن تكون إلهيته من قبل الداعي، وقد
عرفت بعض الكلام فيما تقدم.
قوله: إذا عرفت بما لا مزيد عليه عدم إمكان أخذ قصد الامتثال الخ:
ليس وجه التلازم بين استحالة التقييد، واستحالة الاطلاق أن الاطلاق والتقييد
متضائفان فلابد من قبول المحل لتواردهما إذ ليس هذا شأن المتضائفين، كيف و
العلية والمعلولية من أقسام التضائف ولا يجب أن يكون كلما صح أن يكون علة
صح أن يكون معلولا وبالعكس، بل الوجه فيه أن هذا النحو من التقابل من قبيل

1 - ربما يورد عليه أيضا بلزوم محذور الدور منه لأن قصد المصلحة يتوقف على كونه ذا مصلحة
قصدها ويندفع بأنه كذلك لو كان قصد المصلحة مأخوذا على نحو الجزئية فإنه حينئذ بعض ما يقوم
بالمصلحة وأما إذا كان بنحو الشرطية فلا محذور لأن نفس المركب من الأجزاء هي التي يقوم بها
المصلحة وقصدها دخيل في فعليتها فلا مانع من أخذ قصد إتيانها بداعي ما فيها من المصلحة وصيرورة
تلك المصلحة فعلية بسببه فتدبر (منه) (خ).
237

العدم والملكة فلا معنى لاطلاق شئ إلا عدم تقييده بشئ من شانه التقييد به
فما يستحيل التقييد به يستحيل الاطلاق من جهته.
نعم لا حاجة إلى إثبات استحالة الاطلاق لأنها غير ثابتة (1) كما بيناه في

1 - توضيحه أن الماهية كما بينا في مبحث المطلق والمقيد تارة تلاحظ بنفسها بقصر النظر عليها
ذاتا فهي في تلك الملاحظة غير واجدة إلا لذاتها وذاتياتها ولا يحكم وبالماهية المهملة وأخي تلاحظ
مقيسة إلى ما عداها وهي بهذه الملاحظة لها تعينات ثلاثة وباعتبار كونها معروضا لها مقسم لها وهي
المسماة باللا بشرط المقسمي وأما بالاعتبار الأول فلا نظر إلى الخارج عن مقام ذاتها حتى تكون مقسما
كما أن لا بشرطية الماهية بهذا الاعتبار هي اللا بشرطية من حيث التعينات الثلاثة لا اللا بشرطية
بالقياس إلى أي شئ كان وحيث أن الماهية المقيسة إلى ما عداها لا بشرط مقسمي فلا تعين لها إلا
التعينات الثلاثة لأن المقسم لا ينحاز عن أقسامه وإلا لزم الخلف والتعينات الثلاثة هي تعين الماهية من
حيث كونها بشرط شئ أو بشرط لا أولا بشرط بالإضافة إلى ما كانت الماهية بالنسبة إليه بشرط شئ
وبشرط لا، مثلا إذا قيست ماهية الإنسان إلى الكتابة فتارة يلاحظ الإنسان مقترنا بالكتابة، وأخي يلاحظ
مقترنا بعدم الكتابة، وثالثة يلاحظ غير مقترن بالكتابة ولا بعدمها وهذا تعين اعتباري لا مطابق له في
الخارج لأنه إما يوجد في الخارج مقترنا بوجود الكتابة أو بعدمها وهذا اللا بشرط القسمي غير المقسمي
لأنه لا بشرط بالإضافة إلى ما كانت الماهية بالإضافة إلى كانت الماهية بالإضافة إليه بشرط شئ وبشرط
لا، والمقسمي ما كان لا بشرط بالإضافة إلى هذه الاعتبارات الثلاثة التي هي فعلية القياس إلى ما عداها
(إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم) أن الصلاة إذا لوحظت بالقياس إلى قصد القربة فلا محالة تخرج عن فرض
كونها ماهية مهملة يكون النظر مقصورا على ذاتها كيف؟ وقد لوحظت بالقياس إلى الخارج عن ذاتها
وحيث لا يعقل أن تلاحظ مقترنة بقصد القربة ولا مقترنة بعدم قصد القربة ولا مقترنة بعدمه غاية الأمران
اللا بشرطية في ما يقبل التقيد بشئ وجود أو عدما ممكنة وهنا ضرورية، وأما ما يقال (القائل المحقق
النائيني) من أنه لا اطلاق إلا فيما رتب الحكم على المقسم ولا يعقل أن تكون الصلاة مثلا مقسما
للمتقيد بقصد القربة وللمتقيد بعدمه في مرتبة موضوعيتها بل المقسمية حصلت لها بعد ورود الحكم
عليها فيكف يعقل ان يكون لها إطلاق مع أنها غير قابلة للتقييد ولذا جعل الإطلاق في قبال التقييد من
قبيل العدم والملكة لا من قبيل السلب والإيجاب (فالجواب عنه) أن الإطلاق في جميع الموارد بمعنى
اللا بشرطية القسمية ومن الواضح أن اللا بشرط القسمي في قبال بشرط شئ وبشرط لا لا أنه مقسم
لهما حتى يجب قبوله لهما وليس الإطلاق بهذا المعنى متقوما بالقيد الوجود والعدمي بل متقوم
بعدم كون الماهية مقترنة بهما.
نعم لو لكن الإطلاق عين العموم البدلي بحيث كل مفاد صل عند الاطلاق صل مع قصد القربة أو لا
مع قصد القربة لكان المحذور واردا لكنه ليس الإطلاق بهذا المعنى بل بمعنى اللا بشرطية كما عرفت
وعليه فالإطلاق المقابل لتقييد تارة من قبيل العدم والملكة كما فيما كان ممكنا وأخرى من قبيل السلب
والإيجاب كما فيما كان ضروريا فالصحيح أن الإطلاق مع إمكان التقييد ومع استحالته ثابت غاية الأمر
أنه لا يجدى إلا في الأول كما في المتن (منه).
238

حواشي الجزء الثاني من الكتاب بل عدم التقييد لا يكشف عن عدم دخل القيد
في الغرض فلعله ممكن الدخل غير ممكن التقييد.
لا يقال: الاطلاق هنا ليس بمعنى عدم التقييد بل بمعنى الارسال فهو تعين
في قبال تعين التقييد وليس كالعدم بالإضافة إلى الملكة حتى يستحيل باستحالة
التقييد.
لأنا نقول: ليس الاطلاق مأخوذا في موضوع الحكم بل لتسرية الحكم إلى
تمام أفراد موضوعه فالموضوع نفس طبيعة الغير المتقيدة بشئ، مع أن من
حيث الاستحالة أيضا كك لأن الارسال حتى من هذه الجهة المستحيلة يوجب
جميع المحاذير المتقدمة.
فان قلت: كما أن إطلاق الهيئة ذاتا في مسألة مشمول كل حكم للعالم و
الجاهل دليل على الشمول فليكن إطلاق المادة ذاتا هنا دليلا على عموم المتعلق
فلا حاجه إلى الاطلاق النظري والتوسعة اللحاظي بل يكفي الاطلاق الذاتي وإن
كان منشأه عدم إمكان التقييد النظري، والتفهيم اللحاظي.
قلت: نفس امتناع توقف الحكم على العلم، أو الظن به، أو الشك فيه كامتناع
دخل تعلق إحدى الصفات به في ترتب الغرض الباعث على الحكم دليل على
عدم دخل إحدى الصفات في مرتبة من المراتب، لا إطلاق الهيئة ذاتا فنفس
البرهان الجاري في جميع المراتب دافع للتردد البدوي الحاصل للغافل بخلاف
239

ما نحن فيه فان عدم تقييد متعلق الأمر والإرادة معلوم بالبرهان، وأما دخله في
الغرض وفي الخروج عن عهدة الأمر فلا، والاطلاق النظري القابل لدفع الشك
ممتنع، وعدم التقييد مع تسليم امتناعه لا يكشف عن عدم دخله فيما ذكر، ولا
برهان كما في تلك المسألة على امتناع دخل داع إلهي في الغرض.
فان قلت: إطلاق الهيئة عرفا يدل على أن المتعلق تمام المقصود وهو متعلق
الغرض فيقيد التوصلية فحمله على التعبدية وأن الأمر تمهيد وتوطئة لتحقيق
موضوع الغرض خلاف الظاهر.
قلت: هذا وإن نسب إلى بعض الأجلة - قده (1) - لكنه مبني على تخيل
أخصية الغرض وحيث عرفت أن ذات العقل واف بالغرض، وأن الشرائط دخيلة
في ترتب الغرض على ما يقوم به تعرف عدم أخصية الغرض وعدم كون الأمر
تمهيدا وتوطئة (2).
فان قلت: إطلاق الهيئة يقتضي التعبدية لأن الوجوب التعبدي هو الوجوب
لا على تقدير خاص بخلاف الوجوب التوصلي فإنه وجوب على تقدير عدم
الداعي من قبل نفس المكلف.
قلت: الايجاب الحقيقي جعل ما يمكن أن يكون داعيا لا جعل الداعي
بالفعل حتى يستحيل مع وجود الداعي إلى الفعل من المكلف، ولذا صح
تكليف العاصي وإن كان له الداعي إلى خلافه.
قوله: فاعلم أنه لا مجال هيهنا إلا لأصالة الاشتغال الخ: تقريب

1 - هو السيد المحقق الأصفهاني.
2 - مع أن جعله لعنوان التمهيد لا يجدى في التوصل إلى غرضه وهو إتيان الفعل بداعي الأمران
الإنشاء السابق لم يكن بداعي التحريك بل بداعي التمهيد وأما إذا كان التمهيد داعيا للداعي فهو وإن كان
مجديا إلا أنه ليس خلاف الظاهر إذ المقدار المسلم هو كون الإنشاء بداعي جعل الداعي لا كونه منبعثا
عن غير داعي التمهيد بل دائما يكون جعل الداعي بداع آخر غير جعل الداعي قطعا فتدبر فإنه حقيق به
(منه) (خ).
240

الاشتغال بأحد وجهين:
الأول: أن البعث ليس إلا لجعل الداعي إلى تحصيل الغرض القائم
بالمبعوث إليه، وذلك لما عرفت في المباحث السابقة أن فعل الغير إذا كان ذا
فائدة عائدة إلى الشخص فلا محالة ينبعث إليها شوق، وينبعث من هذا الشوق
شوق إلى فعل الغير، وحيث أن فعل الغير ليس تحت اختيار الشخص إلا
بتسبيب وتحريك يوجب انقداح الداعي في نفسه إلى فعله فلا محالة ينبعث من
الشوق إلى فعل الغير شوق إلى جعل الداعي بالبعث والتحريك، فالبعث و
التحريك معلول لما ينتهي إلى أصل الغرض القائم بالمبعوث إليه، وهو علة
العلل بالنسبة إلى البعث، وهكذا إذا كان الفعل الغير فائدة عائدة إلى نفسه، وكان
المولى ممن يجب عليه إيصالها إلى ذلك الغير فان البعث حينئذ لايصال تلك
الفائدة فهي علة العلل بالإضافة إلى البعث والمعلول يدور مدار علته حدوثا و
بقاء فإذا علم أصل الغرض، وشك في سقوطه، إما للشك في أصل الاتيان بما
يقوم به، أو للشك فيما له دخل فيه كما فيما نحن فيه فلا محالة يجب عقلا القطع
بتحصيل الغرض باتيان جميع ما يحتمل دخله فيه.
والتحقيق أن كبرى لزوم تحصيل الغرض عقلا (1) لا شبهة فيها لكن الصغرى

1 - ربما يقال (القائل المحقق النائيني) * (1) أن الغرض إن كان من قبيل الفعل التوليدي بالنسبة إلى
ما يترتب عليه فيصح الأمر بتحصيله كما يصح الأمر بمحصله وإن كان من قبيل المعدلة بالنسبة إلى
معده بحيث يتوسط بينهما أمور غير اختيارية للمكلف سواء كانت الواسطة في نفسها من الأمور القهرية
أو من الأمور الاختيارية لغير المكلف فلا يصح الأمر بتحصيله والواجبات الشرعية غالبا بالإضافة إلى
أغراضها من قبيل الثاني لتوسط أمور آخر قائمة بالشارع أو بغيره بين الواجب والغرض منه وإلا لمكان
الأمر بتحصيلها أولى من الأمر بمحصلها فمن عدم الأمر بها بوجه يستكشف أنها من قبيل المعدلة
المترتب على المعد بواسطة أو وسائط ولذا قد أمر بها فيما كان من قبيل المسببات بالإضافة إلى
أسبابها كما في الطهارة الحدثية والخبثية حيث أمر بهما كما أمر بمحصلها وعليه فكبرى لزوم
تحصيل الغرض موقوفة على إحراز أن الغرض من قبيل المسبب بالنسبة إلى سببه لا مطلقا هذا.
(قلت أولا) من أين علم أن النهى عن الفحشاء لا يقوم بنفس الصلاة بل متوسط بينه وبين الصلاة
أمور خارجة عن الإختيار وعدم الامر به لا يكشف عن ذلك بل الغالب حيث أن ترتب الأغراض الواقعية
على محصلاته غير معلوم للعامة فلذا أمر بمحصلها (وثانيا) أن الغرض الباعث على الأمر بشئ نفس
تلك الخصوصية القائمة به فلو فرض أن الصلاة معدة للنهي عن الفحشاء كان الغرض الباعث على الأمر
بالصلاة حيثية اعدادها والمعدلة غرض من الغرض والغرض الواجب هو إيجاد المعد حينئذ وعليه
فالواجب بالإضافة إلى الخصوصيات القائمة بها دائما من قبيل الأسباب وإن كانت بالإضافة إلى غرض
آخر من قبيل المعدات فتدبر وأما الغرض من نفس الأمر فقد مر أنه أجنبي عن ملاك التعبدي والتوصلي
لأن الحكم الحقيقي حقيقة الإنشاء بداعي جعل الداعي وهو يحصل بمجرد الإنشاء بداعي البعث وأما
فعلية الدعوة في نفس المكلف فهي أجنبية عن الغرض القائم بفعل المولى.
فتوهم أن الأمر إذا كان بهذا الغرض يجب جرى العبد على وفق هذا الغرض. (مدفوع) بالفرق بين ما
هو ملاك جعل الداعي من قبل المولى وفعلية الدعوة من قبل العبد ولا معنى للجري على وفق غرض
المولى إلا على الوجه الثاني الذي لا يعقل أن يكون غرضا من فعل المولى (منه).
* (1) أجود التقريرات ج 1 ص 112.
241

غير متحققة بمجرد الأمر إذ اللازم عقلا هو تحصيل الغرض المنكشف بحجة
شرعية أو عقلية، والأمر بمركب يصلح للكشف عن غرض يفي به المأمور به (1)

1 - إن قلنا أن الأمر لم يتعلق إلا بما عد القربة أولا وآخرا فمقتضى انبعاث الأمر عن الغرض بنحو
انبعاث المعلول عن العلة هو أن الأمر يكشف عن غرض مساو للمأمور به ولا يعقل انبعاثه عن غرض
أخص فلم يبق إلا احتمال غرض أخص لا احتمال انبعاث الأمر عن غرض أخص فلا حجة على الغرض
الأخص، وإن قلنا بأن الأمر متعلق بقصد القربة مستقلا بل الشرائط كلها مبعوث إليها ببعث مقدمي
فالغرض الداعي إلى الأمر النفسي وإن كان مساويا لذات المأمور به الا أن حصول الغرض المساوي في
الخارج بإتيان ذات المأمور به بشرائطه ما عدا القربة غير معلوم مع تمامية الحجة على الغرض المساوي
لكن حيث أن قصد القربة قابلا لتعلق الأمر به مستقلا فمع عدمه يكون العقاب على عدم تحصيل
الغرض المعلوم من ناحية عدم قصد القربة المحتمل دخله في فعلية الغرض عقابا بلا بيان فيكون مؤمنا
من ناحية عدم فعلية الغرض المساوي لعدم إتيان قصد القربة (منه) (خ).
242

ولا يصلح للكشف عما لا يفي به فالغرض الواقعي إن كان مما يفي به المأمور به
فقد قامت عليه الحجة، وإن لم يكن مما يفي به المأمور به فلم تقم عليه الحجة و
لا يجب عقلا تحصيل الغرض الذي لم تقم عليه الحجة شرعا ولا عقلا فالغرض
الواقعي وإن كان مرددا بين ما يفي به المأمور به وما لا يفي إلا أنه لا حجة إلا على
ما يفي به بخلاف باب الأقل والأكثر، الارتباطيين فان متعلق الأمر الشخصي
حيث أنه أمر مردد بين الأقل والأكثر، والغرض كك مردد بين ما يقوم بالأكثر وما
يقوم بالأقل فالأمر فالأمر المعلوم حجة على الفرض المردد فيجب تحصيله فالأمر في
باب الاشتغال هنا. وهناك على العكس مما هو المعروف وسيجيئ إنشاء الله
تعالى تتمة الكلام.
الثاني: أن مرجع الشك هنا إلى الشك في الخروج عن عهدة ما قامت عليه
الحجة وهو التكليف بالصلاة مثلا إذ مفروض الكلام عدم كون قصد القربة من
قيود المأمور به بخلاف الأقل والأكثر الارتباطيين فإنه ربما يقال فيه بانحلال
التكليف فلا تكليف بالزائد فيكون العقاب على تركه عقابا بلا بيان، وبالجملة
نحن وإن أغمضنا النظر عن وجوب تحصيل الغرض وقلنا بلزوم إسقاط الأمر
المعلوم والخروج عن عهدته فاللازم الاشتغال هنا للعلم بالتكليف والشك في
أن الخروج عن عهدته هل يحصل بمجرد مطابقته المأتي به لذات المأمور به أم
لا، إلا باتيانه بقصد الامتثال والعقل بعد إحراز التكليف يحكم بالقطع بالخروج
عن عهدته باتيانه بقصد الامتثال.
والتحقيق: أن الشك إن كان في الخروج عن عهدة ما تعلق به التكليف
فواضح العدم إذ لا شك في إتيانه بحده وإن كان في الخروج عن عهدة الغرض
الداعي إليه فلا موجب له إلا عما قامت الحجة عليه كما عرفت آنفا فليس هذا
وجها آخر للاشتغال مع أن رجوع الشك هنا إلى الشك في الخروج عن عهدة ما
قامت الحجة عليه دون الشك في التكليف أنما يصح إذا لم يصح التكليف بقصد
القربة مطلقا لا في ضمن الأمر بالصلاة، ولا في ضمن أمر آخر. مع أن التكليف به
243

بأمر آخر لا مانع منه فإذا شك فيه كان العقاب عليه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا
برهان، فيمكن القول بالبرائة هنا وإن قلنا بالاحتياط في الأقل والأكثر الارتباطيين
للقطع بأن التكليف بالصلاة لم يتعلق بالمقيد بالقربة لاستحالته فيتمحض الشك
فيه في التكليف بأمر آخر بخلاف غير القربة من الاجزاء والشرائط فان تعلق
التكليف المعلوم بما يشتمل عليه غير مقطوع بعدمه فيقال التكليف النفسي
الشخصي معلوم، ومتعلقه مردد بين الأقل والأكثر فيجب الاحتياط.
نعم ما يمكن أن يبحث عنه ويجعل مانعا عن التكليف بالقربة هو أن التكليف
بالقربة لا يكشف عن تعلق التكليف النفسي بالصلاة المتقيد بها لاستحالته كما
عرفت، والتكليف المقدمي لا عقاب على مخالفته فلا يكون هذا البيان مصححا
للعقوبة به كي يقال حيث لا بيان فالعقاب على تركه عقاب بلا بيان.
ومنه يعلم أن الاخبار عن الدخل في الغرض أيضا كك حيث لا يكشف عن
المطلوبية بالطلب النفسي الذي يعاقب على مخالفته.
والجواب عنه أن إرادة الشرائط مطلقا إرادة مقدمية منبعثة عن إرادة ذات ما
يقوم بالغرض ولا يعقل تعلق الإرادة بالمقدمة في عرض تعلقها بذيها وفي مقام
البعث، وإن أمكن البعث إلى الفعل المقيد بالشرائط إلا أنه لا يجب على الباعث
تقييد مطلوبه بالقيود الدخيلة في التأثير في الغرض، بل له الأمر بذات المطلوب
والأمر بكل قيد مستقلا، وملاك الشرطية الحقيقية المقابلة للجزئية أن يكون
المطلوب بما هو متقيد بأنحاء التقيدات مؤثرا فعليا فيما له من الأثر، فما يقوم به
الغرض ينتزع منه أنه بعض ما يفي بالغرض، وما هو حالة، وخصوصية فيما يفي
بالغرض ينتزع منه أنه دخيل في وفاء المركب بالغرض سواء كان اعتبار هذه
الخصوصية والحالة بالأمر المتعلق بذات ما يفي بالغرض بأن يقول " صل عن
طهارة أو متطهرا " أو كان بأمر آخر بأن يقول بعد الأمر بالصلاة " وليكن صلاتك
عن طهارة مثلا " والعقاب على ترك الشرط حينئذ ليس لمخالفة الأمر المقدمي
مطلقا بل لمعصية الأمر النفسي حيث أنه لم يأت بما تعلق به على نحو يؤثر في ما
244

له من الأثر فالغاية الداعية إلى إرادة ذيها أولا وبالذات، وإلى إرادة ما له دخل
فيها ثانيا وبالعرض قد انكشفت بالأمرين فيجب تحصيلها، وإلا لا يكاد يسقط
الأمر النفسي كما عرفت وجهه سابقا هذا، ومن جميع ما ذكرنا ظهر أنه لا مجال
للاشتغال.
نعم استصحاب الوجوب المعلوم إلى أن يقطع بانتفائه باتيان جميع ما يحتمل
دخله في الخروج عن عهدته لا مانع منه، وهو يكشف بطريق الأن على أن
الغرض سنخ غرض لا يفي به ذات المأمور به، وإلا فبقاء شخص الأمر مع إتيان
متعلقه بحدوده وقيوده غير معقول فلا يعقل التعبدية إلا إذا كشف عن كون علته
سنخ غرض لا يفي به المأمور به.
والتحقيق أن الاستصحاب لا مجال له هنا الغرض منه إن كان التقيد بوجوب
قصد الامتثال شرعا فهو على فرض إمكان أصله غير مترتب على بقاء الأمر (1)
شرعا حتى تكون التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر وإن كان التعبد بدخله في الغرض
فأوضح بطلانا لأن دخله فيه واقعي لا جعلي وإن كان التعبد به محققا لموضوع
الحكم العقلي باسقاط الغرض لكشفه عن بقائه ففيه أولا أن إسقاط الغرض
المنكشف بحجة شرعية أو عقلية لازم، ولذا لم نحكم بالاشتغال ابتدأ فليس
الأمر بوجوده الواقعي موضوعا لذلك، فضلا عن وجوده التعبدي، وثانيا أن ما
ذكر من أن التعبد ببقائه كاشف عن أخصية الغرض من المطلوب أنما يسلم في
البقاء الحقيقي لا التعبدي لأن الغرض من جعل الحكم المماثل بقاء شئ آخر لا

1 - كيف ولو كان كذلك لما شك في بقاء الأمر مع أنه ليس الترتب على فرض إمكان أخذ قصد
القربة في المأمور به إلا من باب ترتب الوجوب المقدمي المعلولي على وجوب ذي المقدمة وهو ترتب
قهري لا شرعي جعلي وأما الحكم بوجوب المقدمة إذا ثبت وجوب ذيها تعبدا فليس بالتعبد بل لأن
موضوع وجوب المقدمة هو الأعم من الواقع والظاهر وأما لو قلنا بأن الأمر بقصد القربة بأمر آخر فليس
هناك ترتب أصلا بل معلولان متلازمان منبعثان عن غرض واحد بلحاظ مرتبة الفعلية فتدبر جيدا (منه)
(خ).
245

ذلك الغرض الواقعي، واحتماله لا يجدي شيئا.
قوله: نعم يمكن أن يقال إن كلما ربما يحتمل دخله في الامتثال
الخ: الفرق بينه وبين الوجه المتقدم سابقا أن الوجه السابق موقوف على إحراز
مقام البيان، وهذا من مقدماته لزوم القيام مقام البيان لأجل التنبيه وحصول
الالتفات كي يحتمل دخل الوجه مثلا في الغرض حتى يجير إتيانه عقلا.
قوله: فان دخل القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي الخ: قد
عرفت آنفا إن قصد القربة مما يمكن الأمر به، وإن لم يمكن تقييدا للمأمور به في
ضمن الأمر الأول، والأمر المقدمي، وإن لم يكن مصححا للعقوبة مطلقا، ولا
موجبا لتقييد المأمور به بالأمر الأول هنا بحيث يكون المطلوب النفسي بالآخرة
الصلاة بداعي أمرها النفسي إلا أن اعتبار هذه الخصوصية في الصلاة بقوله، و
ليكن الصلاة عن داعي أمرها يوجب انتزاع الشرطية (1) في مقام الجعل والبعث

1 - لا يخفى عليك أن الأمر إذا تعلق بمركب يصحح انتزاع الجزئية في مقام الطلب من كل واحد
من أجزاء ذلك المركب وإذا تعلق بشئ متقيد بقيد ينتزع الشرطية في مقام الطلب عن ذلك القيد
والمفروض أن الأمر النفسي المتعلق بالصلاة لا يعقل أن يكون متعلقه متقيدا بقصد القربة فيستحيل
انتزاع شرطية القربة بلحاظ الأمر النفسي كما أنه لا يعقل استكشاف تقيدها بها بدليل آخر لأن الاستحالة
في مقام الثبوت تمنع عن عقل الكاشف وأما انتزاع الشرطية من أمر آخر فإن كان الأمر بالصلاة المتقيدة
بقصد القربة فهو غير معقول لأن الصلاة بعد تعلق البعث بها بذاتها لا يعقل البعث الحقيقي نحوها بأمر
آخر، وإن كان الأمر الآخر أمرا بايجاد قصد القربة في الصلاة فقصد القربة تمام المطلوب بهذا الطلب لا
قيده فيستحيل انتزاع الشرطية بلحاظ أمر آخر (نعم) حيث تعلق الأمر بالصلاة وتعلق الأمر بإيجاد قصد
القربة فيها ينتزع من الوجوبين وجوب جامع بالصلاة بقصد القربة فينتزع الشرطية بلحاظ هذا الوجوب
الجامع الانتزاعي ولا بد من حمل ما ذكرناه في الحاشية على هذا الوجه دون الوجهين الأولين
لاستحالتهما إلا أن رفع مثل هذه الشرطية المنتزعة من جامع انتزاعي لا من مجعول شرعي بحديث
الرفع مشكل جدا وربما ينسب إلى بعض الأساطين قدس سره (هو العلامة الثاني الميرزا الشيرازي)
الفرق بين المحصلات العادية والمحصلات الشرعية كما إذا أمر بالإحراق فلا بد من الإحتياط في
محصله دون ما إذا أمر بالطهارة فإن محصلها شرعي فإذا شك في دخل شئ فيه جرى حديث الرفع
فيه وعليه فحيث أن قصد القربة ليس دخلها شرعيا بل واقعي فلا يعمه حديث الرفع دون سائر الشرائط
فإن دخلها شرعي فيعمها حديث الرفع فلا بد من تحصيل الغرض بإتيان الصلاة بقصد القربة الذي لا
يعمه حديث الرفع دون غيره ويرد عليه أن المراد إن كان دخل القربة وغيرها صحيح من حيث شمول
حديث الرفع وعدمه إلا أنه لا مقابلة بين المحصلات العادية والشرعية لا في الغرض ولا في المطلوبية
لان المحصلات بالإضافة إلى الغرض كلها واقعية غاية الأمران الشارع كشف عن محصلية بعضها
للغرض لا أن محصليته شرعية وأما بالإضافة إلى المطلوبية مع أنه لا يستحق عنوان المحصلية فيندفع
بان كل أمر أمكن أخذه في متعلق التكليف كان دخيلا في المطلوبية سواء كان من المحصلات العادية أو
الشرعية للغرض وكل ما لا يمكن أخذه في متعلق التكليف لم يكن دخيلا في المطلوبية وربما يورد عليه
بوجه آخر (المورد المحقق النائيني - ره -) * (1) وهو أن المرفوع بحديث الرفع لا بد من أن يكون حكما
مجعولا
مجهولا في رفعه المنة ومن البين أن وجود الاعتبار الشرعي عند مجموع ما يقطع بدخله وما يحتمل
دخله مقطوع به لا مجهول حتى يرفع ووجوده عند المجرد عن المحتمل دخله وإن كان مجهولا إلا أنه
المنة في رفعه (ويندفع) بان وجود الاعتبار عند المجموع الذي هو إما تمام السبب أو مشتمل عليه وإن
كان معلوما إلا أن ترتب الاعتبار شرعا على المجموع بما هو مجهول فهو المرفوع، مثلا إذا صدر عقد
عربي ما ضوي لا شك في حصول الملك عنده إلا أن ترتب الملك شرعا على العقد العربي الماضوي بما
هو عقد عربي ماضوي مجهول فلا مانع من شمول حديث الرفع له والمنة في رفعه واضحة.
نعم لا يثبت يرفع الاعتبار عنه ثبوته للعقد المجرد عن العربية والماضوية إلا بالملازمة العقلية فان
المفروض إهمال الدليل من حيث ترتب الاعتبار على الخاص بما هو خاص أو على ذات الخاص كما
أوضحناه في باب البيع من الفقه.
فان قلت: على هذا لا يجدى حديث الرفع لرفع الشرطية في باب التكاليف أيضا فان مقتضاه عدم
تعلق التكليف بالخاص بما هو خاص وهو لا يجدى في تعلقه بذات الخاص إلا بالملازمة العقلية
المفروض اهمال دليل الواجب من حيث كونه الخاص بما هو خاص أو ذاته.
قلت: الخصوصية على قسمين: أحدهما ما يكون مقوما للواجب فالواجب أمر خاص وما يقوم به
الغرض ذاتا كذلك والمراد بالذات كذلك وحاله حينئذ حال الاعتبارات في باب العقود وإيقاعات
والأسباب (ثانيهما) ما يكون دخيلا في فعلية الغرض من الواجب وهو الذي يستحق إطلاق الشرط عليه
وقد مر مرارا أن مثله لا يعقل أن يكون مقوما للمراد بالإرادة النفسية المنبعث منها الإيجاب النفسي فان
الإرادة تتعلق بما يفي بالغرض وأما ماله دخل في فعليته فهو متعلق لغرض تبعي مقدمي فينبعث من هذا
الغرض التبعي إرادة تبعية ينبعث منها وجوب غيري وعليه فتعلق الوجوب النفسي بذات المشروط
المقطوع به وإنما المشكوك وجوب شئ آخر تبعا لدخله في فعلية الغرض وأما أخذه في متعلق الأمر
النفسي مع فرض شرطيته حقيقة فليس إلا لأجل تقييد الواجب النفسي به خطابا لتقيده به واقعا من
حيث الغرض فالواجب النفسي متقيد به لا أن المتقيد به واجب نفسي وتمام الكلام في محله، ومنه
يتضح أن حديث الرفع لمثل ما نحن فيه أعني شرائط الواجب صحيح نافع غاية الأمر أن قصد القربة لا
شرطية له وأما إيجابه للغير استقلالا فهو معقول وشمول حديث الرفع للتكليف المجهول المجعول
الموافق للامتنان لا مانع منه أصلا (منه).
* 1 - أجود التقريرات ج 1 ص 119.
246

إذ لا نعني بالشرطية إلا اعتبار الشئ في المأمور به بنحو يكون التقييد به داخلا،
والقيد خارجا، والأمر بقصد القربة على النهج المزبور بعد الأمر بالصلاة يصحح
انتزاع الشرطية، وكلما كان قابلا للجعل والوضع فهو قابل للنفي والرفع، وإن لم
يكن مصححا للعقوبة، أو موجبا لتقييد الأمر النفسي.
قوله: فافهم الخ: يمكن أن يكون إشارة إلى أن اختصاص الأمر الفعلي بما
عدا المشكوك مشترك بين المقامين، غاية الأمر أنه هنا بحكم العقل، وهناك
بضميمة الأصل فان اكتفينا في الخروج عن العهدة بمجرد إتيان المتعلق كان
المقامات على حد سواء وإن قلنا بلزوم إتيان كلما يحتمل دخله في الغرض في
الخروج عن العهدة كان المقامان كك أيضا إذ المفروض عدم دليل على عدم
دخل المشكوك في الغرض. وجوابه أن نفي الجزئية والشرطية جعلا يوجب
تفويت الغرض من الشارع لو كان المشكوك دخيلا فيه بخلاف ما لو لم يكن نفي
248

الجزئية والشرطية منه بل بعدم إمكان أخذ المشكوك في المتعلق.
قوله: لكون كل واحد مما يقابلها الخ: لا يخفى عليك أن النفسية وما
يماثلها قيود للطبيعة نحو ما يقابلها لخروجها جميعا عن الطبيعة المهملة إلا أن
بعض القيود كأنه لا يزيد على نفس الطبيعة عرفا كالنفسية، وما يماثلها دون ما
يقابلها.
والتحقيق أن النفسية ليست إلا عدم كون الوجوب للغير وكذا البواقي، و
عدم القرينة على القيود الوجودية دليل على عدمها، وإلا لزم نقض الغرض لا أن
النفسية والغيرية قيدان وجوديان، وأحدهما وهو الإطلاق من حيث وجوب
شئ آخر مثلا كأنه ليس تقييد بل أحد القيدين عدمي، ويكفي فيه عدم نصب
القرينة على الوجودي المقابل له فمقتضى الحكمة تعيين المقيد بالقيد العدمي
لا المطلق من حيث وجوب شئ آخر كما ظاهر المتن إذ المفروض اثبات
الوجوب النفسي وهو الوجوب، لا لغيره لا الوجوب المطلق الذي وجب هناك
شئ آخر أو لا: إذ ليس الوجوب الغيري مجرد وجوب شئ مع كون الشئ
الآخر واجبا مقارنا معه بل الوجوب المنبعث عن وجوب آخر، ومن الواضح أن
إطلاق الوجوب من حيث انبعاثه عن وجوب آخر وعدمه غير معقول، وكذا
الوجوب التخييري هو الوجوب المشوب بجواز الترك إلى بدل، وإطلاق
الوجوب من حيث الاقتران بجواز الترك وعدمه غير صحيح بل المراد بالاطلاق
المعين للنفسية وإقرانها هو عدم التقييد بما يفيد الغيرية، والتخييرية، والكفائية
كما صرح به قده في آخر المطلق والمقيد فتدبر جيدا.
وتوهم: أن الحكمة لا يقتضي الوجوب النفسي حيث لا يلزم من عدم نصب
القرينة على فرد آخر نقض الغرض، مدفوع بأن المراد من الغرض ما دعاه إلى
القيام مقام بيان نحو الوجوب وكيفيته لا الغرض الباعث على التكليف مع لزوم
نقض الغرض من التكليف أيضا عند تعذر ما اقتصر عليه في مقام البيان.
249

" الأمر بعد توهم الخطر "
قوله: والتحقيق أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال الخ.
نعم ربما يتشبث بذيل دليل الحكمة لتعيين بعض المحتملات بملاحظة كونه
قدرا متيقنا بتقريب أن المورد إذا لم يكن عباديا واحتمل الإباحة الخاصة كان هي
المتيقن لأن الأذن معلوم، والإباحة الخاصة هو الاذن الساذج أي الاذن الذي
ليس فيه اقتضاء طلبي فالقيد عدمي يكفي في عدمه عدم القرينة على ثبوته
بخلاف غيرها، وإذا كان المورد عباديا ولم يحتمل الإباحة الخاصة كان المتيقن
هو الاستحباب لأن أصل الاقتضاء معلوم لخروج الإباحة الخاصة على الغرض، و
حد الاستحباب عدمي يكفي عدم نصب القرينة عليه، والفرق بين ما نحن فيه و
بين ما تقدم في حمل الصيغة على الوجوب بمقدمات الحكمة هو أن الصيغة
ظاهرة وضعا في الطلب والوجوب لا يزيد على الطلب بما هو بشئ بخلاف ما
نحن فيه فان أصل الاقتضاء علم من الخارج حسب الفرض وخصوصيته الندب
حيث كانت عدميته لا يحتاج إلى دليل فلذا صار الاستحباب متيقنا من بين
المحتملات.
نعم يرد عليه أن القدر المتيقن الذي يصح الاتكال عليه عرفا هو المتيقن في مقام
التخاطب والمحاورة لا المتيقن في مقام المرادية، مع أن الاقتضاء بعد
خروج الإباحة الخاصة غير معلوم لاحتمال الكراهة الغير المتنافية للاذان و
الرخصة فافهم.
" هل الأمر يدل للمرة أو التكرار؟ "
قوله: والاكتفاء بالمرة فإنما هو لحصول الامتثال الخ: إذ المتكلم لو
كان في مقام البيان، وأمر بالطبيعة مقتصرا عليها من دون تقييد فالحكمة تقتضي
250

إرادة المرة فإنها كأنها لا تزيد على وجود الطبيعة بشئ، وأما مع قطع النظر عن
مقدمات الحكمة فلا وجه للاكتفاء بالمرة إذ الامتثال فرع كيفية البعث، والبعث
إلى الماهية المهملة جدا لا معنى له، ولا مطابقة للمأتي به مع المأمور به حينئذ.
قوله: لا يوجب كون النزاع هيهنا الخ (1): بل لا يعقل إذ ليس النزاع في
وضع الصيغة للطلب المكرر، أو الدفعي بل في وضعها لطلب الشئ دفعة أو
مكررا فالمرة والتكرار من قيود مفاد المادة لا الهيئة.
لا يقال: يمكن الوضع للطلب المتقيد بالحدث المتكرر مثلا من دون أخذ
التكرار لا في مفاد الهيئة ولا في مفاد المادة وإن كانت الهيئة بالملازمة تدل على
ملاحظة التكرار في جانب المادة في مرحلة الطلب بها.
لأنا نقول: ما لم يلاحظ التكرار في جانب المبدء في مرحلة الاستعمال لا
يعقل تقيد مفاد الهيئة به في مرحلة الاستعمال فيلزم نقض الغرض من أخذه في
المادة في مرحلة الاستعمال.
قوله: ضرورة أن المصدر ليس مادة الخ: قد عرفت نبذة مما يتعلق بهذا
المقام في أوائل مبحث المشتق وقد أسمعناك هناك أن الاشتقاق المعنوي عبارة
عن طرو أنحاء النسب على مبدء واحد، وهو المشتق منه بلحاظ لا بشرطيته
الذاتية وقبوله الطبيعي لجميع أنحاء النسب وبإزاء ذلك المبدء مادة اللفظ
المشتركة بين جميع الألفاظ المختلفة في الهيئات فقط، والمصدر مشتمل على
نسبة ناقصة لا يصح السكوت عليها وإن كان ربما يطلق ويراد منه المبدء كما لا
يخفى، واشتماله على نسبة خاصة معنى إشتقاقه معنى.
وأما عند الجمهور فالمصدر بمعناه نفس المبدء فلا يكون بحسب المعنى من

1 - لان الإنشاء كان بداعي جعل الداعي الواحد فلا تعدد حتى يكون الطلب مكرا أو يكون له
وجودات دفعية وإن كان بداعي جعل الداعي نوعا فهو وإن كان بحسب التحليل العقلي متعلق كل فرد
من طبيعي الطلب بفرد من طبيعي متعلقه إلا أن هذا الطلب النوعي أيضا موجود وحداني بوحدة نوعية
طبيعية فهو دفعي بالدفعية اللازمة لذات الموجود الواحد لا بلحاظها في مرحلة الطلب (منه) (خ).
251

المشتقات لخلوه عن النسبة، وحينئذ فالهيئة لمجرد انحفاظ المادة حيث لا
يعقل وجود المادة بلا صورة، وعليه فما حكي عن السكاكي نافع لما ذكره في
الفصول (1) حيث أن المصدر وإن لم يكن بلفظه وهيئته مادة للمشتقات إلا أنه
بمعناه مبدء لها فان معروض أنحاء النسب نفس المعنى المصدري، ومعنى
أصالته ح مبدئيته بحسب معناه للمشتقات، ونتيجة وضع المصدر لنفس المبدء
بلا نسبة، وأصالة معناه، ومبدئيته للمشتقات بحيث كانت موادها بإزاء المعنى
المصدري ما أفاده في الفصول.
لكن التحقيق ما عرفت من اشتمال المصدر معنى على نسبة ناقصة يحكي
عنها هيئة وضعا وإن كان ربما يطلق ويراد منه نفس المبدء، ومعنى أصالته
حينئذ تقدم رتبته على الفعل لتقدم كل ناقص على التام طبعا لزيادة الثاني على
الأول كما أن وجه دعوى أصالة الفعل تقدم الفعل على المصدر بلحاظ تقدم التام
على الناقص شرفا، ونفس هذا الاختلاف كاشف عن أن الأصالة ليست بمعنى
المبدئية ضرورة أن الفعل لا ريب في اشتماله على النسبة فكيف يعقل أن يكون
بمعناه مبدء لسائر المشتقات مع أن النسبة لا يعقل معروضيتها لنسبة أخرى.
قوله: وكيف يكون بمعناه مادة لها الخ: هذا أنما يتم بناء على اشتماله
على نسبة ناقصة، وإلا فمعناه قابل للمبدئية، ولتوارد أنحاء النسب عليه، وما
تقدم في مبحث المشتق مبائنة المصدر، أو المبدء مع معاني المشتقات لا مع
مباديها ومعروض نسبها كما هو واضح.
قوله: لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا الخ: حاصله أن المراد
بالفرد هو وجود الطبيعة حيث أنها لا وجود لها في الخارج إلا بوجود فردها و
الكلام في المبحث الآتي ليس في أن الطبيعة من حيث هي متعلقة للأمر أو فردها
بل الكلام في أن لوازم وجود الطبيعة ومشخصاته داخلة في المطلوب ومقومة
له أو خارجة عنه، ومن لوازمه بعد الفراغ عن تعلق الطلب بوجود الطبيعة فالفرد

1 - الفصول الغروية ص 71.
252

هنا غير الفرد هناك.
قلت: هذا بناء على مسلك التحقيق من كون التشخص بنفس الوجود، وما
يراه الجمهور من مشخصات الطبيعة يكون من لوازم التشخص لا ما به التشخص،
وأما لو قيل بما هو المشهور عند الجمهور من كون التشخص بهذه الأمور اللازمة
لوجود الطبيعة في الخارج فلا محالة ليست الوحدة والتعدد في وجود الطبيعة
بنفس الوجود بل بلوازمه فتكون لوازم الوجود في هذه المسألة داخلة في
المطلوب فيتحد الفرد في هذه المسألة المدلول عليه بالصيغة مع الفرد في تلك
المسألة. مضافا إلى أن الفرد وإن كان عين وجود الطبيعة فقط ولم يكن متحدا مع
الفرد في تلك المسألة إلا أن ترتيب هذا البحث الآتي ممكن من وجه آخر لاتحاد
الفرد هنا ووجود الطبيعة هناك فيقال بعد إثبات تعلق الأمر بوجود الطبيعة هل
مقتضاه وجود واحد من الطبيعة أو وجودات منها.
فالتحقيق في رد ما في الفصول هو أن مجرد ترتب موضوع مسألة على
موضوع مسألة أخرى، أو محمولها على محمولها لا يستدعي جعله تتمة لتلك
المسألة بل ميزان الوحدة والتعدد وحدة جهة البحث، وتعددها وتعدد جهة
البحث هنا وهناك واضح فان جهتي الوحدة والتعدد في الوجود وإن كانتا
عارضتين له، ومترتبتين عليه لكنهما مغايرتان له قطعا فالبحث عن أحدهما غير
البحث عن الآخر وإن كانت رتبة أحدهما متأخرة عن الآخر.
قوله: لا إشكال بناء على القول بالمرة في الامتثال الخ: لا يذهب
عليك أنه لا فرق بين القول بالمرة والقول بالطبيعة من هذه الجهة لرجوع الأمر في
مورد الصحة إلى تبديل الامتثال واستقراره على المأتي به ثانيا، وهو لا ينافي
إرادة فرد من الطبيعة، أو دفعة واحدة منها حيث أن ما استقر عليه الامتثال فرد و
دفعة واحدة وغيره لغو لم يستوف المولى منه الغرض، وهو مناط الامتثال على
الفرض فافهم.
قوله: فإنه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال الخ: هذا
253

التفصيل أنما يناسب القول بالطبيعة أو المرة والفراغ عن عدم اقتضاء الإطلاق
لمرة أو مرات، فتعليل عدم اقتضاء الاطلاق لمرة أو مرات بهذا الوجه لا يخلو عن
شئ إذ لو اقتضت مقدمات الحكمة للاطلاق بهذا المعنى (1) لكشفت عن كون
الغرض سنخ غرض يتوقف ترتبه على الفعل على عدم لحوق فرد آخر أفضل منه
أو مطلقا فتدبر.
قوله: وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض الخ:
التحقيق: أن إتيان المأمور بحدوده وقيوده علة تامة للغرض الباعث على البعث
إليه، والغرض القائم باحضار الماء تمكن المولى من رفع عطشه به مثلا لا نفس
رفع العطش كما هو واضح. نعم هو غرض مقدمي أصيل وهو غير فارق إذ مدار

1 - مقدمات الحكمة تارة تقتضي تعين المرة أما بأن يقال أن المرة كأنها لا تزيد على وجود الطبيعة
عرفا بخلاف وجودها مرآة فمع عدم الدال عليها يتعين إرادة وجودها مرة، وأما بدعوى أن صرف
وجود الطبيعة من دون تقييد تقتضي الاكتفاء به بمرة لأن وصف وجود الشئ هو طارد العدم الأزلي
وناقض العدم المطلق وبأول وجود من الطبيعة ينتقض العدم (ويندفع هذه الدعوى) بما ذكرناه في محله
من أن كل وجود ناقض العدم البديل له فناقض العدم المطلق لا يعقل إلا في صرف الوجود الذي لا يشذ
عنه وجود وهو هنا غير معقول فيرجع الأمر إلى ملاحظة أول وجود من الطبيعة وهو تعين يحتاج إلى
البينة عليه وأخرى يقتضى المقدمات الإطلاق من حيث المرة والمرآت وهو أيضا على قسمين أحدهما
ما يكون نتيجته التخيير بين الأقل والأكثر فيراد مرة من وجود الطبيعة أو مرآت بحيث يكون وجودها
مرآت مطلوبا واحدا وهو المناسب للتكرر المأخوذ في المادة فان المراد مطلوبية العمل المكرر وثانيهما
ما يكون نتيجته نتيجة تبدى الامتثال بالامتثال فيراد مرة من وجود الطبيعة لو اقتصر عليها وإلا فالمرة
الثانية وعليه فالمرة الثانية هي المطلوبة لا أنها بضميمة الأولى مطلوب واحد وكلاهما محل الإشكال أما
الأول فبعد الغض عن المحذور في مقام ثبوته لا يفي به مقام الإثبات هنا إذ مقتضى الإطلاق رفع قيدية
المرة والمرآت ومقتضى التخيير بين الأقل والأكثر ملاحظة الأقل بشرط لا فلا بد هنا حفظ المرة وتقييد
المطلوب بها وهو خلف وأما الثاني فأصل مقام ثبوته كما نبهنا عليه هنا وفيما بعد غير معقول فلا يعقل
الإطلاق المفيد فائدة تبديل الامتثال بالامتثال (منه).
254

امتثال كل أمر على إسقاط نفس الغرض الباعث عليه لا شئ آخر، ولا يتوقف
الامتثال، ولا اتصاف المقدمة بالمقدمية على تعقبها بذيها عنده قده، وعند
المشهور كما سيجيئ انشاء الله تعالى. وما يرى من الوجوب إتيان الماء ثانيا لو
أريق الماء لا دلالة له على شئ لأن الغرض تمكن المولى من شربه وقد انقلب
إلى نقيضه فيجب عليه إحضاره ثانيا لعين ما أوجبه أولا، لا لأن ملاك الامتثال
لاستيفاء المولى غرضه منه نعم هو ملازم له أحيانا، وسيجيئ انشاء الله تعالى
تتمة الكلام في مبحث الأجزاء
قوله: ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر الخ: لا
يخفى عليك (1) أن الوقوع في ما يقابل المغفرة والخبر أعني الغضب والشر لازم
ترك تحصيل المغفرة والخير رأسا لا ترك المسارعة والاستباق إليهما، ولو بناء
على وجوبهما كما هو قضية المقابلة بين الغضب والمغفرة، وبين الخيرات و
الشرور فدلالة الآيتين على وجوب المسارعة والاستباق، غير موقوفة على
اقتضاء تركها للغضب والشر المقابلين للمغفرة والخير حتى يقال بأن الأنسب
حينئذ البعث بالتحذير عنهما إلا بالأولوية لأن الأمر بتحصيل المغفرة والخبر لو
لم يكن ظاهرا في الوجوب حيث أن الأنسب له التحذير عن تركها المستتبع
للغضب والشر فالأمر بالمسارعة والاستباق إلى مثل هذين الأمرين أولى بعدم

1 - توضيحه أن الاستباق والمسارعة تارة يكون قيدا مقوما لمصلحة المغفرة والخير وأخرى
يكون واجدا لمصلحة أخرى كما أن الوقت بالإضافة إلى الموقت كذلك فان كان من قبيل الأول فترك
المسارعة والاستباق يوجب الوقوع في الغضب والشر وإن كان من قبيل الثاني فلا والوجه فيهما
واضح ومبني إيراد المصنف - قدس سره - على الأول ومبنى الاعتراض عليه هو الثاني والغرض أنه
مع إمكان أن يكون المسارعة والاستباق على النحو الثاني فلا يلزم تركهما الوقوع في الغضب والشر ولو
مع وجوبهما بل الظاهر أنه من قبيل الثاني فان المسارعة والاستباق نسبا إلى المغفرة والخير فهما غير
المغفرة والخير لا أنهما مقومان له وأما أصل الاستدلال فمندفع بما في الحاشية في قولنا والأولى أن
يقال (الخ) فتدبر (منه).
255

الدلالة على الوجوب ولعله قده أشار إليه بقوله " فافهم ".
قوله: كالآيات والروايات الواردة في البعث الخ: نعم بينهما فرق وهو
عدم إمكان غير الارشادية فيها دون ما نحن فيه لامكان الأمر المولوي بالفعل فورا
فبعد الامكان والظهور الذاتي في المولوية لا مجال لحمل ما ورد في هذا الباب
على الارشاد قياسا بما ورد في أصل الإطاعة ولعله أشار قده إليه بقوله " فافهم ".
قوله: ولا يخفى انه لو قيل بدلالتها على الفورية الخ: بل الممكن
بحسب مرحلة الدلالة هو وحدة المطلوب وتعدده من حيث المطلوبية لا بقيد
الفورية كما في نظائره فيقال إن الفعل في أول أزمنة الامكان مطلوب، وفي حد
ذاته أيضا مطلوب كما يقال إن الفعل في الوقت مطلوب، ولا بقيد الوقت أيضا
مطلوب فيكون قيد الفورية أو الوقتية قيدا في المرتبة الأولى من المطلوب دون
غيرها بخلاف القيدية في جميع المراتب مع تعدد المطلوب، وهو معنى فورا
ففورا (1) فإنه لا يتحمله مرحلة الصيغة والدلالة كما لا يخفى.

1 - هذا إذا استفيد الفورية من مرحلة الصيغة وأما إذا استفيد من مثل قوله تعالى وسارعوا وقوله
تعالى واستبقوا فيمكن استفادة الفورية بعد الفورية لبقاء الأمر بالمسارعة والاستباق في تمام الوقت
(منه) (خ).
256

" الاجزاء "
قوله: الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الأجزاء الخ: إنما عدل
قده عما في عبارة الأكثرين من أن الأمر بشئ إذا أتى به على وجهه يقتضي
الأجزاء لأن الاقتضاء للأجزاء من مقتضيات إتيان المأمور به وشئونه، لا من
مقتضيات الأمر ولواحقه، بداهة أن مصلحة المأمور به المقتضية للأمر أنما تقوم
بالمأتي به فتوجب سقوط الأمر إما نفسا أو بدلا، فاقتضاء سقوط الأمر قائم
بالمأتي به لا بالأمر ومجرد دخالة الأمر كي يكون المأتي به على طبق المأمور به
لا يوجب جعل الأمر موضوعا للبحث بعد ما عرفت من أن الاقتضاء من شؤون
المأتي به لا الأمر فجعل الأمر موضوعا، وإرجاع الاقتضاء إليه بلا وجه، ومما
ذكرنا تعرف عدم كون البحث على هذا الوجه من المباحث اللفظية ولا من
المبادي الأحكامية إذ لا يرجع البحث إلى إثبات شئ للأمر لا من حيث أنه
مدلول الكتاب والسنة، ولا من حيث أنه حكم من الأحكام، ومنه علم أنه أسوء
حالا من مباحث مقدمة الواجب، والأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده و
غيرهما حيث ادراجهما في المباحث اللفظية أو المبادي الاحكامية ببعض
الملاحظات ممكن، وإن كان خطأ إلا أن إدراج هذا البحث في أحد الأمرين غير
معقول فلا مناص من إدراجه في المسائل الأصولية العقلية حيث أنه يقع في
طريق استنباط الحكم الشرعي من وجوب الإعادة والقضاء وعدمهما فهو من
المسائل، وحيث أنه بحكم العقل كما سيأتي إنشاء الله فهو من الأصولية العقلية.
نعم فيه إشكال سيجيئ تفصيله في مقدمة الواجب، مجمله أن الحكم
العقلي الذي هو موضوع علم الأصول مما يبحث عن ثبوته هنا لا عن لواحقه بعد
257

ثبوته ويمكن تخصيص المقام بما يزيد الإبهام، وهو أن الحكم العقلي الذي هو
في المقام يتوصل به إلى الحكم الشرعي إثباتا ونفيا لزوم الخلف من عدم
الإجزاء المستلزم لايجاب الإعادة والقضاء بعد حصول المأمور به بحده
بالإضافة إلى أمره، وبعد إطلاق دليل البدلية والحكم الظاهري على ما سيجيئ
إنشاء الله تعالى بالإضافة إلى الأمر الواقعي، وما هو من الأحكام العقلية هو
استحالة الخلف، وهو مفروغ عنه في المقام، وانما الكلام هنا في تطبيقه على ما
نحن فيه، وهو من لواحقه وأحواله فالبحث في الحقيقة راجع إلى أن الخلف
المحال هل يستلزم من عدم إجزاء المأتي به عن المأمور به أم لا تحفظا على
جعل القضية العقلية المفروغ عن ثبوتها موضوعا للقضية، بخلاف حكم العقل
وجدانا بالملازمة بين وجوب الشئ ووجوب مقدمته فإنه مما يبحث عن ثبوته
ونفيه في تلك المسألة فتأمل (1).
قوله: الظاهر أن المراد من الاقتضاء الخ: ينبغي أن يراد من الاقتضاء ما
هو المبحوث عنه في المقام لا ما هو المذكور في العنوان فان الاقتضاء المنسوب
إلى الاتيان لا يكاد يراد منه غير العلية والتأثير كما أن المنسوب إلى الأمر في
كلمات الأكثر لا يكاد يراد منه غير الكشف والدلالة فما ينبغي التكلم هنا هو أن
الاقتضاء الذي يناسب البحث عنه في هذه المسألة هو الاقتضاء الثبوتي دون
الاثباتي كما في العنوان، ولذا نسب إلى الاتيان وعليه يحمل العبارة (2).
ثم إن التعبير بالاقتضاء وتفسيره بالعلية والتأثير، مسامحة في التعبير والتفسير

1 - إشارة إلى أن المبهم للمباحث ليس معرفة حال الخلف من حيث الانطباق وعدمه بل معرفة
الاجزاء وعدمه وانطباق الخلف وعدمه حيثية تعليلية للحكم بالإجزاء وعدمه (منه) (خ).
2 - هذا إذا أريد من الأجزاء اسقاط التعبد به رأسا ثانيا أو إسقاط الإعادة والقضاء وأما إذا أريد من
الاجزاء كفاية المأتي به عن المأمور به فالاجزاء بهذا المعنى لازم اشتمال المأتى به على المأمور به
بحدوده وقيوده وعلى مصلحة الواقع عينا أو بدلا فاقتضاء المأتي به للاجزاء بهذا الوجه من باب اقتضاء
الملزوم للازمه الفعلي فلا مسامحة لا في التعبير ولا في التفسير (منه) (خ).
258

إذ سقوط الأمر بملاحظة عدم بقاء الغرض على غرضيته ودعوته والمعلول
ينعدم بانعدام علته لا أن القائم به الغرض علة لسقوط الأمر لأن الأمر علة لوجود
الفعل في الخارج فلو كان الفعل علة لسقوط الأمر لزم علية الشئ لعدم نفسه بل
سقوط الأمر لتمامية اقتضائه وانتهاء أمده فافهم جيدا.
كما أن عدم الأمر بالقضاء بملاحظة أن التدارك لا يعقل إلا مع الخلل في
المتدارك والمفروض حصول المأمور به بحده أو بملاكه فلا مجال للتدارك وإلا
لزم الخلف فحيث لا خلل في المأتي به لا مجال لعنوان القضاء كي يؤمر به، لا أن
إتيان المأمور به علة لعدم الأمر بالقضاء فتدبر جيدا.
قوله: غايته أن العمدة في سبب الاختلاف فيهما أنما هو الخلاف
في دلالة دليليهما الخ: لا يخفى عليك أن نتيجة المسألة الأصولية لا بد من أن
تكون كلية، فكما لا يكاد يمكن أن تكون نتيجة البحث جزئية كك لا يكاد يمكن
أن يكون مبنى البحث كك لأول الأمر إلى ذلك فابتناء النزاع في اقتضاء إتيان
المأمور به بالأمر الاضطراري مثلا للاجزاء بنحو الكلية على دلالة قوله عليه
السلام " التراب أحد الطهورين (1) " من حيث الاطلاق الملازم للاجزاء، وعدمه لا
يناسب المباحث الأصولية (2) نعم القول بالاجزاء مع الاطلاق وعدمه مع عدمه
بنحو الكلية يناسب المسألة الأصولية كما هو واضح، وعليه فليس مبنى النزاع

1 - هذه العبارة مضمون أحاديث الطهارة التي اشتهرت في ألسنة الفقهاء في الفروع بل الموجود
" التيمم أحد الطهورين " في التهذيب ج 1 ص 200 ح 54. ومن أحاديث الطهارة في الوسائل باب 23
من أبواب التيمم حديث 1 " إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا ".
2 - لا يخفي أن أجزاء المأمور به الظاهري وعدمه مبنيان على السببية والطريقية فيمكن تحرير
النزاع في الاجزاء وعدمه للسببية على الأول وللطريقية على الآخر ويمكن النزاع في السببية والطريقية
وتفريع الأجزاء وعدمه عليهما وأما المأمور به الاضطراري فليس له دليل كلي ليعم كل بدل اضطراري
حتى يمكن النزاع تارة في الاجزاء وعدمه وأخرى في الإطلاق وعدمه فالصحيح تحرير النزاع في
الاجزاء وعدمه كليا حتى يعم جميع الأقسام حتى المأتى به بالإضافة إلى أمره فتدبر (منه) (خ).
259

صغرويا بل النزاع الصغروي من المبادي التصديقية للاطلاق وعدمه المبنى
عليهما الاجزاء، وعدمه، مضافا إلى إن منشأ الخلاف لو كان الاختلاف في دلالة
دليل الأمر الاضطراري والظاهري لكان الأنسب تحرير النزاع في المنشأ، وتفريع
الأجزاء وعدمه على كيفية دلالة دليلهما خصوصا لو لم يكن نزاع حقيقة في
أجزاء المأتي به بالإضافة إلى أمره ولعله أشار قده إلى بعض ما ذكرنا بقوله - قده -
فافهم.
قوله: وإن كان يختلف ما يكفي عنه الخ: لا ريب في أن الكفاية بنفسها
لا يقتضي البدلية والقيام مقام شئ آخر إلا أن الكفاية عن شئ مما لا شبهة
في أنها تستدعي شيئين أحدهما: ما يكفي، والآخر، ما يكفي عنه (1)، ومن
الواضح عدم تحققها بهذا المعنى في إتيان المأمور به بالإضافة إلى أمره مطلقا
حيث أن المأتي به نفس وجود المأمور به وليس بينهما المغايرة حتى يقال إن
المأتي به يكفي عن المأمور به، وانما يتحقق هذا المعنى بالإضافة إلى أمر آخر
كما في الاضطراري والظاهري بالإضافة إلى الواقعي فالأولى أن يقال إن الأجزاء
بمعنى الكفاية، وما تضاف إليه مختلف فتختلف آثاره، ومعنى الكفاية وفاء
الشئ بما يقتضي المضاف إليه فالمأتي به واف بحده بما يقتضيه أمره فيسقط،
وواف بملاكه بما يقتضيه الأمر الواقعي فيسقط، ولا مجال للإعادة والقضاء
حينئذ وليس في البين عنوان كفاية شئ عن شئ حتى لا يكون هناك جامع
بين أنحاء الأجزاء فافهم وتدبر.

(1) لا يقال: يكفي عن التعبد به ثانيا لأنا نقول: المعروض أو العروض وحده المطلوب، فالكلام
في الأجزاء لا في مطلوبية وجود آخر (منه) (خ).
260

" ما الفرق بين الأجزاء والمرة والتكرار "
قوله: الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار الخ: اعلم أن
دعوى عدم الفرق بين المسألة والمسئلتين بلحاظ إسقاط التعبدية ثانيا، وعدمه
بالنسبة إلى المرة والتكرار، وبلحاظ إسقاط القضاء وعدمه بالنسبة إلى تبعية
القضاء للأداء وإلا فعدم الملائمة بين المسألة والمسئلتين أوضح من أن يخفى.
نعم أنه ليس الغرض مما أفاده قده في الفرق " أن البحث هنا عقلي وهناك
لفظي " فان مجرد ذلك لا يقتضي عقد مسئلتين مع اتحاد المقصود بل يبحث عن
الاقتضاء وعدمه عقلا ولفظا في مسألة واحدة بل المراد اختلاف الجهة
المبحوث عنها هنا وهناك، أما في المرة والتكرار فلان المراد بالمرة أن وجودا
واحدا من الطبيعة أو دفعة واحدة منها مطلوب، ولازمه عقلا أن غيره من
الوجودات والدفعات غير مطلوب بهذا الطلب. والمراد بالأجزاء أن المأتي به
في الخارج واحدا كان، أو دفعة واحدة يفي بما اقتضاه الأمر وأين أحد الأمرين
من الآخر لترتب الثاني على الأول لا أنه عينه كما أن المراد بالتكرار مطلوبية
وجودات، أو دفعات بنفس الأمر، والمراد من عدم الأجزاء عدم وفاء المأتي به
بالمأمور به بحيث يسقطه فمطلوبية الإتيان ثانيا بنفس بقاء الأمر لا أنه مدلول
لأمر وعلى ما ذكرنا فلو كان ما يدعيه القائل بالأجزاء وبعدمه من مداليل الأمر
للفظي أيضا لم يكن عين ما يقول به القائل بالمرة والتكرار، وأما في تبعية القضاء
للأداء فلأن القائل بالتبعية يدعي أن الفعل في وقته مطلق، وفي خارجه أيضا
مطلوب بنحو التعدد في المطلوب، والأمر حينئذ يقتضي فعل ذات المأمور به
في خارج الوقت على حد اقتضائه له فيه، غاية الأمر أن فعله في الخارج مرتب
على عدمه في وقته، والقائل بعدم الأجزاء يقول بأن إتيان المأمور به لا يسقط
لقضاء، وأين هذا من القول بمطلوبية القضاء بنفس الأمر بل لو قال القائل بعدم
لأجزاء بأن مقتضى الأمر بشئ عدم سقوط القضاء أيضا كان أجنبيا عن القول
261

بالتبعية، لأن غايته دلالة الأمر على عدم سقوط القضاء لا على مطلوبية القضاء
على حد مطلوبية الأداء، وهذا كله بناء على فرض الكلام في دلالة الأمر
الاضطراري والظاهري على عدم سقوط القضاء بالإضافة إلى الأمر الواقعي وإلا
فعدم العلاقة بين المسئلتين أوضح من أن يخفى على ذي مسكة (1).
قوله: لكنه لا بملاكه الخ: بل لأن وجوده ثانيا وثالثا مطلوب لا لبقاء الأمر و
عدم ما يسقطه بل القائل بالتكرار لا يمكنه القوم بعدم الأجزاء بمعنى لازمه
التدارك إذا القائل بالتكرار يقول به ما دام الامكان ومع لا مجال للتدارك.
قوله: إن الاتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الخ: سواء كان الأجزاء
بمعنى الكفاية عن التعبد به ثانيا أو عن تدارك المأتي به إعادة أو قضاء، أما
بالنسبة إلى التعبد به ثانيا فلأن المفروض وحدة المطلوب وإتيان المأمور به على
الوجه المرغوب فلو لم يسقط الأمر من حصول الغرض عند الاقتصار عليه وعدم
تبديله بامتثال آخر كما مر للزم الخلف وهو بديهي الاستحالة، أو بقاء المعلول بلا
علة لأن بقاء الأمر إما لأن مقتضاه تعدد المطلوب فهو خلف لأن المفروض وحدة
المطلوب، وإما لأن المأتي به ليس على نحو يؤثر في حصول الغرض فهو خلف
أيضا، وإما لا لشئ من ذلك بل الأمر باق، ولازمه عدم الأجزاء فيلزم بقاء
المعلول بلا علة وإما شبهة طلب الحاصل من بقاء الأمر (2) فقد عرفت سابقا
دفعها فان المحال طلب الموجود بما هو موجود لأن إيجاد الموجود محال فطلبه
محال، وأما طلب الفعل ثانيا فليس من طلب الحاصل، وأما بالنسبة إلى التدارك
فلأن التدارك لا يعقل إلا مع خلل في المتدارك وهو خلف إذ المفروض إتيان

(1) أي العاقل.
(2) لا يقال: هذه الشبهة بلحاظ المصلحة فالأمر بإيجاد العمل لأجل المصلحة طلب الحاصل. لأنا
نقول: إن كانت المصلحة قابلة لتعدد الموجود فحالها حال الفعل، وإن لم تكن قابلة للتعدد فيستحيل
الأمر من حيث طلب الممتنع لا من حيث طلب الموجود الراجع إلى طلب الواجب، وبينما فرق لمن
تدبر (منه) (خ).
262

المأمور به على وجهه.
قوله: نعم لا يبعد أن يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال الخ: قد
أشرنا (1) في آخر مبحث المرة والتكرار إلى أن إتيان المأمور به بحدوده وقيوده
علة تامة لحصول الغرض فيسقط الأمر قهرا، والمثال المذكور في المتن كك لأن
الغرض الذي يعقل أن يكون باعثا على الأمر باحضار الماء هو تمكن المولى من
دفع عطشه به لا نفس رفع العطش خصوصا مع أن مصالح العبادات فوائد تقوم
بها، وتعود إلى فاعليها لا أنها عائدة إلى الأمر بها حتى يتصور عدم استيفاء
غرضه منها بل من الأوفى كما لا يخفى.
وأما ما ورد من الأمر بالإعادة في باب المعادة (2) وأنه يجعلها الفريضة ويختار

1 - توضيحه أن مدار الامتثال عقلا إما على موافقة المأتي به للمأمور به أو على حصول الغرض من
المأمور به فان كان المدار على الأول فلا ريب في الموافقة هنا فيسقط الأمر وحيث لا أمر فلا يحصل
الامتثال وأما رفع اليد عما أتى به حتى يعود الأمر فغير معقول، إذ الشئ بعد تحققه لا ينقلب عما هو
عليه فرفع اليد عنه بمعنى البناء على عدمه لا معنى له وبمعنى إعدامه كإراقة الماء في المثال معقول
فيعود الأمر لعود الغرض وهو التمكن من الماء إلا أنه غير مفروض هنا، إذ لا معنى لاعدامه الصلاة بعد
تحققها، وإن كان المدار على الثاني فنقول: إن أريد من الغرض هي الفائدة القائمة بالفعل الباعثة على
الأمر به تحصيلا لتلك الفائدة القائمة بفعل المولى كرفع العطش القائم بشر به فهي لا يعقل أن تكون
حيثية تعليلية للأمر بإحضار الماء مع عدم قيامها بفعل المكلف مع أنه لا ينبعث الأمر بشئ إلا عن
الإرادة المتعلقة به وهي لا تنبعث إلا عن الفائدة القائمة به، وأما صيرورتها حيثية تقييدية للمأمور به
بحيث يريد إحضار الماء الذي يترتب عليه فع عطش المولى فإن كانت بنحو يكون مصبا للبعث، وموردا
للطلب ففيه محذور الخروج عن قدرة المكلف نظرا إلى قيامه من احضار الماء الملازم لشرب المولى
منه فمجرد إحضار الماء لا يكون مصداقا لتلك الحصة فله مع عدم اتصاف المأتي به بالحصة المأمور بها
إحضار ماء آخر يشرب منه المولى وهو في الحقيقة راجع إلى عدم موافقة المأتي به للمأمور به فعلا وإن
كان قابلا للموافقة بصيرورته ولا يفي به ظواهر الأدلة العامة المتعلقة بنفس الافعال من دون تقييد نعم إذا
قام الدليل على بقاء الأمر وإن كان تبديل الامتثال كان كاشفا عن أن مقام ثبوته على الوجه المزبور (منه).
2 - توضيحه أن اخبار باب المعادة طائفتان:
الأولى ما ورد في باب إعادة الصلاة مع المخالفين إماما ومأموما وهذه الطائفة مختلفة، ففي
بعضها أما تحب أن تحسب لك بأربع وعشرين صلاة، وفي بعضها أنه يجعلها تسبيحا والمراد منه كما
في رواية أخرى أنه ذكر محض لا نافلة وتطوع قائلا لو قبل التطوع لقبلت الفريضة وهذه الطائفة أجنبية
عن أصل مشروعية الإعادة فضلا احتسابها فريضة باستقرار الامتثال عليها والظاهر من المرسلة التي
أرسلها في الفقيه بقوله عن وروى أنه يحسب له أفضلهما وأتمهما الأفضلية بالمعنى المذكور في رواية
الصلاة مع المخالف تحببا وتقية فان المرسلة المزبورة أرسلها بعد رواية رواها عن الصادق عليه السلام
قال الرجل للصادق عليه السلام أصلى في أهلي ثم أخرج إلى المسجد فيقدموني فقال عليه السلام تقدم
لا عليك وصل بهم وفي رواية أخرى صل بهم لا صلى الله عليهم وبالجملة الظاهر من المرسلة كون
المعادة أفضل الصلاتين باعتبار الغرض المترتب على التقية لا أن المحسوب من الصلاة هي المعادة
فقط وعليه فالمتعين وإن المتعدى إليهما هو الحسبان الذي هو من أفعال القلوب (مدفوع) مع وضوح
صحة قولنا أعده فاضلا ولا تعدد المولى شريكك في الغني - وفيما نحن فيه من الاحتساب والعد
المعنوي دون الحسي.
الطائفة الثانية: ما لا يختص بالإعادة مع المخالف كما في رواية هشام بن سالم: الرجل يصلي
الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: يصلي عليهم ويجعلها الفريضة إن شاء، ومثلها رواية حفص
البختري بإسقاط كلمة ان شاء، وبمعناهما روايات أخرى تتكفل مشروعية الإعادة وأن الإعادة أفضل،
وما يجدي في مقامنا قوله عليه السلام ويجعلها الفريضة وله إحتمالات:
أحدها أن يجعلها فريضة فعلية وهو مع حصول الامتثال وسقوط الأمر محال سواء كان بنحو
التعليل أو بنحو التوصيف إذ لا أمر كي يجعل داعيا أو تكون الصلاة موصوفة به ليؤتى بها موصوفة
بهذه الصفة، فإذا تعين هذا الاحتمال كشف عن عدم سقوط الأمر فيمكن التعليل والتوصيف.
ثانيها أن ينويها فريضة ويبنى عليها كموارد العدول من العصرية إلى الظهرية إلا أن الفرق بين موارد
العدول وما نحن فيه هو أن عنوان الظهرية والعصرية عنوان اعتباري يتحقق بمجرد البناء به فيمكن البناء
على الظهرية بعد البناء به على العصرية بخلاف كون الصلاة فريضة أو نافلة فإنه يتعلق الأمر الوجوبي أو
الندبي بما فمع سقوط الأمر الوجوبي بالامتثال لا معنى لعود الأمر الوجوبي بالبناء به والمهم هنا تبديل
إلى النافلة لمن اشتغل بالفريضة فرادي فانعقدت الجماعة فان رفع اليد عن امتثال الأمر الوجوبي قبل
تمامه معقول في حد نفسه فيندب حينئذ تتميم العمل بهذا الأمر الندبي ويبقي الأمر الوجوبي على
حاله من عدم امتثاله بخلاف ما نحن فيه المفروض فيه تمامية الامتثال وسقوط الأمر الوجوبي.
ثالثها ما احتمله شيخ الطائفة - قده - في التهذيب وهذه عبارته: والمعنى في هذا الحديث أن من
يصلي ولم يفرغ من صلوته ووجد جماعة فليجعلها نافلة ثم يصلي في جماعة وليس ذلك لمن فرغ من
صلوته بنية الفرض لأن من صلى الفرض فلا يمكن أن يجعلها غير فرض (انتهت) وأيده الوحيد القدس
سره بأنه ظاهر صيغة المضارع وأن هشام بن سالم راوي هذا الخبر روي هذا المعنى الذي ذكره الشيخ
قدس سره عن سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام وعليه فما في رواية هشام بن سالم ويجعلها
الفريضة إن شاء من قيد المشية راجع إلى المجموع أي إن شاء يصلي معهم فريضة وإن شاء أتم ما بيده
فرضا لا نافلة.
رابعها ما ذكرناه في الحاشية كما عن غير واحد أيضا وهو أن يجعلها ظهرا صلاها أو عصرا كذلك
حيث لا جماعة في نافلة ذاتية فالإعادة مستحبة لادراك ثواب الجماعة الفائت فيما صلاها سابقا وقد
عرفت التكليف الشديد في الاحتمالين الأولين حتى أن غير واحد من الأصحاب حكم بمقتضي سلامة
فطرته وطبعه بعدم معقولية أولهما، والثالث أيضا لا يخلو عن تكلف وإن كان معقولا فالأرجح هو
الاحتمال الرابع وعلى أي حال فمع تطرق الاحتمال لا يجوز الاستدلال بهذه الرواية وغيرها على جواز
تبديل الامتثال بالامتثال (منه).
263

الله تعالى أحبهما إليه وأنه يحسب له أفضلهما وأتمهما فلا دلالة له، على أن
ذلك من باب تبديل الامتثال بالامتثال، وكون سقوط الأمر مراعى بعدم تعقب
الأفضل، وذلك لأن كل ذلك لا ينافي حصول الغرض وسقوط الأمر بتقريب أن
سقوط الأمر بحصول الغرض الملزم أمر، واختيار المعادة واحتسابها في مقام
إعطاء الأجر والثواب أمر آخر، والسد في جعل المعادة لمكان أفضليتها من
الأولى كما دلت عليه طائفة من الأخبار ميزانا للأجر والثواب دون الأولى
اشتراكها مع الأولى في المصلحة القائمة بها مع زيادة فليس مدار الثواب على
الأولى المقتضية لدرجة واحدة من القرب على الثانية المقتضية لدرجات من
القرب والأولى وإن استوفت بمجرد وجودها درجة من القرب لكن حيث أن
265

المعادة تكرار ذلك العمل بنحو أكمل فلا يحتسب ما به الاشتراك مرتين فصح أن
يقال باحتسابهما واختيارهما معا كما دل عليه قوله عليه السلام " وإن كان قد
صلى كان له صلاة أخرى (1) ويصح أن يقال باختيار المعادة وجعلها مدار القرب
لوجود ما يقتضيه الأولى فيها وزيادة فتفطن.
ويمن أن يقال أيضا إن الصلاة المأتي بها أولا توجب أثرا في النفس فكما أنه
يزول بضد أقوى فلا يحسب عند الله، وإن لم يوجب القضاء كك ينقلب إلى
وجود أشد وآكد إذا تعقب بمثل أقوى كما في الجماعة والفرادى، فلعله معنى
اختيار الأحب إليه تعالى إذ ليس بعد وجود الغرض القوي وجود للضعيف كي
ينسب الإختيار إليهما معا، بل الموجود من الأثر الباقي المحبوب عند الله تعالى
الظاهر بصورته المناسبة له في الدار الآخرة المستتبعة للمثوبات هو هذا الوجود
القوي وذلك لا ينافي حصول الغرض الملزم بالمأتي به أولا وسقوط الأمر به، و
كذا الأمر في قوله عليه السلام " يحسب له أفضلهما وأتمهما برفعهما (2) " وأما بناء
على نصبهما كما هو الظاهر من سياق الخبر فلا دلالة له على مدعى الخصم فان
الظاهر محسوبية الصلاتين غاية الأمر أنه أفضلهما وهو مناف لتبديل الامتثال
بالامتثال وقوله عليه السلام " يجعلهما الفريضة (3) " إما بمعنى يجعلهما ظهرا أو
عصرا أو نحوهما مما أداها سابقا لا نافلة ذاتية حيث لا جماعة فيها، وإما بمعنى
يجعلها لما فات من فرائضه كما في خبر آخر تقام الصلاة وقد صليت فقال عليه
السلام " صل واجعلها لما فات (4) " وليس فيما ورد فيه يجعلها الفريضة عنوان
الإعادة كي يأبى عن هذا الاحتمال فراجع. مع أن لازم استقرار الامتثال على
الثاني، أو على أحدهما الأفضل عند الله عدم إمكان التقرب بالأول على الأول و

(1) الوسائل باب 54 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2 ص 455 ج 3.
(2) الوسائل منه ج 3 ص 455 ح 4.
(3) الوسائل منه ج 3 ص 457 ح 11.
(4) جامع الأحاديث الشيعة ج 6 ص 528 ح 7 باب 57.
266

عدم التقرب الجزمي بكل منهما على الثاني إذا كان بانيا من أول الأمر على
إتيانهما.
قوله: يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار الخ:
ولا يلزمه جواز تحصيل الاضطرار اختيارا كما توهم لامكان ترتب المصلحة
التامة على فعل البدل فيما إذا اضطر إليه بطبعه لا بالاختيار.
قوله: بل يبقى شئ أمكن استيفائه الخ: تحقيق الحال فيه أن بدلية
شئ عن شئ، وقيامه مقامه، ولو بنحو الترتيب لا يعقل إلا مع جهة جامعة
وافية بسنخ غرض واحد فان كان البدل في عرض المبدل لزم مساواته له في تمام
المصلحة إما ذاتا أو بالعرض، والوجه واضح وإن كان البدل في طول المبدل كما
في مفروض البحث فاللازم مجرد مسانخة الغرضين سواء كان مصلحة المبدل
أقوى من مصلحة البدل أو لا، حديث إمكان استيفاء بقية مصلحة المبدل أنما
يصح إذا كان المبدل مشتملا على مصلحتين أحديهما، تقوم بالجامع بين المبدل
والبدل والأخرى، بخصوص المبدل بحيث تكون كلتا المصلحتين ملزمة قابلة
لانقداح البعث الملزم في نفس المولى، وأما إذا كان المصلحة في البدل و
المبدل واحدة وكان التفاوت بالضعف والشدة فلا تكاد تكون بقية المصلحة
ملاكا للبعث إلى المبدل بتمامه إذ المفروض حصول طبيعة المصلحة القائمة
بالجامع الموجود بوجود البدل فتسقط عن الاقتضاء والشدة بما هي لا يعقل أن
تكون ملاكا للأمر بالمبدل بكماله حيث أن المفروض أن تمام الملاك للأمر بتمام
المبدل هي المصلحة الكاملة القوية، وطبيعتها وجدت في الخارج، وسقطت
عن الاقتضاء فلو كان مع هذا حد الطبيعة القوية مقتضيا للأمر بتمام المبدل لزم
الخلف.
نعم اقتضائه لتحصيل الخصوصية القائمة بالمبدل معقول نظرا إلى أن اشتراك
المبدل والبدل في جامع الملاك يكشف عن جامع بينهما لكنه لا يجدي إلا مع
الإلتزام بالأمر بالجامع أيضا في ضمن المبدل تحصيلا للخصوصية التي لها ملاك
267

ملزم فيكون الأمر بالمبدل مقدميا وهو مما لا ينبغي الالتزام به. ومنه تعرف أن
الالتزام بمصلحتين في المبدل أيضا لا يجدي إذا كانت أحديهما قائمة بالجامع،
والأخرى بالخصوصية بل لا بد من الالتزام بقيام مصلحتين أحديهما بالجامع
فقط، وأخرى بالجامع المتخصص بالخصوصية.
قوله: لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة الخ: لا
يذهب عليك أن المأمور به الاضطراري في أول الوقت والمأمور به الاختياري
في آخره بناء على هذا الفرض متضادان في تحصيل تمام الغرض وليس بين
المتضادين وجودا إلا المعاندة ولا مقدمية، لعدم أحدهما بالإضافة إلى وجود
الآخر فلا وجه لنسبة نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة إلى المأمور به
الاضطراري كما أن تسويغ البدار ليس بنفسه نقضا وتفويتا حيث أن تسويغ البدار
لا يلازم البدار.
نعم لازم تسويغ البدار هو الأذن في نقض الغرض وتفويت المصلحة لمكان
الملازمة والأذن فيهما قبيح، وعليه ينبغي حمل العبارة ولعله إليه الإشارة بقوله
" فافهم ".
ثم إن الأولى أن يقال وتفويت المصلحة الخاصة بحدها لا تفويت مقدار منها
لأن الباقي ليس دائما واجب التدارك في حد ذاته كي لا يسوغ البدار بخلاف ما
إذا لوحظت مصلحة المبدل بحدها فإنها بما هي مصلحة واحدة ملزمة، وهي
فائت بحدها فتدبر جيدا.
قوله: أولا المزاحمة بمصلحة الوقت الخ: مع كونها أهم كما هو كك
جزما وإلا فمجرد التقدم في الوجود لا يقتضي التقدم في الحكم.
قوله: فيدور مدار كون العمل الخ: يمكن أن يقال إن حكمة إيجاب
الانتظار مثلا (1) يمكن أن تكون ملازمة للصلاة في حال الاختيار لمصلحة ملزمة

1 - هذا التكليف بملاحظة أن الشرط إن كان مجرد العذر ولو في جزء من الوقت جاز المبادرة عقلا
وإن كان هو العذر المستوعب لتمام الوقت فلا يجوز المبادرة قبل أحراز الشرط لا أن ايجاب الانتظار
أو شرط الانتظار شرعي كما هو ظاهر العبارة إلا بالتكليف المذكورة في الحاشية (نعم) يجوز
الترخيص في المبادرة طريقيا بحيث يتبع الواقع فيصح الصلاة إذا كان العذر مستوعبا واقعا وإلا فلا
ومثل هذا البدار أجنبي عن مسألة الأجزاء حيث لا مأمور به في الواقع مع عدم استيعاب العذر (منه)
(خ).
268

أخرى مع تساوي المبدل والبدل في مصلحة الصلاة فللمولى إيجاب الانتظار
مراعاة لتلك المصلحة، وإلا فدعوى الفرق بين الصلاة الاضطرارية في أول
الوقت وآخره من حيث القيام بمصلحة الصلاة كأنها تشبه الجزاف فتأمل.
قوله: غاية الأمر بتخير في الصورة الأولى الخ: فيكون من قبيل التخيير
بين الأقل والأكثر إذ لو كانت المصلحة الصلوتية قائمة بها في حال الاختيار إذا لم
يسبقها ما يستوفي مقدارا منها وبصلوتين في حالاتي الاختيار والاضطرار بقيام
كل واحدة منهما بمقدار من المصلحة فلا محالة لا يعقل إلا الأمر التخييري على
هذا النهج وعدم تعين الأمر التعييني بصلاة المختار بالمنع عن البدار لا لما فيه
من الضيق المنافي لمصلحة التسهيل والترفيق فقط، بل لأن وفاء العملين أولا و
آخرا بالغرض يمنع عن الأمر بالتعييني بخصوص العمل آخرا وليس الأمر
بالاضطراري في حال الاضطرار والإعادة بعد رفعه تعيينين حتى يكون المضطر
أسوء حالا من المختار.
قوله: فظاهر إطلاق دليله مثل الخ: بعد ما عرفت من أن الاجزاء وعدمه
بحسب مقام الثبوت بمكان من الامكان تعرف أنه لا مناص عن تعيين أحد
الأمرين بالاطلاق وعدمه في مقام الاثبات.
وتوهم أن مجرد الأمر بالبدل يفيد إسقاط القضاء وبضميمة جواز البدار يفيد
إسقاط الإعادة أيضا كما عن غير واحد بملاحظة أن البدل أن لم يكن مشتملا
على مصلحة المبدل فلا وجه للأمر به، وإن كان مشتملا عليها فلا مجال للتدارك
إعادة وقضاء إن كان كك في تمام الوقت وقضاء فقط إن كان كك في آخر الوقت،
أو مع الياس مثلا.
269

مدفوع بما عرفت من إمكان اشتمال البدل على مقدار من المصلحة الملزمة
للمبدل فيجب عقلا الأمر به وإمكان استيفاء البقية إعادة وقضاء فيجب الأمر
بهما، غاية الأمر أن الأمر بالبدل وبالقضاء تعيينيان وبه وبالإعادة تخييريان.
ثم إن المطلق إن كان مثل قوله عليه السلام " التراب أحد الطهورين " فاطلاقه
بلحاظ جميع الآثار نافع جدا، وإن كان مثل قوله تعالى * (فلم تجدوا ماء
فتيمموا صعيدا (1)) * الخ: ففيه تفصيل فان كان له إطلاق من جهتين (2) ارتفاع

1 - النساء: 43.
2 - لا يخفي عليك أن المأمور به الواقعي الاختياري والاضطراري إن كان مثل الصلاة عن طهارة
مائية وترابية فلا حاجة فيه إلى الإطلاق من وجهين بل يكفي الإطلاق من حيث ارتفاع العذر فقط وذلك
لما سيأتي إنشاء الله تعالى في الهامش من أن التكليف متعلق بالصلاة عن طهارة وأو أمر الوضوء والغسل
والتيمم تتكفل محصلية تلك الأفعال للطهارة المتقيدة بها الصلاة فإذا كان مقتضى الإطلاق كفاية العذر
وعدم التمكن في الجملة في حصول الطهارة التي هي شرط في الصلاة كان مجرد ظهور الأمر بالصلاة
عن طهارة في مطلوبية وجود واحد من هذه الطبيعة الخاصة كافيا في سقوط الأمر بالصلاة عن طهارة
بمجرد إتيان الصلاة عن طهارة ترابية من دون حاجة إلى دعوى الإجماع والضرورة على عدم وجوب
صلوتين في وقت واحد أو دعوى الاطلاق من حيث التعيين وإن كان غير الصلاة المعلوم حالها وكيفية
التكليف بها كما إذا فرض الأمر بالوضوء مع التمكن في الجملة نفسيا والأمر بالتيمم مع عدم التمكن في
الجملة نفسيا فإنه لا يجدي ظهور كل من الأمرين في مطلوبية وضوء واحد أو مطلوبية التيمم في قبال
عدمها لا في قبال الحاجة إلى ضميمة وحينئذ فان لم يكن لدليل التيمم إطلاق ينفي التخيير أمكن
مطلوبيته بنحو التخيير بين الأقل والأكثر كما قدمناه في الحاشية فيجامع عدم الأجزاء بخلاف ما إذا
انتفي التخيير بالإطلاق الموجب لتعين التيمم فأنه لابد من اشتماله على تمام الأجزاء بخلاف ما إذا
انتفي التخيير بالإطلاق الموجب لتعين التيمم فأنه لا بد من اشتماله على تمام المصلحة وإلا لم يعقل
تعينه.
نعم مقتضي تعيينية كل من الطهارة الترابية والمائية في الحالتين في وقت واحد لزوم الإتيان بهما
معا وعدم كفاية المائية في آخر الوقت فلابد من الإلتزام بالتخيير فلا ظهور في التعيين حتى يكون نافيا
للتخيير بين الأقل والأكثر ولا يجدى إطلاق الأمر بالتيمم من حيث ضميمة الوضوء في آخر الوقت
الاستقلال كل منهما بالأمر وانبعاث كل أمر عن مقدار من المصلحة الملزمة القائمة بالمأمور به فلا
يجدي الإطلاق من حيث الهيئة والمادة، ومن جميع ما ذكرنا تبين أن الإطلاق من الوجه الثاني غير
محتاج إليه بناء على الوجه الأول لكفاية ظهور الأمر بالطبيعة الخاصة في مطلوبية وجود واحد وبناء
على الوجه الثاني وإن كان الإطلاق الموجب للتعين لازما في إفادة الأجزاء إلا أنه لا يمكن الالتزام به
للقطع بكفاية إيجاد المبدل عند التمكن والإطلاق من حيث انضمام المبدل غير مجد لأنه لا يجدي إلا
في مطلوبية البدل مطلقا لا في عدم مطلوبية المبدل بأمر آخر وعليه فمع البناء على الوجه الثاني لا
محيص عن الرجوع إلى الأصل العملي الشرعي أو العقلي (منه).
270

العذر في الوقت، وعدم تقييد الأمر بالتخيير كما هو ظاهر الأمر عند إطلاقه كان لا
محالة دليلا على عدم وجوب الإعادة واشتمال البدل على ما لا يبقى معه مجال
للتدارك فيتبعه عدم وجوب القضاء حيث لا مجال للتدارك، وفرض إمكان
الاستيفاء في خارج الوقت دون الوقت فرض محض لا يعبأ به، وإن لم يكن له
إطلاق ولو من إحدى الجهتين فلا مجال للاجزاء من حيث الإعادة والقضاء لما
عرفت من أن تجويز البدار لا ينافي الأمر بما هو تكليف المختار في الوقت على
نحو التخيير كما أن ظهور الأمر في التعيين لا ينافي عدم تجويز البدار فالإطلاق
من جهة لا يقتضيه من جهة أخرى، ومنه عرفت أن إطلاق الأمر في حد ذاته لا
مساس له بالاجزاء من حيث القضاء فيشكل الأمر فيه بناء على عدم جواز البدار
ولا يجدي ظهور الأمر بالبدل في التعيين لأن الأمر بالقضاء أيضا تعييني فلا
يندفع بظهوره في عدم التخيير كما هو واضح، وارتفاع العذر في خارج الوقت
ليس قيدا للوجوب ولا للواجب حتى يجدي في دفعه إطلاق الهيئة أو المادة
لوجوب البدل واشتماله على مصلحة المبدل في الجملة سواء ارتفع العذر في
خارج الوقت أو لا؟ قطعا فلا تغفل.
قوله: لكونه شكا في أصل التكليف الخ: لا يخفى أنه (1) مع عدم جواز

1 - بيانه أن التمكن من الطهارة المائية في تمام الوقت مكلف بإتيان الصلاة عن طهارة مائية معينا
ومن لم يتمكن منها في تمام الوقت مكلف بإتيان الصلاة عن طهارة ترابية معينا وحيث لا يتمكن
من الطهارة المائية في الوقت أصلا فلا يتصور في حقه الإعادة وإنما يتكلم في أجزاء المأتي به من
حيث القضاء به، وأما من لم يتمكن من الطهارة المائية في جزء من الوقت وتمكن منها في جزء آخر من
الوقت فأما نقول بجواز البدا وأما لا نقول به فان لم نقل به تعين تكليفه بالصلاة عن طهارة مائية في آخر
الوقت فلا تكليف له بالصلاة عن طهارة ترابية حتى يتصور أجزاء المأتي به عن المأمور به، وإن قلنا
بجواز البدار حقيقة لا طريقا وتوسعة فهو من حيث انطباق عنواني المتمكن وغير المتمكن عليه مكلف
بالصلاة عن طهارة ترابية معينا وبالصلاة عن طهارة مائية معينا مع أنه لا ريب في جواز ترك الصلاة عن
طهارة ترابية وإتيان الصلاة عن طهارة مائية في آخر الوقت ولا شئ من الواجب التعيني ما يجوز تركه
(ومنه يعلم) أنه لا يجدي التعيينية بلحاظ حال عدم التمكن بمقتضى تنويع المكلف إلى المتمكن وغير
المتمكن إذ في هذه الحالة يجوز له ترك الصلاة عن طهارة ترابية وهذا لا يجامع الوجوب التعييني وهذا
غير دعوى عدم وجوب صلوتين على المكلف في وقت واحد بل المدعي عدم تعيينية وجوب البدل
فلا محالة يجب دفع هذه الغائلة بأحد وجهين:
الأول أن متعلق التكليف هو إيجاد طبيعي الصلاة عن طهارة وإن دليل الوضوء والغسل يتكفل
محصلية الأمرين للطهارة ودليل التيمم كذلك فإذا كان متمكنا في تمام الوقت كان أفراد هذا الواجب
المعين منحصرة في الصلاة عن طهارة ترابية وإذا كان متمكنا في تمام الوقت كان أفراد الواجب المعين
منحصرة في الصلاة عن طهارة الواجب الكلي المعين الصلاة عن طهارة ترابية في حالة والصلاة عن
طهارة مائية في حالة أخرى فيتخير عقلا بين أفراد هذا الواجب المعين من دون محذور حيث أن
التعيينية بلحاظ نفس الطهارة لا بلحاظ المائية والترابية.
الثاني أن متعلق التكليف هي الصلاة عن وضوء وغسل في حق المتمكن والصلاة عن تيمم في
حق غير المتمكن وإبقاء التكليفين على التعيينية في المتمكن في تمام الوقت وفي غير المتمكن كذلك
لا مانع وأما بالإضافة إلى المتمكن في جزء من الوقت وغير المتمكن في جزء آخر فيجب رفع اليد عن
ظهور كل منهما في التعيينية والتحفظ على أصل الوجوب فينتج التخيير شرعا بين الصلاة عن تيمم في
حالة عدم التمكن والصلاة عن وضوء أو غسل في حالة التمكن وعلى هذا نقول أن اخترنا الوجه الثاني
فالأمراد دائر بين التخيير بين المتباينين والتخيير بين الأقل والأكثر فان الصلاة عن طهارة مائية، وإن
كانت مشتملة على مقدار من المصلحة التي يمكن استيفاء الباقي منها بالصلاة عن طهارة مائية في
آخر الوقت كانت بضميمة تلك الصلاة بدلا وعدلا للصلاة في آخر الوقت منفردة كما قدمناه ومن
الواضح أن وجوب الصلاة عن طهارة ترابية تخييرا معلوم ووجوب الصلاة عن طهارة مائية غير مسبوقة
بصلاة أخرى تخيير أيضا معلوم ووجوب الضميمة بعد سبق الصلاة عن طهارة ترابية غير معلوم
وحكمه البراءة عقلا وشرعا.
لا يقال: تجب الصلاة عن طهارة مائية في آخر الوقت على أي تقدير لأنها إما تجب منفردة وإما
منضمة فيكون المبدل محتمل التعيين والتخيير فيجب المبدل بالخصوص تحصيلا للقطع بالفراغ.
لأنا نقول: لا يحتمل وجوب المبدل تعيينا بل هو إما أحد فردي التخيير إذا لم يسبقه البدل أو
مقوم للفرد الآخر إذا سبقه البدل وحيث أن وجوبه التخييري عند الانفراد معلوم فلا يبقي إلا احتمال
وجوبه بنحو الانضمام فتجري البراءة عنه.
وأما اخترنا الوجه الأول فمرجع الشك هنا إلى أن الصلاة عن طهارة هي المأمور بها حتى يتحقق
الجامع بالصلاة عن طهارة ترابية فقط أو الصلاة عن طهارة بمرتبة خاصة بحيث لا يتحقق إلا بالصلاة
عن طهارة مائية فقط فيما لم يسبقها صلاة أو بالصلاة عن طهارة مائية منضمة إلى الصلاة عن طهارة
ترابية لاستيفاء أصل الطهارة بالتيمم واستيفاء تماميتها وبلوغها إلى المرتبة المرغوبة بالوضوء مثلا
فحيث أن وجوب الصلاة عن طهارة ترابية معلوم فينطبق عليها الجامع بالمقدار المعلوم من قوله لا
صلاة إلا بطهور والتكليف بالجامع بمرتبة خاصة غير معلوم فتجري فيه البراءة ولا مجال لتوهم الشك
في المحصل إذ هو فرع العلم بالجامع بمرتبة خاصة كما هو واضح ولا يخفي أن ما أوردناه في الحاشية
أولا ينطبق على المسلك الثاني وما أوردناه ثانيا ينطبق على المسلك الأول فافهم ولا تغفل (منه).
271

البدار ووجوب الصلاة آخر الوقت لا موقع للشك في الإعادة حيث لا يمكن
الإعادة بل يتمحض الشك في وجوب القضاء وهو شك في أصل التكليف، وأما
بناء على جواز البدار فالصلاة عن طهارة مائية مأمور بها لكن يشك في أن وجوبها
بنحو التعيين أو بنحو التخيير بين الأقل والأكثر، وهو أن البدل المنضم إلى
المبدل فرد والمبدل فقط فرد آخر، وحيث أن البدل ليس بنفسه بناء على
التخيير فلذا ليس كسائر موارد التعيين والتخيير بحيث لو أتى بمحتمل التعيين و
التخيير يقطع بالفراغ بل وجوب البدل على أي معلوم، ووجوب المبدل منضما
إليه أو منفردا غير معلوم، وحيث أن وجوب المبدل منضما أو منفردا بأمر آخر،
273

من دون إرتباط من حيث اشتمال كل من البدل والمبدل على مقدار من
المصلحة، وعدم إناطة صحة أحدهما، وفساده بصحة الآخر وفساده، فلذا ليس
حال ما نحن فيه حال الأقل والأكثر من حيث استحالة الانحلال هناك على القول
باستحالته (1).
وأما إرجاع الشك هنا إلى الشك في تعلق الأمر بذات البدل أو بالجامع بين
المبدل والبدل المنضم إليه نظرا إلى رجوع التخيير الشرعي إلى التخيير العقلي
فيعلم إجمالا فتعلق الأمر إما بذات البدل أو بالجامع المذكور، ولا معلوم
بالتفصيل كي يكون الآخر مشكوكا بالشك البدوي فمندفع.
بأن المعلوم تعلقه بالبدل على الفرض والجامع المذكور لا ينطبق على البدل
وحده حتى يكون العلم بتعلق الأمر بالبدل موجبا لاحتمال تعلقه به بعنوانه و
احتمال تعلقه به بعنوان جامع ينطبق عليه وإن كان ينطبق على غيره، وحيث أن
الجامع لو كان لكان منطبقا على البدل المنضم إلى المبدل فالأمر بالبدل لا يصلح
للكشف عن مثل هذا الجامع ليكون معلوما بالاجمال بل ليس إلا مجرد
الاحتمال.
قوله: بطريق أولى الخ: وجه الأولوية إمكان تقيد (2) تمام المصلحة
بالوقت دون خارجه فلو لم يجب الاستيفاء في الوقت لم يجب في خارجه
بالأولوية، وإلا فبالنظر إلى الشك في التكليف كلاهما على حد سواء إذا الإعادة
هنا أيضا بأمر آخر كما في القضاء. نعم يمكن تقريب الأولوية من هذه الحيثية

1 - وأما إرجاع التخيير الشرعي إلى التخيير العقلي، فالتكليف إما بجامع ينطبق على كل من البدل
والمبدل أو بجامع لا ينطبق إلا على البدل المنضم إلى المبدل وعلى المبدل منفردا ولا معلوم بالتفصيل
(فمدفوع) بأن تعلق التكليف بكل من البدل والمبدل معلوم فمثل هذا الجامع معلوم والتكليف بجامع لا
ينطبق إلا على البدل المنضم إلى المبدل غير معلوم (نسخة بدل).
(2) أي بالإمكان القياسي فإنه بالنظر إلى ما ثبت في الشرع كذلك وإلا في ما لا يمكن استيفاء تمام
المصلحة في الوقت كذلك يمكن عدم استيفاء بقية المصلحة (منه) (خ).
274

أيضا لكنه بعيد عن مساق العبارة، وهو أن الأمر بالإعادة ناش واقعا من الأمر آخر
كما في القضاء. [في الإعادة] بالجامع لا أنه أمر لكونه شكا في أصل التكليف و
قوله - قده - يحمل على الشك في تعلق أصل التكليف بالجامع حيث لا يقطع به
إلا بالإعادة لا أنه شك في التكليف الزائد كما هو ظاهر العبارة والله أعلم.
قوله: لكنه مجرد الفرض الخ: إذا فوت الواقع بما هو لو كان موجبا للقضاء
لوجب حتى مع القطع باستيفاء تمام المصلحة.
قوله: والتحقيق أن ما كان منه يجري الخ: توضيحه أن مفاد القواعد و
أدلة: الأمارات على المشهور بحسب اللب والواقع وإن كان إنشاء أحكام مماثلة
للواقع، ومقتضاه عدم الفرق لبا بين الحكم بالطهارة بالقاعدة، أو بدليل الأمارة
حيث أن من أحكامها الشرطية فان كانت منشئة حينئذ وكانت الصلاة مع الشرط
كان الأمر كك على أي تقدير. وإلا فلا إلا أن لسان الدليل حيث أنه مختلف فلا
محالة يختلف مقدار استكشاف الحكم المماثل بقاعدة الطهارة أو بدليل الامارة
ومن الواضح أن مفاد قوله عليه السلام " كل شئ طاهر أو حلال (1) " هو الحكم
بالطهارة أو الحلية ابتداء من غير نظر إلى واقع يحكى عنه، والحكم بالطهارة
حكم بترتيب آثارها وإنشاء لأحكامها التكليفية والوضعية، ومنها الشرطية فلا
محالة يوجب ضمه إلى الأدلة الواقعية التوسعة في الشرطية ومثله ليس له كشف
الخلاف لأن ضم غير الواقع إلى الواقع لم ينكشف خلافه بخلاف دليل الامارة إذا
قامت على الطهارة فان معنى تصديقها وسماعها البناء على وجود ما هو شرط
واقعا فيناسبه إنشاء أحكام الشرط الموجود كجواز الدخول في الصلاة لا إنشاء
الشرطية إذ المفروض دلالة العبارة على البناء على وجود الطهارة الثابتة شرطيتها
واقعا بدليلها المحكي عنها لا الحكم بالطهارة ابتداء فإذا انكشف عدم الطهارة

(1) لم أجد بالعطف ولعل المصنف - ره - عطف الحديثين أحدهما: كل شئ يكون فيه حرام
وحلال فهو لك حلال أبدا في الوسائل ج 16 ص 403 ح 2. ثانيهما: كل شئ طاهر حتى تعرف أنه
قذر. في المستدرك ج 1 ص 164 ح 1 الباب 29 من أبواب النجاسات.
275

واقعا فقد انكشف وقوع الصلاة بلا شرط.
فان قلت: بناء على ذلك يكون حال الاستصحاب حال الامارة فان مفاد
دليله البناء على بقاء الطهارة الواقعية المتيقنة سابقا مع أنه حكم الإمام عليه السلام
بعدم الإعادة في صحيحة زرارة تعليلا بحرمة نقض اليقين بالطهارة بالشك
فيها، فيعلم منه أن التعبد ببقاء الطهارة تعبد لشرطيتها.
قلت: الغرض قصور التعبد بوجود ما هو شرط واقعا عن الدلالة على التعبد
بالشرطية لا منافاته له، مضافا إلى أن مجرد التعبد بالوجود والبقاء لا قصور له عن
إفادة الاجزاء بل التعبد في الامارة حيث كان على طبق لسان الامارة الحاكية عن
وجود الشرط وكان عنوانه التصديق بوجود ما هو الشرط فلذا كان قاصرا عن
إفادة أزيد من التعبد بآثار الشرط الموجود واقعا كجواز الدخول معه في الصلاة
المتفرع على وجوده خارجا لا الشرطية الغير المتفرعة على وجوده خارجا
لمكان وجوب الصلاة عن طهارة وجدت أم لا؟ كما لا يخفى، ومن الواضح أنه
ليس في مورد الاستصحاب حسبما هو المفروض شئ حتى يتبعه لسان دليله و
انما الموجود في ثاني الحال مجرد الشك في الطهارة كما في مورد قاعدة الطهارة.
نعم لو كان التعبد بالطهارة بعنوان الظن ببقائها في ثاني الحال كان الأمر فيه كما
في الأمارات بلا إشكال.
فان قلت: مقتضى هذا اللسان عدم الأجزاء وإن قلنا بالسببية والموضوعية
في الأمارات فان مقتضاه لا يتغير عما هو عليه بجعله من باب الطريقية أو
الموضوعية.
قلت: ليس الأجزاء بناء على الموضوعية بلحاظ جعل الشرطية للطهارة مثلا
بل بلحاظ أن الفاقد كالواجد في تمام المصلحة في هذه الحال فالدليل لو كان
مطلقا من حيث موافقة الأمارة للواقع ومخالفتها له مثلا يدل على وجود
المصلحة الباعثة على الجعل مطلقا.
فان قلت: مقتضى عموم الآثار في قاعدة الطهارة عدم تنجس ملاقيه به و
276

طهارة المتنجس المغسول به كما تنفذ معه الصلاة واقعا.
قلت: فرق بين نفوذ الصلاة معه لكونه شرطا في هذه الحال فإنه لا ينافي
النجاسة الواقعية وبين الطهارة المغسول به مثلا فان النجس الواقعي لا يعقل أن
يطهر واقعا فان فاقد الشئ لا يعقل أن يكون معطيا له، مضافا إلى أن عدم
تنجيس الملاقي ليس من آثار الطاهر الواقعي بل هو بالإضافة إليه لا اقتضاء، لا أن
له اقتضاء العدم وإن كان له اقتضاء ضده.
فان قلت: ما ذكرت في قاعدة الحل والطهارة يوجب تعارض المغيى و
الغاية فان مفاد الغاية ترتيب أثر النجس الواقعي بعد العلم بالقذارة من أول الأمر
فينافي ترتيب أثر الطاهر الواقعي بعد العلم بالقذارة مما يتعلق بحال الجهل من
الإعادة والقضاء.
قلت: إذا كان مفاد الغاية حكما تعبديا (1) لا عقليا أتى به تحديدا للموضوع
فليس شخص هذا الأثر للمغيى باطلاقه حتى يترتب عليه بعد حصول الغاية.
فان قلت: لا نقول باقتضاء الغاية فساد الصلاة حال الجهل واقعا كي يعارض
المغيى بل بصحتها حاله، ونقلا بها حال العلم نظير القواعد الجارية بعد العمل
كقاعدتي الفراغ والتجاوز فإنه لا مصحح للعمل في الأثناء بل هو على ما هو عليه

(1) توضيحه أن المركب من المغيى والغاية تارة يكون متكفلا لحكمين من الشارع أحدهما مفاد
المغيى وهو الأمر بترتيب أثر الطاهر الواقعي وثانيهما هو مفاد الغاية وهو الأمر بترتيب أثر النجس
الواقعي فمقتضى الأول كون الصلاة مع الشرط أو بلا مانع فلا إعادة ولا قضاء ومقتضى الثاني كون
الصلاة بلا شرط ومع المانع فيأتي الإعادة والقضاء فيقع بينهما التعارض، وأخرى يكون متكفلا لحكم
شرعي واحد وهو الأمر بترتيب أثر الطاهر غاية الأمر أنه في موضوع خاص محدود إلى أن يتحقق العلم
فيبقى العلم حينئذ وما يقتضيه عقلا وحيث أن الصلاة بمقتضى الحكم المجعول في المغيى مع الشرط
وبلا مانع فلا أثر من حيث الإعادة والقضاء حتى يكون العلم بوقوعها في عن ملاقيه ونحوه وقد حقق
في محله أن الصحيح هو الوجه حيث أن العلم لا ينقح هنا موضوعا له حكم مجعول بل لا أثر له إلا الأثر
الفعلي وهو تنجيز آثار النجس الواقعي الباقية على حالها فتدبر (منه).
277

من الخلل وينقلب صحيحا بعد جريان القاعدة.
قلت: بعد تحكيم المغيى لا ينقلب لسقوط الأمر بملاكه فلا موجب للإعادة و
القضاء، والفرق أن الجزء والشرط فعلي إذا لم يحكم بوجودهما أو بصحتهما
بعد العمل بالقاعدة (1) فلا إنقلاب حقيقة، ويعلم صحة المأتي به بالقاعدة لا أنه
يصحح بالقاعدة، وبالجملة الغرض مرتب على المحرز باليقين أو بالأصل في
الأثناء، أو بعد العمل أو قبله بخلاف ما نحن فيه إذ لا يعقل أن يقال صحيح واقعا
إذا لم يحكم بفساده بعد العمل مع حفظ عدم المعارضة والمغيى فلا مجال إلا
للانقلاب وهو محال فتدبر جيدا.
قوله: من أن حجيتها ليست بنحو السببية الخ: بل بنحو الطريقية (2).

1 - فهو فاسد واقعا أولا وآخرا بمعنى عدم مطابقة المأتي به للمأمور به الواقعي لكنه صحيح تعبدا
أولا وآخا لكشف القاعدة الجارية بعد العمل عن كون المأتي به موافقا للمأمور به الفعلي المنبعث أمه
عن المصلحة الواقعية في هذه الحالة فلا إنقلاب لا بحسب الواقع ولا بحسب الظاهر مع أنا قد ذكرنا في
محله من أنه لا تعبد بالوجود أو بالصحة حقيقة حتى يتوهم الانقلاب بلحاظ تأخر التعبد بل حقيقة
الحكم بعدم وجوب الإعادة ومعه لا موهم للانقلاب (منه).
(2) بيانه أن دليل الحجية أما لا يتكفل إنشاء طلبيا أصلا بل يكون مفاده اعتبار الحجية والمنجزية
كقوله عليه السلام لا عذر لأحد من موالينا (في - ظ) التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا فان ظاهره نفي
المعذورية بالمطابقة وإثبات المنجزية بالالتزام ولا يتكفل إنشاء طلبيا وهو على قسمين بناء على
الطريقية (أحدهما) الإنشاء بداعي تنجيز الواقع (وثانيهما) الإنشاء بداعي جعل الداعي بعنوان ذات
العمل لم يصل وكما أن تنجيز الواقع لا يكون إلا عند مصادفة الواقع كذلك الإنشاء بداعي تنجيز الواقع
أو بداعي إيصال الواقع فان الكل مقصور على صورة مصادفة الواقع وحيث أنه ليس جعل الداعي إلا عند
إيصال الواقع بعنوان آخ فلا محالة يكون منبعثا عن نفس مصلحة الواقع لا عن مصلحة أخرى وإلا لكان
جعلا للداعي على أي تقدير لا بعنوان إيصال الواقع (نعم) جعل المنجزية أو الإنشاء به بداعي تنجيز
الواقع بخصوص الخب أو الإنشاء بداعي إيصال الواقع بعنوان تصديق العادل مثلا لابد من أن يكون ذا
مصلحة في نفسه لا أن يكون المؤدي ذا مصلحة (منه).
278

بملاك علية الإصابة المصححة لجعل أحكام مماثلة للواقع كما هو المشهور، و
أما على الطريقية بمعنى آخر وهو عدم إنشاء الحكم المماثل حقيقة بل جعل
الامارة منجزة للواقع عند الإصابة فالأمر في عدم اقتضاء الأجزاء في غاية
الوضوح، وهذا هو الصحيح وإن كان منافيا للمشهور.
لا يقال: دليل الأمارة وإن لم يفد الاجزاء إلا أن موردها دائما (1) من موارد
حديث الرفع حديث أن الواقع الذي أخطأت عنه الأمارة مجهول فيأتي الأجزاء من
حيث انطباق مورد حديث الرفع الحاكم على الأدلة الواقعية على موارد
الأمارات.
لأنا نقول: الظاهر مما لا يعلم ما جهل حاله رأسا لا ما قامت الحجة على
عدمه.
قوله: وأما بناء عليها الخ: هذا إذا قلنا بكشف الدليل على الحجية عن
المصلحة البدلية (2)، وأما إذا قلنا بكشفه عن مجرد المصلحة في صورة المخالفة

(1) ليس الغرض جريان حديث الرفع مع وجود الحجة بل الغرض أن المجهول حيث أن الغرض
منه أو دخله في الغرض ليس بفعلي فلذا رفع حكمه وإن كان الدليل على هو غير المعلوم بنفسه لا ما
قامت الحجة على عدمه فلا يتحد مع مورد الإمارة مصداقا، وأما بأن من المحتمل تقيد المصلحة
الواقعية بما إذا لم يقم دليل على رفع الحكم ظاهرا لا تقيدها بمجرد الجهل الذي هو مورد للرفع (منه).
(2) توضيحه أن الإلتزام بالموضوعية والسببية تارة بملاحظة قبح تفويت المصلحة فلا بد من
الإلتزام بمصلحة في المؤدي بحيث يتدارك بها مصلحة الواقع وأخرى بملاحظة - ظهور الانشاء في كونه
بداعي جعل الداعي لا بسائر الدواعي وظهور متعلقه في كونه عنوانا لا معرفا للواقع فيندفع بالظهور
الأول احتمال كونه بداعي تنجيز الواقع ويندفع بالظهور الثاني احتمال كونه بداعي إيصال الواقع بعنوان
تصديق العادل مثلا إلا أن مقتضى كلا الظهورين جعل الداعي على أي تقدير وانبعاثه عن مصلحة زائدة
على مصلحة الواقع أما أنها مصلحة بدلية عن مصلحة الواقع حتى يسقط التكليف الواقعي بحصول
ملاكه أو مصلحة غير بدلية حتى يكون التكليف الواقعي باقيا ببقاء ملاكه فلا محالة تتوقف على ضميمة
معينة لبدلية المصلحة.
ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون مؤدي الأمارة وجوب شئ نفسيا أو حرمة شئ والواقع غيره أو
شرطية شئ كذلك أو عدمها فكما لا يدل وجوب شئ نفسيا بعنوان تصديق العادل مثلا على مصلحة
بدلية في ذلك الشئ كذلك لا يدل جزئية شئ على كونه بعض ما يفي بالغرض الواقعي بل مقتضى
جعل الجزئية بجعل منشأ انتزاعها إيجاب ما يتألف منه ومن غيره فلا بد من أن يكون هذا الإيجاب عن
مصلحة أما أنها بدلية فلا وهكذا الشرطية فان جعلها بجعل إيجاب المقيد به وكذا نفي الجزئية والشرطية
فان مرجعه إلى إيجاب ما عداه أو ما لا تقيد له به وسيجئ إنشاء الله تعالى بعض الكلام فيما يتعلق
بالمقام.
وأما إثبات المصلحة البدلية رأسا أو إثبات بدلية المصلحة بعد استظهار أصلها بالبيان الذي تفردنا به
من طريق قبح تفويت المصلحة الواقعية فقد دفعناه في مسألة جعل الطريق بأن إيكال العبد إلى طرقه
العلمية بما يوجب تفويت الواقعيات أكثر من جعله متعبدا بالإمارة فالزائد فائت لا مفوت حتى يقبح،
من أن تفويت مصلحة بإيصال مصلحة يساويها أو أقوى منها ولو لم يكن من سنخها لا قبح فيه.
وأما ما يستظهر من كلام الشيخ الأعظم - قدس سره - في الرسائل من الإلتزام بالتدارك بمقدار
الفوت بتقريب أنه إذا صلى الجمعة في أول الوقت فانكشف وجوب الظهر واقعا فقد فاتته فضيلة أول
الوقت ونلتزم بتداركها لكن مصلحة أصل الوقت ومصلحة طبيعة الصلاة باقية على حالها ويمكن
استيفائها بالإعادة، وإذا انكشف الخلاف بعد الوقت فقد فاتته مصلحة الوقت وهي متداركة ويصح
حينئذ أن يقال بعدم الأجزاء عند انكشاف الخلاف مع الإلتزام بتدارك المقدار الفائت ومرجعه إلى القول
بالموضوعية والمصلحة البدلية وعدم الأجزاء عند انكشاف الخلاف فمخدوش بأن مقتضى اشتمال
الصلاة في أول الوقت على مصلحة أول الوقت وهي غير لزومية أن يكون التكليف بمؤدي الأمارة غير
لزومي مع أن المفروض جعل الحكم المماثل لما أدت إليه الأمارة من وجوب صلاة الجمعة مضافا إلى أن
الصلاة إذا أتى بها في وقت الاجزاء وانكشف الخلاف في الوقت فلازم كلامه - قدس سره - أن لا يكون
مأمورا بها أصلا حيث لا تشتمل على مصلحة لزومية ولا غير لزومية.
ولا يمكن التفصي عن ذلك بأن الإنشاء الطريقي لمجرد تنجيز الواقع فان الفعل إذا كان ذا مصلحة
لزومية أو غير لزومية فهو يقتضي الحكم اللزومي أو غيره على حد التكاليف الواقعية خصوصا عند من
يلتزم بصحة الصلاة واقعا إذا لم ينكشف الخلاف فإنها واجدة لجميع ما تكون الصلاة الواقعية
واجدة لها من مصالحها. هذا كله بالنسبة إلى إثبات المصلحة البدلية بلحاظ قبح تفويت المصلحة.
ويمكن: دعوى بدلية المصلحة من طريق أخر وملخصه أن مصلحة الواقع ومصلحة المؤدي إما
أن تكونا قابلتين للاجتماع وإما أن تكونا غير قابلتين له.
فعلى الأول: يجب الأمر بتحصيلهما تعيينا مع أنه لا يتعين عليه تحصيل المصلحة الواقعية
بالتكليف بتحصيل العلم بل له الاقتصار على التعبد بمؤدي الامارة.
وعلى الثاني يجب الأمر بتحصيلهما تخييرا لمكان المضادة بينهما مع أن ظاهر الأمر الواقعي
والطريقي كونهما تعيينيين والمفروض لزوم تحصيل مصلحة الواقع بعد انكشاف الخلاف وإحراز
مصلحة المؤدى والتخييرية منافية لمقامي الثبوت والإثبات معا بخلاف ما إذا كانت مصلحة المؤدي
بدلية فان مقتضى قيامها مقام المصلحة الواقعية عدم تعين تحصيل المصلحة الواقعية بل له الاقتصار
على تحصيل ما يقوم مقامها.
وحيث أن موضوع مصلحة المؤدي في موقع التعبد وفي ظرف عدم وصول الواقع فلا تخيير كما
سيأتي في المتن.
ويندفع هذه الدعوى بأن المصلحتين قابلتان للاجتماع إلا أن عدم تعين تحصيل المصلحة
الواقعية بالطرق العلمية في عرض لزوم تحصيل مصلحة المؤدي بعدم كون الغرض الواقعي بحد يوجب
تكليف تحصيله بالطرق العلمية أو بالاحتياط بل بحيث لو وصل عادة كان لازم التحصيل فمع عدم
وصوله العادي يجب عليه فعلا تحصيل مصلحة المؤدي فالمصلحتان في نفسهما متغايرتان لا
متضادتان وتعيينيتان لا تخييريتان (منه).
279

في قبال الطريقية فلا يفيد الأجزاء عن المصلحة الواقعية، ومن البين كما بين في
محله أن ظهور الانشاء في الانشاء بداعي جعل الداعي لا بغيره من الدواعي لا
يقتضي أزيد من انبعاثه عن مصلحة مقتضية لجعل الداعي إلى تحصيلها أما أنها
مصلحة بدلية عن مصلحة الواقع فلا، وحديث تفويت المصلحة ولزوم تداركها
بمصلحة مسانخة لها مذكور في مسألة جعل الطريق إشكالا وجوابا.
قوله: فيجزي لو كان الفاقد معه في هذا الحال كالواجد الخ:
فان قلت: لو كان مؤدى الأمارة بما هو مؤداها (1) وافيا بتمام مصلحة الواقع

1 - إنما أرجعنا الإشكال إلى الأمر بالجامع بناء على مسلكه - قدس سره - في الواجب
التخييري من أن الغرض إذا كان واحدا فلا بد من الأمر بالجامع وإذا كان متعددا ولا يمكن الجمع
بينهما فلابد من التخيير الشرعي.
وحيث أن المفروض هنا وحدة الغرض ووفاء المؤدي بمصلحة الواقع فلذا أرجعنا التخيير إلى الأمر
بالجامع وإنما التزمنا في الجواب باعتبار حيثية قيام الأمارة المخالفة للواقع مع أن الأمارة الموافقة أيضا
كذلك لأن المفروض الحاجة إلى المصلحة البدلية في صورة عدم مصادفة الواقع.
نعم ما أجبنا به من تأخر رتبة المؤدي عن رتبة الواقع الذي يقابله وأنه مانع عن الأمر بهما تخييرا
في عرض واحد أو عن سريان الأمر بهما من الأمر بالجامع فهو مبنى على ما هو المعروف من مانعية
تأخر الرتبة عن عرضية حكمي المرتب والمرتب عليه.
وأما بناء على ما مر منا مرارا من عدم المانعية فلا مانع من الأمر بالجامع وتسريته إلى الواقع
والمؤدي في عرض واحد بل لا مانع من هذه الحيثية ابتداء من جعل الحكم لهما تخييرا بنحو القضايا
الحقيقية.
نعم الأمر الفعلي بهما في عرض واحد محال تعيينا وتخييرا إذ فعلية الأمر بالمؤدي منوطة بعدم
وصول الواقع وفعلية الواقع منوطة بوصوله فلا فعلي إلا أحدهما دائما وكما يستحيل فعلية الأمر
بهما تعيينا فكذا تخييرا.
ولا فرق في محذور التخييرية بين مقام الإنشاء الواقعي ومقام الفعلية فان الإنشاء الواقعي في الواقع
والمؤدي بداعي جعل الداعي ويستحيل الإنشاء التخييري بالنسبة إليهما بداعي الإيجاب التخييري عند
وصولهما إذ يستحيل اجتماع وصولهما فلابد من الأمر بكل منهما تعيينا فان التعيينية لا تستدعي
الاجتماع في الوصول بخلاف التخييرية فإنها متقومة بطريفين فتدبر (منه).
281

لزم الأمر بالجامع بينهما عقلا لاشتراكهما من حيث وحدة الأثر في جامع لهما، و
يكون الأمر بكل من الواقع والمؤدى تخييريا مع ظهور الأمر الواقعي والطريقي
في التعييني، ونفس هذا الظهور كاشف عن كيفية الأمر في مقام الثبوت، ولا
ينتقض بالأمر الاضطراري مع أنه كك، وذلك لأن المأمور به الاختياري غير
مقدور شرعا في حال الاضطرار فلا فرد للجامع في كل من الحالين إلا أحد
الأمرين معينا بخلاف الواقعي فإنه مقدور بذاته في حال قيام الأمارة على خلاف
الواقع، ومنه يظهر أنه لا مانع من فعلية المصلحة الواقعية تخييرا وإن منع الجهل
282

بها عن فعليتها تعيينا.
قلت: ليس ذات المؤدى ذات مصلحة بل بما هي مؤدى الأمارة المخالفة
للواقع فهي بهذه الحيثية مصداق الجامع لا مطلقا فالجامع بوجوده الساري في
الواقع، وفي مؤدى الأمارة المخالة للواقع لا يعقل أن يكون مأمورا به بحيث
يسري الأمر منه إلى الفردين تخييرا إذ ما لم يتعلق أمر بالواقع ولم تقم أمارة
مخالفة له لا يكون المؤدى ذا مصلحة، ولا مصداقا للجامع فكيف يعقل انبعاث
الأمر إلى فردي الجامع تخييريا من قبل الأمر بالجامع بوجوده الساري في الفردين
إذ لا ثبوت لهذا الموضوع في حد موضوعية قبل تعلق الأمر بالجامع في ضمن
الواقع فلا محالة يكون الأمر بالجامع في ضمن الواقع والأمر بالجامع في ضمن
المؤدي تعيينين ومنه يظهر أن مصلحة الواقع والمؤدى عند قيام الأمارة وإن
كانت فعلية لكن فعلية البعث إلى المؤدى لوصوله مانع عن فعلية البعث إلى
الواقع لاستحالة بعثين فعليين تعيينين مع وحدة الفرض بل على ما سلكناه في
محله يستحيل البعث الفعلي مع عدم الوصول بنحو من أنحائه.
قوله: وإلا فلا مجال لاتيانه الخ: هذا كالوافي بتمام الغرض إشكالا و
جوابا، غاية الأمر أن الطلب في المأمور به الواقعي متأكد من حيث زيادة
المصلحة.
قوله: فأصالة عدم الاتيان بما يسقط معه الخ: لا يخفى أن عدم الاتيان
بالمسقط حيث أنه ليس بأثر شرعي، ولا بذي أثر شرعي فلابد من حمل كلامه
قده على استصحاب الاشتغال، وبقاء ما في الذمة استصحاب الاشتغال كلية
مبنية على دعوى أن هذا المعنى منتزع من توجه التكليف بفعل إلى العبد، وكفى
به في صحة استصحابه، وقد أشكلنا عليه وعلى قاعدة الاشتغال هنا في محله
بما محصله أن الحكم الذي تعلق العلم به لم يكن فعليا حال ثبوته على الفرض
ولم يعلم بقائه حال تعلق العلم به ليصير فعليا به فلا أثر لتعلق العلم به، و
283

يندفع (1) باستصحاب بقاء التكليف الواقعي الذي هو عبارة عن الانشاء بداعي
جعل الداعي، والحكم الاستصحابي حكم مماثل، وحيث أنه وأصل فيصير
فعليا وينسب الفعلية بالعرض إلى الحكم الواقعي كما هو كك عند قيام الأمارة
عليه أيضا فان الواصل الحكم المماثل المجعول على طبق المؤدى.
ويمكن دفعه أيضا (2) بأن حال العلم هنا حال الحجة الشرعية بمعنى المنجز

1 - توضيحه أن للتكليف الواقعي فعلية بالذات وفعلية بالعرض فإذا علم به حقيقة فهو الواصل
بالحقيقة والبعث الفعلي بالذات وإذا قامت عليه حجة شرعية متضمنة لجعل الحكم المماثل فالواصل
بالحقيقة والبعث الفعلي بالذات هو الحكم المماثل وحيث أنه بعنوان أنه الواقع فلذا ينسب الوصول
والفعلية إلى الواقع بالعرض وترتب الفعلية على الحكم المماثل الواصل ليس تعبديا بل انتزاع البعث
الفعلي منه لوصوله عقلي لتمامية منشأ انتزاعه فالحكم المماثل الواصل محقق له لا موجب للتعبد به.
إذا عرفت ما ذكرنا تعرف ما في أصالة عدم كون التكليف فعليا فإنه إن أريد منه الفعلية بالعرض
فهو محقق وجدانا بوصول الحكم المماثل المصحح لفعلية الواقع بالعرض وإن أريد منهما نفس هذه
الصفة وجودا وعدما فهي ليست من المجعولات الشرعية وإن أريد البعث المجعول بجعل منشأ انتزاعه
عند وصوله.
فحيث أن الشك فيه ناش عن الشك في بقاء منشأه فالتعبد ببقاء التكليف الواقعي تعبد
بالمجعول بجعله فلا مجال لأصالة عدم فعلية التكليف ولأصالة عدم البعث الفعلي لعدم كونه أثرا
شرعيا أو ذا أثر شرعي على الأول ولكونه محكوما بأصالة بقاء التكليف على الثاني وهذا أولى من رفع
الأصل المثبت فإنه وإن كان بالإضافة إلى ذلك أصلا مثبتا إلا أنه لا حاجة إلا إلى عدم التكليف بالإعادة
وأصالة عدم البعث إلى الظهر الواقعي مثلا كاف في عدم الإعادة سواء علم أن ما أتى به مسقط أولا فتدبر
جيدا (منه).
2 - هذا دفع للاشكال على قاعدة الاشتغال من حيث تعلق العلم بتكليف سابق لا علم ببقائه حتى
يكون فعليا منجزا.
ومحصل الجواب أن المنجز العقلي كالمنجز الشرعي فكما أن الخبر منجز شرعا مع تعلقه بما
لم يعلم ثبوته فعلا لا عقلا ولا شرعا ومع ذلك ينجزه على تقدير ثبوته وهو الحامل للعبد على امتثاله
لأنه يقطع بوقوعه في تبعة مخالفته على تقدير موافقته كذلك العلم هنا تعلق بتكليف سابقا بحيث
لو كان باقيا لكان فعليا منجزا لأنه المعلوم بعينه دون غيره فتقدير البقاء هنا كتقدير أصل الثبوت
هناك بل يمكن أن يقال أن الأمر كذلك في قاعدة الاشتغال كلية فإنه إذا تعلق العلم بتكليف ثابت حال
العلم فالعلم به منجزه ما دام متعلقا به لابقاء ولو زال العلم لغفلة ونسيان فالعلم بثبوته سابقا بعد زوال
الغفلة واحتمال الامتثال هو المنجز له بقاء وليس إلا كما نحن فيه من العلم يتنجز على تقدير بقائه بنفس
هذا العلم وليس منشأه إحتماله التكليف المنجز حتى يفترق عما نحن فيه حيث لم يتنجز سابقا لما مر
من أن العلم به لا ينجزه إلى الأبد بل ما دام متعلقا به فليس احتمال التكليف بقاء احتمال التكليف
المنجز بقاء فتأمل جيدا (منه).
284

فكما أن قيامها يوجب تنجزه على تقدير ثبوته كك العلم هنا تعلق بتكليف لو كان
باقيا لكان فعليا منجزا وتمام الكلام في محله.
قوله: والظاهرية بناء على الخ: لا مجال لقياس الأمر الظاهري بالأمر
الاضطراري إذ لا تكليف بالمبدل حال الاضطرار بوجه من الوجوه، فيتمحض
الشك في حدوثه بخلاف التكليف الواقعي حال الجهل به فإنه لا شك في ثبوته،
وإنما الشك في سقوطه وإن قطع باشتمال المأتي به على المصلحة لكنه حيث
لم يعلم أنه بحيث يوجب سقوط ما علم بثبوته فلا محالة يجب إتيان المأمور به
الواقعي تحصيلا لليقين بسقوطه.
قوله: قده وكان الفوت المعلق عليه وجوبه لا يثبت الخ: لا يخفى
عليك أن الفوت مما ينسب ويضاف إلى المأمور به، وهو من عناوينه لا مما
ينسب إلى المأمور، ومن وجوه فعله كما أنه ليس عنوانا للترك ولعدم الفعل
مطلقا فيما إذا كان للشيئ استعداد الوجود من حيث كونه ذا مصلحة فعلية أو
مأمورا به واقعا أو مبعوثا إليه فعلا فان هذه جهات مقربة له إلى الوجود، والظاهر
أن الفوت ليس مجرد عدم ما كان له الامكان الاستعدادي للوجود من إحدى
الجهات المزبورة بل هو عنوان ثبوتي ملازم لترك ما كان كك في تمام الوقت
المضروب له وهو مساوق لذهاب شئ من يده تقريبا كما يساعده الوجدان، و
عليه فعدمه المستصحب في تمام الوقت ليس مصداقا للفوت كي يرتب عليه
285

وجوب القضاء بل ملازم له، بداهة أن العناوين الثبوتية لا تكون منتزعة عن العدم
والعدمي كما هو واضح. ثم لا يذهب عليك أن الشك في صدق الفوت بلحاظ
الملاك القائم بالمأمور به الواقعي وإلا ففوت الفريضة العقلية مقطوع العدم حيث
لا فرض فعلي في الوقت، وفوت المأمور به الواقعي بذاته مقطوع الثبوت حيث
أنه ذهب بنفسه من يده في الوقت فالمشكوك هو فوته بملاكه لاحتمال حصول
ملاكه واقعا بالمأمور به الظاهري فلا بد من ملاحظة أن المنسوب إليه الفوت أي
واحد من الأمور المزبورة فتدبر.
قوله: غاية الأمر أن تصير صلاة الجمعة الخ هذا كك لو كان مفاد
الأمارة مجرد وجوب صلاة الجمعة، وأما لو كان مفادها أن الوجوب الواقعي في
اليوم هي الجمعة (1) فمقتضى السببية قيامها مقام الفرض الواقعي فيما له من

1 - لا يخفي أن غاية مفاد الدليل هنا وفي إثبات الجزء أو الشرط أو نفيهما أنه واجب واقعا لا أنه
الواجب الواقعي وأنه جزء واقعا لا أنه الجزء الواقعي إذا فرض أن الجزء غيره وأنه ليس بجزء واقعا لا أن
المؤلف مما عداه هو المركب الواقعي.
وغاية ما يمكن أن يقال في الفرق بين الأصل الجاري في إثبات أصل التكليف والجاري فيما تعلق
به التكليف من الجزء والشرط هو أن عدم الجزئية تارة بعدم جعل منشأ انتزاعها ومقتضاه تعلق الأمر بما
عداه فلا يكشف عن مصلحة بدلية فيه، وأخرى بجعل منشأ انتزاع عدم الجزئية حتى يكون عدم الجزئية
مجعولا بجعل منشأ تبعا فمقتضاه جعل عدم وجوب المركب من المشكوك وغيره لا مجرد المعذورية
عن ترك الجزء أو ترك المؤلف منه فإنه مبني الطريقية دون الموضوعية فيعلم من جعل المنشأ أنه لا
مصلحة ملزمة في المؤلف من المشكوك وغيره.
وحيث أن تعلق الأمر بما عداه معلوم بعنوان نفسها لا بعنوان آخر فيكشف عن انبعاث الأمر عن
مصلحة الصلاة بنفسها لا بعنوان آخر.
ويندفع بأن كشف عدم الوجوب جعلا عن عدم المصلحة الملزمة واقعا معناه عدم بلوغ الغرض
إلى حد يجب إيصاله ولو بجعل الإحتياط وأنه منوط بوصوله العادي وإلا فكشفه عن عدمها رأسا خلف
لفرض تعلق الأمر واقعا بالمركب من المشكوك وأما كشف الأمر الفعلي بما عداه بعناوينها فغاية
مقتضاه ترتب مرتبة من الغرض على ما عداه المشكوك من سنخ الغرض الواقعي وإلا لزم مساواة
الزائد والناقص في المحصلية للغرض فلا دليل على حصول الغرض الواقعي بمقدار لا يمكن استيفاء
الباقي ولا على مصلحة بدلية وبقية الكلام في محله (منه).
286

المصلحة، وكما أن ضم الأصل مثلا إلى الدليل الواقعي مبين لاختصاص فعلية
جزئية السورة بحال العلم بالواقع، وأن الأمر بما عداها فعلي، كك ضم دليل
الأمارة إلى دليل وجوب الظهر واقعا يوجب اختصاص فعلية وجوب الظهر بما
إذا لم تقم الأمارة على أن الفرض غيرها واختلاف الجمعة والظهر في الآثار وإن
كان كاشفا عن اختلاف حقيقتهما بحدهما لكنه لا ينافي اشتراكهما في جامع به
يقتضيان الغرض اللازم استيفائه كما لا يخفى.
قوله: فإنه لا يكون موافقة للأمر فيها الخ.
لا يقال: ليس موافقة الأمر مناط الأجزاء، ولا عدم موافقة الأمر الواقعي ملاك
عدمه، كيف وقد عرفت في أول البحث أن الأجزاء وعدمه من شؤون المأتي به
لا من شؤون الأمر حتى يقال حيث لا أمر هنا بوجه فلا معنى للتكلم في الأجزاء
بل ملاكه وفاء المأتي به بمصلحة المأمور به، وعلى الفرض ممكن بل في الجملة
واقع أيضا فما الوجه في اخراجه عن محل البحث.
لأنا نقول: مجرد إمكان وفاء الأجنبي عن المأمور به بمصلحته لا يقتضي
البحث عنه في الأصول على وجه الكلية بل لا بد أن يكون هناك شئ بلحاظه
يبحث عن اقتضائه لقيام متعلقه بمصلحة المأمور به الواقعي.
قوله: فان الحكم الواقعي بمرتبة محفوظ الخ: توضيحه عقلا كالمأمور
به الاضطراري والظاهري فان حيثية كون المأتي به مأمورا به قابلة للكشف عن
مقام الثبوت ونفس تعلق الأمر به قابل لأن يبحث عن اقتضائه أن التصويب أما
بلحاظ خلو الواقعة عن الحكم الواقعي رأسا، أو بلحاظ عدم فعلية الحكم
الواقعي للجهل به أو لقيام الأمارة على خلافه أو بلحاظ سقوط الحكم بمراتبه
بعد إتيان المأمور به الظاهري.
287

والأول: تصويب إلا أنه لا داعي إلى الالتزام به بل الحكم الواقعي الانشائي
على حاله علم به أم لا؟ قامت الحجة على خلافه أم لا؟ وكون مؤدى الأمارة ذا
مفسدة غالبة، أو ذا مصلحة مضادة غالبة على مصلحة الواقع، أو ذا مصلحة
مماثلة أقوى موجبة لفعلية الحكم على وفقها لا يقتضي سقوط مصلحة الواقع
عن الاقتضاء كي تخلو الواقعة عن الحكم رأسا بسقوط ملاكه، بل يقتضي سقوط
مقتضى الحكم الواقعي عن التأثير وبلوغه درجة الفعلية وصيرورته بعثا جديا.
الثاني: مع أنه ليس من شؤون الأجزاء، لاجتماع عدم فعلية الواقع حال
الجهل مع عدم الاجزاء ليس من التصويب في شئ لبقاء الحكم الواقعي
المشترك بين العالم والجاهل على حاله كما أن اختصاص الجاهل بحكم فعلي
آخر كك، إذا المجمع عليه اشتراك الجاهل مع العالم لا العكس. والثالث: يؤكد ثبوت الحكم المشترك لأن مجرد قيام الأمارة وتعلق الجهل
لم يوجب السقوط بل إتيان المأمور به الظاهري المحصل للغرض، وسقوط
الحكم بسقوط غرضه، أو بعدم إمكان حصوله كسقوطه بإطاعته ومعصيته ليس
من التصويب قطعا إذ المراد من ثبوت الحكم المشترك ليس هو الثبوت أبدا ولو
مع الإطاعة والمعصية أو ما بحكمهما بل مجرد الثبوت حال الجهل بحيث لا
يختلف حال العالم والجاهل.
قلت: الحكم الذي أمره بيد المولى (1) هو الانشاء بداعي جعل الداعي و

