الكتاب: قوانين الأصول
المؤلف: الميرزا القمي
الجزء:
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: حجرية قديمة
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

قوانين الأصول
للمحقق الفقيه ميرزا أبو القاسم القمي
المتوفى سنة 1231 -
1

ليت ابن سينا درى إذ جاء مفتخرا * باسم الرئيس بتصنيف لقانون
إن الإشارات والقانون قد جمعا * مع الشفا في مضامين القوانين
هذا كتاب قوانين الأصول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا إلى أصول الفروع وفروع الأصول وأرشدنا إلى شرائع الاحكام بمتابعة الكتاب
وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وقفا هما ببيان أهل الذكر ومعادن التنزيل الذين هم الخلفاء من آل الرسول
صلى الله عليه وعليهم صلاة كثيرة متتالية مقترنة بالكرامة متلقاة بالقبول ما دامت عقد المشكلات
منحلة بأنامل الدلائل وظلم الشبهات منجلية بأنوار العقول. أما بعد فهذه نبذة من المسائل
الأصولية وجملة من مباني المسائل الفقهية جعلتها تذكرة لنفسي وللطالبين وتبصرة لمن استرشد
في سلوك نهج الحق المبين وذخيرة مرجوة لأجل فقري وفاقتي يوم الدين حداني إلى رسمها مذاكرة جمع
من فضلاء الأصحاب ومباحثة جملة من أزكياء الأحباب وكان ذلك عند قرائتهم علي أصول كتاب معالم
الدين للفاضل المحقق المدقق الشيخ حسن بن الشيخ زين الدين حشرهما الله مع الأئمة الطاهرين صلوات
الله عليهم أجمعين فافتلذت ثمار تحقيقات عند التنزه في بساتين عوائده ووضعت هذه الوريقات
على ترتيبه وأضفت مسائل إلى مسائله وفوائد إلى فوائده ونبهت على ما في بعض إفاداته وأعرضت
عن كثير من زوايده وإذا وجدت وضع شئ منها على خلاف المعهود من مصنفات القوم فعذره الحرص
على تكثير الفايدة مع عدم اقتضاء المقام إلا لذلك فاقتصرت بأدنى مناسبة في الاقحام بجعل الزوايد
إما مقدمة لأصل أو خاتمة أو غير ذلك وربما أضفت أصلا عليه حسب ما ساعدني الوقت والمجال
وأفردت قانونا في هذه القاعدة التي لم تذكر فيه على وفق مقتضى الحال وسميته بالقوانين المحكمة
ورتبته على مقدمة وأبواب وخاتمة وهذا الكتاب مع أن مؤلفه قصير الباع وقاصر الذراع
وليس محسوبا من جملة من يرتكب هذا الشأن ويؤسس هذا البنيان وليس في مضمار الاستباق
إلا كراكب القصب أو كراجل التفت ساقه بالساق بالساق فهو من فضل الله مشتمل على ما لم يشتمل عليه
زبر السابقين ومخرج لجواهر ما اختفى من الحقائق في كنوز كلمات الفائقين فإن وجدتها بعد
2

استيفاء الفكر واستقصاء النظر حقيقا بالقبول فلله الحمد على ذلك وإلا فالملتمس منك الاصلاح
ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. أما المقدمة ففي بيان
رسم هذا العلم وموضوعه ونبذ من القواعد اللغوية. واعلم أن قولنا أصول الفقه علم لهذا العلم وله
اعتباران من جهة الإضافة ومن جهة العلمية فأما رسمه باعتبار العلمية فهو العلم بالقواعد الممهدة
لاستنباط الأحكام الشرعية فخرج بالقواعد العلم بالجزئيات وبقولنا الممهدة المنطق والعربية
وغيرهما مما يستنبط منه الاحكام ولكن لم يمهد لذلك وبالاحكام ما يستنبط منها الماهيات وغيرها
وبالشرعية العقلية وبالفرعية الأصولية وأما رسمه باعتبار الإضافة فالأصول جمع أصل وهو في اللغة
ما يبتنى عليه شئ وفي العرف يطلق على معان كثيرة منها الأربعة المتداولة في ألسنة الأصوليين وهي
الظاهر والدايل؟ والقاعدة والاستصحاب والأولى هنا إرادة اللغوي ليشتمل أدلة الفقه إجمالا و
غيرها من عوارضها ومباحث الاجتهاد والتقليد وغيرهما والفقه في اللغة الفهم وفي العرف هو العلم
بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية والمراد بالأحكام هي النسب الجزئية وبالشرعية ما من
شأنه أن يؤخذ من الشارع وإن استقل بإثبات بعضها العقل أيضا فخرج بالشرعية العقلية المحضة
التي ليس من شانها ذلك كبيان أن الكل أعظم من الجزء والنقيضان لا يجتمعان وبالفرعية ما يتعلق
بالعمل بلا واسطة فخرج بها الأصولية وهو ما لا يتعلق بالعمل بلا واسطة وإن كان لها تعلق بعيد و
ههنا إشكال مشهور بناء على تعريف الحكم الشرعي بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين مع كون
الكتاب من أدلة الاحكام وهو أيضا خطاب الله فيلزم اتحاد الدليل والمدلول واستراح الأشاعرة
عن ذلك بجعل الحكم هو الكلام النفسي والدليل هو اللفظي وفيه مع أن الكلام النفسي فاسد في أصله
ان الكتاب مثلا حينئذ كاشف عن المدعى لا أنه مثبت للدعوى فلا يكون دليلا في الاصطلاح والذي
يخالجني في حله هو جعل الاحكام عبارة عما علم ثبوته من الدين بديهة بالاجمال والأدلة عبارة عن الخطابات
المفصلة فإنا نعلم أولا بالبديهة أن لاكل الميتة وأكل الربا وغيرهما حكما من الاحكام ولكن لا نعرفه
بالتفصيل إلا من قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وحرم الربوا ونحو ذلك وهيهنا إشكال آخر وهو أن الاحكام
كما ذكرت هي النسب الجزئية فموضوعاتها خارجة وقد تكون نفس العبادة ولا ريب أن معرفة ماهية
العبادة وظيفة الفقه فلا ينعكس الحد ويمكن دفعه لالتزام الخروج لان تلك الموضوعات من جزئيات
موضوع العلم وتصور الموضوع وجزئياته من مبادئ العلم والمبادئ قد تبين في ذلك العلم وقد تبين
في غيره وتصور المضوع وأجزائه وجزئياته يحصل غالبا في أصل العلم ولا منافاة بين خروجه عن تعريف
5

العلم ودخوله في طي مسائله وقولنا عن أدلتها من متعلقات العلم لا الاحكام فخرج علم الله وعلم الملائكة
والأنبياء عليهم السلام ويمكن إخراج الضروريات أيضا عن ذلك فإنها من جملة القضايا التي قياساتها معها
ولا يسمى ذلك في العرف استدلالا لا العلم الحاصل معها علما محصلا من الدليل وإن كان تلك
الضرورة علة لتلك العلوم في نفس الامر وأما إخراج مطلق القطعيات عن الفقه كما يظهر من بعضهم
فلا وجه له إذ الاستدلال قد يفيد القطع وقبله لم يكن قطع بالحكم وخرج بالتفصيلية علم المقلد في
المسائل فإنه ناش عن دليل إجمالي مطرد في جميع المسائل وهو أن كلما أفتى به المفتي فهو حكم الله في
حقي هكذا قرره القوم أقول ويرد عليه أن ذلك الدليل الاجمالي بعينه موجود للمجتهد وهو أن كلما
أدى إليه ظني فهو حكم الله في حقي وحق مقلدي فإن قلت نعم ولكن له أدلة تفصيلية أيضا مثل
أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ونحوهما والمراد هنا تلك وليس مثلها للمقلد قلت للمقلد أيضا أدلة
تفصيلية فإن كل واحد من فتاوي المفتي في كل واقعة دليل تفصيلي لكل واحد من المسائل فالأولى في
الاخراج التمسك بإضافة الأدلة إلى الاحكام وإرادة الأدلة المعهودة فإن الإضافة للعهد فيكون
التفصيلية قيدا توضيحيا ثم أن ما ذكرته بناء على عدم الاغماض عن طريقة القوم رأسا وإلا فأقول إن
ما ذكره القوم من كون التفصيلية احترازا عن علم المقلد إنما يصح إذا كان ما ذكروه من الدليل
الاجمالي للمقلد دليلا لعلمه بالحكم وليس كذلك بل هو دليل لجواز العمل به ووجوب امتثاله وكونه
حجة عليه كما أن الدليل الاجمالي الذي ذكرناه للمجتهد هو أيضا كذلك فلا يحصل بذلك احتراز عما
ذكروه ويمكن أن يقال ان قيد التفصيلية لاخراج الأدلة الاجمالية كما بينا سابقا من أن ثبوت
الاحكام في الجملة من ضروريات الدين فما دل على ثبوت الاحكام إجمالا من الضرورة وغيرها مثل
عمومات الآيات والأخبار الدالة على ثبوت التكاليف إجمالا أدله لكن إجمالا لا تفصيلا وهذا لا
يسمى فقها بل الفقه هو معرفة تلك الأحكام الاجمالية من الأدلة التفصيلية والعجب من فحول العلماء
كيف غفلوا عن ذلك ولم يسبقني إلى ما ذكرته أحد فيما أعلم ثم أنهم أوردوا على الحد بأمرين الأول
أن الفقه أكثره من باب الظن لابتنائه غالبا على ما هو ظني الدلالة أو السند فما معنى العلم وأجيب
عنه بوجوه أوجهها أن المراد بالأحكام الشرعية أعم من الظاهرية والنفس الامرية فإن ظن المجتهد
بعد انسداد باب العلم هو حكم الله الظاهري بالنسبة إليه كالتقية في زمان المعصوم عليه السلام فإذا سمع
المكلف من لفظه في حال التقية يحصل العلم به مع أنه ليس بحكم الله النفس الأمري ولكن هو حكم الله
بالنسبة إليه وإلى ذلك ينظر قول من قال أن الظن في طريق الحكم لا في نفسه وإن ظنية الطريق لا ينافي
6

قطعية الحكم وذلك لا يستلزم التصويب كما توهمه بعض الأصحاب ومنها أن المراد بالعلم هو الظن أو الاعتقاد
الراجح فيشمل الظن ومجاز يبعد استعماله في الحدود ومنها أن المراد به العلم بوجوب العمل به ومنها
أن المراد العلم بأنه مدلول الدليل وكلها بعيد والثاني أن المراد بالأحكام إن كان كلها كما هو مقتضى
ظاهر اللفظ فيخرج عنه أكثر الفقهاء لو لم يخرج كلهم وإن كان البعض فيدخل فيه من علم بعض المسائل
بالدليل. والجواب انا نختار أولا إرادة الكل ولكن المراد بالعلم التهيؤ والاقتدار والملكة التي بها يقتدر
على استنباط الاحكام من الأدلة ولا ينافي ذلك ما مر من الأجوبة عن السؤال الأول من جهة أنها مبتنية
على جعل العلم بمعنى الادراك كما هو الظاهر فيما ذكر متعلقه سواء كان الادراك يقينيا أو ظنيا والملكة لا
تتصف بالظنية والعلمية لأنا نقول الملكة معنى مجازي للعلم بمعنى الادراك فتتصف بالظنية والعلمية
باعتبار الادراك أيضا فنقول بناء على جعل العلم بمعنى اليقين أن المراد الملكة التي يقتدر بها (على الادراكات اليقينية على جعله بمعنى الظن) على
الادراكات الظنية غاية الامر أنه يلزم على إرادة الظن من العلم سبك مجاز من مجاز فالعلم بالحكم مجاز
عن الظن به والظن به مجاز عن ملكة يقتدر بها على تحصيل الظن به وكذلك يلزم ذلك على الوجهين
الأخيرين فالعلم على أول الوجهين استعارة للظن بمشابهة وجوب العمل كما أن في الصورة السابقة
(الملكة التي يقتدر بها) كان استعارة بمشابهة رجحان الحصول أو مجازا مرسلا بذكر الخاص وإرادة العام ثم يترتب على
ذلك إرادة الملكة من ذلك بعلاقة السببية والمسببية ويظهر من ذلك الكلام في الوجه الأخير
أيضا وهو أردء الوجوه وأما على ما اخترناه من الوجه الأول فلا يلزم ذلك وثانيا إرادة البعض و
تقول إما أن يمكن تحقق التجزي بأن يحصل للعالم الاقتدار على استنباط بعض المسائل عن المأخذ
كما هو حقه دون بعض أو لا يمكن فعلى الثاني فلا ينفك الفرض عن المجتهد في الكل وعلى الأول كما هو
الأظهر فإما أن نقول بحجيته وجواز العمل به كما هو الأظهر أو لا وعلى الأول فلا إشكال أيضا لأنه من
افراد المحدود وعلى الثاني فإن قلنا أن التعريف لمطلق الفقه فيصح أيضا وإن قلنا أنه للفقه الصحيح
فيقع الاشكال في إخراجه واستراح من جعل العلم في التعريف عبارة عما يجب العمل به بأن ذلك
خرج عن العلم فإنه ليس بذلك ويمكن دفعه على ما اخترناه أيضا بأنه لم يثبت كون ما أدركه حكما
شرعيا حقيقيا ولا ظاهريا لان الدليل لم يقم على ذلك فيه وأما موضوعه فهو أدلة الفقه وهي الكتاب والسنة
والاجماع والعقل وأما الاستصحاب فإن اخذ من الاخبار فيدخل في السنة وإلا فيدخل في العقل وأما
القياس فليس من مذهبنا قانون اللفظ قد يتصف بالكلية والجزئية باعتبار ملاحظة المعنى
كنفس المعنى فما يمنع نفس تصوره عن وقوع الشركة فجزئي وما لا يمنع فهو كلي فإن تساوى صدقه في
9

جميع أفراده فمتواط وإلا فمشكك وهذا التقسيم في الاسم واضح واما الفعل والحرف فلا يتصفان
بالكلية والجزئية في الاصطلاح ولعل السر فيه أن نظرهم في التقسيم إلى المفاهيم المستقلة التي يمكن
تصورها بنفسها والمعنى الحرفي غير مستقل بالمفهومية بل هو أمر نسبي رابطي وآلة لملاحظة حال
الغير في الموارد المشخصة المعينة لا يتصور انفكاكها أبدا عن تلك الموارد فهي تابعة لمواردها
وكذلك الفعل بالنسبة إلى الوضع النسبي فإن له وضعين فبالنسبة إلى الحدث كالاسم وبالنسبة
إلى نسبته إلى فاعل ما كالحرف وأما أسماء الإشارة والموصولات والضماير ونحوها فإن قلنا بكون
وضعها عاما والموضوع له خاصا فيشبه الحروف لمناسبتها في الوضع فلا بد أن لا يتصف بالكلية
والجزئية وإنما المتصف هو كل واحد من الموارد الخاصة ولعل ذلك هو السر في عدم التفات كثير منهم
في تقسيماتهم للمعاني وللألفاظ إليها وأما على القول بكون الموضوع له فيها عاما كالوضع كما هو مذهب
قدماء أهل العربية فهو داخل في الكلي (فيكون) مجازا بلا حقيقة لان الاستعمال لم يقع إلا في الجزئيات ثم أن
اللفظ والمعنى إما أن يتحدا بأن يكون لفظ واحد له معنى واحد له معنى واحد فاللفظ متحد المعنى والمعنى متحد اللفظ
أولا فان تكثر كل منهما فالألفاظ متباينة سواء توافقت المعاني أو تعاندت وإن تكثرت الألفاظ
واتحد المعنى فمترادفة وإن اتحد اللفظ وتكثرت المعاني فإن وضع لكل منهما مع قطع النظر عن الآخر
ومناسبته سواء كان مع عدم الاطلاع كما لو تعدد الواضعون أو عدم التذكر أو مع التذكر ولكن
لم يلاحظ المناسبة فمشترك ويدخل فيه المرتجل وربما جعل قسيما له نظرا إلى أن المشترك هو ما لا
يلاحظ فيه المعنى الاخر وإن كان من جهة عدم المناسبة أيضا بخلاف المرتجل فيلاحظ فيه عدم المناسبة
فيحصل فيه نوع تبعية وفيه تعسف فعلى هذا يخرج المبهمات من المشترك على القولين لعدم تعدد
الوضع المستقل بالنسبة إلى كل واحد من الجزئيات أما على قول قدماء أهل العربية فظاهر واما على
القول الاخر فلان الملحوظ حين الوضع هو المعنى الكلي ووضع لكل واحد من الجزئيات بوضع واحد
لا متعدد ولا ينافي ذلك ثبوت الاشتراك في الحروف بالنسبة إلى المفهومات الكلية كالتبعيض
والتبيين وإن لم نقل باشتراكها في خصوص الموارد الجزئية وإن اختص الوضع المستقل بواحد فهو
الحقيقة والباقي مجاز إن كان الاستعمال فيها بمجرد المناسبة والعلاقة مع القرينة وإن كانت مجرد
الشهرة ليدخل المجاز المشهور كما سيجئ أو منقول إن ترك المعنى الحقيقي أولا ووضع لمعنى آخر بمناسبة
الأول أو استعمل في المعنى المجازي وكثر استعماله إلى أن وصل إلى حد الحقيقة فالمنقول قسمان تخصيصي و
تخصصي والثاني يثمر بعد معرفة تأريخ التخصيص وهذا كله في الأسماء ظاهر وأما الافعال والحروف
10

فالحقيقة والمجاز فيها إنما هو بملاحظة متعلقاتها وتبعيتها كما في نطقت الحال وليكون لهم عدوا
هذا بحسب المواد وأما الهيئة فقد يتصف الفعل بالحقيقة والمجاز والاشتراك والنقل كالماضي
للاخبار والانشاء والمضارع للحال والاستقبال والامر للوجوب والندب ولا يذهب عليك ان
الحيثية معتبرة في هذه الأقسام فقد يكون المشترك مبائنا أو مرادفا والمرادف مبائنا إلى غير ذلك
فلاحظ ولا تغفل قانون اللفظ إن استعمل فيما وضع له من حيث هو كذلك فحقيقة
وفي غيره لعلاقة فمجاز والحقيقة تنسب إلى الواضع وفي معنى الوضع استعمال اللفظ في شئ مع
القرينة مكررا إلى أن يستغنى من القرينة فيصير حقيقة فالحقيقة باعتبار الواضعين والمستعملين
في غير ما وضع له إلى حد الاستغناء عن القرينة تنقسم إلى اللغوية والعرفية الخاصة مثل الشرعية والنحوية
والعامة وكذلك المجاز بالمقايسة واعلم أن المجاز المشهور المتداول في ألسنتهم المعبر عنه بالمجاز الراجح
يعنون به الراجح على الحقيقة يريدون به ما يتبادر به المعنى بقرينة الشهرة وأما مع قطع النظر عن الشهرة
فلا يترجح على الحقيقة وإن كان استعمال اللفظ فيه أكثر وسيجئ تمام الكلام وأما المجاز الذي صار في
الشهرة بحيث يغلب على الحقيقة ويتبادر ولو مع قطع النظر عن الشهرة فهو حقيقة كما بينا
قانون اعلم أن الجاهل بكل اصطلاح ولغة إذا أراد معرفة حقائق ألفاظه ومجازاته فله طرق
الأول تنصيصهم بأن اللفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني وإن استعماله في الفلاني خلاف
موضوعه الثاني التبادر وهو علامة الحقيقة كما أن تبادر الغير علامة المجاز والمراد بالتبادر
أن الجاهل بمصطلح هذه الطائفة إذا تتبع موارد استعمالاتهم ومحاوراتهم وعلم من حالهم أنهم يفهمون
من لفظ خاص معنى مخصوصا بلا معاونة قرينة حالية أو مقالية ولو كان شهرة في الاستعمال في المعنى
الغير الموضوع له وعرف ان ذلك الفهم من جهة نفس اللفظ فقط يعرف ان هذا اللفظ موضوع
عندهم لذلك المعنى وينتقل إليه انتقالا آنيا فيكون التبادر معلولا للوضع وأما العالمون بالأوضاع
فلا يحتاجون إلى اعمال هذه العلامة إلا من جهة إعلام الجاهل ولما كان استناد الانفهام إلى مجرد
اللفظ وعدم مدخلية القرينة فيه أمرا غامضا لتفاوت الافهام في التخلية وعدمه وتفاوت القرائن في
الخفاء والوضوح فمن ذلك يجئ الاختلاف في دعوى التبادر من (الاجانبة)؟ بالاصطلاح المذكور فقد
يكون الانفهام عند أهل هذا الاصطلاح من جهة القرائن الخفية ويدعي الغافل التبادر بزعم انتقاء
القرينة ويدعي خصمه التبادر في معنى آخر وهكذا ولذلك أوجبوا استقراء غالب موارد الاستعمال
ليزول هذا الاحتمال فالاشتباه والخلط إما لعدم استفراغ الوسع في الاستقراء وإما لتلبيس الوهم و
13

اخفاء القرينة على المدعى ولذلك قالوا ان الفقيه متهم في حدسه بالنسبة إلى العرف وان كان هو من أهل
العرف لكثرة وفور الاحتمالات وغلبة مزاولة المتخالفة من الاستعمالات مع ما يسنحه من المنافيات
من جهة الأدلة العقلية والنقلية فلذلك قد يدعي أحدهم ان الامر بالشئ ء لا يدل على النهى عن ضده
الخاص عرفا بأحد من الدلالات كما هو الحق ويدعي اخر دلالته لما التبس عليه الامر من جهة الأدلة
العقلية التي قربت إليه مقصوده وكذلك في مقدمة الواجب فلابد ان يرجع إلى عرف عوام العرب
فإنهم هم اللذين لا يفهمون شيئا الا من جهة نفس وضع اللفظ فالفقيه حينئذ كالجاهل بالاصطلاح وان كان
من جملة أهل هذا الاصطلاح وبالجملة لابد من بذل الجهد في معرفة ان انفهام المعنى انما هو من جهة
اللفظ لاغير وبما ذكرناه يندفع ما يتوهم ان التبادر كما هو موجود في المعنى الحقيقي فكذلك في المجاز
المشهور فلا يكون علامة للحقيقة ولا لازما خاصا لها بل هو أعم من الحقيقة وتوضيح ذلك أن المجاز
المشهور هو ما يبلغ في الاشتهار بحيث يساوي الحقيقة في الاستعمال أو يغلب ثم إن آل الامر فيه إلى حيث
يفهم منه المعنى بدون القرينة ويتبادر ذلك حتى مع قطع النظر عن ملاحظة الشهرة أيضا فلا ريب انه
يصير بذلك حقيقة عرفية كما ذكرنا سابقا وهذا أيضا وضع فالتبادر كاشف عنه وان لم يكن كذلك
بل كان بحيث يتبادر المعنى بإعانة الشهرة وسببيته وان لم يلاحظ تفصيلا وهو الذي ذكره الأصوليون
في باب تعارض الأحوال واختلفوا في ترجيحه على الحقيقة المرجوحة في الاستعمال فالحق ان هذا مجاز والتبادر
الحاصل في ذلك ليس من علائم الحقيقة والذي اعتبر في معرفة الحقيقة هو التبادر من جهة اللفظ مع قطع
النظر عن القرائن وان كانت القرينة هي الشهرة والموجود فيما نحن فيه انما هو من جهة القرينة وبعدما
بينا لك سابقا لا مجال لتوهم ان يقال ان الجاهل بالاصطلاح إذا رأى أن أهل هذا الاصطلاح يفهم
من اللفظ هذا المعنى ولا يظهر عليه ان ذلك من جهة الشهرة أو من جهة نفس اللفظ فينفي القرينة
بأصل العدم ويحكم بالحقيقة مع أنه في نفس الامر مجاز فالتبادر لا يثبت الحقيقة فقط وذلك لان أصل
العدم لا يثبت الا عدم العلم بالقرينة وما ذكرنا مبني على لزوم العلم بعدم القرينة حتى يختص بالحقيقة هذا
إذا قلنا بلزوم تحصيل العلم في الأصول واما على القول بعدمه كما هو الحق والمحقق فهذا الظن الحاصل
من الأصل مع التتبع التام في محاورات أهل ذلك الاصطلاح يقوم مقام العلم كما في سائر المسائل
الأصولية والفقهية وغيرها فاعتقاد كونها حقيقة مع كونها مجازا في نفس الامر غير مضر مع أن هذا
لا يتصور الا في فرض نادر كما لا يخفى فلا يوجب القدح في القواعد المبتنية على الغالب وينبه على ما
ذكرنا البناء على أصالة الحقيقة فيما لم يظهر قرينة المجاز وان كان المراد هو المجاز في نفس الامر فان قلت
14

فأي فايدة في هذا الفرق وما الفرق بين المجاز المشتهر إلى أن يفهم منه المعنى مع قطع النظر عن الشهرة وما
يتبادر منه المعنى مع ملاحظة الشهرة بل هذا مجرد اصطلاح ولا يثمر ثمرة في الاحكام قلت الفرق واضح فان
الحقيقة في الأول مهجورة وفي الثاني غير مهجورة فان قلت إذا كان الحقيقة الأولى محتاجة في الانفهام
إلى القرينة فهو أيضا في معنى المهجورة فيصير معنى مجازيا كالصورة الأولى قلت ليس كذلك اما أولا فلان
احتياج الحقيقة حينئذ إلى القرينة انما هو لعدم إرادة المعنى المجازي فان دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي موقوف
على انتفاء قرينة المجاز حقيقة أو حكما ولا شبهة في ذلك فان انفهام الحيوان المفترس من الأسد موقوف
على فقدان يرمي مثلا ولما لم يمكن إزالة الشهرة التي هي قرينة في هذا المجاز حقيقة فيكتفى بانتفائها حكما
بنصب قرينة تدل على المعنى الحقيقي كما أشار إليه الفاضل المدقق الشيرواني واما ثانيا فلان اللفظ
يستعمل في المعنى الحقيقي حينئذ أيضا بلا قرينة غاية الامر حصول الاحتمال فينوب مناب الاشتراك ولا
يسقط عن كونه حقيقة ولا يلزم الاشتراك المرجوح أيضا الا ترى ان صاحب المعالم ره مع أنه جعل الامر
في اخبار الأئمة عليهم السلام مجازا راجحا في الندب مساويا للحقيقة من جهة التبادر وعدمه لم يقل بصيرورته
مجازا في الوجوب في عرفهم فان الذي يصح ان يحمل كلامه عليه دعوى شيوع استعمال الامر في كلامهم في
الندب خاليا عن القرينة وانفهام إرادة الندب من رواية أخرى أو اجماع أو غير ذلك فان كثرة
الاستعمال مع القرينة لا يستلزم ما ذكره كما لا يخفى وهو لا ينكر ان الامر في كلامهم (عليهم السلام) ثم أيضا مستعمل في الوجوب
بلا قرينة وان علم الوجوب من الخارج ولا يتفاوت الامر حينئذ بين تبادر المجاز الراجح أو حصول التوقف
والظاهر أن من يقول بتبادر المجاز الراجح أيضا لا يقول بعدم جواز الاستعمال في اللفظ بلا قرينة
غاية الامر توقف الفهم على القرينة ومطلق ذلك التوقف لا يستلزم المجازية ولذلك اختلفوا في
مبحث تعارض الأحوال في حكم اللفظ إذا دار الامر بين الحقيقة والمجاز الراجح فقيل بتقديم الحقيقة من جهة
رجحان جانب الوضع وقيل بتقديم المجاز الراجح لترجيح جانب الغلبة فان الظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب
ومثل ما ذكرنا مثل المشترك إذا اشتهر في أحد معانيه مثل العين في الباصرة أو هي مع الينبوع أو هي مع
الذهب فإنه لا ريب انه عند اطلاقها ينصرف الذهن إلى أحد المذكورات لا إلى غيرها من المعاني
ومع ذلك فلا يجوز الاعتماد على هذا الانصراف وبالجملة التبادر مع ملاحظة الشهرة لا يثبت كونها
حقيقة ولا يخرج الحقيقة الأولى عن كونها حقيقة فتأمل وافهم واستقم وبالتأمل فيما حققنا تعلم معنى
كون تبادر الغير علامة للمجاز الثالث صحة السلب يعرف بها المجاز كما تعرف الحقيقة
بعدمها والمعتبر فيه أيضا اصطلاح التخاطب فصحة السلب وعدمها في اصطلاح لا يدل الا على كون
17

اللفظ مجازا أو حقيقة في ذلك الاصطلاح كما عرفت في التبادر والمراد صحة سلب المعاني الحقيقية عن مورد
الاستعمال وعدمها مثل قولهم للبليد ليس بحمار وعدم جواز ليس برجل وزاد بعضهم في نفس الامر
احترازا عن مثل قولهم للبليد ليس بانسان ولا حاجة إليه لان المراد صحة سلب المعاني الحقيقية حقيقة
والأصل في الاستعمال الحقيقة فالقيد غير محتاج إليه وان كان مؤداه صحيحا في نفس الامر وقد أورد
على ذلك باستلزامه الدور المضمر بواسطتين فان كون المستعمل فيه مجازا لا يعرف الا بصحة سلب
جميع المعاني الحقيقية ولا يعرف سلب جميع المعاني الحقيقية الا بعد معرفة ان المستعمل فيه ليس منها بل
هو معنى مجازي لاحتمال الاشتراك فإنه يصح سلب بعض معاني المشترك عن بعض وهو موقوف على معرفة
كونه مجازا فلو أثبت كونه مجازا بصحة السلب لزم الدور المذكور واما لزوم الدور في عدم صحة السلب
فان عدم صحة سلب المعنى الحقيقي موقوف على معرفة المعنى الحقيقي فلو توقف معرفة المعنى الحقيقي على
عدم صحة سلب المعنى الحقيقي لزم الدور هكذا قيل والحق ان الدور فيه أيضا مضمر لان معرفة كون
الانسان حقيقة في البليد موقوف على عدم صحة سلب المعاني الحقيقية للانسان عنه وعدم صحة سلب
المعاني الحقيقية للانسان عنه موقوف على عدم معنى حقيقي للانسان يجوز سلبه عن البليد كالكامل
في الانسانية ومعرفة عدم هذا المعنى موقوف على معرفة كون الانسان حقيقة في البليد نعم لو قلنا ان قولنا
عدم صحة سلب الحقائق علامة الحقيقة سالبة جزئية كما هو الظاهر فلا يحتاج إلى اضمار الدور لكنه لا
يثبت الا الحقيقة في الجملة وبالنسبة كما سنذكره وعلى هذا فلم لم يكتفوا في جانب المجاز أيضا بالموجبة
الجزئية ويقولوا ان صحة سلب بعض الحقايق علامة للمجاز في الجملة وبالنسبة وقد أجاب عنه بعضهم
بان المراد انا إذا علمنا الحقيقي للفظ ومعناه المجازى ولم نعلم ما أراد القائل منه فانا نعلم بصحة سلب
المعنى الحقيقي عن المورد ان المراد المعنى المجازي وذلك ظاهر ثم قال إن ذلك الدور لا يمكن دفعه
في جانب جعل عدم صحة السلب علامة للحقيقة وعدم جريان هذا الجواب فيه ويبقى الدور فيه بحاله
فانا إذا علمنا المعنيين ولم نعلم أيهما المراد فلا يمكن معرفة كونه حقيقة لعدم صحة سلب المعنى الحقيقي
فان العام المستعمل في فرد مجاز مع امتناع سلب معناه الحقيقي عن مورد استعماله وأنت خبير بما
فيه اما أولا فلانه خروج عن محل البحث فان الكلام فيما علم المستعمل فيه ولم يتميز الحقايق من المجازات
لا فيما علم الحقيقة والمجاز ولم يعلم المستعمل فيه ولا ريب ان الأصل في الثاني هو الحمل على الحقيقة واما
ثانيا فلان صحة سلب المعنى المجازي حينئذ أيضا يدل على إرادة المعنى الحقيقي فلا اختصاص لهذه العلامة
بالمجاز لا يقال ان المجازات قد تتعدد فنفي الحقيقة لا يوجب تعيين بعضها لان هذا القائل قد
18

عين المجاز والمفروض أيضا إرادة تعيين شخص المجاز لا مطلقه مع أن لنا أيضا ان نقول سلب مطلق
المعنى المجازي علامة لمطلق الحقيقة فافهم واما ثالثا فما ذكره في عدم صحة السلب للحقيقة فمع انه يرد عليه
ما سبق من كونه خروجا عن المبحث فيه ان العام إذا استعمل في الخاص فهو انما يكون مجازا إذا
أريد منه الخصوصية لا مطلقا ومع إرادة الخصوصية فلا ريب في صحة سلب معناه الحقيقي بهذا
الاعتبار وانما يختلف ذلك باعتبار الحيثيات وقد أجيب أيضا بان المراد سلب ما يستعمل فيه
اللفظ المجرد عن القرينة وما يفهم منه كذلك عرفا إذ لاشك في أنه يصح عرفا ان يقال للبليد انه ليس
بحمار ولا يصح ان يقال ليس برجل ولا ببشر أو بانسان وفيه ان ذلك مجرد تغيير عبارة ولا يدفع السؤال
فان معرفة ما يفهم من اللفظ عرفا مجردا عن القرائن هو بعينه معرفة الحقائق سواء اتحد المفهوم العرفي
وفهم معينا أو تعدد بالاشتراك ففهم الكل اجمالا وبدون التعيين وذلك يتوقف على معرفة كون
المستعمل فيه ليس هو عين ما يفهم عرفا على التعيين أو من جملة ما يفهم عرفا على الاجمال فيبقى الدور بحاله
ويمكن ان يقال لا يلزم من نفى المعاني الحقيقية العلم بكون المستعمل فيه مجازا بل يكفي عدم ثبوت كونه حقيقة
بسبب عدم الانفهام العرفي فإذا سلب ما علم كونه حقيقة يحكم بكون المستعمل فيه مجازا لان احتمال الاشتراك
مدفوع بان الأصل عدمه والمجاز خير من الاشتراك فهذه العلامة مع هذا الأصل والقاعدة يثبت
المجازية وفيه انه مناف لاطلاقهم بان هذه علامة المجاز أو الحقيقة فان ظاهره كونه سببا تاما
لفهم المجازية أو الحقيقية لا جزء سبب مع أن ذلك انما يتم عند من يقول بكون المجاز خيرا من الاشتراك
وظاهرهم الاطلاق والذي يختلج بالبال في حل الاشكال وجهان الأول ان يقال ان المراد بكون صحة
السلب علامة المجاز ان صحة سلب كل واحد من المعاني الحقيقية عن المعنى المبحوث عنه علامة
لمجازيته بالنسبة إلى ذلك المعنى المسلوب فان كان المسلوب الحقيقي واحدا في نفس الامر فيكون ذلك
المسلوب عنه مجازا مطلقا وان تعدد فيكون مجازا بالنسبة إلى ما علم سلبه عنه لا مطلقا فإذا استعمل العين
بمعنى النابعة في الباصرة الباكية لعلاقة جريان الماء فيصح سلب النابعة عنها ويكون ذلك علامة كون
الباكية معنى مجازيا بالنسبة إلى العين بمعنى النابعة وإن كانت حقيقة والباكية أيضا من جهة وضع
آخر فإن قلت أن سلب العين بمعنى الذهب عنها بمعنى الميزان لا يفيد كون الميزان معنى مجازيا لها
لعدم العلاقة قلت هذا لو أردنا كونه مجازا عنها بالفعل وأما إذا كان المراد كونه مجازا بالنسبة إليها
لو استعمل فيه فلا يرد ذلك وهو كاف فيما أردنا وما ذكرنا في المثال إنما هو من باب المثال فافهم
وبالجملة قولهم للبليد ليس بحمار إذا أريد به سلب الحيوان الناهق الذي هو معنى حقيقي للحمار في الجملة
21

جزما فيكون البليد معنى مجازيا بالنسبة إلى ذلك المعنى الحقيقي وإن احتمل أن يكون الحمار موضوعا بوضع
أخر للحيوان القليل الادراك ويكون البليد حقيقة بالنسبة إليه فلا يكون سلبه بالمعنى الأول موجبا
لمجازيته بالنسبة إلى هذا المعنى لكونه حقيقة بالنسبة إليه حينئذ ومما ذكرنا يظهر حال عدم صحة السلب بالنسبة
إلى المعنى الحقيقي فان المراد عدم صحة سلب المعني الحقيقي في الجملة فيقال انه علامة لكون ما لا يصح سلب
المعني الحقيقي عنه معنى حقيقيا بالنسبة إلى ذلك المعنى الذي لا يجوز سلبه عنه وإن احتمل أن يكون للفظ
معنى حقيقي آخر يصح سلبه عن المبحوث عنه فيكون مجازا بالنسبة إليه فلا يتوقف معرفة كون المبحوث
عنه حقيقة على العلم بكونه حقيقة حتى يلزم الدور وكيف يتصور صدق جميع الحقائق على حقيقة لو فرض
كون اللفظ مشتركا حتى يجعل ذلك منشأ للاشكال كما توهم في جانب المجاز إذ هذا التصور مبني على جعل
قولهم عدم صحة سلب الحقايق سلبا كليا كما في المجاز وأما لو جعل سلبا جزئيا فلا يرد ذلك ولا
يحتاج إلى إضمار الدور ولكنه لا يناسب حينئذ إثبات الحقيقة مطلقا بل يناسب إثباتها في الجملة فليعتبروا
في المجاز أيضا كذلك ويضيفوا إليه ملاحظة النسبة حتى يرتفع الدور والحاصل أن معرفة كونه حقيقة
في هذا المعنى الخاص موقوف على معرفة الحقيقة في الجملة وذلك لا يستلزم دورا الثاني أن يكون المراد
من صحة السلب وعدم صحة السلب سلب المعنى الحقيقي وعدمه عما احتمل فرديته له بأن يعلم للفظ
معنى حقيقي ذو أفراد وشك في دخول المبحوث عنه فيها وعدمه وحاصله أن الشك في كون ذلك
مصداق ما علم كونه موضوعا له لا في كون ذلك موضوعا له أم لا مثل انا نعلم أن للماء معنى حقيقيا و
نعلم أن الماء الصافي الخارج من الينبوع من أفراده ونعلم أن الوحل خارج منها ولكن نشك في
ماء السيل الغليظ أنه هل خرج عن هذه الحقيقة أم لا وكذا الجلاب المسلوب الطعم والرائحة هل
دخل فيها أم لا فيختبر بصحة السلب وعدمها وهذا أيضا لا يستلزم الدور فافهم ذلك وهذان
الوجهان مما لم يسبقني إليهما أحد فيما أعلم والحمد لله الرابع الاطراد وعدم الاطراد فالأول علامة
للحقيقة والثاني للمجاز فنقول هيئة الفاعل حقيقة لذات ثبت له المبدء فالعالم يصدق على كل ذات
ثبت له العلم وكذا الجاهل والفاسق وكذلك اسئل موضوع لطلب شئ عمن شأنه ذلك فيقال اسئل
زيدا أو اسئل عمرا إلى غير ذلك بخلاف مثل اسئل الدار فنسبة السؤال مجازا إلى شئ وإرادة أهلها غير
مطرد فلا يقال اسئل البساط واسئل الجدار وبيان ذلك يحتاج إلى تمهيد مقدمة هي أن الحقائق
وضعها شخصي والمجازات وضعها نوعي والمراد بالأول أن الواضع عين اللفظ الخاص المعين بإزاء
معنى خاص معين سواء كان المعنى عاما أو خاصا وسواء كان وضع اللفظ باعتبار المادة أو الهيئة
22

أما ما وضع باعتبار المادة فيقتصر فيه على السماع بخلاف ما وضع باعتبار الهيئة فيقاس عليه كأنواع
المشتقات إلا ما خرج بالدليل كالرحمن والفاضل والسخي والمتجوز ونحوها للمنع الشرعي وإن أسماء
الله تعالى توقيفية والمراد بالثاني أن الواضع جوز استعمال اللفظ فيما يناسب معناه الحقيقي بأحد
من العلائق المعهودة فالمجازات كلها قياسي لعدم مدخلية خصوص المادة والهيئة فيها بل
المعتبر فيها هو معرفة نوع العلاقة بينها وبين المعاني الحقيقية وبعبارة أخرى لا يحتاج المجاز إلى
نقل خصوصياته من العرب بل يكفي أن يحصل العلم أو الظن برخصة ملاحظة نوع العلاقة في الاستعمال
فيها من استقراء كلام العرب فيقاس عليه كلما ورد من المجازات الحادثة وغيها ولا
يتوقف على النقل وإلا لتوقف أهل اللسان في محاوراتهم على ثبوت النقل ولما احتاج المتجوز إلى
النظر إلى العلاقة بل كان يكتفى بالنقل ولما ثبت التجوز في المعاني الشرعية المحدثة مع عدم معرفة
أهل اللغة بتلك المعاني وبطلان اللوازم بين ومذهب جماعة إلى اشتراط نقل آحادها لوجهين
أحدهما أنه لو لم يكن كذلك للزم كون القرآن غير عربي وقد قال الله تعالى إنا أنزلناه قرآنا عربيا
توضيحه أن ما لم ينقل من العرب فهو ليس بعربي والقرآن مشتمل على المجازات فلو لم يكن المجازات
منقولة عنهم يلزم ما ذكر وفيه أولا النقض بالصلاة والصوم وغيرهما على مذهب غير القاضي و
ثانيا أن ما ذكر يستلزم كون مجازات القرآن منقولا عن العرب لا جميع المجازات وثالثا لا نسلم
انحصار العربي فيما نقل بشخصه عن العرب بل يكفي نقل النوع ورابعا لا نسلم كون القرآن بسبب
اشتماله على غير العربي غير عربي لان المراد كونه عربي الأسلوب مع أنه منقوض باشتماله على الرومي
والهندي والمعرب كالقسطاس والمشكاة والسجيل وخامسا لا نسلم بطلان كونه غير عربي فإنه
مسلم لو أريد بضمير أنزلناه مجموع القرآن لم لا يكون المراد البعض المعهود كالسورة التي هذه الآية
فيها بتأويل المنزل أو المذكور لان القرآن مشترك معنوي بين الكل والبعض فيطلق على كل واحد
من أجزائها وثانيهما أنه إن كان نقل نوع العلاقة كافيا لجاز استعمال النخلة في الحائط والجبل
الطويلين للشباهة والشبكة للصيد وبالعكس للمجاورة والابن للأب وبالعكس للسببية و
المسببية وهكذا والتالي باطل فالمقدم مثله وقد أجيب عن ذلك بأن ذلك من جهة المانع لا
عدم المقتضي وإن لم يعلم المانع بالخصوص أقول الصواب في الجواب أن يقال أن المقتضي غير معلوم
فإن الأصل عدم جواز الاستعمال لكون اللغات توقيفية إلا ما ثبت الرخصة فيه فنقول إن المجاز على ما
حققوه هو ما ينتقل فيه عن الملزوم إلى اللازم فلا بد فيه من علاقة واضحة توجب الانتقال ولذلك
25

اعتبروا في الاستعارة أن يكون وجه الشبه من أشهر خواص المشبه به حتى إذا حصل القرينة على عدم
إرادته انتقل إلى لازمه كالشجاعة في الأسد فلا يجوز استعارة الأسد لرجل باعتبار الجسمية أو الحركة
ونحوهما وكذلك الحال في المشبه فلا بد أن يكون ذلك المعنى أيضا فيه ظاهرا ولذلك ذهب بعضهم
إلى كون الاستعارة حقيقية فإن التجوز في أمر عقلي وهو أن يجعل الرجل الشجاع من أفراد الأسد بأن
يجعل للأسد فردان حقيقي وادعائي فالأسد حينئذ قد أطلق على المعنى الحقيقي بعد ذلك التصرف
العقلي وهذا المعنى مفقود بين النخلة والحائط والجبل فإن المجوز لاستعارة النخلة للرجل الطويل هو
المشابهة الخاصة من حصول الطول مع تقاربهما في القطر وهو غير موجود في الجبل والحائط وهكذا ملاحظة
المجاورة فإن المجاورة لا بد أن يكون بالنسبة إلى المعنيين معهودا ملحوظا في الأنظار كالماء والنهر
والميزاب لا كالشبكة والصيد فان المجاورة فيهما اتفاقية بل المستفاد من المجاورة المعتبرة هو
المؤانسة والتنافر بين الشبكة والصيد واضح وأما الأب والابن فعلاقة السببية والمسببية فيهما أيضا
خفية عرفا وليس أظهر خواص الابن والأب حين ملاحظتهما معا السببية والمسببية نعم التربية والرياسة
والمرؤسية من الخواص الظاهرة فيهما مع أن التقابل الحاصل من جهة التضايف يوجب قطع النظر
عن سائر المناسبات وبالجملة لما كان الغرض من المجاز الانتقال من الملزوم إلى اللازم فلم يظهر من العرب
إلا تجويز العلاقة الظاهرة ألا ترى أن استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ليس بمحض علاقة الجزئية
والكلية بل لوحظ فيه كمال المناسبة بين الجزء والكل بأن يكون مما ينتفي بانتفاء الجزء كالرقبة للانسان
والعين للربئية باعتبار وصف كونه ربئية وبالجملة الرخصة الحاصلة في النوع يراد بها الحاصلة في جملة
هذا النوع وإن كان في صنف من أصنافها أو في أفرادها الشايعة الظاهرة وهكذا فالاستقراء في
كلام العرب لم يحصل منه الرخصة في مثل هذه الافراد من الشباهة والسببية والمجاورة ونحوها لا أنه حصل
الرخصة في نوعها بعمومه وخرج المذكورات بالدليل فلاحظ وتأمل إذا تقرر ذلك فنقول قد أورد
على كون الاطراد دليل الحقيقة النقض بمثل أسد للشجاع فإنه مطرد ومجاز فيتخلف الدليل عن المدلول
وعلى كون عدم الاطراد دليل المجاز النقض بمثل الفاضل والسخي فإنهما موضوعان لذات ثبت له الفضيلة
والسخاء ولا يطلق عليه تعالى مع وجودهما فيه والقارورة فإنها موضوعة لما يستقر فيه الشئ ولا يطلق على
غير الزجاجة وأجيب عن الثاني مضافا إلى ما ذكرنا بأن الفاضل موضوع لمن من شأنه الجهل والسخاء
موضوع لمن من شأنه البخل فلا يشمله تعالى بالوضع والقارورة للزجاج لا كل ما يستقر فيه الشئ أقول
والقارورة منقولة وقد ترك المعنى الأول وإلا لجاز الاطراد والتحقيق أن يقال إن أريد بكون عدم
26

الاطراد دليل المجاز أنه يقتصر فيه بما حصل فيه الرخصة من نوع العلاقة ولو في صنف من أصنافه فلا
ريب أن المجاز حينئذ ينحصر فيما حصل فيه الرخصة وهو مطرد وإن أريد أنه بعد حصول الرخصة في النوع
غير مطرد فقد عرفت أنه ليس كذلك فنقول أن عدم جواز اسئل الجدار مثلا إنما هو لعدم مناسبة
الأهل للجدار المناسبة الظاهرة المعتبرة في المجاز وكذلك اسئل الشجر واسئل الإبريق ونحو ذلك
فذلك لعدم انفهام الرخصة فيه لا لوجود المانع كما نقلنا عن بعضهم ألا ترى انه يجوز أن يقال اسئل
الدار واسئل البلدة واسئل الرستاق واسئل المزرعة واسئل البستان وغير ذلك ومثله اطراد الأسد
لذات ثبت له الشجاعة وإن كان من سائر أفراد الحيوان غير الانسان وبالجملة المجاز أيضا بالنسبة
إلى ما ثبت نوع العلاقة فيه مطرد ولو كان في صنف ذلك النوع قانون إذا تميز
المعنى الحقيقي من المجازي فكلما استعمل اللفظ خاليا عن القرينة فالأصل الحقيقة أعني به الظاهر لان
مبنى التفهيم والتفهم على الوضع اللفظي غالبا ولا خلاف لهم في ذلك وأما إذا استعمل لفظ في معنى أو
معان لم يعلم وضعه له فهل يحكم بكونه حقيقة فيه أو مجازا أو حقيقة إذا كان واحدا دون المتعدد أو
التوقف لان الاستعمال أعم المشهور الأخير وهو المختار لعدم دلالة الاستعمال على الحقيقة والسيد
المرتضى رحمة الله عليه على الأول لظهور الاستعمال فيه وهو ممنوع والثاني منقول عن ابن جني وجنح إليه بعض المتأخرين
لان أغلب لغة العرب مجازات والظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب وهو أيضا ممنوع ولو سلم فمقاومته
للظن الحاصل عن الوضع ممنوع والثالث مبني على أن المجاز مستلزم للحقيقة فمع الاتحاد لا يمكن القول
بمجازيته وأما مع التعدد فلما كان المجاز خيرا من الاشتراك فيؤثر فيه ويترتب على ذلك لزوم استعمال
إمارات الحقيقة والمجاز في التمييز وحيث لم يتميز فالوقف ورد بمنع استلزام المجاز للحقيقة بل
إنما هو مستلزم للوضع كالرحمن والحقيقة مستلزم للاستعمال وإن عدم الوجدان لا يدل على عدم
الوجود ثم إعلم أن عدم العلم بالوضع مع العلم بالمستعمل فيه يتصور على وجهين الأول أن يعلم لفظ
استعمل في معنى واحد أو في معان متعددة ولم يعلم أنه موضوع لذلك المعنى أو المعاني أم لا فيحتمل عندنا
أن يكون المستعمل فيه نفس الموضوع له ويحتمل أن يكون له معنى آخر وضع له ويكون هذا مجازا عنه فلا
يعرف فيه الموضوع له أصلا لا معينا ولا غير معين وعلى هذا يترتب القول بكون مبنى القول الثالث
على كون المجاز مستلزما للحقيقة لا على الوجه الآتي ولكن ذلك الفرض مع وحدة المستعمل فيه فرض نادر
بل لم نقف عليه أصلا والثاني أن يعلم الموضوع له الحقيقي في الجملة وهو يتصور أيضا على وجهين
أحدهما إنا نعلم أن له معنى حقيقيا ونعلم أنه استعمل في معنى خاص أيضا ولا نعلم أنه هل هو أو غيره وذلك
29

الجهالة إنما هو بسبب جهالة نفس الموضوع له لا بسبب جهالة الوضع مثل أنا نعلم أن ليلة القدر موضوعة
لليلة خاصة واستعمل فيها أيضا مثل قوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر ولكن لا نعلمها بعينها فإذا أطلقها
الشارع على ليلة النصف من شعبان مثلا أو ليلة الإحدى والعشرين من رمضان مثلا فهل يحكم بمجرد ذلك
الاطلاق انها هي الموضوع له اللفظ أو يقال أن الاستعمال أعم من الحقيقة إذ يمكن ان يكون إطلاقها عليها من باب
الاستعارة ويكون نفس الموضوع له اللفظ شيئا آخر هذا إذا لم يكن من باب التنصيص أو الحمل الظاهر
في بيان الموضوع له كما لو انحصر الاستعمال في الواحد وقال بأن ليلة القدر هي هذه وذلك مثل أن يقول
إقرء في ليلة القدر (مثل)؟ الليلة فلانا ولو تعدد المستعمل فيه حينئذ فيتضح عدم دلالة الاستعمال على شئ ويلزم
السيد ومن قال بمقالته القول بتعدد الموضوع له لو عمموا المقال حينئذ وهو كما ترى والثاني إنا نعلم أن
اللفظ مستعمل في معنى أو أكثر ونعلم أن له معنى آخر حقيقيا معينا في نفس الامر أيضا ولكن نشك في أن
المستعمل فيه أيضا حقيقة أم لا وذلك يتصور على وجهين أحدهما أن نشك في أنه هل هو فرد من أفراد
المعنى الحقيقي أو مجاز بالنسبة إليه وثانيهما أن نشك في أن اللفظ هل وضع له أيضا بوضع على حدة فيكون
مشتركا أم لا مثل انا نعلم أن للصلاة معنى حقيقيا في الشرع قد استعمل فيه لفظها وهو المشروط بالتكبير
والقبلة والقيام فإذا استعملت في الافراد المشروطة بالطهارة والركوع والسجود منها أيضا نعلم جزما أنها
من معانيها الحقيقية وإذا أطلقت على صلاة الميت فهل هذا الاطلاق علامة الحقيقة بمعنى أن المعنى
الحقيقي للصلاة هو المعنى الأول العام لا المشروط بالطهارة والركوع والسجود أيضا أو أنها موضوعة
بوضع على حدة لصلاة الميت أيضا أو الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز فالمشهور على التوقف لان
الاستعمال أعم من الحقيقة والسيد يحملها على الحقيقة فإن ظهر عنده أنها من أفراد الحقيقة المعلومة
فيلحقها بها وإلا فيحكم بكونها حقيقة بالوضع المستقل فيكون مشتركا لفظيا وكذلك إذا رأينا
إطلاق الخمر على الفقاع ويظهر الثمرة في عدم إجراء حكم الحقيقة على المشكوك فيه على المشهور وإجرائه
على مذهب السيد على الاحتمال الأول والتوقف في أصل حكم الحقيقة حتى يظهر المراد منها بالقرائن
على الثاني مثلا إذا رأينا أن الشارع حكم بوجوب نزح تمام ماء البئر للخمر الخالية عن قرينة المراد مع
علمنا بأن المسكر المأخوذ من العنب خمر حقيقة فيتردد الامر بين أن يكون المراد أن الفقاع مثل الخمر
في الحرمة فيكون مجازا فلا يثبت جميع أحكام الحقيقة فيه ليتفرع على نزح جميع ماء البئر وبين أن يكون
المراد منه الخمر الواقعي إما بمعنى أن الخمر هي اسم للقدر المشترك بينهما فيدخل الفقاع في الخمر المطلق المحكوم
عليها بوجوب نزح الجميع أو بمعنى أن الخمر كما أنه موضوع للمتخذ من العنب المسكر فكذلك موضوع
30

للفقاع أيضا فحينئذ يتوقف حتى يظهر من القرينة أن أي المعنيين هو المراد في الخمر المطلق المحكوم عليها
بوجوب نزح الجميع فظهر بما ذكرنا أن المراد بالمعنى في قولنا أما إذا استعمل لفظ في معنى أو معان ماذا
وإن المراد بالمعاني ماذا وإن الأول إنما يتم بالنظر إلى الوجه الأول إذا اتحد المستعمل فيه المعلوم وأما
مثل كلمة الرحمن فهو خارج عن المتنازع فيه فإن المجازية فيه مسلمة إنما النزاع في أن له حقيقة أم لا
وذلك لا ينافي القول بصيرورتها حقيقة عرفية فيه تعالى أو مما حققنا ظهر لك أنه لا منافاة بين
قول مشهور بوجوب التوقف لان الاستعمال أعم من الحقيقة في صورة تعدد المستعمل فيه وقولهم بأن
المجاز خير من الاشتراك أما في صورة التردد بين كون المستعمل فيه مجازا أو فردا من أفراد ما هو
القدر المشترك بينهما فظاهر لعدم اشتراك لفظي هناك يرجح المجاز عليه وهو غالب موارد قولهم ان
الاستعمال أعم من الحقيقة يعنون بذلك أنه لا يثبت حكم ما هو من أفراد الكلي حقيقة لهذا المشكوك فيه
بمجرد إطلاق الاسم عليه وأما في صورة التردد بين كون المستعمل فيه حقيقة أو مجازا كما لو سلم كون صيغة
إفعل حقيقة في الوجوب وشك في كونه حقيقة في الندب أيضا لأجل الاستعمال فمرادهم بقولهم أن الاستعمال
لا يدل على الحقيقة وأنه أعم للرد على السيد ومن قال بمقالته فإذا قطعنا النظر عن غير الاستعمال فلا
بوجب الاستعمال إلا التوقف لا أنه لا يمكن ترجيح المجازية بدليل آخر فلذلك يقولون بأن الصيغة في
الندب مجاز ولا يتوقفون في ذلك فتبصر حتى لا يختلط عليك الامر ولا بأس أن نشير إلى بعض الغفلات
فمنها ما وقع عن صاحب المدارك قال في منزوحات البئر واعلم أن النصوص إنما تضمنت نزح الجميع
في الخمر إلا أن معظم الأصحاب لم يفرقوا بينه وبين سائر المسكرات في هذا الحكم واحتجوا عليه بإطلاق
الخمر في كثير من الاخبار على كل مسكر فيثبت له حكمه وفيه بحث فإن الاطلاق أعم من الحقيقة والمجاز
خير من الاشتراك إنتهى ونظير ذلك أيضا قال في رد من أوجب نزح الجميع للفقاع مستدلا بإطلاق
الخمر عليه في الاخبار وأنت خبير بعدم صحة الجمع بين قوله فإن الاطلاق أعم وقوله والمجاز خير من الاشتراك
ويظهر وجه بالتأمل فيما حققناه وأما نظر جمهور علمائنا رحمهم الله في الاستدلال بتلك الأخبار فليس
إلى كون المسكرات خمرا حقيقة أو الفقاع خمرا كذلك بل وجه استدلالهم هو أن الاستعارة والتشبيه المطلق
يقتضي إعتبار المشابهة في جميع الأحكام لوقوعه في كلام الحكيم أو الاحكام الظاهرة الشايعة ومنها حكم
النجاسة ومقدار النزح فقد ذكروا في مثل ذلك وجوها ثلاثة أحدها الاجمال لعدم تعيين وجه الشبه و
الثاني العموم لوقوعه في كلام الحكيم والثالث التشريك في الاحكام الشايعة وهو أظهر الاحتمالات ومن
هذا القبيل قولهم الطواف في البيت صلاة قانون قد ذكرنا أن الأصل في التفهيم والتفهم هو الوضع
31

وأيضا الأصل والظاهر يقتضيان عدم إرادة الزايد على المعنى الواحد وعدم وضع اللفظ لأكثر من معنى حتى
يكون مشتركا أو منقولا وعدم إرادة معنى آخر من اللفظ غير المعنى الأول بسبب علاقة حتى يكون مجازا
فحيث علم وجود هذه المخالفات وإرادة هذه الأمور من اللفظ بقرينة حالية أو مقالية فهو وإن احتمل
إرادة هذه الأمور ولم يكن قرينة عليها فلا ريب أنه يجب الحمل على الموضوع له الأولى كما تقدم واما لو كان
الاحتمال والتردد بين هذه الأمور المخالفة لأصل الموضوع له المتجددة الطارية له الحاصلة بسبب دواع
خارجية فيتصور هناك صور عديدة يعبر عنها الأصوليون بتعارض الأحوال يحصل من دوران اللفظ
بين بعض من الاشتراك والنقل والتخصيص والاضمار والمجاز وبعض أخر والتخصيص والاضمار وإن كانا قسمين
من المجاز لكنه لما كان لهما مزيد اختصاص وامتيازا فردوهما من أقسام المجاز وجعلوهما قسيما له وذكروا
لكل واحد منهما مرجحا على الاخر مثل أن المجاز أرجح من الاشتراك لكثرته وأوسعيته في العبارة وكونه أفيد
لأنه لا توقف فيه أبدا بخلاف المشترك والاشتراك أرجح من المجاز من حيث أبعديته عن الخطأ إذ مع
عدم القرينة يتوقف بخلاف المجاز فيحمل على الحقيقة وقد يكون غير مراد في نفس الامر وإن المجاز يصح من كل
من المعنيين فيكثر الفايدة بخلاف المجاز والاشتراك أرجح من النقل لان النقل يقتضي الوضع في
المعنيين على التعاقب ونسخ الوضع الأول بخلاف الاشتراك والنسخ يقتضي بطلان المنسوخ والاشتراك
يقتضي التوقف فيكون أولى وإن الاشتراك أكثر من النقل والاضمار أرجح من الاشتراك لاختصاص
الاجمال الحاصل بسبب الاضمار ببعض الصور وذلك حيث لا يتعين المضمر وتعميمه في المشترك وإن الاضمار
أوجز وهو من محاسن الكلام والتخصيص أرجح من الاشتراك لأنه خير من المجاز وهو خير من الاشتراك
والمجاز أرجح من النقل لاحتياج النقل إلى اتفاق أهل اللسان على تغيير الوضع والمجاز يفتقر إلى قرينة
صارفة وهي متيسرة والأول متعسر والمجاز فوايده أكثر من النقل ويظهر من ذلك ترجيح الاضمار عليه
أيضا والتخصيص أرجح من النقل لأنه أرجح من المجاز وهو أرجح من النقل والتحصيص أرجح من المجاز
لحصول المراد وغيره مع عدم الوقوف على قرينة التخصيص والمجاز إذا لم تعرف قرينة يحمل على الحقيقة
وهي غير مرادة والتخصيص أرجح من الاضمار لكونه أرجح من المجاز المساوي للاضمار إلى غير ذلك من
الوجوه التي ذكروها وفي كثير منها نظر إذ أكثرها معارض بمثلها والبسط في تحقيقها وتصحيحها لا يسعه
هذا المختصر وحاصل غرض المستدل في الترجيح بهذه الوجوه إبداء كون صاحب المزية الكاملة أولى
بالإرادة للمتكلم فلا بد من حمل كلامه على ما هو أكمل وأحسن وأتم فايدة فلا يختار المتكلم ما هو
أخس وأنقص وأقل فايدة إلا في حال الضرورة وحال الضرورة نادرة بالنسبة إلى غيرها والظن يلحق
32

الشئ بالأعم الأغلب وفيه أنا نمنع أن غالب المتكلمين في أغلب كلماتهم يعتبرون ذلك فإن قيل الحكماء
منهم يعتبرون ذلك وما يجدي للأصولي هو ملاحظة كلام الشارع وهو حكيم فيقال أن الحكمة لا تقتضي
ذكر الأتم والأحسن غالبا بل ربما يقتضي ذكر الأنقص نعم إذا كان المراد إظهار البلاغة للاعجاز ونحوه
فيعتبر ما له مزيد دخل بموافقة مقتضى المقام والخلوص عن التعقيد اللفظي والمعنوي وما يرتبط
بالمحسنات اللفظية والمعنوية ولكن مقتضى المقامات مختلفة وما هذا شأنه من كلامهم ليس له مزيد
دخل في بيان الأحكام الشرعية الذي هو محط نظر الأصولي ومع تسليم ذلك فنمنع حجية مثل هذا الظن و
التحقيق أن المجاز في نفس الامر أغلب من غيره من المذكورات في أكثر كلام المتكلمين ولا يمكن إنكار هذه
الغلبة وكذلك التخصيص أغلب أفراد المجاز في العام لا مطلقا وأما حصول الغلبة في غيرهما فغير معلوم
بل وندرتها معلومة وعلى هذا يقدم المجاز على الاشتراك والنقل بل ولا يبعد ترجيحه على الاضمار أيضا
ويقدم التخصيص على غيره من أقسام المجاز وغيرها لان الظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب وأما حجية
مثل هذا الظن فيدل عليه ما يدل على حجية أصالة الحقيقة مع احتمال إرادة المجاز وخفاء القرينة فكما
أن الوضع من الواضع فهذه الأمور المخالفة له الطارئة عليها أيضا من جانب الواضع ولذا يقال
أن المعنى المجازي وضع ثانوي فكما يكتفى في المعنى المجازي بالقرائن المعهودة المعدودة فكذا يكتفى في
معرفة أن ذلك اللفظ مجاز لا مشترك ولا منقول بقرينة الغلبة سيما والأصل عدم الوضع الجديد و
عدم تعدده وعدم الاضمار وغير ذلك ولم نقف على من منع إعتبار مثل هذا الظن من الفقهاء
وبالجملة فلا مناص عن العمل بالظن في دلالة الألفاظ خصوصا على قول من يجعل الأصل جواز العمل بالظن
إلا ما خرج بالدليل مع أنه يظهر من تتبع تضاعيف الأحكام الشرعية والأحاديث إعتبار هذا
الظن فلاحظ وتأمل وإن شئت أرشدك إلى موضع واحد منها وهو ما دل على حلية ما يباع في
أسواق المسلمين وإن أخذ من يد رجل مجهول الاسلام فروى إسحاق بن عمار في الموثق عن العبد
الصالح عليه السلام أنه قال لا بأس بالصلاة في فرو يماني وفيما صنع في أرض الاسلام قلت فإن كان فيها
غير أهل الاسلام قال إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس ويدل على ذلك العرف أيضا
فلاحظ قانون كل لفظ ورد في كلام الشارع فلا بد أن يحمل على ما علم إرادته منه ولو كان معنى
مجازيا وإن لم يعلم المراد منه فلا بد من أن يحمل على حقيقة اصطلاحه سواء ثبت له اصطلاح خاص
فيه أو لم يثبت بل كان هو اصطلاح أهل زمانه وإن لم يعلم ذلك أيضا فيحمل على اللغوي أو العرفي
إن وجد أحدهما بضميمة أصالة عدم النقل فإذا وجد واحد منهما (واتحد) فهو إن تعدد فيتحرى في تحصيل
35

الحقيقة باستعمال إماراتها أو القرينة المعينة للمراد ثم يعمل على مقتضاه من الترجيح أو التوقف وإن وجد
كلاهما فإن كان المعنى العرفي هو عرف المتشرعة فهو محل النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعية وإلا فالمشهور
تقديم العرف العام لإفادة الاستقراء ذلك وقيل يقدم اللغة لأصالة عدم النقل والأول أظهر وأما
ثبوت الحقيقة الشرعية ففيه خلاف والمشهور بينهم أن النزاع في الثبوت مطلقا والنفي مطلقا والحق
كما يظهر من بعض المتأخرين التفصيل وتحرير محل النزاع هو أن كثيرا من الألفاظ المتداولة على لسان
المتشرعة أعني بهم من يتشرع بشرعنا فقيها كان أو عاميا صار حقايق في المعاني الجديدة التي استحدثها
الشارع ولم يكن يعرفها أهل اللغة مثل الصلاة في الأركان المخصوصة والصوم في الامساك المخصوص
إلى غير ذلك فهل ذلك بوضع الشارع إياها في إزاء هذه المعاني بأن نقلها من المعاني اللغوية ووضعها
لهذه المعاني الجديدة أو استعملها مجازا في هذه المعاني مع القرينة وكثر استعمالها فيها إلى أن استغنى
عن القرينة فصارت حقائق أو لم يحصل الوضع الثانوي في كلامه بأحد من الوجهين وكان استعماله
فيها بالقرينة ويظهر ثمرة النزاع إذا وجدت في كلامه بلا قرينة فإن قلنا بثبوت الحقيقة فلا بد من حملها
على هذه المعاني وإلا فعلى اللغوي وقد طال التشاجر بينهم في الاستدلال ولكل من الطرفين حجج واهية و
أقوى أدلة النافين أصالة عدم النقل وأقوى أدلة المثبتين الاستقراء فيدور الحكم مدار الاستقراء
وقد يستدل بالتبادر بأنا إذا سمعنا هذه الألفاظ في كلام الشارع يتبادر في أذهاننا تلك المعاني
وهو علامة الحقيقة وهذا الاستدلال من الغرابة بحيث لا يحتاج إلى البيان إذ من الظاهر أن المعتبر
من التبادر هو تبادر المعنى من اللفظ عند المتحاورين بذلك اللفظ فإذا سمع النحوي لفظ الفعل من
اللغوي وتبادر إلى ذهنه ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة لا يلزم منه كونه حقيقة
فيه عند اللغوي أيضا وربما زاد بعضهم مصادرة وقال الظاهر أن ذلك التبادر لكثرة استعمال
الشارع لا لأجل ألف المتشرعة بهذا المعنى ثم أغرب وقال أن التبادر معلوم وكونه لأجل أمر غير الوضع
غير معلوم يعني وضع الشارع وهو مقلوب عليه بأن التبادر معلوم وكونه من أجل وضع الشارع غير
معلوم وعلى المستدل الاثبات ولا يكفيه الاحتمال وكيف كان فالحق ثبوت الحقيقة الشرعية في الجملة
وأما في جميع الألفاظ والأزمان فلا والذي يظهر من استقراء كلمات الشارع ان مثل الصلاة والصوم
والزكاة والحج والركوع والسجود ونحو ذلك قد صارت حقايق في صدر الاسلام بل ربما يقال إنها
كان حقائق في هذه المعاني قبل شرعنا أيضا لكن حصل اختلاف في الكيفية وحصولها فيها وفي غيرها
من الألفاظ الكثيرة الدوران في زمان الصادقين عليهما السلام ومن بعدهما مما لا ينبغي التأمل
36

فيه كما صرح به جماعة من المحققين وأما مثل لفظ الوجوب والسنة والكراهة ونحو ذلك فثبوت
الحقيقة فيها في كلامهما عليهما السلام ومن بعدهما أيضا محل تأمل فلابد للفقيه من التتبع والتحري ولا
يقتصر ولا يقلد ثم أن ما ذكرناه من الوجهين في كيفية صيرورتها حقيقة فالأول منهما في غاية
البعد بل الظاهر هو الوجه الثاني وعليه فلا تحصل الثمرة إلا فيما علم أنه صدر بعد الاشتهار في هذه المعاني
إلى أن استغنى عن القرينة فإن علم أنه كان بعده فيحمل على الحقيقة وإلا فيمكن صدوره قبله وحينئذ فيمكن
إرادة المعاني الجديدة واختفى القرينة ويمكن إرادة المعنى اللغوي والأصل عدمها فيحمل على اللغوي وهذا
أقرب فليرجع إلى التفصيل الذي ذكرنا وليتأمل وليتتبع لئلا يختلط الامر والله الهادي ثم اعلم أنه قد نسب
إلى بعض المنكرين للحقيقة الشرعية القول بأن الشارع لم يستعمل تلك الألفاظ في المعاني المخترعة بل
يقول أنه استعملها في المعاني اللغوية والزوايد شروط لصحة العبادة فالصلاة مثلا مستعملة في
الدعاء وكونه مقترنا بالركعات شرط لصحة الدعاء والشرط خارج عن المشروط وكذلك الغسل هو
غسل مشروط بزوايد وهكذا فلا نقل عنده ولا حقيقة جديدة ورد بأنه يلزم أن لا يكون المصلي
مصليا إذا لم يكن داعيا فيها كالأخرس أو لم يكن متبعا كالمنفرد وهو باطل ويلزم هذا القائل نفي التركيب
والماهيات المخترعة عند الشارع ويظهر الثمرة في إمكان جريان أصل العدم في إثبات الاجزاء والشرائط
وعدمه وبيان ذلك أنه لا خلاف ولا ريب في كون الأحكام الشرعية توقيفية لا بد أن يتلقى من الشارع
وأما موضوعات الاحكام فإن كان من قبيل المعاملات فيرجع فيها إلى العرف واللغة وأهل الخبرة
كالبيع والأرش ونحوهما وكذلك كل لفظ يستعمل في كلام الشارع لإفادة الحكم أو لإفادة بيان ماهية
العبادة كالغسل بفتح الغين والمسح ونحوهما وإن كان من قبيل العبادات كالصلاة والغسل ونحوهما
فهو أيضا كنفس الاحكام فإنها حقايق محدثة من الشارع لا يعلمها إلا هو وأما هذا القائل فيرجع فيها
أيضا إلى اللغة والعرف كالمعاملات لأنه لم يقل بكونها منقولات غاية الامر أن يقارنها بما يثبت عنده
من الشرايط فإن قلنا بجعل الماهيات الجديدة من جانب الشارع وإحداثها فيصير العبادات من
باب مركب ذي أجزاء ينتفي بانتفاء أحد أجزائه فلا بد في حصول الامتثال به من حصول العلم بجميع
أجزائه وشرائطه فإذا شك في كون شئ جزء له أو شرطا له فلا يمكن القول بأن الأصل عدم المدخلية
للزوم العلم بالاتيان بالماهية المعينة ولا يكفي في ذلك عدم العلم بعدم الاتيان وأما على القول بعدم
تركيب جديد فالمكلف به هو المعنى اللغوي ولا تأمل فيه والباقي أمور خارجة عنه يمكن نفي ما شك
في ثبوته من الشرائط الخارجة بأصل العدم كالمعاملات وإما بناء دفع كلام هذا القائل بالبناء على
39

القول بثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه بأن يقال بطلان قوله على القول بثبوت الحقيقة الشرعية
واضح فإن الصلاة اسم لهذا المركب وكذا الغسل والوضوء فكيف يحملها على الدعاء والغسل بفتح
الغين وعلى القول بعدمها فبعد وجود القرينة الصارفة عن اللغوي لا بد أن يحمل على الشرعي لكونه
أشهر مجازاته وأشيعها فهو غريب لما عرفت من أنه منكر للحقيقة الشرعية بل منكر للماهيات المحدثة
ثم بعد القول ببطلان مذهب هذا النافي والبناء على المشهور من كون تلك العبادات ماهيات
محدثة فهل يجوز إجراء أصل العدم فيها بمعنى أنا إذا شككنا في كون شئ جزء لها أو شرطا لصحتها
فهل يمكن نفيه بأصالة العدم أو لا بد من الاتيان بما يوجب اليقين بحصول الماهية في الخارج فيه
خلاف ولا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمة وهي أنهم اختلفوا في كون العبادات أسامي
للصحيحة أو الأعم منها وهذا الخلاف أيضا لا يتوقف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فيها بل
يكتفى فيه بثبوت الحقيقة المتشرعة ومطلق استعمال الشارع تلك الألفاظ فيها فالنزاع في الحقيقة في
أنه متى أطلق لفظ دال على تلك الماهية المحدثة فهل يراد الصحيحة منها أو الأعم والثمرة في هذا
النزاع تظهر فيما لم يعلم فساده فهل يحصل الامتثال بمجرد عدم العلم بالفساد لصدق الماهية عليها
أو لابد من العلم بالصحة مع الشك في مدخلية شئ في تلك الماهية جزء كان أو شرطا فلا يحكم بمجرد
فقدان ذلك بالبطلان على الثاني بخلاف الأول للشك في الصحة وما يظهر من كلام بعضهم من
التفرقة بين الشك في الجزء والشرط وإن الأول مضر على القول الثاني أيضا فلعله مبني على أن المركب
لا يتم إلا بتمام الاجزاء فكيف يقال بصدق الاسم على الثاني مع الشك في جزئية شئ آخر له وفيه أن
مبنى كلام القوم على العرف وانتفاء كل جزء لا يوجب انتفاء المركب عرفا ولا يوجب عدم صدق
الاسم في التعارف ألا ترى أن الانسان لا ينتفي بانتفاء اذن منه أو إصبع عرفا بخلاف مثل رأسه
ورقبته والحاصل أنه لا ريب في أن الماهيات المحدثة أمور مخترعة من الشارع ولا شك أن ما أحدثه
الشارع متصف بالصحة لا غير بمعنى أنه بحيث لو اتى به على ما اخترعه الشارع يكون موجبا للامتثال
للامر بالماهية من حيث هو أمر بالماهية لكنهم اختلفوا هذا الاختلاف بوجهين أحدهما أن نقول
إذا وضع الشارع أسماء لهذه المركبات أو استعمل فيها بمناسبة فهو يريد تلك الماهية على الوجه
الصحيح بالمعنى المذكور من الحيثية المذكورة وهذا القدر متيقن الإرادة ولكنه لما كان الماهية عبارة
من المركب عن الاجزاء بأجمعها من دون مدخلية الشرائط والشرائط خارجة عنها ولا مانع من وضع
اللفظ بإزاء الماهية مع قطع النظر عن كونها جامعة للشرائط ولا من وضعه بإزاء الماهية مع ملاحظة
40

اجتماعها لشرائط الصحة فاختلفوا في أن الألفاظ هل هي موضوعة للماهية مع اجتماع الشرائط أو الماهية
المطلقة فمراد من يقول أنها أسام للصحيحة منها أنها أسام للماهية مجتمعة لشرائط الصحة الزايدة على
الصحة الحاصلة من جهة الماهية من حيث هي ومراد من يقول بأنها أسام للأعم انها أسام لنفس الماهية
الصحيحة من حيث هي القابلة للصحة الزايدة على هذه الحيثية وعدمها والحاصل أن الأول يقول
بأن الصلاة مثلا اسم للأركان المخصوصة حال كونها جامعة للشرائط مثل الطهارة عن الحدث
والخبث والقبلة ونحو ذلك لا أنها اسم للأركان المخصوصة والشرائط معا والثاني يقول بأنها
اسم للصلاة بدون اشتراط اجتماعها للشرائط ولا مع الشرائط فحينئذ تظهر الثمرة فيما لو حصل الشك في
شرطية شئ لصحة الماهية فعلى القول بكونها أسامي للصحيحة الجامعة لشرائط الصحة فلا بد من
العلم بحصول الموضوع له في امتثال الامر بها ولا يحصل إلا مع العلم باجتماعه لشرائط الصحة وأما
على القول الاخر أعني وضعها لنفس الاجزاء المجتمعة مع قطع النظر عن الشرائط فيحصل امتثال الامر
الوارد بالعبادة بمجرد الاتيان بها بما علم من شرائطها وما يقال أن الشك في الشرط يوجب
الشك في المشروط معناه الشك في تحقق الشرط المعلوم الشرطية لا الشك في أن لهذا الشئ شرطا
يتوقف صحته عليه أم لا والوجه الثاني أن مع قطع النظر عن الشرائط أيضا قد يحصل الاشكال
بالنظر إلى ملاحظة الاجزاء فإن النقص في أجزاء المركب قد لا يوجب سلب اسم المركب عنه عرفا كما
ذكرنا في الانسان المقطوع الاذن أو الإصبع فالصلاة إذا كانت في الأصل موضوعة للماهية
التامة الاجزاء ولكن لم يصح سلبها عنه بمجرد النقص في بعض الاجزاء فيتم القول بكونها اسما للأعم من
الصحيحة فيرجع الكلام إلى وضعها لما يقبل هذا النقص الذي لا يوجب خروجها من الحقيقة عرفا وذلك
لا يستلزم كون الناقصة مأمورا بها ومطلوبة لان مجرد صدق الاسم عند الشارع لا يوجب كونها
مطلوبة له ويظهر الثمرة حينئذ فيما فلو نذر أحد أن يعطي شيئا بمن رآه يصلي فرأى من صلى ونقص
طمأنينته في إحدى السجدتين مثلا أو لم يقرء السورة في إحدى الركعتين (فبر)؟ النذر بذلك لا يستلزم
كون تلك الصلاة مطلوبة للشارع ومأمورا بها فكونها مصداق الاسم معنى وكونها مأمورا و
مطلوبا يحصل به الامتثال معنى آخر إذ لا بد في الامتثال مضافا إلى صدق الاسم كونها صحيحة أيضا
ويتفاوت الاحكام بالنسبة إلى الامرين ويظهر الثمرة فيما لو أريد إثبات المطلوبية والصحة حينئذ بمجرد صدق
الاسم فيما لو شك في جزئية شئ للصلاة ولم يعلم فسادها بدونه فعلى القول بكونها اسما للأعم يتم
المقصود وعلى القول بكونها اسما للصحيحة التامة الاجزاء الجامعة للشرائط فلا لعدم معلومية
43

تمامية الاجزاء حينئذ وجامعيته لشرائط الصحة من الحيثية التي قدمنا ذكرها وغيرها من سائر شرائط الصحة
ثم أن الأظهر عندي هو كونها أسامي للأعم بالمعنيين كما يظهر من تتبع الاخبار ويدل عليه عدم صحة السلب
عما لم يعلم فساده وصحته بل وأكثر ما علم فساده أيضا وتبادر القدر المشترك منها ويلزم على القول
بكونها أسامي للصحيحة لزوم القول بألف ماهية لصلاة الظهر مثلا فصلاة الظهر للمسافر شئ و
للحاضر شئ آخر وللحافظ شئ وللناسي شئ آخر وكذلك للشاك وللمتوهم والصحيح والمريض والمحبوس
والمضطر والغريق إلى غير ذلك من أقسام الناسي في جزئيات مسائل النسيان والشاك في جزيئات
مسائله وهكذا إلى غير ذلك وأما على القول بكونها أسامي للأعم فلا يلزم شئ من ذلك لان هذه
أحكام مختلفة ترد على ماهية واحدة مع أن الصلاة شئ والوضوء والغسل والوقت والساتر والقبلة
وغيرها أشياء اخر وكذلك اتصاف الصلاة بالتلبس بها فالظاهر أن لكل شئ منها اسما آخر ولا دخل
في اشتراط شئ بشئ اعتباره في تسميته به ومما يؤيد كونها أسامي للأعم اتفاق الفقهاء على أن أركان
الصلاة هي ما تبطل الصلاة بزيادتها ونقصانها عمدا أو سهوا إذ لا يمكن زيادة الركوع مثلا عمدا إلا
عصيانا ولا ريب في كونه منهيا عنه ومع ذلك يعد ركوعا لا يقال أن مرادهم صورة الركوع لا الركوع
الحقيقي وإن لم يكن صحيحا فإن من انحنى في الصلاة بمقدار الركوع لأجل أخذ شئ من الأرض سيما مع وضع
اليد على الركبة بحيث يحسب الناظر أنه قد ركع فلا يوجب بطلان الصلاة من أجل زيادة الركن فالمراد
إطلاق الاسم في عرف المتشرعة حقيقة وهو لا يتحقق إلا مع كون الركوع اسما للأعم من الصحيحة واحتجوا
بالتبادر وصحة السلب عن العاري عن الشرائط وكون الأصل في مثل لا صلاة إلا بطهور الاستعمال في
نفي الحقيقة لأنه المعنى الحقيقي وفي الأولين منع ولعل المدعى لذلك إنما غفل من جهة الأوامر فإن
الامر لا يتعلق بالفاسد وهذا فاسد لعدم انحصار محل النزاع في الأوامر فالامر قرينة لإرادة الصحيحة
وذلك لا يستلزم وضعها لها وأما قوله عليه السلام لا صلاة إلا بطهور فيتوجه المنع فيما ادعوه في
خصوص هذا التركيب كما لا يخفى على من لاحظ النظائر كقوله عليه السلام لا عمل الا بنية ولا نكاح إلا بولي ولا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد وغير ذلك فإن القدر المسلم في أصالة الحقيقة إنما هو في مثل لا رجل في
الدار وأما مثل هذه الهيئات التركيبية التي نفس الذات موجودة فيها في الجملة جزما وليس المراد
فيها إلا نفي صفة من صفاتها فلا يمكن دعوى أصل الحقيقة فيها وفيما يشكل كونه من هذه الجملة
مثل ما أقحم فيه خصوص الصلاة والصيام ونحوهما مما يحتمل فيه هذا الاحتمال السخيف وهو كونها
أسامي للصحيحة بحيث يمكن عرفا نفي الذات بمجرد انتفاء شرط من شروطها بل ومع الشك في حصول
شرط من شروطها فهو لا يخرج هذه الهيئة عما هو ظاهر فيه في العرف ولذلك تداولها العلماء هذا
44