(1) حيث أن الفعلية عنده قدس سره - غير متقومة في نفسها بالوصول وأن سقوط الحكم عن
الفعلية بلحاظ فعلية حكم أخر على وفاقه أو على خلافه فلذا كان التصويب عنده في مرحلة الفعلية دون
الواقع الكسر والانكسار بين مقتضيات الفعلية لا بين مقتضيات الأحكام بنفسها إلا أن هذا المبني حيث
أنه غير صحيح حتى عنده - قدس سره - على ما ذكره - قدس سره - في مبحث جعل الطريق مما يرجع
إلى ما سلكناه.
فلا محالة لو كان هناك كسر وانكسار لكان بين مقتضى الحكمين الصادرين من الشارع ومقتضى
سقوط المقتضى عن التأثير سقوط مقتضاه فيلزم التصويب لكن هذا المحذور على فرض المزاحمة
في التأثير وهذا الفرض غير صحيح.
وتوضيح الحال يستدعي بسطا في المقال فنقول المصالح المقتضية للأحكام تتصور على
خمسة وجوه:
أحدها أن يكون المصلحة المقتضية للحكم الواقعي الذي حقيقته الإنشاء بداعي جعل الداعي
متقيدة بعدم الجهل بمقتضاها أو بعدم قيام الأمارة على خلاف مقتضاها ففي صورة الجهل أو قيام الأمارة
المخالفة لا مصلحة أصلا فلا حكم أصلا لا واقعا ولا بنحو ثبوت المقتضى بثبوت مقتضيه حيث لا
مصلحة مقتضية في هذه الحال، وهذا من أوضح أفراد التصويب الذي قد ادعى استحالته من حيث
الدور أو الخلف إذ كما أن تقيد الحكم بالعلم بنفسه أو بعدم الجهل به محال لأحد الوجهين كذلك تقيد
المصلحة بالعلم بنفسها أو بعدم الجهل بها أو تقيد المصلحة بالعلم بمقتضاها المنبعث عنها وقد ذكرنا
في محله وجه استحالته وإن لم يلزم دور ولا خلف.
ثانيها أن يكون المصلحة ثابتة حتى في صورة الجهل وقيام الأمارة المخالفة فمقتضاها أيضا ثابت
بثبوت مقتضيه إلا أنها مزاحمة في التأثير بمصلحة أخرى تقتضي خلاف مقتضى الأولى فلا يحكم في
الأول لعدم المقتضى ولا حكم هنا لوجود المانع ويفترقان في ثبوت الحكم بثبوت المقتضى هنا دون
الأول، وهذا الوجه لو صح للزم منه التصويب لكنه في نفسه غير صحيح إذ المزاحمة في التأثير مع فرض
اجتماع المصلحتين لمكان التنافي بين الأثرين ولا تنافي هنا إذا الانشاءان بما هما قابلان للاجتماع
وبلحاظ بلوغهما مرتبة الفعلية المحققة لتنافي الفعليين لا ينتهي الأمر إلى اجتماعهما في مرتبة الفعلية
لأن فعلية الحكم الظاهري منوطة موضوعا بعدم وصول الواقع فلا حكم فعلي دائما إلا أحد الحكمين.
نعم التنافي في هذه المرحلة يتصور في العنوانين العرضيين أو الطوليين الذين لم يمتنع
اجتماعهما.
ثالثها أن تكون مصلحة الحكم الواقعي ومصلحة الحكم الظاهري متضادتين ومتزاحمتين وجودا
وحيث أن الحكم على طبق الأقوى والمفروض فعلية الحكم الظاهري فيكشف عن أقوائية مقتضيه
وعدم الحكم الواقعي لاستحالة التسبيب إلى إيجاد المتضادين ابتداء أو بواسطة فيلزم منه التصويب عند
التحقيق فان التسبيب إلى المتضادين في عرض واحد محال لكن لا يترقب إيجاد المصلحة للحكم
الظاهري في عرض إيجاد المصلحة للحكم الواقعي بل في ظرف عدم بوصوله فلا ينتهي الأمر إلى
التسبيب إلى إيجاد المتضادين حيث لا تسبيب حقيقة إلا بالفعلية البعثية.
وأما سقوط الحكم الواقعي بعد امتثال الحكم الظاهري وحصول مصلحته فهو غير مناف لثبوت
الحكم إلى حال حصول ملاك الحكم الظاهري فالإنشاء الواقعي بنحو القضية الحقيقة في الطرفين ليكون
كل واحد منهما فعليا بوصوله وتمامية موضوعه لا محذور فيه.
رابعها أن تكون مصلحة الحكم الواقعي مغايرة لمصلحة الحكم الظاهري فقط لا مضادة لها وجودا
ولا مزاحمة لها أثرا، فمن الواضح أنه لا يستلزم التصويب لكنه لا يستلزم الأجزاء بخلاف الوجه السابق
فإنه يستلزم الأجزاء بمعنى عدم التكليف بالواقع بعد امتثال الحكم الظاهري لعدم إمكان استيفاء ملاكه
لا بمعنى موافقته بحسب النتيجة بتحصيل ملاكه.
خامسها أن تكون المصلحتان متسانختين وتقوم مصلحة الحكم الظاهري مقام مصلحة الحكم
الواقعي، فلا تصويب أصلا مع أنه يستلزم الأجزاء هذا كله بالنسبة إلى المصالح الواقعية والظاهرية من
حيث الأجزاء والتصويب وأما بالنسبة إلى اجتماع المفسدة الواقعية والمصلحة الظاهرية كصلاة الجمعة
المحرمة واقعا والواجبة ظاهرا فالكلام فيه مربوط بخصوص التصويب دون الأجزاء.
وتحقيق الحال فيه أن المفسدة الواقعية في الجمعة ربما تكون مزاحمة وجودا بالمصلحة
بعنوان آخر بحيث تندك المفسدة في جنب المصلحة فصلوة الجمعة التي قامت الإمارة على وجوبها
ذات مصلحة فقط من دون مفسدة وإنما تكون ذات مفسدة لو خليت ونفسها كالكذب القبيح عقلا فإنه
لو خلي وطبعه قبيح وبعنوان انجاء المؤمن حيث أنه عدل واحسان ممدوح عليه وحسن لا أنه قبيح
محض فيه فلا محالة حيث لا مفسدة فيما قامت عليه الأمارة فلا حرمة فيه من الأول فهو تصويب حقيقة
في مرحلة الواقع.
فما عن الشيخ الأعظم - قدس سره - في مبحث الظن من رسائله من أنه لا تصويب هنا فان المراد
من الحم الواقعي الذي يلزم بقائه هو الحكم المتعلق بالعباد الذي يحكي عنه الإمارة إلى آخر كلامه غير
مفهوم المراد فإنه إن أريد أن الحكم فهو إلتزام بوجود المعلول بلا علة، وإن أريد أن عنوان الموضوع
المحكوم عليه ظاهرا متقيد بما يقتضي وجود حكم واقعي فهو إلتزام بثبوت الحكم عنوانا لا حقيقة وإلا
لجري في غالب أقسام التصويب هذا إذا كانت المفسدة مندكة في المصلحة.
وأما إذا كانت موجودة حقيقة ومزاحمة في التأثير بمصلحة الحكم الظاهري ففرض المزاحمة
والعلية وسقوط المفسدة عن التأثير وإن كان يقتضى عدم بقاء الحكم الواقعي لا بحسب مقام
الفعلية وبقية الكلام في مسألة التخطئة والتصويب من مباحث الاجتهاد والتقليد ومن الله تعالى التسديد
(منه).
288

انبعاث المكلف، والانشاء لا بذاك الداعي ليس من الحكم الحقيقي، ولا من
مراتبه، بداهة أن المنشأ بداع آخر لا يكون جعلا للداعي فلا ينقلب عما هو عليه،
ولا يمكن أن يصير باعثا وزاجرا وناهيا بل إنما يعقل أن يصير بعثا جديا، و
تحريكا حقيقيا إذا نشأ بهذا الداعي، ولا يخفى عليك أن الانشاء بالداعي المزبور
هو تمام ما بيد المولى، وبلوغه إلى حيث ينتزع عنه عنوان البعث والتحريك
يتبع وصوله إلى المكلف بنحو من أنحاء الوصول لا لتلازم البعث والانبعاث
كتلازم الإيجاد والوجود ضرورة دخالة إرادة المأمور، واختياره في انبعاثه مع أن
البعث فعلي أراد المأمور امتثاله أم لا؟ بل لأن المراد من البعث الحقيقي و
التحريك الجدي جعل ما يمكن أن يكون باعثا وداعيا ومحركا وزاجرا وناهيا. و
من الواضح أن الانشاء بداع البعث لا يعقل أن يتصف بامكان الباعثية والدعوة إلا
بعد وصوله إلى المأمور لوضوح أن الأمر الواقعي وإن بلغ من القوة ما بلغ لا
يمكن أن يصير بنفسه باعثا وداعيا، وإن خلا المأمور عما ينافي مقتضيات
الرقية، وعما ينافر رسوم العبودية بخلاف الواصل فافهم واستقم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الحكم الحقيقي المشترك بين العالم والجاهل هو ما
ذكرنا فإنه الذي يعقل أن يبلغ درجة الفعلية والتنجز، ومن الواضح أن مثله لا
يعقل أن يتقيد بعدم الجهل به أو بعدم قيام الأمارة على خلافه بل نفس الجهل
به، وعدم وصوله كاف في عدم بلوغه درجة الفعلية ووجود الحكم بهذا المعنى
لا يمنع عن بعث فعلي آخر على وفاقه أو على خلافه لأن حقيقة البعث أنما
تنافي بعثا آخر لاستحالة عقلية كل منهما لداع مماثل أو مضاد لاستحالة انقداح
داعيين متماثلين أو متقابلين نحو فعل واحد، ومن الواضح أن الحكم الواقعي و
إن كان بداعي جعل الداعي إلا أنه كما عرفت لا يعقل أن يتصف بالدعوة إمكانا
291

بما له من الوجود النفس الأمري بل إذا وصل إلى من أريد انبعاثه فهذا سر فعلية
البعث الطريقي دون الواقعي لا مانعية مصلحة الأمر الطريقي عن تأثير مصلحة
الأمر الواقعي في فعلية.
ومنه ظهر أن مصلحة الحكم الواقعي تامة، وأن مصلحة المؤدى لو كانت
غالبة على مصلحة الواقع لاقتضت سقوط الحكم الواقعي لأن بقاء المعلول ببقاء
علته، ومن البين أن العلة التامة للانشاء بداع البعث نفس مصلحة الواقع، وأن
عدم بلوغه إلى درجة الفعلية ليس لقصور في مصلحة الواقع كي يكون نسبته إلى
الحكم الفعلي نسبة المقتضي إلى المقتضى ليكون الكسر والانكسار في فعلية
التأثير بل حقيقة الحكم المنبعث عن علته التامة نفس الانشاء بداع البعث و
اتصافه بالبعث فعلا يتبع الوصول عقلا فلا محالة تكون غلبة مصلحة المؤدى
موجبة لسقوط الحكم الواقعي الذي هو بتمام ما بيد المولى لسقوط علته فتدبره
فان حقيق به.
نعم القول بالأجزاء يدور مدار كون مصلحة المؤدي مساوية لمصلحة الواقع
أو بمقدار لا يمكن استيفاء ما بقي منها فلا موهم لسقوط مصلحة الواقع بمصلحة
غالبة واشكال لزوم التخيير والأمر بالجامع قد تقدم منا جوابه فراجع.
قوله: كيف وكان الجهل بها الخ: يمكن أن يقال إن مقتضى تأخر الجهل
بشئ عنه ثبوته حال تعلقه به لا ثبوته أبدا فلا مانع من السقوط بعد الثبوت
الموقوف عليه العلم والجهل ونحوهما بل اللازم كما مر مرارا ثبوته العنواني
المقوم للعلم والجهل لا ثبوته الخارجي.
292

مقدمة الواجب
293

المسألة أصولية عقلية
قوله: ثم الظاهر أيضا أن المسألة عقلية الخ: ربما يشكل جعل المسألة
وأشباهها من المسائل الأصولية العقلية بأن الدليل العقلي كما هو المشهور كل
حكم عقلي يتوصل به إلى حكم شرعي، ومن البين أن وجوب المقدمة نفس ما
حكم به العقل لا أنه هناك ما يتوصل به إليه، وتطبيق هذا الحكم الكلي العقلي
عن موارده ليس توسيطا للاستنباط كما لا يخفى. ويندفع بأن ما أذعن به العقل
وجدانا أو برهانا هي الملازمة بين وجوب شئ ووجوب مقدمته شرعا، لا أن
الوجوب الشرعي ابتداء مفاد حكم العقل كما يكون مفاد الكتاب والسنة بل
وجوب المقدمة شرعا نتيجة ثبوت الملازمة عقلا عند وجوب ذي المقدمة
شرعا كما هو الحال في كل متلازمين عقلا فان دليل الملازمة عند وضع الملزوم
دليل على اللازم، بداهة أن العلم بالنتيجة من جهة اندراجها تحت الكبرى الكلية.
نعم بين الدليل العقلي والدليل الشرعي فرق وهو إن دليلية الكتاب والسنة
مثلا بملاحظة دلالتهما على الحكم الشرعي بخلاف الدليل العقلي فان مفاده
الابتدائي أمر واقعي أو جعلي يكون الاذعان به موجبا للاذعان بالحكم الشرعي
كما أنه فرق بين المسائل العقلية وسائر المسائل الأصولية وهو أن نتائج سائر
المسائل الأصولية واسطة في استنباط الحكم الشرعي من دليله بخلاف المسائل
العقلية فان نتائجها واسطة في اثبات الحكم الشرعي من دون استنباط له من
دليله على الوجه المتقدم لا ابتداء هذا. ويمكن دفع الأشكال أيضا في غير ما
نحن فيه من الاستلزامات الظنية بأن حكم العقل وإن كان نفس الظن بالحكم
الشرعي في ثاني الحال لثبوته سابقا مثلا إلا أنه بمجرده لا يكون واسطة في اثبات
الحكم الشرعي بل بما يدل على حجية الظن فالاذعان الظني العقلي حكم عقلي
يتوصل به مع دليل الحجية إلى الحكم الشرعي وكونه دليلا عقليا وحكما عقليا
294

غير متقوم بالحجية إذ الدليلية والحكمية بلحاظ إذعان العقل قطعا كان أو ظنا فلا
يتقوم بالحجية شرعا أو عقلا.
نعم نفس الاذعان العلقي قطعا كان أو ظنا قطع بالحكم، أو ظن به لا أنه دليل
عليه، وإلا لكان كل قطع بالحكم دليلا عليه بل الدليلية عقلا باعتبار تعلق الظن
أو القطع بالملازمة بين الثبوت والبقاء ونحوها هذا، والاشكال الصحيح الذي
يتوجه على جعل المسألة وأشباهها من المسائل العقلية الأصولية هو أن
الموضوع لعلم الأصول كما هو المشهور الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل
والمتداول في تعريف الدليل العقلي ما سمعت من أنه إذعان عقلي يتوصل به
إلى حكم شرعي فلا محالة يجب أن يبحث في الفن عن لواحق القضايا العقلية
المثبتة للأحكام الشرعية لا عن ثبوت نفسها ونفيها، مع أنه ليس كك إلا في
الاستلزامات الظنية لا فيما نحن فيه، وجملة من المستقلات العقلية، والغير
المستقلات اليقينية أي المتوقفة على خطاب شرعي كباب الأمر بالشئ و
اجتماع الأمر والنهي دون مسألة الحسن والقبح فتدبر.
وجعل الموضوع نفس العقل ليرجع البحث إلى اثبات شئ له غير صحيح
لأن المهم ليس معرفة حال الفعل من حيث ثبوت الاذعان له بل المهم ثبوت
نفس ما أذعن الفعل به من الملازمة بين وجوب شئ ووجوب مقدمته من غير
فرق بين العقل النظري والعقل العملي فان الفرق بينهما بمجرد تفاوت المدرك
من حيث كونه من شانه أن يعمل به فيسمى عقلا عمليا أو لا بل من شانه أن
يعلمه فيسمى عقلا نظريا فالاعتبار دائما بالمدرك لا بثبوت الأدراك للقوة
العاقلة.
وعليه فيقوى في النظر وجاهة إدراجها في المبادي الأحكامية المتكفلة لبيان
حال الحكم من حيث نفسه، ومن حيث لوازمه، ومن حيث الحاكم والمحكوم
كما صنعه الحاجبي وشيخنا البهائي قده واستحسنهما غير واحد من المتأخرين
إلا أن إدراج هذه المباحث التي تنفع نتائجها في إثبات الحكم الشرعي كسائر
295

المسائل الأصولية في المبادي وإخراجها عن المقاصد بلا وجه، ومجرد كون
الشئ من المبادي التصديقية لمسألة لا يقتضي أن يكون منها بقول مطلق مع
كون نتيجتها في نفسها كنتيجة تلك المسألة وعدم شمول ما عد موضوعا للعلم
لموضوع هذه المسألة من مفاسد ما جعل موضوعا للعلم وقصوره عن شمول ما
هو كسائر المسائل في الغرض المهم لا من قصور المسألة عن كونها من مقاصد
الفن ومطالبه.
ويمكن أن يقال بأن البحث هنا وفي مسألة الأمر بالشئ، وفي مسألة
اجتماع الأمر والنهي بحث عن ثبوت شئ للوجوب والحرمة مثلا من حيث
كونهما من مداليل الكتاب والسنة.
وإشكال لحوق العارض لأمر أعم حيث أنه لا دخل لورودهما في الكتاب و
السنة في لحوق شئ من العوارض المذكورة في تلك المسائل إشكال يعم نوع
المسائل الأصولية ضرورة أن ظهور الصيغة في الوجوب، وهكذا من لواحق
الصيغة بما هي لا بما هي واردة في الكتاب والسنة.
وكون البحث اعتبار اندارج الأخص تحته لا باعتبار ذاك الأعم لا يجدي شيئا
بعد عدم دخله في لحوق العارض واقعا فلا يخرج عن كونه عرضا غريبا بل هذا
الاشكال جار ولو مع قطع النظر عن حيثية المدلولية لأن العقل يحكم بالملازمة
بين وجوب شئ ووجوب مقدمته مطلقا من دون اختصاص بالوجوب
الشرعي، مع أن موضوع البحث اعتبار أن نتيجته لا بد وأن تكون مثبتة للوجوب
الشرعي مقصور على الملازمة بين وجوب شئ شرعا ووجوب مقدمته شرعا.
نعم فرق بين هذه الحيثية وحيثية المدلولية فان حيثية المدلولية للكتاب و
السنة كما لا دخل لها في الملازمة العقلية كك لا دخل لها في النتيجة الشرعية فان
الوجوب الشرعي سواء كان مدلولا عليه بلفظ أولا؟ يترتب عليه أثره فحيثية
المدلولية هنا لغو محض فلا يقاس بحيثية الشرعية هنا ولا بحيثية ورود صيغة
إفعل في الكتاب والسنة كما لا يخفي
296

وأما إشكال العارض لأمر أعم من حيث اختصاص البحث بالوجوب الشرعي
وكك في باب مباحث الألفاظ فقد تقدم الكلام فيه في أوائل التعليقة، وأما في
مسألة الحسن والقبح والملازمة بينهما وبين الوجوب والحرمة فنلتزم بأن
الأولى من المبادئ العقلية للثانية والثانية يبحث فيها عن لواحق القضية العقلية و
هي حكم العقل بالحسن والقبح، والأولى أن يجعل فن الأصول (1) عبارة عن
مطالب متشتتة تنفع في اثبات الحكم الشرعي، أو ينتهي إليها أمر الفقيه في مقام
العمل من دون حاجة إلى الالتزام بموضوع جامع على تفصيل تقدم في أوائل
التعليقة.
قوله: والحل أن المقدمة هي نفس الأجزاء بالأسر الخ: توضيحه أن

1 - لكنه لا يجدي عدم الإلتزام بموضوع جامع لادراج القضايا المبحوث عنها في فن الأصول في
مسائلها ومقاصدها غالبا للزوم أحد محذورين: إما الإلتزام بكون محمولا قضايا الفن إعراضا غريبة
بالنسبة إلى موضوعاتها، وإما الالتزام بكون الغرض المترقب من هذا العلم أخص من المسائل المبحوث
عنها لأن جميع مباحث الألفاظ لا دخل لمحمولات مسائلها بورودها في الكتاب والسنة مع أن الغرض
مترتب على الوارد منها في الكتاب والسنة فتعميم موضوعاتها يوجب أخصية الغرض وتخصيص
موضوعاتها يوجب غرابة العرض وكذا العقلية من مسائلها كمقدمة الواجب والضد واجتماع الأمر
والنهى فإنها أيضا كذلك من حيث لزوم أحد المحذورين ولا يمكن جعل تلك القضايا من المبادي
التصديقية لمسائل الفن بوجهين:
أحدهما أن عقد مسألة يبحث فيها عن خصوص ما ود في الكتاب والسنة مثلا يلزمه محذور
غرابة العرض فيعود المحذور.
وثانيهما أن المبادي التصديقية يتوقف عليها التصديق بثبوت محمولات قضايا العلم
لموضوعاتها وهنا ليس كذلك لأن ظهور صيغة أفعل الواردة في الكتاب والسنة مثلا من مصاديق مطلق
صيغة أفعل فليس هناك إلا أن يقال أن هذه المباحث مشتملة على مباد أحكامية ومباد لغوية ومباد
عقلية تنفع في الفقه من حيث أن المحتاج إلى في الفقه مصداق من طبيعي تلك المبادي لا أنها بعنوانها
واسطة في استنباط الحكم حتى تكون من المسائل الأصولية فافهم (منه).
297

ذوات الأجزاء إذا لوحظت بنحو الكل الأفرادي لم يكن بينها تألف وتركب فلم
تكن هي أجزاء لشئ، بداهة أن الكلية والجزئية متضائفان، وإذا لوحظت من
حيث التألف والاجتماع سواء كان التألف والتركب حقيقيا أو اعتباريا فهنا يتحقق
أمران.
أحدهما: ذات الملحوظ من حيث الاجتماع بلا لحاظ الحيثية على نحو عدم
الاعتبار، ولا على نحو اعتبار العدم بحيث تكون بالحمل الأولي غير مجتمعة، و
لا مؤتلفة، وإن كانت بالحمل الشائع مجتمعة ومؤتلفة، فهذه هي الاجزاء
بالأسر.
وثانيهما: الأجزاء من حيث تألفها وتركبها الحقيقي أو الاعتباري ومن
الواضح أن المعروض له نحو من التقدم على عارضه، ونسبة الأجزاء بالأسر إلى
الكل نسبة الماهية اللا بشرط إلى الماهية بشرط شئ فلا يتوهم أن الأجزاء إما
أن تلاحظ مجتمعة أو غير مجتمعة، والأول مناط الجزئية والكلية فيعود إشكال
العينية، والثاني ليس فيه مناطهما لكنك بعدما عرفت أن التجريد بتعمل من
الفعل وإن كان تخليطا بالحمل الشايع تعرف أن كون الأجزاء الملحوظة مجتمعة
غير كونها ملحوظة من حيث الاجتماع.
وعليه فسبق الأجزاء على الكل في مقام شيئية الماهية وتقوم الطبيعة بعلل
قوامها سبق بالتجوهر لاحتياج المركب في تجوهر ذاته إلى الأجزاء فمقام تجوهر
ذوات الأجزاء مقدم على مقام تجوهر ذاك المركب الحقيقي أو الاعتباري وقد
يسمى ذلك بالسبق بالماهية وأما سبق كل جزء على الكل في الوجود فهو بالطبع
لأن مناط التقدم الطبعي أن يمكن للمتقدم وجود ولا وجود للمتأخر، ولا عكس
كالواحد بالنسبة إلى الاثنين، ومن الواضح أن نسبة كل جزء إلى الكل كك.
قوله: أنه لا بد في اعتبار الجزئية من أخذ الشئ بلا شرط الخ: هذا
ناظر إلى دفع ما أفاده بعض الأجلة في تقريراته لبحث العلامة الأنصاري قدهما
حيث ذكر أن للجزء اعتبارين بأحدهما يكون متحدا مع الكل وهو اعتباره لا
298

بشرط، وبالاخر يكون مغايرا للكل وهو اعتباره بشرط لا (1).
والتحقيق: أن الأجزاء ما لم تلحظ بالأسر أي مجموعا لا يكون هناك
جزئية ولا كلية أصلا فملاحظة ذات التكبيرة لا بشرط معناها قصر النظر ذاتا على
ذاتها فأين الجزئية والكلية ولو بلحاظ آخر، لها وملاحظتها بشرط الانضمام إلى
غيرها معناها ملاحظة الأجزاء بالأسر التي منها التكبيرة، وبالجملة لا بد في
صلاحية ذوات الأجزاء لانتزاع الجزئية والبعضية من ملاحظتها وهي منضمة. و
لا ينافي ذاك عدم ملاحظة حيثية انضمامها فالمراد من اللا بشرط من حيث
الانضمام ليس قصر النظر على ذات الجزء بل المراد ملاحظة المنضمات من
دون ملاحظة نفس الهيئة الانضمامية العارضية عليها إذ لو لم يلاحظ المنضمات
لم يكن اللحاظ واردا على الجزء بل على غيره، ولا يخفى أن الاجزاء بالأسر
بحسب الواقع كل جزء منها منشأ لانتزاع البعضية للمجموع، ونفس المجموع
منشأ لانتزاع الكلية والتمامية ولو لم تلاحظ حيثية الانضمام بنفسها.
نعم حيث إن النظر في هذه الملاحظة مقصور على ذوات الاجزاء بالأسر لا
معنى للحكم على كل واحد بالجزئية والبعضية، وعلى المجموع بالكلية و
التمامية بخلاف ما إذا لاحظها ثانيا بما هي منضمة ومجتمعة فإنه يصحح انتزاع
عنواني الكلية والجزئية بالفعل، والكلية والجزئية متضائفان متكافئان قوة، و
فعلا وما سبق من أن مناط سبق الاجزاء لحاظها لا بشرط كما عليه أهله في فن
الحكمة فبملاحظة أن الماهية النوعية المركبة بما هي ماهية نوعية واحدة لها
جهة تأخر عن ذات الجزئين أي الماهية الجنسية والماهية الفصلية فإذا لوحظتا
بذاتهما فقد لوحظت الذاتيات، وإذا لوحظتا بما هي واحدة فقد لوحظت الذات،
ومن الواضح أن حيثية لحاظهما واحدة متأخرة عن لحاظ ذاتهما لا أن غرضهم
أن مقام انتزاع الجزئية متقدم على مقام انتزاع الكلية لئلا يكون المتضائفان

1 - المقرر هو الشيخ أبو القاسم كلانتري. تقرر إفادات الشيخ الأعظم الأنصاري وسمى مطارح
الأنظار ص 40.
299

متكافئين في القوة والفعلية، وليعلم أن البشرط لائية لا ينافي اللا بشرطية بأي
معنى كان بل إذا قيسا وأضيفا إلى شئ واحد. وقد تقرر في محله أن البشرط
لائية بالإضافة إلى اتحاد شئ مع الشئ من اعتبارات الجزء، وهو لا ينافي
اللا بشرطية بالإضافة إلى حيثية الانضمام، وما هو ملاك الجزئية هو الثاني فاعتبار
زيادة غيره عليه من اعتبار الشئ على ما هو عليه فلا يكون منافيا لنفسه، و
غرض المقرر قده هو اعتبار البشرط لائية بالمعنى المعروف المعدود من
اعتبارات الجزء في فن المعقول كما لا يخفى لا البشرط لائية عن انضمام شئ
إليه كي يكون منافيا للجزئية وحيث إن اللا بشرطية من حيث الانضمام لا ينافي
في الاتحاد مع الكل بملاحظة حيثية الانضمام لاجتماع اللا بشرط مع البشرط
شئ بخلاف البشرط لائية من حيث الاتحاد فإنه يوجب المغايرة بينه وبين
الكل فيتمحض الجزء في الجزئية فلذا جعله المقرر من اعتبارات الجزء حتى
يمكن النزاع في وجوب الجزء بعد وجوب الكل وسيجيئ إنشاء الله تتمة
الكلام.
قوله: وكون الأجزاء الخارجية كالهيولي والصورة الخ: قد عرفت
في آخر مبحث المشتق ما هو المراد من اعتباري لا بشرط وبشرط لا في الأجزاء
الخارجية والحدية، ولا يكاد يتصور الاعتباران المذكوران إلا بالإضافة إلى
المركب، وإلى كل واحد من الأجزاء لا للأجزاء الخارجية بالإضافة إلى الأجزاء
التحليلية فإنه لا معنى محصل له إلا ما أشار إليه - ره - في مبحث المشتق من عدم
ورود هذه الاعتبارات على أمر واحد بل الغرض أن الجزء الخارجي سنخ مفهوم
لا يحمل على الجزء الآخر، ولا على الكل والجزء الحدي التحليلي سنخ مفهوم
يحمل على الجزء الأخر من الحدود على الكل كالمشتق ومبدئه عنده قده. وقد
عرفت هناك أنه خلاف تصريحات أهل الفن (1).
نعم قد ذكرنا هناك أن اللا بشرطية في المتغايرين في الوجود لا تصحح الحمل

(1) المجلد الأول ص من 132 إلى 138.
300

المعتبر فيه الاتحاد في الوجود، بداهة أن المغايرة الحقيقية لا تزول بعدم ملاحظة
المغايرة بل إنما يصح ذلك في المركبات الحقيقية على ما هو التحقيق من اتحاد
أجزائها في الوجود بمعنى أن المركب الحقيقي إنما يكون كك إذا كان له صورة
وحدانية في الخارج فان مبدء الجنس، وهي النفس الحيوانية حيث استعدت
لإضافة النفس الناطقة تصورت بمبدء الفصل، وهي النفس الناطقة فإذا لاحظ
العقل النفس الحيوانية من حيث وقوعها في صراط الترقي، وتلقي الصورة
النطقية فقد لاحظها بما لها من درجة الفعلية والتحصل، وهي بهذا الاعتبار مادة
خارجية، وإذا لاحظها من حيث الاتحاد في الوجود الساري من الصورة إلى
المادة، ومن الفصل الطبيعي إلى الجنس الطبيعي فقد لاحظها على وجه يصح
حملها على الجزء الآخر لسقوط الدرجة الخاصة له من الوجود عن نظر العقل، و
الفرض أنهما موجودان بوجود واحد فان الفصل الأخير كل الأجناس والفصول
الطولية، وشيئية الشئ وتمامه بصورته النوعية، وهذا هو المراد من اعتباري لا
بشرط وبشرط لا في الأجزاء الخارجية والتحليلية وبالتأمل فيه يتضح أنه
مخصوص بالمركبات الحقيقية التي لها صورة وحدانية في الخارج وصورة
إجمالية في الذهن لكنه ليس الغرض هنا صحة الحمل وعدمها كي يقال
باختصاص الاعتبارين بالمركبات الحقيقية دون الاعتبارية بل الفرض ملاحظة
الجزء على نحو يكون غيره زائدا عليه كما هو كك في الأمور المتغائرة في الوجود
وإن كانت منضمة في اللحاظ بشرط الانضمام أو لا بشرط الانضمام، واعتبار
المغايرة وإن لم يكن مقوما لجزئية الجزء إلا أنه من الاعتبارات الصحيحة الواردة
على الجزء.
فان قلت: الأتعاب في تصحيح الاعتبار البشرط لائي غير مفيد لأن الغرض
إيجاب الجزء بالوجوب المقدمي فلا بد من ملاحظة الوجه الذي به يكون الجزء
في مقام شيئية الماهية مقدمة للكل، وهو ليس إلا الاعتبار اللا بشرطي من حيث
الانضمام، وأما اعتبار اللا بشرطية والبشرط لائية من حيث الاتحاد فهو من
301

اعتبارات المركبات الحقيقية تصحيحا للحمل وعدمه لا للجزئية والكلية.
قلت: ليس الغرض من اعتبار الجزء بشرط لا تصحيح المقتضي لوجوبه
المقدمي بل لأجل دفع المانع.
وتوضيحه أن الجزء المنضم إلى غيره جزء حقيقة ومما يتقوم به الكل واقعا
سواء لوحظ على وجه يصح حمله على الكل أم لا؟ ففي المركبات الحقيقية
ملاحظة لا بشرط وبشرط لا لمكان تصحيح الحمل وتصحيح ترتيب الاحكام
المختصة بكل من المادة والصورة عليهما، وأما في المركبات الاعتبارية فقد
عرفت أن اللا بشرطية لا يصحح الحمل بل الغرض من اللا بشرط والبشرط لا هنا
أن الجزء المنضم إلى بقية الأجزاء إذا لوحظ بما هو حيث توجه النظر إلى ذات
هذا المنضم إلى الباقي، كان هو غير الكل. فبهذا النظر يستقل ويتمحض في
الجزئية فلا حد أن يقول بأن الجزء حينئذ حيث إنه غير الكل بل مما يتألف منه
الكل فوجوبه ليس عين وجوب الكل بخلاف ما إذا لوحظت الأجزاء بالأسر فان
لحاظها وإن كان لحاظ هذا الجزء ضمنا إلا أن الأجزاء بالأسر عين الكل لا مما
يتألف منه الكل فالمراد من بشرط لا هو لحاظه مستقلا ومن لا بشرط لحاظه
بلحاظ الأجزاء بالأسر، وأما المقتضي للوجوب الغيري فهو على أي حال كونه
مما يتألف منه المركب وهو لا يكون إلا بلحاظه استقلالا ليتمحض في الجزئية
فافهم واستقم.
قوله: لما عرفت من أن الاجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتا الخ: فكما
أن حيثية الاجتماع غير داخلة في المركب (1) بل آلة لملاحظة المركب على وجه

1 - ينبغي توضيح القول في أمور: منها أن الوجوب النفسي واحد أو متعدد، منها أن الوجوب
النفسي الواحد المتعلق بالأجزاء بالأسر هل متعلق بكل جزء بالذات أو بالعرض (كما ذهب إليه المحقق
صاحب الدرر)، منها أن كل جزء مع انبساط الأمر النفسي عليه يقبل وجوبا آخر غيريا أم لا؟ منها أن
الشرط الشرعي المتقيد به المأمور به هل هو كالجزء فيكون مقدمة داخلية بالمعنى الأعم (ذهب إليه
المحقق النائيني) أم لا؟ فنقول:
أما وحدة الوجوب النفسي وتعدده فقد تعرضنا له في المتن.
وأما كونه بالذات أو بالعرض فملخلص القول فيه أن الوجوب إذا كان على وزان الوجود الذهني فكما
أن الأمور المجموعة في اللحاظ كل منها ملحوظ حقيقة بعين هذا اللحاظ الا أن الملحوظ ما وراء هذه
الأمور وهي متحدة معه فلا محالة ليس هناك موجود بالذات غيرها حتى يكون كل واحد من تلك
الأمور موجودا بالعرض، فكذلك الوجوب متعلق حقيقة بنهج الوحدة بهذا الأجزاء فليس متعلقه ما وراء
هذه الأجزاء ليكون وجوب كل واحد بالعرض وكل ما بالعرض يحتاج إلى ما بالذات. وقياسه بالمطلق
والمقيد مع المفارق إذا المقيد بما هو إذا كان معروض الوجوب فهو كما إذا كان معروض الوجود فليس
التقييد في عرض ذات المقيد ليكون تعلق الوجوب والوجود بهما على حد سواء.
وأما قبول الجزء للوجوب الغيري وعدمه فقد تعرضنا له في الحواشي الآتية.
وأما كون الشرط كالجزء مقدمة داخلية فمختصر الكلام فيه: أنه تقدم أن التقيد إن كان داخلا في
المأمور به كان مرجعه إلى أن الخاص واجب وإن الخاص جزء ولا فرق بين جزء وجزء، إذ ليس كل
خصوصية شرطا أو جزء مخصوص مورد البحث بل الشرط حيث أنه دخيل في فعلية الغرض فأخذه في
المأمور به لا يوجب كون المقيد واجبا بل يوجب تقييد الواجب، مضافا إلى أن دخول التقيد في الواجب
لا يوجب كون الشرط مقدمة داخلية فان وجود الطهارة خارجا يوجب حصول تقيد الصلاة بها فتكون
مقدمة خارجي كمقدمات وجود الأجزاء، فالجزء والتقيد مقدمة داخلية لا مقدمات وجود الأجزاء
وحصول التقية فتدبر (منه).
302

التركب ولذا لا نفسية لها، ولأجله لا ينثلم به عينية الأجزاء بالأسر مع المركب
ذاتا لا أنه مركب من أمور خارجية وأمر ذهني كذلك في مقام تعلق الوجوب
بالكل ملحوظة على وجه المرآتية لما هو كل بالحمل الشايع فلذا لا تكون تلك
الحيثية واجبة لا جزء ولا شرطا فالمركب والأجزاء بالأسر أحدهما عين الأجزاء
في الوجوب كما هو كك في الوجود.
فان قلت: الوجوب على وزان الوجود فكما أن الآحاد بالأسر موجودات
بوجودات متعددة كك يجب أن تكون واجبة بوجوبات متعددة خصوصا مع
ملاحظة أن الإرادة التشريعية لا تفارق التكوينية إلا بتعلق الأولى بفعل الغير،
وتعلق الثانية بفعل المريد. مع أن الإرادة التكوينية المحركة للعضلات نحو
303

التكبيرة مثلا غير الإرادة المحركة لها نحو القراءة فاللازم الالتزام بتعدد الوجوب
النفسي بعدد الأجزاء.
قلت: المركب الاعتباري وإن لم يكن له وجود حقيقة غير وجودات الآحاد و
الهيئية التركيبية الاجتماعية من الاعتبارات العقلية إلا أن الملحوظ في حال
الحكم عليه، وتعلق الشوق به هي الآحاد من حيث الاجتماع والانضمام فوزان
الإرادة والإيجاب في تعلقهما بالآحاد وزان العلم والوجود الذهني لا وزان
الوجود العيني فيلاحظ الآحاد بوجودها الانضمامي لا بنحو التفرق فيشتاقه أو
يبعث نحوه، فكما أن الآحاد في هذه الملاحظة ملحوظة بلحاظ واحد كك مرادة
بإرادة واحدة، وبنفس الشوق الأكيد المتعلق بالآحاد على هذا الوجه محرك
للعضلات نحوها كما أنها كك في إرادتها من الغير نظير الإرادة المتعلقة بالأمور
المتصلة التدريجية (1) فان الإرادة واحدة وإن كان بين المركب الاعتباري والأمر
التدريجي فرق ظاهر، من حيث إن الوحدة في الأولى اعتبارية، وفي الثاني
إتصالية لكنه غير فارق بعد لحاظ الوحدة في عالم تعلق الإرادة، ولا فرق أيضا
فيما ذكر بين وحدة الأثر وتعدده فان الأثر الحاصل من عدة أمور متفرقة في
الوجود وإن لم يمكن وحدته حقيقة إلا أن الغرض أيضا مجموع آثار الآحاد فهو
الداعي لإرادتها لاكل واحد واحد من أشخاص الآثار فافهم واستقم ولا تغفل.
قوله: لامتناع اجتماع المثلين الخ: لا يذهب عليك أن التماثل (2) و

1 - والتحقيق أن الإرادة المتعلقة بالأمور المتصلة التدريجية ينبعث منها إرادات جزئية بالإضافة
إلى جزئيات الحركات بخلاف الإرادة التشريعية فان المنبعث منها هو البعث وقد عرفت صحة البعث
نحو مجموع أمور لوحظت بنحو الوحدة (منه).
(2) ربما يقال (القائل المحقق النائيني): أن إشكال التماثل يندفع بالتأكد كما إذا كان واجب نفسي
مقدمة لغيره فإنه يتأكد الوجوب.
أقول: الإرادة وإن كانت قابلة للشدة والضعف وقابلة للاشتداد والخروج من حد إلى حد إلا أن
وجود إرادة شديدة ابتداء أو اشتدادها والخروج من حد الضعف إلى الشدة إنما يعقل إذا كان في
متعلقها مصلحة أكيدة أو مصلحتان، وأما إذا كان مصلحة قائمة بمجموع الأجزاء ومصالح آخر قائمة
بكل من تلك الأجزاء كما في ما نحن فيه فلا يعقل اقتضاء إرادة شديد بمجموع الأجزاء ولا اشتداد
الإرادة المتعلقة بنفس المجموع وإلا لكان من باب المعلول بلا علة إذ كل مصلحة تقتضي انبعاث الإرادة
نحو ما فيه المصلحة وفرض مصلحة في الجزء دون المجموع يقتضى تعلق إرادة واحدة بالمجموع قابلة
للاشتداد أو منبعثة عن مصالح قائمة بالأجزاء هذا في الإرادة بالجزء دون المجموع، وليست التعلقات.
التحليلية الناشئة من تعلق إرادة واحدة بالمجموع قابلة للاشتداد أو منبعثة عن مصالح قائمة بالأجزاء
هذا في الإرادة القابلة في نفسها للاشتداد. وأما البعث فهو أمر اعتباري لا شدة فيه ولا اشتداد، مع أن أمره
في اعتبار بعث شديد كالإرادة فتدبر (منه).
304

التضاد من الأحوال الخارجية للوجودات خارجية بحسب وقوعها في ظرف
الخارج كما حقق في محله، ومن الواضح أن الفعل بما هو موجود خارجي أي
بعد مصداقيته لعنوان الموجود لا يتصف بالوجوب لبداهة سقوط الوجوب بعد
الوجود بل بما هو وجود عنواني مطابقه ومعنونة الوجود الخارجي الذي حيثية
ذاته حيثية طرد العدم، مضافا إلى أن الوجوب والحرمة أمران اعتباريان عقلانيان
لا من المقولات التي لها نحو من الوجود في الخارج فلا العارض من الأحوال
الخارجية ولا المعروض من الأمور العينية، وإن أريد الإرادة والكراهة من
الايجاب والتحريم فهما وإن كانا من الصفات الخارجية والمقولات الحقيقية إلا
أن الاجتماع الممتنع لا يخلو من أن يكون إما بلحاظ قيامهما بالنفس أو قيامهما
بالفعل من حيث التعلق فان كان بلحاظ قيامهما بالنفس فمن الواضح عند الخبير
أن موضوع التماثل والتضاد هو الجسم والجسماني أي الواحد بالعدد، لا مثل
النفس من البسائط المجردة فليس النفس كالجسم حتى يقوم البياض بجزء منه و
السواد بجزء آخر منه، ولذا لا شبهة في قيام إرادتين أو إرادة وكراهة بها بالنسبة
إلى فعلين فيعلم منه أن المانع لو كان فإنما هو من حيث التعلق بشئ لا من
حيث القيام بموضوع النفس فان النفس بتجردها وبساطتها قابلة لقيام إرادات و
كراهات بها في زمان واحد، وإن كان بلحاظ قيامهما بالفعل من حيث التعلق فقد
305

عرفت أن المحال قيام المتماثلين أو المتضادين بالموجود الخارجي مع أن
وجود الفعل يسقط الطلب مضافا إلى أن موضوع الإرادة والكراهة وسائر
الكيفيات النفسانية هي النفس فلا يعقل قيامها بشئ غير النفس وتعلقهما
بوجود الطبيعة بنحو العنوانية لا مانع منه بعد عدم كونه في مرتبة تعلقهما به من
الموجودات الخارجية، ولذا لا شبهة في تعلق الإرادات بوجود الطبيعة بما هي
في أزمنة متفاوتة أو بالنسبة إلى أشخاص مختلفة فيعلم منه قبول وجود الطبيعة
بما هي للمعروضية للإرادات والكراهات، وإن أريد أن الفعل في مرتبة تعلق
الإرادة به في النفس لا يقبل لتعلق إرادة أخرى به بحده، بداهة أن تشخص الإرادة
بالمراد كالعلم بالمعلوم فهو صحيح إلا أنه من باب لزوم ما لا يلزم لحصول
الغرض بإرادة وجود الصلاة مرتين أو إرادته تارة، وكراهته أخرى من غير لزوم
تعلق الإرادة به في مرتبة تعلق إرادة أخري به لوضوح أن الكلام في عدم تعلق
وجوبين بالفعل الواحد بأي نحو من التعلق.
والتحقيق أن الامتناع ليس بملاك اجتماع المتماثلين والمتضادين كما هو
المشهور عند الجمهور بل لأن الإرادة علة للحركة نحو المراد فان كان الغرض
الداعي إلى الإرادة واحدا فانبعاث الإرادتين منه في قوة صدور المعلولين عن
علة واحدة وهو محال، وإن كان الغرض متعددا لزم صدور الحركة عن علتين
مستقلتين وهو محال.
لا يقال هذا في الإرادة التكوينية دون التشريعية.
لأنا نقول: لا فرق بينهما إلا بكون الأولى علة تامة للحركة نحو المقصود، و
الثانية علة ناقصة ولازمها التأثير بانضمام إرادة المكلف فيلزم صدور الواحد عن
الكثير أيضا، ومنه يتضح أن الإيجاب بمعنى البعث والتحريك أيضا كك فان
البعث لجعل الداعي، ومن الواضح أن جعل ما يمكن أن يكون داعيا غير قابل
للتعدد مع وحدة المدعو إليه، إذ لازمه الخروج من حد الامكان إلى الوجوب
عند تمكين المكلف من الامتثال فيلزم صدور الواحد عن إرادتين وداعيين
306

مستقلين.
قوله: هدم تعددها هيهنا الخ: إنشاء الله تعالى في محله أن الوجوب
المبحوث عنه هو الوجه الواقعي لا الوجه اللفظي، ومن الواضح أن المقدمة لا
تجب بما لها من العنوان الذاتي بل بما لها من حيثية المقدمية وهي حيثية واقعية
ربما لا توجد في غيرها.
قوله: بوجوب واحد نفسي لسبقه إلخ: لا يخفى عليك أن السبق
المتصور هنا إما سبق زماني، أو سبق بالعلية، أو سبق بالطبع.
أما السبق الزماني: فلا وجه له لأن ترشح الوجوب الغيري من الوجوب
النفسي لا يستدعي سبقا زمانيا بل في العلة البسيطة أو الجزء الأخير من المركبة
يستحيل السبق الزماني لاستحالة تخلف المعلول عن العلة ولو في آن.
وأما السبق بالعلية: فمن الواضح أن الوجوب النفسي أنما يتصف بالسبق
بالعلية إذا اتصف بالعلية للوجوب الغيري، والمفروض هنا استحالة الوجوب
الغيري مع الوجوب النفسي فكيف يعلل وجود الوجوب النفسي دون الغيري بما
يتوقف على وجود الوجوب الغيري الموجب لاستحالة وجوده، أم كيف يعلل
عدم الوجوب الغيري بما يتوقف على وجوده؟ ضرورة أن السبق واللحوق
متضائفان كالعلية والمعلولية، والمتضائفان متكافئان في القوة والفعلية، ومنه
علم حال السبق بالطبع فان الوجوب النفسي أنما يوصف بالسبق بالطبع مع
اتصاف الوجوب الغيري بالتأخر الطبعي وهو هنا محال والسبق والتأخر
متضائفان، وكون الوجوب النفسي في نفسه كك إذا أضيف إلى الوجوب الغيري
لا يجدي إذا لم يكن كك بالفعل بل الوجه لاتصافه بالوجوب النفسي دون الغيري
هو أن الوجوب الغيري وجوب معلولي متقوم بالوجوب النفسي فوجوده بلا
وجوده محال، وهما معا أيضا كك لما عرفت بخلاف الوجوب النفسي فقط فإنه
لا مانع منه.
وبعبارة أخرى تأثير ملاك الوجوب الغيري مشروط بتأثير ملاك الوجوب
307

النفسي دون العكس وما كان تأثيره منوطا بشئ لا يعقل أن يمنع عن تأثيره.
قوله: فتأمل الخ: قد أفاد - قده - في وجهه في الحاشية (1) ما لفظه، وجهه أنه
لا يكون فيه أيضا ملاك الوجوب الغيري حيث إنه لا وجود له غير وجوده في
ضمن الكل يتوقف على وجوده وبدونه لا وجه لكونه مقدمة كي يجب بوجوبه
أصلا الخ.
ولا يخفى عليك أن مقدمية الأجزاء إما بلحاظ شيئية الماهية أو الوجود و
الاجزاء بالاعتبار الأول علل القوام ولها السبق بالماهية والتجوهر، وبالاعتبار
الثاني علل الوجود، غاية الأمر أنها علل ناقصة والملاك في هذا التقدم هو إمكان
الوجود بمعنى أن الجزء له إمكان الوجود ولا وجود للكل بخلاف الكل فإنه ليس
له إمكان الوجود ولا وجود للجزء كما في الواحد والاثنين وهذا هو التقدم
بالطبع ولا ينافي معية المتقدم والمتأخر الطبعيين بالزمان. ومنه يظهر أن نفي
المقدمية عن وجود الجزء غير خال عن المناقشة إذ لا نعني بالمقدمة إلا أنه
لولاها لما حصل ذوها والجزء كك كما عرفت بل قد سمعت أنه كك وجودا و
قواما.
نعم ينبغي أن يقيد ملاك الوجوب المقدمي بالمقدمة المغايرة لذيها في
الوجود لاكل مقدمة.
لا يقال: الاقتضاء لا ينافي وجود المانع وليس الملاك إلا ما هو مناط الشئ
في نفسه فلا وجه لنفي الملاك عن مطلق المقدمة.
لأنا نقول: اقتضاء المحال وقد عرفت انحصار المقتضي في الوجوب
الغيري بلا وجوب نفسي أو معه، وكلاهما محال فوجود الاقتضاء فيما نحن فيه
محال وإلا آل (2) الأمر إلى إمكان المحال في ذاته، والكلام في ثبوت ملاك
الوجوب الغيري في ما نحن فيه لا في معنى كلي لا ينطبق عليه.

(1) كفاية الأصول مع تعليقة الشيخ على القوچاني ج 1 - 2 ص 75.
(2) آل أي رجع.
308

والتحقيق ثبوت ملاك الوجوب الغيري في حد ذاته هنا أيضا لكن يستحيل
فعلية مقتضاه لأن ملاك الوجوب الغيري لا يؤثر إلا إذا أثر ملاك الوجوب النفسي
فتأثير ملاك الوجوب النفسي شرط في نفسه لتأثير ملاك الوجوب الغيري وهنا
مانع عن تأثير (1) لوحدة المحل، وسبق الملاك النفسي في التأثير، فعدم تأثير
ملاك الوجوب الغيري مع عدم تأثير الملاك النفسي لعدم الشرط، ومع تأثيره
لوجود المانع فالمقتضي على أي حال موجود، وليس المقتضي إلا الوجوب
الغيري لا مقيدا بالنفسي ولا بعدمه كي يستحيل الاقتضاء.
" مقدمة عقلية وشرعية وعادية "
قوله: منها تقسيمها إلى العقلية والشرعية الخ: إن كان هذا التقسيم
بلحاظ الحاكم بالمقدمية فهو مستقيم في العادية، بداهة أن العادة هنا ليس هو
العرف كما هو أحد إطلاقاتها في غير المقام بل المراد منها كون التوقف بالنظر إلى
طبع الشئ وذاته لا يقسر قاسر، وإن كان التقسيم بلحاظ التوقف في حد نفسه
فهو سقيم بما في المتن.
والظاهر في نظري القاصر هو الثاني بيان ذلك، أن التوقف إما واقعي أو جعلي
بمعنى أن الواجب بما هو إما متقيد بوجود المسمى بالمقدمة واقعا مع قطع النظر
عن الأنظار ووجوه الاعتبار، فالتوقف واقعي، وإما متقيد به بحسب جعل
الجاهل واعتبار المعتبر، فالتوقف جعلي كالصلاة فإنه بما هي حركات خاصة

(1) لأن ملاك المانعية وهو كون الشئ مقتضيا لما ينافي مقتضى الآخر لعدم قبول المحل لهما معا
موجود هنا إلا أن عدم الوجوب الغيري هنا لا يمكن أن يستند إلى وجود المانع المزبور وإلا لكان عدمه
شرطا لتأثيره بل عدم الوجوب الغيري هنا لأجل انتفاء الشرط وهو قابلية المحل فعدمه مع عدم الملاك
المؤثر في الوجوب النفسي لعدم الشرط، وعدمه مع عدم وجوده المؤثر هنا لعدم شرط آخر، ومنه
يتضح النظر في ما ذكرناه من أن عدمه تارة لعدم الشرط وأخرى لوجود المانع (منه).
309

وقعت موقع الوجوب لا توقف لها وجودا مع قطع النظر عن جعل الشارع على
الطهارة بل الشارع جعلها مقيدة بها بالأمر بالصلاة عن طهارة، والتقسيم بلحاظ
مقدمة الواجب لا بلحاظ مقدمة وجود المصلحة الواقعية مع أن المصالح أيضا
ربما تختلف بالاعتبار. وأما توقف الصلاة عن طهارة على الطهارة فهو من باب
الضرورة اللاحقة لا الضرورة السابقة ومناط الوجوب الذاتي والامتناع الذاتي و
الامكان الذاتي ملاحظة مقام الذات كما لا يخفى.
لا يقال: فلا وجه لجعل العادية مقدمة لأن استحالة الصعود بلا نصب السلم
مثلا من باب استحالة وجود الشئ مع عدم علته حيث إنه لا يمكن الطيران
لعدم الجناح، ولعدم القوة الخارقة للعادة.
لأنا نقول: فرق بين الامتناع بالغير والامتناع بالقياس إلى الغير، وما هو من
قبيل الضرورة اللاحقة هو الأول، وما هو مناط الاستحالة العادية هو الثاني،
بمعنى أن الصعود بلا نصب السلم بالقياس إلى من ليس له قوة عما له متصرفة
محال من حيث إن عدم القوة يأبى ذلك لا من حيث إن المعلول ممتنع بعدم علته
فتدبر فإنه حقيق به.
قوله: فهي أيضا راجعة إلى العقلية الخ: مقابلة العادية للعقلية مع
اشتراكهما في الاستحالة الواقعية ملاحظة أن استحالة الكون على السطح بلا طي
المسافة محال لاستحالة الطفرة برهانا، واستحالته بلا نصب السلم ليست
لاستحالة الطيران برهانا بل لأن الجسم الثقيل بالطبع ليس له الطيران بل بقاسر من
جناح أو قوة خارقة للعادة مع إمكان الطيران ذاتا فمنشأ الاستحالة في الأول أمر
برهاني عقلي، وفي الثاني أمر طبعي عادي وإن كان بالقياس إلى عدم القوة أو مع
وصف انعدامها فعلا محالا عقلا.
وبالجملة أصل طي المسافة مقدمة ونصب السلم كك إلا أن الأول مقدمة
لاقتضاء حكم العقل، والثاني مقدمة لاقتضاء طبع الجسم بما هو دون قاسر، و
بعبارة أخرى امتناع كون شئ بدون شئ، تارة امتناع ذاتي، وأخرى وقوعي
310

كامتناع الكون على السطح بلا طي المسافة فإنه يلزم من وقوعه محال وهي
الطفرة المستحيلة عقلا، وثالثة لا يكون الامتناع كك كالكون على السطح بلا
نصب السلم فإنه لا يلزم من فرض وقوع الطيران أو القوة الإلهية الخارقة للعادة
محال، لعدم استحالتهما، وإنما يستحيل بلا نصب السلم بالقياس إلى عادم
الجناح وعادم القوة الخارقة فيسمى الممتنع بالامتناع الذاتي والوقوعي بالمحال
العقلي، ويسمى الممتنع بالامتناع القياسي بالمحال العادي وباعتبارهما يكون
التوقف الواقعي عقليا تارة، وعاديا أخرى.
نعم حقيقة المقدمة هي الجامعة بين الطيران ونصب السلم إلا أنه ينحصر
الجامع في الثاني لعدم ما يتمكن معه من الطيران فهو واجب بالعرض لا بالذات
فالتوقف بالنسبة إلى هذا الواجب بالعرض عادي لا بالإضافة إلى الجامع فإنه
عقلي كأصل طي المسافة، والكلام في المقدمة القابلة للاتصاف بالوجوب فعلا
والتقسيم إلى الثلاثة بهذه الملاحظة كما أن المأمور به لو كان هو التسخين
الإرادي أو التبريد كك فعدم التمكن من التسخين والتبريد بمجرد إرادتهما مع
إمكانهما ذاتا يوجب مقدمية مسخن أو مبرد خارجي فالوجوب هناك عرضي، و
أصل المقدمة ذاتي وهنا مقدمية المقدمة بالعرض إلا أن ذلك لا يوجب عدم
المقابلة بين المقدمة العقلية والعادية كما أن رجوع الثانية إلا الأولى بعد
ملاحظة الامتناع بالقياس إلى الغير، أو بالغير لا ينافي المقابلة بينهما بالذات.
" مقدمة الوجوب والصحة والوجود "
قوله: وبداهة عدم اتصافها بالوجوب الخ: فإنه ما لم تتحقق المقدمة لا
وجوب لذيها، ومع تحققها لا مجال لإيجابها فإنه طلب الحاصل. هذا هو
المعروف في بيان الوجه لخروجها عن محل البحث.
وفيه بحث، إذ لو كانت الشرطية على نحو الشرط المتأخر كان وجوب ذيها
311

قبل وجودها زمانا فلا يلزم من ترشح الوجوب إليها طلب الحاصل.
نعم يلزم عليه كل منهما للاخر (1) إذ المقدمة من أجزاء علة وجوب ذيها و
وجوب ذيها علة وجوبها، ووجوبها، من أجزاء علة وجودها مضافا إلى لزوم
تعليق وجوبها على اختيار المكلف لعلمه بأنه لو لم يأت بها لا وجوب لذيها
سابقا.
قوله: وحيث إنها كانت من أجزاء العلة الخ: لا يخفى عليك أن العلة
الحقيقية اصطلاحا وإن كانت ما يحتاج إليه الشئ صدورا أو قواما، والشرط
حينئذ بنفسه ليس كك، ولذا قسموا العلل إلى الأربع لا غير. إلا أن التحقيق أن
الشرط إما متممات فاعلية الفاعل، أو من مصححات قبول القابل، وتوصيف
توقف المعلول من باب الوصف بحال متعلقه وإلا فلا حاجة له بنفسه في مقام

(1) بل ليس محذور فيه أيضا فان فعلية وجوب ذي المقدمة وإن كانت منوطة بفعلية المقدمة
وفعلية وجوب المقدمة وإن كانت منوطة بفعلية وجوب ذيها إلا أن وجود المقدمة ليس معلولا لوجوبها
بنحو وجودها الخارجي بل بنحو وجوده في أفق الدعوة وهي النفس وقد مر مرارا أنه لا توقف للمعلوم
بالذات على المعلوم بالعرض بل بينهما الموازنة والتطابق.
وأعلم أن إخراج المقدمة الوجوبية عن مورد البحث يقتضى إخراج بعض أفراد مقدمة الصحة على
مبناه - قده - عن محل البحث. توضيحه: أن إرجاع مقدمة الصحة إلى مقدمة الوجود تارة لأجل
الاختصار وإمكان التعبير بجامع بأن يراد من مقدمة الوجود مقدمة الوجود المطلق الذي يعم وجود ذيها
والمقدمات الشرعية مقدمات داخلية يتوقف عليها الامتثال لفرض دخول التقيد في المأمور به وذلك
لأن هذا الوجه يوجب عدم الميز بين الطائفتين إذ كما أن المقدمات العلية والعادية مقدمات لوجود ذات
المقيد كذلك المقدمات الشرعية مقدمات لحصول التقيد فكلتاهما مقدمة لوجود المأمور به بل لأن
الشرائط الشرعية حيث أنها توجب تقيد الواجب في مقام تأثيره في الغرض كما هو حقيقة الشرطية فلا
محالة ليست هي مقدمة لوجود الواجب ولا لصحته بمعنى مطابقة المأتي به للمأمور به بل مقدمة لفعلية
الغرض من الواجب وبهذا الوجه يصح التقابل بين مقدمة لفعلية الغرض مع عدم إمكان أخذه في
الواجب وعدم إمكان تقييد الواجب به بل عدم إمكانه بوجوب آخر نفسيا أو مقدميا فتدبر (منه).
312

الصدور إلا إلى الفاعل فحصول الإحراق في الخارج يتوقف على مأمنه الإحراق
أو ما به الاحراق على اختلاف النظر في النار إلا أن النار لا تؤثر إلا إذا كانت
بوصف كذا كما أن الجسم لا يقبل الاحتراق إلا إذا كان بوصف كذا.
فتحقق أن معنى شرطية الوضع والمحاذات أو يبوسة المحل ونحو ذلك إما
كون الفاعل لا يتم فاعليته، أو المادة لا تتم قابليتها إلا مقترنا بهذه الخصوصية، و
عليه يصح لحاظ شرطية الطهارة للصلاة فان معنى شرطيتها لها ليس توقف
وجودها على وجودها بل توقفها في الفاعلية وتمامية التأثير عليها كما في
الفواعل الحقيقية الطبيعية وشرائطها ولم تجعل الطهارة شرطا للأثر ليقال إنها
بحسب لسان أدلتها شرط للصلاة بل هي من مصححات فاعلية الصلاة للأثر
المرتب عليها أو من متممات قبول النفس مثلا للأثر الآتي من قبل الصلاة. و
منه يظهر أن كون شرطية الطهارة مثلا للصلاة بمعنى تقييدها شرعا لا ينافي
كونها من متممات فاعلية الصلاة في نظر الشارع، وإذا قيدها بها خطابا لتقيدها
بها واقعا في فاعليتها فمجرد كون الشرطية شرعا بمعنى التقيد (1) لا يوجب

(1) وربما يقال بأن حال التقيد بالمتأخر حال المركب التدريجي الذي يحصل الامتثال بتمامه فإنه
في المتقيد يحصل الامتثال بحصول القيد المتأخر فإنه عنده يحصل المتقيد بما هو متقيد وفيه:
أولا أن التقيد لا يكون إلا بنحو من الاقتران حتى ينتزع منه تقيد أحدهما بالآخر فالصلاة بلحاظ
صدورها من المستجمع للطهارة والتستر والاستقبال مثلا تكون مقترنة بها وأما الأمر المتقدم المتصرم
الذي لا بقاء له ولا لأثره أو المتأخر الذي بعد لم يوجد فلا معنى لاقتران الصلاة مثلا به لينتزع تقيدها به
وتلحظ متقيدة به في مقام الأمر بها إلا أن يرجع إلى معنى آخر مقترن بالصلاة كالصلاة المسبوقة بكذا أو
الملحوقة بكذا أو يكون اللحوق أو السبق المقترن بالصلاة قيدا لها دون ذات السابق أو اللاحق كما هو
المفروض.
وثانيا أن بناء تمامية الامتثال على حصول القيد تنظيرا بالمركب التدريجي خروج عن فرض
الشرط المتأخر ويكون كالنقل في الإجازة مع أنه أمر معقول في الإجازة دون الغسل في الليلة المستقبلة
فان القابل للانتساب بالإجازة إلى المجيز والمحكوم عليه بالوفاء هو العقد المعنوي الذي يتسبب إليه
بالعقد اللفظي وإلا فاللفظ لاقرار له حتى ينسب فعلا إلى المجيز ويؤثر في الملك أو يحكم عليه
بالوفاء والحمل بخلاف الصوم فان الإمساك قد تصرم وتخلل بينه وبين الغسل العدم فما الأمر الباقي
المقترن بالغسل والطهارة ليكون متقيدا بهما حتى يحصل الامتثال بإتيان المقيد إلا أن يتكلف ويجعل
أثر الصوم أمرا باقيا إلى أن يحصل الغسل ويكون المأمور به والمطلوب بقاء ذلك الأثر بالغسل بحيث لو
لم يحصل لزال ذلك الأمر فكأنه لم يأت بشئ لفرض مطلوبية وجوده الباقي بالغسل وكل ذلك تكلف
واضح (منه).
313

التفصي عن الاشكال، ولا عدم كون الشرط الشرعي كالشرط العقلي بل الأمر
فيهما على حد واحد، وهكذا بالإضافة إلى الشرطية الجعلية المنتزعة من مقام
الطلب فإنه لولا الأمر بالصلاة عن طهارة لما صح انتزاع الشرطية من الطهارة، و
هذه الشرطية الجعلية أيضا على حد الشرائط الواقعية إما من مصححات الفاعل،
أو من متممات القابل فإنه لولا ملاحظة الصلاة مقترنة بالطهارة لا تكون الصلاة
قابلة لانتزاع المطلوبية منها كما أنه لولا صدورها عن طهارة خارجا لما كانت قابلة
لانتزاع مطابقتها للمطلوب ووقوعها على صفة المطلوبية.
قوله: ولا بد من تقدمها بجميع أجزائها الخ: لا يخفى عليك أن العلة أما
ناقصة أو تامة، وملاك التقدم في الأولى هو الوجود، وفي الثانية هو الوجوب
بمعنى أن المعلول في الأولى لا يمكن له الوجود إلا والعلة موجودة، ولا عكس
كما أن المعلول في الثانية لا يجب إلا والعلة قد وجبت وعلى أي حال لا يعقل
وجود المعلول، وضرورة وجوده إلا إذا وجدت العلة ووجبت ولازم هذا
المعنى في الموجودات الزمانية أن لا يتقدم المعلول على علته زمانا وإلا لم يكن
بنحو وجوده تابعا لوجودها لا تقدمها عليه زمانا، وتقدمها الطبيعي أو العلي
أجنبي عن إشكال تأخر العلة زمانا، وأما المعية الزمانية للمعلول بالنسبة إلى علته
فمختلفة بالإضافة إلى العلة التامة والناقصة، وما ذكرنا أن مقتضى العلية هي
التبعية في نحو وجود المعلول لوجود علته زمانا ليس لأجل لزوم الخلف أو
الجمع بين النقيضين نظر إلى أن نتيجة تأخر العلة أنها دخلية وغير دخيلة، و
314

موقوف عليه وغير موقوف عليه، ولا لأجل أنه في قوة المعلول بلا علة لوضوح
اندفاع الجميع حسب الفرض فان المفروض كون المتأخر علية والفرض كون
المعلول ذا علة وحيث إن الفرض فرض الاستناد إلى المتأخر فلا يلزم من تأخره
عدم كونه دخيلا بل لا بد من إقامة البرهان على عدم إمكان دخله وهو لزوم تأثير
المعدوم في الوجود فان الموجود في ظرفه معدوم بالفعل، والأثر موجود
بالفعل ولا يمكن أن يترشح موجود بالفعل عن معدوم بالفعل.
" تقسيم المقدمة إلى المتقدم والمقان والمتأخر "
قوله: ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا الخ: العلة إما أن تكون مؤثرة أو
مقربة للأثر، والثانية هو المعد، وشأنه أن يقرب المعلول إلى حيث يمكن
صدوره عن العلة ومثله لا يعتبر مقارنته مع المعلول في الزمان بخلاف المؤثرة
بما يعتبر في فعلية المؤثر به أو تأثر المادة فإنه يستحيل عدم المقارنة زمانا فان
العلة الناقصة، وإن أمكن أن يوجد، ولا وجود لمعلولها إلا أنها لا تؤثر إلا وهي
مع أثرها زمانا في الزمانيات فما كان من الشرائط شرطا للتأثير كان حاله حال ذات
المؤثر وما كان شرطا لتقريب الأثر كان حاله حال المعد، ومن الواضح أن الالتزام
بكون جميع الأسباب والشرائط الشرعية معدات جزاف.
قوله: وبالجملة حيث كان الأمر من الأفعال الاختيارية الخ: لا يذهب
عليك أن الإرادة حيث إنها من الكيفيات النفسية فلا بد من تحقق مباديها في
مرتبتها حتى ينبعث منها شوق متأكد نفساني سواء كان الشوق متعلقا بفعل الغير
وهي الإرادة التشريعية أو متعلقة بفعل نفسه سواء كان تحريكه للغير أو غير ذلك
وهي الإرادة التكوينية، ومن الواضح أن مبادي الإرادة بما هي إرادة لا تختلف
باختلاف المرادات وليست مباديها مختلفة بالتقدم والتأخر والتقارن فهي
خارجة عن محل البحث، وأما البعث والتحريك الاعتباريان اللذان هما من
315

أفعال الأمر فهما أيضا باعتبار تعلق الإرادة بهما كسائر المرادات، وأما باعتبار
نفسها كما هو محل الكلام فالاشكال فيهما على حاله، إذ لو توقف اتصاف البعث
الحقيقي بعنوان حسن على وجود شئ خارجا فلا محالة لا يصير مصداقا لذلك
العنوان إلا بعد تحقق مصحح، انتزاعه خارجا، ومثله الكلام في شرط الوضع فان
الشئ إذا كان شرطا للانتزاع بما هو فعل النفس أو تصديق الفعل فلا محالة
يكون شرطا بنحو وجوده النفساني المناسب لمشروطه وشرط الانتزاع بما هو
انتزاع ليس من محل النزاع بل الكلام في شرطية شئ للمنتزع وهي الملكية
مثلا، والإشكال فيه على حاله لعدم معقولية دخل أمر متأخر في ثبوت أمر متقدم
والمفروض أن الإجازة بوجودها الخارجي شرط لحصول الملكية الحقيقية من
حيث العقد فاتضح أن رجوع الأمر إلى المقارن ليس إلا في ما هو خارج عن محل
النزاع كنفس الإرادة والانتزاع.
والتحقيق أنه يمكن دفع الأشكال عن الملكية وشبهها من الأمور الوضعية
الشرعية أو العرفية بما تقدم منا في تحقيق حقيقة الوضع في أوائل التعليقة، ولا
باس بالإعادة فلعلها لا تخلو عن الإفادة ولنحرر الكلام في الملكية فيعلم منها
حال غيرها.
فنقول: ليست الملكية الشرعية والعرفية من المقولات الحقيقية وإن كان
مفهوما من المفاهيم الإضافية وذلك لأن المقولات أجناس عالية للموجودات
الإمكانية، وهي إما ذات مطابق في الأعيان، أو من حيثيات ما له مطابق فيها، و
المقولة أنما يقال على شئ ويصدق عليه خارجا إذا كان مع قطع النظر عن
ذهن ذاهن أو اعتبار معتبر أمر يصدق عليه حد المقولة، ومن الواضح أنه بعد
الإيجاب والقبول لم يتحقق خارجا ما له صورة في الأعيان، ولا قام بالمالك و
المملوك حيثية عينية بل هما عليه ما هما عليه من الجواهر والأعراض من غير
تفاوت أصلا.
لا يقال: منشأ انتزاع الملكية هو العقد وقد حصل بعد ما لم يكن.
316

لأنا نقول: الأمر الانتزاعي بحمل العنوان المأخوذ منه على منشائه كما أن
عنوان الفوق يحمل على نفس الجسم الكائن في الحيز الخاص، ومن البين أن
الملكية لا تحمل على العقد بل تحمل بمعناها الفاعلي على ذات المالك و
بمعناها المفعولي على ذات المملوك ونسبة العقد إليها نسبة السبب إلى
المسبب لا نسبة الموضوع إلى عرضه.
لا يقال: نحن لا نقول بان الملكية حيثية قائمة بالعقد ليرد الأشكال المزبور
بل نقول بأن العقد منزل منزلة الملكية فهي إحاطة تنزيلية قائمة بالعاقد.
لأنا نقول: أولا أن العقد اللفظي بما له من المعنى قائم بالعاقد لا بالمالك. و
كونه وكيلا عنه يوجب أن يكون العاقد مالكا حقيقية وذات المالك مالكا تنزيلا.
وثانيا: بأن المالكية والمملوكية متضائفان وليس هنا صفة عينية قائمة
بالمملوك كقيام العقد المنزل منزلة الملكية بالعاقد والعين الخارجية هي
المملوكة حقيقة لا المقوم للإحاطة التنزيلية ليكون حال المالك والمملوك حال
العالم والمعلوم بالذات.
وثالثا: الكلام في كون الملكية مقولة واقعية والعقد اللفظي الموجود في
الخارج من مقولة الكيف المسموع والمقولات متبائنات، وبقية الكلام في محله.
ومما ذكرنا يتضح أنها لا تنتزع عن الحكم التكليفي بجواز التصرف أيضا
بتوهم أن السلطنة ليست إلا كون زمام أمر شئ بيد الشخص وكونه تحت
اختياره، وهو عبارة أخرى عن إباحة أنحاء التصرفات فيه، فإنك قد عرفت لزوم
حمل العنوان المأخوذ من المنتزع على المنتزع عنه مع أنه لا يقال جواز التصرف
مالك أو مملوك، وكون الملكية نفس جواز التصرف رجوع عن دعوى انتزاع
الحكم الواضعي عن الحكم التكليفي بل هو عين الحكم التكليفي والحال أن
مفهوم الملكية بجميع معانيها لا ربط له بمفهوم جواز التصرف مع أن الملكية
الشرعية لا تدور مدار جواز التصرفات كما في موارد الحجر فيلزم إما بقاء المنتزع
بلا منشأ وهو محال، أو كون الملكية مثلا للولي، لكون المنشأ وهو جواز التصرف
317

له وهو مما لا يلتزم به أحد.
لا يقال: منشأ انتزاع الملكية مطلقا تمكن المالك خارجا من التصرفات
النافذة كالبيع ونحوه فالملكية بمعنى السلطنة المنتزعة من تمكنه الخارجي من
التصرفات النافذة.
لأنا نقول: حقيقة التمكن أنما هي بالإضافة إلى أفعاله التسببية التي لا مساس
لها خارجا بالعين المملوكة والمفروض أن طرف الملكية هي العين المملوكة
شرعا فالسلطنة الحقيقية الخارجية التي لا تتفاوت بتفاوت الأنظار أنما تكون
للقاهر على العين خارجا ولو غصبا، وهذا بنفسه شاهد على أن الملكية الشرعية
ليست من المقولات الواقعية فإنها لا تختلف باختلاف الأنظار، وأنحاء الاعتبار
مع أن شخصا واحدا بالنسبة إلى عين واحدة ربما يكون مالكا في نظر الشرع دون
العرف وبالعكس.
لا يقال: كيف وحد الإضافة المقولية صادق على الملكية فان ملاكها تكرر
النسبة وهو موجود فيها غاية الأمر أنها من الإضافات المتشابهة الأطراف
كالأخوة والجوار.
لأنا نقول: نعم الملكية مفهوم من المفاهيم الإضافية لكن مجرد كون المفهوم
كك لا يقتضي أن يكون مطابقة من المقولات، كيف ويصدق العالمية والقادرية و
غيرهما من العناوين الإضافية عليه تعالى، مع عدم اندراجه تحت العرض و
العرضي لمنافاته لوجوب الوجود بل كون المطابق مقولة حقيقة أم لا أنما يعلم
من الخارج.
ومنه يظهر للمتفطن أن سنخ ملكيته تعالى أيضا ليس سنخ ملكية العباد و
إن كانت فيهم مقولة بل مالكيته باعتبار إحاطته في مقام فعله بداهة إحاطة الوجود
الانبساطي على جميع ما في دار الوجود فالمطابق الحقيقي للملك فيه تعالى هو
الوجود المنبسط فالمفهوم إضافة عنوانية والمصداق إضافة إشراقية.
فان قلت: إذا لم يكن مطابق الملكية الشرعية من المقولات الحقيقية حتى
318

الانتزاعية فقد خرج بذلك عن موجودات عالم الامكان لانحصارها فيها كما حقق
في محله.
قلت: التحقيق في الملكية وغيرها من الوضعيات الشرعية والعرفية أنها
موجودة بالاعتبار لا بالحقيقة، فكما أن الأسد له نحو من الوجود الحقيقي وهو
الحيوان المفترس والاعتباري وهو الشجاع كك الملكية ربما توجد بوجودها
الحقيقي الذي يعد من الأعراض الخارجية والمقولات الواقعية كما في المحيط
على العين، والواجد المحتوي لها خارجا وإن كان غاصبا فهو باعتبار نفس
الإحاطة الخارجية من مقولة الجدة، وباعتبار تكرر النسبة أعني المالكية و
المملوكية من مقولة الإضافة، وربما توجد بوجودها الاعتباري فالموجود
بالحقيقة نفس الاعتبار القائم بالمعتبر، وإنما ينسب هذا الوجود إلى الملكية
لكونها طرف هذا الاعتبار، وكما أن مصحح اعتبار الرجل الشجاع أسدا هي
الجرئة، والشجاعة، كك مصحح اعتبار المتعاملين مالكا والعين مملوكا هي
المصلحة القائمة بالسبب الحادث الباعثة على هذا الاعتبار، ومن هذه المرحلة
تختلف الأنظار فالملكية من المعاني التي لو وجدت في الخارج لكان مطابقها
عرضا لكنها لم توجد حقيقة هنا بل اعتبرها الشارع أو العرف لما دعاهم إليه، و
حيث إن حقيقتها شرعا أو عرفا عين الاعتبار فلا مانع من اعتبارها بلحاظ أمر
متقدم متصرم، أو أمر مقارن، أو متأخر. ولعل نظر من جعل العلل الشرعية
معرفات إلى ذلك فان المتقدم، أو المقارن، أو المتأخر يكشف عن دخول
الشخص في عالم اعتبار الشارع كما أن سببيتها لهذا الوجود الاعتباري مع قيام
الاعتبار بالمعتبر بملاحظة أن الشارع بعد ما جعل اعتباره منوطا بهذا الأمر
فالموجد له متسبب به إلى إيجاد اعتبار الشارع فاعتبار الملكية فعل مباشري
للمعتبر، وأمر تسبيبي للمتعاملين.
فان قلت: المعنى المعتبر وإن لم يوجد بوجوده الحقيقي إلا أن الاعتبار
موجود بالحقيقة لا بالاعتبار، واقتضاء الأمر المتقدم المتصرم، أو المتأخر، ولأمر
319

موجود قول بوجود المعلول بلا علة مقارنة له وجودا فعاد الاشكال، وليس
الكلام في مبادي الاعتبار بما هو اعتبار حتى يكتفي بوجودها اللحاظي المسانخ
له بل في مبادي الشئ بوجودها الاعتباري، وهي الجهة المصححة المخرجة
له عن مجرد فرض الفارض وأنياب الأغوال.
قلت: اقتضاء العقد مثلا لاعتبار الملكية ليس على حد اقتضاء الفاعل بل
على حد اقتضاء الغاية، ومن البين أن الغاية الداعية إلى الاعتبار لا يجب أن تكون
مقارنة له وجودا فكما أن أمرا موجودا فعليا فيه مصلحة تدعوا الشارع إلى اعتبار
الملكية لزيد مثلا كك الإيجاب المتصرم، أو الإجازة المتأخرة فيهما ما يدعوا
الشارع إلى اعتبار الملكية فعلا لمن حصل أو يحصل له سبب الاعتبار كما لا
يخفى على أولي الأبصار.
وفيه أن المصلحة الداعية إلى شئ لا بد من أن تكون قائمة بذلك الشئ
فالمصلحة الداعية إلى اعتبار الملكية قائمة بنفس اعتبار الملكية ومترتبة عليه لا
على السبب، ولا محالة للسبب دخل في صيرورة الاعتبار ذا مصلحة فيعود
محذور الشرط المتأخر.
ويمكن أن يقال إن مصلحة اعتبار الملك والاختصاص (1) قائمة به في موطن

(1) توضيحه أن تصحيح الشرط المتأخر في الاعتبارات مبني على مقدمات ثلاثة: أحديها عدم
دخل الإجازة مثلا بوجودها الخارجي في وجود الاعتبار ولا في وجود المصلحة خارجا بنحو السببية
والشرطية كما أوضحناه في المتن.
ثانيتها كون تأثير الاعتبار في المصلحة القائمة به تأثيرا تشريعيا لا تكوينيا فكما أن الأثر المترقب من
الإيجاب كونه داعيا من قبل الشارع في ذاته لا تحقق الدعوة الخارجية وكذا الأثر المرغوب من التحريم
كونه رادعا من قبل الشارع في نفسه لا تحقق الردع خارجا كذلك الأثر من اعتبار الملكية لشخص خاص
انحفاظ نظام المعيشة به تشريعا بحيث يمنع الغير عن التصرف في ملكه بدون رضاه تشريعا لا خارجا.
ثالثتها أن اعتبار الملكية القائم به المصلحة المزبورة يتقوم بطرف خاص في أفق الاعتبار لاستحالة
إعتبار الملكية المطلقة الغير المضافة إلى طرف فالطرف له دخل في تحقق اعتبار الملكية من حيث
أصله على حد دخل ذات المعلوم في العلم وذات المشتاق إليه في الشوق ومن حيث خصوصيته
لأجل كون الاعتبار الذي له المصلحة تشريعا في هذا الفرض بالخصوص ولكنه كالشوق وكالبعث لابد
من ملاحظة المشتاق إليه والمبعوث نحوه بنحو فناء العنوان في المعنون فحينئذ يكون اعتبار مالكية
المتعاقدين تسبيبا أو مباشرة أو إمضاء ذا مصلحة فلابد من حصول العقد المنسوب إلى الشخص خارجا
بأحد هذه الوجوه وأخرى يكون اعتبار مالكية من عقد له بحيث يمضيه فيما بعد ذا مصلحة في قبال
مالكية من عقد له ولا يمضيه فيما بعد فإذا كان خصوصية الطرف بهذا المقدار فلا محالة لا يتوقف إلا
على فعلية ما يطابق الطرف عنوانا بذلك المقدار (منه).
320

الاعتبار ولا يعقل أن يكون الخارج عن أفق الاعتبار قائما به كما لا يعقل أن يكون
العقد الخارجي سببا ومقتضيا للاعتبار بل السبب الفاعلي نفس المعتبر، وكذا لا
يعقل أن يكون العقد شرطا لوجود الاعتبار ولا لمصلحته القائمة به في موطنه
لعدم الاقتران المصحح لفاعلية الفاعل، والمتمم لقابلية القابل خصوصا مع كون
الاعتبار قائما بغير من يقوم به العقد بل مصلحة اعتبار الاختصاص من انحفاظ
نظام المعيشة بعدم تصرف كل أحد فيما اختص بغيره قهرا عليه بنحو اقتضاء
الأمر للدعوة فان اعتبار اختصاص شئ بشخص خاص يمنع عن التصرف فيه
قهرا عليه منعا تشريعا، وحيث إن اعتبار الاختصاص لكل أحد لغو لا يترتب
عليه الأثر المرغوب، واعتباره لبعض دون بعض تخصيص بلا مخصص فلا
محالة لا مصحح له إلا ما جعله الشارع أو العرف موجبا للاختصاص، وهو التعاقد
والتراضي فيكون اعتبار الاختصاص لمن حصل بالنسبة إليه تعاقد وتراض
إمضاء لما تعاقدا عليه صحيحا موجبا لانحفاظ النظام، وإذا كانت الإجازة
المتأخرة إمضاء العقد السابق فمقتضى اعتبار الاختصاص بعنوان الإمضاء
اختصاص الشئ على حد تخصيص المتعاقدين الممضي من جنسه على
الفرض، وتأخر الإمضاء عن العقد الممضي تأخر بالطبع لا بالزمان كتأخر العلم
عن المعلوم فلا ينافي تقدم العقد أو تأخره ما لا يجيب مقارنتهما فتدبر جيدا.
قوله: فكون شئ شرطا للمأمور به ليس إلا ما يحصل لذات الخ:
321

يمكن تقريب اقتضاء طرفية المتقدم أو المتأخر الإضافة موجبة لحسن المأمور به
بأحد وجهين:
الأول: أن المتأخر معنون بعنوان إضافي يستلزم تعنون المتقدم بعنوان
إضافي آخر كما هو شأن العناوين الإضافية المقتضية لتكرر النسبة، ومعنى
شرطية المتأخر كونه ملازما لعنوان في المأمور به المتقدم فوجود الشرط في
الزمان المتأخر كاشف عن تعنون المتقدم بعنوان إضافي وعدمه في الزمان
اللاحق عن عدمه في السابق كما هو شأن المتضائفين.
فان قلت: هذا إنما يتم إذا لم يكن لمقولة الإضافة وجود في الخارج، وإلا فلا
بد لهذا الموجود في السابق علة وجودية حيث إنه لم يتحقق من المكلف مثلا إلا
الصوم في السابق، والأغسال في اللاحق، ودخل المتأخر في وجود المتقدم
يوجب عود الأشكال.
قلت: مقولة الإضافة وإن كانت موجودة في الخارج، وليس من الاعتبارات
الذهنية كالكلية والجزئية، والجنسية والنوعية كما هو الحق المحقق في محله،
لكن غاية ما يقتضيه البرهان وكلمات الأعيان أنها موجودة في الخارج أما
استقلالا فلا.
توضيحه أن للوجود كما هو المقرر في مقره درجات ومراتب من البروز و
الظهور مختلفة في الشدة والضعف.
فمنها: مرتبة وجود الواجب عز اسمه الذي هو صرف حقيقة الوجود الغير
المحدود إلى أن تنتهي المراتب إلى وجود الأعراض التي نحو وجودها هو
وجودها لموضوعاتها والأعراض أيضا مختلفة في الشدة والضعف.
فمنها: كالكيفيات النفسانية مثل العلم والإرادة ودونها في المرتبة السواد و
البياض وما شابهها من الأعراض إلى أن ينتهي العرض في ضعف الوجود إلى
حد يكون نحو وجوده عبارة عن كون الشئ في الخارج بحيث إذا عقل عقل
معه معنى آخر فوجود الإضافة نظير وجود المحمولات الاشتقاقية بوجود
322

موضوعاتها فكما أن وجود زيد المتلبس بصفة العلم وجود للماهية الشخصية
الزيدية، ووجود لعنوان العالم في الخارج دون الذهن فكذلك وجود الفوقية
للسماء فإنها موجودة بوجودها لا بوجود منفرد له صورة خارجية ومطابق عيني
بخلاف الكلية للانسان فان معروضها أمر ذهني فهي من الاعتبارات الذهنية دون
الخارجية، وبقية الكلام تطلب من غير المقام.
إذا عرفت معني وجود الإضافة في الخارج فاعلم: أن وجود العنوان الإضافي
ربما يتوقف على وجود صفة حقيقة من الطرفين كالعاشقية والمعشوقية (1) فان
في العاشق صفة نفسانية وفي المعشوق كمال صوري أو معنوي، وربما يتوقف
على وجود صفة في أحد الطرفين كالعالمية والمعلومية فان ما له وجود حقيقي
وهو العلم قائم بالعالم لا بالمعلوم، وربما لا يتوقف على وجود صفة حقيقية في
أحد الطرفين كالمتيامن والمتياسر، والمتقدم والمتأخر، وكون الشئ ثاني
الاثنين وثالث الثلاثة إلى غير ذلك من الموارد التي لا يتوقف حصول العنوان
الإضافي على حصول صفة حقيقية ذات مطابق عيني فليكن ما نحن فيه من هذا
القسم الأخير فنفس الأمر المتقدم حيث إنه يلحقه الأمر التأخر في ظرفه منشأ
لعنوان إضافي يكشف عنه مضائفة المتأخر ومعنى وجود العنوان الإضافي في
المتقدم والمتأخر كون السابق واللاحق بحيث إذا عقلا عقل معهما عنوانان
متضائفان فافهم واغتنم.
والتحقيق: عدم سلامة هذا الطريق في دفع الأشكال لما تقرر في محله من
أن المتضائفين متكافئان في القوة والفعلية فلا يعقل فعلية أحدهما وشأنية الأخر
وعليه يستحيل تحقق العنوان الإضافي في الصوم لعدم تحقق عنوان الأغسال
الآتية بعدم معنونه، وإلا لزم عدم تكافؤ المتضائفين.

1 - هكذا ذكره الشيخ الرئيس وفي القسم الأول نظر، لأن متضائف العاشق هو المعشوق بالذات
لا المعشوق بالعرض والأول لا يتوقف على وجود صفة حقيقية في المعشوق كالعالم والمعلوم بالذات
(منه).
323

فان قلت: كما أن المتقدم والمتأخر عنوانان إضافيان مع أن المفروض عدم
وجود المتأخر عند وجود المتقدم فأحدهما فعلي، والاخر بالقوة فليكن
العنوانان الإضافيان في ما نحن فيه كك.
قلت: هذا الاشكال إنما يرد على المتقدم والمتأخر بالزمان، وهما اللذان لا
يجتمعان في زمان واحد دون سائر أنحاء التقدم والتأخر والتكافؤ في المثال
ثابت بوجه يخص الزمان والوجه فيه:
أما ما أفاده الشيخ الرئيس في الشفاء (1) فملخصه أن عدم استقرار أجزاء
الزمان إنما هو في ظرف الذهن ويحكم بتقدم أحدهما على الاخر.
وأما ما افاده صدر المحققين (2) فهو أن معية أجزاء الزمان في الوجود اتصالها
في الوجود الوحداني التدريجي وجمعية هذا الوجود الغير القارعين الافتراق، و
هذان الوجهان غير جاريين فيما نحن فيه.
أما الأول: فلان المعنون بعنوان حسن أمر به هو الصوم مثلا بوجود
الخارجي لا بوجوده العلمي، وهذا الجواب من مثل الشيخ الرئيس وإن كان
عجيبا لأن الزمان بوجوده العيني متقدم ومتأخر، والتكافؤ يعتبر في ظرف
الاتصاف لا غير إلا أن الغرض أن صحته على الفرض لا يجدي هنا إذ الصوم
بوجوده الخارجي مأمورية فحسنه بحسب نحو آخر من الوجود لا يقتضي الأمر
به بحسب وجود آخر.
وأما الثاني: فالأمر فيه أوضح إذ لا اتصال بين الصوم والأغسال في الوجود
الوحداني على حد اتصال الأمور التدريجية ليكون العنوانان متكافئين باتصال
المعنونين في الوجود فاتضح أن قاعدة التكافؤ مسلمة غير منثلمة هذا تمام
الكلام في التقريب الأول.
والثاني: وهو الموافق لظاهر كلامه " زيد في علو مقامه " والمناسب لترشح

1 - الإلهيات: ص 160.
2 - الأسفار ج 1 ص 426.
324

الوجوب المقدمي إليه أن المتأخر ذو دخل في منشأيته المتقدم لعنوان حسن
كدخل الغد في منشائية اليوم لعنوان المتقدم إذ لو لاه لما اتصف اليوم بالتقدم
قطعا، كما أنه لولا اليوم لما اتصف الغد بالتأخر جزما فمعنى شرطية المتأخر
دخله في منشائية المتقدم لعنوان حسن بسببه أمر به، وهو بمكان من المعقولية
كما عرفت نظيره.
وفيه أن دخل شئ في منشأية شئ لعنوان انتزاعي ليس جزافا بل لدخله
تارة في تألف ماهية ذلك العنوان، وكونه من علل قوامه بحيث لو لم يكن لا معنى
للحيثية التي يتحيث بها منشأ الانتزاع، وأخر لدخله في وجود ذات منشأ
الانتزاع ووجود الحيثية فيه، فالمتأخر إن كان بوجوده العيني دخيلا في المنشأية
فهو بوجوده الخاص من علل القوام، أو من علل الوجود فما لم يتحقق ما شانه
كك لا يعقل تحقق الأمر الانتزاعي.
وأما النقض بالمتقدم والمتأخر بالزمان فباطل لأن ما به التقدم وما به التأخر
في الزمان ذاتي له فبعض أجزاء الزمان بذاته متقدم على بعضها الاخر، وبعضها
بذاته متأخر عن الاخر من دون دخل للمتأخر في منشائية الجزء المتقدم للمتقدم
ولا للمتقدم في منشائية الجزء المتأخر للتأخر.
نعم حيث إن عنوان التقدم والتأخر من العناوين الإضافية المعقولة بالقياس
إلى الغير فلابد من ملاحظة الطرف الآخر لكون المعنى معقولا بالقياس إلى الغير
لا لكون الطرف الآخر دخيلا في منشائية طرفه لما هو ذاتي له، والمراد من
الذاتي هو الذاتي في كتاب البرهان لا الذاتي في باب الكليات، بمعنى أن وضع
نفس الشئ كاف في انتزاع المعنى بخلاف الأبوة مثلا فإنه لا تنتزع من ذات
الأب بل فيما إذا انعقد من نطفته شخص آخر.
وأما الزمانيات فإنما ينتزع منها التقدم والتأخر بالعرض بمعنى أن الزمان هو
الموصوف بالحقيقة بالوصفين لا الزمانيات وإن صح توصيفها بالعرض فلا نقض
أصلا هذا في مثل تقدم زيد على عمرو بالزمان وأما الحركات التي حقيقتها
325

مندرجة الوجود فحالها حال أجزاء الزمان.
فان قلت: وإن لم يتصف المتقدم بعنوان حسن من قبل المتأخر إلا أن له
الإضافة فعلا بمن يأتي بالمتأخر فللصوم إضافة بمن تغتسل في الليلة المستقبلة و
كونها فمن تغتسل فعلي لا استقبالي، وكذلك كون العقد بحيث يجيزه المالك.
قلت: كون المرأة تغتسل، وكون المالك يجيز فيما بعد ليس من العناوين
الانتزاعية الموجودة في المرأة أو المالك بل قولك " تغتسل ويجيز " إخبار منك
بالاغتسال والإجازة في الاستقبال وإلا فليس في من يضاف إليه الصوم أو العقد
صفة فعلية ولو انتزاعية فيرجع الأمر إلى استقلال الصوم والعقد في التأثير، و
غاية ما يمكن أن يوجه موارد النقض هو أن دخل المتأخر أو المتقدم في أمر
عيني أو انتزاعي محال لكن دخله في أمر جعلي لا موجب لاستحالة، ومن
الواضح أن أنحاء التعظيمات والتدللات والاحترامات متفاوتة في الرسوم و
العادات فيمكن أن يكون الفعل المسبوق بكذا أو الملحوق بكذا تعظيما و
احتراما عند الشارع دون ما إذا تجرد عنهما فافهم واستقم.
" الواجب المطلق والمشروط "
قوله: تعريفات لفظية لشرح الاسم الخ: قد تكرر منه - قدس سره - في
الكتاب وغيره كما عن بعض أهل المعقول مرادفة التعريف اللفظي لشرح الاسم
ومساوقته لمطلب ما الشارحة، ومقابلته للحد والرسم، وهو مخالف لاصطلاح
الحكماء، ولا مقابلة بينهما بل الحد والرسم تارة على نحو الحقيقة ويعبر عنه
بمطلب ما الحقيقية، وأخرى على نحو شرح الاسم ويعبر عنه بمطلب ما
الشارحة بل المقابلة بين التعريف اللفظي في الحد والرسم.
قال الشيخ الرئيس في الإشارات (1)، ومنها مطلب ما هو الشئ وقد يطلب

(1) الإشارات والتنبيهات ج 1 ص 309.
326

به ماهية ذات الشئ وقد يطلب به ماهية مفهوم الاسم المستعمل. وقال
شارحها المحقق الطوسي قده، ذات الشئ حقيقته، ولا يطلق على غير الموجود
إلى أن (1) قال والطلب بما الثاني هو السائل عن ماهية مفهوم الاسم كقولنا ما
الخلاء، وإنما لم يقل عن مفهوم الاسم لأن السؤال بذلك يصير لغويا بل هو
السائل عن تفصيل ما دل عليه الاسم إجمالا. فان أجيب بجميع ما دخل في ذلك
المفهوم بالذات ودل عليه الاسم بالمطابقة والتضمن كان الجواب حدا بحسب
الاسم، وإن أجيب بما يشتمل على شئ خارج عن المفهوم دال عليه بحسب
الالتزام على سبيل التجوز كان رسما بحسب الاسم، وقال قده في شرح كلام
الشيخ أيضا أنا إذا قلنا في جواب من يقول ما المثلث المتساوي الأضلاع أنه
شكل يحيط به خطوط ثلاثة متساوية كان حدا بحسب الاسم، ثم إنه إذا بينا أنه
الشكل الأول من كتاب أقليدس صار قولنا الأول بعينه حدا بحسب الذات
إنتهى (2). ونحوه ما عن شارح حكمة الاشراق (3).
والفرق حينئذ بين ما الشارحة وما الحقيقية أن السؤال في الثانية بعد معرفة
وجود المسؤول عنه دون الأولى إذ الحقيقة والذات اصطلاحا هي الماهية
الموجودة، وبالجملة المعروف عندهم أن الحدود قبل الهليات البسيطة حدود
اسمية، وهي بأعيانها بعد الهليات تنقلب حدودا حقيقية فلا تغفل، وليس
الغرض مما ذكرنا ان شرح الاسم لا يساوق التعريف اللفظي أحيانا بل الغرض أن
شرح الاسم المرادف لمطلب ما الشارحة لا يساوق التعريف اللفظي كما هو
صريح الحكيم السبزواري في شرح منظومتي المنطق والحكمة (4)، وكما هو

(1) إلى أن: زائدة.
(2) إنتهى كلام المحقق الطوسي - ره - في الإشارات ج 1 ص 309 و 311.
(3) شرح حكمة الاشراق ص 133.
(4) شرح المنظومة ج 1 ص 190 وعلق عليه العلامة حسن زاده الآملي بمثل ما أفاده نهاية الدراية
فراجع.
327

صريح شيخنا العلامة الأستاذ - قده - في أول مبحث العام والخاص (1) فان
كلامهما صريح في مرادفة التعريف اللفظي وشرح الاسم لمطلب ما الشارحة.
قوله: وإلا لم يكد يوجد واجب مطلق الخ:
لا يقال: بعث إلى الواجد للشرائط العامة مطلق فان مناط فعلية الاطلاق و
الاشتراط فعلية اتصاف البعث المنشئ بأحد الوصفين لا ملاحظة أنه لولا
وجدان الشرائط لكان المنشئ بعثا شرطيا.
لأنا نقول: حيث إن البعث الحقيقي في صورة الاشتراط (2) غير موجود عنده
- قده - فلا محالة لا يتصف إلا بالوجود والعدم والمتصف بالاطلاق والاشتراط
هو البعث في حد ذاته لا بوجوده الحقيقي بمعنى أن البعث إذا لوحظ في حد
ذاته بالإضافة إلى شئ أما أن يتوقف وجوده عليه أولا ومن الواضح أن البعث
الذي لا يتوقف على شئ حتى الشرائط العامة غير معقول.
قوله: ثم الظاهر أن الواجب المشروط كما أشرنا إليه الخ: توضيح
المقام أنا لو قلنا بما ذهب إليه علماء الميزان من أن أداة الشرط لمجرد إفادة
التعليق والملازمة، وأن المقدم والتالي منسلخان عن الحكم، وإنما يخرجان
بذلك عن مقتضيات القضية من صحة السكوت عليها، واحتمالها للصدق و

1 - كفاية الأصول ج 1 ص 331.
2 - بيانه أن الإطلاق والاشتراط متقابلان بتقابل العدم فما لم يقبل الإناطة والتعليق لا
يكون مطلقا والبعث المحقق لا يعقل تعليقه على شئ للزوم الخلف فلا يقبل العدم فالموجود من
البعث لا مطلق ولا مشروط ولا منافاة بينه وبين ما يقال من أن الوجوب الشرطي لا يخرج عن كونه
كذلك بتحقق الشرط وإذا لم يقبل الإشتراط حدوثا لا يقبله بقاء وجه عدم المنافاة أن الموجود إذا لم
يوصف بالاشتراط فلا يوصف بالإطلاق فالموجود من الوجوب بعد حصول الشرط لا مطلق ولا
مشروط فلا معنى لخروجه عن الإشتراط إلى الاطلاق.
نعم، بالاعتبار الذي كان مشروطا فوجوده وجود المنوط بشئ لا وجود غيره ففعلية فعلية الوجوب
المنوط بشئ شرعا لا فعلية غيره لا أنه ينقلب من الإشتراط إلى الإطلاق وبقية الكلام في محله (منه).
328

الكذب فلا ريب حينئذ فيما أفاده المصنف - قده -، من عدم البعث الفعلي إلا
بعد تحقق ما علق عليه، والوجه فيما ذهبوا إليه (1) أن الحكم بالتعليق بين
الطرفين (2) لا يجتمع مع الحكم بالطرفين إذ الطرف بما هو متعلق للنسبة الحكمية
لا يعقل أن يعتبر فيه حكم، واشتهر بينهم أن صدق الشرطية بصدق الملازمة لا
بصدق الطرفين، ولذا صح أن يقال " إن كان زيد حمارا كان ناهقا " مع أنه لا يصح
الحكم بناهقيته، ولو مقيدة بحماريته إذ النسبة إذا كانت مستحيلة الوقوع، ولو
باستحالة قيدها كانت كاذبة لا محالة حيث لا مطابق لها أصلا نظير ما إذا قيل " زيد
قائم في نهار لا ليل له " مثلا، وأما إذا قلنا بما نسب إلى علماء الأدبية من أن
القضية الشرطية تفيد ثبوت المحمول في التالي لموضوعه على تقدير المقدم
فربما يتوهم حينئذ أن البعث فعلي في المقام، وتحقيقه أن أداة الشرط كما
يساعده الوجدان وملاحظة مرادفها بالفارسية تفيد أن مدخولها المسمى بالشرط
والمقدم واقع موقع الفرض والتقدير، وأن الملازمة والتعليق وأشباه ذلك

(1) إلا أنه كالمصادرة على المطلوب وذلك لأن التعليق والاستلزام إن كان ملحوظا بالاستقلال
وكان حصة السكوت باعتبار الحكاية عنه أو جعله كان طرفاه كما قيل خارجين عن مورد الحكم إلا أن
القضية الشرطية ليست كذلك لوضوح أن اجزاء القضية في المقدم والتالي لا يتكفل لعنوان التعليق
والاستلزام إسميا حتى يكون موردا للحكم بل الأداة تتكفل وقوع مدخولها موقع الفرض والتقدير وما
بعدها يتكفل نسبة الطلوع إلى الشمس مثلا والترتيب أو الفاء يدل على الاستلزام الحرفي ووقع المقدم
موقع الإناطة والتعليق وقضية التالي تتكفل نسبة الوجود إلى النهار فما في كلمات جملة من علماء
الميزان أن مفاد هذه القضية أن طلوع الشمس مستلزم لوجود النهار صحيح من وجه دون آخر فإنها تدل
على الاستلزام الحرفي لا على حمل الاستلزام ليكون موردا للحكم ومصححا للسكوت بل ظاهرها
الحكم باتحاد عنوان المحمول في التالي لموضوعه في فرض اتحاد عنوان المحول في المقدم
لموضوعه فتدبره جيدا (منه).
(2) إلا أن التعليق والإناطة والملازمة وإشباهها في القضايا الشرطية ملحوظة على الوجه الجزئي
فلا يكون طرفا للحكم فالحق ما ذهب إليه علما الأدبية (منه).
329

تستفاد من ترتيب الجزاء والتالي على أمر مقدار الوجود مفروض الثبوت لأن طبع
المرتب على مفروض الثبوت على حسب طبع المرتب عليه فيكون وجوده دائرا
مدار وجوده إن مقدرا فمقدار وإن محققا فمحققا، ولذا قالوا أن " لو " حرف
الامتناع لأن مدخوله بحسب أصله الماضي، وتقدير أمر في الماضي يدل على
أن المحقق عدمه، وإلا لما احتاج وجوده إلى الفرض والتقدير، ومن الواضح أن
وجود ما تحقق عدمه محال.
فالمقدر محال، وما رتب عليه كك، والمراد من وقوع المدخول موقع الفرض
والتقدير نظير ما اشتهر في علم الميزان في القضية الحقيقية من أن موضوعها
ينطبق على الأفراد المحققة والمقدرة فإذا قيل " كل إنسان ضاحك " لا يختص
الموضوع بما صدق عليه الانسان محققا في أحد الأزمنة لعدم اختصاص
المحمول به بل يعم كل ما لو وجد كان انسانا فكل ما فرضه وقدره العقل مصداقا
لطبيعة الانسان يراه مصداقا لعنوان الضاحك فليس المفروض بما هو مصداق
الموضوع، بل الفرض فرض مصداق الموضوع إذ الموضوع الحقيقي كل ما هو
إنسان بالحمل الشايع، وهو كما يكون محققا يكون مقدرا إذ كما للعقل قوة لحاظ
الشئ بالحمل الأولي له قوة لحاظ الشئ بالحمل لشايع بنحو المحاكاة كما
في الخارج فعلا أو بنحو الفرض. والتقدير.
ومما ذكرنا يظهر للمتأمل أن المحكوم عليه ليس هو الأمر الذهني بل الأمر
الخارجي المفروض وكذا الحال في القضايا الشرطية فان الملازمة حيث لم تكن
مختصة بطرفين موجودين تحقيقا فلذا جعل المقدم واقعا موقع الفرض والتقدير
كي يعلم أنه كلما فرض المقدم كان التالي ثابتا لكنه بنحو من الثبوت المناسب
لثبوت المقدم بمعنى أن فرض ثبوت طلوع الشمس فرض ثبوت لازمه وهو
وجود النهار كما أن ثبوته المحقق سبب لثبوت لازمه كك، ومنه تبين اندفاع توهم
أن ثبوت التالي في فرض ثبوت المقدم فعلي إذ بعد الفرض لا حالة منتظرة لثبوته
فعلا فأنا لا ندعي أن ثبوته فعلا يحتاج إلى فرض أمر آخر كي يكون خلفا بل نقول
330

إن تقدير وجود المقدم تقديره بلوازمه فيكون وجوده على حسب وجود مقدمه
وإلا فمن البين أن النسبة الحقيقية لا تقوم بوجود تحقيقي، ووجود تقديري، و
من الواضح أن وجود النهار تحقيقا يلازم طلوع الشمس تحقيقا لا تقديرا وليس
مفاد القية الشرطية إلا إثبات هذه الملازمة كشفا وحكاية أما استقالا كما عند
علماء الميزان أو تبعا للحكم بثبوت المحمول لموضوع التالي على فرض كما
عند غيرهم.
فان: قلت: أن الملازمة والتعليق عبارة عن إناطة البعث بما هو موجود في
لحاظ الأمر ولو بنحو المرآتية لها في الخارج فينتزع التقيد والتعليق والملازمة لا
بمعنى فرض الوهم بل المولى يلاحظ المجيئ الخارجي، ويقدر وجوده في
لحاظه، واعتباره (1) وفي هذا الفرض يبعث حقيقة نحو الأكرام مثلا فمن البعث
نحو الأكرام في فرض مجيئ زيد الذي لا وجود لا إلا في ظرف اللحاظ و
الاعتبار ينتزع التقيد والارتباط الحاصلان جعلا بايجاد البعث في هذا الفرض.
توضيحه: أن دخل المجيئ في مصلحة البعث الحقيقي وإن كان واقعيا إلا أن
ملازمته للبعث جعلية ضرورة أنه لولا الانشاء بداعي البعث لم يكن وجود
المجئ ملازما لوجود البعث بل المولى حيث إنه جعل البعث المرتب على
مجئ زيد كان ذلك منه جعلا للملازمة والملازمة الفعلية تستدعي طرفين فعليين
في ظرف الملازمة فلا بد من القول بالبعث الفعلي حال جعل الملازمة والالتزام
بقيدية المجيئ المقدر وجوده.
قلت: إن كان المجيئ المقدر وجوده ملحوظا بنفسه، وقيدا بشخصه فلا
محالة يتحقق البعث الحقيقي، ولا دخالة للمجئ في البعث إلا بوجوده
اللحاظي بما هو كك فلا موجب لترتب وجود المجيئ خارجا لا في وجود
البعث تحقيقا ولا في ترتب آثاره عليه إذ لا حالة منتظرة لشئ هناك، وإن كان

1 - ولا يخفي أن ما ذكرناه من أن مدخول أداة الشرط واقع موقع الفرض والتقدير لا دخل له لفرض
المولى والمتكلم لمجئ زيد والبعث حاله كما لا يخفي (منه).
331

المفروض وجوده ملحوظا بنحو المرآتية لما في الخارج فلا محالة يكون القيد
الحقيقي هو المجيئ الخارجي ولا معنى حينئذ لتحقق المقيد بلا قيده، غاية
الأمر أن القيد الخارجي قد يوجد بنحو وجوده التحقيقي فيوجد المقيد بهذا
النحو من الوجود وقد يفرض وجوده الخارجي فيلزمه ثبوت لازمه ثبوتا مناسبا
لثبوت ملزومه، ومعنى جعل الملازمة جعل الانشاء الخاص بحيث لا ينفك
اتصافه بالبعث الحقيقي عن المجيئ خارجا فالمحقق فعلا هي هذه الحيثية، و
أما عدم الانفكاك الفعلي فإنما هو في الخارج بين الطرفين كما في العلية و
المعلولية.
والتحقيق أن الاشتراط والإناطة وإن كان إلى الاخر للبعث الحقيقي بوجود
الشرط عنوانا فالاستحالة إناطة ما سنخ وجوده اعتباري بأمر خارج عن أفق
الاعتبار، وكيف يعقل أن يكون للبعث الانشائي بداعي البعث الحقيقي اقتران
بمجيئ زيد خارجا حتى يكون مشروطا به مع أن الشرط إما مصحح فاعلية
الفاعل أو متمم قابلية القابل، فهو من شؤون الفاعل. أو القابل فالانشاء بداعي
جعل الداعي أنما يكون مقترنا بوجود الشرط عنوانا في أفق الاعتبار لا بوجوده
خارجا لكنه حيث إن الشرط لوحظ بنحو فناء العنوان في المعنون فلا محالة ما لم
ينطبق على مطابقه لا يكون لما أنيط به فعليته كما في العنوان المأخوذ في
المكلف فان الحكم وإن كان متعلقا به بعنوانه لا بمعنونه لقيام الحكم بالحاكم لا
بالمحكوم لكنه لما لم يصل العنوان إلى حد ينطبق على معنونه فعلا لا يكون
للحكم
فعلية وسيأتي إنشاء الله تعالى أن فعلية الحكم مساوقة لفاعليته.
فتوهم أنه لوجوده الفعلي مقام ولتأثيره مقام آخر باطل بل حقيقة الإنشاء
بداعي جعل الداعي إنما يكون جعلا للداعي بالفعل إذا أمكن أن يكون داعيا و
باعثا بالفعل فمع ترقب ما ينطبق عليه عنوان موضوع الحكم أو عنوان شرطه لا
يعقل فعليته المساوقة لفاعليته وإن كان الانشاء بداعي جعل الداعي المرتب
على مجيئ زيد محققا لكنه غير موصوف بكونه باعثا بالفعل إلا عند انطباق
332

عنوان الشرط على مطابقه في الخارج، وهذا لا يوجب أيضا أن يكون الأمر
الخارجي بخارجيته شرطا للبعث بما هو بعث بل كونه بحيث ينطبق على مطابقه
بالفعل مصحح لفاعلية الانشاء بداعي جعل الداعي بحيث يكون مصداقا لجعل
الداعي فمقام جعل الشرطية تشريعا غير مقام فعلية الشرطية بفعلية الشرط
المستتبعة لفعلية المشروط كما عرفت.
ودعوى أن البعث على طبق الإرادة ومنها ينبعث ومن الواضح أن الإرادة
النفسانية لا يتقيد إلا بالموجود الذهني، ولا يعقل تقيدها بالموجود الخارجي،
مدفوعة بأن الإرادة ليست من الأفعال ذوات المصالح كي يعقل إناطتها وربطها
بشئ ومباديها بما هي مباديها لا تختلف باختلاف المرادات وليس الكلام فيها
قطعا.
نعم إذا كان المراد في اتصافه بالمصلحة الداعية إلى إرادته موقوفا على شئ
فلا محالة لا يتعلق به الإرادة إلا بعد تحقق ما له دخل في اتصافه بالمصلحة، ولا
معنى حينئذ لكون لحاظه موجبا لإرادة ما أنيط به بداهة أن الموجب لاتصافه
بالعنوان المصحح لإرادته وجوده الخارجي لا الذهني.
نعم بعد تمامية المتعلق من حيث القابلية لتعلق الإرادة به لا بد من تحقق
مبادئ الإرادة المسانخة لها من حيث كونها أمورا واقعة في مرحلة النفس ولو
تنزلنا عن ذلك، وتصورنا إرتباط الإرادة بشئ فلا محالة لا توجد الإرادة إلا بعد
وجود ما أنيطت به، وليس حالها كالبعث حتى يمكن تعليقها فعلا على شئ
استقبالي.
وتوهم إمكان إرادة شئ في ظرف فرض مجيئ زيد لا مطلقا مدفوع بأن
الإرادة التكوينية علة تامة للحركة نحو المراد فمع عدم تحقق المفروض لا يعقل
انقداحها في النفس والإرادة التشريعية، وإن كانت بنفسها علة ناقصة إلا أنها لا بد
من أن تكون بحيث إذا انقاد المأمور لما أمر به كانت علة تامة للمراد.
نعم الشوق المطلق يمكن تعلقه بأمر على تقدير لكنه ليس من الإرادة في
333

شئ بل التقدير بالدقة تقدير المراد لا تقدير الإرادة وإلا لما وجد الشوق
المنوط به لأن تقيد شئ بشئ ليس جزافا، ومجئ زيد لو كان له دخل لكان
في مصلحة المراد أو في مصلحة فعل المريد وهو الايجاب، وأما الإرادة و
الشوق فليسا من الأفعال ذوات المصالح والمفساد بل صفات نفسانية تنقدح في
النفس عقيب الداعي فلا يعقل إناطتهما جعلا بشئ.
ومنه تبين حال البعث الحقيقي فإنه الانشاء بداعي جعل الداعي بحيث لو
مكن المكلف من نفسه كان علة تامة للانبعاث نعم الإنشاء بداعي جعل الداعي
مرتبا على مجئ زيد معقول فإنه في الحقيقة ليس داعيا وباعثا فعلا بل عند
مجئ زيد يتصف بحقيقة الباعثية وبملاحظة هذا الانشاء كلما فرض مجئ زيد
بفرض مصداقية البعث الانشائي للبعث الحقيقي، وكلما تحقق مجئ زيد صار
الانشاء معنونا بعنوان البعث تحقيقا فاتضح مما فصلنا القول، فيه أن البعث
الحقيقي ثابت قبل وجود قيده بثبوت تقديري وبعده بثبوت تحقيقي، والنفي
في كلامه زيد في علو مقامه، هو الثاني لا مطلقا كي ينافي ما ذهب إليه من صحة
الاستصحاب التعليقي وقد مر منا سابقا وسيجئ إنشاء الله تعالى في محله أن
تمام ما بيد المولى في مقام البعث والزجر هو الانشاء بداعي جعل الداعي، وأما
اتصافه بكونه باعثا أو زاجرا بمعنى ما يمكن أن يكون كك فهو غير مقوم لحقيقة
الحكم الذي بيد المولى إيجاده فتوقف اتصافه على وصوله عقلا أو على قيد
أخذ فيه شرعا، وإن كان موجبا لترقي الحكم من درجة الانشاء إلى درجة الفعلية
إلا أنه أمر خارج عما كان أمره بيد المولى والغرض دفع توهم أن هذا المعنى
الانشائي المنطبق عليه البعث التقديري ليس من الحكم الشرعي في شئ وأنه
لا ثبوت للحكم بأي معنى كان.
قوله: أما حديث عدم الاطلاق في مفاد الهيئة الخ: قد عرفت في أوائل
التعليقة أن المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية مع أن وضعها عام والموضوع لها
خاص إلا أن معانيها غير جزئية عينية، ولا ذهنية بل جزئيتها، وخصوصيتها
334

بتفوقها بطرفيها كما أنها غير كلية بمعنى صدقها على كثيرين لأنها لا جامع ذاتي
لها حتى يصدق على أفرادها.
نعم كليتها بمعنى قبولها الوجودات لا محذور فيها لأن القدر المسلم من
خصوصيتها هي الخصوصية الناشئة من التقوم بطرفها فقط لكنه مع هذا كله لا
مانع من تقييدها بمعنى أن البعث الملحوظ نسبة بين أطرافها من الباعث و
المبعوث والمبعوث إليه، ربما لا يكون له تخصص آخر غير ما حصل له عن
أطرافه الثلاثة، وربما يكون له تخصص آخر من قبل ما علق عليه، وإن لم يكن
جامع ذاتي بين النسية الغير المتخصصة بقيد، والمتخصصة به فكون النسبة
البعثية في ذاتها خاصة لا ينافي زيادة تخصص لها من ناحية المعلق عليه وإن لم
تكن النسبة ذات جامع ذاتي يعقل فيه معنى وسيع يصدق على أزيد مما يصدق
عليه ما يندرج تحته فتدبر جيدا بل التحقيق أن المعنى الانشائي وإن كان جزئيا
حقيقيا إلا أنه يقبل التقييد بمعنى التعليق على أمر مقدر الوجود، وإن لم يقبل
التقييد بمعنى تضييق دائرة المعنى فالمراد من الإطلاق عدم تعليق الفرد
الموجود على شئ، ومن البديهي أن المعلق عليه الطلب ليس من شؤونه و
أطواره كي يكون موجبا لتضييق دائرة مفهومه فافهم واستقم.
قوله: مع أنه لو سلم أنه فرد فإنما يمنع الخ: هذا إنما يناسب ما إذا كان
تفرده وجزئيته من ناحية الانشاء، وأما إذا كان نفس المعنى جزئيا حقيقيا كما
ربما يقال فلا إطلاق في حد ذاته كي يقبل إنشائه مقيدا ولعله أشار إليه بقوله
[فافهم] ولا يخفى عليك أن هذا الجواب يندفع به أيضا إشكال عدم قابلية
الطلب للاطلاق والتقييد من حيث إنقلاب المعنى الحرفي إسميا لاستدعائهما
اللحاظ الاستقلالي بالنسبة إلى الطلب. وجه الاندفاع (1) أنه تارة يلاحظ الطلب

1 - وذلك لأن الإطلاق والتقييد ليسا من الأمور القهرية بل من الأمور المتقومة باللحاظ فيتبعان
كيفية لحاظ ذات المعنى فان كان ذات المعنى ملحوظا استقلالا كان إرساله وتقييده كذلك وإن كان
ملحوظا آليا كان إرساله وتقييده كذلك فإنه لا يحتاج الإطلاق والتقييد إلى لحاظ آخر غير لحاظ
المعنى بوجه مخصوص فإنهما من اعتبارات المعنى الملحوظ هذا على القول بعدم كون المعنى
الحرفي في ذاته آليا، وأما على ما هو الحق من كونه كذلك في حد ذاته لا بلحاظه كذلك فالوجه فيه أن
الاتحاد الآلي الذي يكون بين الموضوع والمحمول ربما يلاحظ آليا بما هو، وربما يلاحظ هذا الاتحاد
الآلي في فرض اتحاد آلي آخر مثلا وكذا البعث النسبي الآلي بين المبعوث والمبعوث إليه بما يلاحظ
بما هو من دون اقتران بشئ وبما يلاحظ هذا البعث الآلي النسبي بما هو مقترن بشئ آخر فالكل من
ذات المعنى والخصوصيات التي باعتبارها يكون وجودا وسيعا أو ضيقا آلي ذاتا ولحاظا لما مر مرارا من
أن الآلي بذاته آلى في جميع وجوداته وبتمام اعتباراته. و
أما يقال: من رجوع القيد إلى المادة المنتسبة لا إلى ذات المادة ولا إلى مفاد الهيئة لأن مفاد أداة
الشرط ربط جملة بجملة والمادة معنى أفرادي فلا يكون القيد لذات المادة ولأن مفاد الهيئة معنى حرفي
آلى والتقييد يحتاج إلى لحاظ استقلالي فالقيد راجع إلى نتيجة القضية وهي في قضية " النهار موجود "
وجود النهار وفي قضية " أكرم زيدا " اتصاف الاكرام بالوجوب فالمقيد وجود النهار بطلوع الشمس
واتصاف الاكرام بالوجوب بمجئ زيد فالاكرام المنتسب إليه الوجوب هو المعلق على مجئ زيد فهو
مندفع أولا بأن الإطلاق والتقييد يتقومان باللحاظ أما كونه استقلاليا فلا بل تابعان لما اعتبرا فيه فان
كان استقلاليا فالإطلاق والتقييد كذلك، وإن كان آليا فهما كذلك وقد عفت كيفية الإطلاق والتقييد الآليين
وأنهما نحوان من الاتحاد الآلي أو البعث الآلي فان كثرة الأطراف وقلتها الموجبة لسعة الوجود الآلي
وضيقه لا تنافي الآلية وثانيا أن مفاد الحمل هذا ذاك ونتيجته كون هذا ذاك وأما طلوع الشمس ووجود
النهار فهو مصحح للحمل لا نتيجته ومقتضى قياس الإنشاء بالاخبار أن يكون نتيجة الإنشاء وجوب
الاكرام لا الاتصاف.
وثالثا: أن مفاد القضية الشرطية إذا كان ربط جملة بجملة فلا بد من ملاحظة مفاد الجملتين وربط
أحدهما بالآخر وليس مفادهما إلا نسبة حكمية في الطرفين في الخبرية ونسبة حكمي في طرف ونسبة
بعثية إنشائية في طرف آخر في الجملة الإنشائية لا ما هو غير مذكور لا في الخبرية ولا في الإنشائية.
وبالجملة الإتصاف بنحو المعنى الاسمي غير مذكور ولا قابل لصحة السكوت عليه وبالمعنى
الحرفي قابل للسكوت إلا أنه غير مفاد الجملة بل منتزع عن ورود النسبة البعثية على المادة مضافا إلى
أن المراد من الإتصاف الحرفي إن كان عين النسبة البعثية فلا فائدة في تغيير الاسم وإن كان أمرا
متأخرا عن وود النسبة البعثية فإن كان أحد طرفيه النسبة البعثية فالنسبة لا يعقل أن يكون طرفا وإن
كان الوجوب الاسمي فهو غير مفاد الهيئة ولا أثر في الكلام للوجوب بالمعنى الاسمي ليكون طرفا
للاتصاف مضافا إلى أن الإتصاف الحرفي كالنسبة البعثية أمر آلي ولا فرق بين آلي وآلي في عدم قبوله
للتقيد (منه).
335

الملحوظ بتبع غيره بنحو السعة، وأخرى يلاحظ المعنى الضيق بتبع غيره، وأما
الجواب عنه بالنظر إلى الطلب الانشائي (1) بنظرة ثانية استقلالا فهو إن صح فإنما

1 - كما هو مفاد الجواب الأول عن إشكال جزئية المعنى الحرفي توضيحه أن اعتبار الإطلاق
والتقييد وإن كان اعتبار لا بشرط قسميا واعتباره بشرط شئ فلا حاجة في مقام الثبوت إلى لحاظين
ونظرين إلى ذات المعنى وإلى شأنه وخصوصيته كما لا دخل في هذه المحلة بإفادة ذلك الواحد مرسلا
أو مقيدا بدالين أو أو بدال واحد إلا أن دعوى عدم قابلية المعنى الآلي للإرسال والاشتراط تندفع بعد
الغض عن بطلانها في نفسها بإمكان لحاظ المعنى آليا ثم لحاظه استقلاليا لإناطته بشئ مثلا نعم إذا كان
الآلية بنفس اللحاظ وكان ذات المعنى واحدة في الاسم والحرف كان لازمه إنقلاب الملحوظ الآلي
استقلاليا ومثله لا مانع منه فإنه كما عن بعض المحققين من قبيل خلع صورة وليس صورة أخرى مع
انحفاظ المادة فان ذات المعنى هنا بمنزلة المادة واللحاظ الآلي استقلالي بمنزلة الصورة فورود صورة
على صورة محال أو إنقلاب صورة إلى صورة مع عدم مادة مشترك محال وأما مع ثبوت المادة
المشتركة وخلع صورة وليس صورة أخرى فلا محذور.
وأما إن كان ذات المعنى آلية كما هو الحق فلا يعقل انحفاظها مع ورود اللحاظ الاستقلالي الذي
يتقضيه الإطلاق والتقييد على الفرض ولا مادة مشتركة حتى يكون كالشق الأول لما مر مرارا من أن الغاء
الخصوصيات المقومة لآلية النسبة الحقيقية إخراج لها عن النسبة وهذا هو الانقلاب إلا بورود اللحاظ
الاستقلالي على عنوانه الفاني في معنونه فان الملحوظ حيث أنه عنوان اسمي كعنوان البعث النسبي
فهو قابل لللحاظ الاستقلالي وحيث أنه لوحظ فانيا في معنونه وهي النسبة الحقيقية الملحوظة آليا أو لا
ينصرف الإطلاق والتقييد إليها ويكون نتيجته نتيجة ساير المطلقات والمقيدات الإسمية هذا هو
التحقيق في تعقل الإطلاق والتقييد بالنظرة الثانية إلا أن مقام الإثبات قاصر عن ذلك إذ لا تتضمن القضية
الشرطية إلا ذكر القيد بعد ذكر المقيد في ضمن القيد ليكون دالا على ملاحظة المقيد ثانيا في ضمن
ملاحظة القيد.
وأما ما ذكرناه في الجواب عن النظر إلى الطلب ثانيا فهو مبني على الغض على جميع ما ذكرنا من
المحاذير وإنه لو صح لصح في التقييد بمعنى تعليق الموجود من الفرد على شئ لا تضييق دائرة الطلب
بيانه أن الإطلاق والتقييد بمعنى التوسعة والتضييق ليسا إلا بمعنى ملاحظة المعنى بوجه اللا بشرطية
وبشرط شئ فهما من اعتبارات المعنى باللحاظ الأول وأما الإطلاق والتقييد بمعنى الموجود على
شئ وعدمه فليسا هنا من اعتبارات المعنى بل المفروض إنه تعليق للموجود بحده على شئ فهو
يحتاج إلى نظره ثانية كما أن عدمه لا يحتاج إلى نظر أصلا إلا أنك قد عرفت ما هو الحق حتى على هذا
المبني فتدبر جيدا (منه).
337

يصح في تقييده بمعنى آخر، وأما إطلاقه فليس إلا بانشائه مرسلا بالنظرة الأولي.
قوله: قلت: المنشئ إذا كان هو الطلب الخ: الأولى أن يقال (1) إن

1 - توضيحه أن معنى اتحاد الإيجاد والوجود ليس إلا أن الهوية الواحدة لها نسبتان نسبة إلى
فاعلها ونسبة إلى قابلها فباعتبار الأولي إيجاد الفاعل وباعتبار الثانية وجود القابل ولا يعقل تحقق إحدى
النسبتين من دون تحقق الهوية المزبورة وتلك الهوية سواء كانت حقيقية أو اعتبارية أما متحققة
فالنسبتان كذلك وأما غير متحققة فكذلك النسبتان وعليه فالإنشاء بداعي جعل الداعي كما أن نحو
وجوده الإنشائي عين إيجاده حيث أن الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ وهو نحو من استعمال اللفظ
ويستحيل الإيجاد الإنشائي من دون وجود المعنى الإنشائي لاستحالة الاستعمال مع عدم المستعمل
فيه فعلا في مرتبة وجوده الاستعمالي كذلك من حيث منشئيته للبعث الحقيقي فان إيجاد المعنى
الانتزاعي بوجود منشئه فإيجاد البعث بوجود منشئه يستحيل انفكاكه عن وجود البعث الانتزاعي
بوجود منشئه فإيجاد البعث بوجود منشئه يستحيل انفكاكه عن وجود البعث الانتزاع وكذا الأمر في
الملكية الإعتبارية فان حقيقتها عندنا عين اعتبار الملكية فالهوية الإعتبارية لها نسبة إلى المعتبر فيكون
إيجاد اعتباريا منه ولها نسبة إلى طبيعي الاعتبار المطلق لا يوجد فلا محالة يتقوم بمعنى الملكية
والمفروض عدم الوجود للملكية إلا بالاعتبار أولا وآخرا فلابد من تحقق المعنى المعتبر حين تحقق
الاعتبار.
ومما ذكرنا تبين أنه لا فرق بين الإيجاد التكويني والتشريعي من حيث اتحادهما مع الوجود
المناسب لكل منهما فتوهم الانفكاك في عالم التشريع ناش عن عدم الالتفات إلى وجه الاتحاد وكيفية
الاعتبار وإن اعتبار الملكية وإن كان عمل النفس إلا أنه يفارق التصور واللحاظ المتعلق بموجود
حقيقي في المتأخر فإنه لا وجود للمعتبر هنا إلا هذا النحو من الوجود فكيف ينفك الإيجاد فيه عن
الوجود.
وأما توهم: لزوم الانفكاك بتقريب أن البعث حيث أنه معلق على شرط أو مرتب على موضوع
غير فعلي فلا بد من أن يكون فعلية وجوده متأخرا وحيث أنه مجعول تشريعي زمام أمره بيد الشارع
فلابد من تعلق الجعل والإيجاد به فعلا وإلا لو وجد بوجود الشرط مثلا لكان من لوازم جوده لا من
مجعولات الشارع (فمندفع) بأن كونه مجعولا تشريعيا لا يقتضى أزيد من كونه موجودا بايجاد منشئه
شرعا ولولا إنشائه بداعي جعل الداعي على تقدير خاص لما وجد في ذلك الفرض فالبعث موجود له
قيام انتزاعي بمنشئه عند حصول ذلك التقدير وله قيامه انضمامي صدورا بتبع قيام منشئه بالشارع وهو
الإنشاء بداعي جعل الداعي على ذلك التقدي فهذا الإيجاد والوجود الانتزاعي منسوب إلى الشارع
بجعله الإنشاء الخاص، هذا كله في البعث الذي ليس حقيقة اعتبارا ابتدائيا من الشارع بل انتزاعي بتبع
منشئه.
وأما الاعتبارات المحضة التي يعتبرها الشارع كالملكية مثلا فلا توجد إلا عند حصول ما جعله
الشارع سببا كالعقد فتكون القضايا المتكفلة لحصول الملكية عند العقد أما أخبارا عن حصول الاعتبار
منه عند تحقق العقد أو إنشاء لاظهار الاعتبار عند تحقق العقد فتدبر (منه).
338

الانشاء إذا أريد به ما هو من وجوه الاستعمال فتخلفه عن المستعمل فيه محال
وجد البعث الحقيقي أم لا؟ وإذا أريد به إيجاد البعث الحقيقي، وهو الملازم
للوجود فالجواب عنه أن الاثبات ملازم للثبوت المناسب له، وما هو الثابت فعلا
هو البعث بثبوت فرضي تقديري حيث جعل المرتب عليه واقعا موقع الفرض و
التقدير وإثبات شئ كك لا يتخلف عن الثابت بذاك النحو من الثبوت، وأما
ثبوت البعث تحقيقا فيتبع ثبوت المرتب عليه تحقيقا، والانشاء لا يكون مطابقا و
مصداقا فالاثبات البعث تحقيقا إلا بعد ثبوته تحقيقا فلا إثبات كك كي يلزم
التخلف.
قوله: كالاخبار به بمكان من الامكان الخ: فان الاخبار أيضا فعل تكويني
من المخبر كالانشاء من المنشئ، فكما لا ينافي كون المخبر به أمرا تعليقيا كك
339

الانشاء، ويمكن أن يقال إن ما يقتضيه عنوان الاخبار اتصاف متعلقه بكونه مخبرا
به لا ثبوت مطابق المخبر به فعلا بخلاف الانشاء بمعنى إيجاد البعث فإنه يقتضي
وجود البعث لتلازم الإيجاد والوجود.
لا يقال: لو كان اتصاف متعلق الحكاية والاخبار بعنوان كونه محكيا عنه و
مخبرا به مطلاق لا مقيدا لزم كذب القضية الشرطية مع كذب أحد الطرفين مع أن
الشرطية صادقة ولو مع كذب الطرفين، ولذا ذهب علماء الميزان إلى أن مفادها
إثبات الملازمة فلا مناص من أحد أمرين إما ما التزم به علماء الميزان، أو جعل
المخبر به بما هو كك مقيدا فيكون التنظير بالاخبار صحيحا.
لأنا نقول: بعد ما عرفت سابقا أن شأن أداة الشرط جعل متعلقهما واقعا موقع
الفرض والتقدير فيكون المعلق عليه أيضا مفروض الثبوت تعرف أنه لا يدور
صدق الشرطية على أحد الأمرين بل الحكاية مطلقة لكن المحكي عنه أمر
مفروض الثبوت إما بفرض عقلي، أو بفرض وهمي، وموطن النسبة هو الخارج
الفرضي التقديري لا الخارج بقول مطلق ليلزم الكذب مع عدم تحقق المقيد كما
يلزم في مثل " زيد يجيئ " بعد مجيئ عمرو، كما يتوهم رجوع الشرطية إلى
مثله بناء على عدم تقيد المخبر به بما هو كك لا أن الفرض والتقدير قيد الأخبار
واتصاف متعلقه بكونه مخبرا، به وأما عدم تقيد الأخبار دون المخبر به فغير
معقول لأن الاخبار يصحح عنوان المخبر في الفاعل وعنوان المخبر به في
متعلق الخبر، وعنوان المخبر مع المخبر به متضائفان متكافئان، ومبدء العنوانين
واحد مضافا إلى عدم مساعدة القضية اللفظية بداهة هذه العناوين خارجة عن
مفادها كما لا يخفى.
قوله: كك يمكن أن يبعث إليه معلقا الخ.
فان قلت: هذا في البعث والتحريك وأما في الإرادة النفسية فلا حيث أنها
ليست من الافعال كي تنبعث عن مصلحة في نفسها زيادة على مصلحة متعلقها
فلا محالة إذا كان المتعلق ذا مصلحة تامة كما هو المفروض تعلقت به الإرادة
340

القلبية التي هي روح الحكم وإن لم يمكن البعث لمانع عنه.
قلت: ليست المحبة أو الميل والشوق إرادة مطلقا بل الشوق المتأكد
المحرك للعضلات نحو الفعل في الإرادة التكوينية، ونحو البعث والتحريك في
الإرادة التشريعية فكما أنه مع المانع عن تحقق المراد خارجا لا يتحقق الشوق
المحرك للعضلات نحو المراد في الإرادة التكوينية مع الشوق التام، إلى المراد
كك مع المانع عن البعث المحصل للمراد لا يتحقق الشوق المحرك نحو البعث و
التحريك فليس مطلق الشوق إرادة لا تكوينا ولا تشريعا.
قوله: ضرورة أن التبعية كك الخ: قد مر منا سابقا أن الإنشاء إذا كان
بداعي البعث صح أن يكون بعثا فعليا وإلا فلا ينقلب عما هو عليه فالحكم
الواقعي إن كان إنشاء لا بداعي البعث فلا يبلغ درجة الفعلية البعثية أبدا، وإن كان
انشاء بداعي البعث فتبعيته لمصلحة الفعل تبعية المقتضى للمقتضى لا تبعية
المعلول للعلة التامة فيمكن أن يكون هناك مفسدة مانعة عن البعث الفعلي، أو أن
يكون هناك بعث آخر بالأهم وإن لم يشترط ثبوت مصلحة فيه زيادة على
مصلحة الفعل وحينئذ فالبعث المطلق له مانع، والبعث المعلق على عدم المانع
لا مانع منه فالوجه في صحة البعث التعليقي ذلك لا كون التبعية في غير مقام
الفعلية لأن الانشاء بداعي البعث مطلقا واقعا عين البعث الفعلي، ولا بداعي
البعث ليس من مراتب الحكم الحقيقي.
قوله: وهل هو إلا طلب الحاصل الخ: بل الألزام بتحصيله مناف (1)

1 - فان التسبيب إلى إيجاده مع فرض حصوله بطبعه لا بتسبيب منه متنافيان لا أن الإيجاد في
فرض الوجود مرجعه إلى إيجاد الموجود لأن إيجاده تحقيقا ينافي وجوده تحقيقا لا وجوده فرضا وأما
طلب الحاصل فغير لازم لا في مقام التعلق ولا في مقام الإتصاف ولا في مقام الامتثال: أما في مقام
التعلق فواضح إذ المفروض عدم توقف البعث والطلب على ذلك القيد لفرض أخذه قيدا للمادة فلا يلزم
من تعلق البعث به طلبه بعد وجوده.
وأما في مقام الإتصاف فان مقام الإتصاف بأن الفعل واجب هو محلة تعلق الطلب به لكنه مع
تأخر رتبة الاتصاف عن رتبة التعلق وإذا لم يتوقف تعلق لأطلب على القيد لا يتوقف اتصاف الفعل
بالعنوان الانتزاعي من الفعل على قيده.
وأما في مقام الامتثال ومقام التطبيق فالفعل وإن لم يكن مطابقا للواجب إلا عند تحقق قيده لكنه لا
يترقب من هذه المرحلة طلب شئ حتى يكون طلب الحاصل بل الغرض تعلق الطلب بالقيد عند تعلقه
بذات المقيد فان القيد الذي يكون مطلوبا أيضا لا يتعلق الطلب به بعد حصوله (منه).
341

لشرطية حصوله بطبعه.
قوله: نعم على مختاره قده لو كانت الخ: نعم لازم تجرد الطلب وإن كان
ذلك إلا أنه قده مع ذلك لا يلتزم بذلك نظرا إلى أن إنشاء الطلب على تقدير. وان
كان لا يقتضي تقيد الطلب به ثبوتا وإثباتا إلا أن الطلب غير منجز أي ليس بحيث
يجب البدار إلى امتثاله له فالفرق بين الواجب المطلق (1) والمشروط عنده قده
ليس بتحقق حقيقة الوجوب في الأول دون الثاني، كما هو ظاهر القضية الشرطية
بل تنجز الطلب المحقق في الأول دون الثاني، والبرهان المنقول في الكتاب في
الاشكال على قيدية القيد للطلب لبا ليس في مقام إنكار الواجب المشروط بل
في مقام إنكار الواجب المعلق نظرا إلى أن الإرادة المنبعثة عن المصلحة القائمة
بالفعل لا على تقدير إرادة مطلقه والمنبعثة عن المصلحة القائمة بالفعل على
تقدير إرادة مشروطة ولا يعقل شق ثالث كي يكون معلقا وحيث إن الإرادة

1 - فكما أن القائل بالواجب المشروط مع رجوع القيد إلى مفاد الهيئة ربما يقول بأن الوجوب فعلي
في هذا الفرض لكنه لا فاعلية له قبل حصول المفوض كما تقدم توهمه عن بعضهم في أول الواجب
المشروط كذلك الشيخ - قده - يرى أن الطلب له مرحلتان مرحلة الفعلية ومرحلة الفاعلية ويشترك
المطلق والمشروط في الفعلية دون الفاعلية وليس هذا قولا بالمعلق لأن القائل به يعتقد فعليته ولذا
يقول بلزوم المبادرة إلى إتيان مقدمته فجوع القيد إلى المادة عنده - قده - يصحح فعلية الطلب دون
فاعليته وقد تقدم وسيجئ أن فعلية البعث والطلب مساوقة لفاعليته، فأما لا فعلية وأما له الفعلية
والفاعلية معا فيصح أن يورد على الشيخ - قده - بأنه على فرض الفعلية لا بد له من الإلتزام بالفاعلية كما
يقول به القائل بالمعلق لا أن ما إلتزام بالمعلق فتدبر (منه).
342

المنبعثة عن المصلحة في الثانية غير منجزة لا يجب البدار إلى امتثالها فلذا أشكل
الأمر في المقدمات التي يجب البدار إلى تحصيلها مع عدم كون ذيها كك فمجرد
حالية الطلب في المشروط لا يجدي في وجوب تحصيل المقدمات منجزا، ولذا
إلتزام قده في وجوبها بالحكم العقلي من غير جهة الملازمة كما يظهر بالمراجعة
إلى كلمات غير واحدة من تلامذته قدست أسرارهم.
قوله: بل من باب استقلال العقل بتنجز الاحكام الخ: قد ذكرنا في
محله (1) أن لزوم الفحص عقلا بملاحظة أن الاقتحام في الفعل والترك للملتفت
إلى أنه غير مهمل من دون الفحص والبحث عن أوامر مولاه ونواهيه مع أن أمره
ونهيه لا يعلم عادة إلا بالفحص والبحث عنه، خروج عن رسم الرقية وزي
العبودية فيكون ظالما لمولاه فيستحق العقوبة إلا أن الاحتمال لا يزيد على العلم
من حيث المنجزية للحكم فكما أن العلم بالتكليف المشروط قبل حصول شرطه
يوجب تنجزه في وقته وعند حصول شرطه مع بقائه على شرائط فعلية وتنجزه
عند حصول شرطه فلذا لا عقاب على مخالفته مع عروض الغفلة عنه عند
حصول شرطه كما لا يجب إبقاء الالتفات العلمي والتحفظ على عدم النسيان و
الغفلة عنه كك الاحتمال أنما يوجب تنجزه في وقته مع بقائه على صفته
الالتفات إلى حين تنجز التكليف، ولا يجب إبقائه بالتحفظ على عدم الغفلة
المانعة عن الفحص، والبحث عنه.
ودعوى كفاية التمكن في الجملة ولو قبل حصول الشرط لأن ترك الواجب
بسببه اختياري لانتهائه إلى الاختيار مدفوعة بأنه لو تم لزم القول به في جميع

1 - لا يخفي أن برهان لزوم الفحص يناسب تحصيل المعرفة بالحكم بموضوعه إلا أن المعرفة
ليست مقدمة وجودية لذات الواجب والتعلم للقرائة مثلا مقدمة وجودية إلا أن لزومه أجنبي عن لزوم
الفحص، وبرهانه وبقية الكلام من حيث الوجه في لزوم الفحص ومن حيث عدم الفرق بين الواجبات
المطلقة والمشروطة ومن حيث كفاية التمكن في الجملة ولو مع حصول الغفلة فقد فصلنا القول فيها في
حواشي البراءة (منه).
343

المقدمات الوجودية قبل حصول شرطه فلا وجه لتخصيص الحكم العقلي
بالمعرفة كما يقول به شيخنا العلامة الأنصاري - ره - على ما حكى عنه وتمام
الكلام في محله.
قوله: كما هو الحال في ما إذا أريد منها المطلق الخ.
فان قلت: ما الفرق بين إفادة المطلق على مسلكه قده، وإفادته على مسلك
شيخنا العلامة الأنصاري - قده - حيث جعله من باب تعدد الدال والمدلول على
مسلكه - ره - دون مسلكه قده كما هو ظاهر العبارة.
قلت: حيث إن الشيخ قده يرى وضع الهيئة لشخص الطلب فلا اطلاق ولا
تقييد عنده حتى يحتاج إلى دالين بخلاف شيخنا - قده - فلا تغفل.
" الواجب المعلق والمنجز "
قوله: لا من استقبالية الواجب فافهم الخ: لا يخفى عليك أن انفكاك
زمان الوجوب عن زمان الواجب هو المصحح لوجوب المقدمة قبل زمان ذيها لا
مجرد فعلية الوجوب ولو مع اتحاد زمانه، وزمان الواجب فيصح تقسيم الواجب
إلى ما يتحد زمانه مع زمان وجوبه فلا تكون مقدمته واجبة قبل زمانه، وإلى ما
يتأخر زمانه عن زمان وجوبه فيمكن وجوب مقدمته قبله، ولعله إليه أشار - ره -
بقوله [فافهم] فوجوب المقدمة حينئذ وإن كان معلولا لوجوب ذيها لكنه باعتبار
تقدمه على زمان ذيها بحيث لولاه لما أمكن سراية وجوب ذيها إليها.
قوله: فيه أن الإرادة تتعلق بأمر متأخر الخ: تحقيق المقام يظهر بالتأمل
في حقيقة الإرادة التكوينية وكيفية تأثر القوة العاملة المنبثة في العضلات من
الشوق الحاصل من القولة الشوقية المسماة بالباعثة مع أنها من كيفيات النفس و
بين الموطنين من التباين ما لا يخفى.
فنقول: سر هذا التأثير والتأثر أن النفس في وحدتها كل القوي فهي مع
344

وحدتها ذات منازل ودرجات ففي مرتبة القوة العاقلة مثلا تدرك في الفعل فائدة
عائدة إلى جوهر ذاتها أو إلى قوة من قواها، وفي مرتبة القوة الشوقية ينبعث لها
شوق إلى ذلك الفعل فإذا لم يجد مزاحما ومانعا يخرج ذلك الشوق من حد
النقصان إلى حد الكمال الذي عبر عنه تارة بالاجماع، وأخرى بتصميم العزم، و
ثالثة بالقصد والإرادة فينبعث من هذا الشوق البالغ حد نصاب البعثية هيجان
في مرتبة القوة العاملة فيحصل منها حركة في مرتبة العضلات فهذه كلها درجات
النفس ومنازلها وكل هذه المراتب مراتب حركة النفس من منزل إلى منزل، ومن
درجة إلى درجة ومن الواضح أن الشوق وإن أمكن تعلقه بأمر استقبالي إلا أن
الإرادة ليس نفس الشوق بأية مرتبة كان بل الشوق البالغ حد النصاب بحيث
صارت القوة الباعثة باعثة بالفعل وحينئذ فلا يتخلف عن انبعاث القوة العاملة
المنبثة في العضلات، وهو هيجانها لتحريك العضلات الغير المنفك عن حركتها
ولذا قالوا إن الإرادة هو الجزء الأخير من العلة التامة لحركة العضلات فمن يقول
بامكان تعلقها بأمر استقبالي إن أراد حصول الإرادة التي هي علة تامة لحركة
العضلات إلا أن معلولها حصول الحركة في ظرف كذا فهو عين انفكاك العلة عن
المعلول، وجعله بما هو متأخر معلولا كي لا يكون له تأخر لا يجدي بل أولى
بالفساد لصيرورة تأخره عن علته كالذاتي له فهو كاعتبار أمر محال في مرتبة ذات
الشئ فهو أولى بعدم الوجود من غيره.
وإن أراد أن ذات العلة وهي الإرادة موجودة من قبل: إلا أن شرط تأثيرها وهو
حضور وقت المراد حيث لم يكن موجودا ما أثرت العلة في حركة العضلات.
ففيه أن حضور الوقت إن كان شرطا في بلوغ الشوق حد النصاب وخروجه
من النقص إلى الكمال فهو عين ما رمناه من أن حقيقة الإرادة لا يتحقق إلا حين
إمكان انبعاث القوة المحركة للعضلات وإن كان شرطا في تأثير الشوق البالغ حد
النصاب الموجود من أول الأمر فهو غير معقول لأن بلوغ القوة الباعثة في بعثها
إلى حد النصاب مع عدم انبعاث القوة العاملة تناقض بين، بداهة عدم انفكاك
345

البعث الفعلي عن الانبعاث وعدم تصور حركة النفس من منزل إلى منزل مع
بقائها في المنزل الأول.
توضيحه أن الجزء الأخير من العلة لحركة القوة العاملة لا بد من أن يكون أمرا
موجودا في مرتبة النفس وذلك لا يمكن أن يكون طبيعة الشوق لامكان تعلقها
بما لا يقع فعلا بل بالمحال فلا بد أن تكون مرتبة خاصة من الشوق أو صفة أخرى
بعد الشوق بحيث لا تتعلق تلك المرتبة أو تلك الصفة بما ينفك عن انبعاث القوة
العاملة فعلا فضلا عن المحال.
وقد ذكرنا سابقا أن الشرط إما متمم لقابلية القابل أو مصحح لفاعلية الفاعل،
ومن البين أن دخول الوقت خارجا ليس من خصوصيات الشوق النفساني حتى
يقال هذا الشوق الخاص فاعل دون غيره، وكذا وجوده العلمي فلا معنى لأن
يكون دخول الوقت مصححا لفاعلية الشوق، وكذا القوة المنبثة في العضلات تام
القابلية لا يكون دخول الوقت متمما لقابليته.
نعم يكون متمما لقابلية الفعل لتعلق القدرة والشوق به. مضافا إلى أن الإرادة
تفارق سائر الأسباب فان الأسباب الآخر ربما يكون وجودها مقام ولتأثيرها مقام
آخر فيتصور اشتراط تأثيرها بشئ دون وجودها بخلاف الإرادة فان الميل
النفساني والاشراف على الفعل معنى لا ينفك فيه ذات الميل عن كونه ميلا و
الميل النفساني يوجب الميل الطبيعي إلى الحركة فميله في النفس لو لم يكن
مميلا للطبيعة نحو الحركة لا يعقل وجوده، كما أن ميل الطبيعة عين هيجانها
بالقبض البسط، فهيجان القوة العضلاتية وعدم القبض والبسط غير معقول،
هذا إذا قلنا بأن تأثير الإرادة في ميل الطبيعة بنحو الاقتضاء والسببية.
وأما إذا كان بنحو الاعداد لتبائن هيجان القوة الجسمانية مع الصفة النفسانية
فيستحيل ترشح أحدهما من الاخر فلا محالة يكون دخول الوقت مثلا إما معدا
للإرادة، وهو المطلوب، أو معدا في عرض الإرادة ومع عدم تعدد الجهة في
الميل الطبيعي يستحيل تعدد المعد عرضا أو كلاهما معد واحد، والوجدان على
346

خلافه لأن المناسب للميل الطبيعي وهيجان القوة، ميل النفس وهيجانها فلا
دخل لدخول الوقت إلا أنه معد للمعد إذ الفعل ما لم يتم قابليته لم يتعلق به
القدرة والإرادة فاتضح أن مجرد الشوق المتعلق بأمر استقبالي ليس عين الإرادة
الباعثة للقوة المنبثة في العضلات نحو تحريكها، ومما يشهد له أن الشوق
المتقدم ربما يتعلق بأمر كلي كما هو كك غالبا، مع أنه غير قابل لتحريك
العضلات نحو المراد، بداهة استواء نسبته إلى الافراد المتصورة لهذا الكلي
فعليته لبعض الافراد تخصيص بلا مخصص وهو محال.
وأما ما في المتن من لزوم تعلق الإرادة بأمر استقبالي إذا كان المراد ذا
مقدمات كثيرة فان الإرادة مقدماته قطعا منبعثة عن إرادة ذيها، فتوضيح الحال فيه
أن الشوق إلى المقدمة بما هي مقدمة لا بد من انبعاثه من الشوق إلى ذيها لكن
الشوق إلى ذيها لما لم يمكن وصوله إلى حد يتحرك القوة العاملة به لتوقف الفعل
المراد على مقدمات فلا محالة يقف في مرتبته إلى أن يمكن الوصول، وهو بعد
طي المقدمات فالشوق بالمقدمة لا مانع من بلوغه حد الباعثية الفعلية بخلاف
الشوق إلى ذيها، وهذا حال كل متقدم بالنسبة إلى المتأخر فان الشوق شيئا فشيئا
يصير قصدا، وإرادة فكما أن ذات المقدمة في مرتبة الوجود متقدمة على وجود
ذيها كك العلة القريبة لحركة العضلات نحوها مثل هيجان القوة العاملة، وما قبله
المسمى بالقصد والإرادة، وما هو المسلم في باب التبعية تبعية الشوق للشوق لا
تبعية الجزء الأخير من العلة فإنه محال، وإلا لزم إما انفكاك العلة عن المعلول، أو
تقدم المعلول على العلة فافهم جيدا. هذا كله في الإرادة التكوينية.
وأما الإرادة التشريعية فهي على ما عرفت في محله إرادة فعل الغير منه
اختيارا وحيث إن المشتاق إليه فعل الغير الصادر باختياره فلا محالة ليس بنفسه
تحت اختياره بل بالتسبب إليه بجعل الداعي، وهو البعث نحوه فلا محالة ينبعث
من الشوق إلى فعل الغير اختيار الشوق إلى البعث نحوه فيتحرك القوة العاملة
نحو تحريك العضلات بالبعث إليه، فالشوق المتعلق بفعل الغير إذا بلغ مبلغا
347

ينبعث منه الشوق نحو البعث الفعلي كان إرادة تشريعية وإلا فلا، ومن الواضح
أن جعل الداعي للمكلف ليس ما يوجب الدعوة على أي حال إذ المفروض
تعلق الشوق بفعله الصادر منه بطبعه وميله لا قهرا عليه فهو جعل ما يمكن أن
يكون داعيا عند انقياده وتمكينه وعليه فلا يعقل البعث نحو أمر استقبالي إذ لو
فرض حصول جميع مقدماته وانقياد المكلف لأمر المولى لما أمكن انبعاثه نحوه
بهذا البعث فليس ما سميناه بعثا في الحقيقة بعثا ولو إمكانا.
لا يقال: لو كان الأمر كك لما أمكن البعث نحو فعل الشئ في وقته مع عدم
حصول مقدماته الوجودية ضرورة عدم إمكان الانبعاث نحو ذي المقدمة إلا بعد
وجود مقدماته، والمفروض أن البعث إلى مقدساته لا ينبعث إلا عن البعث إلى
ذيها.
لأنا نقول: حيث أن تحصيل مقدماته ممكن فالبعث والانبعاث إلى ذيها
متصفان بصفة الامكان بخلاف البعث إلى شئ قبل حضور وقته فان فعل
المتقيد بالزمان المتأخر في الزمان المتقدم مستحيل من حيث لزوم الخلف أو
الانقلاب فهو ممتنع بالامتناع الوقوعي بخلاف فعل ما له مقدمات غير حاصلة
فان الفعل لا يكون بسبب عدم حصول علته ممتنعا بالامتناع الوقوعي (1) بل

(1) لا يخفي عليك أن الفعل وإن لم يكن بعدم علته ممتنعا بالامتناع الوقوعي إلا أنه بملاحظة
عدم سعة أول الوقت للمعلول وعلته يكون صدوره مع صدور علته ممتنعا بالامتناع الوقوعي للزوم
الخلف والإنقلاب بل التحقيق أن يقال أن الفعل ممكن بالإمكان الاستعدادي فان الامكان الذي هو لازم
القدرة هو الامكان الاستعدادي دون الامكان الذاتي أو الوقوعي فإنهما من لوازم الماهيات وهذا من
لوازم الوجود ووجود القوة المنبثة في العضلات على الأفعال الصلوتية وجود بالقوة لها وتلك الأفعال
ممكنة بالامكان الاستعدادي اللازم لهذه القوة الموجودة وعليه فإذا كان المكلف قادرا على مقدمات
الصلاة وقادرا عليها بلحاظ تلك القولة المتساوية النسبة إلى الأفعال ومقدماتها فالعلة والمعلول كلاهما
ممكن بالإمكان الاستعدادي في أول الوقت وإن كان فعلية المعلول بعد فعلية العلة والانشاء بداعي
البعث ليس بعثا فعليا يلازم فعلية الانبعاث بل هو باعتبار أن وجود الأمر الانتزاعي وجود منشأ
انتزاعه ممكن بالإمكان الاستعدادي وإن كان فعلية هذا الممكن بالإمكان الاستعدادي بالإضافة إلى
ذي المقدمة بعد فعليته بالإضافة إلى المقدمة
. وأما تصحيحه بأن لا مقدور بالواسطة مقدور فتوضيحه أن مورد إطلاق هذه القضية تارة (الظاهر
زيادة قوله " تارة " وقوله " وحينئذ " وإثبات كلمة " وأما " مكان " وأخرى ") مثل الفعل التوليدي الذي لا
مساس للقدرة والإرادة إلا بما يتولد منه فهو مقدور بالعرض، وأخرى مثل ما نحن فيه الذي للقدرة
والإرادة مساس بالفعل وبمقدمته معا وحينئذ فأصل وساطة القدرة لثبوت قدرة أخرى مع وجود القوة
المنبثة في العضلات المتساوية النسبة إلى الفعل ومقدمته لا وجه له، وأما وساطة المقدمة للقدرة على
ذيها فلو تمت لرجعت المقدمات الوجودية إلى الوجوبية، فالصحيح ما ذكرنا من كفاية الإمكان
الاستعدادي بالإضافة إلى الفعل ومقدماته فإذا تم الإمكان الاستعدادي من ناحية المكلف صح جعل ما
يمكن أن يدعو بالإمكان الاستعدادي وإلا فلا، فالفعل المتقيد بالزمان المتأخر غير مقدور عليه قبله فهو
غير ممكن بالإمكان بالاستعدادي من ناحية المكلف حتى يصح جعل الداعي بالامكان من قبل المولى
بخلاف المقدور بجميع مقدماته (منه).
348

ممتنع بالغير. والامكان الذاتي، والوقوعي، محفوظ مع عدم العلة وإلا لم يكن
ممكن أصلا لأن العلة إن كانت موجودة فالمعلول واجب، وإن كانت معدومة
فالمعلول ممتنع فمتى يكون ممكنا وملاك إمكان البعث وقوعيا إمكان الانبعاث
وقوعيا بامكان علته لا بوجود علته من دون فرق بين أن تكون العلة بسيطة دفعية
أو مركبة تدريجية فان كون هذا الزمان زمان وجود العلة ومعلولها أمر ممكن، و
كذا كونه آخر زمان انتهاء تدرجية العلة مساوق لوجود معلولها أيضا ممكن وعدم
وجود العلة رأسا لا ينافي في إمكانها وإمكان معلولها فعلا.
لا يقال: فكيف حال الفعل المركب من أمور تدريجية الوجود فان الانبعاث
نحو الجزء المتأخر في زمان الانبعاث نحو الجزء المتقدم غير معقول، ومع ذلك
فالكل مبعوث إليه ببعث واحد في أول الوقت مثلا، وكذا الأمساك في مجموع
النهار فان الأمساك في الجزء الأخير غير ممكن من أول النهار مع أن البعث إلى
الأمساك في مجموع النهار متحقق في أول النهار.
349

لأنا نقول: الانشاء بداعي البعث وإن كان واحدا وهو موجود من أول الوقت
لكن بلحاظ تعلقه بأمر مستمر أو بأمر تدريجي الحصول كأنه منبسط على ذلك
المستمر، أو التدريجي فله اقتضاءات متعاقبة بكل اقتضاء يكون بالحقيقة بعثا إلى
ذلك الجزء من الأمر المستمر أو المركب التدريجي، فهو ليس مقتضيا بالفعل
لتمام ذلك الأمر المستمر أو المركب بل يقتضي شيئا فشيئا.
ولا يخفى عليك الفرق بين الإرادة التشريعية والتكوينية في إمكان انبعاث
الإرادة إلى المقدمات في الثانية قبل تمامية الإرادة بالنسبة إلى المراد المتأخر و
لو كان تأخره لأجل تقيده بزمان متأخر دون الإرادة التشريعية مع أن البعث بنفسه
مقدمة لحصول فعل الغير، ولا فرق في إمكان تعلق الإرادة بالمقدمة قبل إرادة
ذيها بين مقدمة ومقدمة، والفارق أن البعث أنما يكون مقدمة لحصول فعل الغير
إمكانا إذا ترتب عليه الانبعاث وخرج من حد الامكان إلى الوجوب بتمكين
المكلف به، وانقياده وحيث إنه متقيد بزمان متأخر غير حالي فلا يعقل الانبعاث
فكذا البعث فلا مقدمية للبعث إلا في صورة اتصافه بامكان الباعثية نحو الفعل
فعلا، وفي مثله يصح تعلق الإرادة به من قبل إرادة فعل الغير اختيارا، ومن جميع
ما ذكرنا اتضح أنه لا يعقل تعلق الإرادة بحدها بأمر استقبالي، وكذا تعلق البعث
به.
قوله: وقد غفل عن أن كونه محركا نحوه يختلف الخ: قد عرفت مما
مر انفا أن الشوق إلى كل شئ يحرك العضلات نحوه بحده، ولا يعقل أن يتعلق
الشوق بشئ، وتكون الحركة إلى غيره وإن كان من مقدماته.
نعم ينبعث من هذا الشوق شوق إلى مقدماته لأنها وإن لم تكن ملائمة للنفس
بنفسها إلا أنها ملائمة لها بتبع ملائمة ذيها.
فان قلت: لو تم هذا لتم في غير الأفعال التوليدية حيث أنه لابد فيها من
إرادة محركة للعضلات زيادة على وجود المقدمات.
وأما الافعال التوليدية فهي تحصل بعد وجود مقدماتها قهرا بلا إرادة متعلقة
350

لها بعد حصول مقدماتها فإرادة الإحراق تحرك العضلات نحو الألقاء في النار إذ
لا فعل آخر للعضلات كي يتعلق به شوق آخر، واجتماع إرادتين على فعل واحد
ذي عنوانين لا معنى له.
قلت: إن كان الفعل التوليدي منطبقا على ما يتولد منه بأن يكون الإحراق
عين الالقاء في النار المترتب عليه الحرقة وجودا فلا إشكال إذ الشوق الكلي إلى
الإحراق يتخصص بالشوق الجزئي إلى الالقاء في النار وإن كان فعلا آخر في طول
ما يتولد منه كما هو الحق، لاتحاد الوجود والايجاد ذاتا واختلافهما اعتبارا، و
من الواضح مبائنة وجود الحرقة مع الالقاء فكيف يكون الألقاء عين الإحراق
الذي هو إيجاد الحرقة بل الحرقة أثر الالقاء فهو المحرق بالذات لمكان محققيته
للمماسة التي هي شرط تأثير النار والشخص محرق بالتبع نظير قيام الضرب باليد
فإنها الضاربة بلا واسطة، والشخص ضارب بها فحينئذ نقول إن الشوق المحرك
للعضلات منبعث عن الشوق إلى الإحراق لا أن الشوق إلى الإحراق بنفسه يحرك
العضلات نحو الالقاء، لبداهة أن الشوق إلى شئ لو كان محركا لكان محركا
للعضلات نحوه لا نحو شئ آخر، ولو كان مقدمته والشوق المتعلق بالأحراق و
إن لم يتصف بالمحركية للعضلات إلى الاخر، لكنه غير ضائر لأن التعريف
بالمحرك للعضلات أنما وقع في مقام بيان مبادئ الحركات المترتبة على
العضلات لا في مقام بيان الإرادة مطلقا، كيف والشوق العقلي الباعث على
تحصيل المطالب العقلية الكلية شوق وإرادة باعثة في مرتبة التعقل مع أنه ليس
هناك حركة العضلات، وإن كان هناك حركة فكرية.
والتحقيق أن الحب والشوق وإن كان يتعلق بالفعل التوليدي والتسبيبي إلا
أن الإرادة وهي الصفة التي بها يقوم الانسان بصدد إيجاد ما هو من أفعاله فلا
يعقل تعلقها إلا ما هو من أفعاله القائمة به سواء كان له مساس بقواه الباطنية
كالتعقل للعاقل، وتصور المعاني الجزئية للوهم أو تصور الصور الجزئية للخيال،
أو بقواه الظاهرة وبالحركات الأينية والوضعية. واما الإحراق فهو مترشح من
351

النار، وله القيام بها قيام صدور، وبالمحترق قيام حلول بلحاظ مبدئه، ولا قيام
للمعلول بمعده، ولا بشرطه، والقائم بالانسان نفس الالقاء الذي هو من حركات
عضلاته وهو اعداد منه لوجود الحرقة فايجاده لها بنحو الأعداد بالقائه فهذا هو
الذي يكون له بنفسه مساس بالشخص، ويكون متعلق قدرته وإرادته، وليس هو
في الحقيقة إلا الالقاء الخاص الذي يترتب عليه وجود الحرقة ترتب المعلول
على معده فهذا هو متعلق الإرادة لا الفعل المتولد منه الذي ينسب إليه بنحو من
النسبة كما ينسب إليه القدرة بنحو من العناية كما سيأتي إنشاء الله تعالى، ولا
ينافي صحة تعلق التكليف بالفعل التوليدي نظرا إلى إمكان تعلق الشوق به بنحو
يؤثر في إرادة ما يتولد منه حقيقة كما سيجيئ إنشاء الله تعالى.
قوله: والجامع أن يكون نحو المقصود الخ: بل هي المقصودة تارة، و
إلى المقصود أخرى إلا أن يكون العبارة بنحو المقصود لا نحو المقصود كي يكون
بمعنى إلى.
والتحقيق أن حركة العضلات تارة بمعنى حركة القوة المنبثة فيها بنحو
الارخاء والامتداد أو بنحو التشنج والانقباض لجلب الملائم في الأول ودفع
المنافر في الثاني، وأخرى بمعنى الحركات الأينية والوضعية المترتبة على
الأعضاء والجوارح، من المشي والقيام والقعود والضرب ونحوها فالحركة
الأولى نحو المقصود وهو الضرب والمشي مثلا سواء كان مقصودا بالذات أو
مقدمة لتحصيل شئ آخر إلا أن العبادة غير منطبقة على ذلك لظهورها في
ايجاد الحركة نحو المقصود مع قوله ره قبله كحركة نفس العضلات إلى آخره.
قوله: مع أنه لا يكاد يتعلق البعث إلا بأمر متأخر الخ: قد عرفت في
تضاعيف ما قدمناه أن البعث علة لانبعاث المأمور به نحو المقصود عند انقياده و
تمكينه فان الداعي إلى البعث ليس إلا جعل الداعي للمأمور تحصيلا لفعله
الاختياري الملائم للباعث فلابد من أن يكون بحيث إذا انقاد المأمور حصل منه
الانبعاث بسبب البعث، ومجرد علية البعث للفعل لا يقتضي تأخر زمان العمل
352

بل الأصل فيه المقارنة ففي أي زمان فرض فيه البعث يمكن فرض الانبعاث به
عند الالتفات، وأما تأخر الانبعاث خارجا بل انفكاكه أصلا عن البعث فهو غير
ضائر لأن مضائف البعث الامكاني هو الانبعاث إمكانا لا خارجا.
قوله: غاية الأمر يكون من باب الشرط المتأخر الخ: تحقيق المقام أن
القدرة في الإرادة التكوينية شرط مقارن لها، ولذا قالوا " إن نسبة الإرادة إلى القدرة
نسبة الوجوب إلى الامكان " بمعنى أن حركة العضلات بالنسبة إلى القوة المنبثة
في العضلات وهي القدرة التي بسببها يتصف الفاعل بكونه قادرا على الحركات
الخاصة ممكنة الصدور، وبالإرادة تخرج من حد الامكان إلى الوجوب فما لم
تكن القوة المنبثة في العضلات، وهي القوة المحركة متحققة لا يتحقق الإرادة
التكوينية الباعثة على هيجان القوة المحركة، وخروج الحركات عن حد الامكان
إلى الوجوب، وإن أمكن تعلق الشوق بها باعتقاد وجود القوة المحركة لكنك
عرفت سابقا أن مجرد الشوق لا يكون إرادة بل ربما قيل بامكان اشتياق المحال.
وأما الإرادة التشريعية فهي وإن لم تكن مخرجة لفعل الغير من حد الامكان
إلى الوجوب بل المخرج إرادة الغير لكن الشوق إلى فعل الغير ما لم يبلغ مبلغا
ينبعث منه الشوق الأكيد إلى البعث بنفسه وإن كان إرادة تكوينية لتعلقها بفعل
نفسه لكنه لا يتصف البعث بالباعثية بالامكان إلا إذا كان بحيث لو انقاد المكلف
له لخرج من حد الامكان إلى الوجوب، ولا يعقل خروجه من حد الامكان إلى
الوجوب، إلا إذا كان متعلقه قابلا للخروج من حد الامكان إلى الوجوب بداهة
عدم انفكاك الانبعاث عن البعث إمكانا ووجوبا وامتناعا فالأمر وإن إعتقد قدرة
المأمور، ولذا إنشاء بداعي البعث، وصدر منه الانشاء لكنه لا يتصف بامكان
كونه باعثا إذا اتصف متعلقه فعلا بامكان الانبعاث نحوه، ولا نعني بالبعث
الحقيقي إلا ما يمكن كونه باعثا وداعيا، ومنه اتضح أن القدرة شرط مقارن
للإرادة التكوينية ولما ينتهي إليه أمر الإرادة التشريعية فتدبر.
قوله: بل ينتهي تعميمه إلى أمر مقدور متأخر الخ: يمكن دعوى
353

اندراجه فيما ذكره حيث إن المقدمة وإن كانت مقدورة بذاتها لكنها غير مقدورة
بقيدها لتقيدها بالزمان المتأخر فحصول الواجب موقوف على أمر غير مقدور إما
بذاته كالوقت بالنسبة إلى الواجب أو بقيده كالمقدمة المتقيدة بزمان متأخر.
وأما المقدور المتأخر عن زمان الإيجاب من باب الاتفاق من حيث تقيده به
فالعبارة، وإن كانت قاصرة عن شموله لكنه لا موجب لادخاله تحت المعلق كما
عرفت في طي كلماتنا إلا أن ظاهر الفصول إلحاقه به بل صريح فيه فراجع.
فان قلت: إذا أخذ القيد المقدور على نحو لا يترشح إليه التكليف فهل مجرد
إمكان حصوله ولو لم يحصل يصحح البعث بالفعل نحو الفعل المقيد به أم لا؟ و
لا وجه لعدم توجه البعث بالفعل حيث إنه ليس بمشروط به، وتوجه البعث
نحوه واجب معلق.
قلت: إذا أخذ القيد بطبعه ومن دون تسبيب من المكلف بحيث لو تسبب
إلى إيجاده لم يكن الواجب المقيد به ممكن الحصول فهو لا محالة غير مقدور
لسلب القدرة عنه بالعرض بتقييده بعدم التسبيب إلى حصوله فيكون الواجب
مشروطا لاشتراطه بالقدرة المسلوبة عنه فعلا فلا وجوب إلا بعد حصول القيد
من دون تسبيب منه، وإذا أخذ القيد أعم من حصوله بطبعه أو تحصله بتسبيبه
فالقيد مقدور، ولم لا يجب تحصيله تحصيلا للمتقيد به، غاية الأمر يكون
كالواجب التوصلي من حيث عدم دخل تحصيله بتسبيبه في سقوط التكليف و
أخذ القيد مقيدا بعدم الألزام به من الشارع من قبل هذا الالزام بنفسه محال فلا
يتصور أخذ القيد على نحو لا يكون واجب التحصيل مع عدم كونه قيدا للوجوب
ولو بالمآل كما عرفت.
ومنه تعرف حال ما إذا كان القيد من أفعال نفسه أن معنى أخذه على تقدير
حصوله بطبعه من المكلف هو أخذه مقيدا بعدم تسبيب من الشارع من ناحية
التسبيب إلى المتقيد به وهو محال لتأخر التسبيب المقدمي عن التسبيب النفسي
وهو عن موضوعه فكيف يؤخذ وجودا أو عدما في موضوعه بخلاف ما إذا كان
354

الواجب مشروطا به فإنه ما لم يختر القيد بطبعه لا وجوب للفعل أصلا حتى يلزم
من عدم سراية الوجوب إلى قيده المحذور المترتب على لحاظ عدم تسبيبه إليه
من قبيل التسبيب إلى المتقيد به.
قوله: نعم لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر الخ: لا يخفى
عليك أن الكلام في المقدمات الواجبة قبل زمان فيها فوجوب ذيها وإن كان
حاليا لتحقق شرطه في ظرفه لكنه لا يصح هذا النحو من الإيجاب إلا بناء على
القول بالمعلق إذ المفروض تأخر زمان الواجب عن زمن وجوبه لما عرفت من أن
مورد الاشكال لزوم الاتيان بالمقدمات قبل زمان ذيها فلو أراد قده أن اشتراط
الوجوب لا يستدعي عدم حالية الوجوب فهو كما أفاد - ره -، وإن أراد الاكتفاء
بذلك عن الالتزام بالواجب المعلق فهو غير تام.
فان قلت: لا ينحصر الشرط في الوقت حتى لا يغني الالتزام بالشرط المتأخر
عن الواجب المعلق.
قلت: وإن لم يكن الوقت بنفسه شرطا في جميع موارد الاشكال إلا أن لازم
شرطية غيره أيضا تأخر الواجب عن وجوبه زمانا كما يظهر للمراجع إلى موارد
الاشكال مضافا إلى أن الالتزام بشرطية الوقت في الموقتات بنحو الشرط المتأخر
لا يغني عن الواجب المعلق كما لا يخفى مع أنه سيأتي منه - قده - كفايته عنه، و
أنه لا حاجة إلى الالتزام بالواجب المعلق.
قوله: ضرورة أنه لو كان مقدمة الوجوب الخ: قد عرفت ما في إطلاقه
فيما سبق في أوائل المسألة حيث إن الشرط لو كان بنحو الشرط المتأخر كان
وجوب ذيها قبل وجودها زمانا فلا يلزم من ترشح الوجوب إليها طلب الحاصل
بل المانع ما ذكرناه هناك فراجع.
قوله: لما كان الفعل موردا للتكليف الخ: ينبغي أن يراد منه عدم وقوع
الفعل على صفة المطلوبية عند تحصيله إذ المفروض شرطية حصوله بطبعه و
ميله، والصحيح فيه ما مر من أن الألزام بتحصيله مناف لشرطية حصوله بطبعه.
355

نعم ما ذكره - ره - في ما إذا أخذ بنحو العنوانية للموضوع صحيح إذ لا فعلية
للحكم المرتب على عنوان إلا بعد فعلية ذلك العنوان لكنه واجب مشروط في
الحقيقة وأما إرادة البرهان السابق فمخدوشة بداهة أن التكليف غير مشروط
بحصوله إما لجعله من قيود المادة أو عنوانا للمكلف ولعله أشار - ره - إلى ذلك
بقوله فافهم.
قوله: بل لزوم الاتيان بها عقلا الخ: من باب الحكم العقلي الارشادي
الموجود في كل مقدمة (1) ولو لم نقل بالوجوب الشرعي المعلولي لوجوب ذيها

1 - إلا أنه إنما يصح إذا كان هناك وجوب فعلي لذي المقدمة وإلا فإتيان مقدمة ما لم يكن واجبا
فعليا (يستحق الثواب على فعله في ظرفه ليس ممدوحا بحكم العقل وكذا ترك مقدمة ما لم يكن واجبا
فعليا. ظ) يستحق العقاب على تركه في ظرفه ليس قبيحا بحكم العقل.
ودعوى قبح تفويت التكليف ومنع المولى عن استيفاء غرض تشريعا بالبعث بل استكشاف
وجوب المقدمة شرعا منه لا تجدي إذ لو كان تفويت التكليف قبيحا بنفسه كان الذم والعقاب عليه لا
على ترك الواجب في ظرفه بترك مقدمته مع أن تفويت التكليف ومنع المولى عن استيفاء غرضه الراجع
إليه ببعثه غير قبيح عقلا فان البعد القائمة بفعله لا تمكين المولى من استيفاء غرضه القائم بفعل نفسه
والتكليف ليس إلا مقدمة لتحصيل الاغراض المولوية القائمة بفعل العبد فلو لم يكن ذلك الغرض
المولوي القائم بفعل العبد لازم التحصيل لم يكن دفع التكليف قبيحا بالعرض، ومنه علم أنه لا موجب
لاستكشاف الوجوب الشرعي بالنسبة إلى المقدمة.
كما أن دعوى تنجز وجوب ذي المقدمة مع كونه مشروطا إذا علم بوجود شرطه في ظرفه راجعة
إلى الخلف فان مقتضى شرطية نفس ذلك الأمر فعلية التكليف بفعلية ذلك الأمر لا بالعلم بوجوده في
ظرفه فالصحيح أن يقال أنه إذا علم أن التكليف تام الاقتضاء وإن مصلحة الفعل غير متوقفة على دخول
الوقت بل الفعل الموقت ذا مصلحة أزلا وأبدا لا أنه بعد دخول الوقت يتصف بصيرورته ذا مصلحة فلا
محالة يكون الغرض من الفعل تام الغرضية وتحصيل الغرض التام الغرضية عقلا لازم ولو لم يمكن
التكليف به فعليا بل وإن لم يمكن أصل التكليف به لغفلة المولى وحينئذ كما أن انقاذ ولد المولى لازم
مع غفلة المولى كذلك تهيئة انقاذه اليوم إذا كان يغرق في الغد لازم وكما أن ترك انقاذه اليوم بترك مقدمته
يستحق عليه العقوبة كذلك ترك انقاذه غدا بترك مقدمته المنحصرة اليوم يوجب العقاب.
ومما ذكرنا يتضح أنه لابد أولا من بيان متقض لاستحقاق العقاب على ترك ذي المقدمة حتى
يتوجه أن تركه في ظرفه مستند إلى ترك مقدمته الآن وإن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار لا أن نفس
هذه القضية مصححة للعقاب على ترك ذي المقدمة بترك مقدمته (منه).
356

لكنه لا يترتب عليه الثمرات المترقبة من وجوبها المتنازع فيه إلا أنه - قده - لا
يبالي بذلك كما سيأتي انشاء الله تعالى.
" اشكال لزوم الاتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب "
قوله: لا ينحصر التفصي عن هذه العويصة الخ: قد عرفت عدم كفاية
الالتزام بالشرط المتأخر عن التعلق بالتعليق خصوصا في الموقتات لانفكاك زمان
الوجوب عن زمان الواجب إما مطلقا أو في خصوص الموقتات فلابد من تصور
المعلق. والقول به ومعه فلا مجال للالتزام بشرطية المتأخر أيضا.
وهنا مسلك آخر في دفع الاشكال وهو أن الانسان بالجبلة والفطرة يحب
ذاته، ويحب كل ما يعود فائدته إلى جوهر ذاته، أو إلى قوة من قواه فما يلائم
ذاته وقواه محبوب بذاته، وتصوره والتصديق به تصور المحبوب الذاتي و
تصديق به لا أنه علة للحب ولو بنحو الأعداد، والحب الكلي يتخصص
بالجزئي. وكذا ما هو مقدمة لما يلائم ذاته وقواه محبوب بالتبع، فالتوصل بما هو
توصل محبوب لكونه توصلا إلى ما يلائمه بنفسه فهو ملائم بالتبع فهو محبوب
كك لا أن الحب الذاتي مقتض، أو شرط، أو معد للحب التبعي (1) بل بينهما

1 - ولا علية إلا بأحد هذه الوجوه والكل غير معقول: أما اقتضاء حب لحب أو شوق لشوق أو
وجوب لوجوب فلانه لا معنى لاقتضائه له إلا ترشحه منه ومن الواضح أن صفة الحب والشوق المتعلقة
بشئ لا تكون واجدة إلا لذاتها وذاتياتها فصفة أخرى مماثلة لها غير متعينة بنحو من أنحاء التعين في
مرتبة ذاتها حتى تترشح منها مع أنها متعلقة بشئ خاص ومتقومة وجودا به فكيف يعقل أن يترشح
منها صفة مثلها متقومة وجودا بشئ آخر مبائن لما يتقوم به الأخرى ماهية ووجودا، وواضح من
ذلك الوجوب الذي هو أمر اعتباري بحيث لو أنحل لا نحل إلى وجود اعتباري ومفهوم ولا يترشح
مفهوم من مفهوم ولا اعتبار من اعتبار.
وأما الشرطية والإعداد فلانه لا يفرض شرطية الحب الذاتي وما بعده وكونه معدا أو مقربا للأثر
إلى مؤثره إلا إذا فرض هناك مقتض لوجود الحب التبعي والشوق التبعي والجوب التبعي حتى يكون
الحب الأصلي والشوق الأصلي والوجوب النفسي شرطا مصححا لفاعلية ذاك المقتضى أو مقربا
للمقتضى إلى مقتضيه، وليس ما يتوهم اقتضائه إلا الفائدة المنبعثة عنها الحب والشوق والوجوب
التبعي مع أن اقتضائها لها بوجودها الخارجي محال لترتبها على الفعل المعلول للحب والشوق
والوجوب فكيف يكون مقتضية لتلك الأمور حتى يكون الحب والشوق والوجوب الأصلي شرطا لها أو
معدا لها واقتضائها بوجودها العلمي كذلك لأن تصور الفائدة والتصديق بها علة غائية لا مقتض يترشح
منه تلك الأمور بداهة أن التصور والتصديق لا يترشح منهما تصور وتصديق فضلا عن صفة أخرى
مباينة لها بل التصور والتصديق المتعلقين بالفائدة تصور ما هو محبوب بالفطرة والجبلة فيتخصص
الحب الكلي بالحب الجزئي لا أنه علة لحدوث الحب ونحوه بنحو التأثر والاقتضاء (منه).
357

التقدم والتأخر الطبعيان لأن الحب التبعي لا يمكن إلا عند الحب الذاتي، ولا
عكس، والمحبوب، إذا لم يكن له مزاحم ومانع عن إيجاده في نظر الفاعل وهو
معنى الجزم في قبال التردد ولا محالة يقوم الإنسان بصدده فالحب مع الجزم علة
معدة لفيضان صورة الإرادة في النفس، وقد عرفت سابقا أن الإرادة هو الجزء
الأخير من العلة وهو في المقدمة متقدم على ما هو الجزء الأخير للعلة في ذي
المقدمة، وإذا كان المحبوب الذاتي والتبعي فعل الغير فلا محالة يجب التسبيب
إلى إيجادهما من الغير بجعل الداعي إليهما وإذا فرض أن المقدمة متقدمة
بالوجود الزماني على ذيها فكما أن إرادة الفاعل للمقدمة متقدمة على إرادته
لذيها كك يجب أن يتقدم البعث إليها قبل البعث إلى ذيها فان إيجادها من الغير
كوجودها من الغير مقدم على إيجاد ذيها كوجود ذيها من الغير وإنما يتصف
البعث المقدمي بالتبعية لا من حيث التأخر في الوجود بل من حيث أن الغاية
المتأصلة الداعية إلى التسبيب إلى إيجاد المقدمة من الغير إيجاد ذيها بأسبابه من
358

الغير، ومن جملة أسبابه البعث فذو المقدمة بأسبابه كالعلة الغائية للبعث
المقدمي فاتضح أن لا تبعية في الوجود للبعث المقدمي بمباديه للبعث إلى ذي
المقدمة حتى يرد المحذور، وهو تقدم المعلول على علته بالوجود. وأما محذور
عدم استحقاق العقاب على ذي المقدمة بترك المقدمة حيث لا بعث إليه في
ظرفه لعدم القدرة عليه فيندفع بأن دفع التكليف مع تمامية اقتضائه تفويت
للغرض المعلوم غرضيته وهو خروج عن ذي الرقية فيستحق العقوبة عليه ولو
لم يكن مخالفة التكليف الفعلي بخلاف دفع مقتضى التكليف كعدم تحصيل
الاستطاعة لعدم الحضور والتفصيل في محله.
قوله: فلا محالة يكون وجوبه نفسيا الخ.
لا يقال: ليس التهيأ والاستعداد لايجاب هذه المقدمة من جهة اشتراط
الوجوب به بل من حيث إن الواجب في ظرفه غير مقدور إلا باتيان هذه المقدمة
قبله لو لم تكن حاصله: حاله فمرجع الغرض الداعي إلى إيجابها إلى توقف
الواجب عليها لانحصار مقدمته في المأتي بها قبل زمانه.
لأنا نقول: نعم لا غرض من المقدمة إلا أنها مما يمكن التوصل به إلى واجب
آخر لكن هذا الغرض حيث لم يعقل أن يكون غرضا من الواجب المقدمي
بالوجوب المعلولي إما للزوم تقدم المعلول على العلة أو للزوم إيجاب أمر متقدم
وكان تحصيل الغرض النفسي من الواجب في ظرفه لازما فلذا يجب على
الحكيم إيجاب ما لا يمكن إيجاد الواجب إلا به قبل زمانه مستقلا فهو إيجاب
للغير لا إيجاد غيري، وأما كونه واجبا نفسيا فإنما يصح بناء على أنه ما وجب إلا
لواجب آخر لا على أنه الواجب لغرض نفسي أو لحسن في نفسه فإنه لا غرض
هنا إلا حفظ الغرض في الغير كما أن عنوان التهيؤ ليس من العناوين الحسنة
لكنك عرفت أن الصحيح أن هذا هو الوجوب المقدمي ولا ينافي تبعيته مع
تقدمه على الوجوب النفسي فراجع.
قوله: قدرة خاصة وهي القدرة عليه الخ: فيجب عليه الصلاة المتمكن
359

من تحصيل الطهارة في وقتها فالقدرة عليها قبل وقت الصلاة كالعدم فلا تجب
المقدمة حينئذ بنحو يجب المبادرة إليها قبل وقت ذيها لا أنها لا تجب أصلا إذ
وجوبها غير مشروط بشئ بل الواجب شئ خاص (1) فمع عدم القدرة عليه

1 - إلا أنه فرض محض فان الوضوء الذي هو مورد الكلام ليس مقيدا بالوقت ولا بالقدرة المعمولة
فيه في الوقت ضرورة أنه لو توضأ بغاية صحيحة قبل الوقت تصح الصلاة معه في الوقت ولا قصور في
مقدميته ومنه تعرف أنه لو قلنا بلزوم المقدمة عقلا مع تمامية المصلحة في الواجب لا يمكن الالتزام
معه بعدم لزوم الوضوء قبل الوقت لمن لا يتمكن منه في الوقت مع أنه لا يجب الوضوء في الفرض
المزبور (إجماعا. ظ) نعم لا ينتقض هذا المبني بعدم صحة إتيان الوضوء بقصد الوجوب قبل الوقت
حيث لا يجب الوضوء ولو موسعا (شرعا. ظ) (فان الوجوب الشرعي توقيفي والمفروض أنه لم يرد به
أمر بل حكم به العقل. " شرح ") على المبني كما أنه يصح الالتزام بلزوم إحراز الماء وإبقائه قبل الوقت
لمن لا يتمكن منه في الوقت.
وبالجملة فأما يقال بعدم تمامية مصلحة الواجب إلا بعد دخول الوقت فينافي لزوم التعلم (يعني
تعلم القائة مثلا " شرح ") الذي هو مقدمة وجودية قبل الوقت لمن لا يتمكن منه في الوقت وكذا لزوم
إحراز الماء، وأنا يقال بتماميتها فيصح الالتزام بما ذكر لكنه يستلزم وجوب الوضوء لمن لا يتمكن من
التوضي في الوقت ولا يعقل تمامية المصلحة من جهة مقدمة وعدم تماميتها من جهة مقدمة أخرى.
وأما على سلكناه أخيرا من عدم لزوم تأخر الوجوب المقدمي عن الوجوب النفسي فلا يقتضي
تقدم وجوب المقدمة على وجوب ذيها زمانا مطلقا ليورد عليه ما أورد على مسلك الواجب المعلق من
صحة إتيان الوضوء بقصد الوجوب قبل وقت الواجب ومن لزوم إتيانه لمن لا يتمكن منه في الوقت
وذلك لأن الإيجاب المقدمي حيث أنه إيجاد تسبيبي لأجل إيجاد ذي المقدمة تسبيبا فحاله حال
الإيجاد المقدمي حيث أنه إيجاد تسبيبي لأجل إيجاد ذي المقدمة تسبيبا فحاله حال الإيجاد التكويني
(فكما أنه لا يتمحض الداعي إلى إيجاد المقدمة إلا حيث يكون الشخص في مقام الدعوة إلى إيجاد ذي
المقدمة، وكما أنه إذا لم يمكن الشخص في مقام الدعوة إلى إيجاد ذي المقدمة، وكما أنه إذا لم يمكن
إيجاد ذي المقدمة إلا بإيجاد المقدمة قبل الوقت فلا محالة يوجدها قبل الوقت كذلك لا يمكن إيجاب
ذي المقدمة حينئذ إلا بإيجاب المقدمة قبل الوقت إلا إذا كانت المقدمة ذات بدل عند عدم التمكن
من مبدله في الوقت فحينئذ لا يتمحض دعوة التوصل والتسبيب إلى إيجاد المقدمة قبل الوقت
(فيندفع) المحاذير على هذا المسلك بأسرها إلا محذور وجوب التعلم للقرائة مثلا قبل البلوغ لو قلنا
بوجوبه وغيره من المقدمات الوجودية على غير البالغ أيضا إذا علم بعدم تمكنه بعد البلوغ قطعا إذ يلزم
وجوبه شرعا على غير البالغ بهذا المسلك مع اشتراط التكاليف الشرعية بالبلوغ. " ما بعد الهلالي إلى هنا
ليس منه بل استظهار لبعض الشراح من عبارته قدس سره ".) ولا يتمحض الدعوة إلى المقدمة في حيثية
مقدميتها إلا حيث يكون الشخص في مقام إيجاد ذي المقدمة فلا محالة إذا لم يمكن إيجاد ذي المقدمة
إلا بايجاد المقدمة قبل الوقت يوجدها قبل الوقت وأما مع التمكن منهما في الوقت فلا يعقل دعوة
التوصل محضا إلى إيجاد المقدمة قبل الوقت وعليه فتندفع المحاذير إلا محذور عدم إتيان الوضوء لمن
لم يتمكن منه في الوقت قبله، فهذا المحذور وارد على جميع المباني.
ويمكن دفعه على جميع المباني بأن عدم لزوم التوضي ليس لأجل عدم تمامية مصلحة الواجب
لا لأجل عدم المقدمية بل لأجل عدم كون تركها مفوتا للواجب مع مشروعية التيمم لمن لا يتمكن من
التوضي في الوقت فقط وإن تمكن منه قبلا بخلاف عدم وجدان الماء فإنه يعتب عدم وجدانه مطلقا ولو
قبلا فتدبر جيدا (منه).
360

في وقته ينكشف أنه لا وجوب قبله بخلاف ما لم يعتبر فيه هذه القدرة شرعا فان
القدرة عليه في زمان وجوبه كاف في وجوب المبادرة إليه، والأولى أن يقال إن
المقدمة هو الوضوء مثلا في وقت الصلاة فلا يجدي وجوب المقدمة قبل الوقت
من ناحية وجوب الصلاة لوقوع الوضوء امتثالا للأمر قبل الوقت لئلا ينتقض
بامكان إتيان الوضوء بقصد الوجوب قبل الوقت وإن لم تجب المبادرة لكونه
واجبا موسعا إذا علم ببقاء القدرة في الوقت، وأما تحصيل مقدماته قبل الوقت و
عدمه على مسلكه ره فيدور أمره مدار أخذ التمكن منه بنحو لا يجب تحصيلها و
عدمه فلو أخذ التمكن الحاصل من باب الاتفاق لم يجب تحصيل القدرة عليه
قبل وقته إلا أن لازمه عدم صحة الوضوء في الوقت إذا تسبب إلى تحصيل
مقدماته قبل الوقت وأخذه مطلقا من دون تقييد بالتسبب والاتفاق يوجب
تحصيل المقدمات وإن لم يقع الوضوء على صفة المطلوبية قبل الوقت فتدبر.
361

" دوران الأمر بين إطلاق المادة والهيئة "
قوله: وأما في الثاني فلأن التقييد الخ: لا يخفى أنه لا إطلاق للمادة (1)

1 - ينبغي توضيح صور الشك فنقول: القيد المردد إما أن يكون اختياريا أو غير اختياري فان كان
اختياريا وكان واقعا قيدا للهيئة فلابد من أن يكون مفروض الوجود وإن كان واقعا قيدا للمادة فلابد من أن
يكون لازم التحصيل لما مر منا من البرهان على استحالة أخذ القيد الاختياري في طرف المادة بحيث لا
يترشح إليه التكليف، وإن كان غير اختياري وكان قيدا للهيأة فلابد من أن يكون مفروض الوجود وإن كان
قيدا للمادة فلابد من أن يكون المقيد بما هو واجبا كالزمان الذي يحتمل أن يكون قيدا للهيأة بحيث لا
مصلحة للمادة قبل وجوده فلذا لا بعث قبله ويحتمل أن يكون قيدا للمادة بحيث يكون المادة الموقتة
بوقت كذا ذا مصلحة لا أنها بعد دخول الوقت يكون ذا مصلحة فللدوران صورتان:
أحديهما ما إذا تردد القيد الاختياري بين أن يكون قيدا للهيأة أو للمادة، ولا يخفي أن مقتضى
إطلاق الهيأة عدم اقتران مفادها عند ملاحظتها بوجود القيد ولا بعدمه كما هو مقتضى اللا بشرطية
قسميا وليس عدم وجوب تحصيله من مقتضيات إطلاقها فإنه يستحيل تقيدها بوجوب تحصيله من قبل
هذا الوجوب حتى يكون لها إطلاق من حيث وجوب تحصيله لازم العلم الاجمالي بأنه أما قيد للهيأة
فيكون مفروض الحصول أو قيد للمادة فيكون لازم التحصيل، فنفي كونه مفروض الحصول واقعا يلازم
كونه لازم التحصيل.
وأما إطلاق المادة فمدلوله المطابقي أن الواجب ذات المادة من دون ضميمة في موضوعيتها
للحكم ومدلولها الالتزامي بملاحظة عدم تقيد موضوع الوجوب عدم وجوب القيد وإلا فيستحيل أن
يكون التقيد بوجوب القيد من قبل وجوب المقيد ملحوظا في موضوع الوجوب حتى يكون للمادة
إطلاق من حيث الوجوب وعدمه بالمطابقة، وهل يمكن نفي وجوب القيد باطلاق المادة التزاما بتقريب
سقوط الاطلاقين في مدلولهما المطابقي وعدم المنافي للمدلول الالتزامي من طرف اطلاق المادة فان
مقتضى العلم الإجمالي الموجب لتنافي الاطلاقين هو أن الملحوظ في طرف الهيئة حصة خاصة من
الوجوب أو الملحوظ في طرف المادة حصة خاصة من الصلاة مثلا فيقع التكاذب والتنافي بين
الاطلاقين من هذه الحيثية فلا يمكن التمسك بأصالة الإطلاق في نفي كون الوجوب حصة خاصة
من الوجوب ولا حصة خاصة من الصلاة ويبقي المدلول الالتزامي على حاله فينفي باطلاق المادة
التزاما لا أنه يرجع في نفيه إلى البراءة؟ أو يسقط الاطلاقان مطلقا نظرا إلى العلم الإجمالي بالتقيد بقيد
مفروض الحصول أو لازم التحصيل فهما متكاذبان في هذا المدلول الالتزامي أيضا بسبب العلم
الإجمالي؟ والصحيح هو الثاني لأن مقتضى العلم الاجمالي ابتداء وإن كان هو التقيد الذي مقتضاه كون
الوجوب حصة خاصة أو ذات الواجب حصة مخصوصة إلا أن أحد طرفي العلم بملزومه ولازمه طرف
للاخر فيقع بينهما التكاذب فيتساقطان.
ثانيتهما ما إذا تردد القيد الغير الاختياري بين أن يكون قيدا للهيأة ومفروض الوجود أو قيد للمادة
بحيث يكون المتقيد به بما هو كذلك واجبا وقد عرفت تساقط الاطلاقين لمكان العلم الاجمالي
ونتيجته عدم فعلية الوجوب إلا بعد حصول القيد فلا محالة يكون المأتي به في مقام الامتثال مقربا به
قطعا، وقد ذكر لترجيح إطلاق الهيئة وجوه:
أحدها أن تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادة من دون عكس فينتج أن المادة متيقن التقييد فلا مجال
لأصالة الإطلاق فيها بخلاف تقييد الهيأة فإنه مشكوك فلأصالة الاطلاق فيها مجال.
وتقريبه أن المراد من تقييدهما معا ليس كون الاستطاعة قيدا للهيأة والمادة معا فان كونه مفروض
الحصول مع كونه لازم التحصيل متنافيان وكونه مفروض الحصول لدخله في صيرورة المادة ذات
مصلحة في فرض حصول وكونه غير دخيل في صيرورة المادة ذات مصلحة بل المادة المتقيدة ذات
مصلحة أزلا وأبدا متنافيان، وأيضا ليس المراد من استلزام التقييد كون قيد الطلب يستحيل أخذه فيما هو
متقدم عليه طبعا، وأيضا ليس المراد من الاستلزام أن ذات قيد الطلب قيد للمطلوب بما هو مطلوب في
مرتبة موضوعيته للطلب إذ يستحيل اتصاف ذات المطلوب بكونه مطلوبا في مرحلة موضوعيته حتى
يعقل إطلاقه وتقييده بل المراد من الاستلزام المزبور تقيد ذات المطلوب في مرحلة اتصافه بالمطلوبية
بقيد الطلب قهرا.
توضيحه أن الوجوب إذا تعلق بفعل فان كان الوجوب مطلقا فذات الفعل يتصف بعنوان الواجب
مطلقا وإن كان مقيدا فذات الفعل يتصف بعنوان الواجب مقيدا ضرورة عدم معقولية انفكاك مبدء
العنوان ونفس العنوان في الاطلاق والتقييد ولأجله لا يقع الفعل خارجا على صفة المطلوبية إلا
بعد حصول قيد الوجوب فتقيد المادة بما هي مطلوبة بقيد الطلب تبعي قهري لا ابتدائي ليرد المحاذير
المتقدمة أو ينافي لا بشرطية ذات المادة في مرتبة موضوعيتها نعم يمنع عن سريان الحكم إلى المادة
بجميع أطوارها.
وما ذكرناه لا ينافي إمكان الإطلاق من هذه الجهة حتى ينافي تقييدها إذ كما كان تقييد الوجوب
ممكنا لامكان جعله لا على تقدير كذلك جعل المادة بما هي واجبة مطلقا ممكن بامكان جعل الوجوب
مطلقا فيمكن تقييدها بما هي واجبة بامكان تقييد الوجوب الذي هو مبدأ العنوان فتوهم استحالة التقييد
لاستحالة الإطلاق مدفوع بما هي واجبة بإمكان تقييد الوجوب الذي هو مبدأ العنوان فتوهم استحالة
التقييد لاستحالة الاطلاق مدفوع بما عرفت إلا أن هذا التقييد التبعي القهري بعد إصلاحه بما عرفت لا
يجدي في مقام الرجوع إلى أصالة إطلاق الهيأة نظرا إلى أن تقييد المادة متيقن فلا أصالة إطلاق فيها كي
362



يعارض أصالة إطلاق الهيأة والوجه فيه أن أحد تقديري العلم بتقييدها بما هي واجبة فكيف يعقل سلامة
إطلاق الهيأة فإنه يلزم من وجوده عدمه.
ثانيها أن إطلاق الهيأة شمولي وإطلاق المادة بدلي والإطلاق الشمولي مقدم على الإطلاق البدلي
وهذا وأن نسبه صاحب التقريرات إلى شيخه العلامة الأنصاري - قده - إلا أن المعروف منه - قده - كما
في رسالة التعادل والترجيح تقديم العام على المطلق لكون ظهور الأول تنجيزيا لأنه بالوضع وكون
ظهور الثاني تعليقيا لكونه بمقدمات الحكمة وإن التعليقي لا يعارض التنجيزي وهذا غير تقديم المطلق
الشمولي على المطلق البدلي، إلا أنه ربما يوجه بما حاصله: أنه لابد في الاطلاق البدلي زيادة على كون
المولى في مقام البيان وعدم نصب القرينة إحراز تساوي الافراد البدلية في ترتب الغرض عليها بخلاف
الاطلاق الشمولي فان تعليق الحكم على عدم الطبيعة كاف في ذلك لأن عدم الطبيعة عقلا بعدم جميع
أفرادها فإذا ورد أكرم عالما ولا تكرم فاسقا صح أن يكون الثاني بيانا لعدم تساوي أفراد الأول في الغرض
دون العكس لان نفس تعليق الحكم على عدم الطبيعة كاف في ذلك وهو غير معلق على بيان عدم
التساوي ليقال بكفاية الإطلاق البدلي وإلا لزم الدور.
وبالجملة المطلق الشمولي صالح في ذاته للمانعية إلا بعد سقوط الشمولي عن الصلاحية عن
المانعية والجواب أما أولا فبأن كلتا المقدمتين غير صحيحة أما توقف إحراز تساوي الأفراد
في الغرض في المطلق البدلي على أمر آخر فنقول: أن مقتضى ملاحظة طبيعي العالم لا بشرط أي غير
مقترن بالعدالة والفسق وجودا وعدما كون كل خصوصية لغرض غير دخيلة في الغرض وجودا وعدما
وهو منشأ حكم العقل بالتخيير في المطلق البدلي وأما اقتضاء تعليق الحكم على عدم الطبيعة سراية
الحكم إلى جميع إعدامها فهو وإن كان كلاما مشهوريا حيث يقال أن وجود الطبيعة بوجود فرد منها
وعدمها بعدم جميع أفرادها إلا أنه بلا وجه فان العدم فبديله عدمه بالخصوص وإذا فرض الوجود بحيث
لا يشذ عنه وجود فبديله العدم المطلق الذي لا يشذ عنه عدم وعليه فكل من المطلق الشمولي والبدلي
صالح لتقييد الآخر من حيث نفسه من دون توقف على عدم الآخر.
وأما تقديم العام على المطلق ففيه تفصيل تعرضنا له إجمالا في البحث عن المطلق والمقيد
ومفصلا في التعادل والترجيح.
وأما ثانيا فبأن ما ذكر في مثل لا تكرم فاسقا وأكرم عالما لو صح من حيث تعليق الحكم على عدم
الطبيعة لا ربط له بما نحن فيه من حيث إطلاق الوجوب وشموله لجميع التقادير ولا ينحصر المطلق
الشمولي في مثل تعليق الحكم على عدم الطبيعة.
وأما ثالثا فما ذكر لو صح لصح في ظاهر من متنافيين يكون أحدهما معلقا على عدم الآخر ظهورا
أو حجية لا في مثل ما نحن فيه فان إطلاق الهيئة والمادة متلائمان ولا قاعدة تقتضي إرجاع القيد إلى
الظاهر دون الأظهر أو إلى ما يتوقف على عدم الاخر لو كان منافيا له فتدبر.
ثالثها أن تقييد الهيئة وإن لم يستلزم تقييد المادة لكنه يستلزم إبطال الآخر، أما أنه يستلزم تقييد
الهيئة إبطال إطلاق المادة فلان من مقدمات إطلاقها عدم بيان القيد للزوم نقض الغرض لو كان المقيد
مرادا مع عدم بيان القيد وإذا لم يقع المادة إلا مقترنا بالقيد لفرض تقييد الهيئة فلا يلزم من عدم بيان قيد
المادة نقض للغرض.
وأما أن الترجيح لتقييد المادة دون تقييد الهيئة فلان تقييد المادة مستقلا رفع الإطلاق ولازم تقييد
الهيئة دفع الإطلاق، ودفعه كرفعه مسقط للاطلاق في حد نفسه عن الحجية فهو خلاف الأصل بهذا
الاعتبار والجواب أن كلتا المقدمتين ممنوعة:
وأما المقدمة الأولى فلان تقييد المادة في فرض تقييد الهيئة محال للزوم الخلف وإذا استحال
ثبوتها فلا وجه لاستكشاف الإطلاق من عدم تقييدها في مقام الاثبات حتى يقال أن تقييد الهيئة لا يبقي
مجالا لبيان القيد إذا كان المقيد مرادا واقعا حيث عرفت أن إرادة المقيد محال، وبهذا يفترق عما ذكرناه
في تقريب الوجه الأول فإنه لا يستلزم تقييد المادة في مرتبة موضوعيتها ولا إبطال إطلاقها بل تقييد
قهري في مرتبة مطلوبيتها ولذا يرجع في نفيه إلى إطلاق الهيئة لا إلى إطلاق المادة.
وأما المقدمة الثانية فلأن الإلتزام بالمطلق والجري على وفق ظهوره لازم وهو معنى كونه أصلا وأما
الالتزام بعدم كونه أصلا وأما الإلتزام بعدم المانع عن انعقاد الإطلاق بعدم تقييد الهيئة فهو غير لازم
والمفروض أنه لا شأن للازم تقييد الهيئة إلا عدم وصول النوبة إلى صيرورته مطلقا فتبين أنه ليس دفعه
كرفعه هذا.
أقول: لا يخفي أن مورد الكلام هو القيد المنفصل فان المتصل يوجب إجمال الكلام لفرض إجمال
القيد من حيث الرجوع إلى الهيئة أو المادة فلا ينعقد ظهور إطلاقي ليتمسك بأصالة الإطلاق وإذا
تمحض الفرض في القيد المنفصل فأما ان يورد القيد قبل وقت الحاجة فمعه لا ينعقد ظهور إطلاقي
فالمقيد وما هو بمنزلته كلاهما دافع للاطلاق ومانع عن انعقاد الظهور، وأما أن يرد بعد وقت الحاجة
فالظهور الإطلاقي على أي حال منعقد وكما أن إرادة المقيد مع احتمال التقييد خلاف الظاهر المستقر
ظهوره فلا يعتنى به كذلك إرادة المقيد تعويلا على عدم نقض الغرض من عدم التقييد خلاف الظاهر
فالعمدة في الجواب نفي المقدمة الأولى مع ما ذكرناه في الجواب عن الوجهين المتقدمين (منه).
362

من حيث وقوعها على صفة المطلوبية مع القيد وعدمه فإنه محال بل اطلاقها
بلحاظ تمامية مصلحتها مع عدم القيد وتقييد الهيئة لا يستلزم تقييد المادة من
هذه الجهة وعدم وقوعها امتثالا للأمر على أي حال لا يجدي عن بيان الجهة
الثانية لعدم جريانه في التوصليات بل في التعبديات أيضا لامكان العبادية لابداع
الأمر، هذا مع أنه غير مجد بالنسبة إلى القيد الذي يحتمل وجوب تحصيله فان
تقييد الهيئة وإن استلزم تقييد المادة من حيث عدم وقوعها امتثالا للأمر، وعلى
صفة المطلوبية إلا بعد حصوله لكنه لا ينافي إطلاقها من حيث عدم تحصيله.
لا يقال: مقتضى تقييد الهيئة عدم مطلوبية تحصيله.
366

لأنا نقول: مقتضاه عدم منافاته لاطلاق المادة من حيث عدم تحصيله لا أنه
كالتقييد لها أيضا كما أن مقتضى تقييد المادة به أيضا عدم توقف الطلب عليه
بداهة أن المقدمة الواجب تحصيلها لا يعقل أن تكون مقدمة وجوبية فلا تنافي
في إطلاق الهيئة.
" الواجب النفسي والغيري "
قوله: لكنك لا يخفى أن الداعي لو كان هو محبوبيته كك الخ: توضيح
المرام وتنقيح المقام هو أنه لا ريب في أن كل ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات
مثلا إذا أراد الإنسان اشتراء اللحم فلا محالة يكون لغرض، وهو طبخه، والغرض
من طبخه أكله، والغرض منه إقامة البدل لما يتحلل من البدن، والغرض منه إبقاء
الحياة، والغرض منه إبقاء وجوده وذاته فغاية جميع الغايات للشوق الحيواني
ذلك، وإذا كان التشوق عقلانيا فغاية إطاعة ربه والتخلق بأخلاقه وينتهي
ذلك إلى معرفته تعالى، فجميع الغايات الحيوانية ينتهي إلى غاية واحدة وهي
ذات الشخص الحيواني، وجميع الغايات العقلانية ينتهي إلى غاية الغايات و
مبدء المبادئ جل شأنه، وكون كل غاية من الغايات ملائمة للذات ومقصودة
بالغرض أو بالذات لا يتوقف على الالتفات حتى يقطع بأنه ليس في كل فعل
تصورات وتشوقات متعاقبة فان الغايات الحيوانية في الحيوان بما هو حيوان و
الغايات العقلانية في الإنسان بما هو إنسان صارت كالطبيعية لهما فلا يحتاج إلى
فكر وروية، وقصد تفصيلي، هذا كله في الإرادة التكوينية.
وأما الإرادة التشريعية فقد مر مرارا أن حقيقتها إرادة الفعل من الغير، ومن
الواضح أن الإنسان لو أراد اشتراء اللحم من زيد فالغرض منه وإن كان طبخه لكنه
غير مراد منه بل لعل الطبخ مراد من عمرو، وإحضاره في المجلس من مراد من بكر و
هكذا فلا تنافي بين كون شئ مرادا من أحد، والغرض منه غير مراد منه وإن
367

كان مقصودا من الفعل لترتبه عليه فالاشتراء مراد بالذات من زيد ومقدماته مرادة
بالعرض منه وإن لم يكن الغرض من اشتراء اللحم نفسه بل ينتهي إلى نفس الأمر
مثلا، ومنه يعلم حال الصلاة وساير الواجبات فان الغرض من الصلاة وإن كانت
مصلحتها إلا أنها غير مرادة من المكلف لا بالعرض ولا بالذات بل المراد بالذات
عن المكلف نفس الصلاة والإرادة التشريعية متقومة بإرادة الفعل من الغير لا أنها
مطلق الشوق حتى يقال أن الشوق إلى الصلاة منبعث عن الشوق إلى غايتها إلى
أن ينتهي إلى غاية الغايات والكلام في تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري، و
مبدء الايجاب كنفسه ينقسم إلى القسمين بلا محذور وإن كان نفس المحبوبية
المطلقة غيرية مطلقا إلى أن ينتهي إلى الغرض الذي هو عين ذي الغرض، و
جميع آثار الواجب النفسي الحقيقي من كونه محركا ومقربا وموجبا لاستحقاق
الثواب على موافقته والعقاب على مخالفة مترتبة على هذه الواجبات النفسية
المتعارفة فإنها المرادة من المكلف بالذات فإرادتها منه هي الداعية له فهي
المقربة له فافهم واغتنم.
قوله: فالأولى أن يقال إن الأثر المترتب الخ: لا يخفى عليك أن
العناوين الحسنة والقبيحة على نحوين.
فمنها: ما هو حسن بالذات أو قبيح كك كعنوان العدل والاحسان في الأول،
وكعنوان الظلم والجور في الثاني.
ومنها: ما هو حسن أو قبيح بالعرض كغير العناوين المتقدمة من العناوين و
المراد من ما بالذات وما بالعرض أن العنوان الحسن أو القبيح ربما يكون محفوظا
ومع ذلك لا يتصف بالحسن أو القبح لطرو عنوان آخر عليه كعنوان الصدق و
الكذب إذا طرء عليهما عنوان قتل المؤمن أو إنجائه، وربما لا يقبل لطرو عنوان
آخر يزيل حسنه أو قبحه كعنوان العدل والظلم فالثاني عنوان ذاتي، والأول
عرضي ومن الواضح أن كل ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات فجميع الواجبات
النفسية إذا كانت من حيث عنوان حسن واجبا نفسيا لابد من أن ينتهي إلى عنوان
368

واحد، وكك المحرمات النفسية فكلها مصاديق واجب واحد أو محرم واحد
بملاك وعنوان واحد لأن عناوينها الحسنة والقبيحة عرضية لابد من أن ينتهي
إلى عنوان ذاتي.
لا يقال: لا ينحصر العنوان الحسن والقبيح فيما ذكر بل ما بالذات تارة بنحو
العلية، وأخرى بنحو الاقتضاء والواجبات النفسية والمحرمات النفسية لعلها من
قبيل الثاني فلا يلزم انتهائها إلى العنوان الذاتي بنحو الأول وإن كان عدم عروض
المانع موجبا لاندراجها تحته إلا أن حسنها باعتبار ذواتها.
لأنا نقول: هذا المعنى وإن كان أمرا شهوريا لكنه لا أصل له حسبما يقتضيه
الفحص والبرهان إذ لا علية ولا اقتضاء للعنوان بالإضافة إلى حكم العقلاء بمدح
فاعله أو ذمه بل المراد بما بالذات وما بالعرض أن العنوان إذا كان بنفسه مع قطع
النظر عن اندراجه تحت عنوان آخر محكوما عند العقلاء بمدح فاعله، أو ذمه لما
فيه من المصلحة العامة والمفسدة كك كان حسنا أو قبيحا بالذات، وإذا لم يكن
بنفسه محكوما بأحدهما بل باعتبار اندراجه تحت ما كان بنفسه كك كان أو قبيحا
بالعرض غاية الأمر أن بعض الأفعال غالبا معرض لعروض أحد العناوين الذاتية
كالصدق والكذب فيقال إنهما لو خليا وطبعهما حسن بالذات وقبيح كك مضافا
إلى ما ذكرنا في محله من أن قضية حسن العدل وقبح الظلم من القضايا المشهورة
التي اتفقت عليها آراء العقلاء حفظا للنظام، وإبقاء للنوع فلا منافاة بين الحسن
الذاتي عند العقلاء وعدم المحبوبية الذاتية عند الشارع فان الجهة الموجبة
لمدح العقلاء لا دخل له بالجهة الموجبة لايجاب الشارع مثلا الصلاة وإن كانت
تعظيما وهو عنوان حسن فإنه عدل إلا أنه حسن عند العقلاء من حيث إن تعظيم
العبد لمولاه من مقتضيات الرقية ورسوم العبودية فيكون به النظام محفوظا، و
النوع باقيا إلا أنه غير محبوب للشارع من هذه الجهة بل من جهة استكمال العبد
بذلك وزوال الأخلاق الرذيلة منه بذلك فيستعد لقبول نور المعرفة، وأين إحدى
الجمعتين من الأخرى؟ فتدبر جيدا، أو المقام يحتاج إلى تأمل تام.
369

قوله: ولا ينافيه كونه مقدمة لأمر الخ: وعليه ففيه ملاك الوجوب
النفسي والمقدمي فلا يتمحض الواجبات النفسية في النفسية بعد وجود ملاك
النفسية والغيرية فلا يتوهم عدم تأثير ملاك الغيرية لتأخر رتبته عما هو في عرض
علته لأن حسن الواجب وإن كان ملازما لمصلحته وخاصيته لكنه لا تقدم لما مع
العلة على معلولها لأن تقدم العلة تقدم بالعلية وهو شأن العلة دون غيرها ولا
تقدم بنحو آخر على الفرض للعلة على معلولها كي يسري إلى ما معها مضافا إلى
أن تزاحم الملاكين في التأثير بملاحظة الوجود الخارجي (1) لا بلحاظ الذات و
الرتبة فان اجتماع المتماثلين اللازم من تأثيرهما أنما يستحيل بلحاظ الوجود
الخارجي لا غير.
قوله: ولعله مراد من فسرهما بما أمر به لنفسه الخ: أي لحسن نفسه
في قبال ما أمر به لحسن غيره كالمقدمة فان المقدمة من حيث إنها مقدمة لا
حسن فيها بنفسها فالأمر بها وإن كان لمقدميتها إلا أن المقدمية ليست بذاتها
داعية إلى الأمر فالداعي الأصيل حسن ذيها، وأما على ما ذكرنا سابقا فالمراد من
قولهم لنفسه في قبال لغيره هو، لا لغيره نظير قولهم واجب الوجود لذاته أي لا
لغيره، لا أنه معلول لذاته فالواجب النفسي بناء عليه هو المراد من المكلف لا
لأجل مراد آخر منه، والواجب الغيري هو المراد منه لأجل مراد آخر منه فان
ذات الواجب النفسي حيث إنه مرتب على وجود الواجب الغيري فله علية غائية
بالإضافة إليه كما أن إرادته حيث إنها سابقة على إرادته فلها نحو من العلية
الفاعلية لها، وهذا ملاك الأصلية، وهذا ملاك الأصلية والتبعية كما سيأتي إنشاء الله تعالى تحقيقه إن
ساعدنا توفيقه تعالى.
قوله: فان جلها مطلوبات لأجل الغايات الخ:

1 - فالملاكان وإن كانا مختلفين بالتقدم والتأخر في الرتبة لكنهما ليسا مؤثرين بما هما في المرتبة
بل بلحاظ مقام تقدم وتأخر (منه).
370

فان قلت: هذا فيما كانت الغاية مترتبة على ذات الفعل لا على فعل المأتي به
بداعي الوجوب فان وجوبه لا محالة لتحقيق موضوع الغاية.
قلت: قد ذكرنا في محله أن قصد القربة وسائر الشرائط دخلية في فعلية
التأثير وإلا فالمقتضي ذات الصلاة مثلا، والغاية لا تدعوا إلا إلى ذيها.
نعم ينبعث منها إرادات مقدمية لما له دخل في فعلية ترتب العناية على ذي
الغاية فيعود الأشكال فتدبر.
قوله: إلا أن إطلاقها يقتضي كونه نفسيا الخ: قد عرفت أن تفاوت
النفسي والغيري من حيث إن الغاية الداعية إلى الإيجاب تارة حسن نفس
الواجب، أخرى حسن ما يتوصل به إليه بناء على ما افاده العلامة الأستاد - قده -،
فما يحتاج إلى التنبيه عرفا كون الوجوب لداع آخر غير الواجب ومنه تعرف أن
إطلاق البعث بمعنى عدم تقييده بانبعاثه عن داع آخر غير الواجب لا التوسعة من
حيث وجوب شئ آخر، وعدمه كما يظهر منه - ره - في مبحث اقتضاء إطلاق
الصيغة للنفسية وأشباهها وقد نبهنا على ذلك في محله فراجع.
ومنه تعرف أيضا أن التقييد بهذا المعنى لا ينافي كون البعث جزئيا حقيقيا
فان المقصود ظهور الصيغة بحسب مقدمات الحكمة في البعث المنبعث عن
داعي نفس الواجب لا عن داع آخر في غيره مع وضوح أن الدواعي ليست من
شؤون البعث وأطواره كي توجب تضييق دائرة معناه ومفهومه كما نبهنا عليه في
الواجب المشروط فيسقط ما سيأتي إشكالا وجوابا (1).

1 - وأما ما أجاب به شيخنا - قده - في المتن من أن المنشأ هو مفهوم الطلب دون مصداقه فان
الإرادة النفسانية تحدث بأسباب خاصة فلا يخلو من محذور فإنه لا ترقب من الإنشاء إيجاد الشئ
حقيقة حتى يقال أن وجود الإرادة الحقيقية بمباد مخصوصة بل المراد إنشاء الإرادة النفسانية الموجودة
بأن يتحقق لها وجود إنشائي كما يكون لها وجود حقيقي فلابد من إقامة البرهان على أن الموجود
الحقيقي غير قابل لأن يوجد بوجود إنشائي أيضا وحيث أن الوجود الإنشائي وجود عرضي للشئ
فلا منافاة بين كون الشئ موجودا بالحقيقة وموجودا بالعرض ولا يلزم من هذا الوجود عروض
الوجود على الوجود بل حيث أن الإنشاء والأخبار بل كلية الاستعمال ولو في المفردات إيجاد المعنى
بالعرض لينتقل من الموجود بالذات وهو اللفظ إلى الموجود بالعرض وهو معناه فلابد من أن يكون سنخ
الموضوع له والمستعمل فيه طبيعي المعنى لأن الموجود خارجيا كان أو ذهنيا غير قابل لأن يكون
انتقاليا إذ الانتقال ليس إلا وجوده الذهني والموجود بما هو لا يعقل أن يعرضه الوجود الذهني فهذا هو
السر في عدم قابلية الإرادة النفسانية بحقيقتها للوجود الإنشائي فتدبر جيدا.
وأما ما يورد على الجواب أن مفهوم الطلب مفهوم اسمي وهو غير قابل للإنشاء بل الإنشاء هو
بنفسه مصداق الطلب بمعنى التصدي لتحصيل المراد فقد خلط - ره - بين المفهوم والمصداق لا صاحب
التقريرات (فمندفع) بأن مفاد الجملة الكلامية خبرية كانت أو إنشائية ليس إلا النسبة دون أطرافها إلا أن
المعاني الحرفية ومنها مفاد الهيئات تارة يكون حقائقها حقيقة النسبة كنسبة الظرف إلى المظروف ونسبة
العرض إلى معروضه والنسبة الحكمية الاتحادية بين الموضوع ومحموله والوجود الرابط في القضية
الإيجابية المركبة، وأخرى معان نسبية كالبعث والتحريك فإنهما بذاتهما معنيان قابلان لللحاظ
الاستقلالي لكنه إذا لوحظ البعث من حيث أنه أمر بين الباعث والمبعوث والمبعوث إليه فقد لوحظ
على وجه الآلية والنسبية وهيأة الأمر نزلت منزلة هذه النسبة الخاصة فلا منافاة بين كون البعث مفهوما
اسميا وكونه مأخوذا بنحو الآلية والنسبية وبالاعتبار الثاني قابل للإنشاء ومن يقول بإنشاء مفهوم الطلب
فليس غرضه إنشاء بما هو مفهوم اسمي بل بما هو أمر بين الطالب والمطلوب والمطلوب منه.
نعم مفاد الصيغة هل هو الطلب الآلي أو البعث الآلي أو الإيجاد التسبيبي الآلي فهو أمر آخر قد مر
الكلام فيه سابقا كما أن المطلب هل هو بمعنى الإرادة أو بمعنى ينطبق على الكاشف عن الإرادة أو
أوسع من ذلك فهو أيضا أمر آخر مر الكلام فيه فما ذكره شيخنا - ره - من أن صاحب التقريرات خلط بين
المفهوم والمصداق بعد تسليم كون المنشأ حقيقة الطلب في كلام المقرر - ره - أمر متين كما أن المنشأ
لابد من أن يكون سنخه المعنى لا الوجود كذلك مع وضوح أن المعنى الذي هو مدلول الكلام الإنشائي
بل الخبري لابد من أن يكون سنخه سنخ النسبة فلا محالة يراد من إنشاء مفهوم الطلب إنشائه على وجه
الآلية والنسبية.
ثم أن جزئية مفاد الهيأة بمعنى قدمناه كما لا تنافي الإطلاق والتقييد كذلك آليته لا تنافي الإطلاق
والتقييد كما قدمناه في البحث عن الواجب المشروط وكما أن إطلاق الهيأة يدل على عدم الوجوب
الغيري كذلك إطلاق ذلك الغير يدل على كون متعلقه مقيدا به فالوجوب المعلوم نفسي بالالتزام إلا أن
إطلاق الهيأة وإن دل على نفسية الوجوب لكنه لا يدل على أن ذلك الغير غير مقيد به ولو بالالتزام إذ لا
مانع من أن يكون هذا الواجب النفسي بدليله مقدمة لذلك الغير ولا منافاة بين قصور إطلاقه عن إفادة
الغيرية وكونه مقدمة للغير فلابد في رفع المقدمية وعدم التقييد للغير من إطلاق ذلك الغير هذا كله فيما
كان هناك إطلاق.
وأما إذا لم يكن إطلاق فالشك في النفسية والغيرية تارة في فرض العلم بوجوب ذلك الغير في
الجملة فيدور البراءة مدار فعلية ذلك الغير بدخول الوقت مثلا وعدمها بعدمه، وأخرى في فرض عدم
العلم بوجوب ذلك الغير كما إذا دار بين أن يكون تقدير الغيرية فالمسألة داخلة في الأقل والأكثر وكما أن
البراءة عن تقيد الطهارة بوجوب الصلاة لا تنافي وجوب الطهارة فعلا والعبارة في الكتاب ناظرة إلى
الأول لفرض التكليف بالغير ودوران الأمر بين فعليته تارة وعدمها أخرى فتدبر جيدا.
371

قوله: لا ريب في استحقاق الثواب على امتثال الأمر الخ: توضيحه (1)

1 - لا يخفي أن القول بالثواب والعقاب تارة بملاحظة جعل الشارع، وأخرى بملاحظة حكم
العقل، وثالثة بملاحظة العلاقة اللزومية بين الفعل وما يترتب عليه من المثوبة والعقوبة.
أما الأول فتقريبه أن قاعدة اللطف كما تقتضي إعلام العباد بما فيه الصلاح أو الفساد بالبعث نحو
الأول والزجر عن الثاني كذلك تقتضي تأكيد الدعوة في نفوس العامة بجعل الثواب والعقاب فالعبد
بعلمه يستحق ما جعله المولى من المثوبة والعقوبة بحقيقة معنى الاستحقاق.
وأما الثاني فبما ذكرناه في متن الحاشية فالاستحقاق فيه ثوابا وعقابا كالاستحقاق مدحا وذما راجع
إلى أن الفعل بحيث يكون المدح والثواب أو الذم والعقاب من المولى أو العقلاء في محله لا أنه يملك
الشخص على المولى أو العقلاء ثوابا وأجرا ومدحا والاستحقاق بمعنى أنه حقيق بالمدح والاجر لا
ينافي التفضل إذ كل إفاضة من المبدأ الاعلى أجواد بذاته سواء كان بإيجاد الشخص أو رزقه أو إعلامه
بصلاحه وفساده أو إعطاء الثواب على عمله بمقتضى جوده الذاتي لا باقتضاء من طرف القابل وإن كان
قبول المورد في فعلية الإضافة لازما.
وأما دعوى أن الإطاعة لازمة من العبد (كما في التقرير) أداء لحقوق المولوية لئلا يكون ظالما
لمولاه فهي من باب دفع الظلم من نفسه فلا يستحق عوضا من مولاه (فمدفوعة) بأنها أخص من
المدعي لاختصاصها بالواجبات التي يكون تركها ظلما على المولى ولا يعم المستحبات فإنها لا يكون
تركها ظلما، وقد مر في البحث عن التعبدي والتوصلي أن ما يوجب الثواب هو انطباق العنوان الحسن
على الفعل وما يوجب العقاب انطباق العنوان القبيح على تركه ففي اقتضاء المدح والثواب بالمعنى
المتقدم لا فرق بين الواجب والمستحب.
كما أن تنظير المقام بالتوبة وإن التائب لا يستحق العفو وإن العفو من باب التفضل لأن التوبة من
جملة الواجبات في حقه ويكون ظالما على تركها فالتوبة لدفع الظلم عن نفسه فكيف يستحق العفو من
الله (مدفوع) بأن وجوب التوبة إما عقلي أو شرعي ولا مدرك لكونه عقليا إلا كونه دافعا للضرر الأخروي
المرتب على عصيانه فيجب، وهذا إلتزام بأن التوبة دافعة للعقاب، مع أن تطبيق قاعدة التحسين والتقبيح
العقليين على دفع الضرر الأخروي مخدوش بما فصلناه في محله، ولا مدرك لكونه شرعيا إذ التوبة
وهي الرجوع إذا أريد منه الرجوع العملي بالتجنب عن العصيان فعلا أو تركا فهو بنفسه واجب من دون
ملاحظة عنوان التوبة، وإذا أريد منه الرجوع الجناني وهو العزم على العدم الملازم للندم فهو ما لا دليل
على وجوبه مولويا فان العزم على فعل المعصية ليس بحرام حتى يكون العزم على العدم لازما بل
المحرم نفس فعل المعصية فالتحقيق أن التوبة من حيث أنها دافعة للعقاب كما بيناه في محله جبلي
فطري لا شرعي ولا عقلي وما ورد من الشارع ليس إيجابا منه بل إرشاد إلى دفع العقاب عن نفسه
بالرجوع إليه تعالى وبقية الكلام في محله.
وأما الثالث فقد أشرنا سابقا في بحث الطلب والإرادة والاستحقاق حينئذ بمعنى اقتضاء المادة
القابلة لإفاضة الصورة فكما نعبر في المادة الدنيوية وصورها بأن المادة الكذائية بعد تمام قابليتها
مستعدة ومستحقة لإفاضة صورة كذائية كذلك الصور الدنيوية مواد للصور الأخروية فصح التعبير
بالاستحقاق أيضا.
ومما ذكرنا تبين أنه لا مجال للاستحقاق الثواب والعقاب بناء على المبني الأول والأخير في
الواجبات الغيرية حيث لا غرض للمولى فيها ولا فيها غرض يعود إلى العبد ولا فيها خصوصية
بتلك الخصوصية تكون مادة لصورة أخروية وإنما النزاع فيها يجري على المبني الثاني بتوهم أنه إذا
أتى بها بداعي أو أمرها تكون معنونة بعنوان حسن يمدح عليها عقلا فيثاب عليها شرعا (منه).
373

أن المراد بالعقل الحاكم بالاستحقاق هو العقل العملي الذي من شأنه أن يدرك ما
ينبغي فعله، أو تركه أي القوة المميزة للحسن والقبح، ولكن باعتبار مدركاته، و
هي المقدمات المحمودة والآراء المقبولة عند عامة الناس الموجبة لحكمهم
بمدح الفاعل أو ذمه كما ذكر في محله فالموجبة لكذا وكذا هي المعقولات لا
القوة التي ليس شانها إلا الادراك والمراد بالاستحقاق ليس إيجاب الثواب على
المولى أو العقاب كما يشعر به لفظ الاستحقاق حتى يناقش فيه طرف الثواب إما
لجواز الاكتفاء بالنعم العاجلة أو لأن حق المولى على عبده أن ينقاد له في أوامره
ونواهيه فلا معنى لاستحقاق العبد عليه عوضا عنه بل المراد أن المدح والثواب
على الإطاعة في محله نظير قولهم باستحقاق المدح والذم على فاعل القبيح و
الحسن فإنه ليس المراد إيجاب المدح والذم على العقلاء بل المدح والذم على
أحد الأمرين في محله.
نعم اقتضاء الأعمال الحسنة لصورة ملائمة في الدار الآخرة أو اقتضاء الأعمال
السيئة لصورة منافرة في الآخرة لعلاقة لزومية بينهما أمر آخر يشهد بصحته العقل
والشرع إلا أن الكلام في عنوان الاستحقاق عقلا المشترك بين العبيد ومولى
الموالي، وبين ساير الموالي، ومنشأ هذا الحكم كما ذكرنا في محله ليس إلا
حكم العقلاء باستحقاق فاعل العدل للمدح وفاعل الظلم للقدح لما في الأول
من المصلحة العامة، ولما في الثاني من المفسدة العامة حيث إن في ذمة العقلاء
بما هم عقلاء جلب ما فيه المصالح النوعية ودفع المفاسد النوعية إبقاء للنظام و
دفعا للفساد فأول مراتب إيجاد المقتضيات ومدفع الموانع اتفاقهم على استحقاق
فاعل الخير للمدح واستحقاق فاعل الشر للقدح، ومن الواضح أن زي الرقية و
رسم العبودية يقتضي التمكين من المولى والانقياد له فإنه عدل وعدم الخروج
375

عن ذلك يهتك حرمته والاقدام على مخالفته فإنه ظلم.
ومنه علم أنه لا حاجة في استحقاق الثواب والعقاب بهذا المعنى إلى جعل
من الشارع فان مدحه وثوابه وذمه وعقابه، وما ورد من الوعد والوعيد فمن
باب التأكيد والتعيين لما حكم العقل به أو بيان لظهور الخير والشر بما يناسبهما
من الصورة الملائمة أو المنافرة في الآخرة.
قوله: وإن كان التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته الخ: والوجه
فيه أن الوجوب المقدمي كما عرفت وجوب معلولي كما أن الغرض منه غرض
تبعي فيكون تحريكه ودعوته ومقربيته كك فكما أن المولى بعد أمره بذي
المقدمة لا يتمكن من عدم الأمر بالمقدمة فيكون البعث نحوها قهريا كك انقياد
العبد للأمر بذيها يوجب الانقياد بالعرض لمعلوله، وهو الأمر بها، ولا يعقل
الانقياد للأمر النفسي والانبعاث عنه مع عدم الانقياد لمعلوله والانبعاث عنه و
إلا لم يكن منقادا للأمر النفسي ومنبعثا ببعثه، وهذا الانبعاث القهري كنفس
ارتكازي ربما لا يلتفت إليه تفصيلا، وحيث عرفت عدم استقلال الأمر المقدمي
في الباعثية تعرف عدم استقلاله في المقربية وما يترتب عليها عقلا وكك عدم
الانبعاث إليها ليس إلا تبعا لعدم الانبعاث إلى ذيها فالبعد إلا بتبع البعد المرتب
على ترك ذيها فالاستقلال في استحقاق الثواب أو العقاب عقلا فلا محال.
فان قلت: المراد من التبعية إن كان عرضية الوجوب الغيري كما ربما يتخيل
أن هناك وجوبا واحدا ينسب إلى الفعل بالذات وإلى مقدمته بالعرض وهو
يجدي في عدم استحقاق الثواب والعقاب. لكن المبنى فاسد جدا بل وجوب
المقدمة وجوب حقيقي مغاير لوجوب ذيها وهو منبعث عنه عند المشهور
فلكل حكم برأسه وإن كان مجرد التبعية في الوجود فمن الواضح أن ترتب
تكليف على تكليف خارجا لا يقتضي عدم ترتب آثاره عليه قطعا فكما أن موافقة
التكليف النفسي والانبعاث ببعثه عدل في العبودية فيستحق المدح. ومخالفته
ظلم فيستحق الذم فكذا موافقة التكليف المنبعث عنه ومخالفته.
376

قلت: المراد من التبعية ليس كون الأمر المقدمي بعثا بالعرض، ولا المراد من
التبعية مجرد ترتب أحد الأمرين على الاخر بل المراد أن المقدمة بما هي حيث
إنها خالية عن الغرض بل الغرض منها مجرد الوصلة إلى الغير فكذا البعث نحوها
لمجرد الوصلة فكأنه لا نظر إليها بما هي كالمعنى الحرفي فكذا موافقته ليست إلا
لمجرد الوصلة إلى موافقة الأمر النفسي فهذه الموافقة لا تعد موافقة أخرى في
قبال موافقة الأمر النفسي في نظر العقلاء حتى يمدح عليها أو يذم على تركها.
قوله: نعم لا بأس باستحقاق العقوبة الخ: بملاحظة أن إسقاط الأمر
النفسي يكون عند ترك المقدمة فيمتنع فعل ذيها في ظرفه أو في تمام الوقت و
العبرة في باب الإطاعة والمعصية بانقياد العبد لأوامر المولى ونواهيه وعدمه، و
حيث إن المقدمة وجوبها معلولي فعدم الانقياد له بعدم فعله حينئذ يوجب
عدم الانقياد للأمر بذيها لما عرفت من التبعية وجودا، أو عدما فنفس عدم انقياده
للمعلول لازم عدم انقياده للعلة، وإن كان ظرف العمل متأخرا أو باقيا فترك
الواجب النفسي الذي هو مصداق المخالفة وإن لم يعقل ثبوته فعلا لأن نقيض
الفعل في الزمان المتأخر تركه فيه لا قبله وإن وجد سببه إلا أن المعصية التي
يحكم العقل باستحقاق فاعلها الذم منوطة بعدم الانقياد للأمر، وقد عرفت أن
الانقياد للمعلول لازم الانقياد للعلة من غير إمكان الانفكاك، وكذا عدمه لعدمه
فهو من الان غير منقاد لأمر المولى.
ويمكن أن يقال إن الانقياد للأمر النفسي والانبعاث عنه بالنسبة إلى متعلقه لا
يكاد يكون، إلا في ظرف متعلقه فلعدم الانقياد والانبعاث الذي هو عصيان
حقيقي هو العدم النقيض للانقياد والانبعاث المزبورين لا العدم المطلق، وليس
هو إلا عدم الانقياد والانبعاث في الوقت أو في تمام الوقت لا قبله، وقبل انقضاء
الوقت.
ومنه علم حال إسقاط الأمر فإن إسقاط الأمر الذي يكون مصداقا لمعصية
الأمر هو البديل للاسقاط الذي يكون مصداقا لإطاعة الأمر وهو الإسقاط في
377

ظرفه، أو في تمام الوقت فالأمر وإن كان يسقط بترك المقدمة الموجب لامتناع
ذيها إلا أن هذا الاسقاط لا عبرة به بل بالاسقاط في الوقت أو في تمام الوقت فهو
معاقب على الاسقاط الثابت فيما بعد بسببه الاختياري فعلا، وإلا فالاسقاط التي
لا يعقل ثبوته فعلا كما لا يخفى.
قوله: لا بما هو مشروع في إطاعة الأمر النفسي الخ: لا يخفى عليك ان
إطاعة الأمر النفسي بما هو أمر نفسي لا تكون إلا بلحاظ متعلقه بنفسه لا
بمقدماته.
نعم إتيان المقدمة انقيادا لأمر المعلولي للأمر النفسي نحو من الانقياد للأمر
النفسي، ولا موافقة للأمر الغيري إلا هذا النحو من الموافقة، وإلا فموافقته بما هو
أمر برأسه ليست موافقة للأمر الغيري والكلام فيها.
قوله: أن المقدمة فيها بنفسها مستحبة وعبادة الخ:
فان قلت: ما معنى رجحانها الذاتي (1)؟ فان كان المراد حسن الطهارة و

1 - ينبغي توضيح ما قيل في تقريب الإشكال في الطهارة فنقول: الإشكال من وجوه:
أحدها: ما هو مقتضى الإلتزام بأن الأمر الغيري غير مقرب حيث لا شأن بخصوصه من حيث
الغرض والدعوة والقرب والثواب فعبادية الطهارات إن كانت من ناحية أمرها الغيري فهو خلف إذا لا
يكون للأمر الغيري موافقة بالاستقلال ليكون متعلقه عبادة في عرض المتقيد بالطهارة، وإن كانت من
ناحية استحبابها النفسي فالاستحباب يزول بعد طريان الوجوب الغيري.
ثانيها: أن الأمر الغيري بما هو أمر مقدمي توصلي يسقط الغرض منه بمجرد إتيان متعلقه فلزوم
التعبد به بحيث يصير عبادة مستقلة والوجه الثاني يقتضي عدم لزوم التعبد به لحصول الغرض من
التوصلي بمجرد إتيانه فلزوم التعبد به وعدم سقوط الغرض منه إلا بالتعبد به مناف للغيرية المساوقة
لتوصلية ولكنه لا ينافي وقوع التعبد به كما في سائر التوصليات إذا أتى بها بداعي أمرها فان الغرض منها
وإن لم يكن منوطا بالتعبد بها لكنه يصح التعبد تحصيلا للقرب والمثوبة.
ثالثها: ما هو ظاهر شيخنا العلامة الأنصاري - قده - في كتاب الطهارة من الطهارات لابد من أن تقع
عبادية وإلا لم يرتفع الحدث بمجرد إتيان ذات الوضوء إجماعا وعباديتها إما بأمرها الغيري أو بأمر
آخر، ولا أمر آخر لعدم استحبابها النفسي أو لعدم بقائه فينحصر الأمر في كون عباديتها بأمرها
الغيري وحيث أن الأمر الغيري بمثل هذه المقدمة لابد من أن يتعلق بمقدمة عبادية فان تعلق بالوضوء
المأتي به بداعي الأمر الغيري لزم الدور وإن تعلق بالخالي عن دعوة الأمر الغيري لزم الخلف وهو عدم
كونه أمرا غيريا متعلقا بالمقدمة التي هي على فرض عبادية وهذا الإشكال أجنبي عن إشكال عدم
مقربية الأمر الغيري وعن كون الأمر الغيري توصليا بل محذوره بعد فرض كون عبادة مقدمة للصلاة لزوم
الدور أو الخلف.
ولا يخفي أن الإلتزام باستحباب الوضوء نفسيا يدفع الإشكال بجميع وجوه إذ العبادية من ناحية
التقرب باستحبابه النفسي لا من ناحية الأمر الغيري حتى يرد الدور تارة من أخذه في المأمور به،
والخلف أخرى من عدم أخذه فيه ومن الواضح أن كون الغرض من الأمر المقدمي هو التوصل لا ينافي
كون المقدمة مستحبة نفسيا بحيث لا يتحقق المقدمة الا على الوجه العبادي فان الغرض من الأمر الندبي
هو التعبد ولا ينافي أن يكون الغرض من الأمر المقدمي هو التوصل غاية الأمران ما يتوصل به عبادي لا
أن الغرض من الأمر بالمقدمة هو التعبد حتى يرد المحذور.
وعدم إنقسام الوجوب الغيري إلى التوصلي والتعبدي غير ضائر نعم هو إشكال على من يرى
الواجب الغيري كالواجب النفسي منقسما إلى التوصلي والتعبدي وكذا الجواب الأول الذي حكى عن
الشيخ الأعظم - قده - وهو كون العبادية بقصد العنوان الراجح لا واقعي بالتقريب الذي ذكرناه في الحاشية
فان قصد الأمر ليس للتقرب به حتى ينافي كونه غير قابل للإشارة إلى العنوان الراجح.
نعم الجواب الاخر بكلا وجهيه لا يدفع إلا الدور ولا يدفع المحذورين الآخرين فان الأمر الغير لا
يوجب العبادية ولو بألف أم آخر كما لا ينقلب عن التوصلية إلى التعبدية بألف أمر آخر كما هو واضح.
وأما ما يقال في مقام دفع الإشكال بأن عبادية الوضوء من ناحية الأمر النفسي اللزومي بالصلاة عن
طهارة لا من ناحية الأمر الغيري ليقال بأنه لا يصلح للمقربية ولا من ناحية الاستحباب النفسي ليقال بأنه
لا يبقي بعد طريان الوجوب الغيري (فمدفوع) بأن الطهارة وإن أخذ التقيد بها في موضوع الأمر النفسي
اللزومي إلا أن مجرد ذلك لا يوجب دعوة الأمر النفسي إلى نفس الطهارة حتى تكون الطهارة مبعوثا
إليها كالأجزاء لوضوح أن الأمر لا يدعو إلا إلى ما تعلق به والشرطية تقتضي خروج ذات الشرط عن
متعلق الأمر النفسي بالمتقيد موقوف على إيجاد القيد حتى يتحقق المتقيد بما هو متقيد فلذا يجب
إتيان القيد على حد سائر المقدمات عليها الواجب النفسي.
ومنه يعرف أن استحباب الوضوء نفسيا لا يتأكد بالوجوب النفسي المتعلق بالصلاة عن طهارة حيث
لا تعلق للوجوب النفسي بذات ما تعلق به الاستحباب النفسي حتى يشتد الإرادة الندبية بل قد مر في
أوائل البحث عن مقدمة الواجب أن الإرادة اللزومية المتعلقة بالمركب واحدة فإذا فرض تأكد المصلحة
في بعض أجزائه يستحيل اشتداد تلك الإرادة فان اشتداد الواحد المتعلق بالمركب يستدعي تأكد
المصلحة في المركب ويستحيل اشتداد البسيط بالإضافة إلى بعض الأجزاء دون بعضها الاخر (منه).
378

النظافة في ذاتها فمن الواضح أن الشئ ما لم يرتبط إلى المولى إما بنفسه، أو
برابط لا يعقل التقرب به إليه، ولا استحقاق الثواب من قبله عليه كما فصلنا القول
فيه سابقا في مسألة التعبدي والتوصلي، وإن كان المراد كونها مع قطع النظر عن
غاياتها مستحبة شرعا فمن البين أن الوجوب والاستحباب متضادان فاجتماع
كليهما معا محال فلا محالة يزول الضد الضعيف بطرو القوي، ولا يعقل ثبوت
أصل الرجحان في نفس المولى إلا متفصلا بأحد الفصلين فليس الباقي إلا أمر
بسيط وهو الوجوب الغيري الذي لا يوجب القرب ولا الثواب.
قلت: المراد استحبابها شرعا، وإن كان لحسنا ذاتا، ويندفع التوهم المزبور
بناء على أصالة الوجود، وبقاء حقيقة الغرض عند الحركة والاشتداد من مرتبة
إلى مرتبة فان ذات الإرادة الموجودة من أول الأمر باقية إلى الآخر غاية الأمر أنا
تنتزع منها مرتبة ضعيفة في أول أمرها، ومرتبة شديدة في آخر أمرها لا أنها
تنعدم وتوجد من رأس، وعليه فأصل الرجحان المحدود بحد عدمي وهو عدم
وجدان مرتبة الشدة المنبعث عن ملاك نفسي موجود فعلا غاية الأمر أنه محدود
في هذه الحال بحد آخر إذ المفروض أن الاشتداد دائما في الإرادة، ومنها و
إليها، لا إلى غير الإرادة والمفروض بقاء الشخص والوجود الذي هو عين
التشخص فاشتدادها لملاك غيري لا يوجب زوال ذاتها المنبعث عن ملاك نفسي
380

وأنما كان محدودا بالحد الندبي لا لخصوصيته الندبية كي يزول الحكم بزوالها
بل لقصر الملاك عن اقتضاء الزائد على هذا المقدار، وإلا فالقرب والثواب
مترتب على إتيان الراجح من حيث الرجحان لا من حيث الفقدان لمرتبة الشدة.
قوله: والاكتفاء بقصد أمرها الغيري الخ: تحقيق المقام أن الأمر الغيري
إن كان عبادة المرتبة الشديدة للإرادة الموجودة كما صححنا به الجواب فلا
محالة لا يتعلق إلا بذات الراجح لا بما هو راجح إذ المفروض اشتداد الرجحان
الموجود ومتعلقه كأصله نفس العمل فكيف يدعو الأمر الغيري إلى الراجح بما
هو راجح، وإن كان عبارة عن إرادة أخرى (1) متعلقة بما تعلقت به الإرادة الأولى

1 - لا يخفي أن تعلق الإرادة بالمراد بما هو مراد غير معقل في نفسه إذ ليس الفعل بحيثية مراديته
شرعا تحت قدرة المكلف بل الغرض من إتيانه بما هو مراد إتيانه بداعي كون مرادا فالترديد بين تعلق
الإرادة الغيرية بذات المراد القابل للاشتداد مع أنه ليس بذاته مقدمة حتى يتعلق به أمر مقدمي وبين
تعلق الإرادة بإتيانه بداعي كونه مرادا فالأمر متعلق بالمقدمة العبادية إلا أن هذا المقيد ليس له أمر نفسي
بل ذات الفعل فكيف يشتد الإرادة مع اختلاف الموضوعين فيجاب عنه بما أجبنا عنه في الحاشية.
وتوضيحه بحيث يندفع عنه بعض الإشكالات هو أن الأمر الغيري متعلق بالوضوء عن داعي إرادته
الندبية النفسية وحيث أن الأمر متعلق بهذا الخاص ينبعث منه أمر مقدمي إلى ما يحقق الخصوصية وهو
جعل إرادته النفسية داعيا فيورد عليه حينئذ بأن الإشتداد إنما يكون إذا تعلق الأمر بذات المقيد في
ضمن الأمر بالمقيد بما هو مقيد حتى يخرج الإرادة النفسية المتعلقة بذات المقيد عن حد الضعف إلى
الشدة مع أن المعروف إن الجزء التحليلي لا أمر به في ضمن الأمر بالخاص بما هو خاص ويندفع بما
حققناه في باب البراءة بأن الأمر بالمقيد على قسمين:
أحدهما أن يتعلق الأمر بالخاص بما هو خاص بحيث يكون الخصوصية مقومة له ودخيلة في أصل
وفائه بالغرض.
وثانيهما أن يتعلق الأمر بالمشروط بشرط والشرط ليس مقوما للمقتضي بل دخيل في فعلية الغرض
وفي ترتب المقتضى على مقتضيه ففي الأول كما لا انحلال في البراءة كذلك لا أمر مقدمي بذات
الخاص وفي الثاني حيث أن القيد شرط لا مقوم للمقتضى فلا محالة يستحيل أن يكن مبعوثا إليه
بعين البعث بالمشروط المنبعث عن الغرض القائم بنفس المشروط ومن الواضح أن قصد القربة
شرط لا مقوم للمقتضى وعليه فلذات المشروط أمر مقدمي ولشرطه أيضا أمر مقدمي منبعث عن الأمر
الغيري بالمشروط فلا مانع من الإشتداد (منه).
381

بما هي مرادة، فهو غير معقول لأن الإرادة الشديدة مثل أقوي للإرادة الضعيفة، و
اجتماع المثلين محال خصوصا إذا كان أحدهما أقوى فان الضعيف يضمحل
بعروض القوي، وحيث لا يبقى الإرادة الأولى فكيف يعقل أن تكون الثانية داعية
للمراد بما هو مراد كي يكون داعيا للداعي بل الظاهر أن الاكتفاء بالأمر الغيري لما
أشرنا إليه من أن نفس الرجحان النفسي الذي هو عبارة عن إرادته المنبعثة عن
ملاك في نفسه متحققة في ضمن الوجوب الغيري إذ الإرادة الموجودة بملاكها
تشتد بوجود ملاك آخر نفسيا كان أو غيريا فيمكن للمكلف إتيان العمل بقصد
رجحانه المتأكد لا من حيث أنه متأكد بل من حيث أصله فهو الداعي لا أنه داع
إلى الداعي.
لا يقال: فعلى هذا لم يتعلق الأمر بالمقدمة إذ المفروض أن المقدمة عبادية و
عباديتها باتيانها بقصد رجحانها، والمفروض أيضا اشتداد رجحانها لا تعلق الأمر
الغيري بالفعل المأتي به بقصد رجحانه، مع أن الأمر المقدمي لا يعقل تعلقه إلا
بالمقدمة.
لأنا نقول: وإن كانت الطهارة مثلا بما هي مرادة مقدمة لكنها بذاتها أيضا
مقدمة لأن أجزاء المقدمة أيضا متصفة بالمقدمية فإرادته لذات الطهارة توجب
اشتداد إرادتها النفسية الندبية، وإرادتها بما هي مرادة من حيث ذات الإرادة
بمعنى إتيانها بقصد إرادتها النفسية إرادة أخرى مقدمية لكنها ليست في عرض
الأولى، ولا متعلقة بذات العمل حتى يكون من اجتماع المثلين بل متعلقة في
الحقيقة باتيانها بداعي رجحانها أي بجعل الداعي إليها رجحانها، ولا يمكن
إجراء هذا المعنى في الإرادة الأولى للزوم تعلقها بالعمل بداعي رجحانه مع أن
382

استحبابه لا يبقى كي يمكن أن يؤتى به بهذا الداعي إلا بفرض الاشتداد وبقاء
أصل الرجحان، وفي مثله يستحيل اعتبار قصد الرجحان المتحقق في ضمنه بل
لابد أن يتعلق بذات المراد حتى تشتد الإرادة فتدبر.
وأما لو أريد من الوجوب نفس البعث بالانشاء لا الإرادة النفسانية فمضادته
للاستحباب واضحة، والحركة والاشتداد من مرتبة الاستحباب البعثي إلى
الوجوب البعثي غير معقولة لأنهما أمران اعتباريان بسيطان، واختلاف قول
طبيعة الوجوب أو الندب على أفرادهما معقول إلا أن لازمه كون الطبيعتين مما
يجري فيه التشكيك لا الحركة والاشتداد المختصين ببعض المقولات دون الكل
فضلا عن الاعتبارات، وعليه فلو كان مناط الرجحان الذاتي استحبابه شرعا فلا
محالة يزول الحكم الاستحبابي رأسا، ويثبت الحكم الوجوبي جدا فلا يمكن
إتيان المقدمة بداعي استحبابه الذاتي، ولا مناص حينئذ إلا دعوى كفاية إتيانها
بداعي مصلحتها النفسية (1) التي هي ملاك استحبابها ورجحانها الذاتي لكنه
بعنوان كونها داعية للمولى لولا المانع فإنه نحو من الانقياد للمولى فيندرج تحت
العنوان الحسن المضاف إلى المولى بذاته، أو دعوى أن المراد من رجحانها
الذاتي حسنها الذاتي لا استحبابها الشرعي، ولا نعني بحسنها الذاتي ملائمتها
للقوة الباصرة أو الشامة بل الحسن العقلي الذي يمدح عليه فاعله فان النظافة من

1 - نعم من يقول بأن الأمر الغيري غير مقرب وان الإتيان بداعي الحسن الذاتي والمصلحة الذاتية
لا يوجب العبادية وإن العبادية متقومة بالإتيان بداعي الأمر النفسي فقد يشكل عليه الأمر ويمكن أن
يقال ببقاء الاستحباب النفسي وعدم عروض الوجوب الغيري هنا إذ مع بقاء المقدمة على استحبابها
النفسي يلزم اجتماع المتضادين وهو محال ومع عدم بقائها على استحبابها يلزم عدم تعلق الوجوب
المقدمي بالمقدمة العبادية فيلزم من وجوده عدمه وهو محال فبقاء الاستحباب لا مانع منه لاستحالة
المانع غاية الأمر أن العقل هو الملزم بإتيان المقدمة بداعي استحبابها كما لا مناص عنه على
القول بعدم وجوب المقدمة شرعا كلية فتدبره جيدا (منه).
383

منافيات الحضور في موقع التعبد، أدب يمدح عليه العبد بل حيث إن العبد دائم
الحضور بين يدي الله تعالى فالنظافة مطلقا من آداب العبودية وبهذا الاعتبار ورد
أن " من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني " (1) فان ترك الأدب جفاء وعليه فالتطهر
للغايات الشرعية بل مطلقا حسن على نحو يرتبط بالمولى ويستحق من قبله
الثواب ولو لم يكن الأمر داعيا.
قوله: حيث إنه لا يدعو إلا إلى ما هو المقدمة الخ: لا يخفى عليك أن
الأمر وإن تعلق بما هو المقدمة فلا يدعو إلا إليها إلا أنه إنما يجدي فيما إذا لم
يكن حاجة في عباديتها وقربيتها إلى داع من الدواعي فان قصد ما هي المقدمة
حينئذ قصد إجمالي لما هو الحسن بالذات، وأما إذا كانت قربيتها موقوفة على
الداعي فهو لا يعقل إلا مع الالتفات إليه حتى ينبعث منه القصد إلى ذات
المقدمة، وإلا فالقصد إلى ذات المقدمة منبعث عن نفس الأمر الغيري وإن كان
واقعا متعلقا بالفعل المأتي به بداعي رجحانه، والمناسب لعنوان الاكتفاء بالأمر
الغيري هو الأول فان قصد ما هي المقدمة قصد إجمالي للراجح بالذات، وأما
الثاني فمع الالتفات لا معنى للاكتفاء لأن الداعي الحقيقي موجود، ومع الغفلة لا
يعقل وجوده في النفس ليكون داعيا، ومنه يظهر أن العنوان الراجح إذا كان
قصديا أنما يكون مقصودا اجمالا مع الالتفات، وأما مع الغفلة فلا قصد إلا إلى
ذات المعنون بل سيجيئ إنشاء الله تعالى الاشكال في صورة الالتفات إلى
العنوان المجهول ولا يمكن الالتزام برجحان ذات المعنون، وإلا وقع دائما
راجحا سواء كان الأمر أو غيره داعيا أو لا فافهم واستقم.
قوله: أحدهما ما ملخصه أن الحركات الخاصة الخ: حيث إن الغرض
من الأمر الغيري بما هو غيري هو التوصل لا العبد، ومقربيته على فرض جعله
داعيا تبعية فلا محالة لا توجب قربا، ولا ثوابا مستقلا فالغرض من هذا الوجه

1 - وسائل الشيعة ج 1 ص 268 حديث 2. بحار الأنوار ط بيروت ج 77 حديث 18.
384

ليس صيرورة الأمر داعيا بهذه الحيلة والوسيلة (1) إذ لا يخرج بذلك عن كونه أمر
غيريا غير قابل للمقربية والمثوبة بالاستقلال بل الغرض تصحيح القربية و
المثوبة بنفس العنوان المجهول من طريق الأمر.
وبيانه بحيث يندفع عنه ما أورد عليه هو أن الوضوء حيث إنه بنفسه غير
مرتبط بالمولى فلابد في مقربيته وإيجابه لاستحقاق الثواب من ارتباطه بعنوان
حسن إلى المولى، والشئ قد يكون بذاته قابلا لارتباطه وإضافته إلى المولى
كنفس تعظيم المولى، وقد لا يكون كك بذاته كتعظيم " زيد " فإنه مرتبط بزيد لا
بالمولى لكنه قابل للارتباط بالعرض، وهو ما إذا " عظم زيدا " بداعي أمر المولى و
إرادته، وكل ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات فينطبق على المأتي به بهذا الداعي
عنوان الانقياد للمولى والاحسان إليه وأمثالهما، وهذه عناوين قابلة للارتباط
بذواتها، وحيث إن الوضوء بذاتها غير قابل لارتباطه إلى المولى فلابد في قبوله
للارتباط من فرض عنوان حسن ينطبق عليه بحيث كان من العناوين المضافة
بذواتها، ولما لم يكن ذلك العنوان معلوما جعل الشارع أمره الغيري الغير
المقرب طريقا إلى ذلك العنوان لأنه لا يتعلق إلا بما هي المقدمة واقعا، وهو
الوضوء بذلك العنون الحسن المرتبط بنفسه إلى المولى فيصدر الوضوء منه
معنونا بعنوان حسن، مضاف إلى المولى، ولا يتوقف المقربية والمثوبة إلا على
أمرين كون الشئ حسنا بالذات أو بالعرض، وكونه مرتبطا إلى المولى الذي
يستحق من قبله الثواب بالذات أو بالعرض وكون اتيان الشئ بداع الأمر مقربا
أو موجبا للثواب ليس جزافا بل لأنه يوجب حسن المأتي به لو لم يكن حسنا في
نفسه، ويوجب ارتباطه إلى المولى حيت يصح استحقاق الثواب من قبله فإذا كان

1 - نعم لو كان الإشكال في مجرد عدم كون الأمر داعيا لمعلومية الغرض وهو التوصل إلى ذي
المقدمة لكانت الحيلة في جعل الأمر داعيا مجدية وإلا فلو كان الإشكال امتناع دعوة الأمر الغيري
بالاستقلال بحيث توجب القرب والثواب فلا مجال للحيلة في جعل الأمر داعيا (منه).
385

الشئ بنفسه حسنا وبذاته قابلا للارتباط كالتعظيم ونحوه فلا وجه لاعتبار
دعوة الأمر في المقربية ولا في استحقاق الثواب، وعلى هذا ينبغي حمل هذا
التوجيه فإنه وجيه.
ويمكن أن يقال: إن احتمال فائدة عائدة إلى الإنسان وإن أمكن أن يكون
داعيا له إلى فعل خاص إلا أن القصد لا يمكن لا يمكن أن يتعلق إلا بالمبين والمعين (1) لا
بالمجهول والمردد لوضوح ان الشوق النفساني لا يتشخص في مرحلة وجوده
إلا بمتعلقه، والمجهول والمردد بما هما مجهول ومردد، لا لتشخص لهما كي
يكون الشوق الشخصي الذي هو جزئي حقيقي متشخصا بما.
ودعوى إمكان تعلق الصفات الحقيقية بالمردد كالعلم الاجمالي كما عن
شيخنا وأستاذنا العلامة رفع الله مقامه بعيدة عن أنظاره الثاقبة لأن طرف العلم

1 - لا يقال إذا كان العنوان مجهولا بقول مطلق فان قصده محال وكذا قصد المردد بما هو مردد
وأما قصد العنوان الخاص الواقعي بعنوان منطبق عليه وإن كان قابلا للانطباق على غيره أيضا فلا مانع
منه وبالجملة مع تردد العنوان الواقعي بين عنوانين معلومين يمكن الإشارة إليه بالعنوان الجامع المنطبق
عليه فيكون القصد إلى الجامع الفاني في ذات ما ينطبق عليه واقعا قصدا تفصيليا إلى الجامع وقصدا
إجماليا إلى ما ينطبق عليه.
لأنا نقول: انطباق الجامع على فرد وإن كان قهريا إلا أنه ما لم يوجد الفرد لا يوجد الجامع منطبقا
عليه والمفروض أن ما هو عنوان حسن بالحمل الشايع قصدي فما لم يوجد في مرحلة القصد لا يكون
الجامع مقصودا بالتبع وأما القصد إلى مفهوم العنوان الحسن فليس قصدا ولو إجمالا لما هو بالحمل
الشائع حسن وليس الأثر مترتبا على قصد مفهوم العنوان الحسن بل على مصداقه وما هو بالحمل
الشائع عنوان حسن فتدبره فإنه حقيق به.
مضافا إلى ما ذكرنا في الحاشية السابقة أن العنوان إن كان قصديا فلابد من الالتفات إليه مع أنه يصح
الوضوء بداعي الأمر وإن كان غير ملتفت إلى عنوان راجح ينطبق عليه ولا يمكن الإلتزام بأن ذلك
العنوان قهري الانطباق فان العنوان الحسن الممدوح عليه يستحيل أن يكون غير اختياري فتدبر جيدا
(منه).
386

الذي به تشخص العلم مفصل دائما، وإنما المردد متعلق للظرف بمعنى أن
النجاسة معلومة ومتعلقها غير معلوم، وضم عدم العلم بشئ إلى العلم بشئ
صار سببا لهذا الاسم، وإلا لم يعقل تعلق الصفة الحقيقة الشخصية بالمردد،
كيف والوحدة رفيق الوجود تدور معه فالمردد بما هو مردد غير موجود بمعنى
المردد بالحمل الشايع لا بالحمل الأولي فإنه على الثاني متقوم معين، وعلى هذا
فالقصد لا يعقل تعلقه بالفعل المعنون بعنوانه المجهول والمردد، مضافا إلى أن
بعض العناوين متقوم بالقصد التفصيلي كالتعظيم والسخرية مثلا فان إتيان الفعل
بما له من العنوان المطلوب وقوعه واقعا لا يجعله تعظيما ولا سخرية.
قوله: ثانيهما ما محصله أن لزوم وقوع الطهارة الخ: هذا هو الجواب
الثاني (1) من الجوابين اللذين أجاب بهما العلامة المحقق الأنصاري - قدس سره -
في كتاب الطهارة (2) بأدنى تغيير، كما أن الجواب الأول يوافق جوابه الأول بعض
الموافقة وإن كان المظنون رجوع ما في كلامه - قده - إلى رجحان الطهارات ذاتا،
والاكتفاء بالأمر الغيري لقصد ذاك العنوان الراجح، ولا يخفى عليك أنه لا فرق
بين هذا الوجه والتصحيح بأمرين من حيث تعلق الأمر بنفس الوضوء، غاية الأمر
أن اعتبار قصد امتثال الأمر الغيري هنا من جهة الدليل على دخله في الغرض كما
في العبادات على التحقيق، وفي الوجه الآتي يكون معتبرا شرعا بأمر آخر فكما
يرد على الوجه الآتي للزوم تعلق الامر بغير المقدمة كك يرد على هذا الوجه
فتخصيصه به بلا مخصص، وفي كلام المجيب قده تصريح بأن الأمر الغيري

1 - لا يخفي عليك أن الإشكال المذكور في كتاب الطهارة ليس في مقربية الأمر الغيري وترتب
الثواب على موافقته بل في صيرورة المقدمة تعبدية بالأمر بها للزوم الدور وحينئذ فالجواب عنه
بتعبديتها في ذاتها أو لزوم إتيانها بداعي الأمر بدليل آخر أو بأم آخر جواب مطابق للإشكال (منه).
2 - كتاب الطهارة ص 87. مطارح الأنظار ص 71 ولا يخفى أن هذا هو الوجه الثالث من وجوه
تفصي التقريرات عن إشكال اعتبار قصد القربة في الطهارات الثلاث.
387

حينئذ محقق لمقدميته مغن عن أمر آخر فراجع، ولا يخفى أيضا أن قصد امتثال
الأمر الغيري لو كان موجبا لكون الوضوء عبادة مستقلة فلا محالة يترتب عليها
الثواب كسائر العبادات فلا وجه للاشكال على ترتب الثواب ولو لم يكن موجبا
لذلك حيث إن تبعية الأمر المقدمي لا يقتضي إلا الانقياد التبعي لا يجعل الشئ
عبادة مستقلة في عرض ذي المقدمة وحينئذ فلا مجال لتخصيص إلا الاشكال
بترتب الثواب والأمر الغيري لا يخرج عن كونه غيريا معلوليا بالقصد إليه تفصيلا
أو إجمالا فافهم واغتنم.
قوله: إذ لو لم تكن بنفسها مقدمة لغاياتها الخ: قد عرفت الجواب عنه
من مطاوي كلماتنا سابقا إذ جميع الأجزاء المقدمة موصوفة بالمقدمية فيصح
تعلق الأمر المقدمي بذات الوضوء لدخله في الصلاة وإن كان لإتيانه على وجه
القربية دخل أيضا إلا أنه لا يمكن تعلق الأمر الغيري بالمقدمة المتوقفة مقدميتها
التامة على الأمر الغيري لمحذور الدور بخلاف ذات المقدمة فإنها مقدمة ناقصة
لبداهة دخلها فيتعلق بها الأمر المقدمي.
قوله: ولو لم يأت بها بقصد التوصل بها الخ: بل لا يمكن قصد
التوصل (1) إذ لو كان عباديتها بقصد التوصل بها لكان في حد ذاتها مما لا يمكن

1 - إذا المفروض إن العبادة جعلت مقدمة للصلاة فقصد التوصل متعلق بالعبادة فيكون من قبيل
داعي الداعي ويستحيل أن يكون داعيا بحيث يوجب العبادية إلا بناء على ما ذكرنا من أن جزء المقدمة
مقدمة فإنه قابل للتوصل به فيصير بقصد التوصل عبادة نعم هو غير لازم في وقوع الوضوء عبادة بعد
إتيانه بداعي استحبابه النفسي.
ولعل نظره - قده - إلى ما ذكر في الفقه من لزوم قصد غاية من الغايات في وقوعه مستحبا لكنه غير
قصد التوصل به إلى غاية من الغايات فان الوضوء للنوم ليس من باب التوصل إلى غاية مستحبة يكون
الوضوء مقدمة لها بل الوضوء للنوم مستحب فكون استحبابه للغير غير كون استحبابه غيريا ناشئا من
استحباب الغير حتى يتصور قصد التوصل به إلى ذلك المستحب (منه).
388

التوصل بها فكيف يتعلق قصد التوصل بها فلابد من أن يكون مع قطع النظر عن
قصد التوصل بها معنونة راجح يصحح عباديتها، ومنه يظهر عدم إمكان
القول بقصر العنوان الراجح على الوضوء المأتي به بقصد التوصل إلى غاية من
الغايات فلا تغفل.
قوله: فان الأمر الغيري لا يكاد يمتثل الخ: إن أريد اعتبار حيثية التوصل
بالمقدمة إلى ذيها بنحو الحيثية التقييدية لموضوع الأمر الغيري فهو خلاف ما
سيأتي منه - ره - من عدم تعلق الأمر بالمقدمة بعنوانها، وإن أريد اعتبارها بنحو
الحيثية التعليلية فمن الواضح استحالة اجتماع داعيين مستقلين في الدعوة بل
مقتضى الاعتبار استقلال الأمر الغيري حينئذ للدعوة لما قد مر غير مرة، أن الأمر
الغيري معلول للأمر النفسي فيكون الانقياد له، والانبعاث عنه تبعا للانقياد و
الانبعاث عنه، وعليه فلا يعقل الانبعاث عن البعث الغيري إلا عند الانبعاث عن
البعث النفسي لكنه غير قصد التوصل إلى الغير لأن الباعث إلى قصد اتيان
المقدمة أمرها الغيري لمكان انقياده لعلته وانبعاثه عن سببه، والانقياد للعلة
يستلزم الانقياد للمعلول قهرا فلا تصل نوبة الدعوة، والمحركية إلى قصد التوصل
بالمقدمة إلى ذيها فامتثال الأمر المقدمي حيث إنه فرع امتثال الأمر بذي المقدمة
فلا محالة يستلزم قصد ذيها لا قصد التوصل بها إلى ذيها، بل هو الداعي لو لم
يكن هناك أمر مقدمي، أو كان الداعي إلى ذي المقدمة الغرض القائم بها فان
الداعي إلى إتيان المقدمة حينئذ هو التوصل بها إلى ذيها إذ لا معلول تبعي على
الأول ودعوة للعلة الفاعلية على الثاني، فلا محالة ينحصر الداعي لقاصد ذيها
في التوصل بها إلى ذيها.
قوله: وهذا هو السر في اعتبار قصد الخ.
لما مر منا سابقا من أنه نحو انقياد للأمر النفسي بالتبع (1) فتكون عبادة تبعية لا

1 - فان المسلم عنده - قده - من كون المقدمة عبادة بقصد التوصل فيما إذا كان بعنوان الشروع
في إطاعة الأمر النفسي ولا يكون بهذا الوجه عبادة تبعية إلا إذا قصد به التوصل إلى إطاعة الأمر
النفسي (منه).
389

مستقلة في عرض العبادة النفسية.
قوله: والمقدمية أنما تكون علة لوجوبها الخ: لكنه مما تقرر في محله
هو أن الحيثيات التعليلية راجعة إلى الحيثيات التقييدية في الأحكام العقلية، و
لذا قيل الأغراض في الأحكام العقلية عناوين لموضوعاتها لأن الغاية وجودها
العملي علة لوجودها العيني إذا تمت سلسلة العلل والمعلولات، وخرجت من
حد الامكان إلى الوجوب فالمراد الجدي ما يترتب عليه الغاية من حيث إنه كك
فالمطلوب الحقيقي هي الغاية، وعليه فالمطلوب هي المقدمة من حيث إنها
مقدمة فإذا أتى بها من حيث مقدميتها كان ممتثلا للأمر الغيري، وإلا فلا وإن كان
مسقطا للغرض حيث إن ذاتها مقدمة بالحمل الشايع وليس الغرض دخل قصد
التوصل في المقدمية حتى يقال بأنه محال، وأنه لو لم يقصد ذلك لم يكن آتيا
بالمقدمة بل الغرض دخله في امتثال الأمر الغيري فافهم جيدا.
" الأمر الرابع في تبعية المقدمة لذيها في الإطلاق والاشتراط "
قوله: وأنت خبير بان نهوضها الخ: حيث إن الحاكم فيها هو العقل وهو
يرى وجوب المقدمة من رشحات وجوب ذيها وإذ لا يعقل اشتراط وجوب ذيها
بإرادته للزوم انقلاب الإيجاب إلى الإباحة (1) كك لا يعقل اشتراط إيجاب

1 - ويمكن أن يقال بأن البعث حيث أنه لجعل الداعي الموجب لانقداح الإرادة فله السببية للإرادة
فكيف يكون مشروطا بالإرادة ولا يجديه اشتراطه بالإرادة بنحو الشرط المتأخر إذ كفاية تأخر العلة عن
المعلول غير علية المتقدم للمتأخر أيضا فإنه يؤل إلى علية الشئ لنفسه نعم سيجئ إنشاء الله تعالى أن
جعل الداعي بوجوده العلمي علة فلا ينافي يكون بوجوده الخارجي معلولا (منه).
390

المقدمة بإرادة ذيها لأنه فرع اشتراط وجوب ذيها فلا وجه لدعوى نهوض دليل
وجوب المقدمة على اشتراطه بإرادة ذيها.
قوله: وعدم دخل قصد التوصل فيه واضح الخ: قد عرفت انفا أن
الحيثيات التعليلية في الاحكام العقلية راجعة إلى التقييدية (1) وأن الأغراض في
الاحكام العقلية عناوين لموضوعاتها، فإذا كانت مطلوبية المقدمة لا لذاتها بل

1 - لا يخفي أن الوجه في اعتبار قصد التوصل في مصداقية المقدمة للواجب مركب من أمرين:
أحدهما رجوع الحيثيات التعليلية إلى الحيثيات التقييدية في الأحكام العقلية فالتوصل هو الواجب
بحكم العقل لا الشئ لغاية التوصل.
ثانيهما أن التوصل إذا كان بعنوان واجبا فما لم يصدر هذا العنوان عن قصد واختيار لا يقع مصداقا
للواجب وإن حصل منه الغرض مع عدم القصد والعمد إليه ويمكن الاعتراض على كلا الأمرين أما على
الأول فبالفرق بين الأحكام العقلية العملية والاحكام العقلية النظرية فان مبادي الأولى هو بناء العقلاء
على الحسن والقبح ومدح فاعل بعض الأفعال وذم فاعل بعضها الآخر وموضوع الحسن مثلا هو
التأديب لا الضرب لغاية التأديب إذ ليس هناك بعث من العقلاء لغاية فإنها لا تتكفل إلا الاذعان بالواقع.
ومن الواضح أن الإرادة التشريعية على طبق الإرادة التكوينية فكما أن الإنسان إذا أراد شراء اللحم
يريد المشي إلى السوق والأول لغرض مترتب على الشراء والثاني لغرض مترتب على المشي إلى
السوق كذلك إذا وقع الأمر أن طرفا للإرادة التشريعية فان المولى لا يريد إلا ذلك الفعل الإرادي الصادر
من العبد وبعثه النفسي والمقدمي إيجاد تسبيبي للفعل ومقدمته وليس حكم العقل الاذعان بالملازمة
بين الإراديتين لا أنه حكم ابتدائي بوجوب الفعل عقلا حتى لا يكون لا معنى إلا الاذعان بحسنه الملزم
حيث لا بعث ولا زجر من العاقلة لينتج إن الحسن في نظر العقل هو التوصل لا الفعل لغاية التوصل،
وأما الاعتراض على الثاني فبأن الممدوح عليه هو التأديب بالحمل الشائع كما أن الواجب هنا هو
التوصل بالحمل الشائع إلا أن التأديب بالحمل الشائع اختياريته بقصد عنوان التأديب لا باختيارية
الضرب فإنه إذا صدر الضرب فقط بالاختيار لم يصدر منه تأديب اختياري بخلاف التوصل بالحمل
الشائع فان عنوانه لا ينفك عن المشي إلى السوق فإذا صدر المشي بالاختيار كان توصلا اختياريا من
دون لزوم قصد عنوان التوصل (منه).
391

لحيثية مقدميتها والتوصل بها فالمطلوب الجدي والموضوع الحقيقي للحكم
العقلي نفس التوصل، ومن البين أن الشئ لا يقع على صفة الوجوب، و
مصداقا للواجب بما هو واجب إلا إذا أتى به عن قصد وعمد حتى في
التوصليات لأن البعث تعبديا كان، أو توصليا لا يتعلق إلا بالفعل الاختياري
فالغسل الصادر بلا اختيار، وإن كان مطابقا لذات الواجب ومحصلا لغرضه لكنه
لا يقع على صفة الوجوب أي مصداقا للواجب بما هو واجب بل يستحيل أن
يتعلق الوجوب بمثله فكيف يكون مصداقا له فاعتبار قصد التوصل في وقوع
المقدمة على صفة الوجوب مطلقا من جهة أن المطلوب الحقيقي بحكم العقل
هو التوصل وما لم يقع الواجب على وجهه المتعلق به الوجوب وهو كونه عن
قصد وعمد لا يقع مصداقا للواجب بما هو واجب.
قوله: ولذا اعترف بالاجتزاء بما لم يقصد الخ: قد عرفت أن عينية
المأتي به لذات المأمور به وكونه محصلا لغرضه لا دخل لها بوقوعه على صفة
الوجوب فلا يكون التخصيص بلا مخصص.
قوله: نعم انما اعتبر ذلك في الامتثال الخ: قد عرفت أنه لا يعتبر من
حيث الامتثال الموجب لترتب الثواب بل من حيث أن ذات الواجب إذا لم
يصدر عن قصد وعمد إليه لا يقع مصداقا له لتعلقه بالاختياري ولو في التوصلي.
قوله: فيقع الدخول في ملك الغير واجبا الخ: إذا فرض فعلية وجوب
انقاذ الغريق وتنجزه عليه بالالتفات إليه فلا يقع الدخول واجبا كما لا يقع حراما
أما عدم وقوعه واجبا فلما عرفت من أن الواجب الحقيقي هو التوصل وهو وإن
كان موجودا واقعا لكنه لعدم القصد إليه لا يقع مصداقا للواجب بما هو واجب، و
أما عدم وقوعه حراما فلان المفروض تنجز وجوب ذي المقدمة فلا يمكن أن
يكون ذات المقدمة حراما لاستحالة إيجاب الإنقاذ بالحرام لكونه ممنوعا شرعا
فيكون ممتنعا عقلا والأمر به محال، وحيث إن الواجب أهم فلا مخالفة يسقط
الحرمة فتدبر جيدا.
392

ولا يخفى عليك أن ارتفاع الحرمة ليس من جهة وجوب المقدمة حتى يقال
بأنه بعد الالتزام بوجوب التوصل فالغصب المعنون بعنوان التوصل قصدا مرفوع
الحكم دون الغصب مطلقا بل الغصب لا بعنوان التوصل يقع حراما ولم يقع
واجبا بل قد عرفت أن ارتفاع الحرمة لمكان أهمية انقاذ الغريق ومقدمية الغصب
في ذاته.
نعم التحقيق أن الالتزام بعدم حرمة الغصب إذا بنى على عدم الانقاذ في غاية
الاشكال بل يجب القول بحرمته بناء على الترتب فان حرمة الغصب في ظرف
عصيان الأمر بالأهم وهو ظرف سقوط الأمر بالأهم لا مزاحم لها فالغصب في
صورة البناء على عدم إتيان الأهم مع استمراره على البناء المزبور باق على
حرمته لعدم المزاحم فتدبر. وأما على القول بالمقدمة الموصلة فغايته عدم
وجوب غير الموصلة لا حرمتها.
" المقدمة الموصلة "
قوله: وليس الغرض من المقدمة إلا حصول ما لولاه الخ: لا يخفى
عليك أن ما أفاده قده وإن كان هي الجهة الجامعة لجميع المقدمات من السبب و
الشرط والمعد (1) إلا أن هذا المعنى السلبي التعليقي ليس أثر وجود المقدمة، و

1 - توضيحه أن الملاك الموجود في جميع المقدمات عند المشهور أحد أمور: أما الاستلزام
العدمي وهو ما يستلزم من عدمه العدم كما نص به صاحب التقريرات، وأما إمكان حصول ذي المقدمة
وأما التمكن من ذي المقدمة والقدرة عليه كما في كلماته - قده - والكل مخدوش:
أما الاستلزام العدمي فهو لازم العلية بأنحائها لا حقيقتها لأن حقيقة المقتضى متقومة بترشح
مقتضاه منه وحقيقة الشرط متقومة بكونه مقربا للمعلول إلى علته وكل هذه الخصوصيات معان ثبوتية
يلزمها عدم المعلول عند عدمها.
وأما الإمكان فامكان المعلول ذاتا بالنظر إلى ذاته وإن كان علته مستحيلة وإمكانه الوقوعي يتبع
إمكان علته لا وجود علته فلا يكون أثر وجود العلة إمكان المعلول ولو وقوعيا، وأما الامكان
الاستعدادي الذي هو لازم الوجود دائما فهو بالإضافة إلى الأفعال الاختيارية المتوقف إمكانها
الاستعدادي على وجود القدرة والقوة المنبثة في العضلات وإن كان من لوازم وجود المقدمة إلا أن مثل
هذه المقدمة أعني القدرة مقدمة وجوبية والكلام هنا في المقدمة الوجودية، وأما بالإضافة إلى غير
الأفعال الاختيارية فلا إمكان استعدادي إلا في المقتضى فإنه الذي يكون وجوده وجود مقتضاه في
مرتبة ذاته دون غيره من المقدمات كالشرط والمعد فكيف يمكن جعل إمكان ذي المقدمة استعداديا من
لوازم وجود المقدمة مطلقا.
وأما التمكن من ذي المقدمة والقدرة عليه فهو من لوازم القدرة على المقدمات كما هو المعروف
لا من لوازم وجودها نعم مع عدم المقدمة يمتنع وجود ذيها امتناعا بالغير لا ذاتا ولا وقوعيا ولا
استعداديا فلا يمنع عن تعلق التكليف به، ولا واسطة بين الامتناع بالغير والوجوب بالغير حتى يكون أثر
وجود المقدمة، بل كما مر أثر وجود المقتضى ترشح مقتضاه منه، وأثر وجود الشرط تمامية الفاعل
والقابل، وأثر وجود المعد قرب المعلول من علته، وهذه المعاني تارة بالقوة وأخرى بالفعل: فالمقتضى
الموجود فقط بلا اقتران بالشرط فاعل بالقوة والمقتضى ثابت بثبوته لا بثبوته الخاص في نظام الوجود،
والشرط الموجود فقط بلا اقتران بالمقتضى مصحح للفاعل بالقوة لا بالفعل، والمعد الموجود فقط بلا
تأثير فعلي مقرب بالقوة لا بالفعل، والشرط مصحح بالفعل، والمعد مقرب بالفعل، ومن يدعي اختصاص
الوجوب المقدمي بالمقدمات الواقعة على تلك الصفات بالفعل يدعي أن الغرض التبعي المربوط
بالغرض الأصلي النفسي لا يترتب إلا على المقدمات الواقعة على صفة المقدمية بالفعل لا بالقوة كما
أشرنا إليه في الحاشية فتدبر جيدا (منه).
393

لا هو متعلق الغرض كما أن إمكان ذي المقدمة ذاتا ووقوعا، وكذا التمكن منه
غير مترتب على وجود المقدمة بل إمكانه مطلقا والقدرة عليه يتبع إمكانها و
القدرة عليها لا وجودها فذو المقدمة لا يوجد بدونها لا أنه لا يمكن بدونها، أو لا
يتمكن منه بدونها بل الغرض الأصيل حيث إنه مترتب على وجود المعلول
فالغرض التبعي من أجزاء علته ترتب وجوده على وجودها إذا وقعت على ما
394

هي عليه من اتصاف السبب بالسببية، والشرط بالشرطية، وفعلية دخله في تأثير
المقتضى أثره. فوقوع كل مقدمة على صفة المقدمة الفعلية ملازم لوقوع الأخرى
على تلك الصفة، ووقوع ذيها في الخارج وإلا فذات الشرط المجرد عن السبب
أو السبب المجرد عن الشرط أو المعد المجرد عن وقوعه في سبيل الأعداد
مقدمة بالقوة لا بالفعل، ومثلها غير مرتبط بالغرض الأصيل المترتب على وجود
ذي المقدمة فلا تكون مطلوبة بالتبع، وليس الفرق بين الموصل وغير الموصل
إلا بالفعلية والقوة. وملازمة الأول لذي المقدمة وعدم ملازمة الثاني كما سيأتي
إنشاء الله تعالى هذا ما يوافق مسلك صاحب الفصول ره (1).
ويمكن أن يقال أيضا حيث إن المعلول متعلق الغرض الأصيل فلا محالة
تكون علته التامة متعلقة للغرض بالتبع حيث إنها علة ومحصلة لغرضه الأصيل
لأكل ما له دخل، وإن لم يكن محصلا للغرض الأصيل فان وجوده وعدمه مع
عدم الغرض الأصيل على حد سواء فالعلة التامة هي المرادة بتبع إرادة المعلول،
وكما أن الإرادة المتعلقة بالمعلول واحدة، وإن كان المعلول مركبا كك الإرادة
المتعلقة بالعلة التامة واحدة وإن كانت العلة مركبة، وكما أن منشأ وحدة الإرادة
في الأول وحده الغرض، كك المنشأ في الثاني وحدة الغرض وهو الوصول إلى
المعلول، وكما أن إتيان بعض أجزاء المعلول لا يسقط الإرادة النفسية المتعلقة
بالمركب بل باقية إلى آخر الاجزاء وإن كان يسقط اقتضائها شيئا فشيئا كك
الإرادة الكلية المتعلقة بالعلة المركبة لا يسقط إلا بعد حصولها الملازم لحصول
معلولها وإن كان يسقط اقتضائها شيئا فشيئا، وكما أن أجزاء المعلول لا تقع على
صفة المطلوبية إلا بعد التمامية كك أجزاء العلة لا تقع على صفة المطلوبية
المقدمية إلا بعد التمامية لوحدة الطلب في كليهما ومنشأيهما وحدة الغرض.
فان قلت: إذا جعلت إرادة المعلول من أجزاء العلة صح الوصول إلى الغرض

1 - قال - ره - في الفصول الغروية في ص 81 و 86 في التنبيه الأول.
395

الأصيل إلا أن تعلق الأمر المقدمي بالإرادة غير معقول كما سيأتي في المتن وإلا
فلا يترتب على مجموع المقدمات الوصول إلى الفرض الأصيل لامكان الاتيان
بها مع عدم إرادة ذيها.
قلت: إرادة ذيها من أجزاء العلة وتعلق الإرادة التشريعية بها لا مانع منه بل
يستحيل خلافه فان الانسان إذا اشتاق إلى فعل الغير عن اختيار فلا محالة يريد
إرادة الغير له كسائر المقدمات بلا فرق، والشوق إلى إرادة الغير لا مانع منه وإنما
لا يمكن البعث نحو الإرادة لأن المفروض ترتب الغرض على الفعل الصادر عن
إرادة، وفي مثله لا يعقل البعث نحو الإرادة إذ البعث جعل الداعي إلى فعل الغير
ومعناه صيرورته داعيا لإرادته الفعل فالإرادة حينئذ مقومة للانبعاث بالبعث، و
مثلها لا يعقل أن يكون مبعوثا إليه وسيجيئ تتمة الكلام في شرح ما أفيد في
المقام. ومثل هذا المانع غير موجود في تعلق الشوق بإرادة الغير من حيث كونها
من مقدمات المطلوب واقعا فيكون البعث المقدمي المتعلق بما عدا الإرادة
كالبعث النفسي المتعلق بما عدا القربة في التعبديات بل ما نحن فيه أولى لأن
البعث النفسي بنفسه مقدمة لحصول الإرادة وإن لم تكن مبعوثا إليه فالمولى
يحصل غرضه المقدمي بجعل البعث النفسي باعثا إلى الفعل الموجب لتحقق
الإرادة، فلا حاجة إلى البعث المقدمي إلى الإرادة، وبجعل البعث المقدمي نحو
بقية المقدمات كلية وأما في مرحلة الواقع فجميع المقدمات مرادة بإرادة واحدة
لغرض الوصول إلى ذيها ووحدة البعث وتعدده لا ينافي وحدة الإرادة الجدية
كما في أجزاء الواجب النفسي إذا بعث نحو كل واحد واحد بخصوصه.
قوله: لعدم كونها بالاختيار وإلا لتسلسل الخ: قد أسمعناك في بعض
الحواشي السابقة أن الإرادة لا يمكن أن تكون إرادية إلى الاخر للزوم التسلسل و
أما ثبوت الإرادة عن إرادة فقط فلا محذور فيه بداهة أن من لا شوق له إلى فعل
الصلاة يمكن أن يحدث في نفسه الشوق إليها بالتأمل فبما يترتب على متابعة
هواه مخالفة مولاه إلى أن يحدث في نفسه الشوق إليها فينشأ الشوق إليها عن
396

شوق متعلق بالتأمل الموجب لحدوثه.
وأما سر عدم التكليف المقدمي بالإرادة فلما أسمعناك آنفا أن الغرض حيث
إنه مترتب على الفعل الصادر عن إرادة لا عن إرادة منبعثة عن إرادة أخرى، و
هكذا فحينئذ لا مجال للبعث نحو الإرادة إذ معنى البعث جعل الباعث والداعي
نحو الشئ ولا يكون البعث باعثا وداعيا إلا بواسطة الإرادة فالإرادة بنفسها
مقومة للانبعاث نحو الفعل ولا يعقل أن تكون الإرادة مبعوثا إليها إلا إذا أريد
انبعاثها عن إرادة والمفروض ترتب الغرض على مجرد الفعل الصادر عن إرادة
بل مقتضى النظر الدقيق أن الغرض دائما مترتب على ذات الفعل وأن الإرادة لا
مقدمية لها دائما وأنما اعتبرت الإرادة من جهة أن البعث والانبعاث حتى في
التوصليات لا يكون إلا عن إرادة لتقومها بها فهي مقدمة للفعل الواقع على صفة
المبعوثية والوجوب لا له مطلقا.
وقد عرفت أيضا أن إرادة الغير كساير مقدمات فعله مرادة للأمر بإرادة واحدة
ناشئة من غرض الوصول إلى المعلول ولا يلزم من البعث إلى ما عداها تفويت
غرضه لأن نفس البعث النفسي وإن تعلق بالفعل إلا أنه مقدمة للإرادة وانبعاث
المأمور متقوم بها فالبعث إلى كل فعل مقدمة لوجود الإرادة لا أنه بعث نفسي و
مقدمي، وحيث إن نفس البعث النفسي واف بتحصيل الإرادة فلا بعث
بتخصيص البعث المقدمي بما عداها فافهم واغتنم.
قوله: إن التوصل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود الخ: لا
يخفى عليك أن التوصل ينتزع عن المقدمات بملاحظة بلوغها إلى حيث يترتب
عليها الواجب ويمتنع انفكاكها عنه فهو ملازم لترتب الواجب لا أنه منتزع منه
حتى يرجع الأمر إلى شرطية الواجب النفسي لمقدماته كي يتوهم محذور الدور
تارة (1) ولزوم ترشح الوجوب الغيري إلى الواجب النفسي أخرى، أو لزوم

1 - أما محذور الدور فأحسن تقريب له أن فعلية وجود ذي المقدمة متوقفة على فعلية وجود
المقدمة وفعلية وجود المقدمة على الفرض متقومة بوجود ذي المقدمة أما توقف فعلية وجود ذي
المقدمة على فعلية وجود مقدمته لأن المقدمة بالقوة لا يترتب عليها ذوها وأما توقف فعلية المقدمة
على فعلية ذيها فلان المفروض قيدية ذي المقدمة للمقدمة الفعلية الموصوفة بالموصلية.
ويندفع بأن فعلية المقدمة ملازمة لفعلية ذيها لا أن ذاها مأخوذ فيها وأما ما يقال من أن وجوب
المقدمة منبعث عن وجوب ذيها فلو كان ذوها مأخوذا فيها لزم انبعاث وجوب ذي المقدمة من وجوب
المقدمة فيلزم الدور فهو غير صحيح في نفسه لأن وجوب المقدمة معلول لوجوب ذيها نفسيا فلا مانع
من ترشح وجوب غيري من وجوب المقدمة إلى ذيها زيادة على الوجوب النفسي فالوجوب العلي غير
الوجوب المعلولي وأما محذور ترشح الوجوب الغيري إلى الوجوب النفسي فهو واضح.
ومحذوره اجتماع المثلين في الواجب النفسي وحاله حال الواجب النفسي الذي يكون مقدمة
لواجب آخر فكل ما هو الجواب في غير المقام فهو الجواب هنا من التأكد ونحوه (ويندفع) أصله بما
ذكرناه من التلازم فلا مقدمية لذي المقدمة للمقدمة الموصلة حتى يجب غيريا مع وجوبه نفسيا.
وأما محذور الخلف فهو المحذور الذي تعرض له كل من تصدى لدفع هذه المقالة وملخصه أن
إيجاب المتقيد بقيد يقتضي إيجاب ذات المقيد مقدمة لايجاد المتقيد بما هو متقيد وإيجاب ذات
المتقيد إيجاب ذات المقدمة فإيجاب المقدمة الموصلة يقتضى إيجاب ذات المقدمة وهو خلف
(ويندفع) بأنه مبني على توهم التقييد وأما بناء على إيجاب الحصة الملازمة لذي المقدمة فذات الحصة
الملازمة ذات ما تعلق به الوجوب المقدمي لا أنها لحصول المقدمة الموصلة (منه).
397

الخلف من وجوب غير الموصل على فرض وجوب الموصل.
قوله: لو كان ذلك لأجل تفاوت في ناحية المقدمة الخ: عنوان
الموصلية وإن كان من عوارض المقدمة بمعنى ما يلزم من عدمه العدم لكنها
مقومة للمقدمة بمعنى العلة التامة كما عرفت إلا أن تصور عنوان حسن ملازم
فعنوان الواجب في مقدماته ممكن فيكون الشئ بما له من العنوان الحسن
مقدمة فينحصر المقدمة قهرا في الموصلة لكنه أخص مما يدعيه صاحب
الفصول (1) كما لا يخفى.