التداول في مبحث المجمل والمبين ولم يحتملوا إرادة نفي الحقيقة والذات إلا على تقدير هذا القول الضعيف
وذلك ليس لان الأصل الحمل على الحقيق بل الأصل هنا خلافه بل لان دعوى كون هذه الألفاظ أسامي
للصحيحة صارت قرينة لحمل هذه العبادة على مقتضى الحقيقة القديمة التي هي الموضوع له لكلمة لا فقالوا
بأن حملها على نفي الذات حينئذ ممكن فحينئذ نقول حمل هذه العبارة على نفي الذات مع كونها ظاهرة في نفي
صفة من صفاتها إنما يمكن إذا ثبت كون الصلاة اسما للصحيحة وإلا فهي منساقة بسياق نظائرها
سيما مثل قوله عليه السلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فإذا أردنا إثبات كون الصلاة اسما للصحيحة
بسبب مقتضى الحقيقة القديمة فذلك يوجب الدور إلا أن يكون مراد المستدل أن أصالة الحقيقة
يقتضي ذلك خرجنا عن مقتضاه في غيرها بالدليل وبقي الباقي فبهذا نقول أن مثل قوله عليه السلام لا صلاة
إلا بطهور مما كان الفعل المنفي عبادة خارج عن سياق النظائر وباق على مقتضى الأصل فلا
ريب أن ذلك خلاف الانصاف فإن هذه في جنب الباقي ليست الا كشعرة سوداء في بقرة بيضاء
ولذلك لم يتمسك أحد من العلماء الفحول في ذلك المبحث لاثبات نفي الاجمال بأصالة الحقيقة و
تمسكوا بالقول بكونها موضوعة للصحيحة من العبادات والانصاف أن كون هذه منساقة بسياق
النظائر من الأدلة على كون العبادات أسامي للأعم فهو على ذلك أدل مما أراده المستدل وأيضا
نقول بعد التسليم أن هذا إنما يدل على أن الصلاة التي لا طهور لها ولا فاتحة فها ليست بصلاة
ولا يدل على أن الصلاة اسم للصحيحة كما لا يخفى إذ لو حصل الفاتحة والطهور للصلاة وشككنا أن
السورة أيضا واجبة مع الفاتحة أم لا فهذا الحديث لا ينفي كون الصلاة الخالية عنها صلاة ولا
يدل على أن الصلاة اسم لكل ما جامع جميع الشرائط ثم اعلم أن الشهيد رحمه الله قال في قواعد الماهيات
الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود ولا يطلق على الفاسد إلا الحج لوجوب المضي فيه فلو خلف
على ترك الصلاة أو الصوم اكتفى بمسمى الصحة وهو الدخول فيها فلو أفسدها بعد ذلك لم يزل
الحنث ويحتمل عدمه لأنه لا يسمى صلاة شرعا ولا صوما مع الفساد وأما لو تحرم في الصلاة أو دخل
في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث قطعا إنتهى والظاهر أن مراده اكتفى بمسمى الصحة في الحنث
يعني لو حلف على ترك الصلاة مثلا في مكان مكروه يحصل الحنث بمجرد الدخول وأقول يظهر من
قوله رحمه الله إلا الحج لوجوب المضي فيه أن كلامهم في الأوامر والمطلوبات الشرعية إن مرادهم أن الفاسد
لا يكون مطلوبا له إلا في الحج فإنه يجب المضي في فاسده لا في مطلق التسمية والاصطلاح ولو لأغراض
أخر مثل كونها علامة للاسلام وموجبا لجواز أكل الذبيحة بمجرد ذلك حيث قلنا بذلك ونحو ذلك
47

وذلك لأنه رحمه الله إن كان أراد من الاطلاق أعم من الاطلاق الحقيقي فلا ريب أن إطلاق الصلاة
مثلا على الفاسدة واستعمالها فيها في كلام الشارع والمتشرعة فوق حد الاحصاء وإن أراف منه
الاطلاق الحقيقي فلا معنى لتخصيص الحقيقة بالحج والتفصيل إذ محض الامر بالمضي لا يوجب كون اللفظ
حقيقة فيه فظهر أن مراده الاطلاق على سبيل الطلب والمطلوبية فإن التسمية في كلام الشارع مما
لا يقابل بالانكار ولنشر إلى بعض ما يفيد ذلك وهو ما رواه الكليني في الموثق كالصحيح لأبان بن
عثمان عن الفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه الصلاة والسلام قال بني الاسلام على خمس الصلاة و
الزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد أحد بشئ كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا
هذه يعني الولاية فإن الظاهر الواضح أن المراد بالأربع هو الأربع من الخمس والتحقيق أن عبادة هؤلاء
فاسدة كما دل عليه الاخبار وكلام الأصحاب فالأخذ بالأربع على هذا الوجه لا يمكن إلا مع جعلها
أسامي للأعم وذلك لا ينافي كون المطلوب في نفس الامر هو الصحيح والاكتفاء في التسمية بالأعم كما نشير
إليه من أن التسمية عرفية وإن كان المسمى شرعيا ومن جملة ما ذكرنا قوله عليه السلام دعي الصلاة
أيام أقرائك فإن صيرورة الصلاة صحيحة إنما يكون بأن لا تكون في أيام الحيض والتسمية بالصلاة
إنما كانت قبل هذا النهي وليس المعنى أن الصلاة التي لا تكون في حال الحيض اتركيها في حال الحيض
بل المعنى أتركي الصلاة في حال الحيض وادعاء أن التسمية وإثبات الشرط هنا قد حصلا بجعل واحد
يكذبه الوجدان السليم لتقدم التسمية وضعا وطبعا وما ذكر إنما يصح إذا قيل معناه أن الأركان
المخصوصة التي هي جامعة لجميع الشرائط ولكونها في غير هذه الأيام واسمها صلاة على القول بكونها
اسما للصحيحة لا تفعليها في هذه الأيام والمفروض أن كونها في غير هذه الأيام إنما استفيد من قوله
لا تفعليها في هذه الأيام وأما على القول بكونها اسما للأعم فلا يرد شئ من ذلك إذ يصح المنع عن
الصلاة مع قطع النظر عن كونها في هذه الأيام ومما ذكرنا يظهر ما في قوله رحمه الله لأنه لا يسمى صلاة شرعا
ولا صوما مع الفساد ولعل نظره ونظر من وافقه إلى أن الظاهر من حال المسلم في نذر الفعل والحلف
عليه هو قصد الفعل الصحيح فالحنث إنما هو لأجل الصحة وعدم الصحة لا لأنه ليس بصلاة فتعدوا من
عدم الصحة إلى نفي الذاب فلو نذر أحد أن يصلي ركعتين في وقت خاص فالقائلون بكونها اسما
للأعم أيضا يقولون بأن الفاسدة لا تكفي وكذا لو نذر أن يعطي مصليا شيئا فلا يبر نذره بإعطائه
لمن علم فساد صلاته ويظهر الثمرة فيما لو جهل حاله بالخصوص من جهة نفس الامر لعدم المعرفة بحال
المصلي أو من جهة نفس الحكم للاختلاف الحاصل من جهة الأدلة في حقيقة العبادة ولا مرجح عنده
48

لاعتبار الصحة عنده أو عند المصلي الذي يريد ان يعطيه مثلا وعلى هذا فلو حلف أو لا يبيع الخمر
فيحنث ببيعها وإن كان بيعها فاسدا كما ذهب إليه الأكثر لأجل تحقق البيع لا ينافي ذلك حمل
فعل المسلم على الصحة كما كان ينافيه في المثال المتقدم والظاهر أن ذلك أيضا لكون البيع اسما للأعم
وسنشير إلى جريان الخلاف في المعاملات أيضا ومما يؤيد كونها أسامي للأعم أنه لا إشكال عندهم
في صحة اليمين على ترك الصلاة في مكان مكروه أو مباح مثلا وحصول الحنث بفعلها ويلزمهم
على ذلك المحال لأنه يلزم حينئذ من ثبوت اليمين نفيها فإن ثبوتها يقتضي كون الصلاة منهيا عنها
والنهي في العبادة مستلزم للفساد وكونها فاسدة مستلزم لعدم تعلق اليمين بها إذ هي إنما تتعلق
بالصحيحة على مفروضهم فيحكم بصحتها وبعد تعلق اليمين لا يتحقق الحنث لعدم تحقق الصلاة الصحيحة
والقول بأن المراد الصلاة الصحيحة لولا اليمين لا يجعلها صحيحة في نفس الامر حقيقة كما هو مراد القائل
ويجري هذا الكلام في المعاملات أيضا إن قلنا بدلالة النهي على الفساد فيها أيضا ومما يؤيده أيضا أنه
يلزم على القول بكونها أسامي للصحيحة أن يفتش عن أحوال المصلي إذا أراد أن يعطيه شيئا لأجل النذر
إذا لم يعلم مذهبه وصحة صلاته في نفس الامر فإن حمل فعل المسلم على الصحة لا يكفي هنا فإن غاية ذلك حمل
فعل المسلم على الصحيح عنده والصحة قد تختلف باختلاف الأداء فإذا رأى من نذر شيئا للمصلي رجلا
صالحا يصلي بجميع الأركان والاجزاء ولكن لا يدري أنه هل صلى بغسل غير الجنابة بلا وضوء أو مع الوضوء
وهو يرى بطلان الصلاة به وذلك الصالح قد يكون رأيه أو رأي مجتهده الصحة والمفروض أن المعتبر
في وفاء الناذر على تكليفه ملاحظة الصحيح عنده المطابق لنفس الامر بظنه وكذلك ملاحظة غيره من
الاختلافات في الاجزاء وسائر الشروط ولا ريب أن الصحيح من العبادة ليس شيئا واحدا حتى يبنى عليه
في المجهول الحال على حمل فعل المسلم على الصحة ولم نقف إلى الان على من التزم هذه التفحصات و
التدقيقات ويعطون على من ظاهره الوفاء وليس ذلك إلا لأجل كونها أسامي للأعم ولعله لأجل
ذلك لا يتفحص المؤمنون في الاعصار والأمصار عن مذهب الامام في جزئيات مسائل الصلاة مثل
أنه هل يعتقد وجوب السورة أو ندبها أو وجوب القنوت أو ندبه ويأتمون به بعد ثبوت عدالته
نعم إذا علم المخالفة فلا يصح الاقتداء فيما يعتقده باطلا مثل ما لو ترك الامام السورة أو نحو ذلك فما
لم يعلم بطلانه يجوز الاقتداء به ويصح صلاته لأنه إئتم بمن يحكم بصحة صلاته شرعا والقدر الثابت من
المنع هو ما علم بطلانه وإن كان صحيحا عند الامام فليس هذا إلا من جهة كفاية مسمى الصلاة ما
لم يعلم المأموم بطلانها على مذهبه لا أنه لا يصح الاقتداء حتى يعلم أنه صحيح على مذهبه بقي الكلام في بيان
51

بعض ما أشار إليه الشهيد رحمه الله وهو أمور الأول أنه يستفاد منه أن الحقايق الشرعية كما تثبت في العبادات
تثبت في المعاملات أيضا وهو كذلك وقد يظهر من بعضهم اختصاص ذلك بالعبادات وهو ضعيف
وعلى هذا فيمكن عطف قوله رحمه الله وسائر العقود على تالييه لا الماهيات الجعلية أيضا الثاني أن الخلاف
في كون الألفاظ أسامي للصحيحة أو الأعم لا يختص بمثل الصلاة والصوم بل يجري في سائر العقود أيضا وهو
أيضا كذلك قال المحقق رحمه الله في الشرائع في كتاب الايمان إطلاق العقد ينصرف إلى العقد الصحيح دون
الفاسد ولا يبر بالبيع الفاسد لو حلف ليبيعن وكذا غيره من العقود وقال الشهيد الثاني رحمه الله في شرحه
عقد البيع وغيره من العقود حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد لوجود خواص الحقيقة والمجاز فيهما كمبادرة
المعنى إلى ذهن السامع عند إطلاق قولهم باع فلان داره وغيره ومن ثم حمل الاقرار به عليه حتى لو
ادعى إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا وعدم صحة السلب وغير ذلك من خواصه ولو كان مشتركا بين
الصحيح والفاسد لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة وانقسامه إلى الصحيح والفاسد
أعم من الحقيقة أقول ويمكن حمل كلام المحقق على ما ذكرنا من أن الظاهر والغالب في المسلمين
إرادة الصحيح فينصرف إليه لا لان اللفظ حقيقة فيه فقط فلا ينصرف إلى غيره لكونه مجازا وأما ما ذكره
الشارح من دعوى التبادر فإن أراد به ما ذكرنا فلا ينفعه وإن أراد كونه المعنى الحقيقي ففيه المنع المتقدم
وعدم سماع دعوى الفساد في صورة الاقرار أيضا لما ذكرنا كنظائره وأما تمسكه بعدم صحة السلب فلم
تحقق معناه لأنا لا ننكر كونه حقيقة انما الكلام في الاختصاص وهو لا يثبته وأما قوله رحمه الله وانقسامه إلى
الصحيح والفاسد أعم من الحقيقة فإن أراد أن التقسيم ليس بحقيقة في تقسيم المعنى فيما أطلق المقسم بل
أعم من تقسيم اللفظ والمعنى ففيه أن المتبادر من التقسيم هو تقسيم المفهوم والمعنى لا ما يطلق عليه اللفظ
ولو كان مجازا وإن أراد أن الدليل لما دل على كون الفاسد معنى مجازيا فلا بد أن يراد من المقسم معنى
مجازي يشملهما فهو مع أنه لا يساعده ظاهر كلامه رحمه الله أول الكلام الثالث أن الدخول في العمل على وجه الصحة
يكفي في كونه صحيحا أقول والأظهر عدم الاكتفاء فإن الدخول على وجه الصحة غير الاتيان بالفعل الصحيح و
المفروض أن الحلف إنما وقع على الثاني فإن الصلاة والصيام ليسا من باب القران المحتمل وضعه
للمجموع وللكلام المنزل على سبيل الاعجاز المتحقق في ضمن كل من أبعاضه بل هما إسمان للمجموع وعلى ما
ذكره يلزم الحنث وإن لم يتمها فاسدا أيضا وهو كما ترى بل هذا لا يصح على المختار أيضا بل يمكن أن يقال أنه
لا يحصل الحنث على المختار لو أتمه فاسدا أيضا عالما بالفساد لما ذكرناه في توجيه كلامه رحمه الله ومن وافقه
من إرادة الصحيحة في أمثال ذلك وإن بنى على المختار إذا عرفت هذا فاعلم أن الظاهر أنه لا إشكال
52

في جواز إجراء أصل العدم في ماهية العبادات كنفس الاحكام والمعاملات بل الظاهر أنه لا خلاف فيه كما
يظهر من كلمات الأوايل والأواخر ولم نقف على تصريح بخلافه في كلام الفقهاء وأما ما نراه كثيرا في
كلماتهم من التمسك بالاحتياط واستصحاب شغل الذمة فهو إما مبني على مسألة الاحتياط والقول
بوجوبه وستعرف ضعفه أو تأييد الدليل به فلاحظ الانتصار وقد يتمسك بالاجماع وطريقة الاحتياط
في إثبات أصل الحكم كما تمسك به في وجوب صلاة العيدين خلافا للشافعي وفي مسألة المنع عن صلاة
الأضحى وغير ذلك وأما استدلالهم بالأصل في مهية العبادات فهو فوق حد الاحصاء وكيف كان
فالمتبع هو الدليل ولا ينبغي التوحش مع الانفراد إذا وافقنا الدليل فكيف وجل الأصحاب إن لم نقل
كلهم متفقون في عدم الفرق فمن يعمل بالأصل لا يفرق بين العبادات وغيرها فنقول أن من اليقينيات
إنا مكلفون بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله من الاحكام والشرائع والعبادات وكما أن سبيل القطع
بمعرفة الاحكام كما وردت منسد لنا فكذلك بمعرفة مهية العبادات وكما يمكن أن يقال التكليف بالعبادات
أمر بشئ غير معلوم لنا ولا يحصل الامتثال بها إلا بإتيانها بماهياتها كما وردت فكذلك سائر الأحكام
الشرعية غير معلوم لنا ولا يحصل الامتثال بها إلا بإتيانها بماهياتها كما وردت وكما أن انسداد باب العلم
مع بقاء التكليف بالضرورة وقبح تكليف ما لا يطاق يوجب جواز العمل بالظن في الاحكام بعد التفحص
والتجسس عن الأدلة وحصول الظن بسبب رجحان الدليل على المعارضات أو بسبب أصالة عدم معارض
آخر فكذلك في ماهية العبادات وكما لا يمكن في ماهية العبادات التمسك بالأصل قبل الفحص والتفتيش
واستفراغ الوسع فكذلك لا يمكن ذلك في نفس الاحكام وسيجئ الكلام في ذلك مستقصى في مباحث
التخصيص ومباحث الاجتهاد والتقليد فنقول أنه لا مانع من إجراء أصالة العدم في إثبات مهية
العبادات كنفس الاحكام إذ لو قيل أن المانع هو أن اشتغال الذمة بالعبادة في الجملة قاطع لأصالة
العدم السابق فيصير الأصل بقاء شغل الذمة حتى يثبت المبرء فمثله موجود في الاحكام أيضا فإن
اشتغال الذمة بتحصيل حقيقة كل واحد من الاحكام الذي علم إجمالا بالضرورة من دين محمد
صلى الله عليه وآله قاطع ولذلك اشترطوا في إعمال أصل البراءة وأصالة العدم في الأحكام الشرعية
الفحص عن الأدلة أولا فنحن نعلم جزما أن لغسل الجمعة مثلا حكما من الشارع لا نعلمه فبعد البحث
والفحص وعدم رجحان دليل الوجوب نقول الأصل عدم الوجوب والأصل عدم معارض آخر يترجح
على ما ظهر علينا من أدلة الاستحباب ولا يمكننا ذلك قبله ولا يوجب امتزاج أمور متعددة
وثبوت حكم فيها الفرق في ذلك فكما نتفحص من حكم المفرد وبعد استفراغ الوسع نستريح إلى أصل
55

البراءة وأصل العدم في عدم ما يدل على خلاف ما فهمناه وظنناه من قبل الأدلة فكذلك في ماهية
العبادات المركبة فإذا حصل لنا من جهة الاخبار والاجماعات المنقولة بانضمام ما وصل إلينا من
سلفنا الصالحين يدا بيد ان مهية الصلاة لا بد فيها من النية والتكبير والقرائة والركوع والسجود
وغيرها من الاجزاء المعلومة وشككنا في أن الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى مثلا هل هو
أيضا من الواجبات كما ذهب إليه بعض العلماء أم لا ورأينا أن دليله على الوجوب معارض بدليل
آخر على الندب فمع تعارضهما وتساقطهما فيبقى احتمال الوجوب لامكان ثبوت دليل آخر يدل
عليه فحينئذ يجوز لنا نفيه بأصل العدم وأصالة عدم الوجوب فإنه يفيد الظن بالعدم ويحصل من مجموع
الامرين الظن بأن مهية العبادة هو ما ذكر لا غير وإن قلت بلزوم تحصيل اليقين قلنا بمثله في
نفس الحكم مع أنا نقول لم يثبت انقطاع أصل البراءة السابقة وعدم اشتغال الذمة السابقة إلا
بهذا القدر فكيف يحكم بانقطاعه رأسا حتى يقال لا يمكن التمسك بالأصل لانقطاعه بالدليل مع
أن ذلك يجري في الحكم الشرعي أيضا فإن من المعلوم أن أصل العدم في الأحكام الشرعية أيضا القطع
بثبوت حكم مجمل لكل واحد من الموضوعات فكيف يحكم بأن الأصل عدم هذا الحكم وثبوت حكم آخر و
الحاصل أنا إذا بنينا على كفاية الظن عند انسداد باب العلم فلا فرق بين الحكم ومهية العبادات هذا
مع أن لنا أن نقول في الاخبار أيضا ما يدل على بيان المهية وأن العبادات هي هذه مثل صحيحة حماد
الواردة في بيان آداب الصلاة ونحوها فحينئذ يتضح عدم الفرق بينها وبين نفس الاحكام في اجراء أصالة
العدم وقد ظهر مما ذكرنا إمكان اثبات مهية العبادات بضميمة أصل العدم مطلقا سواء حصل لنا
ظن من جهة خبر أن هذا هو المهية أو حصل الظن من جهة مجموع ما ورد من الأدلة في خصوص
جزء جزء وأصالة عدم شئ آخر وأما ما يقال أن السبيل منحصر في الاجماع فلا نفهم معناه فإن أراد
أنه لا بد أن ينعقد الاجماع على أن هذا هو المهية لا غير فلا سبيل لنا إلى مثل هذا الاجماع ولم يدعه
أحد من العلماء وإن ادعاه أحد فهو أيضا ظن مثل الظن الحاصل من تلك الرواية أو من الأصل
ولا يتم إلا بضميمة أصالة عدم دليل آخر يدل على ثبوت جزء آخر له أو شرط آخر له وإن أراد أن ما حصل
الاجماع على صحته فالماهية موجودة فيه جزما ففيه أن هذا ليس إثبات المهية وتعيينها بل هو إثبات
لما اندرج فيه المهية جزما لاحتمال اشتمالها على المستحبات التي ليست داخلة في ماهية العبادة
مع أن ذلك مما لا يمكن غالبا كما لو دار الامر بين الوجوب والحرمة في شئ من الاجزاء مثل الجهر ببسم الله
الرحمن الرحيم في الصلاة الاخفاتية وبطلان الصلاة بتذكر إسقاط الركوع بعد إكمال السجدتين
56

مع ملاحظة القول بلزوم حذفهما وتدارك الركوع فيما بعده وربما يتكلف في دفع هذا الاشكال بأن
المخالف في المسألة إذا سلم أنه لو كان دليله باطلا لكان المهية هي على وفق ما اقتضاه دليل خصمه
سواء صرح بذلك التسليم أم لا فهذا يكفي في كون المهية إجماعية عند الخصم إذا ظهر له بطلان دليل
المخالف وغفلته عن الحق وفيه مع أن هذا إنما يتم بالنسبة إلى المخالفة الخاصة دون سائر المخالفات
وذلك لا يثبت المهية مطلقا أن ظهور بطلان دليل المخالف غالبا إنما هو بحسب اجتهاد الخصم
وقد يكون الغفلة في نفس الامر من جهة الخصم لا المخالف مع أن هذا الاحتمال حاصل بالنسبة إلى
المخالف أيضا بالنظر إلى دليل الخصم فيصير الاجماع تابعا لاجتهاد المجتهد وهو كما ترى ويزيد شناعة
ذلك لو تعدد الأقوال أزيد من اثنين كما في الجهر ببسم الله فإن الأقوال فيه ثلاثة الحرمة والوجوب
والاستحباب وإن قلت الاجماع حينئذ يحصل بتكرير الصلاة فيصير الامر أشنع ومال هذا القول إلى
وجوب الاحتياط وهو مع أنه لم يقم عليه دليل من العقل والنقل يوجب العسر والحرج أو الترجيح بلا
مرجح وأما ما أورد على أعمال الأصل في ذلك بأنه إنما يتم إذا جاز العمل بالاستصحاب حتى في نفس الحكم
الشرعي مع أنه معارض بأصالة عدم كونها العبادة المطلوبة وإن شغل الذمة اليقيني مستصحب حتى
يثبت خلافه ففيه مع أن المحقق في محله كما سيجئ إنشاء الله تعالى حجية الاستصحاب مطلقا أن مرادهم من
عدم حجيته في إثبات نفس الحكم الشرعي أن يكون الاستصحاب مثبتا لنفس الحكم مثل أن يقال أن المذي
غير ناقض للوضوء مثلا لاستصحاب الطهارة السابقة فاستصحاب الطهارة هو المثبت لعدم كون المذي
ناقضا وأصل العدم منفردا لا يثبت به المهية بل هي بضميمة سائر المثبتة لها كما لا يخفى مع أنه
مقلوب على المعترض بأنه كيف يجوز التمسك في إثبات استحباب غسل الجمعة مثلا بعد تعارض
الأدلة بأصالة عدم شئ آخر يدل على الوجوب فيحكم بالاستحباب فإن الذي يثبت من نفس أدلة
الطرفين إنما هو القدر الراجح لاشتراكهما في الرجحان فيبقى نفي الوجوب وتعيين نفس الاستحباب
مستفادا من نفس الاستصحاب وأصالة العدم إذ ليس مطلق الرجحان معنى الاستحباب وأما المعارضة
بأصالة عدم كونها العبادة المطلوبة ففيه أن الموجود الخارجي كما يحتمل كونه غير العبادة المطلوبة
يحتمل كونه هي فجعل أحدهما هو الأصل دون الاخر ترجيح بلا مرجح نعم يمكن أن يقال الأصل عدم تحقق
العبادة المطلوبة في الخارج بمعنى عدم حصول اليقين بالاتيان بالعبادة المطلوبة ولا محصل لهذا
الاستصحاب إلا بقاء المكلف به في الذمة وهو يرجع إلى استصحاب شغل الذمة اليقيني وجوابه ان
اشتغال الذمة اليقيني مقتض لليقين بإبراء الذمة إذا أمكن والظن الاجتهادي الحاصل من الأصل
57

بضميمة سائر الأدلة قائم مقام اليقين كما هو متفق عليه عندهم مع أن شغل الذمة بأزيد من ذلك لم يثبت
من الأدلة وأصل البراءة السابق لم ينقطع إلا بمقدار ما ثبت إشغال الذمة به وما ثبت علينا من
الأدلة وسلمناه هو اشتغال ذمتنا بما يظهر علينا من الظنون الاجتهادية ثبوته وقد يتمسك في
إثبات ماهية العبادات بطريق أخر وهو أن يرجع إلى اصطلاح المتشرعة ويقال المتبادر في
اصطلاحهم هو هذا فهو مطلوب الشارع أما على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فظاهر
وأما على القول بالعدم فمع القرينة الصارفة عن اللغوي يحمل
عليه لكونه أقرب مجازاته وأشيعها لكن يشكل ذلك على القول بكون ألفاظ العبادات أسامي
للصحيحة الجامعة لشرائط الصحة مطلقا وعلى القول بكونها اسما للأعم من الصحيحة لو كان الاشكال و
التشكيك في الاجزاء وأما لو كان الاشكال في ثبوت شرط لها فيصير مثل المعاملات في جواز الاكتفاء
بما يفهم منه عرفا وينفي الشرط المحتمل بالأصل وإنما قلنا أنه لو كان الحيرة والاشكال في الاجزاء فلا يتم
هذا الطريق على القول بكونها أسامي للأعم فلان غاية ما يتبادر من الصلاة مثلا هو ذات الركوع و
السجود فيخرج صلاة الميت وكذلك يمكن عندهم سلب اسم الصلاة عن صلاة وقع فيها فعل كثير
بمحو صورة الصلاة ولا يثبت بهما ماهية الصلاة بتمامها كما لا يخفى وفيه نظر من وجوه أما أولا فلان
دعوى الحقيقة الشرعية وثبوت الحقيقة المتشرعة إنما هو في المعنى المحدث الذي أبدعه الشارع في مقابل
المعنى اللغوي ويكفي في تصور إرادة ذلك المعنى دون المعنى اللغوي أو معنى أخر التصور في الجملة فلا يلزم
في ذلك تصوره بالكنه وبجميع الاجزاء والشرائط وما ذكره من الرجوع إلى عرف المشترعة والشارع إنما
يناسب تمايز المعاني بوجه ما لا من جميع الوجه بحيث يكون تصور الكنه شرطا في كونه مرادا من اللفظ
فالتفصيل المذكور لا دخل له في إثبات ما هو بصدده وأما ثانيا فمنقول إذا بنينا بيان المهية بالرجوع
إلى مصطلح المتشرعة أو الشارع فنقول هيهنا مقامان من الكلام الأول بيان تلك المهية المخترعة
وتميزها من بين ما هي منه صنفه من المخترعات مثل أن يقال المعنى المخترع الذي نقل الشارع اسم
الصلاة إليه هل هو ذات الركوع والسجود أو المشروط بالقبلة والقيام فنرجع إلى عرف المتشرعة ونثبت
به مراد الشارع والثاني أن بعد بيان أن المراد أيهما قد يقع الاشكال في كون بعض ما يحتمل كونه
فردا للموضوع له فردا له مثل إنا نعلم أن ذات الركوع والسجود هو معنى الصلاة لكن نشك في أن
الصلاة المذكورة إذا كانت بحيث وقع في بينها فعل كثير غاية الكثرة هل هو فرد حقيقي لها أم لا نظير
ما تقدم في ماء السيل في مسألة عدم صحة السلب والذي يناسب ما نحن فيه هو المقام الثاني
58

لا المقام الأول فذكر تبادر ذات الركوع والسجود وصلاة الميت لا يناسب المقام وأما ثالثا
فنقول لا يتفاوت الحال بتعدد القولين في ألفاظ العبادات إذ حقيقة المتشرعة تابعة لما هي عليها
عند الشارع فإن كانت عند الشارع هي الصحيحة فكذلك عند المتشرعة وإن كانت الأعم فكذلك
عند المتشرعة واختلاف عرف المتشرعة وعدم انتظامها لا يوجب عدم الاعتداد بها وقد بينا
سابقا أن الاختلاف اليسير غير مضر في الحقيقة عرفا وإن أضر بها عقلا والمعيار هو العرف
خرج ما ثبت فساده بالدليل وبقي ما شك في فساده تحت الحقيقة العرفية لا يقال أن هذه التسمية
شرعية وليست بعرفية حتى يجعل من الأمور العرفية لأنا نقول المسمى شرعية والتسمية ليست بشرعية
فالتسمية مبنية على طريق العرف والعادة فإن الشارع أيضا من أهل العرف فالمسمى وإن كان من
الأمور التوقيفية المحدثة من الشارع لكن طريق التسمية هو الطريق العرفي فافهم وبالجملة لا فرق بين
العبادات والمعاملات في ذلك ألا ترى أنهم استشكلوا في المعنى العرفي للغسل فقيل يدخل فيه العصر
في الثياب وقيل يدخل في ماهيته إخراج الماء منه وقيل يحصل بالماء المضاف وقيل يشترط المطلق وهكذا
وبعضهم فرق بين صب الماء والغسل ونحو ذلك فكما يؤخذ في ألفاظ المعاملات بما هو المتداول
عند عامة أهل العرف وأغلبهم فكذلك يؤخذ في ألفاظ العبادات ما هو المتداول عند المتشرعة
سواء قلنا بأنها أسام للصحيحة أو الأعم فنقول مثلا المتبادر عند المتشرعة لو كان الصلاة المتلبسة
بالركوع والسجود والقرائة والقيام والتشهد والسلام مع كونها مصاحبة للطهارة من الحدث و
الخبث وحصل الشك في أن المهية هل تتم بهذا المجموع أم يجب فيه كون المصلي في مكان مباح أيضا
فيمكن إجراء أصل العدم فيه نظير اشتراط الدلك في غسل غير الثياب والعصر فيها وكذا لو قلنا أن
المتبادر من الصلاة هو ذات التكبير والقيام والفاتحة والركوع والسجود وشككنا في كون التشهد
والسلام أيضا جزء لها أم لا وفي كون السورة أيضا جزء لها أم لا أو هل هو مشروط بشرط آخر أم لا نعم
إذا علمنا مدخلية شئ آخر فيه ولم نعلمه بعينه فلا يمكن إجراء الأصل حينئذ ويجب إبراء الذمة بالاتيان بالمحتملات
وهذا غير ما نحن فيه ثم أن الفرق بين الشك في الجزء والشرط أيضا قد عرفت أنه لا وجه له لما نبهناك
عليه هنا وأشرنا إليه في المقدمة أيضا مع أن تحديد الشرط والجزء في غاية الاشكال ولعل نظر من فرق
بينهما إلى أن الشرط خارج عن المهية والجزء داخل فيها وأنت خبير بأن الشرط أيضا قد يكون داخلا
في المهية فإن قولنا الطمأنينة بمقدار الذكر شرط في صحة الركوع في قوة قولنا يجب الكون الطويل
بالمقدار المعلوم في حال الركوع وكما يمكن أن يقال يجب الطمأنينة في القيام بعد الركوع يمكن أن
59

يقال يجب المقدار الزايد عن تحقق طبيعة القيام بعد الركوع وهكذا تنبيه يمكن أن يستفاد
مما ذكرنا في هذا المقام من باب التائيد والإشارة والاشعار كون مهية الصلاة مثلا هو التكبير
والقيام والركوع والسجود ويكفي في تحقق كل ذلك مجرد حصول المهية وأما الزايد على الماهية وغيرها
من الواجبات فشروط وزوايد ولعله إلى ذلك ينظر اصطلاح العلماء في الأركان وجعل الركن في
كل من المذكورات المسمى وإن بانتفاء كل منها ينتفي المركب وجعل لباقي الواجبات أحكام أخر فليتأمل
تذنيبان الأول قد ذكرنا تقديم عرف الشارع على غيره وهو فيما خص به مما حصل
فيه الحقيقة الشرعية واضح لان تعيينه ووضعه لهذا المعنى الذي أحدثه إنما هو لأجل تفهيم المكلفين
المخاطبين فإذا خاطبهم به فلا بد أن يحمل على إرادة هذا المعنى وأما فيما لم يخص به بل كان عرفا لأهل
زمانه فكذلك أيضا كالدينار وقد يقع الاشكال فيما لو اختلف عرفه الخاص الذي لا يختص به بل يوافقه
طائفة من قومه مع عرف طائفة أخرى منهم كلفظ الرطل الذي اختلف فيه أهل المدينة والعراق
فإذا خاطب الإمام عليه السلام مع كونه من أهل المدينة مع من كان من أهل العراق فهل يقدم
عرف الراوي أو المروي عنه فيه إشكال والحق الرجوع إلى القرائن الخارجية ومع عدمها التوقف
الثاني إذا أطلق الشارع لفظا على شئ مجازا مثل قوله صلى الله عليه وآله الطواف بالبيت صلاة وتارك الصلاة
كافر وكذا تارك الحج ونحو ذلك فالظاهر أن المراد منه المشاركة في الحكم الشرعي وفيه وجوه القول
بالاجمال لعدم ما يدل على التعيين والقول بالعموم للظهور ولئلا يلغو كلام الحكيم والقول بتساويهما
في الاحكام الشائعة لو كان للمشبه به حكم شايع وإلا فالعموم والأوجه الوجه الأخير والظاهر أنه
إذا قال فلان بمنزلة فلان أيضا كذلك بل هو أظهر في العموم لصحة الاستثناء مطلقا قانون
اختلفوا في جواز إرادة أكثر من معنى من معاني المشترك في إطلاق واحد على أقوال وتحقيق
الحق في ذلك يتوقف على بيان مقدمات الأولى أن المشترك حقيقة في كل واحد من معانيه
وقد عرفت أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له أي فيما عين الواضع اللفظ للدلالة
عليه بنفسه في اصطلاح به التخاطب وقيد الاستعمال مبني على اعتبار الاستعمال في الحقيقة والقيد
الثاني لاخراج المجاز فإن دلالته على المعنى ليس بنفسه بل انما هو من جهة القرينة واما المشترك
فإنه وان كان قد عين في كل وضع للدلالة على المعنى بنفسه لكن الاجمال وعدم الدلالة إنما نشاء
من جهة تعدد الوضع فالقرينة في المشترك إنما هي لأجل تعيين أحد المعاني المدلول عليه إجمالا
لا لنفس الدلالة فإن الدلالة حين الاطلاق حاصلة إجمالا لكنها غير معينة حتى تنصب القرينة
60

بخلاف المجاز فإنا إذا علمنا من قرينة أن المعنى الحقيقي غير مراد فنتوقف في المعنى المراد حتى يعين
بقرينة أخرى ولا يتحقق لنا من نفسه شئ لا إجمالا ولا تفصيلا وهذا معنى ما يقال أن المجاز يحتاج
إلى قرينتين صارفة ومعينة بخلاف المشترك وقد يكتفى بقرينة واحدة إذا اجتمع فيه الحيثيتان
لا أقول أن مدلول المشترك عند الاطلاق واحد من المعنيين غير معين كما يتوهم من ظاهر كلام
الكساكي بل مدلوله واحد معين عند المتكلم غير معين عند المخاطب لطريان الاجمال بسبب تعدد
الوضع وأما القيد الأخير فهو لاخراج الاستعمال فيما وضعت له في اصطلاح آخر فاستعمال الفعل
في مطلق الحدث في اصطلاح النحوي ليس حقيقة وإن كان مستعملا فيما وضع له في الجملة وقد يستغنى
عنه باعتبار الحيثية كما أشرنا إليه في أول الكتاب الثانية أن اللفظ المفرد أعني ما ليس بتثنية
وجمع إذا وضع لمعنى كلي أو جزئي حقيقي فمقتضى الحكمة في الوضع أن يكون المعنى مرادا في الدلالة عليه بذلك
اللفظ منفردا توضيحه ان غرض الواضع من وضع الألفاظ هو التفهيم بنفسه فلو كان في دلالة اللفظ
الموضوع بإزاء معنى كلي أو جزئي مدخليته لشئ أخر أو كان للمعنى شريك أخر في إرادة الواضع بأن
يريد دلالة اللفظ عليه أيضا لما كان ذلك المعنى هو تمام الموضوع له ولا بد من التنبيه عليه لا أقول
أن الواضع يصرح بأني أضع ذلك اللفظ لهذا المعنى بشرط أن لا يراد معه شئ آخر وبشرط الوحدة
ولا يجب أن ينوي ذلك حين الوضع أيضا بل أقول إنما صدر الوضع من الواضع مع الانفراد وفي حال
الانفراد لا بشرط الانفراد حتى تكون الوحدة جزء للموضوع له كما ذكره بعضهم فيكون المعنى الحقيقي
للمفرد هو المعنى في حال الوحدة لا المعنى والوحدة فلا يتم ما يفهم من بعض المحققين أيضا من أن الموضوع
له هو المعنى لا بشرط الوحدة ولا عدمها فقد يستعمل في الواحد وقد يستعمل في الأكثر والموضوع له هو ذات
المعنى في الصورتين فإن الموجود الخارجي الذي هو الموضوع له مثلا هو جزئي حقيقي وإن كان قد
يكون الموضوع له كليا بالنسبة إلى أفراده واعتبار الكلية والجزئية الجعليتين والحاصلتين من ملاحظة
انضمامه مع الغير وعدمه إنما هو باعتبار المعتبر ومع عدم الاعتبار فالمتبع هو ما حصل العلم بكونه موضوعا
له وهو ليس إلا المعنى في حال الانفراد لا بشرط الانفراد ولا لا بشرط الانفراد فإن شئت توضيح ذلك
فاختبر نفسك في تسميتك ولدك هل تجد من نفسك الرخصة بأن تقول أني وضعت هذا الاسم
له بشرط أن يراد الوحدة أو لا بشرط الوحدة ولا عدمها فهذا الاطلاق والتقييد إنما هو باعتبار
الوضع لا الموضوع له والمفروض عدم ثبوت ذلك الاعتبار من الواضع والأصل عدم والحاصل أن
المعنى الحقيقي توقيفي لا يجوز التعدي فيه عما علم وضع الواضع له وفيما نحن فيه لا نعلم كون غير المعنى الواحد
63

موضوعا له اللفظ فلا رخصة لنا في استعمال اللفظ بعنوان الحقيقة إلا في المعنى حالة الوحدة لا بشرط
الوحدة الثالثة المجاز مثل الحقيقة في أنه لا يجوز التعدي عما حصل الرخصة من العرب في نوعه
فإن الحقيقة كما أنها موضوعة بوضع شخصي فالمجاز موضوع بوضع نوعي ولا بد من ملاحظة الوضع
النوعي أيضا وإن الرخصة في أي نوع حصل والحاصل أنه لا يجب الرخصة من العرب في كل واحد من
الاستعمالات الجزئية إذا حصل الرخصة في كليها وهذه الرخصة ليست بنص من العرب وتصريح منه
بل يحصل لنا من استقراء استعمالاته الجزئية العلم بتجويزه لهذا النوع من الاستعمالات في ضمن
أي فرد من أفراد ذلك النوع وقد ذهب المحققون من علماء الأدب إلى عدم وجوب الرخصة
في الجزئيات إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد يوجد تلك الاستعمالات في جزئيات صنف من أصناف
نوع من العلاقات المعتبرة في المجاز أو نوع من أنواع جنس منها ولم يوجد في صنف آخر من
ذلك النوع ولا نوع آخر من ذلك الجنس فالذي نجد الرخصة من أنفسنا هو الحكم بتجويز فيما
لم نطلع عليه من سائر جزئيات ذلك الصنف المستعمل في بعضها بسبب استقراء ما وجد فيه
الاستعمال لا في جزئيات الصنف الاخر وهكذا الكلام في النوع من الجنس مثلا إذا رأينا العرب
يستعمل اللفظ الموضوع للجزء في الكل لكنا وجدنا ذلك فيما كان للكل تركب حقيقي خارجي وكان
الجزء مما له قوام في تحقق الكل كالرقبة في الانسان والعين في الربيئة فلا يجوز القياس باستعمال
سائر الأجزاء في المركبات الحقيقية وجميع الاجزاء في المركبات الاعتبارية وكذلك وجدنا أنهم يستعملون
اللفظ الموضوع للكل في الجزء إذا كان المركب مركبا حقيقيا كالأصابع في الأنامل في قوله تعالى يجعلون
أصابعهم في آذانهم واليد في الأصابع إلى نصف الكف في آية السرقة وإلى المرفق في آية الوضوء وإلى
الزند في آية التيمم فلا يجوز القياس في غير المركبات الحقيقية وأيضا انا وجدنا العرب يستعمل
الألفاظ الموضوعة للمعاني الحقيقية في المعاني المجازية مع القرينة الصارفة منفردا منفردا أعني لا يريد
في الاستعمال الواحد إلا معنى مجازيا واحدا وبالجملة المجازات المستعملة وحداني غالبا ولم يحصل
لنا العلم بترخيصهم في استعمال اللفظ في مجازين وعدم العلم بالرخصة كاف في عدم جواز الاستعمال
فإن جواز الاستعمال مشروط بحصول العلم أو الظن بالرخصة الرابعة المتبادر من التثنية والجمع
هو الفردان أو الافراد من ماهية واحدة لا الشيئان أو الأشياء المتفقات في الاسم فيكون حقيقة
في ذلك فإن التبادر علاقة الحقيقة وعدم تبادر الغير من علائم المجاز فإن شئت اختبر نفسك
في مثل رأيت مسلمين أو مسلمين فإنه يتبادر منه رجلان مسلمان أو رجال مسلمون لا الرجلان
64

المسميان بمسلم والرجال المسمون بمسلم فيعتبر في الاعلام المثنيات والمجموعات مفهوم كلي
في مفردها مجازا مثل المسمى بمسلم أو المسمى بزيد مثلا ثم يثنى ويجمع ويؤيد ما ذكرنا ويؤكده
أنه لو قلنا بكفاية مجرد اتفاق اللفظ في التثنية والجمع للزم الاشتراك في مثل عينين إذا جوزنا
استعماله حقيقة في الشمس والميزان أو البصر والينبوع فلا بد من التوقف فيلزم هيهنا قرينة
أخرى لان التثنية للنوعين لا للفردين من نوع والمجاز خير من الاشتراك فيتكثر الاحتياج
إلى القرائن الخامسة المتبادر من النكرة المنفية المفيدة للعموم هو نفي أفراد ماهية واحدة
وأيضا الاسم المنكر إذا اعتبر خاليا عن اللام والتنوين وعلامة التثنية والجمع حقيقة في الماهية لا بشرط
شئ وإذا لحقه التنوين يراد به فرد من أفراد تلك الماهية غير معين وإذا لحقه الألف والنون أو الواو و
النون مثلا يراد به فردان أو أفراد من تلك المهية وإذا لحقه الألف واللام فأما أن يشار بها إلى
الفرد أولا فالثاني يراد به تعريف الجنس وتعيينه والأول فإما أن يراد به الإشارة إلى فرد غير معين
فهو المعهود الذهني وهو في معنى النكرة أو إلى فرد معين فهو المعهود الخارجي أو إلى جميع الافراد فهو
الاستغراق إذا عرفت هذا فاعلم أن دخول حرف النفي على النكرة لا تفيد إلا نفي أفراد تلك المهية و
إذا ثبت أن اللفظ المشترك حقيقة في كل واحد من المعاني منفردا منفردا فلا شئ يوجب دخول معنى
آخر من معانيه فيما دخله حرف النفي إذا تمهد لك هذه المقدمات فنقول استعمال المشترك في
أكثر من معنى يتصور على وجوه منها استعماله في جميع المعاني من حيث المجموع ومنها استعماله في كل
واحد منها على البدل بأن يكون كل واحد منها مناطا للحكم والفرق بينهما الفرق بين الكل المجموعي والافرادي
ومنها استعماله في معنى مجازي عام يشمل جميع المعاني وقد يسمى ذلك بعموم الاشتراك والظاهر أنه
لا إشكال كما أنه لا خلاف في جواز الأخير وأما الأول فالظاهر أنه لا إشكال في عدم الجواز اما حقيقة
فظاهر وأما مجازا فلاشتراط استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل بكون الجزء مما ينتفي الكل بانتفائه
مع اشتراط كون الكل مما له تركب حقيقي كما مرت إليه الإشارة وهو منتف فيما نحن فيه وأما
المعنى الثاني فهو محل النزاع فقيل فيه أقوال ثالثها الجواز في التثنية والجمع دون المفرد ورابعها الجواز
في النفي دون الاثبات ثم اختلف المجوزون على أقوال ثالثها كونه مجازا في المفرد وحقيقة في التثنية
والجمع والأظهر عندي عدم الجواز مطلقا أما في المفرد فعدم الجواز حقيقة لما عرفت في المقدمة الثانية من
أن اللفظ المفرد موضوع للمعنى حال الانفراد والعدول عنه في استعماله فيه في غير حال الانفراد ليس
استعمالا فيما وضع له حقيقة وأما عدم الجواز مجازا فلما عرفت في المقدمة الثالثة من عدم ثبوت
67

الرخصة في هذا النوع من الاستعمال فلو ثبت إرادة أكثر من معنى فلا بد من حمله على معنى مجازي
عام يشمل جميع المعاني وأما ما ذكره بعضهم من أن العلاقة فيه هو أن اللفظ الموضوع للكل
وهو كل واحد من المعاني مع الوحدة المعتبرة في الموضوع له قد استعمل في المعنى باسقاط قيد الوحدة
وهو جزء الموضوع له فيظهر ما فيه مما ذكرنا في المقدمات مع أن ذلك يستلزم وجود سبعين مجازا
في استعمال واحد في مثل العين بالنسبة إلى سبعين حقيقة وهو أجنبي بالنسبة إلى موارد استعمالات
العرب وأما في التثنية والجمع حقيقة فلما عرفت في المقدمة الرابعة من أنهما حقيقتان في فردين أو أفراد
من ماهية لا في الشيئين المتفقين في اللفظ والأشياء كذلك وللزوم الاشتراك وتكثر الاحتياج
إلى القرائن لو كان كذلك والمجاز خير من الاشتراك واما مجازا فلعدم ثبوت الرخصة في هذا
المجاز فإن الظاهر أن المجاز في التثنية والجمع إنما يرجع إلى ما لحقه علامتهما لا إلى العلامة والملحق
به معا فإن الألف والنون ونحوهما لا يتفاوت فيهما الحال في حال من الأحوال فإن لفظ عينان
أو عينين مثلا يراد به الشيئان سواء أردت منهما الفردين من عين أو شيئين مسميين بالعين
إنما التفاوت في لفظ العين فيراد في أحد الاستعمالين منهما أعني الاستعمال الحقيقي الماهية المعينة
الواحدة ويشار بالألف والنون ونحوهما إلى الفردين منها أو أكثر وفي الاستعمال الاخر لا يمكن إرادة
كل واحد بأن يكون مجازا مرسلا من باب استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء فلا بد أن يراد
منها المسمى بالعين ليكون كليا له أفراد فيشار بالألف والنون حينئذ إلى الفردين من المسمى بالعين
أو أكثر وهذا واضح مما ذكرنا وهذا المجاز خارج عن المتنازع ويكون من قبيل عموم الاشتراك
اللهم إلا أن يقال أن مدلول العلامات ليس مجرد الإشارة إلى الاثنينية أو التعدد بل الاثنينية
الخاصة والتعدد الخاص أعني ما يراد بها اثنان من مهية أو أفراد منها فيكون التثنية والجمع
مستبدا بوضع على حدة فيمكن حينئذ القول بالتجوز في هذا اللفظ بأجمعه فيستعمل اللفظ الموضوع لإفادة
الفردين من ماهية أو الافراد من مهية في شيئين متفقين في الاسم لا لكونهما فردين من المسمى بهذا
الاسم بل لكونهما مشابهين لفردين من مهية معينة وعلاقة المشابهة اشتراكهما في الاسم وصدق الاسم
عليهما لفظا وإن لم يرتبطا معنى والحاصل تشبيه الاشتراك اللفظي بالمعنوي فيكون استعارة إلا
أن ذلك لا يثمر فايدة بعد تجويز إرادة الفردين من المسمى بالعين مجازا وذلك لان ثمرة النزاع
في استعمال اللفظ حقيقة ومجازا يحصل بذلك المجاز فإذا علم بالقرينة إرادة المعنى الحقيقي
فيصح الحمل على هذا المجازي أعني عموم الاشتراك فثبوت المجاز الاخر الذي هو داخل في محل النزاع غير
68

معلوم وعدم الثبوت يكفي في ثبوت العدم غاية الامر جوازه وهو لا يفيد وقوعه فتأمل مع أن المجاز
الأول أقرب وأشيع فهو أولى بالإرادة لا يقال يمكن القول بوجود ثمرة ضعيفة حينئذ نظير الثمرة الحاصلة
في الفرق بين قول المعتزلة والأشاعرة في الواجب التخييري لان مورد الحكم هنا الفردان على
التقديرين لا الطبيعة كما لا يخفى على المتأمل فتأمل ولم أقف على من ذهب إلى المذهب الذي ذكرته
في مجازية التثنية والجمع من كونه من باب الاستعارة وأما في النفي فيظهر الكلام فيه مما مر وأنه
حقيقة في نفي جميع أفراد مهية واحدة وإن التجوز فيه إنما يكون بإرادة فرد من أفراد المسمى بالعين
مثلا فيكون خارجا عن المتنازع ويجري التكلف الذي ذكرته في التثنية والجمع من اعتبار الاستعارة
ثم أن بعض من جوز استعمال المشترك في أكثر من معنى حقيقة أفرط في القول حتى قال أنه ظاهر في
الجميع عند التجرد عن القرائن فلا إجمال عنده في المشترك عند التجرد عن القرينة واستدل على ذلك
بقوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي وأن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض
والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس فإن الصلاة من الله الرحمة
ومن الملائكة الاستغفار والسجود من الناس وضع الجبهة على الأرض ومن غيرهم على نهج أخر و
أجيب عن ذلك بوجوه الأول منع ثبوت الحقيقة الشرعية فالمراد هو المعنى اللغوي أعني غاية الخضوع
أو جعل ذلك من باب عموم الاشتراك لو سلم ثبوت الحقيقة الشرعية فيراد منه غاية الخضوع ومن
الصلاة الاعتناء بإظهار الشرف والمراد من غاية الخضوع ما يعم الخضوع التكليفي والتكويني ولهذا
لم يذكر في الآية جميع الناس مع ثبوت الخضوع التكويني في الكل الثاني أن ذلك مجاز لا حقيقة وهذا
الجواب لا يتم على ما اخترناه الثالث أنه على فرض تسليم كون ذلك حقيقة أيضا لا يتم الاستدلال
بهما على ظهورهما في إرادة الجميع عند التجرد عن القرائن إذ القرينة على إرادة الجميع هيهنا موجودة
وأما حجج سائر المذاهب فيظهر بطلانها من ملاحظة ما ذكرنا واحتج من جوز الاستعمال حقيقة مطلقا
بأن الموضوع له هو كل واحد من المعاني لا بشرط الوحدة ولا عدمها وهو متحقق في حال إرادة الواحد
والأكثر والجواب عنه أن الموضوع له هو كل واحد من المعاني في حال الانفراد كما مر في المقدمات
واحتج من جوز في المفرد مجازا وفي التثنية والجمع حقيقة أما على الجواز في المفرد فبأن المانع منتف
لضعف ما تمسك به المائع كما سيجئ واما على كونه مجازا فيتبادر الوحدة منه عند الاطلاق
فيكون الوحدة جزء للموضوع له فإذا استعمل فيه عاريا عن الوحدة فيكون مجازا لأنه استعمال
اللفظ الموضوع للكل في الجزء وأما على كونه حقيقة في التثنية والجمع فبأنهما في قوة تكرار المفرد ولا
69

يشترط فيهما الاتفاق في المعنى بل يكفي الاتفاق في اللفظ كما يقال زيدان وزيدون وفيه أن المانع
ليس منحصرا فيما تمسك به المانع بل المانع هو ان اللغات توقيفية والوضع لم يثبت في المفرد إلا
في حال انفراد المعنى في الإرادة كما حققنا سابقا وأما مجازيته فيتوقف على حصول الرخصة في
نوع هذا المجاز كما أشرنا وإن كان ولابد فالأولى أن يقال العلاقة هو استعمال اللفظ الموضوع للخاص
في العام كما لا يخفى وأما كونه حقيقة في التثنية والجمع ففيه أن المتبادر منهما هو الاتفاق في المعنى
كما بينا سابقا وحجة من خص المنع بالمفرد دون التثنية والجمع أن التثنية والجمع متعددان في
التقدير فيجوز تعدد مدلوليهما بخلاف المفرد والمدعى في المفرد حق والجواب عن التثنية والجمع
يظهر مما مر إلا أن يراد به ما ذكرنا من الاستعارة وحجة من خص الجواز بالنفي أن النفي يفيد العموم
فيتعدد بخلاف الاثبات ومدعاه في المثبت حق وجوابه عن التجويز في النفي أنه إنما يفيد عموم
النفي في أفراد المهية المثبتة لا في المشتركات في الاسم كما حققناه الا أن يراد الاستعارة كما أشرنا
واحتج المانع مطلقا بأنه لو جاز الاستعمال في المعنيين لكان ذلك بطريق الحقيقة إذ المراد بالمعنى
هو المعنى الحقيقي فيلزم التناقض إذ يكون حينئذ له ثلاثة معان هذا وحده وهذا وحده وهما معا وإرادتهما
معا مستلزم لعدم إرادة هذا وحده وهذا وحده وبالعكس والمفروض استعماله في المعاني الثلاثة
وأجيب عنه بأن المراد ليس إرادة المعاني مع بقائه لكل واحد منها منفردا بل نفس المدلولين مع قطع
النظر عن الانفراد فيرجع النزاع إلى أن ذلك ليس استعمالا في المعنيين وهذا مناقشة لفظية والأولى
في الاستدلال على المنع ما ذكرنا قانون اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي و
المجازي على نهج استعمال المشترك في أكثر من معنى بأن يكون كل واحد منهما محلا للحكم وموردا
للنفي والاثبات فمنهم من منع مطلقا ومنهم من جوز مجازا ومنهم من جعله حقيقة ومجازا بالنسبة
إلى المعنيين والأقوى المنع مطلقا لما عرفت في مقدمات المسألة السابقة من أن وضع الحقايق و
المجازات وحدانية نظرا إلى التوظيف والتوقيف فمع القرينة المانعة عن إرادة ما وضعت له و
إرادة معنى مجازي لا يمكن إرادة ما وضعت له كما ذكرنا بل ولا غيره من المعاني المجازية الاخر ويتم بذلك
عدم جواز إرادة المعنيين من اللفظ وقد يستدل على ذلك بأن المجاز ملزوم للقرينة المعاندة
للمعنى الحقيقي وملزوم معاند الشئ معاند له ومناط هذا الاستدلال عدم جواز اجتماع الإرادتين
عقلا كما أن مناط ما ذكرنا عدم الرخصة من الواضع وقد اعترض على هذا الاستدلال بأن غاية
ما ثبت كون المجاز ملزوما لقرينة مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي منفردا وأما عن إرادة المعنى
70

الحقيقي مطلقا فلا يعني أن يرمي في قولنا رأيت أسدا يرمي يدل على أن المراد من الأسد ليس الحيوان
المفترس فقط وأما هو مع الرجل الشجاع فلا وأيضا فقد يستعمل اللفظ الموضوع للجزء في الكل مثل الرقبة
في الانسان ولا ريب في ثبوت إرادة المعنى الحقيقي مع المجازي وكما يمكن دفع ذلك بأن مرادنا من
القرينة المانعة عن إرادة المعنى الحقيقي هي المانعة عن إرادته بالذات لا مطلقا فكذا يمكن أن يقال بأن
مرادنا منها المانعة عن إرادته منفردا فمن أين يحكم بأن المراد هو الأول لا الثاني فكما لا يجب كونها
مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي في ضمن المجازي كذا لا يجب كونها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي مع
المجازي بحيث يكون كل منهما موردا للنفي والاثبات أقول ويمكن الجواب عن الأول بأن ذلك
مبني على كون اللفظ موضوعا للمعنى لا بشرط الانفراد ولا عدمه حتى يصح القول بكون اللفظ مستعملا
حينئذ في المعنى الحقيقي والمجازي وقد عرفت في الأصل السابق بطلانه ولكن يدفعه أن ذلك مناقشة لفظية
فإن مأله يرجع على عدم تسمية ذلك استعمالا في المعنى الحقيقي والمجازي مع بقاء المعنى الحقيقي على حقيقته
وإلا فلا ريب أنه يصدق عليه أنه استعمال في المفهومين كما مر نظير ذلك في جواب حجة المانع
مطلقا في المبحث السابق فالأولى في الاستدلال هو ما ذكرنا وأما الجواب عن الثاني فبان إرادة
الجزء في المركب كإرادة الرقبة من الانسان إذا استعملت وأريد منها الانسان غير معلوم لا مجتمعا
مع الكل ولا بالذات بل عدمه معلوم غاية الامر انفهامها بالتبع لا بمعنى القصد إليها بدلالة الالتزام
أو انفهامها من اللفظ عرفا كما في دلالة التنبيه بل بمعنى كونه لازم المراد فيكون من باب دلالة الإشارة
الغير المقصودة من اللفظ كدلالة الآيتين على أقل الحمل وهذه الدلالة متروكة في نظر أرباب الفن
وأيضا المراد من الاستعمال في الشئ هو الاستعمال قصدا لا الاستعمال فيما يستتبعه ويستلزمه تبعا
كما لا يخفى وقد يعترض أيضا بأن النزاع المفيد في هذا المقام هو أنه هل يجوز استعمال اللفظ في
الموضوع له وغيره أم لا وليس يلزم في كل ما استعمل في غير الموضوع له أن يكون له قرينة مانعة عن
إرادة الموضوع له غاية الامر أن يسمى ذلك استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والكنائي لا الحقيقي و
المجازي فإن الكناية أيضا استعمال اللفظ في غير الموضوع له مع جواز إرادة ما وضع له فلم يثبت عدم
جواز الاستعمال بالتزام القرينة المعاندة للحقيقة لعدم ضرورة الالتزام والجواب عن ذلك اما أولا
فبما قيل أنه إنما يتم لو قلنا أن الكناية هي إرادة المعنى الغير الموضوع له من اللفظ مع جواز إرادة
الموضوع له فيتم حينئذ جواز إرادة المعنيين من اللفظ بلا احتياج إلى القرينة المانعة وأما إن قلنا
بأنها إرادة المعنى الحقيقي لينتقل منه إلى المعنى المجازي فلا إذ لا ينفك حينئذ استعمال اللفظ في غير ما وضع له
71

عن القرينة المانعة عن إرادة ما وضع له فلا يصح فرض المعترض إذ اللفظ لم يستعمل حينئذ في المعنى الموضوع
له والغير الموضوع له معا وصرح بأن لهم في تعريف الكناية طريقين للمحقق التفتازاني في شرح المفتاح
وأما ثانيا فبأنا نجعل البحث فيما يتناقضان وقامت القرينة المانعة فلا يمكن جعله من باب الكناية
ويدفعه أنه إن أريد بقيام القرينة المانعة قيام ما يمنع عن إرادة المعنى الحقيقي منفردا ومجتمعا مع
المعنى المجازي فهو خارج عن محل النزاع فإن النزاع في هذه المسألة مثل المسألة السابقة فيما يمكن
إرادة المعنيين بالذات لا فيما لا يمكن أصلا وإن أريد كونها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي منفردا
فهو لا ينافي كونه من باب الكناية فتأمل وقد يعترض أيضا بأن القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة
في المجاز إنما تمنع عن إرادتها بتلك الإرادة بدلا عن المعنى المجازي واما بالنظر إلى إرادة آخري منضمة
إليها فلا إذ المراد من إرادة المعنى الحقيقي والمجازي من اللفظ معا هو كون كل واحد منهما مرادا
بإرادة على حدة بالاعتبارين وهذا الاعتراض مستفاد من كلام سلطان العلماء رحمه الله وفيه أن دخول
المجاز في الإرادة حينئذ إنما هو من باب دخول الخاص في العام الأصولي على ما صرح هو رحمه الله به في حواشي
المعالم وقال أنه هو المراد في المشترك أيضا ولا يخفى أن إرادة كل واحد من الافراد في ضمن العام
ليس بإرادة ممتازة عن غيره بل المراد كل واحد منها بعنوان الكل الافرادي وليس هنا إرادتان
متضامتان فيعود المحذور من لزوم اجتماع المتنافيين نعم له وجه إن أريد من البدلية إرادة
هذا وهذا لا كل واحد كما هو التحقيق مع أن من الظاهر أن الاستعمال لا تعدد فيه وظاهر كلمات
علماء البيان أن المجاز يستلزم قرينة معاندة لاستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي فالاستعمال واحد وإنما
هو لأجل الدلالة على المعنى والإرادة تابعة له واحتج من قال بالجواز بعدم تنافي إرادة الحقيقة والمجاز
معا فإذا لم يكن هناك منافاة فلم يمتنع اجتماع الإرادتين عند المتكلم ويظهر جوابه مما تقدم ولعله
نظر إلى إرادة وقد عرفت بطلانه وزاد من قال مع ذلك بكونه حقيقة ومجازا بأن اللفظ مستعمل في
كل واحد من المعنيين فلكل واحد من الاستعمالين حكمه وفيه مع ما عرفت أن الاستعمال لا تعدد
فيه مع أنه لو صح فإنما يتم على القول بكون اللفظ موضوعا للمعنى لا بشرط وقد عرفت بطلانه واحتج من
قال بكونه مجازا بأن ذلك يستلزم سقوط قيد الوحدة المعتبرة في الموضوع له فيكون مجازا يعني
أن المعنى الموضوع له هو المعنى الحقيقي وحده فإذا أريد كل واحد من المعنيين من اللفظ على سبيل
الكل الافرادي كما هو محل النزاع فيستلزم ذلك إسقاط قيد الوحدة فيكون مجازا إلا أنه يراد به معنى
ثالث يشمل المعنيين حتى يكون من باب عموم المجاز الذي لا نزاع فيه والجواب عن ذلك بعد بطلان
72

أصل الجواز واضح وأما ما فصل بأن المراد في محل النزاع من المعنى المستعمل فيه إن كان هو المعنى الحقيقي
حتى مع قيد الوحدة فالمانع مستظهر لان المجاز معاند للحقيقة حينئذ من وجهين من جهة القرينة المانعة
ومن جهة اعتبار الوحدة وإن أرادوا مطلق المدلول من دون اعتبار الانفراد اتجه الجواز لان
المعنى الحقيقي حينئذ يصير مجازا بإسقاط قيد الوحدة فالقرينة اللازمة للمجاز لا تعانده ففيه مع أن ذلك
يستلزم عدم الفرق بين الكناية والمجاز حينئذ لأن المفروض أن المجازية إنما حصلت بإسقاط قيد
الوحدة ومع إسقاطه صحت إرادته مع المعنى المجازي إن القرينة كما أنها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي
لا بد أن تكون مانعة عن إرادة المعنى المجازي الاخر أيضا وإلا لم يتعين المراد إلا أن يقال أن القرينة مانعة
عن المجازات الاخر إلا أن يقوم قرينة على إرادة بعضها كما فيما نحن فيه فإن المفروض
وجوب إقامة قرينة أخرى على إرادة المعنيين معا كما في المشترك أيضا وإلا فكيف يعلم إرادة المعنيين من
اللفظ وما ما عرفت من كون أوضاع الحقائق والمجازات وحدانية فالامر أوضح قانون
المشتق كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة حقيقة فيما تلبس بالمبدء دون ما وجد المبدء فيه في
حال التكلم فقط كما توهمه بعضهم حتى يكون قولنا زيد كان قائما فقعد أو سيصير قائما مجازا والظاهر
أن هذا (وفاقي)؟ كما ادعاه جماعة ومجاز فيما لم يتلبس بعد سواء أريد بذلك إطلاقه على من يتلبس بالمبدء
في المستقبل بأن يكون الزمان مأخوذا في مفهومه أو إطلاقه عليه بعلاقة أوله إليه والظاهر أن
ذلك أيضا اتفاقي كما صرح به جماعة وقد يتوهم أن إطلاق النحاة مثلا على مثل الضارب في قولنا زيد
ضارب غدا ينافي دعوى الاجماع وهو باطل لما حققنا سابقا من أن الاستعمال أعم من الحقيقة و
فيما انقضى عنه المبدء أعني إطلاق اللفظ المشتق وإرادة ما حصل له المبدء في الماضي من الأزمنة بالنسبة
إلى زمان حصول النسبة في المشتق إلى من قام به خلاف وقد يعبر بإرادة ما حصل له المبدء وانقضى
قبل زمان النطق فيعتبر المضي بالنسبة إلى زمان النطق وما ذكرناه أحسن ويظهر الثمرة في مثل قولنا
كان زيد قائما فقعد فعلى ما ذكرنا حقيقة وعلى ما ذكره هذا القائل يكون محلا للخلاف نعم إذا قلنا كان
زيد قائما أمس باعتبار كونه قائما قبل الأمس فيصير محلا للخلاف على ما ذكرنا أيضا ومن هذا يظهر
جواز إجراء هذين التعبيرين فيما لم يتلبس بعد بالمبدء أيضا فتأمل وهناك تعبيران آخران أحدهما
استعمال المشتق في المنقضي عنه المبدء بعلاقة ما كان عليه وثانيهما استعماله فيما حصل له المبدء في
الجملة أي ما خرج من العدم إلى الوجود من دون اعتبار القدم والحدوث والبقاء والزوال والظاهر
أن المعنى الأخير أيضا مما وقع فيه النزاع كما سيظهر بعد ذلك وأما المعنى الأول فالظاهر عدم الخلاف
75

في كونه مجازا والمشهور بينهم في محل الخلاف قولان المجاز مطلقا وهو مذهب أكثر الأشاعرة والحقيقة
مطلقا وهو المشهور من الشيعة والمعتزلة وهناك أقوال أخر منتشرة والظاهر أنها محدثة من إلجاء
كل واحد من الطرفين في مقام العجز عن رد شبهة خصمه ففصل جماعة وفرقوا بين ما كان المبدء من
المصادر السيالة كالتكلم والاخبار وغيره فاشترطوا البقاء في الأول دون غيره وأخرى ففرقوا
بين ما لو كان المبدء حدوثيا أو ثبوتيا فاشترطوا البقاء في الأول دون الثاني وأخرى ففرقوا بين
ما طرء الضد الوجودي على المحل سواء ناقض الضد الأول كالحركة والسكون أو ضاده وغيره فاشترطوا
البقاء في الأول دون الثاني وفصل بعضهم بين ما كان المشتق محكوما عليه أو به فاشترط في الثاني
دون الأول والأقوى كونه مجازا مطلقا لنا وجوه الأول تبادر الغير منه وهو المتلبس بالمبدء وهو
علامة المجاز والثاني أنه لا ريب في كونه حقيقة في حال التلبس فلو كان حقيقة فيما انقضى عنه أيضا
للزم الاشتراك والمجاز خير منه كما مر مرارا وما يقال من أن المشتق إنما يستعمل في المعنى الأخير من
الثلاثة المتقدمة وهو أعم من الماضي والحال واستعمال العام في الخاص حقيقة إذا لم يرد منه الخاص
من حيث الخصوصية فلا مجاز ولا اشتراك ففيه أنه مناف لكلمات أكثرهم وكثير منهم ادعى الاجماع
على كونه حقيقة في الحال ولو كان حقيقة في ذلك المعنى العام أيضا للزم الاشتراك أيضا ومما ينادي
ببطلان ذلك أن المستدلين بكونه حقيقة فيما انقضى عنه المبدء يستدلون باستعمال النحاة فإنهم
يستعملونه في الماضي وفي الحال وفي المستقبل (الاستقبال) ولا يريدون به المعنى الأعم جزما الثالث أنه إذا كان
جسم أبيض صار أسودا فينعدم عنه حينئذ مفهوم الأبيض جزما وإلا للزم اجتماع المتضادين فإطلاق
لفظ الأبيض حين انعدام مفهومه إطلاق على غير ما وضع له ويرد على أنه إنما يسلم لو لم يكن
مراد من لا يشترط بقاء المبدء هو المعنى العام وإلا فلا منافاة حينئذ ولا يلزم اجتماع الضدين الرابع إنا لا
نفهم من لفظ المشتق إلا الذات المبهمة والحدث والنسبة ولكن يتبادر منه حصول المبدء في زمان
صدق النسبة الحكمية ولا يذهب عليك أن هذا الزمان ليس بأحد من الأزمنة المعهودة بل هو
أعم من الجميع فلسنا ندعي دلالته على زمان كيف وقد أجمع أهل العربية على أن الدال على الزمان إنما
هو الفعل ألا تريهم أنهم يقيدون حد الفعل بأنه ما يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ليخرج اسم الفاعل
وما في معناه ولا منافاة بين ذلك وبين ما يقولون إن اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال يعمل
عمل النصب وبمعنى الماضي لا يعمل فإن مرادهم بالاقتران بأحد الأزمنة في حد الفعل إنما هو بسبب الوضع
ومرادهم في اسم الفاعل إنما هو بالقرينة فيكون مجازا وقد يوجه بأن هذا هو مقتضى الوضع الثانوي
76

الحاصل بسبب كثرة الاستعمال وأما في الفعل فبمقتضى الوضع الأول وهو بعيد فإن غاية ما يمكن أن
يدعى فيه الوضع الثانوي والتبادر من جهته إنما هو الحال فتأمل فإن ذلك أيضا لا ينطبق على الزمان
المعهود كما ذكرنا بل المتبادر هو التلبس والحاصل أن تحقق المبدء شرط في صحة الاطلاق حين النسبة
كالجوامد بعينها فلا يقال للهواء المنقلب عن الماء هو ماء حقيقة ومرادنا من هذه النسبة أعم
من الخبرية الصريحة أو اللازمة للنسبة التقييدية فإن قولنا رأيت ماء صافيا يتضمن النسبة
الخبرية ويستلزم الاخبار عن الماء بالصفاء فيلاحظ حال هذه النسبة ويعتبر الاتصاف بالمبدء حين تحقق
هذه النسبة وذلك فيما نحن فيه في الزمان الماضي فهو حقيقة وإن صار في زمان التكلم كدرا وقد
يكون كذلك في الحال وقد يكون في الاستقبال كقولك سأشتري ماء صافيا وكذلك الحال في
الجوامد كقولك اشتريت عبدا أو خمرا أو سأشتري خمرا فإنه حقيقة وإن كان ما سيشير به لم يصر
حين التكلم خمرا حجة القائلين بكونه حقيقة أن المشتق قد استعمل في الأزمنة الثلاثة والأصل في الاستعمال
الحقيقة خرج الاستقبال بالاتفاق وبقي الباقي وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة كما بينا سابقا
وقد استدل بعضهم بعد الاستدلال بذلك بأن معنى المشتق من حصل له المشتق منه أي خرج من القوة
إلى الفعل فيشمل الماضي حقيقة وفيه مع أنه ينافي الاستدلال الأول لان مفاده إرادة الخصوصية لا
المعنى العام منع قد عرفته حجة مشترطي بقاء المبدء فيما لم يكن المبدء من المصادر السيالة امتناعه فيها
لأنها تنقضي شيئا فشيئا فهو قبل حصول إجرائه غير متحقق وبعده منعدم والحق اعتبار العرف في ذلك
لا ريب أن العرف يحكم على من يتكلم وهو مشتغل به ولو بحرف منه أنه متكلم ولا يضره السكوت القليل
بمقدار التنفس أو أزيد بل بمقدار شرب الماء أيضا في بعض الأحيان وحجة من اشترط البقاء في الحدوثي
دون الثبوتي أنه لو كان شرطا مطلقا للزم أن يكون إطلاق المؤمن على النائم مجازا إذ لا تصديق في
حال النوم وأجيب عن ذلك بأن ما حصل للنفس من التصديق هو حاصل في الخزانة حال النوم
وإن لم يكن حاصلا في المدركة حينئذ وحجة من خص الاشتراط بما طرء على المحل ضد وجودي أنه لو لم يكن
كذا يلزم كون إطلاق النائم على اليقظان والحامض على الحلو باعتبار النوم السابق والحموضة السابقة
حقيقة وهو خلاف الاجماع وأيضا يلزم أن يكون أكابر الصحابة كفارا حقيقة وقد يجاب عن الثاني
بأن ذلك إنما هو من جهة الشرع لا اللغة والحق المنع في الجميع لغة وعرفا أيضا وحجة من اشترط البقاء
في المحكوم به دون المحكوم عليه هو أنه لو اشترط في المحكوم عليه أيضا للزم عدم جواز الاستدلال
بمثل قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا والسارق والسارقة فاقطعوا ونحو ذلك بالنسبة إلى
77

من لم يكن زانيا أو سارقا حال الاطلاق بل المعتبر اتصافه في أحد الأزمنة الثلاثة ووجه هذا الاستدلال
إنهم يستدلون بهذه الآيات وظاهرهم إرادة الحقيقة فيكون المشتق حينئذ حقيقة في كل واحد من الأزمنة
أقول ويلزم من ذلك أن ذلك القائل يقول بكون المشتق حقيقة في المستقبل أيضا وقد يوجه
بأن مراده حينئذ أن المحكوم عليه حقيقة فيما تلبس بالمبدء في الجملة يعني المعنى العام السابق أو ما هو أعم
منه ليشمل الاستقبال وكيف كان فهو باطل أما أولا فلان هذا الكلام مبني على أن المراد بالحال
وأخويه في محل النزاع هو حال النطق وما قبله وما بعده وقد عرفت خلافه وأما ثانيا فلان المشتق
كونه حقيقة في الحال مع الخصوصية مما لا خلاف فيه وإن كان محكوما عليه فلو جعلناه حقيقة في
القدر المشترك أيضا للزم الاشتراك والمجاز أولى منه وكونه محكوما عليه قرينة للمجاز مع أن الاستدلال
بها على من لم يتلبس بعد حين الاطلاق أو لم يوجد أيضا هو من قبيل الاستدلال بالخطابات
الشفاهية فإن تلك الخطابات لا تثبت إلا أصل التكليف وأما خصوص تكليفنا فإنما يثبت بدليل
خارج كالاجماع وغيره وأما على ما حققنا موضع النزاع من عدم مدخلية الزمان أصلا وعدم اعتبار
حال النطق فلا إشكال إذ المراد أن المتلبس بالزنا أو السرقة مثلا حكمه كذا سواء كان تلبسه حال
النطق أو قبله أو بعده ولا يضر ثبوت الحكم بعد حال الانقضاء وإن طال المدة لان إجراء الحكم ثابت
حينئذ بالاستصحاب وغيره من الأدلة تتميم ينبغي أن يعلم أن مبادئ المشتقات مختلفة فقد يكون
المبدء حالا كالضارب والمضروب وقد تكون ملكة وقد يعتبر مع كونه ملكة كونه حرفة وصنعة مثل
الخياط والنجار والبناء ونحوها وقد يكون لفظ يحتمل الحال والملكة والحرفة كالقاري والكاتب والمعلم
والتلبس وعدم التلبس يتفاوت في كل منها فالذي يضر بالتلبس في الملكة هو زوالها بسبب حصول
النسيان وفي الصناعة الاعراض الطويل بدون قصد الرجوع وأما الاعراض مع قصد الرجوع ولو كان
يوما أو يومين بل وشهرا أو شهرين أيضا مع إرادة العود فغير مضر ويصدق على من لم ينس ومن
أعرض وقصد العود في العرف أنه متلبس بالمبدء فيهما وإن طرء الضد الوجودي لأصل ذلك الفعل أيضا
وأما في الأحوال فالتلبس فيها أيضا يختلف في العرف فأما في المصادر السيالة فيكفي الاشتغال بجزء
من أجزائه وأما في غيرها كالسواد والبياض وغيرهما من الصفات الظاهرة والباطنة فالمعتبر بقاء
نفس الصفات وقد اختلط على بعض المتأخرين واشتبه عليه الامر واحدث مذهبا في التفصيل فقال
إن إطلاق المشتق باعتبار الماضي حقيقة إن كان اتصاف الذات بالمبدء أكثريا بحيث يكون عدم
الاتصاف بالمبدء مضمحلا في جنب الاتصاف ولم يكن الذات معرضا عن المبدء وراغبا عنه سواء كان
78

المشتق محكوما عليه أو به وسواء طرء الضد الوجودي أو لا لأنهم يطلقون المشتقات على المعنى المذكور
من دون نصب القرينة كالكاتب والخياط والقاري والمتعلم والمعلم ونحوها ولو كان المحل متصفا بالضد
الوجودي كالنوم ونحوه والقول بأن الألفاظ المذكورة ونحوها كلها موضوعة لملكات هذه الأفعال
مما يأبى عنه الطبع السليم في أكثر الأمثلة وغير موافق لمعنى مباديها على ما في كتب اللغة إنتهى وبعد
ما حققنا لك لا يخفى عليك ما فيه إذا تحقق ذلك فنقول أن ما جعلوه ثمرة النزاع من مثل كراهة
الجلوس تحت الشجرة المثمرة ينبغي التأمل في موضع الثمرة منها فإن المثمرة يجوز أن يكون المبدء فيها هو
الملكة فإن للشجرة أيضا يتصور نظير ما يتصور للانسان وعلى هذا فلا يضر عدم وجود الثمرة بالتلبس
بالمبدء فيها إلا أن يحصل للشجرة حالة لا يحصل معها الثمرة أصلا بالتجربة ونحوها شبيه النسيان للانسان
ويجوز أن يكون هو الحال والحال أيضا يحتمل معنيين أحدهما صيرورته ذا ثمرة مثل اغد البعير والثاني
المعنى المعهود الحالي فعليك بالتأمل والتفرقة في كل موضع يرد عليك الباب الأول في
الأوامر والنواهي وفيه مقصدان الأول في الأوامر قانون الامر على ما ذكره
أكثر الأصوليين هو طلب فعل بالقول استعلاء والأولى اعتبار العلو مع ذلك كما اختاره جماعة و
سنشير إليه في آخر المبحث والمراد بالعالي من كان له تفوق يوجب إطاعته عقلا أو شرعا وقيل هو
الطلب من العالي وما قيل باشتراكه مع ذلك بين الفعل والشأن وغير ذلك بعيد لعدم تبادرها و
المجاز خير من الاشتراك والاستعمال أعم من الحقيقة وظني أن من يقول بأن الامر أعني المركب من
أمر حقيقة في الوجوب هو ممن يقول بالقول الأول ولابد أن يقول به ليناسب تعريفه الاصطلاحي
معناه العرفي إذ الاستعلاء ظاهر في الالزام إذ لا معنى لا ظهار العلو في المندوب وادعائه كما لا يخفى و
هو الأظهر عندي للتبادر وللآيات والاخبار مثل فليحذر الذين يخالفون إلخ وما منعك أن تسجد
إذ أمرتك ولولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك وقوله صلى الله عليه وآله لبريرة بعد قولها أتأمرني يا رسول
الله حيث طلب عليه السلام مراجعتها إلى زوجها لا بل إنما أنا شافع فكلما ثبت كونه أمرا وصدق عليه هذا
المفهوم يستفاد منه الوجوب لان كون المشتقات من هذا المبدء حقيقة في الوجوب وكون المبدء
أعم منه كما ترى فالوجوب مأخوذ في مفهوم الامر فالتعريف الأول مناسب لمعناه العرفي المتبادر
منه ومن يقول بعدم إفادته الوجوب ولا يأخذ الوجوب في مفهوم الامر فهو إما ممن يقول بأن الامر
هو الطلب من العالي لا من حيث أنه مستعمل وقد عرفت بطلانه أو يأخذ الاستعلاء في مفهوم الندب
أيضا ويجعله أعم من الندب وستعرف بطلانه واحتج من قال بعدم إفادة لفظ الامر الوجوب بتقسيم
81