1 - الفصول: في التنبيه الأول ص 86.
398

قوله: ضرورة أن الموصلية إنما تنتزع الخ: قد عرفت آنفا أن الموصلية
وشبهها من العناوين منتزعة من المقدمة عند بلوغها إلى حيث يمتنع انفكاكها
عن ذيها لا أنها منتزعة من ترتب ذيها نظير عنوان العلية والمعلولية بنحو التمامية
فإنهما عنوانان متضائفان متلازمان ينتزع كل منهما عن ذات العلة، وعن ذات
المعلول فالعلة التامة لا ينتزع إلا عن الشئ عند بلوغه إلى حيث يكون المعلول
به ضروري الوجود لا عن المعلول وكك المعلول ينتزع من الشئ عند بلوغه
إلى حيث يكون بسبب العلة ضروري الثبوت لا عن العلة.
قوله: ضرورة أن الغاية لا تكاد تكون قيدا لذي الغاية الخ: قد عرفت
مما مر أن عنوان التوصل غير ترتب ذي المقدمة على مقدماته فلا مانع أن يكون
مثله قيدا لذات المقدمة بل قد عرفت أنه لابد من أن تكون الغاية في الاحكام
العقلية عنوانا لموضوعاتها فهي المطلوبة بالحقيقة فضلا من أن تكون مطلوبة
بطلب ذي الغاية والذي لا يعقل أن يكون قيدا ومطلوبا بطلبه ترتب ذي المقدمة
على مقدماته فان لازمه ترشح الطلب من الغاية إلى نفسها.
لا يقال: التوصل وإن كان غير ترتب ذي المقدمة بل ملازما له فلا يضر قيديته
إلا أن التقيد في الشروط الشرعية لا يتحقق إلا بتحقق الشروط بها، بداهة توقفه
على الطرفين فلا يعقل أن يكون غرضا ومقصودا من الشروط الشرعية.
لأنا نقول: عنوان التقيد من العناوين الإضافية المتشابهة الأطراف كالأخوة و
الجوار فكل من الشروط والمشروط بها متصف به، والعنوانان المتضائفان
المتشابهان متلازمان لأن المشروط بها علة لحصول الوصف القائم بشروطه
فالصلاة حال وجود شروطها في المكلف ينتزع منها، ومن شروطها عنوان
التقيد، وتقيد كل منهما بالآخر متلازم مع تقيد الاخر فتدبره فإنه دقيق.
قوله: ولعل منشأ توهم خلطه بين الجهة الخ: قد عرفت سابقا وآنفا
رجوع الجهة التعليلية إلى التقييدية في الأحكام العقلية بل في الشرعية المستندة
إليها للبرهان المتقدم.
399

نعم في غيرها لا رجوع بل لا يعقل لأن العلة والمناط حيث إنه مجهول
بعنوانه لا يعقل البعث الجدي والتحريك الحقيقي نحوه بعنوانه لما عرفت من أن
البعث جعل الداعي إلى الشئ ومع الجهل بعنوانه لا يعقل توجه القصد إليه
بعنوانه حتى يعقل جعل الداعي للقصد إليه فافهم واغتنم.
قوله: ثم أنه لا شهادة الخ: لا يخفى أن القائل بالمقدمة الموصلة ليس غرضه
من صحة المنع الاستدلال بها على وجوب الموصلة مطلقا حتى يرد بأن
الاختصاص لأجل المانع وإن ذلك لعارض بل غرضه إبطال دعوى استحالة
وجوب الموصلة كما أفاده شيخنا الأستاذ - قده - وحينئذ فالجواب منحصر بعدم
صحة المنع عن غير الموصلة كما أفيد ثانيا.
قوله: مع أن في صحة المنع عنه كك نظر الخ: قد عرفت معنى الايصال و
مبائنة حقيقته لحقيقة ترتب ذي المقدمة وإن كانا متلازمين فيرجع المنع حينئذ
إلى المنع عن غير العلة التامة أو عن غير الواقع على صفة المقدمية بالفعل فلا
يتوقف الجواز على إتيان ذي المقدمة بل المقدمة الجائزة ملازمة لذيها.
لا يقال: لو كانت العلة التامة بسيطة لم يرد محذور بخلاف المركبة فإنها مركبة
من المقدمات المحرمة لفرض المنع عن المقدمات الناقصة.
لأنا نقول: لا محالة يكون الممنوع هي العلة التي اقتصر عليها من دون
تعقيبها بسائر المقدمات المترتبة في الوجود لا تقع محرمة إذا أتى بها شيئا فشيئا
بخلاف ما إذا اقتصر على بعضها وعلى أي حال لا دخل لذلك بتوقف جوازها
على وجود ذيها بل متلازمان وحيث إنه قادر على المقدمة المباحة فهو قادر
شرعا على ذيها فلا يرد شئ من المحاذير.
قوله: لاختصاص جواز مقدمته بصورة الخ: هذا إذا كان الجواز مشروطا
بنحو الشرط المقارن أو المتقدم (1)، وأما إذا كان بنحو الشرط المتأخر فالباني

1 - لا يخفى على ما أشرنا إليه في الحاشية المتقدمة أن الجواز غير معلق على تعقيب المقدمة
بذيها بل المقدمة المتعقبة بذيها جائزة فالمقدمة الخاصة مباحة فعلا لا أن الإباحة مشروطة الحصول
بحصول الخصوصية ليرد محذور طلب الحاصل ونحوه وبالجملة الجواز كالوجوب فكما أن المقدمة
الموصلة واجبة فعلا من دون تعليق لأصل وجوبها على الايصال كذلك جايزة فعلا من دون تعليق
الجواز على صفة الإيصال.
ثم على فرض تعليق الجواز المقتضى لتعليق وجوب المقدمة اللازم لتعليق الوجوب النفسي فهو
إما أن يكون معلقا على إتيان الواجب النفسي، أو على إرادته وعلى أي حال إما أن يكون الشرط بنحو
الشرط المتقدم، أو المتقارن أو المتأخر.
فان كان الجواز معلقا على إتيان ذي المقدمة بنحو الشرط المتقدم فمقتضاه عدم الجواز إلا بعد إيجاد
ذي المقدمة فلا وجوب مقدمي قبله فلا إيجاب نفسي أيضا قبله لتبعية الوجوب المقدمي للوجوب
النفسي إطلاقا واشتراطا ولازمه إيجاب ذي المقدمة بعد وجوده ومحذوره طلب الحاصل والماد بطلب
الشئ بعد وجوده أن كان طلب إيجاد الموجود ثانيا فلازمه طلب تحصيل الحاصل والموجود لا تقبل
وجودا آخر لأن المماثل لا يقبل المماثل وإن كان طلب نفس ذلك الموجود بحيث يكون بنفسه معلولا
لهذا البعث ومنبعثا عنه فظاهره علية الأمر المتأخر للأمر المتقدم وهو محال لكنه حيث أن البعث ليس
بوجوده الخارجي علة بل بوجوده العلمي فلا محذور من هذه الحيثية إلا أن علية جعل الداعي بوجوده
العلمي محال قبل وجوده الخارجي لا للزوم الخارجية حال الوجود العلمي لإمكان تقدم العلم على
المعلوم بالعرض ومقارنته له وتأخره عنه زمانا بل لأن جعل الداعي بوجوده العلمي المطابق للمعلوم
سابقا أو مقارنا أو لاحقا يقتضي ثبوت المعلوم في أحد الأزمنة وإلا لكان فرضا محصلا لا واقعية له.
ومن المعلوم أنه مع فرض تأخر البعث عن زمان الفعل يستحيل ثبوته بعد ذلك الزمان سواء أتى به
أو لا ومع استحالة ثبوته بعد ذلك الزمان على أي حال لا مطابق لوجوده العلمي قرب ذلك الزمان حتى
يصح دعوته هذا كله إن كان الجواز مشروطا بنحو الشرط المتقدم.
وأما إن كان مشروطا بنحو الشرط المقارن فالجواز والوجوب مقارنان لوجود ذي المقدمة ولا
توجب المقارنة طلب الحاصل بل الأصل في البعث كما مر لزوم مقارنته مع المبعوث إليه بل محذوره أن
مقتضى إناطة الوجوب بوجوب متعلقه كون متعلقه مفروض الحصول وعدم التسبيب إلى تحصيله
مع أن إيجاب شئ تسبيب إلى إيجاده ففرض التسبيب إلى إيجاد شئ وفرض حصوله وعدم
التسبيب إلى تحصيله متنافيان.
وان كان مشروطا بنحو الشرط المتأخر فليس محذور طلب الحاصل لفرض حصول الطلب قبل
حصول المطلوب ولا محذوره علية كل من الطلب والمطلوب للآخر لفرض علية البعث لوجوده
المبعوث إليه تشريعا وفرض شرطية الفعل المبعوث إلى للبعث لأن البعث بوجوده العلمي علة وبجوده
الخارجي مشروط فلا دور بل المحذور ما تقدم آنفا من التنافي بين الشرطية المستدعية لفرض الحصول
والباعثية المقتضية للتحصيل مضافا إلى أن إنشاء البعث وإن لم يكن بوجوده الخارجي داعيا إلى أن
الغرض منه أن يكون بوصوله باعثا والإنشاء بهذا الغرض مع إناطته بوجود متعلقه مناف للغرض، والفرق
بين الوجهين أن ملاك الأول هو التنافي بين باعثية وجوده العلمي والإناطة بحصول متعلقه وملاك
الثاني هو التنافي بين وجوده الخارجي مع الإناطة من حيث الغرض منه لا من حيث ذاته، هذا كله بناء
على تعليق الجواز على نفس الفعل.
وأما تعليقه على مشية المكلف فهو مع خروجه عن مورد البحث وهي المقدمة الموصلة يرد عليه
لزوم تعليق الإيجاب على مشية المأمور ومحذوره إنقلاب الإيجاب إلى الإباحة سواء لوحظت
المشية بنحو الشرط المتأخر أم لا.
وأما ما ذكره - قده - من محذور عدم كون ترك الواجب مخالفة وعصيانا (فهو مندفع) بما ذكرناه في
المتن نعم ينبغي أن يراد منه أن هذا الواجب لا مخالفة له دائما فإنه مع عدم الإتيان لا وجوب فلا مخالفة
له ومع الإتيان أيضا لا مخالفة فمحذور طلب الحاصل راجع إلى أن هذا الواجب لا امتثال له وهذا
المحذور راجع إلى أنه لا مخالفة له أن ترك الواجب لا يوصف بكونه مخالفة وعصيانا فتدبر (منه).
400

على إتيان الواجب يقطع بالجواز من أول الأمر للعلم بتحقق شرطه في ظرفه، ولا
ينتظر ترتب الواجب ولابد من جعله شرطا كك إذ لا معنى للمنع والترخيص
بعد الوجود فالمنع أو الترخيص بالنسبة إلى الأمرين المترتبين في الوجود إذا
كان المنع أو الترخيص في الأول مشروطا بوجود الثاني فلا محالة يكون مشروطا
بنحو الشرط المتأخر لكيلا يلزم المنع والترخيص بالنسبة إلى الأمر الموجود
قبلهما، وأما اشتراط الجواز بإرادة فعل الواجب فيوجب إنقلاب الإيجاب إلى
402

الإباحة وتعليقه على إرادة المأمور إذ مع عدم الإرادة لا ترخيص في المقدمة فلا
إيجاب في ذيها فيتوقف الايجاب في الحقيقة على إرادة المكلف ولا فرق من
هذه الحيثية بين الشرط المقارن والمتقدم، وبين الشرط المتأخر لعلمه بأنه لو لم
يرد لا ترخيص في المقدمة فلا وجوب لذيها فيتوقف الايجاب على إرادته فيجوز
له ترك هذا الواجب دائما.
ومنه يظهر أن اشتراط الجواز بنفس الاتيان بنحو الشرط المتأخر إنما يجدي
بالإضافة إلى محذور طلب الحاصل لا بالإضافة إلى تعليق الايجاب على مشية
المكلف لعلمه بأنه لو لم يأت باختياره لا جواز للمقدمة من الأول ولا وجوب
لذيها كك لكن تخصيص جواز المقدمة بإرادة ذيها لعله خروج عن الفرض وهو
جواز المقدمة الموصلة دون غيرها مع كون إرادة ذيها من مقومات المقدمة
الموصلة.
ثم اعلم: أن الصحيح في الاشكال هو محذور طلب الحاصل، وأما لزوم
عدم كون ترك الواجب مخالفة وعصيانا فمخدوش بأنه مع عدم الوجوب قبل
الوجود لا وجوب حتى يكون الترك ترك الواجب ليلزم عدم كونه مخالفة و
عصيانا لينافي طبيعة ترك الواجب.
" ثمرة المقدمة الموصلة "
قوله: فان تركها على هذا لا يكون مطلقا الخ: توضيحه أن الترك
الموصل إذا كان واجبا فنقيضه حرام، وهو ترك الترك الموصل فان نقيض كل
شئ رفعه لا الفعل المطلق والترك الغير الموصل فان النقيضين لا يرتفعان مع
أن الفعل المطلق والترك الموصل يرتفعان لامكان الترك الغير الموصل كما أن
الترك الموصل والترك الغير الموصل يرتفعان لامكان الفعل المطلق بخلاف
الترك الموصل، وترك الترك الموصل فإنهما لا يرتفعان فإذا لم يكن الفعل المطلق
نقيضا للترك الموصل فلا يحرم بوجوب الترك الموصل بخلاف ما إذا كان الترك
المطلق واجبا فان الفعل المطلق وإن لم يكن نقيضا له اصطلاحا لكن يكفي في
403

حرمته المنافاة والمعاندة الذاتية بينهما لتقابلهما بتقابل السلب والايجاب
كالوجود والعدم.
والتحقيق: خلافه لما عرفت سابقا من أن المراد بالمقدمة الموصلة إما هي
المقدمة التي لا تنفك عن ذيها، أو هي العلة التامة فالمقدمة الموصلة للإزالة على
الثاني ترك الصلاة ووجود الإرادة، ومن الواضح أن نقيض المجموع من الأمرين
مجموع النقيضين (1) وإلا فليس لهما معا بهذا الاعتبار نقيض، فنقيض الترك هو
الفعل، ونقيض الإرادة عدمها فإذا وجب مجموع الترك والإرادة بوجوب واحد
حرم مجموع الفعل وعدم الإرادة بحرمة واحدة، ومن الواضح تحقق مجموع
الفعل وعدم الإرادة عند إيجاد الصلاة بداهة عدم إمكان إرادة الإزالة مع فعل
الصلاة.
ومما ذكرنا ظهر، أن ارتفاع المجموع بما هو مجموع لا يضر بالمناقضة بين
الفردين إذ ليس للمجموع وجودا إلا بالاعتبار وإلا فنقيض كل واحد من الأمرين
المجتمعين في اللحاظ لا يعقل أن يكون مرفوعا مع نقيضه فلا يرتفع الفعل و
الترك معا والإرادة وعدمها معا نظير ما إذا لوحظ وجود زيد وعدم عمرو معا فان
نقيضهما عدم زيد ووجود عمرو، ولا يرتفعان قطعا، وإن أمكن وجود زيد و
وجود عمرو معا أو عدمهما، لما عرفت من أن الاعتبار في المناقضة والمعاندة
بنفس المفردات لا بضم بعضها إلى بعض بالاعتبار، وأما على الأول فالمقدمة هو
الترك الخاص (2) وحيث إن الخصوصية ثبوتية فالترك الخاص لا رفع لشئ ولا

1 - بيانه أن نقيض كل شئ رفعه والمركب لا وجود أجزائه والرفع بديل الوجود فذوات الأجزاء
حيث أنها متعددة الوجود فهي متعددة الرفع حقيقة والوحدة الإعتبارية المصححة للتركب والكلية
نقيضها رفعها بحسب ذلك لا نحو من الوجود الاعتباري لا بحسب نحو وجود الأجزاء خارجا فإذا فرض
وجودان جمعهما وحدة اعتبارية فرفع ذين الوجودين عدمهما حقيقة إلا أن عدم تلك الوحدة الإعتبارية
بالذات والواحد بالاعتبار بالعرض تارة يساوق عدم الجزئين وأخرى يساوق عدم أحد الجزئين وبهذا
الاعتبار يقال رفع المجموع أعم ونقيض الأخص أعم فافهم وأغتنم (منه).
2 - لا يخفي أن الخاص تارة يكون وجوده بنحو الوحدة الحقيقية وإن أنحل إلى جزئين ما
هويين كالمادة والصورة فإنهما متحدتان جعلا ووجودا وإن تعددتا ماهية وعلية فرفع مثل هذا
الخاص هو عدم يكون بديلا لهذا الوجود الواحد حقيقة وأخرى يكون وحدته بالاعتبار بملاحظة التقييد
وداخلا والقيد خارجا في قبال الكل وأجزائه فهذا الخاص حاله حال الكل وأجزاء من حيث تعدد
الوجود وتعدد الرفع وما نحن فيه كذلك لوضوح أن الخصوصية ليست من مقومات الترك أو المتروك بل
خصوصية ملحوظة معه لنفسها عدم ورفع فتدبر جيدا (منه).
404

مرفوع بشئ فلا نقيض له بما هو بل نقيض الترك المرفوع به هو الفعل، ونقيض
خصوصية عدمها الرافع لها فيكون الفعل محرما لوجوب نقيضه، ومن الواضح أن
الفعل مقترن أيضا بنقيض تلك الخصوصية المأخوذة في ظرف الترك كما هو
واضح فافهم واغتنم.
قوله: ومع الاتيان بها لا يكاد يكون هناك ترتب الخ: لا يخفى أن علامة
كونه نقيضا للترك الموصل ما بيناه في تقريب الثمرة، وأما لزوم الترتب في
النقيض (1) فغير لازم إذ ليس نقيض كل شئ إلا رفعه فلا يعتبر فيه الترتب
المعتبر في الترك الموصل وهو واضح.
قوله: نعم لابد أن لا يكون الملازمة محكوما فعلا الخ: والوجه فيه
على المشهور لزوم التكليف بما لا يطاق في ما إذا كان الملازم محكوما بحكم
تكليفي إلزامي ولزوم السفه والعبث فيما إذا حكم عليه بالإباحة والترخيص.
قوله: فإنه بنفسه يعاند الترك المطلق وينافيه الخ: إن كان الغرض من

1 - هذا مبنى على حمل عبارته - قده - على أن الواجب هو الترك الموصل فبديله ما يكون له
ترتب والفعل لا ترتب له فليس بديلا ونقيضا له فلا يحرم والظاهر من العبارة استفادة عدم الحرمة من
كون الفعل بديلا لما لا ترتب له فلا يحرم حيث لا يجب الترك الغير الموصل لا أنه لا يحرم حيث أنه
ليس نقيضا للواجب وهو الترك الموصل.
وفيه أن الفعل إذا كان نقيضا وبديلا للترك الغير الموصل لما جاز ارتفاعهما مع أنه يجوز ارتفاعهما
بالترك الموصل مضافا إلى أن السلب المقابل للايجاب لا يقتضى أن يعتبر في الترك ما يعتبر في الفعل
فان وجود البياض لا يكون إلا في الموضوع مع أن نقيضه المقابل له بتقابل السلب والإيجاب لا يقتضى
إلا عدم بياض الموضوع لا العدم في الموضوع وإنما يعتبر ذلك في العدم المقابل بتقابل العدم والملكة
وسيأتي إنشاء الله تعالى ما يتعلق بالمقام (منه).
405

المعاندة والمنافات (1) مجرد عدم الاجتماع في الواقع فمن الواضح عدم اجتماع
الفعل مع الترك مطلقا، وإن كان عدم ارتفاعهما معا فهو لازم أعم للنقيض، وللازم
النقيض فالصحيح في الجواب ما سيأتي انشاء الله تعالى.
قوله: فلو لم يكن عين ما يناقضه بحسب الاصطلاح الخ: هذا الالتزام
بملاحظة ما هو المشهور في الألسنة من أن نقيض كل شئ رفعه، والفعل أمر
وجودي وليس رفعا للترك بل نقيضه اللا ترك، ورفعه وهو غفلة عن المراد بالرفع
فان الرفع في هذه العبارة كما عليه أهله بالمعنى الأعم من الفاعلي والمفعولي
فالانسان إنما يكون نقيضا للا إنسان حيث إنه مرفوع به، واللا إنسان إنما يكون

1 - لا يخفي أن صدر كلام صاحب التقريرات وذيله المنقول في الكتاب المتنافيان فان صدره
صريح في أن الفعل لازم النقيض غايته أن الترك بما هو لازم نقيضه واحد وفي الترك الموصل له لا زمان،
فان كانت الملازمة مع النقيض مجدية في سراية الحرمة فلا فرق بين وحدته وتعدده، وإن لم يكن
مجدية فلا فرق أيضا بينهما فالتسالم على حرمة الفعل في الأول دون الثاني بلا وجه، وذيله صريح في
أن الفعل مصداق لنقيض الترك وهو ترك الترك غاية الأمر أن الترك المطلق لنقيضه مصداق واحد والترك.
المقيد لنقيضه مصداقان لا أنه له نقيضان وتعدد المصداق حيث لا يوجب تعدد النقيض فلا مانع من
حرمة المصداقين في الثاني كما في الأول والمصنف العلامة - قده - وافقه في كون الفعل لازم نقيض
الترك المقيد واختار مصداقيته لنقيض الترك المطلق فالتزم بعدم الحرمة في الأول لعدم موجب للسراية
وبالحرمة في الثاني لمكان المصداقية.
وربما يوجه بأن الفعل نقيض للترك المطلق وترك الترك تعبير عن الفعل لا أنه نقيض للترك بخلاف
الفعل في الترك المقيد إذ لا يعقل أن يكون الفعل والترك المجرد كلاهما نقيضا لأن نقيض الواحد واحد
ولا يمكن أن يكون الجامع بينهما نقيضا إذ لا جامع بين الوجود والعدم فلا محالة هما لازم النقيض
(ويندفع) بأنه - قده - يرى مصداقية الفعل للنقيض وإن لم يكن بنفسه نقيضا وإذا أمكن أن يكون ترك
الترك منطبقا على الفعل فلا مانع من أن يكون جامعا بين الفعل والترك المجرد إذ المانع ليس إلا من
طرف الانطباق على الفعل ومع الالتزام به فلا مانع من انطباقه على الفعل والترك المجرد معا فلا يلزم
حينئذ تعدد النقيض.
والجواب الصحيح من حيث تعيين النقيض ومن حيث عدم النقيض للترك المقيد بما هو في
الحاشية (منه).
406

نقيضا للانسان حيث إنه رافع له، وإلا لم يتحقق التناقض بين شيئين أبدا، بداهة
أن اللا ترك وإن كان رفعا للترك لكن الترك ليس رفعا للا ترك، والمناقضة إنما يكون
بين الطرفين.
ومنه ظهر أن الفعل نقيض للترك لأنه مرفوع به حيث لا معنى لترك الفعل إلا
عدمه ونفيه، والترك نقيض للفعل أنه رفع له، وهكذا الأمر في الوجود والعدم إذ
لا معنى للعدم إلا سلب الوجود ورفعه إلا أن نقيضه منحصر في اللاوجود.
قوله: لكنه متحد معه عينا وخارجا الخ: لا يخفى عليك أن شيئا من
المفاهيم السلبية العدمية لا ينتزع من الأمور الوجودية بما هي وجودية، وإلا
لانقلب ما حيثية ذاته طرد العدم إلى ما يقابله فلا يعقل اتحاد معنى عدمي مع أمر
ثبوتي عيني في الوجود بأن يكون مطابق أحدهما عين مطابق الاخر لأن المقام
ليس من قبيل إيجاب السلب أو السلب العدولي (1) بل من قبيل السلب

1 - لأن الكلام في مجرد التقابل بالسلب والإيجاب ويكفي فيه رفع الشئ بالسلب التحصيلي
الذي ملاكه نفس رفع الشئ لا رفع الشئ لا رفع شئ عن شئ أو إثبات رفعه له فكما أن ترك الصلاة
مثلا لا يقتضى إلا عدم تحقق الصلاة لا صدق العدم على شئ كذلك ترك ترك الصلاة لا يقتضى إلا
عدم الترك لا صدق عدم الترك على شئ ليلزم اتحاد معنى عدمي مع وجودي وعينيته له:
ومنه يعلم أن رفع الشئ باعتبار السلب التحصيلي نقيض لما يقابله وهو ثبوت لا شئ فلا ينافي أن
يكون باعتبار إيجاب السلب الداخل في الموجبة لا سالبة المحمول نقيضا لسلبها تحصيلا لأنه باعتبار
إيجاب السلب ليس نقيضا للموجبة المحصلة ومقابلا لها بتقابل الإيجاب والسلب لأنهما يرتفعان
بارتفاع موضوعهما فقولنا: زيد بصير وزيد لا بصير أي له عدم البصر يتوقف على وجود الموضوع فمع
عدمه يرتفعان بخلاف المتقابلين بتقابل السلب والإيجاب
وأما صحة إيجاب السلب وتشكيل قضية سالبة المحمول فلا ينافي استحالة عدم اتحاد معنى
عدمي مع أمر ثبوتي بتوهم أن الحمل الشائع مفاده الاتحاد في الوجود فان الحمل الشائع إذا كان
بالعرض لا بالذات فلا يقتضي كون مبدء المحمول ذاتيا للموضوع ومتحدا معه ذاتا بل إذا كان قائما به
ولو بحسب الاعتبار صح انتزاع معنى اعتباري وحمله عليه فإذا كان سلب السلب منظورا مع الماهية
ولوحظ قيامه بها بالاعتبار لكونه لازما اعتباريا لها صح أن يقال فعل الصلاة مثلا مسلوب عنها السلب
فوجود الصلاة وإن لم يكن مصداقا لسلب سلبه لكنه مصداق لعنوان مأخوذ من سلب سلبه فتفطن (منه).
407

التحصيلي والبرهان على الاتحاد والصدق بان الشئ لا يخلو عن المتقابلين
بتقابل السلب والايجاب فإذا لم يصدق على الفعل عنوان الترك صدق عليه
اللا ترك وهو النقيض الاصطلاحي، مخدوش بأن عدم صدق الترك لا يقتضي
صدق اللا ترك ولا يخرج به عن المتقابلين بل عدم صدق الترك عليه هو معنى
السلب المقابل للترك وإلا فحيثية الثبوت لا يعقل أن يكون عين حيثية النفي.
" تقسيم الواجب إلى الأصلي والتبعي "
قوله: حيث يكون الشئ تارة متعلقا للإرادة والطلب الخ: لا مقابلة
بين الأصلي والتبعي بهذا المعنى إلا (1) بإرادة الإرادة التفصيلية من الأصلي و
الإرادة الاجمالية الارتكازية من التبعي، مع أن الإرادة النفسية ربما تكون ارتكازية
بمعنى أنه لو التفت إلى موجبها لإرادة كما في إرادة انقاذ الولد الغريق عند الغفلة
عن غرقه والحال أنه لا شبهة في كونها إرادة أصلية لا تبعية مضافا إلى أن المناط
لو كان التفصيلية والارتكازية لما كان وجه لعنوان التبعية حيث إن تبعية الإرادة
لإرادة أخرى ليس مناط الوجوب التبعي بل ارتكازيتها لعدم الالتفات إلى موجبها
فلا وجه للتعبير عنها بالتبعي.
بل التحقيق ما أشرنا إليه في بعض الحواشي المتقدمة (2) من أنه للواجب

1 - إذ مقابل الالتفات عدمه لا تبعية إرادة لإرادة فإنها مقابلة لعدم التبعية وكذا عدم الالتفات
بضميمة التبعية لا يقابل الالتفات فإنه بهذه الضميمة يخرج عن التقابل بل الإرادة التفصيلية المتقومة
بالالتفات مقابلة للإرادة الارتكازية الجبلية المتقومة بعدم الالتفات (منه).
2 - وربما يترتب على هذا الفرق ثمرة عملية أيضا فان إشكال عدم تقدم وجوب المقدمة على
وجوب ذيها كالغسل قبل الفجر من لوازم تبعية وجوب لا غيريته ونفسيته كما أن إشكال باب الطهارات
وإنه لا مقربية للأمر المقدمي من لوازم غيرية الأمر المقدمي وإنه لا غرض فيه إلا الوصلة إلى الغير وإن
لم يكن الوجوب متأخرا عن وجوب.
فان قلت هذا الجواب عن أصل المحذور إنما يصح على مسلك القوم الذين يعتقدون تبعية
الوجوب المقدمي وإنه من رشحات وجوب ذي المقدمة وأما على ما هو التحقيق من عدم الترشح
فما معنى التبعية بل ليس هناك الا حيثية الغيرية.
قلت تبعية الوجوب المقدمي على ما سلكناه وإن لم يكن بنحو تبعية المعلول للعلة الفاعلية لكنها
بنحو تبعية المعلول للعلة الغائية والفرق بين التبعي والغيري ان مناط الغيرية كون الغرض من المقدمة
مجرد الوصلة إلى الغير والغرض الأصيل في الغير ومناط التبعية أن الغرض من الإيجاب المقدمي
التمكن من إيجاب ذي المقدمة فإيجاب ذي المقدمة غرض من الإيجاب المقدمي فملاك الغيرية
الغرض من الواجب ومناط التبعية الغرض من الإيجاب فتدبر جيدا (منه).
408

وجودا ووجوبا بالنسبة إلى مقدمته جهتان من العلية.
إحديهما: العلية الغائية حيث إن المقدمة أنما تراد لمراد آخر لا لنفسها
بخلاف ذيها فإنه مراد لا لمراد آخر كما مر مفصلا.
والثانية: العلية الفاعلية وهي أن إرادة ذي المقدمة علة لإرادة مقدمته، و
منها تنشأ وتترشح عليها الإرادة، والجهة الأولى مناط الغيرية، والجهة الثانية
مناط التبعية ووجه الانفكاك بين الجهتين أن ذات الواجب النفسي حيث إنه
مترتب على الواجب الغيري فهي الغاية الحقيقية لكنه ما لم يجب لا يجب
المقدمة فوجوب المقدمة معلول خارجا لوجوب ذيها، ومتأخر عنه رتبة إلا أن
الغرض منه ترتب ذيها عليها، ومما ذكرنا تبين أن التبعية بلحاظ المعلولية سواء
أريدت المقدمة تفصيلا للالتفات إليها، أو ارتكاز للغفلة عنها وإن الالتفات إليها
الموجب لتفضيلية الإرادة لا يقتضي الأصلية كما أن الغفلة عن ما فيه مصلحة
نفسية الموجبة لارتكازية الإرادة لا ينافي أصليتها لعدم تبعيتها لإرادة أخرى.
قوله: ثم إنه إذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلق به الخ: إن كان مناط
التبعية عدم تفصيلية القصد والإرادة، فالتبعية موافقة للأصل للشك في أن الإرادة
ملتفت إليها أولا (1)؟ والأصل عدمه وإن كان مناط نشوء الإرادة عن إرادة أخرى،

1 - هذا إذا أريد بالإرادة التبعية الإرادة الارتكازية التي هي مقتضى الجبلة والطبع في من يريد شيئا
له مقدمة فإنه بالجبلة والطبع يريد كل ما يتوقف مراده عليه وإن لم يلتفت إلى مقدميته ليريدها تفصيلا.
وأما إذا أريد بالإرادة التبعية هي الإرادة التقديرية أي بحيث لو التفت لأراد قهرا فالشك في الأصلية
والتبعية راجع إلى أن هذا الفعل مراد فعلا أو بحيث لو التفت إليه لأراد وحينئذ فالحق معه - قده - من
حيث سبق الإرادة الفعلية بالعدم إلا أن التعبية بكلا الشقين غير متصور في المرادات الشرعية لعدم
الغفلة في حق الشارع أصلا فالتبعية فيه إنما تتصور من الحيثية الثانية وهي نشوها وانبعاثها عن إرادة
أخرى أو عن غرض إيجاب ذي المقدمة ليس من قبيل الجزء الوجودي للإرادة التبعية حتى يقال أن أصل
الإرادة معلوم والجزء الآخر مسبوق بالعدم بل الإرادة المنبعثة عن إرادة أخرى أو عن غرض كذا إرادة
خاصة وهذا الخاص كذاك الخاص الاخر على حد سواء في المسبوقية بالعدم.
409

وترشحها منها فالأصلية موافقة للأصل إذ الترشح من إرادة أخرى، ونشوها منها
أمر وجودي مسبوق بالعدم، وليس الاستقلال في الإرادة على هذا أمرا وجوديا بل
هو عدم نشوها عن إرادة أخرى بخلاف الاستقلال من حيث توجه الالتفات إليها
فإنه أمر وجودي كما عرفت.
قوله: فإنه بضميمة كون شئ مقدمة لواجب الخ: لا يخفى عليك أن
جعل الوضوء مثلا مقدمة والحكم عليه بأن كل مقدمة يستلزم وجوب ذيها
وجوبها وهو نتيجة المسألة ينتج أن الوضوء يستلزم وجوب ذيه، وهذا تطبيق
النتيجة الكلية الأصولية على مصاديقها لا أن القياس المزبور منتج لوجوب
المقدمة لتكون نتيجته حكما فقهيا كما أن جعل الوضوء مقدمة، والحكم على
كل مقدمة بالوجوب كك فان هذا تطبيق محض يتوقف على الفراغ عن وجوب
كل مقدمة حتى يصح أن يقال: الوضوء مقدمة، وكل مقدمة واجب، مع أن هذه
الكلية ليست نتيجة البحث عن المسألة الأصولية بل نتيجة تلك المسألة ثبوت
الملازمة فالقياس المنتج للوجوب المناسب للفقه أن يجعل ثبوت الملازمة كلية
صغرى للقياس المنتج للحكم الشرعي فيقال كل مقدمة يستلزم وجوب ذيها
وجوبها، وكل ما كان كك فهو واجب، فيستنتج منه أن مقدمة واجب ثم هذا
القياس الفقهي ينطبق على موارده فتأمل فإنه حقيق به.
قوله: ومنه قد انقدح أنه ليس منها الخ: لأنها من باب تطبيق الحكم
المستنبط في محله على مورده غاية الأمر أنه بالملازمة ثبوتا أو نفيا يثبت لها
مصداق أو لا يثبت.
قوله: وحصول الفسق بترك الخ: لا يخفى عليك أن تفريع ثمرة الفسق
410

بالاصرار لا يتوقف على خصوص هذا الفرض ليجاب بما سيأتي منه - قده -، بل
يمكن فرض آخر (1) وهو ما إذا ترك واجبين نفسيين عن مقدمتين وقلنا إن
الاصرار يتحقق بترك أربعة أفراد من الواجب فإنه مع وجوب المقدمتين يحصل
الاصرار وإلا فلا، ولا يلزم منه المحذور الآتي أصلا.
قوله: مع أن البرء البر وعدمه إنما يتبعان الخ: وهنا شق آخر وهو ما
إذا قصد مطلق ما يكون واجبا حقيقة شرعا لا ما ينصرف إليه لفظ الواجب، ولا
مصاديق الواجب بحيث يعم الغسل والوضوء على أي تقدير.
قوله: ولا يكاد يحصل الاصرار على الحرام الخ: قد مر سابقا أن الأمر
وإن كان يسقط بترك أول مقدمة، موجب لامتناع ذيها إلا أن الاسقاط الذي يكون
مصداقا للعصيان هو المقابل للاسقاط الذي يكون مصداقا للإطاعة وهو الاسقاط
في ظرفه عصيانا، أو إطاعة فالاسقاط من أول الأمر لا عبرة به بل العبرة بذلك
لاسقاط البديل للامتثال المتصل بالاسقاط من أول الأمر وحيث أن سببه
اختياري فهو كك، وهكذا الأمر في مقدمات الواجب فإنها واجبة من أول الأمر،
وبعصيان أول مقدمة يسقط جميع الوجوبات من النفسي والغيري، ويكون ترك
كل واحد في ظرفه عصيانا لأمره فيتحقق هناك معاصي مترتبة إلى أن ينتهي إلى
معصية الواجب النفسي وسبب الكل ترك المقدمة الأولى فليس سقوط
الوجوب النفسي من أول الأمر موجبا لعدم اتصاف التروك المترتبة بالمعصية (2)
فتدبره جيدا.
نعم لا وقع لهذه الثمرة من حيث أن الوجوب الغيري لا إطاعة ولا عصيان له.
في عرض الوجوب النفسي كما تقدم.

1 - هذا الفرض إنما يجدي إذا كان عدم الإصرار بملاحظة عدم وجوب سائر المقدمات بعد ترك
المقدمة الأولي وأما إذا كان بملاحظة عدم ترتب التروك ففي هذا الفرض أيضا كذلك لعدم ترتب ترك
ذي المقدمة خارجا على ترك المقدمة وحينئذ فان تحقق الأصرار بترك كل من الواجبين النفسيين بعد
الآخر فهو وإن لم تكن المقدمة واجبة أصلا وإن لم يتحقق إلا بأربعة تروك مترتبة فلا ترتب فيه أيضا.
2 - إذ لم يكن وجوبها مشروطا بفعل المقدمة الأولى (منه).
411

قوله: ولا يكون ترك سائر المقدمات بحرام الخ: أن كان غرضه - ره -
عدم حرمتها من رأس فمن الواضح إن وجب سائر المقدمات غير مشروط و
بفعل الأولى وإن كان غرضه - ره - إن ترك شئ إذا كان حراما بترك بعض
مقدمات فعله فلا تسري الحرمة إلى جميع تروكه (1) فمن البين أن الواجب جميع
مقدماته واجبة، وأن تركها ترك الواجب، وأن الترك ليس بحرام لعدم انحلال كل
حكم تكليفي إلى تكليفين فعلا وتركا، وإن كان غرضه - ره - أن الأمر النفسي إذا
سقط فلا أمر مقدمي بمقدماته فلا يكون هناك حرمة حتى يتصف التروك بالحرمة
ليتحقق معصيته بعد معصيته ليتحقق الاصرار المتقوم بفعل معصيته بعد
معصيته (2). فمندفع أولا بان اللازم هو التعليل بعدم ترتب التروك لا عدم
حرمتها، وثانيا قد عرفت ترتبها في الحاشية المتقدمة.
قوله: وفيه أولا أنه لا يكون من باب الخ: قد عرفت سابقا (3) أن

1 - قياسا لترك الواجب بفعل الحرام فإنه لا يحرم من مقدماته إلا ما يقع بسببه في الحرام وهي
المقدمة الأخيرة وترك الواجب إذا كان حراما فلا يقع في هذا الحرام إلا بسبب ترك مقدمته الأولى فهو
المحرم دون غيره من التروك فتدبر (منه).
2 - وهذا هو المناسب لمقامه - قده - وإلا فوجوب جميع المقدمات من أول الأمر من دون إناطته
بشئ مفروض هنا كما أن كون الحرمة الموصوف بها ترك الواجب حرمة عرضية لا أن الترك فيه مفسدة
ولأجلها يحرم مفوض هنا فلا مجال إلا لدعوى أن الإصرار هو المعصية بعد معصية لا مجرد تعدد
المعصية والتروك غير مترتبة خارجا وإن كانت متعددة إلا أن يدعي تحقق ملاك الإصرار فان كون
المعصية بعد المعصية كبيرة لأجل كشفه عن مرتبة شديدة من التجري على المولى وعدم المبالاة بأمره
ونهيه وهذا كما يتحقق بالتكرر فكذا بإتيان معاصي متكثرة دفعة إلا أنه لو سلم فإنه يصح في عصيان
واجبات نفسية لا في عصيان واجب نفسي واحد بترك مقدماته جميعا فان كثرة المقدمة وعدمها لا تؤثر
في زيادة الجرئة على المولى وعدمها فتدبر (منه).
3 - ربما يورد عليه - قده - بأن المراد ليس اجتماع عنوان الغصب مثلا وعنوان المقدمة كي يقال
بأن المقدمية حيثية تعليلية بل المراد عنوان ذات المقدمة كعنوان السير إلى الحج فان الحركة الواحدة لها
عنوان الغصب وعنوان السير إلى الحج (ويندفع) بأن المقدمة تارة شرعية وأخرى عقلية أو عادية ففي
الأول يصح الاعتراض حيث أن الوضوء ليس بما هو وضوء غصبا بل بما هو حركة في فضاء الدار
المغصوبة مثلا فالحركة لها عنوان واجب وهو الوضوء وعنوان محرم وهو الغصب.
وأما في الثانية فذات المقدمة لا عنوان لها عقلا أو عادة بل بذاتها واجبة لأجل المقدمية فركوب
الدابة بما هو ركوب الدابة التي هي للغير غصب وهو بنفسه مقدمة فهو واجب فالركوب الواجب معنون
عنوان الغصب لا أن عنوان الركوب وعنوان الغصب متصادقان على شئ واحد بل ذات الركوب مقدمة
وهو معنوان عنوان الغصب فتدبر (منه).
412

الحيثيات التعليلية راجعة إلى التقييدية في أمثال المقام فالواجب بحكم الملازمة
العقلية هو الشئ لا بذاته بل بما هو توصل إلى واجب آخر، ولذا اعتبرنا سابقا
قصد التوصل في وقوعه على صفة الوجوب، ومصداقا للواجب، ولا ينافي هذا
كون الواجب المقدمي هو المقدمة بالحمل الشايع لا عنوانها الصادق على نفسها
بالحمل الأولى في إذ المقصود وجوب حقيقة التوصل بما هي لا ذات الوضوء بما
هو حركة خاصة فالمقدمة حقيقة هو الوضوء فقط إلا أن الوضوء من حيث أنه
بالحمل الشايع مقدمة، وهذه الحيثية ملحوظة في الموضوع عقلا.
قوله: وثانيا لا يكاد يلزم الاجتماع الخ:
إن قلت: عدم الاجتماع ليس إلا من ناحية الامتناع وهو مناف للتنزل.
قلت: يمكن دعوى عدم الاجتماع بغير ملاك امتناع اجتماع الأمر والنهي بل
بملاحظة أن الايجاب لا يتعلق بالممتنع، والممتنع شرعا كالممتنع عقلا ولو لم
نقل بوجوب المقدمة أصلا، ومن الواضح أن الواجب من الطريق الحرام لا يمكن
امتثاله شرعا إلا أن يقال أن مبغوضية المقدمة بعنوان لا يزيد على مبغوضية نفس
الواجب بعنوان وليس لازم إيجاب الشئ من الطريق المحرم إلا الاذن في
المحرم، ولا فرق في الاجتماع منعا وجوازا بين الوجوب والحرمة، أو الجواز و
الحرمة فمن يجوز الاجتماع له تجويز الاجتماع فيما نحن فيه.
نعم تجويز الأمر بذي المقدمة المحرمة في صورة انحصارها إلتزام بالتكليف
بالممتنع، والمجوز أيضا لا يقول به فلا شهادة لعدم الاجتماع فيها على شئ
فتدبر.
قوله: ثالثا إن الاجتماع وعدمه لا دخل له الخ: إن كان الغرض من الثمرة
413

مجرد جعل المورد من مصاديق مسألة الاجتماع فلا مجال لهذا الايراد كما هو
واضح، وإن كان الغرض تفريع التوصل بالمقدمة المحرمة إلى ذيها عليه كما
نسب إلى ظاهر الوحيد البهبهاني (1) قده، فالايراد في محله، ولعله كك لأن تعداد
المصاديق لمسألة الاجتماع في مقام ذكر الثمرة بعيد فتأمل.
" تأسيس الأصل في مقدمة الواجب "
قوله: مدفوع بأنه وإن كان غير مجعول بالذات الخ: ظاهر كلامه، زيد
في علوه مقامه، تسليم كون المورد من قبيل لوازم الماهي (2) إلا أن حاله حالها في
عدم قبول الجعل استقلالا وبالذات، وقبول الجعل بالعرض وهو كاف في
جريان الأصل. والتحقيق كونه من قبيل لوازم الوجود لا لوازم الماهية إذ ليست
إرادة المقدمة بالإضافة إلى إرادة ذيها كالزوجة بالإضافة إلى الأربعة فان الزوجية
من المعاني الانتزاعية من الأربعة بلحاظ نفسها (3) مع قطع النظر عن الوجودين

1 - آقا محمد باقر بن محمد أكمل، ولد في مدينة أصفهان سنة 1117، هاجر منها إلى النجف
الأشرف لتحصيل العلوم. له تلامذة كثيرة جدا كصاحب القوانين وكشف الغطاء ورياض المسائل، وهذه
التلامذة بحثوا مباني أستاذهم في كتابهم، ثم وقع محلا للنقض والإبرام في كتب الرسائل - والكفاية
وهكذا ولذا قال ره " كما نسب إلى ظاهر الوحيد البهبهاني ".
2 - حيث أنه نفي الجعل الاستقلالي بالذات مطلقا عن الوجوب المقدمي فلا محالة يكون من قبيل
لوازم الماهية المجعولة بالعرض فلا يمكن إرادة التبعية في الوجود الغير المنافية للجعل بالذات مع أنه لا
تعدد في الوجود بين المجعول بالذات والمجعول بالعرض فكيف يكون مجئ الأصل فان ثبوته بثبوت
ما بالذات ونفيه بنفيه فتبين أنه - قده - إن أراد من الجعل بالعرض الجعل بالتبع فهو مناف لنفي الجعل
بالذات بسيطا ومركبا عنه وإن أراد منه ما هو المصطلح عليه كان خلاف حيث أن الإلتزام بالجعل
العرضي لتصحيح أجراء الأصل مع أنه تعدد حتى يجري الأصل في الوجوب المقدمي (منه).
3 - هذا على ما هو المعروف في لوازم الماهية وأما على ما هو التحقيق من أن الوجود هو الأصل
وإن الماهية اعتبارية فلا يعقل أن ينتزع ماهيته من ماهية أخرى ويستحيل أن تكون ماهية مستلزمه
لماهية أخرى وإلا كان الاستلزام والاستتباع جزء ذات الماهية بل المراد من لوازم الماهية لوازمها
سواء كانت موجودة في الذهن أو في العين لا مع قطع النظر عن الوجودين لكن تلك اللوازم حيث
أنها منتزعة من الماهية الموجودة ذهنا أو عينا فلا محالة لا وجود استقلالي لها بل وجودها بوجود منشأ
انتزاعها، ومن المعلوم أن إرادة المقدمة ليست منتزعة من إرادة ذيها بل إرادة في قبالها فان الإرادة ليست
انتزاعية بل من المقولات المتأصلة الغير الانتزاعية (منه).
414

من الذهن والعين وهو مناط كون الشئ من لوازم الماهية فنفس وضع الماهية
كافية في صحة انتزاعه منها، فلذا لا وجود له غير وجودها فلا جعل له غير
جعلها، والجعل الواحد ينسب إلى الماهية بالذات، وإلى لازمها بالعرض
بخلاف إرادة المقدمة فإنها بحسب الوجود غير إرادة ذيها لا أن إرادة واحدة
متعلقة بذيها بالذات، وبها بالعرض، ومع تعدد الوجوب يجد تعدد الجعل فلا
يعقل كون الوجوب المقدمي بالإضافة إلى الوجوب النفسي من قبيل لوازم
الماهية التي لا اثنينية لها مع الماهية وجودا وجعلا.
نعم حيث إن الغرض الأصيل يدعو إلى إرادة ذي المقدمة أولا وبالذات، و
إلى إرادة المقدمة ثانيا وبالتبع يطلق على جعل وجوب المقدمة أنه جعل بالتبع،
وهو غير الجعل بالعرض الذي ينسب إلى لازم الماهية في قبال جعل الماهية، و
إلى جعل الماهية في قبال جعل الوجود فتدبر فإنه حقيق به. هذا إن أريد
الاشكال على أصل الجعل، وإن أريد الاشكال على اختيارية الايجاب
المقدمي (1) حيث إنه لا يتمكن المولى من عدمه بعد إيجاب ذي المقدمة فقد

1 - كما هو ظاهر بعض أعلام العصر (ويندفع) بأن المراد من كون الوجوب المقدمي قهريا إن كان
تمامية علية الإيجاب المقدمي بإيجاب ذيها فهو لا ينافي الاختيارية كما في المتن فان كل إيجاب نفسيا
كان أو مقدميا ما لم يتم علته لا يوجد ومع تمامية علته تستحيل تخلفه عنها وإن كان المراد ترتب
الإيجاب المقدمي على إيجاب ذي المقدمة قهرا إرادة أم لم يرده فهو محال لأن طبيعة الإيجاب وهو
الإنشاء بداعي جعل الداعي متقوم بالقصد والإرادة فيتحيل تحققها بلا إرادة نعم إرادة المقدمة بعد إرادة
ذيها قهرية إلا أن الكلام في الوجوب المجعول من الشارع وإلا فإرادة المقدمة كإرادة ذي المقدمة تحصل
عقيب الداعي قهرا لا بإرادة أخرى.
وأما كون الوجوب المقدمي تقديريا أي بحيث لو التفت إلى المقدمة لأراد فهو لا ينافي المجعولية
بالالتفات، مع أن الكلام في إيجابات الشارع نفسية ومقدمية ويستحيل الغفلة في حقه، مع أن
التقديرية غير القهرية فتدبر.
ومما ذكرنا يتضح أن الوجوب التعبدي وعدمه كالوجوب الواقعي وعدمه فإذا كان إيجاب المقدمة
واقعا معقولا كان التعبد به أو بعدمه أيضا معقولا فلا وجه لمطالبة الأثر الشرعي المترتب على مجرى
الأصل بعد كونه بنفسه أثرا مجعولا شرعا فلا تغفل (منه).
415

أشرنا سابقا إلى دفعه من أن الايجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار فان العلة
المتأصلة فيهما واحدة فإذا تمت تلك العلة وبلغت حد الوجوب وجد معلولها
قهرا، وهو عين الايجاد بالإرادة والاختيار، وإلا لزم صدور المعلول عن غير علته
التامة أو إمكان انفكاك المعلول عن علته التامة، وبالجملة حال الوجوب
المقدمي كحال الوجوب النفسي إشكالا وجوابا فافهم واستقم.
قوله: نعم لو كانت الدعوى هي الملازمة الخ: بل الدعوى في
خصوص مرتبة الفعلية (1) فان الوجدان والبرهان ليس إلا على استلزام إرادة ذي
المقدمة لإرادة المقدمة، وعلى استلزام البعث الحقيقي نحوه للبعث الحقيقي
نحوها بلا نظر إلى مرتبة الانشاء بما هي إنشاء، بداهة عدم الوجدان والبرهان في
مثلها. والجواب حينئذ ما ذكرناه في أمثال المقام في أول مبحث الظن أن إحراز
الامكان في موارد العمل غير لازم بل إحراز الاستحالة مانع وإلا فالدليل الظاهر
في شمول المورد حجة على التعبد به ما لم تقم حجة على خلافها، واحتمال
الاستحالة غير حجة فلا يمنع عن تصديق الحجة فتدبر جيدا.

1 - يمكن توجيه كلامه " زيد في علو مقامه " بإرادة الإنشاء بداعي جعل الداعي من الواقع لا
الإنشاء بما هو أو بداع آخر فإنه لا موجب للتلازم فيه وإرادة البعث الحقيقي المتقوم بالوصول من
الفعلية، وحينئذ فثبوت الملازمة بين الواقعين بهذا المعنى لا ينافي عدمها في مرتبة الفعلية لتقومها
بالوصول فحيث أن الوجوب النفسي وصل صار فعليا، وحيث أن الوجوب المقدمي لم يصل فلا يصير
فعليا عقلا بل يصح التعبد بعدمه فعلا نظرا إلى أنه إيصال لعدمه، فمورد التلازم غير مورد التعبد.
نعم من يرى الفعلية المطلقة على نحو لا يتقوم بالوصول ومع ذلك التزم بالملازمة لا يتمكن من
أجراء الأصل إلا بجعله حجة على عدم الملازمة كما يوافقه بعض نسخ الكتاب وهو هكذا لصح التمسك
بالأصل في إثبات بطلانها " انتهى " فيوافق حينئذ ما أجبنا به كلية من أن احتمال الاستحالة غير مانع عن
تصديق الحجة الظاهرة في الإمكان لظهورها في الوقوع هو أخص منه فتدبر جيدا (منه).
416

قوله: والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان الخ: دعوى الوجدان في مثل
الإرادة حيث إنها من الكيفيات النفسانية الحاضرة للنفس بذاتها لا شبهة في
صحتها، وأما بالإضافة إلى البعث والتحريك مع عدم كونهما من الأمور الباطنة
المدركة بالحواش الباطنة فبملاحظة أن البعث الحقيقي ليس إلا الانشاء بداعي
البعث والانبعاث فهو متقوم بما لا يدرك إلا بالحواس الباطنة فيصح فيها دعوى
الوجدان، وأما مولوية الأمر فإنما تتم في خصوص البعث دون الإرادة لأن
المولوية من صفات الأمر إذ الانشاء لو كان بداع البعث جدا، ولجعل الداعي
حقيقة فهو أمر من المولى بما هو مولى وسيد حيث لا يكون الانشاء داعيا وباعثا
إلا باعتبار ما يترتب على مخالفته وموافقته من العقاب والثواب، والقرب و
البعد، وهو شأن المولى دون غيره كما أن الأمر الارشادي ما إذا كان بداعي
النصح والارشاد إلى ما يترتب على ذات المأمور به من الصلاح والفساد، لا
لجعل الداعي فهو أمر من الأمر بما هو ناصح ومرشد، لا بما هو مولى وسيد، و
عليه فالمولوية والارشادية من شؤون الأمر لا من شؤون الإرادة أيضا حيث لا
يعقل أن يكون الإرادة لجعل الداعي بل هي كيفية نفسانية معلولة للداعي إليها لا
فعل يوجد بداع من الدواعي حتى يفرض فيها أنها لجعل الداعي، أو لغيره من
الدواعي إلا أن شهادة الوجدان على إرادة المقدمة من الغير عند إرادة ذيها نافعة
لكون الأمر بها مولويا إذ لا إرادة تشريعية في المقدمة بناء على الارشادية إذ لا
شأن للناصح والمرشد إلا إظهار النصح والارشاد إلى ما في نفس الشئ من
الصلاح والفساد وهذا لا يقتضي إرادة المرشد لذات المأمور به قلبا، وإرادة
الارشاد تكوينية لا تشريعية.
نعم بناء على أن أوامر الشارع كلا خالية عن الإرادة كما بيناه في مبحث الطلب
والإرادة يسقط هذه الشهادة عن درجة القبول إلا أنه مسلك آخر ليس على ما هو
المشتهر عند أهل النظر فتدبر.
فان قلت: إذا كانت المولوية باعتبار صيرورة الأمر داعيا لما يترتب على
موافقته ومخالفته فلا وجه لمولوية الأوامر المقدمية حيث لا يترتب على
موافقتها ومخالفتها شئ.
417

قلت: حيث أن الأمر المقدمي من رشحات الأمر بذي المقدمة فيمكن أن
يكون داعيا باعتبار ما يترتب على تركه المستلزم لمخالفة الأمر النفسي المترتب
عليه العقاب، وقد مر مرارا أن دعوة الأمر المقدمي كأصله، تبعية فكذا شؤونات
دعوته.
نعم حيث إن العقل يذعن بأن ذا المقدمة المفروض استحقاق العقاب على
تركه لجعل الداعي نحوه لا يوجد إلا بايجاد مقدمته فلا محالة ينقدح الإرادة في
نفس المنقاد للبعث النفسي، ولا حاجة إلى جعل داع آخر إلى المقدمة بنفسها، و
ليس جعل الداعي كالشوق بحيث ينقدح في النفس قهرا بعد حصول مباديه
فنلتزم بإرادة المقدمة دون جعل الداعي نحوها.
قوله: وجود الأوامر الغيرية في الشرعيات الخ: بناء على ظهورها في
الانشاء بداعي البعث الجدي في نفسها، وإلا فبناء على ظهور الأوامر المتعلقة
بالاجزاء والشرايط في الارشاد إلى شرطيتها وجزئيتها كظهور النواهي في
الموانع والقواطع إلى مانعيتها وقاطعيتها نظير ظهور النواهي في باب المعاملات
في الارشاد إلى الفساد فلا يتم المطلوب، ويؤيد هذا الاحتمال نفس الأوامر
المتعلقة بالاجزاء مع أنه لا وجوب مقدمي فيها.
قوله: ضرورة أن المسبب مقدور الخ: تحقيق المقام أن القدرة قد تكون
نفسانية (1) وقد تكون جسمانية وجعلها نفسانية مطلقا باعتبار اتحاد التقوى مع

1 - ينبغي أن تعلم أن تحرير هذا التفصيل على ما في متن الكفاية وغيرها من كتب الأصول من
القول بوجوب المقدمة السببية وعدم وجوب غيرها غير وجيه، فان صرف الوجود المتعلق بالمسبب بلا
سببه قول بوجوب السبب نفسيا لا مقدميا، فهذا القائل ينكر الوجوب المقدمي رأسا أما في السبب فلأنه
لا وجوب لمسببه، وأما في غيره فلانكار الملازمة.
بل الصحيح في تحرير التفصيل أما بالقول بوجوب غير المقدمة السببية لعدم المحذور وبعدم
وجوب السبب مقدميا حيث لا وجب لمسببه، ووجوبه نفسيا لا دخل له بمورد التفصيل وهو
الوجوب المقدمي، وإما بأن يحرر النزاع في وجوب المقدمة في خصوص غير المقدمة في خصوص غير
المقدمة السببية فان المقدمة السببية لا يعقل وجوب مسببها حتى يتكلم في الملازمة بين وجوبه
ووجوبها.
ثم إن الوجه في عدم معقولية تعلق التكليف بالمسبب أمور: منها عدم كونه من أفعال المكلف كما
عن بعض أجلة العصر وقد بينا دفعه ومنها عدم صدوره عن قوة منبثة في العضلات وقد وجهنا تعلق
التكليف به مع الإلتزام بعد انبعاثه عن القدرة بهذا المعنى ومنها أن المسبب التوليدي مع وجود سببه
واجب الصدور ومع عدمه ممتنع الصدور، وشئ منهما غير ممكن الصدور ليكون التكليف به تكليفا
بالمقدور، دون غيره من المقدمات فإنه مع وجودها يكون المشروط بها على حاله من كونه تحت اختيار
الفاعل.
ويندفع بأن التكليف لم يتعلق بالمسبب مقيدا بوجود سببه ولا مقيدا بعدمه حتى يكون تارة واجبا
وأخرى ممتنعا، بل بذاته الممكنة، فتجب بإيجاد مقدمته اختيارا ويمتنع بعدمه كذلك (منه).
418

النفس وانطوائها فيها، فالقوة المنبثة في العضلات المترتبة عليها الحركات الأينية
والوضعية قدرة في الأعضاء، وقوة النفس على الإرادة والحركات الفكرية قدرة
في مرتبة النفس وتفسير القدرة في المشهور بكون الفاعل بحيث إن شاء فعل، و
إن لم يشأ لم يفعل تفسير لها بعنوان يعم أقسامها، ويعم قدرة الواجب والممكن
فان الحيثية المصححة للمشية في الواجب ذاته تعالى، وفي الممكن قوته
النفسانية تارة، وقوته العضلانية أخرى، ومن الواضح أن الافعال التوليدية و
التسبيبية ليست من الأمور النفسانية، ولا من الحركات المترتبة على العضلات
فلا معنى لتعلق القدرة بها بنفسها.
نعم إرادتها بمعنى الشوق المنبعث عنه الإرادة الحتمية المتعلقة بسببه نظير
الشوق التشريعي المنبعث عنه إرادة البعث الجدي مقدور عليها للقدرة على
سببها الذي يترتب على العضلات كالاحراق بالإضافة إلى الالقاء في النار
فالفاعل إن شاء فعلها، وإن لم يشأ لم يفعلها، ومصحح مشيتها إمكان إرادة ما
يتولد منه ومصحح ذلك القوة المنبثة في العضلات والتكليف لا يحتاج إلى أزيد
من كون متعلقه قابلا للإرادة سواء كان مصحح تعلق الإرادة نفس القوة النفسانية
أو القوة العضلانية أو كان صحة تعلق الإرادة نفس القوة النفسانية أو القوة
العضلانية أو كان صحة تعلق الإرادة بسببه لامكان صدوره عن إحدى القوتين لأن
419

ذلك المقدار من الشوق المؤثر في إرادة ما يتولد منه لا يحصل إلا بالبعث
الموجب لانقداحه فيصح البعث نحو الفعل التوليدي وإن لم يكن هذا الشوق
عين الإرادة المهيجة للقوة العضلانية، كما أن الإرادة التشريعية كك فتدبر جيدا.
فهذا هو السر في صحة تعلق التكليف لأن القدرة على السبب واسطة في
ثبوت القدرة على المسبب، أو واسطة في عروضها له لبداهة عدم تعلق القدرة
بإحدى الصورتين بالخارج عن الأمور النفسانية، والأفعال العضلانية، وضرورة
عدم صحة التكليف بشئ بمجرد انتساب القدرة إليه مجازا، أو عرضا.
وأما توهم عدم كون المسبب فعلا للمكلف (1) نظرا إلى أن الرامي ربما يموت
عند وصول السهم إلى المرمى، ولو كان تأثير السهم من أفعال الرامي لزم انفكاك
المعلول عن علته فهو خلط بين العلة الفاعلية والعلة المعدة، ولا يشترط في
المعد بقائه عند وجود المعلول إذ لا تأثير للمعد، ولا هو مصحح تأثير المؤثر، أو
متمم قابلية المتأثر كالشرط حتى يجب بقائه والانسان إلى أمثال هذه الأفعال
شأنه الأعداد كما أن دفع الاشكال اختيارية المسبب بدعوى أن الاحراق و
الالقاء، وتحريك المفتاح، وتحريك اليد متحدان في الوجود فان كان تحريك
اليد اختياريا كان تحريك المفتاح المتحد معه وجودا كك.
مدفوع: بما مر مرارا أن مقتضى اتحاد الايجاد والوجود ذاتا هو اتحاد
التحريك ووجود الحركة، فتحريك اليد عين حركة اليد وجودا مع أن حركة اليد
غير حركة المفتاح وجودا فكيف يعقل اتحاد التحريكين، ودفعه بأنا لا نقول
بانطباق العنوانين في عرض واحد بل نقول إن الفعل الذي يكون عنوانه تحريك
اليد في الان الأول يكون عنوانه تحريك المفتاح في الان الثاني عجيب، إذ ليس
هنا أمر واحد ليكون له في كل آن عنوان إذ الموجود بالذات نفس حركة اليد، و
حركة المفتاح وليس شئ منهما عين الاخر، ولا ثالث ليكون موردا لعنوانين
في آنين.
قوله: من رجوع الشرط الشرعي إلى العقلي الخ: قد عرفت في أوائل

1 - كما عن بعض أجلة العصر.
420

هذا البحث أن الشرطية تارة بلحاظ وجود المصلحة القائمة بالواجب فان التوقف
حينئذ واقعي، فأخرى بلحاظ نفس الواجب والتوقف حينئذ جعلي شرعي
بمعنى أنه لا ينتزع التقيد بالواجب إلا بان يقول الشارع صل عن طهارة ونحوه، و
منه تعرف أن رجوع الشرط الشرعي إلى العقلي أنما هو في الأول، والاستدلال
بلحاظ الثاني، فالجواب الصحيح هو الجواب الأخير.
ومنه تعرف أيضا عدم ورود الدور (1) لأن الوجوب المقدمي تعلق بما هي
مقدمة واقعا لتوقف مصلحة الواجب عليها، وحيث إنه شرط شرعي اتفاقا فلا
منشأ لانتزاعه إلا الوجوب المتعلق به، وحينئذ فالجواب أن منشائه الوجوب
النفسي المتعلق بالصلاة عن طهارة مثلا إلا الوجوب المقدمي كما في المتن.
وليعلم أن وجه رجوع الشرط إلى العقلي ما ذكرنا لا ما سبق منه قده في أوائل

1 - إذ بعد ما كان شرط الشرعي تارة باعتبار دخله في الغرض شرعا بحيث لا يعلم إلا من قبله،
وأخرى باعتبار قيديته في مرحلة الطلب وبهذا الاعتبار تكون الشرطية مجعولة بجعل الطلب فلا محالة
يندفع الدور إذ لا يتوقف تعلق الوجوب المقدمي بالشرط الشرعي على الشرطية بالمعنى الثاني بل
يكفي المعنى الأول فما يتوقف عليه الوجوب المقدمي هي الشرطية الشرعية بالمعنى الأول، وما
يتوقف على الوجوب المقدمي هي الشرطية الشرعية بالمعنى الثاني.
ومنه يظهر المغالطة الواقعة في كيفية الاستدلال فان الاتفاق على الشرطية شرعا لا يلازم الاتفاق
على الوجوب شرعا حتى يقال حيث لا وجوب نفسي للشرط فالوجوب المتفق عليه بملازمة الاتفاق
على شرطيته هو الوجوب المقدمي، مع أن الاتفاق على شرطيته الشرعية الجعلية لا يستلزم الاتفاق
على الوجوب المقدمي لأن مصحح انتزاع الشرطية تعلق الوجوب النفسي بالمتقيد بالمسمى شرطا فلا
منافاة بين كون الطهارة شرطا جعلا وبين كون الشرط الشرعي المجعول له الشرطية غير واجب
بالوجوب النفسي والمقدمي معا.
بل التحقيق انحصار مصحح انتزاع الشرطية الجعلية في الوجوب النفسي فقط، إذ الشرطية بلحاظ
تقيد الواجب في مرحلة الوجوب ولا يعقل إلا بمثل قوله: صل عن طهارة، كما أن الجزئية الشرعية
الجعلية لا يعقل إلا بتعلق الطلب بالمركب، فالأمر بذات الجزء لا يصحح الانتزاع إذ ليس متعلق الأمر
حينئذ الإتمام المطلوب لا أنه بعض له، فكذا لو قال تطهر، فان الطهارة تمام متعلق هذا الأمر لا أنه قيد
لمتعلق هذا الأمر فتدبر (منه).
421

المبحث من استحالة وجود المشروط من دون شرطه عقلا بعد أخذه شرطا
شرعا لأن العقلية بهذا المعنى مؤكدة للشرعية وفي طولها، لا انها يقابلها وفي
عرضها فلا ينافي في الاستدلال المبني على كون أصل التوقف والتقدير شرعيا
كما لا يخفى.
قوله: إلا أنه عن التكليف النفسي المتعلق بالصلاة الخ: ولا توهم
عدم قابلية الشرط للوجوب المقدمي حينئذ لوقوعه في حيز الوجوب النفسي، و
ذلك لأن الوجوب النفسي تعلق مثلا بالصلاة المتقيدة بالطهارة لا بالصلاة و
الطهارة، والصلاة المتقيدة بها يتوقف وجودها متقيدة بها عليها فيترشح من
وجوبها وجوب إليها.
قوله: وأما مقدمة الحرام والمكروه الخ: والسر في الفرق بين
المحبوبية والمبغوضية وسراية الأولى إلى جميع المقدمات، دون الثانية أن شيئا
منهما في حد ذاته لا يوجب السراية إلا في مقام تحصيل المقصود، وفي هذا
المقام يظهر الفرق فان المحبوب لا يراد إلا وجوده، وهو موقوف على تمام
المقدمات والمبغوض لا يراد إلا تركه، وهو يتحقق بترك إحدى مقدمات
الوجود، ومنه علم أن مقتضى القاعدة وجوب أحد التروك تخييرا، وتعينه في
ترك المقدمة الأخيرة لا جوب ترك الأخيرة بقول مطلق.
نعم إذا كانت المقدمة الأخيرة هي الإرادة التي بنوا على عدم تعلق التكليف
بها فلا محالة لا يجب شئ من التروك لا تعيينا ولا تخييرا، أما تعيينا فواضح، و
أما تخييرا، فلان أحد الأطراف ما لا يعقل تعلق التكليف به مطلقا فكيف يجب
التروك تخييرا فتدر.
وربما يفصل (1) بين ما إذا كان العنوان المحرم مبغوضا ولو لم يصدر
بالاختيار، وإن كان لا عقاب إلا على صدوره بالاختيار، وما إذا كان المبغوض هو
الصادر عن إرادة واختيار ففي الأول تكون العلة التامة للحرام مبغوضية فيكون
ترك إحدى المقدمات مطلوبا، ومع فرض انحصارها في الأخيرة بانقلابها إلى

1 - كما عن بعض أجلة العصر.
422

النقيض يتعين الأخيرة من باب تعين أحد أفراد الواجب التخييري بالعرض، وفي
الثاني لا تحرم إلا الإرادة، وتكون تركها مطلوبا لأن المفروض أن العلة التامة
للحرام مركبة من الإرادة وغيرها، ومقتضى القاعدة مطلوبية ترك إحدى
المقدمات تخييرا لكن حيث إن الصارف أسبق رتبة من غيره يكون هو المطلوب
فترك الإرادة بالخصوص مطلوب.
والجواب أما عن الأول فبأن الكراهة والمبغوضية التشريعية المصححة
للزجر عن الفعل هي كراهة الفعل، ومبغوضيته من الغير، ولا يعقل مع عدمهما
انبعاث الزجر عن الفعل كما لا يعقل الزجر عن الفعل، والبعث إليه، أو إلى الترك
إلا إذا تعلق بالاختياري إذ ليس حقيقة البعث والزجر إلا جعل الداعي إلى الفعل،
أو الترك، أو جعل الصارف عن الفعل فالإرادة دخيلة في المبغوضية من الغير
والبعث والزجر لا في خصوص استحقاق العقاب.
وأما عن الثاني فهو أنما فهو أنما يفرض في مثل الفعل التوليدي الذي لا يحتاج في
الاختيارية إلا إلى إرادة سابقة على المتولد منه دون غيره الذي يتوقف على إرادة
محركة للعضلات، ولو بعد تمامية المقدمات، وفى الفعل التوليدي نقول إن
سبق إحدى المقدمات رتبة أو زمانا لا يقتضي تعين الواجب التخييري بل ملاك
التعين دوران ذي المقدمة مدار تلك المقدمة وجودا وعدما كالمقدمة الأخيرة
التي وجدت وجد الفعل التوليدي حتى يتعين للمطلوبية، ولو فرض ملازمة إرادة
الفعل التوليدي للمتولد منه لكان السبب هي الملازمة لا السبق بالرتبة بحيث لو
فرض في غير الإرادة لكان الأمر كك.
423

الكلام في مسألة الضد
424

التعاند بين الشيئين
قوله: وذلك لأن المعاندة والمنافرة بين الشيئين الخ: حاصله أنه لا
تقدم ولا تأخر (1) بين الضدين بما همان ضدان فنقيض أحدهما وهو العدم البديل
للوجود أيضا لا تقدم له على وجود الاخر، وهذا معنى كونهما في مرتبة واحدة،
وتحقيق الجواب عنه أن غاية ما يقتضيه الملائمة بين الضد ونقيض ضده هي
المقارنة الزمانية بين الضد وعدم الاخر، والمقارنة الزمانية لا تنافي التقدم بالعلية
أو بالطبع كما أن التقدم الزماني لا ينافي العلية أيضا.
وأما كون عدم الضد بديلا لعين الضد فلا يقتضي أن يكون في رتبته بل كما لا
يأتي من أن يكون في رتبة ضده كك لا يأتي عن أن يكون متقدما عليه، أو متأخرا
عنه طبعا.
والشاهد على ما ذكرنا من أن نقيض ما لا تقدم له على شئ لا يأتي عن أن
يكون متقدما عليه بالطبع، هو أن الشرط وجوده متقدم بالطبع على شروطه قضاء

1 - لا يخفى ان غرضه - قده - ليس نفى المقدمية بمجرد ملائمة وجود الضد مع عدم الاخر فان
كل علة ومعلول أيضا متلائمان بل غرضه اثبات الاتحاد في المرتبة كما في آخر عبارته هنا ونفى التقدم
بالطبع الذي هو لازم المقدمية كما في أواخر عباراته الآتية والمراد من الاتحاد في المرتبة اما مجرد عدم
التقدم الطبعي فإنه مناف لمقدمة بالتقدم الطبعي فحينئذ لا حاجة الا إلى اثبات تقدم أحد الضدين على
الاخر وكون العدم البديل لكل منهما كك فينتج عدم التقدم لعدم الضد على وجود فعده أيضا واما المعية
في المرتبة زيادة على عدم التقدم والتأخر بالطبع فعلى الأول لا يرد عليه الا ابطال المقدمة الثانية وهو
ان العدم البديل لا يقتضى ان يكون في رتبة الوجود إذا المسلم من الوحدات المعتبرة في التناقض هي
الوحدات الثمانية وهذه ليس منها ووحدة الحمل التي أضافها إليها بعض أكابر الفن أجنبية عما نحن فيه
وعلى الثاني يرد عليه زيادة على ما سبق من أن يجتمع عدم التقدم والتأخر لا تقتضي المعية في المرتبة
إذا كما أن التقدم والتأخر لا يكون الا بملاك يقتضيه كك المعية لا تكون الا بملاك نقيضها وتقدم وجود
الشرط على وجود مشروطه دون عدم البديل على وجود المشروط مما يشهد الأول ومعية وجود أحد
المعلولين الصادرين عن علة واحدة مع الاخر دون عدمه مع وجود الاخر مما يشهد للثاني (منه ره).
425

لحق الشرطية وعدمه لا تقدم له بالطبع على مشروطه لأن التقدم بالطبع لشئ
على شئ بملاك يختص بوجوده، أو عدمه لا أن ذلك جزاف بخلاف التقدم
الزماني والمعية الزمانية فان نقيض المتقدم زمانا إذا فرض قيامه مقامه لا محالة
يكون متقدما بالزمان.
ولذا قيل وأشرنا إليه سابقا أن ما مع العلة ليس له تقدم على المعلول إذ
التقدم بالعلية شأن العلة دون غيره بخلاف ما مع المتقدم بالزمان فإنه أيضا متقدم
لأنه في الزمان المتقدم.
وبالجملة التقدم بالعلية أو بالطبع الثابت لا يسري إلى نقيضه، ولذا لا شبهة
في تقدم العلة على المعلول لا على عدمه كما أن المعلولين لعلة واحدة لهما
المعية في المرتبة، وليس بنقيض أحدهما المعية مع الآخر كما ليس له التأخر
عن العلة فمجرد انتفاء التقدم لوجود الضد على ضده لا ينفي التقدم لنقيضه على
ضده.
وقد عرفت أن المعية الزمانية لا تنافي التقدم بالذات بل لابد في اثبات
التقدم بالعلية وبالطبع، ونفيه من ملاحظة وجود ملاكهما وعدمه.
فنقول ملاك التقدم بالعلية أن لا يكون للمعلول وجوب الوجود إلا، وللعلة
وجوبه وملاك التقدم بالطبع أن لا يكون للمتأخر وجود، إلا وللمتقدم وجود، و
لا عكس فإنه يمكن أن يكون للمتقدم وجود، وليس للمتأخر وجود كالواحد و
الكثير فإنه لا يمكن أن يكون للكثير وجود إلا والواحد موجود، ويمكن أن يكون
الواحد موجودا، والكثير غير موجود فما فيه التقدم هنا هو الوجود، وفي التقدم
بعلية وجوب الوجود.
ومنشأ التقدم الطبعي تارة كون المتقدم من علل قوام المتأخر كالجزء و
الكل، والواحد والاثنين فيسري إلى الوجود فيكون التقدم في مرتبة التقدم
الماهوي تقدما بالماهية والتجوهر في مرتبة الوجود تقدما بالطبع، وأخرى كون
التقدم مؤثرا فيتقوم بوجوده الان كالمقتضي بالإضافة إلى المقتضى.
وثالثة: كون المتقدم مصححا لفاعلية الفاعل أو متمما لقابلية القابل كالشروط
الوجودية والعدمية فكما أن الوضع والمحاذات مصحح لفاعلية النار في
426

الإحراق مثلا كك خلو المحل عن الرطوبة متمم لقابلية المحل للاحتراق، وهكذا
الأمر في السواد والبياض، فان خلو الموضوع عن السواد متمم لقابلية الموضوع
لعروض البيان لعدم قابلية الجسم الأبيض للسواد والأسود للبياض.
ومنه يتضح للمتأمل عدم ورود الدور الآتي، إذ عدم اتصاف الجسم بالسواد
لا يحتاج إلى فاعل وقابل كي يحتاج إلى مصحح فاعلية الفاعل، ومتمم قابلية
القابل كي يتوهم توقف عدم الضد على وجود الضد أيضا.
واتضح مما ذكرنا في تحديد ملاك التقدم بالطبع أن الصلاة والإزالة لهما
التقدم والتأخر بالطبع، فإنه لا وجود للإزالة مثلا إلا والصلاة غير موجودة، وكذا
الصلاة بالإضافة إلى ترك الإزالة بخلاف عدم إحديهما على وجود الأخرى فإنه
يمكن عدمهما معا.
وعدم إمكان عدم الضدين اللذين لا ثالث لهما ليس من حيث التوقف بل من
حيث انحصار التضاد بين اثنين.
وأما ما يقال: من أن العدم لا ذات له فكيف يعقل أن يكون شرطا لأن ثبوت
شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له.
فمدفوع: بأن القابليات والاستعدادات والإضافات وأعدام الملكات كلها
لا مطابق لها في الخارج بل شؤون، وحيثيات انتزاعية لأمور موجودة فعدم
البياض في الموضوع الذي هو من أعدام الملكات كقابلية الموضوع من
الحيثيات الانتزاعية منه فكون الموضوع بحيث لا بياض له بحيث يكون قابلا
لعروض السواد فمتمم القابلية كنفس القابلية حيثية انتزاعية.
وثبوت شئ لشئ لا يقتضي أزيد من ثبوت المثبت له بنحو يناسب ثبوت
الثابت.
وربما يقال: بأن لازم توقف فعل الضد على ترك الضد هو توقف ترك ذي
المقدمة على ترك المقدمة أي ترك ترك الضد وهو الفعل لأن كون العدم عند
العدم من لوازم المقدمية والمفروض أن فعل الضد مطلقا (1) موقوف على ترك

1 - ومنه هذا الفعل المفروض تركه فهذا الترك المفروض مستند إلى ترك ترك الضد الاخر
ومصداق ترك الترك فعل المفروض وجوده فيلزم توقف الفعل على الترك من حيث مقدمية
الترك وتوقف الترك على الفعل من حيث كونه مصداق ترك الترك الذي هو لازم كون الترك مقدمة ومنه
يتضح الفرق بينه وبين الدور المعروف في المسألة فإنه على المشهور من حيث كون الترك مقدمة
شرطية للفعل والفعل مقدمة سببية للترك وأما على هذا التقريب فهو من لوازم نفس مقدمية الترك للفعل
كما أن الجواب عن كل منهما يختلف كما يظهر مما ذكرناه هنا وهناك (منه).
427

الضد فيلزم توقف فعل الضد على نفسه وهو دور.
ويندفع: بأن توقف فعل الضد على تركه قضاء لحق الشرطية لكنه لا علية
في طرف العدم إذ ليس عدم الشرط علة وشرطا لعدم المشروط حيث لا علية
في الأعدام مع أن الفعل ليس مطابق ترك الترك بل ملازم له حيث إنه لا يعقل أن
يكون الوجودي مصداقا لأمر سلبي، وإلا لزم انقلاب من حيثية ذاته طرد العدم
إلى ما ليس كك.
ومنه علم، أنه ليس من لوازم الوجود حيث إنه لا مطابق له، ولا من اللوازم
المنتزعة من الفعل حيث لا يعقل الانتزاع بل من الاعتبارات الملازمة للفعل فلا
توقف بوجه من الوجوه، ولو فرض عليه ترك الترك لترك الضد كان فعل الضد
مقارنا لعلة شرطه فلا يلزم منه دور، كما أن توهم أن لازم مقدمية الترك استناد
الوجود إلى العدم فيلزم سد باب اثبات الصانع واضح الدفع، فان المحال ترشح
الوجود من العدم والترك على فرض المقدمية شرط لا أنه مقتض يترشح منه
المقتضى.
ثم إنك قد عرفت الوجه في عدم توقف الترك على الفعل لأن العدم لا يحتاج
فاعل وقابل حتى يتصور فيه شرطية شئ له.
وأما ما يقال: من أن لازم توقف العدم على الفعل أحد محاذير ثلاثة إما
استناد الوجود إلى العدم، أو ارتفاع النقيضين، أو تحقق المعلول بلا علة وذلك
لأنه لو فرض عدم هذا الفعل الذي يكون علة لترك ضده، وعدم ما يصلح للعلية
له، ومع ذلك كان الفعل الذي عدمه معلول حاصلا للزم استناد الوجود إلى العدم
لفرض عدم ما يصلح للعلية في العالم، وإن لم يكن الفعل ولا عدمه ثابتا للزم
428

ارتفاع النقيضين، وإن كان العدم ثابتا مع فرض عدم علته وهو الفعل لزم المعلول
بلا علة.
فمندفع: بأن من يقول بتوقف الترك على الفعل يقول بتوقف العدم الطارئ لا
العدم الأزلي لأن الفعل ليس بأزلي (1) حتى يتصور عليته له، وفرض العدم
الطارئ لا يكون إلا مع فرض الفعل الذي هو علة له، وإلا فنقيض العدم الطارئ
بقاء ببقاء علته فالمحاذير الثلاثة نشأت من الخلط بين العدم الأزلي والعدم
الطارئ فان العدم الأزلي هو الذي يمكن فرضه مع فرض عدم كل موجود، هذا
إذا كان الفعل علة تامة بسيطة للعدم. و
أما إن كان مانعا من تأثير مقتضى الوجود فلا بأس باستناده إلى عدم
المقتضي مع فرض عدم كل شئ في العالم فان بقاء العدم الأزلي بعدم المقتضي
أزلا بوجود المانع لينافي فرض العدم العدم المطلق ولا يلزم حينئذ أحد المحاذير
الثلاثة فتدبر جيدا.
ومما ذكرنا ظهر صحة ما اشتهر أن عدم المانع من المقدمات، ولاوجه
لتخصيصه بما إذا كان التمانع من غير جهة التضاد كما لاوجه لتوجيه بأن المانع
ما كان مفنيا للممنوع كالماء بالإضافة إلى النار دون الضد فإنه لا يفني ضده بل
المحل غير قابل لاشتغاله بضدين فليس وجود الضد مانعا حتى يكون عدمه من
المقدمات، والوجه في عدم وجاهته الوجود لا يؤثر في العدم فلا معنى لاستناد
العدم إلى الوجود بل الأمر يرجع إلى المضادة حقيقة.
فالتحقيق الذي ينبغي ويليق هو تسليم مقدمية عدم الضد لوجود الضد
الاخر بنحو التقدم بالطبع كما عرفت إلا أنه مع ذلك لا يجدي الخصم شيئا إذ
ليس كل متقدم بالطبع يجب بالوجوب المقدمي كما عرفت في أجزاء الواجب
فان الجزء كما عرفت في المبحث السابق له التقدم الطبعي لكنه حيث لا وجود
للأجزاء بالأسر وراء وجود الواجب النفسي فلا معنى لايجابها بوجوب غيري

(1) وان شئت قلت فرض استناد العدم الأزلي إلى الفعل فرض أزلية الفعل وهو غير معقول ومع
التنزيل ففرض العدم الأزلي يستلزم فرض الفعل الأزلي فلا يكون المعلول بلا علة (منه).
429

زيادة على وجوبها النفسي، وإن كان لها التقدم الطبعي فكذا في عدم الضد
الموقوف عليه وجود ضده فان البعث إلى الضد كاف في تحصيله لأنه لا يوجد
إلا وشرطه متحقق، وهو عدم ضده لا أن وجوده موقوف خارجا على تحصيل
عدم ضده بخلاف المقدمات المباينة تحققا عن ذيها هذا في العدم الأزلي.
وأما العدم الطارئ فان كان المأمور به مما يتحقق بمجرد الإرادة كالأعراض
القائمة بالشخص من الإزالة والصلاة فوجود الإرادة وهي مقتضي الإزالة مساوق
لعدم إرادة الصلاة، ولو كان في أثنائها فعدم الصلاة ورفع اليد عنها لا يحتاج إلى
تسبيب وأما إذا كان المأمور به لا يتحقق بمجرد الإرادة كما إذا أمر بايجاد البياض
في محل مشغول بالسواد فان إرادة وجود البياض وعدم إرادة بقاء السواد لا
يكفي في زوال السواد فلا محالة يجب دفعه، وحيث أن حكه أو غسله أمر
وجودي لا يؤثر في العدم بل ملازم له لانتقال السواد بانتقال الاجزاء الصغار
القائم بها فيوجب الحك أو الغسل حركتها من مكان إلى مكان، وهي ملازمة لعدم
السواد في المحل فلا محالة لا يجب الحك أو الغسل لعدم المقدمية، ولا يجب
ملازمة المقدور عليه بالقدرة على ملازمة الوجودي إلا بعد اللابدية من إتيان
ملازمة الوجودي، ولو عقلا، وليس كك إلا بعد المقدمية عقلا، وسيأتي إنشاء
الله تعالى ما يمكن أن يكون جوابا عنه.
والتحقيق: يقتضي طورا آخر من الكلام، وهو أن الفعل عند أهله أربع اثنتان
منها من علل الوجود وهما ما منه الوجود وهي العلة الفاعلية وما لأجله الوجود
وهي العلة الغائية. اثنتان منها من علل القوام وهما المادة والصورة.
وأما الشرائط فهي ليست برأسها من العلل بل تارة تؤخذ في جانب العلة
الفاعلية فتكون من مصححات فاعلية الفاعل فيكون المقتضى المقترن بكذا تام
الفاعلية، وأخرى تؤخذ في طرف المعلول فيكون من متممات قابلية القابل
فيكون المحل المتقيد بكذا قابلا لأثر العلة الفاعلية.
فنقول: عدم الضد بناء على مقدميته لوجود الضد لابد من أن يكون بنحو
الشرطية بداهة أن الوجود لا يترشح من العدم فهو لا محالة إما متمم قابلية القابل،
أو مصحح فاعلية الفاعل، ومن البين أن المحل غير قابل بالذات لكلا الضدين، و
430

عدم القابلية من ذاتيات المحل كما أن من الواضح أن المحل قابلا لكل منهما بما
هو فالمحل المشغول بالضد لا يقبل ضدا آخر معه لا ضد آخر بدلا عنه، وقائما
مقامه، والأول محال لا يتم قابليته بشئ. والثاني يمكن لا نقص في قابليته (1)
كي يتم بشئ.
وأما كون عدم الضد مصححا لفاعلية الضد الاخر فلا معنى له إذ الضد ليس
فاعلا كي تكون تماميته في فاعليته موقوفة على عدم ضده بل الضد مفعول لعلته
وسببه فلو كان دخيلا في فاعلية الفاعل لكان دخيلا في تمامية سبب ضده
فيخرج عن المبحوث عنه لأن الكلام في مقدمية عدم الضد لوجود ضده حتى
يجب بوجوبه لا مقدميته لسبب ضده إذ ربما لا يكون سبب ضده فعلا اختياريا
حتى يكون واجبا فيجب مقدمة السبب أيضا، كما في ترك الصلاة بالإضافة إلى
الإزالة التي توجد بالإرادة فلو فرض دخل ترك الصلاة في تأثير الإرادة في الإزالة
لم يكن مثل هذا الدخيل واجبا حيث لا تكليف بالإرادة بل بالإزالة الإرادية مع أن
عدم الضد بنفسه ليس مصححا لفاعلية الضد إذ ليس الضد في مرتبة سبب
ضده (2) حتى يكون عدمه دخيلا لكون وجوده مانعا، بل المانع المزاحم لسبب
الضد هو سبب الضد الاخر، وإن كان منشأ السببين تضاد المسببين، ولا يوجب

1 - لا يقال وجود الشرط مفروض هنا لا انه غير محتاج إليه لأنا نقول إذا كان عدم الضد ملحوظا
في أصل قابليته القابل كان مفروض الثبوت مع أنه غير معقول إذا المحل لا يتأثر إلا بنفس البياض لا
البياض المتقيد بعدم السواد فلا يكون قابليته الا بالإضافة إلى ما يتأثر به وبعد خروج عدم السواد عن
مرحلة القابلية وان المحل قابل لذات المقبول وهو البياض مثلا فلا نقص حتى يحتاج إلى تتميمه في
مرحلة الفعلية كما في الجسم بالنسبة إلى احتراقه بالنار فان المحل قابل لذات الحرقة الحالة فيه مع أن
فعلية الحرقة في المحل القابل لها في نفسها يتوقف على الوضع والمحازات وأشباههما فلذا بعد الفراغ
عن أصل القابلية يحتاج فعلية التأثر إلى شئ (منه).
2 - ليس الغرض الاختلاف في المرتبة بحسب الاصطلاح بل الغرض ان الضد بالمعنى الذي له
المانعية وهي المعاندة في الوجود لا يقابل سبب الضد بل نفس الضد فيعانده دون سببه وبالمعنى الذي
يجدى في المانعية عن تأثير سبب الضد ليس له بل لسببه فتدبر.
431

ذلك أن يكون عدم الضد أولى بالمقدمية من عدم سببه لما عرفت من أن الضد
ليس فاعل حتى يتصور كون عدم ضده مصححا لفاعليته بخلاف عدم سبب
الضد لسبب ضده.
وأما تسليم كون السبب للضد مانعا (1) عن سبب ضده، وعدم كون عدمه

1 - الاشكال في مقدمية عدم المانع الاصطلاح من وجوه أحدها ان استناد عدم التأثير إلى وجود
المانع فرع وجود المقتضى بشرائطه وهذا الفرض محال لان فرض وجود المقتضى للضد المعدوم مع
فرض المقتضى للضد الوجود مرجعه إلى وجود المقتضى للمحال واقتضاء المحال محال ثانيها ان
الشرط بمعنى موصل الأثر وهذا شأن الأمر الوجودي فلا يعقل ان يكون عدم المانع شرطا ثالثا ان
الشرطية مفهوم ثبوتي وثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له والعدم لا ذات له فكيف يثبت له
الشرطية والجواب عن الأول ان التضاد انما هو بين الشيئين بوجودهما الخاص بهما في نظام الوجود لا
بين ثبوته العرضي بثبوت المقتضى واما كون اقتضاء المحال محالا فهو أجنبي عما نحن فيه فإنه فيما إذا
كان شئ واحد مقتضيا لأمرين متنافيين لا فيما إذا كان هناك شيئين كان كل واحد منهما مقتضيا لأمر
مخصوص فان سبب البياض لا يقتضى الا البياض وكذا سبب وليس هناك سبب يقتضى بذاته البياض
والسواد حتى يكون مقتضيا للمحال وأما عدم اجتماع الإرادتين لضدين فليس هو من وجود مقتضى
المحال بل الإرادة حيث إنها الجزء الأخير من العلة التامة للمراد ففرض وجودهما فرض وجود المرادين
المتضادين بحسب وجودهما الخاص بهما في نظام الوجود والجواب عن الثاني ان موصل الأثر لا
معنى محصل له الا حامل الأثر والواسطة بين ذات المؤثر وذات المتأثر في الثبوت المضاف إلى الأثر
ومن البديهي ان المحاذاة لا تجمل الاهراق من النار إلى الجسم والطهارة لا تحمل الأثر من الصلاة إلى
غيرها وهكذا والجواب عن الثالث أما أولا فما مر منافي بعض الحواشي المتقدمة م ان ثبوت شئ
لشئ يقتضى ثبوتا مناسبا للمثبت له وأما ثانيا فبان الكلام في المقدمة وكون شئ متمما لقابلية القابل
أو مصححا لفاعلية الفاعل وان كان الشرط اصطلاحا أو مفهوما يختص بالامر الوجودي كما هو ظاهر
أهل فن المعقول حيث يجعلون عدم المانع من المقدمات مع اختصاص عنوان الشرط بالأمر الوجودي
والكلام هنا في مجرد المقدم والتوقف.
فان قلت: مجرد نفى الاستحالة من الجهات المزبور لا يثبت امكان وجود المقتضى للضد
المعدوم بجميع شرايطه فان الأمثلة التي يستدل بها للوقوع الأخص من الامكان اما من قبيل فقد
المقتضى كالإرادتين من شخص واحد أو من قبيل فقد الشرط كالإرادتين من شخصين حيث إنه لا
قدرة لكليهما مع التساوي لأحدهما مع الأقوائية ولابد من الحاكم بالمقدمية واستناد عدم التأثير
إلى وجود المانع ليكون عدمه شرطا من احراز الامكان بإقامة البرهان.
قلت: بعد الفراغ عن وقوع كل من الضدين بسببه التام بدلا عن الاخر لا ريب في امكان كل منهما
في حد ذاته فلا محالة تكون الاستحالة مختصة بصورة اجتماع المسببين ولا استحالة من حيث
الاجتماع الا لأجل التقابل بين المسببين بأحد أنحاء التقابل ومن الواضح انه لا تقابل بينهما من حيث
السلب والايجاب ولا من حيث العدم والملكة لأن السببين وجوديان وأثرهما وجودي فينحصر التقابل
المحتمل بينهما في التضائف والتضاد ومن الواضح ان السببين ليسا دائما بذاتهما متضائفين فأي تضائف
بين المادة والنار أو بين الإرادتين فيمحض في احتمال التضادي بين السببين بذاتهما وإلا فالتضاد
بالعرض في فرض تأثيرهما معا مسلم ولا يجدى في الفرض ومن الواضح ان مورد التضاد بالذات بما إذا
اجتمعا في موضوع واحد أو محل واحد والسببان ربما لا يكونان في مورد واحد كالإرادتين من
شخصان فليس التضاد الذاتي من شان السببان حتى يحتمل استحالتهما كليا نعم إذا كان كل من السببين
علة تامة بسببية لمسببه استحال اجتماع ذاتهما لعدم انفكاكه عن اجتماع المسببين واحتمال كون
الأسباب دائما كك خلاف الوجدان مع أن المفروض كون الضد فاعلة تامة مركبة ولذا وقع الكلام في
شرطية عدم المانع وإذا عرفت عدم استحالة وجود المقتضى الضدين بجميع شرائطهما المعتبرة في كل
منهما في نفسه فاعلم أن تأثيرهما معا مع تضاد مقتضاهما يوجب المحال وهو اجتماع الضدين وحينئذ
إذا كانا متساويين فلا يمكن تأثيرهما معا لما عرفت ولا تأثير أحدهما بالخصوص فان التأثير إن كان
بالجهة المشتركة بين السببين لزم تأثيرهما معا وهو محال وطن كان بجهة مختصة فحيث لا جهة مختصة
لزم المعلول بالعلة وإن كانا متفاوتين بالقوة والضعف فإذا أثر الأقوى لم يكن فيه محذور لوجود
الخصوصية وهي القوة فلم يلزم المعلول بلا علة وأما إذا أثر الأضعف فان كان بالجهة المشتركة لزم
تأثيرهما معا وان كان بجهة مختصة به فلا جهة خاصة مع أن لازمه انفكاك المعلول عن علته التامة لان
الأقوى سبب تام بلا مزاحم بخلاف الأضعف فعدم تأثير الأقوى يلزم منه انفكاك عن علته التامة وبقية
الكلام في المتن فتدبر جيدا (منه).
432

شرطا نظرا إلى أن الشرط هو موصل الأثر إلى محله. وهذا شان الأمر الوجودي
دون العدمي.
فمدفوع: أولا بأن تسميته شرطا ليس بمهم وعدم كون عدم المانع مقدمة
يستلزم تمامية العلة مع وجود المانع أيضا فيلزم انفكاك المعلول عن علته التامة.
433

وثانيا بأن الشرط لا ينحصر في موصل الأثر بل قد عرفت أنه في الحقيقة إما
متمم قابلية القابل، أو مصحح فاعلية الفاعل بمعنى أن القابل الكذائي أي
المقترن بكذا قابل، والفاعل المقترن بكذا تام الفاعلية وإن كان ترشح الأثر من
مقام ذاته، ولا بأس بأن يكون المقتضي المقترن بعدم كذا مؤثرا بالفعل.
وأما دعوى: أن وجود الضد معلول لوجود سببه، وعدم الاخر معلول لعدم
سببه، وأن عدم الضد لا يعقل أن يستند إلى علة الضد، وكذا عدم سببه لا يعقل
أن يستند إلى وجود سبب ضده لأن العدم لا يترشح من الوجود كما لا يحتاج إلى
فاعل، وقابل حتى يحتاج إلى شرط، ليقال أن عدم الضد مشروط بوجود سبب
ضده بل الوجود مستندا إلى الوجود، والعدم إلى العدم، وتعين أحد السببين
للتأثير دون السبب الاخر لقوة مقتضي الأول، وضعف مقتضي الاخر، وهما
ذاتيان للقوي والضعيف، لا أن ضعف الضعيف مستند إلى القوي، ومزاحمته
حتى ينتهي أمر العدم إلى وجود سبب الضد، فهي أقوى ما يمكن أن يقال في
تقريب عدم المقدمية لعدم الضد لوجود ضده، ولعدم سببه لوجود السبب الضد
الاخر، لكنها مندفعة بأن عدم الضد عند مزاحمة السببين لعدم علته التامة وعدم
تمامية العلة لعدم الشرط وهو عدم المانع المزاحم فاستند العدم إلى العدم إلى
التالي.
وأما استناد وجود أحد الضدين دون الاخر إلى قوة سببه دون سبب الاخر
فهو صحيح على وجه دون آخر فإنه إن أريد أن تعين أحد السببين لمزاحمة
الاخر دون الاخر فإنه لا يقبل المزاحمة لقوة الأول، وضعف الثاني فإنه صحيح
لكنه لا يستلزم نفي المقدمية، وإن أريد أن عدم الضد لمجرد ضعف سببه ففيه
أن السبب على الفرض تام الاقتضاء والفاعلية في نفسه، وضعفه إضافي فهذا
الضعف الإضافي لو لم يوجب نقصا في فاعليته لزم انفكاك المعلول عن علته
التامة ولا نقص على الفرض إلا من حيث أن تمامية كل سبب مشروطة بعدم
المانع المزاحم، وحيث لم يحصل الشرط لوجود المزاحم فلم يقترن السبب
بعدم المانع فلذا لم يتم العلة فلم يحصل المعلول.
ومما ذكرنا تبين وجه التلازم بين وجود الضد وعدم ضده فإنه ليس لعلية
434

أحدهما معلولية الأمر، ولا لمعلوليتهما لثالث بل لمكان التلازم بين سبب وجود
أحدهما وعدم سبب الاخر لمعلولية الأول وللثاني، ولا منافاة بين أن يكون
سبب أحدهما لقوة مانعا، ومزاحما عن تمامية، سبب الاخر، وكون عدم تمامية
الاخر شرطا لتمامية سبب الموجود من الضدين بتوهم أنه السبب لعدم التمامية
فهو علة له فكيف يكون عدم التمامية، وهو معلوله شرطا لتأثيره وفي مرتبة علته
وجه عدم المنافاة أن السبب القوى لمكان قوله يزاحم الضعيف، ويمنعه عن
تأثيره، فنفس وجوده موجب لفقد شرط تأثيره لأن الشرط عدم المزاحم وهو
على الفرض لمكان قوته مزاحم لمكان قوته مزاحم لمكان قوته مزاحم فيستند عدم تمامية علية
الضعيف إلى وجود القوي لكنه ليس عدم التمامية شرط تأثير القوى بل عدم
كونه مزاحما لضعفه بالإضافة إلى القوى، وعدم مزاحمته غير منته إلى تأثير
القوى بل إلى ضعف نفسه فتوهم أن عدم التمامية شرط تأثير القوي هو الموجب
للمغالطة المزبورة فتدبر في أطراف ما ذكرناه في المقام فإنه حقيق بالتدبر التام.
قوله: فكما أن قضية المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي عدم الخ: و
يمكن الخدشة فيه بأن ارتفاع الوجود عين العدم البديل له، والشئ لا يعقل أن
يكون شرطا لنفسه، وارتفاع العدم، وإن كان ملازما للوجود لا عينه إلا أن ملاك
التقدم الطبعي غير موجود فيه إذ لا يمكن ثبوت أحدهما إلا والاخر ثابت كما لا
يخفى.
قوله: توقف عدم الشئ على مانعه الخ: لسببية وجود الضد لعدم
ضده، ولذا كان عدمه شرطا لوجوده، وقد عرفت آنفا ثبوت الفرق بين وجود
الضد وعدمه حيث إن خلو الموضوع عن الضد متمم لقابلية المحل لاتصافه
بالضد بخلاف وجود الضد لعدمه فان عدم اتصاف المحل بالضد لا يتوقف على
فاعل وقابل حتى يعقل فرض كون شئ مصححا لفاعلية الفاعل، أو قابلية
القابل بل العدم بعدم علة وجود الضد.
وأما تأثير الوجود في العدم بنحو السببية فهو غير معقول لأن الأثر لابد من أن
يكون من سنخ مؤثره بل العلية والاستناد المذكور أن في باب عدم المعلول بعدم
علته فهو أيضا تقريب، وإلا فلا علية في الأعدام فضلا عن علية الوجود للعدم بل
435

نقول على التحقيق المتقدم أن مانعية الضد أما عن وجود الضد الاخر معه كما هو
لازم التضاد فعدمه معه مستند إلى عدم قابلية المحل لهما ذاتا لا إلى تأثير للضد
في عدم ضده، وأما عن وجود الضد بدلا عنه فمانعية الضد مستحيلة (1) للزوم
الخلف أو الانقلاب لأنه مع فرض وجوده يعقل ترتب المانعية عليه ففرض
وجود الاخر حينئذ بدلا عن وجود ما هو مفروض الوجود خلف أو إنقلاب
فمانعية الضد على أي حال غير معقولة، وإنما المعقول مانعية سبب أحدهما
عن تأثير سبب الاخر.
قوله: فإنه يتوقف على فرض ثبوت المقتضي الخ: بل لو فرض ثبوت
المقتضي بتمام شرائطه مع وجود ضده فلا يستند عدم الضد إلى مانعية وجود
ضده بل يستند إلى عدم قابلية المحل لوجوده مع وجود ضده وعدم القابلية من
ذاتيات المحل فظهر أن العدم من جهة فقد شرط من شرائط الوجود، وهو خلو
المحل عن الضد لا لوجود الضد.
قوله: ولعله كان محالا لأجل انتهاء الخ: الاكتفاء بمجرد احتمال استحالة
الفرض لأن التوقف يبتني على إمكان الفرض فمجرد احتمال الاستحالة كاف في
إبطال استدلاله إلا أن الاستناد في احتمال (2) الاستحالة إلى تعلق الإرادة الأزلية

1 - بيانه ان مانعية سبب الضد عن تأثير سبب الضد الاخر غير منافية لوجود السببين وحيث إن كل
سبب يقتضى وجود مسببه في نفسه من دون تقيد مقتضاه بوجود مقتضى الاخر ولا بعدمه كما مر فلا
محالة يمنع بالتبع عن وجود الاخر لا عن وجود مقتضاه وقائما مقامه بحيث أو فرض أقوائية أحد
السببين لمكان وجود مقتضى السبب الضعيف بدلا عن وجود مقتضى السبب القوى مستلزما لانفكاك
المعلول عن علته التامة وإذا نسب المانعية بهذا المعنى إلى وجود الضد فليس فيه محذور الانفكاك إذ لا
علية للشيئ بالنسبة إلى نفسه إلا أن فرض وجوده ليترتب عليه المانعية يقتضى انحفاظ ذات المانع
وحينئذ فوجود الضد الاخر بدلا عن هذا المفروض الوجود وقائما مقامه يستلزم الخلف بلحاظ الواقع إذ
لا يمكن الحكم بالمانعية المستدعية لوجود ذات المانع عن وجود الممنوع في مرتبة يكون وجود
المانع محفوظا فينا بدلا عنه المسارق لعدمه في تلك المرتبة فليس للضدين إلا التعاند في الوجود أي
معيتهما واجتماعهما لا المانعية عن وجود الاخر عنه المسارق لعدمه فتدبر.
2 - بيانه ان الغرض ان كان كاشفية عدم تعلق الإرادة الأزلية عن استحالة وجود مقتضيه
بشرائطه فقد عرفت ما فيه بما في المتن من أن استحالة المعلول باستحالة علته التامة لا تقتضي إلا
استحالة المجموع لا استحالة جميع اجزاء العلة ويكفي في استحالة المعلول استحالة عدم مانعه لكون
وجود مانعه ضروري الوقوع وإن كان علية الإرادة الأزلية وجودا أو عدما لوقوع الضد وعدمه والإرادة
الأزلية هي علة العلل فعدمها من باب عدم العلة السابقة وحيث لا جهة مكانية فعدمها بنحو الوجوب
ونقيضها وهي الإرادة الأزلية لوجود الضد محال فالمراد من استحالة وجود المقتضى هذا المقتضى
الذي هو علة العلل بالإضافة إلى وجود الضد ففيه أولا أن الكلام في استحالة المقتضيات الطبيعية
للشيئ دون الإرادة الأزلية وثانيا ليس تأثير الإرادة الأزلية في الموجودات من الافعال اختيارية
والطبيعية على حد تأثير فواعلها الاختيارية والطبيعية مباشرة بل حيث إن سلسلة الأسباب لكنه منتهية
إلى سبب واجب بالذات فلذا أيضا أن الإرادة الأزلية وإنما لم يوجد الضد لا لقصور في مقتضياتها الطولية
ولا لعدم انتهائها إلى الإرادة الأزلية بل لوجود المانع المنتهى بأسبابه الطولية إلى الإرادة الأزلية وانتهائه
إليه يؤكد مانعيته لا أنه ينافيها فاتضح انه بناء على علية الإرادة الأزلية لا يكشف عدم الضد عن عدم
المقتضى الأزلي بل عند وجود أسبابه الطولية كاشف عن الإرادة الأزلية هذا واما ما دفعه ورتبه قده بقوله
قده ان قلت هذا انما لوحظا الخ.
ففيه محذور فان إرادة الضدين من شخص واحده حال سواء انتهت الإرادتان إلى الإرادة الأزلية أم لا
من دون حاجة إلى الكاشفية والعلية ويمكن دفعه بأن خطره الشريف قدس سره اللطيف إلى إرادة الضد
بدلا عن الاخر كما في الإرادتين من شخصين وحينئذ فامكان كل اراده محفوظ وانما وجدت أحديهما
دون الأخرى لانتهائهما إلى تعلق الإرادة الأزلية بوجود إحديهما وعدم تعلقها بوجود الأخرى فان عدم
المعلول بعدم العلة لا باستحالتها لكن الحكم باستحالتها من حيث انتهائها إلى عدم تعلق الإرادة الأزلية
بها فيلزم من فرض وقوعهما الحال وهو وجود الممكن من دون انتهائه إلى الواجب أو فرض الانقلاب
أو فرض جهة امكانية في مقام إرادة الواجب وعليه فلا باس بإرادة عدم المقتضى الأخير المستحيل من
هذا الوجه وإن كان ممكنا في ذاته وحينئذ يرد عليه ما أوردناه في المتن على المحكى من شيخ
المحققين صاحب حاشية المعالم قده من أن الكلام في مانعية الضد عن الضد للتضاد والمانعية بهذا
المعنى يقتضى المنع عن وجوده معه وأما المانعية عن وجوديه بدلا فإنما هو شأن سبب الضد فتدبر.
436

بوجود أحدهما وعدم تعلقها بالآخر لا يخلو عن شئ لأن عدم وجود شئ
بعدم أسبابه وإن كان مما تعلقت الإرادة الأزلية بضده ولم تتعلق به لا يوجب
استحالتهما لم يكن في حد ذاته مستحيلا بل لابد من استحالته ذاتا أو وقوعا في
437

تعلق الإرادة الأزلية بعدمه حيث أن تعلق الإرادة بعدمه دون وجوده ليس جزافا
فلا يؤثر الإرادة في استحالته، بل يتبع استحالته وتعلق الإرادة بعدمه لا يكشف
عن استحالة مقتضيه في نفسه لامكان استناده إلى كون وجود مانعه بأسبابه
ضروري الوقوع بحيث يلزم من فرض لا وقوعه محال، فعدم تعلق الإرادة بالضد
لمكان تعلق الإرادة بضده لوجوب وقوعه فتكون استحالة ما لم يقع عرضية مع
أنه لو بنينا على الدقة وقلنا بأن كل ممكن بالذات يجب وجوده كما برهنا عليه
في مبحث الطلب والإرادة لم يكن عدم وجود الضد كاشفا عن استحالته
باستحالة مقتضيه بشرائطه بل يجوز أن يكون من جهة وجود مانعه وهو ضده.
وربما يجزم باستحالة وجود المقتضي لأن مقتضي الفعل الإرادي هو الإرادة،
ولا يعقل إرادة الضد مع إرادة ضده فيكون عدم الضد دائما مستندا إلى عدم
مقتضيه لسبقه، لا إلى وجود المانع، وعدم المقتضي ليس مستندا إلى وجود
المانع كي ينتهي الأمر إلى أن عدم الضد بمباديه لوجود الضد بل يستند عدم
إرادة الضد مع موافقته للغرض إلى غلبة إرادة الاخر من حيث قوة مقتضيها و
مغلوبية الداعي ليست معلولة لغلبة الداعي الاخر حتى ينتهي عدم الضد أخيرا
إلى سبب الضد الاخر لأن الغالبية والمغلوبية متضائفان ولا علية بين
المتضائفين.
والتحقيق أن غلبة الداعي تؤثر في إرادة الضد بدلا عن الاخر، وأما عدم
وجود الاخر بمباديه فمن جهة استحالة الاجتماع لعدم قابلية المحل لهما معا و
قابليته لكل منهما بدلا عن الاخر لا من جهة المانع كما قيل، ولا من جهة انتهاء
الأمر إلى غلبة الداعي إلى إرادة الضد فتعليل عدم الضد بمباديه بغلبة مقتضي
الاخر عليل جدا فان المزاحم في المقتضيات بلحاظ وجود كل من الضدين بدلا
عن الاخر لا مع الاخر، والكلام في مانعية الضد لا مانعية سببه ومانعيته من
حيث مضادته، ومثل هذه المانعية لا يعقل أن تكون مانعيته عن وجود الضد
الاخر بدلا عنه فان الضد يمنع عن وجود الضد الاخر معه لا عن وجود الاخر
بدلا عنه فإنه غير مربوط بضديته وإنما هو شأن سببه لقوة تأثيره، ومن الواضح
أن عدم وجود الضد مع وجود الاخر مستند إلى عدم قابلية المحل لهما لا إلى
438

تأثير الضد في عدم الاخر.
وأما حديث التضائف وعدم العلية بين المتضائفين فلا يجدي لأن عدم
العلية من حيث التضائف لا ينافي علية ذات أحد المتضائفين للاخر كما في
العلية والمعلولية فتدبر.
قوله: مستند إلى عدم قدرة المغلوب الخ: قد ظهر آنفا أن غلبة أحدهما
على الاخر علة وجود أحد الضدين بدلا عن الاخر لا علة عدم وجود الاخر مع
ضده فالمستند عدم قابلية المحل لهما لا غلبة أحد الطرفين ولا وجود الضد فلا
تغفل.
قوله: إلا أن غائلة لزوم توقف الخ: لأن مبنى الجواب على استحالة فعلية
التوقف من ناحية استحالة وجود المقتضي بشرائطه ما عدا وجود المانع، و
مقتضاه إمكان المقدمية لوجود الضد بالذات، مع أن علية الشئ لنفسه من
المحالات الذاتية لا المحال بالغير حتى يستند عدم فعلية المقدمية إلى عدم
المقتضي لاحتمال استحالته فليس لازم هذا القول لزوم الدور، إذ لا توقف فعلي
من الطرفين إلا أن لازمه إمكان توقف الشئ على نفسه والحال أن توقف
الشئ على نفسه محال بالذات لا بالغير، ولا فرق في النتيجة بين القول بوجود
المحال أو بامكان المحال بل لعل مرجع الأول إلى الثاني.
قوله: لعدم اقتضاء صدق الشرطية صدق طرفيها الخ: وفي حاشية
الكتاب عن شيخنا وأستاذنا العلامة رفع الله مقامه (1) أن الشرطية غير صحيحة،
نظرا إلى أن المقتضي لا يعقل أن يقتضي وجود ما يمنع عما يقتضيه فلا يترتب
عليه استناد عدم الضد إلى وجود الضد.
والتحقيق أن استناد عدم المعلول إلى وجود المانع عند وجود المقتضي كلية
في غير المقام لا يستلزم اقتضاء وجود ما يمنع عما يقتضيه لأن
أصل المانعية للتزاحم في التأثير لمكان منافاة مقتضاهما ذاتا، وفعلية مانعية

1 - المذكور في الكفاية مع تعليقة الشيخ على القوچاني ذيل هذه العبارة، ولا يكون للآخوند - ره -
حاشية مستقلة.
439

أحدهما عن تأثير الاخر دون الاخر لقوة أحدهما وضعف الاخر، وهما ذاتيان
للسببين المتنافيين فليس أصل المانعية ولا فعليتها مترتبا على وجود المقتضي،
غاية الأمر أن عدم وجود الضد حدوثا لعدم المقتضي، وبقاء لوجود المزاحم عن
تأثير المقتضي، وفعلية المزاحمة ملازمة لفعلية المزاحم بالفتح لا أن أحدهما
علة للاخر، وكما لا ترتب بين عنواني المانع والممنوع كك بين ذاتيها، وبين
اتصاف أحدهما بالمانعية والاخر بالممنوعية بل حيث أن المانعية من الأمور
المتضائفة فلابد من وجود المقتضي في الطرف الآخر من دون ترتب.
وأما استقلال المانع في العلية لعدم الضد بالتبع فهو لازم انحصار علة العدم
تقريبا في وجود المانع وانحصاره اتفاقي لفرض وجود المقتضي وانقلاب عدمه
الذي هو أسبق العلل إلى الوجود، والالتزام باستناد عدم الضد إلى وجود المانع
من باب المسامحة والمماشاة، وإلا فعدم المعلول بعدم مقتضيه أو عدم شرطه،
وقد عرفت شرطية عدم المانع سابقا فوجود المانع مساوق لعدم الشرط الذي
يستند إليه عدم المعلول هذا هو القول الكلي في استناد عدم المقتضي إلى
وجود المانع عند وجود مقتضيه وسببه.
وأما فيما نحن فيه، وهو استناد عدم الضد إلى وجود ضده المفروض كونه
لئلا يلزم الخلف.
فنقول المفروض أن وجود الضد صالح للمانعية عن وجود ضده وهذه
المانعية لمكان الضدية وهي ذاتية لا من ناحية وجود المقتضي لضده، وإنما لم
تكن المانعية فعلية ليستند إليه عدم ضده لأن من شرط تأثير شئ في شئ
وجوديا كان أو عدميا تأثير علة سابقة لعدم قابلية المحل لتأثير مؤثر آخر، و
مع عدم المقتضي للضد حيث أنه أسبق العلل يستند إليه عدم الضد، ولا مجال
لتأثير المانع وهو وجود الضد في عدم ضده لفقد شرطه، ومع انقلاب العلة
السابقة إلى نقيضها يتحقق شرط التأثير، وهو عدم العلة السابقة فوجود المقتضي
ليس بنفسه شرطا لفعلية التأثير بل عدم عدمه، وهو ملازم لوجوده لا عينه فلا
تكون فعلية المانعية مترتبة على وجوده بل على ملازمه.
فان قلت: تدبرهن عليه في محله أنه لا يعقل عقد القضية الشرطية اللزومية
440

بين محالين بالذات بل إما بين محالين بالغير، أو أحدهما بالذات، والاخر بالغير
حتى يتصور العلاقة اللزومية بالعلية أو المعلولية لثالث.
وأيضا قالوا بعدم امكان عقد القضية بين الممكن والمحال لعدم العلية و
المعلولية بينهما، ولا المعلولية لثالث فان كان وجود المقتضي محالا لزم الأول
لان منشأ استحالة المقتضي إما تعلق الإرادة الأزلية، أو عدم امكان اجتماع
الإرادتين فإنهما ضدان بالعروض، ومنشأ استحالة مانعية الضد توقف الشئ
على نفسه فلا علية ولا معلولية بينهما، ولا معلولية لثالث وإن كان وجود
المقتضي ممكنا لزم الثاني فكيف يصح عقد الشرطية.
قلت: أما على الأول فان الاستلزام إن كان من حيث استحالتهما صح الايراد،
وإن كان لا من حيث الاستحالة بل لو كانا ممكنين أيضا كانا متلازمين فلا، ومن
البين أن وجه الاستلزام إن حصر أجزاء علة العدم في شئ يستلزم استناده إليه،
وإلا لزم ما هو كالمعلول بلا علة.
وأما على الثاني فلان الممكن واقعا لا يستلزم المحال، وأما فرض الاستلزام
على تقدير محال فليس بمحال، والكلام في الاستلزام على تقدير المقدمية التي
هي مستحيلة للزوم الدور، ووجه الاستلزام ما عرفت فالشرطية بنحو الكلية
صحيحة لكنها غير منطبقة على ما نحن فيه لما عرفت سابقا من أن عدم الضد مع
وجود مقتضيه مستند إلى عدم قابلية المحل له ولضده فالعدم بعدم الشرط لا
بوجود الضد وأما عدمه بدلا عن الاخر فهو أمر آخر، وقد مر وجهه.
قوله: وهو ما كان ينافي ويزاحم المقتضي في تأثيره الخ: لا يخفى
عليك أن التأثير والأثر كالايجاد والوجود متحدان بالذات، مختلفان بالاعتبار هنا
في التأثير مناف لما هو عين الأثر بالذات، ولا ريب في أن المنافي بالذات للضد
هو ضده.
وأما مقتضيه فهو مناف له بالعرض لا بالذات فيرجع الأمر حينئذ إلى مزاحمة
وجود الضد لوجود ضده، ومنافاته، ففيه ملاك المانعية بذاته، وفي سببه و
مقتضيه بتبعه، وإلا فمن البديهي أن مقتضى الضد بذاته لا ينافي الضد الاخر ولا
سببه بوجه، ولذا قلنا سابقا أن مرجع المانعية إلى الضدية، والمنافاة الذاتية بين
441

الشيئين فهذا بمجرده لا يوجب الفرق بين قسمي المانع بل الفارق ما قدمناه
فراجع.
قوله: نعم العلة التامة لأحد الضدين الخ: استدراك عما أفاده أخيرا من
أن ما يعاند الشئ في وجوده ليس بمانع، وإنما جعل العلة التامة مانعا لأنها إذا
كانت مزاحمة لمقتضي الضد فعدمه يستند إلى عدم علته التامة وهو يستند إلى
وجود المزاحم وهي العلة التامة للاخر فوجود أحد الضدين يستند إليها بلا
واسطة، وعدم الاخر يستند إليها بالواسطة، ولكنك قد عرفت حقيقة الحال انفا،
مضافا إلى ما مر مرارا من أن وجود الضد بدلا عن الاخر أمر، ومع الاخر أمر آخر،
وعنوان التزاحم في المقتضيات في الأول، والكلام في المقام الثاني.
قوله: لا أن يكون محكوما بحكمه الخ:
إن قلت: ما الفرق بين الإرادة التكوينية والتشريعية؟ حيث نقول باستلزام
إرادة أحد المتلازمين لإرادة الاخر في الأولى، دون الثانية، ولذا لا شبهة في أن
القاصد إلى ملازم الحرام يستحق العقوبة على الحرام المترتب على ملازمه
المباح قهرا مع الالتفات إلى التلازم.
قلت: إذا لم يكن في الشئ غرض نفسي أو مقدمي لا يعقل انقداح الداعي
إلى إرادته في النفس، وموافقة أحد المتلازمين للغرض لا يستلزم موافقة الاخر
للغرض بل هو ملازم لما يوافق الغرض.
وأما ترتب الحرام قهرا على ملازمه مع الالتفات إلى الملازمة فهو ليس من
جهة كونه مرادا قهرا، أو بحكم المراد في الآثار شرعا أو عقلا، ولا دخل لكونه
مقدورا بالواسطة بكونه مرادا فان الفعل الاختياري كما يحتاج إلى القدرة و
الشعور كك إلى الإرادة فمجرد إرادة ملازمة لا يجعله مرادا، وقد عرفت فيما
تقدم معنى مقدورية المسبب بالقدرة على سببه مع أن كون الفعل توليديا و
تسبيبيا لا يقتضي عدم تعلق الإرادة به بل إرادة الاحراق سبب لإرادة الالقاء في
النار، بل السر في ترتب آثار الحرام على مثل هذا الأمر القهري هو أن المطلوب
في النهي ترك الشئ عن إرادة فإذا لم يترك عن إرادة استحق عليه العقوبة
فقاصد الملازم للحرام القادر على تركه بترك ملازمه يستحق العقاب لا على
442

كان على خلاف ما اشتهر، أنه لا فرق في الإرادة الوجوبية والندبية من حيث
المرتبة بل الفرق من حيث كيفية الغرض الداعي.
والبرهان عليه أن المراد التشريعي كما يختلف من حيث اللزوم وعدمه كك
المراد التكويني، ضرورة أن ما يفعله الانسان بإرادته ليس دائما مما لابد منه، ولا
مناص عنه، ومع ذلك ما لم يبلغ الشوق حدة المحرك للعضلات لم يتحقق
المراد فليس المراد اللزومي مما لابد في إرادته مرتبة فوق مرتبة إرادة المراد
الغير اللزومي بحيث لو لم يبلغ تلك المرتبة لم يتحقق المراد، وإنما التفاوت في
الغرض الداعي من حيث كونه لزوميا أو غير لزومي بل الشوق الطبعي ربما يكون
أشد من الشوق العقلي لموافقة المراد في الأول لهواه، دون الثاني، مع عدم
اللابدية حتى من حيث الهوى في الأول، وثبوت اللابدية العقلية في الثاني فإذا
كان الأمر كك في الإرادة التكوينية فكذا الإرادة التشريعية إذ لا فرق بينهما لا من
حيث تعلق الأولى بفعل نفسه وتعلق الثانية بفعل غيره فالشوق إلى فعل الغير إذا
بلغ حدا ينبعث منه البعث كان إرادة تشريعية سواء كان المشتاق إليه ذا مصلحة
ملزمة أم لا؟ وليس الغرض من هذا البيان أن الإرادة ليست ذات مراتب، لبداهة
كونها ذات مراتب كسائر الكيفيات النفسانية بل الغرض أن التحريك الناشي من
الإرادة وفيما لابد منه وفي غيره لا يختلفان من هذه الحيثية وإن اختلفتا في
نفسهما لشدة موافقة المراد للغرض فان المرتبة الضعيفة إذا كانت قابلة لتحريك
العضلات فلا محالة لإحالة منتظرة لحركتها فلا معنى لتوقفها على بلوغها فوق
هذه المرتبة وإلا لزم الخلف فكذا الحال في الإرادة التشريعية.
والتحقيق أن المراد اللزومي وغيره يختلفان من حيث شدة الملائمة للطبع و
عدمها فلا محالة ينبعث منهما شوقان متفاوتان بالشدة والضعف فكذا في الإرادة
التشريعية فيكون الشوق المتعلق بما فيه مصلحة لزومية أشد حيث أن ملائمته
لطبع المولى أقوى وإن كان بلوغه دون هذه المرتبة كافيا في الحركة والتحريك
في التكويني والتشريعي.
443

ثم أعلم أنه لا فرق في عدم الدلالة بنحو التضمن بين القول بأن الشديد و
الضعيف نوعان بسيطان متبائنان، نظرا إلى عدم معقولية التشكيك في الذاتيات،
وأصالة الماهية أو مرتبتان من حقيقة واحدة، وكان الشدة والضعف في نحو
وجودها فان المنع من الترك أو كراهة الترك أو عدم الرضا بالترك أو عدم الإذن
في الترك كلها لوازم الشدة لا عينها، وإلا فمن الواضح أن كراهة الترك أو أمر آخر
وجوديا كان أو عدميا ليس شدة في حقيقة الطلب فان غير الحقيقة لا يوجب
اشتداد حقيقة آخر مضافا إلى أن الكراهة صفة أخرى تقابل الإرادة فلا يعقل أن
تكون مقومة لها والمنع من الترك من الاعتبارات المنتزعة من الانشاء فلا يعقل أن
يكون مقوما للصفة النفسانية، وعدم الرضا، وعدم الإذن لا يقوم الحقيقة البسيطة
الثبوتية. وأما الضعف في الإرادة أو في سائر موارد التشكيك فراجع إلى حد من
الوجود يلزمه عدم وجدان مرتبة الفرق لا أن الحد بنفسه عدمي، ومن جميع
ذلك ظهر أن هذه المعاني من لوازم الوجوب لا من مقوماته.
قوله: ضرورة أن اللزوم يقتضي الاثنينية الخ:
اللزوم أنما يقتضي الأثنينية بحسب المفهوم، وأما بحسب الصدق فيتبع كون
اللازم من لوازم الوجود حتى يتخلل الجعل بينه وبين الملزوم، أو كون اللازم من
لوازم الماهية كالزوجية حتى لا يعقل تخلل الجعل فيكون جعل الملزوم
جعلا للازمه، وينتزع لازمه منه فمجرد عدم كون شئ من مقومات شئ بل
كونه من لازمه لا ينافي الاتحاد والعينية.
قوله: نعم لا بأس بها بأن يكون المراد بها الخ: حيث أن الايجاب
حقيقته البعث والتحريك نحو الفعل، وكما أن التحريك الخارجي إلى إمكان
تحريك من مكانه، وكذا التقريب إلى موضع تبعيد من موضع كك تحريك
الشخص إلى الفعل تحريك له عن خلافه، وهو المراد بالزجر والمنع عنه فهو
تحريك نحو الفعل بالحقيقة وبالذات، وزجر عن خلافه، وتركه بالعرض إذ لا
واقع للزجر عن الترك إلا التحريك عن الخلاف، وإلا فحقيقة الزجر والردع و
444

المنع بالدقة العقلية لا تتعلق إلا بالأمور الوجودية كالبعث والتحريك.
وأما ما في المتن من جعل طلب واحد منسوبا إلى الفعل فيكون بعثا ومنسوبا
إلى الترك فيكون زجرا فلابد من تأويله وإرجاعه إلى ما ذكرنا، وإلا فليس في
مقام الفعل طلب تركه بل المنع عن تركه والعناية المتقدمة في التحريك والبعث
لا تجري في الطلب بعنوانه فلا يكون طلب الفعل طلبا لتركه بالذات ولا بالعرض.
نعم لو كان المراد طلب ترك الترك الملازم للفعل كما في الفصول لصح ما أفيد
فان الطلب الواحد طلب للفعل بالذات ولملازمة بالعرض، وينتج ما يفيده المنع
من الترك ويصح دعوى أنه زجر عن الترك بالتبع لكنه خلاف ظاهر كلامه زيد في
علو مقامه.
" الترتب "
قوله: بضميمة أن النهي في العبادات يقتضي الفساد الخ: قد أشكلنا
في محله (1) على اقتضاء المبغوضية المقدمية لفساد العبادة بناء على ما هو

1 - قد أشكل عليه بعض اعلام العصر بوجه آخر وهو أن النهى الغيري المقدمي لا يكشف عن
مفسده حتى تكون غالبة على المصلحة موجبة لاضمحلال حتى لا يبقى ما يتقرب به ويندفع بان النهى
النفسي لا يكشف بنحو كشف المعلول عن العلة إلا عن وجود المفسدة وليست المفسدة دائما مزاحمة
وجود للمصلحة حتى لا تبقى المصلحة الموجبة التقرب بل لازم في مقام فعلية النهى دون الامر مجرد
أقوائية المفسدة من المصلحة في مرحلة التأثير إلى في الوجود فلو لم يكن للنهي بما هو نهى مانعية عن
التقرب بالملاك لصح التقرب بالملال حتى في مورد النهى النفسي.
فالحق ان النهى بما هو مسبب من المولى إلى اعدام الفعل فلا يمكن التقرب بما يبعد عن المولى
لما مر منافي مبحث التوصلي والتعبدي ان وجه التقرب بالملاك هو ان اتيان الفعل بدايع الملاك الداعي
للمولى نحو انقياد للمولى كالانقياد لامره فيكون ممدوحا عليه ومن البين ان الانقياد للمولى بالملاك لا
يجامع عدم الانقياد له بنهيه عما فيه الملاك فاقتضاء الملاك طبعا للتقرب به بإضافته إلى المولى لا
ينافي عدم امكان التقرب به إلى المولى عند تسبيبه إلى اعدامه وتبعيد العبد عنه فتدبر جيدا.
445

التحقيق عندهم من أن موافقة الأمر والنهي المقدميتين لا يوجب قربا ولا بعدا،
ولا يقتضي ثوابا ولا عقابا فغاية ما يقتضيه طلب الترك المقدمي عدم طلب
الفعل وأجبنا عنه هناك بأن المتقرب به وإن لم يكن في نفسه مبعدا لكنه مقدمة
للمبعد، ولا يمكن التقرب بما يكون مقدمة للمبعد كما لا يمكن التقرب بالمبعد
إلا أنه مع ذلك لا يدفع المحذور هنا لان الفعل العبادي وإن كان مبغوضا بالعرض
لمحبوبية تركه المقدمي لكن الفعل ليس مقدمة لمبغوض مبعد حتى لا يمكن
التقرب بمقدمة المبعد إذ لا يقول أحد بمقدمية فعل لترك ضده للزوم الدور.
نعم الفعل العبادي مبغوض عرضي ملازم لمبغوض عرضي، وهو ترك الأهم
وهو لا يمنع عن التقرب جزما، وإلا لكان البحث عن المقدمية لغوا محضا لأن
الملازمة المسلمة كافية في فساد العبادة إذ المؤثر في فسادها حينئذ ملازمتها
للمبغوض فلا يصح التقرب بها لا كونها مبغوضا عرضيا، وربما يتخيل صحة
العبادة مع مبغوضية ما هو نقيض الترك المقدمي من وجه آخر، وسيجيئ الكلام
فيه إن شاء الله تعالى.
قوله: بنحو الشرط المتأخر أو البناء على معصية الخ: ظاهره قده أن
شرطية نفس العصيان لا يكون إلا بنحو الشرط المتأخر دون المتقدم، والمقارن
بخلاف شرطية البناء والعزم على العصيان فإنه يمكن أن يكون بنحو الشرط
المتقدم والمقارن، والوجه في عدم إمكان شرطية العصيان (1) بنحو الشرط

1 - يمكن تقريبه بوجهين أحدهما أن العصيان بديل الإطاعة فإذا كانت الطاعة والانبعاث لابد من
تأخرها زمانا عن زمان البحث فلا محالة يكون زمان العصيان متأخرا عن زمان الامر بالأهم فإذا كان
العصيان شرطا مقارنا للامر بالمهم كان الامر بالأهم في زمان والامر بالمهم في زمان آخر فلم يجتمع
الامر أن في زمان واحد كما هو مقتضى الترتب بخلاف ما إذا كان العصيان المتأخر عن الامر بالأهم شرطا
متأخرا للامر بالمهم فإنه يجتمع الأمر ان قبل زمان العصيان ثانيهما ان العصيان وإن لم يكن بديلا بل
مجرد تأخر إطاعة الامر بالمهم عن نفس الأمر بالمبهم كاف في ورود المحذور وذلك لأن المفروض
تأخر زمان إطاعة الامر بالمبهم والمفروض مقارنة عصيان الأمر بالأهم فليس هنا زمان واحد لابد
من صرفه في امتثال أحد الامرين حتى يكون الامر بهما محالا ليتوقف على ترتب أحد الأمر على
عصيان الاخر بخلاف ما إذا كان العصيان شرطا متأخرا فإنه مع فرض تأخر زمان إطاعة الأمرين عنهما
يمكن جعل عصيان أحدهما المقارن لا طاعة الاخر شرطا متأخرا للامر بالمهم وحيث إن مبنى كلا
التقريبين لزوم تأخر زمان الانبعاث عن زمان البعث ما بطاله كاف في دفع محذور شرطية العصيان بنحو
الشرط المقارن وظاهر ما ذكرناه في الحاشية هو التقريب الثاني فتدبر.
446

المتقدم لزوم الخلف، فان الكلام في اجتماع الأمرين في زمان واحد ومع تحقق
العصيان وتحقق الأمر بالمهم بعده لا أمر بالأهم لسقوطه بالعصيان بخلاف
شرطية العزم كك فان الأمر بالأهم لا يسقط بالعزم فقط فيجتمع الأمران في زمان
العصيان. والوجه في عدم امكان شرطية العصيان بنحو الشرط المقارن ما تقدم
منه قده في الواجب المعلق من لزوم تقدم البعث على الانبعاث ولو بان ليتحقق
دعوته إياه والانبعاث عنه بتصوره بما يترتب عليه فلو كان العصيان المقارن للأمر
بالمهم والمقارن لإطاعة الأمر بالمهم شرطا لزم مقارنة البعث والانبعاث.
وفيه ما قدمناه في الواجب المعلق من عدم لزوم تأخير الانبعاث عن البعث
زمانا بل يكفي تأخره طبعا، والوجدان أصدق شاهد بأن تصور البعث قبل
حدوثه مع استمراره إلى أول آن حدوثه يصحح الدعوة في ذلك الان، فلزوم
تقدمه عليه ولو بان بلا ملزم بل قد عرفت في الواجب المعلق أن تأخر الانبعاث
عن البعث مع أنهما متضائفان متكافئان في القوة والفعلية غير معقول، فان البعث
التشريعي وإن كان عندنا حقيقة جعل ما يمكن أن يكون داعيا وباعثا إلا أن
مضائفة الانبعاث إمكانا فما لم يمكن الانبعاث لا يمكن البعث وبالعكس فالكلام
الايقاعي الشوق بداعي جعل الداعي لا يمكن أن يكون باعثا إلا حيث أمكن
الانبعاث وهو عند الالتفات إليه، وتصوره المقارن للدعوة والانبعاث عنه.
ومما ذكرنا تبين وجه الاشكال في شرطية المعصية بنحو الشرط المقارن لا أن
الشرط حيث أنه علة فلابد من تقدمه على المعلول ليجاب بأنه وإن لم يكن من
447

سنخ العلل بالإضافة إلى معلولاتها إلا أنه يكفي التقدم الرتبي لو فرض بأنه من
سنخها. فان توهم لزوم تقدم العلة على معلولها بالزمان لا ينبغي أن ينسب إلى
أحد من أهل العلم ليجاب بما ذكر بل منشأ الاشكال ما عرفت كما صرح به
المصنف قده في آخر البحث عن المعلق (1).
نعم هنا إشكال آخر في شرطية العصيان بنحو المقارن بنحو المقارن نظرا إلى أن معصية
الأمر بالأهم علة لسقوطه فلا ثبوت له حال العصيان كي يجتمع مع الأمر بالمهم
في ذلك الان بخلاف ما إذا كان العزم شرطا أو العصيان شرطا متأخرا. ولا يندفع
بما يندفع الاشكال المتقدم من كون التقيد رتبيا كما ربما يقال من أن الترتب بين
توجه الخطاب وسقوطه بالعصيان، أو الإطاعة بالرتبة لا بالزمان بل ربما يقاس
بانحفاظ الإرادة التكوينية حال انبعاث العضلات عنها، مع أن توجه الخطاب
المساوق لفعليته وتحققه بحقيقة الحكمية نقيض سقوطه وعدمه بعد وجوده
فكيف يجتمع الثبوت والسقوط في زمان واحد حتى يقال بأن تقدم الثبوت على
السقوط رتبي، ولا يقاس بانحفاظ الإرادة التكوينية لأنها علة لحركة العضلات فلا
بد من ثبوتها حالها تحقيقا للعلية والتأثير وليس هذا الملاك في الحكم بالإضافة
إلى عصيانه.
لا يقال: إذا كان العصيان علة للسقوط فلابد من مقارنتها زمانا حيث أنه علة
تامة أو جزئها الأخير فلا يختلف عن معلولها، وإذا لم يكن علة فما العلة لسقوط
الأمر بعد ثبوته وهل حاله في العلية للسقوط إلا حال الإطاعة على ما هو
المعروف.
لأنا نقول: يستحيل علية (2) الإطاعة والعصيان لسقوط الأمر فان الأمر من

1 - كفاية ج 1 ص 167.
2 - يمكن الاشكال على كلا الوجهين أما على الوجه الأول فيما تقدم مرارا من أن الامر بوجوده
العلمي علة للانبعاث والإطاعة فلا مانع من أن يكون الإطاعة علة لعدم الأمر بوجوده العيني وليس الأمر
بوجوده العيني علة لوجوده العلمي حتى يعود المحذور وأما على الوجه الثاني فبأن عدم الأثر وإن
كان مانعا عن التأثير ولذا قلنا بأن عدم العدم شرطا لتأثير لكنه لا يلزم منه توقف تأثيره على تأثيره
لان عدم المعدم ملازم للتأثير لا عينه حتى يلزم توقف الشئ وعلى نفسه بل توقفه على ملازمه بل
التحقيق في عدم امكان العلية في طرف الإطاعة والعصيان ان العلية أما بنحو السببية والفاعلية وأما
بنحو الشرطية ولا يعقل كلاهما في طرفي الإطاعة والعصيان أما في طرف الإطاعة فلان الفعل لا يمكن
ان يكون سببا مقتضيا للعدم سواء كان عدم الامر أو عدم شئ آخر لأن العدم لا يترشح من مقام الوجود
ولا يمكن يكون شرطا لان العدم سواء كان عدم أو غيره لا يحتاج إلى فاعل وقابل حتى يحتاج إلى
مصحح الفاعلية أو مقسم القابلية وأما في طرف العصيان فلا يعقل الشرطية لأن العدم لا يحتاج إلى فاعل
وقابل حتى يحتاج إلى شرط وأما السببية فربما يتوهم أن العدم يستند إلى العدم فلا مانع من استناد عدم
الأمر إلى عدم الفعل إلا أنه فاسد فإنه انما يصح ذلك بنحو التقريب في مثل استناد عدم المسبب إلى
عدم سببه وعدم المشروط بعدم شرطه ولا يعقل أن يكون الفعل سببا لوجود الأمر حتى يكون عدم
الفعل سببا لعدم الأمر وكذا لا يعقل أن يكون شرطا له يكون عدم الأمر بعدم الفعل من باب عدم
المشروط بعدم الشرط والوجه واضح إذ لا يعقل إناطة الأمر الباعث على الفعل المنبعث عنه لا بنحو
السببية ولا بنحو الشرطية بل الأمر عند المشهور بالعكس ومما ذكرنا تبين ان العصيان بأي نحو فرض لا
يعقل أن يكون علة لسقوط الأمر بل الحق في سقوطه الأمر عند الإطاعة والعصيان ما أشرنا إليه في
المتن وملخصه ان الأمر معلول للملاك الممكن تحصيله حدوثا وبقاء فمع وجوده حدوثا أو بقاء لا
يعقل وجود الأمر حدوثا أو بقاء وإلا لزم المعلول بلا علة كما أنه مع امتناع حصول الملاك حدوثا أو بقاء
يمتنع الأمر حدوثا أو بقاء فمع مضى مقدار من الزمان الذي لا يتمكن تحصيل الملاك بعدها يسقط الأمر
لامتناع تحصيل ملاكه لا لمجرد عدم الفعل في الآن الأول فتدبر جيدا.
448

أجزاء علة وجود الشئ خارجا فلا يعقل أن يكون وجود المعلول خارجا علة
لعدم علته، وإلا لزم علية الشئ بالآخرة لعدم نفسه فلا معنى لأن يكون الإطاعة
علة لسقوط الأمر، وكذا المعصية لأن عدم المعلول لو كان علة لسقوط الأمر حال
ترتب تأثيره منوطا بعدم أثره، وهو بمعنى توقف تأثيره على عدم تأثيره بل الأمر
حيث أنه بداعي انبعاث المكلف فلا محالة ينتهي أمد اقتضائه بوجود مقتضاه، لا
أن مقتضاه بوجوده بعدم مقتضيه، وأما في ظرف العصيان فما دام هناك
للانبعاث عنه مجال يكون الأمر باقيا، ومع مضي مقدار من الزمان بحيث لا مجال
449

بعد للانبعاث عنه فلا محالة لا يبقى لعدم علته الموجبة له لا لكون العصيان علة
عدم هذا كله في شرطية العصيان بنحو الشرط المقارن.
وأما اشتراطه بنحو الشرط المتأخر فمبني على القول بمعقولية الشرط
المتأخر، وربما يرجع إلى الشرط المقارن بأن يكون كونه ممن يعصي شرطا مقارنا
للوجوب وهو مما ينتزع من المكلف فعلا بلحاظ العصيان المتأخر في ظرفه، و
قد مر في محله أنه ليس من أكوان المكلف المنتزعة عنه بلحاظ العصيان المتأخر
بل إخبار بتحقق العصيان منه في المستقبل فلا كون ثبوتي بالفعل ليكون شرطا
مقارنا للوجوب مضافا إلى انتزاع أمر بلحاظ أمر متأخر واقعا غير معقول أيضا إذ لا
فرق في استحالة بين الأمور المتأصلة والانتزاعية كما تقدم بيانه فراجع.
وأما ما عن بعض أعلام العصر (1) بأنه مع هذا الكون يجوز له ترك المهم إلى
فعل الأهم لفرض الأهمية وإطلاق وجوبه، ولا شئ من الواجب التعييني
بحيث يجوز تركه إلى فعل غيره، والمفروض وجوب الأهم والمهم تعيينا لا
تخييرا بخلاف ما إذا كان العصيان بنفسه شرطا مقارنا فإنه لا مجال لتركه إلى فعل
الأهم في فرض ترك الأهم.
فمدفوع بأن وجوب المهم حيث أنه منوط بوصف كونه ممن يعصي فليس
من جملة تروك المهم مع حفظ هذا الفرض والتقدير تركه إلى فعل الأهم.
نعم له تبديل هذا الفرض بنقيضه الذي لا وجوب للمهم في ظرفه ففي ظرف
وجوب المهم وحفظ تقديره لا يجوز تركه إلى فعل غيره وإن كان له بمقتضى
إطلاق وجوب الأهم إبطال هذا الفرض وهدم هذا التقدير ما هو مبني القائل
بالترتب على ما سيجيئ انشاء الله تعالى.
ومما ذكرنا تبين أن شرطية العزم (2) على المعصية بنحو الشرط المقارن أو

1 - المحقق الميرزا الشيرازي - ره -.
2 - تفصيل القول في ذلك أن العزم المجعول شرطا إما مجرد العزم أو العزم المستمر المتصل
بالعصيان على أي تقدير اما ان يكون شرطا مقارنا أو شرطا متقدما فان كان مجرد العزم شرطا فمع إنه
لا يبعدي القاتل اقترب كما سيجيئ انشاء تعالى يرد عليه محذوران أحدهما جواز ترك المهم إلى
فعل الأهم مع أن المهم واجب تعييني ولا شئ من الواجب التعييني كك ثانيهما انفكاك زمان الواجب
عن زمان الواجب وإن كان هذا العزم شرطا متقدما يزيد على ما ذكر محذور ثالث وهو محذور الشرط
المتقدم وهو وجود المعلول بعد انعدام علته وإن كان العزم المستمر شرطا مقارنا فيدفع عنه جواز ترك
المهم إلى فعل الأهم لأنه خلف كما لا يلزم منه محذور وجود المعلول بعد انعدام علته بل يجرى فيه
محذور انفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب لفرض وجود الأمر بمجرد العزم المستمر إلى زمان
العصيان فهذا الوجود الايصالي مقارن لوجود الأمر بالمهم من أول وجوده وإن كان هذا العزم شرطا
متقدما فمرجعه إلى حدوث الوجوب عند انتهاء والعزم يتحقق العصيان فالوجوب حال العصيان لا
بالعصيان فليس فيه محذور جواز ترك المهم إلى فعل الأهم ولا محذور الواجب المعلق بل محذور
الشرط المتقدم فقط ومنه تبين أن العزم بجميع وجوهه لا يخلوا عن محذور وسيجيئ إنشاء تعالى
تتمه الكلام في بعض الهوامش الآتية.
450

المتقدم لا مانع منها من حيث لزوم جواز ترك المهم إلى فعل الأهم المنافي
لوجوبه التعييني لعين ما ذكرنا آنفا.
نعم الذي يرد على شرطية العزم أو كونه ممن يعصي أنه مبني على معقولية
الواجب المعلق، وجواز انفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب ويزيد
شرطيتهما بنحو الشرط المتقدم على الاشكال المتقدم بلزوم تعقل الشرط
المتقدم أيضا إذا كان شرطا لوجوب المهم بعد العزم وقبل زمان الفعل، وإلا
فأحد المحذورين لازم على كل حال بخلاف شرطية العصيان بنحو الشرط
المقارن فإنه لا محذور فيه بوجه كما عرفت تفصيلا.
قوله: فدعوى أنه لا مانع عقلا عن تعلق الأمر بالضدين كك الخ: لا
يخفى أن الضدين لا يخرجان بسبب الترتب عن المنافرة إلى الملائمة، بتوهم أن
المهم مطلوب في ظرف ترك الأهم بل يستحيل اجتماعهما بسبب الترتب وإن
كانا في نفسهما ممكني الجمع كالقراءة والدخول في المسجد، بداهة استحالة
الجمع بين الدخول والقرائة في ظرف عدم الدخول بل الغرض أن الأمرين
451

بسبب ترتب أحدهما على عصيان الاخر لا تنافي بين اقتضائهما، ولا مطاردة
بينهما فلا منافاة بين منافاة المتعلقين ذاتا أو عرضا، وعدم المنافاة بين الأمرين
اقتضاء.
وما قيل في تقريب عدم المطاردة بين الأمرين المترتبين وجوه ثلاثة.
أحدها: أن اقتضاء كل أمر لإطاعة نفسه في رتبة سابقة على إطاعة، كيف و
هي مرتبة تأثيره وأثره، ومن البديهي أن كل علة منعزلة في مرتبة أثره عن التأثير
بل تمام اقتضائه لأثره في مرتبة ذاته المقدمة على تأثيره وأثره ولازم ذلك كون
عصيانه، وهو نقيض إطاعته أيضا في مرتبة متأخرة عن الأمر واقتضائه، وعليه
فإذا أنيط أمر بعصيان مثل هذا الأمر فلا شبهة أن هذه الإناطة تخرج الأمرين عن
المزاحمة في التأثير إذ في رتبة الأمر بالأهم وتأثيره في صرف القدرة نحوه لا
وجود للأمر بالمهم وفي رتبة وجود الأمر بالمهم لا يكون اقتضاء للأمر بالأهم فلا
مطاردة بين الأمرين بل كل يؤثر في رتبة نفسه على وجه لا يوجب تحيز المكلف
في امتثال كل منهما، ولا يقتضي كل من الأمرين إلقاء المكلف فيما لا يطاق بل
كل يقتضي موضوعا لا يقتضي غيره خلافه هذا ملخص ما أفيد وهو غير سديد
بل غير مفيد (1).
أما أولا: فلان الفعل والترك الخارجين الذين ينتزع عنهما الإطاعة و
العصيان بنحو من الاعتبار ليسا موردا للأمر حتى يتوهم إطلاقه أو تقييده ليدفع
بأنهما إما معلول الأمر أو في رتبته لا يمكن تقييده بهما، أو إطلاقه لهما بل مورد
الأمر نفس الفعل بوجوده العنواني الفاني في معنونه فإنه القابل لأن يكون مقوما
للإرادة وللبعث الاعتباري الانتزاعي، وذات الفعل مقوم الطلب والبعث لا
معلولهما، وتعلق الأمر واقتضائه بديهي، ومقوم الشئ ليس متأخرا عنه بل له
سبق رتبي طبعي عليه، وعنوان الإطاعة والمعصية بمعنى موافقة المأتي به

1 - كل هذه الوجوه الثلاثة ما أفاده المحقق العراقي في نهاية الأفكار ص 369 إلى 374.
والمصنف - ره - رتب عبارات نهاية الأفكار بثلاثة وجود فراجع.
452

للمأمور به وعدم موافقة المأمور به وإن كان منتزعا عن الفعل الخارجي والترك
الخارجي لكن دعوى الاطلاق والتقييد لا تتوقف على الإطاعة والعصيان بهذا
المعنى بل على إطلاق الأمر المتعلق بفعل شئ لحال فعله أو تركه بنحو فناء
العنوان في المعنون في جميع أجزاء هذا المطلق، واستحالة الاطلاق والتقييد
بهذا الوجه لا يدور مدار تأخر القيد أو الاطلاق عن الأمر كما سيأتي إنشاء الله
تعالى.
وأما ثانيا: فلان تأخر الإطاعة بمعنى الفعل عن الأمر لكونه معلولا له لا
يقتضي تأخر العصيان النقيض لها عن الأمر إذ ليس فيه هذا الملاك، وقد تقدمنا
سابقا أن التقدم والتأخر لا يكونان إلا لملاك يوجبهما فلا يسري إلى ما ليس فيه
الملاك فالمعلول متأخر عن العلة وعدمه ليس متأخرا عنها فراجع أول مسألة
الضد.
نعم الإطاعة والمعصية الانتزاعيتان، لهما التأخر الطبعي عن الأمر لوجود
الملاك، لا لكون أحدهما نقيض ما فيه الملاك فان ملاك التأخر والتقدم الطبيعيين
كما مر مرارا هو أنه يمكن أن يكون للمتقدم وجود ولا جود للمتأخر، ولا يمكن
أن يكون للمتأخر وجود إلا والمتقدم موجود، وهنا كك إذ يستحيل تحقق عنوان
الإطاعة إلا مع تحقق الأمر، ولكن يمكن أن يتحقق الأمر ولا إطاعة، وكك
يستحيل تحقق العصيان للأمر بلا تحقق الأمر، ويمكن تحقق الأمر ولا عصيان
فتدبر جيدا.
وأما ثالثا فلان ملاك التزاحم والتضاد في مورد ليست المعية الرتبية الطبعية
بل المعية الوجودية الزمانية فمجرد عدم كون أحد المقتضيين في رتبة المقتضي
الاخر لا يرفع المزاحمة بعد المعية الوجودية الزمانية بل اللازم بيان عدم منافاة
أحد الاقتضائين للاخر لمكان الترتب لا عدم المنافاة للتقدم والتأخر الرتبتين، و
ما ذكر من عدم اقتضاء الأمر بالأهم في رتبة وجود الأمر بالمهم معناه عدم معية
الاقتضائين رتبة لا سقوط أحد الاقتضائين عن الامضاء والتأثير مع وجود
453

الاقتضاء الاخر، والفرض بعد تسليم جميع المقدمات أن مجرد تأخر الأمر
بالمهم عن الأمر بالأهم بحسب الرتبة مع المعية في الاقتضاء وجودا زمانيا لا
يدفع الاستحالة إذ مناط الاستحالة هي المعية الكونية الزمانية في المتزاحمات و
المتضادات وليست الرتبة من المراتب الوجودية فلابد من ضميمة أخرى ربما
تكفي هي في دفع المحذور من دون توقف على التأخر الرتبي المزبور.
ثانيها: أن وجود كل شئ طارد لجميع أعدامه المضافة إلى أعدام مقدماته
أو وجود أضداده فطلب مثل هذا الوجود يقتضي حفظ متعلقه من قبل مقدمات
وجوده وعدم أضداده بقول مطلق، وفي هذه الصورة يستحيل الترخيص الفعلي
في مقدمة من مقدماته، أو وجود ضد من أضداده بخلاف ما إذا خرج أحد
أعدامه عن حيز إما لكونه قيدا لنفس الأمر، أو بأخذ وجوده من باب الاتفاق فإنه
في هاتين الصورتين لا يترشح إليه الأمر، ولا يكون العدم من قبل هذه المقدمة،
أو هذا اللازم مأمورا بطرده بل المأمور بطرده عدمه من قبل غيره من المقدمات
أو الأضداد وعليه فالأمر بالأهم لمكان إطلاق مرجعه إلى سد باب عدمه من
جميع الجهات حتى من قبل ضده المهم، والأمر بالمهم لترتبه على عدم الأهم
مرجعه إلى سد باب عدمه في ظرف عدم انسداد باب عدم الأهم من باب
الاتفاق، ولا منافاة بين قيام المولى بصدد سد باب عدم الأهم مطلقا وسد باب
عدم المهم في ظرف انفتاح باب عدم الأهم من باب الاتفاق فالأمر بالمهم و
إن كان فعليا غير منوط بشئ لكنه حيث أنه تعلق بسد باب عدم المهم في ظرف
انفتاح باب عدم الأهم من باب الاتفاق فلا محالة لا محركية له نحو طرد عدم
المهم إلا في ظرف انفتاح باب عدم الأهم من باب الاتفاق، وبناء على هذا لا
يتوقف جواز الترتب على الواجب المشروط بل يصح على الواجب المعلق أيضا
كما صرح به هذا القائل في مورد آخر.
وتوضيحه أن كل وجود وإن لم يكن له إلا عدم واحد لأن نقيض الواحد
واحد، والعلة وإن كانت مركبة لكنها ليست طاردة لعدم المعلول حتى يتصور
454

ثبوت خط من طرد العدم لكل واحد من أجزائها بل وجودها بديل عدم نفسها، و
طارد عدم نفسها، والعلة حيثية تعليلية لمعلولها لا حيثية تقييدية له ليتوهم كونها
مناط طرد عدمه، بل المراد من البيان المزبور أن عدم المعلول مع وحدته أنه تارة
يستند إلى عدم المقتضي، وأخرى إلى عدم شرطه، وثالثة إلى وجود ضده
فيتصور له حصص فربما يكون العدم المطلق بجميع حصصه مأمورا بطرده، و
ربما يكون ببعض حصصه، ووجود كل ماهية وإن لم يعقل إلا بسد باب عدمه
بجميع حصصه لأن الوجود ليس له حيث وحيث، لتكون الماهية الواحدة
موجودة من حيثية ومعدومة من حيثية لكنه ربما يكون باب عدمه من حيثية
منسدا من باب الاتفاق، أو يفرض سده فيؤمر بسد باب عدمه بسائر حصصه فإذا
كانت الحصة الملازمة لوجود الضد مأمورا بطردها من الطرفين كان مرجع الأمرين
إلى الأمر بطرد الحصتين المتقابلتين وهو محال.
وأما لو لم يكن كك بل كان الأمر في أحد الطرفين بسد باب العدم، وطرده
بسائر حصصه في ظرف انفتاح باب عدم الحصة الملازمة لوجوده فلا أمر بطرد
الحصتين المتقابلتين هذا محصل هذا التقريب بتوضيح منا.
وفيه: إن أريد أن مجرد الأمر بالمهم بطرد عدمه من غير ناحية وجوده ضده
الأهم بحيث يكون المأمور بطرده غير الحصة الملازمة لوجود الأهم من سائر
الحصص لا ينافي الأمر بطرد الحصة الملازمة لوجود المهم في طرف الأهم لعدم
التقابل كما يدل عليه تكثير الحصص، وتحليلها ليمتاز ما يقابل منها مع الأخرى
من غير المتقابلين، ونص عليه هذا القائل أيضا بأن الغرض حفظ وجود المهم
من سائر جهات الملازم لانحفاظه من باب الاتفاق من الجهة الأخرى، فيندفع بأن
الأمر بطرد عدم المهم من غير ناحية وجود الأهم وإن لم يكن مزاحما للأمر بطرد
عدم الأهم من ناحية وجود المهم لان الحصة الملازمة لوجود الأهم غير مأمور
بطردها ليمنع عن الأمر بطرد مثل هذه الحصة من طرف الأهم.
وأما الحصة الملازمة لعدم المهم في مأمور بطردها لاطلاق أمر الأهم لفرض
455

الأمر بطرد عدمه بجميع حصصه، ومنها الحصة الملازمة لعدم المهم، وهاتان
الحصتان متقابلتان لا يعقل طرد الحصتين من الطرفين، وأخذ عدم الأهم الملازم
لوجود المهم من باب الاتفاق لا يوجب عدم تقابل الحصتين، ولا عدم الأمر
بطردهما بالفعل كما أن عدم استناد عدم الأهم حينئذ إلى وجود المهم غير
مربوط بالمقام إذ ليس الكلام على المقدمية، ولا على طرد خصوص الحصة من
العدم المستند إلى عدم المقدمة بل المفروض الأمر بطرد العدم بجميع حصصه
الملازمة مع عدم مقدماته، أو وجود أضداده، أو عدمها، وإلا فالحصة الملازمة
لوجود الضد ليست من قبيل عدم المعلول بعدم المقتضي، أو عدم الشرط، أو
وجود المانع، وإخراج الحصة الملازمة لعدم الضد عن حيز الأمر بلا موجب.
وإن أريد من التقريب المتقدم مجرد أن صحة الترتب لا تدور مدار الواجب
المشروط وتحقيق كيفية الإناطة بل يصح بناء على الواجب المعلق.
ففيه أن هذا المعنى لا يتوقف على هذا التقريب الغريب ولا على تحليل
العدم إلى حصص متعددة مع أن الواجب المعلق فيه من المحذور ما تقدم في
محله مع أن ما بنى عليه هنا وفي مبحث المعلق من أن الوجوب في المعلق
فعلي لكنه لا فاعلية ولا محركية له فينفك الفعلية عن الفاعلية، وبهما يمتاز
المشروط عن المعلق مخدوش بأن الأمر الحقيقي ليس إلا لجعل الداعي بحيث
يكون باعثا للمكلف ومحركا له، ففعليته المساوقة لوجوده وتحققه مساوقة
لفاعليته من قبل المولى، وأما فعلية البعث الملازمة لفعلية الانبعاث خارجا فهي
خارجا عن محل الكلام في فعلية الحكم من قبل المولى كما هو معلوم عند
أهله، ومسطور في محله فلا يكاد يجدي هذا التقريب إلا على الواجب
المشروط وإن سمي معلقا.
ثالثا: وهو أمتن الوجوه أن المحال في طلب الضدين هو الجمع بينهما فان
كان إلى طلب الجمع بينهما كان طلب المحال وإلا فلا يرجع الأمر بهما إلى طلب
الجمع إلا مع اطلاق الأمرين فطلب الجمع نتيجة الإطلاق الأمرين لا نتيجة
456

فعليتهما مع عدم اطلاقهما، وأوضحه بعض أجلة العصر (1) برسم مقدمات نافعة
في استنتاج هذه النتيجة المهمة.
منها: أن مرجع اشتراط التكاليف بشرائطها العامة أو الخاصة إلى أخذ عنوان
الشرط موضوعا لحكمه فهي في مقام الانشاء كالقضايا الحقيقية، وفعليتها بفعلية
تلك العناوين المأخوذة في موضوعاتها فينتزع منها السببية والمسببية بهذه
الملاحظة، وإلا فجعل السببية والشرطية بحيث يكون الحكم المتعلق بموضوعه
مترتبا على ما جعلت له الشرطية مترشحا منه على حد الضوء من الشمس لا يكاد
يعقل، وإلا لزم ما فرضناه مجعولا تشريعيا زمامه بيد الشارع رشحا لغير ما هو
زمامه بيده، وهو تحقيق ذلك المسمى بالشرط قهرا، ومن الواضح أن قضية
موضوعية الموضوعات لأحكامها على هذا الوجه عدم خروج الحكم المجعول
على موضوع خاص بتحقق موضوعه عن كونه حكما على ذلك الموضوع بل
يدور مداره قوة وفعلا، وهذا معنى عدم خروج الواجب المشروط عن كونه
مشروطا بتحقق شرطه.
منها: معقولية الشرط المقارن بل لا يعقل غيره، وعدم لزوم تقدير الجواب
انا ما قبل وقته بتوهم أن الاتيان بالواجب لا يكون حينئذ انبعاثا عن ذلك
الخطاب، وكان فعلية المتأخرة عن شرطه طلبا للحاصل أو المستحيل، وجه عدم
اللزوم أن ترتب الانبعاث على البعث وكذلك البعث على موضوعه وإن لم يكن
من ترتب المعلولات على عللها التكوينية لكنه من سنخه حتى توهم أنه عينه إلا
أن قضية ذلك كونه بالرتبة لا بالزمان حذو العلل ومعلولاتها، ولا فرق بين أن
يكون المقارن المشروط به فعلية الخطاب عصيان خطاب آخر أو غيره فان
العصيان وإن كان مسقطا إلا أن الترتب بين التوجه والسقوط أيضا بالرتبة لا
بالزمان من دون حاجة إلى لزوم تقديره قبل العصيان المسقط له انا ما.
منها: أن طلب الفعل أو الترك نظير الوجود والعدم المحمولين على الماهية

1 - المحقق النائيني - ره - في أجود التقريرات ج 1 ص 286.
457

فكما لا يعقل حملهما على الماهية الموجودة أو المعدومة بل على الماهية
المعراة عن الوجود والعدم كك الطلب المتعلق بالفعل أو الترك لا يعقل أن يتعلق
بالفعل المفروض حصوله أو الترك المفروض كك، ولا بالفعل المفروض عدم
حصوله أو الترك المفروض عدمه للزوم طلب الحاصل في الأول، وطلب الجمع
بين النقيضين في الثاني، ولازم إطلاق الطلب للفعل المفروض حصوله وعدمه
الجمع بين المحذورين من طلب الحاصل، والجمع بين النقيضين، فالاطلاق و
التقييد بالإضافة إلى تقدير الفعل والترك محال، وكذا بالإضافة إلى الإطاعة و
العصيان المنتزعين من الفعل والترك، ومقتضى هذه المقدمة عدم ورود الأمرين
على تقدير واحد ولو بالاطلاق ليكونا في عرض واحد فيؤول أمرهما إلى طلب
الجمع بينهما على هذا التقدير بل مقتضى الأمر بالأهم رفع هذا التقدير وهدمه،
ومقتضى الأمر بالمهم طلب فعله على هذا التقدير ومبنيا عليه، ومقتضاهما
حينئذ ضد الجمع لعدم وقوعهما حينئذ على صفته المطلوبية لو كانا ممكني
الجمع في حد ذاتهما.
ومنها: أن إطلاق كل واحد من الخطابين بالإضافة إلى حالتي فعل الاخر و
تركه هو الذي يوقع المكلف في كلفة الجمع بين الضدين بحيث لو لم يكن لهما
إطلاق لم يلزم منه محذور فإذا رتب أحدهما على عصيان الاخر لم يلزم منه
محذور طلب الجمع المحال.
والشاهد عليه أنه إذا فرض الفعلان في حد ذاتهما ممكني الجمع كقرائة
القران والدخول في المسجد فإنه لولا الترتب يقعان على صفة المطلوبية عند
اجتماعهما، ولا يقعان على صفة المطلوبية مع ترتب طلب أحدهما على عدم
الاخر فعدم وقوعهما على صفة المطلوبية برهان إني على عدم مطلوبية الجمع،
وإلا لماذا لم يقعا على صفة المطلوبية في فرض وقوعهما خارجا، كما أن استلزام
وقوعهما على صفة المطلوبية لوجود الشئ مع فرض ما أخذ علة لعدمه برهان
لمي على عدم مطلوبية الجمع إذ المفروض إناطة مطلوبية المهم بعدم الأهم
458

ففعل الأهم كالعلة لعدم المطلوبية في المهم فتحقق مطلوبية المهم مع تحقق علة
عدمها هو المحال المستلزم لاستحالة لازمه، وهو طلب الجمع، وبالجملة عدم
مطلوبية الجمع الذي هو مقتضى الترتب وتضاد الامتثالين الذي هو مقتضى
الترتب يستحيل أن يكون مانعا عن الترتب فان مقتضى الشئ لا يعقل أن يكون
مانعا عن تأثيره.
فإذا عرفت هذه المقدمات تعرف أنه لا مانع من الأمرين بضدين بنحو الترتب
والنتيجة في غاية الوضوح فلا حاجة إلى إعادة توضيحها، وفي هذه المقدمات
جلا أو كلا مواقع للنظر لا بأس بالإشارة إليها، وبيان ما هو المناسب للقول
بالجواز.
" أما المقدمة الأولى: "
ففيها أولا: أن إنكار جعل الشرطية (1) وإرجاعها إلى الموضوع بملاحظة

1 - توضيح المقام أن الباعث لهذا القائل إلى انكار الشرطية بمعنى الوساطة في الثبوت وارجاعها
إلى الموضوع وإن معنى اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة الحكم على المستطيع بالحج أمران أحدهما
أن ظاهر أدلة الاحكام اشتمالها على احكام كلية متعلقة بموضوعات خاصة بنحو القضايا الحقيقية
وفعلية تلك الأحكام الكلية بفعلية تلك الموضوعات من مقتضيات تعلق الحكم الكلى من أول الأمر
بموضوعه الكلى لا بسبب أمر آخر ولو كانت هذه الأمور المسماة بالشرائط من قبيل الوسائط في ثبوت
الحكم له لم يكن هناك جعل الحكم من الأول بل كانت الأدلة متكفلة الموعد بإنشائه عند حصول
الشرط لا من جعل الحكم ومن قبيل الاخبار به لا من قبيل انشائه والجواب إن انشاء الحكم ليس عين
جعل الحكم حقيقة فان للبعث مثلا نحوين من الوجود فتارة يوجد بوجوده الانشائي الذي تمام حقيقته
إيجاد المعنى بايجاد لفظي عرضي فإنه نحو من أنحاء استعمال اللفظ في المعنى وأخرى يوجد بوجوده
الحقيقي المناسب له في نظام الوجود وهو المعنى الاعتباري الذي ينتزع من الانشاء بداعي جعل
الداعي وبينهما فرق كما بين الموجود بالحمل الأولى والموجود بالحمل الشائع فالأدلة متكفلة
لانشاء الحكم على تقدير كذا والمنشأ والنساء موجودان كالايجاد والوجود من دون انفكاك وحيث
أن هذا الانشاء متضمن لتعليق ذلك الأمر الاعتباري الذي هو حقيقة الحكم فلا محالة لا يكون تام
المنشائية إلا بعد تحقق المعلق عليه فكما لا مجعول بالحقيقة كك لا جعل بالحقيقة لاستحالة الانفكاك
نعم حيث أنه جعل ذات المنشأ مع التعليق فيكون ذلك الأمر الانتزاعي مجعولا بجعله بالقوة قبل
حصول المعلق عليه وبالفعل عنه حصوله والحاجة إلى جعل افتقر.
فان قلت: حقيقة الحكم اعتبار من الشارع تكليفا ورفعها والمعتبر أمر متأخرا فالجعل فيما لم يزل
والمجعول فيما لا يزال.
قلت: كل هوية كانت متأصلة أو اعتبارية لها نسبتان نسبة إلى جاعلها ومن يقوم به ونسبة إلى قابلها
وما تحل فيه والايجاد بالاعتبار الثاني فان أريد ان الايجاد الذي هو عين قيام الهوية الاعتبارية بالمعتبر
متحقق فعلا والوجود الذي هو وجود ذات المعنى متحقق في ظرفه فهو عين انفكاك الوجود عن
الايجاد المتحدين بالذات المختلفين بالاعتبار وان أريد ان الايجاد والوجود الاعتباري الفعل لكن طرف
ذلك الوجود الاعتباري متأخر فهو اعتبار أمر متأخر ففيه ان التأخر ليس من شؤون المعنى والماهية حتى
يمكن اعتبار المعنى بماله من الشأن والصفة بل التأخر بلحاظ الوجود والمفروض ان المعنى المتأخر لا
وجود له إلا هذا الوجود الاعتباري فلا معنى لتأخره بهذا النحو من الوجود مع كون الوجود الاعتباري
المتحد بالذات مع الايجاد الاعتباري فعليا ولا يعقل انفكاك الماهية عن الوجود فمع تحققها بوجودها
المفروض بكون الاعتبار والمعتبر فعليين وإن أريد ان الايجاد الاعتباري والوجود الاعتباري والمعتبر
بهذا الموجود فعلى لكنه في مصب مخصوص وفرض خاص ففيه ان تحقق ذلك التقدير ان كان موجبا
لترقي هذا الوجود من حد إلى حد فهو فعلى غير موجود بذلك النحو من الوجود الذي يترتب عليه الأثر
المترقب فهو خلف وإن لم يكن دخيلا في الترقي والخروج من حد إلى حد فلا معنى لجعله في ذلك
التقدير الذي كان وجوده وعدمه على حد سواء.
ثانيها: أن رسالة المسمى بالشرط اما تكوينية أو تشريعية فإن أريد الأولى لزم خروج المجعول
التشريعي المنبعث عنه عن كونه مجعولا تشريعيا زمام أمر وبيد الشارع الجاعل له فإنه على الفرض من
رشحات ما ليس علم أمره بيد الشارع وهو خلف وإن أريد الثانية فهو محال لأن القابل للجعل التأليفي ما
كان من المحمول بالضميمة دون ما كان من خارج المحمول والعلية من قبيل الثاني فيستحيل جعل
العلية لشئ.
والجواب إما إذا أريد الأولى فبما ذكرناه في متن الحاشية من أنه خلط بين المقتضى والشرط فان
المعلول يترشح من العلة بمعنى السبب والمقتضى لا من الشرط بداهة ان الاحراق يترشح من النار لا
من الواضح والمحاذات ويبوسته المحل الفاعل أو قابلية القابل وأما إذا أريد الثانية فيتحقق الحال أن
الجعل التأليفي لا يختص بالمحمول بالضميمة فان ملاك قبول شئ الجعل هو ما إذا لم يكن ضروريا
خارجا عن هذا الجعل نظير ذاتيات شئ بالإضافة إلى ذاته فان جعل الذات عين جعل ذاتياته فكما لا
معنى لجعل الانسان انسانا كك لا معنى لجعله حيوانا أو ناطقا ونظير لوازم الماهية التي لا تنفك عنها
كالزوجية للأربعة فان جعل الأربعة جعل الزوجية فلا معنى لجعل الأربعة زوجا وأما الأمور الانتزاعية
التي ليست ذاتية لذات ينشأ الانتزاع كجعل الجسم فوقا فهو قابل للجعل التأليفي غاية الامر أن سنخ
المجعول حيث إنه مقولة انتزاعية يستحيل قبول الجعل استقلالا بل يتبع جعل منشأ انتزاعه وحينئذ
فنقول كما أن جزئية السورة للصلاة يستحيل جعلها ابتداء استقلالا ويصح جعلها بالأمر بالمركب منها
ومن غيره حيث إن البعضية للمطلوب ليست من ذاتيات السورة ولا من لوازمها الغير المنفكة عنها بل لا
موقع لهما إلا مرحلة الطلب فيصح جعلها بجعل مصحح انتزاعها وهو الأمر بالمركب وهكذا الشرطية
للطهارة في المطلوبية فإنها ليست من ذاتيات الطهارة ولا من لوازمها الغير الفارقة عنها بل موقع تحققها
مرحلة تعلق الأمر بالصلاة المقيدة بالطهارة فيصح جعلها بجعل مصحح انتزاعها فكذلك شرطية
الاستطاعة لوجوب الحج لا لتمامية مصلحة الحج فان الأولى جعلية بعين تعليق ايجاب الحج عليها
والثانية واقعلية ماهوية لا جعلية تكوينية ولا تشريعية.
فان قلت: التكليف منشأ انتزاع الشرطية والمنشأ متقدم بالذات على الأمر المنتزع عنه فكيف
يعقل ان يكون متأخرا عنه ومعلولا له ولو بنحو تأخر المشروط عن شرط.
قلت: منشأ انتزاع الشرطية ذات المسمى بالشرط فإنه الذي يقوم به فينتزع عنه عنوان الشرط كما
في كل عنوان فإنه لا يوصف به إلا ما قام به مبدء ذلك العنوان والأمر كك في الجزئية فان منشأ انتزاعها
ذات السورة مثلا فإنها الموصوفة بأنها جزء فالمبدء وهو الأمر الانتزاعي الذي ليس له ما بحذاء قائم بها
لا بالأمر بالمركب نعم الأمر بالمركب مصحح لانتزاعها وليس مصحح انتزاع شرطية الاستطاعة لوجود
الحج نفس وجوب الحج المحذور بل نفس الانشاء المتضمن لتعليق وجوب الحج على الاستطاعة
مصحح عنوانين متضائفين في وجوب الحج والاستطاعة وهما عنوانا المشروطية والشرطية فما
هو متقدم على هذين العنوانين هو الكلام الانشائي المشتمل على التعليق والترتيب المتأخر عن ذات
الاستطاعة بالذات حقيقة بالبعث المنتزع عن الإنشاء بداعي جعل الداعي فما هو المتأخر بالذات عن
الشرط غير ما هو المتقدم بالذات عليه كما أن عنواني المشروطية والشرطية متضائفان لا علية بينهما
وإنما العلية بين ذاتيهما كما في كل علة ومعلول.
وبعد ما تبين أن هذا المعنى من العلية لا موقع له إلا مرحلة التكليف المجعول فمقام ذاته هذه
المرحلة التي هي عين الجعل التشريعي فلا يخرج البعث الذي هو مجعول تشريعي عن كونه مجعولا
تشريعيا بترتبه على أمر كان ترتبه عليه بالجعل وإنما يخرج عن الأصالة إلى التبعية كما أن العلية الجعلية
حيث إنها مجعولة بنفس الكلام الانشائي لان حقيقتها انتزاعية إنما لا يقبل الجعل الاستقلالي لا الجعل
التبعي كما في كل أمر انتزاعي فان جعله بتبع جعل منشأ انتزاعه.
أو مصحح انتزاعه ومن جميع ما ذكرنا تبين انه لا مانع من وساطة المسمى بالشرط للثبوت فلا
حاجة إلى إرجاعه إلى الموضوع بجعله عنوانا للمكلف مع أن إرجاعه إلى الموضوع لا يخرجه عن
العلية فان دوران الحكم مدار الموضوع لا يكون لا بنحو من العلية فان التلازم بين شيئين لا يكون إلا
بعلية أو المعلولية لعلة واحدة توضيحه أن الحكم من حيث تقومه بأطرافه من الحاكم والمحكوم به
والمحكوم عليه نظير الاعراض النسبية فإنها تتوقف على موضوعاتها وعلى الخارج عنها فان مقولة إلا
أين وهو الكون في المكان له قيام بالكائن فيه قيام العرض بموضوعه وله تعلق بالمكان بحيث لولاه لا
يعقل الكون الأيني والموضوع والطرف النسبة الخاصة بمنزلة الشرط لوجود هذه المقولة ولا نعنى
بالشرطية إلا أنه لابد منه في تحققه بسببه فكذا المكلف بعنوانه طرف البعث النسبي بحيث لابد منه في
تحققه بإنشائه من فاعله فلابد من فرض وجوده في فرض وجود البعث كما لابد من تحققه خارجا في
موقع خروجه من حد الفرض والتقدير إلى حد الفعلية والتحقيق: ومما ذكرنا يظهر أن اتعاب النفس
في اخراج الشرائط عن كونها وادراجها تحت عنوان الموضوع بل وجه أصلا وسيأتي انشاء الله تعالى ان
الأثر المترقب من جعلها موضوعات الاحكام وهو عدم خروج الواجب المشروط عن كونه مشروطا
بتحقق شرطه لا يدور مدار الموضوعية بل مترتب على ابقائه على ظاهره من كونه معلقا عليه فانتظر
(منه).
459

الخلف وهو عدم كون الحكم مجعولا تشريعيا لترشحه حينئذ من المسمى
462

بالشرط مدفوع: بأنه خلط بين المقتضي والشرط فان المشروط لا يترشح من
شرطه بل من مقتضيه، والسبب الفاعلي للحكم التشريعي هو الشارع فعدم جعل
الشارع لمجعوله إلا بعد تحقق ما أناطه به لا يلزم منه ترشح المجعول التشريعي
من غير الشارع ولا يلزم أن لا يكون زمام أمره بيده مع أنه لو لم يكن مانع من
جعل شئ شرطا إلا خروج المشروط عن كونه مجعولا تشريعيا فحيث أن
الشرط مجعول فحدوث الحكم واقعا بتبع المجعول التشريعي لا يخرجه إلا عن
الأصالة إلى التبعية لا عن التشريعية إلى التكوينية، مع أن لازم هذا البيان عدم
شرطية شئ للحكم واقعا أيضا لا جعلا فقط لأن عدم تشريعيته بلحاظ ترتبه
القهري على ذات الشرط لا بلحاظ مجعولية الشرط.
وثانيا: أن إناطة الطلب أو المطلوب بحيث لا يكون الطلب الانشائي مصداقا
للبعث الحقيقي إلا بتحققه، ولا متعلقه موصوفا بالمطلوبية إلا بتحققه أمر معقول
بحقيقة معنى الشرطية.
بيانه أن الشئ ربما يكون دخيلا في المصلحة المترقبة من الصلاة واقعا فما
لم يقترن به الصلاة لا يترتب عليها الأثر المرغوب منها كالطهارة مثلا فدخلها
حينئذ في فعلية أثر الصلاة واقعي، والشرطية واقعية بمعنى مصحح فاعلية
الصلاة لأثرها، أو متمم قابلية النفس للتأثير منها كما هو معنى الشرط حقيقة، و
ربما يكون دخيلا في اتصاف طبيعة الصلاة بالمطلوبية، وحيث أن اتصافها
بالمطلوبية لا موطن له إلا بلحاظ مقام الطلب فلابد أن يكون الدخل بلحاظ هذه
المرحلة بمعنى أن الصلاة ما لم تلحظ مقترنة بالطهارة لا تنتزع منها المطلوبية، و
ما لم تقع في الخارج مقترنة بها لا تكون مصداقا للمطلوب بما هو مطلوب، وهذا
التوقف والإناطة إنما يتحقق بقوله صل عن طهارة بحيث لو لم ينشأ إلا الأمر
بالصلاة لم تكن حالة منتظرة في انتزاع المطلوبية منها، والشرطية في هذه
المرحلة أيضا بمعناها الحقيقي فان اقتران الصلاة بها في مرحلة اللحاظ، وفي
الخارج متمم قابلية الصلاة لانتزاع المطلوبية منها، أو اتصافها بالمصداقية
463

للمطلوب بما هو مطلوب.
فتوهم أن الشرطية الجعلية بمعنى التقييد لا بالمعنى المعروف من الشرط،
فاسد كما عرفت، وهذا البيان بعينه جار في شرط البعث فربما ينشئ البعث
نحو " اكرام زيد " بقوله " أكرم زيدا " فهذا الكلام الايقاعي المسوق بداعي جعل
الداعي لا يتوقف مصداقيته للبعث على لحاظ شئ أو وجود شئ وربما
ينشئ الأمر بالاكرام معلقا على شئ بقوله " إن جائك زيد فأكرمه " فلا محالة لا
يصح انتزاع البعث الحقيقي فعلا إلا بعد وجود ما أنيط به جعل الداعي، وكما لا
ينافي شرطية الطهارة للصلاة واقعا مع شرطيتها الجعلية في مقام الطلب كك لا
منافاة بين توقف الأثر المرغوب من البعث على ثبوت شئ خارجا وتوقف
انتزاع البعث من البعث الانشائي على ثبوته خارجا.
لا يقال: مرجع شرطية شئ للبعث الحقيقي إلى الشرطية الحقيقية لأنه
على الفرض شرط المصلحة، وهي شرط تحقق الإرادة، ومنها ينبعث البعث
الحقيقي.
لأنا نقول: شرطية للمصلحة لا تقتضي شرطيته لانتزاع البعث من الكلام
الانشائي لأن المصلحة ليست بوجودها الخارجي شرط البعث والإرادة، و
ليست علة لوجودها العلمي الذي هو علة غائية، وداعية إلى الإرادة إذ ليس
المعلوم بالذات، ولا المعلوم بالعرض علة للعلم، وليس شرط المصلحة شرط
دعوتها بل شرط ثبوتها وترتبها على البعث فلا ينتهي أمر شرط المصلحة إلى
الشرطية الواقعية لمقام البعث الحقيقي بل لا تقيد، ولا إناطة للبعث الحقيقي من
حيث صحة انتزاعه من البعث الايقاعي الانشائي إلا في مرحلة البعث الايقاعي،
ومطابقة التقيد الخطابي لتقيد الواقعي لا يوجب اتحاد التقيدين ورجوعهما إلى
أمر واقعي دون أمر جعلي فان نفس البعث أيضا لا ينبعث إلا عن مصلحة واقعية
مع أنه جعلي تشريعي فافهم جيدا.
464

وثالثا: أن عدم خروج الواجب (1) المشروط بتحقق قيده عن الاشتراط إلى
الاطلاق لا يتوقف على ارجاع الشرط إلى الموضوع بل لو كان بمعنى الواسطة في

1 - بيانه متوقف على تمهيد مقدمة وهي ان الاطلاق والاشتراط لهما اطلاقات أحدها التوسعة
والتضيق كما هو المرسوم في اعتبارات الماهية من لحاظها مطلقة تارة، ومشروطة بوجود شئ أو
عدمه أخرى، ولا يوصف بهما الفرد الحقيقي أصلا ولذا ربما توهم من أن الطلب فرد حقيقي لا يقبل
التقييد حتى يتصور فيه الاطلاق كما تقدم مع جوابه في البحث عن الواجب المشروط ثانيها بمعنى
التعليق وعدمه وهذا جار في الفرد فله تعليق معنى جزئي على حصول شئ كملكية هذا الثوب بعينه
لزيد بشخصه بعد الموت فان الجزئي قابل للتعليق وإن لم يكن قابل للتضيق لكنه لا يوصف بهما
الموجود الخارجي إذ لا يعقل أن يكون الشئ موجودا خارجا ومع ذلك يكون أصل وجوده فعلا معلقا
على أمر غير حاصل وبهذا المعنى لا يعقل ان يكون الواجب المشروط باقيا على شروطية بعد حصول
شرطه فان التعليق انما هو للشيئ في حد ذاته أي بحيث إذا قيس إلى شئ فربما يتوقف وجوده على
وجوده وربما لا يتوقف ثالثها التعلق وعدمه كتعلق العرض بموضوعه فإنه يوصف به الموجود ولا
يخرج عن كونه متعلقا به بوجود موضوعه.
وإذا عرفت ذلك نقول إن المعاليل تختلف فمنها ما يتقوم أصل وجوده بوجود علته كالموجودات
الإمكانية بالإضافة إلى مبدئها الوجود فإنها وجودات ربطية وفى حد هويتها تعليقة بمبدئها ومنها ما
يكون نحو وجودها وجودا حلوليا ناعتيا كالاعراض فإنها بوجوداتها المستقلة في نفسها موجودة
لموضوعاتها ومنها ما يكون وجودها من حيث كون ماهية من الاعراض النسبية يتقوم بأطرافها من
الموضوع وغيره والحكم من حيث كونه بعثا نسبيا بتقوم بمتعلقه والمحكوم عليه بذاته أو بعنوانه وقد
مر أن الطرف لا يخرج عن كونه طرفا بوجوده وبهذا تعرف أن الشرط إذا جعل عنوانا للمكلف لا يخرج
عن كونه شرطا للحكم بوجوده مع صحة إناطة الموجود الخارجي بشئ وعليه نقول كما أن البعث من
حيث كونه نسبة بين الباعث والمبعوث والمبعوث إليه يتقوم بأطرافه فيكون محفوظا بأطرافه كذلك إذا
كان من جملة أطرافه المعلق عليه كمجيئ زيد في إن جائك زيد فأكرمه فان حال هذا الطرف حال سائر
الأطراف فلا فرق في استنتاج هذه النتيجة بين جعل المسمى بالشرط عنوانا للمكلف أو جعله معلقا
عليه الحكم في كونه طرفا للبعث النبي على أي حال ودخيلا في محقق الحكم على أي حال فافهم
واستقم.
465

الثبوت أيضا كان كك لو لم يكن أولى بذلك فان العلة بتأثيرها لا تخرج عن العلية
ففعلية الشرطية فعلية العلية، ولا تخرج العلة بفعلية العلية عن العلية بل هو عين
فعلية الشرطية والإناطة.
وأما المقدمة الثانية: فقد تقدم في الحاشية السابقة ما هو مناط الاشكال
في الشرط المقارن وجوابه وإن ترتب السقوط على فعلية التكليف وتوجهه لا
يعقل أن يكون بالرتبة لمناقضة الثبوت والسقوط، وأن الإطاعة ليست علة
للسقوط، وكذلك المعصية، وإلا لزم علية الشئ لعدم نفسه في الأولى، و
توقف تأثير الشئ على عدم تأثيره في الثانية، بل بالإطاعة ينتهي أمد اقتضاء
الأمر، وبالمعصية في الجزء الأول من الزمان يسقط الباقي عن القابلية للفعل، فلا
يبقى مجال لتأثيره فيسقط بسقوطه علته الباعثة على جعله فراجع. وأما ما
استطرده من عدم معقولية الشرط المتأخر بل المتقدم فقد بينا ما عندنا في مقدمة
الواجب ولا يهمنا التكلم فيه هنا فراجع.
وأما المقدمة الثالثة: ففيها أولا أن الكلام في إطلاق الطلب وتقييده، لا
إطلاق المطلوب وتقييده، ففرض إهمال المطلوب فرض تعلق الطلب بذات
الفعل أو بذات الترك لا فرض تعلقه بالفعل المفروض حصوله أو المفروض
عدمه، ومحذور طلب الحاصل والجمع بين النقيضين أنما هو في فرض تقييد
المطلوب بفرض حصوله أو فرض عدمه، وأما محذور تقيد نفس الطلب بفرض
حصول متعلقه أو فرض عدم حصوله فهو كون الشئ علة لنفسه فيما إذا كان
الطلب منوطا بفرض حصوله، وكون العلة معلولة لعدم معلولها فيما إذا أنيط
بفرض عدم حصوله.
أما الأول فلأن الأمر على الفرض من أجزاء علة وجود متعلقه في الخارج
لفرض التسبيب به إلى ذلك الفعل لا إلى سببه، ولا إليه مع سبب آخر ليكون علة
العلة على الأول، وجزئها على الثاني، ومع فرض كونه من أجزاء علة وجود
متعلقه في الخارج بلحاظ ضميمة إرادة المكلف فلو كان الفعل الذي هو معلوله
466

مما أنيط به أصل البعث لزم المحذور المزبور، وهو كون الشئ علة لنفسه سواء
لوحظ الفعل. أو الطلب المتعلق به.
وأما الثاني فلأن المفروض كون الأمر علة للفعل فلو كانت العلة منوطة بعدم
الفعل لزم إناطة تأثيرها لوحدة التأثير والأثر ذاتا، واختلافهما اعتبارا. ولا يتوهم
أنه محذور زائد على طلب الحاصل لا أنه ينافي كون الطلب المنوط بفرض
حصول متعلقه طلبا للحاصل، وذلك لأن الغرض من هذا البعث على الفرض
إيجاد ما هو موجود بهذا البعث لا بسبب اخر حتى يكون طلبه طلب الحاصل
ففرض طلب الموجود بذا الطلب بحيث يكون شخص هذا الوجود المعلولي
منوطا به العلة فرض علية الشئ لنفسه لا غير فتدبره فإنه حقيق به.
هذا مع أن قيد الحصول وعدمه لو كان قيدا للمطلوب أنما يكون من طلب
الحاصل إذا تعلق طلب الوجود بالموجود أما إذا كان الكلام في تقييد المطلوب
بنفسه وجعله مقترنا بنفسه كما هو معنى التقييد فلازمه اثنينية الواحد حتى
يكون هناك قيد ومقيد، وهذا غير محذور طلب الحاصل، فان الطلب إن تعلق
بالموجود بهذا الطلب فمحذوره الخلف لأن فرض وجوده بهذا الطلب هو فرض
بقرينة عن الوجود في الرتبة السابقة على الطلب، وفرض وجوده في مرتبة تعلق
الطلب خلاف ذلك الفرض، وإن تعلق الطلب بايجاد الموجود بغير شخص هذا
الطلب فمحذوره أن الموجود لا يعرضه الوجود فان المماثل لا يقبل المماثل كما
أن المقابل لا يقبل المقابل.
وثانيا: أن الاطلاق ليس إلا تسرية الحكم لجميع أفراد المطلب بما هي أفراد
ذات المطلق لا بمعنى الجمع في القيود إطلاق الطلب لفرض الحصول وعدمه
عدم دخل الحصول وعدمه في وجود الطلب لا دخل وجوده وعدمه معا حتى
يلزم من الاطلاق الجمع بين محذور طلب الحاصل ومحذور الجمع بين
النقيضين، بل الاطلاق أنه يستحيل في فرض استحالة التقييد لأنه بالإضافة إلى
التقييد متقابلان بتقابل العدم والملكة فإذا استحال التقييد فليس عدمه عدم ما
467

في شانه التقييد حتى يمكن الاطلاق، وهذا يمنع عن الاطلاق اللحاظي المولوي
فان قيام المولى مقام الاطلاق من هذه الجهة مع استحالة التقييد لغو.
أما الاطلاق الذاتي، وهو ثبوت الطلب مقارنا للفعل ومقارنا للترك، فهو
معقول فإنه عدم التقييد بمعنى السلب المقابل للايجاب، ويستحيل خروج
الشئ عنهما معا كما هو واضح، ومن البين أن المانع من الترتب ورود الطلبين
على تقدير واحد فتقييد طلب الأعم بفعله محال، وهو المضر بالترتب لا أن
إطلاقه الذاتي أو إطلاقه اللحاظي على فرض إمكانه يضر بالترتب إذ ليس لازمه
ورود الطلبين على تقدير ليكونا عرضيين لا طوليين.
وثالثا: أن لازم ورود الطلبين على تقدير واحد وإن كان طلب الجمع لكنه
أنما يصح إذا لم يكن ذلك التقدير تقدير ترك نفسه وطلب فعل المهم على
تقدير ترك الأهم لم يكن مرجع الطلبين إلى طلب الجمع بين الضدين بل إلى
طلب الجمع بين النقيضين بالنسبة إلى فعل الأهم، وإلى طلب ضد الجمع
بالنسبة إلى فعل المهم لأن القيد هو عدم الأهم مطلقا لا عدمه حال وجوده
بالفرض، والأول محال لا يوجد في الخارج ليمكن وقوعه على صفة المطلوبية،
والثاني ممكن يقع على صفة المطلوبية، وفرض وقوع المحال أيضا لا يقتضي
فرض وقوع المهم على صفة المطلوبية لأن نسبة وجود الأهم حال عدمه، و
عدمه المفروض إلى وجود المهم على حد سواء، وفرض الأول يستدعي عدم
وقوعه على صفة المطلوبية، وفرض الثاني يستدعي وقوعه على صفة المطلوبية
فهذا الفرض يستدعي محالين أحدهما في طرف الأهم، وهو اجتماع النقيضين،
وثانيهما في طرف المهم وهو ارتفاع النقيضين لأنه لم يتحقق الأهم محضا لئلا
يقع المهم على صفة المطلوبية ولم ينعدم الأهم محضا ليقع على صفة المطلوبية
فلا هو واقع على صفة المطلوبية، ولا غير واقع على صفة المطلوبية.
فتوهم أن ورود الطلبين على هذا التقدير يقتضي الأمر بالجمع ووقوعهما
468

على صفة المطلوبية ولو بفرض وقوع المتعلقين في الخارج. مدفوع بما عرفت،
ومنه تعرف أن تكلف دفع الاطلاق والتقييد في طرف الأهم ليس بمهم كما
توهم، بل النافع للمجوز تقييد طلب المهم بعدم الأهم فإنه المصحح للأمر بضد
الجمع، وعدم طلب الجمع فافهم جيدا فإنه دقيق جدا.
وأما المقدمة الرابعة: فيرد عليها أن ما ذكر فيها من أن لازم إطلاق طلب
كل من الضدين لحالتي فعل الاخر وتركه طلب الجمع بينهما، مخدوش بما ذكرنا
سابقا أن الاطلاق ليس جمعا بين القيود ليكون لازمه طلب كل واحد على تقدير
فعل الاخر أو مقترنا بفعل الاخر ليكون طلبا للجمع بين الفعلين، بل الطلب فيهما
لا على تقدير طلب وبمعنى عدم دخل فعل الآخر وتركه في فعلية الطلب نعم
لازم تعلق الطلبين لا على تقدير طلب ما لهما المعية الزمانية في المطلوبية لا
طلب معيتهما في الزمان ليقال بأنه لا يعقل أن يكون طلب أحدهما مترتبا على
عدم الاخر طلب معيتهما في الزمان بل الاستحالة لا تدور مدار طلب الجمع فان
طلب كل منهما لو كان منوطا بترك الاخر فتركهما معا فإنه لا شبهة في فعلية
الطلبين، واستحالتهما، مع أنه لا يعقل أن يؤل أمرها إلى طلب الجمع بل لو كانا
ممكنين، وفعلهما لا يقع شئ منهما على صفة المطلوبية، ولا يعقل الالتزام
بفعلية مثل هذين الطلبين كيف، وطلب كل منهما طلب دفع تقدير الاخر و
تطاردهما بديهي حينئذ.
ومنه يعلم أن عدم وقوعهما على صفة المطلوبية وإن كشف عن عدم طلب
الجمع لكنه لا يكشف عن عدم الاستحالة فيعلم أن مناط الاستحالة، والامكان
أمر آخر لا يدور مدار الاطلاق، ولا مدار مطلوبية الجمع، ولا مدار عدم وقوعهما
على صفة المطلوبية مع إمكانهما بل التحقيق بناء على أن المانع طلب الجمع أن
الأمرين المترتبين لا يؤل أمرهما إلى طلب ضد الجمع فان تقدير ترك الأهم تارة
يؤخذ تقديرا للمطلوب، وأخرى تقديرا للطلب فإذا أخذ تقديرا للمطلوب ففعل
الأهم وفعل المهم مبنيا على ترك الأهم متنافيان بالعرض وإن كانا غير متنافيين
469

بالذات، والمفروض تعلق الأمرين بلا تقدير بهما، فهو أمر بالجمع بين المتنافيين
بالعرض وإن لم يكونا متنافيين بالذات، وإذا أخذ تقديرا للطلب فالأمر بالمهم و
إن لم يكن فعليا قبل ترك الأهم وكانت فعليته منوطة بتركه لكن متعلق الأمرين
فعل الأهم وفعل المهم غير مقترنين بتقدير من التقادير فلا أمر بضد الجمع، بل
لازم كيفية تعلق الأمرين بالفعلين تضاد امتثالهما فهو أمر بالجمع بمقتضى ذات ما
تعلق به الأمران، وإن كان لازمهما تضاد امتثالهما فهما أمران متعلقان ممكنين من
القراءة، والدخول في المسجد إلا أن لازمهم أمر محال، وهو تضاد الامتثالين فان
مقتضى تعلقهما بفعلين ممكني الاجتماع بلا تقدير لهما إيجادهما، ولازم تعلق
الأمر بهما بهذا الترتيب تضاد امتثالهما، وما يستلزم المحال محال فتضاد
الامتثالين وإن كان لازم الترتب لكنه حيث أنه مناف لتعلقهما بفعلين لا تقدير لهما
والمفروض أن الغرض من كل أمر هو امتثاله فهما بلحاظ هذا اللازم المحال
يستحيل فعليتهما، وعلى أي حال لا أمر بضد الجمع بل إما أمر بالمتنافيين ولو
بالعرض، أو أمر بما يستلزم ضد مقتضاه، وهو أيضا محال، والأمر بضد الجمع
حقيقة أنما يتصور في الواجبين التخييريين إذا كان بين غرضيهما تضاد في
الخارج فان الأمر بهذا منفردا أو بذاك منفردا، هو أمر بضد الجمع، وكذا إذا قلنا
بسقوط الأمر بالأهم بمجرد العزم على العصيان أو بمقارنة العصيان فإنه أيضا أمر
بضد الجمع، وإن كانت الصورة الأخيرة مشكلة إلا أن الغرض أن الأمر بضد
الجميع أنما يتصور في مثلها فيما نحن فيه.
" برهان آخر على الجواز "
فالتحقيق الحقيق بالتصديق في تجويز الترتب هو أن الأمر بالإضافة إلى
متعلقه من قبيل المقتضي بالإضافة إلى مقتضاه، وإذا كان المقتضيان المنافيان
في التأثير لا على تقدير والغرض من كل منهما فعلية مقتضاه عند انقياد المكلف
470

له فلا محالة يستحيل تأثيرهما، وفعلية مقتضاهما وإن كان المكلف في كمال
الانقياد، وإذا كان المقتضيان مترتبين بأن كان أحد المقتضيين لا اقتضاء له إلا عند
عدم تأثير الاخر فلا مانع من فعلية مقتضي الأمر المترتب، وحيث أن فعلية أصل
اقتضاء المترتب منوطة بعدم تأثير المترتب عليه فلا محالة يستحيل مانعيته عن
تأثير الأمر المترتب عليه إذ ما كان اقتضائه منوطا بعدم فعلية مقتضي سبب من
الأسباب يستحيل أن يزاحمه في التأثير ولا مزاحمة بين النقيضين إلا من حيث
التأثير، وإلا فذوات المقتضيات بما هي لا تزاحم بينهما.
فان قلت: حيث أن الأمر بالأهم بداعي جعل الداعي وانبعاث المكلف فمع
عدم الانبعاث في زمان يترقب منه الانبعاث كيف يعقل بقائه فان الأمر بطرد
العدم بعد تحقق العدم محال فان رفع النقيض حال تحقق النقيض محال.
قلت: الأمر الحقيقي هو جعل إما يمكن أن يكون (1) داعيا والأمر بالأهم حال

1 - توضيحه ان متعلق التكليف لابد من أن يكون في نفسه ممكنا ذاتا وبحيث لا يلزم من فرض
وقوعه أولا وقوعه محال ليكون ممكنا بالامكان الوقوعي وبحيث ينبعث من إحدى القوى المنبثة في
العضلات ليكون ممكنا بالامكان الاستعدادي فإذا كان الفعل ممكنا ذاتا ووقوعا واستعدادا صح لتعلق
التكليف به وإلا فلا ومن الواضح أن متعلق التكليف ليس الوجود المحقق والمعدوم المحقق فان
الضروري وجودا أو عدما غير قابل للجعل التكويني فلا يقبل تعلق الجعل التشريعي به بل الوجود
المفروض أو العدم المفروض باخراجه من حد الفرض والتقدير إلى حد الفعلية والتحقيق فإذا كان
الوجود المفروض مثلا ممكنا بالاتحاد المتقدمة اللازمة صح تعلق التكليف به فلا ينافي وجوبه
اعدامه غير مناف لكونه مقدورا وممكنا بالامكان الاستعدادي ومن البين ان الامر بالايجاد ليس إلا أمرا
بطرد العدم البديل فلا ينافي تحقق العدم البديل إذ ليس الامر بالايجاد أمرا بقلب العدم البديل إلى
الوجود البديل ليكون محالا ولا أمرا بالوجود المقارن للعدم البديل ليكون محالا بل أمر بالايجاد الذي
هو بديل العدم البديل في الزمان الخاص فلا منافاة بين الأمر بالوجود المفروض الذي هو بديل العدم
المفروض وتحقق الوجود المفروض خارجا أو تحقق العدم الفروض خارجا فتدبر جيدا.
471

عصيانه على إمكانه الذاتي والوقوعي وإن كان الدعوة بعد تحقق النقيض
ممتنعة إلا أنه امتناع بالغير، والامكان الذاتي والوقوعي لا ينافي الامتناع الغيري،
وإلا لم يكن ممكن أبدا إذ الماهية تكون حال وجودها واجبة بالغير، وحال
عدمها بعدم العلة ممتنعة بالغير فمتى تكون ممكنة ذاتا ووقوعا.
ومنه علم أن الأمر بطرد العدم البديل مع تحقق العدم البديل بمعنى جعل ما
يمكن أن يكون مقتضيا لطرده معقول، وإن امتنع طرده بالغير كما أنه تبين أن
قياس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية من حيث عدم امكان إرادتين
تكوينيتين مترتبتين باطل فإنه مع الفارق، لأن الإرادة التكوينية هي الجزء الأخير
من العلة التامة للفعل فلا يعقل إناطة إرادة أخرى بعدم متعلق الأولى مع ثبوتها،
بخلاف الإرادة التشريعية فإنها ليست كك بل الجزء الأخير لعلة الفعل إرادة
المكلف فهي من قبيل المقتضي، وثبوت المقتضى مع عدم مقتضاه لا مانع منه،
وخلو الزمان وإن كان شرطا في تأثير المقتضي أثره إلا أن خلوه عن المزاحم في
التأثير شرط لا خلوه عن المقتضي المقرون بعدم التأثير فأما لا اقتضاء لأحدهما،
وأما لا مزاحمة للمقتضي.
وربما يتوهم هنا شبهة أخرى، وهي اختلاف المتلازمين في الحكم الفعلي
لأن نقيض الأهم الملازم لفعل المهم حرام لاقتضاء الأمر بالشئ حرمة ضده
العام الذي ليس فيه كلام مع أن فعل المهم واجب، وقد تقدم سابقا عدم معقولية
اختلافهما في الحكم وإن لم نقل بسراية حكم أحد المتلازمين إلى الاخر و
يندفع بأن الكلام في الضدين اللذين لهما ثالث، وإلا فوجود أحدهما ملازم قهرا
لعدم الاخر، وبالعكس فلا معنى للحكم على ملازمه رأسا، وفيما كان لهما ثالث
وإن سلمنا التلازم إلا أن المانع من اختلاف المتلازمين في الحكم اللزومي لزوم
التكليف بما لا يطاق، وهذا المحذور غير جار هنا لأن الاتيان بالأهم رافع
لموضوع امتثال الأمر بالمهم، وبعد اختيار عصيان الأمر بالأهم وثبوت العصيان
ليس الحكم اللزومي بالمهم إلقاء له فيما لا يطاق فاختلاف المتلازمين أنما يضر
472

فيما إذا لم يكن هناك ترتب.
وربما ينسب إلى بعض الاعلام (1) إشكال آخر في المقام: وهو أن الترك
المحرم من المهم إما هو الترك المطلوب حتى إلى فعل الأهم أو خصوص الترك
المقارن لترك الأهم، وهو الترك الغير الموصل فان كان الأول فهو مناف لفرض
الأهمية فان مقتضى الأهمية جواب ترك المهم إلى فعل الأهم ومناف لفرض
طلب المهم على تقدير ترك الأهم، ومعه كيف يعقل حرمة ترك الموصل أيضا، و
إن كان الثاني فحرمة ترك المهم حينئذ نقيضه ترك الترك الغير الموصل لا فعل
المهم بل له لا زمان أحدهما الترك الموصل والاخر فعل المهم، ولا يسري
الحكم إلى لازم النقيض، ومع فرض السريان أو فرض مصداقية الفعل لترك الترك
يكون الفعل حيث أنه له البدل واجبا تخييريا، مع أن وجوب المهم تعييني بناء
على ثبوته، ويندفع باختيار الشق الأول ومقتضى أهمية الأهم إبطال تقدير المهم
وهدمه فليس تركه إلى فعل المهم من جملة تروكه في فرض مطلوبيته فتركه
المطلوب مع حفظ تقدير وجوبه لازم من دون لزوم المحذور، ولا منافاته لفرض
الأهمية، وباختيار الشق الثاني بتقريب أن ايجاب المهم ليس من ناحية حرمة
ترك المهم بل لدليله المقتضي لحرمة نقيضه عرضا، وتوهم تخييرية الوجوب
بوجه آخر قد تقدم في الحاشية السابقة مع جوابه كما أشرنا إليه آنفا مع أنه لو
فرض قيام الدليل على حرمة ترك المهم على تقدير ترك الأهم كما هو معنى
الترتيب فنقيضه الواجب هو ترك الترك على هذا التقدير أيضا، وليس لترك الترك
في هذا التقدير إلا لازم واحد، أو مصداق واحد وهو الفعل إذ لا يعقل فرض
الترك الموصل في تقدير ترك الأهم للزوم الخلف فليس للفعل حينئذ عدل و
بدل حتى يكون وجوبه تخييريا فتدبر جيدا.
ثم إن إصلاح الأمرين بنحو الترتب أنما هو لدفع محذور التكليف بما لا يطاق.

1 - المحقق الشيرازي - ره -.
473

وأما من سائر الجهات فلا يجديها (1) الترتب فإذا قلنا بمقدمية ترك الضد

1 - فان المانع حينئذ اجتماع الوجوب والحرمة وامتناع التقرب بالمبغوض زيادة على محذور
الترتب وهو التكليف بما لا يطاق وارتفاع المحذورين المتقدمين يدور مدار تعدد الوجود الترتب أجنبي
واقتضاء تعدد الوجود وأما من حيث محذور التكليف بما لا يطاق فحاله حال ما إذا لم يكن هناك حكم
أخر فان الترك إذا كان واجبا بوجوب مقدمي فلا يوجب وجوب نقيضه ذاتا وحرمة نفسه عرضا القاء
المكلف فيما لا يطاق فان الفرض وجوب نقيضه المستتبع لحرمة الترك في ظرف عصيان الأمر بالأهم
لمقدماته فمع عدم اعمال قدرته في فعل الأهم لا مانع من اعمال قدرته في فعل المهم وليس وجوبه ولا
معرفة تركه عرضاه مبنيا على عصيان الأمر بالأهم منافيا للأمر بالأهم من حيث التكليف بما لا يطاق من
دون فرق بين التقريب المذكور في المتن وهو وجوب ترك المهم وحرمة فعرضا والتقريب الاخر وهو
وجوب فعل المهم وحرمته عرضا لوجوب تركه مقدمة المستتبع لحرمة نقيضه ومن الواضح انه ليس
تقدير ترك الأهم تقدير ترك مقدمة وهي ترك المهم حتى لا يعقل الأمر بفعل المهم مبنيا على ترك تركه
المساوق لفعله فان الكلام في الضدين الذين لهما ثالث فمع ترك الأهم له فعل المهم وتركه.
فان قلت: تارة يقال بمانعية حكم الضد عن حكم ضده للزوم التكليف بما لا يطاق فيجاب بان
الترتب يرفعها حيث لا يلزم منه التكليف بما لا يطاق، وأخرى يقال بمانعية الحكم المضار لحكم المهم
مع استحالة الترتب بين هذين الحكمين المتضادين وهذا محذور أخر حيث لا قدرة نفى بامتثال وجوب
الفعل ووجوب تركه أو وجوب الفعل وحرمة تركه عرضا أو وجوب الترك وحرمة عرضا.
قلت: المانع كما مر لزوم الجمع بين المطلوبين وكما لا يؤل طلب الأهم وطلب المهم مبنيا على
ترك الأهم إلى طلب الجمع بينهما كك لا يؤل إلى طلب الجمع بين الأهم بمقدماته وبين فعل المهم
فمجرد بقاء حكم الترك لا يمنع عن وجوب نقيضه أو حرمة نفسه عرضا مع عدم الرجوع إلى طلب
الجمع بحيث لو فرض اجتماع الأهم بمقدماته وفعل المهم لم يقع على صفة المطلوبية إلا فعل الأهم
ومقدماته التي منها ترك المهم دون فعله ومع ذلك فالمسألة لا تخلوا عن اشكال فان عدم وقوع فعل
المهم على صفة المطلوبية من ناحية ترتب وجوبه على ترك الأهم فلذا لو فرض وقوعه فعله وتركه معا
محالا مع فعل الأهم لا تقع فعل المهم على صفة المطلوبية وتقع تركه مع فعل الأهم على صفة
المطلوبية بخلاف ما إذا فرض ترك الأهم ووقع المهم فعلا وتركا على فرض المحال فإنه لابد من وقوع
كليهما على صفة المطلوبية لعدم ترتب طلب فعل المهم على ترك ترك المهم لما عرفت من استحالة
ترتبه هكذا وعدم استنتاج الترتب المفيد من ترتبه فلا محالة يجب وقوعهما على صفة المطلوبية
فيعلم منه إن لازمه طلب الجمع بين الفعل والترك وهو مجال فتدبر.
474

لوجود الضد لزم في ترك المهم بناء على الترتب اجتماع الوجوب والحرمة لأن
ترك المهم من حيث مقدميته للأهم واجب، ومن حيث أنه نقيض الفعل الواجب
حرام.
لا يقال: حرمة ترك المهم على تقدير ترك الأهم لا مطلقا، ووجوبه حيث أنه
مقدمي يتبع الوجوب المتعلق بالأهم إطلاقا وتقييدا، أو إهمالا، وقد تقدم أن
تقييد وجوب الأهم بتركه وإطلاقه لتركه محال فترك المهم من حيث نفسه
واجب، ومبنيا على تقدير ترك الأهم حرام فليس في مرتبة ترك الأهم، وعلى
هذا التقدير إلا الحرمة لاستحالة وجوبه المقدمي في هذه المرتبة.
لأنا نقول: بعد ما كانت الذات واحدة وهي محفوظة في هذه المرتبة فلا
يعقل أن تكون من حيث نفسها واجبة، ومن حيث مرتبتها المتأخرة عن مرتبة
الذات محرمة لما ذكرنا في محله أن مناط التضاد ليس اختلاف الموضوع بالرتبة
بل بالوجود.
وأما توهم أن المقدمة (1) لسبقها على ذيها لا يعقل أن تتحصص من قبل ذيها
بحصتين حتى يصح عروض الحكمين. فمدفوع: بما قدمناه في البحث عن
المقدمة الموصلة من أن سبق المقدمة على ذيها لا ينافي عروض عنوانين
متضائفين متلازمين عليهما بحيث يكون الملاك المقتضي للوجوب المقدمي في
تلك الحصة الملازمة لذيها، كما ذكرنا أن ذات العلة متقدمة على المعلول والعلية
مضائفة للمعلولية لا سبق ولا لحوق فيهما فراجع.
وربما يصح الضد العبادي حتى على القول بالمقدمية، ووجوب بالمقدمة
المستلزم لحرمة نقيضها بنظير ما مر في البرهان الثاني على الترتب. ومحصله أن

1 - هذا جواب آخر في مقام تصحيح رفع التضاد بتعدد الموضوع إلا أن هذا الجواب غير صحيح
بما ذكر في المتن فالجواب الصحيح ما ذكرناه.
475

الضد إذا كان له أضداد فمانعيته لكل واحد من الأضداد غير مانعيته للاخر، فسد
باب عدم الضد من ناحيته غير سد باب عدم ضد آخر من ناحيته، ومقدميته
للضد الأهم يقتضي تفويته من هذه الجهة لا من سائر الجهات، ونقيضه حفظه
من هذه الجهة لا من سائر الجهات فهو المبغوض دون حفظه، وسد باب عدمه
من جميع الجهات فلا مانع من محبوبية حفظه وسد باب عدمه من سائر
الجهات.
وفيه إن رجع الأمر إلى المقدمة الموصلة وإن ترك المهم إلى فعل الأهم و
الموصل إليه واجب لا تركه المطلوب فالفعل ليس نقيضا للترك الموصل حتى
يكون حراما فهو أمر قد تقدم الكلام فيه وبينا ما عندنا هناك حتى على القول
بالمقدمة الموصلة.
وأما إن لم يرجع إلى التصحيح من ناحية المقدمة الموصلة. ففيه أن وجود
المهم بوحدته مضاد لجميع أضداده، ومانع عنها، وتركه مقدمة لكل واحد منها،
ولا يتعدد هذا الواحد بإضافته إلى أضداده، وبكثرة اعتباراته فان مطابق طرد
جميع أعدامه المضافة إلى أضداده شخص هذا الوجود، وأما استناد فوات
الضد الأهم إلى الصارف دون فعل المهم فلم يلزم عدم الأهم من قبل المهم حتى
يكون تركه سد باب عدم الأهم من قبله فمرجعه إلى اعتبار المقدمة الموصلة، و
إلا لكفى في مقدميته أنه في نفسه مما يتوقف عليه سد باب عدم الأهم وإن لم
يستند فتح باب عدمه إليه فالترتب مع المقدمية غير مفيد.
قوله: إلا أنه كان في مرتبة الأمر بغيره واجتماعهما الخ: لا يخفى
عليك أن الامر بالمهم إن كان مترتبا على عصيان الأمر بالأهم فالأمر بالمهم متأخر
عن الأمر بالأهم بمرتبتين لتأخر الأمر بالمهم عن العصيان تأخر المشروط عن
شرطه طبعا، والعصيان كالإطاعة متأخر عن الأمر بالأهم طبعا لوجود ملاك
التقدم والتأخر الطبيعيين حيث لا يمكن وجود الإطاعة أو العصيان إلا والأمر
موجود، ولكن يمكن وجود الأمر ولا إطاعة أو لا عصيان. ومن الواضح أن
476

التقدم والتأخر متضائفان فإذا كان الأمر بالمهم متأخرا عن الأمر بالأهم طبعا كان
الأمر بالأهم متقدما عليه طبعا فلا يعقل المعية في الرتبة مع التقدم والتأخر
الرتبيين الطبعيين. وأما إن كان الأمر بالمهم مترتبا على ترك الأهم فلا تقدم ولا
تأخر طبعيين بالإضافة إلى الأمرين لأن ترك الأهم وإن كان شرط الأمر بالمهم
فيتأخر عنه الأمر بالمهم طبعا لكن ترك الأهم لا تأخر له عن الأمر بالأهم كتأخر
عنوان عصيان الأمر عن الأمر وتأخر الفعل الذي هو معلول للأمر به تأخر
المعلول عن العلة بالعلية، لا يقتضي نقيضه عن الأمر بالأهم لما مر مرارا أن التأخر
والتقدم لا يكون إلا بملاك يقتضيهما، ووجود المعلول له الاستناد إلى العلة فلها
التقدم بالعلية وأما عدم المعلول فليس له الاستناد إلى علة الوجود كي يكون لها
التقدم بالعلية عليه، وتقدم عدمها على عدمه تقريبا لا دخل لتقدم وجودها
عليه، وعلى هذا فلا تقدم ولا تأخر للأمر بالأهم والأمر بالمهم، ولا أظن أن
يكون نظره الشريف - قدس سره - اللطيف إلى التقدم والتأخر الطبعي الرتبي بل
نظره قده كما ترشد إليه عبارته إلى أن الأمر بالأهم لاطلاقه الذاتي متحقق كلما
تحقق الأمر بالمهم والأمر بالمهم لا يتحقق كلما تحقق الأمر بالأهم، ولكنك قد
عرفت ما يتعلق بالمقام من النقض والابرام في الحاشية المتقدمة.
قوله: مع أنه يكفي الطرد من طرف الأمر بالأهم الخ: المطاردة من
الطرفين كما هو صريح العبارة مبنية على كون الملاك فعلية الأمرين، وقد مر
الكلام فيه، وأما الطرد من طرف الأمر بالأهم فقط فليس بذلك الملاك بل يمكن
ان يوجه بوجه آخر، وهو أن تمامية اقتضاء الأمر بالمهم حيث أنها بعد سقوط
مقتضى الأهم عن التأثير فلا يعقل أن يزاحمه في التأثير لكن الأمر بالأهم لم
يسقط بعدم التأثير عن اقتضائه للتأثير، ولذا لا يسقط الأمر بالأهم بمقارنة عصيانه
بل بمضي زمانه فحيث أنه بعد يقتضي التأثير فيزاحمه المقتضي الاخر في التأثير.
وجوابه ما عرفت من أن المقتضي وإن كان في طرف الأهم موجودا لكنه لا
يترقب منه فعلية التأثير بعدم مقارنته لعدم التأثير، وإلا لزم الخلف أو الانقلاب أو
477

اجتماع النقيضين، وما لا يترقب منه فعلية التأثير لا يزاحم ما له إمكان فعلية
التأثير بحيث لا يمتنع تأثيره ذاتا ووقوعها وبالغير فتدبر جيدا، إلا أن هذا الوجه و
إن كان في تصور الطرد من طرف الأهم فقط وجيها لكنه ربما لا تساعده العبارة.
قوله: نعم فيما إذا كانت موسعة وكانت مزاحمة الخ: الكلام تارة في
صحة الأمرين بالموسع، والمضيق، ولولا بنحو الترتب، وأخرى في صحة اتيان
الموسع في زمان المضيق بداعي الأمر، ولو لم يكن هناك أمر بالفرد المزاحم و
لولا بنحو السراية بل بنحو سعة الطبيعة له أيضا.
أما الأول: فالأمر بالموسع من حيث اجزاء الوقت رجع إلى التخيير الشرعي
أو تعلق بالطبيعة السارية إلى أفرادها أو تعلق بالطبيعة الملحوظة بنحو تسع هذا
الفرد المزاحم فلا يعقل اجتماع الأمرين المضيق والموسع لأنه من طلب الضدين
في خصوص زمان، وتوهم جوازه نظرا إلى أن المانع من التكليف بما لا يطاق
ليس إلا اللغوية، وهي مسلمة فيما إذا كان نفس الفعل غير مقدور كالطيران إلى
السماء وأما إذا كان نفسه مقدورا فلا يلزم اللغوية إذ يكفي في ثمرة وجود الأمر
أنه لو أراد المكلف عصيان الواجب المعين يقدر على إطاعة هذا الأمر.
مدفوع: بأن الأمر إذا كان بداعي جعل الداعي كما هو محل الكلام ولم يكن
مترتبا على عصيان الأمر بالمعين فلا محالة يجب أن يكون بالفعل صالحا للدعوة
مع دعوة الاخر، ولا يعقل دعويهما معا، ولذا أطبق المحققون على عدم إمكان
الأمرين المطلعتين بضدين، مع أن هذه الثمرة موجودة، وهي أن المكلف لو
عصى أحدهما يقدر على إطاعة الاخر، وإن لم يرجع الأمر بالموسع إلى أحد
الوجوه، بل إلى الأمر بصرف الطبيعة مع قطع النظر عن الخصوصيات و
المميزات، وبعبارة أخرى عن المفردات فالفرد المزاحم غير ملحوظ لا بالذات و
لا بالعرض، ولا محددا للطبيعة ويكون معنى الأمر بها والقدرة عليها هو الأمر
بوجودها المقدور عليه بالقدرة على تطبيقها على أفرادها فتطبيقها على الفرد
المزاحم بسوء اختياره لمكان ترك الواجب المضيق لا ربط له بتعلق الأمرين
478

بضدين، إذ مع عدم لحاظ المفردات بوجه من الوجوه لا تعلق للأمر بالضد
الواجب المضيق بوجه من الوجوه. (وتمام الكلام فيه سيجيئ انشاء الله تعالى
في مبحث اجتماع الأمر والنهي) لكنه مع القول بهذا المبنى يشكل هنا أيضا بأن
الطبيعة حيث أن أفرادها هنا طولية فليس في زمان المضيق طبيعة الموسع فرد
غير مزاحم حتى يقال لا نظر إليه بل إلى صرف الطبيعة الغير المزاحمة بنفسها
فإنها حينئذ منحصرة في المزاحم فيكون الأمر بها في هذا الزمان أمرا بالمزاحم
حقيقة بخلاف باب اجتماع الأمر والنهي فان الافراد هناك عرضية ففي كل زمان
لطبيعة الصلاة أفراد مزاحمة وأفراد غير مزاحمة فالطبيعة في كل زمان مقدور
عليها.
وأما الثاني: ففيما إذا لم يكن هناك أمر بالفرد المزاحم، ولا بالطبيعة التي
تسعه فصريح المتن إمكان اتيانه بداع الأمر لتعلق الأمر بالطبيعة التي تسعه بما
هي طبيعة الصلاة لا بما هي مأمور بها، والعقل لا يفرق بين هذا الفرد المزاحم و
غيره في فرديته للطبيعة التي أمر بها بما هي طبيعة.
ويشكل ذلك بأن دعوة الأمر إلى شئ يستحيل بلا تعلق له به، والاشتراك
في الطبيعة وفي الغرض يصحح الاتيان بهذا الداعي لا أنه يصحح دعوة الأمر
خصوصا على ما ذكرنا من الفرق بين المقام ومبحث اجتماع الأمر والنهي إذ لا
أمر بالطبيعة في زمان المضيق أصلا حتى يكون الأمر بها داعيا إلى اتيان ما لا
قصور له عن فرديته لها.
وأما ما أفاده - قده -، من صحة الاتيان بداع الأمر حتى على القول بتعلقه
بالفرد من أن المفردات متبائنة، والأمر بالفرد الغير المزاحم لا يعقل أن يدعو إلى
المبائن، وهو الفرد المزاحم فالوجه فيه ما أشير إليه في كلامه من الاشتراك في
الغرض مع أن المفردات أيضا لها طبائع جامعة فيرجع الأمر إلى الأمر بطبيعة
أخص مما يقول به القائل بتعلقه بالطبيعة دون الفرد.
479

" عدم جواز أمر الأمر مع علمه بانتفاء شرطه "
قوله: لكان جائزا الخ: بل غير جائز لأن الانشاء بداع البعث (1) مع العلم
بانتفاء شرط بلوغه إلى مرتبة الفعلية غير معقول، وبداع الامتحان وغيره لا
يترقب منه البلوغ إلى مرتبة البعث الجدي ليدخل في العنوان وبلا داع محال.
" الأوامر والنواهي متعلقه بالطبايع "
قوله: من دون تعلق غرض بإحدى الخصوصيات الخ: لا يخفى
عليك أن جعل اللوازم الغير الدخيلة في الغرض مقومة للمطلوب بعيد جدا عن
ساحة العلماء والعقلاء، وظني أن المراد بتعلق الأمر بالطبيعة أو بالفرد هو
ظاهره، بتقريب أن هذه المسألة.
أما مبتنية على مسألة إمكان وجود الطبيعي (2) في الخارج وامتناعه، فمن

1 - لا يخفى أن النزاع ليس في معقولية فعلية الحكم مع عدم فعلية موضوعه الذي هو شرط له
فإنه خلف محال وكذا ليس النزاع في معقولية فعلية الحكم مع علي الحاكم بانتفاء فعلية الحكم مع علم
الحاكم بانتفاء فعلية موضوعه ليقال بأن علم الحاكم بوجود الشرط خارجا وعدمه أجنبي وإنما المناط في
الحكم بفعلية الحكم علم المكلف بفعلية الموضوع فان شأن الحاكم تعليق الحكم على موضوعه بنحو
القضية الحقيقية بل النزاع في تحقق أصل الامر أعني الانشاء بداعي جعل الداعي من الامر مع العلم
بانتفاء شرط فعلية في الخارج فان بهذا الانشاء وبهذا الداعي الذي يترقب منه فعلية الدعوة عنه فعلية
موضوعه لغو لا يكاد يصدر من العاقل بهذا المفرض وبغير هذا الفرض أجنبي عن الأمر الذي حقيقة
الانشاء بداعي جعل الداعي فعلم أن النزاع معقول وانه لا ينافي كون الاحكام المجعولة بنحو القضايا
الحقيقة دون الخارجية فتدبر جيدا.
2 - توضيح القول فيها أن الحصة المتقررة في مرتبة ذات " زيد " من الانسانية المبائنة مع حصة
أخرى منها متقررة في مرتبة ذات " عمرو " وهكذا هي الماهية الشخصية التي يأبى الصدق على
كثيرين وهي الموصوفة بالجزئية المقابلة للكلية دون نفس الوجود المتحد معها المحصص
والمشخص لها فان الوجود وإن كان هو عين التشخص ومناط التفرد إلا أنه من حيث كونه عين الخارجية
ليس صدقيا حتى يوصف بالاباء عن الصدق في قبال عدم الاباء بل الاباء وعدم الصدق فيه بنحو السالبة
بانتفاء الموضوع ثم من المعلوم ان الحصة المتقررة في ذات زيد حيث إنها بملاحظة اتحادها مع الهوية
الخاصة الممتازة بذاتها عن سائر الهويات هي نفس الماهية المضافة إلى الوجود الحقيقي بلا وساطة أمر
آخر فلا محالة تتخذ التعمل العقلي إلى الماهية والإضافة الموجبة لصيرورتها حصة مقابلة لسائر
الحصص بحيث لو لم يكن تلك الإضافة لم يكن الماهية الكلية الموصوفة بعدم الاباء عن الصدق على
كثيرين فهذه الحصة موجودة بالذات ونفس الماهية الكلية التي هذه الحصة الخاصة في ذاتها منها
موجودة بالعرض كما أن الماهية الكلية موجودة أيضا بعرض حصة موجودة، منها في مرتبة ذات عمرو
لعل النزاع بين القائلين بامكان وجود الطبيعي وامتناعه يرجع لفظيا بأن يكون نظر المثبت إلى وجوده
بالعرض الذي قد عرفت أنه لابد منه ونظر النافي إلى وجوده بالذات الذي لا يعقل بناء على أصالة
الوجود وحيث عرفته معنى الكلى والفرد وإمكان وجود الكلى بتبع وجود الفرد تعرف أنه مقدور بالقدرة
على إيجاد فرده فلا مانع من تعلق الامر به إذا لم يكن لذات حصة من الحصص خصوصية في نظر
المولى فإنه لابد حينئذ من تعلق التكليف بوجود الطبيعي من دون دخل لحصصه فضلا عن لوازم
حصصها التي كل منها فرد لطبيعة من الطبائع وربما يقال أن النزاع في إمكان وجود الطبيعي وامتناعه
راجع إلى التشخصات مأخوذة في مرتبة سابقه على وجود الطبيعي كنفس الطبيعي أو انها في مرتبة
وجود الطبيعي واردة على الطبيعي فالثاني قول بوجود الطبيعي في عرض تشخصا والأول قول بعدم
وجود الطبيعي بل الموجود هي الماهية المتشخصة وهو غير مناسب لكلمات أهل الفن أو لقواعده لأن
المعبر عنه بالتشخصات ليس إلا لوازم الوجود التي هي افراد لطبايع شق لكل منها وجود وماهية فكيف
بعقل أن يكون في رتبة سابقه على وجود الطبيعة بحيث يكون وجود الطبيعة وجودها بلوازمها كما لا
يعقل أن يكون واردة على نفس الطبيعة مع أنها نوعا من الاعراض التي لا حلول لها إلا في وجود
موضوعها لا في ماهيتها فالصحيح في النزاع وفى معنى الكلى والفرد ما عرفت فافهم واستقم.
480

يقول بامتناعه لابد من القول بتعلق التكليف بالفرد لئلا يلزم التكليف بغير
المقدور لكن ليس لازم تعلق التكليف به دخول لوازم الوجود، ولوازم التشخص
في المكلف به بل اللازم بلحاظ عدم القدرة على ايجاد الطبيعي، والقدرة على
481

إيجاد الشخص تعلق التكليف بالماهية المتشخصة بالوجود أعني ذات هذه
الماهية المتشخصة القابلة للوجود فان الماهية تارة تلاحظ بنفسها فهي الطبيعي،
وأخرى مضافة إلى قيد كلي فالمضاف هي الحصة لا مجموع المضاف و
المضاف إليه، وثالثة تضاف إلى الوجود المانع عن صدقها على كثيرين وهو
الفرد، فذات الانسانية الموجودة بوجود زيد في قبال الانسانية الموجودة بوجود
عمرو هي الماهية الشخصية، وهي المطلوبة بلا دخل للوازمها لا في كونها
شخصية، ولا في مطلوبيتها، ومن يقول بامكان وجود الطبيعي وأن الماهية
الواحدة كلية في مرحلة الذهن وشخصية بإضافة الوجود إليه فالطبيعي
متشخص بالوجود فهو يقول بامكان تعلق الأمر به فلا نظر إلى اللوازم على أي
حال.
وإما مبتنية على مسألة تعلق الجهل بالماهية أو بالوجود فان المراد بالذات
هو الصادر بالذات فمن جعله الوجود قال بتعلق الإرادة به، ومن جعله الماهية
قال بتعلق الإرادة بها من دون فرق بين الإرادة التكوينية والتشريعية، وكما أن
معنى جعل الماهية إفاضة نفسها فينتزع منها عند صدورها، وفيضانها من جاعلها
أنها موجودة كك معنى تعلق الإرادة بها إرادة إفاضتها المستتبعة لانتزاع الوجود
منها كما أن الأمر على العكس منه في جعل الوجود، وتعلق الإرادة به فان معنى
جعله إفاضة الوجود المنتزع منه ماهية خاصة ومعنى تعلق الإرادة به إرادة
إفاضته ولا يخفى عليك أن الايجاد والوجود والإفاضة والفيض متحدان
بالذات، متفاوتان بالاعتبار فمن حيث قيام الصادر الفائض بالماهية يسمى
وجودا لها، ومن حيث قيامه بالجاعل قيام الفعل بالفاعل يسمى إيجادا وجعلا و
إضافة.
ومنه يعلم أن القابل لتعلق الجعل به بالذات هو الوجود دون الماهية إذ
الماهية في حد ذاتها واجدة بوجدان ماهوي لذاتها وذاتياتها، ولو كانت
المجعولية والمفاضية حيثية ذاتية للماهية بأن كان تمام حيثية ذاتها حيثية
482

المجعولية، والمفاضية من دون انضمام حيثية أخرى فهي إذن في حد ذاتها
موجودة إذ لا تنفك المفاضية عن الموجودية فيلزم انقلاب الامكان الذاتي إلى
الوجوب الذاتي، إذ لا نعني بالواجب بالذات إلا من كان ذاته بذاته لا بلحاظ
حيثية غير ذاته منشأ لانتزاع الموجودية، وإذا كان انتزاع الموجودية والمجعولية
بلحاظ حيثية مكتسبة من جاعلها فتلك الحيثية هي بالذات مطابق الجعل و
المجعول، والايجاد والوجود، وهناك براهين آخر على عدم تعقل جعل الماهية
مذكورة في محالها فليراجع.
ولعل ذهاب المشهور إلى تعلق الأمر بالطبيعة لذهاب المشهور من الحكماء و
المتكلمين إلى أصالة الماهية، وتعلق الجعل بها فالتحقيق حينئذ تعلق الأمر
بالفرد بمعنى وجود الطبيعة، توضيحه أن طبيعة الشوق من الطبايع التي لا تتعلق
إلا بما له جهة فقدان، وجهة وجدان إذ لو كان موجودا من كل جهة كان طلبه
تحصيلا للحاصل، ولو كان مفقودا من كل جهة لم يكن طرف يتقوم به الشوق فإنه
كالعلم لا يتشخص إلا بمتعلقه بخلاف ما لو كان موجودا من حيث حضوره
للنفس مفقودا من حيث وجوده الخارجي فالعقل يلاحظ الموجود الخارجي فان
له قوة ملاحظة الشئ بالحمل الشايع كما له ملاحظة الشئ بالحمل الأولي
فيشتاق إليه فالموجود بالفرض والتقدير مقوم للشوق لا بما هو هو بل بما هو آلة
لملاحظة الموجود الحقيقي، والشوق يوجب خروجه من حد الفرض والتقدير
إلى الفعلية.
فالتحقيق وهذا معنى تعلق الشوق بوجود الطبيعة لا كتعلق البياض بالجسم
حتى يحتاج إلى موضوع حقيقي ليقال إن الموجود الخارجي لا ثبوت له في
مرتبة تعلق الشوق ولا يعقل قيام الشوق بالموجود الخارجي كيف والوجود
يسقطه لما عرفت من اقتضاء طبيعة الشوق عدم الوجدان من كل جهة.
قوله: كما هو الحال في القضية الطبيعية في غير الأحكام الخ: وجه
المتشابهة في مجرد عدم النظر إلى الأفراد بمفرداتها وإن كانت الطبيعة تفترق عن
483

غيرها بأن الموضوع فيها هي الطبيعة الكلية من حيث هي كلية بخلاف متعلق
طلب الوجود فإنها الطبيعة بما هي فلا يكون قولنا " الصلاة واجبة " جاريا مجرى
قولنا " الانسان نوع " ولذا قال قده في غير الأحكام، وقد عرفت آنفا معنى تعلق
الطلب بالطبيعة لا بالموجود الخارجي بما هو موجود خارجي فلا تختلط.
قوله: بل في المحصورة كما حقق الخ: فان المحصورة حينئذ كالطبيعية
من حيث تعلق الحكم بنفس الطبيعة إلا أن الطبيعة لوحظت في المحصورة على
نحو يسري حكمها إلى الأفراد عقلا بخلاف الطبيعية فان الطبيعة في الطبيعية ما
فيه ينظر وفي المحصورة ما به ينظر.
قوله: وإن نفس وجودها السعي الخ:
فان قلت: هذا إذا كان التشخص والتفرد بلوازم الوجود، وأما إذا كان بنفس
الوجود فكل وجود بنفسه وهويته يبائن الاخر فالمطلوب حينئذ أما وجود واحد
معين، أو أحد الوجودات لا على التعيين، أو جميع الوجودات فما معنى الوجود
التبعي.
قلت: التشخص وإن كان بالوجود كما هو الحق، والوجود العنواني وإن كان
منتزعا عن أحد أنحاء الوجود الحقيقي إلا أن الطلب كما مر لا يعقل أن يتعلق
بالموجود المحقق، ولا بالفاني فيما هو محقق فعلا كي يلزم المحذور المذكور بل
المقوم للطلب والشوق هو الوجود المفروض وتأثير الشوق فيه باخراجه من حد
الفرض والتقدير إلى الفعلية.
والتحقيق والوجود المفروض يمكن أن يكون حقيقة الوجود المعرى عن
جميع اللوازم والقيود بحيث يكون قابلا للصدق على كل وجود محقق في
الخارج، وحيث أن لوازم الوجود خارجة عما يقوم به الغرض قطعا فلا حاجة إلى
إطلاق لحاظي (1) في الوجود بلحاظ لوازمه بل يصح تعلق الطلب بنفس الوجود

1 - بيانه أن متعلق الطلب لو كان الموجود المحقق أو ما هو فان فيه لم يجد الاطلاق إلا في عدم
دخل ما هو لازم الوجود المحقق وإلا فالوجود المحقق بتعينه الذاتي من بين سائر الوجودات لا
يتعدى حكمه إلى غيره بخلاف فرض الوجود فإنه إذا لوحظ نفسه من دون خصوصية كان قابلا
لاخراجه من حد الفرض إلى الفعلية بأية خصوصية كانت نعم إنما يحتاج إلى الاطلاق لا من حيث رفع
قيود بل من حيث أنه لا يعقل الاهمال فلابد من أن يكون المطلوب متعينا بأحد التعينات الثلاثة من
الشرط شيئية أو البشرط لائية واللا بشرطية فيجب أن يلاحظ الوجود المفروض لا بشرط من حيث
ذوات الحصص الخاصة ومن حيث لوازمها الفردية فتدبر جيدا.
484

المفروض المعرى في ذاته بحسب الفرض والتقدير عن جميع لوازمه.
وأما توهم الجهة الجامعة الخارجية بين أنحاء الوجودات الخارجية ليكون
الوجود العنواني فانيها فيها، ويكون الفرض والتقدير متعلقا بها فهو فاسد إذ
الوجود الحقيقي في كل موجود بنفس هويته يبائن وجودا آخر شخصا، و
تشخصه ذاتي، وكون الوجود سنخا واحدا، أو كون العالم كله بلحاظ إلغاء
الحدود والقيود واحدا شخصيا للبرهان المحقق في محله أجنبي عما نحن
فيه (1).
قوله: فإنها كك ليست إلا هي الخ: لا يذهب عليك أن كون الماهية من
حيث هي خالية عن جميع الأوصاف لا يستدعي عدم عروض وصف لها من
حيث هي فان الماهية من حيث هي لا موجودة، ولا معدومة، مع أنها بنفسها إما
موجودة أو معدومة بالحمل الشايع فكل مفهوم يبائن مفهوما آخر بالحمل الأولي
وإن كانا متحدين بالحمل الشايع، وعليه فلا منافاة بين كون الصلاة في حد ذاتها،
وماهيتها لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وبلحاظ تعلق الطلب بها مطلوبة، وكما أن
معنى تعلق الجعل التكويني البسيط بها صدورها من الجاعل، ويلزمه صحة
انتزاع الموجودية منها كك معنى تعلق الطلب بها إرادة صدورها وإفاضتها إما
تكوينا أو تشريعا، ولا دخل لذلك بطلب وجودها كما لا ربط لجعلها بجعل

1 - إذ في الملاحظة لا صلاة ولا غيرها ليكون متعلق الطلب ولا يعقل فرض صرف الوجود
بالغاء الحدود في الموجودات المحدودة بحدود ما هوية أو حدود عدمية فلا يعقل صرف وجود الصلاة
بحيث يكون هناك وجود صلاة بحيث لا يشذ عنه وجود صلاة فافهم وتدبر.
485

وجودها.
نعم ألحق تعلق الجعل بوجودها فكذا الطلب، ضرورة أن الصادر بالذات هو
المراد بالذات بلا عناية، وإنما يعبر عن المطلوب بالصلاة الموضوعة للماهية لا
للوجود لأن المفاهيم الثبوتية مطابقها عين الوجود المنتزع عنه طبيعة الصلاة، و
المفروض أن متعلق الإرادة هي الصلاة بالحمل الشايع فافهم جيدا فإنه دقيق
جدا.
قوله: فإنه طلب الوجود فافهم الخ: لعله إشارة إلى أن الأمر لنفس الطلب
لكنه حيث لا يعقل تعلقه بنفس الماهية فلابد من ملاحظة الوجود معها حتى
يصح طلبها، وقد عرفت تحقيق المقام آنفا، ونزيدك هنا أن هيئة الأمر والنهي إن
كانت موضوعه للطلب فلا محالة يؤخذ الفعل والترك والوجود والعدم في
طرف الهيئة لأن المادة واحدة فيهما وإن كانت موضوعة للبعث والزجر فكلاهما
متعلق بطرف الفعل فلا حاجة إلى إدراج الوجود والعدم في مفاد الهيئة، وقد
عرفت أيضا عدم الحاجة إلى إدراج الايجاد في طرف المادة حيث أن المطلوب
هي الصلاة بالحمل الشايع بملاحظة المفهوم فانيا في مطابقه، وسيجيئ انشاء
الله تعالى ان الصحيح هو الثاني مضافا إلى أن الفعل والترك، والوجود والعدم
ليس من جهات النسبة الطلبية وشئونها حتى يكون مفاد الهيئة نسبة خاصة بل
نسبة متعلقة بأمر خاص فتدبر جيدا.
قوله: لا أنه يريد ما هو صادر وثابت الخ: قد عرفت مرارا اتحاد الجعل و
المجعول، والايجاد والوجود ذاتا، واختلافهما اعتبارا فكما يصح أن ينسب
الشوق إلى الجعل والايجاد فكذا إلى المجعول والوجود، والموجود، وقد
عرفت معنى تعلق الشوق بالوجود الحقيقي وأنه ليس من قبيل قيام البياض مثلا
بالجسم كي يتوقف على وجود متعلقه حال تعلقه به بل المقوم للشوق حال
تحققه هو الوجود الحقيقي بوجوده الفرضي لا التحقيق بنحو فناء العنوان في
المعنون، وطلب الحاصل أنما يكون لو قيل بحدوث الشوق أو بقائه بعد وجود
486

متعلقه في الخارج فراجع ما قدمناه.
قوله: وأما بناء على أصالة الماهية الخ: قد عرفت أن الصادر بالذات هو
المراد بالذات بلا عناية فإذا فرض أصالة الماهية فهي القابلة للجعل البسيط
بالذات، وبنفس الجعل التكويني يكون الماهية خارجية لا أن الجاعل يجعل
الماهية خارجية بالذات بل جعلها بالذات جعل وجودها، وخارجيتها بالعرض
فالمراد بالذات حينئذ هو جعل الماهية بالذات، وهو جعل وجودها وخارجيتها
بالعرض لا أن المراد جعل الماهية خارجية وموجودة لما عرفت من أن المراد
بالذات هو المجعول بالذات، والصادر بالذات، وأما المجعول بالعرض فهو مراد
بالعرض من غير فرق بين الإرادة التكوينية والتشريعية كما لا فرق بين جاعل و
جاعل بل الظاهر من قوله قده جعلها من الخارجيات تعلق الجعل التأليفي
بخارجيتها والجعل التأليفي بين الماهية وتحصلها محال.
" النسخ "
قوله: ولا مجال لاستصحاب الجواز الخ: التحقيق أن حقيقة الحكم
الايجابي (1) إن كانت مركبة من جواز الفعل والمنع من الترك أمكن الاستصحاب

1 - بيانه أن حقيقة الحكم الايجابي بناء على التركب أما أن يكون مركبا اعتباريا فلا محالة يكون
عبارة عن الانشاء بداعي البعث نحو الفعل والزجر عن الترك فيكون المجموع وجوبا حقيقة ومن
الواضح أن المقطوع ارتفاعه هو المنع عن الترك وأما شخص الانشاء بداعي البعث فهو مشكوك البقاء
من دون محذور فيستجب وإن كان مركبا حقيقيا من جنس وفصل فالامر كما في المتن من أن زوال
الفصل وكفاية عدم المنع من الترك في صيرورة الجنس متفصلا بفصل الإباحة الخاصة فيستصحب
الجنس بذاته لا بما هو جنس إلا أن الترك الحقيقي في مثل الايجاب غير معقول لأن التركب الحقيقي
من جنس وفصل خارجيين لا يتصور إلا في الأنواع الجوهرية دون الاعراض التي هي بسائط
خارجية ف؟؟؟ * (1) عن الاعتبارات فالصحيح من قسمي التركب هو الأول وحاله ما عرفت هذا بناء
على التركب وأما بناء على البساطة فاستصحاب الشخص فما لا معنى له إذ البسيط أيا ما كان لا يتجرى
حتى يزول منه جزء ويبقى جزء أخر وأما استصحاب الكلى بنحو القسم الثالث من استصحاب الكلى
بدعوى احتمال الإباحة مقارنا لزوال الوجوب لا معه لاستحالة ورود حكمين متضادين على موضع
واحد فلابد من فرض مقارنة حدوث الإباحة لزوال الوجوب.
فتوضيح الحال في رفعها أن الوجوب إن كان عبارة عن الانشاء وبداعي البعث الأكيد المنبعث عن
إرادة حتمية أو عن صلحة لزومية فلا جامع بينه وبين الانشاء بداعي الترخيص وإطلاق العنان لفرض
البساطة حتى عقلا لا خارجا فقط وأما بملاحظة لازم الوجوب من الاذن في الفعل أو عدم المنع من
الترك فيستصحب اللازم المذكور المشترك فيه وبين الإباحة الخاصة المحتمل حدوثها هنا لا شخص
اللازم المذكور لاستحالة بقائه ومع زوال ملزومه ففيه أما الاذن في الفعل فإن أريد الإذن المطلق فلا
معنى له لاستحالة تحققه ولو تقديرا من دون تعينه بما يتعين به الإباحة الخاصة وإن أريد الاذن الخاص
فهو غير معقول لأن الفعل يستحيل أن يكون محكوما بالوجوب وبالإباحة ولو بنحو اللزوم فان المحال
ثبوتهما من دون فرق بين أنحاء الدلالة مطابقة والتزاما وأما عدم المنع من الترك فهو من باب ملازمة
الضد لعدم الضد ولا منع من استصحاب عدم ما عدا الوجوب من الحرمة والكراهة والاستحباب
والإباحة الخاصة وإنما الكلام في الإباحة الخاصة وإن كان الوجوب عبارة عن الإرادة الحتمية فليس
جنسها العقلي إلا الكيف النفساني ولا معنى لاستصحابه والإذن الاعتباري أجنبي عن جنس الصفة
النفسانية وليس لازما لها أيضا نعم مبادئ الإرادة من الحب والميل متحققة عند تحققها ولا كلام في
استصحابها كما أن عدم المنافرة لازم ضدها وهي الموافقة لا طبع وقد عرفت حال لازم الضد المحقق
من عدم إضداده مع أنه لم يترتب عليها أثر شرعي وليس بنفسها أثرا شرعيا فتدبر جيدا.
* (1) كلمة لا يمكن قرائتها.
487

شخصا، لأن الجنس إنما يزول بزوال الفصل بما هو جنس، لا بما هو متفصل
بفصل عدمي لنوع آخر، نظير قطع الشجر فإنه يوجب زوال النامي مع بقاء الجسم
فان الجسم بنفسه نوع متحصل مع عدم قوة النمو، وإن كان باعتبار استعداده
لتلقي القوة النامية مادة وجنسا للنامي فزال القوة النامية يوجب زوال الجسم
488

بالمعنى الذي يكون جنسا لا زوال الجسم بما هو نوع متحصل وهو الجماد،
فكذا الاذن فإنه وإن كان يزول بما هو جنس متفصل بالمنع من الترك لكن لا بذاته
المتفصل بفصل عدم الاقتضاء الطلبي الذي هو نوع خاص وهي الإباحة الخاصة
إذ ليست إلا الاذن الساذج الذي ليس فيه اقتضاء طلبي، ونفس زوال ما هو مقوم
الوجوب بما هو وجوب يكون فصلا للإباحة الخاصة وإن كانت حقيقة الوجوب
بسيطة فزوالها لا يوجب مجالا لبقاء الاذن الشخصي، وإن كانت من الاعراض لم
يكن من الاعتبارات فان الاعراض وإن كان لها جنس وفصل إلا أنهما عقليان لا
أن هناك أمرا خارجيا يتوارد عليه الصور كالجسم بالإضافة إلى ما يرد عليه من
الصور النوعية ليجري فيها ما جرى بناء على التركب.
نعم بينهما فرق من حيث جريان استصحاب الكلي حيث أن طبيعي الاذن
معلوم، وارتفاعه مشكوك لاحتمال وجوده في ضمن الإباحة الخاصة مقارنا
لزوال الوجوب بناء على جريانه في مثل هذا، بخلاف ما إذا كان من الاعتبارات
فإنه بسيط جدا لا إذن فيه ابدا لا في نفس الوجوب ولا في لازمه.
أما الأول فلفرض بساطته حتى عقلا.
وأما الثاني فلأن الاذن المطلق لا معنى له، والإباحة الخاصة لا تكون لازم
الوجوب إذ ليس كل موضوع محكوما بحكمين كما هو واضح بل التحقيق عدم
جريان الاستصحاب على الأول أيضا حتى على القول باستصحاب الكلي في
القسم الثالث لأن الوجوب إذا كان من الأعراض لا حقيقة له إلا الإرادة الحتمية و
من الواضح أن جنسها الكيف النفساني لا الاذن ونحوه، وأما عدم المنافرة للطبع
فهو وإن كان لازما لوجوب الفعل واستحبابه واباحته لكنه لا دخل له بالأحكام و
المقصود استحباب الحكم ولو بنحو الكلي فتدبر جيدا.
489

" تضاد الأحكام الخمسة غير الوجوب والاستحباب "
قوله: غير الوجوب والاستحباب الخ: لا يخفى عليك أن الوجوب و
الاستحباب ربما يراد منهما الانشاء بداعي البعث المنبعث عن مصلحة ملزمة أو
غير ملزمة فلا شبهة في أنما متبائنان عقلا وعرفا فإنهما نحوان من البعث
الانتزاعي من منشأ مخصوص، وإن التفاوت بالشدة والضعف غير جار في
الأمور الاعتبارية، وربما يراد منهما الإرادة الحتمية والندبية فعلى المشهور هما
مرتبتان من الإرادة وهي نوع واحد لا تفاوت بين الشديدة والضعيفة منها في
النوعية بل في الوجود على التحقيق، وكما أن البياض الشديد إذا زالت شدته و
بقي بمرتبة ضعيفة منه لا يعد وجودا آخر لا عقلا ولا عرفا بل وجود واحد زالت
صفته فكذا الإرادة الشديدة والضعيفة والتفاوت في لحاظ العقل والعرف انما
نشأ من الخلط بين الأمر الانتزاعي الكيف النفساني، هذا إلا أن القابل
للاستصحاب هو الحكم بالمعنى الأول فإنه المجعول القابل لجعل مماثله وأما
الإرادة والكراهة فهما صفتان نفسيتان لا أمران جعليان.
نعم لو رتب على الإرادة اثر شرعي صح التعبد بها بلحاظ أثرها لكن ليس
البعث المنبعث منها أثرا مترتبا عليها شرعا بل ترتبه عليها من باب ترتب المعلول
على علته عقلا، وإن كان ذات المترتب شرعيا فليس البعث بالإضافة إلى الإرادة
كالحكم بالإضافة إلى موضوعه وعنوان العلية وعنوان المعلولية وإن كانا
متضائفين ويصح عند التعبد بأحدهما ترتيب الأثر على الاخر إلا أن ذات الإرادة
والبعث ليسا متضائفين حتى يكون التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر.
نعم لو كان دليل الاستصحاب لتنجيز الواقع لا لجعل الحكم المماثل صح
استصحاب الإرادة لأن اليقين بها كما يكون منجزا لها حدوثا يكون بحكم
الاستصحاب منجزا لها بقاء وتنجيز الإرادة حدوثا وبقاء، وترتب استحقاق
العقوبة على مخالفتها على تقديره مصادفتها أمر معقول.
490

" استدلال في رد الآخوند ره في الواجب التخييري "
قوله: لوضوح أن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين الخ: لا يخفى
عليك أن قاعدة عدم صدور الكثير عن الواحد وعدم صدور الواحد من الكثير
مختصة بالواحد الشخصي لا الواحد النوعي كما تقتضيه برهانها في الطرفين، فان
تعين كل معلول في مرتبة ذات علته لئلا يلزم التخصيص بلا مخصص، وكون
الخصوصية الموجبة لتعينه ذاتية للعلة، إذ الكلام في العلة بالذات ولزوم الخلف
من تعين معلولين في مرتبة ذات علة واحدة من جميع الجهات للزوم
خصوصيتين فيها لا ربط له بعدم صدور الكثير عن الواحد النوعي كما أن كل
ممكن ليس له إلا وجود واحد ووجوب واحد، فهو لا يقتضي أن لا يكون له
وجوبان في مرتبة (1) ذات علتين مورده صدور الواحد الشخصي عن علتين
شخصيتين وكذا استقلال كل من العلتين في التأثير مع دخل كل من
الخصوصيتين موجبا لكون الجامع علة لا ربط له أيضا باستناد الواحد النوعي إلى
المتعدد بل مفاد كلا البرهانين عدم صدور الواحد الشخصي عن الكثير وعدم
صدور الكثير بالشخص عن الواحد الحقيقي، ولذا قيل باستناد الواحد النوعي
إلى المتعدد كالحرارة المستندة إلى الحركة تارة، وإلى النار أخرى، وإلى شعاع
الشمس ثالثة، وإلى الغضب أيضا وكالأجناس فإنها لوازم الفصول والفصل كالعلة
المفيدة لطبيعة الجنس فيستند الواحد الجنسي إلى فصول متعددة مع تبائن
الفصول بتمام دوالها بل قال بعض الأكابر (2) لو لزم استناد الجهة المشركة إلى
جهة مشتركة أخرى لزم التسلسل ولا يكفي انتهائها إلى جهة مشتركة ذاتية لأن

1 - إذا لوجوب السابق والضرورة السابقة بتعينه في مرتبة ذات العلة وتعدد المتعين في مرتبة ذات
العتين معناه تعدد الواحد الشخصي وكذا الامكان الماهوي فان سلب ضرورة الوجود بديل ضرورة
الوجود ومع وحدة الوجوب والوجود يستحيل تعدد بديلها فافهم واستقم.
2 - الصدر المتألهين في أسفار ج 2 ص 212.
491

الجهة المشتركة لا تخرج عن حيثية الاشتراك والوحدة النوعية بمجرد كونها
ذاتية، ولا محالة تكون مجعولة بجعل مصاديقها المتعددة بالعرض فقد انتهى
الأمر أيضا إلى استناد الواحد النوعي في الصدور إلى المتعدد بالشخص (1) و
تمام الكلام في محله والفرض أن القاعدة المزبورة مختصة بالواحد الشخصي و
الكلام في الواحد النوعي.
وأما مسألة المناسبة والسنخية بين العلة والمعلول فلا يقتضي الانتهاء إلى
جامع ماهوي ضرورة أن المؤثر هو الوجود ومناسبة الأثر لمؤثره لا تقتضي (2) أن
يكون هذا المقتضي والمقتضي الأخر مندرجين بحسب الماهية تحت ماهية
أخرى، إلا ترى أن وجودات الأعراض مع تبائن ماهياتها لكونها أجناسا عالية أو
منتهية إليها مشتركة في لازم واحد وهو الحلول في الموضوعات وكذا الحلاوة
مثلا لازم واحد سنخا للعسل والسكر وغيرهما من دون لزوم اندراج الحلاوة و
موضوعها تحت جامع ماهوي، ولا اندراج موضوعاتها تحت جامع ماهوي بل
اقتضاء كل من الموضوعات لها بذاتها.
نعم لا يتأثر الذائقة بالحلاوة من كل شئ بل مما هو حلو بالذات ومما ينتهي
إلى ما بالذات إلا أن هذه السنخية والمناسبة قد عرفت أن منشأها لزوم الحلاوة
لأشياء خاصة بحيث لا يكون استلزامها لها عن جهة أخرى غير ذاتها حتى يجب
الانتهاء إلى جامع يكون ذلك الجامع هو السبب بالذات، فليكن الفرض اللازم

1 - لأن فيض الوجود كما يمر من الفصل إلى الجنس كذلك يمر من الشخص إلى الماهية النوعية.
2 - والسر في ذلك أن الآثار القائمة بمؤثراتها ليست إلا أعراضا قائمة بموضوعاتها كالحرارة بالنار
وكالحلاوة للعسل وليس العرض في مرتبة ذات موضوعه ومترشحة من مقام ذاته حتى يقال أن الحلاوة
مثلا إذا كانت في مرتبة ذات العسل فحيثية ذات العسل حقيقة الحلاوة حقيقة الحلاوة وحيثية ذات السكر حيثية
الحلاوة فلابد من جامع ذاتي بين العسل والسكر وإذا لم يكن الحلاوة في مرتبة ذات الحلو بل قائمة بها
فلا موجب لاندراج الحلاوة والعسل تحت جامع ذاتي فضلا عن العسل والسكر المتناسبين بالعرض
فتدبره فإنه حقيق به.
492

لوجود الصوم والعتق والاطعام كك وإن كان تأثر النفس مثلا أو محل أخر بذلك
الأثر القائم بها قيام العرض بموضوعه مثلا بلحاظ قيام الأثر الخاص بمؤثرات
مخصوصة إلا أن هذا المعنى لا يستدعي انتهاء الأثر القائم بالصوم والعتق و
الاطعام إلى جامع بين الافعال الثلاثة، وإن كان تأثر المحل بذلك الأثر من تلك الأفعال
بالسنخية والمناسبة بين الأثر القائم بالمحل والغرض القائم بتلك
الأفعال فتدبر جيدا.
قوله: وإن كان بملاك أنه يكون في كل واحد الخ: عدم حصول الغرض
من أحدهما مع حصوله من الآخر إن كان لمجرد أن استيفاء أحدهما لا يبقى
مجالا لاستيفاء الآخر، مع كون كل من الغرضين لازم الحصول في نفسه فلا محالة
يجب الأمر بهما دفعة تحصيلا للغرضين ولو فرض عدم حصولهما إلا تدريجا
لعدم إمكان اجتماعهما في زمان واحد كانا كالمتزاحمين فان التزاحم قد يكون
في الأمر قد يكون في ملاكه، وكما أن التخيير في المتزاحمين من حيث الأمر
تخيير عقلي لا مولوي كذا التخيير هنا وإن كان تضاد الغرضين على الاطلاق لا
من حيث أن اجتماع المحصلين، في زمان واحد غير ممكن، وسبق كل منهما لا
يوجب مجالا لاستيفاء الآخر بل من حيث أن ترتب الغرض على أحدهما مقيد
في نفسه بعدم ترتب الغرض على الآخر، ولازمه عدم حصول شئ من
الغرضين عند الجمع بين المحصلين، فهذا مع عدم انطباقه على الواجبات
التخييرية الشرعية خارج عن محل الكلام لأن التخيير حينئذ عقلي أيضا لا مولوي شرعي كما أن فرض استقلال كل من الفعلين في أثر خاص بحيث لا
يجتمعان معا من حيث ذاك الأثر لتضاد الأثرين، وترتب أحد الأثرين بخصوصه
عند الاجتماع لينطبق على الواجبات التخييرية التي لا بأس بالجمع بينها، خروج
أيضا عن محل الكلام لما عرفت مضافا إلى أن لازمه التخيير بين كل منهما على
انفراده وبين كليهما معا.
493

نعم يمكن أن يفرض غرضان (1) لكل منهما اقتضاء إيجاب محصله إلا أن
مصلحة الارفاق والتسهيل يقتضي الترخيص في ترك أحدهما فيوجب كليهما
لما في كل منهما من الغرض الملزم في نفسه ويرخص في ترك كل منهما إلى بدل
فيكون الايجاب التخييري شرعيا محضا من دون لزوم الارجاع إلى الجامع فتدبر
جيدا.
قوله: فلا وجه للقول بكون الواجب الخ: ربما يقال: بامكان تعلق
الصفات الحقيقية كالعلم فضلا عن الاعتبارية كالوجوب والحرمة بأحدهما
المصداقي وإنما لا يصح البعث إليه في المقام لأن الغرض منه انقداح الداعي
في نفس المكلف إلى أحدهما المصداقي، وهو لا يعقل إلا عند إرادة الجامع
لتحققه في ضمن أي منهما كما كان عن شيخنا وأستادنا العلامة رفع الله مقامه في
حاشية الكتاب والتحقيق كما أشرنا إليه سابقا (2) أن المردد بما هو مردد لا وجود

1 - توضيحه أن القائم بالصوم والعتق والاطعام اغراض متباينة لا اغراض متقابلة وحيث أن كلها
لزومية فلذا أوجب الجميع وحيث مصلحة الارفاق والتسهيل يقتضى تجويز ترك كل منها إلى بدل فلذا
جاز كك فإذا ترك الكل كان معاقبا على ما لا يجوز تركه إلا وليس هو إلا الواحد منها لا كلها كما أنه إذا
فعل الكل رفعة واحدة كان ممتثلا للجميع والشاهد على ما ذكرنا أنه ربما لا يكون تمام الارفاق كما في
كفارة الطهار والقتل الخطائي فإنه أمر أولا بالعتق ومع عدم التمكن يجب الصوم وربما لا إرفاق أصلا كما
في كفارة الافطار بالحرام فإنه يجب الجمع بين الخصال فيعلم منه أن الاغراض غير متقابلة ويمكن فرض
نظيره فيما إذا كان الغرض المرتب على الخصال واحدا نوعيا بتقريب أن الغرض وإن كان واحد سنخا إلا
أن اللزومي منه وجود واحد منه فحيث أن نسبة الكل إلى ذلك الواحد اللزومي على السوية فيجب
الجميع لأن إيجاب أحدها المردد محال وإيجاب أحدها المعين تخصيص لا مخصص وحيث أن وجودا
واحدا منه لازم فيجوز ترك كل منها لي بدل وكما أن الايجاب التخييري على الفرض الأول شرعي
لانبعاثه وجوبا وجوازا عن المصلحة في نظر الشارع كك الايجاب التخييري في هذا الفرض لأن أصل
الايجاب عن مصلحة وتجويز الترك عن وحدانية اللازم منها في نظر المشهور فتدبر جيدا.
2 - ما ذكرنا في صدر الكلام وذيله يرجع إلى برهانين على الاستحالة أحدهما أن المردد في
ذاته محال حيث لا ثبوت له ذاتا ووجودا فلا يتعلق به صفة كانت حقيقيا واعتبارية لتقوم الصفة
التعليقية بطرفها وحيث يستحيل الطرف فلا يعقل تحقق إلى الصفة المتقومة به وثانيهما أن تعلق الصفة
بالمردد يلزمه أمر محال وهو تردد المعين أو تعين المردد وكلاهما خلف ومما ذكرنا تبين أن منشأ
الاستحالة ليس توهم إن العرض يحتاج إلى موضوع والموجود في الخارج معين لا مردد حتى يقال بأن
المحال تعلق العرض المتأصل بالمردد دون الاعتباري كالملكية كما عن شيخنا العلامة الأنصاري - قده -
في بيع أحد صيعان الصبرة مرددا أو يقال بأن العلم من أجل الصفات الحقيقية وهو في الاجمالي متعلق
بالمردد كما عن شيخنا العلامة - قده - في هامش الكتاب أو يقال كما عن بعض أجلة العصر بالفرق
بالإرادة التكوينية المؤثرة في وجود الفعل المسارق لتعينه والإرادة التشريعية التي لا تؤثر في وجود الفعل
لما مر من أن نفس تعلق الصفة مطلقا محال من وجهين أجنبيين عن كل ما تخيلوه من وجه الاستحالة
فتدبر جيدا.
494

له خارجا، وذلك لأن كل موجود له ماهية ممتازة عن سائر الماهيات بامتياز
ماهوي، وله وجود ممتاز بنفس هوية الوجود عن سائر الهويات فلا محال للتردد
في الموجود بما هو موجود، وإنما يوصف بالتردد بلحاظ علم الشخص وجهله
فهو وصف له بحال ما يضاف إليه لا بحال نفسه، وأما حديث تعلق العلم
الاجمالي بأحد الشيئين فقد أشرنا سابقا إلى أن العلم يتشخص بمتعلقه ولا
يعقل التشخص بالمردد مصداقا بما هو كذلك إذ الوحدة والتشخص رفيق
الوجود يدوران معه حيثما دار فمتعلق العلم مفصل دائما غاية الأمر أن متعلق
متعلقه محمول أي غير معلوم، وضم الجهل إلى العلم صار سببا لهذا الاسم وإلا
لم يلزم قيام صفة حقيقة بالمردد بداهة أن المعين لا يتحد مع المبهم والمردد و
إلا لزم أما تعين المردد أو تردد المعين وهو خلف وبالتأمل يظهر الجواب عن كل
ما يورد نقضا في المقام كما بيناه في غير مقام.
ومما ذكرنا يتضح أن عدم تعلق البعث بالمردد ليس لخصوصية في البعث
بلحاظ أنه لجعل الداعي، ولا ينقدح الداعي إلى المردد، بل لأن البعث لا يتعلق
بالمردد حيث أن تشخص هذا الأمر الانتزاعي أيضا بمتعلقه وإلا فالبعث بما هو
495

لا يوجد فلا يتعلق إلا بالمعين والمشخص، ولو كان بمفهوم المردد، فان المردد
بالحمل الأولي معين بالحمل الشايع، والكلام في المردد بالحمل الشايع، و
هكذا الإرادة التكوينية والتشريعية لا تشخص لهما إلا بتشخص متعلقهما إذ
الشوق المطلق لا يوجد فافهم واغتنم.
قوله: ربما يقال إنه محال الخ: أما في التدريجي فللزوم تحصيل الحاصل
وأما في الدفعي فلان الزائد على الواجب يجوز تركه لا إلى بدل ولا شئ من
الواجب كذلك.
قوله: لكنه ليس كك فإذا فرض الخ: لا يخفى عليك أن حل الاشكال تارة
يكون بلحاظ فردية الأكثر كالأقل للطبيعة وأخرى يكون بلحاظ ترتب الغرض
على الأقل بشرط لا، وعلى الأكثر فان كان بلحاظ فردية الأكثر كالأقل للطبيعة،
كما يومى إليه التنظير برسم الخط فلا محالة يبتنى على التشكيك في الماهية أو
في وجودها والأكثر حينئذ فرد للطبيعة كالأقل، ولا يرد عليه أن الشئ ما لم
يتشخص لم يوجد، ووجود الطبيعة مما لا شك فيه فكيف يقال لم يتحقق الفرد و
ذلك لأنه لا كلام في وجود الطبيعة متشخصا لكنه ما لم يتخلل العدم بين نحو
وجودها يكون الشخص الموجود باقيا على تشخصه لا أنه تتبدل تشخصاته فان
التشخص غير الامتياز وما هو المتبدل عند الحركة والاشتداد امتياز الماهية
الموجودة فإنه ينتزع من كل مرتبة معنى لا ينتزع ذلك عن مرتبة أخرى والفرق
بين الامتياز والتشخص ثابت في محله، والضرورة من الوجدان قاضية أيضا بان
الشئ المتحرك في مراتب المتحولات والاستكمالات موجود واحد لا
موجودات إلا إذا لوحظ الموجود بالعرض وهي الماهية.
نعم هذا المعنى بمجرده لا يفيد ما لم يقيد الأقل بعدم انضمامه إلى ما يتقوم
به الأكثر وذلك لأن الغرض أن كان مترتبا على وجود الأقل ولو متصلا بوجود ما
يتقوم به الأكثر فهو حاصل في ضمن الأكثر لأن الاشتداد يقتضي حصول فرد
للطبيعة في كل آن أو في حال الموافاة لكل حد من الحدود وإن اتصل الموجود
496

فلا منافاة بين حصول فرد الطبيعة بما هو فرد للطبيعة وجود الطبيعة مستمرا، و
هو في كل آن فرد للطبيعة بنحو الضعف أو التوسط أو الشدة من دون تخلل
العدم، ولا تتبدل التشخصات كما يتوهم، مضافا إلى أنه لا ينطبق على موارد
التخيير بين الأقل والأكثر شرعا لأن التشكيك في الماهية أو في وجودها غير جار
في كل المقولات بل في بعضها فضلا عن الاعتباريات بل اختلاف قول الطبيعة
في الأمور الانتزاعية تابع لمنشأ انتزاعها فان كان يصح في منشائه صح فيها، وإلا
فلا، ومن الواضح أن التخيير بين تسبيحة واحدة والثلاث ليس كذلك إذ بلحاظ
طبيعة التسبيحة اللفظية من حيث أن اللفظ غير قار فله نحو من الاتصال في
وجوده التدريجي ما لم يتخلل العدم بين نحو وجودها لا تكون الثلاث فردا
واحدا إلا إذا اتصلت الثلاث بحيث لا يتخلل بينها سكون، مع أنه لا يعتبر فيها
ذلك شرعا فهناك وجودات من طبيعة التسبيحة فلا تشكيك مع تعدد الوجود، و
أما بلحاظ انطباق عنوان على الواحدة والثلاث فقد عرفت ما فيه، إذ لا تشكيك
ولا اشتداد في الأمور الانتزاعية والعناوين الاعتبارية بما هي وقد عرفت حال
منشأها ومنه تعرف حال غيره من موارد التخيير.
وأما توهم عدم اجداء التشكيك للزوم استناد الغرض إلى الجامع بين الأقل و
الأكثر لا إليهما بما هما أقل وأكثر لتبائنهما إما من حيث مرتبة الماهية، أو من
حيث مرتبة الوجود خصوصا على مسلكه قده.
فمدفوع: بأن الحق جريان التشكيك في وجودات تلك المقولات لا في
ماهياتها فلا محذور لا من حيث أن الوجود بسيط يكون الاقتران فيه عين ما به
الاشتراك فلا يلزم من استناد الفرض الواحد سنخا إلى مرتبتين من وجود مقولة
واحدة استناده إلى المتبائنين بل لأنه لا ينافي التخيير العقلي لاندراج المرتبتين
تحت طبيعة واحدة وهو ملاك التخيير العقلي وإلا فالاختلاف في المراتب ملاك
497