الامر إلى الواجب والندب وهو لا يستلزم كونه حقيقة فيهما إذ لو أريد أن الامر الحقيقي ينقسم فهو غير
مسلم وإن أريد الأعم فلا ينفع مع أنه ينقسم إلى ما ليس بحقيقة فيه اتفاقا كالتسخير والتعجيز ونحوهما
وكذلك الكلام في قولهم أن المندوب طاعة والطاعة فعل المأمور به فإن الطاعة إما فعل المأمور
به الحقيقي أو فعل المندوب لا فعل المأمور به الحقيقي فقط وإن أريد الأعم من المأمور به الحقيقي فلا
يجد بهم نفعا ولما كان العالي قد يطلب الشئ ولكن لا على سبيل الاستعلاء كالمندوب فإنه إرشاد
وهداية ولا يلزم فيه اعتبار الاستعلاء فلا بد أن يميز بين أقسام طلبه بالتمييز بين الألفاظ التي
يطلب بها حتى يعلم أيها أمر وأيها ندب وإرشاد وقد ظهر لك أن الطلب إذا كان بما يشتق من
أصل الامر كقوله آمرك بكذا أو أنت مأمور بكذا ونحو ذلك يفيد الوجوب وهو أمر حقيقة وأما إذا
كان الطلب من العالي بغير ما يشتق من لفظ الامر كالصيغ الموضوعة للطلب مثل إفعل وأخواته و
رويد وأخواته فهو الذي جعله الأصوليون أصلا على حدة ومحل نزاع برأسه فنزاعهم في دلالة هذه
الألفاظ على الوجوب يتصور على صور إحديها أن العالي إذا طلب شيئا بهذا اللفظ يفهم منه
الالزام والحتم الذي يستلزم مخالفته الذم والعقاب الذين هما لازم مخالفة السافل للعالي حين
الالزام حتى يثبت خلافه فيكون حقيقة في ذلك أو مطلق الرجحان أو غير ذلك وثانيتها أن هذه
الألفاظ مع قطع النظر عن القائل والقرينة هل تفيد الالزام والحتم أم لا مثل أن يسمع لفظ إفعل من
قائل من وراء الجدار ولم يعرف حال المتكلم والمخاطب فهل يفهم منه الالزام ثم يعرف الذم واللوم
على الترك وعدمهما بعد معرفة حالهما أم لا وثالثتها الصورة بحالها ولكنه هل يفهم منه الالزام من
العالي المستحق تاركه اللوم والعقاب أو لا وبعبارة أخرى يفهم منها أن القائل بها شخص عال أوجب
الفعل على المخاطب أم لا ومرجع الأولى إلى الثانية إذ الذي ظهر من الصيغة هو مجرد الحتم والالزام وحصول
الذم والعقاب على الترك إنما هو من لوازم خصوص المقام وعلى هذا فيمكن إجراء النزاع في الصيغة
إذا صدرت عن السافل والمساوي أيضا فإن طلبهما أيضا قد يكون على سبيل الحتم واللزوم وقد يكون
غير فلك من المعاني وعلى هذا فما استدل به بعض القائلين بكونها حقيقة في الندب من أن الفرق
بين الامر والسؤال ليس إلا تفاوت رتبة الطالب فالوجوب شئ زايد والسؤال إنما يدل على الندب
فكذا الامر فجوابه التحقيقي بعد منع اختصاص الفرق بذلك لما عرفت ثم تسليمه هو أن النزاع إنما
هو في الصيغة والقائل بكونها للوجوب يقول به في السؤال أيضا يعني به الحتم والالزام غاية الامر أن حصول
الذم والعقاب ثمة يحصل بالترك بخصوص المقام دون ما نحن فيه والحاصل أن صيغة إفعل مع قطع
النظر عن القرائن تفيد الوجوب اللغوي وبضميمة المقام يتم الوجوب الاصطلاحي هذا هو مراد
82

القائل بكونها حقيقة في الوجوب نعم يمكن الفرق بين الصورتين الأوليين بإمكان المناقشة في الصورة
الأولى بأن الدلالة على الالزام لعلة يكون من جهة أنه صدر عن العالي فلا يتم القول بالدلالة على الالزام
لغة في السؤال أيضا ولا يظهر من ذلك حال الصيغة إذا صدرت عن السائل إنها حقيقة فيه أو مجاز
فاستدلالهم في دلالة الصيغة على الوجوب بذم العقلاء على الترك إذا قال السيد لعبده إفعل ولم يفعل
كما سيجئ ليس على ما ينبغي اللهم إلا أن يجعل النزاع في خصوص الصيغة إذا صدرت عن العالي وهو لا يلائم
الجواب المذكور عن دليل القائل بالندب أيضا وأما على الصورة الثالثة فلا يرد السؤال المتقدم
أصلا ولا يتمشى الجواب المتقدم قطعا كما لا يخفى والفرق بين الصورتين هو ان حصول الذم والعقاب
خارج عن مدلول اللفظ في الصورة الأولى وداخل فيه في الصورة الأخيرة فلا بد أن يكون إفعل مثلا
حقيقة في كل من الامر والسؤال والالتماس إذا أراد كل منهم اللزوم والحتم على الصورة الأولى وحقيقة في
الامر فقط على الصورة الأخيرة فيكون استعماله في الالتماس والسؤال مجازا والذي يترجح في النظر القاصر
هو الصورة الأخيرة وإن لم يساعدها تحرير محل النزاع في كلام كثير منهم واعلم أن ما ذكرناه من الصور
الثلاث يجري في لفظ أم ر أيضا والكلام فيه الكلام في الصيغة بعينه ويظهر الثمرة في كون هذا اللفظ من
الملتمس والسائل مجازا أو حقيقة أيضا وعليك بالتأمل فيما ذكرنا والتحفظ به فإن كلام القوم هيهنا
مشوش فربما وقع الاشتباه بين المادة والصيغة وربما حصل الخلط وعدم التمييز بين الصور المتقدمة
والله الهادي قانون اختلف الأصوليون في صيغة إفعل وما في معناه على أقوال المشهور بين
الأصوليين أنه حقيقة في الوجوب لغة وذهب جماعة إلى أنها حقيقة في الندب وقيل بالاشتراك بينهما
معنى وعلم الهدى رحمه الله بالاشتراك بينهما لفظا لغة وبكونها حقيقة في الوجوب في عرف الشارع وتوقف
بعضهم في الوجوب والندب وقيل بالاشتراك بينهما والإباحة لفظا وقيل معنى وهيهنا مذاهب أخر
ضعيفة والأقرب للأول للتبادر عرفا ويثبت في اللغة والشرع بضميمة أصالة عدم النقل لا يقال إنا
لا نفهم من الصيغة غير طلب الفعل ولا يخطر ببالنا الترك فضلا عن المنع منه فإن معنى الوجوب
غيره أمر بسيط إجمالي وهو الطلب الحتمي الخاص ولكنه ينحل عند العقل باجزاء كسائل المهيات المركبة كالانسان
والفرس وغيرهما فهذا الطلب البسيط الاجمالي الخاص إذا تحلل عند العقل ينحل إلى طلب الفعل
مع المنع من الترك فانظر إلى العرف ترى أن السيد إذا قال لعبده إفعل كذا فلم يفعل عد عاصيا وذمه
العقلاء للترك وإن لم يكن هناك قرينة تدل على الوجوب وما يتوهم من منافاة ذلك لاستعمال
الشارع إياها متعلقا بأمور كثيرة بعضها واجب وبعضها مندوب مثل قوله إغتسل للجمعة وللزيارة
83

وللجنابة ولمس الميت وغير ذلك مدفوع بأنه لا يتصور في ذلك قبح إلا لزوم تأخير البيان عن وقت
الخطاب سيما فيما له ظاهر وقبحه ممنوع وكون ذلك في كل المواضع موضع الحاجة سيما موضع معرفة الوجه
واعتقاد ان هذا واجب وذلك مندوب أيضا غير ظاهر والحاصل أن الدليل قام على تعيين الحقيقة
ولا مانع من استعماله في المعنى المجازى وهو عموم المجاز بقرينة من خارج ولا يجب وجود القرينة في
اللفظ وكذلك استعمال الصيغة في المندوبات فقط بدون قرينة في اللفظ وقد استدل أيضا بآيات منها
قوله تعالى فليحذر الذين إلخ هدد سبحانه مخالف الامر وحذره من العذاب وهو يفيد الوجوب وما ذكرنا
هو مدلول السياق لا صيغة ليحذر ليستلزم الدور والمصدر المضاف يفيد العموم حيث لا عهد فلا يرد
أن الامر لا عموم فيه والعموم الافرادي لا المجموعي ليرد النقض بترك مجموع المندوبات لكونه معصية و
كل واحد منها على البدلية لا السالبة الكلية بمعنى لا يأتون بشئ من أوامره ليرتفع بالموجبة الجزئية
فيلزم عدم العقاب على بعضها والأولى أن يقال المراد بالامر الطبيعة الكلية وهو مستلزم للعموم
لوجودها في ضمن كل فرد وكيف كان فهذه الآية إنما على وجوب الامر الشرعي لا الوجوب لغة و
أيضا لا تدل على دلالة الصيغة على الوجوب بل الامر وما قيل من أن الامر حقيقة في الصيغة المخصوصة و
التهديد على مخالفة ما صدق عليه الامر من الصيغ ففيه ما لا يخفى إذ الامر إنما يسلم صدقه على الصيغة
إذا كان الطلب بها على سبيل الاستعلاء المستلزم للوجوب وأما إذا أريد منها مجرد الندب أو الارشاد
أو الاذن أو غير ذلك فلا يصدق عليه أنه والحاصل أن قولهم في تعريف الامر مطابقا لمعناه العرفي
طلب بالقول على سبيل الاستعلاء أو طلب بالقول من العالي يعتبرون في ذلك حيثية العلو سيما في
التعريف الأول وهو مستلزم للوجوب عرفا ولا ريب أن صيغة إفعل الصادرة عن العالي ليس يعتبر
فيها الاستعلاء في جميع موارد استعمالها فكيف يقال باستلزام دلالة الامر على الوجوب دلالة
الصيغة المطلقة عليه حتى يجدي في المواضع الخالية عن القرينة التي هي محط نظر الأصولي وأيضا فعلى هذا
فلا معنى للنزاع في دلالة صيغة افعل على الوجوب ويكفي في ثبوت ذلك إثبات دلالة لفظ الامر عليه وهو
كما ترى خلاف ما اتفقت عليه كلمة الأصوليين والتحقيق أن لفظ الامر حقيقة في الطلب الاستعلائي
على سبيل الوجوب وهو المتبادر منه عرفا وصيغة إفعل كثيرا ما تستعمل في غير هذا المعنى فكون الامر
حقيقة في الوجوب لا يستلزم كون إفعل حقيقة فيه ولذلك أفردوا البحث في كل منهما فما اخترناه من
كون الصيغة للوجوب إنما هو للتبادر في الصيغة لا من أجل كونها مصداقا للامر وإن كنا نقول بكون
الامر أيضا حقيقة في الوجوب لما دللنا عليه سابقا ومما ينادي بذلك قوله صلى الله عليه وآله لولا أن أشق على أمتي
84

لامرتهم بالسواك فإن طلبه عليه السلام للسواك بصيغة إفعل في غاية الكثرة وأما ما يقال أنه لا بد من تضمين
الاعراض ونحوه ليكون متعلقا بكلمة المجاوزة فهذا لا يدل إلا على التهديد على المخالفة على سبيل الاعراض
والتولي وهو يتم إذا كان الامر للندب أيضا ففيه أن ذلك ليس إلا من جهة صحة التركيب
النحوي ولا يشترط في ذلك اعتبار التولي كما لا يخفى ومنها قوله تعالى وما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك
فإن الاستفهام إنكاري لاستحالته على الله وهو يفيد التهديد والتهديد لا يجوز إلا على ترك الواجب
وهذه الآية أيضا لا تدل إلا على دلالة الامر على الوجوب بل وخصوص أمر الشارع إلا أن يقال المراد به قوله تعالى
اسجدوا قبل هذا وإن المتبادر من التعليل هو كون العلة مخالفة الامر من حيث أنه أمر لا من حيث هو
أمره تعالى فتأمل وما يتوهم من أن التهديد لعله من جهة اكتناف الصيغة بقرينة حالية تدل على الوجوب
لا من جهة دلالة نفس الصيغة يدفعه أصالة عدمه لا يقال إن هذا إنما يتم لو ثبت اتحاد عرفنا مع عرف
الملائكة لان حكاية أحوال كل أهل لسان لآخرين إنما تصح من الحكيم إذا تكلم بما يفيد المطلب من
لسان الآخرين ويستعمل حقيقتهم في حقيقتهم ومجازهم في مجازهم وهو ظاهر وما يقال أيضا أن الاستفهام
تقريري لاتمام الحجة فالغرض إقرار إبليس باستكباره وإن المخالفة إنما كانت من جهة الاستكبار حيث
قال أنا خير منه وهذا يتم إذا كان الامر للندب أيضا ففيه أن الاستكبار من إبليس لعنه الله ليس على الله
بل على آدم عليه السلام فيرجع بالنسبة إلى الله إلى محض المخالفة التبعية الغير المقصودة بالذات المتولدة من
المخالفة الحاصلة من الحمية والعصبية وهذه شئ ربما يعد من تبعها نفسه في عداد المقصرين فافهم و
منها قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ذمهم سبحانه على مخالفة الامر واحتمال كون الذم على ترك
الامر مشاقة تكذيبا خلاف الظاهر وقوله تعالى بعد ذلك ويل يومئذ إلخ لا يدل على ذلك لجواز ذمهم
على الجهتين إن كانوا المكذبين واختصاص الذم بهم والويل للمكذبين إن كانوا غيرهم واحتمال
ثبوت القرينة على الوجوب ينفيه الأصل واحتج من قال بكونها حقيقة في الندب بما مر في القانون السابق
وبقوله صلى الله عليه وآله وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم فإن الرد إلى مشيتنا يفيد الندب وفيه أن الاستطاعة
غير المشية بل لعل ذلك يفيد الوجوب مع أن بيان المعنى يشعر بعدم كونها حقيقة في الندب وإلا لما
احتاج إلى البيان ولو سلم جميع ذلك فإنما يدل على أن أمر الشارع كذلك لا أن الامر في اللغة كذا و
الكلام في عدم دلالته على حكم الصيغة نظير ما مر حجة القول بكونها حقيقة في الطلب مضافا إلى ما مر
في أوائل القانون مع جوابه أن الحقيقة الواحدة خير من الاشتراك والمجاز لو قيل بوضعها لكل
منهما على حدة أو لأحدهما فقط وجوابه أن المصير إلى المجاز في الندب لدلالة الدليل الذي قدمناه وأنه
87

خير من الاشتراك بينه وبين الوجوب مع أن المجاز لازم على ما ذكروا أيضا إذا استعمل في كل من المعنيين
بقيد الخصوصية مع أن لزوم المجاز حينئذ أكثر لان المجاز على المختار مختص بالندب إلا أن يقال بالتساوي
من جهة الاستعمال في عموم المجاز على المختار أيضا وهو مجاز شايع لا شذوذ له كما توهمه صاحب المعالم
حجة الاشتراك اللفظي بينهما لغة الاستعمال فيهما والأصل فيه الحقيقة وقد عرفت أن الاستعمال أعم منها
ونحن قد دللنا على كونها حقيقة في الوجوب فقط وحجة الدلالة على الوجوب شرعا إحتجاج بعض
الصحابة على بعض في المسائل بالأوامر المطلقة من غير نكير وإجماع الامامية على ذلك والأول مدفوع
بأن الظاهر أن استدلالاتهم من جهة دلالته لغة والأصل عدم طرو وضع جديد والاجماع لو سلم
فلا ينفي كونها حقيقة فيه في اللغة أيضا وقد يستدل على ذلك ببعض الآيات والاخبار مثل قوله تعالى
ومن يعص الله ورسوله فأن له نار جهنم فإن امتثال الامر طاعة وترك الطاعة عصيان وفيه منع
كلية الكبرى مع أنه لم تم ذلك لتم في الدلالة عليه لغة أيضا ولا اختصاص لذلك بالشرع إذ الواجب
ليس إلا ما يعد تاركه عاصيا ومثل قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم مضافا إلى
الآيات الدالة على مذمة من لم يطعهم مثل من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك
عليهم حفيظا ومثل الأخبار الدالة على وجوب إطاعة الأئمة عليهم السلام وإن إطاعتهم مفترضة وهي
كثيرة وفيه أن الطاعة هو الانقياد للامر والاذعان بما يحكم إن واجبا فواجب وإن ندبا فندب والحاصل
أنا لا نسلم دلالة هذه الآيات والاخبار إلا على عدم جواز المخالفة وهولا يستلزم إيجاب جميع ما طلبوا بصيغة
إفعل وما في معناها مع أن الظاهر أن المراد من الاخبار أنهم عليهم السلام أحق بالاتباع من الجبت و
الطاغوت وأشياعهما كما قيل والاتباع أعم من المدعى كما لا يخفى حجة التوقف عدم ثبوت كونها حقيقة
في شئ لان الطريق منحصر في النقل والآحاد منه لا يفيد العلم والمتواتر منه مفقود لان العادة تقضي
بالاطلاع لمن يبحث ويجتهد وليس فليس والجواب منع اشتراط العلم أولا بل يكفي الظن ومنع الانحصار
ثانيا لثبوته بما ذكرنا من الأدلة ويظهر حجة الباقين بملاحظة ما ذكرنا وكذا جوابه تنبيه قال
في المعالم يستفاد من تتبع تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة عليهم السلام إن استعمال صيغة
الامر في الندب كان شايعا في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ
لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الامر به عنهم
وتبعه بعض من تأخر عنه كصاحب الذخيرة ويرد عليه أن هذا إنما يصح إذا ثبت استعمالهم في الندب
بلا قرينة حالية أو لفظية ونفهم إرادة الندب من دليل آخر ولم يثبت وأيضا قد عرفت أن المجاز
88

الراجح رجحانه إنما هو مع قطع النظر عن الوضع وأما معه فمساواته مع الحقيقة إلا إذا غلب في
المجاز بحيث يصير وضعا جديدا فيصير حقيقة في المعنى الثاني وأنى له بإثباته فيما نحن فيه مع أنه لم
يدعه أيضا والحاصل أن مجرد كثرة الاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب الخروج عن الحقيقة وإن كان
الاستعمال في غاية الكثرة بل وأكثر من استعماله في الحقيقة بكثير ألا ترى أن الألفاظ التي ادعوا صيرورتها
حقايق شرعية في المعاني الشرعية استعمالها في المعاني الشرعية أكثر من اللغوية ومع ذلك يحملها
المنكرون عند التجرد عن القرينة على المعاني اللغوية وهو رحمه الله منهم وكذلك العام مع أنه بلغ في التخصيص
إلى أن قيل ما من عام إلا وقد خص وأيضا تلك الكثرة إنما حصلت بملاحظة مجموع روايات مجموع
الرواة عن مجموع الأئمة عليهم الصلاة والسلام والذي يضر على سبيل التسليم هو الكثرة بالنسبة إلى
كل واحد واحد فافهم قانون إذا وقع الامر عقيب الحظر أو في مقام ظنه أو وهمه فاختلف
القائلون بدلالته على الوجوب في كونه حقيقة في الوجوب أو مجازا في الندب أو الإباحة أو التوقف
أو تابعيتها لما قبل الحظر إذا علق الامر بزوال علة عروض النهي والأقوى كونه للإباحة بمعنى الرخصة في
الفعل ويلزمه بينا رفع المنع السابق للتبادر بمعنى أرجحيته في النظر من الوجوب إذ ما نقدم من
تقدم الحقيقة على المجاز اتفاقا إنما هو إذا دار الامر بين المعنى الحقيقي والمجازي إذا خلا المقام عن قرينة
مرجحة لأحدهما واما مع القرينة الموجبة للجزم بإرادة المجاز فيقدم المجاز اتفاقا وكذا مع إفادتها
الظن به مع كون أصل الحقيقة في النظر أيضا فالمقصود أن ملاحظة المقام والالتفات إلى هذه القرينة
أعني وقوع الصيغة عقيب الحظر يوجب تقديم إرادة المعنى المجازي وهو الإباحة على الحقيقي فيدور
ترجيح المعنى الحقيقي أو المجازي مع القرينة على حصول الترجيح والظهور ولما كان قرينة الشهرة ليست
من قبيل القرائن الاخر وكانت منضبطة أفردوا الكلام فيها في باب تعارض الأحوال وإلا فالدوران
والتعارض حاصل في جميع القرائن لكنها غير منضبطة فالترجيح فيها يتفاوت بالنسبة إلى تفاوت
الناظرين وبالنسبة إلى المقامات فاضبط ذلك ويدل على ذلك أيضا تتبع موارد الاستعمال
فإنك لو تتبعتها وتأملتها بعين الانصاف تجد ما ذكرنا ولو بقي لك شك في موضع فألحقه بالغالب
لان الظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب وهذه قاعدة نفيسة مبرهن عليها بالعقل والعرف
والشرع قد حرم عن فوايدها من لم يصل إلى حقيقتها وقد أشرنا إليه سابقا أن بعضهم لاحظ
مثل قول المولى لعبده أخرج من المحبس إلى المكتب ومثل قوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا
المشركين ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله وأمر الحائض والنفساء بالصلاة والصوم بعد رفع
89

المانع وقال بالوجوب مضافا إلى أن المقتضي وهو الأدلة على دلالتها على الوجوب موجود والمانع
منه مفقود لان الإباحة لا تنافي الوجوب وفيه أنا نقول أن المراد من الامر هنا مجرد رفع الحظر لما ذكرنا
فلا دلالة فيها على أزيد من ذلك وأما عدم منافاته لثبوت الوجوب فهم مسلم لكن الوجوب ليس من
جهة هذا الامر فالمانع عن الدلالة من جهة هذا الامر موجود وأكثرهم قد قرروا هذا الدليل على نهج
آخر أضعف وهو أن المقتضي موجود أعني صيغة الامر لما تقدم من الأدلة والمانع لا يصلح للمانعية وهو
ما ذكره الخصم من أن الوجوب ضد للحظر ولا يجوز الانتقال منه إليه لان الإباحة أيضا ضد له أقول
بل المانع هو قرينة المقام كما بينا ودلالة الأدلة على دلالة مطلق الصيغة على الوجوب لا تنافي عدم
دلالتها عليه في خصوص موضع باعتبار القرينة كما في سائر المجازات وأما المثال المذكور والآيات المذكورة
فالجواب عنها أن محل النزاع هو ما إذا حظر عن شئ تحريما أو تنزيها ثم أمر به من دون اكتنافه بشئ آخر يخرجه
عن حقيقة الجنسية أو النوعية والمراد من قولنا أن ما ورد الامر به حينئذ ليس واجبا بل إنما هو أمر مرخص
فيه أن الوجوب لا يراد من هذا الامر من حيث هو هذا الامر ولا نمنع من ثبوت الوجوب من موضع
آخر فحينئذ نقول مثل قول المولى للعبد بعد نهيه عن الخروج عن المحبس اخرج إلى المكتب خارج عن موضع
النزاع فإن الامر ليس بعين ما نهى عنه بل المحظور خروجه من المحبس من حيث هو خروج عن المحبس و
المأمور به هو خروجه ذاهبا إلى المكتب ولا يضر هذا بدلالة الامر على الوجوب وأما قوله تعالى فاقتلوا
المشركين فهو لرفع الحظر لا غير والوجوب إنما هو لثبوته قبل الحظر وعدم حصول النسخ فيرجع إلى
الحكم السابق وهذا ليس من دلالة اقتلوا على الوجوب في شئ وكذلك ترخيص الحائض والنفساء
ووجوب الحلق بعد النهي عنه أيضا ثابت بدليل خارجي لأنه أيضا من النسك ولعلك بالتأمل فيما
ذكرنا تقدر على استخراج أدلة القائلين بالتابعية لما قبله والتوقف والجواب عنها وأما القائل
بالندب فلعله نظر إلى أن الندب أقرب المجازات للوجوب فإذا انتفى الدلالة عليه ببعض ما ذكر
فيحمل عليه وأنت بعد ملاحظة ما ذكرنا تقدر على إبطال ذلك أيضا وأما توهم اختصاص كونها
حقيقة في الإباحة في عرف الشارع فهو ضعيف لعدم الفرق بينه وبين العرف العام قانون
المشهور أن صيغة إفعل لا تدل إلا على طلب الماهية وقيل تدل على التكرار مدة العمر ان أمكن عقلا
وشرعا ويكون تركه اثما وقيل على المرة ويظهر من بعضهم أن مراد القائلين بالمرة هو الدلالة على
المهية المقيدة بالوحدة لا بشرط التكرار ولا عدمه فالزايد على المرة لا يكون امتثالا ولا مخالفة ومن
بعضهم دلالتها على عدم التكرار فتكون الزيادة إثما والقائلون بالماهية أيضا بين مصرح بحصول
90

الامتثال لو اتى به ثانيا وثالثا وهكذا فلا إثم على ترك الزيادة على المرة ويحصل الثواب بفعل الزايد
وبين قائل بأن الامتثال إنما يحصل بالمرة ولا معنى للامتثال عقيب الامتثال وحينئذ فيمكن أن يكون من
قبيل الاحتمال الأول في المرة فلم يكن عقاب كما لم يكن ثواب فينتفي ثمرة النزاع بينهما ويمكن أن يكون من
قبيل الاحتمال الثاني فيها فينتفي ثمرة النزاع بينهما أيضا وما ذكرنا من الاحتمالين ينشأ من القول
بكون ما لم يرد عليه من الشارع دليل تشريعا حراما كما هو المشهور المحقق وعدمه والحق هو الأول وعلى
هذا فلا يظهر بين القولين في المرة أيضا ثمرة والأقرب عندي أنها لا تدل إلا على طلب الماهية وإن الامتثال
إنما يحصل بالمرة الأولى لان الامر يقتضي الاجزاء والآتيان به ثانيا وثالثا تشريع محرم لكون أحكام
الشرع توقيفية موقوفة على التوظيف لنا أن الأوامر وسائر المشتقات مأخوذة من المصادر الخالية
عن اللام والتنوين وهي حقيقة في الطبيعة لا بشرط شئ اتفاقا كما صرح به السكاكي وما قيل من أن
اسم الجنس موضوع للماهية مع قيد الوحدة المطلقة فإنما يسلم إذا كان مع التنوين والوحدة والتكرار
مثل سائر صفات الطبيعة قيود خارجة عنها فلا دلالة للفظ الدال على الطبيعة الكلية على شئ من
قيودها لان العام لا يدل على الخاص والهيئة العارضة لهذه المادة لا تفيد أزيد من طلبها بحكم
العرف والتبادر بعنوان الايجاب والالزام كما مر والأصل عدم إرادة شئ آخر معها فما قيل من أن
المادة إن لم تدل على القيد فالهيئة تدل عليه في معرض المنع ومقايسة القائلين بالتكرار الامر بالنهي
بجامع الطلب باطل لأنه في اللغة ومع الفارق لان نفي الحقيقة كما هو مدلول النهي يقتضي استغراق
الأوقاف كما سيجئ بخلاف إيجادها والتروك تجامع كل فعل بخلاف تكرار المأمور به وقولهم بأنه
لو لم يكن الدلالة على التكرار لما تكرر الصوم والصلاة مع أنه معارض بالحج مدفوع بأنه من دليل خارج
كما توضحه كيفية التكرار المقررة واحتجاجهم بأن الامر يستلزم النهي عن الضد والنهي يفيد دوام
الترك ويلزمه دوام فعل المأمور به فيه منع الاستلزام أولا إن أريد الخاص كما سيجئ ومنع استلزام
دوام الترك دوام الفعل ثانيا وفي ضدين لا ثالث لهما كالحركة والسكون لعدم استحالة ارتفاع
الضدين مطلقا فلا يتم الاطلاق ومنع دلالة النهي على التكرار مطلقا ثالثا كما سيجئ ومنع دلالة خصوص
النهي الذي في ضمن الامر على الدوام دائما بل إنما هو تابع للأمران دائما فدائما وإن في وقت ففي وقت وإن
أريد من الضد العام أعني الترك فيسقط المنعان الأولان ويجئ عليه الباقي واحتجاج القائل بالمرة
بامتثال العبد عرفا لو أمره السيد بدخوله الدال فدخل مرة مردود بأن ذلك لعله من جهة الاتيان
بالطبيعة كما ذكرنا لا لان الامر ظاهر في المرة واعلم أن ما ذكرنا من حصول الثمرة وعدمها فيما بين
91

القول بالمرة والماهية إنما هو في الاتيان بالافراد متعاقبة وأما لو أوجد أفرادا متعددة في آن واحد
مثل أن يقول المأمور بالعتق لعبيده المتعددة أنتم أحرار لوجه الله فقيل على القول بالمهية يحصل
الامتثال بالجميع وأما على القول بالمرة فاما على القول الثاني فيها فيبنى ذلك على جواز اجتماع
الأمر والنهي مع اختلاف الجهة فإن قلنا بجوازه كما هو الأصح فيستخرج المطلق بالقرعة لو احتيج إلى
التعيين ويكون غيره معصية فإن الظاهر أن المراد بالمرة هو الفرد الواحد لا مجرد كونه في الزمان
الواحد وإن لم نقل بجوازه فلا يحصل الامتثال أصلا وأما على القول الأول فلا إثم ويستخرج المطلوب
بالقرعة أيضا هذا وقد ذكرنا أن الأقوى بالنظر إلى هذا القول أيضا حصول الاثم بقي الكلام في قول من
يصرح بحصول الامتثال بالاتيان ثانيا وهكذا مع قوله بالماهية كصاحب المعالم رحمه الله والتحقيق أنه
إن أراد حصول الامتثال في الجملة أي ولو في ضمن المرة الأولى فحسن وإلا فنقول أنه لا معنى للامتثال عقيب
الامتثال فإن الامتثال قد حصل بالأولى جزما وما يتوهم أنه يكون من باب الواجب المخير بين
الواحد والاثنين والأزيد ففيه أنه إن أريد التنجيز المستفاد من العقل في الواجبات العينية فإن
الكلي المكلف به عينا لا يمكن الاتيان به إلا بإتيان الافراد فيكون الافراد من باب مقدمة الواجب
والعقل يحكم بجواز الاتيان بأي فرد يتحقق في ضمنه الكلي فلا ريب أنه مع ذلك يوجب الاتيان بالمرة
الأولى سقوط الواجب عن ذمة المكلف فلا يبقى بعد واجب حتى يمكن الاتيان بمقدمته فضلا
عن الوجوب وإن أريد التخيير المستفاد من النقل المدلول عليه بهذا الامر ففيه منع ظاهر مع أنه لا
معنى للتخيير بين فعل الواجب وتركه وليس هذا من باب التخيير بين القصر والاتمام في الأماكن
الأربعة فإنهما حقيقتان مختلفتان ولو بالقصد والنية وجعل الشارع بخلاف ما نحن فيه بل ليس
من قبيل التسبيحة والثلث في الركوع والسجود والركعة فإذا عرفت هذا فيرد على هذا القائل أيضا
أنه إن كان يقول باتصاف المرة الثانية والثالثة وهكذا بالوجوب فهو قول بالتكرار وان كان
يقول بالندب فمع أنه قول جديد مستلزم لاستعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي على القول
بكون الصيغة حقيقة في الوجوب وأنت بعد التأمل فيما ذكرنا من التحقيق تعرف أنه لا يتم ما نقلناه
آنفا من القول بحصول الامتثال في الجميع على القول بالماهية في صورة الاتيان بالافراد مجتمعة
أيضا وكذلك تتمة ما نقلناه من البناء على اجتماع الأمر والنهي على القول الثاني في المرة وغيره
فتأمل حتى يظهر لك حقيقة الامر تذنيب الامر المعلق على شرط أو صفة يتكرر بتكرر
الشرط والصفة عند القائلين بدلالته على التكرار قولا واحدا لوجود المقتضي عدم المانع غاية الامر
92

تقليل التكرار بالنسبة إلى الامر المطلق وأما غيرهم فذهبوا إلى أقوال ثالثها دلالته عليه مع فهم العلية
يعني كون الشرط أو الوصف علة فيكون من باب المنصوص العلة والسيد المرتضى رحمه الله هنا أيضا من
المانعين مطلقا لعدم اعتباره المنصوص العلة مطلقا وسيجئ إنشاء الله تعالى أن الحق حجيتها فالأقرب إذا
التفصيل وتحرير المقام إن كل ما دل على العموم من أدوات الشرط مثل كلما ومهما ونحوهما فلا ينبغي
التأمل في تكرر الام بتكرر الشرط وأما ما لم يدل على العموم مثل إن وإذا فلا يفيد التكرار أصلا إلا أن
يقال بحملها على العموم لوقوعها في كلام الحكيم وكون الشرط لغوا لولاه وأما الصفة فهي أيضا لما لم
تدل على العلية على ما هو التحقيق كما سيجئ إنشاء الله تعالى بل فيها إشعار بالعلية والمعتبر هو العلة
الثابتة كما صرحوا به فلا اعتبار بها أيضا وأما إذا فهم العلية الثابتة بمعونة الخارج فيفيد العموم و
التكرار بتكرر العلة سواء كان في الشرط أو الصفة مثل الزانية والزاني فاجلدوا وإن زنى فاجلدوا
ونحوهما واحتج القائلون بالتكرار مطلقا بالاستقراء فإن قوله تعالى وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وإن
كنتم جنبا فاطهروا وإن لم تجدوا ماء فتيمموا والزانية والزاني فاجلدوا والسارق والسارقة
فاقطعوا إلى غير ذلك من الآيات والاخبار يتكرر الامر فيها بتكرر الشرط فكذا فيما يحصل الشك إلحاقا
بالغالب وفيه أن حمله على التكرار فيما ذكر انما هو لأجل فهم العلية وهو مسلم عندنا واحتج النافي بمثل
إن دخلت السوق فاشتر اللحم أو أعط هذا درهما إن دخل الدار فلا يفهم منه التكرار وفيه أن
ذلك لعدم فهم العلية وذلك لا يستلزم الاطراد وقيل أن ذلك للقرينة فإن من قال لعبده إذا
شبعت فاحمد الله فهم منه التكرار وهو مقلوب عليه بل ذلك أيضا لفهم الغلبة قانون لا دلالة
لصيغة الامر على وجوب الفور كما ذهب إليه جماعة وليست مشتركة بينه وبين جواز التراخي كما
ذهب إليه الشهيد رحمه الله بل هي لطلب الماهية وأيهما حصل حصل الامتثال كما ذهب إليه جماعة من المحققين
وأما القول بتعيين التراخي فلم نقف على مصرح به لنا نظير ما مر في القانون السابق واستدلال
القائلين بالفور بمذمة العبد إذا أخر في السقي عند قول مولاه اسقني مدفوع بأنه للقرينة ولا نزاع
فيه مثل استدلالهم بذم إبليس لعنه الله على تركه السجود بقوله تعالى ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك
مع إمكان أن يعتذر بعدم دلالة الامر على الفور لان الفاء في قوله فقعوا يفيد التوقيت فلم يثبت
دلالتها على الفور وإن الذم لعله من جهة الاستكبار وأيضا ينافيه قوله خلقتني من نار وخلقته
من طين لأنه كاشف عن الاعراض أولا وأما استدلالهم بأنه لو جاز التأخير لجاز إلى وقت معين
وإلا لزم أن يجوز إلى آخر وقت الامكان وهو مجهول وتكليف المكلف بعدم التأخير عن وقت
95

لا يعلمه تكليف بالمحال ولا دلالة في الصيغة على وقت معين فأجيب عنه مرة بأنا نجوز التأخير إلى
حصول ظن الموت وهو ممكن الحصول غالبا كساير الواجبات الممتدة بامتداد العمر ومرة بالنقض
بصورة التصريح بجواز التأخير وأخرى بأن جواز التأخير لا يستلزم وجوبه فالامتثال ممكن وأورد
عليه أن هذا وإن كان يرفع تكليف المحال إلا أنه إلتزام بوجوب الفور في العمل لتحصيل براءة
الذمة وإن لم يثبت كونه مدلول الصيغة لغة إذ جواز التأخير حينئذ مشروط بمعرفة لا يمكن تلك المعرفة
فينحصر الامتثال بالمبادرة فيجب الفور ورد بان جواز التأخير ليس بمشروط بمعرفة المكلف بآخر
أزمنة الامكان بل إنما يتوقف على عدم كونه آخر أزمنة الامكان والموقوف على معرفة آخر أزمنة
الامكان إنما هو العلم بجواز التأخير لا نفس الجواز فإن الجواز في نفس الامر لا يتوقف على العلم بالجواز
بل يكفي فيه عدم العلم بالمنع على ما يقتضيه أصالة الإباحة وعلى هذا فيصير مال كلام المجيب تسليم
أنه يجب عدم تأخير الفعل عن آخر أزمنة الامكان ويمكن تحصيل البراءة بالمبادرة مع عدم لزوم
وجوب المبادرة فلو بادر فيخرج عن عهدة التكليف ولو لم يبادر وفعله ثانيا فكذا وهكذا ولو
لم يفعل حتى خرج الوقت فيصير آثما فلم يلزم من ذلك فور ولا خروج الواجب عن الوجوب وتوهم
كون البدار مقدمة للواجب أعني عدم تأخير الفعل من آخر أزمنة الامكان مدفوع بمنع التوقف
نعم إنما يتوقف حصول العلم بعدم تأخيره مع آخر أزمنة الامكان في أول زمان التكليف بذلك
ووجوبه ممنوع وما يقال من أن تحصيل البراءة اليقينية المسببة عن شغل الذمة يقينا يستلزم الفور
لامكان أن يفاجأه الموت في الجزء الثاني من الوقت فضلا عن غيره فيأثم بالترك فهو ممنوع مثل
سائر الواجبات الموسعة أو الممتدة بامتداد العمر فإن غاية الامر وجوب تحصيل اليقين بالمأمور
به وأما وجوبه فورا فيحتاج إلى الدليل نعم يتم ذلك على القول بوجوب الاحتياط مع احتمال وجوب
الفور اما باشتراطه في الصحة أو في مجرد حصول الاثم وهو ممنوع وكيف كان فهذا الدليل مع
تمامه لا يدل على كون الصيغة للفور بل يدل على وجوب العمل بالفور من الخارج واستدلوا
أيضا بالاستقراء فإن مقتضى النسب الخبرية مثل زيد قائم وعمرو عالم والانشائية كأنت طالق
وهو حر قصد الحال فكذا الامر إلحاقا له بالأعم الأغلب وظنه بعضهم قياسا ورده بأن القياس
غير جايز سيما في اللغة وسيما مع الفارق فإن الامر لا يمكن توجيهه إلى الحال لاستحالة طلب الحاصل
بل إلى الاستقبال وهو إما الأقرب إلى الحال المعبر عنه بالفور أو ما بعده فلا يتعين الأول إلا
بدليل ورد بعدم إرادة الحال الحقيقي والحال العرفي متحقق في الامر أيضا والكلام في الاستفهام
96

نظير الكلام في الامر فإن التفهيم لا يمكن في آن الاستفهام وكذلك النهي وفيه أن ذلك يستلزم
تفاوت مدلولات المواد المستقرئة فيها إذ الفرق واضح بين هو حر وهي طالق وبين الاستفهام
والقدر المشترك لا يثبت المطلق إلا أن يقال أن المعلوم من هذه المواد إرادة أحد المعنيين اما
حصول مدلولها مقارنا لحصولها أو في الآن المتصل بها ولما لم يكن الأول في الامر فتعين الثاني و
التحقيق مطلوب المستدل إن كان حصل له من الاستقراء إن النسب الخبرية والانشائية
الصادرة عن المتكلم حاصلة في الحال الحاضر فهو لا يجديه لأنه لا إشكال في أن النسبة الانشائية في
الامر وهي الطلب القائم بنفس المتكلم حاصلة في الحال فلا يمكن النزاع فيه وإن كان إن مفاد
تلك الجمل ومدلولاتها حاصلة في الحال كقيام زيد وعلم عمرو وطلاق هند وحرية بلال فهو مع أنه
منقوض بمثل كان زيد قائما وعمرو سوف يجئ وموقوف على كون المشتق حقيقة في الحال المقابل
للاستقبال لا حال التلبس كائنا ما كان وقد عرفت أن التحقيق خلافه لا يمكن الوثوق على مثل هذا
الاستقراء في إثبات اللغة وهناك طريق آخر يمكن إثبات المطلق به وهو ان النحاة ذكروا أن الامر
للحال وغرضهم من اقتران معنى الفعل بأحد الأزمنة هو المعنى الحدثي وإن شئت قلت انتسابه
إلى الفاعل مقترن بأحد الأزمنة وأما نسبة المتكلم فكلها واقعة في حال التكلم فعلى هذا إذا انضم إلى ذلك
أصالة عدم النقل فيثبت كونها للحال لغة فيثبت الفور ولكنه مدفوع بأن كلام النحاة مع أنه لم يثبت
اتفاقهم على ذلك يضعفه خلاف علماء الأصول والبيان فالظاهر إن نظرهم إلى الأغلب من إمكان
حصول الطبيعة في الحال والحاصل أن الامر مأخوذ من المضارع ولا فرق بينهما في الاشتراك بين الحال
والاستقبال وقد استدلوا أيضا بقوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم الآية وبقوله تعالى فاستبقوا
الخيرات الآتية بتقريب أن المراد من المغفرة سببها لاستحالة المسارعة إلى فعل الله وفعل المأمور به
سبب إذ قد يكون بعض الواجبات سببا لإزالة الذنوب كما ورد في الصلوات الخمس والحج وغيرهما
سيما على القول بالاحباط كما هو الحق ويثبت في الباقي بعدم القول بالفصل فلا يرد أن سبب المغفرة
إنما هو التوبة وهو فوري اتفاقا ولا حاجة إلى الاستدلال ولا يتم المطلوب بعدم القول بالفصل
أيضا لاتفاق الفريقين فيه وكذا لا يرد على إرادة فعل المأمور به بناء على الاحباط أن هذا إنما يتم فيما
حصل الذنب فلا يعم جميع الأوامر وأما ما يقال من أن بعض المستحبات مما ورد كونه سببا
للمغفرة فلا بد من حمل الامر على الاستحباب ففيه أن العام يخصص والمطلق يقيد والتخصيص والتقييد
أولى من غيرهما من المجازات وكذلك الكلام في قوله تعالى فاستبقوا الخيرات وقد يجاب عن الآيتين
97

بالحمل على الاستحباب لمنافاة مدلول الهيئة للمادة لو حملت على الوجوب لعدم إطلاق المسارعة والاستباق
عرفا الا على الموسع فالحكم بوجوب الفور إثبات للتضييق والآتيان بالمضيق عرفا ليس بمسارعة
واستباق فإن المأمور بصوم رمضان إذا صام فيه لا يقال أنه مسارع وفيه أنه كما يمكن تحقيق المسارعة
عرفا بملاحظة الوسعة في زمان الرخصة كذلك يمكن تحققها بملاحظة الوسعة في زمان الصحة فعلى
القول بالصحة في صورة التأخير في الفوري يصدق عرفا المسارعة بإتيانه في أول زمان الصحة كما
يقال لمن حج في العام الأول من الاستطاعة أنه سارع في حجه وكذلك لمن عجل في أداء دينه حين القدرة
ومطالبة الداين وهذا واضح مع أن قابلية الأوامر المطلقة للتوسعة يكفي في صدق المسارعة عرفا ولا
يلزم ثبوتها بالفعل بالتحقيق في الجواب بعد منع نهوض هذا الاستدلال على إثبات الفور لغة وعرفا
بل ولا شرعا أن الآيتين لو سلم ظهورهما في الوجوب مع ملاحظة هذه المذكورات فهو ظهور وما
ذكرنا من التبادر في الماهية في الأوامر المطلقة ظهور ولا ريب أن هذا أقوى منه فيحمل الاتيان على الاستحباب
فكيف ولا ظهور في آية المسارعة أصلا فإن الامر بالمسارعة إلى سبب المغفرة كما هو مناط الاستدلال
لا يفيد إلا وجوب المسارعة إلى السبب في الجملة فإذا تعدد الأسباب كما فيما نحن فيه فإن أحد
الأسباب فيه التوبة التي فوريتها مجمع عليها فلا يفيد إلا فورية أحدها وهو لا يستلزم المطلوب كما
لا يخفى واحتج السيد رحمه الله بالاستعمال وإن الأصل فيه الحقيقة ويحسن الاستفهام ولا يحسن إلا مع
الاحتمال في اللفظ وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة وتبادر الماهية لا بشرط ينفي غيرها وإن الاستفهام
يحسن على القول بالماهية أيضا احتياطا عن أن يكون مراد الامر بعض الافراد مجازا لشيوع استعمال الكلي
في الفرد مجازا وذلك لا يدل على عدم انفهام الماهية مستقلة ووجوب التوقف حتى يثبت الاشتراك
بل إنما ذلك لرجحان الاحتياط ولذلك يصح التخيير في الجواب مع عدم ارتكاب خلاف الظاهر خلافا
لصورة الاشتراك فإنه إما لا يجوز كما اخترناه وحققناه سابقا أو يجوز مجازا ثم أن الفور على القول
به تحديده موكول إلى العرف ويتفاوت بتفاوت المأمور به ونحوه كالسفر القريب الغير المحتاج إلى زمان
معتد به للتهيؤ والبعيد المحتاج إليه إن لم نقل بأن الكلام في المجرد عن القرائن وهذه الأمور قرائن
لجواز التأخير (والمهلة)؟ فتأمل تذنيب اختلف القائلون بكون الامر الامر للفور في ثبوت التكليف
على من ترك الامتثال فورا في الزمان المتأخر وعدمه وفرعوا الكلام فيه على معنى إفعل هل هو إفعل
في الزمان الثاني إن لم تفعل ففي الثالث وهكذا أو معناه إفعل في الزمان الثاني مع السكوت عما
بعده واما كون المعنى عدم الفعل في الزمان المتأخر فلم نقف على مصرح به قيل وهذا الكلام غير
98

مفيد والفائدة في بيان صحة المبنى والتحقيق أن أدله القول بالفور على تسليمها صنفان منها ما يدل
على أن الصيغة بنفسها دالة على الفور منها ما يدل على وجوب المبادرة بالامتنان كآية المسارعة و
الاستباق فمن اعتمد على الأول فيلزمه القول بالسقوط لصيرورته من باب الموقت ومن اعتمد
على الثاني فيلزمه القول بالثبوت لاطلاق أصل الامر ورده بعض المحققين بمنع صيرورته كالموقت
على الأول لاحتمال إرادة التعجيل بالمأمور به فإن لم يفعل التعجيل أيضا في الزمان الثاني وهكذا
ومنع عدم وجوب الموقت مع فوات الوقت على تقدير تسليم كونه من قبيله وبأن وجوب الفور إن
اقتضى التوقيت وخصوصية الزمان المعين فلا يتفاوت الامر بين ما ثبت وجوبه من الصيغة أو من
الخارج كما إذا ثبت التوقيت من دليل خارج في الموقت فإن من يقول بفوات الموقت بفوات وقته
لا يفرق بين ما ثبت التوقيت من خارج أم لا فالأولى تفريع المسألة على أن التكليف بالموقت هل
هو تكليف واحد أو تكليفان وهل ينتفي المقيد بانتفاء القيد أم لا كما ذكروا في مسألة تبعية القضاء
للأداء وعدمها أقول والظاهر من الصيغة على القول بدلالتها بنفسها على الفور هو الوجوب في أول
الوقت لا ما ذكره والظاهر هو الحجة وهو تكليف واحد والحق أن المقيد ينتفي بانتفاء القيد فلا يبقى
تكليف مع أن الأصل عدمه ولا يجب التنصيص بالتوقيت وثبوت وجوب الموقت بعد فوات الوقت
خلاف التحقيق لان الجنس لا بقاء له بعد انتفاء الفصل كما حقق في محله فالحق أن القضاء في الموقت إنما
هو بفرض جديد وما ذكر أنه لا يتفاوت الامر بين ما ثبت وجوبه من الصيغة أو من الخارج ففيه أن في
الثاني تكليفين فالأول لا ينتفي بانتفاء الثاني بخلاف الأول لأنه تكليف واحد وقياسه بالموقت قياس
مع الفارق إذ ربما يفهم من الموقت عدم الوجوب بعد الوقت أيضا ويسلم المساواة لو كان معنى
الموقت مجرد الوجوب في الوقت وبالجملة عدم الحكم أما من جهة عدم الدليل عليه أو من جهة الدليل
على العدم والظاهر أن الموقت من الثاني وما يثبت فيه الفور من دليل خارج من الأول ولذلك ترى
الأصوليين نازعوا في حجية مفهوم الزمان وعدمها ومعنى حجية المفهوم المخالف هو كون اللفظ ذا
دلالتين منطوقية ومفهومية متخالفتين في النفي والاثبات فافهم ذلك وانتظر لزيادة توضيح في مباحث
المفاهيم قانون اختلف الأصوليون في أن الامر بالشئ هل يقتضي إيجاب مقدماته مطلقا
أم لا على أقوال ثالثها اقتضاء الايجاب في السبب دون غيره ورابعها في الشرط الشرعي دون غيره و
تحقيق هذا الأصل يقتضي تمهيد مقدمات الأولى أن الواجب كما أنه ينقسم باعتبار المكلف
إلى العيني والكفائي وباعتبار المكلف به إلى العيني والتخييري وباعتبار الوقت إلى الموسع والمضيق
99

وباعتبار المطلوبية بالذات وعدمها إلى النفسي والغيري وباعتبار تعلق الخطاب به بالأصالة وعدمه
إلى الأصلي والتبعي وغير ذلك فكذا ينقسم باعتبار مقدماته إلى المطلق والمشروط وقد يطلق عليه المقيد
وتسمية الثاني بالواجب مجاز في الحقيقة تسميته باسم ما يؤل إليه ولذلك لم نقيد الامر في صدر المبحث
بالمطلق مع كون المبحث مختصا بمقدماته والواجب المطلق هو ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف
عليه وجوده وإن كان في العادة أو في نظر الامر والمقيد ما توقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده
كذلك الثانية إن الامر المطلق حقيقة في الواجب المطلق على الأصح للتبادر واستحقاق العبد
التارك للامتثال المعتذر بأن أمر المولى لعله كان مشروطا بشرط للذم ولأصالة عدم التقييد ويظهر
من السيد المرتضى رحمه الله القول بالاشتراك فيلزمه التوقف حتى يظهر من الخارج ودليله الاستعمال و
الجواب أن الاستعمال أعم من الحقيقة نعم استثنى السيد الواجب بالنسبة إلى السبب فقال بكونه مطلقا
بالنسبة إليه مطلقا لعدم إمكان الاشتراط لعدم انفكاك المسبب عن السبب وستعرف الكلام فيه
الثالثة ما يتوقف عليه الواجب إما سبب أو شرط والسبب هو ما يلزم من وجوده وجود الشئ
ومن عدمه عدمه لذاته فخرج الشرط والمانع فإن الشرط هو ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من
وجوده وجوده والمانع ما لا يلزم من عدمه عدم شئ بل يلزم من وجوده عدم شئ وأما التقييد بقولنا لذاته
احتراز عن مقارنة وجود السبب عدم الشرط أو وجود المانع فلا يلزم الوجود أو قيام سبب آخر حالة
عدم الأول مقامه فلا يلزم العدم ويدخل في الشرط جميع العلل الناقصة من المقدمات العقلية والعادية
والشرعية والسبب والشرط قد يلاحظان بالنسبة إلى الحكم الشرعي فيكونان من الأحكام الوضعية وقد
يلاحظان بالنسبة إلى موضوع الحكم ولا يتوقفان على وضع الشارع حينئذ وإن كان قد يكون بوضعه وكلامنا
انما هو في الثاني وبعبارة أخرى إنما الكلام في مقدمات الواجب لا في مقدمات الوجوب وكل منهما إما
شرعي أو عقلي أو عادي فالسبب الشرعي كالصيغة بالنسبة إلى العتق الواجب والوضوء والغسل بالنسبة
إلى الطهارة عن الحدث والغسل بالنسبة إلى إزالة الخبث والعقلي كالنظر المحصل للعلم الواجب والعادي
كجز الرقبة في القتل الواجب والشرط الشرعي كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة والعقلي كترك الأضداد في الاتيان
بالمأمور به والعادي كغسل شئ من العضد لغسل اليد في الوضوء وشاع التمثيل لذلك بأمر المولى عبده
بالكون على السطح فالسلم ونصبه من الشروط والصعود سبب إذا عرفت هذا يظهر لك أن ما يستفاد
من بعض الكلمات أن السبب هو ما يستحيل انفكاكه عن المسبب مطلقا مساوقا للعلة التامة والجزء
لا خير منها ليس كما ينبغي وخلاف ما صرحوا به في الكتب الأصولية ثم أن مقدمة الواجب تنقسم إلى
100

ما يتوقف عليها وجوده كما مر أو يتوقف عليها صحته كالطهارة للصلاة على القول بكون العبادات
أسامي للأعم أو يتوقف عليها العلم بوجوده لتوقف العلم بالاتيان بالصلاة إلى القبلة عند اشتباهها
على الاتيان بأكثر من صلاة ولو اعتبرنا كون الواجب هو تحصيل العلم فيكون هذا أيضا مقدمة للوجود
وأيضا المقدمة إما تكون فعلا أو تركا ومن المقدمات الفعلية تكرار نفس الواجب كالصلاة إلى أكثر
من جانب وفي أكثر من ثوب عند اشتباه القبلة والثوب الطاهر ومن المقدمات التركية ترك
الانائين المشتبهين ونظيره من الشبهة المحصورة الرابعة الواجب بالنسبة إلى كل مقدمة غير
مقدورة مشروط فتقييد كثير من الأصوليين المقدمات بالمقدورة هيهنا لا وجه له إلا توضيح هذا المعنى
وإلا فليس مقدمات الواجب المشروط مما يتنازع في وجوبها بل عدم وجوبها مجمع عليه والمقدورية
أعم من المقدورية بالذات أو بواسطة فالافعال التوليدية كلها مقدورة إذا حصل القدرة على
المباشرية واعلم أن الاطلاق والتقييد للواجبات إضافية بالنسبة إلى المقدمات فقد يكون الشئ
واجبا مطلقا بالنسبة إلى مقدمة ومشروطا بالنسبة إلى أخرى الخامسة قد يقال الواجب المطلق
ويراد منه الاطلاق بالنسبة إلى اللفظ وقد يضاف إلى ذلك اقتضاء الحكمة والعدل ذلك أيضا وإلا لزم
التكليف بالمحال وهذا أخص من الأول وأيضا النزاع في وجوب مقدمات الواجب يجري في ما
يثبت وجوب الواجب من غير لفظ إفعل وما في معناه أيضا كالاجماع والعقل وغيرهما وإن كان سياق
الاستدلال بتفاوت في بعض المواد السادسة الوجوب المتنازع فيه هو الوجوب الشرعي لان
الوجوب العقلي بمعنى توقف الواجب عليه وأنه لا بد منها في الامتثال مما لا ريب فيه ذو مسكة و
المراد من الوجوب الشرعي هو الأصلي الذي حصل من اللفظ وثبت من الخطاب قصدا وبالجملة النزاع
في أن الخطاب بالكون على السطح هل هو تكليف واحد وخطاب بشئ واحد أو تكليفات وخطاب
بأمور أحدها الكون والثاني نصب السلم والتدرج بكل درجة درجة وغيرهما ويظهر الثمرة فيما لو
وجب عليه واجب بالنذر واليمين ونحوهما وفي ثبوت العقاب والثواب على ترك كل من المقدمات
وفعلها وربما يقال أن القائل بوجوب المقدمة أيضا لا يقول بترتب الثواب والعقاب على فعل
المقدمات وتركها بل الثمرة تظهر في جواز الاجتماع مع الحرمة فلو كانت المقدمة واجبة شرعا فلا يجوز
أن يجتمع مع الحرام وفيه مع أنه خلاف ما صرح به بعضهم ان وجوب المقدمة من باب التوصل و
الواجب التوصلي يجتمع مع الحرام غاية الامر عدم الثواب حينئذ وأما البطلان فلا نعم يمكن ذلك فيما لو
كانت المقدمة أيضا من العبادات التوقيفية كالوضوء والغسل ولا ريب أن ذلك حينئذ إنما هو من
101

جهة كونها مطلوبة بالذات مع جهالة علة تخصيصها باشتراط الواجب بها وتوقفه عليها لا من جهة
الوجوب الحاصل من إيجاب ذي المقدمة فإن الواجب قد يجتمع
فيه التوصلية والتوقيفية بالاعتبارين ومما يؤيد ما ذكرنا من أنهم يقولون بثبوت العقاب
استدلالهم في دلالة الامر بالشئ على النهي عن الضد بأن ترك الضد واجب من باب المقدمة فيكون
فعله حراما فثبت حرمة الضد ويترتب عليه أحكامه من الفساد وغيره فإن القائل بأن الامر
بالشئ يقتضي النهي عن الضد ليس مراده طلب الترك التبعي كما سنحققه بل مراده الخطاب الأصلي و
وجه التائيد إن النهي المستلزم للفساد ليس إلا ما كان فاعله معاقبا السابعة دلالة الالتزام
إما لفظية وإما عقلية واللفظية على قسمين إما بين بالمعنى الأخص كدلالة صيغة إفعل على الحتم والالزام
عند من يدعي التبادر فيه كما هو الحق والمراد به دلالة اللفظ عليه وكونه مقصودا للفظ أيضا واما
بين بالمعنى الأعم كدلالة الامر بالشئ على النهي عن الضد العام بمعنى الترك فبعد التأمل في الطرفين والنسبة
بينهما يعرف كون ذلك مقصود المتكلم أيضا بذلك الخطاب وأما العقلية فهو أن يحكم العقل بعد
التأمل في الخطاب وفي شئ أخر كون ذلك الشئ لازما مرادا عند المتكلم وإن لم يدل عليه ذلك الخطاب
بالوضع ولم يقصده المتكلم أيضا بذلك الخطاب بل ولم يستشعر به أيضا كوجوب المقدمة على ما سنحققه
ودلالة الآيتين على أقل الحمل ونحو ذلك فهذا الحكم وإن كان انما حصل من العقل لكن حصل بواسطة
خطاب الشرع ويقال لذلك أنه خطاب حصل بتبعية الخطاب الشرعي وإن كان الحاكم باللزوم
هو العقل ولا يخفى أن هذه الدلالة معتبرة أيضا محكمة في المسائل سواء كان من أحكام الوضع
كأقل الحمل المستفاد من الآيتين أو من أحكام الطلب وأما الوجوب المذكور أي وجوب المقدمة
فلما كان هو أيضا تبعيا كأصل الخطاب به بمعنى أنه لازم لأجل التوصل إلى ذي المقدمة وحكمه حكم
الخطابات الأصلية التوصلية كانقاذ الغريق واطفاء الحريق وغسل الثوب النجس للصلاة فلم يحكم
بكونه واجبا أصليا ولم يثبت له أحكام الواجب الأصلي الذاتي فلا عقاب عليه لعدم ثبوت العقاب
على الخطاب التبعي كما سنشير إليه ويجتمع مع الحرام لأجل كونه توصليا نظير الانقاذ والغسل الواجبين
لاستخلاص النفس المحترمة والصلاة في الثوب الطاهر ولذلك يحصل المطلق بالحرام أيضا بل بفعل
الغير أيضا فيرجع هذه الدلالة أيضا إلى البين بالمعنى الأعم لكن بالنسبة إلى المأمور به لا الامر نظير
توابع الماهية في الوجود وغاياتها وأما القائل بوجوب المقدمة فلابد أن يقول بوجوب أخر غير
الوجوب التوصلي ويقول بكونه مستفادا من الخطاب الأصلي وإلا فلا معنى للثمرات التي أخذوها
102

لمحل النزاع فلابد لهم من القول بأنها واجبة في حد ذاتها أيضا كما أنها واجبة الموصول إلى الغير ليترتب
عليه عدم الاجتماع مع الحرام وأن يكون بالخطاب الأصلي ليترتب العقاب عليه وأنى لهم بإثباتها ثم إن
هيهنا معنى آخر للاستلزام العقلي وهو أن العقل يحكم بوجوب المقدمة عند وجوب ذي المقدمة يعني
أن وجوب أصل الفعل يحصل من الامر ووجوب مقدمته يحصل من العقل وهو من أدلة الشرع فهيهنا
خطابان أصليان للشارع تعالى أحدهما بلسان الرسول الظاهر وثانيهما بلسان الرسول الباطن وإلى
هذا ينظر استدلالهم الآتي على إثبات وجوب مطلق المقدمة وأنت خبير بأن ذلك لا يتم حين انفراد
كل منهما عن الاخر حتى يثبت الوجوب الذاتي للمقدمة فتأمل ولعلنا نتكلم بعض الكلام في تتميم هذا المراد
في مباحث المفهوم والمنطوق الثامنة قد أشرنا أن وجوب المقدمة من التوصليات و
المراد بالواجب التوصلي هو ما علم أن المراد به الوصول إلى الغير وليس هو مطلوبا في ذاته ولذلك يسقط
وجوب الامتثال به بفعل الغير أيضا كغسل الثوب النجس للصلاة وبالاتيان به على الوجه المنهي عنه كالغسل
بالماء المغصوب ونحو ذلك وهذا هو السر في عدم اشتراط النية فيها دون الواجبات التي لم يحصل العلم
بانحصار الحكمة منها في شئ أو علم أن المراد منها تكميل النفس ورفع الدرجة وحصول التقريب فإنها لا
تصح بدون النية (ابد)؟ حصول الامتثال عرفا إلا بقصد إطاعة الامر إذا عرفت هذا فاعلم أن المقدمة لا ينحصر
فيما كان مقدورا للمكلف أو فيما أتى به أو فيما تفطنه وكان مستشعرا به وقد ذكرنا سابقا ان الواجب
بالنسبة إلى المقدمات الغير المقدورة مشروط وكلامنا هنا في مقدمات الواجب المطلق لكن لا بد
أن يعلم أنه قد يكون الغير المقدور مسقطا عن المقدور وفعل الغير نائبا عن فعل المكلف وما لا يتفطنه
ولا يستشعر به أيضا من المقدمات فإن من وجب عليه السعي في تحصيل الماء للوضوء إن فاجأه من أعطاه
الماء فسقط عنه ذلك السعي ويكون فعل الغير نائبا عن فعله فالمقدمة هو القدر المشترك بين المقدور
وغيره والقدر المشترك بينهما مقدور وثمرة النزاع إنما تحصل فيما كان مقدورا للمكلف وفعله
فالقائل بوجوب المقدمة إنما يقول بوجوب القدر المشترك والكلام في حصول الثواب وعدمه بالنسبة
إلى مثل هذه المقدمة هو الكلام في مثل حصوله على غسل الغير ثوبه من دون إطلاعه نعم يثاب على
نيته لو نوى ذلك ثم ناب عنه فعل الغير فظهر من جميع ذلك أن الواجب قد يكون مطلقا وإن
كان مقدمته قدر المشترك بين المقدور وغير المقدور فليكن على ذكر (هناك)؟ إذا تمهد هذا لك
فنقول القول بالوجوب مطلقا لأكثر الأصوليين وبعدمه مطلقا نقله البيضاوي في المنهاج عن
بعض الأصوليين والشهيد الثاني رحمه الله في تمهيد القواعد وبوجوب الشرط الشرعي لابن الحاجب و
103

بوجوب السبب دون غيره للواقفية ونسبه جماعة إلى السيد رحمه الله وهو وهم لأنه جعل الواجب بالنسبة إلى
السبب مطلقا وبالنسبة إلى غيره محتملا للاطلاق والتقييد فيحكم بوجوب السبب مطلقا لعدم احتمال التقييد
ويتوقف في غير الاحتمال كون الوجوب مقيدا بالنسبة إليه وهذا بعينه قول المشهور في مقدمات الواجب
المطلق والأقرب عندي عدم الوجوب مطلقا لنا الأصل وعدم دلالة الامر عليه بإحدى من الدلالات اما
المطابقة والتضمن فظاهر وأما الالتزام فلانتفاء اللزوم البين وأما الغير البين فهو أيضا منتف بالنسبة
إلى دلالة اللفظ إذ لا يقال بعد ملاحظة الخطاب والمقدمة والنسبة بينهما أن هيهنا خطابين وتكليفين
كما هو واضح ولذلك يحكم أهل العرف بأن من أتى بالمأمور به امتثل امتثالا واحدا وإن أتى بمقدمات
لا تحصى وكذا لو ترك المأمور به لا يحكم إلا بعصيان واحد ولا يحكم العقل والعرف بترتب المذمة والعقاب
على ترك المقدمة في نفسها إذ المذمة والعقاب أما لقبحه أو لحصول العصيان بتركها ولا يستحيل
العقل كون ترك شئ قبيحا بالذات ولا يكون ترك مقدمته قبيحا بالذات وحصول العصيان يدفعه
فهم العرف كما بينا نعم يمكن القول باستلزام الخطاب لإرادتها حتما بالتبع بمعنى أنه لا يرضى بترك
مقدمة ولا يجوز تصريح الامر بعدم مطلوبيتها للزوم التناقض من باب دلالة الإشارة ولا يستلزم
استفادة شئ من الخطاب كونه مقصودا للامر مشعورا به له حتى يقال أنه ربما نأمر بشئ ولا يخطر ببالنا
المقدمة فكيف يكون واجبا ألا ترى انا نحكم باستفادة كون أقل الحمل ستة أشهر من الآيتين مع
عدم كونه مقصودا في الآيتين والحاصل أنه لا مانع من استفادة وجوب المقدمة تبعا بالمعنى المتقدم
ولا يكون على تركها ذم ولا عقاب بل يكون الذم والعقاب على ترك ذي المقدمة وقد سبقنا إلى
هذا التحقيق جماعة من المحققين وأما المدح والثواب على فعلها فالتزمه بعض المحققين ونقله
عن الغزالي ولا غائلة فيه ظاهر إلا أنه قول بالاستحباب وفيه إشكال إلا أن يقال باندراجه تحت
الخبر العام فيمن بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن كما بلغه فإنه يعم جميع
اقسام البلوغ حتى فتوى الفقيه فتأمل احتج الأكثرون بالاجماع نقله جماعة وربما ادعى بعضهم الضرورة
وبأن المقدمة لو لم تكن واجبة لجاز تركها وحينئذ فإن بقي التكليف لزم التكليف بالمحال وإلا لزم خروج
الواجب المطلق عن كونه واجبا وكلاهما باطلان وإن العقلاء يذمون تارك المقدمة مطلقا والجواب عن
الأول ان الاجماع في المسائل الأصولية غير ثابت الحجية ودعوى بعضهم الضرورة مع دعوى الجماعة
الاجماع يقرب كون مراد الأكثرين أيضا الوجوب بالمعنى الذي اخترناه لا الوجوب الأصلي لغاية بعده
وعن الثاني إنا نختار الشق الأول ونجيب أولا بالنقض أو ترك عصيانا على القول بالوجوب
104

إذ المدخلية للوجوب في القدرة فإن قلت العصيان موجب لحصول التكليف بالمحال ولا مانع منه إذا
كان السبب هو المكلف كما فيمن دخل دار قوم غصبا أو زنى بامرأة فهو مكلف بالخروج وعدمه و
إخراج فرجه من فرجها وعدمه قلنا فيما نحن فيه أيضا صار المكلف هو سببا للتكليف بالمحال لان
الفعل كان مقدورا له أولا فهو بنفسه جعله غير مقدور وثانيا بالحل وهو أن المقدور لا يصير ممتنعا
إذ الممتنع هو التكليف بشرط عدم المقدمة لا حال عدم المقدمة نظير تكليف الكفار بالفروع حال الكفر
وإن فرضت الكلام في أخر أوقات الامكان على ما هو مقتضى جواز الترك فنلتزم بقاء التكليف أيضا
لعدم استحالة مثل هذا التكليف لأنه بنفسه تسبب للتكليف بالمحال وصير المقدور ممتنعا باختياره
ولا يستحيل العقل مثل ذلك ولا يذهب عليك ان هذا الجواب يوهم أنا نقول بجواز تصريح الامر
بجواز ترك المقدمة فحينئذ يستظهر القائل بالوجوب ويقول إن ذلك قبيح من الحكيم فكيف يجوز تجويز
الترك منه وما لا يجوز تجويز تركه يكون واجبا ولكنا إنما قررنا هذا الدليل والجواب على مذاق القوم و
اما على ما اخترناه وحققناه فلا يرد ما ذكر لأنا لا نقول بجواز تجويز ترك المقدمة وإن قلنا بجواز التصريح
بعدم العقاب على ترك المقدمة وإن العقاب إنما هو على ترك ذي المقدمة ولا يستلزم ذلك عدم
الوجوب التبعي أيضا وأما على مذاق القوم فقد يجاب عن هذا الاشكال بأن هذا التجويز إنما هو بحكم
العقل لا الشرع حتى يكون سفها وعبثا وإنا وإن استقصينا التأمل في جواز انفكاك حكم العقل هيهنا
من الشرع فلم نقف على وجه يعتمد عليه وقد يوجه ذلك بأن أصالة البراءة التي هي حكم العقل تقتضي جواز
الترك فيما لا نص فيه وهو بمعزل عن التحقيق إذ المراد من حكم العقل هنا إن كان مع قطع النظر عن ورود الامر
من الشرع بوجوب ذي المقدمة فلا اختصاص له بالعقل واما معه فلا يمكن الحكم للعقل أيضا إذ هو من
أدلة الشرع مع أنه لا يجري فيما يستقل بوجوبه العقل كمعرفة الله تعالى ولا قائل بالفرق وبالجملة لا بد من التفرقة
بين قول المولى للعبد كن على السطح وأجزت لك أن لا تنصب السلم أو لا تصعد وبين قوله كن على السطح
وإن لم تكن عليه فأعاقبك على ترك الكون ولا أعاقبك على ترك النصب ولا على ترك الترقي على كل
واحد من الدرجات والذي نجوزه هو الثاني والذي يرد عليه الاعتراض هو الأول وعن الثالث منع كون
المذمة على ترك المقدمة لذاتها بل إنما هو لأجل ترك ذي المقدمة حيث لا ينفك عن تركها ولهم حجج
أخرى ضعيفة أقواها ما ذكرنا حجة القائلين بوجوب السبب دون غيره أما في غير السبب فما مر وأما
في السبب فهو أن المسبب لا يتخلف عن السبب وجودا وعدما فالقدرة لا تتعلق بالمسبب بل القدرة
على المسبب باعتبار القدرة على السبب لا بحسب ذاته فالخطاب الشرعي وإن تعلق على الظاهر بالمسبب
105

إلا أنه يجب صرفه بالتأويل إلى السبب إذ لا تكليف إلا بالمقدور من حيث هو مقدور فإذا كلف
المكلف كان تكليفا بإيجاد سببه لان القدرة إنما تتعلق بالمسبب من هذه الحيثية بخلاف ما إذا
كانت المقدمة شرطا للواجب غير مستلزم إياه كالطهارة للصلاة والمشي للحج فإن الواجب هيهنا
يتعلق به القدرة بحسب ذاته فلا يلزم أن يكون إيجابه إيجابا للمقدمة وحاصله أن المسبب لا ينفك
عن السبب قطعا ووجوده واجب حينئذ ويمتنع عند عدمه فالتكليف بالمسبب إما تكليف بإيجاد الموجود
أو الممتنع وكلاهما محال فلا يصح تعلق التكليف به فالتكليف متعلق بالسبب وجوابه أن المقدور
لا يصير ممتنعا فإن الوجوب بالاختيار لا ينافي وكذلك الامتناع بالاختيار وبالجملة المسبب
مقدور وإن كان بواسطة السبب ولذلك ذهب المحققون إلى جواز كون المطلوب بالأوامر هو
المفهومات الكلية وإن لم يمكن وجودها الا في ضمن الفرد مع أن الامتناع بالمعنى المذكور يتمشى في
الشروط أيضا وقد يورد عليه أيضا بأن ذلك مستلزم لارتفاع التكليف إذ كل سبب مسبب
أيضا لاحتياج الممكن إلى المؤثر حتى ينتهي إلى الواجب وقد يجاب بأن المراد بالمسبب هيهنا ما له واسطة
مقدورة بينه وبين المكلف لا كل ما له علة وانتهاء العلل إلى الواجب تعالى لا يستلزم الجبر كما يشهد
به الضرورة والشبهة المشهورة لا يعتنى بها في مقابلة البديهة وما يقال أن النزاع في السبب قليل
الجدوى لان تعليق الامر بالمسبب نادر بل الغالب التعليق بالأسباب كالأمر بالوضوء والغسل دون
رفع الحدث ففيه ما لا يخفى إذ التعليق بالمسببات أيضا كثير إن لم نقل بكونه أكثر كالأمر بالكفارة والامر
بالعتق ونحوهما فإن الصيغة سبب العتق والعتق سبب الكفارة ولاحظ تعلق التكاليف بالكليات
مع أن الفرد إنما هو السبب لوجود الكلي فالحاصل أن المختار عدم دلالة الامر بالمسبب على وجوب السبب
كغيره من المقدمات بدلالة ما قدمنا سابقا نعم يمكن أن يقال أن الامر بالمسبب أمر بالسبب إذا كان
المسبب فعل الغير مثل الامر بالاحراق فإنه حقيقة أمر بإلقاء الحشيش في النار مثلا لان الاحراق إنما
هو فعل النار ولكن الظاهر إن المراد بالاحراق هنا هو ما يمكن حصوله من المكلف من المبادئ المستلزمة
للاحراق مجازا لا أن يكون نفس الاحراق مأمورا به ويكون دالا على وجوب السبب باللزوم العقلي من جهة
استحالة حصول الاحراق عنه وهذا هو مقتضى استدلال المستدل أيضا فعلى هذا يخرج الكلام عن موضوع
هذا الأصل ومحل النزاع فإن الظاهر أن من يقول بدلالة الامر على وجوب السبب لا يقول بدلالته عليه
مطابقة فالامر حقيقة إنما يوجه هناك إلى السبب مطابقة وإن كان باللفظ المجازي فافهم ذلك فإنه
دقيق ثم أن ما ذكرنا مبني على أن لا يكون الافعال التوليدية مستندة إلى العلة الأولى حقيقة وإلا
106

فلا مانع من إسناد الاحراق إلى المخاطب كما في أمر الملك أحد أمرائه بفتح البلاد فلا يتفاوت المقام في دعوى
كون الامر بالمسبب مستلزما للامر بالسبب بعنوان اللزوم العقلي لا الدلالة المجازية المطابقية ولكن
ظاهر كلام المستدل هو المعنى الثاني فيختلف موضع النزاع بالنسبة إلى السبب وغيره من المقدمات و
مع ذلك فقد عرفت بطلان دليله بما لا مزيد عليه حجة القول بتخصيص الوجوب بالشرط الشرعي أنه لو
لم يكن واجبا لم يكن شرطا والتالي باطل فالمقدم مثله أما الملازمة فلانه لو لم يجب لجاز تركه وحينئذ فإما أن
يكون الآتي بالمشروط آتيا بتمام المأمور به أم لا والثاني باطل لأن المفروض أن المأمور به منحصر في
المشروط فيلزم تمامية المأمور به بدون الشرط فيلزم عدم توقفه على الشرط هف وأما بطلان التالي فواضح
والدليل على عدم الوجوب في غيره يظهر مما تقدم والجواب اختيار الشق الثاني وإن عدم الاتيان بتمام
المأمور به لا يلزم أن يكون من جهة عدم الاتيان ببعض المأمور به بل يجوز أن يكون لفوات وصف
من أوصاف المأمور به يختلف كيفية المأمور به بسببه وكون ما يستلزم عدمه عدم المأمور به واجبا
أول الكلام وسيجئ بيان أن علة الحرام ليست بحرام كما تقدم أن سبب الواجب ليس بواجب ومن
هذا يندفع ما قيل أو الواجب هو الصلاة المتصفة بكونها صادرة عن المتطهر فالأركان المخصوصة
مع الطهارة حينئذ يكون سببا لايجاد الهيئة المحصلة لحقيقة المأمور به فيكون واجبا لكونه سببا مع أن
ذلك إنما يتم إذا قلنا أن الجزء يجب بوجوب الكل وسيجئ الكلام فيه وتحقيق المقام هو ما تقدم من
إثبات الوجوب الحتمي والتبعي ولكنه ليس بمحل النزاع في شئ ثم إن سوق هذه الحجة يجري في غير الشرط الشرعي
من المقدمات العقلية والعادية أيضا ولا اختصاص لها بالشرط الشرعي والجواب الجواب
تنبيهات الأول ربما يتوهم أنه لا خلاف في وجوب المقدمة إذا كانت المقدمة هو إتيان
أمور يحصل الواجب في ضمنها كالصلاة إلى أكثر من جانب والآتيان بالظهر والجمعة معا عند من اشتبه
عليه المسألة وأوجب الاحتياط ونحو ذلك لأنه عين الاتيان بالواجب بل هو منصوص في بعض الموارد
كالصلاة إلى أربع جهات وفيه ما لا يخفى على المتأمل سيما بعد ما بينا من معنى الوجوب وثمرة النزاع
والاجماع المتوهم ممنوع وأما الكلام في النص الوارد في بعض هذه الموارد فنحن أيضا لا نتحاشى عن القول
بالوجوب هناك ولا اختصاص به بهذا المورد بل الكلام فيه هو الكلام في مثل الوضوء إذا لوحظ وجوبه
المستفاد من النص إذ الوجوب فيهما الحاصل من النص عليه هو الوجوب الغيري والفرق بين
المنصوص وغير المنصوص إنما يحصل في كون الخطاب به أصليا أو تبعيا فوجوب سائر المقدمات
تبعي ووجوب مثل ذلك أصلي ولا يذهب عليك أن ما ذكرنا هنا لا ينافي ما سبق منا من منع
107

وجوب الشرط الشرعي من المقدمات إذ الشرطية غير الوجوب كما هو مصرح به في كلام الاعلام مع أن ما تقدم
من الكلام إنما هو في الوجوب المستفاد من إيجاد نفس الواجب وهو باق بحاله بالنسبة إلى مثل الوضوء
أيضا والحاصل انا نقول بأن الامر بالصلاة ليس أمرا بالوضوء وذلك لا ينافي كون الوضوء شرطا من قبيل
الشارع ولا كونه مأمورا به بخطاب على حدة بل لا نضائق في ترتب العقاب على ترك الوضوء من جهة خصوص
الامر به وإن كان وجوبه للغير كما هو مدلول أصل لفظ الامر ومصرح به في كلام جماعة من المحققين ونفي الخلاف
في وجوب هذا القسم الذي تعلق به الوجوب على حدة المحقق الشيرازي في حاشية العضدي الثاني صرح
جماعة بوجوب التروك المستلزمة للترك الواجب كالمطلقة المشتبهة فيما بين الأربع أو أقل والدينار المحرم
في الدنانير المحصورة ونحوهما من باب المقدمة والذي يترجح في النظر هو عدم الوجوب وإن قلنا بوجوب
المقدمة إذ الواجب إنما هو الاجتناب عما علم حرمته لا عن الحرام النفس الامري لعدم الدليل على ذلك والأصل
والاخبار المعتبرة يساعدنا وكيف ما كان فالذي نمنع وجوبه هو اجتناب الجميع وأما إذا بقي منه بمقدار نجزم
بارتكاب الحرام فلا نجوزه وتمام التحقيق في ذلك يجئ في أواخر الكتاب إنشاء الله تعالى الثالث الظاهر
أن الكلام في دلالة الواجب على وجوب جزئه كالكلام في سائر مقدماته والقدر المسلم من الدلالة هو التبعي
إلا أن ينص عليه بالخصوص بعنوان الوجوب كما مر في حكم المقدمة الخارجة وربما نفى الخلاف عن الوجوب في
الجزء لدلالة الواجب عليه تضمنا وهو ممنوع وقد جعل العلامة من فروع المسألة الصلاة في الدار المغصوبة
من جهة أن الكون الذي هو جزء الصلاة واجب بسبب وجوب الواجب فلا يجوز أن يكون منهيا عنه
قانون الحق أن الامر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده الخاص مطلقا وأما الضد العام فيقتضيه
التزاما وتوضيح المقصد يقتضي رسم مقدمات الأولى الضد الخاص للمأمور به هو كل واحد من الأمور
الوجودية المضادة له عقلا أو شرعا وأما العام فقد يطلق على أحد الأضداد الوجودية لا بعينه وهو
يرجع إلى الأول وقد يطلق على الترك اما بجعله عبارة عن الكف أن مجازا للمناسبة والمجاورة والمراد
في هذا المبحث هو المعنى الثاني الثانية أن ترك الضد مما يتوقف عليه فعل المأمور به لاستحالة
وجود الضدين في محل واحد فوجود أحدهما يتوقف على انتفاء الاخر عقلا فالتوقف عقلي وإن كان
الضد شرعيا إذ المراد بعد فرضه ضدا وقد أغرب بعض المحققين فأنكر كونه مقدمة وقال أنه من المقارنات
الاتفاقية فلو كان ترك الضد مقدمة لفعل ضده فكون فعل الضد مقدمة لترك ضده أولى بالاذعان
ولما كان منشأ توهم التوقف هو المقارنة الاتفاقية حصل ذلك الاشتباه في المقامين مع أنه
محال وغرضه من المقام الثاني هو شبهة الكعبي الآتية فإنه جعل فعل المباح مقدمة لترك الحرام يعني
108