من حيث اندراجها تحت الجامع بخلاف ما إذا كان التشكيك في الماهية فان
مبناه على أن ماهية واحدة تارة ضعيفة، وأخرى شديدة من دون جامع بينهما
فالأقل بحده، وإن كان فرد الجامع كالأكثر إلا أنه فرد الجامع الضعيف والأكثر فرد
الجامع الشديد من دون جامع آخر يجمعها فالتخيير شرعي حينئذ فتدبر هذا كله
إن كان الجواب بلحاظ فردية الأكثر للطبيعة على حد فردية الأقل لها.
وإن كان بلحاظ كون الغرض الواحد والمتعدد مترتبا على الأقل بشرط لا و
على الأكثر كما هو ظاهر كلامه قده في ختامه، فهو إنما يتم بناء على تعدد
الغرض، وأما بناء على وحدته سنخا فلابد من الانتهاء إلى جامع مشكك على
مبناه قده ولا يمكن أن يكون الجامع نفس طبيعة التسبيحة مثلا فإنها موجودة في
الأكثر بوجودات متعددة فتكون هناك أغراض متعددة مع أن اللازم تحصيله
غرض واحد وجودا، لا وجودات منه فلا محالة يجب الانتهاء إلى جامع يكون
الأكثر وجودا واحدا له وقد عرفت أن العناوين الانتزاعية لا تشكيك فيها إلا من
حيث جريانه في منشاءها، وقد عرفت حال منشأها، وأنه موجود بوجودات
متعددة لا بوجود واحد متأكد.
ومما ذكرنا تبين أن حمل كلامه - قده - على أخذ الأقل بشرط لا وجعله فردا
للجامع التشكيكي غير مفيد لأن البشرط لائية غير دخيل في فرديته الجامع و
دخله في الغرض معقول إلا أن فرديته للجامع التشكيكي غير لازم إلا مع فرض
وحدة الغرض لا مطلقا.
" الواجب الكفائي "
قوله: كما هو قضية توارد العلل المتعددة الخ: هذا إنما يتم بالنسبة (1)

1 - لا باس بتوضيح الكلام في الوجوب الكفائي فنقول لا ريب في أن حقيقة البعث كما هي
يتقومة بالمبعوث إليه وهي الفعل المتعلق به البعث كك متقومة بالمبعوث وهو المكلف الذي هو
موضوع التكليف إذا كما أن البعث المطلق لا يوجد كك البعث نحو الفعل من دون بعث أحد نحوه
لا يوجد بداهة أن الحركة لابد فيها من محرك ومتحرك وما فيه الحركة وما إلى الحركة وهكذا الأمر في
الإرادة التشريعية فان الشوق المطلق لا يوجد فلابد من تعلقه بشئ فان كان ذلك الفعل نفسه فلا محالة
يحرك عضلاته نحوه وإن كان فعل الغير فلا محالة يكون المشتاق منه هو ذلك الغير وعليه فيستحيل
دعوى أن الواجب في مثل الواجب الكفائي هو الفعل من دون نظر إلى فاعله وحيث أنه مطلوب للشارع
يجب عقلا على المكلفين تحصيل مراده وحيث تبين أنه لابد من موضوع للتكليف فلا محالة هو أما
الواحد المردد فقد عرفت سابقا استحالته من حيث نفسه حيث لا ثبوت له ماهية وهوية ذاتا وحقيقة
ومن حيث لازمه حيث أن المردد لا يتحد مع المعين وإلا لزم وكلاهما خلف.
وأما صرف الوجود فتوضيح المحال أن صرف الوجود بمعناه المصطلح عليه في المعقول لا مطابق
له إلا الواجب تعالى وفعله الاطلاقي حيث أنه لا حد عدمي لهما وإن كان الثاني محدودا بحد الإمكان
وبمعناه المصطلح عليه في الأصول فلان يراد منه ناقض العدم المطلق وناقض العدم الكلى كما في لسان
بعض أجلة العصر وأما أن يراد المبهم المهمل من حيث الخصوصيات وأما أن يراد منه اللا بشرط
القسمي المساوق لكونه متعينا بالتعين الاطلاقي اللازم منه انطباقه على كل فرد فان أريد منه ناقض
العدم المطلق والمعدم الكلى ففيه إن كل وجود ناقض عدمه البديل له وليس شئ من موجودات العالم
ناقض كل عدم يفرض في طبيعته المضاف إليها الوجود وإرجاعه إلى أول الوجودات باعتبار أن عدمه
بلازم بقاء سائر الاعدام على حاله فوجوده ناقض للعدم الأزلي المطلق لا كل عدم فهو لا يستحق اطلاق
الصرف عليه فإنه وجود خاص من الطبيعة بخصوصية الأولية مع أنه غير لائق بالمقام فإنه من المعقول
إرادة أول وجود من الفعل ولا يصح ارادته من أول وجود من عنوان المكلف فان مقتضاته انطباقه على
أسس المكلفين كما لا يصح ارجاعه إلى أول وجود من قام بالفعل فان موضوع التكليف لابد من أن يكون
مفروض الثبوت ولا يطلب تحصيله فمقتضاه فرض حصول الفعل لا طلب تحصيله وإن أريد المبهم
المهمل فلا إهمال في الواقعيات وقد مر وجهه مرارا وإن أريد اللا بشرط القسمي وهي الماهية
الملحوظة بحيث لا يكون بخصوصية ولا مقترنة بعدمها ومع لحاظ المكلف بهذا الاعتبار الاطلاق
فيستحيل شخصية الحكم والبعث إذ لا يعقل شخصية الحكم ونوعية الموضوع وسعته فلا بد من
انحلال الحكم حسب انطباقات الموضوع المطلق على مطابقاته ومصاديقه فيتوجه السؤال حينئذ
عن كيفية هذا الوجوب الوسيع على الجميع مع سقوطه بفعل البعض وسيأتي إنشاء الله تعالى
توضيح الجواب عنه وأما المجموع من حيث المجموع فنقول تعلق الأمر الواحد الشخصي بمجموع
أفعال بحيث يترتب الغرض على مجموعها وعدم ترتبه رأسا بفقد بعضها أمر معقول وأما تعلق الحكم
بمجموع أشخاص مع أنه لجعل الداعي فهو غير معقول إذ ليس مجموع الاشخاص شخصا ينقدح
الداعي في نفسه بل لابد من انقداح الداعي في نفس كل واحد وهو مع شخصية البعث محال فلابد من
تعدده فيوال الامر إلى تعلق أفراد من طبيعي البعث بأفراد من عنوان المكلف وأما أمر مجموع أشخاص
يرفع الحجر الواحد الذي لا يرفعه إلا مجموع العشرة مثلا فمرجعه إلى أمر كل واحد باعمال قدرته فيما
له المدخلية في رفع الحجر بشرط الانضمام حيث أن أثر قدرة كل واحد لا يتبين إلا بالانضمام مع أن
الواجب الكفائي يحصل بفعل البعض ويسقط عن الباقين فلا معنى لأمر المجموع الذي لازمه عدم
حصول الامتثال بترك البعض فينحصر الأمر في الشق الأخير وهو تعلق الحكم بالجميع ولو بنحو سراية
الحكم من الطبيعي إلى أفراده ولا إشكال بعد تعدده في مقدم الامتثال والعصيان وثواب الجميع
وعقابهم انما الاشكال في سقوط الأمر بفعل البعض ويندفع بأنه لما كان الغرض واحدا في ذاته كدفن
الميت أو وجودا واحدا منه لزوميا كالصلاة عليه القابلة للتعدد رفعيا وكان نسبة ذلك الغرض للزومي
بالإضافة إلى أفعالهم على السوية فيكون كل منهم مؤديا للواجب وممتثلا وإذا تركه الكل كان كل منهم
تاركا للواجب بنحو ترك غير مقارن لفعل الاخر فيعاقب عليه نعم فيما إذا أشرك الكل في دفن الميت مثلا
يرد الإشكال على تحقق الامتثال من الكل إذ لم يحصل من كل منهم دفن الميت ولا أمر إلا بدفن الميت
فما معنى امتثال كل منهم للامر بدفن الميت وليس المجموع هنا متعلق الأمر ولا واحد بالاجتماع
حقيقة ليكون هو الممتثل للأمر بالذهن ولا يقاس ما نحن فيه بصورة الأمر برفع الحجر القائم بالمجموع
ليؤول إلى الأمر بما لكل أحد منهم من المدخلية في رفعه إذا المفروض تعلق الأمر بالدفن بكل منهم وهذا
الاشكال لا ينافي سقوط الأمر بحصول الغرض منه كما لا ينافي استحقاق المدح عقلا لمكان الانقياد
للمولى بتحصيل غرضه الوجداني بنحو الاجتماع كما لا ينافي استحقاق كل منهم للعقاب لفرض ترك
الواجب من كل منهم.
498

إلى الفعل الواحد الشخصي القائم بجماعة كما " إذا اشتركوا في تغسيل الميت و
تكفينه ودفنه " لا فيما إذا صلوا عليه دفعة، فان هناك وجودات من الفعل ومن
الغرض المترتب عليه، إلا أن اللازم تحصيله وجود واحد من الغرض، وحيث أنه
500

لا مخصص لاحد وجودات الفعل والغرض فلا يستقر الامتثال على وجود
خاص منها، ومعنى استقراره على الجميع سقوط الأمر والغرض الباعث عليه
قهرا بفعل الجميع، ولا علية لوجود الفعل والغرض بالإضافة إلى سقوط الأمر و
الداعي حتى ينتهي الأمر أيضا إلى توارد العلل المتعددة على معلول واحد، بل
بقاء الأمر ببقاء الداعي الباقي ببقاء عدم وجود الغاية الداعية في الخارج على
حاله فإذا انقلب العدم إلى الوجود سقط الداعي أعني تصور الغاية عن الدعوة
لتمامية اقتضائه، لا لعلية وجودها خارجا لعدم وجودها بصفة الدعوة، بداهة أن
ما كان علة لوجود شئ لا يكون ذلك الوجود علة لعدمه، وإلا كان الشئ علة
لعدم نفسه، وبتقريب آخر عدم الأمر ولو كان طاريا لا أزليا لا يحتاج إلى مقتض
بترشح العدم من مقام ذاته لأنه هو بنفسه محال، وإذا لم يكن له فاعل ولا قابل
لأن اللا شئ لا يحتاج إلى مادة قابلة له فلا يحتاج إلى شرط لأنه مصحح الفاعلية
أو متمم القابلية فوجود الفعل ليس مقتضيا لعدم الأمر، ولا شرطا له بل الأمر علة
بوجوده العلمي لانقداح الداعي.
إلى إرادة الفعل فيسقط عن التأثير بعد تأثيره أثره، ولا يخفى أن الأمر وإن كان
شرطا لتحقق الإطاعة والعصيان بعنوانهما ولا بأس بأن يكون المشروط موجبا
لانعدام شرطه إلا أن الكلام في علية ذات الفعل لسقوط الأمر الذي هو علة
بوجوده العلمي لذات الفعل بالواسطة فتدبر جيدا.
" الواجب الموسع "
قوله: إن الموسع كلي الخ: بتقريب أن المأمور به طبيعي الفعل (1) الواقع

1 - ولعل الغفلة عن إمكان ملاحظة الفعل الموقت بنحو الكون المتوسط والحركة التوسطية
أوجب توهم امتناع الواجب الموسع فان ملاحظة الفعل بنحو الحركة القطعية توجب التخيير الشرعي
بين الواجبات المضيقة ومن الواضح أن ما يحكى في امتناع الواجب الموسع من أن الصلاة لو لم
يكن واجبة بنحو التخيير الشرعي الراجع إلى واجبات مضيقة وكانت واجبة مع ذلك في أول
الوقت يجوز تركها فيه من دون بدل لفرض عدم التخيير شرعا وهو مناف لوجوبها لا يصح إلا بعدم
تصور الكون المتوسط وإلا فمع ملاحظة الصلاة هكذا فالصلاة غير واجبة شرعا في أول الوقت بهذه
الخصوصية حتى يقال لا بدل لها بل الصلاة بين الحدين واجبة والصلاة في أول الوقت وثاني الوقت
إلى الاخر أفراد لهما ولا محذور في عدم البدل لطبيعي الصلاة بين الحدين فما هو الواجب شرعا لا بدل
له ولا يجوز تركه وما يجوز تركه وهي الصلاة في أول الوقت ليس بواجب بها الخصوصية ومنه تعرف
ما في جواب القوم عن هذا الإيراد فراجع وإماما عن بعض أجلة العصر في تقريب امتناع المضيق من أن
البعث يجب تقدمه زمانا على الانبعاث فيكون زمان الوجوب أوسع من زمان الواجب أجنبي عما هو
ملاك المضيق فان المضيق ما كان الزمان المجعول له وقتا مساويا للواجب كتمام النهار الامساك في
تمامه مقابل إمساك ما بين الطلوع والغروب وإلا فالقائل بالواجب المعلق بتصور الموسع والمضيق معا
كما لا يخفى.
501

في طبيعي الوقت المحدود بحدين، فيكون كالحركة التوسطية (وهو الكون بين
المبدء والمنتهي) فكما أن الكون المتوسط بالإضافة إلى الأكوان المتعاقبة
الموافية المحدود كالطبيعي بالنسبة إلى أفراده كك الفعل المتقيد بالوقت
المحدود بالأول والآخر بالإضافة إلى كل فرد من الفعل المتقيد بقطعة من الزمان
المحدود بحدين بخلاف ما إذا أمر بفرد من الفعل المتقيد بقطعة من الزمان على
البدل فإنه تخيير شرعي فيكون كالحركة القطعية بلحاظ قطعات الزمان المأخوذة
قيودا لأفراد الفعل فان الزمان مأخوذ بنحو التقطع القابل لملاحظة قطعة قطعة
فالقطعات المتقيد بها الواجب كالاجزاء بالإضافة إلى الزمان المأخوذ في الواجب
على الثاني وكالجزئيات بالإضافة إلى الكون المتوسط على الأول.
قوله: وبالجملة التقييد بالوقت الخ: لا يخفى أنه بعد فرض دخل الوقت
في مرتبة من الغرض أو في غرض آخر ربما يشكل بأنه لا معنى للقضاء بمعنى
تدارك ما فات إذ مصلحة الوقت بما هو غير قابلة للتدارك، وإلا لما كان الوقت
الخاص بما هو دخيلا في تلك المصلحة بل الجامع بين الوقتين، ومصلحة ذات
502

الفعل غير فائتة بل المصلحة المزبورة كما تكون قابلة للاستيفاء في الوقت كك
في خارج الوقت فلا فوت بل كالواجب الموسع ما دام العمر يكون الفعل أداء
دائما لا أداء تارة، وقضاء أخرى.
ويمكن دفعه بأن مصلحة الفعل حيث كانت لازمة الاستيفاء في الوقت
لمصلحة أخرى فيصدق الفوت بهذه العناية لمكان توقيت استيفائها ولو
لمصلحة أخرى، أو بملاحظة أن الفعل في الوقت تقوم به المصلحة بالمرتبة
العليا وقد فاتت وحيث أنه في خارج الوقت تقوم به المصلحة بالمرتبة الدنيا
فيجب تحصيلها تداركا كالأصل المصلحة الفائتة بفوات المرتبة العليا فالقضاء
تدارك للفائت بنحو من أنحاء التدارك لا بتمام حقيقة التدارك.
قوله: ولا مجال للاستصحاب وجوب الموقت الخ: لا يخفى عليك
أن شخص الإرادة (1) المتعلقة بالموقت بما هو، وشخص الأمر المتعلق به متقوم

1 - توضيح المقام أن المستصحب إما شخص الحكم أو كلي الحكم فان كان شخص الحكم فإن
أريد بما هو متعلق بالموقت فيستحيل بقائه بعد الوقت لزوال مقومه قطعا فلا يعقل التعبد ببقائه وإن أريد
بما هو متعلق بطبيعي الفعل بأن يفرض لشخص الحكم تعلقان بذات الموقت وبما هو موقت فهو محال
في نفسه لأن الواحد يستحيل أن يتقوم باثنين لاستلزامه وحدة الكثير أو كثرة الواحد وكلاهما خلف
محال وإن كان المستصحب كلي الحكم من باب استصحاب القسم الثالث من استصحاب الكلى
فمجمل القول فيه أن القسم الثالث له أقسام ثلاثة لأن المحتمل إما حدوث فرد أخر مقارن للفرد المقطوع
أو فرد مقارن لارتفاع الفرد المقطوع أو تبدل الحكم من مرتبة أخرى والكل هنا محال أما حدوث فرد
مقارن لوجود الفرد المقطوع فلازمه تعلق الحكم بذات الفعل وتعلقه أيضا بالموقت منه فيجتمع حكمان
متماثلان في الفعل استقلالا وفى ضمن الموقت وأما حدوث فرد مقارن لارتفاع الفرد الموجود فلأن
الموضوع للفرد المقطوع هو الموقت بما هو الفرد المحتمل حدوثه لم يتعلق بالموقت بما هو حتى
يكون كلي الحكم في موضوع واحد متيقن الحدوث مشكوك البقاء كما في القسم الثاني من هذا القسم
بل احتمال حكم أخر لموضوع أخر وهو ليس من الاستصحاب في شئ وأما تبدل الحكم من مرتبة
إلى مرتبة فالاشتداد والحركة من حد إلى حد إنما يتصور في موضوع واحد وأما وجود
البياض لموضوع ووجوده لموضوع أخر فليس اشتداد في حقيقة البياض الاستصحاب بجميع
أنحائه غير صحيح.
ويمكن أن يقال أما استصحاب شخص الحكم مع فرض تعلقه بالموقت فيصح لأن الموضوع وإن
كان بحسب الدليل بل بحكم العقل هو الموقت بما هو موقت إلا أن العبرة في الموضوع إنما هو بنظر
العرف والعرف يرى أن الموضوع هو الفعل وإن الوقت من حالاته لا من مقوماته ولا قطع بخطاء ونظر
الحرف إلا بلحاظ حال الاختيار دون العذر وإلا لم تكن معنى للشك والتكلم في استصحاب الحكم
مضافا إلى ما مر مرارا من أن الخصوصية المأخوذة في الواجب تارة تكون مقومة للمقتضى بحيث يكون
الخاص واجبا وأخرى يكون دخيلة في فعلية الغرض ومثلها يكون شرطا للواجب فعلى الأول يكون
المقيد بما هو واجبا نفسيا وعلى الثاني يكون الواجب النفسي مقيدا فمعروض الوجوب النفسي حينئذ
ذات الفعل وإنما قيد الواجب بتلك الخصوصية لدخلها في الغرض فتكون تحصيلها واجبا بوجوب
مقدمي وعليه نقول أن خصوصية الوقت ظاهر كخصوصية الطهارة والتستر والاستقبال شرط للواجب لا
أن المتخصص بها واجبا وحينئذ فمعروض الوجوب على فرض بقائه نفس الفعل فيستصحب للشك في
دخالة الخصوصية مطلقا وأما استصحاب كلي الحكم فنقول يمكن تصحيحه على القسم الثاني من
المقسم الثالث بتقريب أن شخص الحكم له تعلق بالذات بالموقت وبالعرض بالقطع فقطع الحكم له
تعلق بالعرض بكل ما يتعلق به شخص الحكم ذاتا وعرضا ولازمه تعلق الحكم الكلى بالفعل الكلى
بالعرض بواسطتين كما لا يخفى.
503

به لا يعقل بقائها بعد مضي الوقت فمعنى كون القضاء بالأمر الأول كونه بملاكه لا
بنفسه، وحيث لا شك في بقائه بنفسه فلا معنى للتعبد ببقائه، وكما لا يعقل
بقائه لا يعقل تعلقه بذات الفعل، وبه بما هو موقت، لاستحالة تقوم الواحد
باثنين، وكذا لا يعقل تعلق إرادة أخرى، أو أمر آخر بذات الفعل في عرض
تعلقهما به هو موقت لاستحالة موردية الفعل لها مرتين بل المعقول تعلقهما
بذات الفعل بعد مضي الوقت وارتفاع الإرادة والأمر عن الموقت فلا مجال إلا
لاستصحاب الحكم الكلي المشترك بين المقطوع الارتفاع والمشكوك الحدوث،
وهو أيضا غير صحيح حتى على القول بصحة مثل هذا الاستصحاب لاختلاف
الموضوع في زمان اليقين، والشك لأن إلغاء الخصوصية من طرف المتعلق معناه
504

تعلق شخص الحكم بذات الفعل بتبع تعلقه بما هو موقت وإلغاء الخصوصية من
طرف الحكم معناه تعلق طبيعي الحكم في الزمان الأول بالموقت، وبقاء الحكم
على كلا التقديرين غير معقول، للقطع بانتفاء الشخص على الأول لأن تعلقه
بذات الفعل تبعي، وللقطع بانتفائه على الثاني، حيث لا أمر بوجه بالموقت بل
النافع تعلق طبيعي الحكم بذات الفعل، وهو غير متيقن في زمان أصلا.
لا يقال إذا تعلق شخص الحكم بطبيعي الفعل ولو بالتبع فقد تعلق طبيعي
الحكم المتحقق بتحقق شخصه أيضا به.
لأنا نقول التبعية من الطرفين تقتضي متعلقية طبيعي الفعل تبعا لشخصه
الخاص لنفس ما تعلق بالشخص، ولم يتعلق به إلا شخص الحكم ويقتضي تعلق
طبيعي الحكم تبعا لشخصه المتعلق بشئ بنفسه، وليس هو إلا الوقت فتبعية
طبيعي الفعل للمؤقت يقتضي أن يكون الطبيعي متعلقا لما تعلق بالموقت، و
ليس هو إلا الأمر الخاص، وتبعية طبيعي الحكم لشخصه يقتضي تعلقه بما تعلق
به فرده وليس هو إلا الوقت فتدبر جيدا.
" المقصد الثاني في النواهي "
قوله: الظاهر أن النهي بمادته وصيغته الخ: قد عرفت في مباحث الأمر
أن صيغة الأمر البعث والتحريك، بمعنى أن الهيئة موضوعة للبعث التنزيلي
النسبي بإزاء البعث الخارجي نحو المادة على ما شرحناه في مبحث الطلب و
الإرادة كذلك صيغة النهي موضوعه للزجر والمنع التنزيلي النسبي بإزاء المنع و
الزجر الخارجي، نعم المنع عن الفعل بالذات إبقاء للعدم بالعرض كما أن التحرك
إلى الفعل بالذات تحريك عن العدم بالعرض، وكك متعلق الكراهة النفسانية
نفس الفعل، كما أن متعلق الإرادة نفس الفعل، وإرادة إبقاء العدم على حاله لازم
كراهة الفعل، كما أن كراهة العدم لازم إرادة الفعل.
505

ويمكن أن يقال بلحاظ تركب صيغة النهي عن حرف النفي وأداة العدم و
صيغة المضارع أن مفادها هو الأعدام التسبيبي التنزيلي فيكون مفاد صيغة الأمر
بمقتضي المقابلة هو الإيجاد التسبيبي التنزيلي وهما معنونا عنواني البعث و
الزجر الفعليين الخارجيين، كما يمكن أن يقال أيضا بأن الغرض حيث أنه جعل
الداعي إلى الفعل والمانع عنه فمفاد الهيئة هو البعث من تلقاء الأمر والزجر من
تلقاء الناهي تنزيلا لهما منزلة البعث والداعي، والمانع من تلقاء المكلف. فهذا
البعث والزجر ليسا من عنوانين فعل المكلف وتركه كما في الأول بل من
مباديهما، كما يمكن أن يقال أيضا بأن الألفاظ حيث أنها للتوسعة في أبراز
المقاصد بالأفعال في تنزل منزلة الإشارة الباعثة فيكون كالإشارة من مبادئ
الدعوة لا منزلة منزلة الدعوة من قبل المكلف فتدبر.
قوله: هل هو الكف أو مجرد الترك وأن لا يفعل الخ: قد عرفت تعلق
الكراهة النفسانية بالفعل وتعلق المنع والزجر به أيضا، وأن اللازم الداعي لهما
إرادة إبقاء العدم على حاله، وأما الكف وهو التسبب إلى ما يوجب عدم بلوغ
الداعي إلى حد يوجب إرادة الفعل فهو لازم لهما أحيانا عند دعوة الفائة
المترتبة على الفعل إليه، وحدوث الميل في النفس ففي الحقيقة الكف أحد
أسباب إبقاء العدم على حاله لا أنه في عرضه، ومن الواضح أن مجرد الالتفات
إلى الفعل كاف في المنع عنه فإنه سبب لعدم دعوة الفائدة إلى إرادته ومطلوبية
الكف مطلوبية مقدمية عند دعوة الفائدة وحدوث الميل فتفطن.
فان قلت: كما لا يقع الفعل امتثالا للأمر إلا إذا كان بداعي الأمر كك النهي إذا
لم يكن داعيا إلى الترك بل كان الترك بعدم الداعي لم يقع الترك امتثالا للنهي و
مثله لا يكون مطلوبا بل فيما إذا كان له داع إلى الفعل ليكون النهي رادعا وموجبا
لبقاء العدم على حاله.
قلت: عدم الداعي إلى الفعل قد يكون بواسطة عدم القوة المنبعث عنها
الشوق إلى الفعل، وفي مثله لا يعقل النهي، وقد يكون بواسطة الردع الموجب
506

لعدم انبعاث الشوق عنها، وفي مثله يصح النهى والترك حينئذ بواسطة النهي فلا
ينحصر دعوة النهي في صورة حدوث الميل حتى يكون النهي منحصرا في
صورة الكف بل عدم حدوث الميل والشوق ربما يكون بواسطة النهي فتدبر.
قوله: وتوهم أن التروك ومجرد الخ: لا يخفى أن حديث عدم تأثير
القدرة في العدم المنقول في وجه هذا الاستدلال أمر متين كما بينا وجهه سابقا
حيث أن القدرة الجسمانية هي القوة المنبثة في العضلات على الحركات المترتبة
عليها، والقدرة النفسانية قوة النفس على الإرادة، وسائر الأفعال النفسانية كما
عن الشيخ الرئيس في التعليقات والعدم ليس أمرا مترتبا على العضلات ولا مما
يحتاج في بقائه على حاله إلى تعلق الإرادة به بداهة أن عدم المعلول بعدم العلة
فلا تأثير للقدرة في العدم.
نعم مقدورية الترك، ومراديته على طبع مقدورية الفعل ومراديته، ولذا قالوا
القدرة بحيث إنشاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، لا إن شاء لم يفعل، وليس للقدرة و
المشية إضافة بالذات إلى عدم الفعل وهذا المقدار مصحح للتكليف به، وتفسير
القدرة بصحة الفعل والترك وإمكانهما تفسير بلازمها وإلا فالامكان والصحة
صفة الفعل والترك والقدرة صفة القادر.
نعم لازم وجود مثل هذه القوة في الفاعل إمكان صدور الفعل ولا صدوره منه
وبلحاظ هذه القوة يكون الشخص فاعلا بالقوة وبضميمة الإرادة بمباديها يخرج
من القوة إلى الفعل فيكون فاعلا بالفعل فتدبر جيدا.
قوله: ضرورة أن وجودها يكون الخ: لا يخفى عليك أن الطبيعة توجد
بوجودات متعددة، ولكل وجود عدم هو بديله ونقيضه فقد يلاحظ الوجود
مضافا إلى الطبيعة المهملة التي كان النظر مقصودا على ذاتها وذاتياتها فيقابله
إضافة العدم إلى مثلها، ونتيجة المهملة جزئية فكما أن مثل هذه الطبيعة تتحقق
بوجود واحد كك عدم مثلها، وقد يلاحظ الوجود مضافا إلى الطبيعة بنحو الكثرة
فلكل وجود منها عدم هو بديله فهناك وجودات وأعدام، وقد يلاحظ الوجود
507

بنحو السعة أي بنهج الوحدة في الكثرة بحيث لا يشذ عنه فيقابله عدم مثله، و
هو ملاحظة العدم بنهج الوحدة في الأعدام المتكثرة أي طبيعي العدم بحيث لا
يشذ عنه عدم، ولا يعقل أن يلاحظ الوجود المضاف إلى الماهية على نحو
يتحقق بفرد اما فيكون عدمه البديل له بحيث لا يكون إلا بعدم الماهية بجميع
افرادها.
وأما ما يتوهم من ملاحظة الوجود بنحو آخر غير ما ذكر، وهو ناقض العدم
الكلي وطارد العدم الأزلي بحيث ينطبق على أول الوجودات ونقيضه عدم
ناقض العدم وهو بقاء العدم الكلي على حاله، فلازم مثل هذا الوجود تحقق
الطبيعة بفرد، ولازم نقيضه انتفاء الطبيعة بانتفاء جميع أفرادها.
فمدفوع: بان طارد العدم الكلي لا مطابق له في الخارج لأن كل وجود يطرد
عدمه البديل له لا عدمه وعدم غيره فأول الموجودات أول ناقض للعدم و
نقيضه عدم هذا الأول، ولازم هذا الخاص العدم بقاء ساير الأعدام على حالها
فان عدم الوجود الأول يستلزم عدم الثاني والثالث وهكذا لا أنه عينها فما اشتهر
من أن تحقق الطبيعة بتحقق فرد، وانتفائها بانتفاء جميع أفرادها لا أصل له حيث
لا مقابلة بين الطبيعة الملحوظة على نحو تتحقق بتحقق فرد منها، والطبيعة
الملحوظة على نحو ينتفي بانتفاء جميع أفرادها.
نعم لازم الاطلاق بمقدمات الحكمة حصول امتثال الأمر بفرد وعدم حصول
امتثال النهي إلا بعدم جميع أفراد الطبيعة المنتهي عنها لأن الباعث على الأمر
وجود المصلحة المترتبة على الفعل والواحد كأنه لا يزيد على وجود الطبيعة
عرفا. والباعث على النهي المفسدة المترتبة على الفعل فمقتضى الزجر عن كل
ما فيه المفسدة.
لا يقال: طلب الوجود بحيث لا يشذ عنه وجود غير معقول لأنه غير مقصود
بخلاف طلب العدم بحيث لا يشذ عنه عدم فان إبقاء العدم على حاله مقدور و
هذا هو الفارق بين الأمر والنهي.
508

لأنا نقول: العدم الذي يكون بديله مقدورا من المكلف هو المطلوب منه
فيمكن طلب بديله أيضا فلا تغفل.
قوله: ثم إنه لا دلالة للنهي على إرادة الترك الخ: لا يذهب عليك أن
أعدام الطبيعة إذا لوحظت تمايزة بالقياس إلى نقائضها، ورتب الحكم على كل
واحد واحد واحد كما في العام الاستغراقي لم يكن مانع من بقاء النهي على
حاله بواسطة عصيانه في بعض متعلقه لأنه في الحقيقة نواه متعددة، وإذا
لوحظت أعدام الطبيعة بنحو الوحدة في الكثرة أي عدم الطبيعة بحيث لا يشذ
عنه عدم فالموضوع واحد، وليس لموضوع واحد إلا حكم واحد فيشكل بقاء
النهي مع عصيانه في بعض متعلقه لانتقاض عدم الطبيعة بحيث لا يشذ عنه عدم
بقلب بعض الأعدام إلى الوجود، وتصحيحه باطلاق المتعلق أو إطلاق الحكم
مشكل إذ ليس إبقاء بعض الأعدام على حاله، وقلبه إلى النقيض من شؤون عدم
الطبيعة بحيث لا يشذ عنه عدم ومن أطواره، بداهة وحدته بنحو الوحدة في
الكثرة ولا يعقل إبقاء عدم على حاله وعدمه لمثل هذا العدم الوحداني كما أن
معصية الحكم وإطاعته لا يعقل أن يتقيد بشئ منها الحكم حتى يعقل إطلاقه
من حيث إبقاء العدم على حاله وعدمه.
" ويمكن حل الاشكال "
بأن يقال: أن المنشئ حقيقة ليس شخص الطلب المتعلق بعدم الطبيعة كك
بل سنخ الطلب الذي لازمه تعلق كل فرد من الطلب بفرد من طبيعة العدم عقلا
بمعنى أن المولى ينشئ النهي بداع المنع نوعا عن الطبيعة بحدها الذي لازمه
إبقاء العدم بحده على حاله فتعلق كل فرد من الطلب بفرد من العدم تارة بلحاظ
الحاكم، وأخرى بحكم العقل لأجل جعل الملازمة بين سنخ الطلب وطبيعي
العدم بحده.
509

" ما المراد من الواحد؟ "
قوله: المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين الخ: لا يخفى عليك أن
كون المراد واقعا كك لا يغني عن التقييد في عنوان البحث لأن مقتضي إطلاق
الواحد شموله لمطلق الواحد لا لخصوص ما كان ذا وجهين فلابد من التقييد.
ثم إن الوحدة جنسية ونوعية وصنفية وشخصية، وإرادة الواحد الشخصي
يوجب خروج الواحد الجنسي المعنون بعنوانين كليين كالحركة الكلية المعنونة
بعنوان الصلوتية والغصبية المنتزعة من الحركات الخارجية المعنونة بها عن
محل النزاع، مع أنه لا موجب لاخراجه، وإرادة الواحد الجنسي أو النوعي
يوجب دخول السجود الكلي الذي له نوعان بتقييده بكونه لله أو للصنم مثلا، مع
أنه خارج قطعا، وكذا لو أريد الأعم من الشخصي وغيرها.
وهنا قسم آخر من الوحدة وهي الوحدة في الوجود فان العناوين الموصوف
بها الكلي المنطبق على أفراده تارة تكون من الأوصاف المتقابلة كعنوان السجود
لله، وعنوان السجود للصنم فان كلي السجود المعنون بهما لا يعقل انطباقه على
هوية واحدة، وأخرى من الأوصاف الغير المتقابلة كعنوان الصلاة والغصب فان
كلي الحركة المعنونة بهما قابل للصدق على هوية واحدة.
ومنه علم أن دخول الواحد الجنسي أو النوعي والصنفي لا يقتضي دخول
مثل السجود لله وللصنم، كما أن إرادة الوحدة من حيث الوجود لا يستدعي
خروج الواحد من حيث الجنس وشبهه مطلقا من محل النزاع فالتقييد بالواحد
لمجرد إخراج المتعدد من حيث الوجود لا لاخراج الكلي في قبال الشخص.
" ما الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي في العبادات؟ "
قوله: هو أن الجهة المبحوث عنها الخ: لا يخفى عليك أن الجهة التي
510

يناط بها وحدة الموضوع وتعدده هي الجهة التقييدية المقومة للموضوع، وأما
الجهة التعليلية فهي واسطة لثبوت المحمول لموضوعه فلا معنى لأن تكون
مقومة لموضوعه، ومن الواضح أن تعدد القضية بتعددها موضوعا ومحمولا، أو
موضوعا فقط، أو محمولا فقط، وهو من القضايا التي قياساتها معها، وليست
مسائل العلم إلا القضايا المشتركة في غرض واحد فصيغة الأمر مع وحدتها
موضوع لمحمولات متعددة فتعدد القضايا بتعدد المحمولات، وتعدد وسائط
ثبوت تلك المحمولات لموضوعها أعني وضع الواضع وجعل الجاعل لا
يوجب تعدد المسائل لكونها أجنبية عما يتقوم به القضية موضوعا ومحمولا كما
أن وحدة الواسطة في ثبوت محمولات متعددة لموضوعات متعددة لا تقتضي
وحدة المسألة.
ومما ذكرنا تبين أن اقتضاء تعدد الوجه والعنوان لتعدد متعلق الأمر والنهي
لكنه لا يتقيد به موضوع المسألة بل موضوع المسألة اجتماع الأمر والنهي و
محمولها الجواز والامتناع وإن كان مناط الجواز تعدد المتعلق بتعدد الوجه و
العنوان، ومناط الامتناع عدم التعدد بتعدد الوجه والعنوان، ولا واقع لموضوعية
موضوع لمحمول إلا كونه بعنوانه مأخوذا في مقام تحرير المسألة وتقديرها
موضوعا للمحمول المثبت له، والنفي عنه، وتحرير المسألة قديما وحديثا على
النهج المحرر في العنوان في الكتاب وغيره.
" هل المسألة أصولية أم لا؟ "
قوله: لا ضير في كون مسألة واحدة الخ: قد عرفت في أوائل التعليقة
أنه ليس في المسائل المعنونة في هذا العلم غالبا ما يكون له جهات متكثرة أي
أغراض مترتبة عليه بحيث يكون جهة من جهاته هنا باعثة على البحث عنه فان
عنوان هذه المسألة مثلا لا يعقل أن يترتب عليه الغرض من علم الفقه إذ ليس
511

البحث فيه عن فعل المكلف من حيث الاقتضاء والتخيير بل عنوان موضوعه
نفس اجتماع الأمر والنهي، ومحمولة الجواز والامتناع، كما أن كونها كلامية لا
معنى له إلا عند البحث عن حسنه وقبحه من حيث أن البعث والزجر فعله تعالى
ولم يبحث عنه بهذا العنوان هنا، وليس كل مسألة عقلائية كلامية بل ما له مساس
بالعقائد الدينية كما أن مبحث مقدمة الواجب إن كان عنوانه وجوب المقدمة فهو
فقهي لا غير، وإن كان ثبوت الملازمة فهو أصولي لا غير، وكذا البحث عن اقتضاء
النهي للفساد أصولي لا غير فان البحث عن الاقتضاء غير البحث عن الفساد و
كذا البحث عن ظهور صيغة إفعل للوجوب وغيره أصولي لا غير، فان كونه لغويا
لغو لاختصاص اللغة بالمواد لا بمفاد الهيئات، وكونه صرفيا كك إذ ليس البحث
فيه من حيث الصحة والاعتلال، وبالجملة فليس في غالب المباحث المعنونة ما
يصلح عنوانه لجملة من المعلوم كي يكون التفاوت بالأغراض الباعثة على
التدوين.
قوله: لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة الخ: ظاهره انطباقهما
على الجهة المقومة لموضوع المسألة مع أنها منتزعتان عن المسائل بلحاظ ترتب
الغرض عليها، والأمر سهل بإرادة مفاد المسألة من الجهة الخاصة لأنها المبحوث
عنها وإلا فالموضوع يبحث عن حكمه لا عنه فتدبر.
" جريان النزاع في جميع أقسام الواجب والحرام "
قوله: يعم جميع الأقسام من الايجاب والتحريم الخ: نعم في الأمر
الغيري ينحصر المورد في مثل الطهارات ونحوها مما كان له عنوان غرضه
المقدمية.
وأما المقدمة العادية والعقلية فلا لأن الأمر المقدمي عنده قده لا يتعلق إلا
بما هي مقدمة بالحمل الشايع عقلا لا بعنوان المقدمية كي يكون هناك واحد ذو
512

وجهين.
وأما بناء على ما قدمناه في مقدمة الواجب من أن الهيئات التعليلية راجعة
إلى الحيثيات التقييدية في الاحكام العقلية، ولذا قيل إن الأغراض في الأحكام
العقلية عناوين لموضوعاتها فيدخل الأمر الغيري بجميع أقسامه في محل الكلام
لأن عنوان المقدمية عنوان لما تعلق به الأمر المقدمي وحيثية تقييدية بالدقة له
وكذا الحال فيما لو كان الأمر والنهي غيريين، فان عنوان المقدمية وإن كان
واحدا إلا أن حيثية مقدمية معنونة لشئ غير حيثية مقدميته لشئ آخر حيث
لا فرق عنده قده في تعداد العنوان بين كونه كك بنفسه أو بالإضافة إلى المتعدد.
قوله: فصلى فيها مع مجالستهم كان الخ: إنما قيد الصلاة بمجالستهم
لئلا يتحقق أحد التركين المطلوبين تخييرا فإنه يوجب سقوط الطلب التخييري
بالترك فلا يبقى إلا طلب الفعل.
نعم بين الأمر التخييري والنهي التخييري فرق من حيث أن مرجع النهي
التخييري إلى النهي عن الجمع بين شيئين لقيام المفسدة بالمجموع لا بالجامع و
إلا لا اقتضاء النهي عن كلا الفردين تعيينا فالأمر قائم بكلا الفردين تخييرا أو النهي
قائم بالمجموع لكنه لا يؤثر في الخروج عن محل النزاع جوازا ومنعا.
" في عدم اعتبار قيد المندوحة "
قوله: ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها الخ: قد مر أن حيثية تعدد
المعنون بتعدد العنوان وعدمه، حيثية تعليلية للجواز وعدمه، لا تقييدية مقومة
للموضوع لئلا يحتاج عنوان البحث إلى التقييد بعدم المندوحة ليتمحض البحث
في خصوص الجواز والامتناع من حيث خصوص التضاد وعدمه، وجعل
البحث جهتيا ومن حيث كذا مع عدم مساعدة العنوان، غير صحيح مع أن
الغرض الأصولي حيث أنه يترتب على الجواز الفعلي فلابد من تعميم البحث و
513

اثبات الجواز من جميع الوجوه اللازمة من تعلق الأمر والنهي بواحد ذي وجهين
لا الوجوه العارضة من باب الاتفاق فلا يقاس المندوحة وعدمها بسائر الجهات
الاتفاقية المانعة من الحكم بالجواز فعلا.
لا يقال: بعد القول باستحالة التكليف بما لا يطاق لا فرق بين وجود
المندوحة وعدمها لأن امتثال الأمر والنهي في المجمع محال على أي حال فان
القدرة على امتثال الأمر في غير المجمع لا تصحح الأمر بالمجمع.
لأنا نقول: سيأتي منا انشاء الله تعالى إمكان الفرق بين وجود المندوحة و
عدمها بناء على تعلق الأمر بايجاد الطبيعة من دون لحاظها فانية في أفرادها بل
بمجرد الفناء في حقيقة الوجود من دون لحاظ الكثرات فان الوجود المضاف إلى
الطبيعة هكذا مقدور بالقدرة على فرد في الخارج دون ما إذا لم يكن مقدورا
بوجه أصلا.
نعم يمكن أن يقال: بعدم لزوم التقييد بعدم المندوحة من طريق آخر، وهو أنه
لو كان تعدد الوجه مجديا في تعدد المعنون لكان مجديا في التقريب به من حيث
رجحانه في نفسه فان عدم المندوحة يمنع عن الأمر لعدم القدرة على الامتثال و
لا يمنع عن الرجحان الذاتي الصالح للتقرب به، فكما أن تعدد الجهة يكفي من
حيث التضاد كك يكفي من حيث ترتب الثمرة، وهي صحة الصلاة فلا موجب
للتقييد بعدم المندوحة لا على القول بالتضاد لكفاية الاستحالة من جهة التضاد
في عدم الصحة. ولا على القول بعدم التضاد لما عرفت من كفاية تعدد الجهة من
حيث التقريب أيضا فتدبر.
" في عدم ابتناء النزاع على القول بتعلق الأحكام بالطبايع "
قوله: وأنت خبير بفساد كلا التوهمين الخ: توضيح القول فيه أن معنى
تعلق الأمر بالفرد إن كان تعلقه به بما له من اللوازم المفردة للطبيعة بحيث يكون
514

المفردات داخلة في المطلوب لا لازمة للمطلوب، فربما يتوهم عدم جريان
النزاع لأن المكان المغصوب مشخص ومفرد للصلاة، فهو مقدم للمطلوب، و
ليس لها بما هي متشخصة بالمغصوب وجه محبوب، بخلاف ما إذا تعلق الأمر
بوجود الطبيعة فان المغصوب وإن كان مفردا لكنه غير داخل في المطلوب، و
وجود الصلاة بما هي صلاة له وجه محبوب.
ومما ذكرنا تبين أن تعدد الوجه والعنوان أنما يكفي إذا لم يؤخذ أحد
العنوانين في الاخر، وإلا فمن البديهي أن الغصب بما هو وجه قبيح فلو أخذ
بعنوانه في الصلاة لفرض تشخصها به، وفرض دخوله فيها بما هي مطلوبة للزم
دخول الوجه القبيح في الصلاة فلا يعقل عروض الحسن للصلاة الكذائية بما هي
موصوفة بذلك الوجه القبيح.
ويمكن دفعه تارة بأن المراد بالفرد بناء على هذا المبنى الذي بني عليه
شيخنا - قده - هي الماهية الملزمة لماهيات آخر تكون كالمشخصات لها بمعنى
طبيعة الصلاة الملزومة طبايع المشخصات من الزمان والمكان وغيرهما، و
الصلاة المتشخصة بالمكان بما هو مكان لا يستلزم دخول وجه قبيح فيها
فالمكان بما هو مكان بنحو الطبيعي أخذ في الصلاة، وهو لا قبح فيه، وبما هو
مغصوب أخذ في متعلق النهي وهو لا حسن فيه، وأخرى بأن المشخص وإن كان
شخص هذا المكان المغصوب لا طبيعي المكان، إلا أن لازم القول بتعلق الأمر
بالفرد دخول ذات المشخص في المطلوب لا بما له من العوارض والعناوين، و
المشخص شخص هذا المكان بما هو شخص المكان لا بما هو ملك، أو مباح، أو
مغصوب، وهذه العناوين عوارض المشخص عينه، وليس للصلاة المتشخصة
بشخص هذا المكان بما هو، لا بما هو مغصوب إلا الوجه المحبوب فتدبر.
وأما إن قلنا بأن النزاع المتقدم في أن متعلق الأمر هل هو وجود الطبيعة الكلية
أو الطبيعة المتشخصة بالوجود فالأمر أوضح لأن ذات المشخص وإن كان هو
الوجود الواحد إلا أن الأمر تعلق بالطبيعة الشخصية من طبيعي الصلاة، والنهي
515

تعلق بالطبيعة الشخصية من طبيعي الغصب فمورد الأمر غير مورد النهي في
اعتبار الشارع، والوجود الواحد وإن كان رابط إحدى الطبيعتين الشخصيتين
بالأخرى لكنه بما هو وجود ليس له وجود محبوب، ولا وجه مبغوض إلا باعتبار
نفس عنواني الصلاة والغصب لأن الوجود الواحد بما هو مغصوب أخذ في
الصلاة الشخصية كما كان يتوهم على الوجه الأول.
وأما إن قلنا بأن النزاع المتقدم في أن متعلق الأمر هل هو الوجود السعي أو
الوجودات الخاصة والهويات المخصوصة فتلك الهويات الخاصة وإن كانت
ذات عنوانين لكن مفروض الكلام تعلق بذات الهوية الخاصة لا بالماهية الكلية أو
الجزئية، وتعدد الجهة أنما يكفي إذا أوجب تعدد متعلق الأمر والنهي في عالم
اعتبار الآمر والناهي.
إلا أن يقال: إن القائل بتعلق الأمر بالوجود السعي أو الوجود الخاص لا يلغي
الماهية بل يعتبر معها إما مطلق الوجود أو الوجود الممتاز بنفس هويته عن هوية
أخرى فالمأمور به هوية الصلاة، والمنهي عنه هوية الغصب، وهما بحسب
الاعتبار متعدد.
وأما إن قلنا بأن النزاع المتقدم مبني على تعلق الجعل بالماهية، أو الوجود
فبناء على تعلق الأمر بنفس الماهية لتعلق الجعل بها بالذات لا مانع من الاجتماع
لأن الماهيات متبائنات بالذات فلا اتحاد لماهية مع ماهية، ولا يكون ماهية جهة
جامعة لماهيتين متبائنتين، والمفروض تأصلها وتحصلها بذاتها في الحقيقة لا
اجتماع للأمر والنهي في واحد وإن كانت الماهيتان متحدتين بحسب الصورة إلا
أن هذا من مفاسد القول بأصالة الماهية وجعله، أو مع فرض الالتزام بالوحدة
على هذا القول يجري النزاع بناء على أصالة الوجود والماهية معا، وعلى القول
بجعله وبجعلها فافهم جيدا.
516

" في بيان ما يحرز به المناطان في المجمع "
قوله: إن الاطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي الخ: تحقيق المراد
من الحكم الاقتضائي (1) أن الحكم الحقيقي المرتب على موضوع خال عن
المانع حكم فعلي، ومع عروض المانع حكم اقتضائي ملاكي لثبوت المقتضى
بتبع ثبوت المقتضى بثبوت عرضي، بمعنى أن الثبوت ينسب أولا وبالذات إلى
الملاك والمقتضى، وثانيا وبالعرض إلى مقتضاه، وكك في ثبوت المقبول
بثبوت القابل وإن كان بينهما فرق، وهو أن ثبوت المقتضي في مرتبة ذات
المقتضي أقوى من ثبوته الخاص به في نظام الوجود بخلاف ثبوت المقبول فان
ثبوته الخاص به أقوى من ثبوته في مرتبة ذات القابل، والوجه في الجميع واضح
عند أهله لكنا قد بينا في محله أن الحكم بالإضافة إلى ملاكه ليس كالمقتضي
بالإضافة إلى سببه ومقتضيه فان السبب الفاعلي للحكم هو الحاكم والملاك هي
الغاية الداعية، وكك ليس كالمقبول بالنسبة إلى القابل فان المصلحة لا تترقى
بحسب الاستكمال إلى أن يتصور بصورة الحكم كالنطفة بالإضافة إلى الانسان
سواء لوحظت المصلحة بوجودها العلمي أو بوجودها العيني بل بوجودها
الخارجي يسقط الحكم فكيف يتصور بصورة الحكم، وغاية ما يتصور في تقريب
بثبوت الحكم بثبوت المقتضي بمعنى الغاية الداعية أن يقال بأن الفعل بلحاظ
كونه بحيث يترتب عليه الفائدة المترقبة منه مستعد باستعداد ما هوى للتأثير في
نفس الحاكم، وانبعاث الوجوب منه بلحاظ تلك الفائدة القائمة به قياما ماهويا
فمع عدم المانع يكون الوجوب فعليا، ومع المانع يكون شأنيا أي بحيث لولاه

1 - لا يخفي أنه علق الأمر التاسع من المقدمات المطروحة في الكفاية، وصرف عن تعليقة
الأمر الثامن، لأنهما واحد، واختلاف الأمرين قليل. بمعنى النافي الأمر الثامن يبحث عن اعتبار وجود
المنطبق في المجمع وفي الأمر التاسع بيان أنه لم يحرز المناطان في المجمع كي يكون على الجواز
محكوما بكلا الحكمين وعلى الامتناع يندرج في باب التزاحم بين المقتضيين.
517

لكان موجودا بالفعل وهو وجوب شأني ملاكي في قبال ما لا ملاك له أصلا لكنه
ليس مع ذلك ثبوت حقيقي لشئ بالذات حتى يكون للوجوب بالعرض.
ثم إن هذا التقريب يجدي في تصور ثبوت الحكم بنحو الشأنية والاقتضاء.
وأما الحكم الانشائي فلابد أن يكون بداع من الدواعي لأنه بلا داع محال.
وأما الانشاء بداعي بيان الملاك وإظهار المقتضي فهو في الحقيقة إرشاد لا
حكم مولوي يجوز اجتماعه مع غيره أو لا يجوز كما هو محل الكلام والانشاء
بداعي البعث الحقيقي بالإضافة إلى ذات الموضوع مهملا بالنسبة إلى العوارض
وإن كان من البعث المولوي الفعلي ما لم يعرض عارض، وربما يعبر عنه بالحكم
الطبيعي الذاتي كما يصح التعبير عنه بالاقتضائي بلحاظ وجود المقتضي له إثباتا
بالنسبة إلى ذات الموضوع لكنه ليس من الحكم الاقتضائي المفيد هنا حيث أنه
لما كان مهملا من حيث العوارض فلا دلالة له على ثبوت الملاك في جميع أفراد
الموضوع لاحتمال دخل عدم العارض في ثبوت الملاك والمقتضي.
فالذي يمكن أن يقال إن الانشاء المذكور ليس لبيان الملاك والمقتضي ليكون
إرشادا بل لبيان البعث الثابت بثبوت مقتضيه، وبعبارة أخرى الانشاء المزبور
إظهار للمقتضي الثابت بثبوت مقتضيه على الاطلاق فهو بعث اقتضائي حتى في
صورة وجود المانع، ومع عدمه يكون فعليا فهو حكم مولوي اقتضائي في حد
ذاته، ويصحح الفعلية البعثية عند عدم المانع، وهذا المعنى لو كان مطلقا لكان
مفيدا لثبوت الملاك حتى في صورة الاجتماع وهو أيضا وإن كان خلاف الظاهر
من وجه حيث أن الظاهر من الانشاء كونه بداعي جعل الداعي الفعلي لا جعل
الداعي الاقتضائي لكنه ليس على حد الحمل على الارشاد إلى وجود الملاك و
المناط فان المولوية محفوظة هنا.
قوله: فان انتفاء أحد المتنافيين الخ: لا ريب في أن انتفاء المعلول كلية و
إن أمكن أن يكون بعدم المقتضي أو بوجود المانع إلا أن الكاشف عن المعلول
كاشف عن علته التامة، والتكاذب والتنافي بين المعلولين لا يوجب اختلال
518

الكشف عن المقتضي وعدم المانع معا، بيانه أن كلا من الدليلين يدل بالمطابقة
على ثبوت مضمونه من الوجوب والحرمة يدل بالالتزام على ثبوت المقتضي
والشرط، وعدم المانع من التأثير، وعدم المزاحم وجودا لمضمونه المطابقي
فإذا كان أحد الدليلين أقوى دل على وجود مزاحم في الوجود لمضمون الاخر
فيدل على عدم تمامية العلة من حيث فقد شرط التأثير ولا يدل على أزيد من
ذلك ليكون حجة في قبال الحجة على وجود المقتضي في الاخر، والدلالة
الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية وجودا لا حجية، ودليلا، فسقوط الدلالة
المطابقية في الأضعف عن الحجية لا يوجب سقوط جميع دلالاته الالتزامية بل
مجرد الدلالة على عدم المزاحم في الوجود والمانع من التأثير، وهذا طريق
متين لاحراز المقتضي بقاء في صورة الاجتماع، وسقوط أحد الدليلين عن
الفعلية، وهنا طريق آخر لاحراز المصلحة المقتضية، وهو إطلاق المادة فإنه لا
ريب في أن المولى الذي هو في مقام الحكم الحقيقي الفعلي يكون في مقام بيان
تمام موضوع حكمه، والمفروض عدم تقيد موضوع حكمه بعدم الاتحاد مع
الغصب مثلا لفظا وأما تقيده من حيث أنه موضوع الحكم الفعلي بعدم الاتحاد
مع الموضوع المحكوم بحكم مضاد لحكمه عقلا فهو لا يكاد يكون قرينة حافة
باللفظ ليصح الاتكال عليه عرفا في مقام التقييد المولوي فتقيد مفاد الهيئة عقلا لا
يوجب تقييد المادة مولويا فتمام موضوع الحكم نفس طبيعة الصلاة المطلقة، و
إن لم يكن لها حكم عقلا لمكان حكم مضاد أو لمانع آخر من جهل أو نسيان
فتكون المصلحة قائمة بذات الصلاة المطلقة، فالمولى وإن كان في مقام بيان
تمام موضوع حكمه حال فعلية الحكم لكنه إذا ثبت أن طبيعة الصلاة المطلقة
لفظا هي تمام الموضوع في هذه الحال فهي ذات المصلحة في جميع الأحوال.
لما عرفت من عدم امكان الاتكال في تقييد الموضوع على القرينة العقلية
البرهانية.
لا يقال: بعد ثبوت تمام موضوع الحكم الفعلي في تمام موارد ثبوت الحكم
519

الفعلي لم يكن هناك باعث على بيان تمام موضوع الحكم المزبور إذ لو لم يبين
لم يكن ناقضا لغرضه.
لأنا نقول: ليس الأمر كك دائما إذ في صورة الجهل بالغصب أو نسيانه
موضوعا أو مطلقا لم يكن هناك مانع عن فعلية الحكم المتعلق بطبيعة الصلاة
الواقعة في حيز الأمر فلابد من التقييد لو لم تكن طبيعة الصلاة تمام موضوع
الحكم الفعلي.
قوله: إلا أن يقال قضية التوفيق عرفا الخ: قد عرفت سابقا أن الحكم
الاقتضائي الاثباتي وهو الحكم على الموضوع بذاته وبطبعه وإن كان يساعده
التوفيق العرفي بين الدليلين الذين لو خليا وطبعهما لكان كل منهما دالا على
ثبوت الحكم له مطلقا إلا أنه لا يفيد هنا حيث لا يدل على ثبوت المقتضي حتى
مع عروض عارض من العوارض والحكم الاقتضائي الثبوتي سواء كان بمعنى
الانشاء بداعي بيان الملاك أو بداعي اظهار الحكم الثابت بثبوت ملاكه خلاف
الظاهر خصوصا الأول ولا أظن بمساعدة العرف على هذا الجمع والتوفيق
فتدبر.
قوله: لو لم يكن أحدهما أظهر الخ: فان الأظهر لأقوائية ظهوره صالح
للتصرف به في الظاهر دون العكس فيبقى الأظهر على ظهوره في الحكم الفعلي
ويتصرف به في الظاهر بحمله على الاقتضائي بل سيجيئ انشاء الله تعالى
إحراز أقوائية الملاك من الأقوى دلالي، بل من الأقوى سندا أيضا.
" ثمرة بحث الاجتماع "
قوله: إلا أنه مع التقصير لا يصلح لأن يتقرب به الخ: لا ريب في اعتبار
صلوح ما يتقرب به للتقرب به كما لا ريب في أن موافقة الفعل لغرض المولى من
حيث مصلحته وحسنه جهة صالحة للتقرب بها.
520

إنما الكلام في صدور الفعل قريبا ومقربا بالفعل من حيث عدم المانع، ولا
اشكال في أن صدور الفعل مبغوضا عليه، ومبعدا له مانع عن كونه مقربا له لعدم
مقربية المبعد، وهو من القضايا التي قياساتها معها، ولا فرق في المبعديين أن
يكون مبغوضا فعلا لتعلق الحرمة المنجزة به فعلا للعلم بها تفصيلا أو إجمالا و
بين أن يكون موجبا لاستحقاق العقاب عليه بواسطة الالتفات إلى الحرمة من قبل
إجمالا فان التفاته في حين كاف في استحقاق العقاب عند المخالفة ولو غفل
عنه بعد تأثيره أثره فان الغفلة تمنع عن توجه بعث أو زجر حقيقي لا عن ترتب
استحقاق العقاب على الفعل باعتبار الالتفات إلى حرمته من قبل.
قوله: مع صدوره حسنا لأجل الجهل الخ: هذا يصلح تعليلا لعدم
صدوره قبيحا ومبعدا لا لصدوره حسنا بل صدوره حسنا أنما يكون إذا كان
الداعي إليه حسنه ومحبوبيته، أو مصلحته العائدة إلى المولى، أو الباعثة إلى
أمره.
وأما إذا كان الداعي إليه أمره الغير المحقق بالفعل على الفرض فلا يصدر
قريبا فما لم يكن قصد التقرب عن تلك الجهة الموجبة للقرب حقيقة لا معنى
لصدوره قريبا فقد مر في محله أن مجرد اشتمال الفعل على المصلحة لا يجعله
عبادة بل لابد من إضافته إلى المولى ليستحق به الاخر منه.
نعم يمكن أن يقال: إن الداعي وإن كان الأمر الغير المحقق بالفعل على
الغرض إلا أنه لا يدعو عادة إلا بلحاظ كشفه عن إرادة المولى، وحبه، وملائمة
الفعل لغرضه فالأمر بما هو غير داع بل بما هو مراة لإرادة المولى ورضاه فتدبر.
وربما يصح العبادة حينئذ بامكان تعلق الأمر بها بعنوان لا يعمه الاطلاق دليل
حرمة الغصب مثلا فان عنوان مغدورية المكلف عقلا في مخالفة حرمة الغصب
عن قصور لا يتمه إطلاق دليل حرمة الغصب لتأخره عن التكليف فلا بأس بجعل
حكم آخر على هذا المورد فيكون الصلاة المتحدة مع الغصب المعذور في
مخالفة حكمه مأمورا بها فعلا، نظير الإباحة الظاهرية المجعولة في مورد الجهل
521

بالحرمة الواقعية حيث أن دليل حرمة ذلك الشئ لا يعم اطلاقه لصورة الجهل
بها فهو بعنوان كونه مجهول الحكم لا حكم له إلا الإباحة فلم يلزم اجتماع
حكمين في المجمع، وفيه ما بيناه في محله من أن الاطلاق الذاتي لدليل الحرمة
كاف في شمول الحكم لصورة الجهل بها، وإلا لم يكن الموضوع مجهول الحكم
بل مقطوع الدم فهذا الموضوع المجهول الحكم بذاته وبعنوانه له حكمان مع
أن المفروض أن موضوع الأمر هي الصلاة لا بما هي متحدة مع الغصب المعذور
في مخالفة حكمه.
وأما مع إصلاحه بنحو الترتب بأن يكون الغصب منهيا عنه، ومع العصيان
تكون الصلاة مأمورا بها.
فمدفوع: بالفرق بين الترتب هنا وفي ساير الموارد فان محذور الترتب وهو
التكليف بما لا يطاق مندفع بالأمر بالمهم على تقدير ترك الأهم والمحذور هنا
اجتماع الحرام والواجب واتحاد الصلاة مع الغصب فيلزم اجتماع المحبوبية و
المبغوضية في شئ واحد فان عصيان النهي عن الغصب بفعل الغصب متحدا
مع الصلاة فيلزم اجتماع المحبوبية والمغوضية في شئ واحد ومن مطاوي ما
ذكرنا تبين أن تصحيح العبادة في صورة ورود الاذن والترخيص من الشارع كما
في موارد العذر من جهل أو نسيان بدعوى عدم الفرق بين الترخيص والأمر فإذا
أمكن اجتماع الحرمة والترخيص أمكن اجتماعها مع الوجوب أيضا. مندفع بأن
المفروض كون العنوانين هنا عرضيين لا طوليين والمفروض أيضا غلبة ملاك
النهي على ملاك الأمر بخلاف الترخيص مع مجهول الحكم فان ملاك الترخيص
في المورد بعنوان يمنع عن تأثير المفسدة الواقعية الحرمة أو يكون ذا مصلحة
أقوى من المفسدة فكون الفعل بعنوان طار ذا مصلحة أقوى، أو ذا مانع من تأثير
المفسدة ولذا جعلت الإباحة لا ربط له بكون الفعل بعنوان نفسه ذا مصلحة
أضعف من المفسدة القائمة به بعنوان عرضي، آخر له، وأما محذور اجتماع
الإباحة الفعلية مع الحرمة الواقعية، وأنه هل هو من قبيل اجتماع الضدين أم لا؟
522

فهو أمر آخر لا ربط له بهذا القياس المعمول لتصحيح الأمر وصحة العبادة.
قوله: بناء على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات الخ: وهو
أقوى الوجهين لما مر مرارا أن الاشناء بلا داع محال، والانشاء بغير داعي البعث
وجعل الداعي من ساير الدواعي لا يكون فعلية إلا فعلية الارشاد، أو جعل
القانون، ونحوهما، ولا يعقل أن ينقلب عما هو عليه فيصير بعثا وزجرا حقيقيا و
إذا فرض عدم ترتب فعلية البعث من الانشاء المتعلق بالصلاة لفرض استحالة
الاجتماع وغلبة ملاك النهي عن الغصب فلا محالة لا معنى لأصل الانشاء بداعي
جعل الداعي نحو الصلاة فليس هناك إلا الانشاء بداعي الزجر عن الغصب، و
لكن حيث أن الانشاء بداعي الزجر عن الغصب أيضا لا يترقب منه فعلية الزجر
مطلقا حتى مع الجهل والنسيان لاستحالة الزجر الحقيقي مع إحدى الحالتين فلا
محالة لا مزاحم لانشاء البعث نحو الصلاة في تلك الحالتين فيصح الانشاء بداع
البعث نحو الصلاة المتحدة مع الغصب على تقدير عدم المزاحم فيكون بعثا
فعليا في صورة عدم الزجر الحقيقي فنحن وإن قلنا بالتزاحم في مرتبة الواقع لكنه
بحسب النتيجة كالتزاحم في مرتبة الفعلية عنده قده.
قوله: مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال الخ: قد عرفت في
مبحث الضدان الطبيعة التي تعلق بها الأمر بعد ما لم تكن بحيث تسع هذا الفرد
فكيف يدعوا أمرها إلى إتيان هذا الفرد وسعة الطبيعة بما هي للفرد لا يجدي في
الدعوة بل الداعي في الحقيقة اشتراك الفرد مع ساير الأفراد في الفردية للطبيعة
المأمور بها، وفي الغرض المترتب عليها وسيأتي انشاء الله تعالى ما يمكن أن
يوجه به هذا الحديث.
" تحقيق في تضاد الأحكام الخمسة "
قوله: الاحكام متضادة في مقام فعليتها الخ: تحقيق المقام أن
523

حديث تضاد الأحكام التكليفية وإن كان مشهورا لكنه مما لا أصل له لما تقرر في
محله من أن التضاد والتماثل من أوصاف الأحوال الخارجية للأمور العينية، و
ليس الحكم بالإضافة إلى متعلقه كك سواء أريد به البعث والزجر الاعتباريان
العقلائيان أو الإرادة والكراهة النفسيتان أما إذا كان الحكم عبارة عن البعث و
الزجر فلأن البعث والزجر عبارة عن المعنى الاعتباري المنتزع عن الانشاء
بداعي جعل الداعي ومن الواضح أن الانشاء الخاص مركب من كيف مسموع و
هو اللفظ، ومن كيف نفساني وهو قصد ثبوت المعنى به، وهما قائمان
بالمنشئ لا بالفعل الخارجي القائم بالغير والأمر الاعتباري المنتزع من الانشاء
المزبور بها هو أمر اعتباري قائم بالمعتبر لا بغيره، ومقوم هذا الأمر الاعتباري
الذي هو طرفه حيث أن البعث المطلق الغير المضاف إلى شئ لا يوجد سواء
لوحظ بنحو القوة كما في قيامه بمنشائه أو بنحو الفعلية كما في قيامه بمعتبره لا
يعقل أن يكون الهوية العينية القائمة بالمكلف لأن البعث الحقيقي يوجد سواء
وجدت الهوية العينية من المكلف أم لا؟ ويستحيل أن يتقوم الموجود و
يتشخص بالمعدوم بل ما لا يوجد أصلا كما في البعث إلى العصاة فلا محالة
يكون متعلقه المقوم له، المشخص هو الفعل بوجوده العنواني الفرضي الموافق
لأفق الأمر الاعتباري والمسانخ له.
وتوهم أن الفعل بوجوده العنواني أيضا لا يعقل أن يكون مفروضا لوصفين
متضادين أو متماثلين. مدفوع: بأنه لا تضاد ولا تماثل إلا في الواحد الشخصي.
وأما الواحد الطبيعي من الجنسي والنوعي ونحوهما مما لا نحو من الكلية
من دون تشخص وتعين وجودي فيجتمع فيه الأوصاف المتبائنة، بداهة أن
طبيعي الفعل مورد لاحكام متعددة ولو من موالي متعددين بالنسبة إلى عبيد كك
ولا يخرج طبيعي الفعل عن كونه طبيعيا باختلاف الموالى والعبيد، وتعدد
الفاعل والسبب الموجد لا دخل له في تحقق التضاد والتماثل وعدمه بل
المناط وحدة الموضوع، والمفروض إمكان الاجتماع في مثل هذا الواحد وعدم
524

امكان كون مقوم بعث بعينه مقوما لبعث آخر، أو لزجر لا يضر بما نحن فيه فان
اجتماع الأمر والنهي والنهي المبحوث عنه هنا لا يتوقف عليه كما هو واضح فاتضح من
جميع ما ذكرنا أن البعث والزجر ليسا من الأحوال الخارجية بل من الأمور
الاعتبارية وأن متعلقهما ليس من الموجودات العينية بل العنوانية وأن الوحدة
المفروضة ليست شخصية بل طبيعية فلا موجب لتوهم اجتماع الضدين من
البعث نحو شئ والزجر عنه.
ومما ذكرنا تبين أيضا أن مناط عدم الامتناع ليس تعدد المتعلق اعتبار التعدد
عنوان المأمور به والمنهي عنه كما هو مسلك جماعة من المجوزين بل ما ذكرنا
صحيح حتى مع وحدة العنوان، والغرض رفع التضاد وإن كان لازم توجه البعث
والزجر أو توجه بعثين نحو عنوان واحد محذور آخر كما مر في مقدمة الواجب و
سيجيئ انشاء الله تعالى.
وأما الاستدلال على عدم تعلق البعث والزجر بالهوية الخارجية بدعوى أن
الفعل بوجوده الخارجي يسقط البعث والزجر فكيف يكون معروضا لهما لمبائنه
العروض المساوق للثبوت مع السقوط فقد مر ما فيه في مبحث الترتب حيث أن
الفعل لو كان مسقطا للبعث لزم علية البعث لعدم نفسه بل ينتهي أمد البعث
بوجود المبعوث إليه، والبعث حال الإطاعة والعصيان موجود، وإلا لسقط بغير
الإطاعة والعصيان.
وقد مر الجواب عما قيل من ترتب السقوط على الثبوت ترتبا طبعيا لا زمانيا
فإنه جمع بين النقيضين وهو محال وأما إذا كان الحكم عبارة عن الإرادة و
الكراهة فهما وإن كانتا من المقولات الحقيقية والموجودات العينية إلا أن
موضوعهما النفس ومتعلقهما الفعل إما من حيث الموضوع فلا مانع من اجتماع
إرادات وكراهات كك في زمان واحد لبساطة النفس وتجردها فلا تضيق النفس
عن قبول إرادات متعددة أو كراهات كك في زمان واحد.
لا يقال: الوجدان شاهد على قيام إرادات متعلقة بأمور متعددة لا بأمر واحد
525

وكك قيام الإرادة والكراهة بالإضافة إلى أمرين لا بالنسبة إلى أمر واحد.
لأنا نقول: متعلق الإرادة مشخص فردها لا مقوم طبيعتها وحقيقتها، والعبرة
في التضاد، والقائل بنفس الحقيقة والتشخص تشخص المتضادين والمتماثلين
فوجودان من حقيقة واحدة متماثلان ووجودان من حقيقتين بينهما غاية البعد و
الخلاف متضادان، والمتعلق أجنبي عن الحقيقة. والغرض عدم لزوم اجتماع
الضدين والمثلين بالنسبة إلى موضوع النفس لا عدم محذور آخر أحيانا هذا
حالهما من حيث الموضوع.
وأما من حيث المتعلق فنقول لا ريب أن الشوق مثلا لا يوجد في
النفس بل يوجد متشخصا بمتعلقه، ويستحيل أن يكون الخارج عن أفق النفس
مشخصا لما في أفق النفس وإلا لزم إما كون الحركات الأينية والوضعية القائمة
بالجسم نفسانية، أو كون الإرادة النفسانية من عوارض الجسم خصوصا في
الإرادة التشريعية فإنه كيف يعقل أن تكون الحركات القائمة بالمكلف مشخصة
لإرادة المولى. مضافا إلى ما عرفت من أن البعث ومبدئه الإرادة التشريعية
موجودان وإن لم يوجد الفعل أصلا فكيف يعقل أن يتشخص الإرادة المحققة
بما لا تحقق له ولا يتحقق أصلا. مضافا إلى أن طبيعة الشوق بما هو شوق لا
تتعلق إلا بالحاصل من وجه والمفقود من وجه إذ الحاصل من جميع الجهات لا
جهة فقدان له كي يشتاق إليه النفس، والمفقود من جميع الوجوه لا ثبوت له
بوجه كي يتعلق به الشوق فلابد من حصوله بوجود العنواني الفرضي ليتقوم به
الشوق، ولابد من فقدانه بحسب وجوده التحقيقي كي يكون للنفس توقان إلى
إخراجه من حد الفرض والتقدير إلى حد الفعلية. والتحقيق على ما مر و
سيجيئ انشاء الله تعالى تفصيل القول فيه وبعد ما عرفت من الوجه في عدم
عروض الإرادة للهوية العينية وعدم لزوم اجتماع الضدين فيها تعرف أنه لا حاجة
إلى الاستدلال على ما ذكر بأن الإرادة علة للمراد فلا تكون عارضة له فان العلية
تنافي العروض، ووجه عدم الحاجة أن الغرض إن كان منافاة العروض للعلية
526

بنحو الكلية، ففيه عدم تماميته في عارض الماهية فإنها معروضة له مع أن ثبوتها
بثبوته فان الفصل عرض خاص للجنس مع أن تحصل الجنس بالفصل، وإن كان
منافاة عروض الإرادة للمراد الخارجي اي المراد بالعرض دون المراد بالذات
الذي ثبوته بثبوت الإرادة، ففيه أن عروض الإرادة حينئذ وإن كان من قبيل
عوارض الوجود لا عوارض الوجود لا عوارض الماهية إلا أن التحقيق كما مر سابقا في باب قصد
القربة أن الأمر ليس بوجوده الخارجي علة للمراد بل بوجوده العلمي القائم
بالمكلف فلم لا يكون العروض لوجوده الخارجي والعلية لوجوده العلمي؟ و
ليس المعلوم بالعرض علة للمعلوم بالذات حتى ينافي العروض أيضا. والعلم و
إن كان متأخرا طبعا لكنه عن المعلوم بالذات. والمعلوم بالعرض وإن كان متأخرا
طبعا لكنه عن الفعل المتعلق به المعلوم بالذات لا عن المعلوم بالذات فالصحيح
ما ذكرنا فتدبر.
" الأحكام تتعلق بحقيقة الشئ "
قوله: لا شبهة في أن متعلق الأحكام هو فعل المكلف الخ: قد مر في
مبحث تعلق الأمر بالطبيعة أن الموجود الخارجي لا يقوم به الطلب والايجاد
عين الوجود ذاتا وغيره اعتبارا فلا فرق بينهما في استحالة تعلق الطلب بهما، و
معنى تعلق الشوق بهما ما مر غير مرة من أن القوة العاقلة كما أن لها قوة ملاحظة
الشئ بالحمل الأولي كك لها قوة ملاحظة الشئ بالحمل الشايع فتلاحظ
الصلاة الخارجية التي حيثية ذاتها حيثية طرد العدم، وهي التي يترتب عليها
الغرض فيطلبها ويبعث نحوها، ومن الواضح أن وجود الصلاة الخارجية حينئذ
ليس إلا بفرض العقل وإحضاره ويكون معنى البعث به إخراجه من الفرض و
التقدير إلى الفعلية.
والتحقيق فالصلاة المفروضة وإن لوحظت فانية في الصلاة الخارجية إلا أن
527

الفناء لا يقتضي سريان ما قوم بالفاني إلى الفني فيه فإنه محال بل الفناء يصحح
البعث نحو الفاني مع قيام الغرض بالمفنى فيه، وليس نسبة الوجود العنواني إلى
الوجود العيني نسبة الاتحاد والعينية بأن يكون الفارق بينهما مجرد اتصاف
الوجود العنواني بالجامعية بين الوجودات العينية، وعدم اتصافها بها نظير
اتصاف الماهية بالكلية في مرتبة الذهن، وعدم اتصاف أشخاصها بها في موطن
التفرد والتشخص، ولذا جعل الوجوب بالإضافة إلى الفعل كالكلية بالإضافة إلى
الماهية من العوارض الذهنية بل نسبة الفاني إلى المفنى فيه نسبة العنوان إلى
المعنون لا كنسبة الطبيعي إلى فرده فان الطبيعي له موطنان مع وحدته ذاتا
فيتصف بالكلية في أحد الموطنين، وبالجزئية في موطن آخر بخلاف العنوان
فان موطنه الذهن وموطن الفرض والاعتبار، ومطابقة موطنه الخارج كما هو
الحال في مفهوم الوجود ومصداقه. فتوهم أن الوجود العنواني هو الوجود
العيني بحقيقته وأن الجامع بذاته موجود في الخارج لا بوصف الجامعية نظير
الطبيعي وفرده غفلة واضحة على أهل الفن.
وأما توهم أن نسبة الوجوب إلى الفعل كنسبة الكلية إلى الماهية وأنه من
عوارضها الذهنية. ففيه أن الكلية من العوارض الذهنية لأمر ذهني فان عدم الاباء
عن الصدق شأن المفهوم فان الصدق شأن المفهوم بما هو مفهوم ولا موطن له إلا
الذهن بخلاف الحكم فإنه إن كان بمعنى الإرادة فهي من الصفات النفسانية لا من
الأمور الذهنية، وإن كان بمعنى البعث والزجر الاعتباريين فخارجيتهما بخارجية
منشأ انتزاعهما فان الانشاء بداعي جعل الداعي خارجي، وهو البعث الخارجي،
ولا ثبوت لمتعلقهما إلا بثبوت النفس الإرادة والبعث فهما من العوارض
التحليلية لا من العوارض الذهنية المقابلة للعوارض العينية، وقد عرفت أن منشأ
عدم التضاد وعدم التعلق بالهويات الخارجية إذا فلا حاجة إلى إعادة الكلام.
528

" في إثبات وحدة المعنون "
قوله: لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون الخ: توضيحه
أن المفاهيم وإن كانت في حدود ذواتها متبائنات لكنها ليست دائما متقابلات
بل ربما يقتضي البرهان عدم مطابقة موجود واحد لمفهومين فهما متقابلان
كالعلية والمعلولية حيث يستحيل أن يكون الواحد بما هو علة ومعلولا، وربما
لا يقتضي البرهان ذلك فلا يأبى الواحد أن يكون مطابقا لمفاهيم متعددة وهذه
الطائفة من المفاهيم قسمان، فتارة يكون مبدئها في مرتبة ذات الشئ، وأخرى
في مرتبة متأخرة عن ذاته فان كان المبدء في مرتبة الذات فلا يستدعي العنوان و
مبدئه مطابقين، وإن كان المبدء في المرتبة المتأخرة فلا محالة للمبدء وجود آخر
قائم بالذات.
إما بقيام انضمامي أو بقيام انتزاعي فمجرد صدق العناوين المتعددة على
الواحد لا يستدعي أن يكون وجود المبدء عين وجود المعنون فمثل الأسماء
الحسنى والصفات العليا حيث أنها تنتزع عن مرتبة ذاته المقدسة بلا حيثية زائدة
على ذاته، فذاته بذاته مطابق العنوان ومبدئه معا، لأن وجوده سنخ وجود بسعته
وصرافته يكون مطابق جميع الأوصاف، ولذا ورد فيه تعالى علم لا جهل فيه، و
حياة لا موت فيه، ونور لا ظلمة فيه، وعن أساطين الحكمة " وجود كله وجوب
كله " " علم كله قدرة كله " وبهذا الاعتبار يكون الوجود العيني الحقيقي وجودا و
موجودا والبياض الحقيقي بياضا وأبيض إلى غير ذلك.
وبالجملة فمجرد تطابق العناوين المتعددة لا يستدعي وحدة المطابق ولا
كثرته بل لابد من ملاحظة أن الصلوتية والغصبية هل تنتزعان من حركة واحدة
بحيثية واحدة أو بحيثيات متعددة في الوجود أو بحيثيات اعتبارية لا يقتضي
تعدد الوجود فنقول تشريحا لحقيقة الصلاة والغصب أن الصلاة ليست بنفسها
مقولة من المقولات، ولا عنوانا لمقولة واحدة بل الصلاة مركبة اعتبارا من
529

مقولات متعددة كمقولة الكيف المسموع، والكيف النفساني، والوضع، و
الإضافة وقد تقرر في محله أن المقولات المتبائنة لا تندرج تحت مقولة واحدة
لأن المقولات أجناس عالية، ولا جنس للأجناس العالية، وإلا لزم الخلف، و
ليس المركب من مقولات مقولة برأسها لاعتبار الوحدة في المقولة، وإلا لما
أمكن حصر المقولات فليس للصلاة مع قطع النظر عن تلك المقولات مطابق
عيني في الخارج، بل مطابقها عبارة عن مطابقات متعددة كل منها مقولة برأسها،
وبهذا البيان تبين أيضا أن الصلاة وضعا واستعمالا اسم للمركب من مقولات
متعددة لا عنوان المركب منها.
نعم إذا قيل باستعمالها دائما في مفهومها اللغوي وهو " العطف والميل " وأن
المركب الخارجي الاعتباري معنونة ومحققة صح كونها من العناوين المنطبقة
على الأكوان الخاصة لكنها ليست كك على ما هو المشهور بل على ما هو
التحقيق هذا حال الصلاة.
وأما الغصب فهو عبارة عن كون الحركة مثلا بحيث لا يرضى بها مالك الدار و
أن نفس الحركة الخاصة مصداق للمغصوب وإطلاق الغصب عليها بمعناه
المفعولي لا المبدء بما هو كالفوقية والتحتية فإنهما عبارة من كون الشئ واقعا
في حيز خاص بالإضافة إلى الاخر وأن الكائن في الحيز الخاص مطابق الفوق و
التحت، ومن الواضح أن تحليل هذا المطلب يقتضي حركة وكونا من جملة
المقولات، وكراهة المالك التي هي كيف نفساني، وإضافة تلك الكراهة بتلك
الحركة، وبما ذكرنا تبين اتحاد المسمى بالصلاة وعنوان الغصب وجودا بل لعل
الأمر في الاتحاد أوضح بلحاظ ما عرفت، من عدم كون الصلاة عنوان المقولات
بل نفس المركب الاعتباري منها، وهو بعينه ما تعلقت به كراهة المالك، و
سيجيئ إنشاء الله تعالى تتمة الكلام في الحاشية الآتية، وفي آخر مسألة
التوسط في الغصب فانتظر.
530

" في عدم ابتناء الامتناع على القول بأصالة الوجود "
قوله: لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد الخ: هذه المقدمة لدفع ما
يترائى من الفصول (1)، من ابتناء الجواز والامتناع على إحالة الماهية وأصالة
الوجود فان تعدد ماهية الصلاة وماهية الغصب مما لا ريب فيه فإذا كانت الماهية
متأصلة فمناط تأصلها وتحصلها نفسها، فمورد الأمر غير مورد النهي تحصلا
بخلاف ما إذا كان الوجود أصيلا فان اتحاد الماهيتين في الوجود أمر معقول
كاتحاد الماهية الجنسية والماهية الفصلية في الوجود فتكون مورد الأمر والنهي
تحصلا واحدا. فلذا أجاب قده بأن وحدة المطابق في الخارج هنا مسلم سواء
كان المطابق المزبور مطابق الماهية بالذات ومطابق الوجود بالعرض، كما يقول
به القائل بأصالة الماهية أو كان مطابق مفهوم الوجود بالذات ومطابق الماهية
بالعرض كما يقول به القائل بأصالة الوجود، وماهية الغصب ليستا
من ماهية الحقيقية المقولية ليلزم جريان النزاع المزبور فيهما بل من المفاهيم
العنوانية الاعتبارية وإلا فيستحيل أن يكون لوجود واحد ماهيتان، وحدان
حقيقيان لوجوده، وسيجيئ انشاء الله بطلان القياس بالماهية الجنسية و
الفصلية، وهذه المقدمة في نفسها مسلمة إلا أنه ربما يتخيل أن مطابق الغصب
مقولة قائمة بالمقولات التي تركب الصلاة، منها والمقولات متبائنة ماهية، و
وجودا فان قيام العرض بموضوعه لا يقتضي وحدة الوجود، ولذا اشتهر عند
أهله أن تركب العرض وموضوعه اعتباري لا حقيقي حيث لا وحدة حقيقة
هناك، والمراد بتلك المقولة حيثية إضافة الحركات الصلوتية مثلا بكراهة
المالك، ومقولة الإضافة تعرض جميع المقولات، وهذه الحيثية المقولية عين
حيثية الغصبية وجودا.
ويندفع: أولا: بأن إضافة كراهة المالك بالتصرف الخارجي كإضافة العلم إلى

1 - فصول ص 127.
531

المعلوم الخارجي المعبر عنه بالمعلوم بالعرض وليس هذه الإضافة حقيقة، إذ لا
يحدث بسبب كراهة المالك أو علم العالم عرض في التصرف الخارجي و
المعلوم الخارجي بوجه من الوجوه، بل إضافة الكراهة حقيقة إلى المكروه
بالذات وإضافة العلم حقيقة إلى المعلوم بالذات، وما في الخارج مطابق
المكروه. والمعلوم بالذات.
وثانيا: أن المشهور أن الإضافة أمر اعتباري لا وجود له في الخارج أصلا.
وثالثا: سلمنا أن مقولة الإضافة موجودة في الخارج لكنها غير موجودة
بوجود استقلالي بل موجودة بوجود ما له الإضافة نظير وجود المقبول بوجود
القابل لما حررناه في محله أن وجود مقولة الإضافة المختلفة باختلاف القياس
إلى شئ دون شئ مع عدم تفاوت ذات ما له الإضافة، وعدم خروجه عن
حده الوجودي ليس إلا هكذا، ولا يعقل أن تكون موجودة بغير هذا النحو لأن
الواحد لا يعقل أن يكون وجودا لمقولتين بالذات فتكون كالقابل والمقبول
بحيث يكون هذا الواحد وجودا لمقولة بالذات، وللآخر بالعرض، وفعليته
بفعلية الاعتبار والانتزاع، وهذا وجه جمع بين القول بأن وجود مقولة الإضافة
اعتباري أي بلحاظ فعلية الأمر الانتزاعي، والقول بأن وجودها خارجي أي
بخارجية منشأ الانتزاع والمضاف الموجود في الخارج، وحيث عرفت نحو
وجود مقولة الإضافة تعرف أنه لا يقبل المجمع للأمر والنهي حيث لا تعدد في
الوجود عينا بحيث يكون أحدهما موردا للأمر والاخر موردا للنهي فتدبره جيدا.
ورابعا: سلمنا أن تكون هناك مقولة قائمة بتلك المقولات المسماة بلحاظ
تركبها الاعتباري بالصلاة أو ببعضها إلا أن ذات تلك المقولة ليست مطابق
الغصب لا بمعناه الذي يكون مبدء لمشتقاته، ولا بمعناه الفاعلي، ولا بمعناه
المفعولي بل قيامها بها مصحح انتزاع الغصبية بأحد المعاني، بداهة أن نفس
إضافة الحركة بكراهة المالك ليس غصبا بأحد المعاني بل بلحاظها ينتزع كون
التصرف مضافا إلى كراهة المالك، وبلحاظها يقال إن التصرف الكذائي غصب، و
532

الكلام في اتحاد الغصب الذي هو مورد النهي مع مورد الأمر لاتحاد مصحح
انتزاعه معه، ومن البين أيضا أن التصرف الكذائي حرام لا إضافة التصرف بكراهة
المالك، بل ولا جعل التصرف مضافا إلى كراهة المالك هذا.
ويمكن أن يقال في وجه ابتناء هذا النزاع على أصالة الوجود والماهية أن
الوجود لو كان أصيلا كان جهة وحدة بين الماهيات، وبين المفاهيم والعناوين و
معنوناتها وإلا فلا، فنحن وإن سلمنا وحدة الماهية المقولية هنا لكنه حيث أن
الوجود ليس بأصيل فليس هناك جهة وحدة بين تلك الماهية والعنوان العارض
عليها إذ كما يكون التبائن بين ماهية وماهية مسلما في حد ذاتهما كك بين
المفاهيم بعضها مع بعض وإن لم تكن من سنخ المقولات، وكك التبائن بين
العنوان والمعنون فإذا تعلق الحكم بعنوان وحكم آخر بمعنونه لم يلزم اجتماع
الحكمين في واحد إذ لا جهة وحدة إلا الموجود، وهو غير متأصل والمفهوم
الاعتباري في قبال ساير المفاهيم، وليس مفهوم جهة وحدة مفاهيم متبائنة
فالغرض ابتناء الامتناع على أصالة الوجود المصحح للاتحاد والجواز على عدم
أصالة الوجود لا على أصالة الماهية بما هي ماهية حتى يقال إن وحدة الماهية
المقولية هنا مسلم.
لا يقال: الحكم ليس على العنوان بما هو حتى يتعدد مورد الأمر والنهي بل
فانيا في معنونه فهي الحقيقة مورد الحكمين هو المعنون.
لأنا نقول: لا يكون العنوان فانيا في معنونه إلا باعتبار مطابقة المعنون له، و
انتزاع العنوان منه، وكل ماهية في حد ذاتها ليست إلا هي، ولا قيام لماهية
بماهية ولا لمفهوم بماهية أو مفهوم حتى يصحح الانتزاع، وفناء العنوان و
المعنون فتدبر جيدا.
533

" عدم ابتناء النزاع على عدم تعدد الجنس والفصل "
قوله: كما ظهر عدم ابتناء النزاع على عدم تعدد الجنس والفصل
الخ: هذا أيضا في الفصول (1) وعبارته - ره - هكذا. واعلم أن هذا الدليل يبتنى
على أصلين، أحدهما أن لا تمايز بين الجنس والفصل ولواحقهما العرضية في
الخارج كما هو المعروف انتهى.
ولا يخفى أن توهم كون أحد العنوانين جنسا والاخر فصلا من مثل صاحب
الفصول - ره - بعيد، وتوهم كون الحركة جنسا والصلوتية والغصبية فصلا أبعد،
حيث لا يعقل تفصل الجنس بفصلين في مرتبة واحدة.
نعم لو فرض كون الجنس في مقام موردا للأمر، والفصل موردا للنهي صح هذا
الابتناء، وغرضه - ره - أيضا ذلك لأن الأمر في خصوص الصلاة والغصب كذلك،
والمراد من عدم التمائز بين الجنس والفصل ليس كون التركيب اتحاديا فإنه وإن
كان مقتضى التحقيق لكنه ليس هو المعروف بل المعروف كون التركيب انضماميا
والقول بالاتحاد من بعض القدماء ومن السيد السند الصدر الشيرازي وتبعه
المحققون من المتأخرين بل المراد من عدم التمايز مجرد الاتحاد المصحح
للحمل المجتمع مع كون التركب انضماميا فان اعتبار اللا بشرطية في المتغائرين
في الوجود مصحح للحمل عندهم، وهذا هو الذي يكون المخالف فيه شاذا كما
صرح بشذوذه في الفصول، إلا أن المراد من عدم التمائز لو كان مجرد الاتحاد
المصحح للحمل لا الاتحاد في الوجود لم يكن مانعا عن الاجتماع لأن مورد الأمر
والنهي حينئذ متغائران ماهية ووجودا فكيف يصح اجتماع الضدين في واحد.
مضافا إلى أنه مع قطع النظر عن إشكال التضاد يرد محذور آخر، وهو أن
المراد بالجنس المأمور به إن كان الجنس المتفصل بالفصل المنهي عنه أي
الحصة الخاصة، يلزم التكليف بما لا يطاق لعدم معقولية الانفكاك، وإن كان

1 - فصول ص 127.
534

طبيعي الجنس ولو في ضمن نوع غير متفصل بالفصل المنهي عنه فلا يعقل
جواز الاجتماع إلا إذا أمر بالجنس ونهى عن الفصل دون العكس، وإلا لاستحال
الامتثال أيضا.
ويمكن حمل عبارة الفصول على وجه بعيد، وهو إرادة عدم التمائز بين
الجنس والفصل، وبين لواحقهما العرضية لا بين نفس الجنس والفصل، ومن
الواضح أن اللواحق العرضية سواء كانت محمولات بالضميمة، أو من الخارج
المحمول متحدة الوجود مع معروضاتها على المعروف، ولا قائل بالمغائرة في
الوجود إلا من يدعي اتحاد العرض والعرضي، وأن مفهوم المشتق عين مبدئه، و
أن المبدء هو المحمول على ذيه بالاعتبار اللا بشرطي فان المبدء المحمول على
هذا القول متغائر الوجود، ومتمائز الهوية عن معروضه الذي يقوم به بقيام
انضمامي أو بقيام انتزاعي، ووجه مناسبة هذا الابتناء لما نحن فيه كون الصلوتية
والغصبية بالإضافة إلى مقولة الحركة في الدار من اللواحق العرضية بمعنى
الخارج المحمول لمقولة الحركة والله العالم.
" في بطلان استنتاج الامتناع من المقدمات الأربع "
قوله: إذا عرفت ما مهدناه عرفت أن المجمع الخ: لكنك عرفت الحال
في المقدمة الأولى والثانية فلا موجب للتضاد سواء كان الوجه متحدا أو متعددا
للوجه الذي تفردنا به في رفع التضاد، وأما المانع من حيث لزوم التكليف
بالمحال أو لزوم نقض الغرض أو التقرب بالمبعد.
فنقول أما التكليف بالمحال فإنما يلزم إذا تعلق التكليف إما بالافراد أو
بالطبيعة بحيث تسع هذا الفرد المتحد مع المنهي عنه فان متعلق التكليف غير
مقدور شرعا.
وأما إذا قلنا بعدم لزوم أحد الأمرين بل يتعلق التكليف بنفس وجود الطبيعة
المقدور عليه من حيث نفسه فمتعلق التكليف بما هو مقدور. بيانه أن ملاحظة
535

الطبيعة فانية في أفرادها بحيث تسع جميعها أنما هي لدفع دخل خصوصية من
الخصوصيات المفردة في المطلوبية.
وأما إذا قطعنا بأن الغصبية لا مانعية لها عن ترتب الغرض من الصلاة وأن
لوازم وجود الطبيعة لا دخل لا في الغرض منه فلا حاجة إلى ملاحظة وجود
طبيعة الصلاة فانيا في جميع الأفراد بل يلاحظ الوجود العنواني فانيا في الوجود
الحقيقي المضاف إلى طبيعة الصلاة، وهو مقدور في حد ذاته، وله أفراد مقدورة
في الخارج بحيث ينطبق عليها في قبال ما إذا لم يكن هناك مندوحة فان وجود
الطبيعة بما هو غير مقدور حيث لا يمكن تطبيقه في الخارج على أمر مقدور
فكون وجود الطبيعة مقدورا يصحح تعلق التكليف بصرف وجود الطبيعة لا أن
الطبيعة المقدورة بهذا العنوان مأمورا بها حتى لا يعم الفرد الغير المقدور.
ومنه يتضح أن اتيان الفرد في الخارج بداعي الأمر بمجرد وجود الطبيعة لا
مانع منه لأن الأمر لا يتعلق ولو بالواسطة بالفرد، فالمقدور وغيره في عدم تعلق
الأمر به على حد سواء بل المقدور وغيره في فرديته لما تعلق به الأمر وهو
وجود الطبيعة على نهج واحد.
نعم لو كانت القدرة شرطا شرعيا أو كان الأمر متعلقا بالطبيعة التي تسع الافراد
كان الفرد الغير المقدور خارجا عن دائرة الطبيعة المأمور بها.
وأما مع عدم فرض لحاظ الكثرات والمميزات في مقام الأمر بوجود الطبيعة
فشمول وجود الطبيعة لفرد دون فرد خلف واضح وعليه فالداعي إلى إتيان الفرد
المتحد مع الغصب تعلق الأمر بوجود الطبيعة التي لا شك في فردية هذا الفرد لها
وقد عرفت سابقا عدم سريان الأمر إلى الأفراد حتى مع لحاظ وجود الطبيعة
عنوانا فانيا في وجودها الحقيقي بل تطبيق المأمور به على الفرد المأتي به هو
الداعي إلى إتيان الفرد في المقدور وغيره فتدبر.
وأما نقض الغرض فان أريد أن البعث نقض للزجر وإيجاد لمعانده من حيث
التضاد فقد عرفت عدم التضاد، وإن أريد أن البعث نقض للزجر من حيث
536

الامتثال وأنه سد لباب امتثال الزجر. ففيه ما عرفت أن الأمر لم يتعلق من قبل
المولى إلا بما لا مناقضة له من حيث الامتثال مع النهي لتعلقه بصرف وجود
الطبيعة لا بما يسع هذا الفرد المنهي عنه ليكون نقضا من قبل المولى لنهيه، وسد
الباب امتثاله، وإن أريد أن انقداح الداعي في نفس المولى إلى البعث مناف
لانقداحه إلى الزجر ففيه أن قيام المصلحة في شئ بعنوان، وقيام المفسدة فيه
بعنوان آخر مما لا شك فيه، وتصور المصلحة يوجب الرغبة فيها، وتصور
المفسدة يوجب الرغبة عنها فموافقة المصلحة، ومنافرة المفسدة للطبع
وجدانية، وكذا الإرادة النفسانية والكراهة النفسانية في التشريعية، وكذا البعث و
الزجر المنبعثين عنهما بملاحظة ما قدمناه من تعلق البعث بصرف وجود الطبيعة
فأرادته والبعث نحوه لا يمنع عن كراهة الغصب بجميع أفراده والزجر عنها، و
أما في الأداة التكوينية والكراهة التكوينية فإنما لا يعقل انقداح الداعي إليهما
الموجب لاجتماعهما من حيث أنما جزء الأخير من العلة التامة للفعل والترك
معا، وحيث لا يعقل فلا يعقل انقداح الداعي إليهما معا، فلابد من الكسر و
الانكسار بين المصلحة والمفسدة في مقام تأثيرهما في الفعل والترك.
وأما التقرب بالمبعد فان أريد منه ما هو نظير القرب والبعد المكانيين بحيث
لا يعقل حصول القرب إلى مكان مع حصول البعد عنه. ففيه أن لازمه بطلان
العمل حتى في الاجتماع الموردي نظرا إلى عدم حصول القرب والبعد معا في
زمان واحد، وأن أريد منه سقوط الأمر والنهي، وترتب الغرض، وعدمه فلا
منافاة بين أن يكون الواحد مسقطا للأمر حيث أنه مطابق ما تعلق به ومسقطا
للنهي بالعصيان حيث أنه خلاف ما تعلق به وتقتضيه، وكذا ترتب الثواب عليه
من حيث أنه موجب لسقوط الأمر باتيان ما يطابق متعلقه المحصل للغرض منه
فإنه لا ينافي ترتب العقاب عليه من حيث أنه موجب لسقوط النهي باتيان ما
يناقض متعلقه المنافي لغرضه منه بل هكذا حال القرب والبعد الناشئين من
التخلق بالأخلاق الفاضلة أو الرذيلة فإنه بواسطة التخلق بالخلق الفاضل له التشبه
537

بالمبدء الكامل فهو قريب منه من هذا الوجه، وإن كان بواسطة التخلق بخلق
رذيل بعيد منه من ذلك الوجه، ومنه يعلم أن الأعمال وإن كانت مقدمة للأحوال
لكنه لا مانع من كون الواحد بما هو صلاة مقدمة لحال، وبما هو غصب مقدمة
لحال أخرى فتدبر جيدا.
قوله: أنه لا يكاد يجدي أيضا كون الفرد مقدمة الخ: لا يخفى عليك
أن المراد بالفرد تارة، هي الماهية المحفوفة المحفوفة بلوازمها الخارجية أعني
ماهية الانسان بما هي ذات وضع وكم وكيف إلى غير ذلك، ومثل هذا الفرد
ليس مقدمة للكلي بل من حيث أن الحيوانية والناطقية بالإضافة إلى هذا
المجموع كالجزء بالنسبة إلى الكل فللكلي عنوان المقدمية والسابقية وطبعا
بالإضافة إلى مثل هذا الفرد، وأخرى نفس الهوية العينية التي تنتزع منها الحصة
المتقررة في ذاتها المأخوذة من طبيعة الانسان نظرا إلى أن عوارض " زيد " مثلا
لكل منا طبيعة خاصة، ولها وجود في نفسها، وليس فرد طبيعة مناط فردية
شئ لطبيعة أخرى بل الحصة المتقررة في مرتبة ذات الهوية العينية بالإضافة
إلى الطبيعة الكلية المأخوذ منها فردها وشخصها، وبهذا الاعتبار يقال إن الكلي
الطبيعي جزء تحليلي للفرد وإلا فبالاعتبار الأول جزء خارجي لتبائن كل منها مع
الأخرى في الوجود، وحيث أن هذه الهوية هوية تلك الماهية صح أن يقال بأن
الماهية موجودة في الخارج وحيث أن هذه الهوية مطابق عنوان الوجود بالذات،
ومطابق ماهية الانسان بالعرض فالوجود موجود بالذات، والماهية موجودة
بالعرض، والحصة بالإضافة إلى الطبيعة الكلية كك، وكل ما بالذات له نحو من
المقدمية والسابقية بالنسبة إلى ما بالعرض، وأنه الواسطة في العروض، ولذا
قيل إن الشخص بالإضافة إلى النوع والفصل بالإضافة إلى الجنس ما به التحصل،
وفاعل ما به الوجود إلا أن المقدمية والسابقية غير مجدية هنا لأن الهوية و
الماهية متحدتان في الجعل والوجود، ولا تعدد حتى يكون أحدهما مأمورا به،
والاخر منهيا عنه.
538

هذا تحقيق المقام، لكن هذا المجوز القائل بالجواز من طريق المقدمية بناء
كلامه على توهم الفردية بالمعنى الأول لأن بنائه على أن الأمر لا يتعلق إلا
بالطبيعة وأن الأمر المقدمي الساري إلى الفرد لا يتعلق إلا بأمر كلي، وليس هو إلا
الطبيعة المحفوفة بلوازمها بنحو الكلية.
وأما إذا أريد من الفرد نفس الحصة المتقررة في ذات الهوية العينية فبمقتضى
ما عرفت لا ينبغي سراية أمر مقدمي إليها لأن تلك الحصة شخصية لا كلية و
الوجود العيني ليس من الطبايع وعنوان الوجود بالإضافة إلى حقيقته ومعنونه و
إن كان كليا لكنه ليس بمقدمة لأن عنوان الوجود لا يشخص الماهية ولا يفردها،
ولا ينتزع الماهية من عنوان الوجود ليكون له المقدمية.
وأما بناء على أصالة الماهية فتأصلها أو تحصلها بنفس ذاتها لا بأمر آخر
فليس هناك أمر آخر يكون مناط فرديتها وتشخصها ليكون مقدمة لها فلا يعقل
الفرد حينئذ إلا بالمعنى الأول الذي عرفت فساده، ولذا جعل هذا مبدء برهان
على أصالة الوجود نظرا إلى أن الماهية لا يمتنع صدقها على كثيرين، ولا يكون
ذلك بإضافة ماهية أخرى إليها فإنها كالأولى في عدم الاباء عن الصدق فلو لم
يكن الوجود أصيلا بحيث يكون عين التشخص لما تحقق فرد من نوع أصلا.
قوله: كيف والمقدمية تقتضي الأثنينية الخ: قد عرفت أن المقدمية لا
تقتضي الاثنينية بل الدخول في محصل النزاع يقتضي الاثنينية في الوجود.
قوله: انما يجدي لو لم يكن المجمع الخ: إلا أن يقال إن الأمر الانتزاعي
حيث أنه موجود بوجود منشأ انتزاعه فلمنشائه السابقية والمقدمية على حد
مقدمية الفرد للطبيعي.
قوله: كما يظهر من مداومة الأئمة عليهم السلام الخ: يمكن أن يقال
إن اختيارهم عليهم السلام لطرف الترك لمجامعته فعل ساير المستحبات من
دون رجحان لمزية الترك على مزية الفعل.
نعم ترجيح الترك على الفعل في مقام الجواب عن سؤال حال الصوم دليل على
539

رجحانه من حيث المزية على مزية الفعل.
" في أرجحية ترك النهي التنزيهي وعدمها "
قوله: أما لانطباق عنوان ذي مصلحة الخ: انما التزم بعنوان راجح لا
برجحان الترك لا لأن الترك لا يمكن أن يكون كالفعل ذا مصلحة بتوهم لزوم علية
الشئ وجودا وعدما لشئ، فإنه يندفع بالتزام تأثير الفعل في مصلحة، وتأثير
الترك في مصلحة أخرى لا في مصلحة واحدة بل لأن الترك لو كان بذاته راجحا
لزم اتصاف الفعل بالراجحية والمرجوحية معا لكونه نقيض الترك الراجح، و
نقيض الراجح مرجوح، بخلاف ما إذا كان الترك بعنوان منطبق عليه راجحا فان
الفعل ليس نقيضا للترك بما هو معنون حتى يتصف بالراجحية والمرجوحية بل
نقيض لما لا رجحان فيه.
ويمكن أن يورد عليه بأن الفعل إذا كان راجحا كما هو المفروض لزم
مرجوحية نقيضه وهو الترك بذاته مع أن الترك بعنوانه راجح فالراجحية و
المرجوحية وإن لم تجتمعا في عنوان واحد، ولا في ذات المعنون إلا أن العنوان
والمعنون لا يختلفان في الحكم، ولا يتفاوتان بالراجحية والمرجوحية بل من
يقول بجواز اختلاف الواحد في الحكم بعنوانين لا يقول به في العنوان والمعنون
ولا يمكن الالتزام بمرجوحية الترك بذاته شأنا، وبأرجحية عنوانه فعلا لأن
المفروض رجحان الفعل فعلا فيكون نقيضه، وهو الترك بذاته مرجوحا فعلا لا
شأنا لأن الراجحية والمرجوحية من باب التضايف، والمتضائفان متكافئان بالقوة
والفعلية.
بل يمكن أن يقال أن الفعل وإن لم يكن نقيض الترك بعنوانه الطاري لكنه لازم
نقيضه، ومع اتصاف الترك المعنون بالراجحية فعلا كان نقيضه اللازم للفعل
مرجوحا فعلا فلا يمكن أن يكون الفعل اللازم للنقيض راجحا فعلا لأن
540

المتلازمين وإن لم يجب اتحادهما في الحكم لكنه لا يعقل اختلافهما في الحكم
فلا يعقل اتصاف الفعل ولازمه بالراجحية والمرجوحية بالفعل ففي كل من
طرفي الفعل والترك محذور اجتماع الراجحية والمرجوحية.
والجواب عن الكل أن مصلحة الترك ولو بعنوان آخر إن كانت مساوية
لمصلحة الفعل فالكراهة والاستحباب كلاهما ملاكي لاستحالة فعلية الطلبين و
إن كانت أرجح من مصلحة الفعل فالكراهة بمعنى طلب الترك عن مصلحة فعلية
والاستحباب ملاكي، وعلى أي حال ليس للفعل استحباب ورجحان في ذاته
فعلا حتى يلزم اختلاف المتلازمين في الحكم أو يوجب مرجوحية الترك بذاته
فعلا ليلزم اختلاف العنوان والمعنون في الحكم الفعلي فليس الفعل إلا راجحا
شأنا لا راجحا فعلا ولا بذاته مرجوحا فعليا حتى ينافي وقوعه عبادة بل لازمه
مرجوح فعلا.
بل التحقيق أن الراجحية والمرجوحية بمعنى الغالبية والمغلوبية في تأثير
الملاك ولا منافاة بين عدم تأثير الترك بعنوانه وتأثير عنوانه الطارئ فلم يلزم
اختلاف العنوان والمعنون في الحكم، ولا اختلاف المتلازمين في الحكم بل
اختلافهما في مقام التأثير بالنفي والثبوت فلم يلزم اختلافهما في مقولة الحكم
الحقيقي الفعلي، ولا اجتماع الوصفين الثبوتيين المتضايفين في واحد فافهم
جيدا.
وربما يورد (1) على أصل الالتزام بانطباق عنوان راجح على الترك بأن العنوان
الوجودي لا يمكن أن ينطبق على العدم لأن معنى الانطباق هو الاتحاد في
الوجود الخارجي والعدم ليس له وجود خارجي.
ويندفع بان الحال انتزاع مفهوم ثبوتي من العدم والعدمي. وأما المفهوم
السلبي فهو موافق في حيثية العدم لما ينتزع منه، ولا يلزم منه رجوع ما حيثية
ذاته حيثية النفي إلى حيثية الثبوت وبالعكس فمثل صوم يوم عاشوراء حيث أنه

1 - كما عن بعض أجلة العصر.
541

موافقة لبني أمية عليهم اللعنة لالتزامهم بصوم هذا اليوم شكرا وفرحا فتركه
مخالفة لهم، وهي مطلوبة للشارع وليست المخالفة هنا إلا عدم الموافقة لهم في
الصوم واتصاف شئ بشئ لا يستدعي الثبوت الخارجي بل الثبوت في
ظرف الاتصاف على الوجه المناسب للمثبت له، ولو بلحاظ الفرض والتقدير و
لذا يوصف الأعدام ويخبر عنها كما مر في بعض مباحث المشتق فراجع.
قوله: وأرجحية الترك من الفعل لا يوجب الخ:
فان قلت: أرجحية الترك وإن لم يوجب حزازة في الفعل لكنه يوجب المنع
عنه، وهو كاف في فساده إذا كان عبادة ولذا تسالموا على فساد الضد بناء على
مقدمية ترك الضد فان طلب تركه يقتضي المنع عن فعله فيفسد مع أنه لا حزازة
فيه بل الترك حيث كان ذا مصلحة مقدمية صار مطلوبا وفعله ممنوعا عنه.
قلت: قد عرفت أن الترك ليس بنفسه مطلوبا كي يكون الفعل النقيض له
ممنوعا عنه بل الترك بعنوان خاص مطلوب، ونقيضه لازم الفعل لا أنه عينه كما
إذا ترك الصوم بعنوان المخالفة لبني أمية عليهم اللعنة في يوم عاشوراء
مطلوبا فان مجرد الترك لا بعنوان المخالفة بل كما يتركه أحدهم لبعض الدواعي
ليس مطلوبا حتى يكون فعله ممنوعا عنه. ومن البين أن حكم النقيض لا يسري
إلى لازمه ولا نقول بمطلوبية الفعل فعلا حتى يلزم منه اختلاف المتلازمين في
الحكم الفعلي، وعليه فلا حاجة إلى ما أفاده العلامة الأستاذ - قده - في حاشية
الكتاب (1) في مقام الجواب عن هذا الاشكال، بالفرق بين النهي التحريمي و
النهي التنزيهي بأن الأول يمنع ولو لم يكشف عن حزازة دون الثاني فإنه لا يمنع
عن التقرب إلا إذا كشف عن حزازة ومنقصة في الفعل ولازمه حينئذ أن المانع
عن التقرب أحد الأمرين إما النهي التحريمي أو المفسدة والحزازة.
أقول: مخالفة النهي يوجب البعد مطلقا غاية الأمر أن التحريمي منه يوجب
مخالفته بعدا من المولى في بعض المراتب، والتنزيهي منه يوجب البعد عنه في

1 - الكفاية ج 1 ص 256.
542

بعض المراتب الاخر كموافقة الأمر اللزومي والأمر الندبي فإنها توجب القرب
من المولى بحسب مراتب القرب المترقب في الواجبات والمستحبات، وعليه
فإذا كان الفعل موجبا للبعد بملاحظة كونه مخالفة للنهي فلا يعقل أن يكون
موجبا للقرب بلحاظ تلك المرتبة التي لوحظ القرب والبعد بالإضافة إليها، وكون
المكلف مرخصا في فعل ما يوجب البعد بمقدار بلحاظ بعض مراتب القرب و
البعد لا ينافي كونه مبعدا بذلك المقدار مع عدم البعد المرتب على ترك
الواجبات وفعل المحرمات الذي بلحاظه يكون الفعل مرخصا فيه، وأما
المفسدة والحزازة فهما بما هما مفسدة وحزازة لا تنافيان القرب، ولا تقتضيان
البعد بل المنافي للقرب هو البعد، والمقتضي للقرب والبعد موافقة الأمر و
النهي، ومخالفتهما بما هما عدل في العبودية أو ظلم على المولى، وقد مر في
باب التوصلي والتعبدي أن تحصيل المصلحة بما هي أو عدم التحرز عن
المفسدة بما هي لا يوجب القرب ولا البعد، ولا هما بنفسهما عدل في العبودية،
أو ظلم فهما أجنبيان عن المقربية والمبعدية، وأما عدم فساد العبادة إذا كانت
ضد المستحب أهم فلا يكشف عن عدم مانعية طلب تركها لامكان ابتنائه على
عدم مقدمية تركها أو على استظهار الاستحباب الاقتضائي من أدلة المستحبات
الكثيرة التي لا يفي الوقت بها فليس هناك طلب فعلي حتى يطلب تركها فعليا
ليمنع عن وقوعها عبادة.
قوله: وإما لأجل ملازمة الترك لعنوان الخ: ولا يتوهم حينئذ عدم
المانع عن اتصاف الفعل بالمطلوبية الفعلية نظرا إلى أن طلب لازم الشئ لا
يمنع عن نقيضه وذلك لأن النقيض وإن لم يكن ممنوعا عنه على أي حال إلا أن
طلب الفعل وطلب لازم نقيضه على حد طلب النقيضين في عدم امكان
امتثالهما.
قوله: إلا في أن طلب المتعلق به ليس تحقيقي بل بالعرض الخ: لا
يخفى عليك أن الثبوت العرضي لا يعقل إلا مع الثبوت الذاتي لأن ما بالعرض
543

ينتهي إلى ما بالذات فالثبوت العرضي أنما يتصور إذا تعلق النهي حقيقة بشئ
فينسب هذا الثبوت الحقيقي إلى لازمه بالعرض، فيقال إن النهي المنسوب إلى
الشئ بالحقيقة منسوب إلى لازمه بالعرض، وأما إذا لم يكن ثبوت حقيقي
لشئ فكيف يعقل ثبوت عرضي بالإضافة إلى لازمه، ولا واقع لحقيقة الحكم
الفعلي إلا الانشاء بداعي جعل الداعي إلى ما تعلق به، وهو على الفرض متعلق
بلازم الشئ ابتداء لا به أولا وبالذات، وبلازمه ثانيا وبالعرض إلا أن يراد من
الثبوت بالعرض بلحاظ الغرض بمعنى أنه لا غرض في دعوة البعث أو الزجر إلى
ما تعلق به بل في دعوته إلى لازمه قهرا فبلحاظ ثبوت النهي يكون الشئ منهيا
عنه بتبع النهي عن لازمه بلحاظ الغرض يكون اللازم متعلقا للغرض من النهي
بالعرض لا بالذات فتدبره فإنه حقيق به.
قوله: نعم يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد
الخ: لا يخفى عليك أن الأمر بشئ أو النهي عنه لا يكون إلا إرشادا إلى ما فيه
من المصلحة والمفسدة لا إلى ما في غيره وإن كان من لوازمه، وبعبارة أخرى
تارة يدل الأمر والنهي عما في متعلقه المنبعث عنه الأمر والنهي بنحو دلالة
المعلول على علته، وبهذا الاعتبار ربما يتوهم أن الأوامر كلها إرشادية، وأخرى
بكون الانشاء إظهارا لما في متعلقه من المصلحة والمفسدة.
وأما لازم الشئ فلا تعلق له لنهي به حتى يدل على ما فيه إما ابتداء. أو بالواسطة.
قوله: بسبب حصول منقصة في الطبيعة إلخ: لا يذهب عليك أن
الالتزام بنقص في الطبيعة من حيث الملاك الملزم بحده بحيث ينقص ثوابها
مشكل فان انحطاط الملاك اللزومي عن حده يوجب سقوط الوجوب وبقائه
على حده يوجب استحقاق الثواب المرتب على الطبيعة بما لها من الملاك
بحده، والالتزام بأن لطبيعة الصلاة مصلحة قائمة بها بنفسها، وهي الملاك
الملزم، ولها خصوصية ملازمة لها دائما وهي أيضا مشتملة على المصلحة فهذه
المصلحة الملازمة ربما تزيد، وربما تنقص، وربما تبقى على حالها.
544

وأما مصلحة نفس الطبعية وهي الملاك الملزم فهي على حالها بحدها، و
الثواب باعتبار مجموع المصلحتي فلذا ربما يزيد، وربما ينقص، وربما يبقى
على حاله، وإن كان يدفع المحذور لكنه مع منافاته لظاهر العبارة يشبه الجزاف،
ولا موجب له إلا ضيق الخناق، وعدم التمكن من دفع محذور الكراهة في
العبادة كما أن الالتزام برجوع النهي إلى خصوصية الكون في الحمام مثلا فلا نهي
عن الصلاة حقيقة بلا وجه بل ربما يكون نفس الكون في الحمام راجحا، وإنما لا
يلائم الصلاة، وربما يبرهن على لزوم رجوعه النهي إلى الخصوصية بما محصله
أن طبيعة الصلاة بما هي لا تعقل أن تؤثر في المصلحة والمفسدة بداهة أن
الطبيعة لا تقتضي اقتضائين متبائنين، والاطلاق وإن كان في قبال التقييد إلا أنه
لتسرية الحكم إلى جميع أفراد الطبيعة لا أنه دخيل في ترتب الأثر ليتوهم أن
المطلق بما هو مطلق يغاير المقيد بما هو مقيد، وذات الطبيعة بما هي متحدة مع
المقيد اتحاد اللا متعين، مع المتعين واللا بشرط المقسمي مع بشرط شئ.
وفيه أولا أن المحال اقتضاء الشئ أثرين متقابلين لا أثرين متبائنين غير
متقابلين، وليس كل مصلحة مضادة لمفسدة.
وثانيا: أن اتحاد المطلق والمقيد في الوجود لا يمنع عن دخل القيد في ترتب
شئ عليه كشرب السكنجبين الحامض مثلا في مكان بارد أو زمان بارد فإنه من
حيث ذاته يؤثر في دفع الصفراء مثلا، ومن حيث تقيده بالوقوع في المكان البارد
أو الوقت البارد يؤثر في الحمى مع أن شرب السكنجبين من حيث ذاته لا يؤثر
في الحمى، ونفس الكون في المكان البارد أو الوقت البارد لا يؤثر في الحمى بل
شرب الحامض مقيدا بهذا القيد الخاص يؤثر ذلك الأثر الخاص المجامع مع الأثر
الاخر فافهم وتدبر. فالصحيح في تصور الكراهة هو أن طبيعة الصلاة على ما هي
عليه من المصلحة بحدها لكنها لتشخصها بالمكان الخاص تحدث فيها حزازة لا
تقاوم تلك المصلحة اللزومية، أو تلك المرتبة من المصلحة الغير اللزومية فهي
واجبة أو مندوبة بالفعل، ومكروهة ملاكا لا فعلا متى يمنع عن التقرب بها، وقد
545

مر سابقا أن الحزازة بما هي لا تمنع عن التقرب.
قوله: لا يصح إلا للارشاد الخ: فان اجتماع الطلب الفعلي والمنع عنه كك
محال، وحمل النهي على المولوي الاقتضائي غير معقول إذ لا يعقل فعليته أبدا
فلا يترقب منه الفعلية حتى يكون الانشاء بداعي جعل الداعي الذي يصير فعليا
عند عدم المزاحم للمقتضي إذ لا تصدر الصلاة إلا عن أمر وجوبي أو ندبي فلا
مجال لفعلية الكراهة عند الغفلة عن طلب الفعل المزاحم لها فان الغفلة حينئذ
مساوقة لعدم صدور الصلاة فليس هناك شئ يتصف بالكراهة الفعلية، مضافا
إلى أن الحكم المولوي لا ينبعث إلا عن مصلحة في الفعل، أو مفسدة فيه، أو
مصلحة في تركة، والمفروض عنده قده عدم المصلحة في ترك الصلاة وعدم
الحزازة والمفسدة في فعلها بل مجرد نقص المصلحة بواسطة تشخص الطبيعة
بما لا يلائمها، وحيث لا ملاك للمولوية فلا مجال إلا للارشاد لكن النهي إرشاد
إلى نقص في النهي عنه لا إلى ما لا نقص فيه من الافراد كما في المتن، وقد مر
الوجه فيه.
قوله: فكذلك في صورة الملازمة الخ: فعلية الطلبين وإن لم يوجب
اجتماع الضدين إلا أنه بناء على شمول الأمر والنهي للفردين المتلازمين يوجب
اختلاف المتلازمين في الحكم ويكون امتثال كل منهما مزاحما لامتثال الآخر كما
هو أيضا أحد محاذير اجتماع الأمر والنهي وفرض الكلام على الامتناع.
قوله: في القسم الأول مطلقا وفي هذا القسم الخ: إذ لا بدل على
الأول للعبادة حتى يتصور فيها النقص والزيادة ولا موجب على الثاني إذ
المفروض جواز اجتماع الحكمين عن ملاكين مستقلين ولو لم يكن أحدهما من
خصوصيات الاخر بل كك على الامتناع والملازمة كما صرح به قده آنفا فلا وجه
للتخصيص بخصوص هذين القسمين.
قوله: ومولويا اقتضائيا كك الخ: لا يخفى عليك أن صورة الاتحاد و
صورة الملازمة يشتركان في عدم فعلية الطلبين لاجتماع المتضادين في الأولى و
546

اختلاف المتلازمين في الحكم الفعلي في الثانية لكنهما يفترقان بامكان
الاقتضائية في الثانية لامكان تحقق أحد المتلازمين منفردا عن الاخر فيتصف
بالاستحباب الفعلي ما هو مستحب بذاته كالكون في المسجد مثلا من دون
صلاة، ففي مثل الصلاة الملازمة للكون المزبور يكون الكون المزبور مستحبا
اقتضائيا بخلاف الأولى فإنه لا يمكن افتراق أحدهما عن الاخر فلا يترقب الفعلية
من استحباب المتحد مع الواجب حتى يكون بلحاظ حالة فعليا، وبلحاظ حالة
أخرى اقتضائيا.
نعم الاقتضائية بوجه آخر معقولة حتى في صورة الاتحاد بتقريب أن الإرادة
إذا عرض الملاك الوجوبي تخرج من حد الضعف إلى الشدة مع بقائها بذاتها
فبلحاظ حدها إرادة جدية، وبلحاظ ذاتها الموجود فيها ملاكها إرادة اقتضائية
لعدم بقائها بحدها فتأمل فيه.
قوله: إنما يؤكد إيجابه الخ: لا يخفى أن ضم المصلحة الغير الملزمة إلى
الملزمة وإن كانتا متحدتين في الوجود لا يعقل أن يوجب اشتداد ملاك الوجوب
بما هو ملاك الوجوب فلا يعقل تأكد الوجوب بما هو، ويشهد له عدم اشتداد
العقوبة على مخالفته بواسطة انطباق العنوان الراجح مع أن الوجوب الشديد
يمتاز عن الضعيف بذلك.
قوله: إلا اقتضائيا بالعرض الخ: هذا إذا كان الفعل ملازما للعنوان لا ما إذا
كان العنوان ملازما له فإنه على الأول يمكن استحباب العنوان فعليا، وعند
ملازمته ووجوب ملازمه يصير استحبابه اقتضائيا.
وأما على الثاني فلا انفكاك للعنوان الملازم عن الفعل الملازم له حتى يكون
فعليا تارة، واقتضائيا أخرى.
نعم إذا فرض الغفلة عن وجوب الفعل لم يكن مانع عن تأثير ملاك
الاستحباب فيه فبهذه الملاحظة يمكن القول باقتضائية الاستحباب إذ يمكن
الانشاء بداعي جعل الداعي الندبي ليصير داعيا فعليا عند عدم الداعي الحتمي
547

ولو للغفلة عن البعث اللزومي.
قوله: ضرورة أن الكون المنهي عنه الخ: هذا إذا أريد الكون التخييري
الذي هو من مقولة الأين كما هو الظاهر.
وأما إذا أريد منه الحركة والسكون المعدودان من الأكوان الأربعة فالاتحاد
واضح إلا أن الكون المزبور معنون عنوان الخياطة، وعدم اختلاف العنوان و
المعنون في الحكم بديهي عندهم.
" في حكم الخروج عن الأرض الغصبي إذا توسطها بسوء الإختيار "
قوله: والحق أنه منهي عنه بالنهي السابق الساقط الخ: تفصيل القول
في ذلك أن المصلحة المقتضية للأمر بالخروج المانعة عن تأثير مفسدته من
حيث كونه تصرفا في مال الغير.
إما أن تكون مصلحة نفسية، أو مصلحة مقدمية فإن كانت مصلحة نفسية نظر
إلى أن الخروج معنون بعنوان التخلص عن الغصب الزائد على ما يوازي الخروج
وهو من العناوين الحسنة عقلا المطلوبة شرعا. ففيه أولا أن التخلص عن الشئ
يقابل الابتلاء به تقريبا فان لوحظ أصل الغصب فهو ما دام في الدار سواء اشتغل
بالحركات الخروجية أم لا؟ موصوف بالابتلاء بالغصب لا بالتخلص عنه وإن
لوحظ الغصب الزائد فهو بعد غير مبتلى به.
نعم بعد مضي الزمان بمقدار يوازي زمان الخروج يكون إما مبتلى به لعدم
خروجه أو متخلصا عنه لمكان خروجه فظرف تحقق الخلاص عن الغصب حال
انتهاء الحركة الخروجية إلى الكون في خارج الدار فكيف يكون الحركة الخروجية
معنونة بعنوان التخلص، وثانيا: لو فرض صدق التخلص على الخروج لم يكن
مجديا في المقام لأن الخروج يقابل الدخول، والأول عنوان للكون في خارج
الدار والثاني عنوان للكون فيها فالحركات المعدة للكون في خارج الدار مقدمة
548

للخروج الذي هو عنوان للكون في خارج الدار لا أنها خروج حتى يكون اتصافه
بعنوان التخلص موجبا لاتصاف تلك الحركات بذلك العنوان، وثالثا: أن التخلص
عن الغصب الزائد باعتبار ما يترتب على الغصب من العقوبة فهو إما عنوان لترك
الغصب الزائد الذي هو كالعلة لعدم العقاب نظرا إلى استناد عدم المعلول إلى
عدم العلة.
وإما معلول لترك الغصب نظرا إلى أنه بترك الغصب خلص عن عقابه فعلى
أي حال ليس عنوانا لنص الحركات المعدة للخروج المضاد للدخول بقاء.
لا يقال: يكفينا كون الحركات الخاصة مقدمة لترك الغصب الزائد المعنون
بعنوان التخلص المحسن.
لأنا نقول: الكلام في كون الحركات الموصوفة بعنوان حسن في نفسه لا في
مقدميته لعنوان حسن، وإلا فلو فرض مقدميتها لترك الغصب الزائد فوجوب
الترك المزبور لحرمة نقيضه مما لا شبهة فيه، مع أن التدقيق يقضي بأن التخلص
كالابتلاء فكما أن الابتلاء بالشئ غير الشئ بل عنوان ثبوتي ملازم له كذلك
التخلص غير ترك الشئ بل ملازم لتركه لا مطلقا بل عند الابتلاء بنقيضه فهما
عنوان متضادان، ومنه تعرف أن التخلص حيث أنه عنوان ثبوتي مضاد لعنوان
الابتلاء فلا يعقل أن يكون عنوانا للترك إذ العنوان الثبوتي لا ينتزع من العدم و
العدمي فتدبر جيدا.
ومما ذكرنا ظهر في ما تقريرات بعض الأعاظم لبحث شيخه العلامة
الأنصاري (1) - قدهما -: حيث ذكر أولا أن الخروج تخلص، وذكر ثانيا بل لا سبيل
إليه إلا بالخروج فان تعنون الخروج بعنوان التخلص غير مقدميته له مع أن الكلام
في الأول مضافا إلى ما في الجميع من المحاذير. هذا كله بناء على أن المصلحة
نفسية وإن كانت المصلحة مصلحة مقدمية فالكلام تارة في أصل المقدمية، و

(1) مطارح الأنظار ص 154 " ولا شك أن الخروج تخلص عنه بل لا سبيل إليه إلا بالخروج فيكون
واجبا على وجه العينية.
549

أخرى في وجوبها هنا.
أما الكلام في المقدمية فقد مر تفصيلا في بحث الضد، وقد عرفت أن فعل
أحد الضدين ليس مقدمة لترك الضد الاخر ولا الترك مقدمة لفعل الضد بل لو
قلنا بالتفصيل بين الفعل والترك نظرا إلى أن ترك الضد يمكن أن يكون شرطا
لفعل الضد بخلاف فعل الضد فإنه لا يعقل أن يكون شرطا لترك الضد لان الترك
لا يحتاج إلى فاعل وقابل حتى يحتاج إلى مصحح فاعلية الفاعل أو متمم قابلية
القابل لما كان هذا التفصيل مجديا هنا لأن المفروض مقدمية الحركات الخروجية
لترك الغصب الزائد، بل التحقيق هنا أن الحركات الخاصة كما مر معدات للكون
في خارج الدار المضاد للكون فيها فهي مقدمة للملازم لترك الغصب لا لنفس
الترك.
فان قلت: التلازم لا يكون إلا بالعلية والمعلولية، أو المعلولية لثالث فنفي
علية ترك الضد لفعل ضده وبالعكس مع نفي سببيته سبب وجود الضد لترك
الضد لا يجتمعان لا بد من التلازم بأحدهما تحقيقا للتلازم.
قلت: أولا أن المعلولية لثالث لا تقتضي الاشتراك بحيث يكون المعد
لأحدهما معدا للاخر بل إرادة الكون في خارج الدار لغلبة مقتضيها على مقتضي
إرادة البقاء ملازمة لعدم إرادة البقاء، ويكون عدم تأثير أحد المقتضيين شرطا
لتأثير المقتضي الاخر.
وأما قوة أحد المقتضيين بالإضافة إلى الاخر فذاتية له، وثانيا أن التلازم هنا
لكون الضدين لا ثالث لهما فوجود أحدهما ولو قهرا ملازم لعدم الاخر فوجود
أحدهما يستند إلى سببه الطبيعي قهرا، وعدم الاخر إلى عدم سببه وربما يتخيل
أن الخروج لا مقدمية له قبل الدخول ضرورة إمكان ترك الغصب بجميع أنحائه
من دون توقف على الخروج وله المقدمية بعد الدخول لأنه يضطر في ترك
الغصب الزائد إلى ارتكاب مقدار الخروج فالخروج حيث أنه غصب فقد طلب
تركه قبل الدخول، وحيث أنه مقدمة بعد الدخول فقد طلب فعله بعد الدخول. و
550

فيه أن فرض الخروج فرض المقدمة غاية الأمر أن ترك الدخول حيث أنه عدمي
فهي مقدمة حاصلة، والخروج حيث أن فعل متأخر فهي مقدمة غير حاصلة
فوجود المقدمة أمر، والمقدمية في حد ذاته أمر آخر، مضافا إلى ما سيجيئ
انشاء الله تعالى أن الخروج الشخصي لا يعقل أن يكون مطلوبا وممنوعا عنه
بمجرد اختلاف زمان الأمر والنهي.
وأما الكلام في وجوب الخروج على فرض المقدمية فحاصله أنه يمكن
تقريب الوجوب بوجهين.
أحدهما: أن الحركة الخروجية ذات مفسدة من حيث الغصبية وذات مصلحة
من حيث المقدمية لترك الغصب الزائد فطلب تركها يمكن أن يكون بنحو لا
يوجب تفويت المصلحة الأقوى وهو طلب تركها بترك الدخول. ويمكن أن
يكون بنحو يوجب تفويتها وهو طلب تركها بعد الدخول فهذا الدوران المحقق
قبل الدخول يقتضي طلب ترك الخروج بترك الدخول وطلب فعله بعد الدخول،
ولا يلزم منه أن يكون للخروج نقيضان حتى يقال إن نقيض الواحد واحد بل
نقيض الخروج وهو الكون الخاص في الدار تركه سواء كان بترك الدخول أو
بغيره فان مقدمات النقيض لا دخل لها في النقاضة، ولا يوجب تعددها تعدد
النقيض.
نعم يرد عليه أن ترك الخروج إذا كان مطلوبا فنقيضه وهو الخروج يصدر
مبغوضا فلا يعقل أن يقع الخروج مطلوبا مولويا ولو مقدميا.
وثانيهما: أن الخروج غير محرم أصلا، وتركه غير مطلوب أبدا، ولو بترك
الدخول لان المصلحة المقدمية في الخروج لا بدل لها في عرض الخروج حتى
تؤثر مفسدة الخروج في حرمته، والمصلحة المقدمية في طلب المقدمة التي هي
في عرضه بل ترك الدخول مقدمة منحصرة في طول الخروج، وبعد الدخول
بكون الخروج مقدمة منحصرة لترك الغصب الزايد فلا يعقل تأثير مفسدة الخروج
أصلا.
551

وفيه: أن استيفاء الغرض الأهم والمهم ليس استيفاء خارجيا حتى يتوهم أنه
إذا وصلت النوبة إلى استيفاء الغرض الأهم من طريق الخروج لم يزاحمه مفسدة
الخروج وإلا لفات منه الأهم والمهم معا بل استيفاء تشريعي بالبعث والزجر
نحو ما يقوم بفعله أو بتركه الغرض، ومن البين أن المولى من أول الأمر ممكن من
استيفاء جميع أغراضه الأهم والمهم بالزجر عن جميع أنحاء الغصب دخولا و
خروجا وبقاء، وفي مرحلة الاستيفاء التشريعي بالزجر لا دوران أصلا والدوران
بعد الدخول دوران بعد الاستيفاء، وهو بلا أثر فان عدم حصول أحد الغرضين
حينئذ من ناحية العبد لا من ناحية المولى حتى يقبح منه تفويتهما معا بعدم
ايجاب المقدمة المنحصرة.
ومما ذكرنا يظهر بالتأمل: حال ما لو كان الخروج مقدمة حقيقة لانقاذ غريق أو
اطفاء حريق بحيث يتنجز الأمر به حال الخروج فإنه ربما يتوهم أنه لا دوران من
قبل حتى يتمكن المولى من استيفاء هذا الغرض الأهم أيضا بغير الخروج بل
المفروض تنجز الأمر بالأهم حال الخروج الذي لا يتمكن من استيفاء هذا
الغرض تكوينا وتشريعا إلا في هذه الحالة بل ربما يتخيل أن مقتضي علم المولى
بالابتلاء به حال الخروج عدم الزجر عن الخروج من الأول فحال النهي عن
الخروج مع الالتفات إلى لزوم البعث ونحوه رعاية للأهم حال النسخ قبل حضور
وقت العمل من حيث عدم امكان التكليف الجدي مع الالتفات إلى رفعه حال
الامتثال.
وجه ظهور الفساد أن الدوران أنما يتحقق بالإضافة إلى غرضين كلاهما محل
الابتلاء بحيث يلزم المولى باستيفائهما بعثا أو زجرا، وحيث أن المفروض
خروج الأهم فعلا عن محل الابتلاء لفرض فعلية الأمر به حال الخروج فلا مانع
بالفعل من استيفاء الغرض المهم بالزجر عن الخروج، وبعد استيفاء الغرض
تشريعا لا موقع للدوران فان مورده غرضان لم يسترضيا، وإلا فلا دوران بين
المستوفي وغيره، وأما تنجز الأمر بالأهم ولو مع عدم سراية الوجوب إلى
552

الخروج فهو أمر آخر نتكلم فيه فيما بعد انشاء الله تعالى.
فان قلت بعد سقوط النهي عن الخروج بالدخول وعدم امكان التحرز عن
مفسدته بل عدم الموقع لتأثير المفسدة حينئذ فلا مزاحم حينئذ لتأثير المصلحة
المقدمية كما لا منافي من حيث التضاد للوجوب لمكان سقوط الحرمة بالعصيان
فلا يكون من قبيل النسخ قبل حضور وقت العمل فإنه لم يرتفع هنا إلا بالعصيان
في موطنه فليس من قبيل جعل الداعي إلى فعل شئ في زمان، ورفعه عن
ذلك الشئ بخصوصه في زمان آخر.
قلت: من يقول بتضاد الوجوب والحرمة لا يقول به من حيث قيامهما
بالمولى في زمان واحد حتى يتوهم هنا أن الحرمة قامت بالمولى في زمان و
الايجاب به في زمان آخر، ولا يقول به أيضا من حيث قيامهما خارجا بالموجود
الخارجي فإنه مع فساده في نفسه لا مجال له هنا فإنه يقول بسقوط الحرمة بمجرد
الدخول فمتى كانت قائمة بالخروج المترتب على الدخول بل يقول بتضادهما
من حيث قيامهما بعنوانين ملحوظين فانيين في المعنون الواحد فمن حيث
فنائهما في الواحد فكأنه بهذا النظر تعلق الوجوب والحرمة بذلك الواحد المفنى
فيه فمن حيث متعلقية ذلك الواحد لحكمين يقول بلزوم اجتماع الضدين
فالميزان في هذا اللزوم لو كان عدلا وصوابا كما عليه المعروف وحدة المعنون
بحسب وجوده الشخصي الزماني، ولا يمر الزمان على الفعل الشخصي مرتين
فهذا الخروج الوحداني الزماني متعلق للوجوب والحرمة، وسبق زمان تحقق
التحريم على زمان تحقق الايجاب لا يجدي في رفع التضاد من حيث المتعلق
مضافا إلى أن سقوط الحرمة لا يقتضي عدم صدور الخروج مبغوضا فكيف
يصدر محبوبا ومطلوبا، أم كيف يصدر إطاعة بعد صدوره بعينه معصية، أم كيف
يقع مقربا مع صدوره مبعدا فجميع محاذير اجتماع الأمر والنهي موجودة هنا
فالأقوى حينئذ عدم وجوب الخروج لا نفسيا ولا مقدميا بل يقع مستحقا عليه
العقاب وإن لم يكن للمكلف مناص في مقام الدوران بين الغصب دائما أو
553

الغصب بمقدار الخروج عن اختيار الغصب الخروجي دفعا للأفسد بالفاسد، و
للأقبح بالقبيح كما سيجيئ انشاء الله تعالى بعض الكلام فيه فتدبر جيدا.
قوله: وإلا لكان الحرمة متعلقة على إرادة المكلف الخ: حيث أن
الخروج واحد زمانا ولا يمر عليه زمانان ففرض خروجه عن المبغوضية غير
معقول بل لا بد من فرض حرمته على تقدير، وجوازه على تقدير آخر.
بأن يقال: بحرمته على تقدير إرادة الدخول وبجوازه على تقدير إرادة نفسه
كما هو بعد الدخول وهذا التعليق لا موجب، ومع عدم الموجب غير صحيح
فالمراد من قوله - ره - [لغيره] هو الدخول كما أن ضمير [له] عائد إلى الخروج
فإنه محل الكلام منعا وجوازا.
وأما إرجاع الضميرين في [لغيره وله] إلى الدخول حتى ينتج تعليق حرمة
الخروج على إرادة غير الدخول وهو تركه وجواز الخرج على إرادة الدخول
ليكون حاصلة تحريم الخروج عند ترك الدخول وتجويزه عند الدخول، فغير
صحيح لان الدخول لا أثر له في الكلام حتى يرجع إليه الضميران بخلاف
الخروج الذي هو محل الكلام من حيث الحرمة والجواز، مع أنه أيضا في نفسه
غير سديد إذ لا ريب في أنه عند إرادة الدخول يطلب منه ترك الدخول والخروج
والبقاء جميعا إنما الكلام في جواز الخروج بعد الدخول فالصحيح ما ذكرنا كما
أن ارجاع كلامه - قده - إلى لزوم رجوع الالزام إلى الإباحة أو طلب الحاصل أنما
يكون إذا أريد بغير الخروج ترك الخروج، وعليه فطلب ترك الخروج معلقا على
إرادة ترك الخروج يلزم منه المحذور الأول وطلبه معلقا على نفس ترك الخروج
يلزم منه المحذور الثاني أيضا بلا موجب من العبارة لا موجب له خارجا لعدم
توقف الحرمة قبل الدخول، والجواز بعده على هذا الفرض المحال بل له فرض
ممكن وهو ما ذكرنا لكنه لا يصار إليه لعدم الدليل عليه.
قوله: وإن كان العقل يحكم بلومه الخ: لا يخفى عليك أن شأن القوة
العاقلة ليس إلا الادراك لا البعث والزجر من دون فرق بين العقل النظري و
554

العملي كما مر في أول مقدمة الواجب وحكم العقل العملي من باب التحسين و
التقبيح العقليين لو ثبت هنا لكان الخروج حسنا فعلا وإن كان مبيحا طبعا مع أن
لازمه جواز إعدام المقدمة المباحة حيث لا حرمة في ظرف الدوران، بل الحق أن
الفرار من أصل العقاب والعقاب الزائد جبلي للانسان بل للحيوان، ولا يدخل
تحت كبرى التحسين والقبيح العقليين من وجهين:
أحديهما: أن عدم الفرار من الذم أو العقاب ليس مورد الذم آخر أو لعقاب
آخر.
وثانيهما: أن ما يترتب على الاقدام ليس مربوطا بهذا النظام حتى يدخل
تحت الاحكام العقلية المأخوذة من تطابق آراء العقلا حفظا للنظام وإبقاء للنوع.
قوله: كساير الافعال التوليدية الخ: لا يخفى أن ترك كل فعل على طبع
ذلك الفعل والخروج ليس توليديا لقيام مطابقه بنفس الفاعل، وليس مجرد
العلية مقتضيا للتوليدية.
قوله: لو سلم عدم الصدق إلا بنحو السالبة الخ: قد مر أن الخروج لا
نقيض له إلا تركه، وترك الدخول، وغيره من أسباب تحقق النقيض لا دخل له في
نقاضة ترك الخروج للخروج.
وأما كونه من باب السالبة بانتفاء الموضوع فمخدوش بأن موضوع الخروج و
تركه من قام به الخروج وتركه وترك الخروج بعدم المكلف وإن كان معقولا إلا
أنه في العدم المحمولي لا العدم الرابط، وحيث أن الترك مطلوب من المكلف
فالترك في فرض وجود التارك هو المطلوب وحينئذ لا معنى للسالبة بانتفاء
الموضوع.
قوله: أنما كان الممنوع كالممتنع الخ: ليس الوجه في عدم الوجوب
عدم إمكان سراية الوجوب إلى المقدمة لكونها محرمة حتى يجاب بأن إلزام
العقل بها كاف في صحة إيجاب ذيها فإنه لا موهم لذلك، ولو قلنا بعدم وجوب
المقدمة أو بعدم معقولية وجوبها لم يكن ذلك مانعا عن ايجاب ذيها، بل الوجه
555

أن إيجاب ما يتوقف على ما ينافر الغرض نقض للغرض إلا إذا سقط عن الغرضية
وهو خلاف الفرض، وهذا معنى عدم كونه مقدورا شرعا.
قوله: لو سلم فالساقط هو الخطاب الخ: لسقوط متعلقه عن القدرة
بالواسطة مع تنجز الأمر به من قبل فيستحق على تركه العقوبة بل وكذا ما كان
موقع فعليته وتنجزه حال الخروج كما إذا ابتلى بانقاذ غريق حال الخروج فان
تمامية مقتضى التكليف مع ابداء المانع عن فعليته بسوء اختياره يصحح العقوبة
على تركه.
فان قلت: لا شبهة في أن الأهم لو كان فعلا مباشريا للمولى لإرادة قطعا و
يتبعه إرادة مقدمته جزما، ولا فرق بين الإرادة التكوينية والتشريعية إلا بتعلق
الأولى بفعل مريد نفسه، والثانية بفعل الغير، غاية الأمر أن الشوق تارة طبعي، و
أخرى عقلي، وكذا في الشوق إلى فعل الغير فمجرد عدم ملائمة الفعل طبعا لا
ينافي الملائمة بالغرض فيشتاقه كك.
قلت: الكلام في انبعاث الإرادة والكراهة، والبعث والزجر عن أغراض
مولوية ويستحيل من المولى بل من كل عاقل نقض غرضه المولوي، وفرض
الاقدام على ما ينافي الغرض فرض سقوط الغرض عن الفريضة والمفروض هنا
بقائه على الغرضية فتدبره فإنه حقيق به.
قوله: مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد الخ: نحن وإن صححنا في
بعض الحواشي المتقدمة لزوم التضاد إلا أنه يمكن أن يقال إن العبرة في التضاد و
إن كانت بفناء عنواني الفعل في معنونهما والواحد لا يمر عليه زمانان ليرتفع
التضاد بتعدد الزمان لكن الزمان الواحد ظرف ذات المتعلق فذات المتعلق ليس
له زمانان وبما هو متعلق للوجوب بفناء عنوانه فيه له زمان غير الزمان الذي
لوحظ متعلقا للحرمة فالواحد بلحاظ زمانين صار متعلقا للحكم وإلا فيستحيل
صدق المشتق مع عدم المبدء حقيقة فكيف يعقل صدق الواجب على الفعل أو
الحرام مع انقطاع تعلق الحكم به فافهم جيدا.
556

قوله: وقوع الخروج بعد الدخول عصيانا الخ: هذا وجيه بناء على ما
تقدم منا في مبحث مقدمة الواجب من أن العصيان بدليل الإطاعة فما يكون
إطاعة يكون خلافه عصيانا وهو ترك الفعل في ظرفه مثلا.
وأما بناء على مسلكه قده هناك من تحقق العصيان بترك أول مقدمة
فالعصيان هنا يتحقق بنفس الدخول فلا مانع من وقوع الخروج إطاعة للأمر به.
قوله: ضرورة منافاة حرمة شئ الخ: مضافا إلى عدم معقولية إطلاق
النهى عن الخروج بالإضافة إلى تقدير الدخول فان تقدير الدخول تقدير عدم
القدرة على ترك الخروج فكيف يعقل إطلاق النهي لتقدير عدم القدرة على ترك
الخروج فكيف يعقل إطلاق النهي لتقدير عدم القدرة على متعلقه.
قوله: لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث الخ: تحقيق المقام أن
كل ممكن محفوف بضرورتين، ضرورة سابقة في مرتبة العلة التامة وهي مفاد
قولهم " إن الشئ ما لم يجب لم يوجد " وضرورة لا حقه وهي الضرورة بشرط
المحمول لوضوح أن الموجود بشرط الوجود ضروري الوجود، والمعدوم
بشرط العدم ضروري العدم، ومثله لا دخل له بالقضية المتقدمة وإلا لكان
مفادها أن الشئ ما لم يفرض وجوده لم يوجد، وهو واضح البطلان، وقولهم
إن الوجوب بالاختيار أو الامتناع بالاختيار لا ينافي في الاختيار ناظر إلى الضرورة
السابقة فان الضرورة الناشئة من قبل إعمال القدرة والإرادة لا يعقل أن تأتي
المقدورية والمرادية بل تؤكدها، وقولهم إن التكليف لا يتعلق بما هو واجب أو
ممتنع ناظر إلى الضرورة اللاحقة فان طلب الموجود أو المعدوم طلب الحاصل،
وطلب الوجود بالإضافة إلى المعدوم أو العدم بالإضافة إلى الوجود طلب
النقيض مع فرض تحقق نقيضه واجتماع النقيضين محال فلا ربط لإحدى
القضيتين بالأخرى.
وبعبارة أخرى: البعث والزجر يؤثر ان في الفعل والترك بتوسط القدرة و
الإرادة فوجوبهما بالإرادة المنبعثة في البعث والزجر لا يعقل أن يمنع عن تعلق
557

البعث والزجر بل هو عين تأثيرهما بخلاف البعث والزجر بعد تأثير القدرة و
الإرادة فإنه لا موقع بعد لتأثيرهما، فلا يعقل البعث والزجر وإن كانت عبارة
الكتاب تومي إلى أن الايجاب والامتناع في كلتا القضيتين واحد وأن عدم
منافاتهما لصدور الفعل والترك بالاختيار لا ينافي منعهما عن تعلق التكليف إذا
كان هذا الوجوب والامتناع بسوء الاختيار لكنه يمكن تصحيحها بأن كون
الخروج اختياريا وصدوره بصدور مقدمته الاختيارية وهو الدخول لا ينافي عدم
صحة التكليف بتركه في فرض تحقق علته التامة لان التفكيك بين المعلول وعلته
التامة محال لا لان الخروج حيث تحقق فطلب تركه حينئذ طلب للنقيض بعد
فرض تحقق نقيضه فالخروج في أن تحقق الدخول بعلته حيث لم يتحقق لم يكن
المانع عن تعلق التكليف بتركه هو الوجوب اللاحق والضرورة اللاحقة، بل المانع
هي الضرورة السابقة المفروضة بخلاف ساير موارد التكليف فان التكليف
الداعي وإخراج الممكن من حد الامكان إلى الضرورة لا لجعل الداعي بعد
فرض الضرورة السابقة فإنه لا موقع لجعله بعد فرض الضرورة السابقة المقتضية
للفعل أو للترك فالضرورة السابقة المصححة للاختيارية تارة، منبعثة عن
التكليف، وأخرى مفروضة الحصول فلا موقع للتكليف فافهم جيدا فإنه دقيق
نافع جدا والله العالم.
" ثمرة بحث الخروج عن الأرض الغصبي "
قوله: أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت الخ: ومن
الاجماع على صحة الصلاة حال الخروج في ضيق الوقت يستكشف غلبة ملاك
الأمر بالصلاة على ملاك النهي عن الغصب في هذه الحال دون غيرها من
الأحوال وإلا لزم صحة الصلاة في الغصب ولولا في حال الخروج بلا اشكال إلا
أنك قد عرفت أنه بناء على مسلكه قده لا يؤثر ملاك الأمر في وجوب الفعل، ولا
558

في صدوره محبوبا منه بعد تأثير ملاك النهي قبل الانحصار بسوء الاختيار في
صدور الفعل مبغوضا عليه إذ لا فرق بين الملاك النفسي والملاك المقدمي إذا
كانت المقدمة مقدمة لأمر أهم فكما لا يعقل تأثير الملاك المقدمي في الأمر
بالخروج لصدوره مبغوضا عليه بالنهي السابق كك الملاك النفسي.
لا يقال: تحصيل الغرض الأهم من الصلاة لا يمكن مع بقاء الخروج على ما
هو عليه من المبغوضية لاستحالة التقرب بالمبعد فلا يجدي إلزام العقل إرشادا
بأخف القبيحين بخلاف ترك الغصب الزايد أو حفظ النفس المحترمة فإنه لا
ينافي بقاء المقدمة على المبغوضية ويجدي إلزام العقل إرشادا إلى اختيار أقل
القبيحين في تحصيل هذا الغرض الأهم.
لأنا نقول: إذا امتنع تغير الشئ عما هو عليه كان تحصيل الغرض الأهم من
مثل الصلاة ممتنعا بسوء الاختيار، وامتناعه لا يوجب امكان ممتنع آخر مضافا
إلى ما عرفت سابقا مفصلا من عدم الدوران لعدم الانحصار في مقام استيفاء
الغرضين بالبعث والزجر.
نعم إذا كان عموم المأمور به شموليا كما فيما إذا وجب اكرام كل عالم، وحرم
إكرام كل فاسق فالمجمع لا بدل له دائما فغلبة أحد الملاكين توجب سقوط
مقتضي الملاك الاخر بخلاف الصلاة فان عمومها بدلي فلا دوران إلا في صورة
الانحصار بغير سوء الاختيار.
فان قلت: الغلبة مبنى آخر توجب سقوط النهي ولو مع عدم الانحصار وهو
كون الحركة الصلوتية في المجمع حسنة بقول مطلق وإن كان ساير أفرادها
أحسن فمعنى الغلبة غلبة الجهة المقتضية للحسن على الجهة المقتضية للقبح لا
غلبة المصلحة والمفسدة في مقام البعث والزجر فلا حاجة إلى الدوران في
الأول بخلاف الثاني وعليه فالحركة الصلوتية المتحدة مع الغصب الخروجي من
الأول لا نهي عنها حيث لا قبح فيها وإن كان يتوقف تعنون الخروج القبيح في
نفسه بعنوان حسن باتحاده مع الحركة الصلوتية كما لا ينافي حسنه كونه متوقفا
559

على الدخول القبيح المحرم، ولا مجال لهذا الاحتمال في الملاك المقدمي فان
الاجماع على صحة الصلاة حال الخروج كفى به كاشفا عن تعنون الخروج
بعنوان حسن بالفعل مع قبحه بطبعة، ولا كاشف مثله هناك فان المقدمية لفعل
الأهم لا توجب حسن الخروج بالفعل بل إرشاد العقل إلى اختيار أقل القبيحين و
أخف المحذورين.
قلت: أولا: أن المصالح والمفاسد القائمة بالافعال التي هي ملاكات و
مناطات للأمر والنهي غير منحصرة في الجهات الاعتبارية بل هي عبارة عن
خواص وآثار واقعية يجب على الحكيم إيصالها إلى المكلفين بمقتضي الحكمة
والعناية فمع امكان استيفاء الغرضين بعثا وزجرا لا بد من البعث إلى الصلاة في
خارج الغصب والزجر عن الغصب بجميع أنحائه دخولا وخروجا وبقاء، ومع
عدم امكان استيفائهما معا كما في صورة الانحصار لا بسوء الاختيار يجب
استيفاء الأهم فيؤثر غلبة الملاك حينئذ في البعث نحو الأهم دون الزجر عن
الخروج وتحصيل المهم.
وثانيا: أن جهات الحسن والقبح كالمصالح والمفاسد الواقعية فان حفظ
النفس المحرمة وإن كان حسنا عقلا مع التمكن وتركه قبيح لكنه إذا لم يكن
بالعدوان على الغير ما لم ينحصر فيه لا بسوء الاختيار.
وأما مع الانحصار بسوء الاختيار فيذم على تركه كما يذم على العدوان على
الغير، وكك التخضع للمولى حسن في نفسه ما لم يكن بالعدوان على الغير إلا إذا
انحصر لا بسوء الاختيار، والفرق بينهما أن حفظ النفس بمال الغير يتحقق في
الخارج فلا يذم على تركه وإن لم يمدح على فعله لكنه التخضع للمولى حيث أنه
لا بد أن يقع قريبا فلا يتحقق بهذه الصفة إذا تحقق بالعدوان على الغير فيذم على
تركه أيضا، وقد مر سابقا أن حكم العقل باختيار أخف المحذورين ليس من باب
التحسين والتقبيح العقليين حتى يكون نفس هذا الحكم موجبا لاندراجه تحت
عنوان حسن بالفعل لخروج أمثاله عن مورد القاعدة المذكورة بوجهين قدمنا
560

الإشارة إليهما فراجع كما عرفت أن هذا الحكم الارشادي من العقل أيضا لا
يجدي في التعبديات بل في التوصليات.
نعم يمكن تصحيح الصلاة في حال الخروج بتقريب أن المتحقق من الاجزاء
الصلوتية حال الخروج غير متحدة مع الكون الغصبي إذ اللازم أن لا يفعل زائدا
على الخروج فالصادر من المكلف ليس إلا التكبير والقرائة والايماء للركوع و
السجود والتكبير والقرائة من الكيف المسموع الذي لا مساس له بقضاء الغصب
فلا يكون تصرفا عرفا في الغصب ولا يعد خرق الهواء الناشي من الصوت تصرفا
عرفيا في الهواء الداخل في ملك الغير كما أن الايماء للركوع والسجود أيضا لا
يعد تصرفا في الغصب فما هو غصب وهو الخروج لا اتحاد له مع شئ من
أجزاء الصلاة في هذه الحال بل ربما أمكن أن يقال بعدم اتحاد أجزائها في غير
هذه الحال أيضا، مع الكون الغصبي، بدعوى أن الركوع والسجود والقيام و
العقود هيئات وأوضاع خاصة من مقولة الوضع كما أن التكبيرة والقرائة والأذكار
من مقولة الكيف المسموع والحركات المتخللة بين هذه الهيئات مقدمات
للركوع والسجود والقيام والعقود لا مقومات لها فما هو من الاجزاء لا اتحاد له
مع الغصب وما هو تصرف في الغصب عرفا ليس من الاجزاء وأوضاع المصلي
نظير كيفه المبصر كسواده، واحمراره، وبياضه لا مساس له بالغصب فكما أن
جعل بدنه محمرا أو مسودا في الغصب لا يعد تصرفا في الغصب كك جعل
شخصه ذا هيئة خاصة من القيام والقعود والركوع والسجود وكون الوضع ذا
نسبة إلى الخارج غير كونه بنفسه تصرفا في الغصب خارجا فمجرد كون الوضع ذا
نسبة إلى الخارج غير نسبته إلى موضوعه دون الكيف المبصر فإنه لا نسبة له إلى
غير موضوعه لا يجدي شيئا بعد عدم عده تصرفا في الغصب عرفا.
لا يقال: كونه في الغصب أيضا ليس إلا من مقولة الأين، وهي أيضا عرض من
أعراض التشخص لا من أعراض المكان وليس له إلا نسبته إليه كساير الاعراض
النسبية كمقولة الوضع فإذا لم يكن هذه النسبة محققة للغصبية فما المحقق لها في
561

مقولة الأين مع اشتراكهما في قيامهما بالشخص قيام العرض بموضوعه و
نسبتهما إلى الخارج كما هو شأن الاعراض النسبية.
لأنا نقول: ليس الغرض أن مقولة الوضع أو الكيف لا تقبل التكيف بهما بل
الغرض أنهما لا تعدان تصرفا في الغصب، وأما مقولة الأين فحيث أن الجسم
بائنة شاغل للفضاء فكونه الخاص تصرف منه في الفضاء فيحرم فنفس كونه في
الدار إشغاله لها، وليس كيفه، ولا وصفه إشغال لها، ولا متحدا مع ما هو إشغال
لها لتبائن المقولات ماهية وهوية لأن المفروض أن الحركات الأينية المتخللة بين
الأوضاع مقدمات للاجزاء الصلوتية فلا يضر صدق التصرف على تلك الحركات
الأينية كصدقه على سكونه.
وتوهم أن الصلاة من مقولة الفعل فلا يعقل أن يكون اجزائها من مقولة الوضع
لتبائن المقولات. مدفوع بأن صدق الفعل العرفي عليه باعتبار صدورها منه غير
كونها من مقولة الفعل اصطلاحا لأن مقولة الفعل المقابلة لمقولة الانفعال عبارة
عن حالة التأثير التجددي للمؤثر كما أن مقولة الانفعال هي حالة التأثر التجددي
كحالتي النار والماء في التأثير في الحرارة والتأثير بها فما دام النار مشغولة بايجاد
الحرارة في الماء يكون لها حالة التأثير التجددي وللماء حالة التأثر، وأما الأثر فهو
من مقولة الكيف فليس كل فعل عرفي فعلا مقوليا.
نعم التحقيق أن أجزاء الصلاة وإن كانت كك إلا أن بعضها متقومة شرعا بما له
مساس خارجا بالغصب كوضع الجبهة على الأرض فان مماسة الجبهة مقومة
للسجدة شرعا، وهي من مقولة الإضافة فالسجدة بما هي هيئة وضعية وإن لم
تكن تصرفا في الغصب لكنها بمقومها الشرعي وهي المماسة تصرف في الأرض
وهكذا الاستقرار على الأرض في القيام والركوع والتشهد فان إثبات الرجل على
الأرض والجلوس عليها معتبر في القيام والركوع والتشهد وكون هذا الجزء
المقوم تصرفا في الدار المغصوبة مما لا ينبغي الشبهة فيه، ومن البديهي أن كون
هذه الخصوصية من مقولة الإضافة، وهي مبائنة لمقولة الوضع لا يجدي هنا إذ
562

المركب من المقولتين جزء شرعا فما هو شرعا جزء الصلاة قد انطبق على جزئه
المقوم عنوان الغصب.
وأما توهم أن الغصبية من مقولة الإضافة بلحاظ تحققها بإضافة الأكوان
الصلوتية إلى كراهة المالك وهذه الحيثية المقولية قائمة بالاجزاء لا متحدة معها
لتبائن المقولات ماهية وهوية فقد رفعناه مفصلا في ذيل المقدمة الرابعة من
مقدمات الاستدلال فراجع.
ثم إنك قد عرفت مما تقدم أن وجه صحة الصلاة حال الخروج منحصر في
عدم اتحاد الواجب من الأجزاء مع الكون الغصبي وربما يتوهم صحة تطبيق
العبادة على الحركة الخروجية فان مثل هذه العبادة وإن لم يوجب القرب ليقال
بأن المبعد لا يكون مقربا لكنها توجب تخفيف العقوبة بمعنى أن المولى يأمر
بذات العبادة لغرض تخفيف العقوبة لا لغرض القرب، والمفرض أن الأمر من
حيث هو لا مانع منه حيث لا نهي فعلا ليلزم التضاد ولا يتوقف خفة العقوبة على
المحبوبية أيضا حتى يقال بتضادها مع المغوضية. والجواب أن الفعل إذا أتى به
بداع الأمر ولم يكن هناك مانع فهو موجب للقرب، وحيث أن الأمر بهذا الغرض
فلذا يكون الأمر تعبديا فهذا الغرض غرض من المأتي به بداعي الأمر لا من
المأتي به فقط، وهكذا تخفيف العقوبة فإنه إن كان غرضا من المأتي به فقط كان
الأمر به توصليا فلا بد من تخفيف العقوبة ولو لم يأت به بداع الأمر، وإن كان
غرضنا من المأتي به بداع الأمر فمن الواضح أن تخفيف العقوبة ليس ابتداء
غرضا مترتبا على المأتي به بداع الأمر بل من حيث اكتسابه به مقدارا من القرب
عقلا فيتدارك به مقدارا من العقوبة، وحيث فرض عدم التقرب لمنافاته مع البعد
فلا محالة لا موجب لتدارك العقوبة حتى يحصل تخفيف العقوبة.
فان قلت: لا برهان على عدم ترتب تخفيف العقوبة على المأتي به بداع
الأمر من دون ترتب الثواب عليه ولذا لا شبهة في تخفيف دركات الكفار بسبب
الأعمال الخيرية مع أنه لا يحصل لهم القرب من المولى.
563

قلت: البرهان عليه أن المأتي به بداع الأمر بما هو لا مضادة له مع العقوبة بل
المقابل لها المثوبة كما أن المقابل للبعد هو القرب فالاتيان بداع الأمر بلحاظ
لوازمه يوجب تخفيف البعد والعقوبة فإذا فرض أن استحقاق الثواب بنفس ما
يوجب استحقاق العقاب غير معقول، وأن التقرب بنفس ما يكون مبعدا غير
ممكن فتخفيف العقوبة والبعد بما لا يوجب المثوبة والقرب غير معقول، ولا
يقاس بفعلين، أحدهما في نفسه يوجب التقرب والثواب والآخر بنفسه يوجب
البعد والعقاب فيتدارك مقتضى أحدهما بمقتضى الاخر، إما رأسا، وإما بمقدار،
وإما حصول القرب المحض فلا يعقل للكافر لفرض بعده بكفره فأعماله الخيرية
المقتضية لاستحقاق القرب توجب تخفيف البعد له فان بعده المفروض لكفره
يمنع عن القرب المحض لا عن خروجه عن مرتبة من البعد إلى مرتبة أخف من
الأولى لوجود مقتضي القرب.
ثم اعلم أن هذا كله لو كان طريق استكشاف غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي
ما ذكرناه من الاجماع على صحة الصلاة في الغصب في حال الخروج بحيث لا
يزيد على الخروج بشئ فإنه فيه الاشكالات المتقدمة وينحصر وجه الصحة
فيما ذكرنا، وأما إذا استكشفنا غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي من طريق آخر
مطلقا فالواجب الصلاة التامة في ضيق الوقت بل في السعة كما سيجيئ إنشاء
الله تعالى لأن المفروض عدم صدور الحركة الغصبية المتحدة مع الصلاة مبغوضة
لغرض غلبة الملاك المقتضي للأمر على ملاك النهي إلا أنك قد عرفت أن الغلبة
أنما تجدي فيما إذا كان عموم ما فيه الملاك شموليا فإنه لا يمكن تحصيل
الغرضين فلا بد من اختيار الأهم لو كان في البين، وأما إذا كان عموم أحدهما
شموليا كما في الغصب، والاخر بدليا كما في الصلاة فإنه لا يكاد يتحقق الدوران
حتى تجدي الأهمية، وعليه فلا تصح الصلاة التامة لا في ضيق الوقت، ولا في
السعة بل يصح ما لا يزيد على الخروج بشئ في الضيق حيث لا اتحاد له مع
المنهي عنه، والمفروض أنه القدر الميسور من الصلاة الغير المزاحمة بشئ
564

بواسطة الاجماع على القناعة به، وأما مع السعة فلا لفقدان حقيقة الركوع و
السجود والاستقرار المتمكن منها جميعا لمكان سعة الوقت إلا إذا فرض أن
المصلي تكليفه الايماء بالركوع والسجود وكان بحيث لا يطلب منه الاستقرار و
لو لم يكن في الدار الغصبية وحينئذ له اختيار مثل هذه الصلاة في الغصب حيث
أنها لا ينقص عن الصلاة في الخارج.
قوله: أما مع السعة فالصحة وعدمها الخ: أي رد الفرض المزبور وهو
غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي مطلقا كما قدمنا الإشارة إليه ما ما أوردنا عليه، و
تقريب الابتناء على مسألة الضد بملاحظة أن أحد الفردين المضادين خال عن
المفسدة والمنقصة، والاخر واجد لها فلا محالة يكون الفاقد لها أهم من الواجد
فالأمر الفعلي يتوجه نحو الأهم دون المهم، ولو تخييرا فإذا كان ضده منهيا عنه
فيكون الصلاة في الغصب من حيث المضادة للأهم ممنوعا عنها إلا من حيث
حرمة الغصب المتحد معها بخلاف ما إذا لم يكن الأمر بالأهم مقتضيا للنهي عن
ضده فان المهم ليس بحرام، ولا بمأمور به، ويكفي في التقرب بالمهم وجود
الملاك.
ويمكن أن يناقش بأن الأهمية لا يكون إلا بقوة الملاك لا بخلوه عن المفسدة
الغير المؤثرة، وذلك لان الأهمية الموجبة للتعيين لا تكون إلا بقوة الملاك بحد لا
يجوز الاخلال به، وإلا لكان أفضل الأفراد، وإذا فرض مغلوبية المفسدة وعدم
تأثيرها فليس هناك زيادة ملزمة حتى بهذا النحو من الزيادة التي ليست في
الحقيقة قوة الملاك بل من قبيل المانع عن تأثير المقتضي فيكون الأثر لما لا مانع
له، والمفروض عدم مانعية المفسدة عن تأثير المقتضي.
نعم كون ما فيه المصلحة فقط أفضل الأفراد مما لا شبهة فيه لكنه لا يجدي
هنا.
565

" الأمر الثاني "
قوله: وبطريق الان يحرز أن مدلوله أقوى الخ: لا من حيث أن قوة
السند أو الدلالة دليل على قوة المدلول لأن قوة الكاشف أجنبية عن قوة
المنكشف وليس بالإضافة إلى المدلول، ومقتضية نسبة المعلول إلى العلة كي
تكون فعلي ذاتي أو عرضي فلو لم يكن هذا الملاك أقوى لم يعقل التعبد
بخصوص الأقوى بل وجب التعبد بالأضعف من حيث السند أو الدلالة لكون
المقتضي للتعبد به أقوى أو وجب التخيير بينهما لو لم يكن بينهما أقوى.
نعم هذا المعنى على الطريقية وجيه حيث أن مقتضى الدلالة الالتزامية في
الطرفين ثبوت المقتضي فيهما كما مرت الإشارة إليه في مقدمات المسألة (1) و
مقتضى الطريقية وانبعاث التعبد بالحكم عن المصلحة الواقعية الباعثة على
الحكم الواقعي كون تلك المصلحة في الأقوى دلالة أو سندا أقوى، وإلا لم يعقل
الانبعاث عن الغرض الأضعف، وأما على الموضوعية فالحكم المماثل لم
ينبعث عن المصلحة الداعية إلى الحكم الواقعي بل عن مصلحة طارية موجودة
في كلا الطرفين فالحكمان متزاحمان دائما لكنه لا بما هما وجوب الصلاة و
حرمة الغصب بل بما هما وجوب العمل بخبر العادل والأعدل.
ومما ذكرنا تعرف أن مقتضى المقدمتين المتقدمتين أعني الدلالة الالتزامية،
وبناء الحجية على الطريقية أنه لا يكاد ينتهي الأمر إلى التعارض بل هو من باب
التزاحم إلا إذا علم بكذب أحد الدليلين فتدبر جيدا.
قوله: وذلك لثبوت المقتضي في كل واحد الخ: قد عرفت في
مقدمات المسألة ثبوت المقتضي بطريقين كلية، وقد عرفت أيضا فعلية الأمر
عند عدم فعلية النهي لكنه ربما يشكل بأن عدم فعلية النهي لا يلازم ارتفاع
المبغوضية الفعلية ومع كونه مبغوضا فعلا كيف يعقل الأمر به، وكيف يصدر

(1) في المقدمة الثامنة من المقدمات المذكورة في الكفاية.
566

قريبا.
ويندفع بأن منافاة الأمر ومضادته للمبغوضية إما بنفسه أو بلحاظ أثره أو
بلحاظ مبدئه، وهي المحبوبية إما بنفسه فهو مقابل للنهي لا لغيره، وإما بلحاظ
أثره وهو القرب فهو مقابل للبعد، والمفروض أن المبغوض الفعلي لا يصدر
مبعدا فكيف ينافي صدوره قريبا، وإما بلحاظ مبدئه، وهي المحبوبية الفعلية
فهي مضادة مع المبغوضية الفعلية على ما هو المعروف من تضادهما كتضاد
الأمر والنهي لكنه يمكن دفع المحذور بوجهين: أحدهما: ما تقدم منا في مبحث
الطلب والإرادة من خلو الأحكام الإلهية عن الإرادة التشريعية رأسا لما مر منا أن
الإرادة الذاتية في المبدأ الأعلى ليست إلا ابتهاج الذات بذاته، وحب ذاته لذاته،
ومن أحب شيئا أحب آثاره فيكون ما يترشح من ذاته محبوبا بالتبع، ومرادا
بالتبع فالمراد بالذات في مرتبة الذات نفس الذات، وغيره مما ينبعث عن ذاته
كجميع مصنوعاته مرادا بالتبع كما أن المعلوم بالذات في مرتبة الذات نفس
الذات وغيره معلوم بالتبع فكل ما ينبعث عن ذاته تعالى مراد وغيره غير مراد
فما يدخل في نظام الوجود الامكاني داخل في النظام الشريف الرباني فهو المراد
بالتبع دون غيره فمثل إنزال الكتب وإرسال الرسل، والبعث والزجر الموجود
كلها في نظام الوجود داخل في المراد بالتبع، وما لم يتحقق في الخارج مما تعلق
به البعث غير داخل في المراد بالتبع، لعدم دخوله في النظام الامكاني حتى
يكون داخلا في النظام الرباني فتدبره فإنه دقيق.
وأما في غير المبدأ الأعلى من المبادئ العالية، وكذا في الأنبياء والأئمة
عليهم السلام بل في العلماء المبلغين للأحكام بل في كل مولى عرفي يبعث
لمصلحة عائدة إلى العبد فلا إرادة تشريعية أيضا إذ الفائدة غير عائدة إلى الأمر
حتى يشتاق الفعل المقتضي الفائدة، وما لم يرجع الفائدة إلى جوهر ذات
الشخص أو إلى قوة من قواه لا يعقل أن ينبعث من تصورها شوق إليها.
نعم حيث أن إيصال الفائدة يترتب عليه فائدة عائدة إلى الموصل ببعثه
567

فيشتاق الايصال بالبعث، فالبعث مراد، والإرادة حينئذ تكوينية لتعلقها بفعل
المريد دون المراد منه حتى يكون إرادة تشريعية فتدبره فإنه حقيق به.
وعلى أي حال فلا إرادة تشريعية ولا محبوبية نفسانية بالإضافة إلى طبيعي
الفعل في الأوامر حتى يقال بأن المحبوبية المنبعث عنها الأمر ينافي المبغوضية
بل لا مبغوضية، ولا محبوبية وإنما هناك بعد المصلحة والمفسدة القائمتين
بالفعل باعتبار الجهتين الموجودتين فيه بعث وزجر فقط، والمفروض عدم
مضادة المصلحة والمفسدة، وعدم وجود ضد الأمر أي النهي لسقوطه بواسطة
الجهل، أو النسيان وشبههما.
ثانيهما: أن ما فيه المفسدة والمصلحة فيه جهتان، من الملائمة والمنافرة
للطبع فإذا كانت جهة المنافرة أقوى من جهة الملائمة وأمكن التحرز عما ينافر
فلا محالة يتحرزه عما ينافر بالزجر عنه، وأما إذا لم يمكن التحرز عما ينافر لمكان
الجهل أو النسيان فلا محالة يستوفي الغرض من حيث كونه ملائما للطبع وتقويته
بلا جهة مزاحمة قبيح فيحبه بالفعل ولا يبغضه بالفعل، وإن كان مبغوضا
بالذات لكونه منافرا بالذات.
نعم بناء على ما ذكرنا من أنه لا دوران فيما إذا كان العموم في أحد الطرفين
شموليا وفى الآخر بدليا لا يتم هذا الوجه إلا مع استيعاب الجهل أو النسيان، أو
الاضطرار لا بسوء الاختيار لتمام الوقت فإنه لا يتمكن من استيفاء المصلحة بفرد
آخر فلا محالة يستوفيها بهذا الفرد فلا يكون إلا محبوبا بالفعل فافهم جيدا.
" في مرجحات النهي على الأمر "
قوله: دلالتهما على العموم والاستيعاب مما لا ينكر الخ: لا يخفى
عليك أن الإرادة لمجرد إفادة السلب، والسلب بما هو لا يدل على العموم و
الاستيعاب.
568

وتوهم أن نفي الطبيعة بما هو يقتضي انتفاء أفرادها. مدفوع بما قدمناه في
أوائل النواهي من أن العدم بديل الوجود فقد يلاحظ الوجود مضافا إلى الطبيعة
المهملة التي كان النظر إليها مقصورا بالقصر الذاتي دون الحاظي على ذاتها و
ذاتياتها فالعدم البديل له كك، ونتيجة القضية موجبة كانت أو سالبة جزئية ولذا
قيل إن المهملة في قوة الجزئية، وقد يلاحظ الوجود مضافا إلى الطبيعة بنحو
الكثرة فلها وجودات، ولها أعدام هي بديل تلك الوجودات فوجود مثل هذه
الطبيعة بوجود أفراد جميعا، وعدمها أيضا بعدم أفرادها جميعا، وقد يلاحظ
الوجود مضافا إلى الطبيعة بنحو السعة أي بنهج الوحدة في الكثرة، وحاصله
ملاحظة طبيعي الوجود المضاف إلى طبيعي الماهية اي الوجود بحيث لا يشذ
عنه وجود فبديله طبيعي العدم الذي لا يشذ عنه عدم، ولا يعقل لحاظ الوجود
مضافا إلى الطبيعة بنحو يتحقق بفرد ما، وينتفي بانتفاء جميع الافراد وبقية
الكلام في أوائل النواهي فراجع.
وهذا بخلاف مثل لفظة كل التي هي أداة العموم والاستيعاب فإنه وإن كان
ربما يقال بلزوم إحراز إطلاق مدخوله بمقدمات الحكمة نظرا إلى أنه في السعة و
الضيق يتبع مدخوله وإلا لزم الخلف من تبعيته في السعة والضيق لمدخوله أو
لزوم التجوز إن كان مدخوله مقيدا لكنه يندفع بأن الخصوصيات الواردة على
مدخوله تارة تكون من المفردات، وأخرى من الأحوال فإن كانت من المفردات
فلفظ كل يدل على السعة من حيث الأفراد كما أنه إذا كانت الخصوصية من
أحوال الفرد فسعة لفظ كل أجنبية عنها، وإنما هو شان الاطلاق المستفاد من
مقدمات الحكمة، ولا يعقل مع فرض الدلالة على السعة إهمال المدخول
لاستحالة سعة المهمل بل لا بد من الاهمال بمعنى اللا تعين في حد ذاته، و
السعة التي هي نحو من اليقين بواسطة مدلول لفظ كل، فان كل تعين لا يرد إلا
على سعة اللا متعين.
ومنه تعرف أن إفادة السعة بعد استفادتها من مقدمات الحكمة لغو مناف
569

للحكمة، وهكذا الاطلاق والتقييد فإنهما لا يردان إلا على الماهية المهملة
بذاتها لا بما هي، ولا بما هي مقيدة أو مرسلة، وبقية الكلام في مباحث العام و
الخاص.
قوله: فهو أجنبي عن المقام فإنه الخ: وعقبه - قده - في فوائده (1)، بأنه لا
دوران في محل الكلام، ووجهه أن استيفاء كلا الغرضين ممكن هنا بالصلاة في
غير الغصب، وترك الغصب بجميع أفراده فله التحرز عن المفسدة مطلقا مع
جلب المنفعة، وأما في هامش الكتاب (2) فقد أفاد وجها آخر، وهو أن الأولوية
أنما هو بالإضافة إلى المكلف في مقام اختيار الفعل، أو الترك فإنه يدفع المفسدة
العائدة إليه، ويجلب المنفعة الراجعة إليه، وأما في مقام جعل الاحكام و
بالإضافة إلى الحاكم فليس هناك مقام جلب المنفعة، ولا دفع المفسدة بل
المرجح لاختيار الأمر والنهي غلبة حسن الفعل على قبحه أو بالعكس لكنك قد
عرفت فيما تقدم أنه يصح إذا لم يكن للأفعال مصالح ومفاسد واقعية بحيث
تقتضي الحكمة الإلهية، والعناية الربانية إيصال تلك المصالح إلى عباده أو دفع
تلك المفاسد عنهم بتوجيه البعث والزجر إليهم، وحينئذ يدور الأمر بين ايصال
المصالح، أو دفع المفاسد، وعليه فينحصر هذا الدوران فيما إذا كان العموم
شموليا من الطرفين لا شموليا من جهة، وبدليا من جهة أخرى فإنه على الثاني لا
دوران حقيقة بل يجب عليه إيصال المصلحة بالبعث إلى الصلاة في غير
الغصب، ودفع المفسدة بالزجر عن الغصب مطلقا، مضافا إلى ما عرفت سابقا أن
جهات الحسن والقبح أيضا كك فراجع، ومنه تعرف أن ما في فوائده قده أبعد
عن الاشكال.
قوله: فيما لو حصل به القطع الخ: وإلا كانت الأولوية ظنية.
قوله: فإنما يجري فيما لا يكون هناك مجال الخ: انما يجري أصالة

1 - فوائد الأصول ص 166 مطبعة وزارة الإرشاد الاسلامي.
2 - كفاية ج 1 ص 277.
570

البراءة عن الوجوب لأن وجوب الصلاة تعيينا شرعا مما لا شك فيه، وليس
الشك في التعيين والتخيير شرعا إذ وجوب الصلاة شرعا تعييني، والتخيير
عقلي لا أن الوجوب شرعا في غير الغصب معلوم، والشك في كون الصلاة في
الغصب طرف والوجوب تخيير البقال بأن أصل الوجوب معلوم، والتعيينية كلفة
زائدة، والناس في سعة منها ما لم يعلموا.
أو يقال: بأن سقوط الوجوب المعلوم باتيان الصلاة في الغصب غير معلوم فلا
بد من الاحتياط، وتحصيل اليقين بالفراغ، وأيضا ليس الشك في الاطلاق و
التقييد بلحاظ أن الصلاة بما هي واجبة أو بما هي غير متحدة مع الغصب لأن
الغصبية لا مانعية لها شرعا لأن المفروض وجود المصلحة الداعية إلى الوجوب
في الصلاة حتى في صورة الاتحاد مع الغصب، وإنما المانعية عقلية لمانع
الغرضين، وتزاحم الحكمين عقلا بل الشك في كيفية الوجوب الفعلي هل هو
بحيث يسع الفرد المتحد مع الغصب أم لا؟ وتعيين الحادث بالأصل غير صحيح
لأن أصالة عدم وجوب يسع هذا الفرد لا يثبت أن الوجوب الحادث لا يسع هذا
الفرد نظير أصالة عدم وجود الكر في هذا المكان فإنه لا يثبت عدم كرية الماء
الموجود لا بالأصل المثبت.
ومنه تعرف أن أصالة عدم الوجوب لا تجرى حتى تعارض أصالة عدم حرمة
هذا الفرد من الغصب لانحلال النهي إلى نواه متعددة لكون العموم فيه شموليا
أفراديا.
ومما ذكرنا عرفت أن المورد ليس داخلا في مسألة الشك في الاجزاء و
الشرائط لعدم الشك في مانعية الغصبية شرعا أو شرطية عدم الاتحاد مع الغصب
بل التمانع عقلي.
ثم إنه بعد نفي الحرمة الفعلية بأصالة البراءة الشرعية لا مانع من فعلية وجوب
الصلاة بحيث تسع هذا الفرد بنحو العموم البدلي إذ المفروض وجود المقتضي
قطعا والقطع بعدم فعلية الحرمة بالأصل الشرعي، والحرمة الواقعية لا يعقل أن
571

يكون على فرض ثبوتها فعلية لاستحالة اجتماع المتناقضين.
وأما الأصل العقلي النافي للعقوبة فلا يدل على ارتفاع المانع من حيث
المضادة.
نعم يجدي الأصل العقلي في عدم صدور الفعل مبغوضا عليه فلا يكون
مبعدا فلو اكتفينا في الصحة بملاك الأمر أمكن الحكم بصحته إذ الجهة المقربة
قابلة للتأثير حيث أن الجهة الأخرى غير مبعدة بالفعل بل بناء على مسلكنا من
التلازم بين الفعلية والتنجز نظرا إلى أن حقيقة البعث والزجر لا يكون إلا مع
الوصول بنحو من أنحاء الوصول حيث أن الانشاء بداع البعث والزجر مع عدم
الوصول لا يعقل أن يكون باعثا وزاجرا وإن بلغ من القوة ما بلغ، ومع الوصول
يكون منجزا فعدم التنجيز يلازم عدم فعلية البعث والزجر.
قوله: نعم لو قيل بأن المفسدة الواقعية الغالبة موثرة الخ: إن كان
المراد أن العلم بالحرمة الذاتية التابعة للمفسدة المحرزة كاف في تأثيرها بما لها
من المرتبة قياسا باحراز الحرمة الفعلية المؤثرة فيها لها من المرتبة الشديدة
المستتبعة لعقاب شديد على مخالفتهما، فما ذكره - ره - من أن أصالة البراءة غير
جارية في محله لأن المفروض كفاية إحراز الحرمة الذاتية في التأثير في الفعلية
فكيف يجري البراءة منها.
والجواب عنه ما أفاده - ره - في هامش الكتاب (1) بأن إحراز الحرمة الذاتية
باحراز المفسدة إحراز للمقتضي بحسب الواقع، وهو أنما يؤثر مع عدم المانع مع
أن المفروض إحراز الوجوب الذاتي بأحراز المصلحة المقتضية له، ولا يعقل
تأثيرهما معا في الفعلية، وإن كان المراد أن إحراز المفسدة إحراز المبغوضية
الذاتية، ومع احتمال الغلبة يحتمل فعلية المبغوضية التابعة للغلبة الواقعية لا
للغلبة المحرزة كما مر سابقا.
فما ذكره - ره - من عدم جريان أصالة البراءة لا وجه له لعدم المنافاة بين

1 - الكفاية ج 1 ص 278.
572

المبغوضية الفعلية عدم الحرمة الفعلية، وأصالة البراءة يقتضي عدم فعلية
الحرمة لا عدم فعلية المبغوضية بل الصحيح أن أصالة البراءة لا تجدي في العبادة
نظرا إلى ما قدمناه من أن المبغوضية الفعلية تنافي المحبوبية الفعلية وما لم يكن
محبوبا بالفعل لا يصدر قريبا.
والجواب ما قدمناه مفصلا فإنه لو صحت العبادة في صورة الجهل والنسيان
مع الغلبة المحرزة الموجبة الفعلية المبغوضية فمع الشك في المبغوضية
بالأولوية والغفلة عن المبغوضية وإن كانت تفارق الالتفات المصحح للشك
لكنها يناط بها قصد التقرب لا صدور العمل قريبا وصلوح الصادر للقربية إما أن
يدور مدار عدم المبغوضية واقعا فلا تصح الصلاة مطلقا، ولو مع الجهل و
النسيان، وإما أن لا يدور مداره فيصح الصلاة ولو مع الالتفات واحتمالها.
ثم إنك قد عرفت سابقا وجه مانعية المبغوضية عن صلوح الفعل للقربية، و
هو عدم المحبوبية المضادة للمبغوضية فكيف يكون مأمورا به مع عدم محبوبيته
لا من حيث عدم الحسن الفعلي حق يجاب كما في هامش الكتاب بأنه لا يجب
في صدور العمل قريبا وصيرورته عباديا كونه راجحا بذاته كيف وجل العبادات
يمكن أن لا يكون راجحات بالذات.
نعم يعتبر في المقربية أن لا يقع منه مبغوضا عليه، هذا وقد عرفت ملاك
الاشكال وجوابه، ولا يعتبر أن لا يقع مبغوضا عليه، في القربية بل أن لا يكون
مبغوضا وإلا فمعنى صدوره مبغوضا عليه هو تأثيره في البعد والعقوبة، وقد مر
أن عدم المقربية لا يتوقف على عدم المبعدية بل على عدم المحبوبية أيضا
فراجع ما قدمناه إشكالا وجوابا.
قوله: ما لم يفد القطع الخ: ولا يفيد القطع إلا بأحراز تغليب الحرمة على
الوجوب في جميع الموارد حتى يقطع بواسطة مشاهدة جميع الجزئيات أن
الحكم مرتب على الكلي بما هو كلي وحينئذ فلا ثمرة عملية له إذ لا مشكوك
حينئذ حتى يجد به الاستقراء القطعي.
573

نعم بناء على استقراء أكثر الموارد يظن بأن الحكم مرتب على الكلي بما هو
كلي فيظن بثبوته للمشكوك ما لم يتخلف ولو في مورد واحد فإنه كاشف قطعي
عن أن الحكم غير مرتب على الكلي بما هو كلي، وإلا لما تخلف في مورد
بخلاف الغلبة فإنها لا ينافيها التخلف فان مناطها ليس الظن يترتب الحكم على
الكلي بما هو كلي بل مجرد تردد المشكوك بين الدخول في الغالب أو النادر و
أرجحية الأول في نظر العقل.
قوله: انما تكون لقاعدة الامكان الخ: ليس الغرض مجرد وجود الدليل
على الحرمة لأن ميزان ترتب الحكم على الكلي بما هو وعدمه وحدة الواسطة
في الثبوت وتعددها لا وحدة الواسطة في الاثبات وتعددها، كما هو واضح بل
الغرض وجود الدليل على أن الواسطة أمر آخر غير ما يتوهم وهي الحيضية
الثابتة بقاعدة الامكان، والاستصحاب فإنها المقتضية للحرمة إلا أن الحرمة بما
هي حرمة غالبة على الوجوب في مورد الدوران، ولا أن المفسدة المقتضية
للحرمة بما هي مفسدة غالبة على المصلحة المستدعية للوجوب بما هي
مصلحة.
قوله: فان حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلا تشريعيا الخ:
تسليم عدم الحرمة الذاتية في الوضوء واحتمالها في الصلاة إن كان من جهة عدم
تعقل الحرمة بالإضافة إلى العبادة حيث لا عبادة إلا إذا أتى بها بداع الأمر، ولا
أمر مع النهي في ظرف امتثال النهي فهو في الصلاة والوضوء وساير العبادات
على حد سواء، وإن كان من جهة تعقل الحرمة الذاتية في الصلاة من حيث أنها
عبادة ذاتية لأنها خضوع، وإظهار للتذلل، وتعظيم له تعالى، وكلها عناوين حسنة
بالذات فيصح إتيانها كك حتى بعد النهي عنها غاية الأمر أنها غير مقربة لمضادة
القرب مع البعد المتحقق بمخالفة النهي، فيمكن فرضها في الطهارات فان النظافة
راجحة عقلا ولذا جعلت من الراجح بالذات.
والجواب أن الطهارة المنهي عن تحصيلها ملازمة شرعا لوقوع الوضوء مثلا
574

قريبا فالتطهير المنهي عنه لا بد من أن يكون بعنوانه مقدورا في ظرف الامتثال فلا
بد من الالتزام بأحد أمرين، إما عدم توقف الطهارة على قربية الوضوء حتى يمكن
حصولها في ظرف امتثال النهي المبعد مخالفته المضاد للقربية وهو خلف و
خلاف ما اتفقت عليه الكلمة، وإما عدم كون الحرمة ذاتية كي لا تكون لها مخالفة
موجبة للبعد المنافي للقرب فالفارق بين التطهير والصلاة أن عنوان التطهير ملازم
للقرب فلا يعقل تعلق الحرمة الذاتية به وعنوان الصلاة غير ملازم للقرب بل
يجتمع مع القرب وعدمه وعباديته الذاتية محفوظة على أي حال. وتمام الكلام
في محله ولنا وجه آخر في نفي الرجحان الذاتي بمعنى الحسن العقلي
للطهارات تعرضنا له في مبحث مقدمة الواجب فراجع.
قوله: للقطع بحصول النجاسة الخ: وكون النجاسة مسببة إما من ملاقاة
الاناء الأولى فراجع.
قوله: للقطع بحصول النجاسة الخ: وكون النجاسة مسببة إما من ملاقاة
الاناء الأولى، أو الثانية لا يوجب تردد الفرد ليقال إن الفرد الحاصل بملاقاة الأولى
على تقديره قطعي الارتفاع بملاقاة الاناء الثانية بشرائطها، والفرد الحاصل
بملاقاة الثانية مشكوك الحدوث، والأصل عدمه بل التردد في السبب لا في
المسبب وليس السبب مشخصا لمسببه حتى يكون النجاسة متشخصة تارة
بملاقاة الاناء الأولى، وأخرى بملاقاة الأناء الثانية بل النجاسة الموجودة حال
ملاقاة الاناء الثانية شخص من النجاسة قائمة بموضوع شخصي يتردد أمر سبب
هذا الشخص بين الملاقاتين، والأصل بقاؤه وأما أصالة عدم تأثير الملاقاة الثانية
فلا أصل لها إلا إذا رجعت إلى أصالة عدم النجاسة والمفروض أن الأصل بقاء
تلك النجاسة المتيقنة حال ملاقاة الاناء الثانية، ولا منافاة لما ذكرنا مع ما
سيجيئ في كلامه قده من العلم إجمالا بنجاسة البدن حال الملاقاة الأولى، أو
الثانية فان الزمان مشخص فالنجاسة الحاصلة في زمان غير النجاسة الحاصلة في
زمان آخر، ولا يجري فيه الاستصحاب للقطع بارتفاع الأولى لفرض حصول
575

الطهارة بمجرد ملاقاة الماء الثاني، ولا قطع بحدوث النجاسة، وبملاقاة الماء
الثاني فلا استصحاب أصلا.
والتحقيق أن تردد السبب لا يوجب تردد الفرد في المسبب حتى لا يكون
الاستصحاب استصحاب الشخص لكن التردد بين الحدوث والبقاء يوجبه
فالمستصحب طبيعي النجاسة مع قطع النظر عن الحدوث والبقاء كما بيناه في
الفقه.
" في تعدد الإضافات وعدمه بتعدد العنوانات "
قوله: ضرورة أنه يوجب اختلاف المضاف بها الخ: أما تأثير الإضافة
في الحسن والقبح عقلا فان أريد سببيتها لحسن عنوان الاكرام فهو غير معنون إذ
بعد ما لم يكن عنوان الاكرام حسنا بذاته لا يعقل أن ينقلب عما هو عليه فيصير
حسنا، وإن أريد سببيتها لاندراج الاكرام تحت عنوان حسن فهو معقول لأنها
محققة لموضوع العنوان الحسن في نفسه لكنه ليس تعدد الإضافة في غرض
تعدد العنوان بل من أسباب تعدد العنوان، ولا موجب لتعدد أسباب تعدد
العنوان هنا، وإن أريد أن الإضافة مقوم العنوان الحسن بمعنى أن إكرام العالم
بعنوانه حسن فهو أيضا واضح الفساد إذ ليس هذه العنوان من العناوين الحسنة، و
أن اندرج تحت عنوان حسن. هذا كله مضاف إلى ما مر منا في مقدمة الواجب
من أن التحسين والتقبيح العقليين موردهما القضايا المشهورة المعدودة من
الصناعات الخمس في علم الميزان كقضية حسن العدل، وقبح الظلم من القضايا
التي تطابقت عليها آراء العقلاء حفظا للنظام، وإبقاء للنوع فان أول موجبات
حفظ النظام وإبقاء النوع الذي هو في ذمة العقلاء بنائهم على مدح فاعل بعض الأفعال
وذم فاعل بعضها الاخر فلا منافاة بين الحسن الذاتي عند العقلاء ما هم
عقلاء، وعدم المحبوبية الذاتية عند الشارع بما هو شارع الاحكام المولوية
576

فالجهة الموجبة لمدح العقلاء غير الجهة الموجبة لا يجاب الشارع مولويا مثلا
الصلاة بما هي تعظيم حسن عند العقلاء فإنه عدل في العبودية حيث أن تعظيم
العبد لمولاه كلية من مقتضيات الرقية، ورسوم العبودية فالجري على وفقها عدل
ينحفظ به النظام إلا أنها غير محبوبة للشارع بلحاظ انحفاظ النظام بها بل من جهة
استكمال المكلف بها حيث أنها من المعدات لزوال ذمائم الأخلاق المعبر عنه
بأنها " تنهى عن الفحشاء والمنكر " ومما مر تعرف أن دخل الإضافة في الحسن و
لقبح العقليين أجنبي عن دخله فيما هو ملاك التكليف الشرعي ومناط الحكم
المولوي هذا كله في تأثير الإضافة في الحسن والقبح عقلا.
وأما تأثير الإضافة في المصلحة والمفسدة فمختصر القول فيه أن الإضافة
بنفسها ليست مقتضية لشئ من المصالح الواقعية والمفاسد الواقعية، ولا جزء
مقوم للمقتضي بل شأنها شان الشرط الذي هو دخيل في فعلية المقتضي من
المقتضي فيكون الاكرام في نفسه مقتضيا للمصلحة والمفسدة والإضافة إلى
العالم دخيل في فعلية المصلحة والإضافة إلى الفاسق دخيل في فعلية المفسدة
ومن الواضح أن العنوان الواحد بما هو لا يقتضي اقتضائين متبائنين عند الشارع.
فان قلت: الاكرام بما هو مقتض لمصلحة وإضافته إلى العالم دخيل في
فعلية المصلحة، وإضافته إلى الفاسق مانع عن فعلية المصلحة.
قلت: أولا أن الكلام في تحقق المسألة والمفسدة لا مجرد عدم المصلحة
فان عدم المصلحة لا يؤثر في الحرمة بل في عدم الوجوب وثانيا أن وجود
المصلحة والمفسدة مفروض في مورد البحث وإنما الكلام في تأثيرهما معا أو
عدم التأثير إلا من الغائب نفرض مانعية الإضافة عن تحقق المصلحة أو المفسدة
خلف، وثالثا أن المانع اصطلاحا ما يقتضي ضد ما يقتضيه المقتضي الاخر فلا بد
من الالتزام باقتضاء نفس الإضافة ضد ما يقتضيه طبيعة الاكرام أو ضد ما يقتضيه
الإضافة الأخرى. وقد عرفت أنه غير معقول، وأما الالتزام بأن الإضافة توجب
اندراج المضاف تحت عنوان ذي مصلحة تارة، أو تحت عنوان ذي مفسدة
577

أخرى فيوجب الخروج عن محل الكلام لما عرفت من أن الكلام في كون تعدد
الإضافة في غرض تعدد العنوان لا من أسبابه فراجع.
قوله: مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق الخ: الصحيح مثل أكرم العالم
بنحو العموم البدلي وإلا فلو كان العموم شموليا كالمثال المذكور في المتن لكان
خارجا عن محل الكلام لان الاجتماع آمري لا مأموري حيث لا يتمكن من
امتثالهما معا.
578

الكلام في أن النهي عن الشئ
يقتضي فساده أو لا
579

[...]
580

" هل المسألة عقلية أو لفظية "
قوله: لا يخفى أن عد هذه المسألة الخ:
فان قلت: كما لا موهم لمنافاة الحرمة لترتب الأثر في المقام في المعاملات و
لذا جعل النزاع لفظيا لا عقليا فيها كك لا موهم لعدم المنافاة بين الحرمة و
المقربية في العبادات فكيف يعقل أن يكون النزاع فيها عقليا.
قلت: يمكن أن يكون الموهم تعدد مورد الأمر والنهى بالاطلاق والتقييد كما
حكاه في الفصول (1) فلا يكون المقرب مبعدا.
والتحقيق أن المجوز للاجتماع إن كان تعدد المورد ولو مفهوما فيمكن.
أن يقال كما قيل بأن ذات المطلق محفوظة في المقيد فلا تعدد حتى في عالم
الذهن، وإن كان عدم التضاد والتماثل كلية في الاحكام فيصح الاجتماع لو لم
يكن محذور آخر.
وأما حديث التقرب بالمبعد فقد عرفت حاله سابقا لاتحاد الملاك هنا، و
هناك لأن المتقرب به نفس طبيعة الصلاة لا بما هي متقيدة بكذا حتى لا يعقل
التقرب بالمبغوض، وأما اتصاف ذات المطلق بمصلحة، وبما هي مقيدة
بمفسدة فلا مانع منها إذ ليست ذات المصلحة والمفسدة دائما متضادين حتى
يقال لا يعقل اقتضاء طبيعة واحدة أثرين متبائنين بل يمكن أن يكون شرب
السكنجبين مطلقا دافعا للصفراء، وباعتبار تقيده بمكان أو زمان مورثا للحمى، و
الأول مصلحة للمزاج، والثاني مفسدة له فلا مانع من المحبوبية من الجهة
الأولى، والمبغوضية من الجهة الثانية فتدبر.

1 - الفصول ص 141.
581

قوله: لا مكان أن يكون البحث معه الخ: إلا أن البحث عن مقام الاثبات
بعد عدم الفراغ عن مقام الثبوت بلا وجه كما مر في مقدمة الواجب.
582

" ملاك البحث يعم النهي التحريمي والتنزيهي
والنفسي والغيري "
قوله: ومعه لا وجه لتخصيص العنوان الخ: لأن المعلول تابع للعلة
سعة وضيقا فتسليم عموم المناط مع القول بعدم اقتضائه لتعميم العنوان كما في
التقريرات لا وجه له.
قوله: واختصاص عموم ملاكه الخ: وجه التوهم أن ملاك البحث وإن كان
عاما إلا أنه كك بالنسبة إلى العبادات حيث أن الصحة بمعنى موافقته الأمر لا
يجامع طلب الترك سواء كان لزوميا أو لا لتضاد الأحكام الخمسة، وأما في
المعاملات فالصحة بمعنى ترتب الأثر، وبهذا المعنى لا تنافي الكراهة.
ويندفع بأن عدم العموم للمعاملات لا يقتضي التخصيص بالتحريمي مع
العموم بالإضافة إلى العبادات لان التحفظ على عموم العنوان الساري في جميع
الأقسام ممكن بملاحظة النهي مطلقا أي غير مقيد بمرتبة خاصة لا ملاحظته
بجميع مراتبه حتى لا يعقل سريانه في جميع موارده من العبادات والمعاملات
فتدبر.
قوله: فيعم الغيري إذا كان أصليا الخ: يمكن أن يشكل بأن التكليف
المقدمي بعثا كان أو زجرا لا يوجب القرب والبعد بل هما مترتبان على موافقة
التكليف النفسي، ومخالفته، فالنهي المقدمي وإن كان لا يجامع الأمر لتضادهما
إلا أن مجرد النهي عن شئ لا يسقطه عن الصلوح للتقرب به إذا لم تكن مخالفته
مبعدة إلا أن يقال بأن مقدميته للمبعد كافية في المنع عن التقرب به كما لا يبعد.
583

قوله: والتبعي من مقولة المعنى الخ:
لا يقال: أن التبعي بالمعنى المتقدم منه - قده - في مقدمة الواجب ملاكه
ارتكازية الإرادة في قبال تفصيلها فالأصلي كالتبعي من مقولة المعنى ولا تتقوم
الأصالة بالدلالة، وأما الأصلية والتبعية في مرحلة الدلالة فشمول النهي لكلا
القسمين واضح.
لأنا نقول: الإرادة التفصيلية يمكن أن تكون مدلولا عليها فتدخل في محل
النزاع بخلاف الإرادة الارتكازية.
قوله: من غير دخل لاستحقاق العقوبة الخ: هذا يصح تعليلا للشمول
للنفسي والغيري لا للأصلي والتبعي كما لا يخفى، إلا أن يرجع التعليل إلى صدر
الكلام أو يكون في قبال من يجعل الغيري تبعيا مطلقا والنفسي أصليا مطلقا
كالمحقق القمي ره.
" ما المراد من العبادة؟ "
قوله: والمراد بالعبادة هيهنا الخ: احتراز عن العبادة في غير مقام فرض
تعلق النهي فإنه لا باس بأن يفسر بما لا يحصل الغرض منه إلا إذا أتى به بداعي
الأمر من دون تعليق كما ذكر في القسم الثاني منها في المتن.
ثم إن تفسير العبادة بالمعنى الثاني يوجب خروج التوصلي إذا أتى به بداعي
الأمر فإنه أيضا عبادة إلا أن الأثر المرغوب منه لا يتوقف على إتيانه عبادة
بخلاف التعبدي فان الغرض منه لا يتحقق إلا إذا أتى به بداعي عنوانه الحسن أو
بداعي الأمر، وعليه فالمراد بالعبادة هي العبادة بالمعني الأخص لا الأعم.
ويمكن أن يقال إن المنافي للمبغوضية بالذات هو التقرب لا الغرض الملازم
له فالعبادة بالمعنى الأعم داخلة ومحل البحث ملاكا.
إلا أن يقال إن الغرض الباعث على الأمر هو الأثر الذي بلحاظه تتصف العبادة.
584

بالصحة والفساد وجودا وعدما والقرب ليس من الاغراض الباعثة على الأمر، و
حيثية منافاة المبغوضية للتقرب حيثية تعليلية لفساد العبادة فلا ينافي عدم
المنافاة بالذات بين المبغوضية والغرض الملازم للقرب.
قوله: ما يكون بنفسه وبعنوانه عبادة الخ: قد سبق في مباحث الأوامر
أن ما يوجب القرب والثواب لا بد فيه من جهتين: بأحدهما يكون حسنا بالذات
أو معنونا بعنوان ينتهي إلى ما بالذات وبالأخرى يكون مرتبطا بالمولى كي
يستحق من قبله المدح والقرب فبعض العناوين بنفسها حسن ومرتبط بمن
يتعلق به بلا حاجة إلى رابط كعنوان التخضع والتخشع والتعظيم فإنها عناوين
حسنة وبنفسها قابلة للإضافة إلى من يخضع له أو يخشع له أو يعظمه وبعض
العناوين لا يكون حسنا ولا قابلا للارتباط بنفسه كاكرام زيد فإنه مربوط بزيد لا
بالمولى، وإنما يكون ارتباطه إلى المولى من طريق دعوة الأمر فإذا أكرمه بداع
الأمر انطبق عليه عنوان الإطاعة والانقياد ونحوهما من العناوين الحسنة بالذات
والمضافة بنفسها، والمقابلة بين قسمي العبادة في المتن بهذه الملاحظة و
تخصيص القسم الثاني بما لا يعم التوصلي لما ذكرناه في الحاشية المتقدمة.
قوله: بل من قبيل شرح الاسم كما نبهنا عليه الخ: قد مر في مقدمة
الواجب المناقشة فيه فراجع.
" ما المراد من المعاملة؟ "
قوله: والمعاملة بالمعني الأعم الخ:
يمكن أن يقال: بعدم عموم ملاك اقتضاء النهي للفساد في غير المعاملات
بالمعنى الأخص فان مبغوضية التسبب إلى الملكية مثلا يمكن أن تكون مستلزمة
لمبغوضية المسبب، وعدم حصوله شرعا إما عقلا أو عرفا بخلاف الغسل فان
مبغوضيته لا تستلزم عدم حصول الطهارة بوجه لكن ظاهر كلام الشيخ قده
585

المحكي عن مبسوطه دخول المعاملات بالمعنى الأعم في محل النزاع.
فان قلت: لا فرق بين الملكية والطهارة فإنهما إن كانتا من الموضوعات
الواقعية المترتبة على أسبابها وقد كشف الشارع عنها فلا تلازم حرمة أسبابها
عدم ترتب مسبباتها الواقعية، وإن كانتا من الاعتبارات الشرعية كما هو كك برهانا
حتى في مثل الطهارة بل نص شيخنا الأستاذ - قده - عليه في الثانية في حواشيه
على براءة الكتاب فالتلازم بين حرمة السبب وعدم إيجاد الاعتبارات كان
صحيحا في الملكية فهو صحيح في الطهارة وإلا فلا.
قلت: يمكن الفرق بينهما بناء على أنهما معا من الاعتبارات فان الملكية
تسبيبية غير مترتبة على ذات السبب قهرا.
فيمكن أن يتوهم أن التسبب القصدي حيث أنه متقوم باعتبار الشارع نظرا إلى
أن إيجاد الملكية تسبيبي من المالك ومباشري من الشارع فلا معنى لمبغوضية
هذا الفعل التسبيبي المنوط تحققه بفعل الشارع وايجاده المباشري من الشارع
بخلاف الطهارة فإنها مترتبة على نفس الغسل لا على التسبب به إلى إيجاد اعتبار
الشارع لتنافي المبغوضية مع إيجاد ما يتقوم به المبغوض وسيجيئ تحقيق
الكلام فيما بعد إنشاء الله تعالى.
" الصحة والفساد "
قوله: وصفان اعتباريان ينتزعان الخ: حيث أن الموافقة والمطابقة لا
تتصور إلا بين شيئين فلا محالة لا يعقل أن تكون مجعولة ولو بالتبع بل ينتزع من
المأتي به خارجا بالإضافة إلى المأمور فهي من الأوصاف المجعولة بجعل الفعل
تكوينا لا من أوصاف المأمور به كي تكون المجعولة بجعل الطلب تشريعا.
قوله: إلا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم الخ: لا يخفى أن
الصحة بمعنى إسقاط القضاء إذا كانت من أوصاف الفعل فلا محالة تكون من
586

الأمور الاعتبارية الانتزاعية إذ لا نعني بالأمر الانتزاعي إلا ما لا مطابق له بالذات
بل كان له منشأ الانتزاع، ومجرد استقلال العقل بسقوط الأمر بالإعادة والقضاء
لا ينافي انتزاعية المسقطية للأمر بهما عن الفعل إذ لا حكم مجعول من العقل بل
شان القوة العاقلة إدراك عدم الأمر بالإعادة، وعدم الأمر بالقضاء بادراك عدم
الخلل الموجب لهما، وهكذا الأمر في استحقاق المثوبة فان الفعل متصف
بالسببية لاستحقاق المثوبة، ومنشأ هذا الاتصاف وإن كان بناء العقلاء على مدح
الفاعل فيكون أصل الاستحقاق العقلائي مجعولا عقلائيا لكن سببية المأتي لهذا
الأمر المجعول تبعي تكويني قهري لا أنه من اللوازم المجعولة حتى ببناء العقلاء
كما سيجيئ إنشاء الله تعالى في لوازم المجعول التشريعي فتدبر.
نعم ليست الصحة بهذا المعنى من الأمور المجعولة تشريعا ولو تبعا لما
عرفت في الصحة بمعنى موافقة الأمر من عدم اتصاف الفعل في مرحلة تعلق
الطلب بها بل يتصف بها المأتي به إلا أنا ذكرنا في مبحث الاجزاء أن اتصاف
المأتى به بالمسقطية للأمر بالإعادة أو القضاء بنوع من المسامحة لعدم علية
المأتي به لسقوط الأمر بالإعادة أو القضاء بل المأتى به حيث أنه موافق للمأمور به
بحده فلا خلل حتى يؤمر بالإعادة والقضاء حيث لا يعقل التدارك إلا مع خلل
في المتدارك فعدم الخلل من لوازم اتيان المأمور به بحده فعدم الأمر بالقضاء
مستند بالدقة إلى عدم علته لا إلى المأتى به إلا بالعرض والمجاز.
قوله: وفي غيره فالسقوط ربما يكون مجعولا الخ: لا يخفى عليك أن
القضاء كالإعادة ليس من العناوين الجعلية كالملكية والزوجية حتى يكون
إسقاطه كاثباته جعليا بل المعقول إيجاب القضاء وعدمه فالمجعول هو الوجوب
وعدمه فقوله " أسقطت القضاء " ليس كاسقاط الحق من الأمور المجعولة
المتسبب إليها بأسبابها الانشائية بل راجع إلى عدم إيجاب القضاء لمصلحة
التسهيل والتخفيف الراجحة على المصلحة المقتضية للتكليف بالقضاء، وإرادة
الجعل بالإضافة إلى الايجاب وعدمه توجب الخروج عن محل البحث إذ الكلام
587

في الصحة والفساد الموصوف بهما الفعل، وعدم اتصاف الفعل بهما في غاية
الوضوح إذ ليس وجوب القضاء وعدمه حكمين للمأمور به الاضطراري و
الظاهري بل الوجوب وعدمه حكمان للقضاء.
وأما الصحة بمعنى مسقطية المأتي به للأمر بالإعادة والقضاء فربما يتخيل
من أنها حيث لا تكون عقلية فهي جعلية بتبع انشاء عدم وجوب الإعادة و
القضاء.
ويندفع بأن العلة لعدم الأمر بالقضاء هي مصلحة التسهيل المانعة عن اقتضاء
بقية المصلحة للمبدل للقضاء وهي واقعية لا جعلية، وعنوان العلية لعدم الأمر
بالقضاء كعنوان معلولية عدم الأمر بالقضاء وإن كان كل منهما ينتزع عند إنشاء
عدم الأمر بالقضاء إلا أنهما مجعولان بالجعل التكويني التابعي للجعل التشريعي
كما في علية مصالح الاحكام لها فان عنواني العلية والمعلولية هناك وإن كانا
منتزعين عند جعل الأحكام إلا أنهما غير مجعولين تشريعا ولو تبعا كما أشرنا إلى
تفصيله في مبحث الأحكام الوضعية.
قوله: وأما الصحة في المعاملات فهي تكون مجعولة الخ: لا ريب
في أن الاعتبارات المترتبة على العقود والايقاعات أمور مجعولة شرعا أو عرفا،
ومعنى صحتها ترتب تلك الآثار عليها إلا أنه ليس المجعول إلا نفس الأثر دون
ترتبه على مؤثره فإنه عقلي ولا يقاس بترتب الحكم على موضوعه فان إيجاب
ثم لا يخفى عليك أنه ليس للصحة حينئذ مرتبتان بنحو الكلية والجزئية إذ
ليست الملكية وغيرها من الأمور الاعتبارية كالأحكام التكليفية حتى يتصف
موضوعاتها بها قبل تحقق مصاديقها في الخارج بل البيع ما لم يتحقق في الخارج
لا يتحقق هناك اعتبار الملكية، فقول الشارع مثلا " البيع نافذ " ليس إنشاء للملكية،
ولا للسببية بداهة عدم تحقق الملكية فعلا بهذا الكلام كما لا يتحقق العلية ما لم
يتحقق المعلول بل إخبار بالاعتبار عند تحقق البيع الانشائي في الخارج. و
توضيح الفرق بينهما أن الايجاب مثلا تسبيبي من الحاكم فيصح أن ينشئ
588

بداعي جعل الداعي بالإضافة إلى عنوان خاص فيصير بعثا حقيقيا عند تحقق
عنوان موضوعه بخلاف اعتبار الملكية فإنه مباشري من شخص المعتبر، وهو إما
محقق أو لا؟.
لا يقال: كما يمكن اعتبار مملوكية الكلي الذي واعتبار مالكية طبيعي الفقير
للزكوة فلا مانع من اعتبار مالكية كلي من حاز لما حاز، أو كلي المتعاقدين لما
تعاقدا عليه.
لأنا نقول: وإن كان الاعتبار خفيف المؤنة لكنه يحتاج إلى الأثر المصحح و
إلا كان لغوا ولا أثر للاعتبار الفعلي هنا أصلا بخلاف المثالين فإنه يصح ترتيب
آثار الملك على الكلي المملوك في ذمة الغير، وكذا يضمن الزكاة لطبيعي الفقير
من أتلفها إلى غير ذلك من الآثار بخلاف اعتبار الملك الفعلي الكلي من حاز قبل
تحقق الحيازة أو لكلى المتعاقدين قبل تحقق العقد فقوله عليه السلام " من حاز
ملك " (1) إخبار بتحقق الاعتبار عند تحقق العنوان في الخارج.
" في الأصل في المسألة "
قوله: وأما في العبادة فكذلك لعدم الأمر بها الخ: لا يخفى أن الكلام
في تأسيس الأصل في فساد العبادة المنهي عنها لا في فساد العبادة مطلقا
فتفصيل القول في صور الشك في الفساد خال من السداد، ولذا ضرب خط
المحو على ما في بعض نسخ الكتاب، وحيث أن الصحة والفساد هنا من حيث
موافقة الأمر وعدمها فلا شك في الفساد إذ لا أمر قطعا للفراغ عن تعلق النهي
بالعبادة، وعن عدم اجتماعه مع الأمر بها فكيف يشك في الصحة والفساد بهذا
المعنى حتى يؤسس الأصل في مقام الشك كما أن الصحة بمعنى موافقة المأتي

1 - لم نعثر بهذا اللفظ عن الخاصة ولا العامة. وإن كان يظهر من بعض كلمات الفقهاء منهم صاحب
الجواهر في ج 26 ص 291 أن هذه القاعدة من أقوال المعصومين (ع).
589

به للمأمور به من حيث الملاك قطعي الثبوت لأن المفروض تعلق النهي بالعبادة
لا ببعض العبادة فالمنهي عنه ستجمع لجميع الأجزاء والشرائط الدخيلة في
الملاك وإنما المشكوك منافاة التقرب المعتبر في العبادة مع المبغوضية الفعلية و
مع عدم استقلال العقل بالمنافاة أو بعدمها لا أصل يقتضي أحد الأمرين.
نعم الأصل في المسألة الفرعية الفساد لاشتغال الذمة بالعبادة المقربة، ومع
الشك في صدورها قربية لا قطع بفراغ الذمة فيجب تحصيل الفرد الغير المبغوض
بالفعل، هذا بناء على أن المسألة عقلية، وأما بناء على كونها لفظية والنزاع في
ظهور النهي في الارشاد إلى المانعية فمع الشك لا أصل في المسألة الأصولية، و
أما في المسئلة الفرعية فحيث أن المفروض حينئذ عدم منافاة الحرمة المولوية
للعبادية وعدم الحجة على المانعية ووجود الاطلاق، ولذا لو لم يمكن نهي لما
شككنا في فساد العبادة فالأصل حينئذ هو الصحة دون الفساد فتدبر.
" في أقسام تعلق النهي بالعبادة "
قوله: الثامن أن متعلق النهي إما أن يكون الخ: لا يخفى عليك أن
الجزء أو الشرط، أو ما اتحد مع العبادة إن كان بنفسه عبادة فالنهي عنه نهي عن
العبادة، ولا مجال للبحث عن كل واحد منها إذ لا فرق بين عبادة وعبادة، و
حديث فساد المركب بفساد الجزء، وفساد المشروط بفساد الشرط لا ربط له
بدلالة النهي على فساد العبادة، ولا بفساد العبادة المنهي عنها فالبحث عن تعلق
النهي بجزء العبادة وشرطها ونحوها على أي حال أجنبي عن المقام كما أن
البحث عن المنهي عنه لجزئه، أو لشرطه، أو لوصفه سواء كان حرمة الجزء و
الشرط والوصف واسطة في العروض، أو واسطة في الثبوت من حيث اقتضاء
الفساد خال عن السداد، أما إذا كان المحرم نفس الجزء والشرط والوصف، و
نسب الحرمة إلى المركب والمشروط والموصوف بالعرض فواضح كالحرمة لها
590

حقيقة بل بالعرض والمجاز، وحرمة نفس الجزء والشرط والوصف إذا كانت
عبادة مما لا مجال للبحث عنها إذ لا فرق بين عبادة وعبادة، وأما إذا كان المركب
والمشروط والموصوف محرما حقيقة لفرض سريان الحرمة حقيقة إليها من
الجزء والشرط والوصف فبعد هذا الفرض تكون العبادة محرمة حقيقة ولا
دخل لسبب الحرمة نفيا وإثباتا كي يتكلم فيه فالذي ينبغي التكلم فيه هو سريان
الحرمة من الجزء والشرط والوصف إلى العبادة فيكون من مبادئ هذه المسألة
إلا وحيث لم يبحث عنه مستقلا فلذا يبحث عنه في مقدمات هذه المسألة إلا أن
ظاهر العناوين ربما يأباه.
قوله: بلحاظ أن جزء العبادة عبادة الخ: لا موجب له سواء كانت العبادة
ما كان حسنا بذاته أو ما لو أمر به لمكان أمره عباديا إذ لا يجب أن يكون جميع
أجزاء العبادة معنونا بعنوان حسن بذاته بل يكفي كون المركب بما هو مركب
معنونا بعنوان حسن كما أنه لا أمر عبادي بكل جزء بل بالمركب فليس الجزء
عبادة بأي معنى كان بل الوجه في بطلان المركب أن التقرب بالمبغوض أو بما
يشتمل على المبغوض غير ممكن عقلا وإن لم يكن الجزء بما هو داخلا في
محل النزاع، وهكذا الأمر بالمشروط إذا كان شرطه حراما فإنه لا وجه لسراية
الحرمة، ولا لكون الشرط عبادة كلية بل الوجه في البطلان أن التقرب بالمتقيد
بالمبغوض كالتقرب بالمبغوض، وكذا الأمر بالمتقيد بالمبغوض كالأمر به.
قوله: وأما القسم الرابع فالنهي عن الوصف الخ: لا ريب في أن الجهر
والاخفات شدة وضعف في الكيف المسموع فإن كان التشكيك معقولا في
الذاتيات كانت الماهية النوعية بما هي شديدة تارة، وضعيفة أخرى فالنهي عن
الشديدة أو الضعيفة نهي عن العبادة، وكك لو قلنا بعدم معقولية التشكيك في
الذاتيات وقلنا إن المراتب أنواع متبائنة فان النهي حينئذ متعلق بالماهية النوعية
بناء على اتحاد الجنس والفصل في الوجود كما هو التحقيق، وأما بناء على
التعدد فالنهي حينئذ عما ينضم إلى العبادة في الوجود لا عن العبادة فإنها نفس
591

القراءة، وليس الكلام في عدم سراية الحرمة بل في دخوله في محل النزاع، وهو
النهي عن العبادة
نعم التحقيق كون النهي متعلقا بالعبادة لأن الأعراض بسائط، ولا تعدد
لجنسها وفصلها في الوجود وإنما يتم ذلك في الأنواع الجوهرية بل التحقيق أن
الشدة والضعف دائما في الوجود فالوجود الخاص الذي هو من العبادات منهي
عنه، ولا تعدد بوجه من الوجوه وإنما يتصور التعدد في الوجود إذا كان الجهر و
الاخفات كيفية عرضية قائمة بالكيف المسموع فان العرض وموضوعه متعددان
في الوجود على المشهور، والعبادة نفس القراءة الممتازة وجودا عن إحدى
الكيفيتين فليس النهي عن أحدهما نهيا عن القراءة كي يكون نهيا عن العبادة إلا
أنه باطل على جميع التقادير سواء قلنا إن الشدة والضعف في الوجود، أو في
الماهية، وسواء قلنا بأن الشديدة والضعيفة نوعان أو نوع واحد ومن الواضح أن
الشدة في السواد مثلا شدة في نفس السواد فكيف يكون أمرا آخر ما وراء السواد
قائما به.
قوله: لاستحالة كون القراءة الخ: سياق الكلام يقتضي البحث عن دخول
النهي عن الجزء والشرط والوصف اللازم في محل النزاع لا في بيان حكمه، و
هذا البرهان متكفل لحكم العبادة التي نهى عن وصفها اللازم مع أن مقتضاه عدم
الأمر بالقراءة لا النهي عنها حتى يدخل في مسألة العبادة المنهي عنها وتحقيق
الحال ما تقدم آنفا ومنه يتضح حال ما أفيد في القسم الخامس حتى بناء على
الامتناع فان الكلام في دخوله في محل النزاع لا في فساد العبادة لاتحادها مع
المنهي عنه وجودا وعدم كون النهي عن الغصب نهيا عن العبادة بديهي فتأمل.
" في اقتضاء النهي الفساد في العبادات "
قوله: ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر الخ:
592

لا يخفى عليك أن عدم الصحة بهذا المعنى بديهي بعد امتناع اجتماع
الحكمين بل المناسب في تحريم الاستدلال أن يقال إن صحة العبادة وتأثيرها
أثرها ليست لا بمعنى وقوعها قربية من المكلف، ولا يعقل التقرب بما هو
مبغوض المولى فعلا وإن لم نقل بالحاجة إلى الأمر في وقوع العبادة قربية حتى
يعم العبادات الذاتية فان صحتها ووقوعها مقربة لا يتوقف على الأمر بها لكنها
تتوقف على عدم مبغوضيتها إذ المبعد بما هو مبعد لا يكون مقربا.
قوله: لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة الخ: هذا وإن كان مصححا لتعلق
النهي بالعبادة إلا أن الالتزام بحرمتها وإن لم يقصد بها القربة بنحو من الأنحاء في
غاية الاشكال مضافا إلى أن مثلها فاسد وإن لم يتعلق به النهي فلا وجه للبحث
عن اقتضاء النهي للفساد إلا بلحاظ صحة اتيانه عبادة مع قطع النظر عن النهي إذ
لا يتوقف التقرب على إحراز الأمر وملاكه، فمع النهي لا يمكن التقرب به ولو
رجاء.
أو يقال إن البحث جهتي كالبحث عن اقتضاء النهي لفساد المعاملة مع أنها
بمقتضى الأصل وفي حد ذاتها محكومة بالفساد
وأما دفع الاشكال الأول بأن اتيان العمل لله بطود لام الغاية ممكن، و
يتحقق به العبادية وإن لم يكن هناك أمر ولا ملاكه بل كان مبغوضا فعلا فلا ينافي
عدم مبغوضية ذات العمل تعليما أو بداع أخر.
فمدفوع: بأنه يتجه بالإضافة إلى العبادات الذاتية فان العمل لله بنحو لام
الصلة معناه العمل الإلهي ولا يعقل ذلك إلا في المحسنات الذاتية ومفروض
الكلام في غيرها.
قوله: هذا فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة كالسجود الخ: قد عرفت في
أوائل المبحث وفي غيره أن المراد بالعبادة الذاتية ما كان حسنا بذاته من دون
حاجه في إضافته إلى المولى إلى أمر ونحوه كالسجود فان التخضع للمولى
بالركوع والسجود أمر معقول مع عدم الأمر منه بل مع النهي عنه غاية الأمر أنه
593

مع النهي لا يحصل به القرب.
فان قلت: ملاك الأمر والنهي حسن التعلق وقبحه ولا يعقل أن يكون
الحسن بالذات قبيحا بالعرض أو بالذات فان الذاتي لا يتخلف.
قلت: ليس المراد بالحسن ذاتا أن الفعل علة تامة للحسن أو العنوان الحسن
من ذاتياته ومقوماته بل المراد من الذاتي هنا أن الفعل لذاته لا لانطباق عنوان
آخر عليه يكون حسنا، وهو على قسمين، فتارة يكون الفعل علة تامة للحسن، و
أخرى مقتضيا له، فالأول كالعدل والاحسان، والثاني كالصدق هذا على
المشهور.
وأما على التحقيق فالشيئ إما أن يكون بعنوانه حسنا بمعنى أن الموضوع
يحكم العقل العملي بالحسن نفسه مع قطع النظر عن عنوان آخر وهو الحسن
بالذات، وإما لا يكون بعنوانه حسنا سواء كان لو خلي وطبعه انطبق عليه عنوان
حسن كالصدق فإنه لو خلي وطبعه حسن فإنه عدل أو لم يكن لو خلي وطبعه
كك بل كان في نفسه إما قبيحا أو لا حسنا ولا قبيحا فالأول كالكذب فإنه لو خلي
وطبعه ينطبق عليه عنوان الاغراء بالجهل المنتهي إلى الظلم، وأما لو عرضه
عنوان إنجاء المؤمن كان حسنا لأنه عدل وإحسان حينئذ.
والثاني كشرب الماء فإنه في حد ذاته لا ينطبق عليه عنوان حسن أو قبيح و
هذا المسلك أحسن مما سلكه المشهور من عنوان العلية التامة والاقتضاء بداهة
أنه تأثير ولا تأثر للعناوين بل الحسن والقبح اللذان هما من صفات الفعل
الاختياري عبارة عن حكم العقل العملي المأخوذ من القضاء بالمشهورة
المعدودة من الصناعات الخمس في علم الميزان وموضوع هذا الحكم بنفسه
من غير ملاحظة شئ آخر هو العنوان الحسن لذاته وما ينطبق عليه هذا
الموضوع العنواني حسن بالعرض وكل ما بالعرض لابد أن ينتهي إلى ما بالذات.
نعم بعض الموضوعات لو خلي وطبعه ينطبق عليه ذلك العنوان فيعبر عنه
بأنه حسن بذاته وبعضها ليس كك بل في حد ذاته لا ينطبق عليه شئ فالمراد
594

من العبادة الذاتية هنا هو الذاتي بالمعنى الثاني فلا ينافي قبحه بالعرض فمثل
التخضع للمولى بالركوع والسجود مما ينطبق عليه عنوان الاحسان للمولى و
عنوان العدل حيث أن من شأن العبد أن يكون خاضعا لمولاه إلا أنه ما لم ينه عنه
المولى لكونه في مكان لا يليق به أو في زمان لا يليق به أو في حال كك، وإلا
انطبق عليه عنوان الإسائة إلى المولى وهتك حرمته وإن كان عنوان التخضع
محفوظا في هذه الحال كمحفوظيته عنوان الكذب مع عروض عنوان الانجاء
عليه بخلاف عنوان العدل والظلم فان أحدهما لا يعقل أن يكون معروضا للاخر
ومحفوظا مع طرو الاخر.
قوله: بل إنما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب الخ: فعل
القلب وإن كان معقولا كما أوضحناه في محله والمآثم القلبية أيضا كك إلا أنه قد
ذكرنا في بحث التجري أن عنوان التجري وهتك الحرمة من وجوه الفعل و
عناوينه، وأن العبد بفعل ما أحرز أنه مبغوض المولى يكون هاتكا لحرمته، وإلا
فمجرد العزم عليه عزم على هتك حرمته كك البناء على فعل ما لم يعلم أنه من
الدين بعنوان أنه منه، وإن كان فعلا نفسيا وإثما قلبيا إلا أنه بناء على التصرف في
سلطان المولى حيث أن تشريع الاحكام من شؤون سلطانه فبفعل ما لم يعلم أنه
من الدين بعنوان أنه منه يكون هاتكا لحرمة مولاه، ومتصرفا في سلطانه.
فان قلت: مقام التشريع الذي هو من شؤون سلطانه تعالى مقام جعل الحكم
لا مقام العمل حتى يكون العمل معنونا به ويكون تصرفا في سلطانه تعالى.
قلت: تشريعه تعالى هو بعثه وزجره وهو عبارة عن التسبب إلى إيجاد الفعل
أو الترك في الخارج فالايجاد التسبيبي منه تعالى تفريع منه تعالى والتصرف في
هذا السلطان بالإضافة إلى غير شخص المتصرف هو أمره للغير بعنوان أنه منه
تعالى فيكون أمره الخارجي، وهو إيجاده التسبيبي تشريعا منه، وتصرفا في
سلطانه تعالى، وأما بالإضافة إلى فعل نفسه فلا يتصور بعد البناء على التصرف
في سلطانه تعالى إلا إيجاده المباشري بعنوان أنه منه تعالى بالتسبيب فمصداق
595

التشريع بالإضافة إلى الغير وبالإضافة إلى نفسه مختلف.
نعم تحريم الفعل المأتي به بعنوان التشريع ذاتا وتشريعا غير معقول لا
لاجتماع المثلين بل لأن الالتزام بالحرمة الذاتية زيادة على الحرمة التشريعية إنما
هو تصحيحا لتحريم العبادة بما هي عبادة حيث لا يعقل إلا تشريعا وفي نفس
هذا الفرض لا يعقل قطع النظر عن عنوان التشريع بدعوى أنه حرام ولو لم يكن
التشريع حراما هذا إذا أريد من الحرمة الذاتية تحريم الفعل بذاته لا بعنوان
التشريع ولو في حال التشريع وأما إذا أريد منها الحرمة الناشئة عن غير المفسدة
العامة لكل تشريع ولو مثل مفسدة التشريع الخاص الصادر عن الحائض مثلا
فالاشكال وجيه، وإن كان يندفع بما سيأتي إنشاء الله تعالى مضافا إلى أن ظاهر
النواهي تحريم الفعل بما هو لا بعنوان التشريع.
نعم في العبادة الذاتية يمكن تعقل الحرمة الذاتية والتشريعية فإنها بما هي
محرمة ذاتا وبعنوان أنها مطلوبة محرمة تشريعا فتتأكد الحرمة لوجود الملاكين و
استحالة اجتماع المثلين لأن الزجر عن التشريع والزجر عن العبادة الذاتية كلاهما
قابل للفعلية منفكا أحدهما عن الاخر فعند اتيان العبادة الذاتية بعنوان المطلوبية
ينتزع العقل من الخطابين زجرا فعليا بالإضافة إلى المجمع من دون لزوم اجتماع
المثلين بخلاف ما إذا لم يتحقق العبادية إلا بالتشريع فان النهي عن العبادة حينئذ
لا فعلية له أصلا لأن مورده دائما لا يتحقق إلا بالتشريع المنهي عنه بالفعل فلا
تترقب الفعلية منهما معا حتى ينتزع منهما نهي فعلي في المورد فصح دعوى
لزوم محذور اجتماع المثلين في مثل المقام لا في مثل العبادة الذاتية فتدبر.
قوله: لدلالته التشريعية الخ: لا باعتبار أن الحرمة التشريعية في نفسها
تلازم عدم الأمر فان الحكم لا يحقق موضوعه الملازم لعدم الأمر ولا باعتبار
حرمة التشريع الخاص فإنه أيضا كك بل بلحاظ أن حرمة إتيان الحائض لأصل
الصلاة اليومية رأسا تشريعا لا يعقل إلا إذا كانت الصلاة اليومية تشريعا منها فتدل
الحرمة التشريعية بهذه الملازمة على خروج موردها عن تحت الاطلاقات.
596

نعم هذا خلاف ظاهر الدليل من حيث تعلق الحكم بذات الصلاة بعنوانها لا
بعنوان التشريع.
وهنا وجه آخر للدلالة على الفساد وهو أن النهي يدل على خروجه عن
تحت الاطلاقات والعمومات لا لمكان امتناع اجتماع والنهي كي يكون التقييد
عقليا بل المنهي مسوق لأجل اخراج هذه الموارد عن تحت الاطلاقات و
العمومات فلا يكون في البين ما يمكن التقرب به من الأمر وملاكه بلا حاجة إلى
المبغوضية الفعلية ولو من جهة الحرمة التشريعية في المنع عن التقرب لأنه إنما
يتوقف على ذلك مع وجود ما يصلح للتقرب به.
نعم هذه الدعوى إخراج للنهي عن ظاهره وهو التحريم ودلالته على الحرمة
التشريعية ليس إلا بالملازمة وإلا فالنهي متعلق بنفس الفعل بعنوانه لا بعنوان
آخر لكنه لا باس بصرف الظهور في هذه الموارد فيكون كالأمر عقيب الخطر فإنه
لمجرد الاذن هناك كما أنه لمجرد رفع الاذن هنا.
" في النهي عن المعاملة "
قوله: أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبيب أو بالتسبب الخ: لا يخفى
أن المعقول في كل معاملة حقيقة أمور ثلاثة.
أحدها العقد الانشائي مثلا وهو ذات السبب. وثانيها التسبب به إلى الملكية
مثلا وهو العقل التوليدي فان إيجاد الملكية ليس من الافعال التي تتحقق بمباشرة
المكلف إذ ليس المبدء فيه عرضا من أعراضه القائمة به كنفس العقد اللفظي
القائم به. وبعبارة أخرى ليس المبدء قائما به حقيقة وبلا واسطة في العروض بل
فعل يتولد من فعل آخر قائم به حقيقة بالمباشرة وهذا الفعل قد يعتبر عنه
بالمسبب لأن العقد آلة هذا الايجاد.
وثالثها نفس الملكية وقد يعبر عنه بالأثر وبالمسبب أيضا وقد مر غير مرة أن
597

الايجاد والوجود متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار فمن حيث قيامه بالمكلف
قيام صدور ايجاد ومن حيث قيامه بالماهية قيام حلول واتحاد وجود ولا يتعقل
غير هذه الأمور الثلاثة. فما أفاده قده في القسم الثاني، إن أريد به إيجاد الملكية
فهو وإن كان فعلا تسبيبا إلا أنه عين السبب إلى وجود الملكية فلا معنى لجعله
مقابلا له، وإن أريد به وجود الملكية فهو إن كان في قبال التسبب إليه اعتبارا إلا
أنه بهذا الاعتبار ليس فعلا لا مباشرة ولا تسبيبا إذ الملكية باعتبار صدورها من
المكلف فعل له لا باعتبار وجودها في نفسه كما هو واضح. وكيف كان فحرمة
المعاملة بالمعنى الأول أعني ذات السبب بما هو عمل من الأعمال لا ربط له
بفسادها من حيث أنها سبب مؤثر بل في الحقيقة لا نهي عن المعاملة بما هي
معاملة، وأما حرمة التسبب إلى الملكية فربما يقال بملازمتها للفساد عرفا وإن لم
تكن ملازمة بينهما عقلا إلا أنه لا وجه للتلازم العرفي بين المبغوضية الحقيقية و
التأثير كما أن الظهار الحقيقي حرام ومع ذلك يؤثر أثره.
نعم بعد ارتكاز هذه الملازمة في أذهان أهل العرف ولو غفلة وخطاء عن
عدم الملازمة الواقعية يصح تنزيل النواهي الظاهرة في الحرمة على فساد
المعاملة إلا أن الاشكال في أصل الملازمة. وأما توهم أن التأثير إن كان جعليا فلا
معنى لمبغوضية السبب أو التسبب وجعل الأثر. فمدفوع بأن ثبوت المفسدة في
ذات السبب أو التسبب لا ينافي ثبوت المصلحة في جعل الأثر عند وجود هذا.
الفعل المبغوض.
نعم حرمة الأثر مع نفوذ السبب في غاية الاشكال إذ الأثر وهي الملكية ليس
من الآثار الواقعية المترتبة على مقتضياتها وأسبابها قهرا حتى لا ينافي
بمغوضيتها وتأثير الأسباب كما لا تنافي بين الآثار التكوينية للأسباب التكوينية و
بمغوضيتها سببا ومسببا بل الملكية كما أوضحنا حالها مرارا من الاعتبارات
الشرعية في الملكية الشرعية ومن العرفية في العرفية من الواضح أن اعتبار كل
معنى من المعاني من الافعال المباشرية للمعتبر، ومن الافعال التسبيبية لموجد
598

سبب الاعتبار فإذا كان نفس اعتبار الملكية ذا مفسدة ومبغوضا للمعتبر فلا محالة
لا يعقل إيجاده منه إلا أنه على هذا المسلك ليست المبغوضية مبغوضية
تشريعية بل تكوينية لان متعلقها فعل المولى لا فعل المكلف فلا ربط لها بحرمة
المعاملة على المكلف فما يعقل أن يكون مبغوضا من المكلف هو فعله
المباشري أو التسبيبي والعقد اللفظي فعله المباشري وإيجاد الملكية والتسبب
إلى اعتبارها من الشارع بسبب العقد اللفظي مثلا فعله التسبيبي، وأما نفس وجود
الملكية التي حقيقتها عين اعتبارية الشارع فليس بهذا الاعتبار من أفعال المكلف
قطعا.
فان قلت: التسبب إلى الملكية متقوم باعتبار الشارع للملكية فإذا كان نفس
التسبب إلى الملكية مبغوضا فكيف يحققه الشارع باعتباره فالتسبب أيضا غير
نافذ.
قلت: هذه شبهة في جميع التكوينيات المبغوضة شرعا مع أنه تعالى منتهى
سلسلة الموجودات جميعا وإلا لأمكن أن يكون ممكن غير منته إلى الواجب
فينسد باب اثبات الصانع وقد مر في باب الطلب والإرادة عدم المنافاة بين
المبغوضية تشريعا والمرادية تكوينا فراجع.
والتحقيق في مجامعة صحة المعاملة مع مبغوضية أثرها. أن يقال إن معنى
التمليك الحقيقي جعل الشخص والشئ طرفا لاعتبار الملكية فبمجرد وجود
العلة التامة للطرفية توحد الطرفية (1)، وإن كانت الطرفية في نفسها مبغوضة إذ بعد
فرض تمامية علتها لا يعقل تخلفها عنها، ولا منافاة بين كون السبب التام وهو
العقد بشرائطه ذا مصلحة موجبة لكون الشخص طرفا لاعتبار الملكية شرعا وبين
كون المسبب وهو كونه طرفا في نفسه ذا مفسدة وحيث أن تركه مقدور بترك
التسبب إليه يمكن طلب تركه شرعا وإلا لوجب أن يكون الخصوصية الموجبة

1 - إذ العقول تعلق الحرمة به وصيرورة الشخص طرفا لاعتبار الشارع لا نعنو اعتبار الشارع.
منه - ره -.
599

للحرمة مانعا من تأثير العقد ومشروطا بعدمها مع أنه ليس كك وأن العقد
بشرائطه موجود، وأنه ليس في البين إلا المبغوضية الصرفة.
قوله: وإنما يقتضي الفساد فيما إذا كان الخ: لا يخفى أن تحريم الثمن
أو المثمن ليس من محل النزاع بل لا بد من دعوى دلالة النهي عن أكل الثمن أو
المثمن على فساد المعاملة بالالتزام، أو فرض تحريم المعاملة توطئة للزجر عن
أكل الثمن أو المثمن.
فيقال: لا تبع كلبا ولا خنزيرا فان ثمنهما سحت فان حرمة التصرف في الثمن
أو المثمن مع فرض عدم الحجر كاشفة عن عدم صحة المعاملة.
قوله: نعم لا يبعد دعوى ظهور النهي الخ: الأمر الارشادي هو البعث
بداعي إظهار النصح وإرائة رشد العبد وخيره فيما تعلق به فيتفاوت بتفاوت
المتعلق من حيث كونه عبادة أو معاملة أو غيرهما، فإن كان عبادة نفسية فرشده و
خيره هو القرب والثواب المترتب عليها، وإن كان جزاء أو شرطا كان إرائة لجزئيته
وعدم تحقق المركب بدونه، وإظهارا لشرطيته وعدم تحقق المشروط بدونه، و
إن كان معاملة فالأمر المترقب منها نفوذها وصحتها فيكون الرشد والخير الذي
كان البعث إظهارا له هو النفوذ والصحة، وإن كان من الأمر الخارجية ذوات
المنافع والمضار فالارشاد إليها إرشاد إلى تحقيقها. ومنه اتضح وجه عدمه ظهور
الأمر والنهي في الارشاد إلى الصحة والفساد في غير المعاملات بالمعنى
الأخص فان النفوذ وعدمه هو الأثر المترقب من المعاملة بما هي معاملة دون
غيرها فتدبر.
نعم حيث أن الصحة مجرد ترتب الأثر وإن لم يكن عين النفوذ وأثر الغسل
مثلا هي الطهارة صح أن يكون النهي عن الغسل بالمضاف مثلا إرشاد إلى عدم
ترتب أثره عليه وهي الطهارة وتخصيصه حينئذ بالمعاملات بالمعنى الأخص
بلا وجه.
قوله: ولا يخفى أن الظاهر أن يكون المراد من المعصية الخ: بيانه
600

أن المعصية كما تصدق على مخالفته الحكم التكليفي كك على الفعل الغير
المأذون فيه بإذن وضعي إذ التسبب إلى ما لم يأذن به الله تعالى تصرف في
سلطانه تعالى كما أن إنفاد ما لم يأذن به السيد تصرف في سلطانه وهو المراد من
عصيانه فالمقابلة بين معصية السيد ومعصية الله تعالى بملاحظة أن التزويج بما
هو تزويج حيث أنه لم ينفذه السيد لعدم إذنه به فهو عصيان له، وحيث أنه أنفذه
الشارع بذاته فهو غير عاص له تعالى. ومنه يظهر أن كون الاذن منه تعالى وصفيا و
من السيد تكليفيا لا يوجب التفكيك إذ المقابلة بين العصيان للسيد وعدمه
العصيان لله تعالى وإن كان منشائه مخالفة الاذن التكليفي للسيد وعدم مخالفة
الاذن الوصفي لله تعالى.
ومما يؤيد ذلك قول السائل في رواية أخرى متحدة مع المذكورة في المتن
من حيث السائل والمسؤول ما لفظه فإنه في أصل النكاح كان عاصيا فقال الإمام عليه السلام
اتى شيئا حلالا وليس بعاص لله ورسوله ص فيظهر منه أن قوله
يقولون أصل النكاح فاسد مع قوله هنا في أصل النكاح كان عاصيا بمعنى واحد و
أما قوله عليه السلام " أتى شيئا حلالا " (1) ونحوه فالمراد من الحلية والجواز هو
المعنى اللغوي المناسب للوضع والتكليف، ويؤيده قوله " ولا يحل إجازة السيد
له " (2) فان معنى الحل هنا قطعا هو النفوذ أي لا ينفذه إجازة السيد له لا أنه يحرمه
أو يحرم الإجازة عليه، وفي رواية ثالثة " في مملوك تزوج بغير إذن مولاه أعاص
لله قال عليه السلام عاص لمولاه قلت: هو حرام؟ قال عليه السلام ما أزعم أنه
حرام " (3) الخ: ولو كان المراد بالمعصية فعل الحرام لم يكن وجه للسؤال عن
الحرمة بعد نفي كونه فاعلا للحرام فهذه الرواية أظهر من غيرها من حيث إرادة أنه
لم يفعل ما لم ينفذه تعالى بل فعل ما لم ينفذ السيد ولا بأس بالسؤال عن الحرمة

1 - الكافي ج 5 ص 478 الحديث 2.
2 - الكافي ج 5 ص 478 الحديث 3.
3 - في الكافي فقد مر وأما في الفقيه: ج 3 ص 350 الحديث 4 باب طلاق العبد.
601

بعد النفوذ لما ذكرنا مرارا من عدم الملازمة بين الحرمة وعدم النفوذ وفيه إشارة
إلى عدم الملازمة عرفا أيضا كما لا ملازمة عقلا فتأمل.
قوله: والتحقيق أنه في المعاملات كك الخ: إذا كان صحة شئ و
نفوذه لازم وجوده فلا محالة يكون النهي عنه كاشفا عن صحته إذ المفروض أنه لا
وجود له إلا صحيحا فلا بد من كونه مقدورا في ظرف الامتثال فالبيع الحقيقي
حيث أن نفوذه لازم وجوده فلا محالة يكون النهي عنه كاشفا عن صحته، وحيث
أن ذات العقد الانشائي لا يكون ملازما للنفوذ فمقدوريته بذاته لا ربط له
بمقدوريته من حيث هو مؤثر فعلي.
نعم التحقيق كما مر مرارا أن إيجاد الملكية الذي هو معنى التمليك بالحمل
الشايع متحد مع وجود الملكية بالذات ويختلفان بالاعتبار فأمر الملكية دائر بين
الوجود والعدم لا أن إيجاد الملكية يتصف بالصحة لأن وجود الملكية ليس أثر له
كي يتصف بلحاظه بالصحة دائما لأن الشئ لا يكون أثرا لنفسه، وأما الأحكام
المترتبة على الملكية المعبر عنها بآثارها فنسبتها إليها نسبة الحكم إلى موضوعه
لا نسبة المسبب إلى سببه ليتصف بلحاظه بالنفوذ والصحة.
ومنه يعلم أن النهي عن إيجاد الملكية وإن دل عقلا على مقدوريته وإمكان
تحققه بحقيقته لكنه لا يدل على صحته حيث لا صحة له، والنهي عن السبب و
إن دل على مقدوريته إلا أن وجوده لا يلازم نفوذه. فقول أبي حنيفة (1) ساقط
على جميع التقادير. وأما العبادة سواء كانت ذاتية أو بمعنى ما لو أمر به لكان مما
لا يسقط إلا بقصد القربة فحيث أن تأثيرها في القرب ليس لازم وجودها إذ لا
يعقل المقربية مع المبغوضية فلا محالة لا يكشف النهي عنها عن صحتها مع
إمكان تعلق النهي بها، وأما العبادة بمعنى المأتي به بداع الأمر فلا يعقل أصل
تعلق النهي بها إلا بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد ولو
بعنوان واحد.

1 - شرح تنقيح الفصول ص 173.
602

ومما ذكرنا ظهر أن العبادة بمعنى لو تعلق الأمر به لكان أمره عباديا لا يسقط
إلا إذا قصد به القربة كالعبادة الذاتية من حيث المقدورية كما أن العبادة الذاتية
مثل العبادة بهذا المعنى في عدم كون المقربية من لوازم وجودها فما يترائى في
العبارة من الفرق بينهما من حيث المقدورية لا وجه له ولعله أشار إليه بقوله قده
فافهم.
نعم العبادة بالمعنى المتقوم بقصد القربة غير مقدورة مع النهي فلا يعقل
النهي منها وهي خارجة عن محل النزاع كما تقدم سابقا.
603

المقصد الثالث في المفاهيم
604

" في الفرق بين المفهوم والمنطوق "
قوله: أن المفهوم أنما هو حكم غير مذكور الخ: إن أريد بالحكم غير
مذكور كونه بشخصه غير مذكور فكل موضوع أيضا بشخصه غير مذكور وإن
جعل الموضوع نفس زيد في قولنا " إن جائك زيد فأكرمه " بداهة تشخص كل
قضية بموضوعها ومحمولها، وإن أريد بكون الحكم غير مذكور كون سنخ
الحكم غير مذكور فلا يعم المفاهيم جميعا لخروج مفهوم الموافقة إذ الحكم في
طرف المنطوق والمفهوم واحد سنخا فالأولى أن يكون الاعتبار بالموضوع
سنخا حتى يعم المفاهيم المخالفة والموافقة سواء كان الحكم بسنخه مذكورا
كما في مفهوم الموافقة أو غير مذكور كما في مفهوم المخالفة حيث أن الحكم
فيها مخالف للحكم المذكور والمراد بالموضوع في مفهوم المخالفة هي الحيثية
التي أنيط بها الحكم في المنطوق كالمجئ في الشرطية، والوصف في الوصفية،
والغاية في المغياة وهكذا فان عدم المجيئ وعدم الوصف وما عدا الغاية غير
مذكور لكنه تكلف بعيد خصوصا في بعض القيود الراجعة إلى الحكم.
والتحقيق أن تعدد القضية حقيقة بمغايرتها مع الأخرى موضوعا أو محمولا
أو هما معا والاعتبار في المنطوقية والمفهومية بمذكورية قضية مغايرة لأخرى
في شخص الكلام، وبعدم مذكوريتها لا بعدم مذكوريتها سنخا وإلا لخرج
المفهوم عن كونه مفهوما بالتصريح به في كلام آخر بل حقيقة هذه القضية
المتحدة في كلامين منطوق في شخص هذا الكلام ومفهوم في شخص ذلك
الكلام الاخر فالعبرة في تغاير القضيتين حقيقة بمجرد المغايرة نوعا وماهية،
موضوعا أو محمولا لكن العبرة في المذكورية وعدمها بالذكر وعدمه في
605

شخص الكلام، والمراد أن القضية التابعة لقضية أخرى من حيث كونها غير
مذكورة مفهوم وإن كانت من حيث مذكوريتها في موارد آخر منطوقا.
قوله: وإن كان بصفات المدلول أشبه الخ: الدلالة بالمعنى الفاعلي
قائمة باللفظ، وبالمعنى المفعولي قائمة بالمعنى ومعناهما انفهام المعنى من
اللفظ فإن كان أولا وبالأصالة كان المدلول من المداليل المنطوقية، وإن كان ثانيا
وبالتبع كان من المداليل المفهومية فليس كل معنى تبعي لمعنى مفهوما بل التابع
في الانفهام فخرج (1) مثل وجوب المقدمة وحرمة الضد كما أن الانفهام التبعي
إن كان من كلام واحد كان المدلول مفهوما، وإن كان من كلامين كأقل الحمل
المنفهم من الآيتين كان منطوقا إلا أن يصطلح على تسمية مطلق ما يفهم تبعا
مفهوما، ولا مشاحة في الاصطلاح.
ومما ذكرنا ظهر أن الدلالة بالمعنى المعقولي ليست إلا المدلولية وإلا فلا
يعقل لها معنى آخر فلا فرق بين أن يكون المنطوقية والمفهومية من أوصاف

1 - لا يخفى أن التبعية في الانفهام لا يكون إلا لملازمة واقعية بين المعنيين إما عقلا أو جعلا وإلا
لكانت التبعية بين الانفهامين والانتقالين موجب وعليه فكما أن لازم العلية المنحصرة عقلا الانتفاء
وعند الانتفاء كك لازم وجوب ذي المقدمة وجوب المقدمة برهانا أو وجدانا فلابد أن تكون دلالة اللفظ
الحاكي عن وجوب ذي المقدمة على وجوب المقدمة بعد ثبوت الملازمة داخلة في المفهوم كما أن
دلالة الجملة المتضمنة للعلية المنحصرة على الانتفاء وعند الانتفاء داخلة فيه ومجرد كون الملازمة
عقلية لا يخرجه عن إقسام الدلالة اللفظية وإلا فما الفرق بين المقامين.
ويندفع بأن الحيثية التي بها يتحقق الانفهام التبعي إن كانت من المداليل اللفظية المنطوقية كان
الانفهام التبعي من المداليل اللفظية المفهومية وإلا فلا والحيثية التي يقتضى الانتفاء عند الانتفاء وهي
حيثية انحصار العلة التي تتكفلها الجملة الشرطية وصفا أو إطلاقا بخلاف مسألة وجوب المقدمة فان
الصيغة الدالة على وجوب ذي المقدمة لا تتكفل إلى وجوبه لا تلك الجهة المقتضية لوجوب المقدمة
فدلالة اللفظ عليه كدلالة اللفظ على ذات العلة التي هي في الواقع منحصرة لا بالوضع والاطلاق فكما لا
يكون ذلك مفهوما كك الدلالة على وجوب المقدمة بل دلالة التزامية عقلية محضة فتدبره فإنه حقيق به.
606

الدلالة والمدلول بما هو مدلول لا بذاته فإنه غير معقول، ولو أريد من المدلول
هذا الوصف العنواني فالمنطوقية والمفهومية أولا وبالذات من أوصاف المبدء و
ثانيا وبالعرض من أوصاف الوصف لا العكس، وأما الدلالة بالمعنى الفاعلي
فمعناها علية اللفظ لانفهام المعنى ولا يكون ذلك إلا بغالبية اللفظ للمعنى، ومن
الواضح ان اللفظ ليس قالبا إلا للمعنى المنطوقي لا أنه قالب أولا وبالذات
للمعنى المنطوقي، وثانيها وبالتبع المفهومي فإنه غير معقول بل الموجب
لانفهام المعنى المنطوقي في نفس اللفظ ولانفهام المعنى المفهومي نفس انفهام
المعنى المنطوقي الخاص فتدبر.
نعم يمكن أن يقال إن دلالة اللفظ على نفس معناه ودلالة معناه الخاص على
لازمه حيث أن انفهام المعنى الخاص هو الموجب لانفهام اللازم يتصفان
بالمنطوقية والمفهومية فالدال على قسمين، منطوق وهو اللفظ، ومفهوم وهو
المعنى، وباعتبارهما يقال إن المعنى منطوقي ومفهومي وإلا فالمعنى لا ينطق
به بل اللفظ لكنه خلاف ظاهر الأصوليين مما ذكرناه من أن المنطوقية والمفهومية
من أوصاف الدلالة بالمعنى المفعولي لعله أنسب فتدبر جيدا.
" في مفهوم الشرط "
قوله: الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء الخ: قد
أشرنا في البحث عن الواجب المشروط إلى أن شأن أداة الشرط كما يشهد بها
الوجدان وملاحظة مرادفها بالفارسية ليس إلا جعل متلوها واقعا موقع الفرض، و
التقدير، ولذا قيل أن كلمة لو حرف الامتناع لا مدخولها الماضي وفرض وجود
شئ في الماضي لا يكون إلا إذا كان الواقع عدمه فلذا يكون المفروض محالا،
وحيث رتب على المحال شئ أيضا في الماضي فهو أيضا محال لأنه إن كان
المرتب عليه علته المنحصرة فلم توجد، وإن لم تكن علته المنحصرة وكانت له
607

علة أخرى فهي أيضا لم توجد، ولذا رتب عدمه عدم المفروض وجوده.
ومنه علم أن الالتزام بأن أداة [لو] للامتناع ليس التزاما بالمفهوم وبالعلية
المنحصرة لمدخولها. وبالجملة دوات الشرط لمجرد جعل مدخولها واقعا موقع
الفرض والتقدير، وأن التعليق والترتب يستفاد من تفريع التالي على المقدم، و
الجزاء على الشرط كما يدل عليه إلغاء الذي هو للترتيب سواء كان الترتب زمانيا
كما في [جاء زيد] [فجاء عمرو] مثلا، أو كان الترتب بنحو العلية كما في [تحركت
اليد فتحرك المفتاح] أو بالطبع كما في [وجد الواحد فوحد الاثنان] إلى غير ذلك
من أنحاء الترتب. وربما لا يكون النظر إلى الترتب الخارجي بنحو من أنحائه بل
الترتب كان بمجرد اعتبار العقل كما في قولنا " إن كان النهار موجودا فالشمس
طالعة " و " إن كان هذا ضاحكا فهو انسان " ونحوهما فإنه لا ترتب خارجا بل في
الحقيقة المقدم في هذه القضايا مترتب على التالي كما لا ترتب أيضا بالإضافة
إلى وجودهما الفرضي إذ ليس فرض الانسانية مقتضيا لفرض الضاحكية لامكان
فرض الكاتبية وغيرها بل للعقل أن يضع الضاحك أولا، ثم يضع الانسانية ثانيا.
والحاصل أن الفاء للترتيب إلا أن الترتيب، تارة بلحاظ ما في الخارج، وأخرى
بوضع العقل واعتباره فلا دلالة لمطلق الترتيب عليه اللزوم فضلا عن الترتيب
بنحو العلة فضلا عن العلية المنحصرة كما أن إسناد هذه المعاني إلى أداة الشرط
غفلة عن أن شأنها جعل متلوها واقعا موقع الفرض والتقدير فقط وقد ظهر حال
الجملة بتمامها فان غاية مفادها ترتيب أمر على أمر مفروض الثبوت بلا دلالة
على لزوم بينهما، أو على ترتب بنحو العلية فضلا عن المنحصرة.
قوله: أو منع دلالتها على الرتب الخ: أي الترتب الخارجي ولو بغير
العلية كما في الترتب الزماني أو بالطبع ونحوهما وذلك لأن المتضائفين لا ترتب
بينهما ومع ذلك يصح قولنا " إن كانت السماء فوقنا فالأرض تحتنا " لا مطلق
الترتب ولو بفرض العقل واعتباره فإنه مما لا يقبل الانكار.
قوله: ودعوى كونها اتفاقية الخ: يمكن أن يقال إن الشرطية لا تلازم
608

اللزوم لشهادة الوجدان على أن الشرطية الاتفاقية كاللزومية من دون عناية، و
الوجه فيه ما تقدم من أن شأن الأداة جعل متعلقها ومدخولها واقعا موقع الفرض
والتقدير وأن الشرطية ليست إلا لمصاحبة المقدم مع التالي بلا دلالة على لزوم،
أو اتفاق والترتب المستفاد من الجملة أعم من الترتب الخارجي، ومن الترتب
في ظرف عقد القضية بفرض العقل واعتباره فضلا عن الترتب بنحو العلية.
قوله: إن قلت: نعم ولكنه قضية الاطلاق الخ: بيانه كما أن الترتب
المطلق هو الترتب بنحو العلية فإنه الترتب بالطبع وبلا عناية كك الترتب المطلق
دون مطلق الترتب هو الترتب التالي على مقدمة لا غير كما أن الوجوب المطلوب
هو الوجوب لا للغير فكما أنه كونه للغير أمر وجودي ينبغي التنبيه عليه كك
الترتب على الغير يحتاج إلى التنبيه بخلاف الترتب على المقدم لا على الغير
فاختصاص الترتب به ليس إلا عدم ترتبه على ما ينبغي التقييد به لو كان مترتبا
عليه.
قوله: كما يظهر وجهه بالتأمل الخ: إذ ملاحظة العلية واللزوم والترتب
بنحو الاطلاق المقتضي لشرطية المقدم فقط لا تكون إلا بالنظر الاستقلالي
فيوجب إنقلاب المعنى الحرفي إسميا، وهو منقوض بالوجوب الاطلاقي في
قبال المشروط وفي استفادة الوجوب من الطلب الجامع بمقدمات الحكمة. و
حله على مسلكه قده بملاحظة المعنى الحرفي الوسيع أو الضيق بتبع المعنى
الأسمى فملاحظة العلة والمعلول على نحو لا ينفك أحدهما عن الاخر ملاحظة
العلية المنحصرة بالتبع.
قوله: ضرورة أن كل واحد من أنحاء اللزوم الخ: لا يخفى أن عدم
ترتب التالي على غير المقدم لا يوجب أن يكون سنخ المترتب على غيره مبائنا
معه من حيث الترتب أو اللزوم بخلاف عدم كون الوجوب للغير فان الوجوب
المنبعث عن وجوب الغير سنخ من الوجوب ومقابل للوجوب الغير المنبعث
عن وجوب آخر فليس عدم الترتب على غير المقدم أو الترتب عليه من
609

خصوصيات الترتب على المقدم كي يختلف أنحاء الترتب.
نعم لو كان الشك في أن المقدم تمام المترتب عليه أو بعضه كان مقتضى
الاطلاق أنه تمامه، وأنه لا دخل لغيره في ترتبه عليه لأنه إذا شك في أنه مترتب
على غيره أيضا بحيث لا يلزم منه خلل في ترتبه على المقدم يحكم بعدمه فنحن
أيضا نقول بعدم اقتضاء الاطلاق للعلية المنحصرة لكنه لا من أجل كون الانحصار
وعدمه من شؤون العلية وحيثياتها كالتمامية والنقص أو كالعلية بنحو الاقتضاء أو
الشرطية أو الاعداد بل من أجل أن الانحصار وعدمه ليسا من شؤون العلية أصلا
حتى يكون الاطلاق مقتضيا لاثبات خصوصية أو نفيها بل حيثية العلية أجنبية
عن حيثية الانحصار وعدمه، وإنما هما من شؤون العلة والكلام في الاطلاق من
حيث السببية لا الاطلاق من حيث وحدة السبب وتعدده كما سيأتي انشاء الله
تعالى.
نعم هنا وجه آخر لاستفادة الانحصار وهو أن مقتضى الترتب العلي على
المقدم بعنوانه أن يكون بعنوانه الخاص بلا علة ولو لم تكن العلة منحصرة لزم
استناد التالي إلى الجامع بينهما وهو خلاف ظاهر الترتب على المقدم بعنوانه
فتدبر.
قوله: إلا أن المعلوم ندرة الخ: لأن القدر المسلم من القضية الشرطية
إفادة العلية وصلاحية الشئ للتأثير من دون دخل شئ وجودا أو عدما في
عليته الذاتية، وأما ترتب المعلول بالفعل على العلة فهو أمر آخر قد يتفق سوق
الاطلاق بلحاظه فتدبر.
قوله: لا تتفاوت ثبوتا الخ: فكون العلة ذات عدل (1) ليس ككون الواجب

1 - الفرق بين الاطلاقين هنا والاطلاق في الواجب التعييني والتخييري أن كون المولى في مقام
بيان جد العلية للمقدم لا يقتضى بيان العدل له إذا كان له عدل فان علية المقدم جدا لا تتفاوت بالإضافة
إلى كونه ذا عدل أولا وهذا بخلاف جد الوجوب الحقيقي فان التعييني والتخييري سنخان متباينان
لا أن حقيقة الوجوب بالمردد بل استحالة سائر الطرق إلا الالتزام بأن الوجوب التعييني وجوب غير
مشوب بجواز الترك إلى بدل والتخييري وجوب مشوب بجواز الترك إلى بدل فلا محالة إذا كان المولى
في مقام جد الوجوب لا الاهمال يجب عليه بيان كونه مشوبا بجواز الترك إلى بدل بذكر عدل الواجب
وحيث لم يبين له عدلا كان معينا لكونه تعيينا.
وربما يدعى الاطلاق المحقق للمفهوم بتقريب آخر وهو أن الشرط إذا كان جعليا لا عقليا محققا
للموضوع فهو مقيد لاطلاق الأمر ولهذا المقيد إطلاق وتقييد فإذا كان له ضميمة تقتضي العطف بالواو أو
بدل وعدل يقتضى العطف بأو فلا بد من التنبيه عليه بالعطف بأحد الوجهين وحيث لا عطف بوجه
يعلم أن القيد مطلق من حيث الضميمة ومن حيث البدل فيستفاد من الاطلاق الاستقلال في العلية
وانحصارها وفيه أن الاطلاق لا يكون إلا مع انحفاظ ذات المطلق فالاطلاق معقول وأما الاطلاق من
حيث البدل فلا إذ لا يكون بدله إلا في ظرف عدمه فلا يعقل إطلاق القيد في ظرف عدم نفسه وقياسه
بالواجب التعييني والتخييري مع الفارق فان الاطلاق المعين للوجوب التعييني ليس في الواجب من
حيث كونه ذا بدل بل الاطلاق في الوجوب من حيث عدم كونه مشوبا بجواز الترك إلى البدل كما قدمناه
وأما إطلاق الأمر من حيث قيد آخر فلا يجدى لأن هذا الأمر المقيد لا بتوقف وجوده على شئ بعد
وجود شرطه والكلام في وجوده بوجوده شئ آخر مع عدم ما فرض قيديته له فتدبر جيدا.
610

ذا عدل فان سنخ الوجوب التخييري سنخ مباين للوجوب التعييني كما يشهد له
اختلافهما في الآثار بخلاف كون العلة واحدة أو متعددة فان سنخ العلية في كل
منهما غير مبائن مع علية الاخر.
نعم إذا أريد الاطلاق من حيث الوحدة والمتعدد بأن كان المولى في مقام
بيان كل ما له العلية فاقتصر على خصوص المجئ مثلا كشف على انحصاره فيها
وإلا كان ناقضا لغرضه لكنه لا دخل له بالاطلاق من حيث الشرطية كما كان
الاطلاق من حيث تعين الوجوب مقتضيا له.
قوله: وليس فيما أفاده يثبت الخ: إلا أن يكون مراده ره من قوله " وليس
بممتنع " الخ عدم الامتناع القياسي دون الواقعي أو الاحتمالي فالمراد إمكانه
611

القياسي بالإضافة إلى مفاد الشرطية فإنها لا تأبى عن تعقيب الشرط بشرط آخر.
قوله: أن المفهوم أنما هو انتفاء سنخ الحكم الخ: إن أريد أن مفاد
[أكرم] مثلا إثبات طبيعة الوجوب بحيث لا يشذ عنها فرد منها فهو وإن كان
لازمه انتفاء سنخ الحكم عقلا إلا أن ظاهر الأمر بالاكرام في الشرطية وغيرها على
حد سواء، وليس النزاع في المفهوم وعدمه في أن المنشئ سنخ الحكم أو
شخصه بل في إفادة العلية المنحصرة وعدمها، وإن أريد اثبات طبيعة الوجوب
بمعنى وجودها الناقض للعدم وأن تشخص بلوازم الوجود فمن الواضح أن
الوجود نقيض العدم وكل وجود بديل عدم نفسه لا العدم المطلق فانتفائه انتفاء
نفسه لا انتفاء سنخ الوجوب.
وبالجملة انتفاء ناقض العدم لا يوجب بقاء العدم المطلق على حاله بل عدم
ما هو بديل له فليس تعليق الوجوب بهذا المعنى أيضا مقتضيا لانتفاء الحكم بل
التحقيق أن المعلق على العلة المنحصرة في نفس وجوب الاكرام المنشئ في
شخص هذه الطبيعة لكنه لا بما هو متشخص إلى إفادة انحصار علته بأداة أو
غيرها بل بما هو وجوب فإذا كانت علة الوجوب بما هو وجوب منحصرة في
المجيئ مثلا استحال أن يكون للوجوب فرد آخر بعلة أخرى فالمعلق على
المجيئ ليس الموجود بحيث لا يشذ عنه وجود، ولا الوجود بمعنى ناقض
العدم المطلق ولا الوجود الشخصي بما هو شخصي بل بما هو وجود الوجوب
فيدل على أن الوجوب لو كان له فرد كانت علته المجيئ وإلا لزم الخلف.
قوله: ارتفاع مطلق الوجوب فيه من الفوائد الخ: بل من فوائد انحصار
العلة وإلا فكون شئ علة للوجوب بما هو وجوب لا بما هو شخص من
الوجوب لا يقتضي عدم امكان قيام غيره مقامه.
قوله: ولعل العرف يساعد الخ: اعلم أن الوجه الأول والثاني مشتركا في
التصرف في الخصوصية المستفادة من منطوق القضية المستتبعة للمفهوم و
الثاني يمتاز عن الأول بزيادة رفع اليد عن الانحصار بالكلية بخلاف الأول فان
612

الحصر إضافي فيه، وأما الظهور في السببية المستقلة لكل منهما بعنوانه فهو
محفوظ فيهما بخلاف الوجهين الآخرين.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا ترجيح للوجه الثاني على الأول بتوهم أنه لا تصرف فيه
في المنطوق دون الأول فان الثاني ما لم يتصرف في منطوقه لا يعقل رفع اليد عن
لازمه بل لعلل الترجيح للأول فان رفع اليد عن إطلاق الحصر أهون من رفع اليد
عن أصل الحصر فتدبر.
قوله: بملاحظة أن الأمور المتعددة الخ: قد عرفت في مبحث الواجب
التخييري ما في تطبيق قاعدة عدم صدور الواحد عن المتعدد على أمثال المقام
مما كان الواحد فيه نوعيا، وقد ذكرنا أن مورد القاعدة وعكسها الواحد الشخصي
وبينا هناك أيضا أن البرهان على عدم صدور الواحد عن الكثير مورده صدور
الواحد الشخصي عن الكثير بالشخص، وأن مسألة المناسبة والسنخية أجنبية
عن لزوم الانتهاء إلى جامع ماهوي.
قوله: وإن كان بناء العرف والأذهان الخ: لا يخفى عليك أن ظاهر
القضية الشرطية وإن كان سببية الشرط بعنوانه الخاص سواء قلنا بالمفهوم و
قيدناه أم لم نقل بالمفهوم، لكنه لا محيص عن جعل الجامع بين الشرطين سببا
بعد الاطلاع على استحالة تأثيرهما بعنوانهما أثرا واحدا. فالوجه الرابع وإن كان
يرفع التعارض كسائر الوجوه لكنه لا تستغني تلك الوجوه عنه بخلاف هذا الوجه
فإنه يستغني به عنها.
نعم لو قلنا بعدم استقلال كل منهما للسببية وكانا جزئي السبب فلا حاجة إلى
الوجه الرابع وأما عدم القول بالمفهوم فلا يجدي.
وأما ما افاده قده في أن الجامع يكون شرطا بعد البناء على رفع اليد عن
المفهوم فان أراد قده أنه لا تصل النوبة إلى الالتزام بالجامع إلا بعد الفراغ عن
الثبوت عند الثبوت في كل منهما والالتزام بالمفهوم مطلقا في كل منهما بمعنى
613

عدم الالتزام (1) بالثبوت عند الثبوت في كل منهما فلا يجب الالتزام بتأثير الجامع
فيندفع بأن الالتزام بالمفهوم وإن كان التزما بالمحال من حيث أنه التزام
بالنقيضين لكنه من حيث الالتزام بالثبوت عند الثبوت في كليهما إلتزام بمحال
آخر، وهو تأثير المتبائنين أثرا واحد.
وإن أراد أن الالتزام بالجامع بعد عدم الالتزام بالمفهوم فإنه محال (2)، فهو غير
مختص بهذا الوجه بل سائر وجوه التصرف أيضا أنما يلتزم بها من أجل أن
الالتزام بظاهر القضايا جميعا محال، والظاهر إرادة الشق الأول كما يومى إليه
اقترانه ببقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله فظاهره أنه كما لا مجال
للجامع مع كون كل منهما جزء العلة كك لا مجال مع الالتزام بالمفهوم.
قوله: وأما رفع اليد عن المفهوم الخ: ضرب عليه خط المحو في
النسخة المصححة ولعله أنسب وذلك لأن رفع اليد عن مفهوم أحدهما لا
يجدي لأن مفهوم الاخر ينفي هذا المنطوق فيجب التصرف في مفهومه و
منطوقه وليس التصرف في منطوقه بمجرد تقييد علته بوجود العلة الأخرى فإنه
مناف لظهور الاخر في كونه تمام السبب أن كون هذا جزء السبب يستدعي أن
يكون الاخر أيضا كك بل لا بد من عمل الشرط فيما لا مفهوم له على مجرد
المعرفية لئلا يلزم منه التصرف في الاخر بوجه من الوجوه وهو في قوة طرح
إحدى القضيتين مفهوما ومنطوقا ولبعده جدا لعله ضرب عليه الخط.

1 - توضيحه أن كل قضية شرطية في ذاتها ذات منطوق ومفهوم وفى كل منهما محذور ففي
المنطوق محذور تأثير المؤثرين المتباينين أثرا واحدا وفى المفهوم الجمع بين النقيضين والالتزام
بالجامع يدفع المحذورين أما الأول فواضح وأما الثاني فلرجوع المفهومين إلى مفهوم واحد وهو انتفاء
الحكم بانتفاء الجامع والجامع لا ينتفى بانتفاء واحد مصاديقه.
2 - أي الالتزام بالمفهوم والمرتب على أمر محال محال أيضا فلا يعقل الالتزام بالجامع على هذا
التقدير المحال ويندفع بأن الالتزام بالجامع سبب لرفع محذور المفهوم لا أنه مرتب عليه أو على عدمه
كما أن سائر الوجوه أيضا لدفع هذا المحذور لا أنها مرتبة على وجوده أو عدمه فافهم.
614

قوله: محكوما بحكمين متماثلين وهو واضح الاستحالة الخ: قد مر
مرارا أن تعلق الحكمين المتماثلين أو المتضادين ليس من التماثل والتضاد
المستحيل اجتماعهما كما عرفت وجهه سابقا بالبرهان وقد عرفت الوجه في
استحالة تعلق وجوبين بطبيعة واحدة فراجع أوائل مقدمة الواجب.
قوله: بل على مجرد الثبوت الخ: هذا إنما يصح في الجملة الخبرية وإلا
فالانشاء بداع البعث الجدي لا يعقل أن يكون إثباتا للبعث الأول بل وجودا آخر
من البعث.
قوله: أو الالتزام بكون متعلق الجزاء الخ: هذا بناء على (1) خروج
الكليين المتصادقين على واحد في محل النزاع، وأما بناء على دخول ذلك كما
صرح به بعض المحققين (2) لوحدة المدارك وهو محذور اجتماع الحكمين
المتماثلين في واحد ذي عنوانين فلا يجدي الالتزام المزبور، وعدم لزوم
الاجتماع في مرحلة التصادق والامتثال لا ينافي الاجتماع في مرحلة التعلق و
التكليف وإلا لم يلزم اجتماع في حقيقة واحدة بلحاظ مرحلة الامتثال أيضا و
التفاوت في مرحلة التعلق بين واحد ذي عنوانين وبين عنوان واحد بناء على
جواز اجتماع الحكمين لا يجدي إلا على هذا المبنى لا مطلقا كما هو المهم.
قوله: بل غايته أن انطباقهما عليه الخ: فان اتحاد المأتي به مع المأمور به
في الوجود يوجب اتصافه بصفته بالعرض وهو معنى صحة انتزاع صفة له، وقد
عرفت في مبحث اجتماع الأمر والنهي أن الصفة الوجوب ونحوه مما لا يعقل
عروضها للموجود الخارجي لا بالذات ولا بالعرض فان الوجود مسقط للوجوب

1 - هذا الوجه إنما يناسب القول بتداخل المسببات وهو كفاية فعل واحد عن واجبات بتعدده وإن
كان نتيجته أن الايجابات صارت بمنزلة إيجاب واحد والأسباب المتكثرة عادت بمنزلة سبب واحد
وبالجملة الكلام فعلا في حدوث وجوب واحد ليكون الأسباب متداخلة بحسب الأثر وبعد الفراغ عن
تعدد الأثر يتكلم في كفاية فعل واحد وعدمها.
2 - صاحب هداية المسترشدين ص 300.
615

فكيف يتصف به فراجع ولعل قوله - ره - فافهم إشارة إليه أو إلى ما تقدم.
قوله: وتأكد وجوبه عند الاخر الخ: بتقريب أن لازم حدوث إرادة أخرى
تأكد الأولى كما في جميع الاعراض القابلة للاشتداد، وهذا أحسن الوجوه من
حيث إبقاء كل سبب على سببيته والالتزام بتعدد المسبب غاية الأمر أن المسبب
حيث أنه من المقولات التي تجري فيها الحركة والاشتداد كان لازم حدوث
مرتبة أخرى في موضوع الأولى تأكدها وانقلاب المرتبة الضعيفة إلى مرتبة
شديدة.
والتحقيق أن ظاهر القضية الشرطية لو كان حدوث وجود آخر لما كان امكان
الاشتداد مجديا في حفظ ظهورها لأن الشئ لا يتبدل وجوده في مراتبه
الضعيفة والشديدة بل وجود واحد مستمر بناء على أصالة الوجود وقد ذكرنا في
بعض المباحث السابقة قضاء ضرورة الوجدان بأن الشئ في مراتب تحولاته و
استكمالاته موجود واحد لا موجودات إلا إذا لوحظ الموجود بالعرض وهي
الماهية، ومعنى قبول المقولة للحركة والاشتداد إمكان خروج الموجود الواحد
عن حد إلى حد آخر لا أن حدوث وجود اخر يوجب انقلاب الموجود الأول، و
إلا لم يعقل اجتماع الأمثال في أمثال هذه المقولات، مع أن عدم قبول الموضوع
لإرادتين مثلا كعدم قبوله لبياضين لا أن اجتماعهما يوجب حدوث مرتبة أكيدة
هذا كله بالإضافة إلى الإرادة فالكراهة، وأما البعث والزجر فلا تجري فيهما
الحركة والاشتداد أصلا لاختصاصهما ببعض المقولات لا بالاعتبارات كما أشرنا
إليه سابقا.
قوله: نعم لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية الخ: لا يخفى عليك أن
متعلق الجزاء نفس الماهية المهملة والوحدة والتعدد خارجا عنها فهي بالنسبة
إلى الوحدة والتعدد واللا اقتضاء لكن الماهية وإن كانت في حد ذاتها كك لا أنها
من أن تلاحظ على نهج الوحدة أو التعدد هنا إذ الحكم لا يعقل تعلقه بالمهمل
فهناك ظهوران متناقضان خصوصا إذا كان ظهور الإرادة في السببية المطلقة
616

بالاطلاق لا بالوضع.
فالوجه في القول بعدم التداخل أن العرف إذا ألقى إليه القضيتان فكأنه يرى
مقام الاثبات مقترنا بمقام الثبوت ويحكم بمقتضى تعدد السبب بتعدد متعلق
الجزاء من غير التفات إلى أن مقتضى إطلاق المتعلق خلافه وهذا خلافه، وهذا
المقدار من الظهور العرفي كاف في المقام.
وربما يقال بأن إطلاق السبب بضميمة حكم العقل بعدم معقولية تعلق
الوجوبين بوجود واحد من الطبيعة يقتضي تعدد الوجود ورفع اليد عن إطلاق
متعلق الجزاء لا أنه يرفع اليد عن إطلاق المتعلق باطلاق السبب حتى يقال ما
المرجح لاحد الاطلاقين على الاخر؟ ولا يمكن رفع اليد عن إطلاق السبب
بظهور المطلق إطلاقيا في الوحدة إذ مع رفع اليد عن اطلاق السبب لا وجوب
بالسبب الثاني فلا حكم حتى يقال بأن متعلقه مطلق أو مقيد.
وفيه: أنه لا تعين لإحدى الشرطيتين للسابقية، وللأخرى للأحقية حتى لا
يكون مجال للحكم البالغ مرتبته العقلية في الثانية لأن السبب المعلق عليه الحكم
لا تأثير له بل كل من السببين المرتب عليهما الحكم في القضيتين متقيد بعدم
سبق سبب آخر عليه وكل منهما قابل للسبق فهو قابل لفعلية الحكم المرتب
عليه فيصح تعيين متعلقه إطلاقا وتقييدا وإلا لم يصح تعيين متعلق لا منهما
إطلاقا وتقييدا، مع أن الوجه الثالث من وجوه التصرف لا يقتضي رفع اليد عن
إطلاق السبب ولا عن إطلاق متعلق الجزاء حتى يرد المحذور المذكور، وبلوغ
الحكم لمرتبة شديدة من البعث الفعلي لا ينافي تعيين متعلقه إطلاقا وتقييدا
فتدبر.
بل التحقيق أن الوحدة التي يقتضيها إطلاق المتعلق وقرينة الحكمة الموجبة
لصلوح المتعلق لتعلق الحكم به هي وحدة المتعلق من حيث المطلوبية بالطلب
المتعلق به بمعنى أن البعث المتعلق بالاكرام مثلا يقتضي وجودا واحدا من
الاكرام، ولا يقتضي عدم البعث إلى وجود آخر بل بالإضافة إلى وجود آخر
617

بوجوب آخر لا اقتضاء والبعث الآخر مقتض لوجود آخر بنفسه فان الايجاد
الاخر يقتضي وجودا آخر.
ومنه علم أن مطلوبية وجود آخر ليس من باب تقييد المتعلق بالآخر ضرورة
أن كل قضية ليس ناظرا إلى قضية أخرى حتى يكون مفادها البعث إلى إكرام آخر
بل كل قضية مفادها البعث إلى إكرام آخر بل كل قضية مفادها التحريك إلى وجود
واحد من الاكرام فنفس التحريك تحريك اخر فيقتضي حركة أخرى لتلازم
التحريك والحركة.
فان قلت: إطلاق الدليلين للبعث نحو وجود واحد من الطبيعة بلحاظ شمول
كل واحد منهما للأفراد البدلية ما بنحو التخيير الفعلي أو التخيير الشرعي يقتضي
اجتماع المثلين في كل واحد من الافراد البدلية فيكون كالبعثين التعيينين نحو
واحد معين.
قلت: لا شبهة في ارتفاع المنافاة (1) بتقييد الوجود الواحد من الطبيعة بالآخر

1 - والتحقيق أن الاشكال المذكور يندفع عن التخيير العقلي لتعلق الحكم بوجود الطبيعة بنحو
الوحدة واللا بشرطية عن الخصوصيات البدلية وتجويز تطبيقه على الافراد البدلية بحكم العقل الذي
ليس من قبيل البعث والزجر بل مجرد الاذعان يقول الانطباق على كل فرد وحصول الامتثال به وأما بناء
على التخيير الشرعي فنقول أن الافراد البدلية المقدرة الوجود الممكنة الصدور لا تقبل الزيادة والنقص
ونسبة الدليلين إليها نسبة واحدة من دون اختصاص لمقدار منها بأحدهما ومقدار آخر بالآخر فلا معنى
أصلا للتقييد بالآخر إلا بارجاع الآخرية إلى مرحلة التطبيق ومع إرجاعه إلى مرحلة التطبيق وإن كان
التقييد به لفظا أوليا معقولا إلا أنه يدفع محذور استحالة التقييد واستحالة صدور معلول واحد عن علتين
مستقلتين لا محذور اجتماع المثلين في مرحلة التعلق مع فرض وحدة الافراد البدلية.
ومنه تعرف أن التقييد بالآخر في نفسه محال لا أنه لا دليل عليه ومثل المثال المذكور في الحاشية
إنما يصح وجدانا ويقبل التقييد بالآخر لأن الحكم مرتب فيه على وجود الطبيعة بنحو الوحدة لا على
الافراد البدلية ليكون معقولية التقييد فيه دليلا على ما نحن فيه كما أنه لا يتعين في مثله صرف
التقييد إلى مرحلة التطبيق نعم الإشكال يندفع بأن تعارض الاطلاقين على التخيير الشرعي لا
يوجب التعارض بقول مطلق إذ لا ملزم عقلا ولا لفظا للقول بالتخيير الشرعي هنا حتى يرد هذا المحذور
فتدبر جيدا.
618

بأن يقال " إن قمت فتوضأ " و " إن نمت فتوضأ وضوء آخر " مع أن هذا التقييد لا
يوجب تعين متعلق البعث في مقام التعلق فان كل واحد من الاطلاقين له الشمول
بالإضافة إلى كل واحد من الافراد البدلية ولا يتعين بهذا التقييد فرد من الافراد
البدلية لأحدهما دون الاخر وانما يتعين لأحدهما في مقام الامتثال وهو مقام
فعلية التطبيق فيكون فعلية التطبيق لمتعلق البعث الاخر بفرد آخر وإذا لم يتضيق
دائرة المتعلق في مرحلة وجود البعث وهو مقام التعلق فوجود هذا القيد وعدمه
من هذه الجهة على حد سواء وانما يفيد التقييد لمقام الامتثال وفعلية التطبيق و
كما أن التقييد اللفظي يفيد هذه الفائدة لمقام الامتثال فكذلك فعلية بعث آخر
تقتضي عقلا فعلية انبعاث آخر بفرد آخر وإنما يتعارض الاطلاقان إذا كان
لمتعلقهما نحو من التعين بحيث يكون الواحد منبعثا عن بعثين وصادرا عن
علتين مستقلتين.
قوله: لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات الخ: لأن فعلية
المعرفية (1) تستدعي معرفا برأسه كالسببية إذ المعرف ما يوجب الكشف

(1) لا يخفى عليك أن المعرف هنا ما يكون بوجوده كاشفا عن موجود آخر وليس المراد منه ما هو
المرسوم في علم الميزان من تعريف الشئ من حيث ماهية بماهية أخرى جنسية أو فصلية أو هما معا
أو بماهية تلزم وماهية الشئ فحيث أن المقام هناك مقام التحديد فلا بد فيه من صدق المعرف على
المعرف وأما فيما نحن فيه فلا يعتبر إلا الانتقال من موجود إلى موجود آخر فلا موجب للصدق حتى
يقال أن المعرف بمعنى لازم الحكم أو معلوله يستحيل صدمة على ملزوم الحكم أو علية أي ملاكه أو
موضوعه إما للزوم الخلف واجتماع المتقابلين لفرض لزوم صدق اللازم عن الملزوم والمعلول على
العلة وإما لأن الحكم متأخر عن علته فلا يعقل أن تكون علته معرفة له مع تأخر المعرف عن
المعرف وقد عرفت فساد المعنى وهو لزوم الصدق مع أن المحذور الثاني مندفع بأن العلم بالشئ وإن
كان متأخرا بالذات عن المعلوم بالذات إلا أن سبه من حيث وجوده العلمي دائما متقدم على المعرف
والمكشوف بوجوده العلمي وإن كان تارة بوجوده العيني متقدما عليه كالانتقال من العلة إلى المعلول
وأخرى متأخرا عنه كالانتقال من المعلول إلى العلة وثالثة له المعية معه وجودا كالمعلولين لعلة واحدة
وتقدم سبب الانتقال على المنتقل إليه وجودا وعلما لا تنافى تأخر نفس الانتقال عن ذات المنتقل إليه
فافهم فإنه حقيق به.
619

التصديقي دون التصوري، ولا يعقل تعدد الكشف التصديقي بالنسبة إلى شئ
واحد بخلاف الكشف التصوري فإنه يتعدد مع وحدة المكشوف بالعرض لا
المكشوف بالذات لتشخص الكشف وتقومه بالمكشوف في مرتبته، ولمكان
التضائف بين المعرف والمعرف بالذات، وأما حمل المعرف على الشأني حتى
يصح توارد المتعدد منه على معرف واحد فهو خلف إذ الفرار من السببية إلى
المعرفية لئلا يلزم خلاف الظاهر من حمل السبب على الشأني عند سبق سبب
آخر.
والتحقيق أن حقيقة التعليق على المعرف والكاشف لا معنى لها بل واقع
التعليق على المنكشف ولعله في جميع القضايا واحد وفعلية الترتب المستفاد
من الجملة لا يقتضي إلا فعلية المترتب عليه لا تعدده لأن المفروض أن تعدد
المترتب لفرض تعدد المترتب عليه حقيقة، ولذا لم يستشكل هذا القائل في
عدم تعدد البعث إذا لم يكن هناك سبب متعدد كما إذا قال مرتين " توضأ " مثلا
فإنه يحمل الثاني على التأكيد فإذا لم يكن في الكلام دليل على تعدد السبب
لفرض كون المذكور بعنوان الشرط معرفا لكونه من لوازم سبب الحكم حقيقة و
فرض إمكان تعدد اللوازم (1) لملزوم واحد فلا موجب لتعدد المسبب.