أنه لما قارن ترك الحرام لفعل المباح فتوهم أن المباح مقدمة له فكما أن ذلك باطل من باب محض الاتفاق
فكذا فيما نحن فيه وأنت خبير بأن الفرق بينهما في كمال الوضوح فإن ترك الحرام قد يتخلف عن جميع الأفعال
مع وجود الصارف ومع عدم التخلف فلا يتوقف عليه غالبا بخلاف فعل المأمور به فإنه لا يمكنه التخلف
أبدا وقوله مع أنه محال الظاهر أنه أراد منه لزوم الدور وهو أغرب من سابقه لان المقامين متغايران
وإن أراد ان ترك الضد كما أنه مقدمة لفعل الضد الاخر على ما قلت ففعل الضد الاخر أيضا علة لترك هذا
الضد ففيه أن في هذا الكلام اشتباه التوقف بالاستلزام فإن ترك أحد الضدين لا يتوقف على فعل
الضد الاخر لجواز خلو المكلف عنهما جميعا نعم فعل الضد الاخر يستلزم ترك الاخر وأين هذا من التوقف و
الظاهر أن منشأ توهمه النظر إلى أن ترك الضد يتخلف غالبا من فعل ضده فحسب من ذلك أنه لا
مدخلية لترك الضد في فعل ضده وحسب أن مقدمة الشئ هي ما يتوقف عليه الفعل في نظر المكلف
مع تفطنه بكونه مما يتوقف عليه وأما مع وجود الصارف عن المكلف به وعدم حصوله في الخارج فلا
يتحقق واجب في الخارج حتى يتحقق توقف ثم طرد الكلام غفلة إلى حال الاشتغال والتفطن وأنكر
التوقف هنا أيضا وأنت خبير بأن عدم تفطن المكلف بالتوقف لا يوجب عدم التوقف في نفس
الامر والثاني إنما هو معنى ما لا يتم إلا به لا الأول مع أن هذا الكلام يجري في سائر المقدمات أيضا فإن
قلت إذا ترك الواجب لصارف عنه فينتفي الواجب فما معنى وجوب المقدمة مع أن وجوبه للتوصل
إلى الواجب فإذا كان معنى المقدمة هو ما يتوقف عليه الواجب في نفس الامر سواء تفطن به المكلف
أم لا وسواء أتى بالواجب أم لا فكيف يصح لك الحكم بالوجوب شرعا حينئذ كما هو مقتضى القول بوجوب
المقدمة على ما ذكرت قلت علم الآمر بعدم الامتثال لا يؤثر في قدرة المكلف وإلا لزم الجبر وتوهم
كون الخطاب بالمقدمة حينئذ قبيحا لان مع عدم الواجب لا معنى لطلب المقدمة لأنها ليست مطلوبة
في نفسها ومع وجود الصارف لا يمكن صدره مدفوع بالنقض بأصل الواجب أولا وبمنع امتناع الواجب
ثانيا وبأن التكليف للامتحان ثالثا فاللازم على القائل بوجوب المقدمة القول بالعقاب على ترك
المقدمات التي لو فعل الواجب كان موقوفا عليه وعدم وجود الواجب وعدم التأثير في الوجود في
الخارج وفي نظر المكلف لا يضر وهذا من أفضح ما يلزم القائل بوجوب المقدمة
فإن إجراء أحكام الواجب على تلك المقدمات أصعب شئ فمن كان عليه أداء دين مع المطالبة
وكان له صارف عن أدائه يلزمه عدم صحة عباداته من أول العمر إلى آخره غاية ما في الباب أنه لا يترتب
ثواب على ترك الضد لو لم يتفطن المكلف له في صورة الامتثال بالمأمور به لو قلنا بأن الامتثال
111

بالنهي إنما يكون بالكف لا بنفس أن لا يفعل وذلك مع أنه غير مسلم كما سيجئ لا ينفي ترتب العقاب على فعله
على القول بوجوب المقدمة الثالثة المباح يجوز تركه خلافا للكعبي فإنه قال بوجوب المباح و
المنقول عنه مشتبه المقصود فقد يقال أن مراده أن كل ما هو مباح عند الجمهور فهو واجب عنده لا غير
وقد يقال أن مراده أن كلما كان مباحا بالذات فهو واجب بالعرض وعلى أي التقديرين فالنزاع معنوي
والمنقول عنه في دليله وجهان أحدهما أن ترك الحرام واجب وهو متلازم الوجود مع فعل من الافعال
فكل ما يقارنه فهو واجب لامتناع اختلاف المتلازمين في الحكم وثانيهما أنه لا يتم ترك الحرام إلا بإتيان
فعل من الافعال وهو واجب فذلك الفعل أيضا واجب لان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب و
الجواب عن الأول منع ذلك فإن الممتنع هو اجتماع الضدين في محل واحد لا في المتقارنين في الوجود إلا
في العلة والمعلول عند بعضهم وأما الثاني فأجيب عنه بوجوه الأول ان هذا لا يختص بالمباح فقد يتم
بالواجب وفيه أنه لا يرفع الاشكال لأنه يقول حينئذ بكونه أحد أفراد الواجب المخير والثاني
أنه يلزم كون الحرام واجبا (كالشرب)؟ لترك القذف والواجب حراما كالصلاة لترك الواجب
ويدفعه اعتبار الجهتين والثالث منع وجوب المقدمة
والتحقيق في الجواب أن ذلك ليس بمقدمة مطلقا إذ الصارف يكفي في ترك الحرام نعم لو تحقق فرض لا يمكن
التخلص إلا بإتيان شئ فنقول بوجوبه إن قلنا بوجوب المقدمة وذلك لا يثبت الكلية المدعاة خصوصا
إن قلنا بأن المراد من ترك الحرام هو نفس أن لا يفعل فإنه يحصل غالبا ولا يحتاج إلى شئ أصلا بل وقد يكون
المكلف حينئذ خاليا عن كل فعل إن قلنا ببقاء الأكوان وعندم احتياج الباقي إلى المؤثر فكذلك إن قلنا بكونه
الكف إذ كثيرا ما لا يتصور فعل الحرام حتى يجب الكف عنه فحينئذ لا يكون المباح أحد أفراد الواجب المخير أيضا
اللهم إلا أن يقال بالنظر إلى ما حققناه سابقا في مقدمات القانون السابق من أن المقدمات قد تكون
غير مقدورات وأنه قد يقوم غير المقدور مقام المقدور ان المباح أحد أفراد الواجب المخير ولكن
قد يقوم مقامه ومقام سائر أفراده بعض الأمور الغير المقدورة مثل عدم شرط الحرام ووجود المانع
عنه ونحو ذلك فالصارف أيضا من أحد أفراد الواجب المخير لو كان هو ترك الإرادة بالاختيار ومن
جملة ما يقوم مقام تلك الافراد لو كان شيئا خارجا عن الاختيار وأنت خبير بأن هذا في الحقيقة
تخيير بين الأمور المقدورة والغير المقدورات مسقطات لها لا أنه تخيير بين المقدورات وغير
المقدورات كما قد يتوهم مع أنا لو سلمنا التخيير مطلقا فلا نأبى عن كونه أحد أفراد الواجب المخير بهذا المعنى ولكن
ليس هذا مراد الكعبي وأما ما ذكره المحقق السابق الذكر من أنه لا مدخلية للمباح في ترك الحرام أصلا
ومطلقا وأنه من مقارناته الاتفاقية مطلقا ففيه ما فيه إذ كثيرا ما نجد من أنفسنا توقف ترك الحرام على
فعل وجودي بحيث لو لم نشتغل به لفعلنا الحرام ولا يمكن إنكاره وأطلنا الكلام في إبطال توهمه وتوضيحه فيما
112

علقناه على تهذيب العلامة الرابعة موضع النزاع ما إذا كان المأمور به مضيقا والضد
موسعا ولو كانا موسعين فلا نزاع وأما لو كان مضيقين فيلاحظ ما هو الأهم وقد يفصل بأن الفعلين
إما كلاهما من حق الله أو حق الناس أو مختلفان وعلى التقديرات أما معا موسعان أو مضيقان أو
مختلفان فمع ضيق أحدهما الترجيح له مطلقا ومع سعتهما التخيير مطلقا وأما الثاني فمع اتحاد الحقيقة
التخيير مطلقا إلا إذا كان أحدهما أهم في نظر الشارع كحفظ بيضة الاسلام ومع اختلافهما فالترجيح لحق الناس
إلا مع الأهمية إذا تمهد هذا فنقول يكثر النزاع في اقتضاء الامر بالشئ (النهي)؟ عن ضده بكل من المعنيين و
عدمه وفي كيفية الاقتضاء بالعينية أو التضمن أو الاستلزام اللفظي أو العقلي ولما كان بعض الخلافات
والأقوال في المسألة في غاية السخافة فنقتصر الكلام في بيان مقامين الأول الأقوى أن الامر بالشئ
يقتضي النهي عن ترك المأمور به التزاما لا تضمنا كما توهم بعضهم إذ المنع من الترك ليس جزء مفهوم
الامر فإن معنى إفعل هو الطلب الحتمي الجازم ويلزمه إذا صدر عن الشارع ترتب العقاب على تركه والممنوعية
عنه فالمنع عن الترك لو سلم كونه جزء معنى الوجوب لا يلزم منه كون جزء معنى إفعل كما توهم وبتذكر ما
أسلفنا في مباحث دلالة الصيغة على الوجوب تتبصر هنا فالصيغة تدل عليه التزاما بينا بالمعنى الأعم
والقول بالعدم منقول عن السيد رحمه الله وبعض العامة محتجا بأن الامر قد يكون غافلا فلا يتحقق النهي و
فيه أن الغفلة مطلقا حتى إجمالا ممنوع وهو يكفي ولذلك قلنا بكون اللزوم بينا بالمعنى الأعم مع أن القصد
غير معتبر في الدلالة كما في دلالة الإشارة ولكن ذلك خارج عن محل النزاع وكما أن القول بالعينية في
الضد الخاص إفراط فهذا القول تفريط ولا ثمرة في هذا النزاع الثاني الحق عدم دلالة الامر بالشئ على
النهي عن الضد الخاص والمثبتون بين من يظهر منه الالتزامية اللفظية ومن يظهر منه الالتزامية
العقلية لنا أنه لا دلالة لقولنا أزل النجاسة عن المسجد على قولنا لا تصل ونحوه بإحدى من الدلالات
الثلاث أما المطابقة فظاهر وكذا التضمن وقد مر ما يمكن لك إبطاله به بطريق أولى وأما الالتزام فاللزوم
البين بالمعنى الأخص فيه منتف كما هو ظاهر ولم يدعه الخصم أيضا كما يظهر من أدلتهم الآتية وأما
البين بالمعنى الأعم فأيضا غير موجود لأنه لا يلزم من تصور الامر وتصور الضد والنسبة بينهما كون الآمر
قاصدا حرمة الضد وسنبطل ما تشبث به الخصم في ذلك نعم يدل عليه دلالة تبعية من قبل دلالة
الإشارة ولكن ذلك ليس مما يثمر فيما نحن فيه فإن ترك الضد من مقدمات المأمور به ووجوب تركه
تبعي والوجوب التبعي لا يفيد إلا أن ترك الضد مطلوب للآمر تبعا بمعنى ان المقصود بالذات هو
الاتيان بالمأمور به وطلب ترك الضد إنما هو لأجل الوصول إليه فلا يثبت بذلك عقاب على ترك
113

الترك بمعنى فعل الضد فلا يثبت فساد كما مرت الإشارة واحتج المدعون للدلالة اللفظية بأن أمر
الايجاب طلب فعل يذم على تركه اتفاقا ولا ذم إلا على فعل لأنه المقدور وهو ليس إلا الكف وفعل ضده
والذم بأيهما كان يستلزم النهي عنه إذ لا ذم بما لم ينه عنه لأنه معناه وفيه منع انحصار الذم على الفعل لما
سنحققه من أن مطلق ترك الفعل أيضا مقدور بسبب القدرة على استمراره ولا نحتاج إلى الكف مع
أن الكف لا يتحقق في ترك المأمور به عرفا فالمدخلية الزجر والاكراه في مفهومه وإن أريد به مطلق صرف
عنان الإرادة فيكفي في ذلك الكف ولا يثبت بذلك حرمة الأضداد الخاصة لعدم انفكاكها عنه بهذا
المعنى سلمنا لكن نقول أن هذا الاستلزام تبعي لا اصلى كما مر ولا (يضر)؟ بل القدر المسلم في الكف أيضا هو
ذلك والذي هو مراد القائلين هو الحكم الأصلي لا التبعي كما يظهر من ترتب الثمرات في الفقه واحتج
المثبتون للاستلزام العقلي بوجوه ويريدون بالاستلزام العقلي أن العقل يحكم بأن مراد المتكلم ذلك
أصالة لا العقلي بمعنى التبعي فإنه ليس من محط النزاع في شئ الأول ان ترك الضد مما لا يتم فعل المأمور
به إلا به فيكون فعله حراما وهو معنى النهي عنه وقد أجاب عنه بعض المحققين بمنع كون ترك الضد
من مقدمات المأمور به وقد عرفت بطلانه بما لا مزيد عليه والتحقيق في الجواب منع وجوب المقدمة
أصالة وتسليمه تبعا وهو لا ينفع المستدل كما تكرر الإشارة وقد أجيب أيضا بأن وجوب المقدمة
توصلي والوجوب للتوصل يقتضي اختصاصه بحالة الامكان ومع وجود الصارف عن فعل المأمور
به لا يمكن التوصل إليه بترك الضد وفيه ما لا يخفى إذ اختيار الصارف بالاختيار لا ينفي إمكان تركه و
اختيار الفعل والتوصل إليه بالمقدمة كما في تكليف الكافر بالعبادة فكما أنه مكلف بأصل الواجب مكلف
بإتيان ما يتوصل إليه على القول بوجوب المقدمة وقد مر في المقدمة الثانية ما ينفعك هنا وقد
أجيب أيضا بأن دليل القول بوجوب المقدمة لو سلم فإنما يسلم في حال إرادة الفعل وإذا كان له صارف
فلا يريد الفعل فلا يلزم تكليف ما لا يطاق أو خروج الواجب عن الواجب وفيه أنه يدل على الوجوب
في حال إمكان الإرادة ولا يشترط فعليتها نعم وجودها لا بد أن يكون في حال الإرادة فهو غير محل
النزاع ويظهر ما ذكرنا أيضا من التأمل في المقدمة الثانية الثاني أن فعل الضد مستلزم لترك المأمور به
المحرم والمستلزم للمحرم محرم وقد أجيب بأن الاستلزام إن أريد به محض المقارنة في الوجود وعدمه الانفكاك
في الوجود الخارجي فنمنع الكبرى وإلا لثبت قول الكعبي بانتفاء المباح وإن أريد به كونه من
جملة مقدماته وإن لم يكن سببا وعلة ففيه أيضا منع الكبرى بل الصغرى أيضا وإن أريد علية فعل
الضد لترك المأمور به أو كونهما معا معلومين لعلة ثالثة فهو إن كان يستلزم ذلك لاستبعاد
114

حرمة المعلول من دون العلة كوجود المسبب من دون السبب ولأن انتفاء التحريم في أحد المعلولين
يستدعي انتفائه في العلة فيختص المعلول الاخر الذي هو المحرم بالتحريم من دون علته ولكنهما ممنوعان
فيما نحن فيه إذ العلة في ترك المأمور به إنما هو الصارف وهو عدم الإرادة فهو المانع أبدا سيما بملاحظة
أنه مقدم على فعل الضد طبعا إلا أن يجبر على فعل الضد وكان الصارف منتفيا وهو خارج عن محل
النزاع لسقوط التكليف حينئذ فليس فعل الضد علة ولا هو مع ترك المأمور به معلولا لعلة ثالثة إذ
ما يتصور كونه علة لهما هو الصارف عن المأمور به وهو ليس علة لفعل الضد بل قد يكون من مقدماته
أقول الظاهر أن مراد المجيب من العلة هو السبب والتحقيق أن منا ذكره أيضا لا يستلزم التحريم لو
ثبت فكيف ولم يثبت فإنك قد عرفت أن وجوب المسبب لا يدل على وجوب السبب ومثله الكلام
في علة الحرام بل الظاهر أنه كذلك لو أراد من العلة العلة التامة أيضا وكذلك إذا كانا معلولين
لعلة واحدة إذ انتفاء التحريم معلول إنما يقتضي عدم تحريم علته من حيث أنها علته فلا يلزم عدم
تحريمها مطلقا فيكون حراما بالنسبة إلى المعلول الاخر وبالجملة ولا دليل على كون علة الحرام حراما
فإن ذلك إما من جهة كونها مقدمة للحرام فيدل على حرمتها النهي عن ترك الواجب وفيه
ان توقف تحقق ترك الواجب عليها ممنوع أولا سلمنا لكن الخطاب تبعي توصلي عقلي وقد تقدم
أنه لا يثبت التحريم المقصود نظير وجوب المقدمة وأما من جهة استفادة ذلك من سائر أحكام الشرع
وتتبع مواردها وفيه أنا لم نقف على ما يفيد ذلك بل المستفاد من تتبعها خلافه ويرشدك إلى ذلك
ملاحظة فتوى الفقهاء بكراهة صنائع تنجر إلى الحرام وأما من جهة حكم العقل صريحا وهو أيضا ممنوع لان
العقل لا يستحيل كون الشئ حراما من دون علته بلا لا يستبعد فلا مانع من الحكم بحرمة الزنا مع حلية
أكل الطعام الذي يوجب القوة عليه إلا من باب التكليف التبعي الثالث لو لم يحرم الضد وتلبس به
كالصلاة بالنسبة إلى إزالة النجاسة مثلا فإن بقي الخطاب بالإزالة لزم التكليف بالمحال وإلا خرج
الواجب المضيق عن وجوبه وقد أجيب بأن الأوامر الدالة على وجوب الإزالة ونحوها فورا مخصوصة
بما لم يكن المكلف متلبسا بواجب والأولى في الجواب اختيار الشق الأول وتسليم جواز هذا
التكليف لكون المكلف هو الباعث عليه فيعاقب على ترك الإزالة ويحكم بصحة الصلاة ولا منافاة
تنبيهات الأول ان بعض المحققين ذكر أدلة المثبتين والنافين وضعفهما ثم قال ولو
ابدل النهي عن الضد الخاص بعدم الامر به فيبطل لكان أقرب وحاصله أن الامر بالشئ وإن لم يقتض
النهي عن ضده لكن يقتضي عدم الامر بالضد اقتضاء عقليا لامتناع الامر بالمتضادين في وقت واحد
115

فإذا لم يكن الضد مأمورا به فيبطل لان الصحة إنما هو مقتضى الامر وبدونه يبطل فإن الأصل عدم الصحة
وفيه أولا أن ذلك على تسليم صحته إنما يتم في العبادات وأما في المعاملات فلا يتم مطلقا وثانيا منع
اقتضائه عدم الامر مطلقا إذ الذي يقتضيه الامر بالشئ عدم الامر بالضد إذا كان مضيقا وأما إذا كان
موسعا كما هو المفروض فلا ولا استحالة في اجتماع الامر المضيق والامر الموسع فإن معنى الموسع أنه
يجب أن يفعل في مجموع ذلك الوقت بحيث لو فعل في أي جزء منه امتثل ولم يتعين عليه الاتيان في
آن معين من آناته وهذا نظير ما سيجئ تحقيقه من جواز اجتماع الأمر والنهي في الشئ الواحد مع تعذر
الجهة فإن ذلك من سوء اختيار المكلف كما إذا اختار المكلف إيقاع مطلق الصلاة في خصوص
الدار الغصبي الثاني ان النزاع في أن النهي عن الشئ هل هو أمر بضده أم لا بعينه هو النزاع في
الامر في ادعاء العينية والاستلزام ويمكن استنباط الأدلة بملاحظة ما سبق والحق عدم الاقتضاء
ولو دل لدل على الامر بضدها بخلاف الامر فإنه يقتضي النهي عن جميع الأضداد والامر الندبي أيضا فيه
قولان وقد يقال لو دل على النهي عن الضد تنزيها لصار جميع المباحات مكروهة لاستحباب استغراق
الوقت بالمندوبات فتأمل والحق عدم الدلالة فيه أيضا ويظهر من ذلك الكلام في المكروه وضده
أيضا قانون لا خلاف في ورود الامر بواحد من أمرين أو أمور على سبيل التخيير ظاهرا واختلفوا
في المأمور به فذهب أصحابنا وجمهور المعتزلة إلى أنه كل واحد منها على البدل فلا يجب الجميع ولا يجوز
الاخلال بالجميع وأيها فعل كان واجبا في نفسه لا أن يكون بدلا عما هو واجب وذهب الأشاعرة
إلى أنه أحد الابدال لا بعينه وهناك أقوال أخر شاذة فمنها أنه هو الجميع ويسقط بفعل البعض ومنها أنه
معين عند الله ولكن يسقط به وبالاخر وهما أيضا للمعتزلة ومنها ما تبرء كل من الفريقين منه ونسبه
إلى الاخر وهو أن ما يفعله المكلف ويختاره فهو الواجب عند الله فيختلف باختلاف المكلفين
وكلها باطلة مخالفة للاجماع والاعتبار فأجود الأقوال القولان الأولان ولكن الاشكال في تحقق
معنى التخيير على مذهب الأشاعرة من جهة أن الكلي لا تعدد فيه ولا تخيير فهي وإلا لزم التخيير بين فعل
الواجب وعدمه ويندفع بأن المراد المخير في أفراده فالوصف بحال المتعلق ويشكل هذا بالواجبات
العينية فإنها أيضا كليات مخير في افرادها ويمكن دفعه بأن الكلي في المخير جعلي منتزع من الافراد
تابع لها في الوجود كأحد الابدال بخلافه في العينيات فإنه متأصل وعلة للافراد سابق عليها طبعا
وقد يجتمع الاعتبار ان كالكفارة بالنسبة إلى الخصال فالخطاب بالكفارة عيني يستتبع التخيير في
أفرادها والخطاب بإحدى الخصال تخييري ويبقى الكلام في ثمرة النزاع بين الفريقين فربما قيل أن
116

النزاع لفظي وليس كذلك ولكنه قليل الفايدة في الفقه ومما يمكن أن يكون ثمرة النزاع
أنه إذا نذر أن يأتي بثلث واجبات شرعية تعلق الوجوب من الشارع بها بنفسها فيبر نذره بالاتيان
بخصال الكفارة الثلث مطلقا على الأول بخلاف مذهب الأشاعرة فإن الخطاب لم يتعلق بالخصال
بل بالمفهوم الكلي المنتزع منها وأما الدليل على المذهبين فالأولون يتمسكون بالتبادر من قوله تعالى
فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن الظاهر
منه إيجاب الاطعام والكسوة والتحرير على سبيل البدلية والأشاعرة يقولون كلمة أو لاحد الشيئين
أو الأشياء مبهما وإذا جاز تعلق الامر بواحد مبهم كما هو محقق ومستقيم والنص دل بظاهره عليه يجب
العمل بمقتضى ظاهره ولكل وجه ولما كان أصل هذا المبحث قليل الفائدة فلنقتصر على ذلك ولا
نطيل الكلام بالكلام في سائر الأقوال وعليها وقد أطلنا الكلام في تعليقاتنا على التهذيب
فايدة قد عرفت أن المكلف بالواجبات العينية أيضا مخير في إتيانها في ضمن أي فرد شاء و
هذا التخيير عقلي فاعلم أن الافراد قد يكون بعضها أزيد من بعض فالامتثال بالامر بالتصدق يمكن
بدرهم وبدينار وبمطلق الذكر في الركعتين الأخيرتين على القول به يحصل بتسبيحة وبأكثر وهكذا وكذا
الواجبات التخييرية فقد تكون متفقات في الحقيقة مختلفات في الزيادة والنقصان كالقصر والاتمام
في المواطن الأربعة والأربعين والخمسين في بعض منزوحات البئر والستة والخمسة في ضرب التأديب
واختلفوا في اتصاف الزايد بالوجوب على أقوال أظهرها ثالثها وهو أنه إن كان حصوله تدريجيا بحيث
يوجد الناقص قبل القدر الزايد كما في التسبيحة في الأول والأربعين في الثاني فالمتصف بالوجوب هو
الأول لا غير لحصول الطبيعة في الأول وبه يحصل الامتثال وحصول أحد الافراد في الثاني وإن لم يكن ذلك
فواجب كله لكونه فردا من الواجب نعم اختياره مستحب لكونه أكمل الافراد فيكون ثوابه أزيد وهذا
هو دليل من أطلق الوجوب وغفل عن صورة التدريج وأما القائل باستحباب الزايد فيستدل بأنه
يجوز تركه لا إلى بدل فلا يجب وفيه أن الأقل بدل عن المجموع وعلى ما ذكره يلزم تكرار المسح فيمن يمسح
بثلث أصابع إذا قصد كون الاثنين مستحبا والواحد واجبا وعلى ما ذكرنا فالواجب واحد وهو أكمل
أفراده ويمكن جعل التمام ماهية مخالفة للقصر فلا يكون تخييرا بين مجرد الزايد والناقص ولذلك لا
يجوز الاكتفاء بالركعتين إذا نوى التمام أولا فتدبر في الأمثلة والأمكنة فلا تغفل قانون
لا خلاف في جواز الامر بالشئ في وقت يساويه كصوم رمضان كما لا إشكال في عدم جواز الامر بشئ في وقت
ينقص عنه للزوم المحال وإطلاق الأداء على مجموع الصلاة المدرك ركعة منها في الوقت اصطلاح أو من
117

جعل الشارع للنص الصحيح المستفيض بأن من أدرك ركعة من الوقت قد أدرك الوقت فيكون
ذلك شرعا بمنزلة إدراك الوقت أجمع ويتفرع عليه كونه مؤديا للجميع ويضعف كونه قاضيا مطلقا
أو لما وقع في خارج الوقت كما صرح به في تمهيد القواعد واختلفوا في جواز الامر بشئ في وقت يزيد عليه
ويطلق عليه الواجب الموسع والحق وقوعه وفاقا لأكثر المحققين لامكانه عقلا ووقوعه شرعا اما
جوازه عقلا فلانه لا مانع منه إلا ما تخيله الخصم من لزوم ترك الواجب وهو باطل جزما لأنه يلزم
لو ترك في جميع الوقت فكما أنه يجوز تخيير الشارع بين أفراد مختلفة الحقائق فيجوز تخييره بين أفراد
متفقة الحقائق متمايزة بخصوصيات أجزاء الوقت ونظير ذلك التوسعة في المكان كوقوف عرفات و
غيرها وأما وقوعه فللأمر بصلاة الظهر وصلاة الزلزلة وغيرهما فلما كان تطبيق أول جزء من الفعل
بأول جزء من الوقت وآخره بآخره غير مراد إجماعا وغير ممكن عادة في الأغلب وكذا تكريره إلى انقضاء
الوقت ولا مرجح لاحد من الاجزاء على الاخر فينبغي أن يراد ما ذكرنا جوازه عقلا وهو التخيير بين الايقاعات
الممكنة في أجزاء ذلك الوقت والخصم لما أحال التوسيع للزوم خروج الواجب عن الواجب فيلزمه
التجشم في تأويل أمثال هذه الأوامر فافترقوا على مذاهب فذهب بعض الشافعية إلى اختصاص الفعل
بأول الوقت ونقل لك عن ظاهر المفيد وابن أبي عقيل بل نقل عنهما العقاب على التأخير وصيرورته
قضاء والظاهر أن مرادهم بالعقاب هو ما إذا تركه رأسا لا بمعنى كون العقاب على الترك في الجميع لكي يرتفع
النزاع بل بمعنى العقاب على الترك في الأول ولكنهم يقولون بالعفو حتما بعد فعله ثانيا ولا كذلك المضيقات
فإنه لا عفو حتميا فيها فالتوسعة في وقت العفو احتجوا بأنه لو لم يكن الوقت هو الأول للزم كونه قبل
الوقت وهو باطل كما في الصلاة قبل الزوال وفيه أنه انما يتم في مقابل من خصه بالآخر مع أن بطلان
التالي على قوله أيضا ممنوع للنقض بتقديم الزكاة نفلا وتقديم غسل الجمعة يوم الخميس وأما نحن ففي
فسحة عن ذلك وغيره وبعض الحنفية إلى اختصاصه بالآخر محتجا بلزوم المعصية في التأخير لولاه
وهو منفي بالاجماع وفيه أن الاجماع ممنوع لو أريد أصل المعصية ومع حصول العفو فلا يضر كما ورد أن
أول الوقت رضوان الله واخره عفو الله فحصل الفارق وقيل أنه مراعى فإن أدرك آخر الوقت ظهر
كونه واجبا وإلا فهو نفل ففعله في الأول نفل لكنه قد يسقط الفرض ولعله أراد أن الوجوب مشروط
بإدراك مجموع الوقت وهو في غاية الوهن بعدما بينا وقد ذكروا في تفسيره وجوابه وجوها ذكرناها
في حواشي التهذيب لا فائدة في ذكرها وعلى ما اخترناه من كونه من باب التخيير في الايقاعات فهل
يجب في كل من التروك بدلية العزم عليه ثانيا حتى يتضيق الوقت فيتعين الواجب أو لا قولان
118

أظهرهما العدم لعدم الدليل وعدم دلالة الامر عليه بأحد من الدلالات وأما سائر الأدلة فمدخولة
مثل أنه لا بد من مساواة البدل والمبدل والفعل واحد والعزم متعدد ومن لزوم تساويهما في الحكم
والفعل مسقط للتكليف دون العزم وفيهما معا أن المبدل منه هو الايقاعات إلى أن يتضيق فيتعين
ومثل دعوى القطع بأن الامتثال بالفعل يحصل من غير جهة البدلية وفيه أن ثبوت البدلية لا
يقتضي قصد الفعل من جهتها وقد يجاب أيضا بان البدل هيهنا تابع مسبب عن ترك مبدله
كالتيمم بدل الوضوء وكخصال الكفارة على القول بالترتيب وكتحصيل الظن بوقوع الكفائي عند تركه
فإطلاق البدل عليه اصطلاح وجهة البدلية لا يعتبر في مثل ذلك احتجوا بأنه لو جاز الترك بلا بدل
لما فصل عن المندوب وفيه أنه لا كلام لنا في الفرد الأخير وأما الباقي فالبدل محقق وهو كل واحد من
الجزئيات المتمايزة بالوقت وبلزوم خلو الترك عن بدل فيما إذا مات فجأة ولا إثم لجواز التأخير و
فيه أن الواجب ما يستحق تاركه العقاب في الجملة ويصدق عليه أنه لو لم يفعله ولا سائر الافراد مع
ظن الموت أو مع فرض بقائه إلى آخر الوقت لاستحق العقاب وسيجئ أنه يجوز التأخير مع ظن
السلامة فالموت فجأة مع عدم التقصير لا يخرجه عن الوجوب وبأنه لولاه لزم تساويه في الوقت
وقبله فيخرج عن الوجوب وفيه أن تركه في الوقت ليس بدون البدل وهو الجزئي الاخر من جنسه
بخلاف ما قبل الوقت وبأنه ثبت فيه حكم خصال الكفارة لسقوط كل بفعل الاخر وحصول العصيان
بتركهما وفيه أن سقوط كل بفعل الاخر بمجرده لا يستلزم الوجوب إن أريد مجرد الرخصة في الترك و
إن أريد حصول العصيان أيضا بتركهما فهو أول الكلام فإن الكلام إنما هو قبل تضييق الوقت مع
أن كون الرخصة في الترك لأجل اختيار العزم لا الفرد الآخر أول الكلام ومع تسليم وجوب العزم
فقد يقال أنه ليس من جهة أنه بدل الفعل بل لان غير الغافل يجب عليه العزم على الواجبات إجمالا
أو تفصيلا حين استشعرها كذلك وهو من أحكام الايمان ولوازم (المؤمن)؟ ولا اختصاص له
بالواجب الموسع ولا بها بعد الوقت بل يجب ولو قبل عشرين (ستة)؟ فوجوب العزم ليس من جهة
أنه بدل الواجب ولكن لما كان العزم على الفعل بعد وقوعه ممتنعا فيتوهم بعد الفعل أنه كان
أحد الواجبين التخييرتين وأسقطه الاخر مع أنه قد يتأمل في أصل وجوبه أيضا لان غاية الامر
أنه يجب على المؤمن أن لا يعزم على الترك حين الالتفات وأما وجوب العزم على الفعل ففيه
إشكال ولا تلازم بينهما كما توهم لثبوت الواسطة ويؤيده ما قيل أنه لو وجب العزم فيلزم انضمام
بدل آخر في بعض الأحيان مثل العزم على صوم رمضان أو اختيار سفر مباح ولم يقل به أحد
119

تتميم التوسعة في الوقت إما محدود كالظهر أو غير محدود مثل ما وقته العمر كالحج وصلاة الزلزلة
والنذر المطلق ويتضيق الأول بتضيق وقته أو بظن الموت والثاني بظن الموت ومثل ظن الموت
الظن بعدم التمكن فيعصي من ضاق عليه الوقت بالتأخير اتفاقا لان اليقين بالبرائة لا يحصل إلا
بذلك وتحصيله واجب عند اشتغال الذمة يقينا والمراد اليقين في موافقة الامر والإطاعة لا أن براءة
الذمة لا يحصل بالاتيان فيما بعد لو ظهر بطلان الظن فافهم ذلك ثم لو ظهر بطلان الظن فالظاهر
بقاء المعصية لأنه مكلف بالعمل بالظن وقد خالفه فصار عاصيا كما لو وطئ امرأته بمظنة الأجنبية وشرب
خلا بمظنة الخمر ونحو ذلك فلا ريب في العصيان إنما الاشكال في أنه قضاء أو أداء الأشهر الأقوى الثاني لأنه
وقع في وقته وقيل أنه قضاء لوقوعه بعد الوقت بحسب ظنه وضعفه ظاهر واما ظان السلامة الذي
فاجأه الموت فلا عصيان عليه بالتأخير وقيل بالعصيان فيما وقته العمر للزوم خروجه عن الوجوب لولاه
بخلاف الموقت فإنه يجوز التأخير فيه إلى أن تضيق الوقت وتعين الوجوب وهو تحكم بحت لان ذلك
يرد في المحدود لو ظن السلامة إلى آخر الوقت مع أن غير المحدود أيضا يتضيق وقته ويتعين عند
ظن الموت تنبيه ومما يتفرع على توسيع الوقت والتخيير فيه التخيير في لوازمه بدلالة الإشارة
فلا يمكن التمسك باستصحاب ما يلزم المكلف في أول الوقت في جزء آخر فالمكلف في أول الظهر إنما
هو مكلف بمطلق صلاة الظهر فعلى القول باعتبار حال الوجوب في مسألة القصر في السفر لا يمكن
التمسك باستصحاب وجوب التمام أول الوقت لان المكلف مخير في أول الوقت بأداء مطلق صلاة الظهر
في أي جزء من الاجزاء ويمكن المخالفة في الاجزاء في نفس الامر بالقصر والاتمام والصلاة بالتيمم والغسل
والوضوء وصلاة الخوف وصلاة المريض وغير ذلك فتخيير المكلف بإيقاعها في هذه الاجزاء
تخيير في لوازمها فافهم ذلك واضبطه وإن شئت تقريرا أوضح فاعتبر الإشارة من ملاحظة ما
دل على توسيع الظهر مع ما دل على إباحة السفر مطلقا مثلا كما يستفاد أقل الحمل من الآيتين فتأمل
قانون الواجب الكفائي ما قصد به غرض يحصل بفعل البعض ولا يتعلق الغرض بحصوله من
كل واحد من المكلفين أو بعض معين منهم كخصائص النبي صلى الله عليه وآله ولا ريب في جوازه عقلا
ووقوعه شرعا كالجهاد المقصود منه حفظ الاسلام وإذلال الكفار وصلاة الميت المقصود منه
احترام الميت والحق أنه واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض لا كما قيل بتعلقه بالمجموع ولا كما قيل
بتعلقه بالبعض الغير المعين لنا أنهم لو تركوا جميعا لذموا بالترك واستحقوا العقاب جميعا باتفاق
الخصم وهو معنى الوجوب وأما السقوط بفعل البعض فإجماعي حجة القول الثاني أنه لو تعين على
120

كل واحد كان إسقاطه عن الباقين رفعا للطلب بعد تحققه فيكون نسخا فيفتقر إلى خطاب جديد
ولا خطاب فلا نسخ فلا يسقط بخلاف الايجاب على الجميع من حيث هو فإنه لا يستلزم الايجاب على
كل واحد ويكون التأثيم للجميع بالذات ولكل واحد بالعرض وأجيب بأن سقوط الامر قبل الأداء قد
يكون بغير النسخ كانتفاء علة الوجوب كاحترام الميت مثلا فإنه يحصل بفعل البعض ولهذا ينسب
السقوط إلى فعل البعض وبأن الوجوب لو لم يتعلق بكل واحد فكيف ينوي كل واحد منهم الوجوب
وحجة الآخرين وجوه الأول أن الوجوب لو كان على الكل لما سقط بفعل البعض وفيه أنه استبعاد
محض ومثله يجري في الواجبات العينية أيضا كإسقاط دين رجل بأداء متبرع عنه الثاني كما أنه يجوز
الامر بواحد مبهم اتفاقا يجوز الامر ببعض مبهم فإن ما يحصل مانعا هو الابهام وقد لغى وقد يسقط
بفعل أي بعض كان فيكون واجبا على بعض مبهم وفيه أنه قياس مع الفارق لأنكم تقولون بتأثيم
الكل على ترك ذلك البعض المبهم فيما نحن فيه بخلاف الامر بواحد مبهم فإن التأثيم ليس إلا على
ترك الواحد بل التأثيم للكل حين ترك الكل دليل على الوجوب على الكل ولا معنى لعقاب شخص
عن شخص آخر فثمرة النزاع إذا إنما هو في اتصاف كل واحد منها بالوجوب وعدمه إذا صدر
عن الكل ويتفرع عليه ثمراته الثالث قوله تعالى ولولا نفر من كل فرقة الآية فإن التنديم والتهديد
على طائفة منكرة مبهمة وأجيب بان المراد بيان ما يسقط الوجوب جمعا بين الأدلة مع أن اشتغال
الجميع يوجب اختلال النظام والعسر والحرج وكما أن الشروع واجب فالاتمام أيضا واجب فالسقوط
إنما هو بعد التفقه ثم أن الواجب الكفائي لا يسقط إلا مع حصول العلم بفعل الاخر وهو يعتبر الظن
الشرعي مثل شهادة العدلين ونحوها فيه قولان الأقرب الاعتبار والظاهر أن مجرد العلم بحصول الفعل
من مسلم يكون كافيا حملا لفعله على الصحة بمقتضى الأدلة القاطعة فلا يعتبر العدالة وتمام هذا
الكلام في الفروع قانون اختلفوا في أن الامر المعلق بالكلي ظاهرا هل المطلوب به هو الماهية
أو الجزئي المطابق للماهية الممكن الحصول وصرح بعضهم بوصفه بالحقيقي أيضا لأنه هو الموجود في
الأعيان والأقرب الأول للتبادر عرفا ولأن الأوامر مأخوذة من المصادر الخالية عن اللام و
التنوين وهي حقيقة في المهية لا بشرط شئ ونقل فيه السكاكي إجماع أهل العربية ولا يفيد الهيئة إلا
طلب ذلك الحدث مع أن الأصل عدم الزيادة والظاهر أن من يدعي أن المطلوب هو الفرد
أيضا لا ينكر ذلك بحسب اللفظ والعرف واللغة ولكنه يدعي ذلك بثبوت القرينة على خلافه من
جهة العقل فقد تريهم لا ينكرون ذلك في شئ من الموارد مثل أنهم يقولون في مبحث إفادة
121

الامر للمرة أو التكرار أو الفور وعدمه وغير ذلك أن الامر لا يقتضي إلا طلب المهية فلعل مرادهم
أن حقيقة اللفظ وإن كان يقتضي ذلك إلا أن العقل يحكم بأن المراد هنا هو الفرد لان مطلوب
الشارع هو ما أمكن وجوده وما لا يمكن وجوده يستحيل طلبه من الشارع للزوم التكليف بالمحال و
الماهية مما لا وجود له في الأعيان فثبت أن المطلوب هو الفرد وجوابه أن المستحيل وجوده في الخارج
هو الطبيعة بشرط أن لا يكون مع قيد وتشخص وأما هي لا بشرط شئ فيمكن وجودها بإيجاد الفرد والممكن
بالواسطة ممكن فيجوز التكليف به فيكون الفرد من مقدمات حصولها فيجب من باب المقدمة
وذلك لا يستلزم نفي مطلوبية الطبيعة فإن قلت النزاع في هذا الأصل متفرع على النزاع في وجود
الكلي الطبيعي وعدمه وما ذكرته إنما يتم على تقدير تسليم وجوده ولعل الخصم لا يسلم ذلك قلت
أولا أن ما حققه المحققون هو وجوده وإن وجوده غير وجود الافراد وبينوه في محله وثانيا
أن المقام يتم بدون ذلك أيضا فإن منكري وجود الكلي الطبيعي لا ينكرون أن العقل ينتزع من
الافراد صورا كلية مختلفة تارة من ذواتها وأخرى من الاعراض المكتنفة بها بحسب استعدادات
مختلفة واعتبارات شتى كما صرحوا به وإن لم يكن لتلك الصور وجود إلا في العقل وتلك الصور هو الكلي
الطبيعي على مذاق هؤلاء ولا ريب أن له نوع اتحاد مع الفرد لصدقها عليه عرفا وعدم وجودها في
الخارج إنما يظهر بعد التدقيق الفلسفي وأما أهل العرف فلا يفهمون ذلك ولا يفرقون بين ما كان
وجوده متأصلا ومتحققا أو بالإضافة والاعتبار فيفهمون من الامر أن مطلوب الامر هو هذه
الطبيعة المطلقة لا بشرط غاية الامر استحالة تحققها في نفس الامر إلا بإيجاد الفرد ولا ضير فيه مع القدرة
عليه بالواسطة ويكفي في انفهامهم ذلك تولد الامر الانتزاعي مما به الانتزاع وإن كان أمرا اعتباريا
وحاصل المرام أن أهل العرف يفهمون من ذلك أن الخصوصيات المعينة لا مدخلية لها في الامتثال
ويكفي تحقق هذا المفهوم في الخارج على أي نحو يكون وإن كان اعتقادهم بتحققه في الخارج فاسدا في
نفس الامر ولا يضر فساد هذا الاعتقاد في حصول الامتثال نعم هذا النزاع يثمر في المسائل الحكمية على
أنا نقول غاية ما دل عليه دليلكم أن المطلوب لا بد أن يكون هو الفرد وأما تعينه وتشخصه وإرادة
فرد معين فلم يدل عليه دليل لا من اللفظ ولا من العقل ولا ريب أن فردا ما من الطبيعة أيضا كلي و
لا تحقق له في الخارج على مذاقكم وإرادة فرد خاص تحكم بحت فإن قلت إنا نريد من فرد ما أحد الافراد
بمعنى أن المطلوب هو كل واحد من الجزئيات المعينة المشخصة على سبيل التخيير فيتعلق الطلب بكل واحد
منها على سبيل التخيير وليس ذلك من باب التعلق بالكلي قلت قد مر الفرق بين الواجب التخييري
122

والعيني وإن تخيير المكلف في أفراد الواجب العيني ليس من باب الوجوب التخييري وإلا لما بقي فرق
بينهما مع أنهم نازعوا في الواجب التخييري على أقوال شتى ولم ينازعوا فيما نحن فيه أصلا وهو من أعظم
الشواهد على أن المطلق هنا شئ واحد وان التخيير بين الافراد إنما هو من باب حكم العقل من جهة
وجوب المقدمة أو من جهة خطاب الشرع أيضا بخطاب تبعي لا أن يكون خطابا متأصلا كما هو مقتضى
قول الخصم فإنه يقول إن مطلوب الشارع في الامر المتعلق بالكلي هو الافراد تخييرا بالأصالة ونحن نقول
بأن وجوب المقدمة يقتضي الرخصة في إتيان أيها شاء تبعا للخطاب بالكلي وأيضا الافراد في الواجبات
التخييرية لا بد أن تكون منظورة بالذات ومفصلة والمطلوب هنا التخيير في إتيان هذه الطبيعة في
ضمن أي فرد من الافراد شاء فالتخيير بينهما ليس من حيث أنها أشياء متأصلة بذاتها بل من حيث إنها
مصاديق لهذا المفهوم فيؤل الكلام في وجوبها إلى تحصيل الامتثال بإيجاد المفهوم وتحصيله
في الخارج ولو في نظر أهل العرف ومما يلزمهم كون أكثر خطابات الشرع مجازا فإن قلت على ما ذكرت من
كفاية مطلق اتحاد الكلي مع الفرد فيصح إطلاق الكلي وإرادة الفرد حقيقة وإن كان الاتحاد غير واقع
في نفس الامر فلا مجاز قلت فرق بين بين قولنا إيتني برجل وأتاني رجل وسلم أمري إلى الرجل لا إلى المرأة
والمسلم في كون الكلي حقيقة في الفرد هو الصورة الأولى وفي الثانية إشكال فإن المراد منه شخص خاص
وإنما علق الحكم على المطلق أولا ليسري إلى الفرد والمطوي في ضمير المتكلم إنما هو الرجل الخاص مثل قوله تعالى
وجاء رجل من أقصى المدينة فلم يعلق الحكم أولا على الفرد الخاص ولم يقصد من اللفظ دلالته على الخصوصية
وبذلك يمكن إدراجه تحت الحقيقة أيضا وأما الثالثة فلا التفات فيه إلى الفرد لا أولا وبالذات و
لا ثانيا ولكن لما لم يمكن الامتثال إلا بالفرد وجب من باب المقدمة ولا ريب أن الأوامر من قبيل الثالث
فلا ريب أن إرادة الفرد من ذلك مجاز فتأمل وانتظر لتمام التحقيق في باب العموم والخصوص وأما
ما قيل من أن الخلاف في هذا الأصل إنما نشاء من عدم التمييز بين المهية لا بشرط وبينها بشرط لا
وحمل كلام النافي على إرادة الثاني فهو بعيد من أنظار العلماء تنبيه وتحقيق إعلم أن صيغة
الامر مثل اضرب لها اعتبارات ثلث يلاحظ الكلية والجزئية بالنسبة إليها الأول ملاحظة كونها كليا
بالنسبة إلى الطلب الراجح فعلى القول بكونه حقيقة فيه فاستعماله في كل واحد من الوجوب والندب
استعمال في أفرادها والثاني ملاحظتها بالنسبة إلى افراد الضرب والثالث ملاحظتها بالنسبة إلى المخاطبين
وهذه المواضع متغايرة بالذات والحكم ووضعها بالنسبة إلى الثالث حرفي نسبي والموضوع له هو
الافراد فلا مجاز في استعمالها في الافراد على ما هو التحقيق في وضع الافعال والحروف وأما الأولان فقد
123

عرفت حكم الثاني منهما هيهنا مفصلا والوضع هنا وضع المشتقات والملحوظ فيه هو المادة وأما الأول
فالظاهر أنه من باب وجاء رجل من أقصى المدينة وكونه حقيقة حينئذ إنما هو لأجل التعلق بالطبيعة والظاهر
أن الوضع فيه أيضا كسابقه وإنما هو متعلق بالهيئة لا بالمادة ولكن مع قطع النظر عن النسبة إلى الفاعل
وقد اشتبه الامر على بعض الفحول فحسب وضع الامر من حيث كيفية الطلب وضعا حرفيا كوضعه بالنسبة
إلى ملاحظة النسبة إلى الفاعل فتأمل وانتظر لتمام الكلام قانون الحق عدم جواز الامر مع العلم
بانتفاء شرطه وتنقيح ذلك يستدعي رسم مقدمة وهي أن الواجب المشروط أعني ما توقف وجوبه على
ما توقف عليه وجوده اما ان يعلم بتنصيص الامر على الاشتراط مثل قوله تعالى ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا ويجب الصيام على من كان حاضرا ونحو ذلك أو يعلم بحكم العقل مثل
توقف الواجب على التمكن منه فيتوقف عليه وجوبه أيضا لئلا يلزم تكليف ما لا يطاق ومعنى الشرطية
أي التعليق على ما يفهم منه هنا مما لا يصح على العالم بالعواقب ولا يحسن الشرط منه على ظاهره فإن ظاهره
الجهل بالوقوع وهو ينافي العلم فينحل الاشتراط حينئذ إلى حكمين مطلقين ثبوتي بالنسبة إلى الواحد وسلبي
بالنسبة إلى الفاقد نعم اشتراطه إنما هو بالنسبة إلى المكلف والآمر الجاهلين فالعمومات الشاملة بظاهرها
لكل المكلفين منها ما يحصل العلم بكونها مطلقا وهو إذا جمع المكلف جميع الشرائط العقلية والشرعية
ومضى من الوقت مقدار ما يتمكن من أدائه فيه ومنها ما يحصل العلم بكونها مطلقا بالنسبة إلى
الشروع فيه كالفرض السابق في أول الوقت لمن لم يخبره صادق ببقائه إلى التمام ومنها ما يحصل الظن
بالاطلاق بالنسبة إليهما كالصحيح السليم الذي يظن بقائه إلى أن يتم الواجب ولا ريب أنه مع هذا الظن
يجب الاقدام على الواجب بعد دخول وقته بل قبل الدخول فيما يتوقف عليه أيضا كالحج من البلد (النائي)؟
وهذا مما لا ريب فيه بل مما لا يمكن صحة التكاليف الشرعية إلا بذلك سيما في المضيقات ومدار إرسال
الرسل وإنزال الكتب وشرع الشرائع بل مدار نظام العالم وانتظام عيش بني آدم على ذلك فيكفي الظن
ويجب التعبد به والقول بأن التكليف يتجزى بالنسبة إلى أجزاء المكلف به فهو مع أنه في محل المنع بالنسبة
إلى الدلالات المقصودة من اللفظ كما ذكرنا في مقدمة الواجب لا يتم العلم قبل حصول ذلك
الجزء وبعد تحققه يخرج من المتنازع فيه مع أن الكلام في نفس التكليفات لا أجزائها والمراد بالشرط
في محل النزاع هو شرط الوجوب سواء كان شرطا للوقوع أيضا كالقدرة والتمكن من المقدمات
العقلية المحضة وعدم السفر وعدم الحيض للصوم فيما جعله الشارع شرطا للوقوع أولا كتملك النصاب
من الزراعة في الزكاة وأما جعل إرادة المكلف من ذلك فهو لا يتم إلا على مذهب الجبرية وبالجملة
124

وكلام فيما كان مقدمة للوقوع فقط كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة لأنه يجب تحصيله كالواجب ولا
يلزم من أمر الآمر إذا علم انتفائه نقص وقبح وإن علم أنه يتركه اختيارا لان الامتناع بالاختيار لا ينافي
الاختيار إذا تقرر هذا فنقول أن هيهنا مقامين (من الكلام) الأول أنه هل يجوز توجيه الامر إلى المكلف الفاقد
للشرط مع علم الآمر بانتفائه وإن لم يكن المراد نفس الفعل المأمور به بل كان المراد مصلحة أخرى حاصلة
من نفس الامر من العزم على الفعل وتوطين النفس على الامتثال والابتلاء والامتحان أم لا والثاني
أنه هل يجوز إرادة نفس المأمور به مع العلم بعدم الشرط أم لا والظاهر أنه كليهما مما وقع النزاع فيه
ولكن المتداول في ألسنة الأصوليين المفيد في تعريفاتهم هو النزاع الثاني وقد اختلط المقامان على كثير
منهم كما يظهر من استدلالاتهم والحق في الأول الجواز ولا يحضرني الان كلام من أنكر جواز ذلك
إلا العميدي رحمه الله في شرح التهذيب حيث قال إن ذلك غير جائز لما يتضمن من الاغراء بالجهل لما
يستلزم من اعتقاد المأمور إرادة الآمر الفعل المأمور به منه ويظهر ذلك من صاحب المعالم أيضا
في أواخر المبحث وفيه أنه لا قبح في ذلك أما أولا فلما بينا أنه قلما يحصل العلم للمأمور بكونه مكلفا
بأصل الفعل لاحتمال انتفاء شرط التمكن بل المدار على الظن فلا يستلزم الاعتقاد الجازم ولا يضر الظن
مع انكشاف فساده كما هو المشاهد في العمومات الشاملة لقاطبة المكلفين مع أن كثيرا منهم لا
يتمكن عن الاتمام وإلا لانتفى الواجب المشروط غالبا غاية الامر كون ذلك الاستعمال مجازيا تأخرت
عنه قرينته وتأخيرها إنما يقبح إذا كان عن وقت الحاجة وأما عن وقت الخطاب فلا قبح فيه كما سيجيئ
تحقيقه وأما ثانيا فذلك يستلزم نفي النسخ المجمع عليه ظاهرا فإن ظاهر الحكم التأبيد وعلى القول
بجوازه قبل حضور وقت العمل فالملازمة أظهر والحاصل أن الامر حقيقة في طلب نفس الفعل ومجاز في
طلب العزم عليه والتوطين له لقصد الامتحان وغيره وانكشاف عدم الشرط قرينة على ذلك متأخرة
عن الخطاب وما قيل أن الامتحان لا يصح في حقه تعالى لأنه عالم بالعواقب ففيه ما لا يخفى إذ لا تنحصر
فايدة الامتحان في خصوص حصول العلم للامر بل قد يكون للغير وللمكلف ولاتمام الحجة كما لا يخفى وبما
ذكرنا يعلم الجواب عما يقال في هذا المقام أيضا بأنه لو جاز الامر لمجرد مصلحة في نفس الامر مما ذكر لما دل
الامر على وجوب المقدمة ولا النهي عن ضده ولا على كون المأمور به حسنا فإن الدلالة على المذكورات
إنما هي من خواص الصيغة فلا يخرج عنها إلا بالقرينة على المجاز ومجرد الاستعمال لا يوجب الحقيقة حتى
يحصل الاشتراك الموجب للاجمال المانع عن الدلالة ومن عدم إرادة المذكورات في بعض الأحيان
لا يلزم عدم دلالة اللفظ من حيث هو وأما المقام الثاني فذهب أصحابنا فيه إلى عدم الجواز و
125

جمهور العامة على الجواز وربما أفرط بعضهم فجوزه مع علم المأمور بانتفاء الشرط أيضا لنا أنه تكليف بما
لا يطاق أما فيما انتفى فيه ما يتوقف عليه الفعل عقلا فواضح وأما فيما انتفى فيه ما جعله الشارع
شرطا للوجوب والوقوع معا كعدم السفر والحيض ونحوهما فلانه رخص في السفر ومنع في حال الحيض
فبعد اختيار السفر يحرم الصوم فلا يجوز فعله فيمتنع شرعا وكذلك يحرم في حال الحيض فيمتنع فعله شرعا
فتكليفه بالوجوب والحرمة معا مع اتحاد الجهة ممتنع كما سيجئ ولا فرق عندنا بين الممتنع بالذات و
الممتنع بالغير في قبح التكليف به إلا فيما صار الامتناع من جهة سوء اختيار المكلف فلا يرد ما أجاب
به ابن الحاجب وغيره بأن ما لا يصح التكليف به هو المحال الذاتي لا الإضافي ولا ما أورده من النقض
بلزوم عدم صحة التكليف مع جهل الامر أيضا لاشتراك امتناع الامتثال وفيه أنا لا نقول بانحصار جهة
قبح التكليف في امتناع الامتثال بل هو ذلك مع علم الامر به والقبح إنما هو في هذه الصورة احتجوا بوجوه
الأول أن حسن الامر قد يكون لمصالح تتعلق بنفسه دون المأمور به كالعزم والتوطين ونحوهما
وفيه أن هذا خروج عن المتنازع والثاني أنه لو لم يصح التكليف بما علم عدم شرطه لم يعص أحد
واللازم باطل بالضرورة من الدين وأما الملازمة فلان كل ما لم يقع فقد انتفى شرط من شروطه وأقلها
إرادة المكلف وفيه أن الكلام في شرط الوجوب والإرادة من شرط الوقوع لا غير نعم يصح ذلك على
القول بكون العبد مجبورا لا في الإرادة وبطلانه بديهي والثالث لو لم يصح لم يعلم أحد أنه مكلف وهو
باطل بالضرورة أما الملازمة فلانه مع الفعل وبعده ينقطع التكليف عنه وقبله لا يحصل العلم ببقائه
على صفات التكليف إلى التمام والمراد العلم بالاتيان به فيما بعد فلا يضر حصول العلم بالواجب الموسع بعد
تقضي الوقت بمقدار الواجب مستجمعا للشرائط مع عدم الفعل فيلاحظ هذا الكلام بالنسبة إلى جزء
جزء من الزمان يمكن إيقاع الفعل فيه وفيه منع الملازمة لو أراد من العلم أعم من الظن المعلوم الحجية
كما مرت الإشارة إليه ومنع بطلان التالي لو أراد خصوص العلم ودعوى الضرورة فيه مكابرة وعناد مع
أن انقطاع التكليف حال الفعل أيضا محل كلام والرابع لو لم يصح لم يعلم إبراهيم عليه السلام وجوب ذبح ولده لانتفاء
شرطه عند وقته وهو عدم النسخ وقد علمه قطعا وإلا لم يقدم على قتل ولده ولم يحتج إلى فداء وأجيب عنه
بالمنع من تكليف إبراهيم عليه السلام بالذبح الحقيقي بل إنما كلف بمقدماته كالاضجاع وتناول المدية ونحو ذلك
بدليل قوله تعالى قد صدقت الرؤيا وأما جزعه فلاشفاقه عن أن يؤمر بعد ذلك بالذبح نفسه لجريان
العادة بذلك وأما الفداء فيجوز أن يكون عما ظن أنه سيؤمر به أو عما لم يؤمر به من المقدمات إذ لا
يجب أن يكون الفدية من جنس المفدى وفيه أن ذلك لا يناسب امتحان مثل إبراهيم عليه السلام واشتهاره
126

بالفضل لذلك وكذا ولده إسماعيل عليه السلام ولا اشتهاره بذبيح الله ولا ما ورد أن المراد بذبح عظيم هو
الحسين صلوات الله وسلامه عليه والاستشهاد بتصديق الرؤيا معارض بأني أذبحك مع كون
المجاز في الأول أظهر كما لا يخفى وقد يجاب أيضا بأن ذلك من باب البداء الذي يقول به الشيعة وهو مشكل
لان البداء إنما هو في الافعال التكوينية الإلهية لا الاحكام والذي يجري في الاحكام هو النسخ نعم قد يطلق
كل منهما على الاخر مجازا فيقال أن السنخ بداء في الاحكام كما أن البداء نسخ في الافعال ويمكن توجيهه بأن
المراد حصول البداء فيما ظهر له من الله تعالى وعلم من قبله أنه يذبحه ويصدر عنه الذبح بقرينة قوه تعالى اني أرى
في المنام أني أذبحك لا أمرني تعالى ثم بدا لله فلم يقع في الخارج مثل اخبار عيسى عليه السلام عن موت العروس
ثم ظهور خلافه لكن يرد عليه أن رؤيته عليه السلام ذبحه في المنام مسببة عن أمره تعالى به فيدور الكلام ويشهد
بذلك قوله تعالى حكاية عن إسماعيل عليه السلام يا أبت افعل ما تؤمر فالأولى جعله إما من باب النسخ والقول
بجوازه قبل العمل سيما عند حضور وقته أو من باب إرادة العزم والتوطين فتأمل مع أن حصول العلم
لإبراهيم عليه السلام في معرض المنع لم لا يكون بسبب الظن المتبع في مثل هذا المقام مع أن الوجوب الشرطي فيما
لو كان المكلف واحدا والحال واحدا أيضا مشكل فتدبر ومما يتفرع على المسألة لزوم القضاء على
المكلف إذا دخل القوت وجن أو حاضت المرأة قبل مضي زمان يسع الصلاة وانتقاض التيمم من وجد
الماء وإن لم يمض زمان يتمكن عن المائية أو منع عنها مائع فلا يكون مكلفا بالمائية فلا ينتقض و
المشهور انتقاضه ولعله من جهة ظواهر النصوص ومنها ما لو منع عن الحج في العام الأول ثم مات أو
تلف ماله فلا قضاء وفروع المسألة كثيرة وربما جعل منها لزوم الكفارة على من أفطر في شهر رمضان
ثم فرض في ذلك اليوم أو حصل له مفطر أخر من سفر ضروري أو غير ضروري ونحو ذلك وفيه إشكال إذ لا
دليل على انحصار الكفارة في إفطار الصوم التام النفس الأمري بل قد يجب لأنه فعل فعلا حراما وأفطر
صوم رمضان بحسب ظنه الذي عليه المعول في التكليف ولذلك وقع الخلاف فيه بين الأصحاب
قانون اختلفوا في أن الشارع إذا وجب شيئا ثم نسخ وجوبه هل يبقى الجواز أم لا والظاهر أن
الجواز الثابت بالبرائة الأصلية ثابت حينئذ جزما وإنما الاشكال في بقاء الجواز الذي أستفيد من الامر
فمحل النزاع هو ثبوت حكم أخر شرعي من الإباحة بالمعنى الأخص أو الاستحباب وعدمه فالأقوى عدمه بل يرجع
إلى الحكم السابق من البراءة أو الإباحة أو التحريم بالنظر إلى الموارد مثل أن يكون من العبادات فيحرم
لكونها تشريعا بدون الاذن أو العادات والتلذذات فيكون مباحا أو المعاملات فالأصل البراءة
من اللزوم لأصالة عدم ترتب الأثر أو بالنظر إلى الأقوال فيما لم يرد فيه نص فإن منهم من قال فيه
127

بالتحريم ومنهم من قال غير ذلك فما يتوهم من أن المراد رجوع الحرمة المنسوخة مثلا لو فرضت ثبوتها
قبله أيضا باطل وبالجملة المراد عدم بقاء الجواز المستفاد من الامر بالدلالة التضمنية مطلقا لا رجوع
الحكم السابق وإن كان حكما شرعيا منسوخا ومحل النزاع ما إذا قال نسخت الوجوب أو رفعته أو
نسخت المنع عن الترك ونحوها اما لو حرمه أو صرح بنسخ مجموع مدلول الامر فلا إشكال احتجوا
على بقاء الجواز بأن الامر الايجابي دل على الجواز مع المنع من الترك فالمقتضي للجواز موجود ونسخ
الوجوب لا يحصل معه اليقين برفعه لحصول معناه برفع المنع عن الترك فإن رفع المركب يحصل برفع
أحد جزئيه وعدم بقاء الجنس مع انعدام الفصل إنما يسلم لو لم يخلفه فصل آخر ولا ريب إن رفع المنع
عن الترك يستلزم جواز الترك فمع انضمامه إلى جواز الفعل يحصل الإباحة وفيه أن الجنس والفصل
وجودهما في الخارج متحد ووجود هما إنما هو في ضمن الفرد فلا معنى فلا معنى للتفكيك بينهما مع أن المحققين
منهم صرحوا بكون الفصل علة لوجود الجنس مع أن الاحكام منحصرة في الخمسة فلا يتصور الانفكاك
عن واحد من الفصول الأربعة التي يتركب الجواز معها وما قيل في الاحتجاج من نيابة الفصل الاخر
ففيه ان تحصل الجنس في ضمن الفصل الأول غير تحصله في ضمن فصل آخر فإذا انتفى التحصيل الأول
فما الذي أوجب حصوله ثانيا فإن قلت أن وجوده مستصحب قلت علية الفصل لوجود الجنس و
التفرقة بين التحصلين لا يجامع القول بالاستصحاب وإن تقارن رفع الفصل وجود فصل آخر في الخارج
سلمنا لكنه معارض باستصحاب عدم القيد فإن جواز الترك حال ثبوت الوجوب كان منعدما يقينا
وحصوله الآن مشكوك فيه فإن قلت لا ريب في حصول القيد لأن جواز الترك حاصل برفع الوجوب
مطلقا فمع استصحاب الجواز يتم المطلوب قلت سلمنا ذلك لكن الأصل عدم الارتباط والتقييد فإن قلت
الارتباط والتقييد أمر اعتباري وبعد حصول الطرفين واتحاد المورد فلا معنى لعدم اعتبار ذلك قلت
سلمنا ذلك لكن نقول الأصل عدم تيقن اللحوق وهو مستصحب غاية الامر حصول باللحوق بالاستصحاب
ولا يقين لا لان الانضمام في نفسه يحتاج إلى دليل بل لان اليقين بالانضمام يحتاج إلى اليقين بثبوت
المنضم إليه وهو غير متيقن كما يحتمل تعلق النسخ بالمنع عن الترك فقط يحتمل التعلق بالمجموع فلا يبقى
قيد ولا مقيد فعدم اليقين بالانضمام إنما هو لعدم اليقين ببقاء المنضم إليه فكما أن بقاء المنضم إليه
أعني الجواز مستصحب حتى يثبت اليقين بخلافه فكذلك عدم لحوق
القيد به متيقن حتى يثبت اليقين بخلافه والاستصحاب لا يوجب اليقين فيتعارض الاستصحابان و
يتساقطان فيبقى المورد بلا حكم وبعبارة أخرى فكما أن الأصل بقاء الجواز الذي في ضمن الوجوب فالأصل
128

عدم تحقق الإباحة بالمعنى الأخص والاستحباب فإن جميع الأحكام الشرعية الأصل عدمها ومن طريق بيان
المبحث علم أن الباقي على القول بالبقاء هو الاستحباب لا الإباحة ولا غيرها مما توهم فإن جنس الوجوب
هو الطلب الراجح ثم أن هذا الأصل وإن قل فروعه بل لا يحضرني الآن له فرع ما توهمه بعض الأصحاب من
تفريع جواز الجمعة بعد انتفاء الوجوب العيني بسبب فقد شرطه أعني حضور الإمام عليه السلام أو نائبه أو
تحريمه لبقائه بلا دليل والعبادة بلا دليل حرام وهو باطل كما ستعرفه لكن له نظير كثير الفروع عظيم الفائدة
وهو ما اشتهر في ألسنتهم من أن بطلان الخاص لا يستلزم بطلان العام والتحقيق خلافه كما بينا فمن
فروعه أن القضاء تابع للأداء والتحقيق خلافه ومنها أن الوضوء لا يجزي عن الغسل إذا تعذر ومنها أنه
لو نذر إيقاع صلوته في مكان لا رجحان فيه والتحقيق أنه لو نذر إيقاع صلاة الظهر مثلا أو نافلته في مكان
لا رجحان فيه فلا ينعقد على القول باشتراط الرجحان في النذر وأما لو نذر ايقاع ركعتين مبتدئة في
المكان المذكور فينعقد لا لان عدم اعتبار الخاص لا يستلزم عدم اعتبار العام فلابد أن ينعقد ويفعلها
ولو في غير ذلك الموضع بل لان مورد النذر هو ذلك الفرد وهو راجح باعتبار الكلي الموجود فيه ومنها
ما لو باع العبد المأذون أو أعتقه ففي (الاذن أو) انعزاله وجهان بل الوجهان يجريان لو صرح بكونه وكيلا أيضا
فإن الاذن الحاصل من جهة كونه مالكا قد ارتفع وبقي كلي الاذن إلى غير ذلك من الفروع مثل أن ينذر
أضحية حيوان خاص فمات قبل ذلك فلا يجب آخر بل الظاهر أنه كما لا يجري الاستصحاب في الاجزاء العقلية لاثبات
الأحكام الشرعية كذلك لا يمكن الاستدلال عليه بمثل قولهم عليهم السلام ما لا يدرك كله لا يترك كله والميسور
لا يسقط بالمعسور وإذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم بخلاف الاجزاء الخارجية فيجب غسل الأقطع
بقية العضو في الوضوء ونحو ذلك وأما انتفاء الشرط فليس مما نحن فيه في شئ فبانتفائه ينتفي المشروط
رأسا وهو ليس بنسخ جزما وبديهة لتجدده آنا فآنا في جميع الأزمان ومسألة صلاة الجمعة المتقدمة
من هذا القبيل ومما قررنا يظهر لك بعد التأمل حال نسخ الاستحباب ونسخ الكراهة وغيرهما وكذلك
الكلام في أقسام العام والخاص قانون الحق أن الامر يقتضي الاجزاء وتحقيق هذا الأصل يقتضي
رسم مقدمات الأولى الاجزاء هو كون الفعل مسقطا للتعبد به وإنما يكون إذا أتى المكلف به
مستجمعا لجميع الأمور المعتبرة فيه وقيل هو عبارة عن إسقاط القضاء كما سيجئ نظيره في الصحة وهو أخص
من الصحة إذ مورد الصحة أعم من موارد التعبد فيشمل العقود والايقاعات بخلاف الاجزاء فإنه
مختص بموارد التعبد فالظاهر أن الاجزاء في العبادات هو اللازم المساوي للصحة فيها وتعريف الاجزاء
بهذا اللفظ قد وقع في كلام بعضهم وهو موهم لخلاف المقصود والأولى أن يعبر عن المعنى الأول بحصول
129

الامتثال وعن الثاني بسقوط فعله ثانيا أعم من الإعادة والقضاء فإن ما لا يكون مسقطا للقضاء
لا يكون مسقطا للإعادة بطريق أولى والظاهر أن مراد من عبر بما ذكر هو ذلك أيضا وإن لم يساعده
العبارة ويشهد بذلك اتفاقهم على دلالة الامر على الاجزاء بالمعنى الأول دون الثاني الثانية
كون الامر مقتضيا للاجزاء هو إذا أتى به المكلف على ما هو مقتضى الامر والمفهوم منه مستجمعا لشرائطه
المستفادة له من الشرع بحسب فهمه وعلى مقتضى تكليفه كما عرفت ولكن الاشكال في حقيقة الامر وتعيينه
فإن التكليف قد يكون بشئ واحد في نفس الامر وقد حصل العلم به للمكلف واستجمع جميع الأمور
المعتبرة فيه على سبيل اليقين وقد يكون كذلك ولكن المكلف لم يحصل له سوى الظن به وباستجماع
تلك الأمور كما يحصل للمجتهد في الفتاوى فإن اعتماده على الظن المستفادة حجيته عموما من العقل
والنقل وقد يكون كذلك ولكن الشارع نص بالخصوص على كفاية الظن عن اليقين كالطهارة
المظنونة بسبب الشك في حصول الحدث وكذلك قد يكون التكليف بشئ أولا مع الامكان وببدله
ثانيا مع عدمه كالتيمم عن الماء والاشكال في أن المكلف مكلف بالعمل بالظن ما دام غير متمكن
عن اليقين ومحكوم بإجراء عمله كذلك أو مطلقا وبعبارة أخرى هل هو مكلف باليقين والعمل بمقتضاه
في الحال والماضي إلا في حال عدم التمكن منه أو هو منقطع بالظن ولا يترتب على الماضي شئ وكذلك
الكلام في المبدل والبدل فمن تيمم لعذر ثم تمكن من الماء في الوقت فإن قلنا أن المكلف به هو الوضوء
في الوقت إلا في حال عدم التمكن منه وبعبارة أخرى أنه مكلف بابداله بالتيمم ما دام متعذرا فيجب عليه
الإعادة في الوقت وإن قلنا ان التكليف الأول انقطع والتكليف الثاني أيضا مطلق فلا والظاهر أن
هذا لا يندرج تحت أصل ويختلف باختلاف الموارد فلا بد من ملاحظة الخارج ثم أن الظاهر أن
التكليف يتعدد بحسب اختلاف الأزمان والأحوال والمكلف به في الأوامر المطلقة إنما هو الطبيعة لا بشرط
المرة ولا التكرار والطبيعة تتحصل بوجود فرد منها فصلوة الظهر قد تجب مع الوضوء في وقت ومع
التيمم في آخر فبأيهما حصلت فقد حصلت فحينئذ نقول موضع الخلاف إن كان بالنسبة إلى كل واحد من
الحالات فلا إشكال في الاجزاء بمعنييه لحصول الامتثال وعدم وجوب الإعادة والقضاء بسبب نقصان
بالنسبة إلى ذلك التكليف وإنما يكون عدم الاجزاء بالنسبة إلى الامر الاخر فوجوب القضاء أو الإعادة
لمن انكشف فساد ظن طهارته إنما هو لعدم حصول الصلاة بالطهارة اليقينية لا للاختلال في
الصلاة بالطهارة الظنية ففعلها ثانيا إنما هو لعدم الاتيان بالأولى لا الثانية وكذلك فعل الصلاة
ثانيا بالمائية لأجل اختلال المبدل لا البدل ولذلك لا تعاد بالطهارة الترابية وإن كان بالنسبة إلى
130

مطلق الامر أعم من المبدل والبدل فلا أظن مدعي الدلالة على سقوط القضاء يدعي السقوط حتى
بالنسبة إلى المبدل ولعل النزاع في هذه المسألة لفظي فإن الذي يقول بالاجزاء إنما يقول بالنظر إلى
كل واحد من الأوامر بالنسبة إلى الحال التي وقع المأمور به عليها ومن يقول بعدمه إنما يقول بالنسبة
إلى مطلق الامر الحاصل في ضمن البدل والمبدل الثالثة محل النزاع في هذه المسألة يحرر على
وجهين الأول هو ان اتيان المأمور به على وجهه هل هو مسقط للتعبد به بمعنى انه لا يقتضي
ذلك الامر فعله ثانيا قضاء أم لا والظاهر أن المخالف حينئذ يقول أنه لا مانع من اقتضائه فعله ثانيا
قضاء في الجملة لا أنه لا بد ان يقتضي فعله ثانيا دائما كما لا يخفى والثاني أن يكون معنى إسقاط القضاء
أنه لا يجوز أن يكون معه آخر يفعله ثانيا قضاء أو يجوز والظاهر أن النزاع على الثاني يكون لفظيا إذ
لا يمكن إنكار إمكان ذلك فيعود النزاع في تسميته ذلك قضاء ونحن أيضا نسقط هذا التقرير ونجري
في الاستدلال على التحرير الأول ونقرر الأدلة على ما يطابقه ثم إن هذا الكلام مع قطع النظر عن الخلاف
الآتي في كون القضاء تابعا للأداء أو بفرض جديد فالخلاف يجري على القولين كما لا يخفى وكذلك مع
قطع النظر عن كون الامر للطبيعة أو المرة أو التكرار إذ نفي المرة للغير إنما هو بالتنصيص وإسقاط القضاء
على القول بالاجزاء إنما هو من جهة عدم الدليل إذ بعد حصول الاجزاء حصل الامتثال فلا امر يمتثل به
ثانيا فيسقط لأنه تشريع وكذلك ثبوت فعله ثانيا في التكرار انما هو بالأصالة والتكرار فيما نحن فيه
على القول بعدم دلالته على الاجزاء إنما هو من باب القضاء أو الإعادة الرابعة القضاء يطلق
على خمسة معان الأول هو الفعل كقوله تعالى إذا قضيت الصلاة وإذا قضيتم مناسككم الثاني فعل ما
فات في الوقت المحدود بعد ذلك الوقت سواء كان وجب عليه في الوقت كتارك الصلاة عمدا
مع وجوبه عليه أم لم يجب كالنائم والناسي والحائض والمسافر في الصوم أو وجب على غيره كقضاء
الولي وهذا هو المعنى المصطلح عليه المنصرف إليه الاطلاق الثالث استدراك ما تعين وقته
إما بالشروع فيه كالاعتكاف أو بوجوبه فورا كالحج إذا أفسد فيطلق على المأتي به ثانيا القضاء وإن
لم ينو به القضاء الرابع ما وقع مخالفا لبعض الأوضاع المعتبرة فيه كما يقال التشهد والسجدة يقضى
بعد التسليم الخامس ما كان بصورة القضاء المصطلح عليه في فعله بعد خروج الوقت المحدود كقولهم
الجمعة يقضى ظهرا إذا تمهد هذه المقدمات فنقول اختلف الأصوليون في أن إتيان المأمور به
على وجهه هل يقتضي الاجزاء بمعنى سقوط القضاء بعد اتفاقهم على اقتضائه الامتثال على قوله
المشهور نعم وخالف فيه أبو هاشم و عبد الجبار لنا أن الامر لا يقتضي إلا طلب المهية المطلقة
131

بدون اعتبار مرة ولا تكرار كما مر تحقيقه ومعناه أن المطلوب به إيجاد الطبيعة وهو يحصل بإيجاد فرد
منه والمفروض حصوله فحصل المطلوب فلا يبقى طلب آخر فقد سقط الوجوب بل المشروعية أيضا لما
مر تحقيقه في نفي دلالة الامر على التكرار فلو قيل أن حصول الامتثال بالنسبة إلى ذلك الامر إنما هو
بالنسبة إلى بعض الأحوال دون بعض وإنما الساقط هو الامر بالبدل دون المبدل فأقول إن ذلك
باطل من وجهين الأول أن ذلك خروج عن المتنازع إذ ما ذكرته يصير أمرين وكلامنا في الامر
الواحد والثاني أن المكلف بالصلاة مع الوضوء مثلا إنما هو مكلف بصلاة واحدة كما هو
مقتضى صيغة الامر من حيث أن المطلوب بها المهية لا بشرط فإذا تعذر عليه ذلك فهو مكلف
بهذه الصلاة مع التيمم وهو أيضا لا يقتضي إلا فعلها مرة وظاهر الامر الثاني إسقاط الامر الأول فعوده
يحتاج إلى دليل والاستصحاب وأصالة العدم وعدم الدليل كلها يقتضي ذلك مضافا إلى فهم العرف واللغة
وما ترى أن الصلاة بظن الطهارة تقتضي بعد انكشاف فساد الظن فإنما هو بأمر جديد ودليل
خارجي نعم لو ثبت من الخارج أن كل مبدل إنما يسقط عن المكلف بفعل المبدل ما دام غير متمكن
عنه فلما ذكر وجه وأنى لك بإثباته بل الظاهر الاسقاط مطلقا فيرجع النزاع في المسألة إلى إثبات
هذه الدعوى لا أن الامر مطلقا يقتضي القضاء أو يفيد سقوطه فالمسألة تصير فقهية لا أصولية
وقد استدلوا على المشهور أيضا بوجهين آخرين الأول أنه لو كان مكلفا بذلك الامر بعينه بفعل ما
أتى به على وجهه ثانيا فيلزم تحصيل الحاصل وهو محال وإن كان مكلفا بذلك الامر بإتيان غير
المأتي به أولا فيلزم أن لا يكون المأتي به أولا تمام المأمور به هف أما الثاني فظاهر وأما الأول
فهو مبني على ما حققناه من أن حصول الامتثال لا يبقى معه طلب أخر فتحصيل الامتثال الثاني لا يتم
إلا بإعادة الامتثال الأول وهو تحصيل الحاصل وبذلك يندفع ما يقال أن فعله ثانيا مثل المأتي به
أولا لا نفسه فإن ذلك إنما يصح لو كان فعله ثانيا بأمر آخر كما يستفاد من التحرير الثاني في محل النزاع و
أما على التحرير الأول فلا يبقى طلب وأمر حتى يستدعي إثباته ثانيا بحيث يكون غير الأول وأما ما قيل
في رده من أن المطلوب هو الطبيعة لا الافراد ولا شك في أن تحصيل الطبيعة بعد حصوله أولا تحصيل
للحاصل فهو قريب من الهذيان إذ ذلك يستلزم أن يكون فعل جميع الأنواع المندرجة تحت جنس
بعد فعل واحد منها تحصيلا للحاصل الثاني أنه لو لم يكتف بإتيان المأمور به على وجهه في حصول الامتثال
واقتضى الامر فعله ثانيا لزم كون الامر للتكرار وهو خلاف التحقيق أو خلاف المفروض ويرد عليه
أن منكر الدلالة على الاجزاء لا يقول بأن الامر يقتضي ذلك بحيث لا يتخلف منه بالذات كما يقوله
132

القائل بالتكرار بل يقول أنه لا مانع من اقتضائه ذلك كما أشرنا في المقدمات وأيضا التكرار على القول
به إنما هو على مقتضى العقل والعادة إلا أن يمنع مانع عنه كما مر في مبحثه وما نحن فيه ليس كذلك احتج
المانع بوجوب إتمام الحج الفاسد فلو كان الامر مقتضيا للاجزاء لكان إتمامه مسقطا للقضاء و
فيه أن القضاء للفائت وهو الحج الصحيح وإتمام الفاسد أمر على حدة ولا يجب له قضاء وبأنه لو
كان مسقطا للقضاء لما وجب القضاء على من صلى بظن الطهارة ثم انكشف فساد ظنه وقد أجيب
من ذلك بوجوه ضعيفة منها أن تسمية ذلك قضاء مجاز بل هو أمر على حدة وفيه أنه مستلزم
للواسطة بين القضاء والأداء وليس بإعادة أيضا ومنها منع بطلان اللازم والتحقيق في الجواب
يظهر بعد التأمل فيما ذكرنا فنقول أن هذا القضاء إنما يجب من جهة دلالة الدليل على أن المطلق
هو الصلاة بالطهور ويجوز الاكتفاء بالظن ما لم يحصل اليقين بخلافه فإذا حصل فيقضي الفائت
فالقضاء إنما هو للمبدل بالدليل لا البدل فيصح إطلاق القضاء المصطلح عليه حقيقة هذا وإني
لم أقف في كلماتهم على تصريح بما ذكرنا ووجدنا كلماتهم مختلطة في بيان المقصود فعليك بالتأمل فيما يرد
عليك من الفروع لكي لا تخبط والله الهادي قانون اختلفوا في أن الامر إذا كان مقيدا بوقت
إذا فات فيه فهل يجب بعده بذلك الامر أم لا وهذا هو الخلاف المشهور بينهم من أن القضاء تابع
للأداء أو بفرض جديد والحق أن الامر لا يقتضي إلا الاتيان في الوقت ووجوب القضاء يحتاج إلى أمر
جديد وبنى العضدي ال‍ مسألة على أن قولنا صم يوم الخميس المركب في اللفظ والذهن من شيئين
هل المأمور به فيه شيئان فيبقى أحدهما بعد انتفاء الاخر أو شئ واحد وقال إن هذا الخلاف أعني
كون المطلق والمقيد شيئين في الوجود الخارجي أو شيئا واحدا مبني على الخلاف في أن الجنس و
الفصل متمايزان في الوجود الخارجي أم لا والظاهر أن مراده التنظير وإلا فالقيد أعني الزمان خارج
عن الماهية ورده بعض المحققين بأن كونهما شيئين في الخارج لا يقتضي كون القضاء بالفرض
الأول ولا ينافي كونه بفرض جديد لاحتمال أن يكون غرض الآمر إتيانهما مجتمعا فمع انتفاء أحدهما ينتفي
الاجتماع وكذا لا يجدي كونهما شيئا واحدا في نفي كون القضاء بالفرض الأول وإثبات كونه بفرض جديد
لاحتمال كون المراد المطلق لا بشرط الخصوصية وذكر الخاص لكونه محصلا للمطلق بلا نظر إلى خصوصية
الشئ المذكور فلا ينتفي المطلق بانتفاء هذا القيد فالنافي لكون القضاء بالفرض الأول مستظهر لثبوت
الاحتمال الغير المستلزم للقضاء وعلى المثبت نفي ذلك الاحتمال وفيه أن احتمال اعتبار الاجتماع و
إن كان يعضده أصالة البراءة عن القضاء ولكن يعضد الاحتمال الاخر أصالة عدم اعتبار الاجتماع
133

واستصحاب البقاء فاشتغال الذمة بمجمل التكليف مستصحب لا يحصل البراءة منه إلا بالقضاء ولا يكفي
فيه البراءة الاحتمالية واحتمال إرادة المطلق من المقيد لا يكفي في نفي البراءة الأصلية مع أن الظاهر من
المقيد هو الفرد الخاص بشرط الخصوصية والحجة إنما هو الظاهر هذا ولكن يرد عليه العضدي أيضا أن
مجرد تمايز الجنس والفصل في الخارج لا يجدي في كون القضاء بالفرض الأول إلا إذا ثبت جواز انفكاك
أحدهما عن الآخر ومجرد التمايز في الوجود الخارجي لا يوجب الانفكاك سيما على القول بكون الفصل
علة للجنس وأما على القول بعدمه فنقول أن المفروض عدم تحقق الجنس في الخارج إلا في ضمن أحد
الفصول فمع انتفاء أحدها ينتفي الجنس ونيابة الفصل الاخر عنه الأصل عدمه كما مر تحقيقه في مسألة
نسخ الوجوب ونظير الجنس والفصل فيما نحن فيه هو الصوم وإيقاعه في يوم الخميس أو في يوم آخر ونيابة
يوم آخر عن الخميس يحتاج إلى جعل الشارع وما يتوهم أن يوما ما مأخوذ في الصوم فلا ينفع في المقام في
شئ إذ الصوم الذي هو عبارة عن إمساك يوم ما يعتبر تقييده بالخميس أو يوم ما غير الخميس لا يوم ما
مطلقا الذي كان مأخوذا في مفهوم الصوم فإذا انتفى الخميس فلا يبقى الا إمساك يوم ما مطلقا ولا وجود
له في الخارج فإن شئت توضيح ذلك فاجعل قولك صم يوم الخميس بمعنى أمسك يوم الخميس متلبسا
بالشرائط المقررة والتحقيق أن الفرق بين ما نحن فيه وبين الجنس والفصل واضح ولا يصح التنظير ولا
التفريع لامكان تحقق المقيد بدون القيد بخلاف الجنس بدون الفصل فيمكن الامتثال بمطلق
الامساك في المثال المذكور وكذلك بمطلق صلاة ركعتين في قولنا صل ركعتين يوم الجمعة بخلاف
مثل نسخت الوجوب كما مر فالحق والتحقيق اما في حكاية الجنس والفصل فما مر من عدم التمايز وإلا
لما جاز الحمل (بهو بهو)؟ وانه لا يبقى الجنس بدون الفصل وأن الأصل عدم لحوق فصل آخر وأما فيما نحن فيه
فإن المتبادر من المقيد هو شئ واحد والتبادر هو الحجة فلا نفهم من قول الشارع صم الخميس إلا
تكليفا واحدا والزايد منفي بالأصل فإذا انتفى الخميس فينتفي المأمور به بل يستفاد منه على القول بحجية
مفهوم الزمان ومفهوم اللقب وغيرهما الدلالة على العدم أيضا ومن ذلك يظهر أنه لا يمكن إجراء
الاستصحاب فيه أيضا لانتفاء الموضوع ولا قولهم عليهم السلام ما لا يدرك كله لا يترك كله والميسور إلخ ونحو ذلك
وكذلك الكلام في غير الوقت من القيود فلا فرق بين المفعول فيه كما نحن فيه والمفعول به والحال و
غيرهما فلا يصح تفريع بعضهم على ذلك وجوب الغسلات الثلث بالقراح لو فقد السدر والكافور إلا
أن يثبت بدليل من خارج وقد استدل على المختار أيضا بأن الامر قد يستتبع القضاء كاليومية وقد
لا يستتبع كالجمعة والعيد فهو أعم والعام لا يدل على الخاص وفيه ما لا يخفى إذ ذلك إنما يصح لو كان
134

الاستتباع من جهة الامر الأول وهو ممنوع وقد يوجه بأن المراد ان مقتضى الشئ لا يتخلف عنه فالتخلف عنه
شاهد على عدم الاقتضاء وفيه أيضا ما لا يخفى إذ التخلف لعله من جهة دليل آخر فهو مقتض إلا أن يمنع
مانع وقد يستدل أيضا بلزوم كون القضاء أداء ومساويا للأول لو كان بالامر الأول فلا يعصي بالتأخير
وفيه أن الخصم يدعي الترتيب لا التخيير والتسوية احتجوا بوجوه الأول أن الزمان ظرف من ظروف
المأمور به غير داخل فيه فلا يؤثر اختلاله في سقوطه ويعلم جوابه مما سبق مع أنه لو لم يكن له مدخلية
لجاز تقديمه عليه أيضا فتأمل الثاني أن الوقت كأجل الدين فكما يجب أدائه بعد انقضاء الأجل فكذا
المأمور به إذا لم يؤد في الوقت وفيه أنه قياس مع الفارق إذ وجوب أداء الدين توصلي والمصلحة
المطلوبة باقية وهي براءة الذمة وإيصال الحق إلى صاحبه بخلاف العبادات فإن المصالح فيها مخفية
ولعل للوقت مدخلية في حصول مصلحتها وبالجملة العبادات توقيفية لا يجوز التجاوز فيها عن التوظيف
بخلاف المعاملات وسيجئ تحقيقه الثالث لو وجب بأمر جديد لكان أداء لأنه أمر بالفعل لا بعد
الوقت فيكون مأتيا به في وقته وجوابه أن الأداء ما لا يكون استدراكا لمصلحة فائتة وما نحن
فيه استدراك للمصلحة الفائتة قانون الأظهر أن الامر بالامر أمر فإذا قال القائل لغيره مر
فلانا أن يفعل كذل أو قل له أن يفعل كذا فهذا أمر بالثالث مثل أن يقول ليفعل فلان كذا لفهم العرف و
التبادر واحتمال أن يكون المراد أوجب عليه من قبل نفسك بعيد مرجوح وإن كان ما ذكرنا مستلزما
للاضمار وهو من قبلي ويؤيده إنا مأمورون بأوامر الرسول صلى الله عليه وآله عن الله تعالى بل إذا اطلع
الثالث على الامر قبل أن يبلغه الثاني ولم يفعل واطلع الآمر على ذلك فيصح أن يعاقبه على الترك وأن
يذمه العقلاء على ذلك احتجوا بقوله صلى الله عليه وآله مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع فإنه لا وجوب على الصبيان
إجماعا وبأن القائل لو قال لغيره مر عبدك بأن يتجر لم يتعد ولم قال لذلك العبد لا تتجر لم يناقض كلامه
الأول والجواب عن الأول أن الاجماع أوجب الخروج عن الظاهر وعن الثاني أن القرينة دالة على أنه
للارشاد ولذلك نقول باستحباب عبادة الصبي ونضعف كونها محض التمرين ومن فروع المسألة ما
لو قال زيد لعمرو مر بكرا بأن يبيع هذا الفرس فهل لبكر قبل أن يأمره عمرو أن يتصرف فيه أم لا وهل يصح
بيعه أم لا وأما الآمر بالعلم بالشئ فهل يستلزم حصول ذلك الشئ في تلك الحالة أم لا الأظهر لا فإن الامر
طلب ماهية في المستقبل فقد يوجد وقد لا يوجد فقول القائل اعلم إني طلقت زوجتي لا يوجب
الاقرار بالطلاق بالنظر إلى القاعدة ولكن المتفاهم في العرف في مثله الاقرار وإن لم يتم على تلك القاعدة
فافهم المقصد الثاني في النواهي قانون النهي هو طلب ترك الفعل
135

بقول من العالي على سبيل الاستعلاء ويدخل فيه التحريم على ما هو المتبادر من هذه المادة في العرف
أيضا وأما مثل اكفف عن الزنا فيدخل في الامر من حيث ملاحظة الكف بالذات وأنه فعل من
الافعال ونهي من حيث أنه آلة لملاحظة فعل آخر وهو الزنا وحال من الأحوال وربما قيل بكونه
مشتركا بين التحريم والكراهة أو قدر مشترك بينهما والأقرب الأول ويظهر وجهها مما تقدم في الامر
وأما صيغة لا تفعل وما معناها فالأشهر الأظهر إنها أيضا حقيقة في الحرمة وقيل بأنها حقيقة في
الكراهة وقيل بالاشتراك لفظا وقيل معنى وقيل بالوقف لنا التبادر عرفا وكذلك لغة وشرعا لأصالة
عدم النقل والاحتمالات المتقدمة في صيغة الامر آتية هنا فعليك بالتأمل وتطبيقها على ما نحن فيه
وكذلك يظهر أدلة سائر الأقوال وأجوبتها مما تقدم وربما يستدل على المشهور بقوله تعالى وما
نهيكم عنه فانتهوا فإن صيغة إفعل للوجوب ووجوب الانتهاء عن الشئ ليس إلا تحريم فعله فدل
على تحريم المنهي عنه وفيه أن هذا إنما يتم لو قلنا كل صيغة لا تفعل نهي وهو مسلم إن لم نقل بكون النهي
بلفظه مأخوذا في معناه التحريم وهو خلاف التحقيق كما عرفت فحينئذ فلا يصدق النهي على صيغة لا تفعل
إلا ما علم إرادة الحرمة منه والنزاع في صيغة لا تفعل مجردة عن القرائن لا فيما علم كونه للحرمة فحينئذ يكفي
صدق النهي عليها في إفادة الحرمة ولا حاجة إلى دليل آخر كما مر نظيره في الامر وإن لم يجعل لفظ نهى ينهي
مأخوذا في معناه الحرمة كما هو مبني الاستدلال ظاهرا ففيه أولا ما بيناه من أن الحق خلاف ذلك
وثانيا أن هذا الاستدلال يدل على عدم الدلالة لغة وإلا لما احتاج إلى الاستدلال وأما في خصوص
نهيه صلى الله عليه وآله فصيرورته بذلك مدلولا حقيقيا له أيضا محل الكلام بل يصير ذلك من باب الأسباب والعلامات
ولا يفيد أن مدلول لا تفعل في كلامه يصير كذلك حقيقة بل إنما يدل على أن كل ما منعه بقوله لا تفعل
يجب الانتهاء عنه وثالثا أن حمل الامر على الاستحباب مجاز وتخصيص كلمة الموصول مجاز آخر ولا محالة
لا بد من إخراج المكروهات ولا ترجيح لأحدهما على الاخر وأرجحية التخصيص يعارضه لزوم إخراج الأكثر
مع أنه يحتمل أن يكون المراد أنه يجب الاذعان على مقتضى مناهيه وامتثالها على طبق مدلولاتها إن
حرمة فبالانزجار البت وإن كراهة فبالانزجار تنزيها والاعتقاد على مقتضاهما في المقامين وبالجملة
المطلوب الاذعان على مقتضاه ورابعا أنه لا يدل إلا على حكم مناهي الرسول صلى الله عليه وآله و
انفهام حرمة مخالفة الله تعالى عن حرمة مخالفته صلى الله عليه وآله بالفحوى لا يدل على دلالة لفظ لا تفعل في كلامه تعالى
على ذلك لعدم الملازمة بينهما كما هو واضح بين إلا أن يتشبث بعدم القول بالفصل وفيه أيضا
إشكال ثم إن صاحب المعالم رحمه الله ومن تبعه تأملوا في دلالة المناهي الواردة في كلام أئمتنا عليهم السلام
136

على الحرمة بعد تسليمها في أصل الصيغة لما ذكروه في صيغة الامر من جهة كثرة الاستعمال في المكروهات و
صيرورتها فيها من المجازات الراجحة المساوية للحقيقة والجواب عنه هو نفس الجواب عما تقدم في
الامر فلاحظ قانون اختلفوا في أن المراد من النهي هو الكف أو نفس أن لا تفعل والأقرب
الثاني لنا صدق الامتثال عرفا بمجرد ترك العبد ما نهاه المولى مع قطع النظر عن ملاحظة أنه كان
مشتاقا إلى الفعل فكف نفسه عنه فإن قلت العدم الأزلي سابق ويمتنع التأثير فيه للزوم تحصيل
الحاصل مع أن أثر القدرة متأخر عنها قلت الممتنع هو ايجاد العدم السابق لا استمراره وأثر القدرة
يظهر في الاستمرار فإذا ثبت إمكان رفعه بإتيان الفعل فيثبت إمكان إبقائه باستمرار الترك إذ
القدرة بالنسبة إلى طرفي النقيض متساوية وإلا لكان وجوبا أو امتناعا فإن قلت لو كان المطلوب
هو العدم لزم أن يكون ممتثلا ومثابا بمحض الموافقة الاتفاقية أو بسبب عدم القدرة على الفعل و
عدم إرادته أو غير ذلك قلت أولا أنه معارض بالكف بقصد الربا وثانيا أن الكلام إنما هو على ظاهر
حال المسلم وثالثا انا لا ندعي الكلية بل ندعي إمكان حصول الامتثال بمجرد ترك الفعل فإن الثواب
موقوف على الامتثال سواء كان محتاجا في الترك إلى الكف أو فعل ضد آخر أو لم يكن بل يكفي في ذلك
قوة الداعي الحاصل بتوطين النفس على الامتثال والانتهاء عن كل ما نهي عنه وإن لم يكن قادرا على
الفعل بل وغير مستشعر أيضا ويؤيد ذلك أنه لو لم يكن نفي الفعل مقدورا للزم عدم العقاب على ترك
الواجب إلا مع الكف عنه وهو باطل جزما فإن قلت على ما ذكرت أيضا يؤل الكلام إلى أن المكلف به
ليس نفس ترك الفعل كيف كان بل هو أمر وجودي وهو إبقاء العدم واستمراره ولو كان بمجرد توطين النفس
على الامتثال بمجرد تصور تمكن أن يصدر عنه الفعل وإن لم يكن قادرا عليه بالفعل أيضا وإلا فقد يكون
مكلفا بالكف وقد يكون مكلفا بفعل أحد الأضداد الوجودية غير الكف فالذي يكون (مقدورا)؟ له هو
أحد هذه الأمور على التفصيل فالمطلوب إنما هو ذلك الامر الوجودي كالأمر بإحراق الحطب فإنه حقيقة
أمر بإلقاء الحطب في النار قلت قد مر الكلام في نظيره في مقدمة الواجب فتذكر ونقول هنا أن ذلك
من قبيل طلب حركة المفتاح المقدورة بحركة اليد ولا مانع منه لان المقدور بواسطة المقدور مقدور
وإن كان غير مقدور بلا واسطة فعدم الفعل في الآن الثاني من التكليف مقدور بواسطة أحد
الأمور المذكورة فهو المكلف به بالذات وسائر الأمور مكلف بها بالتبع من باب المقدمة ومن جميع
ما ذكرنا يظهر حجة القول الاخر وجوابه وعدم حسن الاقتصار على الكف فقط فائدتان
الأولى قد عرفت أنهم اختلفوا في دلالة النهي عن الشئ على الامر بضده على حذو ما ذكروه في الامر و
137

يشكل الفرق بين هذا المقام وما تقدم وعلى القول بكون المطلوب هو الكف يتوجه القول بالعينية
هنا ويمكن الفرق بأن الكلام ثمة كان في دلالة لفظ النهي على الامر مع قطع النظر عن الأدلة الخارجية
مثل امتناع تعلق التكليف بالعدم ونحوه بخلافه هيهنا وهو أيضا مشكل لعموم الكلام ثمة أيضا وعلى
أي تقدير فهيهنا إشكال آخر وهو أنه على القول بكون المطلوب بالنهي هو الكف يؤل الامر إلى النهي
عن ضد الكف أيضا على القول بأن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده فيلزم الدور فتأمل الثانية
اختلفوا في أن هذا الترك هل هو من قبيل الفعل أم لا ذهب المحققون إلى الأول ويظهر الثمرة في مثل
ما لو علق الظهار على فعل ليس فيه رضى الله فتركت صوما أو صلاة وما لو ألقى في النار وتمكن عن
الخلاص فلم يتخلص حتى مات فهو قاتل نفسه وإلا فيجب القصاص له قانون اختلفوا في دلالة
النهي على التكرار على قولين فعن الأكثر أنه للتكرار والأقوى العدم لنا ما مر مرارا من أن الأوامر و
النواهي وغيرها مأخوذة من المصادر الخالية عن اللام والتنوين وهي حقيقة في المهية لا بشرط
شئ ولا يزيد الهيئة على المادة إلا الطلب الحتمي التحريمي أو الايجابي والأصل عدم شئ آخر
فمن يدعيه فعليه بالبيان مع أنا نرى بالعيان استعماله في كل واحد من المعنيين كالزنا وصلاة
الحائض ونهي الطبيب عن الضار في المرض فاللفظ قابل لهما ومستعمل فيهما والمجاز والاشتراك خلاف
الأصل حتى يثبت بالدليل واحتجوا بأن النهي طلب ترك الطبيعة ومنع المكلف عن إدخال المهية في
الوجود وهو إنما يتحقق بالامتناع عن إدخال كل فرد كما أن الطلب الايجابي يحصل الامتثال فيه
بإتيان فرد وفيه أن ذلك لا يفيد ذلك ولو كان مدخول الطلب التحريمي المهية بشرط الوحدة أو
بشرط العموم المجموعي أيضا مع كونهما مفيدين للعموم في الجملة فضلا عما لو كان المدخول هو الطبيعة
المطلقة كما هو القدر المسلم في مبدء الاشتقاق إذ كما أن المطلوب يحتمل الاطلاق والتقييد كذلك
الطلب أيضا يحتملهما فكما يصح أن يقال طلب منك عدم الزنا الحاصل ما دام العمر أو عدم الزنا في شهر
أو سنة كذلك يصح أن يقال أطلب منك ما دام العمر ترك الزنا أو أطلب في هذا الشهر منك ترك
الزنا ولا دلالة في اللفظ على أحد التقييدين فطلب ترك الطبيعة إنما يقتضي ترك جميع أفراد الطبيعة
في الجملة لا دائما وأين المطلقة من الدائمة فلا يمكن إثبات الدوام والتكرار للنهي لا من جهة المادة
ولا من جهة طلب الترك اللهم إلا أن يتشبث بالتبادر العرفي كما يظهر من بعضهم وهو خلاف
ما ذكره المستدل مع أنه في معرض المنع أو يتشبث في ذلك بأن طلب الترك مطلق وإرادة ترك
الطبيعة في وقت غير معين اغراء بالجهل فوقوعه في كلام الحكيم يقتضي حمله على العموم وهذا وجه وجيه
138

ولكنه أيضا خلاف ظاهر المستدل وعلى هذا فما أنكرناه هو دلالة الطبيعة عليه باعتبار الدلالة
اللفظية كما هو المعيار في نظائر المبحث وإلا فلا نمنع الحمل على العموم وحينئذ فصلوة الحائض وما نهاه الطبيب
قد قيد أولا بالوقت والزمان المطلوب تركه فيه ولوحظ مقيدا بذلك ثم وقع عليه النهي ولذلك
يحمل إطلاقه في ذلك الزمان بالنسبة إلى جميع أجزائه وإن كان مطلقا بالنسبة إليها ولا يذهب
عليك أنه لا يمكن إجراء هذه الطريقة في الامر وادعاء حمل مطلقه على الدوام لحصول الامتثال هنا بفرد
ما وعدم لزوم اللغو والقبح في كلام الحكيم بخلاف ما نحن فيه نعم يجري هذا الكلام في مثل أحل الله البيع
كما سيجئ هذا ولكن لك أن تمنع إجراء هذه الطريقة في النهي أيضا بأن يقال لا يلزم من الاطلاق في الصيغة
كون المطلوب ترك الطبيعة في وقت غير معين حتى يلزم الاغراء القبيح بل نقول المراد مطلق طلب؟
مطلق الطبيعة وربما يحصل الامتثال بترك جميع أفراد المنهي عنه في الآن المتأخر عن النهي في زمان يمكن
حصول الفعل فيه ثم أن التكليف بترك الطبيعة وتكراره على القول بالتكرار هل هو تكليف واحد أو
تكليفان فيحصل الامتثال بتركه على الثاني دون الأول مقتضى الاستدلال على التكرار بأن المطلوب
ترك الطبيعة وهو لا يحصل إلا بتركه دائما عدم الامتثال بالترك في بعض الأوقات ومقتضى ما ذكرنا
من انفهام التكرار من وقوع المطلق في كلام الحكيم هو حصول الامتثال بموافقة مطلق النهي وإن عصى
بترك استمراره وأما على الاستدلال بالتبادر فلا بد من التأمل فإن تبادر مع تقييد التروك المفروضة
بحسب الأوقات بعضها ببعض فلا يحصل الامتثال الا بالدوام وإلا فيحصل الامتثال بفعل البعض وترتب
العقاب على ترك الاخر والحق على ما اخترناه حصول الامتثال بالترك في الجملة إلا ما أخرجه الدليل
كترك الاكل في الصوم وليس في ذلك لدلالة النهي بخلاف قوله تعالى لا تقربوا الزنا فإن الامتثال يحصل بتركه
في شهر أو عام أو أقل أو أكثر ثم إن ما ذكرنا من حصول الامتثال بترك الطبيعة في الجملة إنما هو بالنسبة
إلى الزمان والافراد المتعاقبة بحسب تماديه وأما الافراد المتمايزة بسائر المشخصات فكلا فمن ترك الزنا
بامرأة معينة وارتكب الزنا مع الأخرى فلا يحصل له الامتثال حينئذ لأجل ذلك الترك فإن الطبيعة لم
تترك حينئذ مع أن الامتثال بالترك الاخر حينئذ ممنوع لعدم المقدورية لان المقدور ما يتساوى طرفاه فكما
لا يمكن تحصيل زنائين في آن واحد لا يمكن ترك أحدهما في آن ارتكاب الاخر وبالجملة فلا بد من ترك
الطبيعة رأسا في آن من الأوان ليتحقق الامتثال ولا يحصل إلا بترك جميع الافراد تنبيه كل من
قال بكون النهي للدوام لا بد أن يقول بكونه للفور ليتحقق الدوام وأما من لا يقول به فلا يلزمه عدم
القول به من هذه الجهة فما ادعاه بعضهم من أن كل من لا يقول بالتكرار يلزمه عدم القول بالفور
139

وفيه ما فيه مع أن الشيخ في العدة ذهب إلى كونه للفور ولا يقول بالتكرار نعم ذهب العلامة في التهذيب
إلى عدم الفور مع عدم قوله بالتكرار ولا يلزم أن يكون ذلك للتلازم بين القولين فمن يقول بالفور
مع عدم قوله بالتكرار فلعله يدعي التبادر في الفور ويقول أن العقلاء يذمون العبد المسوف لامتثال
المولى في النهي وأما على ما ذكرنا من إخراج الكلام عن الاغراء بالجهل فيلزم القول بالفور أيضا قانون
اختلف العلماء في جواز اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد وموضع النزاع ما إذا كان الوحدة بالشخص لكن
مع تعدد الجهة وأما الواحد بالشخص الذي لم يتعدد الجهة فيه بأن يكون مأمورا لهما من جهة واحدة
فهو مما لا نزاع في عدم جوازه إلا عند بعض من يجوز التكليف بالمحال وربما منعه بعضهم تمسكا بأن
هذا التكليف محال لا أنه تكليف بالمحال ولعله نظر إلى كون الامر والطلب مسبوقا بالإرادة واجتماع
إرادة الفعل والترك محال وأما الواحد بالجنس فهو أيضا مما لا نزاع في جواز الاجتماع فيه بالنسبة إلى
أنواعه وأفراده كالسجود لله تعالى وللشمس والقمر وإن منعه بعض المعتزلة أيضا نظرا إلى جعل الحسن و
القبح من مقتضيات المهية الجنسية وهو في غاية الضعف وكما أن المخالف الأول أفرط فهذا قد فرط
ثم إن القول بجواز الاجتماع هو مذهب أكثر الأشاعرة والفضل بن شاذان رحمه الله من قدمائنا وهو الظاهر
من كلام السيد رحمه الله في الذريعة وذهب إليه جملة من فحول متأخرينا كمولانا المحقق الأردبيلي وسلطان
العلماء والمحقق الخوانساري وولده المحقق والفاضل المدقق الشيرواني والفاضل الكاشاني والسيد
الفاضل صدر الدين وأمثالهم رحمهم الله تعالى بل ويظهر من الكليني حيث نقل كلام الفضل بن شاذان
في كتاب الطلاق ولم يطعن عليه رضائه بذلك بل ويظهر من كلام الفضل ان ذلك كان من مسلمات
الشيعة وإنما المخالف فيه كان من العامة كما أشار إلى ذلك العلامة المجلسي رحمه الله في كتاب بحار الأنوار
أيضا وانتصر هذا المذهب جماعة من أفاضل المعاصرين والقول بعدم الجواز هو المنقول عن أكثر
أصحابنا والمعتزلة وهذه المسألة وإن كانت من المسائل الكلامية ولكنها لما كانت يتفرع عليها
كثير من المسائل الفرعية ذكرها الأصوليون في كتبهم فنحن نقتفي أثارهم في ذلك والذي يقوى في نفسي و
يترجح في نظري هو جواز الاجتماع وقد جرى ديدنهم في هذا المقام بالتمثيل بالصلاة في الدار المغصوبة
فإن المفروض انها شئ واحد شخصي ومحط البحث فيها هو الكون الذي هو جزء الصلاة فهذا الكون
هو شئ واحد فإنه هو الذي يحصل به الغصب ويحصل به جزء الصلاة فهذا الكون شئ واحد له
جهتان فمن حيث إنه من أجزاء الصلاة مأمور به ومن حيث أنه تصرف في مال الغير وغصب
منهي عنه لنا على الجواز وجوه الأول أن الحكم إنما تعلق بالطبيعة على ما أسلفنا لك تحقيقه فمتعلق
الامر طبيعة الصلاة ومتعلق النهي طبيعة الغصب وقد أوجدهما المكلف بسوء اختياره في شخص واحد
140

ولا يرد من ذلك قبح على الآمر لتغائر متعلق المتضادين فلا يلزم التكليف بالمتضادين ولا كون الشئ
الواحد محبوبا ومبغوضا من جهة واحدة فإن قلت الكلي لا وجود له إلا بالفرد فالمراد بالتكليف
بالكلي وهو إيجاد الفرد وإن كان متعلقا بالكلي على الظاهر وما لا يمكن وجوده في الخارج يقبح التكليف
بإيجاده في الخارج قلت إن أردت عدم إمكان الوجود في الخارج بشرط لا فهو مسلم ولا كلام لنا فيه و
إن أردت استحالة وجوده لا بشرط فهو باطل جزما لان وجود الكلي لا بشرط لا ينافي وجوده مع ألف
شرط فإذا تمكن من إتيانه في ضمن فرد فقد تمكن من إتيانه لا بشرط غاية الامر توقف حصوله في الخارج
على وجود الفرد والممكن بالواسطة لا يخرج عن الامكان وإن كان ممتنعا بدون الواسطة وهذا كلام
سار في جميع الواجبات بالنسبة إلى المقدمات فالفرد هنا مقدمة لتحقق الكلي في الخارج فلا غائلة في
التكليف به مع التمكن عن المقدمات فإن قلت سلمنا ذلك لكن نقول إن الامر بالمقدمة اللازم
من الامر بالكلي على ما بنيت عليه الامر يكفينا فإن الامر بالصلاة أمر بالكون والامر بالكون أمر بهذا
الكون الخاص الذي هو مقدمة الكون الذي هو جزء الصلاة فهذا الكون الخاص مأمور به وهو بعينه
منهي عنه لأنه فرد من الغصب والنهي عن الطبيعة يستلزم النهي عن جميع افراده ولو كان ذلك أيضا
من باب مقدمة الامتثال بمقتضى النهي فإن مقدمة الحرام حرام أيضا فعاد المحذور وهو اجتماع الامر و
النهي في شئ واحد شخصي قلت نمنع أولا وجوب المقدمة ثم نسلم وجوبه التبعي الذي بيناه في موضعه
ولكن غاية الامر حينئذ توقف الصلاة على فرد ما من الكون لا الكون الخاص الجزئي وإنما اختار المكلف
مطلق الكون في ضمن هذا الشخص المحرم فإن قلت نعم لكن ما ذكرت من كون الامر بالكلي مقتضيا
للامر بالفرد يقتضي كون كل واحد مما يصدق عليه فرد ما مأمورا به من باب المقدمة أيضا والامر وإن
لم يتعين تعلقه بالكون الخاص عينا لكنه تعلق به تخييرا فعاد المحذور لان الوجوب التخييري أيضا بقبح
اجتماعه مع الحرام قلت أما أولا فهذا ليس بواجب تخييري كما حققنا لك في مبحث الواجب التخييري و
إلا لم يبق فرق بين الواجبات العينية والتخييرية وحاصله أن التخيير في أفراد الواجب العيني بحكم العقل
ووجوب الافراد فيه تابع لوجوب الكلي والامر في التخييري بالعكس فوجوب الافراد في العيني توصلي ولا
مانع من اجتماعه مع الحرام كما يعترف به الخصم وثانيا إنا نمنع التخيير بين كل ما يصدق عليه الفرد
بل نقول إذا أمر الشارع بالكلي فإن انحصر في فرد أو انحصر الفرد المباح في فرد فيصير الفرد والشخص أيضا
عينيا كأصل الكلي وإلا فإن كان الكل مباحا فالتخيير بين الجميع وإلا ففي الافراد المباحة فليس ذلك
الفرد الغير المباح مطلوبا ولكنه لا يلزم منه بطلان الطبيعة الحاصلة في ضمنه لان الحرام قد يصير
141

مسقطا عن الواجب في التوصليات بل التحقيق أن قولهم ان الواجب التوصلي يجتمع مع الحرام على مذاق
الخصم لا بد أن يكون معناه أنه مسقط عن الواجب لا أنه واجب وحرام كما لا يخفى وقد حققنا لك في مقدمة
الواجب أن المقدمة التي هي موضع النزاع في الوجوب وعدمه هي المقدورات المباحة التي كانت من أفعال
المكلف وإلا فقد يصير مقدمة الواجب شيئا غير مقدور بل من غير فعل المكلف مثل غسل الثوب الذي
حصل من الغير من دون إطلاعه وقد يكون شيئا حراما ويتم الواجب به فغاية الامر سقوط التكليف هنا
بسبب حصول الطبيعة في الخارج وذلك لا يستلزم كون المقدمة مطلقا مطلوبا للآمر وكل واحد مما
يمكن أن يتحقق به الواجب واجبا تخييريا نعم لو فرض انحصار تحقق الصلاة مثلا في الدار المغصوبة فنحن
أيضا نقول بامتناع الاجتماع فلا بد إما من الوجوب أو التحريم فإن قلت هذا إنما يتم على القول بوجود الكلي
الطبيعي وهو ممنوع قلت مع أن الثابت في موضعه عن المحققين هو الوجود قد بينا لك في مسألة تعلق
الامر بالكلي المناص عن ذلك على القول بعدمه أيضا فإن قلت القدر المشترك الانتزاعي من الافراد التي
من جملتها المحرم كيف يجوز طلبه وكيف يمتاز عن الحرام ويتخلص عنه قلت إن ماهية الصلاة المنتزعة
من الافراد إنما هي منتزعة عنها باعتبار أنها أفراد للصلاة لا باعتبار أنها غصب والمنتزع عنها من
هذا الاعتبار هو ماهية الغصب الثاني أنه لو لم يجز ذلك لما وقع في الشرع وقد وقع كثيرا منها العبادات
المكروهة فإن الاستحالة المتصورة إنما هي من جهة اجتماع الضدين والاحكام الخمسة كلها متضادة بالبديهة
فلو لم يكن تعدد الجهة في الواحد الشخصي مجديا للزم القبح والمحال وهو محال على الشارع الحكيم مع أن هذا
يدل على المطلوب بطريق أولى إذ النهي في المكروهات تعلق بالعبادات دون ما نحن فيه وبعبارة أخرى
المنهي عنه بالنهي التنزيهي أخص من المأمور به مطلقا بخلاف ما نحن فيه فإن النسبة بينهما فيما نحن فيه
عموم من وجه ومن كل ذلك ظهر أن العقل لا يدل على امتناع الاجتماع في المنهي عنه تحريما أيضا لو كان أخص
من المأمور به مطلقا أيضا وإن أمكن إثباته من جهة فهم العرف كما سنحققه إنشاء الله تعالى ولذلك أفرد الأصوليون
الكلام في المسئلتين وما نحن فيه أشبه بالمقاصد الكلامية وإن كان لادراجه في المسائل الأصولية
أيضا وجه ولكن المسألة الآتية أنسب بالمسائل الأصولية لابتنائه على دلالة الألفاظ وإن كانت راجعة
إلى الأصول الكلامية أيضا على بعض الوجوه فلنرجع إلى تحرير الدليل ونقول معنى قول الشارع لا تصل في الحمام
ولا تتطوع وقت طلوع الشمس إن ترك هذه الصلاة أرجح من فعلها كما هو معنى المكروه مع أنها
واجبة أو مستحبة ومعنى الوجوب والاستحباب هو رجحان الفعل إما مع المنع من الترك أو عدمه ورجحان
الترك ورجحان الفعل متضادان لا يجوز اجتماعهما في محل واحد وقد أجيب عن ذلك بوجوه الأول إن
142

المناهي التنزيهية راجعة إلى شئ خارج من العبادة بخلاف التحريمية بحكم الاستقراء فالنهي عن الصلاة
في الحمام إنما هو عن التعرض للرشاش وفي معاطن الإبل عن إنفار البعير وفي البطايح عن تعرض السيل
ونحو ذلك فلم يجتمع الكراهة والوجوب وفيه أولا منع هذا الاستقراء وحجيته وثانيا أن معنى كراهة
تعرض الرشاش أن الكون في معرض الرشاش مكروه وهذا الكون هو بعينه الكون الحاصل في الصلاة
فلا مناص عن اجتماع الكونين في كون واحد وإن قلت أن مطلق الكون في معرض الرشاش لا كراهة فيه
إنما المكروه هو التعرض له حال الصلاة قلت أن المعنى حينئذ أن الصلاة في الحمام منهي عنها لكونها معرض
الرشاش فالنهي أيضا تعلق بالصلاة وعاد المحذور وإن قلت أن مطلق التعرض للرشاش مكروه و
النهي عن الصلاة في الحمام لأنه من مقدماته وعلله فيعود المحذور أيضا وثالثا أن الفرق بين قولنا
لا تصل في الحمام ولا تصل في الدار المغصوبة تحكم بحت قلنا ان نقول أن حرمة الصلاة في الدار المغصوبة
إنما هو لأجل التعرض للغصب وهو خارج عن حقيقة الصلاة واتحاد كون الغصب مع كون الصلاة
ليس بأوضح من اتحاد كون التعرض للرشاش مع كون الصلاة ورابعا أن هذا لا يتم في كثير من الحمامات
وفي كثير من الأوقات وتخصيص ما دل على كراهة الصلاة بما لو كان في معرض الرشاش والحكم بعدم
الكراهة في غيرها أيضا في غاية البعد وكون العلة والنكتة هو ذلك في أصل الحكم كرفع أرياح الإباط
في غسل الجمعة لا يستلزم كون الكراهة دائما لذلك كما نشاهد في غسل الجمعة هذا كله فيما ورد من (الشارع)؟
النهي عنه وأما في مثل الصلاة في مواضع التهمة مما يكون من جزئيات عنوان هذا القانون فلا يجري
فيه هذا الكلام فلا بد للخصم أن يقول ببطلانها جزما ولم يعهد ذلك منه ولا مناص له عن ذلك
بوجه فهذا أيضا يدل على بطلان مذهبه الثاني أن المراد بالكراهة هو كونه أقل ثوابا يعني أن الصلاة
في الحمام مثلا أقل ثوابا منها في غيره ومرادهم أن لمطلق الصلاة مع قطع النظر من الخصوصيات ثوابا
وقد يزيد عن ذلك من جهة بعض الخصوصيات كالصلاة في المسجد وقد ينقص كالصلاة في الحمام وقد يبقى
بحاله كالصلاة في البيت فلا يرد ما يقال أنه يلزم من ذلك كون جل العبادات مكروهة لكون بعضها
دون بعض في الثواب فيلزم كراهة الصلاة في مسجد الكوفة مثلا لأنها أقل ثوابا منها في المسجد الحرام
وحاصل هذا الجواب أن مراد الشارع من النهي أن ترك هذه الصلاة واختيار ما هو أرجح منها أحسن
فاترك الصلاة في الحمام واختر الصلاة في المسجد أو البيت وأنت خبير بأن ذلك أيضا مما لا يسمن و
لا يغني فإن الترك المطلوب المتعلق بهذا الشخص من الصلاة من جهة هذا النهي لا يجتمع مع الفعل
المطلوب من جهة مطلق الامر بالصلاة مع أنك اعترفت بأن الخصوصية أوجبت نقصا لهذا الفرد
143

الموجود عن أصل العبادة فمع هذه المنقصة إما أن يطلب فعلها بدون تركها أو تركها بدون فعلها
أو كلاهما فعلى الأول يلزم عدم الكراهة وعلى الثاني عدم الوجوب وعلى الثالث يلزم المحذور وان
قلت أن المراد بالنهي ليس هو الطلب الحقيقي بل هو كناية عن بيان حال الفعل بأنه أقل ثوابا عن غيره
فلا طلب حتى يلزم اجتماع الأمر والنهي قلت مع أن هذا تعسف بحت لا يجدي بالنسبة إلى نفس الامر
فنقول مع قطع النظر عن دلالة هذا النهي على طلب الترك فهل هذا الفعل في نفس الامر مطلوب الفعل أو
مطلوب الترك أو مجتمعهما إلى آخر ما ذكرنا على أنا نقول ترك الفرد لكونه أقل ثوابا واختيار ما هو أعلى
منه إنما يصح فيما له بدل من العبادات وأما في ما لا بدل له كالتطوع في الأوقات المكروهة على القول بها
والتطوع بالصيام في السفر أو الأيام المكروهة فلا يصح ما ذكرت بوجه لان كل آن يسع لصلاة
ركعتين يستحب فيه ركعتان وكذلك كل يوم من الأيام يستحب فيه الصيام وما يقال لان الاحكام واردة
على طبق المعتاد وعادة أغلب الناس بل كاد أن يكون كلهم عدم استغراق أوقاتهم بالنوافل فإن كان
المراد منه أنه لم يكلف في هذا الوقت الذي يصلي فيه بدلا عن الصلاة المكروهة بنافلة وهذا الذي يوقعها
فيه هو الصلاة التي كانت وظيفة الوقت المرجوح فهذا ليس بأولى من أن يقال أن هذا هو الصلاة التي
هي وظيفة هذا الوقت ولم يكلف في الوقت المكروه بصلاة وإن كان المراد أنه لما علم الشارع أنه لا
يستغرق أوقاته بالنوافل فقال له لا تصل وظيفة هذا الوقت المكروه وصل وظيفة الوقت الاخر فهذا
اعتراف منك بأن الراجح ترك الصلاة المكروهة من دون بدل مع أن هذا الكلام في مثل صوم يوم
الغدير وأول رجب وأيام البيض والأيام المخصوصة من شعبان وغيرها كما ترى فإن صوم مثل الغدير
الذي يتفق مرة في عرض السنة ليس مما يخالف العادة ويترقبه المؤمنون بل يتبرك به الفساق ومع ذلك
ينهى عنه الشارع في السفر ولا يريد منه بدله الذي لا وجود له أصلا بل لا معنى له مطلقا كما عرفت فإن قلت فما
تقولون أنتم في العبادات المكروهة فهل يترجح فعلها على تركها أو بالعكس قلت المناهي التي وردت
عن العبادات تنزيها كلها إنما تعلقت بها باعتبار وصفها وليس فيها ما تعلقت بذاتها وإن فرضت
تعلقها بذاتها مثل أن تقول ان قرائة القرآن مكروهة للحائض على التقريب الذي سنبينه في جعل صلاة
الحائض من جملة ما نهي عنه لذاتها فلا إشكال عندنا في رجحان تركها ومرجوحية فعلها ولا حاجة فيه
إلى تكلف أصلا وإما لم نحكم صريحا بكونها كالصلاة لاحتمال أن يقال أن المنهي عنه هو قرائة ما زاد
على سبع أو سبعين فيرجع إلى النهي باعتبار الوصف أيضا والحاصل أن المفروض إن كان المتعلق
بالذات فقد عرفت وإلا فلنا أن نقول برجحان الفعل على الترك وبالمرجوحية ولا إشكال في أحد
144

منهما العقل لا يستبعد من أن يكون لأصل العبادة مع قطع النظر عن الخصوصيات رجحان و
للخصوصية التي تحصل معها في فرد خاص مرجوحية من جهة تلك الخصوصية وهذه المرجوحية قد توازي
الرجحان الثابت لأصل العبادة وتساويه أو تزيد عليه أو تنقص عنه فعلى الأول يصير متساوي الطرفين
وعلى الثاني يصير تركه راجحا على فعله وعلى الثالث بالعكس ففيما له بدل من العبادات كالصلاة في الحمام
فلا إشكال لان النهي عن الخصوصية لا يستلزم طلب ترك الماهية فنختار غير هذه الخصوصية سواء
فيه الأقسام الثلاثة المتقدمة وأما فيما لا بدل له كالصيام في الأيام المكروهة والنافلة في الأوقات المكروهة
فنقول هي إما مباحة أو مكروهة على ما هو المصطلح فيكون تركه راجحا على فعله بل الثاني هو المتعين
هناك لئلا يخلو النهي عن الفائدة على ظاهر اللفظ فيغلب المرجوحية الحاصلة بسبب الخصوصية على
الرجحان الحاصل لأصل العبادة ويرفعه ولذلك كان المعصومون عليهم الصلاة والسلام يتركون
تلك العبادات وينهون عنها وإلا فلا معنى لتفويتهم عليهم السلام تلك الرجحان والمثوبة على أنفسهم وعلى شيعتهم
بمحض كونها أقل ثوابا من سائر العبادات سيما إذا لم يتداركه بدل كما عرفت في دفع التوجيه المتقدم
فإن قلت فكيف يمكن بها نية التقرب وكيف يصير ذلك عبادة مع أن العبادة لا بد فيها من
رجحان جزما قلت أن القدر المسلم في اشتراط الرجحان إنما هو في أصل العبادات وماهيتها وأما
لزوم ذلك في جميع الخصوصيات فلم يثبت وأما قصد التقرب فهو أيضا يمكن بالنسبة إلى أصل العبادة و
إن كان لم يحصل القرب لعدم استلزام قصد التقرب حصول القرب وإلا فلا يصح أكثر عباداتنا التي لا
ثواب فيها أصلا لو لم نقل بأن فيها عقابا من جهة عدم حضور القلب ووقوع الخزازات الغير المبطلة
على ظاهر الشرع فيها مع أن قصد التقرب لا ينحصر معناه في طلب القرب والزلفى والوصول إلى الرحمة
فإن من معانيه موافقة أمر الامر فهذه العبادة من حيث أنها موافقة لأمر الامر يمكن قصد التقرب
بها وإن لم يحصل القرب بها من جهة مزاحمة منقصة الخصوصية ألا ترى أن الإمام موسى بن جعفر
عليهما الصلاة والسلام كان يترك النوافل إذا اهتم أو اغتم كما ورد في الروايات وأفتى بمضمونه في
الذكرى فترك التكلم والمخاطبة مع الله سبحانه متكاسلا ومتشاغلا أولى من فعله ولذلك ارتكبه
الإمام عليه السلام ولو كان مع ذلك فيه رجحان لكان تركه بعيدا عن مثله سيما متكررا وسيما في مثل الرواتب
المتأكدة غاية التأكيد المتممة للفرائض ومع ذلك فلا ريب في صحتها لو فعل بهذه الحالة وجواز
قصد التقرب بها وأما الفرائض فعدم جواز تركها مع ذلك فإنما هو لحماية الحمى ولئلا يفتح سبيل
تسويل النفس ومكيدة الشيطان فيما هو بمنزلة العمود لفسطاط الدين فإن أكثر أحكام الشرع
145

من هذا الباب كتشريع العدة مطلقا وإن كان العلة فيها عدم اختلاط الأنساب فلعل صورة
العبادة تكفي في صحة قصد التقرب ما لم يثبت له مبطل من الخارج وإن لم يكن مما يحصل له ثواب في
الخارج فحينئذ فإن ورد في أمثال هذه العبادات المكروهة معارض فلا بد من طرحها كما ورد في بعض
الاخبار الضعيفة أن الإمام عليه السلام صام في السفر في شعبان مع أنه ليس بصريح في كونه مندوبا
بل ربما كان منذورا بقيد السفر أو غير ذلك من الاحتمالات فاما لا بد من نفي الكراهة فيما لا بدل له
أو من القول برجحان تركه مطلقا والأظهر في صوم السفر الكراهة وفي التطوع في الأوقات المكروهة العدم
ففيما يثبت الكراهة فالكلام فيه ما مر وفيما لم يثبت فلا إشكال الثالث أن المراد بكراهة العبادات
مرجوحيتها بالنسبة إلى غيرها من الافراد وسماه بعضهم بخلاف الأولى فرجحانها ذاتية والمرجوحية
إضافية ولا منافاة بينهما كالقصر في المواطن الأربعة فهو مرجوح بالنسبة إلى التمام مع كونه أحد فردي
الواجب المخير وكما أنه يجتمع الوجوب النفسي مع الاستحباب للغير كاستحباب غسل الجنابة للصلاة
المندوبة على القول بوجوبه لنفسه وكذلك الوجوب الغيري مع الاستحباب النفسي على القول الآخر
فكذا يجتمع الرجحان الذاتي مع الكراهة للغير كصلاة الصائم مع انتظار الرفقة والمكروهات للغير كثيرة
مثل الاتزار فوق القميص للصلاة ومصاحبة الحديد البارز لها ونحوهما وفيه أن المراد بالمرجوحية
الإضافية إن كانت مع حصول منقصة في ذاتها أيضا يستحق الترك بالنسبة إلى ذاتها أيضا فيعود المحذور
وإلا فيصير معناه كون الغير أفضل منه وأرجح وحينئذ فنقول ذلك الغير ربما يكون مما يوازي أصل
الطبيعة في الثواب فيصير ما نحن فيه مرجوحا بالنسبة إلى أصل الطبيعة أيضا فيحصل بذلك لهذا
الفرد أيضا منقصة ذاتية لا يقال ان هذه المنقصة إنما هي من جهة الخصوصية لا من جهة أصل العبادة
لان ذلك خلاف أصل المجيب فإن مبناه عدم اعتبار تعدد الجهة ثم إن الكلام لا يتم في غير هذه
الصورة أيضا أعني ما كان مرجوحا بالنسبة إلى سائر الافراد التي لها مزية على أصل الطبيعة ولا يجدي
ما ذكره المجيب إذ نقول حينئذ بعد تسليم كونه راجحا بالذات ومرجوحا بالنسبة إلى الغير فإما أن يكون
فعل ذلك مطلوبا أو تركه أو كلاهما إلى آخر ما ذكرنا في رد الجواب الثاني فإن قلت مطلوب فعله
لذاته ومطلوب تركه من جهة أنه مفوت للمصلحة الزايدة الحاصلة في الغير فقد كررت على ما
فررت عنه فإن المطلوب شئ واحد ولا يعتبر عندك تعدد الجهة فإن قلت
لما جاز الفعل والترك معا فلا يلزم التكليف
بالمحال قلت انا نتكلم فيما لو أراد الفعل واختار الفرد المرجوح وجواز الفعل والترك لا يجوز اجتماع
146

المتضادين في صورة اختياره وهو واضح مع أنه لا فارق بين قولنا لا تصل في الدار المغصوبة ولا تصل
في الحمام فاعتبر فيه الرجحان الذاتي والمرجوحية الإضافية أيضا وما يقال أن الفارق أن الصلاة ثمة
(عين)؟ الغصب وهيهنا غير الكون في الحمام مع ما فيه من التكليف الواضح وإن ذلك إنما هو بعد تسليم أن
الاتحاد في الوجود الخارجي يوجب ارتفاع الاثنينية في الحقيقة يرد عليه أن ذلك مبني على الخلط بين
ما عنون به القانون وبين ما سيجئ فيما بعد فالنهي ثمة تعلق بالصلاة في الدار المغصوبة لا بالصلاة
لأنها غصب بعينها والغصب منهي عنه والذي ذكرناه من النقض انما كان من باب الأولوية والاكتفاء
بلزوم اجتماع المتنافيين مطلقا وليس مثالنا في العبادة المكروهة مطابقا في النوع ولزم مما ذكرنا
القول بذلك فيما لو كان المنهي عنه أخص من المأمور به أيضا وإن شئت تطبيق المثال على المقامين
فطابق بين قولنا صل ولا تغصب وبين قولنا ولا تكن في مواضع التهمة وطابق بين قولنا لا تصل
في الحمام ولا تصل في الدار المغصوبة فإن كنت تقدر على أن تقول ان المرجوحية في الصلاة في مواضع التهم
إضافية بالنسبة إلى غيرها في المثال الأول فنحن أقدر بأن نقول مرجوحية الصلاة في الدار الغصبية
إضافية بالنسبة إلى الصلاة في غيرها في المثال الثاني والنقض الأول الذي أوردناه في الاستدلال إنما هو بالفقرة
الأولى من المثال الثاني على الفقرة الأولى من المثال الأول والمعارضة التي ذكرناها في دفع جوابك إنما
هو بالفقرة الثانية من المثال بالنسبة إلى ما ذكرته في الفقرة الأولى منه وما دفعت به المعارضة
يناسب لو أردنا بالمعارضة المعارضة بالفقرة الأولى من المثال الأول بالنسبة إلى الفقرة الأولى
من المثال الثاني قوله وكما أنه يجتمع إلخ فيه أنه رجوع عن أول الكلام فإن المرجوحية بالنسبة إلى الغير غير
المرجوحية للغير وكذلك الوجوب والاستحباب وقد اختلطا في هذا المقام ويشهد به التشبيه بالغسل
(مطلقا والذي ذكرته في رفع تلك المعارضة لو تم فإنما يناسب فيما لو كان بينهما عموما وخصوصا صح)
والتمثيل بالاتزار مع أن الكلام في الواجب النفسي والغيري أيضا هو الكلام فيما نحن فيه وهو أيضا
من المواضع التي أشرنا إلى ورودها في الشرع بملاحظة اعتبار الجهة ولا يصح ذلك إلا بهذه الملاحظة
مع أن الاستحباب النفسي على القول بالوجوب لغيره إنما هو إذا لم يدخل وقت مشروط بالطهارة
وبعد دخوله فيجب للغير فيختلف الزمان وأما على القول الاخر فالاستحباب الغيري معناه أنه يستحب
أن يكون هذا الفعل في حال كون المكلف مغتسلا لا أنه يستحب الغسل له إلا أن يقال استحباب الفعل
في حال الغسل لا يتم إلا بالغسل وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب فيستحب الغسل فالمناص هو
اعتبار تعدد الجهة وإلا فلا يصح التكليف لان المكلف به على مذهب المجيب هو الفرد وهو شئ واحد
شخصي لا تعدد فيه (أصلا) ومن المواضع التي ذكرناها هو الصلاة في المسجد فإن المستحب والواجب
147

أيضا متضادان وكذلك أفضل أفراد الواجب التخييري فإنه واجب من حيث كونه فردا من الكلي و
مستحب من حيث الشخص وما أدري ما يقول المجيب هنا (قبالا)؟ لما ذكره في الفرد المرجوح اللهم الا ان
يقول الفرد الأفضل راجح بالنسبة إلى الفرد الاخر وإن كان فاقدا لذلك الرجحان والمزية الموجودة في
الأفضل بالنظر إلى أنه أحد فردي المخير لا بالنسبة إلى ذاته فحينئذ يخرج عن المقابلة ومنها ما ورد في الأخبار الكثيرة
وأفتى به الفقهاء من تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة وكذلك الوضوءات ونحو ذلك
واضطرب فيه كلام الأصحاب في توجيه هذا المقام وذهب كل منهم إلى صوب والكل بعيد عن الصواب
وأما على ما اخترناه فلا إشكال وقد بينا ذلك في كتاب مناهج الاحكام الثالث أن السيد إذا
أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان فإنا نقطع أنه
مطيع عاص لجهتي الامر بالخياطة والنهي عن الكون وأجيب عنه بأن الظاهر في المثال المذكور إرادة
تحصيل خياطة الثوب بأي وجه اتفق سلمنا لكن المتعلق فيه مختلف فإن الكون ليس جزء من مفهوم
الخياطة بخلاف الصلاة سلمنا لكن نمنع كونه مطيعا والحال هذه ودعوى حصول القطع بذلك في
حيز المنع حيث لا نعلم إرادة الخياطة كيفما اتفقت وفيه أن هذا الكلام بظاهره مناقض لمطلب المجيب
من تعلق الحكم بخصوصية الفرد فإن إرادة الخياطة بأي وجه اتفق هو معنى كون المطلوب هو الطبيعة
وأيضا فإنما الكلام في جواز اجتماع الأمر والنهي في نفس الامر عقلا وعدمه والظهور من اللفظ لا يوجب
جوازه إذا كان مستحيلا عقلا اللهم إلا أن يقال مراد المجيب أن وجوب الخياطة توصلي ولا مانع من
اجتماعه مع الحرام وهذا معنى قوله بأي وجه اتفق وفيه ما أشرنا من أن المحال وارد على مذهب المجيب
في صورة الاجتماع توصليا كان الواجب أو غيره نعم يصير الحرام مسقطا عن الواجب لا أن الواحد
يصير واجبا وحراما وليس مناط الاستدلال نفس الصحة بأن يتمسك بها في جواز الاجتماع حتى يجاب
بالانفكاك في التوصلي ويقال بأنه صحيح من أجل إسقاط الحرام ذلك لا لجواز الاجتماع فلا يدل مطلق
الصحة على جواز الاجتماع مطلقا بل مناطه أن الامتثال العرفي للامر بنفسه شاهد على جواز الاجتماع وكلام
المستدل من قوله مطيع عاص من جهتي الأمر والنهي صريح في أن حصول الإطاعة من جهة موافقة
الامر لا لان الحرام مسقط عن الواجب فلا فايدة في هذا الجواب وبالجملة فالقول باجتماع الواجب
التوصلي مع الحرام على مذهب المجيب إنما يصح إذا أريد به سقوط الواجب عنه بفعل الحرام وأما على
المذهب المنصور فيصح بإرادة ذلك وإرادة حصول الإطاعة من جهة كونه من أفراد المأمور به في
بعض الأحيان أيضا هذا كله مع ما ذكرنا من أن وجوب الفرد من باب المقدمة فيكون هو أيضا
148

توصليا سيما ومحل البحث الذي هو الكون الذي هو جزء الصلاة وجوبه بالنسبة إلى أصل (للصلاة توصلي) فما
ذكرنا في مقدمة الواجب نعم قد يحصل للجزء وجوب غيري أيضا كما أشرنا في ذلك المبحث وبسببه يختلف
الحكم قوله فإن الكون ليس جزء من مفهوم الخياطة فيه إن إنكار كون تحريك الإصبع وإدخال
الإبرة في الثوب وإخراجه عنه جزء للخياطة والفرق بينه وبين حركات القيام والركوع والسجود مكابرة
ولعله حمل الكون في كلام المستدل على خصوص الكون الذي هو من لوازم الجسم فإنه هو الذي يمكن منع
جزئيته كما يمكن منع ذلك في الصلاة أيضا ولا ريب أن مراد المستدل المنع من جميع صور الكون
في هذا المكان أو ما يشتمل عليه الخياطة لينطبق على مدعاه قوله حيث لا نعلم إرادة الخياطة كيفما
اتفقت فيه أن أهل العرف قاطعون بأنه ممتثل حينئذ ولو عاقبه المولى على عدم الامتثال من جهة
الخياطة لذمه العقلاء أشد الذم ولكن لو عاقبه على الجلوس في المكان لم يتوجه عليه ذم نعم لو علم
أن مراده الخياطة في غير هذا المكان وان الخياطة في هذا المكان ليست مطلوبة لكان لما ذكره
وجه وأما بمجرد عدم العلم بإرادة الخياطة كيفما اتفقت فمنع الامتثال بعد ملاحظة فهم العرف
مكابرة ومع ذلك كله فذلك مناقشة في المثال فلنمثل بما ذكره بعض المدققين بأمر المولى عبده
بمشي خمسين خطوة في كل يوم ونهاه عن الدخول في الحرم فإذا مشى المقدار المذكور إلى داخل الحرم
يكون عاصيا مطيعا من الجهتين احتجوا بأن الامر طلب لايجاد الفعل والنهي طلب لعدمه فالجمع
بينهما في أمر واحد ممتنع وتعدد الجهة غير مجد مع اتحاد المتعلق إذ الامتناع إنما نشاء من لزوم اجتماع
المتنافيين في شئ واحد وذلك لا يندفع إلا بتعدد المتعلق بحيث يعد في الواقع أمرين هذا مأمور
به وذلك منهي عنه ومن البين أن التعدد في الجهة لا يقتضي ذلك والكون الحاصل في الصلاة
في الدار المغصوبة شئ واحد ويمتنع أن يكون مأمورا به ومنهيا عنه فتعين بطلانها وأيضا
كيف يجوز على الله تعالى أن يقول للمصلي إذا أراد الصلاة في الدار المغصوبة لا تركع فإذا ركعت
لعاقبتك ويقول أيضا اركع هذا أو غيره وإلا لعاقبتك أقول ويظهر الجواب عن ذلك بالتأمل
فيما مر ونقول هيهنا أيضا قوله فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع إن أراد أن المر بالصلاة من حيث
أنه هو هذا الفرد الذي بعينه هو الغصب والنهي عن الغصب الذي بعينه هو الكون الحاصل في الصلاة
ممتنع الاجتماع فهو كما ذكره لكن الأمر والنهي لم يرد إلا مطلقين والحاصل أن جهتي الأمر والنهي هنا
تقييديتان لا تعليليتان كما أشار إليه بعض المحققين وما ذكره من عدم اجداء تعدد الجهة
ممنوع قوله بحيث يعد في الواقع أمرين إن أراد بذلك لزوم تعددهما في الحس ففيه منع ظاهر وإن
149

أراد مطلق التعدد فلا ريب أنهما متعددان ولم ينتف إحدى الحقيقتين في الخارج بسبب اتحاد الفرد و
لم يصيرا شيئا ثالثا أيضا بل هما متغايران في الحقيقة متحدان في نظر الحس في الخارج وذلك كاف في
اختلاف المورد وقد عرفت ورودها في الشرع في غاية الكثرة فإن الجنب الذي يغتسل يوم الجمعة غسلا
واحدا عن الجنابة والجمعة يجوز ترك هذا الغسل له من حيث أنه جمعة ولا يجوز تركه من حيث أنه جنابة
ولا تعدد في الخارج في نظر الحس مطلقا وكذلك المكروهات وغيرها مما مر قوله وأيضا كيف يجوزاه قد
عرفت أن الشارع لا يقول له لا تركع ولا أركع هذا أو غيره بل يقول لا تغصب ويقول اركع ولا يقول
اركع هذا الركوع لما مر أن التخيير اللازم باعتبار وجوب المقدمة إنما هو بالنسبة إلى الافراد المباحة
نعم ذلك مسقط عن المباح كما أشرنا والتكليف الباقي في حال الفعل على تسليم تعلقه حال الفعل إنما
هو بإتمام مطلق المكلف به لا مع اعتبار الخصوصية وبشرطها فلا يرد أنه يستلزم مطلوبية الفرد
الخاص فإن قلت أن الحكيم العالم بعواقب الأمور المحيط بجميع أفراد المأمور به كيف يخفى عليه هذا
الفرد فإذا كان عالما به فمقتضى الحكمة أنه لا يريده فلا يكون من أفراد المأمور به فيكون باطلا قلت لعل
هذا البحث استدراك من أجل ما ذكرنا من كون دلالة الواجب على مقدماته تبعيا ومن باب
الإشارة وأن محاورات الشارع على طبق محاورات العرف والمعتبر في الدلالة هو المقصود من اللفظ
وهو استدراك حسن لكنا نجيب عنه بأن المأمور به إيجاد الطبيعة لا الفرد ولا نقول نحن أن هذا
الفرد مما أمر به الشارع وإيجاد الطبيعة لا يستلزم خصوصية هذا الفرد فإن قلت نعم لكن لما رخص
الشارع في إيجاد الطبيعة مطلقا وأمرنا بإيجادها في ضمن الافراد من باب المقدمة فلا بد أن يكون
إيجادها في ضمن هذا الفرد مستثنى من الايجادات قلت كاشفا للحجاب عن وجه المطلوب و
رافعا للنقاب عن السر المحجوب أنه لا استحالة في أن يقول الحكيم هذه الطبيعة مطلوبي ولا أرضى
يإيجادها في ضمن هذا الفرد أيضا ولكن لو عصيتني وأوجدتها فيه لعاقبتك لما خالفتني في كيفية
الايجاد لا لأنك لم توجد مطلوبي لان ذلك الامر المنهي عنه شئ خارج عن العبادة فهذا معنى
مطلوبية الطبيعة الحاصلة في ضمن هذا الفرد لا أنها مطلوبة مع كونها في ضمن الفرد فقد أسفر
الصبح وارتفع الظلام فإلى كم قلت وقلت ومن ذلك يظهر الجواب عن الاشكال في نية التقرب
لان قصد التقرب إنما هو في الاتيان بالطبيعة لا بشرط الحاصلة في ضمن هذا الفرد لا بإتيانه في
ضمن هذا الفرد الخاص المنهي عنه ثم أن هيهنا تنبيهين الأول أن مقتضى عدم جواز اجتماع
الأمر والنهي في شئ واحد عدم إمكان كون الشئ الواحد مطلوبا ومبغوضا وأما اقتضاء ذلك
150

تخصيص الامر بالنهي والحكم بالبطلان دون العكس فكلا فإن قول الشارع صل مطلق والامر يقتضي الاجزاء
في ضمن كل ما صدق عليه المأمور به كما مر وقوله لا تغصب أيضا مطلق يقتضي حرمة كل ما صدق عليه أنه
غصب والقاعدة المبحوث عنها بعد استقرارها على عدم الجواز لا يقتضي إلا لزوم إرجاع أحد العامين
إلى الاخر فما وجه تخصيص الامر والقول بالبطلان كما اختاروه بل لنا أن نقول الغصب حرام إلا إذا كان
كونا من أكوان الصلاة كما تقول الصلاة واجبة إلا إذا كانت محصلة للغصب ولذلك ذهب بعض
المتأخرين إلى الصحة مع القول بعدم جواز الاجتماع في أصل المسألة ويؤيده بعض الأخبار الدالة على أن
للناس من الأرض حقا في الصلاة فلا بد من الرجوع إلى المرجحات الخارجية وقد ذكروا في وجه ترجيح النهي
وجوها منها أن دفع المفسدة أهم من جلب المنفعة وهو مطلقا ممنوع إذ في ترك الواجب أيضا مفسدة
إذا تعين ومنها أن النهي أقوى دلالة لاستلزامه انتفاء جميع الافراد بخلاف الامر وقد مر ما يضعفه في
مبحث تكرار النهي ومنها ما يقال أن الاستقراء يقتضي ترجيح محتمل الحرمة على محتمل الوجوب كحرمة العبادة
في أيام الاستظهار والتجنب عن الانائين المشتبهين ونحو ذلك وفيه أنه لم يظهر أن هذا الحكم
أمثال ذلك لأجل ترجيح الحرمة على الوجوب بل لعله كان لدليل آخر مع أن الحرمة في الانائين مقطوع
بها بخلافه هنا بل يمكن للقلب بأن الاجتناب عن النجاسة واجب وترك الوضوء حرام مع أن ذلك
الاستقراء على فرض ثبوته لم يثبت حجيته مع معارضته بأصل البراءة وكذلك ما دل من الاخبار على
تغليب الحرام على الحلال معارض بما دل على أصل الإباحة فيما تعارض فيه النصان وبالجملة فلا بد من
مرجح يطمئن إليه النفس ثم الحكم على مقتضاه بالصحة أو البطلان الثاني أن ما عنون به القانون هو
الكلام في شئ ذي جهتين يمكن انفكاك كل منهما عن الاخر وأما ما يمكن الانفكاك عن أحدهما دون
الاخر كقوله صل ولا تصل في الدار المغصوبة فقد مرت الإشارة إلى جواز الاجتماع فيه عقلا ولغة وإن
فهم العرف خلافه وسيجئ الكلام فيه وأما ما لا يمكن الانفكاك عن أحد الطرفين مثل من دخل دار
غيره غصبا ففيه أقوال الأول أنه مأمور بالخروج وليس منهيا عنه ولا معصية في الخروج والثاني أنه
عاص لكن لم يتعلق به النهي عن الخروج والثالث أنه مأمور به ومنهي عنه أيضا ويحصل العصيان
بالفعل والترك كليهما وهو مذهب أبي هاشم وأكثر أفاضل متأخرينا بل هو ظاهر الفقهاء وهو الأقرب
فإنهما دليلان يجب إعمالها ولا موجب للجمع والتقييد إذ الموجب إما فهم العرف كما في العام والخاص
المطلقين على ما أشرنا إليه وسنبينه أو العقل كما لو دخل في دار الغير سهوا فإن الامر بالخروج والنهي
عنه موجب لتكليف ما لا يطاق فهو مأمور بالخروج لاغير وأما فيما نحن فيه فإنه وإن كان يلزم
153

تكليف ما لا يطاق أيضا ولكن لا دليل على استحالته إن كان الموجب هو سوء اختيار المكلف كما
يظهر من الفقهاء في كون المستطيع مكلفا بالحج إذا أخره اختيارا وإن فات استطاعته لا يقال أن
الخروج أخص من الغصب مطلقا وفهم العرف يقتضي الجمع بين العام والخاص إذا كانا مطلقين لأنا
نقول ان الخروج ليس مورد الامر من حيث هو خروج بل لأنه تخلص عن الغصب كما أن الكون في
الدار المغصوبة ليس حراما إلا من جهة أنه غصب والنسبة بين الخروج والغصب عموم من وجه والظاهر
أن ذلك الامر إنما استفيد من جهة كونه من مقدمات ترك الغصب الواجب ومقدمة الترك
أعم من الخروج وإن انحصر أفراده في الخروج بحسب العادة فإن الظاهر أن العام الذي أفراده الموجودة
في الخارج منحصرة في الفرد بحسب العادة بل في نفس الامر أيضا لا يخرج عن كونه عاما في باب التعارض
فلو فرض ورود الامر بالخروج أيضا بالخصوص فالظاهر أنه من جهة أنه الفرد الغالب الوجود لامكان التخلص
بوجه أخر إما بأن يحمله غيره على ظهره ويخرجه من دون اختياره أو غير ذلك فليضبط ذلك فإنه
فائدة جليلة لم أقف على تصريح بها في كلامهم وأما القول الأول فاختاره ابن الحاجب وموافقوه
مستدلين بأنه إذا تعين الخروج للامر دون النهي بدليل يسدل عليه فالقطع بنفي المعصية عنه إذا خرج بما
هو شرطه من السرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضررا إذ لا معصية بإيقاع المأمور به الذي لا نهي
عنه وفيه ما عرفت أنه لا وجه لتخصيص النهي بذلك الامر فالنهي باق بحاله ويلزمه حصول المعصية أيضا
وأما القول الثاني فاختاره فخر الدين الرازي وقال أن حكم المعصية عليه مستصحب مع إيجابه الخروج
وفيه أنه لا معنى للمعصية إلا في ترك المأمور به أو فعل المنهي عنه فإذ لا نهى فلا معصية مع أن النهي أيضا
مستصحب ولا وجه لتخصيصه كما مر ثم يمكن أن يقال على أصولنا أن النزاع بين هذا القول وبين ما اخترناه
لفظي إذ مبنى ما اخترناه من اجتماع الأمر والنهي جعل التكليف من قبيل التكليف الابتلائي والتنبيه
على استحقاق العقاب لا طلبا للترك في نفس الامر مع علم الآمر بأنه لا يمكن حصوله مع امتثال الامر ومراد
المنكر هو طلب حصول الترك في الخارج وقد يوجه كلامه بوجه آخر بعيد قانون اختلف
الأصوليون في دلالة النهي على الفساد في العبادات والمعاملات على أقوال وتحقيق المقام يستدعي
رسم مقدمات الأولى المراد بالعبادات هنا ما احتاج صحتها إلى النية وبعبارة أخرى ما
لم يعلم انحصار المصلحة فيها شئ سواء لم يعلم المصلحة فيها أصلا أو علمت في الجملة واحتياجها إلى
النية وهو قصد الامتثال والتقرب من جهة ذلك فإن امتثال الامر لا يحصل إلا بقصد إطاعته في
العرف والعادة والموافقة الاتفاقية لا تكفي نعم لو علم انحصار المصلحة في شئ خاص فبعد حصوله لا يبقى
154

وجوب الامتثال لكونه لغوا فيسقط الموافقة الاتفاقية الاتيان بالفعل ثانيا لان ذلك هو نفس الامتثال
والمراد بالمعاملات هنا ما قابل ذلك أي ما لا يحتاج صحتها إلى النية سواء كان من الواجبات كغسل الثياب
والأواني أو من العقود أو الايقاعات فإن المصالح فيها واضحة لا يتوقف حصولها على قصد الامتثال
وإن لم يحصل الثواب في الواجبات وحصل العقاب في إتيانها المعاملات على الطريق المرحم ولذلك
لا يكلف من غسل ثوبه بماء مغصوب أو بإجبار غيره عليه أو بحصوله من مسلم دون إطلاعه بإعادة
الغسل وكذلك ترتب الآثار على الأفعال المحرمة في المعاملات كترتب المهر والإرث والولد لمن دخل
بزوجته في حال الحيض وغير ذلك الثانية الأصل في العبادات والمعاملات هو الفساد لان
الأحكام الشرعية كلها توقيفية ومنها الصحة والأصل عدمها وعدمها يكفي في ثبوت الفساد وإن كان
هو أيضا من الأحكام الشرعية لان عدم الدليل دليل على العدم وأما استدلال بعض الفقهاء
بأصالة الصحة وأصالة الجواز في المعاملات فالظاهر أن مراده من الأصل العموم أو مطلق القاعدة
وإن كان مراده غير ذلك فهو سهو إلا أن يراد به أصالة جواز إعطاء ماله بغيره وأخذ مال غيره
مثلا لان الناس مسلطون عل أموالهم ولكن ذلك لا يفيد الصحة الشرعية بمعنى اللزوم وترتب
الآثار وما يقال أن الأصل في معاملات المسلمين الصحة فهو معنى آخر والمراد به ان ما تحقق صحيحه
عن فاسده في نفس الامر ولم يعلم أن ما حصل في الخارج هل هو من الصحيح أو الفاسد فيحمل على الصحيح
إذا صدر من مسلم إلا بمعنى أن صحة أصل المعاملة تثبت بمجرد فعل المسلم فالمذبوح المحتمل كونه
على الوجه المحرم والمحلل يحمل على المحلل إذا صدر عن مسلم إلا أن الأصل في الذبح أن يكون صحيحا بل
الأصل عدم التذكية والحرمة حتى تثبت التذكية الصحيحة وصدوره عن المسلم قائم مقام ثبوت
التذكية الصحيحة في نفس الامر وهذا الأصل إجماعي مدلول عليه بالأدلة المتينة القويمة مصرح به في الأخبار الكثيرة
الثالثة محل النزاع في هذا الأصل ما تعلق النهي بشئ بعد ما ورد عن الشارع له جهة
صحة ثم ورد النهي عن بعض أفراده أو خوطب به عامة المكلفين ثم استثنى عنه بعضهم فمثل الامساك
ثلاثة أيام والقمار ونحو ذلك ليس من محل النزاع في شئ إذ الكلام والنزاع في دلالة النهي على الفساد و
عدمه وما ذكر فاسد بالأصل لان الأصل عدم الصحة وأما الفساد فيدل عليه عدم الدليل ومما
ذكرنا يظهر أن ما تقدم من اجتماع الأمر والنهي فيما كان بين المأمور به والمنهي عنه عموم من وجه
سواء اتحدا في الوجود أم لا أيضا خارج عن هذا الأصل ولذا أفرده القوم وأفردناه بالذكر وبالجملة
النزاع في هذا الأصل فيما كان بين المأمور به والمنهي عنه أو المأمور والمنهي عموم وخصوص مطلق ثم إعلم
155

أن النهي المتعلق بكل واحد من العبادات والمعاملات إما يتعلق به لنفسه أو لجزئه أو لشرطه أو لوصفه
الداخل أو لوصفه الخارج أو لشئ مفارق له متحد معه في الوجود أو لشئ مفارق غير متحد معه في الوجود
والمراد بالمتعلق به لنفسه أن يكون المنهي عنه طبيعة تلك العبادة أو المعاملة مع قطع النظر عن الافراد
والعوارض والأوصاف كالزمان والمكان وغير ذلك مثاله النهي عن صلاة الحائض وصومها ونحو
ذلك لا يقال ان النهي هنا تعلق بالصلاة باعتبار وقوعها حال الحيض فالمنهي عنه هو الصلاة
الكاينة في حال الحيض فالنهي إنما تعلق بها لوصفها ويؤيده ما قيل أن مفهوم الصيغة إنما يرد على
المادة بعد اعتبار قيودها أو حيثياتها فقولنا زيد أعلم من عمرو في الهيئة وعمرو أعلم من زيد في
الطب معناه أن علم الهيئة في زيد أكثر من عمرو وعلم الطلب في عمرو أكثر من زيد وبذلك يندفع
ما أورد على قولهم ان صيغة التفضيل تقتضي الزيادة في أصل الفعل مع قطع النظر عن الافراد من أنه
يلزم أن يرجع العقل عما فهمه أولا في مثل ذلك المثال فيكون معنى قولنا لا تصل الحائض ان الصلاة
الحاصلة في حال الحيض منهي عنها فيكون المنهي عنه لنفسه منحصرا في مثل المثالين المتقدمين لأنا
نقول أن الحيض من مشخصات الموضوع لا المحمول وما ذكر في التائيد من جعل القيود من متعلقات
المادة ممنوع سلمنا عدم كونه قيدا للموضوع لم لا يكون من قيود الحكم والنسبة الحكمية فإن سلمنا
كون القضية عرفية عامة بأن يكون المراد الحائض منهية عن الصلاة ما دامت حائضا فليس معناه
أنها منهية عن الصلاة الكاينة في حال الحيض بل المراد أنها منهية في حال الحيض عن الصلاة والحاصل
أن المنهي عنه لنفسه إنما هو بعد ملاحظة حال المكلف لا مطلقا فالظاهر مكلف بالصلاة والحائض
منهية عنها وأما ما وقع النهي عنه مع قطع النظر عن ملاحظة حال المكلف أيضا كالامساك ثلاثة أيام
فيما هو في صورة العبادة والزنا والقمار فيما هو في صورة المعاملة فهو خارج عن محل النزاع
كما ذكرنا وأما المعاملة المنهي عنها لنفسها فمثل نكاح الخامسة لمن عنده أربع وبيع العبد والسفيه
ونحو ذلك ويظهر وجهه مما تقدم في صلاة الحائض وأما المنهي عنه لجزئه فكالنهي عن قرائة العزائم
في الصلاة وكبيع الغاصب مع جهل المشتري على القول بأن البيع هو (نفس)؟ الايجاب والقبول الناقلين
للملك وأما على القول الاخر فالأمثلة كثيرة واضحة والنهي عن الجزء أيضا يحتمل أن يكون لجزئه أو لشرطه
إلى آخر الاحتمالات ويظهر حكمها بملاحظة أحكام أصل الأقسام وكذلك الشرط وأما المنهي عنه لشرطه
فإما بأن يكون لفقدان الشرط كالصلاة بلا طهارة وبيع الملاقيح فإن القدرة على التعليم حال
البيع شرطه وهو مفقود فيه أو لكون الشرط منهيا عنه لوصفه اللازم أو المفارق أو غير ذلك من
156

الاحتمالات مثل كون الساتر غصبا في الصلاة والوضوء بالماء المتغير للصلاة وكالنهي عن الذبح بغير
الحديد في غير الضرورة وأما المنهي عنه لوصفه الداخل ويقال له الوصف اللازم كالجهر والاخفات
للقرائة فإنها لا تنفك عن أحدهما فالنهي عن كل منهما نهي عن الوصف اللازم والنهي عن صوم يوم النحر
فكون الصوم في يوم النحر من أوصافه اللازمة وكبيع الحصاة وهو أن يقول بعتك ثوبا من هذه الأثواب
والمبيع ما وقع عليه هذه الحصاة إذا رميت فإن النهي عن ذلك البيع لوصفه الذي هو كون تعيين
المبيع فيه بهذا النهج وكالنهي عن ذبح الذمي وكالبيع المشتمل على الربوا وأما المنهي عنه لوصفه الخارج
فهو مثل قوله (لا تصل) في الدار المغصوبة فإن كون الصلاة في الدار الغصبية وصف خارج عن حقيقة الصلاة
وليس من مقوماتها ومميزاتها نعم كونها في هذه الدار من أحد مقوماتها كالدار الأخرى والمكان
الاخر لكن اعتبار وصف كونها دار الغير وكونها غصبا لا مدخلية له في ذلك والظاهر أن قوله لا تصل
متلقنا أيضا مثل ذلك إذا لم يعلم قبل النهي اعتبار هذا النوع من الوصف في الصلاة من الشارع
وجودا ولا عدما فهو نهي عن وصف خارج أيضا وكالنهي عن ذبح مال الغير وبيع العنب ليعمل خمرا
وبيع تلقي الركبان وأما المنهي عنه لشئ مفارق اتحد معه في الوجود فكقول الشارع صل ولا تغصب
والنهي عن المكالمة مع الأجنبية وإجراء صيغة البيع معها على القول بكون المعاطاة بيعا وكالبيع وقت
النداء إن قلنا بأن النهي إنما هو تفويت الجمعة وإلا فهو من القسم الأول وأما المنهي عنه لشئ
مفارق غير متحد معه في الوجود فكالنهي عن النظر إلى الأجنبية حال الصلاة أو البيع وهذان القسمان
خارجان عن محل النزاع في هذه المسألة وذكرناهما تطفلا وقد تقدم الكلام في الأول منهما مستقصى
وكلام القول في تفصيل الأقسام والأمثلة مغشوشة مختلطة أعرضنا عن ذكره والكلام فيه وإنما
استوفيناها لذلك وإلا فلا يتفاوت الحال بين تلك الأقسام في أكثر الأقوال الآتية الرابعة
اختلف الفقهاء والمتكلمون في معنى الصحة والفساد في العبادات فعند المتكلمين هو موافقة الامتثال
للشريعة وعند الفقهاء إسقاط القضاء وذكروا في ثمرة النزاع ما لو نذر أن يعطي من صلى صلاة
صحيحة درهما فهل يبر بأن أعطى من صلى بظن الطهارة إذا ظهر له كونه فاقدا لها في نفس الامر فعلى
الأول نعم لأنه موافق للشريعة ومطابق للامتثال بما أمر به الشارع في هذا الحال وعلى الثاني لا لأنه غير
مسقط للقضاء فلو علم به بعد الصلاة يجب عليه القضاء وما يقال أنه مسقط للقضاء بالنسبة إلى
هذا الامر أعني الامر بالصلاة المظنون الطهارة وإن الذي لا يسقط قضائه هو الصلاة مع يقين
الطهارة فيمكن دفعه بأن المراد إسقاط القضاء بالنسبة إلى كلي التكليف المحتمل وقوعه على وجوه
157