1 - تحقيقه إن كاشفية موجود عن موجود آخر لا تخلو عن أحد وجوه ثلاثة أحدها كشف
العلة والملزوم عن وجود معلولها ولازمه.
ثانيها كشف المعلول واللازم عن وجود العلة.
ثالثها كشف أحد المتلازمين عن الاخر كمعلولين لعلة واحدة والمتضائفين اللذين هما متكافيان
في جميع المراتب والأول هو مبنى تعدد المسبب بتعدد السبب والمفروض هنا تصور طريق آخر لا
يستلزم تعدد المسبب وهو إما تعدد اللوازم الذي لا تقتضي تعدد الملزوم أو تعدد الملازمات الملزوم
واحد فنقول ذلك وإن كان معقولا ولا تقتضي تعدد المسبب إلا أن تطبيقه على المبقي بالأسباب
الشرعية غير صحيح أما اللوازم فإنها وإن كانت لملزوم واحد لكنها سواء كانت من اللازم المبادئ
المعرفة أو اللازم كالغم لا ينفك ملزومها عنها وإن كان اللازم الأعم ينفك عنه لوجود ملزوم آخر ولازم
هذا المعنى أن تحقق الحكم وعلته الواقعية المستكشفة بوجود أول لازم يستدعى تحقق جميع اللوازم
بمقتضى عدم انفكاكه عنها مع أنه وجدانا لا تحقق لجميع الأسباب الشرعية عند تحقق المسبب فليس
إذا وجب الوضوء بوجود النوم يجب وجود البول والريح وغيرها من الأسباب فيعلم أنها ليست من قبيل
اللوازم لوجوب الوضوء ولا لعلته الحقيقية الواقعية وإلا لما أنفك الوجوب وعلته عن لوازمهما وأما
الملازمات فحيث أنها متضائفات فمقتضى التضائف هو التكافؤ في القوة والفعلية فمع وجود الحكم
المضائف لتلك الأسباب بحب وجود تلك الأشياء المسماة بالأسباب مع أنه ليس كك وجدانا فيعلم منه
عدم تضائفها معه.
620

لا يقال: ظاهر القضية حينئذ ترتيب الحكم على الشرط بما هو لازم فعلي لما
هو سبب الحكم لا بما هو هو أو بما هو لازم بذاته لئلا ينافي عدم ترتب الحكم
فعلا.
لأنا نقول اللزوم فعلي أيضا فان اللازم الثاني أيضا له فعلية للزوم لكنه مع
عين ذلك الملزوم لأن لزومه شأني وليس في البين لفظ المعرف والكاشف حتى
يستظهر منه الفعلية، ولعله وجه ابتناء المسألة على المعرفية والمؤثرية فتدبر.
قوله: مع أن الأسباب الشرعية حالها الخ: لا يخفى عليك أن نفي العلية
عن العلل الشرعية وجعلها معرفات إن أريد منه نفي الاقتضاء والتأثير كما هو
ظاهر لفظ السبب فهو حق بداهة أن التكاليف والاعتبارات الشرعية كلها قائمة
621

بالشارع قيام الفعل بفاعله لا أنها قائمة بشئ قيام المقتضى بالمقتضي حتى
يمكن جعل ما يسمى عللا وأسبابا مقتضيات لها، وإن أريد نفي العلية بقول
مطلق حتى الشرطية الراجعة إلى تصحيح فاعلية الفاعل وتتميم قابلية القابل فلا
وجه له إذ كما أن القدرة والإرادة والشعور مصححة لفاعلية الفاعل، ومخرجة لها
من القوة إلى الفعل كك الجهات الموجبة لاتصاف الفعل بالمصلحة والدخيلة
في ترتب فائدته عليه متممة لقابلية الفعل لتعلق الإرادة به، ولا مانع من كون
المسمى بالسبب والعلة في الشرع من هذا القبيل وليس إلى منعه سبيل.
قوله: إلا توهم عدم صحة التعلق الخ: وربما يوجه بأن الظاهر تعليق
الحكم على صرف وجوب السبب وهو المقابل للعدم الكلي أي ناقض العدم
المطلق الذي لا ينطبق إلا على أول الوجودات، وقد عرفت فيما مر أن كل وجود
ناقض لعدم نفسه لأنه نقيضه فلا ينطبق على خصوص أول الوجود، وترتيب
الحكم على أول الوجودات بعنوانه وإن كان ممكنا إلا أنه خلاف الظاهر لأن
الظاهر ترتيب الحكم على مجرد وجود الطبيعة لا على الوجود المقيد أو وجود
الطبيعة المقيدة. وإن أريد معناه الاصطلاحي بمعنى عدم أخذ المميزات لأنحاء
الوجودات في سببية السبب وملاحظتها بما هي وجود، ومن الواضح أن صرف
الشئ لا يتثنى ولا يتعدد. ففيه أن أنحاء الوجودات متشخصة متعينة بأنفسها و
ما يسمى مشخصا عند الجمهور لازم التشخص عند التحقيق، فالسبب إن كان
مجرد وجود السبب فلا محالة يتعدد بتعدد الوجود بنفسه وإن كان صرف
الوجود لا يشد عنه (1) وجود فهو واحد لا تعدد فيه إلا أن تعليق الحكم عليه
محال إذ لا يعقل تحققه في الخارج فلا يعقل تحقق وجود النار مثلا بحيث لا يشذ
عنه نار وإن أمكن لحاظه بل المعقول منه الثابت في الخارج من الوجود الصرف
هو وجود المبدء وفيضه المسمى بالوجود المنبسط فإنه الذي لا يتخلل فيه غيره
كما يعرفه الأوحدي من أهل المعرفة.

1 - مضافا إلى أن مجرد وجوده يكفي في ترتب الأثر ولو لم يكن صرف الوجود. منه ره.
622

قوله: وأما ما لا يكون قابلا لذلك الخ: لا كلام فيما إذا كان حكم المتعلق
قابلا للشدة، وأما إذا لم يكن قابلا لها فتداخل الأسباب فيه محل الاشكال عند
اجتماع الأسباب فان غاية ما يقال في تعقل تثيرها هو استناد الأثر إلى الجامع و
إلغاء خصوصيات الوجودات وهو كلام خال عن التحصيل لما مر آنفا أن الوجود
الحقيقي عين التشخص والتعين، وقطع النظر عن اللوازم واللواحق لا يوجب
اتحاد المتعدد في حد هويته العينية فليس في الخارج موجود له وحدة عينية
يستند إليه أثر واحد عيني، وإن كان الجامع المفهومي منتزعا عن كلا الوجودين
لكنه موجود بنحو الكثرة لا بنحو الوحدة، وما تقرر في محله عند أهله من وحدة
الوجود وحدة شخصية لا نوعية فهو بملاحظة الموجودات كلها وفي هذه
الملاحظة إذا كان النظر مقصورا على الوجود من حيث هو فالعالم كله من حيث
الوجود واحد إذ التعدد من كل شئ أنما هو بتخلل غيره فيه ولا تخلل للعدم
المقابل للوجود في الوجود كما لا تخلل للماهية فيه ولا شئ بعد الوجود إلا
العدم والماهية، وأما وجود فردين من النار مثلا فلا يجري فيه هذا البيان لتخلل
غير النار بين نار ونار، وعدم لحاظ الموجود المتخلل بينهما لا يوجب الاتحاد
واقعا إلا بالغاء الحدود وملاحظة الوجود بما هو وجود وفي هذه الملاحظة لا نار
ولا إحراق، ولا تأثير ولا تأثر فتدبره فإنه في غاية الغموض والدقة.
وأما استناد الواحد إلى الواحد بالاجتماع فقد تقرر في مقره أنه فاسد إذ
الوحدة حينئذ اعتبارية لا حقيقية فلا تؤثر أثرا حقيقيا عينيا، وعلية الصورة
المطلقة للهيولى لا تجدي لما ذكر في محله من أن وحدتها العمومية محفوظة
بواحد بالعدد وهو الجوهر القدسي المفارق فهو العلة والصورة شرطه، وبقية
الكلام في محله هذا كله في تداخل الأسباب بمعنى الاستناد إلى الجامع.
وأما تداخل الأسباب بمعنى صيرورة السببين عند الاجتماع جزئي سبب فهو
فاسد لأن المسبب إن كان بسيطا فلا يعقل علية المركب للبسيط الحقيقي كما
برهن عليه في محله وإن كان مركبا فكل من السببين سبب تام لجزء من المسبب
623

وإن كان الاجتماع شرطا في تأثيره أحيانا لكون المسبب واحدا بالاجتماع وكل
ذلك واضح للخبير، والتفصيل خارج عن وضع التعليقة.
والتحقيق في الأسباب الشرعية المجتمعة على سبب واحد هو أن معنى
سببية الأسباب الشرعية أن المسبب وهو الايجاب والتحريم مثلا أو اعتبار
الملكية والزوجية ونحوهما من الاعتبارات الشرعية بملاحظة ما يسمى سببا
شرعا ذو مصلحة تدعو الشارع إلى الايجاب مثلا أو اعتبار الملكية مثلا فإذا كانت
المصلحة في كل من السببين مغايرة لما في الأخرى فلا محالة يشتد الداعي، وإن
لم تكن مغايرة كفردين من نوع واحد فلا إذ لا توجد في المسبب مصلحتان
بإضافته إلى السببين حتى يشتد الداعي والمسبب مثلا إذا عقد الموكل والوكيل
على ملكية شئ لشخص واحد دفعة فاعتبار الملك له شرعا لمكان العقد عليه
ذو مصلحة لا أنه توجد في الاعتبار ومصلحتان حتى يشتد الداعي إلى اعتبار
الملكية أو اعتبار الملكية القوية فالفرق بين الأسباب الشرعية والعقلية أن
الأسباب الشرعية ليست بالإضافة إلى مسبباتها كالمقتضيات بالنسبة إلى
مقتضياتها حتى لا يعقل قيام الواحد الحقيقي بمتعدد أو بالمركب بل الاعتبار
الشرعي والحكم التكليفي فعل واحد قائم بالشارع ودخل الأسباب الشرعية في
مسبباتها على الوجه المذكور بمعنى أن اعتبار الملكية لمن عقد له ذو مصلحة و
لا يتعدد عقد له بالحمل الشايع بتعدد العقد له فلا معنى لتعدد الاعتبار ولا زيادة
المصلحة الموجبة لاعتبار ملكية شديدة مثلا.
" مفهوم الوصف "
قوله: وعليته فيما إذا استفيدت الخ: يمكن تقريب اقتضاء الوصف
حينئذ بما تقدم في الشرط من أن علية الوصف بعنوانه يقتضي الانحصار إذ مع
تعدد العلة لا يكون بعنوانه علة بل بعنوان جامع وهو خلاف الظاهر.
624

لا يقال: هذا إذا علم العلية وإلا فلا.
لأنا نقول: يمكن أن يقال بعدم إحراز أن الأصل في القيد أن يكون احتراز أن
معنى قيديته شئ لموضوع الحكم حقيقة أن ذات الموضوع غير قابلة لتعلق
الحكم بها إلا بعد اتصافها بهذا الوصف فالوصف متمم قابلية القابل وهو معنى
الشرط حقيقة، وحيث أن الظاهر دخله بعنوان الخاص وأن المنوط بهذا الوصف
نفس الوجوب بما هو وجوب لا بما هو شخص من الوجوب فلا محالة ينتفي
سنخ الوجوب بانتفاء ما هو دخيل في موضوعية الموضوع لنسخ الحكم ومنه
ظهر ما في الايراد الآتي فإنه ليس الانتفاء عند الانتفاء لقرينة خاصة بل لعين ما مر
في الشرط من أن إناطة الحكم بشئ بعنوانه وصفا كان أو غيره يقتضي
الانحصار.
نعم الكلام في البرهان على اقتضاء تعدد العلة للجامع إلا أنه مسلم بين أهل
التحقيق وإن كان خلاف ما يقتضيه النظر الدقيق.
قوله: كما أنه لا يلزم في حمل المطلق الخ: ظاهره أن المقيد هو
الوجوب في القضية لا مطلق الوجوب مع أن مقتضى حمل المطلق على المقيد
عدم وجوب المطلق مطلقا فليس مفاد المطلق بعد الحمل مثل ما إذا ورد المقيد
بلا ورود المطلق فان وجوب المقيد شخصا بناء على عدم المفهوم لا ينافي
وجوب المطلق بوجوب آخر بدليل فالفارق أن المعارضة بين المطلق والمقيد
ليس من ناحية مجرد التقييد بل بلحاظ استفادة وحدة التكليف من الخارج سواء
كان الاطلاق بنحو العموم البدلي أو العموم الشمولي فان الغرض من الوحدة كون
المولى بسدد سنخ حكم واحد سواء انحل إلى أشخاص متعددة لأشخاص
موضوع واحد سنخا أو لا، كما في العموم البدلي بل يجري في الوصفيات أيضا
كما إذا علم أنه بصدد إنفاذ سبب واحد سنخا فالتعارض عرضي بناء على عدم
المفهوم وذاتي بناء على المفهوم. وبالجملة مساوقة المطلق للقول بالمفهوم أمر
وكون التقييد من ناحية القول بالمفهوم أمر آخر لما عرفت من أن غاية ما يقتضيه
625

القول بالمفهوم كون التعارض بين المطلق والمقيد ذاتيا وأما أرجحية ظهور
المقيد في التقييد من ظهور المطلق في الاطلاق فلا ربط له بظهور المقيد في
تقييد سنخ الحكم.
قوله: أن لا يكون واردا مورد الغالب الخ: ملازمة القيد غالبا لا يوجب
صرف ظهوره في التقييد ولعله أشار - ره - إليه بقوله فافهم.
ويمكن أن يكون إشارة إلى أن مجرد دلالة القيد على الخصوصية والدخل لا
يقتضي المفهوم ما لم يفهم منه الانحصار كما نبه عليه آنفا وقد نبهنا أيضا على ما
يتعلق به وأما توهم أن الغلبة توجب انصراف المطلق إلى الغالب فالتقييد به
كالتقييد بالوصف المساوي الذي لا مفهوم له.
فمندفع أولا بأن الغلبة الخارجية لا توجب الانصراف. وثانيا بأن الانصراف لا
يجعله كالوصف المساوي لامكان ثبوت الموصوف في الفرد النادر هنا. وثالثا أن
الالتزام بالانصراف مخالف لما عليه المشهور في الوارد مورد الغالب حيث لا
يقيدون به المطلق كما في مورد الآية (1).
قوله: استفادة العلية المنحصرة منه الخ: مع كونه علة مستقلة لا مجرد
الاستقلال في العلية لأنه لا ينافي قيام غيره مقامه ولا مجرد انحصار العلة فيه لأنه
لا ينافي دخالة الموضوع كما في مفهوم الشرط مثلا.
قوله: فيجري فيما كان الوصف مساويا الخ: بل لا يجري في خصوص
المساوي لتلازم الوصف والموصوف فلا بقاء للموضوع مع عدم الوصف ليقال
بانتفاء سنخ الحكم لأجل المفهوم ولا بقاء للوصف مع عدم الموصوف حتى
يقال بثبوت الحكم من أجل استفادة العلية.
نعم في الأعم والأخص نقول به لثبوت الموضوع مع عدم الوصف في
أحدهما وعلية الوصف ولو مع عدم الموصوف في الاخر فافهم وتدبر.

(1) ربائبكم اللاتي في جحوركم. النساء: 23 بتقريب أن الوصف وهو قوله " اللاتي في حجوركم "
لو دل على المفهوم لزم عدم حرمة الربائب اللاتي كن في حجور الأزواج وهو مخالف للضرورة.
626

قوله: معللا بعدم الموضوع الخ: التعليل به بلحاظ الاقتضاء من حيث
المفهوم ولا تفصيل من المعلل من هذه الجهة كما أن تصحيحه باستقلال
الوصف في العلية وإن كان مورده الأخص من وجه على الوجه المذكور إلا أنه ليس
في عبارته ما يوجب اختصاصه به فراجع التقريرات.
" مفهوم الغاية "
قوله: والتحقيق أنه إذا كانت الغاية الخ: قد مر سابقا أن الثابت في مقام
الايجاب مثلا طبيعة الوجوب وإن تشخصت بالوجود ولوازمه وانتفاء الطبيعة
في ضمن فرد لا يقتضي بوجه انتفائها مطلقا كما أن اثباتها موضوع أو لموصوف
بوصف لا يقتضي انتفائها عند انتفاء الموضوع أو الوصف لامكان ثبوتها لموضوع
آخر، أو بوصف آخر فلابد من استناد انتفائها مطلقا إلى خصوصية أخرى كالعلية
المنحصرة كما في مفهوم الشرط بالتقريب المتقدم فان علة الوجوب بما هو
وجوب لا بما هو متشخص بالوجود ولوازمه إذا انحصرت في شئ فلا محالة لا
يعقل ثبوت الوجوب بما هو وجوب لشئ آخر وكالغاية هنا فان طبيعة
الوجوب إذا كانت محدودة بحد فلا محالة تنتفي عند حصول الحد والغاية وإلا
لم تكن الغاية غاية للوجوب بما هو وجوب بل بما هو شخص من الوجوب. و
منه تبين الفرق بين كون الحد حدا للوجوب وكونه حدا للواجب فان كونه حدا
للواجب لا يوجب إلا كون الموضوع شيئا خاصا فلا يزيد على الوصف.
قوله: والأظهر خروجها لكونها من حدوده الخ: مبدء الشئ ومنتهاه
تارة بمعنى أوله وآخره، وأخرى بمعنى ما يتبدء من عنده وما ينتهي عنده
الشئ ودخول الأوليين كخروج الأخريين من الشئ واضح، والكلام في أن
مدخول [حتى والى] هو المنتهى بالمعنى الأول أو الثاني وكون الحد المصطلح
خارجا عن حقيقة الشئ لا يقتضي أن يكون مدخولهما حدا اصطلاحيا.
627

نعم أكثر الموارد ولعله الأظهر كون مدخولهما ما ينتهي عنده الشئ دون
آخره.
" مفهوم الحصر "
قوله: يكون المراد من مثله أنه لا يكون الخ: الظاهر من هذا التركيب و
أمثاله إثبات صلوتية الهيئة الواقعية المقرونة بالطهارة لا إثبات صلوتية الطهارة أو
صلوتية كل مقرون بالطهارة فهو نظير " لا علم إلا بالعمل " فان مفاده إثبات أن
العلم المقرون بالعمل هو العلم حقيقة لأن العمل علم أو كل مقرون به علم فلا
نقض بمجرد وجود الطهارة مع فقد غيرها، ولا حاجة إلى دعوى إرادة نفي إمكان
المستثنى منه بدون المستثنى فلا يفيد إلا إمكانه معه لا ثبوته فعلا كما في هامش
الكتاب من شيخنا العلامة - قده (1) - فإنه إن لوحظ اقتران الهيئة التركيبية الواقعية
بالطهارة فهي صلاة فعلا لا إمكانا، وإن لوحظ نفس الطهارة أو كل مقرون بها فهي
ليست بصلاة إمكانا.
قوله: بأن المراد من الإله واجب الوجود الخ: كما أن نفس هذه
الملازمة يثبت الفعلية لو قدر الخبر ممكنا إذ ما لا يمتنع أن يكون فردا للواجب
بالذات يجب وجوده حيث لا جهة امتناعية فلا يقاس بغيره حيث لا يلازم
الامكان مع فعلية الوجود بل يجتمع مع عدمه لعدم العلة بل مع امتناعه فعلا
للامتناع الوقوعي الجامع مع الامكان الذاتي.
وأما ما يقال من أن الاله بمعنى الخالق، وأنه تعالى حيث أنه الخالق لما عداه
دون غيره فعلا يلزم أن لا يكون لغيره الخالقية إمكانا أيضا لأن المخلوق لا يمكن
أن يكون خالقا، فغير وجيه فان الكلام هنا في أن نفي الفعلية يلازم نفي الامكان أم
لا؟ وأما نفي الامكان من جهة التضائف بين الخالقية والمخلوقية وأنه تعالى إذا

(1) الكفاية ج 1 ص 326.
628

كان خالقا فغيره مخلوق له والمخلوق لا يمكن أن يكون خالقا فهو أجنبي عما
نحن فيه فان العبارة مركبة من عقد سلبي، وهو نفي الخالقية عن غيره تعالى، و
من عقد إيجابي، وهو اثبات الخالقية له تعالى، وأما إثبات مخلوقية غيره تعالى
فهو خارج عن العبارة، وعليه فنفي الخالقية فعلا لا يكون دليلا على نفيها إمكانا
إذ المفروض أنها لم تكن فكانت فلتكن في غيره تعالى كك.
نعم الخالقية بمعنى المبدئية الذاتية الراجعة إلى تخصص المعلول في مرتبة
ذات علته فنفي الفعلية يستلزم نفي الامكان لأن الذات الواحدة بما هي إذا لم
تكن بالفعل كك فيمتنع أن ينقلب عما هي عليه هذا. والظاهر أن المراد من الاله
هو المعبود من " أله " بمعنى عبد فهو بمعنى المصدر المبني للمفعول، وأن
التوحيد المراد ليس التوحيد في وجوب الوجود ولا في الصانعية والخالقية بل
في المعبودية في قبال المشركين في العبادة فان مشركي العرب كانوا عبدة
الأصنام لا أنهم كانوا يعتقدون وجوب وجودها أو خالقيتها وعليه.
فنقول إذا أريد المعبودية التي هي (1) من الصفات الفعلية المضائفة للعابدية
فنفي الفعلية لا يستلزم نفي الامكان كما عرفت في الخالقية فكما لم تكن فيه
تعالى فكانت فليكن في غيره تعالى كك وتقييد المعبود بكونه حقا لا يفيد إذ مع
عدم العبادة ليس هناك معبود بالحق حقيقة لتقومه من حيث التضائف بالعابدية
فكما أن نفي الفعلية فيه تعالى لا يكشف عن عدم الامكان فكذلك في غيره
تعالى.
نعم الاله بمعنى المستحق للعبادة وإن لم يعبد بالفعل راجع إلى الصفات

(1) لا يخفي أنه ليس الفرض من أن المعبودية من الصفات الفعلية أنها كالخالقية من الصفات
المنتزعة عن مقام فعله الاطلاقي كعلمه الفعلي ومشيته الفعلية بل الفعلية في قبال الامكان بما هي من
الصفات المنسوبة إليه بالفعل وإن كان المبدء قائما بالعابد وتصحيح انتزاع عنوانين متضائفين من
الطرفين كقيام العلم بالعالم الصحيح لانتزاع وصفين متضائفين باعتبار صدق المعلوم على المعلوم
الخارجي بالعرض. منه ره.
629

الذاتية الراجعة إلى نفس الذات فان استحقاق العبادة من أجل المبدئية و
الفياضية فيستحق العلة انقياد المعلول لها، وتخضعه لها فنفي فعلية هذا المعنى
في غيره تعالى لعدم كونه بذاته مبدء مقتضيا لذلك، ويستحيل أن ينقلب عما هو
عليه.
قوله: نعم لو كانت الدلالة في طرفه الخ: لا يخفى أن الاخراج أنما
يستفاد من أداة الاستثناء وأن الهيئة التركيبية هنا لا تفيد زيادة على مفرداتها إلا أن
الاخراج ليس عين معنى سلب المجيئ عن زيد مثلا بل لازمه ذلك مما أن عدم
الوجوب بعدم المجيئ لازم العلية المنحصرة لا عين معناها إذ العلية هي
المدخلية، ولازم المدخلية على وجه يخص بشئ عدم المعلول بعدمه لا أن
العلية متقومة بالوجود عند الوجود، والعدم عند العدم ضرورة أن العلية من
المفاهيم الثبوتية فتوهم أن ما يسمى مفهوما عند القوم منطوق على القول به
غفلة بينة.
قوله: والتحقيق أنه لا يفيده إلا ما في ما اقتضاه المقام الخ: يمكن
تقريب إفادته للحصر بأن المعروف بين أهل الميزان ولعله كك عند غيرهم أيضا
أن المعتبر في طرف الموضوع هو الذات وفي طرف المحمول هو المفهوم حتى
في الأوصاف العنوانية المجعولة موضوعات في القضايا فالقائم مثلا وإن كان
مفهوما كليا لم يؤخذ فيه ما يوجب اختصاصه بشئ خاص إلا أن جعله موضوع
القضية حقيقة لا بعنوان تقديم الخبر فاعتباره موضوعا اعتباره ذاتا فهو بما هو
ذات لا يعقل أن تعرضه خصوصيات متبائنة كخصوصية الزيدية والعمروية و
البكرية بل لا يكون الواحد إلا معروضا لخصوصية واحدة فاعتبار المعنى الكلي
ذاتا بجعله موضوعا وفرض المحمول أمرا غير قابل للسعة، والشمول هو
المقتضي للحصر دائما لا تقديم الخبر، ولا تعريف المسند إليه بمعنى إدخال
اللام عليه فتأمل.
630

" المقصد الرابع في العام والخاص "
قوله: فإنها تعاريف لفظية الخ: قد مر في مبحث مقدمة الواجب تفصيل
القول في عدم مساوقة التعريف اللفظي لما يقع في جواب ما الشارحة فراجع ما
هناك.
قوله: باختلاف كيفية تعلق الأحكام به الخ: أي باعتبار موضوعية
للحكم يلاحظ على نحوين لا أن النحوين يتحققان بتعلق الحكم به لاستحالة
اختلاف المتقدم بالطبع من ناحية المتأخر بالطبع، بيانه أن مصايق العام لها
مفاهيم متقوم بالكثرة بالذات فلها وحدة مفهومية وكثرة ذاتية، وهذا المعنى
الكذائي محفوظا وإن ورد عليه اعتبارات مختلفة فقد يرتب الحكم عليه بلحاظ
تلك الكثرة الذاتية كما في الكل الافرادي فجهة الوحدة وإن كانت محفوظة فهي
ملغاة بحسب الاعتبار في مقام الموضوعية للحكم وقد ترتب الحكم عليه بلحاظ
تلك الوحدة كما في الكلي المجموعي فالكثرة وإن كانت محفوظة كيف و
المفهوم متقوم بها لكنها ملغاة في مرحلة موضوعية المعنى لحكم واحد حقيقي
كيف ويستحيل تعلق حكم وحداني بالحقيقة بموضوعات متعددة، وفي الشق
الأول وإن كان الانشاء واحدا إلا أنه حيث كان بداعي جعل الداعي بالإضافة إلى
كل فرد من أفراد العام فهو مع وحدته مصداق للبعث الجدي بالإضافة إلى كل
فرد فرد وأما مع قطع النظر عن الموضوعية للحكم فلا معنى للأصالة والتبعية
فان نسبة الوحدة من جهة والكثرة من جهة إلى المعنى على حد سواء ليس
إحديهما أصلا بالإضافة إلى الأخرى وهكذا الأمر بالنسبة إلى الاستيعاب و
البدلية فان وحدة المفهوم والكثرة بالذات المقومتين للعام محفوظتان غاية الأمر
631

أن الكثرة ملحوظة بنحو الشمول والاستيعاب بحيث يكون الكثير بتمامه إما
موضوعا للحكم، أو جزء موضوع الحكم أو بنحو يكون كل واحد من الكثرات
على البدل موضوعا للحكم وإلا فالعام المتقوم بوحدة مفهومية وكثرة ذاتية أمر
جامع بين أنحاء العموم.
قوله: لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق الخ.
فان قلت: استغراق العشرة بلحاظ الواحد فان كل مرتبة من مراتب الأعداد
مؤلفة من الآحاد والواحد ينطبق على كل واحد فالعشرة توجب استغراق الواحد
إلى هذا الحد وعدم انطباق العشرة بما هي على الواحد غير ضائر أن مفهوم كل
عالم لا ينطبق على كل عالم بل مدخول الأداة بلحاظ السعة المستفادة منها
فاللازم انطباق ذات ما له الاستغراق والشمول لا بما هو مستغرق وإلا فليس له
إلا مطابق واحد.
قلت: الفرق أن مراتب الأعداد وإن تألفت من الآحاد إلا أن الواحد ليس مادة
لفظ العشرة كي يكون له الشمول بل العشرة له مفهوم يباين سائر المفاهيم من
مراتب الأعداد حتى مفهوم الواحد بخلاف الرجل الواقع بعد كل فإنه صالح
للانطباق على كل رجل في حد ذاته وبواسطة الأداة صار ذا شمول واستغراق
بحيث لا يشذ عند فرد ولعله قده أشار إلى ما ذكر بقوله فافهم.
" ألفاظ العموم "
قوله: ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم الخ: بيانه أن الدال على
العموم إما أن يكون أداة مثل " كل " أو وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي، أو
كونه محلي باللام جمعا كان أو مفردا.
أما لفظة " كل " وشبهها فربما يقال أن سعتها وشمولها حيث أنه تابع لسعة
المدخول وصيغته أن مطلقا فمطلقا وأن مقيدا فمقيدا فلا بد من أن يحرز إطلاق
632

مدخولها بمقدمات الحكمة فان المفروض أن لفظة " كل " بمعناها لا اقتضائه
بالإضافة إلى اطلاق مدخوله وتقييده وإلا لزم الخلف من تبعية سعتها لسعة
المدخول وصيغته، أو لزوم التجوز فيها إن كان مدخولها مقيدا.
والجواب عنه أن الخصوصيات اللاحقة لمدخولها، تارة تكون مفردة له، و
أخرى تكون من أحوال الفرد فإن كانت مفردة له فلفظة الكل تدل على السعة من
جهة المفردات لأن العموم بلحاظ الافراد كما أنه إذا كانت من أحوال الفرد فسعة
لفظة " كل " أجنبية عنها وإنما هو شأن الاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة و
لو فرض إهمال الطبيعة من الجهتين والحيثيتين معا لكان إيراد لفظة " كل " على
المدخول لغوا بل محالا لعدم معقولية الاهمال والسعة معا بل لا بد من الاهمال
بمعنى، والسعة بمعنى آخر فالاهمال بمعنى اللا تعين في حد ذات المدخول
والسعة بمعنى التعين من حيث الشمول ولا منافاة فان كل تعين لا يرد إلا على
اللا متعين.
وإلا فالتعينات متقابلة لا يرد أحدها على الاخر إذ المقابل لا يقبل المقابل بل
المطلق أيضا كك فان الاطلاق والتقيد لا يردان إلا على الماهية المهملة بذاتها لا
بما هي مهملة لاستحالة انحفاظ إهمالها حال تعينها فالغرض من إحراز الاطلاق
إن كان الاطلاق بلحاظ الأحوال فهو أجنبي عن العموم الملحوظ بالنسبة إلى
الافراد، ولا ينافي العموم من حيث الافراد مع الاهمال من حيث الأحوال كما لا
ينافي الاطلاق والتقييد من تلك الحيثية، وإن أريد بلحاظ المفردات فشأن الأداة
إفادة التوسعة من هذه الجهة وإلا كان لغوا أو محالا بل إحرازه بمقدمات الحكمة
يغنى عن إيراد أداة العموم إذ المفروض الاطلاق من كل خصوصية يشك في
دخلها فلا يبقى جهة اهمال وشك حتى ينفي بأداة العموم.
لا يقال: غاية ما يقتضيه الأداة أن مدخولها غير مهمل، وأن المتكلم ليس في
مقام الاهمال من حيث المفردات إما أن المدخول طبيعة وسيعة أو حصة وسيعة
فلابد من مقدمات الحكمة الدالة على أداة الطبيعة الغير المتحصصة بحصة منها.
633

لأنا نقول: تارة يكون الشك في وجود القيد وعدمه في الكلام ليكون
الطبيعة حصة به، وأخرى في إرادة الحصة جدا وإن لم يذكر في الكلام قيدا فإن
كان الأول فبناء العقلاء في مثله على عدمه كما في الشك في وجود القرينة وإن
كان الثاني فنفس ظهور كلامه في إرادة المدخول بنحو الشمول بطور تعدد الدال
والمدلول حجة على إرادة العموم لا الخصوص وإن أمكن هذه الاستفادة بنحو
آخر في مقام آخر كما إذا لم يكن أداة الشمول وكان المولى في مقام بيان مرامه
بشخص كلامه فتدبر جيدا فإنه حقيق به.
وأما وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي فمجمل القول فيه أن السلب
كالايجاب لا ينافي الاهمال كمنافاة التوسعة معه والقضية حينئذ سالبة كانت أو
موجبة في قوة الجزئية فلا بد في استفادة كون المدخول مطلقا من اثبات
مقدمات الحكمة إلا أنه بعد جواز كون الطبيعة مطلقة لا فرق بين الموجبة و
السالبة بتوهم أن انتفاء الطبيعة بانتفاء جميع افرادها وثبوتها بثبوت فرد ما، و
ذلك ما قدمناه في أوائل النواهي أن الثبوت والنفي هنا غير متقابلين بل لوحظت
الطبيعة في طرف الثبوت مهملة وفي طرف النفي مرسلة، ونقيض كل وجود
عدمه البديل له، ولا يكون بديلا له، إلا إذا لوحظا بالإضافة إلى شئ واحد
فراجع ما قدمناه.
وأما الجمع المحلى باللام والفرد المحلى باللام فحيث لم يثبت دلالة اللام
على الاستغراق فلا دلالة لهما على العموم إلا بمقدمات الحكمة المقتضية
للاطلاق، وأما الفرق بينهما بتوهم أن الجمع المحلى له الاستغراق في مراتب
الجمع والمفرد له الاستغراق بلحاظ الواحد نظير التثنية فان الاستغراق فيها
بلحاظ مصاديق التثنية. فمدفوع بأن مفاد الجمع أمر وحداني وهو متقوم بالاثنين
فما زاد فهو متعين من هذه الحيثية، ومبهم من حيث الزيادة فتارة يتعلق الغرض
بالاستغراق من حيث مراتبه المتعينة بتعين الثلاثة والأربعة إلى آخر مراتب
634

الاعداد كما إذا قيل " أكرم كل جماعة جماعة " وأخرى يتعلق الغرض بالاستغراق
من حيث عدم وقوفه على حد في قبال الوقوف على حد خاص، إذا قيل " أكرم
كل الجماعة " في قبال بعضهم نظير " أكرم كل العشرة في قبال بعضها " و
عليه فاستغراق الجمع يوجب عدم الوقوف على حد خاص، وذهابه إلى آخر
الآحاد لا إلى آخر المراتب غاية الأمر أن عدم الاستغراق فيه يوجب الاقتصار
على الثلاثة كما أن عدم الاستغراق في الفرد يوجب الاقتصار على الواحد لا لهما
المتيقن من مفادهما ولأجل ما ذكر لا ترى فرقا بين " أكرم كل عالم " و " أكرم
العلماء " بناء على استفادة العموم لأن الأول يقتضي الشمول بالإضافة إلى كل
واحد، والثاني يقتضي الشمول بالإضافة إلى كل جماعة.
" هل العام المخصص حجة في الباقي؟ "
قوله: استعماله في العموم قاعدة الخ: أي من باب ضرب القاعدة و
إتمام الحجة ليكون للمكلف حجة على الباقي عند ورود المخصص بتقريب أن
الحجة متقومة بالكشف النوعي عن الإرادة الجدية لا بنفسها فله أن يجعل
الانشاء بالإضافة إلى تمام أفراد العام بداعي إعطاء الحجة، ويكون له من الأثر ما
للانشاء بداع البعث الحقيقي لكونه باعتبار كاشفيته عن الإرادة الجدية وحجية
الظهور وأما لو لم يكن بعثا حقيقيا بالإضافة إلى بعض الافراد مع كونه متعلقا به
في مرحلة الانشاء فلازمه صدور الواحد عن داعيين بلا جهة جامعة تكون هو
الداعي والحجية، وإن كانت جهة جامعة لترتبها على الكاشف عن البعث لا على
المنكشف لكنه بعد ورود المخصص وانكشاف كون الداعي جعل القاعدة لا
جعل الداعي والباعث لا يترتب عليه الحجية ولا الباعثية، أما عدم ترتب البعث
فلانه لم ينشأ هذا الواحد بداع البعث، وأما عدم ترتب الحجية لأن الحجية
متقومة بالكاشف عن البعث، وقد انكشف أنه لم ينشأ بداع البعث في شئ من
635

أفراده ولا ينقلب الانشاء بداع من الدواعي بحيث يكون قبل المخصص حجة و
قاعدة، وبعده بعثا وتحريكا، مضافا إلى أن الظاهر من الانشاء كونه بداع البعث لا
بداعي جعل القاعدة والحجية فيدور الأمر بعد ورود المخصص بين مخالفة أحد
ظهورين إما الظهور الاستعمالي برفع اليد عنه مع حفظ ظهوره في كونه بداع
البعث الجدي بالإضافة إلى ما استعمل فيه وهو الخصوص، وإما الظهور من
حيث الداعي وهو كون الانشاء بداع البعث برفع اليد عنه وحمل الانشاء على
كونه بداعي ضرب القاعدة وإعطاء الحجة ولا مرجح لأحدهما على الاخر.
ويمكن أن يقال إن المخصص المنفصل إما أن يرد قبل وقت الحاجة أو بعدها
فإذا ورد قبلها فالانشاء وإن كان بداع البعث جدا إلا أنه بالإضافة إلى موضوعه
الذي يحدده ويعينه بكلامين منفصلين فإنه لو علم أن عادة هذا المتكلم إفادة
مرامه الخصوصي بكلامين لم يكن ظهور كلامه في العموم دليلا على مرامه، وإذا
أورد بعدها فالانشاء بداع البعث الجدي بالإضافة إلى الجميع غاية الأمر أن
البعث المزبور منبعث في بعض أفراد العام عن المصالح الواقعة الأولية وفي
بعضها الاخر عن المصالح الثانوية بحيث ينتهي أمدها بقيام المخصص، ولا
يخفى عليك أن ما ذكرناه في الشق الأول لا يقتضي كاشفية الكلام عن المراد
الجدي نوعا كالمخصص المتصل ليترتب عليه سراية إجمال المخصص
المنفصل إلى العام كاجمال المتصل بل مقتضاه عدم حجية مثل هذا الكاشف
النوعي من مثل هذا المتكلم إلا إذا لم يرد بعده كاشف أقوى الذي هو حجة أقوى
وحيث أن المجمل لا حجية له إلا بمقدار كشفه ففي ما عداه لا مزاحم لحجية
ذلك الكاشف العمومي الذي لم يتعقبه كاشف حجة. وأما في المتصل فلا ظهور
ولا كاشف عن المراد المستعمل فيه ليكون كاشفا عن المراد الجدي حتى يتبع
إلا أن يزاحمه كاشف أقوى.
قوله: لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم الخ: يمكن أن
يقال إن معنى ظهور العام في العموم قالبية اللفظ للمعني العام، وله مرتبتان
636

إحديهما، الظهور الذاتي الوضعي وهو كون اللفظ بذاته وصفا قالبا للمعنى وهذا
الظهور محفوظ ولو مع القطع باستعماله في الخصوص لصدق كون اللفظ بذاته
قالبا للعموم ولا ينسلخ عن هذا الشأن إلا بعد هجر المعنى الحقيقي، وثانيتهما
الظهور الفعلي الاستعمالي وهو كون اللفظ بالاستعمال المساوق للفعلية قالبا
للمعنى، وهذا إنما يقطع به ما لم يكن هناك ما يصلح لكون اللفظ قالبا لغيره و
وجود المخصص قطعا يصلح للكشف عن ذلك ولو بقرينة مختفية لا أنه يصلح
لجعل اللفظ قالبا فإنه شأن القرينة المتصلة. وفيه أن مقتضي أصالة الحقيقة حمل
المستعمل فيه على ما هو ظاهر فيه بذاته وصلاحية المخصص المنفصل ليست
إلا عليته لأحداث احتمال الاستعمال في خلاف ما وضع له وهو لا يكون حجة
في قبال أصالة الحقيقة.
قوله: لا يخفى أن دلالته على كل فرد الخ: يمكن تقريب ما في
التقريرات بإرادة الدلالات التضمنية بالنسبة إلى أفراد العام فإنها غير منوطة ولا
مربوطة بغيرها.
نعم تلك الدلالات بجملتها تابعة للدلالة المطابقية بالإضافة إلى العام بما هو
عام، وهذه التبعية لا تضر بالمقصود لأن المخصص أولا وبالذات لا يزاحم إلا
الدلالة التضمنية بالإضافة إلى الفرد الخارج بالتخصيص فتسقط الدلالة المطابقية
بتبع سقوط الدلالة التضمنية في مقام الاثبات وإن كان بالعكس في مقام الثبوت
فإنه حيث استعمل العام في خصوص هذه المرتبة لم تكن دلالة المطابقة على
العموم فلم تكن دلالة التضمن على الخارج لكن حيث أن المزاحم الأقوى كانت
مزاحمة أولا وبالذات للدلالة التضمنية كانت الدلالة المطابقية تابعة لها في
السقوط في مرحلة الكشف لا في مرتبة الواقع وحيث أن المزاحم أولا وبالذات
لخصوص دلالة تضمنية من بين سائر الدلالات التضمنية لم يكن لسائر الدلالات
مزاحم ومانع عن ثبوتها فيكشف عن ثبوت الدلالة المطابقية بالنسبة إلى ما
يحوي هذه الدلالات الغير المزاحمة فالتبعية في مقام الثبوت للدلالة التضمنية
637

بالإضافة إلى الدلالة المطابقية لا ينافي انعكاس الأمر في مرحلة الاثبات من
حيث السقوط وعدمه.
فان قلت: غاية ما ذكر عدم المانع من ثبوت الدلالات التضمنية الكاشفة عن
الدلالة المطابقية ثبوتا والكلام في ثبوت المقتضي لها.
قلت: بعد القطع باستعمال العام في المعنى فإذا جمع بين العام والمخصص
الواردين من متكلم واحد أو كالواحد كشف عن استعماله في معنى لا مزاحم
لمدلولاتها التضمنية بهذا المقدار فيكشف عن خصوص معنى من بين سائر
المراتب المناسبة للموضوع له والمدلولات المطابقية وإن كان كانت في الغرض
ونسبة العام إلى الكل واحد على السواء إلا أن المدلولات التضمنية في الطول
فلا يصح أن يقال كما لا مانع من ثبوت هذا المقدار من المدلولات التضمنية كك
من ثبوت أقل من ذلك فان عدم المانع من البعض لا ينافي عدم المانع من الكل
فلا يعارضه فتدبره فإنه حقيق به.
" في العمل بالعام في الشبهة المصداقية "
قوله: إلا أنه يوجب اختصاص حجية العام الخ: يمكن أن يقال بعد
استقرار ظهور العام في العموم وعدم تعنونه بعنوان وجودي أو عدمي بورود
المخصص لاستحالة انقلاب الواقع عما هو عليه يدور أمر الجواز وعدمه مدار
فعلية التكليف بالخاص عند الشك كي يتحقق التعارض الموجب لتقديم الخاص
على العالم حيث لا معنى لحجية الخاص مع عدم فعلية التكليف به فلا معنى
لتقديمه على غيره، ولا يخفى أن مرتبة فعلية التكليف وإن كانت مغايرة لمرتبة
تنجزه في الأحكام النفسية الحقيقية المقابلة للأحكام الطريقية عند شيخنا و
أستادنا العلامة رفع الله مقامه كما أوضحناه في محله إلا أن الذي يقوي في النظر
القاصر خلافه في الجملة لما ذكرنا في محله ومرت الإشارة إليه غير مرة أن
638

حقيقة البعث والزجر جعل ما يمكن أن يكون باعثا وداعيا أو زاجرا وناهيا
بحيث لو انقاد له المأمور حضر البعث والانبعاث، والزجر والانزجار الحقيقيان
حتى لا ينافي دخل اختيار العبد في انبعاثه وانزجاره ببعث المولى، وزجره، و
من الواضح أن البعث والزجر قبل وصولهما إلى العبد بنحو من أنحاء الوصول لا
يمكن اتصافهما بحقيقة الباعثية والزاجرية وإن كان العبد في كمال الانقياد
لمولاه ولا طريق بحسب هذا الملاك بين الحكم وموضوعه مفهوما ومصداقا إذ
لا يعقل محركية البعث نحو ما لم يعلم بنفسه، أو لا يعلم انطباقه على ما بيده كما
لا يعقل محركية البعث الغير المعلوم بنحو من أنحائه والإرادة والكراهة
الواقعيتان وإن كانتا موجودتين في مرحلة النفس وإن لم يعلم بهما المراد منه إلا
أنهما ما لم تبلغا إليه لا توجبان بعثا وزجرا، ولا تتصفان بالإرادة والكراهة
التشريعيتين كما مر مرارا وعلى هذا المبنى يصح التمسك بالعام في المصداق
المردد إذ انطباق عنوان العام معلوم فيكون العام حجة فيه، وانطباق عنوان
الخاص غير معلوم فلا يكون المخصص حجة فيه، والعبرة في المعارضة و
التقديم بصورة فعلية مدلولي الدليلين لا بمجرد صدور الانشائين المتناقضين
فمجرد ورود المخصص لا يوجب اختصاص حجية العام بما عدا المعنون
بعنوان الخاص، غاية الأمر أن حكم العام بالنسبة إلى العالم العادل الواقعي حكم
واقعي وبالإضافة إلى الفاسق الواقعي المشكوك فسقه حكم ظاهري لا كالأحكام
الظاهرية الاخر حيث لم يؤخذ في موضوعه الجهل بالحكم الواقعي بل بمعنى
أنه رتب حكم فعلي على موضوع محكوم بحكم مخالف واقعي.
والجواب عنه بأن المخصص كاشف نوعي عن عدم وجوب إكرام العالم
الفاسق، ولازمه قصر الحكم العام على بعض مدلوله فهنا كاشفان نوعيان لا يرتبط
حجية أحدهما بالآخر، وقصر حكم العام لا يدور مدار انطباق عنوان المخصص
على شخص في الخارج حتى يتوهم عدمه مع عدم الانطباق بل لازم وجود هذا
الكاشف الأقوى اختصاص الحكم العمومي ببعض أفراده وحيث أنه أقوى
639

فيكون حجة رافعة لحجية العام بالإضافة إلى بعض مدلوله، وربما يتوهم
التمسك بالعام في المشتبه بتوهم إطلاقه الأحوالي المشكوك العدالة والفسق و
لا منافاة بين كون الفاسق الواقعي حكمه مخالفا لحكم المشكوك فان الأول حكم
واقعي، والثاني حكم ظاهري فلا منافاة بينهما.
وفيه أن الاطلاق ليس جمعا بين القيود ليكون أثره ترتب الحكم على
المشكوك بما هو مشكوك ليكون حكما ظاهريا أخذ في موضوعه الشك بل
الاطلاق لتوسعة الحكم بالنسبة إلى جميع أفراد الموضوع من دون دخل حال من
الأحوال وملاحظة ذات المشكوك غير ملاحظته بما هو مشكوك والتعين اللا
بشرطي المقسمي مغاير للتعين بشرط شئ كما هو واضح.
" في المخصص اللبي "
قوله: والسر في ذلك أن الكلام الملقى من السيد الخ: لا يخفى
عليك أن العام ليس حكمه حكما جهتيا من حيث عنوان العالم مثلا فقط بل
حكم فعلي تام الحكمية بمعنى أن العالم وإن كان معنونا بأي عنوان محكوم
بوجوب الاكرام فيكشف عن عدم المنافاة لصفة من صفاته وعنوان من عناوينه
لحكمه، وشأن المخصص إثبات منافاة عنوان الخاص لحكم العام والمخصص
اللفظي يمتاز عن اللبي بكشفه عن وجود المنافي بين أفراد العام أيضا إذ لولاه و
لولا الابتلاء به كان قيام المولى مقام البيان لفظا لغوا بخلاف اللبي فإنه ليس له هذا
الشأن كما هو غني عن مزيد بيان إلا أن مجرد عدم كشف المخصص اللبي عن
عدم وجود المنافي بين أفراد العام لا يصحح التمسك بالعام إذ المانع وهو مجرد
التردد بين الدخول والخروج مع عدم دلالة العام على دخول المشتبه مشترك
بين العام المخصص بالمخصص اللفظي واللبي ومجرد عدم قيام المولى مقام
بيان المنافاة ووجود المنافي لا يجدي شيئا لصحة اكتفائه في إثبات المنافاة
640

بالمخصص اللبي وفي عدم الاستدلال بالعام بثبوت التردد المانع عن
الاستدلال.
وتوهم أنه لا تردد حيث لا عنوان في حكم العقل بل الخصوصية علة
للخروج لا عنوان للخارج والخارج هي الاشخاص فمرجع الشك إلى الشك في
خروج هذا الفرد للشك في العلة المخرجة لسائر الافراد. مدفوع بأن الحيثية
التعليلية في الاحكام العقلية حيثية تقييدية وعنوان لموضوعاتها كما مر الوجه
فيه في مبحث مقدمة الواجب.
ويمكن أن يقال كما أن العام يدل على عدم المنافاة كك على عدم المنافي
في أفراده والمخصص اللفظي يدل على وجود المنافي كما يدل على المنافاة
وحيث يقدم على العام فلا يكون حجة في المشتبه بخلاف المخصص اللبي فإنه
يدل على المنافاة فقط فلا مزاحم للعام في دلالته على عدم المنافي.
لا يقال: دلالة العام على عدم المنافي متقومة بدلالته على عدم المنافاة فإذا
اختلت دلالته على عدم المنافاة بورود المخصص اللبي فقد اختلت دلالته على
عدم المنافي.
لأنا نقول: دلالة العام على عدم المنافي وإن كانت ملازمة لدلالته على عدم
المنافاة لكن عدم الدلالة على عدم المنافاة لا يلازم عدم الدلالة على عدم
المنافي لأن المنافي لفعلية حكم العام وجودا المنافي في أفراده لا ثبوت المنافاة
فقط لعنوان من عناوينه لحكمه مع عدم المنافي كما أن الدلالة على المنافاة غير
ملازمة للدلالة على المنافي فلا يسقط العام في دلالته إلا بمقدار المزاحمة فتدبر.
قوله: لما كان غير معنون بعنوان خاص الخ: لما أشرنا إليه سابقا أن
الواقع لا ينقلب عما هو عليه فما هو الموضوع لحكم العام بحسب الظهور
المنعقد له يستحيل أن ينقلب عما هو عليه بسبب ورود كاشف أقوى بل يسقط
عن الحجية في المقدار المزاحم.
لا يقال: يكشف المخصص عن أن الموضوع الحقيقي للحكم ما عدا الخاص
641

لا أنه يوجب انقلاب الظهور ليقال أنه محال.
لأنا نقول: ليس للموضوعية للبعث الحقيقي الموجود بوجود منشاء انتزاعه
مقام إلا مقام إلا مقام تعلق البعث الانشائي بشئ وجعل الداعي إلى غير ما تعلق به
البعث الانشائي محال لأنه مصداق جعل الداعي والمفروض تعلقه بهذا العنوان
فصيرورته داعيا إلى غير ما تعلق به خلف محال، فليس شأن المخصص إلا
اخراج بعض أفراد العام وقصر الحكم على باقي الافراد من دون يجعل الباقي
معنونا بعنوان وجودي أو عدمي ويشهد له مضافا إلى البرهان أن المخصص إذا
كان مثل " لا تكرم زيدا العالم " لا يوجب إلا قصر الحكم على ما عداه لا على
المعنون بعنوان ما عدا زيدا، أو شبهه.
وربما يدعي لزوم التنويع لمكان تبائن الحكمين المقتضي لتبائن الموضوعين
وأن قسم الشئ لا يغائره في حكمه إلا بأخذه معنونا بعنوان وجودي أو عدمي
حتى يكون الباقي تحت العام قسيما للخارج المغائر له في الحكم وأن المناقضة
أو المضادة بين العام والخاص لا ترتفع إلا بذلك وأنه لولا ذلك لم يكن وجه
للمنع عن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
ويندفع الأول بان تبائن الموضوعين بذاتهما كاف في تبائن الحكمين كما
عرفت في اخراج زيد عن حكم العام فلا حاجة إلى تبائنهما عنوانا فضلا عن كون
العنوانين متقابلين. ويندفع الثاني بما قدمناه في مبحث اجتماع الأمر والنهي و
في أول مسألة النهي عن العبادة من امكان اشتمال ذات المطلق على مصلحة
مقتضية للأمر بها واشتمالها بما هي متقيدة بقيد، ومتخصصة بخصوصية على
مفسدة مقتضية للنهي عنها فلا مانع حينئذ من أن يكون نفس إكرام العالم بما هو
ذا مصلحة مقتضية للأمر به وأن يكون إكرام العالم الفاسق بما هو ذا مفسدة
مقتضية للنهي عنه فمع غلبة المفسدة يحرم إكرام العالم الفاسق فعلا كما أن إكرام
ما عدا الفاسق بسبب وجود المقتضي وعدم المانع يكون واجبا فعليا لا أن إكرام
العالم الغير الفاسق بما هو مقتضى للأمر به حتى يكون بما هو كك واجبا ليكون
642

موضوعا لحكمين متقابلين وقسيمين.
ويندفع الثالث بأن تبائن الموضوعين بذاتهما يكفي في رفع المناقضة و
المضادة ولا حاجة إلى التبائن بالعنوان.
ويندفع الرابع بما مر في الحاشية المتقدمة من أن مجرد التردد بين الداخل و
الخارج كاف في المنع عن التمسك بالعام فتدبر جيدا.
قوله: إلا أن أصالة عدم تحقق الانتساب الخ:
فان قلت: الحاجة إلى الأصل إنما هو الفراغ عن الحكم الخاص لا للادخال
تحت العموم لصدق عنوان العام بلا حاجة إلى الأصل وعنوان الخاص لا ينتفي
بالأصل المذكور إذ الانتساب وكون المرأة من قريش لا يكون موضوعا بوجوده
المحمولي بل بوجوده الرابط فنفي كونه المحمولي ليس نفيا لعنوان الخاص
حتى ينفى به حكمه بل ملازم له بداهة عدم امكان الكون الرابط مع نفى الكون
المحمولي عقلا فالأصل بالنسبة إلى عنوان الخاص مثبت.
قلت: ليس الغرض من الأصل هنا وفي أمثاله نفي عنوان الخاص به بدوا بل
إحراز عنوان مضاد لعنوان الخاص من العناوين الداخلة تحت العموم فينفي
حكم الخاص بمضاد هذا العنوان المحرز المحكوم بخلاف حكمه فما هو
المترتب على الأصل بلا واسطة شئ هو حكم العام الثابت له بأي عنوان غير
العنوان الخارج وثبوت هذا الحكم لهذا الموضوع المضاد للعنوان الخارج
يوجب نفي ضده وهو حكم الخاص.
لا يقال: يمكن نفي عنوان الخاص أيضا في نقيض الوجود الرابط عدمه لا
العدم الرابط والوجود الرابط مسبوق بالعدم وإن لم يكن مسبوقا بالعدم الرابط.
لأنا نقول: حيث أن اللازم نفي عنوان الخاص عن المرأة حتى ينفي حكمه
عنها فاللازم أن يصدق عليها أنا ليست بقرشية مثلا، وإلا فعدم وجود المرأة
القرشية لا يجدي في حكم هذه المرتبة نفيا وإثباتا.
لا يقال: فكذا عدم الانتساب فان ذات القيد وإن كان قابلا للاستصحاب إلا
643

أن التقييد به لا وجداني ولا تعبدي إذ التقيد به ليس على وفق الأصل.
لأنا نقول: التقييد بمعنى ارتباط العدم به غير لازم وبمعنى عدم الانتساب
لها بنفسه متيقن فيستصحب وإضافة عدم الانتساب إلى المرأة الموجودة لازمة
في ظرف ترتب الحكم وهو ظرف التقيد الاستصحابي لا ظرف اليقين حتى
ينافي كونه من باب السالبة بانتفاء الموضوع في ظرف اليقين فتدبره فإنه حقيق به.
نعم التحقيق أن ما أفاده قده من كفاية إحراز العنوان الباقي تحت العام في
إثبات حكمه لا يخلو عن محذور لأن العناوين الباقية ليست دخيلة في موضوع
الحكم العمومي بوجه من الوجوه فلا معنى للتعبد بأحدها ليكون تعبدا بالحكم
العمومي حتى ينفى حكم الخاص بالمضادة.
ويمكن نفي حكم الخاص من وجه آخر وهو أن العام كما مر سابقا يدل
بالمطابقة على وجوب إكرام العلماء وبالالتزام على عدم منافاة عنوان من
عناوينه لحكمه فهو بالالتزام ينفي كل حكم مبائن لحكم العام عن كل عنوان
يفرض فيه، ومن العناوين المبائنة للعنوان الخارج المبائنة له في الحكم عنوان
أحرز بالأصل المحكوم بنقيض حكم الخاص من باب المناقضة لا من باب
المضادة وبنحو الالتزام لا بالمطابقة فافهم جيدا.
قوله: وما صحة الصوم في السفر بنذره الخ: إن كان إشكال نذر الصوم
والاحرام مجرد عدم القدرة على إتيانهما قريبا حتى بعد النذر لكون أمره توصليا
فالجواب عنه بأحد الأجوبة المسطورة في المتن من كفاية الرجحان الذاتي أو
ملازمة النذر لعنوان راجح أو كفاية الرجحان بعد النذر لأن اللازم رجحانه حال
العمل حتى يكون الوفاء معذورا على إشكال في الأخير إذا أريد وجوب الوفاء
المرتب على النذر، ومن الرجحان الطارئ، وإن كان هو الاشكال المتقدم في
حرمة العبادة ذاتا فلا محيص عنه إلا بما يؤل إليه الجواب الأول.
بيان الاشكال أن المنذور إن كان نفس العمل فلازمه الوفاء بمجرد العمل بلا
قربة وهو فاسد، وإن كان العمل القربي فتصحيحه بالرجحان الآتي من قبل النذر
644

لملازمة النذر خارجا لعنوان راجح غير صحيح إذ الالتزام الجدي بالراجح من
قبل تعلق الالتزام به ولو في ظرف العمل محال لتقدم الشئ على نفسه.
وبيان الدفع ما تقدم نظيره في مسألة النهي عن العبادة عن كون المتعلق عبادة
ذاتية وأنما لم يؤمر بها إما لمانع عن نفس الأمر بحيث يرتفع باقدام الناذر، أو
لمفسدة في المنذور ترتفع بمجرد تعلق النذر الخارجي فالمنذور عمل عبادي
بنفسه كالتعظيم فإنه بذاته إجلال للمولى وحسن في نفسه، وإن كان مبغوضا له
أحيانا بالعرض وعند ارتفاع المبغوضية يترتب على فعله القرب ولو لم يؤمر به
كما هو شأن العبادة الذاتية.
ومما ذكرنا ظهر أن تسليم حرمة الصوم والاحرام ذاتا لا تشريعا لا ينافي
العبادية ذاتا ولزوم تعلق النذر بالراجح فعلا وجوبا أو ندبا لا دليل عليه بل اللازم
أن يكون العمل قابلا لأن يكون لله وهو بذاته قابل ووجوب الوفاء بعد تعلق النذر
به خارجا لا مانع منه لارتفاع الحرمة به للدليل على ارتفاعها به.
فان قلت: العنوان الملازم حيث أنه ليس بمعلول للنذر بل ملازم له، ويقارنه
في الوجود فلا مانع من تعلق الالتزام الجدي به، ولا منافاة بين التقدم والتأخر
الطبيعيين والمقارنة الوجودية.
قلت: المصلحة الملازمة للنذر المقتضية للرجحان الملازم والعنوان الراجح
ليس لها علة سوى النذر والمعلول بلا علة محال والملازمة لا تكون إلا بعلية و
معلولية أو المعلولية لثالث، وحيث لا علة غير النذر فهو العلة والعلة متقدمة
طبعا على معلولها فكيف تتأخر عنه طبعا لتعلقها به إلا أن يقال بأن الرجحان
الملازم يحدث بنفس الصيغة الانشائية لا بالالتزام الجدي فالصيغة سبب
للرجحان وآلة للالتزام الجدي فهما معلولان لها، ولهما المعية الطبعية من هذه
الحيثية، وإن كان الالتزام الجدي من حيث تعلقه بالراجح متأخرا عنه طبعا فتدبر
جيدا.
645

" في العمل بالعام بعد الفحص عن المخصص "
قوله: فلا مجال لغير واحد من ما استدل به الخ: كالاستدلال بعدم الظن
فعلا قبل الفحص فإنه مبني على اعتبار الظهور من باب الظن الفعلي مع أنه من
باب الظن النوعي فإنه شأن الظهور بما هو ظهور، مع أنه ربما لا يظن فعلا بإرادة
العموم بعد الفحص أيضا، وكالاستدلال بأن أصالة الظهور حجة في حق المشافه
فلا بد من تحصيل العلم أو الظن بإرادة العموم في حقه كي يثبت في حق غيره
بدليل الاشتراك ولا يظن ولا يعلم بإرادة إلا بعد الفحص مع أن الظهور حجة
مطلقا كما سيأتي إنشاء الله تعالى.
ولا دليل على حجية الظن الخارجي مع أن الكلام في العمل بالعام لا العمل
بالظن الخارجي بالعموم مع أنه مبني على كشف الظفر بالمخصص عن استعمال
العام في الخصوص إذ لو استعمل في العموم فالقطع بالمخصص لا يكشف عن
عدم إرادة العموم من المشافه كما أن القطع بعدمه لا يكشف عن عدم إرادة
الخصوص فلعله كان مرادا واستعمل في العموم ضربا للقاعدة إلى غير ذلك مما
يرد عليه (1)، وكالاستدلال بالعلم الاجمالي بصدور المخصصات فإنه يوجب
جواز العمل بالعمومات قبل الفحص بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال
الموجب للانحلال من أن الكلام في العمل بالعام بعد الفحص مطلقا.
قوله: فيما إذا كان في معرض التخصيص الخ: فنفس المعرضية هو
الوجه في بناء العقلاء على عدم العمل بالعام إلا بعد الفحص.
فان قلت إذا كان المخصص كاشفا عن استعمال العام في الخصوص وعدم
إرادة العموم كانت المعرضية نوعا موجبة لاختلال كشف العام عن إرادة العموم و
إذا لم يكن كاشفا بل كان العام مستعملا في العموم وأريد منه الخصوص واقعا
فبملاحظة المخصص إما لا كاشفية له نوعا عن إرادة العموم، أو لا يكون حجة

1 - كاشتراك المشافه وغيره في عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص. منه
646

لورود كاشف أقوى فهو تارة من حيث المعرضية لا كاشفية له نوعا أو من حيث
ورود كاشف على خلافه ليس عليه مدار العمل.
وأما إذا استعمل في العموم وكان العموم مرادا جديا أيضا كما ذكرنا سابقا فلا
وجه لعدم الاعتناء بأصالة الظهور إذ ليس الاخذ بالمخصص من باب الاختلال
في الكشف ولا من باب ورود حجة أقوى بل من باب انتهاء أمد حكم العام.
قلت: إذا كان صدور المخصص واقعا موجبا لانتهاء أمد الحكم العمومي
الظاهري المنبعث عن مصلحة وراء مصلحة الواقع فالوجه واضح حيث أن العام
في معرض صدور المخصص، وعدم إرادة مضمونه فعلا، وإذا كان وروده موجبا
لانتهاء أمد الحكم العمومي فالوجه فيه ما هو الوجه في وجوب الفحص عقلا في
باب البراءة من أن الصادر حيث لا يعلم عادة إلا بالفحص عنه فيجب تحصيلا
للمصلحة الواقعية اللازمة الاستيفاء فهو من حيث أنه سد على نفسه باب وصوله
العادي بعدم الفحص الذي هو سبيل عادي له فقد فوت على نفسه المصلحة أو
أوقع نفسه في المفسدة فالمصلحة الظاهرية باقية ما لم يرد عادة فعدم وروده
العادي كالعدم لا يكون غاية لبقاء المصلحة فلا مصلحة حينئذ وإن لم يرد حقيقة
فتدبر جيدا وتتمة الكلام فيما بعد إنشاء الله تعالى.
قوله: بل حاله حال احتمال قرينة المجاز الخ:
إن قلت: إذا كانت أصالة عدم القرينة أصلا مستقلا في قبال أصالة الظهور
صح الفرق حيث أن الشك في المخصص المتصل شك في القرينة دون
المنفصل، وإلا فلا فرق لاستواء نسبة أصالة الظهور إلى المتصل والمنفصل بل
المنفصل أولى بعدم الفحص عنه للقطع به باستقرار الظهور في العموم.
قلت: الفارق غلبة المعرضية للتخصيص بالمنفصل، ولا غلبة للاحتفاف
بالمتصل فلا يبقى إلا احتمال احتفافه بالتخصيص والظهور حجة على عدمه.
نعم في رجوع أصالة عدم القرينة إلى أصالة الظهور إشكال قوي تعرضنا له في
مبحث حجية الظواهر في الجزء الثاني من الكتاب.
647

ومما ذكرنا يظهر الفرق أيضا بناء على استعمال العام المخصص في
الخصوص وكشف المنفصل عن احتفافه بالمتصل إذ الغالب صدور المخصص
على خلاف العام المنفصل فهذه المعرضية الناشئة من تلك الغلبة وجه عدم
العمل بالعام قبل الفحص ولا غلبة في الاحتفاف بالمتصل، وبالجملة الغلبة في
الكاشف لا في نفس المنكشف فتدبر.
قوله: حيث أنه هيهنا عما يزاحم الحجة بخلاف هناك الخ: هذا مبني
على تمامية (1) المقتضي هنا فيكون البعث عن المانع أو المعارض وامتيازه عن

(1) بيانه أن التقابل بين المقتضى في مقام الاثبات هنا والمقتضى في مقام الاثبات في الأصول
العملية وبين المقتضى في مقام الثبوت هنا وهناك لا بين المقتضى إثباتا في طرف والمقتضى ثبوتا في
ظرف آخر فنقول المقتضى في مقام الاثبات هنا بناء العقل ولا معنى لبنائين بنحو العموم والخصوص
حتى يتصور البحث عن المانع وكذا المقتضى إثباتا في الأصول العملية حكم العقل بقبح العقاب بلا
بيان ولا يعقل حكمين من العقل في هذا المورد عموما وخصوصا فلا فرق من حيث عدم تمامية
المقتضى الاثباتي هناك وهنا بل يمكن دعوى العكس بما قربناه في مبحث البراءة من أن مقتضى حكم
العقل بقبح العقاب بالبيان أن المولى لا يصح منه الاحتجاج بمخالفة الحكم الواقعي الغير الواصل كما أن
العبد لا يصح منه الاقدام على العمل قبل الفحص عن حكم مولاه الذي لا يعلم بل محض عادة فإنه ظلم
على المولى وتمام الكلام في محله.
وأما المقتضى في مقام الثبوت هنا وهناك فيقال تارة أن الطهور كاشف نوعي عن المراد وهو
المقتضى لبناء العقلاء وعلى اتباعه والمخصص المنفصل ظهور آخر وكاشف أقوى فهو بمنزلة المانع
وأخرى بأنه إذا علم من حال المتكلم أن بنائه على بيان مراده في مثل العمومات بظاهرين منفصلين
فليس الظهور العمومي وحده كاشفية نوعية عن مراده الجدي إلا بعد الفحص عن ظهور آخر ينافيه حتى
يستقر كشفه عن المراد والملاك كاشفية عن المراد لا مجرد الظهور الاستعمالي كما أنه يمكن أن يقال في
الأصول العملية تارة أن المقتضى لحكم العقل بقبح العقاب عدم ما هو بحث عنه لظفر به فالمقتضى غير
تام وأخرى أمر آنفا وهو أنه هنا حكمان من العقل بالنسبة إلى المولى والعبد ولكل منهما موضوع تام
فعدم وصول الحجة مقتض لحكمه بقبح العقاب من المولى على مخالفة خصوص الواقع وكون الحجة
بحيث لا يعلم عادة إلا بالبحث عنها مقتض لحكم العقل بايجاب الفحص على العبد وإلا لكان ظالما
على مولاه بعدم مبالاته بأمره ونهيه (منه ره).
648

غيره لكون هذا المقتضي الخاص في معرض المانع فيكون حال الدلالة حال
السند فكما أن مجيئ المعارض فيه تؤكد الحجية ويكون من باب تقديم أقوى
الحجتين على أضعفهما كك فيها. والتحقيق خلافه إذ دليل الحجية في السند هو
العموم والاطلاق فيكون المقتضي في مقام الاثبات تاما ودليل ترجيح الأعدل
مثلا دليل الحجية الفعلية في ذي المزية بخلاف الدلالة فان دليل اعتبارها بناء
العقلاء، ولا معنى لمبنائين بنحو العموم والخصوص إذ البناء العلمي هو عملهم
على طبق الظهور، وهو إما على طبقه مطلقا أو بعد الفحص عما ينافيه.
نعم المقتضي بمعنى الباعث على بناء العقلاء بالذات هو الظهور وفعليته
يتبع عدم المانع ولعل مثله ممكن الجريان في الأصول العملية حيث أن عدم
قيام الحجة على الواقع مقتض لحكم العقل بقبيح العقاب إلا أن كون الحجة
بحيث لو تفحص عنها لظفر بها مانع عن الفعلية فالفحص أنما هو لتحقيق عدم
المانع لا لاثبات المقتضي. وأما أن المقتضي نفس عدم الحجة فواضح ولذا لو لم
يكن حجة في الواقع حقيقة كان مقتضى حكم العقل ثابتا لا أنه يتقوم وجود
المقتضي بوجود الحجة الواقعية وكونها بحيث لم يظفر بها لو تفحص عنها فتأمل
مع أن المراد من العبادة كما هو الظاهر تمامية المقتضي في مقام الاثبات.
قوله: على تقييده به فافهم الخ: لا يخفى أن التقييد دليل على تمامية
المقتضي في مقام الاثبات فالفحص أنما هو المانع لا عما يتقوم بعدمه المقتضي
إلا أن يجعل كاشفا عن عدم إرادة الاطلاق واستعمال المطلق في المقيد.
649

" في خطاب المشافهة "
قوله: فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم الخ: التكليف سواء كان
بمعنى الإرادة والكراهة النفسيتين أو البعث والزجر الحقيقيتين يمكن تعلقه
بالمعدوم بناء على مبناه قده من صحة تعلق الإرادة والبعث حقيقة بأمر استقبالي
فان إرادة شئ فعلا ممن يوجد استقبالا كإرادة ما لم يمكن فعلا بل يمكن تحققه
استقبالا إذ المراد منه ليس موضوعا للإرادة كي يتوهم أنه من باب العرض بلا
موضوع بل موضوعها النفس والمراد منه كالمراد تتقوم به الإرادة الخاصة في
مرتبة وجودها لا في مرتبة وجودهما، وهكذا البعث فإنه فعل قائم بالفاعل، وله
تعلق في مرتبة وجوده الاعتباري بالمبعوث والمبعوث إليه، وليس كالتحريك
الخارجي المماس بالمحرك والمتحرك.
ومنه ظهر أن الإرادة والبعث ليسا كالملكية فان الملكية عرض قائم بالمالك و
المملوك لا بالمملك بخلاف الإرادة مثلا فإنها عرض قائم بالمريد لا بالمراد و
المراد منه فتجويز تعلق الإرادة بالمعدوم لا يوجب جواز تعلق الملكية بالمعدوم.
وأما على ما سلكناه ومر مرارا من أن حقيقة البعث والزجر جعل ما يمكن أن
يكون باعثا أو زاجرا بحيث لو انقاد العبد لمولاه انبعث فعلا ببعثه، وانزجر بزجره
فلا محالة لا يعقل تعلقه بالمعدوم فعلا وإن كان يوجد استقبالا إذ لا طرف للبعث
فعلا حتى يمكن انبعاثه فعلا فلا بعث إلا انشاء، وكذا الأمر في الإرادة فإنها ليست
مجرد الشوق كي يعقل تعلقه بمن سيوجد بل الشوق المحرك نحو البعث في
التشريعية ونحو الفعل في التكوينية، وقد عرفت حال البعث، وأما الملكية
فالأمر فيها على خلاف التكليف كما سيأتي انشاء الله تعالى.
قوله: ونظيره من غير الطلب إنشاء التمليك الخ: الأمر في الوقف وإن
كان كك لكنه لا لعلة قبول المعدوم للملك بل لعدم قبول عين واحدة لملكية
الموجود والمعدوم بالاستقلال وإلا فالملكية قابلة للتعلق بالمعدوم مالكا و
650

مملوكا فان الملكية الحقيقية وإن كانت من المقولات المحتاجة إلى موضوع
موجودا إلا أن الملكية الشرعية والعرفية اعتبار ذلك المعنى لا نفسه كما
أوضحناه في مبحث الوضع وفي مبحث مقدمة الواجب ولذا يتعلق بالكلي مع
أن العرض الحقيقي لا يعقل تعلقه بغير الموجود في الخارج وعليه فلا مانع من
اعتبارها للمعدوم فعلا واعتبار ملك المعدوم فعلا إذا دعت المصلحة إلى
اعتبارها.
قوله: وتوهم صحة إلتزام التعميم في خطاباته تعالى الخ: لا يخفى
أن الافهام والانفهام غير مقومة لحقيقة المخاطبة كما في الخطاب إلى جماد
حاضر فإنه إلقاء للكلام على الحاضر لا الغائب عن مجلس إلقاء الكلام كما أن
الاسماع والاستماع بالجارحة الخاصة غير مقوم للمخاطبة، وإلا لما صحت
المخاطبة معه تعالى بل مطلق الاسلام غير لازم كما في الخطاب إلى الأصم
الحاضر كما أن الحضور في مجلس الخطاب بما هو حضور للجسم في مكان
الخطاب غير لازم لصحة المخاطبة حقيقة مع النبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام
عن بعد لاستماعهما عن بعد كاستماعهما عن قرب لا مجرد علمهما
ع به بل يمكن أن يقال بإحاطتهما بالمتكلم وكلامه وهو كلام آخر.
فالميزان للخطاب الحقيقي بما هو خطاب لا بما هو تفيهم مثلا اجتماع
الطرفين بنحو منه إلا بأن يجمعهما مكان واحد وما هو كالمكان الواحد لمكان
الاستماع ولو عن بعد فيصح إلقاء الكلام عليه كما عرفت، أو بأن يكون أحدهما
محيطا بالآخر سواء كان المتكلم محيطا كالباري تعالى شأنه عند خطابه لعباده و
إن لم يلتفت المخاطب إلى الخطاب فان التفاته مقوم للتفهيم لا للخطاب كما في
الخطاب إلى الحاضر الغافل وإلى الجماد أو كان المخاطب محيطا بالمتكلم كما
في خطاب العباد إياه تعالى، والخطاب اللفظي وإن كان متصرما إلا أن وجوده
الشخصي التدرجي يمتنع القائه على المعدوم حال وجوده لا على الغائب عن
محضر النبي صلى الله عليه وآله إذا كان ص لسانه في الخطاب وكان مثله مثل
651

الشجرة بالإضافة إلى موسى عليه السلام، أو كان الخطاب النازل على قلبه
المقدس إلى الناس وكان ص حاكيا له كما هو محل الكلام إذ لا مانع من إلقاء
الخطاب منه تعالى إلى من أحاط تعالى به وإن لم يسمع ولم يفهم فان إلقاء
الخطاب على الأصم والجماد والغافل لا ينافي حقيقة الخطاب وإن كان منافيا
للأفهام نعم وجود المخاطب بنحو وجوده الشخصي الخارجي المقصود منه في
الخطاب اللفظي مقوم للمخاطبة وإحاطته تعالى بالمعدوم بنحو آخر، وليس
كإحاطته بالموجود وتلك الإحاطة تصحح نحو آخر من الخطاب لا بوجوده
الشخصي التدريجي فان المعاني المكتسية بكسوة الألفاظ لها نشئات آخر من
الثبوت غير هذه النشئات التصرمية الزمانية فان طبيعة الألفاظ كسائر الطبائع لها
نشئات من البروز والظهور ولا كلام فيها إنما الكلام في وجوده التدريجي
الزماني.
قوله: هذا لو قلنا بأن الخطاب إلى قوله: بلسانه الخ: انما يكون
الخطاب الشخصي (1) منه تعالى بلسان النبي صلى الله عليه وآله إذا كان مثله ص

1 - توضيحه أن الخطاب الإلهي ليس ابتداء وإلى الناس بلا واسطة فلا محالة تكون الخطاب
الإلهي على قسمين إما أن يكون إلى الناس بألية النبي (ص) حين الوحي فيكون الملقى إليه الكلام هم
الناس وإن كان الملقى فيه الكلام قلبه المقدس (ص) أو هذا لا يتصور إلا أن يكون النبي (ص) حال
نزول الوحي إليه مخاطبا للناس بنحو يكون آلة لخطابه كالشجرة لموسى (ع) فان الشجرة وإن ألقى فيها
الكلام لكنها لم يلق إليها الكلام بل إلى موسى (ع) فموسى (ع) هو المخاطب حقيقة والشجرة آلة
الخطاب وهذا المعنى وإن كان معقولا في حق النبي (ع) لكنه لا نظن بوقوعه مرة واحدة وإما أن يكون
الخطاب الايقاعي أيضا إلى غيره وهذا هو الصحيح وحينئذ فيلغوا النزاع في الخطابات القرآنية إذ
لخطاب الحقيقي دائما إليه (ص) لا إلى المشافهين والخطاب الايقاعي الملقى إليه لا يكون منوطا
بوجود المخاطب فضلا عن حضوره وأما دعوى أن التكاليف في مقام الاثبات بنحو القضايا الحقيقة
وموضوعاتها مقدرة الوجوب والخطاب إلى الغائب والمعدوم لا يقتضى أزيد من تنزيل المعدوم منزلة
الموجود وهو مفروض في القضايا الحقيقية لا معنى لهذا النزاع في القضايا الحقيقية وإنما يصح في
القضايا الخارجية فمدفوعة بأن ملاك القضية الحقيقية ترتيب الحكم على الافراد المقدرة
الوجود لا على الافراد المفروضة الحضور وملاك الخطاب هو الحضور الذي ليس هو من مقتضيات
القضايا الحقيقية فافهم (منه ره).
652

مثل الشجرة وكذا لو كان الخطاب إلى الناس بنحو الالقاء على قلبه ص فحكايته
ص حكاية خطابه تعالى إليهم، وأما لو كان الخطاب منه صلى الله عليه وآله
حاكيا عما نزل على قلبه المقدس وإن كان ربما ينسب هذا الخطاب إليه تعالى
لغلبة العنصر الربوبي في أفعاله صلى الله عليه وآله لكنه معنى آخر غير ما نحن
فيه ومن الواضح أن النبي صلى الله عليه وآله حين خطابه مع الناس بالخطابات
القرآنية لم يكن إلا قاريا للقران وحاكيا عنه لا آلة الخطابة تعالى حقيقة وإن أمكن
ذلك لكنه يحكي فما خوطب به الناس لا ما خوطب به نفسه فلا يختص محل
النزاع بما ذكره قده بل يجري في هذا الشق أيضا، وأما الشق الأخير فحيث أن
متلو الأداة لا ينطبق على خصوص المخاطب الحقيقي فلا بد من جعل الأداة
للخطاب الايقاعي وعمومه للكل حينئذ بلا مانع.
قوله: لا يوجب صحة الاطلاق (1) مع إرادة الخ: إلا أن يكون قدرا متيقنا

1 - لا بأس بتوضيح المقصود من الثمرتين ليندفع عنها بعض الايرادات فنقول ملاك الثمرة الأولى
عدم حجية الظاهر إلا لمن قصد إفهامه فإذا كان الخطاب مختصا بالمشافهين فهم مقصودين بالافهام وإلا
لكان القاء الخطاب المتضمن للتكليف إليهم بلا فائدة بخلاف من لم يخاطب فإنه لا موجب لأن يكون
مقصودا افهامه فلا يكون الظاهر المتضمن للتكليف المشافه حجة إلى على المشافه فلا حجة لغير
المشافه على تكليف المشافه حتى يتنقح به موضوع قاعدة الاشتراك إذ مجرد وجود ظاهر متضمن
لتكليف المشافه لا يكون طريقا لغير للمشافه إلى ما لمشافه من التكليف إلا بعد كونه حجة، وملاك
الثمرة الثانية اختلاف الحاضر والغائب مثلا في العنوان فان الخطاب إن كان عاما دل على عدم دخل
العنوان وإن كان مختصا بالمشافه المعنون بعنوان مفقود في غيره لم يكن طريق إلى ثبوت الحكم
للمشافه حتى مع فقده للعنوان حتى ينتفع موضوع قاعدة الاشتراك ومورد افتراق الثمرة الأولى عن
الثانية ما إذا فرض عدم الاختلاف في الصنف فان الظاهر بور موجود لكنه غير حجة، ومورد افتراق
الثمرة الثانية عن الأولى ما إذا قلنا بحجية الظاهر مطلقا وكان الاختلاف في المصنف موجودا فإنه
وإن كان الظاهر حجة لكنه لا ظهور ومورد اجتماع الثمرتين ما إذا قلنا باختصاص حجية الظاهر بالمشافه
وباختصاص المشافه بعنوان فإنه لا ظهور ولا حجية فتدبر جيدا (منه ره).
653

في مقام التخاطب كما هو كك غالبا فيصح الاطلاق مع إرادة المقيد بناء على
مبناه قده.
قوله: وإن صح فيما لا يتطرق الخ: إلا بنحو الاطلاق الفرضي التقديري و
تحصيله في غاية الاشكال.
قوله: لا فيما إذا شك في أنه كيف أريد فافهم الخ:
لا يقال: المراد من الضمير (1) بناء على الدوران بين أصالة العموم وعدم
الاستخدام هو البعض قطعا إما باستعمال العام في الخصوص أو بالاستخدام
فالمراد هو البعض والشك في أنه كيف أريد بخلاف الدوران بين أصالة العموم و
الاسناد إلى ما هو له فالمراد هو البعض تارة، والكل أخرى إذ لو استعمل العام في
الخصوص وكان الاسناد إلى من هو له كان المراد من الضمير هو البعض وإذا كان
الاسناد إلى الكل توسعا كان المراد من الضمير هو الكل فالمراد من الضمير

1 - لا يخفى عليك أن الغرض من عقد هذا البحث هو أن الأمر دائر بين خلاف الأصل في طرف
العام وخلاف الأصل في طرف الضمير سواء كان بنحو التجوز في الكلمة أو بنحو آخر فلا فرق بين
استعمال العام في الخصوص وبين استعماله في العموم وإرادة البعض جدا فان الأول خلاف أصالة
الحقيقة والثاني خلاف الأصل المؤسس في باب المحاورات على مطابقه الإرادة الاستعمالية للإرادة
الجدية ولذا كانت الكناية والحقيقة الادعائية خلاف الأصل مع أن الاستعمال فيها في الموضوع له ومنه
تعرف أنه لا يمكن حفظ العام من المخالفة للأصل مطلقا إلا بالاستخدام ثم إن الضمير دائما مستعمل
في مفهومه المبهم لا في المرجع لا فيما هو مرجعه بالحمل الأولى ولا بالحمل الشائع فتوهم أن
المستعمل فيه الضمير هي المطلقات وأريدت خصوصية المرجعية بدال آخر وهو الحكم عليها بالرد في
غاية السخافة لأن الحكم قرينة على الرجوع لا دال على ما هو قيد لما استعمل فيه الضمير حتى تكون
بابه باب تعدد الدال والمدلول فافهم جيدا.
654

مختلف.
لأنا نقول: العبرة بالمراد الجدي ولا شك في أنه البعض على أي حال، و
المراد بالاستعمالي أنما يكون حجة على المراد الجدي إذا لم يعلم خلافه، ولا
يخفي أن ما ذكر في جانب أصالة الظهور من حيث الاسناد أو من حيث عدم
الاستخدام غير جار في أصالة العموم فان تعين بعض افراد العموم للمرجعية
حقيقة لا يوجب تعين إرادة البعض من حيث حكم العام المرتب عليه بنفسه كما
هو ظاهر لمن تأمل ولعله أشار إلى بعض ما ذكرنا بقوله - ره - فافهم.
قوله: قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم الخ: لا يخفى أن
المفهوم وإن كان (1) معنى لازما لمعنى عقلا كما في الموافق أو عرفا كما في

1 - لا بأس بتوضيح المقام فنقول الفرق بين مفهوم المخالفة والموافقة في مرحلة الاستلزام أن
المنطوق في الأول مشتمل على حيثية تلك الحيثية لازمها عقلا معنى من المعاني كاشتماله على
العلمية المنحصرة التي لازمها الانتفاء عند الانتفاء فلا بتوسط بين ذلك اللازم العقلي والملزوم الكلامي
اللفظي شئ والمنطوق في الثاني مشتمل على ملاك الحكم فقط وليس هو بنفسه مستلزما لثبوت
الحكم بالمساواة ولا بالأولية لموضوع إلا بتوسط أمر خارج وهو كون الموضوع الاخر ذا ملاك مساو
أو ذا ملاك أقوى فيلزمه ترتب الحكم المماثل أو بوجه أولى وحكم العرف في مثل تحريم آلاف بتحريم
الضرب الفحوى لا بما هم أهل المحاورة بل بما هم عقلا مدركون الأقوائية الملاك فيحكمون بأولوية
الضرب بالمحرمة.
ثم أن مفهوم الموافقة بالمساواة يتحقق بأحد أمرين إما بأن يقال " الخمر حرام فإنه مسكر " أو يقال
" الخمر حرام لاسكاره " وربما يفصل بين التعبيرين فيجعل الأول مقتضيا للمفهوم بالمساواة دون الثاني
نظرا إلى أن العنوان الدال على الملاك في الأول واسطة في العروض، وفى الثاني وساطة في الثبوت
لكون الأول موضوعا للحكم فيسري الحكم إلى جميع أفراده دون الثاني فإنه حيثية تعليلية للحكم ومن
الدواعي إلى جعله فلعله يكون لموضوعه خصوصية مقتضية لتلك الحيثية.
ويندفع: بأن وسائط الثبوت في المقام إما هو السبب الفاعلي للحكم أو شرط تأثير المصلحة
والمفسدة أو نفس تلك المصلحة والمفسدة اللتين هما علة غائية للحكم ومن الواضح أن السبب
الجاعل للحكم هو الشارع فهو أجنبي عما نحن فيه، والشرط بمعنى مصحح فاعلية الفاعل من
تصوره وتصديقه وقدرته وإرادته لا يتفاوت في لزومه مورد عن مورد والشرط بمعنى متمم
قابلية القابل لتعلق الحكم به أمر معقول يختلف الموارد بالإضافة إليه ومن الواضح أن مجردة وجود
الشرط بهذا المعنى في مورد لا يقتضى سراية الحكم إليه بل اللازم وجود ذات القابل التي هي بمنزلة
المقتضى لتلك المصلحة المنوطة فعليتها بالشرط وأما العلة الغائية فمع فرض ترتبها على مورد آخر فلا
محال يترتب عليها معلولها بداهة أن المعلول لا ينفك عن علته التامة والمفروض أن الاسكار بما هو
علة غائية أو لازم مساو لها لا هو بضميمة بشئ آخر فالغرض من إخراج الواسطة في الثبوت هنا إن كان
مثل الشرط كما مر فهو صحيح وإن كان مثل العلة الغائية فهو غير صحيح إذا الحكم كما يسرى بسريان
موضوعه كك يسرى بسريان علته وفرض الضميمة للغاية ولو أضافها إلى الخمر خلف إذ الظاهر أن غير
الخمر مسكر أيضا وأن الاسكار في غير الخمر موجود وإضافة العنوان إلى المعنون كما لا تقتضي أن
يكون العنوان عنوانا مساويا لا يتعداه كك إضافة الغاية إلى ذيها لا يقتضى أن يكون الغاية لازما مساويا
لذيها بحيث لا يتعداه ومن الواضح أن لسان " لا تشرب الخمر لاسكاره " لسان العلة الغائية لا لسان
الإناطة والشرطية فيفارق مثل قوله " لا تشرب الخمر إذا أسكر " مضافا إلى أن مفهوم المساواة بحسب
الاصطلاح لا يكون إلا لمثل قوله " لا تشرب الخمر لاسكاره " حيث أن لازم كونه علة حرمة الفقاع أيضا
لوجود الملاك المساوي لملاك الخمر فيه وأما مثل قوله " لا تشرب الخمر فإنه مسكر " فمقتضاه من
حيث تحريم الخمر للاندراج تحت عنوان المسكر تحريم هذا العنوان وتحريم هذا العنوان الملاكي ليس
تحريما بعنوان وجود الملاك فيه بل هو تحريم عنوان مأخود من الملاك وأما انطباق حرمة العنوان على
الفقاع وغيره فليس من باب المفهوم لوضوح أن انطباق الحكم المرتب على الطبيعي أو على العنوان
الكلى على مصاديقه ومعنوناته ليس من المفهوم بل عين تطبيق المنطوق.
ثم أن المعارضة البحوث عنها هنا لا بد من تمحضها بين العام والمفهوم بما هو فلا محالة لا تعارض
بالذات بين المنطوق والعام حتى تخرج عن عنوان تعارض العموم والخصوص بل يتعارض المنطوق
والعام بالعرض بملاحظة اشتمال المنطوق على خصوصية مستلزمة لما ينافي العموم وحيث أن تلك
الخصوصية ليس منافية مع العام بتعارض العام والخاص فلا موجب لتقديم المنطوق بقول مطلقا بل لا بد
من إثبات مرجح له، وحيث أن المفهوم تابع للمنطوق ثبوتا وسقوطا فلا يمكن تقديمه على العام بلا
تقديم منشائه كما لا يمكن تقديم العام عليه والغاء المفهوم بلا تصرف في منشائه لزوم التفكيك بين
الملزوم ولازمه وهو محال بعد فرض الملازمة.
ولعل وجه تقديم مفهوم الموافقة بقول مطلقا على العام أن غاية ما يقتضيه المنطوق كون خصوصية
خاصة ملاكا للحكم وهذا بنفسه ليس منافيا للعموم حتى يتصرف فيه وأما كون الشئ الفلاني ذا ملاك
أقوى فلا موجب للتصرف فيه ومع عدم التصرف فيه وبقاء ظهوره في كون الخصوصية ملاكا لا يعقل
التفكيك بينه وبين الحكم بوجه أولى فيما فيه ملاك أقوى وقريب منه المفهوم بالمساواة فإذا غاية ما
يقتضيه المنطوق إن الاسكار مثلا ملاك الحرمة ولا يقتضى هذا وجود الملاك في الفقاع المقتضى
لسريان الحكم بسريان ملاكه وعلته فتدبر جيدا.
وربما يدعى وجوب تقديم المفهوم المخالف على العموم وأنه حاكم ومعين لدائرة العموم ومصبه
بتقريب أن اقتضاء القضية الشرطية مثلا للمفهوم من ناحية إطلاق الشرط وإنه لا ضميمة له ولا عدل له
وإلا لزم العطف عليه بالواو في الأول، وبأو في الثاني، والعام لا يقتضى إثبات الضميمة ولا إثبات العدل
والبدل وقد مر في بعض الهوامش المتعلقة بمفهوم الشرط ما يتعلق بهذا التقريب من النقض والإبرام
فراجع.
655

المخالف، والتفكيك بين اللازم والملزوم وإن كان محالا عقلا كما في الأول و
بناء على حفظ التلازم عرفا كما في الثاني، ولذا جعل التخصيص في الأول محل
الوفاق إلا أن ظهور اللفظ في لازم معناه تابع لمقدار ظهوره في معناه سعة وضيقا
ضعفا وقوة فرب عام يكون أقوى ظهورا من ظهور القضية في معنى لازمه العقلي
أو العرفي ذلك فمجرد الملازمة واستحالة التفكيك غير مجدية.
" الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة "
قوله: ضرورة أن تعدد المستثنى منه الخ: لا يخفى أن أداة الاستثناء (1)

(1) ربما يفصل بين ما إذا أنكر عقد الوضع وما إذا لم يتكرر فالأول مثل قوله " أكرم العلماء وأضعف
الشعراء إلا الفساق " والثاني مثل قوله " أكرم العلماء وأضفهم وأطعمهم إلا الفاسق " ففي الثاني لا بد من أن
يرجع إلى عقد الوضع فيرجع إلى الأول أولا وإلى ما بعده ثانيا وبالتبع وأما في الأول فحيث أن عقد
الوضع مذكور في الجملة الأخيرة فقد أخذ الاستثناء محله وغيره محتاج إلى دليل مفقود هنا ويندفع
بأنه خلط بين أداة الاستثناء والوصفية والاستثنائية فان الأولى حيث أنها وصفية والضمير المتصل
غير قابل التوصيف فلا بد من وجوعها إلى المذكور في صدر الكلام مع أن الكلام في الاستثنائية
الراجع إلى المفهوم التركيبي الافرادي وأما ما ذكر في الأول فمصادرة وغايته أن الأخيرة متيقنة وأن
غيرها يحتاج إلى دليل (منه ره).
657

إذا كانت موضوعة للاخراجات الخاصة فلا محالة يتعدد الأخراج بتعدد أحد
الطرفين بداهة كونه أمرا نسبيا يتعدد بتعدد الطرف فلولا لحاظ الواحدة في
الجمل المتعددة أو في المستثنيات المتعددة لم يكن الاخراج واحدا وشمولها
حينئذ للمتعدد بما هو متعدد موجب للاستعمال في أزيد من معنى واحد ولا
جامع مفهوم بناء على خصوصية الموضوع له، وأما صحة اخراج المتعدد فلا
تجدي إذ الخارج إن كان متعددا بالذات وواحدا مفهوما كما إذا قال " إلا
النحويين " مثلا فلا إشكال لأن الخارج بما هو ملحوظ من حيث الخروج واحد، و
إن كان متعددا مفهوما فلا محالة لا يصح إلا بالعطف وهو في حكم تعدد أداة
الاستثناء.
قوله: والسر أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم الخ: التنافي
بالذات أنما هو بين مدلولي الدليلين إلا أنه حيث لا عبرة بالمدلول بما هو مدلول
إلا بلحاظ دليل اعتبارهما فلذا يجب ملاحظة دليل اعتبارهما. ومنه ظهر أنه لا
وجه لتخصيصه بخصوص الخبر فتدبر.
" في تخصيص الكتاب بالآحاد "
قوله: مع قولة احتمال أن يكون المراد الخ: هذا لو صح فإنما يصح في
مثل قولهم - ع - " لا نقول ما يخالف قول ربنا (1) لا في مثل قولهم - ع - " لا تقبلوا
علينا ما يخالف قول ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وما أمر فيه بضرب
المخالف على الجدار (2) " وأشباه ذلك فإنه لا يمكن الأمر بعدم قبول المخالف

1 -
2 -
658

ثبوتا لا إثباتا أو طرحه على الجدار بل ظاهر قولهم عليهم السلام " ما خالف قول
ربنا لم أقله (1) و " ما خالف كتاب الله فهو زخرف وباطل (2) " صدور المخالف ولا
يكون إلا المخالف في مقام الاثبات فالأوجه مع صدق المخالفة على المتنافيين
من حيث العموم والخصوص للقطع بصدورها وإباء هذه الأخبار عن التخصيص
خصوصا فيما ورد في الخبرين المتعارضين من الترجيح بموافقة الكتاب فان
معارضة الخبرين بنحو العموم والخصوص ليس من المخالفة الموجبة لتحير
السائل الموجب للسؤال عن العلاج.
" في الدوران بين النسخ والتخصيص "
قوله: فيما إذا كان العام واردا الخ: ولم يكن كاشفا عن اقتران العام
بالخاص وإلا لم يكن من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة.
نعم اقتران جميع العمومات بالقرائن الدالة على إرادة الخصوصيات بعيد.
قوله: وإلا لكان الخاص أيضا مخصصا له الخ: إذ الحكم العمومي هو
المراد الجدي لمصلحة اقتضته ولا دلالة للعام على كون مضمونه مرادا جديا
منبعثا عن المصالح الواقعية الأولية، فما عن شيخنا العلامة الأنصاري في بعض
تحريراته (3) من كون مقتضى الأصل المؤسس في باب الألفاظ كون المضمون
مرادا جديا لا يجدي في حمل المضمون على كونه حكما واقعيا إذ المسلم كونه
مرادا جديا لا كونه منبعثا عن المصالح الأولية ولا يكون بلحاظ انتهاء أحد الحكم
الفعلي بوروده ناسخا فان ارتفاع موضوع (4) الحكم الظاهري لا يكون من باب

1 - الوسائل ج 18 ص 79 الحديث 15.
2 - الوسائل ج 18 ص 79 الحديث 14.
3 -
4 - وذلك لأن انتهاء أمد المصلحة بوصول الخاص وإن كان يشبه النسخ فيتوهم كونه ناسخا
حيث لا فرق بين أنحاء المصالح وأطوار أمدها وانتهائها إلا أن الفرق بين ما نحن فيه وغيره هو أن
الناسخ كاشف عن انتهاء أمد المصلحة في المنسوخ والخاص هنا بوصوله موجب الانتهاء أمدها لا
كاشف عن انتهاء أمدها واقعا ولذا لا يكون قيام الدليل الاجتهادي على خلاف الأصل العملي ناسخا
للحكم الظاهري وما نحن فيه من حيث فرض امتداد مصلحة الثانوية العرضية إلى وصول الخاص
ويشبه الحكم الظاهري لا من حيث ترتبه على المشكوك بما هو مشكوك ليكون قاعدة مضروبة للثالث.
ثم إنه ربما يدعى أن دوران الأمر بين النسخ والتخصيص وتعين الثاني عند وروده قبل حضور وقت
العمل مترتب على عدم تعقل النسخ قبل حضور وقت العمل وهو مبنى على الخلط بين مفاد القضية
الحقيقية وخارجية فان القضية الحقيقية لا يشترط في صحة جعلها وجود موضوعها في الخارج فلا
معنى لورود الخاص قبل حضور وقت العمل أو بعده.
والجواب أن القضية الحقيقية وإن لم يكن منوطة بوجود موضوعها خارجا لكنها حيث كانت
متكفلة لانشاء الحكم بداعي جعل الداعي فلا محال يتقرب منه الدعوة عند وجود موضوعه وما كان
بهذا الداعي يستحيل منه جعل آخر ولو بنحو القضية الحقيقية بحيث يكون مقتضاه عدم فعلية الحكم
سواء كان العمل موقتا بوقت مخصوص كصوم شهر رمضان، أو كان وقته حين فعلية موضوعة
باستجماعه لشرايط فعلية الحكم فلا مانع من كون الناسخ والمنسوخ متقارنين زمانا في مقام جعلهما
بنحو القضية الحقيقية وإنما الممنوع كون الناسخ بمضمونه مقتضيا لرفع الحكم في وقته المتمرد له، أو
عند فعلية موضوعه.
ثم إن الوجه عند دوران الأمر بين التخصيص والنسخ هو الأول لأن ظاهر الخاص مثل قوله " لا تكرم
العالم الفاسق " هو حرمة اكرام العالم الفاسق في الشرع وأنه حكم إلهي في شريعة الاسلام لا أن مدلوله
أنه حكم شرعي من هذا الحين وإن كان فعلية من الحين وحيث أنه أظهر " من أكرم العلماء " فلذا يقدم
عليه ويخصصه، وأما تقديمه عليه إما من جهة عدم جريان أصالة عدم النسخ في نفسه فيبقى أصالة
العموم وحدها فيخصصها الخاص وإما من جهة حكومة أصالة العموم على أصالة عدم النسخ ففيه بحث
إما عدم جريان أصالة عدم النسخ في نفسه فلان العام له ظهور في شمول الحكم لا فراده فقط وليس
استمراره قيدا له ملحوظا بلحاظه لأنه متأخر عن ثبوت الحكم لموضوعه فكيف يعقل أن يؤخذ قيدا
للثابت لموضوعه. وفيه أن شمول الحكم في القضية الحقيقية الكلية لجميع الأفراد المحققة الوجود
والمقدرة الموجود كاف في ثبوت الحكم في الأزمنة المتأخرة لأن من جملة الافراد المقدرة لوجود
في الأزمنة المتأخرة فنفس ثبوت الحكم لجميع الافراد المقدرة الوجود كاف لبقاء الحكم في الأزمنة
المتأخرة من دون حاجة إلى أصل لفظا اخر.
وأما بالإضافة إلى الافراد التي يمر عليها الزمان المتقدم والمتأخر فشمول الحكم لها وإن كان لا
يجدى في بقائه إلى الزمان المتأخر إلا أن الملاحظة الأفراد مطلقه غير مقيدة بما هي في الزمان الخاص
وترتيب الحكم عليها يوجب سريان الحكم إلى الافراد في جميع أطوارها، ومنه تبين صحة كون أصالة
عدم النسخ أصلا لفظيا مدلولا عليه بنفس الدليل المتكفل لحكم الأفراد.
وأما حكومة أصالة العموم على أصالة عدم النسخ فتقريبه أن الشك في ناسخية الخاص
ومخصصيته ناش عن الشك في تقيد موضوع وجوب الاكرام مثلا بغير الفاسق ومع أصالة الاطلاق في
العام والحكم بعدم تقييده يرتفع الشك المزبور، ولا يجرى الأصل المذكور، وفيه إما على فرض
الناسخية بالإضافة إلى الافراد المقدرة في الأزمنة المتأخرة فقد عرفت أن مجرد أصالة العموم كاف في
شمول الحكم لها فلا اثنينية حتى يتصور هناك حاكم ومحكوم، وإما بالإضافة إلى الافراد التي يمر عليها
الزمانان فقد عرفت أن مرجع أصالة عدم النسخ إلى إطلاق الموضوع من حيث الزمان الذي يمر عليه
وهذا غير إطلاقه من حيث تقيده بغير الفاسق فهنا إطلاقان وفى قبالهما ما هو صالح لتقييد كل من
الاطلاقين على السوية فلا بد من مخصص ومرجح لتعين التقييد لأحدهما بالخصوص. لا يقال تقييد
الاطلاق من حيث الفسق يوجب خروج الفاسق من الأول فلا يبقى مجال لأصالة عدم النسخ في مورد
الخاص لأنا نقول عدم شمول الحاكم للفاسق من الأول لا يوجب مخالفة الظهور من حيث الاستقرار بل
عدم الاستمرار بعدم موضوعه فظهوره الاطلاقي في استمرار الحكم الثابت للموضوع محفوظ فتقييد
كل واحد من الاطلاقين يلازم سلامة الآخر وانحفاظه في نفسه فلا بد من معين فتدبر تمت بعون الله
تعالى شأنه العزيز.
659

النسخ وأما حمل العبارة على عدم كونه بيانا للحكم الواقعي بل لانشائه واظهاره
ضربا للقاعدة فيكون المخصص مبنيا للمراد الجدي منه فلا نسخ حيث لا حكم
حقيقة بالإضافة إلى تمام أفراد العام فقد عرفت ما في هذا المبنى سابقا فراجع.
661

" في النسخ "
قوله: فلا باس به مطلقا: ولو كان قبل حضور وقت العمل تارة من حيث أن
الفعل في زمانه إن كان ذا مصلحة فلماذا نهى عنه، وإن كان ذا مفسدة فلماذا أمر
به وهذا يمكن دفعه بعدم لزوم المصلحة في الفعل بل المصلحة في التكليف، و
لا مانع من أن يكون البعث في زمان ذا مصلحة والزجر في زمان آخر ذا مصلحة
بل يمكن القول بأن الفعل مطلقا ذا مصلحة إلا أنه في البعث إليه مصلحة في زمان
دون زمان، وأخرى من حيث أن البعث لجعل الداعي في ظرف العمل وجعله
مع رفعه من الملتفت محال، ولو مع اختلاف زمان البعث والزجر والمتداول في
كتب الأصول وإن كان الأول إلا أن المهم هو الثاني، ولا محالة يجب الالتزام
بعدم كون البعث بعثا حقيقيا بل إنشائي بغير داعي جعل الداعي من سائر
الدواعي ومنه يعلم أن النسخ قبل حضور وقت العمل لا رفع ولا دفع حيث لا
بعث حقيقة ولا إرادة، ولو في زمان ما.
قوله: بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى الخ: قد أسمعناك في
مبحث الطلب والإرادة أنه لا أثر للإرادة التشريعية في صفاته التي عين ذاته فلا
مجرى لاشكال البداء بذلك المعنى، وأما إرادة البعث والزجر فلا تستلزم تغير
الإرادة التعدد المراد، وليس كإرادة الفعل في زمان وإرادة خلافه في ذاك الزمان
وليعلم أن الأشياء الخارجية كما هي من مراتب علمه تعالى بالعرض كك من
مراتب إرادته الفعلية فهي إرادة ومرادة، وتغير الإرادة بهذا المعنى دائمي في
الأمور التدريجية كتغير العلم بهذا المعنى وأما إرادته الذاتية كعلمه الذاتي فتغير
المرادات كتغير المعلومات لا يوجب تغيرهما إذ المعلوم بالذات والمراد
بالذات في مرتبة ذاته نفس ذاته تعالى وغيره معلوم، ومراد بالتبع فالعلم واحد و
الإرادة واحدة وإن تعدد المعلوم والمراد بالعرض فتعددهما وتغيرهما لا
يوجب التعدد والتغير في العلم والإرادة فليس لازم البداء تغير العلم والإرادة
662

بملاحظة أن حقيقة ظهور ما خفي أولا بل العلم والإرادة فيه تعالى حيث أنهما
واحد فلازمه كون موت زيد مثلا معلوما ومجهولا ومرادا وغير مراد لا تغير العلم
والإرادة فافهم فإنه دقيق.
قوله: بعالم لوح المحو والاثبات الخ: وهو عالم مثال الكل ومنزلته من
عالم اللوح المحفوظ منزلة لخيال من القوة العقلية، وفيه صور ما في عالم اللوح
المحفوظ بنحو الجزئية كما أن في عالم اللوح المحفوظ الذي هو عالم النفس
الكلية صور دقايق المعاني بنحو العقلية التفصيلية كما أن ما فوقه عالم العقل
الكلي وفيه صور عقلية إجمالية فهذا عالم الجمع العقلي، وما تقدم عالم الفرق
العقلي وما تقدمه عالم المثال الجزئي ولبرائة عالم النفس الكلية عن شوب
الجزئية والتجدد والتصرم سمي عالم اللوح المحفوظ ولشوب عالم المثال
بالتجدد والانصرام سمي عالم لوح المحو والاثبات، وحيث أن عالم الطبيعة
مظهر عالم المثال وظله فإذا اتصل نفس من النفوس القدسية بعالم المثال فوجد
ما يقتضي موت زيد حال اتصال نفسه به فلذا يخبر بأنه يموت مع عدم اطلاعه
على ثبوت ما يقتضي الحياة فيما بعد لكونه تدريجيا تجدديا بخلاف ما إذا اتصل
بعالم اللوح المحفوظ فان ذلك العالم عالم الصور العقلية ولا تجدد ولا تدرج في
العوالم العقلية فإنها عين الفعلية فلا محالة يطلع على نفس ما هو الواقع لا ما
يقتضى الوقوع مع امكان المانع فهذه نبذة من الفرق بين العوالم والله العالم.
قوله: كما ربما يتفق لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله الخ: كيف و
هو ص في قوس الصعود متصل بعالم العقلي الكلي، ومقامه مقام العقل الأول و
هو فوق عالم النفس الكلية عالم اللوح المحفوظ وإن كانت العبارة تشعر بأن عالم
اللوح المحفوظ غاية ارتفاعه وصعوده في سيره الاستكمالي، وتمام الكلام في
محله فراجع.
قوله: وإنما نسب إليه تعالى البداء الخ: بعد ما عرفت أن الأشياء
الخارجية بجبروتها وملكوتها وناسوتها من مراتب علمه تعالى بالعرض حيث أن
663

العلم هو الحضور ولا حضور أقوى من حضور المعلول للعلة، يمكن أن يقال أن
المقتضي لموت زيد حيث وجد في الخارج في عالم من العوالم فقد وجد
المقتضي بوجود مقتضيه ثبوتا مناسبا له لا ثبوتا مناسبا لنفسه، وهذا هو العلم و
المعلوم أولا ثم وجدت علة الحياة ومنعت عن مقتضي الموت فوجدت الحياة
فالحياة علم ومعلوم ثانيا على خلاف الأول فبدا وظهر في مرتبة من مراتب
علمه تعالى ما ظهر خلافه أولا بحسب هذه المرتبة وهذا وجه دقيق لا يعرفه إلا
أهل التحقيق فافهم أو ذره لأهله فكل موفق لما خلق له.
قوله: فيما إذا دار بينهما في المخصص الخ: غرضه - ره - أن احتمال
الناسخية والمخصصية تارة في شئ واحد وهو ذات المخصص، وأخرى في
العام والخاص فيدور الأمر بين ناسخية العام للخاص المتقدم ومخصصية
الخاص للعام المتأخر إلا أن الفرق المذكور في الأول مبني على استعمال العام
في الخصوص بناء على التخصيص، وإلا فالحكم العمومي ثابت للخاص إلى
زمان ورود دليله كما أشار إليه في بعض الحواشي المتقدمة آنفا على هذا البحث
فراجع.
قوله: ولا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة
الخ: اعلم أن كل ماهية من الماهيات إذا لوحظت وكان النظر مقصورا عليها
بذاتها وذاتياتها من دون نظر إلى الخارج عن ذاتها فهي الماهية المهملة التي
ليست من حيث هي إلا هي وإذا نظر إلى الخارج عن ذاتها فهي هذه الملاحظة لا
يخلو حال الماهية عن إحداث أمور ثلاثة:
أحدها: أن تلاحظ بالإضافة إلى الخارج عن ذاتها مقترنة به بنحو من الأنحاء و
هي الماهية بشرط شئ
وثانيها: أن تلاحظ بالإضافة إليه مقترنة بعدمه وهي الماهية بشرط لا.
وثالثها: أن تلاحظ بالإضافة إليه لا مقترنة به، ولا مقترنة بعدمه وهي الماهية
لا بشرط وحيث أن الماهية يمكن اعتبار أحد هذه الاعتبارات والقيود معها بلا
664

تعين لأحدها فهي أيضا لا بشرط من حيث قيد البشرط شئ وقيد البشرط لا و
قيد اللا بشرط فاللا بشرط حتى عن قيد اللا بشرطية هو اللا بشرط المقسمي، و
اللا بشرط بالنسبة إلى القيود التي يمكن اعتبار اقترانها، وعدم اقترانها هو اللا
بشرط القسمي، ومن هذا البيان ظهر أن المعنى الذي لوحظ بالنسبة إلى القيد
الخارج عن ذاته لا بشرط هو اللا بشرط المقسمي دون المقسمي، وأن اللا بشرط
المقسمي هو اللا بشرط من حيث اعتبار اللا بشرطية واعتبار البشرط لائية، و
اعتبار البشرط شئ لا اللا بشرط من كل حيثية وأيضا اللا بشرط المقسمي على
التحقيق ليس هو المعبر عنه في التعبيرات بالماهية من حيث هي إذ الماهية من
حيث هي هي الماهية الملحوظة بذاتها بلا نظر إلى الخارجي عنها، واللا بشرط
المقسمي هي الماهية اللا بشرط من حيث الاعتبارات الثلاثة لا من حيث كل قيد
فضلا عن ذات الماهية التي كان النظر مقصورا عليها بلا نظر إلى الخارج عن ذاتها
هذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه في الماهية، واعتباراتها، وإن اشتبه الأمر فيها
على غير واحد حتى أهل الفن.
ومما ذكرنا ظهر أن مفاهيم الألفاظ نفس معانيها من دون اعتبار أمر زائد على
ذواتها أصلا لا البشرط المقسمي، ولا القسمي لزيادة اعتبار في الأخير لتسرية
الوضع إلى المعنى بجميع أطواره لا اخذه في الموضوع له ولا بشرطية الأول من
حيث الاعتبارات الثلاثة لا من حيث ذوات القيود الخارجية الطارية مع أن لا
تعين لها إلا التعينات الثلاث فتدبر.
" في المطلق والمقيد "
قوله: وكذا المفهوم اللا بشرط القسمي فإنه كلي عقلي الخ: كون اللا
بشرط القسمي موطنه الذهن واضح إذ الماهية بحسب الخارج إما توجد مقترنة
بالكتابة، أو مقترنة بعدمها فعدم اعتبار الكتابة وعدمها إذا اعتبر في الماهية كانت
665

الماهية مقيدة بهذا الاعتبار الذي لا وعاء له إلا الذهن ذهنية إلا أن توصيفها
بالكلي العقلي مسامحة وقعت منه قده، ومن غيره أيضا إذ الكلي العقلي في قبال
الكلي
الطبيعي والمنطقي لا مطلق الأمر الذهني، كيف وذهنيتها ملاك جزئيتها وهو
واضح.
وأما ما في كلام غير واحد من أن الفرق بين اللا بشرط المقسمي والقسمي
بمجرد الاعتبار فهو مبني على مرادفة اللا بشرط المقسمي مع الماهية من حيث
هي فإنه لا يزيد القسمي على الماهية إلا بمجرد الاعتبار وكأنهم لاحظوا في ذلك
لا بشرطية الماهية ذاتا لا لا بشرطيتها اعتبارا، وقد عرفت أن المراد باللا بشرط
المقسمي هو اللا بشرط من حيث خصوص اعتبارات الماهية من البشرط شيئية
والبشرط اللائية، واللا بشرطية إذ بمجرد النظر إلى الخارج عن ذات الماهية
خرجت الماهية عن لحاظها من حيث هي، وعن مرتبة تفردها الماهوي وباعتبار
عدم تقيدها بخصوص أحد الاعتبارات الثلاثة كانت لا بشرط بالإضافة إلى جميع
تلك الاعتبارات فتكون مقسما لها بجميع اعتباراتها.
والتحقيق الذي ينبغي ويليق كما عليه أهله هو أن الماهية بلا نظر إلا إلى ذاتها
وذاتياتها ماهية من حيث هي فهي في هذه الملاحظة غير واجدة إلا لذاتها و
ذاتياتها والألفاظ وإن كانت موضوعة لنفس المعنى الذي هو غير واجد إلا لذاته
وذاتياته إلا أنه بهذه الملاحظة التي هو عين عدم لحاظ شئ معه لا يحكم به، و
لا عليه إلا في الحدود وأما فيما إذا حكم عليها بأمر خارج عن ذاته فلا محالة
يخرج عن حد الماهية من حيث هي أعني مرتبة التقرر الماهوي فيكون المحكوم
عليه الماهية بأحد الاعتبارات الثلاثة، ومقسمها وهي الماهية المقيسة إلى
الخارج عن ذاتها بلا اعتبار فلا تحقق لها إلا تحقق المتعين بأحد الاعتبارات ولا
يحكم عليها بالحمل المتعارف إلا متعينة بأحدها وإلا فالماهية من حيث قبولها
لأحد تلك الاعتبارات لا حكم لها إلا بنحو العلمية فالموضوع في الحمل
666

المتعارف الماهية بأحد الاعتبارات وكما أن المتقيد به الماهية في الماهية بشرط
شئ وبشرط لا نفس المعنى المعتبر لا بما هو معتبر، ولا اعتباره وإلا كانت
الماهية مطلقا ذهنية كك اللا بشرط القسمي فان قيد الماهية هو عدم لحاظ
الكتابة وعدمها لا لحاظ عدم اللحاظ فهذه الاعتبارات مصححة لموضوعية
الموضوع على الوجه المطلوب لا أنها مأخوذة فيه كما نظيره في مبحث المشتق
من أن اعتبار الاجمال والتفصيل اعتبار مصحح للحمل لا أنه مأخوذ في
المحمول، وبالجملة المحمول على الماهية إما أن يكون ذاتها وذاتياتها فحينئذ
لا مجال للاطلاق والتقييد إذ الشئ لا ينسلخ عن نفسه بعروض العوارض و
عدمه حتى يجب لحاظها مقيدة به أو بعدمه أو مطلقه، وإما أن يكون أمرا آخر
غير ذاتها وذاتياتها فيمكن إن ترتب عليها باعتبار وجود شئ أو عدمه وحيث
لا إهمال في الواقعة فيستحيل الحكم عليها جدا بلا تعين لها بأحد التعينات
الثلاث.
وما يقال أن المهملة في قوة الجزئية فالمراد منه المهملة في مقام الاثبات لا
في مقام الثبوت، ومن المحمولات الواردة على المعنى كونه موضوعا له فلا بد
من أن يلاحظ بنحو من أنحاء التعين إلا أن التعين الاطلاقي اللا بشرطي القسمي
لتسرية الوضع إلى المعنى بجميع أطواره لا لاعتباره في الموضوع له فلا منافاة
بين كون الماهية في مرحلة الوضع ملحوظة بنحو اللا بشرط القسمي، وكون ذات
المعنى موضوعا له كما أنه كك في قوله " أعتق رقبة " فان الرقبة وإن لوحظت
مرسلة مطلقة لتسرية الحكم إلى جميع أفراد موضوعة إلا أن ذات المحكوم
بالوجوب عتق طبيعة الرقبة لا عتق أية رقبة كك الموضوع له نفس المعنى لا
المعنى المطلق بما هو مطلق وإن وجب لحاظه مطلقا تسرية للوضع، ولأجل
ذلك يصح جعل اللفظ بمعناه موضوعا للحكم حتى في الحمل الذاتي الذي
يكون النظر فيه إلى المعنى من دون إطلاق وتقييد فان إطلاقه في حال صيرورته
موضوعا له لا دخل لاطلاقه في مرحلة الحكم عليه بالمحمول الذاتي أو الخارج
667

عن ذاته، ومما ذكرنا نعرف ما في المتن بل ما في غيره حتى بعض كلمات بعض
أهل فن الحكمة والله ولي الرشد والعصمة.
" علم الجنس "
قوله: بما هي متعينة بالتعيين الذهني الخ: بناء على التعين الذهني وإن
كان يرد عليه ما أورده قده إلا أن في الفصول تبعا السيد الشريف إرادة التعين
الجنسي، بيانه أن كل معنى طبيعي فهو بنفسه متعين وممتاز عن غيره، وهذا
وصف ذاتي له فاللفظ ربما يوضع لذات المتعين والممتاز كالأسد، وأخرى
للمتعين والممتاز بما هو كك كأسامة.
لا يقال: صفة الامتياز أمر اعتباري لا يتقيد به المعنى إلا بالاعتبار والمعنى
المتقيد بمثله لا وعاء له إلا الذهن.
لأنا نقول: صفة الامتياز وإن كانت اعتبارية وليس لها ما بحذاء في الخارج إلا
أن الموضوع له ذات المعنى المتقيد بنفس المعتبر واعتباره في استعماله و
الحكم عليه مصحح للاستعمال والحكم عليه لا مقوم للموضوع حتى يكون أمرا
ذهنيا وإلا فجميع المعاني حتى ما له مطابق في الخارج لا رابط لبعضها ببعض
في حد مقوميتها إلا الاعتبار واللحاظ بداهة أن المفاهيم مثار الكثرة والمغايرة و
لا يعقل أن يكون مفهوم بما هو مفهوم جهة جامعة لمفاهيم متبائنة فتدبره فإنه
دقيق.
" المعرف باللام "
قوله: وأنت خبير بأنه لا تعين في تعريف الجنس الخ: إلا أن يراد
التعين الجنسي المتقدم آنفا وتحقيق المقام أن اللام أداة التعريف والتعيين
668

بمعنى أنها وضعت للدلالة على أن مدخولها واقع موقع التعيين إما جنسا أو
استغراقا أو عهدا بأقسامه ذكرا وخارجا وذهنا على حد سائر الأدوات
الموضوعة لربط خاص كحرف الابتداء الموضوعة لربط مدخوله بما قبله ربط
المبتدء به بالمبتدء من عنده وهكذا، والمراد من الإشارة إلى مدخوله كون
المدخول واقعا موقع التعين والمعروفية بنحو من الأنحاء المتقدمة لا كون
المدخول مشارا إليه ذهنا بمعنى كونه ملحوظا بما هو ملحوظ.
" النكرة "
قوله: ولا اشكال في أن المفهوم منها في الأول الخ: الظاهر عدم
الفرق بين النكرة الواقعة في حيز الاخبار عنها أو البعث إليها إذ بعد ما عرفت في
مبحث الواجب التخييري وغيره أن الفرد المردد غير معقول بالبرهان المذكور
هناك والموضوع له لا يتفاوت بين ما وقع في حيز الطلب وغيره، نقول إن
الطبيعة قد تلاحظ بنفسها فهو الكلي وقد تلاحظ بقيد يوجب تشخصها وعدم
صدقها على كثيرين فهو الجزئي وقد تلاحظ بقيد يضيق دائرة الطبيعي ولا
تشخصه فهي الحصة والنكرة من الثالث فان طبيعة الرجل ملحوظة فيها بنحو
عدم التعين والتقيد بما يعينه بعد ما كانت في ذاتها لا متعينة بقيد ولا غير متعينة
به والمراد به من عدم التعين هو عدم التعين بقيد في مرحلة الاسناد إخبارا أو
إنشاء فالرجل في " جائني رجل " وإن كان معينا في الواقع إلا أنه غير معين في
مرحلة الاسناد فيكون كالرجل في " جئني برجل " من حيث عدم التعين في
مرحلة الطلب.
ومما ذكر يظهر أن النكرة غير مقيدة بالوحدة مفهوما كما هو صريح عبارته
قده فيما بعد بل هي الطبيعة الغير المتعينة بمعين بالحمل الشايع لا هذا المعنى
بالحمل الأولى.
669

قوله: وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا الخ وربما يتوهم أنه لا يعقل
التجوز لأن المطلق عين المقيد فان القيود من أطواره وشئونه ولا يخفى أن هذا
شأن الوجود وحقه لا الماهية فان ما به الامتياز في حقيقة الوجود عين ما به
الاشتراك كما برهن عليه في محله فمراتب الوجود الحقيقي ليست عين الحقيقة
المطلقة إلا أن الحقيقة المطلقة غير المراتب، وهذا بخلاف الماهية فان
الماهيات متبائنات وكل ماهية بنفسها تسلب عن غيرها بالحمل الذاتي، ولا
اتحاد لماهية مع ماهية إلا في الوجود الخارجي ونحن نقول بموجبه إلا أن
المنافي للتجوز هي العينية أو لا اتحاد مفهوما لا الاتحاد وجودا فتدبر جيدا.
قوله: فان الغرض أنه بصدد بيان تمامه وقد بينه الخ: فان الواجب
على المولى إذا كان بصدد بيان موضوع حكمه حقيقة هو بيان ذات موضوع
حكمه بتمامه وما هو بالحمل الشايع تمامه لا بيان أنه تمام موضوع حكمه و
كونه قدرا متيقنا في مقام المحاورة يوجب إحراز تمام الموضوع وإن لم يحرز أنه
تمامه فالقيد ليس له نفي الخصوصية الزائدة المحتملة لعدم لزوم الأخلال
بالغرض لو كان المبين في مقام التخاطب تمام موضوع حكمه، وفائدة تبين ذات
التمام وجوب الاقتصار عليه، وعدم التعدي عنه لعدم الموجب حيث لا اطلاق
بل يمكن القول بعدم إرادة المطلق إذ مع علم المولى بتيقن الخاص المانع عن
الاطلاق لو أراد المطلق وجب عليه نصب القرينة المانعة عن كون المتيقن تمام
موضوع حكمه وإلا لأخل بغرضه، ومنه يعلم الدليل على أنه تمام موضوع
حكمه أيضا، والفرق بين القدر المتيقن في مرحلة المحاورة والتقييد أن الأول
شئ لا مجال معه للاطلاق مع بقاء احتمال مرادية الباقي على حاله بخلاف
الثاني فإنه يضيق دائرة المراد، وبيان لكون الباقي غير مراد نعم تشخيص
الموضوع مشكل.
قوله: ولو لم يكن عن جد بل قاعدة الخ: قد مر مرارا أن مجرد الإرادة
الاستعمالية غير مجدية فلا بد أن يراد من الجد كون المطلق مرادا واقعيا أي
670

منبعثا عن المصالح الواقعية الأولية وإن كان يظهر هنا من المقابلة بين البيانين ما
يقوى ورود الايراد ضرورة أن تأخير بيان ما يحتاج إليه فعلا سواء كان حكما
منبعثا عن المصلحة الواقعية أو الظاهرية عن وقت الحاجة إليه قبيح فتدبر.
وربما يجاب عن إشكال الظفر بالمقيد بأن انثلام الكشف عن كونه في مقام
البيان من جهة لا يوجب انثلامه من جهات آخر إلا أنه يجدي في الجهات
العرضية لا الطولية إلا بالتدقيق.
قوله: وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورة الخ: فيكون حال
المقدمة كالثانية فكما أن بناء العرف على عدم التقييد لو لم يكن في الكلام قيد
كك على كونه واردا مورد البيان ما لم يتبين أنه بداع آخر.
لا يقال: لعل الأول لأصالة عدم المانع مع إحراز المقتضي.
لأنا نقول: عدم القرينة هنا جزء المقتضي للاطلاق وليس كالقرينة المانعة
عن الظهور في غير المطلق.
قوله: وأورد عليه بأن التقييد ليس تصرفا الخ: لا يخفى عليك أن ما
أفيد في الايراد من تخيل وروده مقام البيان مستدرك إذ الذي يختل بالظفر
بالمقيد هو عدم بيان المقيد لا ورود الكلام مورد البيان دون الاجمال والاهمال
فالوجه في تقريبه.
أن يقال إن المقيد إما أن يكون واردا قبل الحاجة أو بعدها فان كان قبلها فلا
ريب في كونه بيانا للقيد بنفسه إذ البيان اللازم هو الأعم من البيان حال إلقاء
الكلام أو بعده إلى زمان انفاذ المرام.
نعم لو فرض قيام المولى بصدد بيان تمام مرامه بشخص كلامه كان اللازم هو
البيان في شخص المقام إلا أنه من باب لزوم ما لا يلزم وإن كان بعدها فالمقيد و
إن لم يصلح أن يكون بيانا بنفسه إذ اللازم هو البيان في مقام البيان ولو بالمعني
الأعم لا البيان إلى الأبد إلا أنه يصلح لأن يكون كاشفا عن اقتران المطلوب ببيان
القيد، ومع وجود ما يصلح للكشف عنه لا معنى للقطع بعدم بيان القيد كما لا
671

وجه لدعوى بناء العقلاء على عدمه حتى مع وجود ما يمكن أن يكون كاشفا عنه
فالأمر دائر بين ورود المطلق مورد الاطلاق قاعدة وقانونا، ووروده مقترنا بالقيد
ولا معين لأحدهما فلا إطلاق لما عرفت مرارا أن عدم القيد جزء مقتضي
الاطلاق لا أنه مانع كالقرينة المنفصلة عن الظهور المستقر هذه غاية تقريب
الايراد.
ويندفع بأن وجود القيد واقعا في مقام البيان لا يمنع من انعقاد ظهور المطلق
في الاطلاق والمقيد لا يعقل أن يكون بيانا للقيد حيث أنه ليس في مقام البيان و
صلاحيته للكشف ليست إلا بمعنى سببية المقيد لاحتمال وجود القيد في مقام
البيان ولا فرق في بناء العقلاء على عدمه بين أسباب احتمال وجوده.
قوله: سبق في مقام الاهمال على خلاف الخ: هذا إذا كان المقيد واردا
قبل الحاجة وإلا فلا يعقل حمله على الاهمال بل إما على الاطلاق قاعدة أو
على إرادة المقيد حقيقة ولعله قده أشار إليه بقوله فافهم.
قوله: ولعل وجه التقيد كون الخ: هذا إذا كان الحكم ثابتا للمطلق حقيقة
إلى زمان ورود المقيد فإنه لا حكم قبله إلا حكم المطلق كما لا حكم بعده إلا
حكم المقيد فلا ينافي وحدة التكليف المبني عليها التقييد، وأما لو لم يكن كك
فلا محالة يجب التصرف في أحد الحكمين دائما إما بحمل اتحاد المقيد على
الارشاد لبيان أفضل الافراد بداهة عدم إمكان التحفظ على وجوبه حقيقة و
وجوب المطلق حقيقة كما لا يعقل تعلق البعث الجدي بنفس الرقبة حيث أنها
جزء المطلوب فان تعلق وجوبين بالمقيد تارة به بما هو، وأخرى بذات المقيد
من حيث أنه جزء المطلوب كك يستلزم تعلق بعثين بالواحد وهو محال و
الوجوب التخييري شرعا بين كلي وفرده غير معقول فلا بد عن التحفظ على
وجوب المطلق تعيينا كما هو ظاهره، وحمل التكليف المتعلق بالمقيد على
الارشاد إلى أفضل الأفراد، وإما يحمل وجوب المقيد على الوجوب التعييني و
حمل التكليف المتعلق بالمطلق على الانشاء بداع التشريع أو غيره من الدواعي
672

لاستحالة البعثين كما هو المفروض من أن المأمور به واحد وهو أما المطلق، أو
المقيد.
قوله: بحسب مراتب المحبوبية الخ: ولعل الوجه فيه بعد اشتراك
الواجب والمستحب في وحدة الوجوب والاستحباب، وعدم إمكان إبقاء
الوجوبين كالندبين على حالهما إن صرف الوجوبين إلى الوجوب الملاكي فيكون
ما فيه الملاك واجبا فعليا بوجوب أشد يلازم الحمل على التقييد بخلاف صرف
الاستحبابين إلى الاستحباب الملاكي لأن معناه كفاية المطلق حيث أن فيه ملاك
الاستحباب وليس كالواجب حتى لا يكون له بد من المقيد لما فيه من الملاك
الذي يعاقب على ترك استيفائه، مضافا إلى كثرة الاستحباب الملاكي في الشرع
كما في المستحبات المتزاحمة الشاغلة لليوم والليلة بخلاف الواجب فان
الملاكي منه في غاية القلة.
قوله: بعد فرض كونها متنافيين الخ: من حيث وحدة التكليف المتعلق
إما بالمطلق أو بالمقيد وإما لو لم يعلم الاتحاد الموجب للتنافي من هذه الحيثية
مع التنافي من حيث اجتماع الوجوبين أو التحريمين في المقيد كما أشرنا إليه آنفا
فبين المثبتين والمنفيين فرق وهو احتمال إرادة فرد آخر في المثبت دون المنفي
إذ الترك لا يتعدد، وكذا بينهما فرق آخر من حيث حمل الوجوب والحرمة على
المراتب فان الحمل على المراتب كالتقيد عملا في الأول دون الثاني لحصول
مصلحة المطلق في المقيد الذي لا بد من إتيانه بخلاف مفسدته فإنها لا تترك
بمجرد ترك المقيد.
قوله: من استظهار اتحاد التكليف الخ: نعم بين وجوبهما وحرمتهما و
بين عدم وجوبهما وعدم حرمتهما في استظهار الاتحاد ولزوم التصرف فرق و
هو أن وجوب المطلوب أو تحريمه لا يجتمع عقلا مع وجوب المقيد أو حرمته
فلا بد من التصرف بخلاف عدم وجوبهما أو عدم حرمتهما فإنه لا بد من
استفادته من الخارج وهو أنه في مقام نفي الوجوب أو الحرمة عن واحد، ومنه
673

ظهر حال الحكم الوضعي فان نفوذ المطلق لا ينافي نفوذ المقيد بوجه إلا
بالتقريب المزبور أو أن يقال إن أخذ المقيد ظاهر في دخله في النفوذ فيقع
التنافي ولو لم يعلم من الخارج أنه بصدد إنفاذ سبب واحد لكنه مبني على
مفهوم الوصف كما قربناه سابقا بهذا التقريب.
نعم بناء على أن عدم الحكم مجعول بمعنى التسبيب الانشائي إلى إبقاء
العدم على حاله وكذا الانفاذ إذا كان اعتباريا فجعلهما في المطلق والمقيد محال
إذ بعد ابقاء العدم في المطلق لا مجال له في المقيد وكذا الانفاذ الاعتباري.
قوله: ثم لا يخفى أنهما وصفان إضافيان الخ: كونهما اضافيين بالإضافة
إلى الاشخاص ينافي التعريف المتقدم في صدر كلامه قده فان المناط فيما تقدم
قالبية اللفظ للمعنى في متفاهم العرف وهذا له واقع محفوظ ونظر الاشخاص
طريق إليه.
نعم يمكن أن يجعل المناط المناط السابق ملاكا للاجمال الذاتي وما ذكره هنا
ملاك الاجمال العرضي، ومما ذكرنا يظهر أن الاجمال أو البيان بالمعنى الثاني لا
وعاء له إلا الوجدان بخلاف المعنى الأول فان له واقعا محفوظا مع قطع النظر
عمن أضيف إليه.
نعم بالنظر إلى العرف الذي ملاك الاجمال والبيان انفهام المعنى من اللفظ
عندهم وعائهما وجدانهم إذ لا وعاء للانفهام إلا الوجدان.
هذا آخر ما أردنا إيراده في التعليق على ما أفاده شيخنا وعمادنا وأستادنا
المحقق العلامة رفع الله في الخلد مقامه، والحمد لله أولا وآخر والصلاة على
نبيه وآله باطنا وظاهرا وقد تم بحمد الله وله المنة في الثاني عشر من شعبان سنة
1332 على يد مؤلفه الجاني محمد حسين بن محمد حسن النجفي الأصفهاني
عفى عنهما (1).

1 - قد تم بعون الله تعالى التعليق والتصحيح على هذه المتون الشريفة للأصولي البارع صاحب
نهاية الدراية في طليعة ميلاد صاحب العصر الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف،
أعني الرابعة عشر من شعبان سنة 1414.
674