متعددة بعضها مقدم على بعض بحسب التمكن والعجز وظن الطهارة ويقينها لا يؤثران في وحدة الصلاة
الظهر بحسب النوع وقد يجاب أن ذلك الاعتراض مبني على كون القضاء تابعا للأداء وهو باطل
وفيه ما لا يخفى إذ لا يمكن ثبوت القضاء لهذه الصلاة الواقعة بظن الطهارة بالفرض الجديد أيضا
على المعنى المصطلح الا مع فوت هذه الصلاة أيضا فهي مسقطة للقضاء على القولين والظاهر أن
مراد الفقهاء إسقاط القضاء يقينا وفي نفس الامر وإلا فالصلاة بظن الطهارة أيضا مسقطة للقضاء
ظنا فلا بد على مذهبهم أما القول باختلاف وصف الفعل بالصحة والفساد باعتبار زمان (طهور)؟
الخلاف وعدمه فيصح في آن دون آن أو يجعله مراعى فلا يوصف بالصحة فيما لو ظن الطهارة إلا إذا
حصل اليقين أو بكونه صحيحا ويحكم عليه بالصحة إلى أن ينكشف الفساد فيحكم بالفساد من أول الامر
وكلامهم في ذلك غير محرر ولعل مرادهم هو الاحتمال الأخير ومراد المتكلمين من موافقة الشريعة
هو الموافقة ولو ظنا وإلا فالتكليف في نفس الامر إنما هو بالصلاة مع الوضوء الثابت في نفس
الامر وإنما قام الظن بكون هذه الصلاة هي الصلاة مع الطهارة الثابتة في نفس الامر مقام اليقين
به بتجويز الشارع فلا منافاة بين موافقة الشريعة وثبوت القضاء مع كون القضاء إنما يتحقق بفوات
الأداء لان المكلف يجوز له التعبد بالظن ما دام غير متمكن عن اليقين وعلى هذا فلا بد أن يكون
مراد الفقهاء من القضاء هو الأعم من الإعادة فإن الإعادة واجبة على من حصل له العلم بعدم الوضوء
بعد الصلاة في الوقت أيضا بل بطريق أولى فما أسقط القضاء في تعريفهم كناية عن عدم اختلال
المأمور به بحيث يوجب فعله ثانيا لو ثبت في الشريعة وجوب فعله ثانيا إما من جهة عدم حصول
الامتثال فيجب إعادته مطلقا إن قلنا بكون القضاء تابعا للأداء أو ثبت بأمر جديد بالفعل خارج
الوقت أيضا وفي الوقت فقط إن لم يكن كذلك وإما من جهة أمر جديد وإن حصل الامتثال ظاهرا
أو المراد من قولهم ما أسقط القضاء هو ما أسقط القضاء إن فرض له قضاء فلا يرد النقض في عكس
التعريف بصلاة العيد الصحيحة إن أريد بما أسقط القضاء في الحد هو ما ثبت له قضاء في الشريعة
ولا في طرده بفاسدته إن أريد بما أسقط القضاء ما ثبت معه القضاء وإن كان من جهة عدم
مشروعية القضاء وأما في العقود والايقاعات فهي عبارة عن ترتب الأثر الشرعي عليها كتملك
العين في البيع وجواز التزويج بآخر في الطلاق ونحو ذلك وقد يعرف مطلق الصحة بذلك ولا
بأس به وحينئذ فلابد من بيان المراد من الأثر في العبادات عند الفقهاء وعند المتكلمين بأنه حصول
الامتثال أو سقوط القضاء وأما البطلان فهو مقابل الصحة ويعلم تعريفه بالمقايسة وهو مرادف
158

للفساد خلافا للحنفية حيث يجعلون الفساد عبارة عما لم يكن مشروعا بأصله دون وصفه كالبيع
الربوي فيصححونه مع إسقاط الزيادة والبطلان عبارة عما لم يكن مشروعا بأصله ووصفه كبيع الملاقيح
ومثلوا للباطل بالصلاة في الدار المغصوبة وللفاسد بصوم العيد ووجهه غير معلوم إلا أنه لا
مشاحة في الاصطلاح إن كان بنائهم على تغيير الاصطلاح إذا تمهد ذلك فنقول الأقوال في
ال‍ مسألة خمسة الأول الدلالة على الفساد مطلقا والثاني عدمها مطلقا نقله فخر الدين عن أكثر أصحابه
والأول عن بعضهم وهو مذهب جمهور الشافعية والحنابلة والثالث الدلالة في العبادات لا
في المعاملات مطلقا وهو مذهب أكثر أصحابنا وبعض العامة والرابع الدلالة فيها شرعا لا لغة وهو
مذهب السيد رحمه الله وابن الحاجب والخامس الدلالة في العبادات شرعا لا لغة وقد نسبه بعض الأصحاب
إلى أكثرهم والأقرب القول الثالث لنا على دلالته على الفساد في العبادات أن المنهي ليس بمأمور
به فيكون فاسدا إذ الصحة في العبادات هو موافقة الامر ولا يمكن لك إلا مع الامتثال وإذ لا أمر فلا
امتثال فإن قلت إن هذا إنما يتم لو لم يكن أمر أصلا ولكن الامر موجود وهو الامر بالعام فيكفي موافقة
العمومات فالصلاة في الدار المغصوبة وإن لم يكن مأمورا بها بالخصوص لكنها مأمورا بها بالعموم فثبت
الصحة وهو موافقة الامر بل وإسقاط القضاء أيضا لان القضاء المصطلح لا يتحقق إلا مع فوات المأمور به
كما مر الإشارة في مبحث دلالة الامر على الاجزاء فلا مانع من كونها مأمورا بها ومنهيا عنها من
جهتين كما أشرنا في مسألة اجتماع الأمر والنهي قلت نعم لا يستحيل العقل ذلك ولا مانع أن يقول الشارع
صل ولا تصل في الدار المغصوبة ولكن لو صليت فيها لعاقبتك على إيقاعها فيها ولكنك أتيت
بمطلوبي ولا يدل اللغة أيضا على خلافه ولم يثبت اصطلاح من الشارع فيه أيضا ولكن المتبادر
في العرف من مثل ذلك التخصيص بمعنى أن هذا الفرد من العام خارج عن المطلوب والعرف إنما هو
المحكم لا أن المنهي عنه محض الصفة دون الموصوف كما يقول الحنفية هذا في غير المنهي عنه لنفسه و
أما هو فالتخصيص فيه أظهر وأوضح لان التخصيص فيه بالنسبة إلى المكلفين لا التكليف كما أشرنا و
أما النقض بالمعاملات بأن التجارة أيضا قد تكون واجبة وقد تكون مستحبة ولا أقل من الإباحة
ولا ريب في تضاد الاحكام فلا بد فيه من التخصيص أيضا ففيه أن منافاة الوجوب والاستحباب
للتحريم لا تنافي صحة المعاملات بمعنى ترتب الأثر فالتجارة بالنسبة إلى الوجوب والاستحباب من العبادات
أو بطلانها من هذه الحيثية بمعنى عدم الثواب أو حصول العقاب لا ينافي صحتها من جهة ترتب
الأثر وكذلك الكلام في الإباحة فإن منافاة التحريم معها لا تنافي ترتب الأثر عليها وسيجئ تمام
159

الكلام وأما عدم الدلالة على الفساد في المعاملات فلان مدلول النهي إنما هو التحريم هو لا ينافي
الصحة بمعنى ترتب الأثر كما لا يخفى فيصح أن يقال لا تبع بيع التلقي ولا بيع الملاقيح ونحو ذلك ولكنك
لو بعت لعصيت ولكن يصير الثمن ملكا لك والمثمن ملكا للمشتري وما يقال من أن التصريح
بذلك قرينة للمجاز وإن الظاهر عن النهي ليس بمراد ففيه أن القرينة دافعة للمعنى الظاهر من اللفظ
ومناقضة له كما في يرمي بالنسبة إلى الأسد ولا مناقضة هنا ولا مدافعة كما لا يخفى فلم يدل على الفساد عقلا
ولم يثبت دلالته من جانب الشرع أيضا كما سيجئ وأما اللغة والعرف فكذلك أيضا لعدم دلالته على
الفساد بأحد من الدلالات أو الأولان فظاهر وأما الالتزام فلعدم اللزوم وقد يفصل بأن ما
كان مقتضى الصحة فيه من المعاملات منحصرا فيما يناقض التحريم فيدل على الفساد فيه دون غيره
وتوضيحه أن المعاملة مما لم يخترعه الشارع بل كانت ثابتة قبل الشرع فما جوزه الشارع وقرره و
أمضاه فيترتب عليه الآثار الشرعية سواء كان ذلك الأثر أيضا ثابتا قبل الشرع أو وضعه الشارع
وما لم يجوزه فلا يترتب عليه الآثار الشرعية فإن كان تجويزه بلفظ يناقض التحريم مثل الحلية و
الإباحة والوجوب ونحو ذلك كما في أحل الله البيع وتجارة عن تراض المستثنى عن النهي عن أكل
المال بالباطل وأوفوا بالعقود ونحوها فالنهي في أمثال ذلك يدل على الفساد لان النهي يدل على الحرمة
فإذا كان بيع مخصوص حراما أو عقد مخصوص كذلك فلا يكون ذلك من جملة ما أحل الله ولا مما
يجب الوفاء به لامتناع اجتماع الحرمة والحلية والحرمة والوجوب فيخصص عموم أحل وأوفوا مثلا
بذلك فيخرج عما يثبت له مقتضى الصحة فيصير فاسدا من جهة رجوعه إلى الأصل وهو عدم الدليل على
الصحة وقد مر في المقدمات ان عدم الدليل على الصحة هو الدليل على الفساد وما كان من جهة أخرى
لا تناقض التحريم فلا يدل كما في قوله عليه السلام إذا إلتقى الختانان وجب المهر فلا ينافي في وجوب المهر للحرمة
في حال الحيض ونحو ذلك وهذا إنما يتم بناء على ما سلمناه وحققناه من التنافي عرفا وانفهام
التخصيص وإلا فلا منافاة ولا استحالة في اعتبار الجهتين في غير ما كان المنهي عنه نفس المعاملة
بعين ما مر ويشكل بأن انحصار المقتضي في البيع في مثل أحل الله ونحوه ممنوع لم لا يكون المقتضي فيه
مثل قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا وكذلك سائر العقود ولا يمكن التمسك بأصالة تأخر
ذلك إذ الأصل في كل حادث التأخر فإن قلت لما كان الأصل في المعاملات الفساد كما مر في
المقدمات فهو يعاضد كون المقتضي مما يوجب الفساد لان غاية الامر تعارض الاحتمالين وتساقطهما
قلت لا تعارض بينهما ولا تناقض حتى يوجب الترجيح والأصل إعمال الدليلين مع الامكان
160

فيخصص النهي عموم أحل ويبقي مدلول قوله البيعان بالخيار بحاله مستلزما للزوم بعد الافتراق و
إن كان حراما وقلما كان عقد من العقود يخلو عن مثل ذلك ثم إن ذلك المفصل جعل ذلك عذرا
للفقهاء حيث يستدلون بالنهي على الفساد في البيوع والأنكحة ردا على من ادعى إجماع العلماء على دلالة
النهي على الفساد حيث يستدلون في جميع الأعصار والأمصار بالنهي على الفساد وقال إن ذلك الاستدلال
إنما هو في الموضع المذكور لا في كل موضع وأنت خبير بأن أكثر تلك الاستدلالات في البيع
والنكاح ونحوهما وقد عرفت الحال والتحقيق أن النهي لا يدل على الفساد فيها مطلقا ويحتاج ثبوت
الفساد إلى دليل من خارج من إجماع أو نص أو غير ذلك من القرائن الخارجية حجة القول بالدلالة
مطلقا في العبادات والمعاملات أن العلماء كانوا يستدلون به على الفساد في جميع الأعصار و
الأمصار من غير نكير ورد بأنه إنما يدل على الفساد شرعا والحق في الجواب أن عمل العلماء ليس بحجة
إلا أن يكون إجماعا وهو غير معلوم وان الامر يقتضي الصحة والاجزاء والنهي نقيضه والنقيضان مقتضاهما
نقيضان فالنهي يقتضي الفساد الذي هو نقيض الصحة وفيه مع عدم جريانه فيما ليس مقتضيها الامر وإن
أصل المقايسة باطلة لان الامر يقتضي الصحة لأجل موافقته والامتثال به والفساد المستفاد من النهي
لو سلم فإنما هو لأجل مخالفته وتسليم التناقض أو حمل التناقض في الاستدلال على مطلق التقابل انا
نمنع كون مقتضى المتناقضين متناقضين أو متقابلين إذ قد يشتركان في لازم واحد سلمنا لكن
نقيض قولنا يقتضي الصحة لا يقتضي الصحة لا أنه يقتضي عدم الصحة والذي يستلزم الفساد هو الثاني
ومقتضى الدليل هو الأول حجة القول بالدلالة مطلقا شرعا فقط استدلال العلماء كما مر ومر جوابه مع أن
ذلك لا يستلزم كونه من جهة الشرع فلا وجه للتخصيص وادعاء الحقيقة الشرعية في الفساد كما يظهر
من بعضهم أيضا في معرض المنع احتجوا أيضا بأنه لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة يدل عليها النهي ومن
ثبوته حكمة يدل عليها الصحة واللازم باطل لان الحكمتين إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا
وكان الفعل وعدمه متساويين فيمتنع النهي عنه لخلوة عن الحكمة وإن كانت حكمة النهي مرجوحة فهو
أولى بالامتناع لأنه مفوت للزايد من مصلحة الصحة وهو مصلحة خالصة إذ لا معارض لها من جانب
الفساد كما هو المفروض وإن كانت راجحة فالصحة ممتنعة لخلوها عن المصلحة بل لفوات قدر الرجحان
من مصلحة النهي وهو مصلحة خالصة لا يعارضها شئ من مصلحة الصحة وجوابه إن كون مصلحة أصل
النهي راجحة لا يقتضي مرجوحية ترتب الأثر بالنسبة إلى عدمه فترك الفعل أولا راجح على فعله أما لو فعل
وعصى فترتب الأثر عليه راجح على عدمه ولا منافاة بينهما أصلا (إذ)؟ رجحان النهي إنما هو على الفعل و
161

رجحان الترتب إنما هو على عدم الترتب وهاتان المصلحتان ثابتتان للنهي وترتب الأثر بالذات لا
أنه يعرض مصلحة الترتب بعد اختيار الفعل كما توهم المدقق الشيرازي وقد يستدل بما ورد في بعض الاخبار
من صحة عقد المملوك إذا كان بغير إذن مولاه ثم رضي به معللا بأنه لم يعص الله تعالى بل عصى سيده
فإنه يدل على أنه إذا كان فيه معصية بالنسبة إله تعالى وكان منهيا عنه فيكون فاسدا وفيه أنه على
خلاف المطلوب أدل فإن المراد من المعصية في الرواية لا بد أن يكون هو مجرد عدم الإذن والرخصة
من الشارع وإلا فمخالفة السيد أيضا معصية والحاصل أنه لما كان في مثل هذا العقد إذن من الله تعالى
من جهة العمومات وغيرها مما يدل على صحة الفضولي بعد الإجازة فيصح وعدم إذن السيد غير مضر
وبالجملة المراد أن ليس العقد خاليا عن مقتضى الصحة وإن كان معلقا على إذن المولى أيضا واحتجوا
على عدم الدلالة لغة بأن فساد الشئ عبارة عن سلب أحكامه ولا دلالة للنهي على ذلك بوجه وهو
مسلم في المعاملات على ما حققناه وأما في العبادات فقد بيناه ويشكل الجمع بن هذا لاحتجاج
والاحتجاج السابق لان مقتضاه كون الفساد من مقتضيات التحريم وهو مدلول النهي اللغوي فكيف
ينكر دلالته عليه لغة إلا أن يكون مراد المستدل نفي الدلالة اللفظية والذي اقتضاه التحريم إنما هو
من باب الاستلزام العقلي أو أنه مبني على القول بكون دلالة النهي على التحريم أيضا شرعيان فقط حجة القول
بعدم الدلالة مطلقا وهو عدم استحالة النهي ثم التصريح بالصحة كما مر ويظهر الجواب مما مر وأما القول
الخامس فلم يقف له على حجة يعتد بها ويمكن استنباط دليل والجواب عنه مما تقدم تذنيبات
الأول انهم اختلفوا في المنهي عنه لوصفه فذهب أبو حنيفة إلى أنه يرجع إلى الوصف لا الموصوف
فصوم يوم النحر حسن لأنه صوم وقبيح لأنه في يوم النحر ويلزمه القول بحلية البيع الربوي والمبيع به
بعد إسقاط الزيادة والشافعي وأكثر المحققين على أنه يرجع إلى الموصوف أيضا وهو الحق بناء على ما
حققناه من فهم العرف في التخصيص وإن كان العقل لا يحكم به ومناط من أرجع الكراهة إلى الوصف
في المناهي التنزيهية دون التحريمية لعله هو ادعاء الاستقراء وقد عرفت بطلانه الثاني
المنهي عنه لشرطه إن كان من جهة فقدان الشرط فليس الفساد فيه من جهة النهي بل إنما هو لان
فقدان الشرط يستلزم انتفاء المشروط وإن كان باعتبار (خزازة)؟ في الشرط بأن يكون منهيا عنه لوصفه
أو لجزئه أو نحو ذلك فلا يتم الحكم بالفساد أيضا مطلقا وإن قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي ويكون النهي
دالا على الفساد في الجملة أيضا إذ قد يكون الشرط من قبيل المعاملات ويكون وجوبه توصليا
كغسل الثوب والبدن ونحو ذلك ولا يضره كونه منهيا عنه نعم إنما يصح فيما كان من قبيل العبادات
162

كالوضوء ومما ذكرنا في مسألة اجتماع الأمر والنهي يظهر أن هذا الاشكال يجري في المنهي عنه لجزئه أيضا
في الجملة فراجع وتأمل الثالث أفرط أبو حنيفة وصاحباه فقالا بدلالة النهي على الصحة وهو
في غاية الظهور من البطلان لان النهي حقيقة في التحريم وليس ذلك عين الصحة ولا مستلزما لها بوجه
من الوجوه والظاهر أنهم أيضا لم يريدوا أن النهي يدل على الصحة بل مرادهم أن النهي يستلزم إطلاق
الاسم فقول الشارع لا تصم يوم النحر وللحائض لا تصل يستلزم إطلاق الصوم على ذلك الصوم وكذلك
الصلاة والأصل في الاطلاق الحقيقة وذلك مبني على كون العبادات وما في معناها من المعاملات
التي ثبت لها حدود وشرائط من الشارع أسامي للصحيحة منها فلو لم يكن مورد النهي صحيحا لم يصدق
تعلق النهي على أمر شرعي فيكون المنهي عنه مثل الامساك والدعاء ونحو ذلك وهو باطل إذ نحن نجزم
بأن المنهي عنه أمر شرعي وفيه أولا منع كونها أسامي للصحيحة سلمنا لكن المنهي عنه ليس الصلاة المقيدة
بكونها صلاة الحائض مثلا بل المراد أن الحائض منهي عن مطلق الصلاة الصحيحة فإن قالوا أن الحائض
إما تتمكن من الصلاة الجامعة للشرائط أولا والثاني باطل لاستلزامه طلب غير المقدور لاستحالة
تحصيل الحاصل واستمرار العدم مع عدم القدرة على الايجاد لا يجدي في مقدوريتها فتعين الأول والنهي
لا يدل على الفساد فهي باقية على صحتها قلنا نختار الأول ونقول أنها متمكنة عن الصلاة الصحيحة الشرعية
في الجملة وإن لم تكن صحيحة بالنسبة إلى خصوص الحائض ولا ريب أن الصلاة الجامعة للشرائط غير عدم
كونها في أيام الحيض صحيحة بالنظر إلى سائر المكلفين وبالنظر إليها قبل تلك الأيام وعدم تمكنها من
الصلاة الصحيحة بالنسبة إلى نفسها وامتناعها عنها إنما هو بهذا المنع والنهي وطلب ترك الممتنع بهذا
المنع لا مانع منه مع أن قاعدتهم منقوضة بصلاة الحائض ونكاح المحارم اتفاقا وتخصيص الدليل
القطعي مما لا يجوز وحمل المناهي الواردة عن صلاة الحائض على المنع اللغوي غلط لاستحباب الدعاء لها
بالاتفاق وكذلك حمل النكاح على مجرد الدخول ارتكاب خلاف ظاهر لا دليل عليه والله الهادي
الباب الثاني في المحكم والمتشابه والمنطوق والمفهوم
وفيه مقصدان الأول في المحكم والمتشابه قال العلامة رحمه الله في التهذيب اللفظ المفيد إن لم يحتمل
غير معناه فهو النص وهو الراجح المانع عن النقيض وإن احتمل وكان راجحا فهو الظاهر والمشترك
بينهما وهو مطلق الرجحان المحكم وإن تساويا فهو المجمل ومرجوح الظاهر المأول والمشترك بينه وبين
المجمل وهو نفي الرجحان المتشابه وفسر الشارح العميدي المفيد بالدال على المعنى بالوضع وزاد قيدا
آخر وهو أن الاحتمال وعدم الاحتمال إنما هو بالنظر إلى اللغة التي وقع بها التخاطب قال وإنما قيدنا
163

بذلك لان اللفظ قد يكون نصا بالنظر إلى لغة لعدم احتمال إرادة غير معناه بحسب تلك اللغة و
مجملا بالقياس إلى لغة أخرى ومثل للظاهر بلفظ الأسد وللمجمل بلفظ القرء ولم يمثل للنص قال شيخنا
البهائي رحمه الله في زبدته اللفظ إن لم يحتمل غير ما يفهم منه لغة فهو نص وإلا فالراجح ظاهر والمرجوح مأول
والمساوي مجمل والمشترك بين الأولين محكم وبين الأخيرين متشابه ومثل الشارح الجواد رحمه الله للنص
بالسماء والأرض وللظاهر في أواخر الكتاب بالأسد والغائط والصلاة بالنسبة إلى اللغة والعرف و
الشرع على الترتيب وقال شيخنا البهائي في الحاشية على قوله لغة أي بحسب متفاهم اللغة نحو له ما
في السماوات وما في الأرض فقوله لغة قيد لقوله لم يحتمل ويجوز أن يكون قيدا للفعلين معا أما
جعله قيدا للأخير أعني يفهم دون الأول فلا لقيام الاحتمال العقلي في أكثر النصوص انتهى ثم مثل في
الحاشية أيضا للظاهر والمأول بقوله تعالى وامسحوا برؤسكم وأرجلكم فحملها على المسح ظاهر و
على الغسل (الخفيف)؟ كما فعله في الكشاف مأول وظاهر كلام العميدي تخصيص هذا التقسيم بالدال
بالوضع لغة فلا يشمل المجازات وكلام غيره أعم وهو أقرب لان المجازات أيضا تنقسم إلى هذه
الأقسام فإن القرائن قد تفيد القطع بالمراد وقد لا تفيد إلا الظن وقد يكون مجملا ثم أن كلام
القوم هنا لا يخلو عن إجمال فإن الفرق بين السماء والأرض والأسد بجعل الأولين نصا و
الثالث ظاهرا تحكم بحت إذ احتمال التجوز هو الداعي إلى ظنية الدلالة وكون اللفظ ظاهرا وهو
قائم في السماء والأرض كما لا يخفى إذ ليس هذا التقسيم بالنظر إلى الوضع الافرادي فإن القطع فيه
وعدم القطع إنما هو من جهة ثبوت اللغة بالتواتر والآحاد وبعد الثبوت فالتقسيم إنما هو
بالنظر إلى الوضع التركيبي وفي إفادة المراد من اللفظ في الكلام المؤلف كما لا يخفى فكما يجوز احتمال
المجاز في إطلاق الأسد في قولك رأيت أسدا بإرادة الرجل الشجاع وينفى بأصالة الحقيقة
فكذلك يجوز في قولك انظر إلى السماء وانظر إلى الأرض بإرادة مطلق الفوق والتحت كما لا يخفى فالتمثيل
بالسماء والأرض كما وقع من الشارح الجواد (ليس)؟ في محله ولعل (غفل)؟ عن مراد شيخنا البهائي بتمثيله بقوله
تعالى وله ما في السماوات وما في الأرض والفرق واضح وتحقيق المقام أن هذا التقسيم لا بد أن
يعتبر بالنسبة إلى دلالة اللفظ مطلقا حقيقة كان أو مجازا ولا بد أن يناط القطع في الإرادة والظن
بها بالقرائن الخارجية فإن دلالة اللفظ على ما وضع له حقيقة موقوفة على عدم القرينة على إرادة
المجاز فإن ثبت القرينة على عدم إرادة المجاز فنقطع بإرادة المعنى الحقيقي وإذا لم يكن هناك قرينة
على نفي التجوز فبأصالة العدم وأصالة الحقيقة يحصل الظن بإرادة الحقيقة فإرادة المعنى الحقيقي
164

من اللفظ قد يكون قطعيا وقد يكون ظنيا ولعل مراد شيخنا البهائي رحمه الله أن السماوات والأرض في هذا
التأليف نصف في المخلوقين المعلومين بسبب قرينة المقام وهو أيضا محل تأمل لاحتمال إرادة العالم
العلوي والسفلي وإن اشتمل على هذين المخلوقين أيضا من باب عموم المجاز وإن أراد جميع الكلام فالتأمل
فيه أظهر ثم إن مراده من التقييد بقوله لغة لا بد أن يكون هو ما قابل العقلي لا اللغة فقط ثم إن أراد
بهذا التقييد جواز الاحتمال العقلي بمعنى أن العقل يجوز أن يراد من ذلك اللفظ غير المعنى الموضوع
له مع قطع النظر عن هذا الاستعمال الخاص فهو صحيح ولكنه لا دخل له فيما نحن فيه إذ الكلام في الاستعمال
الخاص وإن أراد تجويز العقل بالنظر إلى هذا الاستعمال الخاص مع صحته فهو ليس بقطعي بالنظر إليه
بملاحظة تلك اللغة أيضا ومع كونه غلطا فهو خارج عن مورد كلامهم أيضا إذ الغلط في الكلام لا
يصدر عن الحكيم الذي كلام الأصوليين على كلامه وإن أراد بذلك تفاوت الظهور فلا ريب أن
مراتب الظواهر مختلفة وذلك لا يجعل الأظهر نصا بالنسبة إلى الظاهر وهكذا ولا يحصل التغاير
فالنص هو ما لا يحتمل غير المعنى عقلا أيضا بالنظر إلى هذه اللغة والاستعمال وهذا القطع يحصل بحسب
القرائن الخارجية ويتفاوت بتفاوتها واعلم أن النصوصية والظهورية أمور إضافية فقد ترى
الفقهاء يسمون الخاص نصا والعام ظاهرا وقد يطلقون القطعي على الخاص والظني على العام مع
أن الخاص أيضا عام بالنسبة إلى ما تحته مع احتمال إرادة المجاز من الخاص أيضامن جهة أخرى غير
التخصيص وكونه ظاهرا بالنسبة إلى المعنى المجازي فلاحظ أكرم العلماء ولا تكرم الاشتقاقيين لاحتمال
إرادة البصريين من الاشتقاقيين دون الكوفيين واحتمال إرادة الصرفيين منهم لمشابهتهم
في العلم فالمراد بالنصوصية هو بالنسبة إلى العام يعني أن دلالة الاشتقاقيين عليهم قطعي من حيث
تصورهم في الجملة وان كان بعنوان المجاز بخلاف دلالة العلماء عليهم فان دلالته عليهم إنما هي
بضميمة أصالة الحقيقة وأصالة عدم التخصيص وهما لا يفيدان إلا الظن المقصد الثاني
في المنطوق والمفهوم وهما وصفان للمدلول ويظهر من بعضهم إنهما من صفات الدلالة و
الأول أظهر ولا مشاحة في الاصطلاح فالمنطوق هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق والمفهوم هو
ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق هكذا عرفوهما وفيه مسامحة فإن المعيار في الفرق بينهما هو كون
ما له المدلول أي الموضوع في محل النطق وعدمه والمقصود من المدلول هو الحكم أو الوصف فلا يتم
جعل قوله في محل النطق حالا من الموصول إلا بارتكاب نوع من الاستخدام ولو جعل الموصول
كناية عن الموضوع يلزم خروجه عن المصطلح وارتكاب نوع استخدام في الضمير المجرور وكيف كان
167

فالامر في ذلك سهل فالمهم بيان الفرق فنقول أن المنطوق هو مدلول يكون حكما من أحكام شئ
مذكور وحالا من أحواله وأما نفس ذلك المدلول فقد لا يكون مذكورا في المنطوق أيضا كما
ستعرف والله الهادي قانون المنطوق إما صريح أو غير صريح فالأول هو المعنى المطابقي
أو التضمني ولي في كون التضمني صريحا إشكال بل هو من الدلالة العقلية التبعية كما مرت الإشارة
إليه في مقدمة الواجب فالأولى جعله من باب الغير الصريح وأما الغير الصريح فهو مدلول
الالتزامي وهو على ثلاثة أقسام المدلول عليه بدلالة الاقتضاء والمدلول عليه بدلالة التنبيه والايماء
والمدلول عليه بدلالة الإشارة لأنه إما أن يكون الدلالة مقصودة للمتكلم أولا فأما الأول فهو
على قسمين الأول ما يتوقف صدق الكلام عليه كقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطاء و
النسيان فإن المراد رفع المؤاخذة عنها وإلا لكذب أو صحته عقلا كقوله تعالى واسئل القرية فلو لم
يقدر الأهل لما صح الكلام عقلا أو شرعا كقول القائل أعتق عبدك عني علي ألف أي مملكا لي على
ألف إذ لا يصح العتق شرعا إلا في ملك وهذا يسمى مدلولا بدلالة الاقتضاء واعلم أن الذي يظهر
من تمثيلهم بالأمثلة المذكورة أن دلالة الاقتضاء مختصة بالمجاز في الاعراب أو ما يكون قرينته
العقل ولم يكن لفظيا فعلى هذا فدلالة قولنا رأيت أسدا يرمي على الشجاع ونحو ذلك يكون من
باب المنطوق الصريح أو لا بد من ذكر قسم آخر ليشتمل سائر المجازات والثاني ما لا يتوقف صدق
الكلام ولا صحته عليه ولكنه كان مقترنا بشئ لو لم يكن ذلك الشئ علة له لبعد الاقتران فيفهم منه
التعليل فالمدلول هو علية ذلك الشئ لحكم الشارع مثل قوله صلى الله عليه وآله كفر بعد قول الأعرابي هلكت و
أهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان فيعلم من ذلك أن الوقاع علة لوجوب الكفارة عليه وهذا
يسمى مدلولا بدلالة التنبيه والايماء وهذا في مقابل المنصوص العلة فيصير الكلام في قوة أن يقال
إذا واقعت فكفر وأما التعدية إلى غير الأعرابي وغير الأهل فإنما يحصل تنقيح المناط وحذف الإضافات
مثل الاعرابية وكون المحل أهلا وغير ذلك وربما يفرط في القول فيحذف الوقاعية ويعتبر محض إفساد
الصيام وتمام الكلام في ذلك سيجئ إنشاء الله تعالى في أواخر الكتاب وأما الثاني فهو ما يلزم من الكلام بدون
قصد المتكلم على ظاهر المتعارف في المحاورات مثل دلالة قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا مع
قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين على كون أقل الحمل ستة أشهر فإنه غير
مقصود في الآيتين والمقصود في الأولى بيان (نعب)؟ الام في الحمل والفصال وفي الثانية بيان أكثر مدة
الفصل هذه أقسام المنطوق وأما المفهوم فاما أن يكون الحكم المدلول عليه بالالتزام موافقا
168

للحكم المذكور في النفي والاثبات فهو مفهوم الموافقة كدلالة حرمة التأفيف على حرمة الضرب و
يسمى بلحن الخطاب وفحوى الخطاب وسيجئ الكلام في بيانه في أواخر الكتاب وإلا فهو مفهوم المخالفة
ويسمى بدليل الخطاب وهو أقسام مفهوم الشرط والغاية والصفة والحصر واللقب وغير ذلك و
سيجئ تفصيلاتها ثم أن تقسيم المنطوق والمفهوم كما ذكرنا هو المشهور وربما يتأمل في الفرق
بين المفهوم والمنطوق الغير الصريح فيجعل ما سوى الصريح مفهوما ولعل وجهه كون ماله المدلول
غير مذكور في بعض الأمثلة التي ذكروها للمنطوق الغير الصريح فإن أقل الحمل مثلا غير مذكور في
الآيتين فإنه هو الموضوع لا مطلق الحمل وكذلك حرمة الضرب حكم من أحكام الوالدين وهما مذكوران
صريحا في الآية وقد يذب عن ذلك باعتبار الحيثيات والاعتبارات فإن جعل المفهوم في
آية التأفيف هو الحرمة وموضوعه هو الضرب فهو غير مذكور وان جعل المفهوم هو حرمة الضرب
والموضوع هو الوالدين فهو مذكور وكذلك الحمل وأقل الحمل قانون اختلف الأصوليون في
حجية مفهوم الشرط ولابد في تحقيق هذا الأصل من رسم مقدمات الأولى أن لفظ الشرط
يستعمل في معان قال في الصحاح الشرط معروف وكذلك الشريطة والجمع شروط وشرائط وقد شرط
عليه كذا بشرط ويشرط واشترط عليه ويفهم من ذلك أنه أراد به مجرد الالزام والالتزام ولو بمثل
النذر واليمين وعن القاموس إلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه واستعمله النحاة فيما تلا حرف الشرط
مطلقا أو ما علق عليه جملة وجودا يعني حكم بحصول مضمونها عند حصوله وقد يستعمل في العلة و
في مصطلح الأصوليين ما يستلزم انتفائه انتفاء المشروط به ولا يستلزم وجوده وجود المشروط
فمن مصاديق الاستعمال الأول النذر والعهد ونحوهما والشرط في ضمن العقد مثاله أنكحتك
ابنتي وشرطت عليك أن لا تخرجها عن البلد ومن مصاديق الثاني ما عملت من خير تجز به
وإن كان مثقال ذرة وقد تسميه النحاة أن الوصلية ومثل لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن
تحصنا ومثل إن كان هذا إنسانا كان حيوانا ومن مصاديق الثالث وإن كنتم جنبا فاطهروا
ومن مصاديق الرابع الوضوء شرط الصلاة والقبض في المجلس شرط صحة الصرف وحلول الحول شرط
لوجوب الزكاة وأما العلامة فقد جعله بعضهم من جملة إطلاقاته ولكنه خلاف ما صرح به أهل
اللغة فإن اشراط الساعة هي جمع شرط بالتحريك وهو العلامة وكذلك بعض الاستعمالات الاخر مثل
شرط الحجام إذا شق الجلد بمبضعته ولم يدم مأخوذ من المتحرك الثانية الجملة الشرطية أيضا
تستعمل في معان كثيرة أحدها ما يفيد تعليق وجود الجزاء على وجود الشرط فقط مثل قولهم إن كان
171

هذا إنسانا كان حيوانا وليس عدمه معلقا على عدمه ومنه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا
وهذا الاستعمال مبني على قاعدة أهل الميزان حيث يجعلون هذا التركيب لبيان الدليل على
العلم بانتفاء المقدم بسبب انتفاء التالي ويقولون أن استثناء نقيض التالي ينتج رفع المقدم بخلاف
العكس يعني يعلم من انتفاء الحيوانية انتفاء الانسانية ومن انتفاء الفساد انتفاء تعدد الالهة و
الثاني ما يفيد تعليق عدم الجزاء على عدم الشرط أيضا مثل إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ فعدم
التنجيس وجوده معلق على وجود الكرية وانتفائه معلق على انتفائه وهذا هو مصطلح أهل العربية
ومتعارف لسان العرب فظاهر هذا الاستعمال كون الأول سببا للثاني والنظر إنما هو على ظاهر
الحال مع قطع النظر عن نفس الامر وما قيل من أن الأول إذا كان سببا فلا يفيد انتفائه انتفاء المسبب
لجواز تعدد الأسباب بل العكس أولى بالاذعان كما يشهد به قوله تعالى لو كان فيهما آلهة ففيه أولا أنه
ناش من الخلط بين الاصطلاحين وقوله بل العكس أولى فيه إن العكس هو كون انتفاء الثاني علة
لانتفاء الأول ولم يقل به أحد بل هو علة للعلم بانتفاء الأول فلا وجه لهذا الكلام بظاهره وثانيا أن
المراد انحصار السبب في الظاهر وثالثا أن الأصل عدم سبب أخر وإذا علم له سبب أخر فالسبب هو
أحدهما لا بعينه لا معينا ومن هذا الباب لولا علي لهلك عمر وقول الحماسي ولو طار ذو حافر قبلها
لطارت ولكنه لم يطر فإن رفع المقدم لا ينتج رفع التالي على قاعدة أهل الميزان وحينئذ يبقى الاشكال
في إطلاق الشرط على السبب وللظاهر أنه لان قولنا مفهوم الشرط حجة معناه مفهوم الجملة الشرطية
أي ما يقول له النحاة شرطا وهو الواقع بعد آن وأخواته معلقا عليه حصول مضمون الجملة التي بعده
كما هو محل نزاع الأصوليين كما يشهد به قولهم الامر المعلق بكلمة إن عدم عند عدم شرط ونحو ذلك
لا إذا كان ذلك الواقع بعد إن وأخواته شرطا أصوليا أيضا فإن الواقع بعد هذه الحروف قد يكون
شرطا وقد يكون سببا فكما يجوز أن يقال إن قبضت في المجلس يصح الصرف يجوز أن يقال إذا غسلت
ثوبك من البول فيطهر مع أنه إذا كان ذلك الواقع شرطا أصوليا فلا معنى لكون انتفاء الحكم بانتفائه
مفهوما له بل هو معنى الشرط نفسه فالحاصل أن حدوث تلك الهيئة يغيره عن معناه ويصيره سببا
على الظاهر فقولهم مفهوم الشرط حجة معناه أن ما يفهم من تلك الجملة الشرطية التي يسمونها النحاة
شرطا في محل السكوت حجة وبعبارة أخرى تعليق الحكم على شئ بكلمة ان وأخواتها يقيد انتفاء الحكم
بانتفاء ذلك القيد بدلالة الالتزامية لفظية (بينة)؟ فيكون حجة سواء فهم منه الشرطية المصطلحة
للأصوليين أو السببية فلا منافاة إذن بين الشرطية والسببية لتغائر الموضوعين بالنظر إلى
172

الاصطلاح فما يقال من أن قولنا إن قبضت في المجلس يصح الصرف هو عبارة أخرى عن قولنا
شرط صحة الصرف القبض في المجلس والفرق هو الاسمية والحرفية كالفرق بين من وإلى والابتداء و
الانتهاء إن أريد به الشرط الأصولي كما هو الظاهر فلا يتم إذ قد بينا أن الظاهر من الجملة الشرطية
على تقدير الحجية وفهم انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط هو السببية كائنا ما كان فكيف يصير مساوقا
للشرط الأصولي فحاصل قولنا مفهوم الشرط حجة أن مفهوم الجلمة الشرطية سببية الأولى للثانية
وإلا لزم التناقض وإن أريد به معنى آخر مثل أن يقال المراد بالشرط هو ما علق على انتفائه انتفاء شئ
أخر وتوقف وجود الآخر عليه ليشمل السبب أيضا وإن الجملة الشرطية أيضا تفيد هذا المعنى فهذا
وإن كان أوجه من سابقه لكنه أيضا لا يتم لان الجملة الشرطية أخص من هذا إذ لا تفيد إلا السببية
الثالث ما يكون شرطا لصدور الحكم على القائل لا لثبوته في نفس الامر مثل إن نزل الثلج فالزمان
شتاء فإنه قد لا ينزل الثلج في الشتاء الثالثة قد أشرنا أن محل النزاع هو الجملة الواقعة
عقيب إن وأخواتها فالظاهر أنه لا فرق بين أدوات الشرط وما دل على التعليق صريحا أو تضمنا
فالأسماء المتضمنة معنى الشرط كالحروف مثل قوله تعالى فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات
فمما ملكت أيمانكم وموثقة ابن بكير ناطقة بحجية مفهومها بالخصوص إذا تمهد ذلك فنقول
ذهب الأكثرون إلى أن تعليق الحكم على شئ بكلمة إن وأخواتها يدل على انتفاء الحكم عند انتفائه
وذهب جماعة إلى العدم والأول أقرب لنا أن المتبادر من قولنا إن جائك زيد فأكرمه إن لم
يجئك فلا يجب عليك إكرامه لا لا تكرمه فلا توهم وهو علامة الحقيقة فإذا ثبت التبادر في العرف
ثبت في الشرع واللغة لأصالة عدم النقل وأما ما قيل معناه في العرف الشرط في إكرامك إياه
مجيئه إياك فليس على ما ينبغي وكذا ما ذكره العلامة رحمه الله في التهذيب حيث قال الامر المعلق بكلمة
إن يعدم عند عدم الشرط لأنه ليس علة لوجوده ولا مستلزما له فلو لم يستلزم العدم العدم
خرج عن كونه شرطا ويؤدي مؤداه كلام غيره أيضا وهذان الكلامان مبنيان على الخلط بين
اصطلاح النحاة واصطلاح الأصوليين في الشرط وقد عرفت أن المتبادر هو السببية ظاهرا وإن
كان مدخول ان بالذات شرطا مع قطع النظر عن دخول إن فهذان الكلامان ناظران إلى اعتبار
لفظ الشرط والغفلة عن أن الشرط معناه في الأصول هو ما ذكره لا مطلقا ونحن لما أثبتنا التبادر
لهذه الهيئة التركيبية فنقول سائر الاستعمالات التي ذكرت كلها مجازات لتبادر غيرها
ولأنه خير من الاشتراك فما يقال من أنها مستعملة في جميع هذه المعاني والاشتراك والمجاز كلاهما
175

خلاف الأصل فلا بد أن يكون حقيقة في القدر المشترك وهو ما علق عليه وجود المشروط لا وجه له
بعد وضوح الدليل هذا الكلام في الجملة الشرطية وأما لفظ الشرط فهو وإن كان خارجا عن محل
النزاع لكن لما حصل الغفلة لبعض الفحول هنا فخلط الاصطلاحات فتحقيق القول به أن المتبادر
منه في العرف أحد المعنيين أما ما يتوقف عليه وجود شئ وينتفي بعدمه أعم من أن يكون
وجوده علة أم لا وأما معنى الالزام والالتزام فلا وجه لحمله على المعنى الأصولي حيث ما ورد هذا
واحتجوا على حجية مفهوم الشرط أيضا بأنه لو لم يفد التعليق انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط لكان
التعليق لغوا يجب تنزيه كلام الحكيم عنه وفيه أولا أن الخروج عن اللغوية لا ينحصر في اعتبار هذه
الفايدة بل يكفي مطلقها وأصالة عدم الفايدة الأخرى لا تنفى احتمالها مع أن الغالب وجود الفوائد
وثانيا أن هذا لا يناسب القول بالحجية ولا يوافق القول بالدلالة اللفظية كما هو المعهود في هذا
المقام في ألسنة القائلين بالحجية فإن المعيار في أمثال هذه المقامات إثبات الحقيقة والتشبث
بأصالة الحقيقة ليكون قاعدة في اللفظ المخصوص ولا يخرج عن مقتضاه إلا فيما دل دليل على خلافه
من الخارج ولذلك يتمسكون بالتبادر وفهم أهل اللسان كما يستفاد من استدلالهم ببعض
الأخبار المذكورة في كتب الأصول وأما إثبات الكلية اللفظية من جهة الدلالة العقلية بمعنى أن
العقل يحكم بأن كل موضع لم يظهر للشرط فايدة أخرى سوى ما ذكر فلا بد من حمله على إرادة ذلك
فمع أن ذلك لا اختصاص له بحجية المفاهيم فضلا عن خصوص مفهوم الشرط ولا يقتضي تأصيل
أصل على حدة لحكم مفهوم الشرط أو مطلق المفهوم بل هو يجري في جميع المواضع وإنه إنما يتم لو وجد
مقام لم يحتمل فايدة أخرى توجب الخروج عن اللغوية وهو ممنوع يرد عليه أنه يؤل النزاع حينئذ بين
المثبت والمنكر إلى تجويز اللغو في كلام الحكيم وعدمه لو وجد مثل هذا الفرض ولا أظن أحدا من المنكرين
يرضى بذلك بل الظاهر مهم أنهم إما ينكرون وجود موضع لا يحتمل فايدة أخرى وإن ذلك إثبات
اللغة بالعقل وما يقال من أن الاستقراء يحكم بأن كل ما وجد لفظ لا يتصور له فايدة
سوى فايدة معينة فهو موضوع له فهو بمعزل عن التحقيق غاية الامر استفادة كون المعنى مرادا من
اللفظ وأما كونه مدلولا بالدلالة اللفظية فكلا فإن قيل إنما نحن نقول بأن مفهوم الشرط حجة
إذا لم يظهر فائدة سوى انتفاء الحكم عند انتفائه ظهورا مساويا لها أو أزيد منها وبالجملة إذا كان
هذه أظهر الفوائد لا إذا لم يحتمل فايدة أخرى قلنا هذا أيضا لا يثبت الدلالة اللفظية وأما
العقلية الحاصلة بسبب القرائن الخارجية فالظاهر أن المنكر أيضا
176

العقلية الحاصلة بسبب القرائن الخارجية فالظاهر أن المنكر أيضا يعترف بحجيته ولكنه لا يصير
قاعدة كلية بخصوص المقام كما هو مقتضى القواعد الأصولية فالذي يليق بقواعد الفن إثبات أظهريتها
من بين (الفوائد)؟ مطلقا لا أنه إذا كان أظهر الفوائد في موضع يكون حجة في ذلك الموضع واحتج النافون
بأن (؟ شرط)؟ هو تعليق الحكم به وليس يمتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط أخر ولا يخرج من أن
يكون شرطا ألا ترى أن انضمام أحد الرجلين إلى الاخر شرط في قبول شهادة الاخر وقد ينوب عنه
انضمام امرأتين أو اليمين فلا يفيد تعليق الحكم بشرط انتفاء الحكم عند انتفائه لجواز ثبوت بدل له
وظاهر هذا الاستدلال تسليم فهم السببية كما ذكرنا لكن المستدل به يتمسك في نفي الحجية باحتمال
النائب فلا يكفي مجرد تعليق الحكم بالشرط في نفي الحكم عند انتفائه وأنت خبير بأن الاحتمال لا يضر
بالاستدلال بالظواهر وإلا لا نسد باب الاستدلال في الآيات والاخبار فنقول فيما لم يثبت
شرط آخر ولم يعلم تحقق سبب آخر الأصل عدمه لا يقال هذا ينافي ما ذكرت سابقا أن معنى حجية المفهوم
هو كون ذلك المعنى مدلولا للفظ في محل السكوت وهذا ليس من قبيل دلالة اللفظ إذ لا يتم ذلك
إلا بانضمام أصالة عدم تعدد السبب لأنا نقول التبادر يقتضي انحصار المدلول ويفيد تعين السببية
في الظاهر وذلك الاحتمال هو احتمال التجوز في الكلام الذي يجري في جميع الألفاظ المستعملة في معانيها
الحقيقية ولا يعتني به أبدا وإلا لما كان للتمسك بأصل الحقيقة معنى وهو خلاف الاجماع وإن ثبت
من دليل آخر وجود سبب آخر كالمثال المذكور فحينئذ نقول الشرط أو السبب أحد المذكورات كما أن
الظاهر من الامر الوجوب العيني فإذا ورد أمران متضادان في محل واحد نحملهما على التخيير وذلك
لا يوجب خروج صيغة الامر عن كونها حقيقة في العيني واحتجوا أيضا بقوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم
على البغاء إن أردن تحصنا فإنه لا يجوز الاكراه مطلقا فلا يصح التعليق لو أريد به انتفاء الحكم عند انتفاء
الشرط وجوابه أن السالبة هذا بانتفاء الموضوع وما يقال ان الواسطة ممكن فلا يستلزم نفي إرادة
التحصن إرادة البغاء حتى لا يمكن الاكراه فقد يحصل الذهول عنهما فهو مدفوع بأنها تنتفي عند
التنبيه وقد يجاب أيضا بأن مفهوم الشرط إنما يكون حجة إذا لم يظهر له فائدة سواه وهو متحقق هنا
مثل تنبيه الموالى على أنهن إن أردن التحصن مع ما بهن من الضعف والقصور فأنتم أولى بذلك
ويظهر لك ما في هذا الجواب مما أسلفنا لك سابقا ويمكن أن يقال أن الشرط هنا ورد مورد الغالب
إذ الغالب في تحقق الاكراه هو مع إرادة التحصن فلا حجة فيه كما سيأتي والأولى أن يقال ان مطلق
الاستعمال لا يدل على الحقيقة وبعد ثبوت الحقيقة فهذا استعمال مجازي لكون المجاز خيرا من
177

الاشتراك أو يقال أن اللفظ يقتضي ذلك ولكن القرينة الخارجية مانعة ولولا القرينة على عدم إرادة
المفهوم من الاجماع القاطع (لعملنا)؟ على مفهومه فالاجماع هو القرينة على عدم إرادة ذلك وأولى
المعاني التي يمكن حمل الآية عليها حينئذ هو التنبيه على علة الحكم فإن القيد الوارد بعد النهي على ما ذكره بعض
المحققين إما أن يكون للفعل مثل لا تصل إلا إذا كنت محدثا أو للترك مثل لا تبالغ في الاختصار إن
حاولت سهولة الفهم أو للعلة مثل لا تشرب الخمر إن كنت مؤمنا وما نحن فيه من هذا القبيل
أقول ومن هذا القبيل قوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن
بالله الآية قانون اختلفوا في أن تعليق الحكم على وصف يدل على انتفائه عند انتفاء
الوصف أم لا سواء كان الوصف صريحا مثل أكرم كل رجل عالم أو في السائمة زكاة ولي الواجد
يحل عقوبته أو مقدرا كقوله عليه السلام لان يمتلئ بطن الرجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا فامتلاء البطن
من الشعر كناية عن الشعر الكثير فمفهومه أنه لا يضر الشعر القليل احتج المثبتون بمثل ما تقدم في
مفهوم الشرط من لزوم اللغو في كلام الحكيم فلو لم يفد انتفاء الحكم عند انتفائه لعرى الوصف حينئذ عن
الفايدة ولعده العقلاء مستهجنا مثل قولك الانسان الأبيض لا يعلم الغيب وبأن أبا عبيدة الكوفي
فهم من قول النبي صلى الله عليه وآله لي الواجد يحل عقوبته وعرضه أن لي غير الواجد لا يحل عرضه وقال أنه يدل
على ذلك وهو من أهل اللسان والجواب عن الأول يظهر مما سبق فإنه يلزم اللغو لو لم يحتمل فايدة
أخرى والفوائد المحتملة كثيرة مثل الاهتمام بحال المذكور مثل حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
أو احتياج السامع إليه أن سبق بيان غيره أو ليستدل السامع على المسكوت عنه فيحصل له رتبة
الاجتهاد أو غير ذلك مما ذكروه فإن قيل نقول بذلك إذا كان ذلك أظهر الفوائد فيجاب عنه بما
تقدم في مفهوم الشرط وبالجملة التعليل بلزوم العراء عن الفائدة وإخراج الكلام عن اللغوية لا
يقتضي إلا ثبوت فائدة ما فاد أثبت من القرينة الخارجية أظهرية هذه الفائدة المتنازع فيها
فلا أظن المنكر متحاشيا عن القول بمقتضاه أيضا وما يظهر إنكاره من بعضهم لاحتمال إرادة الغير
كما يظهر نظيره من السيد رحمه الله في مفهوم الشرط حيث اكتفى في نفي الاستدلال بمجرد احتمال تعدد السبب
فهو ضعيف لما بينا ومن هذا القبيل قول أبى عبد الله عليه السلام في صحيحة الفضيل قال قلت له عليه السلام
ما الشرط في الحيوان قال عليه السلام ثلاثة أيام للمشتري قلت وما الشرط في غير الحيوان قال عليه السلام البيعان
بالخيار ما لم يفترقا وأما الاستهجان فممنوع وما يتراى هجنة في المثال المذكور فإنما هو لكون أصل
الحكم في هذا المثال من باب توضيح الواضحات كذلك ذكر الوصف هنا وإلا فقد يكون فايدة الوصف
178

مجرد التوضيح بل نقل عن الأخفش وجماعة من أئمة العرب أن وضع الصفة للتوضيح فقد لا للتقييد وإن
مجيئها للتقييد خلاف الوضع غاية الامر تعارض ذلك مع ما نقل من فهم أبي عبيدة وظهور خلافه في
افهامنا أيضا فيتساقطان فيبقى عدم الدلالة على المدعى وأما الجواب عن الثاني فيظهر مما ذكرنا
من المعارضة مع أن فهمه لعله كان عن اجتهاده في اللغة وكلام اللغويين واحتج النافون بأنه لو
دل لدل بإحدى الثلاث وكلها منتفية اما المطابقة والتضمن فظاهر وإلا لكان منطوقا واما الالتزام
فلعدم اللزوم الذهني لا عقلا ولا عرفا ولي في المسألة التوقف وإن كان الظاهر في النظر أنه لا يخلو
عن إشعار كما هو المشهور إذ التعليق بالوصف مشعر بالعلية لكن لا بحيث يعتمد عليه في الاحتجاج إلا أن
ينضم إليه قرينة كما في صحيحة الفضيل المتقدمة ومن هذا القبيل القيود الاحترازية في الحدود والرسوم
وأما مثل قوله تعالى أعتق رقبة مؤمنة فدلالته على عدم كفاية عتق الكافر ليس من جهة مفهوم الوصف
كما توهم ولا من جهة مجرد الاجماع عليه كما نقله العلامة رحمه الله في النهاية بل لان اتحاد الموجب المطلق والمقيد
مع كون التكليف شيئا واحدا يوجب العمل على المقيد لان العمل على المطلق ترك للمقيد بخلاف
العكس وبالجملة القيد مطلوب فمع تركه لا يحصل الامتثال فعدم الامتثال بعتق الكافرة إنما هو
لعدم صدق الامتثال بالمؤمنة التي ورد الخطاب بها مع كون المطلوب رقبة واحدة ثم أن هيهنا
فوائد الأولى أنهم ذكروا أن حجية مفهوم الشرط والوصف ونحوهما إنما هو إذا لم يكن على طبق
الغالب مثل وربائبكم اللاتي في حجوركم ولا يحضرني منهم كلام في بيان ذلك وعندي أن وجهه أن
النادر إنما هو المحتاج حكمه إلى التنبيه والافراد الشايعة تحضر في الأذهان عند إطلاق اللفظ المعرى
فلو حصل احتياج في الانفهام من اللفظ فإنما يحصل في النادر فالنكتة في الذكر لا بد أن يكون شيئا
آخر لا تخصيص الحكم بالغالب وهو فيما نحن فيه التشبيه بالولد ومما بينا ظهر السر في عدم إطراد الحكم
فيما إذا ورد مورد الغالب في غير باب المفاهيم أيضا ألا ترى أنا لا نجوز التيمم لواجد الماء لمن
منعه زحام الجمعة أن الخروج مع أن الشارع أطلق الحكم بالتيمم لمن منعه زحام الجمعة عن الخروج
وأيضا قالوا باشتراط عدم كون المخالف أولى بالحكم مثل ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق و
النكتة فيه التنبيه على خطأهم في العلة والحجة ويمكن إرجاعه إلى القسم الأول وبالجملة المعتبر في
دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي هو عدم القرينة الظاهرة على إرادة الخلاف فكلما ظهر قرينة على
إرادة غيره فنحملها عليه لا لان الحجية إنما هو إذا لم يظهر للقيد فائدة أخرى كما هو مقتضى الدلالة
العقلية بل لثبوت القرينة على الخلاف كما هو مقتضى الدلالة اللفظية الثانية قد توهم بعضهم
181

ان فائدة المفهوم وثمرة الخلاف إنما تظهر إذا كان المفهوم ومخالفا للأصل مثل ليس في الغنم المعلوفة
زكاة أو ليس في الغنم زكاة إذا كانت معلوفة أو إلى أن تسوم وأما إذا كان موافقا للأصل كما في قوله
في الغنم السائمة زكاة فلا لان نفي الزكاة هو مقتضى الأصل وقال أن دعوى الحجية إنما نشاء من الغفلة
عن ذلك لكون المفهوم مركوزا في العقول من جهة الأصل واستشهد على ذلك بكون الأمثلة
المذكورة في استدلالاتهم من هذا القبيل وأنت خبير بما فيه لكمال وضوح الثمرة والفايدة في
الموافق للأصل أيضا لان المدعي للحجية يقول بأن هيهنا حكمين من الشارع فلا يحتاج إلى الاجتهاد
في طلب حكم المعلوفة كما أن المنكر يحتاج وكونه موافقا للأصل لا يكفي إلا بعد استفراغ الوسع في
تحصيل الظن بعدم الدليل كما سيأتي إنشاء الله تعالى في محله وأيضا الأصل لا يعارض الدليل ولكن الدليلين
يتعارضان ويحتاج المقام إلى الترجيح فإذا اتفق ورود دليل آخر على خلاف المفهوم فيعمل عليه
من دون تأمل على القول بعدم الحجية ويقع التعارض بينه وبين المفهوم على القول بالحجية وربما
يترجح المفهوم على المناطيق إذا كان أقوى فضلا عن منطوق واحد وما جعله منشأ للغفلة هو
غفلة عن المتوهم إذ كلماتهم مشحونة بالحكم في المخالف للأصل والموافق والأمثلة واردة على القسمين
كما لا يخفى على المتتبع الثالثة مقتضى المفهوم المخالف إنما هو رفع الحكم الثابت للمذكور على الطريقة
الثابتة للمذكور وقد وقع هنا توهمان أحدهما ما أشرنا سابقا إليه من أن مفهوم قولنا إعط زيدا
إن أكرمك لا تعطه إن لم يكرمك وهو باطل لان رفع الايجاب هو عدم الوجوب وهو أعم من الحرمة
التي هي مقتضى النهي نعم إذا كان الحكم الموافق هو الجواز بالمعنى الأعم يكون مفهومه الحرمة كقوله صلى الله عليه وآله كل
ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب فإن مفهومه أن كل ما لا يؤكل لحمه لا يتوضأ من سؤره ولا
يشرب فإنه وإن كان مفهومه الصريح نفي الجواز لكنه ملزوم للحرمة وثانيهما ما صدر عن جماعة من
الفحول قال بعضهم إن مفهوم قولنا كل غنم سائمة فيه الزكاة ليس كل غنم معلوفة فيه الزكاة وان
هذا يصدق على تقدير ان يجب في بعض المعلوفة الزكاة وعلى تقدير ان لا يجب في شئ منها ومفهوم
قولنا بعض السائمة كذلك هو عدم صدق قولنا بعض المعلوفة كذلك ويلزمه أن يصدق قولنا
لا شئ من المعلوفة كذلك ويلزمه أن يقول أن مفهوم قولنا لا شئ من المعلوفة كذلك هو بعض
السائمة كذلك ورد بعضهم على صاحب المعالم حيث ادعى أن مفهوم قولنا كل حيوان مأكول اللحم
يتوضأ من سؤره ويشرب منه هو أنه لا شئ مما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب بأن هذه
دعوى لا شاهد له عليها من العقل والعرف والعلامة على الشيخ رحمه الله كذلك وأنت خبير بأن ذلك
182

التوهم يشبه بأن يكون إنما نشاء من بعضهم من جعل المفهوم نقيضا منطقيا للمنطوق وإن كان
صدور مثل ذلك في غاية البعد من مثلهم بل ممن دونهم بمراتب لاختلاف الموضوع ولذلك يتصادقان
أيضا والظاهر أن مراد من أطلق النقيض على المفهوم كفخر الدين الرازي إنما هو أن المفهوم رافع لحكم
المنطوق فإن نقيض كل شئ دفعه والمراد رفع ذلك الحكم من غير الموضوع والحق هو ما فهمه الشيخ و
صاحب المعالم فإن الحكم المخالف في جانب المفهوم إنما يستفاد من جهة القيد في المنطوق فكل
قدر يثبت فيه القيد وتعلق به من أفراد الموضوع فيفهم انتفاء الحكم بالنسبة إلى ذلك القدر وإلا لبقي
التعليق بالنسبة إليه بلا فايدة وما يقال من أن الفايدة تحصل في الجملة بثبوت المخالفة في الجملة
فهو بمعزل عن التحقيق إذ يبقى التصريح بتعلقه بالجميع بلا فايدة فمفهوم قولنا كل غنم سائمة فيه
الزكاة لا شئ من المعلوفة كذلك فإن وجوب الزكاة معلق على سوم كل غنم فيرتفع بمعلوفية كل
غنم وما قيل إن ذلك لعله لعدم وجود أمر مشهور مشترك بين افراد المنطوق وبعض أفراد المسكوت
عنه يعني أن جميع أفراد ما يؤكل لحمه مثلا يجوز الشرب والتوضأ من سؤره فنطق به في الكلام و
إنما لم يشرك بعض الافراد الغير المأكول أيضا مع كونه شريكا للمنطوق لأجل عدم لفظ مشهور جامع
لهما فيبقى بيانه إلى وقت الحاجة ففيه أنه لا ينحصر الإفادة في وجود اللفظ المشهور المشترك فقد يصح
أن يقال مثلا كل حيوان يجوز التوضأ من سؤره إلا الكلب مثلا وكذلك في قوله كل غنم سائمة
فيه الزكاة مع ثبوت الحكم لبعض المعلوفة أيضا يمكن أن يقال كل غنم فيه الزكاة إلا النوع الفلاني
فلا ينقطع المناص حتى يلتزم تأخير البيان وغيره من الخزازات فلا بد للقيد من فايدة والمفروض
أنه ليس إلا نفي الحكم عن غير محل النطق مع أن القول بكون استعمال القيد هنا لذلك لا لاخراج
غير المقيد عن الحكم خروج عن مقتضى القول بحجية المفهوم إذ هو إما مبني على التبادر من اللفظ
أو على لزوم خلو كلام الحكيم عن الفايدة لولاه كما تقدم وهو إنما يصح لو لم يكن هناك فائدة أخرى و
أما ما ذكره بعضهم أن مفهوم قولنا بعض الغنم السائمة فيه الزكاة إلخ إن أراد به أن تكون السائمة
صفة لبعض الغنم وبيانا له لا للغنم فقط كما هو المناسب لطريقة أهل الشرع فمفهومه أن ليس في
البعض الاخر الذي هو المعلوفة زكاة ولا ما ذكره وإن أراد البعض الغير المعين بل يكون السائمة صفة
للغنم لا للبعض كما هو الظاهر من كلامه وهو الموافق لطريقة أهل الميزان فحينئذ يتوجه الحكم نفيا وإثباتا
إلى البعض فإنه القيد الأخير لا السوم والنفي والاثبات إنما يرجعان إلى القيد الأخير على التحقيق
فمفهومه حينئذ أن البعض الاخر من السائمة ليس يجب فيه الزكاة وهذا مما يعز ويقل وروده في كلام
185

الشارع فإنه تكليف بمبهم مجهول وبالجملة فالمستفاد من العقل والعرف هو ما فهمه الشيخ وصاحب
المعالم رحمه الله لا ما فهموه فالتحقيق أن يقال إن جعلنا السور من جملة الحكم وجعلنا الموضوع نفس
الطبيعة المقيدة فالأقرب ما ذكره هؤلاء وإن جعلناه جزء الموضوع بأن يرجع القيد إلى كل واحد
مما يشمله السؤر فالأقرب ما اخترناه مثلا اما نقول الحيوان المأكول اللحم حكمه أنه يجوز استعمال
سؤر كل واحد من أفراده أو نقول كل واحد من أفراد الحيوان المأكول اللحم حكمه جواز استعمال سؤره
فلا بد ان يتأمل في أن معنى قولنا كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره موافق لأيهما وأيهما يتبادر منه
في العرف والأظهر الثاني للتبادر فيكون الوصف قيدا لكل واحد من الافراد فالمفهوم يقتضي نفي
الحكم حيث انتفى ذلك القيد الرابعة لا دلالة في قولنا في الغنم السائمة زكاة على نفي الزكاة من معلوفة
الإبل بإحدى من الدلالات واستدل فخر الدين على ذلك بأن دليل الخطاب نقيض المنطوق فلما
تناول المنطوق سائمة الغنم كان نقيضه مقتضيا لمعلوفة الغنم دون غيرها وهذا الاستدلال ضعيف
لما أشرنا إليه والأولى ما ذكرنا احتج بعض الشافعية على الدلالة بأن السوم يجري مجرى العلة فيثبت
الحكم بثبوتها وينتفي بانتفائها وفهم العلية العامة ممنوع وإلا لكان وجها وجيها قانون
الحق أن مفهوم الغاية حجة وفاقا لأكثر المحققين والظاهر أنه أقوى من مفهوم الشرط ولذلك قال
به كل من قال بحجية مفهوم الشرط وبعض من لم يقل بها والمراد بالغاية هنا النهاية لا المسافة كما هو
عند النحاة بخلافها في قولهم إلى لانتهاء الغاية فالمراد أن تعليق الحكم بغاية يدل على مخالفة حكم ما
بعد النهاية لما قبلها وأما نفس النهاية ففيها خلاف آخر ذكروها في مبحث بيان أن إلى لانتهاء
الغاية فلنقدم الكلام فيه لتقدمه على ما بعده فنقول اختلفوا فيه على أقوال ثالثها دخولها في
المغيا إن كانتا من جنس واحد كقولك بعتك هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف وإلا
فلا كقول القائل صوموا إلى الليل والظاهر أن دليلهم في ذلك عدم التمايز فيجب إدخاله من باب
المقدمة كما في إدخال المرفق في الغسل بخلاف ما لو اختلفا في الماهية وتميزا في الخارج فلا يظهر حينئذ ثمرة
بين هذا القول وبين القول بالعدم مطلقا ورابعها التوقف لتعارض الاستعمالات وعدم الترجيح
والحق عدم الدخول لأنه الأصل بمعنى أن اللفظ لا يدل على الدخول والأصل عدم إرادة المتكلم ذلك و
إلا فقد يكون الدخول موافقا للأصل بل المتبادر من اللفظ عدم الدخول فيكون ذلك أيضا مفهوما
من التعليق بكلمة إلى وأما دخول المرفق في آية الوضوء فإنما هو من دليل خارج لا لان إلى بمعنى مع
لان الحق أنه لانتهاء الغاية وكونه بمعنى مع مجاز وإنما يصار إليه من جهة الدليل الخارجي ثم إن التوقف
186

لا يستلزم القول بالاشتراك كما توهمه فخر الدين وأبطله بأنه لا يمكن القول بالاشتراك لعدم جواز وضع
الشئ لوجود الشئ وعدمه اما أولا فلان الاستعمال أعم من الحقيقة والاجمال أعم من الاشتراك ولا
ينحصر التوقف في صورة الاشتراك وأما ثانيا فلجواز الاشتراك بين الوجود والعدم كما في القرء
وأما ما قاله فخر الدين من أنه لغو لخلو الكلام عن الفايدة حين التردد بين الوجود والعدم لان
التردد بين النفي والاثبات حاصل لكل واحد قبل إطلاق اللفظ أيضا ففيه أنه قد يحصل الفايدة
بمثل قول القائل اعتدي بقرء فتأمل في ذلك فإنه يمكن إرجاع الطهر إلى الوجودي أيضا
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى أصل المسألة والحق ما قلناه لان المتبادر من قول القائل
صوموا إلى الليل أن اخر وجوب الصوم الليل ولا يجب بعده ومن قوله تعالى ولا تقربوهن حتى
يطهرن عدم حرمة المقاربة بعد حصول الطهر فلو ثبت الصيام بعد الليل أيضا أو حرمة المقاربة بعد حصول
الطهر أيضا لما كان الغاية غاية وهو خلاف المنطوق فإن قلت أنه لو كان خلاف المنطوق فيكون
الكلام مع التصريح بعدم إرادة المفهوم مجازا ولم يقل به أحد وأيضا فإن كان المراد من قولك آخر
وجوب الصوم الليل ما ينقطع عنده الصوم فقد صار هذا المفهوم من جملة المنطوق وإن كان المراد
ما ينتهي عند الصوم سواء انقطع أو لم ينقطع فلا يلزم خلاف المنطوق في المسكوت أعني ما بعد
الغاية قلت إن أردت من التصريح بعدم إرادة المفهوم مثل أن يقول المولى لعبده سر إلى البصرة
ولا أريد منك عدم السير بعنوان الوجوب بعده فهو مجاز وهو لازم كل من يقول بحجية مفهوم
الغاية فكيف تقول بأنه لم يقل به أحد وإن علم من المتكلم إرادة الحقيقة فلا بد أن يحمل ذلك على النسخ
إن قلنا بجواز النسخ فيما كان آخره معلوما خصوصا إذا كان قبل حضور وقت العمل وإلا فبقبح
صدوره عن الحكيم وإن أردت من ذلك مثل أن يقول سر إلى البصرة ومنها إلى الكوفة ومنها إلى
بغداد ففيه أن أمثال ذلك يقال في العرف لتحديد المنازل أو لاعلام المعالم فيتجدد المسافة من كل علم
ومنزل فلكل مسافة مبدء ونهاية يلاحظان بالنسبة إليها ويعتبر أن بخصوصها فلا يرد تجوز ولا يحصل
منه نقض على القاعدة وكذلك لا يتم النقض بمثل قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصى مع ثبوت إسرائه إلى السماء وكذلك قول الفقهاء إذا صام المسافر إلى نصف
النهار ثم سافر لا يجوز له الافطار كما صدر من بعض الفضلاء فإن القرينة قائمة على إرادة الخلاف و
مطلق الاستعمال أعم من الحقيقة والاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب خروج اللفظ عن كونه حقيقة
في غيره والنكتة في الأول أن المحسوس المعاين في نظر الكفار (المتعنتين)؟ إنما كان ذلك الذي ذكر في
187

في الآية وكان يمكن إثبات هذه الدعوى بما يحصل لهم المشاهدة كاخباره صلى الله عليه وآله عن
(عيرهم)؟ وعما وقع فيهم في أثناء الطريق وكان تحصل المعجزة بمجرد ذلك أيضا فالمذكور ما بعد إلى إنما هو
المنتهى فيما هو مقصود البيان لهم الممكن التسليم عندهم وكذلك المراد من قولهم إذا صام المسافر إلى
نصف النهار هو الامساك المخصوص المشروط بالشروط لا نفس الصوم وإلا فلا معنى للصوم الحقيقي إلى
نصف النهار ففي الحقيقة مفهوم الغاية هنا حجة بمعنى أن المعتبر فيما له مدخلية في عدم جواز الافطار هو
الامساك إلى نصف النهار فالامساك ما بعد نصف النهار لا مدخلية له في ذلك فكأنه قال الموجب
لعدم الافطار إنما هو الامساك إلى نصف النهار وهكذا الكلام فيما يرد عليك من نظائر هذه وأما
قولك وأيضا إلخ فنقول هناك شق ثالث وهو أن المراد هو الاخر والمنتهى لا بشرط من شئ مطلقا لا خصوص
ملاحظة أن ما بعد الاخر ونفسه مخالف لما قبله وينقطع الحكم عنده ولا عموم ذلك بمعنى أن يلاحظ
أن الليل اخر مثلا سواء كان ما بعد الدخول مخالفا أو موافقا منقطعا عنده الصوم أم لا ثم ندعي استلزام
ذلك المطلق كون حكم ما بعده مخالفا لما قبله احتج المنكرون بعدم دلالة اللفظ على ذلك بإحدى من
الدلالات أما الأولان فظاهر وأما الالتزام فلعدم اللزوم وبالاستعمال فيهما معا فيكون للقدر
المشترك لكون المجاز والاشتراك خلاف الأصل ويظهر الجواب عنهما بالتأمل فيما ذكرناه
قانون مفهوم الحصر حجة والمراد به على ما ذكره جماعة من المحققين هو أن يقدم الوصف على
الموصوف الخاص خبرا له مثل الأمير زيد والشجاع عمرو فيستفاد منه الحصر لان الترتيب الطبيعي خلافه
والعدول عنه إنما هو لذلك وقد يقال أن الأولى تعميم المبحث في كل ما قدم وكان حقه التأخير على ما ذكره
علماء المعاني وفيه إشكال لتعدد الفايدة مثل الاهتمام بالذكر أو التلذذ أو غير ذلك فلا بد إما من
دعوى التبادر وهو غير مسلم في الجميع أو ذكر دليل آخر وسيجئ الدليل في خصوص ما نحن فيه واختلفوا
في كون الدلالة فيما نحن فيه من باب المفهوم أو المنطوق والصواب ترك هذا النزاع لان الحصر معنى
مركب من إثبات ونفي وما له المدلول مذكور في أحدهما فيستفاد المجموع من المجموع وإن جعل عبارة
عن نفي الحكم المذكور عن الغير فلا ريب أنه مفهوم على ما مر والدليل على إفادة الحصر أمران الأول
التبادر فإن المتبادر من قولنا العالم زيد أن العالمية لا يتجاوز عن زيد إلى عمرو وبكر وغيرهما و
الثاني أنه لو لم يفد الحصر للزم الاخبار بالأخص عن الأعم وهو باطل وتقريره أن المراد بالصفة إن
كان هو الجنس فيستحيل حمل الفرد عليه لان الحمل يقتضي الاتحاد والفرد الخاص ليس عين حقيقة
الجنس فينبغي أن يراد منه مصداقه وهو ليس بفرد خاص لعدم العهد وعدم إفادة العهد الذهني
188

فيحمل على الاستغراق فيصير المعنى أن كل ما صدق عليه العالم فهو زيد وهذا لا يصح إلا إذا انحصر مصداقه
في الفرد لاستحالة اتحاد الكثيرين مع الواحد وذلك إما حقيقة كما لو فرض انحصار الامارة في الخارج و
إما ادعاء ومبالغة كما في قولنا الشجاع عمرو والرجل بكر فالمراد هو المصداق الكامل وقد لا يحتاج إلى
صرف الصفة إلى استغراق الافراد بأن يدعي وحدة الجنس مع هذا الفرد كما في قولك هل سمعت بالأسد
وتعرف حقيقته فزيد هو هو بعينه كما ذكره عبد القاهر في الخبر المحلي باللام وهو الظاهر من الزمخشري
في تفسير قوله تعالى أولئك هم المفلحون وهذا معنى أعلى من الحصر في المبالغة وهو بعينه جار في قولنا
الأمير زيد واحتج النافون بان ذلك لو صح لصح في العكس يعني في مثل زيد الأمير وعمرو العالم لجريان
ما ذكر فيه أيضا وبأنه لو كان الأصل مفيدا له دون العكس لتطرق التغيير في مفهوم الكلمة بسبب
التقديم والتأخير مع عدم تطرق تغيير في المفردات وإنما وقع في الهيئة التركيبية أقول أما الجواب
عن الأول فأما أولا فبالقول بالموجب كما صرح به علماء المعاني ويظهر وجهه مما سبق واما ثانيا
فبالفرق بين صورة التقديم والتأخير فإن الموضوع هو الذات والمعروض والمحمول هو الوصف
والعارض ولذلك اصطلح المتكلمون على إطلاق الذات على المبتدأ والوصف على الخبر فإذا وقع
الوصف مسندا إليه فالمراد به الذات الموصوفة به فالمراد بالأمير في قولنا الأمير زيد الذات
المتصفة بالامارة فإذا اتحد الذاتان بحسب الحمل فيلزم الحصر أعني حصر الامارة في زيد وإن اقتضى
قاعدة الحمل كون المراد بزيد هو المسمى ولم يفد انحصار وصفه في الامارة وإذا وقع مسندا فالمراد به
كونه ذاتا موصوفة به وهو عارض للأول والعارض أعم والحمل وإن كان يوجب الاتحاد لكن حمل الأعم
على الأخص معناه صدق الأعم على الأخص وذلك لا يوجب عدم وجوده في ضمن غيره كما في الكلي الطبيعي
بالنسبة إلى أفراده فالمراد من الاتحاد أن المحمول موجود بوجود الموضوع أو أن المحمول والموضوع
موجودان بوجود واحد لا أنهما موجود واحد وبهذا يندفع ما يورد هنا أن الحمل لو اقتضى الاتحاد
وأوجب القصر فيما نحن فيه للزم ذلك في الخبر المنكر أيضا مثل زيد إنسان فإن المراد من إنسان هو
مفهوم فرد ما لا مصداقه كما اشتهر بينهم أن المراد بالمحمول هو المفهوم ومن الموضوع هو المصداق
والمصداق هنا إما فرد معين هو زيد أو غير زيد وإرادة كل منهما محال لاستحالة حمل الشئ على
نفسه وعلى غيره ومفهوم فرد ما قابل لجميع الافراد فإذا اتحد مع الموضوع في الوجود بسبب الحمل لزم
الحصر لما ذكرنا أن ذلك لا يفيد إلا اتحاده مع الموضوع في الوجود لا أنهما موجود واحد والحق أن
صورة العكس أيضا يفيد الحصر لا لإفادة الحمل ذلك من حيث هو حتى يرد أن الاتحاد الحملي لا
189

يقتضي ذلك بل لان حمل الجنس أو الاستغراق يفيد ذلك أما الاستغراق فظاهر وأما الجنس فلان
المقصود منه إن كان مجرد صدق هذا الجنس ولو من حيث أنه فرد منه لتم ذلك بحمل المنكر مثل زيد أمير
فيبقى التعريف لغوا فعلم منه أن المقصود أن زيدا هو حقيقة الأمير وماهيته فيفيد المعنى الذي هو أعلى
من الحصر كما مر إليه الإشارة وأشار إلى ما ذكرنا المحقق الشريف في بعض حواشيه فظهر من جميع ما ذكر
أن قولنا الأمير زيد يدل على الحصر من وجهين أحدهما تقديم المتأخر بالطبع وإن صار موضوعا الان
والثاني التعريف على ما مر بيانه وأما صورة العكس فمن جهة واحدة هو التعريف وأما الجواب عن
الثاني فيظهر ما تقدم أيضا وتوضيحه منع بطلان التالي لو أريد به مجرد المغايرة في إرادة الذات و
الصفة ومنع الملازمة إن أريد غير ذلك والتحقيق قد مر ثم إن الكلام لا يختص بالمعرف باللام بل كلما
يراد به الجنس حكمه ذلك مثل قولك صديقي زيد حيث لا عهد خارجي فإنه يحمل على الجنس أو الاستغراق
كما في قولك ضربي زيدا قائما فالجهتان المتقدمتان حاصلتان فيه وأما صورة العكس فلا يجري ما
قدمنا في المعرف باللام فيه بل الظاهر أن معناه زيد صديق لي على طريق الإضافة اللفظية ثم قد ظهر
لك مما مر من تعدد الجهتين ان المسند إليه إذا كان معرفا باللام يفيد حصره في المسند وإن لم يكن حقه
التأخير أيضا كما في قولهم الكرم التقوى والعلماء الخاشعون والكرم في العرب والامام من قريش كما صرح
به علماء المعاني ولا يلزم منه كون كل ما في العرب كريما ولا كل من في القريش إماما كما لا يلزم في زيد قائم
أو إنسان انحصار القائم والانسان في زيد وأما الحصر بإنما والمراد به نفي غير المذكور أخيرا كقولك إنما زيد
قائم في قصر الموصوف على الصفة وإنما القائم زيد في العكس فالأشهر الأقوى فيه الحجية للتبادر عرفا
ونقله الفارسي عن النحاة وصوبهم وكذلك لغة أيضا مع أصالة عدم النقل ويدل عليه أيضا استدلال
العلماء بمثل قوله صلى الله عليه وآله إنما الأعمال بالنيات وإنما الولاء لمن أعتق على نفي العمل من دون نية ونفي الولاء
لغير المعتق من دون نكير وإن كان يمكن القدح فيه بأنه مقتضى التعريف في المسند إليه كما مر فقوله عليه السلام
إنما الأعمال بالنيات في قوة الموجبة الكلية المناقضة للسالبة الجزئية وأنت خبير بكمال وضوح
الفرق بين الملحوق بإنما وعدمه وإن قلنا بدلالة تعريف المسند إليه أيضا ولا أظن أن من يعتمد على
دلالة تعريف المسند إليه على ذلك لا يعتمد على دلالة إنما عليه مع كمال وضوحه وكيف كان فالعمدة
هو التبادر في سائر الموارد وقد يستدل بصحة انفصال الضمير معه في مثل قوله الفرزدق وإنما
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي فإن الوجوه المجوزة للفصل مفقودة سوى أن يكون الفصل
لغرض وهو أن يكون المعنى ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا وقد يستدل أيضا بان أن للاثبات وما
190

للنفي ولا يجوز أن يكونا لاثبات ما بعده ونفيه بل يجب أن يكونا لاثبات ما بعده ونفي ما سواه أو على
العكس والثاني باطل بالاجماع فتعين الأول وهو ضعيف لان ان إنما هو لتأكيد الكلام نفيا كان أو
إثباتا كقوله تعالى فإن الله لا يظلم الناس شيئا وما النافية لا تنفي إلا ما دخلت عليه بإجماع النحاة فهي
كافة كما في ليتما ولعلما وغيرهما كما صرح به ابن هشام وغيره والتحقيق أنه كلمة متضمنة لمعنى ما وإلا
بحكم التبادر واستعمال الفصحاء وقد نوقض بقوله تعالى إنما المؤمنون الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم
لعدم انحصار المؤمنين في المذكور وإنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس لعدم انحصار إرادة الله
في إذهاب الرجس عنهم وإنما أنت منذر من يخشاها أي الساعة لانذاره غيرهم أيضا وفيه أن المراد
في الأول الكمل منهم وفي الثاني أن إرادة إذهاب الرجس مقصور على أهل البيت عليهم السلام في
زمانهم لا غيرهم لانحصار مطلق إرادة الله في ذلك إذ عرفت أن النفي يرجع إلى غير المذكور أخيرا
وفي الثالث الانذار النافع وعلى فرض التسليم فالمجاز خير من الاشتراك ومطلق الاستعمال بدل
على الحقيقة وقد أثبت كونها حقيقة فيما ذكرنا واحتج منكر الحجية بأنه لا فرق بين أن زيدا
قائم وإنما زيد وما زائدة فهي كالعدم وقد عرفت الفرق واختلف المثبتون أيضا فقيل أنه بالمنطوق
لأنه لا فرق بين إنما إلهكم الله وبين لا إله إلا الله ويظهر لك بطلانه مما مر في تعريف المفهوم و
المنطوق وقد أشرنا إليه آنفا أيضا وأما ما وإلا فلا خلاف في حجية مفهومهما ظاهرا والظاهر أن الدلالة
فيهما بالمنطوق فلاوجه لجعله من باب المفهوم قانون الحق أنه لا حجية في مفهوم الألقاب
لعدم دلالة اللفظ عليه بإحدى من الدلالات ولأنه لو دل لكان قولنا زيد موجود وعيسى رسول الله
كفرا لاستلزامهما نفي الصانع ورسالة نبينا صلى الله عليه وآله واحتج الدقاق وبعض الحنابلة على الدلالة
بأن التخصيص بالذكر لا بد له من مخصص ونفي الحكم عن غيره صالح له والأصل عدم غيره وأيضا قول القائل
لست زانيا ولا أختي زانية يدل على أن المخاطب وأخته زانيان وأوجب الحنابلة الحد عليه لهذا والجواب
عن الأول أن تعلق الإرادة مخصص وليس الاسم واللقب قيدا زايدا في الكلام حتى يحتاج إلى زائدة خاصة
في ذكره وفائدته فايدة أصل الكلام وعن الثاني أن القرينة قائمة على إرادة التعريض وأما مفهوم العدد
فمذهب المحققين عدم الحجية فلو قيل من صام ثلاثة أيام من رجب كان له من الاجر كذا فلا يدل على
عدمه إذا صام خمسة نعم يحتاج جوازه إلى الرخصة من الشارع لان العبادة توقيفية يحتاج إلى التوظيف
لا لان القول الأول ناف له فإذا صام الزايد من باب عموم الصوم فلا ضرر أصلا وكذلك الكلام في
عدد الأذكار والتسبيحات ولكن في بعض الاخبار المنع عن التعدي والظاهر أنه من جهة اعتقاد أن الزايدة
191

مثل المأمور به في الاجر لا لعدم الجواز وأما إذا قيل يجب عليك صوم عشرة أيام فلا يجوز الاكتفاء بالخمسة
لعدم الامتثال بالمنطوق حينئذ لا لان المفهوم يقتضي ذلك ولورود الامر بخمسة أخرى فلا يعارض السابق
بأن يقال أن مفهوم القول الأول يقتضي عدمها فلا بد من الترجيح وأما في بعض المواضع الذي لا يجوز
التعدي إلى ما فوق وما تحت فإنما هو بدليل خارجي فعدم جواز زيادة الحد مثلا على الثمانين أو
المأة جلدة فإنما هو لحرمة الايذاء من دون إذن من الشارع فيقتصر على التوظيف وعدم قبول
الشاهد الواحد إنما هو لفقدان الشرط وهو الشاهدان فهو مقتضى
المنطوق كما أشرنا وكذلك كون الماء أقل من كر أو أو قلتين في النجاسة ولذلك ترى أن الأكثر أيضا
لا ينجس ولأن المناط في الحكم هو الكثرة وعدم نقص الماء عن هذا المقدار لا عدم كونه أكثر من ذلك
أيضا وبالجملة الاعداد المعتبرة في الشرع قد يتوافق حكمها مع الأقل والأكثر وقد يتخالف فاستعماله
عام والعام لا يدل على الخاص وقد يتوهم أن تحديد أقل الحيض بالثلاثة وأكثره بالعشرة إنما
استفيد من مفهوم العدد في قوله عليه السلام أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام فإنه لا
يجوز التجاوز ولا الاقتصار بالأقل وفيه ما لا يخفى فإن تحديد الأقل لا يتم إلا بعدم تحقق الحيض
في يومين وإلا لكان هو الأقل وبأن لا يكون الأربعة وإلا فلا يتحقق بثلاثة وليس هذا
من مفهوم العدد في شئ وقس عليه حال الأكثر والظاهر أن الكلام في المقدار والمسافة وأمثالهما
هو الكلام في العدد وأما مفهوم الزمان والمكان فهو أيضا كذلك وذهب إلى حجيتها جماعة و
يظهر الاحتجاج والجواب مما تقدم فإن قلت إذا قيل بعه في يوم كذا وخالف الوكيل فالعقد غير
صحيح وكذا غيره من العقود قلت لان التقييد في الوكالة تابع للفظ ومختص بما قيده لا من حيث
المفهوم بل من حيث انحصار الاذن في ذلك ولذلك لم يخالف من رد المفهوم في اختصاص
الوكالة والوقف ونحوهما بما قيده وصفا وشرطا وزمانا ومكانا وغيرها وصرح بما ذكرنا
الشهيد الثاني رحمه الله في تمهيد القواعد الباب الثالث في العموم والخصوص وفيه
مقدمة ومقاصد أما المقدمة فالعام هو اللفظ الموضوع للدلالة على استغراق
إجزائه أو جزئياته كما عرفه شيخنا البهائي رحمه الله واحترز بقيد الموضوع للدلالة عن المثنى والجمع المنكر
وأسماء العدد فإنها لم توضع للدلالة على ذلك وإن دلت وقوله أجزائه أو جزئياته لدخول مثل
الرجال على كل واحد من المعنيين الآتيين من إرادة العموم الجمعي أو الافرادي وهذا اصطلاح
وإلا فلا مانع من جعل العشرة المثبتة أيضا عاما كما يشهد به صحة الاستثناء بالعام على قسمين
192

إما كلي يشمل أفراده أو كل يشمل أجزائه والعام المعهود الغالب الاستعمال في كلامهم هو المعنى الأول
ولذلك ذكروا أن دلالة العموم على كل واحد من أفراده دلالة تامة ويعبرون عنه
بالكلي التفصيلي والكلي العددي والافرادي وليست من باب الكل اي الهيئة الاجتماعية المعبر عنه
بالكلي المجموعي ويظهر الثمرة في المنفي فلو كان الجمع المضاف في قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم بمعنى الكلي
المجموعي فلم يدل على حرمة قتل البعض بخلاف المعنى الأول نظير ضربت العشرة وما ضربت العشرة
وسيجئ أن العموم قد يستفاد من جهة المقام لاقتضاء الحكمة ذلك وهو أيضا ليس من العام المصطلح
وإن ترتب عليه أحكامه المقصد الأول في صيغ العموم قانون اختلفوا
في كون ما يدعى كونها موضوعا للعموم من الألفاظ موضوعا له أو مشتركا بينه وبين الخصوص أو حقيقة
في الخصوص على أقوال فقيل بالتوقف ثم القائلون بثبوت الوضع للعموم اتفقوا في بعض الألفاظ و
اختلفوا في الاخر فلنقدم الكلام في الخلاف في أصل الوضع فالأشهر الأظهر كونها حقيقة في العموم لنا
التبادر فإن أهل العرف يفهمون من قولنا ما ضربت أحدا ومن دخل داري فله درهم ومتى
جاء زيد فأكرمه ونحو ذلك العموم فلو قال السيد لعبده لا تضرب أحدا ثم ضرب العبد واحدا
لاستحق بذلك عقاب المولى وللاتفاق على دلالة كلمة التوحيد عليه والاتفاق على لزوم الحنث
على من حلف أن لا يضرب أحدا بضرب واحد وإن من ادعى ضرب رجل لو أردت تكذيبه قلت
ما ضربت أحدا فلولا أنه سلب كلي لما ناقض الجزئية فإن سلب الجزئي لا يناقض الايجاب الجزئي و
لقصة ابن الزبعري فإنه لما سمع قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قال
لأخصمن محمدا صلى الله عليه وآله ثم جائه عليه السلام وقال يا محمد صلى الله عليه وآله أليس عبد موسى وعيسى والملائكة ففهمه دليل العموم
لأنه من أهل اللسان وأدل من ذلك جوابه صلى الله عليه وآله حيث قال ما أجهلك بلسان قومك
أما علمت أن ما لما لا يعقل فلم ينكر العموم وقرره وأما استعمال كلمة ما في ذوي العقول أو أعلى
منهم كما في قوله تعالى والسماء وما بناها فإنما هو خروج عن الحقيقة لنكتة وفي رواية أخرى أجاب عليه السلام
بأن المراد (عتاد)؟ الشياطين التي أمرتهم بعبادة هؤلاء فنزل قوله تعالى الذين سبقت لهم منا
الحسنى أولئك عنها مبعدون حجة القائلين بأنها حقيقة في الخصوص وجهان الأول أن
الخصوص متيقن المراد من هذه الألفاظ حيث استعملت سواء أريد منها الخصوص فقط أو في
ضمن العموم بخلاف العموم فإنه مشكوك الإرادة وما كان الوضع مسلما للخصم ولا بد له من مرجح
فالأولى أن يقول أنه موضوع للمتيقن المراد فإنه أوفق بحكمة الواضع حيث أن غرضه من الوضع
193

التفهيم وبهذا التقرير اندفع ما أورد على الدليل بأنه إنما يدل على تيقن الإرادة لا على الوضع والجواب
ان هذا إثبات اللغة بالترجيح العقلي وهو باطل لان طريقه منحصر في النقل اما صريحا محضا بالتواتر
أو الآحاد أو بإعانة تصرف من العقل كما لو أستفيد من مقدمتين نقليتين وضع مثل عموم الجمع
المحلى باللام فإنه ثبت بواسطة مقدمتين مستفادتين من النقل إحديهما ما ثبت من أهل اللغة جواز
الاستثناء منه بأي فرد أمكن إرادته من الجمع واحتمل شموله له في كل موضع وثانيتهما ما ثبت ان
الاستثناء هو اخراج ما لولاه لدخل ويحصل من ذلك أنه يجوز إخراج كل فرد من الجمع ثم العقل يحكم
بأن الشئ ما لم يكن داخلا في شئ لا يمكن إخراجه منه فثبت أن جميع الافراد داخل فيه وهو معنى
كونه موضوعا للعموم وهكذا وأما العقل المحص فلا مدخلية له في إثبات اللغات وأما التبادر
وصحة السلب ونحوهما فإنما هي أدلة للفرق بين الحقيقة والمجاز لا لاثبات أصل الوضع ولا بأس
بتوضيح المقام وإن كان خارجا عما نحن فيه لتنبيه الغافلين فنقول ان الوضع لا يثبت إلا بالنقل
عن الواضع لبطلان مذهب عباد بن سليمان الصيمري وأصحاب التكسير من أن دلالة اللفظ
على المعنى إنما نشأت من مناسبة ذاتية وإلا لتساوت المعاني بالنسبة إلى اللفظ فإما أن يكون
هناك تخصيص وترجيح في الدلالة على المعنى أو لا فعلى الثاني يلزم التخصص من غير مخصص وعلى الأول
التخصيص بلا مخصص وهما محالان والجواب إما بأن المرجح هو الإرادة إما من الله تعالى لو كان
هو الواضع كخلق الحوادث في أوقاتها أو من الخلق لو كان هو الواضع كتخصيص الاعلام بالأشخاص
أو بمنع انحصار المرجح فيما ذكروه لم لا يكون شخص آخر مثل سبق المعنى إلى الذهن من بين المعاني في
غيره تعالى ومصلحة أخرى فيه تعالى مع أنه يدفعه الوضع للنقيضين والضدين واقتضاء اللفظ بالذات
لذلك في وقت دون وقت أو شخص دون شخص مما لا معنى له لان الذاتي لا يتخلف ولذلك
وجه السكاكي هذا المذهب وأوله بأن مراده أن الواضع لم يهمل المناسبة بين اللفظ والمعنى
كما هو مذهب أهل الاشتقاق فذكروا أن الفصم بالفاء لكسر الشئ مع عدم الإبانة والقصم بالقاف
له مع الإبانة للفرق بين الفاء والقاف في الشدة والرخاء كالقسمين من الكسر فثبت أن طريق
ثبوت الوضع هو النقل لعدم إمكان حصول العلم به من جهة أخرى والمرجحات العقلية والمناسبات
الذوقية مما لم يثبت جواز الاستناد إليها في إثبات الأشياء التوظيفية التوقيفية كالأحكام
الشرعية الفرعية ولذلك لا يجوز إثباته بالقياس أيضا كما جوزه قوم من العامة فيما لو دار التسمية
بالاسم مع معنى في المسمى وجودا وعدما كالخمر فإنها دائرة مع تخمير العقل وجودا وعدما فقبله عصير
194

وبعده خل والدوران (يعيد)؟ العلية فكان الواضع قال سميت هذا خمرا لأنه يخمر العقل فكأنه جوز تسمية
كل ما فيه هذه العلة خمرا فيكون ترخيصا منه بالعموم وكترخيصه في سائر الكليات كما أشرنا إليه في أوائل
الكتاب وهو باطل لعدم ثبوت حجية القياس مع أن جماعة ممن جوز العمل بالقياس لم يجوزه في اللغة و
قد يقلب الدوران على المستدل بأن التسمية دارت مع المعنى وهو ماء العنب أيضا فإن
المجموع إذا وجد وجدت التسمية فإذا انتفى انتفت فالعلة مركبة ثم لا يذهب عليك ان رفع كل فاعل
لم يسمع رفعه من العرب ونصب كل مفعول لم يسمع نصبه ونحو ذلك وكذلك إطلاق الرجل على من
لم يطلقه العرف وكذلك أقسام المجازات وأنواع العلائق ليس من باب القياس بل هو المستفاد
من استقراء كلام العرب وتتبع تراكيبهم بحيث حصل الجزم بتجويزهم ذلك وهذا مما لا خلاف في
جواز الاعتماد عليه وأما الاعتماد على التبادر عدم صحة السلب ورجحان المجاز على الاشتراك و
نحو ذلك فليس من باب إثبات الوضع بالعقل بل إنما هو للتميز والتفرقة بين الحقائق المجازات
والحاصل أن الأجنبي باصطلاح قوم الجاهل بأوضاع كلماتهم إذا رأى أنهم يستعملون لفظا في معان متعددة
ولا يعرف أيها حقيقة وأيها مجاز فلا ريب أنه يعرف أن في ذلك الاصطلاح ألفاظا مفردة موضوعة
للمعاني الشخصية أو النوعية وألفاظا مركبة موضوعة للمعاني النوعية وألفاظا مستعملة في غير الموضوعات
لها بعلاقة مجوز نوعها من الواضع ونحو ذلك كما هو الدأب والديدن في جميع اللغات والاصطلاحات
ويعلم أن ما يتكلمون به قد بلغ إليهم من واضع اصطلاحهم حقيقة كان أو مجازا أو لكنه يريد أن يميز
بين الحقيقة والمجاز ويعرف ان المعاني المتعددة التي يستعملون فيها لفظا واحدا على التناوب أيها
حقيقة وأيها مجاز فيتفحص عن أحوالهم فاما يصرحون له بنقل الوضع أو يظهر عليه من مزاولة محاوراتهم
خواص الحقيقة في البعض وخواص المجاز في الاخر فمن خواص الحقيقة التبادر وعدم صحة السلب ومن
خواص المجاز تبادر الغير وصحة السلب ومن العلم بالعرض الخاص يحصل العلم بالمعروض ومعرفة خاصة الشئ
من خارج لا يحتاج إلى النقل من الواضع فالمقصود بالذات من استعلام هذه الخواص تحصيل العلم
بالوضع بعنوان الحقيقة لا تحصيل العلم بمطلق الوضع وإن حصل العلم بالوضع في ضمنه أيضا فإن القدر
المشترك بين الوضع الحقيقي والمجازي حاصل لذلك الجاهل إنما إشكاله في تعيين الخصوصية فطلب
تحصيل العلم بالقدر المشترك تحصيل الحاصل فإن قلت نعم ولكن لا ينفي القول بإثبات اللغة
بالعقل فإن اللغة هو اللفظ الذي وضع لمعنى سواء كان بالوضع الشخصي أو النوعي الحقيقي أو المجازي
فأيها ثبت بالعقل فيلزم ثبوت اللغة بالعقل والمفروض هنا إثبات المعنى الحقيقي مثلا بالتبادر وهو
195

دليل عقلي مع أن إثبات الوضع للخصوص على ما ذكره المستدل هنا أيضا إثبات للحقيقة لا لمطلق
اللغة قلت المراد من عدم ثبوت اللغة بالعقل عدم إمكان الاستدلال عليه من طريق اللم من دون
الاستناد إلى وضع الواضع من حيث هو وضع الواضع وأما طريق الان والاستناد إلى وضع الواضع
من حيث هو فلا مانع منه فإن التبادر وعدم صحة السلب والنقل المتواتر والآحاد كلها معلولات
للوضع ودلالتها انية غاية الامر كون بعضها قطعيا وبعضها ظنيا فلا بد أن يوجه ما ذكروه من أن
طريق إثبات اللغة إما تواتر أو آحاد بأن مرادهم أن طريقه إما قطعي أو ظني فخبر الواحد والتبادر
والتواتر وعدم صحة السلب والاستقراء يعني كون هذه الهيئة الخاصة مثلا مستعملا في معنى خاص
في أكثر الموارد وأمثال ذلك كلها من الظنيات وكلها معلول للوضع وأما خامرية العقل وكون
الأقل متيقن المراد وأمثالهما فهي على فرض تسليمها من العلل الموجدة للوضع التي يستدل بوجودها
على العلم بوجود الوضع أيضا وهذا هو الممنوع ومثل التبادر وأخواته في أدلة الوضع من جملة التوقيفيات
قبالا للنقل المتواتر والآحاد مثل اتفاق العلماء الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام وتقرير الكاشف عنه
قبالا للأخبار المتواترة والآحاد في الشرعيات فافهم ذلك واضبطه فلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول وقد
يعارض الدليل على فرض التسليم بأن العمل على العموم أحوط وهو باطل لان ذلك إنما يتم في الواجب
فقد يكون التكليف بالإباحة هكذا قيل وأورد عليه بالمنع في الواجب مطلقا أيضا كما في اقتلوا المشركين
فإن قتل النفس المحترمة أشد من مخالفة الامر الثاني أنه اشتهر في الألسن حتى صار مثلا أنه مأمن عام
إلا وقد خص منه وهو وارد على سبيل المبالغة وإلحاق القليل بالعدم والظاهر يقتضي كونه حقيقة في الأغلب
مجازا في الأقل تقليلا للمجاز وأجيب بأن احتياج خروج البعض عنها إلى التخصيص بمخصص ظاهر في أنها
للعموم ويوهن التمسك بمثل هذه الشهرة أقول فيه نظر أما في الأول فلان احتياج الخروج إلى مخصص
عند المستدل ليس لظهور العام في العموم بل لان اللفظ عنده موضوع لبعض ما صدق عليه مفهوم
الصيغة من غير تعيين ولما كان ذلك البعض محتملا لكل واحد من الابعاض فالتخصيص إنما يحتاج
إليه لبيان المراد من لفظ العام لان العام ظاهر في الجميع حتى يحتاج إرادة البعض إلى المخصص ولعل
هذا التوهم نشأ من لفظ وقد خص منه وتعبير المستدل بذلك إنما هو ذهاب على ممشى الخصم
وتكلم باصطلاحه وإلا فحاصل مراد المستدل أن غالب استعمال الألفاظ التي يدعى عمومها في بعض ما
يصلح له اللفظ والغلبة علامة الحقيقة فالتحقيق في الجواب منع كون غلبة الاستعمال دليلا للحقيقة
سلمنا لكنه يصير دليلا إذا لم يثبت الدليل على كونها حقيقة في الأقل وقد بينا الأدلة وأما في الثاني
196

فلان متمسك المستدل ليس هو نفس الاشتهار بل لان ذلك المطلوب حقيقة له والمثل مطابق للواقع
حتى أن ذلك المثل أيضا مخصص في نفس الامر بأن الله بكل شئ عليم وإنما قال وارد على سبيل المبالغة
لأنه لو كان المراد ظاهره لكان كاذبا باللزوم التخصيص في نفس المثل واحتج القائل بالاشتراك بالاستعمال
فيهما وظاهر الاستعمال الحقيقة وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز كما مر مرارا وبأنه لو كانت
حقيقة في العموم لعلم اما بالنقل أو بالعقل ولا مجال للعقل والنقل اما تواتر أو آحاد والآحاد لا يفيد
اليقين ولو كان متواترا لاستوى الكل وفيه أن التمييز بين الحقيقة والمجاز لا ينحصر في نص الواضع أو
النقل عنه صريحا بل قد يعلم بوجود الخواص كما أشرنا والخاصة موجودة فيها وهو التبادر كما بينا مع أنه
لا دليل على وجود تحصيل اليقين ولا يلزم استواء الكل في المتواتر لاختلاف الدواعي والموانع وحجة
التوقف عدم ظهور المأخذ وقد عرفته قانون صيغ العموم على القول بوضع اللفظ له كثيرة منها
لفظ كل والأظهر أنه حقيقة في العموم وإرادة الهيئة الاجتماعية منه مجاز لتبادر خلافه وهو العموم الافرادي
وكذلك لفظ الجميع وما يتصرف منه كأجمع وجمع وجمعاء وأجمعين وتوابعه المشهورة و
منها لفظ سائر على إطلاقيه وإن كان أظهر في إرادة الباقي فإنه ظاهر في تمام الباقي ومنها كافة وقاطبة
ومن وما الشرطيتان والاستفهاميتان وأما الموصولتان فلا عموم فيهما إلا أن يتضمن معنى الشرطية
ويفهم ذلك من الخارج وإلا فالأظهر الحمل على الموصولة ولا عموم إلا أن يجعل من باب إطلاق الجنس
كما سيجئ في المفرد المحلى باللام والأظهر الأقوى أن ما حقيقة في غير أولي العلم ودعوى أنه حقيقة في الأعم
منه كما ذهب إليه جماعة ممنوعة وكذلك النكرتان الموصوفتان لا عموم فيهما نحو مررت بمن أو بما
معجب لك وعن بعضهم إلحاق ما الزمانية مثل إلا ما دمت عليه قائما والمصدرية إذا وصلت
بفعل مستقبل مثل يعجبني ما تصنع ومنها أي في الشرط والاستفهام وعن جمهور الأصوليين أنها
عامة في أولي العلم وغيرهم إلا أنها ليست للتكرار بخلاف كل فلو قال لوكيله أي رجل دخل المسجد
فاعطه درهما اقتصر على إعطاء واحد بخلاف ما لو قال كل رجل فإنه يعطي الجميع فعلى هذا يكون عموم
أي عموما بدليا كما في المطلق بخلاف كل ومنها مهما وإذ ما وإيان وأنى ومنها متى وحيث وأين وكيف
وإذا الشرطية إذا اتصلت بواحد منها ما وأما إذا كانت منفردة فقد يحمل على العموم إذا اقتضاه
الحكمة مثل ان وهناك ألفاظ أخر مذكورة في تمهيد القواعد وغيره والمعيار في الكل التبادر (فإن فهم التبادر) فيثبت
الحقيقة وإلا فإن اقتضاه الحكمة أيضا فكما عرفت وإلا فلا عموم وسنفرد الكلام في بعضها (للاشكال) والخلاف
فيه بالخصوص قانون اختلف أصحابنا بعد اتفاقهم ظاهرا في إفادة الجمع المحلى باللام للعموم
197

في دلالة المفرد المحلى عليه وتنقيح المطلب يستدعي رسم مقدمات الأولى المراد بالمفرد هنا
اسم الجنس ولا بد من بيان المراد من الجنس واسم الجنس والفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس (في)؟ النكرة
والمعرف بلام الجنس والجمع واسم الجمع فاعلم أن المراد من الجنس هو الطبيعة الكلية المقررة في نفس
الامر مع قطع النظر عن وضع لفظ له فمفهوم الرجل بمعنى ذات ثبت له الرجولية الذي هو مقابل مفهوم
المرأة هو الجنس ولا يعتبر في تحقق مفهومه وحدة ولا كثرة بل ويتحقق مع الواحد وما فوقه والقليل
والكثير ولفظ رجل اسم يدل على ذلك الجنس لكنهم اختلفوا في أن المراد باسم الجنس هو المهية المطلقة
لا بشرط شئ فيكون مطابقا للمسمى أو المهية مع وحدة لا بعينها ويسمى فردا منتشرا والأقوى الأول
وذلك لان الأسماء التي يتعاور عليها المعاني المختلفة بسبب تعاور الألفاظ الغير المستقلة عليها
كاللام والتنوين والألف والنون وغيرها من التغييرات والمتممات لا بد أن يكون لها مع قطع
النظر عنها معنى شخصي وضع اللفظ له كما أنه يحصل لها بسبب لحوق هذه اللواحق أوضاع نوعية
مستفادة من استقراء كلامهم فالقول بثبوت الوضع الشخصي بالنسبة إلى كل واحد من المعاني بملاحظة
كل واحد من اللواحق في كل واحد من الأسماء لعله جزاف فيستفاد من ملاحظة تعاور المعاني المختلفة
على اللفظ بسبب تعاور الملحقات بحسب المقامات ان هناك مفهوما مشتركا بينهما مع قطع
النظر عن اللواحق يوجد منه شئ في الكل ويتفاوت بحسب المقامات وليس ذلك في مثل رجل إلا
معنى الماهية لا بشرط لا يقال الاسم لا يخلو عن شئ من اللواحق ولا يجوز استعمال بدون شئ منها فلم
لا تقول بأن رجلا منونا مثلا موضوع لكذا ومعرفا باللام موضوع لكذا وملحقا به الألف والنون
لكذا وهكذا فلا يجب فرض الرجل خاليا عن تلك اللواحق حتى يلزم له إثبات معنى ويقال أنه موضوع
للجنس والماهية لا بشرط لأنا نقول أولا أن مفهوم الرجل لا بشرط مع قطع النظر عن التعيين في
الذهن مفهوم مستقل يحتاج إلى لفظ في التفهيم وثانيا أنه أيضا مستعمل في الأسماء المعدودة
ولا ريب أنه ليس بمهمل بل موضوع وليس له معنى إلا ما ذكرناه وثالثا أن كل اللواحق ليس مما
يفيد معنى جديدا ولا يجب أن يؤثر في المعنى تأثيرا فمنشأ التوهم في هذه الاعتراض لزوم إتمام
الاسم بأحد المذكورات ويدفعه أن تنوين التمكن أيضا مما يتم به الاسم ولكنه ليس الغرض منه إلا
أمرا متعلقا بالاعراب كما في جائني زيد فقولك رجل جائني لا امرأة إنما يراد به بيان المهية وكذلك
أسد علي وفي الحروب نعامة وكيف كان فالظاهر أن لفظ رجل إذا خلا عن اللام والتنوين
موضوع للماهية لا بشرط ويؤيده ما نقلنا سابقا عن السكاكي اتفاقهم على كون المصادر
198

الخالية عن اللام والتنوين حقيقة في المهية لا بشرط وعلى هذا فأصل مادة الرجل مع قطع النظر عن اللواحق
اسم جنس وموضوع للماهية لا بشرط شئ وإذا دخل التنوين فيصير ظاهرا في فرد من تلك الطبيعة فالمراد
به الطبيعة الموجودة في ضمن فرد غير معين ومن هنا غلط من أخذ الوحدة الغير المعينة في تعريف اسم
الجنس وادخالها في معناه نظرا إلى أن المقصود من الوضع التركيب لا تفهيم المعنى والاسم لا يستعمل بدون
التنوين واللام وغيرهما من المتممات وأنت خبير بان الخاص لا يدل على العام وكونه كذلك في بعض
الأحيان لا يستلزمه مطلقا فإن ذلك لا يتم في مثل الرجل خير من المرأة فإن قلت إنما أخذ هذه في تعريف
المنكر منه قلت مع أنه ينافي إطلاق القائل لا يتم في مثل المثالين المتقدمين وفي مثل قولك لمن يسئل
عن شبح يتردد في كونه رجلا أو امرأة أنه رجل فإن المراد من التنوين هيهنا ليس الإشارة إلى الفرد الغير
المعين بل المراد أنه هذه الماهية لا غيرها وإلى هذا ينظر من قال إن اسم الجنس موضوع للماهية المطلقة
فقولنا رجل في جائني رجل نكرة لا اسم جنس ولذا جعلوا النكرة قسيما لاسم الجنس وإلا فالنكارة قد تلاحظ
بالنسبة إلى الطبيعة أيضا بحسب ملاحظة حضورها في الذهن وعدمه فرجل في المثال المتقدم نكرة
باعتبار عدم ملاحظة تعين الطبيعة وفي المثال المتأخر باعتبار ملاحظة عدم تعين الفرد وبالجملة فهنا
أربعة أمثلة رجل إذا خلا عن اللام والتنوين وهذا رجل يعني لا امرأة وجائني رجل أو جئني برجل والرجل
خير من المرأة أما الأول فالمراد به الطبيعة لا بشرط بلا ريب ولعل القائل بدخول الوحدة الغير المعينة
غفل من هذا لان نظره إلى المركبات لا إلى مثل الأسماء المعدودة لندرة استعمالها في المحاورات وإلا
فلا بد أن يقول بدخول الوحدة فيه أيضا وأما الثاني فهو اسم جنس منكر بمعنى التنكير في أصل الطبيعة
مقابل تعيينها في الذهن وأما الثالث فهو نكرة بمعنى أن المراد منه فرد ومن ذلك الجنس اما غير معين
أصلا كما في جئني برجل أو عند السامع كما في جائني رجل وعلى قول من يقول بدخول الوحدة الغير المعينة
في الجنس فيكون اسم جنس فلا يبقى فرق عند هذا القائل بين اسم الجنس والنكرة ولا يصح له جعل النكرة
قسيما لاسم الجنس إذا كان المراد اسم الجنس الغير المعرف وأما الرابع فهو تعيين للطبيعة وإشارة إلى
حضورها في الذهن على المختار ومعنى مجازي لاسم الجنس على القول الثاني لعدم إرادة الوحدة والكثرة
جزما فقد استعمل في جزء ما وضع له وسيجئ الكلام في باقي أقسام المعرف باللام وحاصل الكلام وتتميم
المرام أن رجلا مثلا مع قطع النظر عن اللام والتنوين له وضع والقول بأنه لا بد أن يكون الوضع إما
مع التنوين أو اللام أو غيرهما يحتاج إلى دليل فإن لحوق تلك الملحقات في آحاد جميع الألفاظ ليس
مسموعا من العرب بل المرخص فيه من العرب إنما هو نوعها ولا ريب أن هذه اللواحق تتعاور على
201

لفظ واحد على مقتضى المقام والقول بثبوت تقديم رخصة بعضها على بعض بأن يقال مثلا رخص
العرب أولا في استعمال اللفظ مع التنوين لإفادة الوحدة ثم مع اللام لسلب ذلك وإرادة الماهية
ثم مع الألف والنون لسلب ذلك وإرادة التثنية وهكذا جزاف واعتساف فالقول بأن الجنس
المعرف باللام كان أصله منونا ثم عرف باللام أو بالعكس وهكذا قول بلا دليل وترجيح بلا مرجح فلا بد
من إثبات شئ خال عن جميع تلك العوارض يتساوى نسبته إلى الجميع فلا بد من القول بأن اللفظ مع
قطع النظر عن اللواحق له معنى وإنما يتفاوت المعنى بسبب إلحاق الملحقات بمقتضى حاجة
المتكلمين بحسب المقامات ولا ريب أنه اتفقوا في مثل رجل ان هذه الحروف الثلاثة بهذا الترتيب
موضوعة للماهية المعهودة وإنما وقع الخلاف في اعتبار حصولها في ضمن فرد غير معين وعدمه والمانع
مستظهر والوضع توفيقي مع أن السكاكي نقل إجماع أهل العربية على أن المصادر الخالية عن اللام و
التنوين موضوعة للماهية لا بشرط شئ ويبعد الفرق بينها وبين غيرها فحينئذ نقول اسم الجنس عبارة
عما دل على الماهية الكلية لا بشرط شئ وهو الاسم الخالي من الملحقات وقد يلحقه تنوين التمكن كما في
مثل هذا رجل لا امرأة ومنه قول الشاعر أسد علي وفي الحروب نعامة وقد يلحقه آلاف واللام للإشارة
إلى نفس الطبيعة وتعيينه في مثل الرجل خير من المرأة وفي هذه الأمثلة التفات إلى جانب الفرد لا
واحدا ولا أكثر وأما إذا لحقه التنوين المفيد للوحدة فحينئذ يصير نكرة ولا يقال له حينئذ اسم الجنس فالمراد به
فرد من ذلك الجنس وإذا لحقه الألف والنون فيصير تثنية فالمراد به فردان من ذلك الجنس وهكذا
الجمع وإذا لحقه الألف واللام فإن أريد بها الإشارة إلى فرد خاص باعتبار العهد في الخارج فهو
المعهود الخارجي وهو إما باعتبار ذكره سابقا كقوله تعالى فعصى فرعون الرسول والمصباح في
زجاجة فيقال له العهد الذكرى أو باعتبار حضوره كقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم ومنه يا أيها
الرجل وهذا الرجل كما يشار بهذه اللام إلى الفرد المعين المعهود فقد يشار بها إلى الصنف
المعين من الجنس كما يستفاد ذلك من إرجاع المفرد المحلى باللام إلى الافراد المتعارفة وسنشير إليه وكما
يمكن إرادة الفرد المعين من الطبيعة الداخلة عليها اللام بلام العهد هذه فيمكن إرادة أحد معنيي
المشترك اللفظي أيضا كما هو أحد الاحتمالين في الارجاع إلى الافراد الغالبة كما سنبينه إنشاء الله تعالى وإن أشير
بها إلى تعيين الماهية فهي لتعريف الجنس وتعيينه من غير نظر إلى الفرد كما في قولك الرجل خير من المرأة
وهو قسمان قسم يصح إرادة الافراد منه لكنه لم يرد كما في المثال المذكور وكما في المعرفات مثل الانسان
حيوان ناطق وقسم لا يمكن إرادة الافراد منه كقولك الحيوان جنس والانسان نوع ثم قد يراد بذلك
202

الماهية باعتبار الوجود يعني يطلق المعرف بلام الجنس ويراد منه فرد ما موجود في الخارج من دون تعيين
لمعهوديته في الذهن وكونه جزئيا من جزئياتها مطابقا لها يصح إطلاقها عليه كما في قولك ادخل السوق
واشتر اللحم وذلك إنما يكون إذا قام القرينة على عدم جواز إرادة الماهية من حيث هي ولا من حيث
وجودها في ضمن جميع الافراد كالدخول فيما نحن فيه وهو في معنى النكرة وإن كان يجري عليه أحكام المعارف
وقد يراد بها المهية باعتبار وجودها في ضمن جميع الافراد كقوله تعالى إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا
وجعل المعهود الخارجي خارجا عن المعرف بلام الجنس هو المذكور في كلام القوم ووجهه أن معرفة الجنس
لا يكفي في تعيين شئ من أفراده بل يحتاج إلى معرفة أخرى وفيه أن الاستغراق وإرادة فرد ما أيضا لا يكفي
فيهما معرفة الجنس بل يحتاجان إلى أمر خارج وهو ما يدل على عدم إمكان إرادة الماهية من حيث هي فيهما
وعدم إمكان إرادة البعض الغير المعين أيضا في الاستغراق فالأولى أن يجعل المقسم اسم الجنس إذا عرف
باللام ويقال اما يقصد باللام محض تعيين الطبيعة والإشارة إليها كما هو أصل موضوع الألف واللام
ولم يقصد أزيد منه بأصل العدم فيما يحتمل غيره فهو تعريف الجنس واما أن يقصد به الطبيعة باعتبار
الوجود فاما أن يثبت قرينة على إرادة فرد خاص فهو العهد الخارجي وإلا فإن ثبت قرينة على عدم جواز
إرادة جميع الافراد فهو للعهد الذهني وإلا فللاستغراق ويبقى الكلام في أمور الأول أنه هل يكفي مجرد المعهودية
في الخارج في حمل اللفظ عليه أو يحتاج إلى شئ آخر والثاني أن الحمل على العهد الذهني كيف صار بعد عدم
إمكان الحمل على الاستغراق والثالث ما وجه الحمل على الاستغراق إذا لم يعهد شئ في الخارج وهل هو
من باب دلالة العقل واللفظ وسيجئ الكلام فيها ثم إن الفرق بين العهد الذهني والنكرة ليس إلا
من جهة أن الدلالة على الفرد في العهد بالقرينة وفي النكرة بالوضع والظاهر أنه أيضا يستعمل في كلا
معنيي النكرة أعني ما كان من باب جاء رجل من أقصى المدينة ومن باب جئني برجل وأما الفرق
بين علم الجنس واسم الجنس فهو إن علم الجنس قد وضع للماهية المتحدة مع ملاحظة (تعيينها)؟ وحضورها
في الذهن كأسامة فقد تراهم يعاملون معها معاملة المعارف بخلاف اسم الجنس فإن التعيين و
التعريف إنما يحصل فيه بالآلة مثل الألف واللام فالعلم يدل عليه بجوهره واسم الجنس بالآلة وأما الكلي
الطبيعي فلا مناسبة بينه وبين اسم الجنس والمناسب له إنما هو نفس الجنس وليس كل جنس يكون كليا
طبيعيا فالجنس أعم فإن الكلي الطبيعي معروض لمفهوم الكلي ونفس الكلي جنس فالجنس أعم مطلقا وأما الفرق
بين اسم الجنس واسم الجمع فهو إن اسم الجنس يقع على الواحد والاثنين بالوضع بخلاف اسم الجمع
الثانية لا اختصاص للجنسية بالمفردات بل قد يحصل في الجمع أيضا لا بمعنى أن المراد من الجمع هو
203

الجنس الموجود في ضمن جماعة كما يقال في النكرة أنه الجنس والطبيعة مع قيد وحدة غير معينة بل بمعنى
أن الجماعة أيضا مفهوم كلي حتى أن جماعة الرجال أيضا مفهوم كلي فلك تصوير جميع الصور المتقدمة
فيه فيقال لفظ رجال مع قطع النظر عن اللام والتنوين موضوع لما فوق الاثنين وهو يشمل الثلاثة و
الأربعة وجميع رجال العالم فقد ينون ويراد به الوحدة أعني جماعة واحدة مثل النكرة الافرادية في
المفرد وقد ينون لمحض التمكن ويراد به الماهية بدون ملاحظة التعيين كما في قول الشاعر أقوم
آل (حصن)؟ أم نساء وقد يعرف ويراد به الجنس والماهية مثل والله لا أتزوج الثيبات بل الابكار
إذا أراد جنس الجمع وقد يراد به الجمع المعهود إذا كان هناك عهد خارجي وقد يراد به العهد الذهني
كقوله تعالى إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا
إن قلنا بكون الجملة صفة للمستضعفين بل وقد يثنى ويقال رجالان وقد يجمع كرجاجيل وجمالات إلى
غير ذلك وأما التثنية فلا يجري جميع ما ذكر فيه فإن القدر المشترك بين كل واحد من الجموع ومجموعها
موجود وهو مفهوم جماعة الرجال بخلاف رجلان فإن مفهوم اثنان من الرجال مشترك بين كل
واحد من الاثنينيات بخلاف المجموع فإنه ليس من أفراد اثنين من الرجال ولكن التثنية أيضا قد يراد
به النكرة وقد يراد به العهد الخارجي بل العهد الذهني أيضا وقد يراد به الاستغراق فالجنسية تعرض الجمع كما
أن الجمعية تعرض الجنس ثم أن الجمع المعرف باللام قد يراد به الجنس بمعنى أن الجمع يعرف بلام الجنس
فيسقط عنه اعتبار الجمعية ويبقى إرادة الجنس فحينئذ يجوز إرادة الواحد أيضا عنه وإلى هذا ينظر قولهم في
تعريف الحكم بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين حيث نقض بالخواص مثل وجوب صلاة الليل
على النبي صلى الله عليه وآله بان المراد جنس الفعل وجنس المكلف ولكنه مجاز لان انسلاخ معنى الجمعية
لا يوجب كون اللفظ حقيقة في المفرد كما صرحوا بأن قولهم فلان يركب الخيل مجاز وبنوا فلان قتلوا فلانا
وقد قتله واحد منهم مع أن انسلاخ الجمعية لا يوجب انسلاخ العموم فعلى القول بأنه حقيقة في العموم كما
هو المشهور والمعروف فيكون حينئذ أيضا مجازا نعم يمكن أن يقال بعد التجوز وإرادة الجنس فلا يكون إرادة
الواحد مجازا بالنسبة إلى هذا المعنى المجازي ومثل قوله تعالى الرجال قوامون على النساء يحتمل انسلاخ
الجمعية وجنس الجمع كليهما ولعل الثاني أظهر الثالثة قد علمت أن الألفاظ الموضوعة للمفاهيم
الكلية لها وضع شخصي مع قطع النظر عن اللواحق ووضع نوعي بالنظر إلى لحوقها فاعلم أن الوضع النوعي
الحاصل بسبب اللواحق قد يكون حقيقيا وقد يكون مجازيا كساير الحقائق والمجازات فيحصل الاشكال
هنا في أن المعاني المستفادة بسبب لحوق اللام أو التنوين أو غيرهما أيها حقيقة وأيها مجازا إذ كما
204

ان وضع المجازات نوعي باعتبار ملاحظة أنواع العلايق فقد يكون وضع الحقايق أيضا نوعيا باعتبار
الضم والتركيب فمعنى تعريف الماهية وتعيينها بسبب لحوق اللام ممالا ينبغي الريب في كونه معنى حقيقيا
للمفرد المعرف باللام وأما دلالته على العهد الذهني أو الخارجي أو الاستغراق ففيه إشكال ويظهر من
التفتازاني في المطول أن استعماله في العهد الذهني حقيقة فإنه أطلق وأريد من الجنس وفهم الفرد من
القرينة كما في قولك جاء رجل فإن المعنى المستعمل فيه اللفظ هو ما كان الغرض الأصلي من استعمال اللفظ
هو الدلالة عليه والمقصد الأصلي هنا إرادة الجنس لكن فهم إرادة فرد منه بانضمام قرينة المقام ويلزم
من ذلك كونه في الاستغراق أيضا حقيقة إذ هو أيضا من افراد تعريف الجنس وبسبب قيام القرينة على
عدم إرادة فرد معين أو غير معين يحمل على بل ويلزم ذلك في العهد الخارجي أيضا على ما بيناه من
عدم الفرق وضعف إخراجه عن تعريف الجنس وإدخال صاحبيه فيه ويظهر ذلك من غيره من العلماء
أيضا وهذا إنما يتم لو جعلنا اسم الجنس هو المهية لا بشرط وإلا فعلى اعتبار الوحدة الغير المعينة فيه
يصير مجازا بسبب التعريف لاسقاط الوحدة عنه وإرادة الوحدة الثانية بسبب المقام في العهد
الذهني أو الكثرة في الاستغراق إنما هو بقرينة المقام لا بسبب ما كان في أصل الموضوع له وإلا لم يتم
في الاستغراق جزما وأنا أقول الظاهر أن المعرف بلام الجنس لا يصح إطلاقه على المذكورات بعنوان
الحقيقة لان مدلول المعرف بلام الجنس هو الماهية المعراة عن ملاحظة الافراد مع التعين والحضور
في الذهن وذكره وإرادة فرد منه استعمال اللفظ في غير ما وضع له لا يقال التعرية عن ملاحظة الافراد
ليس عبارة عن ملاحظة عدمها ولا منافاة كما يقال هذا رجل لا امرأة وهو حقيقة جزما لأنا نجيب عنه
بنظير ما أشرنا إليه في مبحث استعمال اللفظ المشترك في المعنيين من أن الوضع توقيفي كالأحكام
الشرعية وأن اللفظ المشترك موضوع لكل من المعاني في حال الوحدة لا بشرط الوحدة وأنه لا رخصة في
إرادة غيره معه ولا ريب أن حال عدم الملاحظة مغاير لحال اعتبار الملاحظة وذكر اللفظ الموضوع
لمعنى وإرادة معنى آخر منه غير حمل اللفظ الموضوع لمعنى على معنى آخر مغاير له في الجملة والثاني قد لا يستلزم
المجازية كما في قولك هذا رجل فإن المراد هنا صدق رجل على المشار إليه وغايته إفادة اتحاد وجودهما
لا كونهما موجودا واحدا كما أشرنا في مفهوم الحصر فقولك زيد الرجل يغاير معنى زيد رجل ولذلك يحمل
الأول على المبالغة لان معناه أن زيدا نفس الطبيعة المعينة ومعنى الثاني أنه يصدق عليه أنه رجل
إذا عرفت هذا علمت أن القول بكون الأقسام المذكورة من أقسام المعرف بلام الجنس وأنه حقيقة
في الكل غير صحيح فلا بد اما من القول بالاشتراك اللفظي أو كونه حقيقة في بعضها ومجازا في الآخر و
207

الذي يترجح في النظر هو كونه حقيقة في تعريف الجنس مجازا في غيره للتبادر في تعريف الجنس فمن يدعي
الحقيقة في العهد أو الاستغراق لا بد له من إثبات وضع جديد للهيئة التركيبية أو يقول باشتراك
اللام لفظا في إفادة كل واحد منهما وتعيينها يحتاج إلى القرينة والتبادر وغيره مما سنذكر سيما أصالة
عدم إرادة الفرد يرجح ما ذكرنا وعلى ما ذكرنا من التقرير في الجمع مطابقا للمفرد لا بد أن يقال أنه أيضا
حقيقة في الجنس إذا عرف باللام لكن الغالب في استعماله الاستغراق فلعله وضع جديد للهيئة
التركيبية وسنحققه إنشاء الله تعالى وبقي الكلام في النكرة وأنه حقيقة في أي شئ فقولنا رجل جائني لا امرأة
وجائني رجل وجئني برجل ونحو ذلك أيها (نكرة) حقيقة وأيها مجاز أم مشترك بينهما لفظا أو معنى
ويظهر الثمرة في الخالي عن القرينة كقولنا رجل جائني فيحتمل إرادة واحد من الجنس لا اثنين كما هو معنى النكرة
المصطلحة المجعولة قسيما لاسم الجنس ويحتمل إرادة نفس الماهية بدون اعتبار حضورها في الذهن
والظاهر أنه حقيقة في النكرة المصطلحة فإطلاقها على اسم الجنس المنكر يكون مجازا يحتمل كونها حقيقة
في الأعم تنبيه. إعلم أن الاستعمال الكلي في الفرد يتصور على وجوه لا بد من معرفتها ومعرفة ان
أيها حقيقة وأيها مجاز منها حمل الكلي على الفرد صريحا مثل أن يقال زيد إنسان فالانسان قد حمل على
زيد ولكن لم يستعمل في زيد بل استعمل في مفهومه الكلي الذي زيد أحد أفراده وتوينه تنوينه التمكن
لا التنكير لا يقال أن الحمل يقتضي الاتحاد فإذا كان المراد بالانسان هو المفهوم الكلي فيلزم أن يكون
الانسان منحصرا في زيد لأنا نقول الاتحاد الحملي لا يقتضي إلا اتحاده مع الموضوع في الوجود ولا يقتضي
كونهما موجودا واحدا وإلا لبطل قولهم الأعم ما يصدق على الأخص صدقا كليا دون العكس فالحاصل
إن زيدا والانسان موجودان بوجود واحد وإن أمكن أن يوجد الانسان مع عمرو أيضا بوجود واحد
وهكذا ولو أريد كونهما موجودا واحدا فلا ريب أنه لا يصح إلا على سبيل المبالغة وهذا هو مأل قولهم
إن الانسان حمل على زيد مع الخصوصية يعني أن زيدا لا غير إنسان ويلزمه كونهما موجودا واحدا وبهذا
الوجه يستفاد الحصر في مثل قولهم زيد الشجاع على أحد الوجوه وحينئذ فلا مجاز في اللفظ أصلا بل المجاز
إنما هو في الاسناد وهو خارج عما نحن فيه ومن هذا يعلم حال قولنا زيد الانسان معرفا باللام وإن
إسناده مجازي فالأولى أن يخرج هذا من أقسام إطلاق الكلي على الفرد ومنها أن يطلق الكلي و
يراد به الفرد وهذا يتصور على أقسام مثل جائني رجل وجئني برجل وهذا الرجل فعل كذا فلو أريد اتحاد
المفهوم مع الفرد في كل منها بأن يكون المراد جائني شخص هو الرجل لا غير بأن يكون مع الفرد موجودا
واحدا ويكون هو هو فلا ريب أنه مجاز في الجميع وهذا معنى قولهم إذا أطلق العام على الخاص مع قيد
208

الخصوصية فهو مجاز وإن أريد كونهما موجودين بوجود واحد فهو حقيقة لكن فهم ذلك يحتاج إلى
لطف قريحة وبيانه انا قد حققنا لك أن اللفظ الموضوع للكلي وهو الجنس أعني الشامل للقليل و
الكثير المنشان بالشؤون المختلفة هو مادة اللفظ المفرد بدون اللام والتنوين أو إذا دخله تنوين
التمكن أيضا في بعض الصور وأما فيما دخله تنوين التنكير فلا ريب أنه يحصل له معنى بوضع نوعي هو
معنى النكرة كسائر التصرفات الاخر الموجبة لتنويع الأوضاع كالتثنية والجمع وغيرهما ففي قولنا جاء
رجل أريد شخص معين في الخارج عند المتكلم غير معين عند المخاطب ومعناه حينئذ في ظرف التحليل
جاء شخص متصف بأنه رجل فيستلزم تلك النسبة التقييدية المستفادة من المادة والتنوين
نسبة خبرية وهو قولنا هو رجل بالحمل المتعارفي والكلام فيه هو الكلام في زيد إنسان كما مر ولا مجاز في أطرافه
ولا في نسبته كما بيناه ولو أريد جاء شخص هو لا غير رجل فيستلزم المجاز في اللفظ بظاهر الاطلاق
فإن الحبيب النجار لا غير مثلا معنى مجازي للفظ المركب من رج ل فإن قلت إرادة الخصوصية
من الفرد لا يستلزم انحصار الكلي في الفرد بل معناه أن هذا الشخص مع الخصوصية رجل فاستعمل اللفظ
الموضوع للجزء في الكل بطريق الحمل المتعارفي وهو لا ينافي تحقق الرجل في غير هذا الشخص أيضا والحاصل
أن اللفظ هنا استعمل في الفرد مع قيد الخصوصية وأطلق عليه والمفروض أنه لم يوضع إلا للماهية فاستعماله
في الماهية والتشخص استعماله في غير ما وضع له وهو مجاز وذلك لا يستلزم الحصر فما معنى قولك لا غير
في هذا المقام قلت هذا كلام ناش عن الغفلة عن فهم الحقيقة والمجاز وتحقيق المقام أن الحقيقة هي الكلمة
المستعملة فيما وضع له المستلزمة في طرف التحليل للحمل الذاتي فإنا إذا سمعنا أن العرب وضع لفظ الأسد
لنوع من الحيوان واشتبه علينا هذا النوع فإذا وصف لنا هذا الحيوان وتميز من بين الحيوانات وقيل
لنا هذا الأسد فلا ريب أن هذا حمل ذاتي وأن المجاز أيضا هو استعمال اللفظ الموضوع لمعنى في معنى
آخر بأن يعيد أن هذا ذاك بعنوان الحمل الذاتي لا الحمل التعارفي فإن أسدا في قولنا رأيت أسدا يرمي
لم يستعمل إلا في الرجل الشجاع ولم يستعمل في زيد مثلا نعم استعمل الرجل الشجاع الذي أريد من هذا اللفظ
في زيد على نهج يتضمن الحمل المتعارفي إذ النسبة إنما وقع بين مفهوم الأسد ومفهوم الرجل الشجاع
بمعنى أن زيدا نسبة من جهة أنه رجل شجاع بالحيوان المفترس لا من حيث الخصوصية واستعير لفظ
الأسد الموضوع له لزيد من حيث أنه رجل شجاع لا من حيث الخصوصية فلفظ أسد في هذا التركيب
مجاز من حيث أنه أريد منه الرجل الشجاع وحقيقة من حيث إطلاقه على فرد منه فإطلاق أسد على
زيد له جهتان من إحديهما مجاز وهو إطلاق عليه من حيث أنه رجل شجاع ومن الأخرى حقيقة وهو
209

إطلاقه عليه من حيث أنه فرد من أفراد الرجل الشجاع وهذا الأخير بعد جعل الأسد عبارة عن الرجل
الشجاع ففي هذا المثال لم يوجد الحمل المتعارف في المعنى الحقيقي بالنسبة إلى زيد من حيث أنه رجل
شجاع بل حمله ذاتي فإن الرجل الشجاع ليس من أفراد المعنى الحقيقي إلا على مذهب السكاكي من باب الادعاء
حتى يمكن أن يقال حمل الأسد عليه لا يفيد انحصار افراده فيه فظهر أن إطلاق المعنى الحقيقي على المعنى المجازي
ليس إلا من باب الحمل الذاتي فإذا كان من باب الحمل الذاتي فهو يفيد كونهما موجودا واحدا ادعاء وهذا
معنى انحصار المحمول في الموضوع وانحصار المستعمل في المستعمل فيه وإذا عرفت هذا في الاستعارة يظهر
لك الحال في غيرها من أنواع المجاز فإن قولنا عينا الغيث أطلق فيه الغيث على النبات بعنوان
الحمل الذاتي ادعاء يعني أن النبات غيث لا بمعنى أنه فرد من أفراد الغيث الحقيقي بل هو هو نعم لما
أريد منه النبات الخاص الذي رعوه فإطلاق الغيث بعد جعله بمعنى النبات على الفرد حقيقة من باب اطلاق
الكلي على الفرد بالحمل المتعارفي ولا منافاة بين كون اللفظ مجازا في معنى وحقيقة في حمله على بعض أفراد ذلك
المعنى المجازي من جهة إطلاق الكلي على الفرد إذا تحقق لك هذا فاعلم أن استعمال العام في الخاص يعني
الكلي في الفرد إن كان من باب الحمل المتعارفي بأن كان المراد بيان اتحاد العام مع الخاص في الوجود لا كونهما
موجودا واحدا وبعبارة أخرى أطلق العام على الفرد باعتبار الحصة الموجودة فيه فهو حقيقة كما بينا
لان المجاز لا بد فيه من الحمل الذاتي وأما إذا أريد الخاص بشرط الخصوصية ومع اعتبار القيد فلا يمكن فيه
الحمل المتعارفي إذ لا وجود للانسان بهذا المعنى في فرد آخر لاستحالة تحقق الخصوصية في موارد متعددة ضرورة
وإمكان صدقه على عمرو بالحمل المتعارفي في إنما هو بانسلاخ الخصوصية ومع الانسلاخ فهو معنى آخر هو الموضوع
له لا هذا المعنى والمراد من الحمل المتعارفي حمل المشترك المعنوي على أفراده لا من قبيل حمل المشترك اللفظي على
معانيه أو حمل المعنى الحقيقي والمجازي على معنييه ومن التأمل في جميع ما ذكرنا ظهر لك أن قولنا أن العام
إذا أطلق على الخصوص باعتبار الخصوصية معناه ادعاء كون العام منحصرا في الخاص وغفلة المعترض
هنا تدعوه إلى أن يقول لا نسلم ذلك فإن إرادة الخصوصية هنا لا تمنع استعماله في خصوصية أخرى
فلا يفيد الحصر وقد عرفت بطلانه فإن ما يستعمل في غير هذه الخصوصية ليس هذا المعنى بل
هو المعنى الحقيقي والخصوصية عنه منسلخة بالمرة حتى يصح استعماله في الخصوصيات المتعددة وكلامنا
في هذا المعنى المجازي فظهر بطلان قوله وهو لا ينافي تحقق هذا الرجل في غير هذا الشخص وعلى
هذا فمدخول اللام الذي يفيد العهد الخارجي حقيقة في المشار إليه مثل هذا الرجل خير
من هذه المرأة ونحو ذلك وذلك لان اللام للإشارة إلى شئ يتصف بمدخولها اما اتصافا
210

يستلزم الحمل الذاتي كما في تعريف الحقيقة أو الحمل المتعارفي كالعهد الخارجي وأيا ما كان فلفظ المدخول
مستعمل في معناه الحقيقي ولا ينافي ذلك كون المعرف باللام حقيقة في تعريف الجنس مجازا في العهد
الخارجي كما حققناه مع أن الكلام في كون لفظ الكلي حقيقة في الفرد أو مجازا ولفظ الكلي هو مدخول
اللام فلا مدخلية في تحقق هذا الاطلاق للام وغيرها من العوارض فإن أشير باللام إلى الفرد كما في
العهد الخارجي فيتضح المقصود وأما إذا أشير إلى تعيين الجنس فلا بد أن يراد من مدخوله نفس الطبيعة
المعراة عن الفرد فما اشتهر بينهم من أن الفرد المحلى بلام الجنس إذا استعمل في إرادة فرد ما ويقال له المعهود
الذهني فهو حقيقة غير واضح لان معيار كلامهم في ذلك هو أنه من باب إطلاق الكلي على الفرد وهو
حقيقة ولا ريب أن المعرف بلام الجنس معناه الماهية المتحدة المتعينة في الذهن المعراة عن ملاحظة
الافراد عموما وخصوصا وإطلاقه وإرادة الماهية باعتبار الوجود خلاف المعنى الحقيقي فإن قلت أن
الماهية المعراة عن ملاحظة الافراد لا تستلزم ملاحظة عدمها قلت نعم لكنها تنافي اعتبار وجود الافراد
وإن لم تنافي تحققها في ضمن الافراد الموجودة مع أنه لا مدخلية للام في دلالة لفظ الكلي على فرده فيصير
اللام ملغاة فإن اللفظ الموضوع الكلي من حيث هو كلي مدخول اللام لا المعرف باللام مضافا إلى
أنه لا معنى لوجود الكلي في ضمن فرد ما لأنه لا وجود له إلا في ضمن فرد معين مع أن المعرف باللام قد وضع
للماهية المعراة في حال عدم ملاحظة الافراد ولذلك مثلوا له بقولهم الرجل خير من المرأة ورخصة
استعمالها في حال ملاحظة الافراد لم تثبت من الواضع كالمشترك في أكثر من معنى لا يقال يرد هذا
في أصل المادة بتقريب أنها أيضا موضوعة للماهية في حال عدم ملاحظة الافراد لأنا نقول أن استعمالها
على هذا الوجه أيضا مجاز وما ذكرناه من كونها حقيقة إنما كان من جهة الحمل لا من جهة الاطلاق وهو
غير متصور فيما نحن فيه لعدم صحة حمل الطبيعة على فرد ما والحاصل ان وجود الكلي واتحاده مع الفرد
انما يصح في الفرد الموجود الذي هو مصداق فرد ما لا مفهوم فرد ما والمطلوب هنا من المعرف بلام
الجنس هو مفهوم فرد ما ومفهوم فرد ما لا وجود له حتى يتحقق الطبيعة في ضمنه وبالجملة مقتضى ما
ذكروه أن المراد بالمعرف باللام إذا أطلق وأريد منه العهد الذهني هو الطبيعة بشرط وجودها في ضمن
فرد ما لا حال وجودها في الأعيان الخارجية ولا معنى محصل لذلك إلا إرادة مفهوم فرد ما من الطبيعة
من اللفظ ولا شبهة أن مفهوم فرد ما مغاير للطبيعة المطلقة ولا وجود له نعم مصداق فرد ما
يتحد معها في الوجود وليس بمراد جزما فهذا من باب اشتباه العارض بالمعروض فإن قلت هذا
بعينه يرد على قولك جئني برجل فإنه أريد منه الماهية بشرط الوجود في ضمن فرد ما يعني مصداق فرد ما
211

لا مفهوم فرد ما فلم قلت هنا أنها حقيقة ولم تقل فيما نحن فيه قلت كونه حقيقة من جهة إرادة النكرة
الملحوظة في مقابل اسم الجنس وله وضع نوعي من جهة التركيب مع التنوين ونفس معناه فرد ما و
هو أيضا كلي وطلبه يرجع إلى طلب الكلي لا طلب الفرد ولا طلب الكلي في ضمن الفرد فالمطلوب منه
فرد ما من الرجل لا طبيعة الرجل الحاصلة في ضمن فرد ما إلا أن الاتيان بالكلي يتوقف على الاتيان
بمصداق فرد ما وهو فرد معين في الخارج بتعيين المخاطب فلو أردت من قولك جئني برجل جئني
بالطبيعة الموجودة في ضمن الفرد فهو مجاز أيضا لعدم الوجود بالفعل اللازم لصحة الاطلاق بالفعل
بخلاف هذا الرجل مشيرا إلى الطبيعة الموجودة بالفعل في ضمن فرد وأما مثل جاء رجل فإن أريد منه
النكرة فهو بعينه مثل هذا الرجل لأنه أطلق على الطبيعة الموجودة فإن الرجل الجاني هو مصداق
فرد ما لا مفهومه وطبيعة فرد ما موجودة في ضمنه وإن أريد منه اسم الجنس فيصح أيضا حقيقة لاطلاقه
على الطبيعة الموجودة ومع هذا كله فالعجب من هؤلاء أنهم أخرجوا العهد الخارجي عن حقيقة الجنس
وهو أولى بالدخول ولعلهم توهموا أن هيهنا لما أطلق وأريد الفرد بخصوصه فهو مجاز وهو توهم
فاسد لان هذا ليس معنى إرادة الخصوصية كما بينا فإن قولنا هذا الرجل أيضا من باب العهد
الخارجي الحضوري ولا ريب أن المشار إليه هو الماهية الموجودة في الفرد لا أن المراد أن المشار إليه
هو هذا الكلي لا غير حتى يكون مجازا وظني أن توهم القول بكون المعرف بلام الجنس حقيقة في العهد
الذهني إنما نشأ من أنهم لما رأوا الأحكام المتعلقة بالطبائع على أنواع منها ما يفيد حكما للماهية
من حسن أو قبح أو حل أو حرمة ونحو ذلك مثل البيع حلال والربا حرام والصلاة واجبة والصوم
جنة من النار (والخمر كذا) والخنزير كذا واللحم كذا وأمثال ذلك مما لا يحتاج إلى تصور معناه ولا تحققه إلى ملاحظة
فرد ومنها ما يفيد طلب تحصيل (الهيئة)؟ مثل صم وصل واشتر اللحم وجئني باللحم وغير ذلك وفي هذه
الأمثلة يدل الامر على إيجاد الماهية في ضمن الفرد والآتيان بفرد منها دلالة طبعية غير مقصودة
بالذات من باب المقدمة وهذا لا يسمى مدولا حقيقيا للفظ فالمقصود بالذات من قول القائل
اشتر اللحم طلب نقل طبيعة اللحم لا بشرط إلى المشتري من دون التفات إلى فرد ولكن يلزمه وجوب
كون فرد ما مطلوبا بالتبع وهو عين المعرف بلام الجنس ولم يرد من اللفظ فرد ما مطلقا فظنوا أن
هذا المعنى التبعي هو مدلول اللفظ فإن قلت إن مراد هؤلاء أيضا هو ما ذكرت لا غير قلت ليس كذلك
بل صرحوا بأن المعرف باللام مستعمل في فرد ما لا ان العقل يحكم تبعا بوجوب إيجاد فرد ما وإن شئت
لاحظ كلام التفتازاني في المطول وقد (يأتي)؟ المعرف بلام الحقيقة لواحد من الافراد باعتبار عهديته
212

في الذهن لمطابقة ذلك الواحد الحقيقة يعني يطلق المعرف بلام الحقيقة الذي موضوع للحقيقة المتحدة
في الذهن على فرد موجود باعتبار كونه معهودا في الذهن وجزئيا من جزئيات تلك الحقيقة مطابقا
إياها كما يطلق الكلي الطبيعي على كل من جزئياته إلى آخر ما ذكره وصرح في موضع آخر بأنه إنما أطلق على
الفرد الموجود منها باعتبار أن الحقيقة موجودة فيه وفي موضع آخر والحاصل ان اسم الجنس المعرف
باللام إما أن يطلق على نفس الحقيقة من غير نظر إلى ما صدقت الحقيقة عليه من الافراد وهو تعريف
الجنس والحقيقة ونحوه علم الجنس كأسامة وأما على حصة غير معينة وهو العهد الذهني ومثله النكرة
كرجل وإما على كل الافراد وهو الاستغراق ومثله كل مضافا إلى نكرة وقد صرح بذلك في مواضع أخر
ثم قال في آخر كلامه فإن قلت المعرف بلام الحقيقة وعلم الجنس إذا أطلقا على واحد كما في أدخل السوق
ورأيت أسامة مقبلة أحقيقة هو أم مجاز قلت بل حقيقة إذ لم يستعمل إلا فيما وضع له إلى أن قال و
سيتضح هذا في بحث الاستعارة وحاصل ما ذكره هنا أن لفظ الأسد لم يوضع للرجل الشجاع ولا
لمعنى عام يشمل الرجل الشجاع والحيوان المفترس كالحيوان المجتري وإلا لكان استعمال الأسد في
الرجل الشجاع في قولنا رأيت أسدا يرمي حقيقة لا مجازا لغويا نقل هذا عن الجمهور واستشهد بذلك
على أن استعمال العام في الخاص حقيقة كما إذا رأيت زيدا فقلت رأيت إنسانا أو رجلا فلفظ إنسان
ورجل لم يستعمل إلا فيما وضع له لكنه قد وقع في الخارج على زيد وكذا إذا قال القائل أكرمت زيدا و
أطعمته وكسوته فقلت نعم ما فعلت ثم قال وقد سبق في بحث التعريف باللام إشارة إلى تحقيقه
وهذا كله كما ترى يشهد بأنه أراد أن المعرف بلام الجنس إذا أطلق على فرد ما يكون حقيقة والحاصل
أني أقول لو أريد من المعرف بلام الجنس فرد ما بل الطبيعة التي توجد في ضمن فرد ما فهو مجاز وهم يقولون
إنه حقيقة (فتصير بعين)؟ الاعتبار وانظر إلى ما قيل لا إلى من قال لا يقال كيف تجترئ على مخالفة أئمة
الفن في ذلك (واحدا)؟ من مباحث الألفاظ لأنا نقول هذا الكلام مبني على اجتهادهم في فهم إطلاق
الكلي على الفرد وليس ذلك أمرا مقصورا على النقل بل فيه للفكر والاجتهاد مدخلية فتفكر وتدبر مع
أن الفاضل الحلبي نقل الاعتراض على دعوى الحقيقة فالقول به أيضا غير عزيز مضافا إلى ما يظهر من
غيره أيضا والحاصل أنهم إن أرادوا أن مثل أدخل السوق واشتر اللحم أو نحو إن الانسان لفي خسر
لتعريف الجنس ولكن العقل يحكم بسبب المقام إن إتيان فرد ما مطلوب بالتبع وهو حقيقة من
جهة أنه مستعمل في نفس الموضوع له وهو الجنس فنعم الوفاق لكنه غير موافق للكلمات المتقدمة
فإنها صريحة في الاطلاق على الفرد وما يتوهم من الفرق بين الاطلاق والاستعمال بأن الاطلاق
213

يطلق على ما هو غير مقصود بالذات بخلاف الاستعمال فهو كلام يرجع حاصله إلى ما ذكرناه من الدلالة
التبعية فلا ريب أن رجل في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة ليس من هذا القبيل وكذلك رأيت
أسدا ورجلا ونحو ذلك فكيف يحول تحقيق المقام على ما يذكره في باب الاستعارة وإن أرادوا أنه
أطلق وأريد منه فرد ما أو جميع الافراد وهو حقيقة لوجود الكلي في ضمنها مثل رأيت إنسانا وجاء رجل
فهو مجاز لا حقيقة لاستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما بينا فغاية الامر أن وجود الكلي في ضمن الفرد (علامة)؟
للمجاز وكذا مناسبة الكلي لفرد ما علاقة له بقي الكلام في بيان مطلب من قال أن صيغة إفعل حقيقة في
القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب الراجح لأنه قد استعمل فيهما فلو كان حقيقة في أحدهما
أو كليهما لزم المجاز والاشتراك فهو للقدر المشترك وما أجيب عن ذلك بأنه يلزم على هذا تعدد
المجاز لو استعمل في كل منهما لان استعمال ما هو موضوع للكلي في الفرد مجاز وما رد به من أن ذلك
إذا أريد الفرد مع قيد الخصوصية لا مطلقا فإنه لا يخلو عن إشكال وإغلاق وذلك لان صيغة إفعل
مشتملة على مادة وهيئة ووضعها بالنسبة إلى المادة عام والموضوع له عام واما بالنسبة إلى الهيئة
فهي متضمنة لاسنادين أحدهما إسناد الفعل إلى المتكلم من حيث الطلب والثاني إسناده إلى المخاطب
من حيث قيام الفعل به وصدوره عنه ووضعها بالنسبة إليهما وضع حرفي والمتصف بالوجوب و
الندب والرجحان هو النسبة الطلبية الصادرة عن المتكلم فعلى هذا فالموضوع له كل واحد من الجزئيات
على التحقيق في وضع الحروف فإذا استعمل الصيغة في الموارد الخاصة فهي مستعملة بنفسها فيما وضع له
لا أنها من قبيل استعمال العام في فرده بل هو استعمال اللفظ الموضوع باعتبار معنى عام للجزئيات
الخاصة في تلك الجزئيات فكما أن كل طلب خاص من كل متكلم خاص وانتساب الفعل إلى كل مخاطب
خاص نفس الموضوع له للصيغة واستعمال الصيغة فيها حقيقة مثل أن زيدا إذا قال لعمرو اضرب أو
بكر قال لخالد اضرب وهكذا فكل منهما مستعمل فيما وضع له فكذلك الكيفية الطارية للنسبة في هذه
المواضع من الوجوب والندب أو الطلب الراجح أيضا راجعة إلى نفس ما وضع له فلا يصح القول بأن
ذلك استعمال للعام في الخاص حتى يتفرع عليه الجواب المذكور أيضا فعلى هذا القول إن قلنا بأن
الصيغة موضوعة لجزئيات الطلب الحتمي الايجابي بعد تصور ذلك المفهوم الكلي حين الوضع وجعله
آلة لملاحظة الموضوع له فإذا استعمل في مورد خاص لإفادة الايجاب مثل أن يقول زيد لعبده إفعل
كذا فهو مستعمل في نفس ما وضع له وهكذا في الندب وكذا الطلب الراجح ولا فرق فالمستدل في هذا
المقام إن أراد أن الملحوظ حين الوضع هو الطلب الراجح بمعنى عدم ملاحظة الوجوب والاستحباب
214

والغفلة عن وجه الرجحان وكيفيته فيكون أفراده حينئذ أيضا الطلبيات الراجحة الصادرة عن خصوصيات
المتكلمين بدون قصد ندب وإيجاب فإن هذا ممكن بالنظر إلى الطلب وإن كان (المطلوب)؟ لا يخلو في نفس
الامر عن أحدهما فلا يخفى أن الافراد حينئذ إنما تتشخص وتتميز بتميز المتكلمين والمخاطبين لا بتفاوت الطلب
وملاحظة الوجوب والندب فلو استعمل حينئذ في الوجوب أو الندب فيكون مجازا وإن أراد القدر المشترك
المنتزع من الوجوب والندب بمعنى الامر الدائر بين الامرين فحينئذ يصح كلام المستدل من أنه حقيقة فيهما
على المختار في الموضوع له ويظهر بطلان كلام المجيب ولعل المستدل أراد ذلك نعم لو فرض حينئذ استعمال
الصيغة في القدر المشترك بين الامرين بالمعنى الأول أعني الطلب الراجح الخالي من ملاحظة الوجوب
والندب وعدم الالتفات إليهما أصلا فيكون مجازا كما يلزم هذا لو قيل بوضعها للوجوب فقط أو
للندب فقط أيضا فعليك بالتأمل في موارد إطلاق الكلي وتمييز أنواعها وأقسامها حتى لا يختلط
عليك الامر هدانا الله وإياك إلى صراط مستقيم الرابعة مقتضى ما ذكرنا من التقرير في الجمع
أولا أن يكون عموم الجمع بالنسبة إلى الجماعات كالمفرد بالنسبة إلى الافراد فإن جنس الجماعة إذا عرف
بلام الجنس وأريد منه الاستغراق لا بد أن يراد منه استغراق لجميع ما يصدق عليه مدخوله فيكون
عمومه يشمل الجماعات فيكون معنى جائني الرجال جائني كل جماعة من جموع الرجال وأورد عليه بأن
ذلك يستلزم جواز صحته إذا لم يجئه رجل أو رجلان ورد بأن رجلا أو رجلين إذا انضم إلى غيرهما
ممن جاؤوا أو بعضهم يصير أيضا جمعا آخر فلم يصدق مجئ كل جمع من الجموع والمراد ثبوت الحكم لآحاد
كل جمع لا مجموع كل جمع حتى لا ينافي خروج الواحد والاثنين فلا يصح جائني جمع من الرجال باعتبار
مجئ فرد أو فردين وأورد عليه أيضا بأن إرادة ذلك تستلزم تكرارا في مفهوم الجمع المستغرق لان
الثلاثة مثلا جماعة فتندرج فيه بنفسها وجزء من الأربعة والخمسة وما فوقهما فتندرج فيه أيضا في
ضمنها بل نقول الكل من حيث هو كل جماعة فيكون معتبرا في الجمع المستغرق وما عداه من الجماعات
مندرجة فيه فلو اعتبر كل واحد واحد منها أيضا لكان تكرارا محضا ولذلك ترى الأئمة يفسرون
الجمع المستغرق اما بكل فرد فرد وإما بالمجموع من حيث المجموع وأورد عليه أولا بالنقض بقوله تعالى كل
حزب بما لديهم فرحون وكلما دخلت أمة لعنت أختها ونحو ذلك وفيه أن الحزب والأمة
في الآيات قد اعتبرت منفردة منفردة ولم يعتبر فيه للأحزاب المتداخلة باعتبار مفهوم الجزئية
حكم على حدة وهكذا في الأمة فاليهود أمة والنصارى أمة والمجوس أمة وإن كان يصدق على كل واحد
من أصناف اليهود أمة أيضا وهكذا غيرهم وثانيا بالحل وهو أنه إن أريد بالتكرار ان من يحكم
215

باكرام العلماء لا بد أن يلاحظ الحكم للثلاثة مرارا متعددة فهو باطل جزما وإن أريد أنه لا بد
أن يكون الحكم ثابتا له في نفس الامر مرارا متعددة بحسب مقتضى اللفظ مع أنه ليس كذلك فهو أيضا
ممنوع وإن أريد أن (لنا ان) نعتبر دخول الثلاثة في الحكم باعتبارات فلا يضر على أنه يجوز أن يشترط حينئذ عدم
تداخل الجماعات واجزائها لئلا يلزم التكرار المذكور فاعتبار العموم بالنسبة إلى كل فرد فردا إنما يكون
مع إبطال الجمعية واعتباره بالنسبة إلى كل واحد من الجموع مع بقائه على حالته الأصلية من اعتبار
الجمعية والظاهر أنه أيضا يفيد عموم الافراد ضمنا وأما اعتباره بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع
فلا يفيد ذلك فيصح أن يقال للرجال عندي درهم على هذا إذا كان الكل مشتركا في استحقاق درهم
واحد لا يثبت به لكل واحد منهم درهم إذا تمهد هذه فنقول اما الجمع المعرف باللام
فالظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا في إفادته العموم ولا يضر في ذلك ما ذكرنا من جواز إرادة
الجنس والعهد وغيره بل الظاهر أن المتبادر هو العموم الافرادي لا الجمعي ولا المجموعي فينسلخ
منه معنى الجمعية فالظاهر أن هذا وضع مستقل للهيئة التركيبية على حدة وصار ذلك سببا لهجر
المعنى الذي كان يقتضيه لأصل المقرر في المقدمات من إرادة جنس الجمع على طريق المفرد المحلي
وكيف كان فالدليل قائم على كونه حقيقة في العموم فيكون في غيره مجازا والدليل الاتفاق ظاهرا
والتبادر وجواز الاستثناء مطرد لا يقال لعل جواز الاستثناء لاحتمال إرادة العموم وذلك
لا يفيد إرادة العموم عند المتكلم لأنا نقول المراد من جواز الاستثناء جوازه بالنظر إلى ظاهر اللفظ مطلقا في
كل مقام لم يقم قرينة على خلافه لا الجواز العقلي بسبب إمكان أن يكون موردا للاستثناء كما لا يخفى و
أما دلالة جواز الاستثناء مطردا على العموم فقد مر وكذلك الجمع المضاف عند جمهور الأصوليين
ومن فروع المسئلتين ما لو أوصى للفقراء أو فقراء البلد فإن كانوا محصورين صرف إليهم جميعا
مع الامكان وإلا فيصرف إلى ثلاثة فصاعدا لان المقام قرينة عدم إرادة الحقيقة وأما المفرد المعرف
باللام فقيل بإفادته العموم وقيل بعدمه وطريقة تقسيمهم الجنس المعرف باللام إلى أقسامه تقتضي القول
بكونه حقيقة في الجميع لكن لا على سبيل الاشتراك بل من باب استعمال الكلي في الافراد كما أشرنا إليه وقد
يستشم من بعضهم القول بالاشتراك اللفظي وأما القائل بإفادته العموم فمذهبه أنه حقيقة في
الاستغراق ولعله يدعي وضع الهيئة التركيبية للاستغراق والأظهر عندي كونه حقيقة في الجنس للتبادر
في الخالي عن قرينة العهد والاستغراق ولأن المدخول موضوع للماهية لا بشرط إذا خلا عن التنوين و
اللام واللام موضوع للإشارة والتعيين لا غير فمن يدعي الزيادة فعليه بالاثبات وحاصل هذا
216

الاستدلال يرجع إلى اعتبار الوضع الافرادي في كل واحد من اللام والمدخول والرخصة النوعية في مجرد
التركيب مع قطع النظر عن خصوصيات التراكيب فلا يرد أن هذا إثبات اللغة بالترجيح إلا أنه يمكن
أن يقال بعد الرخصة النوعية الحاصلة في أنواع الإشارة احتمال إرادة المتكلم بالنسبة إلى الكل مساو
فلا يجري أصل العدم في واحد منها والكلام في أن مدخول اللام حقيقة في الطبيعة لا بشرط والأصل
الحقيقة لا يثبت الحقيقة في الهيئة التركيبية فالأولى التمسك بالتبادر نعم يمكن الاستدلال هكذا في
مقابل من يعترف بكون تعريف الجنس معنى له إما متوحدا أو بكونه أحد المعاني المشترك فيها اللفظ
إلزاما بأن يقال كونه حقيقة فيه اتفاقي والأصل عدم غيره والمجاز خير من الاشتراك ويبقى الكلام مع
من يدعي كونه حقيقة في الاستغراق وسنبطله إنشاء الله تعالى ويدل عليه أيضا عدم إطراد الاستثناء بمعنى أنه
لا يصح في العرف في كل موضع وإن لم يوجد هنا قرينة إرادة خلاف العموم أيضا لقبح جائني الرجل إلا البصري
وأكرم الرجل إلا السفهاء وأما الاستدلال بجواز أكلت الخبز وشربت الماء وعدم جواز جائني الرجل
كلهم فضعيف لان عدم إمكان أكل جميع الأخباز وشرب جميع المياه قرينة على عدم العموم وعدم
جواز التأكيد بما يؤكد به العام لعله مراعاة للمناسبة اللفظية واحتجوا بما حكاه بعضهم عن الأخفش
أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر وأجيب عنه بأنه لا يدل على العموم لان مدلول العام كل
فرد ومدلول الجمع مجموع الافراد وفيه ما فيه لما عرفت من أن عموم الجمع أيضا إفرادي وبقوله تعالى إن
الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وفيه أن ما يدل على كون اللفظ للعموم إطراد الاستثناء في جميع ما
يحتمل اللفظ للعموم وغيره على السوية لا مطلق جواز الاستثناء والاستثناء هنا قرينة على استعمال اللفظ
في الاستغراق مجازا ومن ذلك يظهر التحقيق في الجواب عن الأول أيضا فإن التوصيف بالعام قرينة
على إرادة الاستغراق ونحن لا ننكر مطلق الاستعمال وما يقال في الجواب عن الوجهين إن الظاهر أنه
لا مجال لانكار إفادة المفرد المعرف باللام العموم في بعض الموارد حقيقة كيف ودلالة أداة التعريف
على الاستغراق حقيقة وكونه أحد معانيها مما لا يظهر فيه خلاف بينهم فالكلام حينئذ إنما هو في دلالته على العموم
مطلقا بحيث لو استعمل في غيره لكان مجازا على حد جميع صيغ العموم التي هذا شأنها والدليل لا يثبت إلا
إفادته العموم في الجملة وهو غير المتنازع فيه فإنما هو مبني على الاشتراك اللفظي أو على إطلاق الكلي على
الفرد وقد عرفت بطلانهما ثم اعلم إنا وإن ذهبنا إلى أن اللفظ لا يدل على العموم لكنه لازم ما اخترناه
من كونه حقيقة في تعريف الجنس إذ الحكم إذا تعلق بالطبيعة من حيث هي والمفروض أنها لا تنفك عن شئ
من أفرادها فيثبت الحكم لكل أفرادها والقول بأن الطبائع إنما تصير متعلقة للأحكام باعتبار وجودها
217

كلام ظاهري بل الطبائع بنفسها تصير متعلقة للأحكام ومتصفة بالحسن والقبح وغاية ما يمكن أن يقال
أنه لا وجود لها إلا بالافراد وفيه أنا نقول بتعلقها بها لا بشرط أن لا يكون معها شئ حتى لا
يمكن التكليف بها وإذا تمكن المكلف من الاتيان بها في ضمن الفرد فيصدق عليه أنه متمكن منها
كما أشرنا في مبحثه ولا فرق بين تعلق الامر به أو تعلق الحل والجواز والحرمة ونحوها نعم بعد الامتثال بفرد
في الأوامر يسقط التكليف وذلك لا يستلزم عدم التخيير في الاتيان بأي فرد يمكن حصول الطبيعة
في ضمنها وأما في مثل أحل الله البيع فلا سقوط للحل والجواز بمجرد ثبوته لفرد منه أو أفراد ومن لا يجوز تعلق
الحكم بالطبائع فقد سلك هنا مسلكا آخر في استفادة العموم إذا وقع المفرد المحلى في كلام الحكيم فقال
بأن الطبيعة لما لم يمكن تعلق الحكم بها ولا عهد خارجي يكون مرادا بالفرض ولا فائدة في إرادة فرد ما
للزوم الاغراء بالجهل فتعين إرادة الاستغراق وهذا الكلام يجري على مذاق من يقول بالاشتراك
اللفظي وغيره وأما المفرد المضاف فالظاهر أن المراد به الطبيعة فيستفاد منه العموم باعتبار الطبيعة
على ما اخترناه وباعتبار الحكمة على التقرير الاخر ثم أن الشهيد الثاني رحمه الله قال في تمهيد القواعد إذا
احتمل كون أل للعهد وكونها لغيره كالجنس أو العموم حملت على العهد لأصالة البراءة عن الزائد
ولأن تقدمه قرينة مرشدة إليه ومن فروعها ما لو حلف لا يشرب الماء فإنه يحمل على المعهود حتى
يحنث ببعضه إذ لو حمل على العموم لم يحنث ومنها إذا حلف لا يأكل البطيخ قال بعضهم لا يحنث بالهندي
وهو الأخضر وهذا يتم حيث لا يكون الأخضر معهودا عند الحالف إطلاقه عليه إلا مقيدا ومنها
الحالف لا يأكل الجوز لا يحنث بالجوز الهندي والكلام فيه كالسابق إذ لو كان إطلاقه عليه معهودا
في عرفه حنث به إلا أن الغالب خلافه بخلاف السابق فإنه على العكس أقول بعد الاغماض عما بينا من
أنه حقيقة في الجنس وأصالة الحقيقة تقتضي إرجاعه إلى إرادة الماهية نقول أن أصالة البراءة لا تقتضي
الحمل على العهد مطلقا إذ قد تقتضي الحمل على الجنس أو العموم فإذا قال الشارع يجوز السجود على الحجر فإذا
جوزنا السجود على أي حجر كان فلا يجب علينا تكلف تحصيل المعهود لو فرض حصول غير المعهود
مثل المقناطيس وأمثلته في أحكام الشرع كثيرة مع أن ما ذكره في حكاية شرب الماء مع المناقشة في
عدم كونه مثالا لما نحن فيه إذ العهد فيه إنما هو في الشرب لا الماء يقتضي خلاف ما ادعاه وبالجملة
فأصالة البراءة قد تقتضي الحمل على المعهود كما في المثالين الأخيرين وقد تقتضي الحمل على العموم مع أن
فيما يقتضي الحمل على العهد إنما يتم ما ذكره في الجنس إن أريد به ما يستلزم العموم كما حققناه و
إن أريد به ما يشمل المعهود الذهني فلا توافقه أيضا لأنه قد يكون أصالة البراءة مقتضية للتنكير و
218

أن حمل العهد في كلامه على الأعم من الذهني فمع بعده أيضا لا يتم لان أصالة البراءة قد تقتضي الحمل
على العموم مع أنه لا يناسب قوله ولأن تقدمه قرينة مرشدة إليه هذا كله مع أنه لا يقتضي ما ذكره إلا
عدم ثبوت التكليف في غير المعهود لعدم العلم بأزيد منه لا أن المتكلم استعمل اللفظ في العهد
فالأولى أن يقال في موضع أصالة البراءة أصالة عدم ثبوت الحكم إلا في المعهود يعني إذا دار الامر
بين إرادة الجنس والعهد والعموم فالمعهود مراد بالضرورة لدخوله تحتهما والأصل عدم ثبوت الحكم
في غيره وحينئذ يرد عليه أنه يتم لو لم يحتمل الجنس إرادة وجوده في ضمن فرد ما فإن المعهود حينئذ غير معلوم
المراد جزما نعم لو أريد بالجنس ما يستلزم العموم كما بيناه سابقا فلذلك وجه لكن يبقى عليه الانظار
الاخر وأما قوله ولأن تقدمه قرينة مرشدة إليه ففيه أنه إن أراد أنه حصل العلم بسبب تقدمه
أنه هو المراد أو الظن فيكون ذلك قرينة معينة لاحد المعاني المشتركة فحينئذ لا يبقى احتمال لإرادة
المعاني الاخر ولا يناسب ذلك التمسك بمقتضى أصالة البراءة وإن أراد أن التقدم والمعهودية
يجوز إرادة العهد ويصححه فهو ليس إلا جعل المقام قابلا للاحتمال وتحقيقا للاجمال بسبب إرادة
كل واحد من المعاني المشتركة ومجرد صلاحية إرادة أحد المعاني من المشترك لا يرجح إرادته كما
لا يخفى ثم ما يظهر لي أن ما لبس المقام وخلط الكلام في هذا المرام هو ما تعارف بينهم ان المطلق
ينصرف إلى الافراد الشايعة فجعل الشهيد الثاني رحمه الله الافراد الشايعة معهودة وجعل الألف واللام
إشارة إلى الصنف المعهود المتعارف في المحاورات ثم عمم الكلام في مطلق العهد ونظر إلى أن
التقدم في اللفظ يرشد إلى إرادة المذكور سابقا في العهد الذكرى والتقدم في التعارف والاصطلاح
يرشد إلى إرادة الافراد المتعارفة فيما كان العهد من جهة ذلك فعلى هذا يكون التقدم قرينة معينة
للإرادة لا مجوزة ويرد عليه حينئذ مضافا إلى ما سبق أن التقدم في الذكر لا يعين إرادة المذكور و
إلا فلم يبق الاحتمال المذكور في صدر المقال وأما تعيين التعارف ذلك فالظاهر أنه لا مدخلية
للألف واللام فيه بل هو لانصراف جوهر اللفظ إليه كما هو شأن المطلق وانصرافه إلى الافراد
الشايعة فلنقدم الكلام في معنى انصراف المطلق إلى الافراد الشايعة حتى يتضح المرام فنقول
أن ذلك لعله مبني على ثبوت الحقيقة العرفية لذلك اللفظ في الافراد المتعارفة بحيث هجر المعنى
الحقيقي والمحقق فيما دار الامر بين أن يكون المراد في كلام الشارع هو الحقيقة العرفية أو اللغوية
هو تقديم العرف وإثبات الحقيقة العرفية دونه خرط القتاد ولذلك لم يعتبر ذلك علم الهدى رحمه الله
ويراعي أصل الوضع ويجري الحكم في جميع الافراد النادرة وأما إذا لم يثبت الحقيقة العرفية بمعنى هجر
219

اللغوي بل حصل حقيقة عرفية للفظ في المعاني المتعارفة مع بقاء المعنى الحقيقي أيضا فيصير اللفظ مشتركا
بين الكلي وبعض الافراد لكن يكون استعماله في أحد المعنيين أشهر كما في العين بالنسبة إلى الباصرة
والنابعة من بين سائر المعاني أو حصل هناك مجاز مشهور بسبب غلبة الاستعمال فيشكل الحمل على
الافراد الشايعة فقط لعدم مدخلية مجرد الشهرة في أحد معاني المشترك في ترجيحه ولمعارضة الشهرة
في المجاز المشهور بأصالة الحقيقة إلا أن إرادة الافراد الشايعة لما كان متحقق الحصول على أي
تقدير فتعين إرادته ويصير الباقي مشكوكا فيه وذلك ليس لترجيح المجاز المشهور أو أحد معنيي
المشترك بسبب اشتهاره بل لدخوله في اللفظ على أي التقديرين إذا تقرر هذا فنقول أن العهد
الذي جعله معيار الكلام هو هذا المعنى وهذا لا مدخلية له في اللام اللهم إلا أن يكون اللام إشارة
إلى أحد معنيي المشترك اللفظي كما أشرنا إلى إمكانه سابقا إلا أنه ليس في ذلك كثير فائدة مع إفادة
جوهر اللفظ ذلك وحينئذ يبقى الكلام في تعميم المقام بحيث يشمل العهد الذكري قانون
المشهور أن الجمع المنكر لا يفيد العموم خلافا للشيخ فقال بإفادته العموم نظرا إلى الحكمة والجبائي
يحمل المشترك عنده على جميع معانيه احتجوا بأنه قابل لآحاد الجماعات ومنها الجميع ودلالته على
الجميع تحتاج إلى دليل والدلالة اللفظية مفقودة فإنها منحصرة في الثلاثة وانتفاء الأولين معلوم
وكذا الثالث لعدم اللزوم فإن العام لا يدل على الخاص نعم أقل المراتب معلوم المراد جزما ولا دلالة
على ما فوقه احتج الشيخ بأن اللفظ يدل على القلة والكثرة فإذا صدر عن الحكيم ولم يبين القلة فعلم
عدم إرادتها فيحمل على إرادة الكل حيث لا قرينة على غيره لئلا يلغو كلام الحكيم واحتج الجبائي بأنا
لو حملناه على الجميع لحملناه على جميع حقائقه فكان أولى وأجيب عن الأول بأن الأقل معلوم الإرادة
جزما فيعمل عليه ويتوقف في الباقي حتى يتبين وهو لا ينافي الحكمة وعن الثاني بمنع كون اللفظ حقيقة
في كل واحد من المراتب بل هو للقدر المشترك بينها مع أن ما ذكره من لزوم حمل المشترك على
جميع المعاني إذا لم يظهر قرينة على التعيين فهو ممنوع بل التحقيق التوقف والاجمال حتى يظهر المراد أقول
والتحقيق أن يقال أن الجمع المنكر يتصور استعماله على صور الأولى الاخبار عنه بمثل جائني رجال وله
علي دراهم والثانية الحكم عليه بشئ مثل أحل الله بيوعا والثالثة الامر بإيجاده مثل أقم نوافل و
الرابعة جعله متعلقا للمأمور به مثل أعط ثلث مالي رجالا أو علماء أو أضفهم في أيام وصم أياما
ونحو ذلك أما الصورة الأولى فقد لا يراد من الاخبار معرفة حال المخبر عنه ولا يقصد إلا إسناد
الفعل إليه والمقصود بيان تحقق ذلك الفعل من فاعل معين عند المتكلم غير متعين عند المخاطب
220

كما في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة ففي مثل ذلك لا يقتضي الحكمة حمل اللفظ على العموم
أصلا ويبقى في الجمع إفادة الكثرة ولما لم يتعين من اللفظ فيعلم أن الأقل مراد جزما فالذي نستفيده
من المثالين الأولين بعنوان الجزم هو مجئ ثلاثة رجال وثبوت ثلاث دراهم وأما الصورة الثانية
فإذا كان المراد بيان الحكم للبيوع فلا بد من معرفة أشخاصها بصيغة خاصة بها أو بما يعمها فلا يتأتى
الجواب المذكور فيها وحملها على الأقل ينافي الحكمة لعدم التعيين إلا أن يرجع ذلك المثال أيضا
إلى الصورة الأولى فيكون الاشكال في تعيين البيع لا في تعيين البيوع بأن يقال لا إجمال في بيان
العدد بحيث ينافي الحكمة وهو المقصود بالذات في هذا المثال كما في جاء رجل من أقصى المدينة وإنما
يحتاج إلى البيان في غيره وهو تعيين أشخاص البيع كتعيين الرجل فيحتاج في المثال المذكور إلى
الذكر والتفصيل وهو خلاف المفروض فإن المفروض ان المقصود في مثله بيان حكم شخص البيع
ومعلومية حاله كما هو شأن الحكيم في بيان الحكم ومما ذكرنا يظهر أن ما أورد على الجواب المذكور
بالنقض بأنه إذا حصل عدم المنافاة للحكمة بحمل اللفظ على القدر المتيقن من مدلوله فيجري ذلك
في المفرد المعرف أيضا فما وجه حمله على العموم نظرا إلى الحكمة لا يتم إلا أن ينزل كلام المستدل و
المجيب على بعض هذه الصور لا مطلقا لان إرادة حلية بيع غير معين في قوله تعالى أحل الله
البيع لا يعقل له فائدة وحكمة أصلا بخلاف الكلام في مطلق الجمع المنكر وأما الصورتان الأخيرتان
فإن أريد منهما مثل ما أريد في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة فالحكمة تقتضي
الحمل على العموم وإن كنا نتيقن بإرادة الأقل بحسب العدد أيضا وإن أريد الاتيان به مع عدم قصد
التعيين عند المتكلم فلا يحتاج إلى الحمل على العموم أصلا بل يحصل الامتثال بأقل الافراد إذ يحصل الامتثال
بإيجاد الطبيعة في ضمن فرد فهو من باب التخيير المستفاد من الامر الكلي فكما أن قولك جئني برجل يقتضي
الامتثال بإتيان أي رجل يكون فكذلك فيما نحن فيه إذ كما أن كل رجل يصدق عليه أنه رجل فكذلك
كل رجال يصدق عليه أنه رجال ولما كان ذلك في معنى التخيير والتخيير بين الأقل والأكثر لا يقتضي
إلا كون الأكثر أفضل فالأقل متيقن المراد فالعمدة في تحقيق المسألة إرجاع الامر إلى أن المراد بالجمع
المنكر في الكلام هو المعين عند المتكلم المبهم عند المخاطب أو مجرد الطبيعة المبهمة فعلى الأول لا بد أن
يحمل على العموم لئلا ينافي الحكمة وعلى الثاني يكتفي بالأقل لأصالة البراءة عن الزايد وحصول الامتثال بالأقل
وأما حصول العلم بإرادة الأقل والشك في الباقي فهو مشترك بين المعنيين ثم لابد ان يعرف أن اللفظ
أظهر في اي المعنيين والظاهر في الصورة الأولى بل المتعين هو الأول وكذا في الصورة الثانية وأما في باقي
221

الصور فالأظهر هو المعنى الثاني فيحمل عليه ويكتفي بالأقل إلى أن يظهر من الخارج إرادة التعيين فإما
يحمل على العموم أو ينتظر البيان إن كان له مجال ثم أن ما ذكرنا أن الحكمة تقتضي الحمل على العموم فيما يحتاج
إليه إنما هو إذا لم يكن الاجمال مقتضى الحكمة وإلا فقد يكون مقتضاها الابهام إذا لم يكن وقت الحاجة
إلى بيانه ولكن لما كان الأصل عدم تلك الحكمة والظاهر في أكثر الخطابات أنها وقت الحاجة فيحمل على
العموم ثم أن كلام المجيب ظاهر في أن الأقل متيقن الإرادة والباقي مشكوك فيه وهذا لا يتم مطلقا فان
الامر الدال على التخيير في إيجاد الطبيعة لا يبقى معه شك في عدم وجوب الأزيد من أقل الافراد فقول
القائل أعط زيدا دراهم ما هو ظاهره من تعليق الحكم بالطبيعة المبهمة مطلقا لا يجعله ما باب جاء
رجل من أقصى المدينة نص في أجزاء ثلاثة دراهم ولا يبقى معه شك في عدم وجوب الأزيد ثم إن الظاهر أن
مراد الجبائي الحمل على الجميع من حيث أنه مجموع معانيه المشترك فيهما لفظا لا من حيث أنه هو أحد
معانيها فعلى هذا يصح معنى عمومه الافرادي والجمعي كليهما فيتجه الجواب بمنع الاشتراك أولا وبمنع
الظهور في الجميع ثانيا وبمنع أولوية إرادة الجميع ثالثا والقول بأن الحمل على الجميع أحوط معارض بأنه
قد يكون خلافه أحوط وعلى ما ذكرنا فلا يرد ما يقال أن منع الاشتراك اللفظي لا يضر المستدل إذ يكفيه
كون هذه المراتب من أفراد الحقيقة وكون هذا الفرد يشمل جميع الافراد وقد ظهر من جميع ما ذكرنا
أن القول بدلالة الجميع المنكر على العموم ليس من جهة دلالة اللفظ حقيقة بل على مذهب الجبائي أيضا
فإن حمله على الجميع ليس من جهة أنه أحد معانيه بل لأنه يشمل جميع المعاني فانقدح من ذلك أنه لا نزاع
في عدم دلالة الجمع المنكر على العموم بجوهره بحيث يكون لو استعمل في غيره يكون مجازا فتأمل تذنيب
الحق أن أقل ما يطلق عليه صيغ الجمع حقيقة ثلاثة وقال بعض العامة أنه (اثنان)؟ والقول بعدم جواز إطلاقها
على الاثنين مطلقا شاذ ضعيف ولافرق في ذلك بين المكسر والسالم وضمائرهما والظاهر أنه لا نزاع
في نحو نحن وإننا وجئنا لأنه موضوع للمتكلم مع الغير ولم يوضع لتثنية المتكلم لفظ لنا تبادر الزايد على
الاثنين عند الاطلاق وعدم تبادر الاثنين ويؤيد ذلك وضعهم للتمييز بين التثنية والجمع علامات
وإمارات مثل الألف والنون والواو والنون وغير ذلك احتجوا بقوله تعالى فإن كان له إخوة
فلأمه السدس للاجماع على حجب الأخوين عما زاد عن السدس فأطلق الاخوة على الأخوين فما زاد
والأصل في الاستعمال الحقيقة وفيه أن الاجماع إنما هو الدال على المطلوب لا الآية سلمنا لكنه بضم
القرينة لا منفردا ومطلق الاستعمال أعم من الحقيقة وبقوله تعالى إنا معكم مستمعون والمراد موسى
وهارون عليهما السلام وفيه منع الاختصاص بل هي لهما مع فرعون تغليبا مع أن الاستعمال أعم من الحقيقة كما في
222

مستمعون وبقوله عليه السلام الاثنان فما فوقهما جماعة وفيه أن المراد حصول فضيلة الجماعة مع أنه ورد في الخبر أن
المؤمن وحده أيضا جماعة إذا لم يكن معه من يصلي معه مع أن بيان اللغات ليس من شأنه صلى الله عليه وآله فالمقصود
بيان الحكم وقد يجاب أيضا أن النزاع إنما هو في صيغ الجمع لا في لفظ الجمع فإنه بمعنى مطلق ضم شئ إلى
شئ وفيه أن المتبادر من لفظ الجماعة أيضا الثلاثة وما فوقها وكذلك لفظ الجمع إذا لم يقصد به المعنى
المصدري أعني الانضمام والظاهر أنهما أيضا محل النزاع والذي هو خارج عن محل النزاع هو مادة ج م ع
بمعنى مطلق الضم والالحاق فإن يصدق في الاثنين أيضا حقيقة قانون لا خلاف ظاهرا
في أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم في الجملة ففي بعضها بالنصوصية وفي بعضها بالظهور أما الأول
ففيما إذا وقعت بعد لا الكاينة لنفي الجنس وكذلك فيما كانت صادقة على القليل والكثير كشئ وفيما
كانت ملازمة للنفي كأحد (ويد)؟ أو مدخولة لمن ولا فرق بين كون النافي هو لا أو لم أو لن أو غيرها
وأما الثاني فهو ما إذا وقعت بعد ليس وما ولا المشبهتين بليس وقد خالف فيه بعضهم و
الحق أنها ظاهرة في العموم ففي الأول لا يجوز أن يقال لا رجل في الدار بل رجلان وما من رجل في الدار
بل رجلان وجواز الاستثناء بأن يقال لا رجل في الدار إلا زيدا لا ينافي النصوصية كما توهم كما لا ينافيها
في الاعداد بخلاف الثاني فيجوز أن يقال ليس في الدار رجل بل رجلان وما في الدار رجل بل رجلان
بأن يراد بالتنوين الإشارة إلى الوحدة العددية المعينة ويكون النفي راجعا إلى الوحدة ولكن الظاهر
منه الوحدة الغير المعينة فهو ظاهر في العموم فالمثال المذكور إخراج عن الظاهر كما لو قيل ما في الدار
رجل إلا زيد وأما سلب الحكم عن العموم كقولنا ما كل عدد زوجا فليس حكما بالسلب عن كل فرد وهو
مخرج عن هذه القاعدة كما لا يخفى والظاهر أنه لا فرق بين المفرد والجمع والتثنية في ذلك وإن الحكم في
الظهور والنصوصية أيضا لا يختلف فيها فقولك لا رجال في الدار أيضا نص في العموم لكنه نص في
أفراد الجموع وإن قلنا بكونه ظاهرا في عموم الافراد أيضا كالجمع المحلى بسلخ معنى الجمعية فلذلك يجوز أن يقال
لا رجال في الدار بل رجلا ورجلان بخلاف المفرد كما مر والنهي كالنفي فيما ذكرنا والظاهر أن النكرة في سياق
الاستفهام أيضا مثلها في سياق النفي في إفادة العموم وذهب جماعة من الأصوليين إلى عموم النكرة
في سياق الشرط أيضا وفرعوا عليه ما لو قال الموصي إن ولدت ذكرا فله الألف وإن ولدت أنثى
فلها المأة فولدت ذكرين أو أنثيين فيشرك بين الذكرين في الألف وبين الأنثيين في المأة لأنه ليس
أحدهما أولى من الاخر فيكون عاما والأظهر أن مرجع ذلك إلى تعليق الحكم بالطبيعة فعمومه
من هذه الجهة كما اخترناه في المفرد المحلى وإلا فلا يستفاد العموم من اللفظ
223

وأما النكرة في سياق الاثبات فلا يدل على العموم إلا بالنظر إلى الحكمة في بعض الموارد أو بكونه في
معرض الامتنان عند بعضهم وأما لو كانت مدخولة للامر نحو أعتق رقبة فيفيد العموم على البدل
لا الشمول وهذا العموم مستفاد من انضمام أصالة البراءة عن اعتبار قيد زايد من الايمان وغيره
فالاطلاق مع أصل البراءة يقتضيان كفاية ما صدق عليه الرقبة أي فرد يكون منه ولذلك يصح
الاستثناء منه مطردا فالفرق بين العام والمطلق أن المطلق من حيث اللفظ لا يدل على العموم
بخلاف العام فالعموم المستفاد من المطلق كالعموم المستفاد من تعليق الحكم على الطبيعة من حيث
هي كما مر وهذان والوقوع في معرض الامتنان والوقوع في كلام الحكيم وأمثال ذلك مما يستفاد منها
العموم وليس من جهة دلالة اللفظ بعنوان الوضع بل هو مستنبط من الخارج ولذلك نحملها على
الافراد الشايعة لأنها هي مورد الاستعمال في الاطلاقات ولخروج كلام الحكيم عن اللغوية بمجرد ذلك
بخلاف ما دل عليه اللفظ بعنوان الوضع فإنها تشمل الافراد النادرة وإطلاق كلامهم يدل على ذلك
أيضا إلا أن بعضهم صرح بعدم دخول الفرد النادر كما نقله في تمهيد القواعد وليس ببعيد والأولى
التفرقة بين العروض النادرة فيقتصر في المطلقات ونحوها على الافراد الشايعة ويتعدى في العمومات
إلى الافراد الغير الشايعة أيضا إن لم تكن في غاية الندرة وأما ما هو في غاية الندرة فيتوقف فيه و
يحصل الاشكال فيما يستفاد من تعليق الحكم على الطبيعة فإن الطبيعة لا تنفك عن واحد من أفراده
فيشمل الأندر أيضا إلا أن يقال لما كان الحكم على الطبيعة باعتبار وجودها فينصرف إلى الوجود الغالب
فتأمل لئلا تتوهم إن هذا رجوع عن القول بكون الطبائع متعلقة للأحكام كما أشرنا سابقا ثم انهم
ذكروا في مقام الفرق بين المطلق والعام أن المطلق هو المهية لا بشرط شئ والعام هو الماهية بشرط
الكثرة المستغرقة وهذا لا يخلو عن (حفاء)؟ فإن المطلق على ما عرفوه في بابه هو الحصة الشايعة في جنسها
وبعبارة أخرى هو الفرد المنتشر وقد صرح بعضهم بالفرق بين المطلق والنكرة أيضا بأن المطلق هو
الماهية لا بشرط شئ والنكرة هو المهية بشرط الوحدة الغير المعينة وجعل الشخص المنتشر عبارة أخرى
عنها وغلط من قال بأن المطلق هو الدال على واحد إلا بعينه وأنت خبير بأن ذلك ينافي ما ذكروه في
تعريف المطلق واتفاقهم على التمثيل بمثل أعتق رقبة ويمكن توجيه ما ذكروه في الفرق بين العام و
المطلق بأن المراد من المطلق هو المهية لا بشرط والعام هو المهية بشرط شئ بأن يقال أن المراد برقبة في
قوله أعتق رقبة هو مثل ما أريد بأسد في قول الشاعر أسد علي وفي الحروب نعامة أو رجل في مثل
رجل جائني لا امرأة كما أشرنا سابقا ومقتضاه حينئذ جواز عتق أكثر من واحد في كفارة واحدة ولكن لما
224

كان الامتثال يحصل بفرد من الكلي سيما إذا كان تدريجي الحصول فلا يعد ما بعد الواحد امتثالا لأنه
مقتضى الامر ولا يبقى أمر بعد الامتثال كما حققناه في الواجب التخييري ومسألة اقتضاء الامر للاجزاء فليس
الوحدة مرادا من اللفظ بل استفيد من خارج أو يقال أن الطبيعة لا بشرط إذا تصور لها قيود وشرايط
متعددة فتقييدها ببعض القيود إنما يجعلها مقيدة بالنسبة إلى هذا القيد بخصوصه ولا يخرجها عن
الاطلاق بالنسبة إلى سائر القيود فالرقبة في قوله أعتق رقبة مع قطع النظر عن التنوين موضوعة للطبيعة
لا بشرط شئ من الوحدة والكثرة والايمان والكفر والصحة والمرض والصغر والكبر والبياض والسواد
كما مر الإشارة إليه وبعد لحوق التنوين وصيرورته مدخول الامر في هذا الكلام يتقيد بإرادة فرد ما منه
وهذا يخرجه عن الاطلاق بالنسبة إلى إرادة الوحدة ولكن يبقى بعد مطلقا وماهية لا بشرط بالنسبة
إلى سائر القيود فلو قيل أعتق رقبة مؤمنة فيحصل هناك قيدان للطبيعة ويبقى الطبيعة بعد مطلقة
بالنسبة إلى سائر القيود وهكذا ومرادهم في باب المطلق والمقيد هو الاطلاق بالنسبة إلى غير الوحدة
فحينئذ يمكن توجيه كلام بعضهم في الفرق بين المطلق والنكرة أيضا باعتبار الحيثية فرقبة مطلقة بالنسبة
إلى عدم اعتبار غير الوحدة الغير المعينة ونكرة باعتبار ملاحظة الوحدة الغير المعينة فافهم ذلك
واغتنم تنبيه قالوا أن عموم المفرد أشمل من عموم المثنى والمجموع وهو في المثنى واضح فإن عموم
المفرد يشمل كل فرد فرد وعموم المثنى يشمل كل اثنين اثنين وخروج فرد منه غير مضر إلا أن يعتبر منضما
إلى الواحد من فردي الاثنينيات المعدودة كما أشرنا في عموم الجمع إلا أنه لا يتم في التثنية المنفية فيصدق
لا رجلين في الدار إذا وجد فيها رجل واحد بخلاف لا رجل في الدار وأما عموم الجمع فيتم فيه ما ذكروه
إذا أردنا منه العموم الجمعي على إشكال فيه أيضا كما أشرنا وأما العموم الافرادي كما بينا أنه هو الظاهر في
الجمع المحلى فلا يتفاوت نعم قد يتفاوت باعتبار النصوصية والظهور فالنكرة المنفية في المفرد نص في
عموم الافراد مثل لا رجل في الدار وأما الجمع المنكر المنفي فإما لا يشمل بعض الآحاد كما يقال لا رجال في الدار
بل رجل أو رجلان أو يكون ظاهرا فيه لو سلخنا عنه الجمعية والمفرد نص وأما ما في مثل ليس رجل في الدار
وليس رجال في الدار فالمفرد أيضا أظهر في الشمول لان فيه احتمالين إرادة الوحدة المعينة والغير
المعينة وفي الجمع إحتمالات ثلاثة العموم كالمفرد بانسلاخ الجمعية ونفي الجمع الواحد وإثبات الجماعات و
نفي الجمع وإثبات الواحد أو الاثنين وأما المفرد المعرف والجمع المعرف فالامر فيه واضح مما مر لقلة الاحتمال
في المفرد وكثرته في الجمع باحتمال إرادة العموم الجمعي والمجموعي أيضا قانون ترك الاستفصال
في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقام نقله في التمهيد عن جماعة من المحققين وقال
225

أن أصل القاعدة من الشافعي ونقل عنه كلاما أخر يعارضه ظاهرا وهو أن حكايات الأحوال إذا
تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الاجمال وسقط بها الاستدلال والأظهر أنه لا تعارض بينهما وإنهما
قاعدتان مختلفتا المورد فالأولى هي ما كان جوابا عن سؤال بخلاف الثانية وتفصيل القول فيهما
أما الأولى فهو أن السؤال إما عن قضية وقعت وهي محتملة أن تقع على وجوه مختلفة وإما عنها على
تقدير وقوعها كذلك وعلى الأول فإما أن يعلم أن المسؤول يعلم بالحال على النهج الذي وقع في نفس
الامر أو لا يعلم سواء علم أنه لا يعلم أو جهل الحال أما الأول فلا عموم في الجواب بل هو وإنما ينصرف إلى
الواقعة حسب ما وقع في نفس الامر وأما الثاني فإن كان للواقعة وجه ظاهر ينصرف إليه إطلاق
السؤال فالظاهر أن الجواب ينزل عليه وإلا فيحمل على العموم لأنه هو المناسب للارشاد وترك
الاستفصال مع تفاوت الحال وظاهر انصراف الجواب إلى إطلاق السؤال يستلزم الابهام والاضلال
وهذا فيما علم عدم العلم واضح وأما فيما لم يعلم فهو كذلك لأصالة عدم العلم فإن علوم المعصومين
عليهم السلام أيضا حادثة وكل حادث مسبوق بالعدم الأزلي يقينا ولا يجوز نقض اليقين إلا بيقين
مثله للاستصحاب ودلالة الأخبار الصحيحة وما يقال أن ثبوت علمهم عليهم السلام بنفس الامر في الجملة
مما لا شك فيه وهو يناقض قولنا لا شئ من العلم بحاصل لهم فثبوت بعض العلوم لهم يقينا ينقض
عدم ثبوت العلم لهم بشئ يقينا فلا يمكن الاستدلال بالقضية الكلية في المقام فهو كلام ظاهري إذ
ملاحظة اليقين والشك بالنسبة إلى كل واحد واحد من العلوم لا بالنسبة إلى القضايا المنتزعة
عنها فلا يجوز نقض اليقين بعدم كل علم إلا بحصول اليقين بحصوله وما يقال أن القضية الجزئية
متيقنة الحصول وإن هذا الشك إنما حصل من جهة هذا اليقين ونقض اليقين السابق إنما هو بالشك
الحاصل من يقين آخر ولا يظهر اندراج هذا الشك في النهي الوارد في قولهم عليهم السلام لا ينقض اليقين بالشك
فهو أيضا في غاية الوهن أما أولا فلانا نمنع كون الشك حاصلا من جهة هذه القضية بل قد يحصل
الشك مع عدم العلم بهذه القضية أيضا وأما ثانيا فلان لفظ الشك واليقين (عام)؟ في الحديث
ويشمل جميع الافراد وأما ثالثا فلان كل معلول يستحيل وجوده في الخارج بدون وجود علته وإن
كانت العلة نفس الشك والوهم فالشك قد يحصل بسبب حصول الوهم وقد يحصل بسبب أمر يقيني
وعلى أي التقديرين إنما تسبب عن شئ يقيني فإن بنى على ذلك لا يوجد مورد للرواية كما لا يخفى نعم
يمكن توجيه كلام القائل بأن من (الأشياء)؟ هو معلوم لهم جزما ومنها ما هو غير معلوم وقد اختلطا
فعدم العلم يكون ذلك من المعلوم لا يوجب جواز الحكم بكون من غير المعلوم من أجل استصحاب
226

عدم العلم وفيه أن ذلك إنما يتم إذا علمنا بأن فيما لا نعلم حاله من الأشياء من جهة المعلومية لهم وعدمها
ما هو معلوم لهم وهو فيما نحن فيه ممنوع إذ لا نعلم نحن أن في زمرة ما لا نعلم حاله من المسؤولات ما يعلمه
المعصوم عليه السلام وأما الثاني وهو السؤال عما لم يقع بعد فهو أيضا يحمل على العموم إن لم يكن له فرد ظاهر
ينصرف إليه واحتمال أن يكون المقام مقتضيا للابهام فلعل المسؤول أراد الحكم بالنسبة إلى بعض
الأحوال وترك بيانه إلى وقت الحاجة مع أنه خلاف الأصل لا يلتفت إليه مع ثبوت الظهور في العموم
فعدم العلم بكون المقام مقتضيا للابهام يكفي في الحمل على العموم وأما الثانية فهو إنه اما نقل فعل المعصوم عليه السلام
سواء علم جهة الفعل كما لو أخذ مالا عن يد مسلم بشاهد ويمين أو لم يعلم كما لو أخذ المال عن يد أحد و
لم يعلم وجهه فلا يجوز التعدي إلا أن يثبت بدليل من خارج أو نقل حكمه في مادة مخصوصة مع احتمال وقوعها
على كيفيات مختلفة يختلف باختلافها الحكم من دون سبق سؤال وهذه مما يقولون لها قضايا
لأحوال وأنه لا عموم فيها فإنها محتملة لاقتصاره في المادة المخصوصة فتصير في غيرها مجمل الحكم فلا يصح
الاستدلال وأما التعدي في مثل قوله عليه السلام في جواب الأعرابي كفر حيث سئله عن مواقعة أهله في نهار
رمضان فهو من جهة فهم العلة كما أشرنا في باب المفهوم وسيجئ في باب القياس ولنذكر للقاعدتين
مثالين الأولى أن امرأة سئلت عنه عليه السلام عن الحج عن أمها بعد موتها فقال نعم ولم يستفصل هل أوصت
أم لا والثانية حديث أبي بكرة لما ركع ومشى إلى الصف حتى دخل فيه فقال له النبي صلى الله عليه وآله
زادك الله (حرضا)؟ ولا تعد فلا يجوز الاستدلال بها على جواز المشي وإن كان كثيرا إذ يحتمل أن يكون مشي
أبي بكرة قليلا فالقدر المتيقن هو ما لم يحصل الكثرة عادة قانون المعروف من مذهب
الأصحاب أن ما وضع لخطاب المشافهة من قبيل يا أيها الذين آمنوا ويا أيها الناس ونحو ذلك لا يعم
من تأخر عن زمن الخطاب بل يظهر من بعضهم أنه إجماع أصحابنا وهو مذهب أكثر أهل الخلاف و
ذهب الآخرون إلى العموم والشمول والحق هو الأول لنا أن خطاب المعدوم قبيح عقلا وشرعا وقول
الأشاعرة بجوازه مكابرة ناشئة عن قولهم بقدم الكلام النفسي وجعلهم التكليف من جملته وفيه مع أن
الكلام النفسي غير معقول أن التكليف طلب والطلب أمر إضافي نسبي لا يتحقق إلا بتحقق المنتسبين
والمفروض انعدام المطلوب منه فينتفي تعلق الطلب بانتفاء المطلوب منه فينتفي الطلب بانتفاء
جزئه والقول بحدوث التعلق وقدم الطلب مع أنه لا معنى له لا يدفع إلتزام حدوث التكليف لانتفاء
الكل في الأول بانتفاء جزئه فيكون الكل حادثا وأيضا جواز التكليف مشروط بالفهم فإذا لم يجز تكليف
الغافل والنائم والساهي بل الصبي المجنون فالمعدوم أولى بالعدم وكل ذلك عند القائلين بتحسين
229

العقل وتقبيحه واضح وأيضا المفروض كون تلك الألفاظ موضوعة للحاضر بحكم نص الواضع والتبادر و
صحة سلب الخطاب عن مخاطبة المعدوم والملفق من الموجود والمعدوم فالأصل إرادة الحقيقة
ولا يجوز العدول عنه إلا مع ثبوت المجاز وهو موقوف على جوازه أولا وعلى ثبوت القرينة ثانيا أما
الأول فممنوع لما ذكرنا من استحالة الطلب عن المعدوم فإن قلت أن الطلب من المعدوم قبيح إذا
كان على سبيل الخطاب الحقيقي المنجز لم لا يجوز الطلب عنه على سبيل التعليق قلت أولا أن الطلب
التعليقي أيضا لا محصل له في المعدوم لاقتضاء الطلب مطلوبا منه موجودا وإن حقيقة ذلك
يرجع إلى إعلام الموجودين بان المعدومين يصيرون مكلفين بذلك حين وجودهم وبلوغهم
لا الطلب عنهم بالفعل بإتيان المطلوب إذا وجدوا وإن ذلك ليس من قبيل أنت وزيد تفعلان
كذا وثانيا على التسليم جواز ذلك أو أن المراد من التجوز هو إعلام الموجودين بأن المعدومين يصيرون
مكلفين وأمرهم بتبليغهم ذلك إياهم نقول أن ذلك يستلزم كون جميع الخطابات الشفاهية مجازات
إن أريد التغليب وهو كما ترى وإن أريد استعمال اللفظ في الحقيقي والمجازي على البدل فهو غير
جائز أيضا على ما حققناه سابقا من أن جميع الخطابات الشفاهية مجازات
إن أريد التغليب وهو كما ترى وإن أريد استعمال اللفظ في الحقيقي والمجازي على البدل فهو غير جائز
أيضا على ما حققناه سابقا وما يقال في دفع ذلك عن أن جميع الخطابات معلقة على شرائط التكليف
وهي مختلفة بالنسبة إلى آحاد المكلفين فمن حصلت له يدخل تحته وهذا أمر واحد لا تعدد فيه فلا يلزم
استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقي والمجازي ففيه أن التحقيق أن الخطابات المشروطة لا تتعلق
بفاقدي الشرائط قطعا كما حققناه سابقا والتعليق لا يصح من العالم بالعواقب وقد بينا في مباحث
الأوامر معنى الواجب المشروط فلا نعيد فالخطابات المطلقة لا تتعلق إلا بالواجدين والغرض من
التعليق بالشرط هو إعلام الحال وإن الفاقد للشرط إذا صار واجدا فيتعلق به الحكم حينئذ وقد بينا سابقا
أن الأصل في الواجبات هو الاطلاق حتى يثبت التقييد بدليل فلم يتعلق المطلقات إلا بمن وجد
الشرائط الثانية سواء قارن ذكر الشرط لأصل الخطاب أو ثبت من دليل خارج فثبت لزوم إرادة
المعنيين الحقيقي والمجازي في الخطابات المتنازع فيها على ما ذكرت بخلاف الخطابات المشروطة
وبطل التنظير والمقايسة وأما الثاني فمعدوم لأن المفروض انتفاء الدليل عليه والاشتراك في أصل
التكليف مع كون الرسول صلى الله عليه وآله مبعوثا إلى الكافة لا يثبت كما لا يخفى ومما ذكرنا يظهر أن القول بأن
تلك الخطابات بالنسبة إلى المعدومين من باب المكاتبة والمراسلة إلى (الثاني)؟ فكما أنه يجوز الخطاب
230

في الكتاب إلى من لا يصل إليه إلا بعد سنة أو أزيد فكذا يجوز للعالم بالعواقب مخاطبة من سيوجد و
لو بعد مدة بهذا الكتاب لا وجه له لان الكلام في المكاتبة والمراسلة بعينه هو ما ذكرنا لأنها لا تصح
إلا إلى الوجود الفاهم إذا أريد منه الطلب الحقيقي وإلا فيكون المراد من المكاتبة أيضا هو العمل على ما
يشمله من الاحكام من باب الوصية لا التكلم والتخاطب مع أن احتمال ذلك لا يكفي ولا بد للمدعي
أن يثبت ذلك فإن قلت فإذا امتنع الخطاب ولو على سبيل المجاز فما الذي يثبت التكاليف للمعدومين
حين وجودهم وبلوغهم قلت أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله بأنهم إذا وجدوا يصيرون
مخاطبين مكلفين بهذه الأحكام وأخبر رسوله صلى الله عليه وآله خلفائه عليهم السلام وهكذا ولا يلزم من ذلك
إخبار المعدوم وحتى يلزم محذور القبح السابق الوارد في خطاب المعدوم لان ذلك إخبار الموجود
بحال المعدوم وذلك معنى ادعائهم الاجماع على الاشتراك فالحاصل لا نقول بمخاطبة المعدومين
بهذه الخطابات لا حقيقة وإلا مجازا بل نقول باشتراكهم معهم في الحكم بدليل آخر من الاجماع و
الضرورة والأخبار الواردة في ذلك المدعى فيها التواتر من غير واحد فإن قلت لو قلنا بجواز
شموله للمعدومين مجازا بمعنى إخبار الموجودين بأن المعدومين مكلفون بذلك بقرينة اشتراكهم
في التكليف الثابت بالاجماع والضرورة أو قلنا بعدم شموله أصلا وقلنا بالاشتراك من دليل
آخر مثل الاجماع والأخبار الواردة في ذلك فأي ثمرة للنزاع بين القولين بكونه حقيقة في الأعم أو مجازا
في خطاب الملفق من الموجود والمعدوم أو عدم الشمول أصلا وثبوت الاشتراك من الخارج قلت
يظهر الثمرة في فهم الخطاب فإن خطاب الحكيم بما له ظاهر وإرادة غيره بدون قرينة قبيح فإن قلنا بتوجه
الخطاب إلى المعدومين فلا بد لهم من أن يبنوا فهم الخطاب على اصطلاحهم وليس عليهم التفحص عن
اصطلاح زمن الخطاب بل ولا يجوز لهم ذلك بخلاف ما لو اختص الخطاب بالحاضرين فيجب على
المتأخرين التحري والاجتهاد في تحصيل فهم المخاطبين وطريقة إدراكهم ولو بضميمة الظنون الاجتهادية
ومنها أصل عدم النقل وأصل عدم السقط والتحريف وعدم القرينة الحالية الدالة على خلاف الظاهر و
أمثال ذلك وربما يذكر هنا ثمرة أخرى وهو أن شرط اشتراك الغائبين للحاضرين في الشرايع والاحكام
مع قطع النظر عن الورود بخطاب الجمع هو أن يكونا من صنف واحد فوجوب صلاة الجمعة مثلا
على الحاضرين مع كونهم يصلون خلف النبي صلى الله عليه وآله أو نائبه الخاص لا يوجب وجوبه على
الغائبين الفاقدين لذلك لاختلافهم في الصنف من حيث أنهم مدركون للسلطان العادل أو
نائبه بخلاف الغائبين فعلى القول بشمول الخطاب للغائبين يمكن الاستدلال بإطلاق الآية
233

على نفي اشتراط حضور الإمام عليه السلام أو نائبه بخلاف ما لو اختص بالحاضرين لأنهم واجدون للسلطان
العادل أو نائبه فلا يمكن التعدي عنهم إلى الغائبين الفاقدين لاختلافهم في الصنف وأنت خبير بما
فيه إذ اعتبار الاتحاد في الصنف لا يحده قلم ولا يحيط ببيانه رقم واحتمال مدخلية كونهم في عصر النبي
صلى الله عليه وآله أو أنهم كان صلاتهم خلفه وأمثال ذلك في الأحكام الشرعية وحصول التفاوت
بذلك وعدم الحكم باشتراك الغائبين معهم من جهة هذه المخالفة والتفاوت مما يهدم أساس
الشريعة والاحكام رأسا كما لا يخفى ومدخلية حضور السلطان أو نائبه فيما نحن فيه على القول به إنما
هو من دليل خارج من إجماع أو غيره فحينئذ نقول لو أورد على القول باشتراط السلطان أو نائبه بإطلاق
الآية واستدل به على إبطال الاشتراط أن وجه عدم التقييد في الآية بهذا الشرط كون الخطاب مختصا
بالحاضرين وورود الآية مورد الغالب وهو حصول الشرط يومئذ فالواجب بالنسبة إليهم مطلق
بالنظر إلى هذا الشرط نعم لو كان الخطاب شاملا للغائبين لتم الاستدلال بإطلاق الآية في دفع الاشتراط
للزوم القبيح بإيراد المطلق وإرادة المشروط والحاصل أن القول بأن الاجماع ثبت على الاشتراك
إلا فيما وقع فيه النزاع لا معنى له إلا لزوم ادعاء الاجماع في كل واحد واحد من المسائل المعلوم اشتراك
الفريقين فيها والقول بأن شرط الاشتراك اتحاد الصنفين المستلزم لبيان أمر وجودي هو ما به
الاشتراك بينهما لا يمكن تفسيره بأن المراد أن الفريقين مشتركان إلا ما وقع النزاع فيه فيكون كل ما
لم يقع فيه النزاع صنفهما متحدا وما وقع فيه النزاع مختلفا فتحقيق المقام أن المستفاد من الأدلة هو
ثبوت الاشتراك مطلقا ولزوم ادعاء الاجماع بالخصوص في كل واقعة واقعة مجازفة والواجب المشروط
مطلق بالنسبة إلى واجد الشرط ومقيد بالنسبة إلى الفاقد ولا مدخلية في ذلك لزمان الحضور والغيبة
من حيث هو فلو وجد الغائب الشرط يصير الواجب بالنسبة إليه مطلقا كما لو فقد الواجد في زمان
الحضور وقد يتحصل الشرط بنفس زمان الحضور فيظن أن التفاوت إنما كان من جهة زمان الحضور
وإن ذلك صار سببا لاختلاف الصنف فلو فرض في زمان النبي صلى الله عليه وآله أسر جماعة من
المسلمين بغتة في أيدي الكفار وإذهابهم إلى بلاد الكفر من دون رخصته صلى الله عليه وآله إياهم في صلاة الجمعة فلا
ريب أنه لا يجب عليهم صلاة الجمعة حينئذ على القول بالاشتراط ولو فرض ظهور صاحب الزمان صلوات
الله عليه واليوم أو نائبه الخاص فلا ريب أنه يجب على من أدركه إقامة الصلاة فآل الكلام إلى أن
الفارق والموجب لعدم الاشتراط هو وجدان الشرط وفقدانه لا الغيبة والحضور فبعد ثبوت
الاشتراط لا فرق بين القول بشمول الخطاب للمعدومين وعدمه فالكلام إنما هو في إثبات الاشتراط
234

وعدمه وكون مجردا احتمال مدخلية كونهم مدركين خدمة النبي صلى الله عليه وآله ومصلين خلفه
مثبتا للشرط كما ترى إذ أمثال ذلك مما لا يحصى ولم يقل أحد بذلك في غير ما نحن فيه وبعد تسليم الشرط
فلا فرق بين الفريقين نعم على القول بالاشتراك مطلقا بمعنى أن الواجب مطلق مع وجود الشرط
مطلقا ومشروط مع فقده مطلقا ولكن وقع النزاع في ثبوت الشرط فإذا استدل النافي للشرط على
المثبت بإطلاق الآية فيمكنه حينئذ الرد بأن الخطاب مخصوص بالحاضرين مجلس الخطاب والاطلاق
بالنسبة إليهم لعله لكونهم واجدين للشرط حين الخطاب ونحن فاقدون له فلا يجب علينا ولو كان
الخطاب مع الغائبين أيضا لكان واجبا مطلقا لقبح الخطاب عن الحكيم بما له ظاهر وإرادة خلافه
فالمستدل بإطلاق الآية يريد نفي الاشتراط مطلقا والمجيب بأن الخطاب مخصوص بالحاضرين يريد رفع
دلالة ذلك على ما ادعاه لا إثبات الاشتراط من كون ذلك خطابا للحاضرين وهو صنف مخالف
للغائبين فلا بد للمستدل للاشتراط التمسك بدليل آخر فإذا عورض ذلك الدليل بهذا الاطلاق
فيجاب بان الاطلاق ليس متوجها إلى الغائبين فرجع الثمرة إلى فرع من فروع الثمرة الأولى وهو أن
الخطاب إذا كان مع الغائبين فيجب أن يعملوا على مقتضى ظاهر الخطاب وهو الاطلاق كالحاضرين بخلاف
ما لو لم يكن كذلك وبالجملة حاصل مراد من ذكر هذه الثمرة بعد تفسير اشتراط اتحاد الصنف بعدم
كونه مما وقع النزاع فيه أو وقع الاجماع الاجماع على عدم الاتحاد أنه لا نزاع أن صلاة الجمعة مثلا واجبة على المشافهين
لأنهم كانوا يصلون مع الرسول صلى الله عليه وآله وعلى كل من هو مثلهم في وجوب المنصوب
من المعدومين فهم مشاركون لهم إلى يوم القيامة فالقدر المسلم من الاجماع هو ذلك وأما المعدومون
الفاقدون لذلك فلا إجماع على مشاركتهم فحينئذ يثمر القول بشمول الخطاب للمعدومين فعلى القول به
يثبت الوجوب عليهم أيضا من غير تقييد بوجوب المنصوب لاطلاق الآية ويرد عليه أن المعيار
في المشاركة إذا كان وهو الاجماع فلا ريب أن القدر المسلم الثابت للمشافهين من وجوب الصلاة
هو ما داموا واجدين للصلاة خلف النبي صلى الله عليه وآله أو من ينصبه فإذا فقد هؤلاء المشافهون
ذلك المنصب بمسافرتهم أو ممنوعيتهم عن ذلك بمثل فوت النبي صلى الله عليه وآله وغير ذلك فلا ريب انه لا
إجماع على مشاركتهم حينئذ مع المدركين فهم مشاركون للفاقدين من المعدومين فإذا أثمر القول
بشمول الخطاب للمعدومين وجوب الصلاة على الفاقدين منهم أيضا لأجل العموم فلا بد أن يثمر
القول باختصاص الخطاب للموجودين وجوبها على الفاقدين منهم أيضا لأجل العموم فيصير هذا
من ثمرات الاطلاق والتقييد والتعميم والتخصيص في الخطاب لا من ثمرات التعلق بالغائبين أو
237

الحاضرين ومع حصول الشك في عمومه للفاقدين على القول باختصاصه للموجودين فلم لا يحصل الشك
في عمومه للفاقدين على القول بشموله للمعدومين أيضا ولو فرض لك في ذلك توهم وتفرقة لفهم الخطاب
للحاضرين والغائبين في العموم والخصوص فقد عرفت أن ذلك على تقدير صحته رجوع إلى الثمرة الأولى
فثمرة نفي اشتراط إذن المعصوم عليه السلام إنما يترتب على ما ذكر على دعوى العموم لا على كون الخطاب
متعلقا بالمعدومين يعني أن العموم لما كان غير مقيد بوجدان الاذن وهو شامل للفاقد والواجد
فينتفي اشتراط الاذن لا أن الخطاب لما كان للمعدومين قاطبة فانتفى اشتراط الاذن ودعوى كونهما
مساوقين بمعنى أن كل معدوم فهو فاقد وكل موجود فهو واجد مع بطلانه في نفسه ومغايرتهما في المفهوم
فاختلاف الاحكام بالعنوانات وإن تصادفت مصاديقها قد عرفت فيه التخلف وعدم الاستلزام
فإن قلت على القول باختصاص الخطاب بالموجودين خرج الفاقدون منهم بالدليل قلت على القول
بشموله المعدومين خرج الفاقدون منهم أيضا بالدليل فإن الدليل إن كان هو فقدان الشرط فهما
مشتركان فيه وإن كان شئ آخر فلا بد من بيانه لا يقال ان التخصيص الأول مرضي دون الثاني لكون
الباقي أقل لأن المفروض عدم اختصاص الخطاب بالمعدومين ومع ملاحظة الموجودين والمعدومين
معا وضعف المعدوم في جنب الموجود يندفع هذه الحزازة احتج المخالف بأن رسول المعدومين
هو رسول الحاضرين بالضرورة ولا معنى للرسالة إلا بتبليغ الخطاب وباحتجاج العلماء في جميع الأعصار
بهذه الخطابات من بعد زمن الصحابة إلى الآن من دون نكير وذلك بإجماع منهم والجواب عن الأول
منع المقدمة الثانية إن أريد بتبليغه على سبيل المشافهة وعدم لزوم الخطاب لو أريد ما يعم أيضا الموجودين
بإخبار المعدومين ومشاركة الرسول بينهم لا تقتضي أزيد من ذلك والجواب عن الثاني منع أن احتجاجهم
عليهم من جهة أن الخطاب متوجه إليهم بل لاثبات أصل الحكم فيما جهل أصل الحكم أو اختلف فيه وبعد
ثبوت أصل الحكم في الجملة فيعترفون بثبوته لما ثبت عندهم من اشتراكهم مع الحاضرين في الاحكام
بالاجماع والضرورة ونظير ذلك في الفقه كثير غاية الكثرة ألا ترى أن المتخاصمين في انفعال الماء القليل
بملاقاة النجاسة وعدمه إذا أورد أحدهما على الاخر برواية تدل على مذهبه في بعض الافراد كالرواية الدالة
على أن الطير إذا وطئ العذرة ودخل في الماء القليل لا يجوز التوضي به للقائل بالنجاسة والرواية الدالة
على عدم تنجس القربة بموت الجرذ فيها لخصمه لا يرد أحدهما على الاخر بأن ذلك في مورد خاص ولا يشمل
العذرة الدم والبول ولا عدم جواز التوضي عدم الشرب وكذلك لا يشمل الجرذ غيرها من النجاسات و
238

لا القربة غيرها من المياه القليلة بل رفع أحدهما دليل الاخر إنما هو من جهة القدح في السند أو الدلالة أو
الاعتضاد أو غير ذلك وذلك لأنهما يسلمان أن عدم الفرق بين أفراد النجاسة وأفراد المياه إجماعي فالغرض
من الاستدلال إثبات نفس الحكم لا عمومه وشموله وبالتأمل في هذه النظائر يندفع استبعاد بعض المتأخرين
من عدم ذكر مستند الاشتراك حين الاستدلال بتلك الخطابات مع أنه هو العمدة وادعاء أن ظهور المستند
بحيث يعلمه كل واحد من الخصوم مما يحكم البديهة بفساده مع أن جماعة منهم ادعى أن الشراكة في الحكم بديهي
معلوم بالضرورة من الدين وهو الحق الذي لا محيص عنه وبالجملة قد ثبت من الضرورة والاجماع
بل الأخبار المتواترة على ما ادعى تواترها البيضاوي أيضا في تفسير قوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ان
المعدومين مشاركون مع الحاضرين في الاحكام إلا ما أخرجه الدليل بل الظاهر أن الدليل المخرج إنما هو
من جهة عدم حصول الشرط في المعدومين في الواجبات المشروطة كالجهاد وصلاة الجمعة على القول
باشتراط حضور السلطان أو نائبه لا من جهة تفاوت الحاضرين والغائبين بل لو فرض فقد الموجودين
للشرط لكانوا كالغائبين ولو فرض وجدان الغائبين له لكانوا مثل الموجودين كما أشرنا سابقا وقد نص
بذلك مولانا الصادق عليه الصلاة والسلام في رواية ابن أبي عمير والزبيدي في الجهاد لان حكم الله في
الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون والأولون والآخرون أيضا في منع
الحوادث شركاء والفرايض عليهم واحدة يسئل الآخرون عن أداء الفرائض كما يسئل عنه الأولون الحديث
ومما يوضح ما ذكرنا أن العلماء يستدلون في جميع الأعصار بالخطابات المفردة أيضا مثل إفعل وافعلي
ونحو ذلك فلا ريب في عدم شمولها فالمقصود إنما هو إثبات نفس الحكم واحتجاج بعضهم بالروايات
الواردة في أن كثيرا من تلك الخطابات نزلت في جماعة نشأوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وما ورد في
أن كثيرا منها وردت في الأئمة عليهم السلام مثل قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس مندفع بأن
ذلك من البطون والكلام إنما هو في الظاهر مع أنه تعالى قال لليهود فلم تقتلون أنبياء الله من قبل
ولا ريب أن ذلك كله مجاز أريد به مطلق التبليغ ولا ينحصر التبليغ في الخطاب كما أشرنا ومن ذلك
يندفع أيضا ما احتج به من ورود الامر بقول لبيك بعد قول يا أيها الذين آمنوا ولا بشئ من آلائك يا
رب أكذب بعد قرائة فبأي آلاء ربكما تكذبان مع أن لبيك لا يدل على كون الخطاب معهم بل الظاهر
أن المراد منه إظهار الايمان سيما مع ملاحظة عدم استحبابه بعد قوله يا أيها الناس واستحبابه بعد قوله
يا أيها الذين آمنوا الا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله وكذلك في الآية الثانية مع أن غير المكذبين
مأمورون بذلك ألبتة والمكذبون لا يقولون ذلك وكذا احتجاجه بمثل قوله تعالى لينذركم به ومن بلغ
239

ولعدم انحصار الانذار في الخطاب كما مر وكذلك بقوله صلى الله عليه وآله فليبلغ الشاهد الغائب بل هو على خلاف
مراده أدل وهيهنا كلمات واهية واستدلالات سخيفة أخر لا تليق بالذكر منها الاستدلال بقول
المصنفين في كتبهم أعلم وتدبر وتأمل ولا ريب أنه مجاز أريد به الايصاء بل هو نصب علامة علامة للاغلاق
والاشكال كنصب الأميال للفراسخ وقد يقال أن تلك الخطابات مختصة بالحاضرين ولكن قام
الكتاب والمبلغون واحدا بعد واحد مقام المتكلم بها فلم يخاطب بها إلا الموجود الحاضر فكان
الكتابة نداء مستمرا من ابتداء صدور الخطاب إلى انتهاء التكليف والسر فيه أن المكتوب إليه ينتقل من
الوجود الكتبي إلى الوجود اللفظي ومنه إلى المعنى فمن حيث هو قار متكلم ومن حيث أنه من المقصودين
بالخطاب مستمع ومخاطب وفيه أن ذلك مجرد دعوى لا دليل عليها ولا يستلزم ما ذكره كون الخطاب
من الله تعالى في كل زمان بالنسبة إلى أهله وكما أن في زمان الحضور لا يجوز المخاطبة بتلك الألفاظ مع
المعدومين لانتفاء أحد المنتسبين فكذلك في الأزمنة المتأخرة لا يتحقق المخاطبة عن الله تعالى لانقطاعه
وامتداده بحسب الأزمان أول الدعوى فلم يبق إلا بتبليغ نفس الحكم وهو مسلم قوله فمن حيث هو قار
متكلم نعم متكلم لكنه حاك للخطاب المتقدم لا أنه مخاطب بكسر الطاء تنبيهان الأول
قيل بشمول الخطابات المذكورة للمكلفين الموجودين وإن كانوا غائبين عن مجلس الوحي لان الخطاب
عن الله تعالى ولا يتفاوت بتفاوت الأمكنة ويظهر من بعضهم عدم الشمول ولعله ناظر إلى تفاوت
أحوال الحاضرين والغائبين وكيفية فهم الخطاب فإن قوله تعالى وإذا قرء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا
مثلا قد فسر في الأخبار الصحيحة بالقراءة خلف الامام فلعل في مجلس الوحي كان قرينة لإرادة ذلك كان
خافية عن الغائبين فمخاطبتهم بذلك مع إرادة الخاص قبيح فلا بد من القول بتشريكهم معهم بدليل
آخر مثل الاجماع وغيره وليس ببعيد وعلى أي تقدير فيختص بالمكلفين فلا يشمل من بلغ حد التكليف
بعد زمن الخطاب وإن كان موجودا حينئذ ويظهر الوجه مما تقدم الثاني الصيغ المفردة مثل إفعل
وافعلي وأمثال ذلك لا تشمل بصيغتها غير المخاطب بها وإنما المشاركة بالدليل الخارج وهو الاجماع
على الاشتراك وكذلك خطاب الرجل لا يشمل المرأة ولا بالعكس ولكن الاجماع على الاشتراك أثبت
الاشتراك في غير ما يختص بأحدهما يقينا كأحكام الحيض والنفاس ونحوهما بالمرأة وأحكام غيبوبة
الحشفة وما يتعلق بالخصيان ونحوهما بالرجال وأما الاحكام المختلف فيها فقيل بأن الأصل فيها
الاشتراك إلا ما أخرجه الدليل وقيل بالعكس والأول أظهر فإثبات الجهر في الصلاة الجهرية إنما ثبت
اختصاصه بالرجل بسبب الدليل وكذلك استحباب وضع اليدين على الفخذين فوق الركبتين حال
240

الركوع في المرأة وما ذكرنا إنما هو المستفاد من الاخبار والأدلة وإثبات دعوى أن الأصل الاشتراك
إلا ما أثبته الاجماع دونه خرط القتاد لا يقال أن الاجماع لا يقبل التخصيص لكونه من الأدلة
القطعية لأنا نقول انهم نقلوه بالعموم وعموم دعوى الاجماع مثل عموم الحديث معتبر لاشتراك
الدليل وهو المستفاد من تتبع كلام الفقهاء وصرح به بعضهم ومنه المحقق الخونساري في شرح الدروس
وببالي أنه في مبحث نجاسة الخمر والمحقق الأردبيلي رحمه الله في أوائل كتاب الحدود من شرح الارشاد واعلم
أن الألفاظ المختصة بأحد الفريقين من الرجال والنساء مثل ذينك اللفظين مختصة بهما ومثل
لفظ الناس وذرية آدم يشملهما ومثل المؤمنات والمسلمات يختص بها وأما مثل المؤمنين والمسلمين
ففيه خلاف والأظهر الاختصاص لنص اللغة وفهم العرف واحتج الخصم بالاستعمال فيهما كالقانتين
واهبطوا بعضكم لبعض عدو ونحو ذلك وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة والتغليب مجاز و
يؤيده آية الحجاب وغيرها ومما ذكرنا يظهر أن خطاب النبي صلى الله عليه وآله بقوله تعالى يا أيها النبي
ويا أيها المزمل وغيرهما لا يعم غيره المقصد الثاني في بيان بعض مباحث التخصيص وهو
قصر العام على بعض ما يتناوله وقد يطلق على قصر ما ليس بعام حقيقة كذلك كالجمع المعهود من
ذلك تخصيص مثل عشرة والرغيف بالنسبة إلى أجزائهما والتخصيص قد يكون بالمتصل وهو ما لا يستقل
بنفسه بل يحتاج إن انضمامه إلى غيره كالاستثناء المتصل والشرط والغاية والصفة وبدل البعض بالمنفصل
وهوما يستقل بنفسه وهو إما عقلي كقوله خالق كل شئ والمراد غير ذاته تعالى وأفعال العباد واما
لفظي كقوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه واختلفوا في منتهى
التخصيص إلى كم هو الأشهر أنه لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام ويجوز الاستعمال في الواحد
على سبيل التعظيم وقد يفسر الجمع القريب من مدلول العام بكونه أكثر من النصف سواء علم العدد بالتفصيل
أو ظهر بالقرينة كون الباقي أكثر كقولك أكرم أهل المصر إلا زيدا وعمروا وقيل لا بد في ذلك من
بقاء جمع غير محصور وذهب جماعة إلى جوازه حتى يبقى واحد وقيل حتى يبقى ثلاثة وقيل اثنان وقيل
لا بد (في ذلك من بقاء جمع غير محصور وذهب جماعة إلى جوازه حتى) في صيغة الجمع من بقاء ثلاثة وفي غيرها
يجوز إلى الواحد وقيل أن التخصيص إن كان بالاستثناء أو بدل البعض جاز إلى الواحد نحو له علي عشرة
إلا تسعة واشتريت العشرة أحدها وإن كان بمتصل غيرهما كالشرط والصفة والغاية أو كان بمنفصل
في محصور قليل فيجوز التخصيص إلى الاثنين مثل أكرم بني تميم الطوال أو إن كانوا طوالا أو إلى أن يفسقوا
وقتلت كل زنديق وهم ثلاثة ولعله ناظر إلى صدق تلك العمومات مع الثلاثة وأكثرها اثنان وهذا من
241

الشواهد على أن العام يطلق عندهم على الجماعة المعهودة كما أشرنا وإن كان التخصيص بمنفصل في
عدد غير محصور أو في عدد محصور كثير فكقول الأكثر والأقرب عندي قول الأكثر لما تقدم من أن
وضع الحقائق والمجازات شخصية كانت أو نوعية يتوقف على التوقيف ولم يثبت جواز الاستعمال
إلى الواحد من أهل اللغة وعدم الثبوت دليل عدم الجواز والقدر المتيقن الثبوت هو ما ذكرنا غاية
الامر التشكيك في مراتب القرب وهو سهل إذ ذاك في الاحكام الفقهية والأصولية ليس بعادم النظير
كما في الافراد الخفية الفردية في العام واللوازم الغير البينة اللزوم فما ترجح جوازه في ظن المجتهد فيجوز
وما ترجح عدمه فلا وما تردد فيه فيرجع فيه إلى الأصل من عدم الجواز والقول بأن الرخصة في نوع العلاقة
في المجاز يوجب العموم في الجواز غفلة عما حققناه في أوائل الكتاب وفي أوائل الباب إذ قد عرفت أن
نوع العلاقة إطراده غير معلوم بالنسبة إلى جميع الأصناف وفي جميع أنواع الحقائق وسنبطل ما استدل
به المجوزون واحتج الأكثرون على ذلك بقبح قول القائل أكلت كل رمانة في البستان وفيه آلاف وقد
أكل واحدة أو ثلاثا ولعل مرادهم استقباح أهل اللسان واستنكارهم ذلك من جهة ما ذكرنا من عدم
ثبوت مثله عن العرب لا محض الغرابة والمنافرة الموجبتين لنفي الفصاحة إذ عدم الفصاحة لا يستلزم
عدم الجواز إلا أن يراد استقباحه في كلام الحكيم سيما الحكيم على الاطلاق الذي هو موضوع علم الأصول
ولكن ذلك لا يثبت نفي الجواز لغة والقطع بعدمه في كلام الحكيم أيضا مطلقا غير واضح والمقام قد يقتضي
ذلك احتج مجوزوه إلى الواحد بأمور الأول أن استعمال العام في غير الاستغراق مجاز على التحقيق
وليس بعض الافراد أولى من البعض فيجوز إلى أن ينتهي إلى الواحد ورد بمنع عدم أولوية البعض لان
الأكثر أقرب إلى الجميع وعورض بأن الأقل متيقن الإرادة مع الكل ومع الأكثر بخلاف الأكثر فإنه متيقن
المراد من الكل خاصة على أن أقربية الكثر تقتضي أرجحية ارادته على إرادة الأقل لا امتناع إرادة الأقل
وفي أصل الاستدلال وجميع الاعتراضات نظر أما في الاعتراضات فإن مبناها على ترجيح المراد من
العام المخصوص كما لا يخفى لا بيان جواز أي فرد من أفراد التخصيص وعدمه كما هو المدعى فإنما يتمشى هذه
إذا علم التخصيص في الجملة فلو دار الامر بين التخصيصات المختلفة أمكن التمسك بأمثال ما ذكر ولا يمكن
ذلك في إثبات أصل الجواز وعدمه بل لا يجري بعض المذكورات فيه أيضا مثلا إذا قيل (اقتلوا)؟ المشركين والمفروض
ان المشركين مأة واحد منهم مجوسي والباقون أهل الكتاب وورد بعد ذلك نهي عن قتل المجوس و
رود نهي أخر عن قتل أهل الكتاب وفرضنا تساوي الخاصين من حيث القوة فمن يلاحظ الأقربية إلى
الجميع فلا بد أن يبني على النهي الأول ومن يلاحظ تيقن الإرادة فلا بد أن يبني على الثاني ولكنك خبير
242

بأنه لا معنى حينئذ لدخول الأقل في الأكثر فإن المجوس ليس من جملة أهل الكتاب كما لا يخفى نعم يمكن إجراء ذلك
في المخصص بالمجمل مثل اقتلوا المشركين إلا بعضهم ولكنه لا ثمرة فيه لسقوط العام عن الحجية بقدر الاجمال نعم
قد يجري ذلك فيما لو أريد من بعضهم النكرة المطلقة الموكول تعيينها إلى اختيار المخاطب ولكن ذلك
لا يفيد قاعدة كلية تنفع للأصولي في جميع الموارد وكيف كان فلا دخل لما ذكر فيما نحن بصدده فالتحقيق
في الجواب أن الأولوية إنما تثبت فيما حصل من الاستقراء جوازه كما بينا والمراد بلفظ الأولوية في كلام
المستدل وفي جوابنا هو المستحق الممكن الحصول مقابل الممتنع مثل قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض لا الأرجح كما هو غالب الاستعمال والغفلة عن ذلك إنما هو الذي أوجب مقابلته بهذه الأجوبة
والاعتراضات فحاصل مراده أن العلاقة المجوزة لاستعمال العام في الخصوص هو العموم والخصوص وهو
في الكل موجود فما الوجه لتخصيص بعض الافراد بالجواز دون بعض وليس مراده بيان نفي المرجح بعد قبول
الجواز حتى يقابل ما ذكر وحاصل جوابنا أن الذي ثبت عن استقراء كلام العرب من الرخصة في جواز
استعمال العام في الخاص إنما هو الاستعمال في الجمع القريب بالمدلول لا مطلق علاقة العموم والخصوص
حتى يتساوى الكل فيه وما يظهر من بعضهم أن العلاقة هو علاقة الكل والجزء واستعمال اللفظ الموضوع
للكل في الجزء غير مشروط بشئ كما اشترط في عكسه كون الجزء مما ينتفي بانتفائه الكل وهو مساو في الجميع
ففيه أن أفراد العام ليست أجزاء له فإن مدلول العام كل فرد لا مجموع للافراد مع أن استعمال اللفظ الموضوع
للكل في الجزء إنما يثبت الرخصة فيه فيما لو كان الجزء غير مستقل بنفسه ويكون للكل تركيب حقيقي
وهو مفقود فيما نحن فيه ومن ذلك يظهر أن الكلام لا يجري في مثل العشرة أيضا رأسا فضلا عن صورة
إبقاء الواحد واتفاق الفقهاء على أن من قال له علي عشرة إلا تسعة يلزمه واحد لا يدل على صحة هذا الاطلاق
كما سيجئ وجواز إبقاء الجمع القريب بالمدلول فيه أيضا لا يلزم أن يكون بسبب علاقة الجزئية فإن
الحيثيات معتبرة والمعتبر هو علاقة العموم والخصوص وإن لم يكن من باب العموم المصطلح المشهور
وإن كان يرجع إليه بوجه لان المراد بالعشرة في الحقيقة وهو مميزة مثل الدراهم والدنانير فيصير من باب
الجمع المعهود فكان المعنى له علي دراهم عددها عشرة وكذلك الكلام في الاعداد التي مميزها في صورة المفرد
فإن معناها جمع ومما ذكرنا ظهر أيضا أن العلاقة ليست من باب استعمال الكلى في الجزئي أيضا وإنما هو في
العام والخاص المنطقيين ثم أن صاحب المعالم رحمه الله أجاب عن أصل الدليل بأن العلاقة في ذلك المجاز إنما
هو المشابهة لعدم تحقق الجزئية في افراد العام وهي إنما تتحقق في كثرة تقرب من مدلول العام فهذا وجه
الاختصاص وفيه منع حصر العلاقة فيهما بل العلاقة إنما هو العموم والخصوص وكون ذلك من جملة العلائق
245

من الواضحات التي لا تحتاج إلى البيان مصرح به في كلام أهل الأصول والبيان والظاهر أن كونه علاقة اتفاقي
وما يتراءى من الخلاف من كلام بعضهم كالمحقق الكاظمي في شرح الزبدة حيث نسب كون العلائق خمسة
وعشرين ومن جملتها العموم والخصوص إلى المشهور والمحقق البهائي رحمه الله في حاشية الزبدة حيث نسب إلى
القدماء فهو ناظر إلى تغيير العبارات من حيث الايجاز والاطناب فبعضهم ردها إلى اثنين وبعضهم إلى
خمسة وبعضهم إلى اثني عشرة وكل ذلك اختلاف في اللفظ وإلا فلا خلاف ولأصحاب هذا القول أيضا
حجج واهية أخرى منها قوله تعالى وإنا له لحافظون وفيه أنه من باب التشبيه لقصد التعظيم لا من باب ذكر
العام وإرادة الخاص فكأنه لاجتماعه جميع صفات الكمالات الحاصلة في كل واحد سيما وصف الحافظية
صار بمنزلة العام أو لان العظماء لما جرت عادتهم بأنهم يتكلمون عنهم وعن أتباعهم فيغلبون المتكلم
فصار ذلك كناية عن العظمة ومنها قوله تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم والمراد نعيم ين
مسعود باتفاق المفسرين وأجيب بمنع اتفاق المفسرين أولا وان الناس ليس بعام بل للمعهود ثانيا و
الظاهر أن مراده عهد الجمع وفيه إشكال لان الناس اسم جمع وإطلاقه على الواحد على سبيل العهد غير
واضح وهذا التفسير رواه أصحابنا عن أئمتهم عليهم السلام فلاوجه لرده والصواب في الجواب ان ذلك
أيضا ليس من باب التخصيص بل من باب التشبيه فإن أبا سفيان لما خرج إلى ميعاد رسول الله صلى الله عليه
وآله للحرب بعد عام أحد ألقى الله الرعب عليه فأراد الرجوع وكره أن يكون ذلك على وجه الصغار و
الاحجام عن الحرب ويكون ذلك سببا لجرئة أهل الاسلام فأراد تثبيط رسول الله صلى الله عليه وآله
عن الحرب على سبيل الخداع بأن يخوفهم حتى يتقاعدوا فلقي نعيم بن مسعود واشترط له عشرة من الإبل
على أن يثبطهم عن الحرب فجاء نعيم وقال لهم أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ووجه التشبيه أنه لما
أخبر عن لسان الناس يعني أبا سفيان وجيشه وتكلم عن مقتضى مقصدهم وكان ذلك رسالة عنهم
فكأنهم قالوا ذلك بأنفسهم وهذا مجاز شايع في المحاورات وفي تكرير المعرف باللام إيهام إلى المبالغة
في الاتحاد ومنها أنه علم بالضرورة من اللغة صحة قولنا أكلت الخبز وشربت الماء ويراد به أقل
القليل مما يتناوله الماء والخبز وفيه انا قد حققنا في أول الباب أن المفرد المحلى باللام حقيقة في الجنس
ومجاز في غيره والقرينة قائمة هنا على إرادة الفرد المعين عند المتكلم المطابق للمعهود الذهني وهو نظير
قولنا جاء رجل بالأمس عندي لا من قبيل جئني برجل فكما أن للنكرة إطلاقين قد مر بيانهما فكذلك للعهد
الذهني المساوق لها في المعنى والحاصل أن المراد به المعهود الذهني سواء قلنا باشتراك المعرف باللام
بين المعاني الأربعة ويعين ذلك بالقرينة أو قلنا بكونه حقيقة في الجنس واستعمل هنا في الفرد حقيقة
246

من باب إطلاق الكلي على الفرد مع قطع النظر عن الخصوصية فإن استعمال الكلي في الفرد وإن كان على
سبيل المجاز أيضا فهو من باب استعمال العام المنطقي في الخاص لا العام الأصولي وكيف كان فهو خارج
عن المبحث احتج مجوزوه إلى الثلاثة والاثنين بما قيل في الجمع وإن أقله ثلاثة أو اثنان وفيه منع واضح إذ
لا ملازمة بين الجمع والعام في الحكم وقد يوجه بأن العام إذا كان جمعا كالجمع المعرف باللام فيصدق
على الثلاثة والاثنين ولا قائل بالفصل وفيه أن من ينكر التخصيص إلى الواحد والاثنين والثلاثة لا يسلم
ذلك في الجمع المعرف باللام أيضا وحجة التفصيل مع جوابه يظهر بالتأمل فيما ذكر وما سيجئ قانون
إذا خص العام ففي كونه حقيقة في الباقي أو مجازا أقوال وقبل الخوض في المبحث لا بد من تمهيد مقدمات
الأولى أن الغرض وضع الألفاظ المفردة ليس إفادة معانيها لاستحالة إفادتها لغير العالم بالوضع
واستفادة العالم بالوضع أيضا غير ممكن لاستلزامه الدور لان العلم بالوضع مستلزم للعلم بالمعنى
واللفظ ووضع اللفظ للمعنى فالعلم بالمعنى مقدم على العلم بالمعنى بل إنما المقصود من وضعها تفهيم ما يتركب
من معانيها بواسطة تركيب ألفاظها الدالة عليها للعالم بالوضع فإن قلت فما معنى الدلالة عليها وما
معنى قولهم الوضع تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه وجعل الدلالة عرضا للوضع ينافي ما ذكرت من
نفي ذلك قلت لا منافاة فإن مراده من الدلالة على معنى هناك صيرورته موجبا لتصور الموضوع له و
مرادهم ثمة في نفي كون استفادة المعاني غرضا في الوضع التصديق بأن تلك المعاني قد وضعت لها تلك
الألفاظ فمجمع القاعدتين أن الألفاظ قد وضعت بإزاء المعاني لأجل أن يحصل تصور المعاني بمجرد تصور
الألفاظ ليتمكن من تركيبها حتى يحصل المعنى المركب ويحصل به تفهيم المعنى المركب ولما كان المقصود
من وضع الألفاظ تفيهم المعاني المركبة الموقوفة غالبا على استعمال الألفاظ وتركيب بعضها مع بعض
ولا بد أن يكون الاستعمال أيضا على قانون الوضع ول ينفك الدلالة غالبا عن الإرادة بمعنى أن المدلول
غالبا لا بد أن يكون هو المراد ولا بد أن يكون المراد ما هو مدلول اللفظ ويحمل اللفظ عليه وإن لم يكن
مرادا للفظ في نفس الامر ولا بد أن يكون المراد موافقا لقانون الوضع من حيث الكمية والكيفية فلا
استبعاد أن يقال مرادهم من الدلالة في تعريف الوضع هو الدلالة على مراد اللافظ ويتضح حينئذ عدم المنافاة
غاية الوضوح وحينئذ فالمشترك لا يدل إلا على معنى واحد لان الوضع لم يثبت إلا لمعنى واحد وقد مر تحقيق
ذلك في محله وإن أبيت إلا عن أن مرادهم من قولهم الوضع هو تعيين اللفظ للدلالة على معنى هو تعيينه
لأجل تصور المعنى مطلقا وقلت أنه حاصل في المشترك إذا تصور معانيه بمجرد تصور لفظه فكيف ينكر دلالته
عليه وعدم جواز إرادة أكثر من معنى في الاستعمال لا يستلزم عدم تصور الأكثر من معنى عند تصوره بل
247

تصور المعنى يحصل عند تصور اللفظ وإن لم يستعمل اللفظ أو استعمله من لا إرادة له أصلا كالنائم و
الساهي فنقول ان تصور معنى المشترك ليس عين تصور ما عين له اللفظ ليحصل من تصوره تصوره إذ
الواضع قد عين اللفظ بإزاء كل منهما مستقلا فلم يثبت من الواضع إلا كون كل من المعنيين موضوعا له
اللفظ في حال الانفراد والتعدي عنه خروج عن قانون الوضع فمدلول اللفظ يعني ما عين الواضع اللفظ
لأجل الدلالة عليه ليس إلا معنى واحد فراجع ما حققنا لك في أوائل الكتاب و (تبصر)؟ وإلى ما ذكرنا ينظر الكلام
المحقق الطوسي رحمه الله في بيان عدم احتياج حدود الدلالات إلى قيد الحيثية ولا بأس أن نشير إليه وإن كان
خروجا عن مقتضى البحث فاعلم أن العلامة الحلي قدس سره في شرح منطق التجريد بعدما أورد الاشكال
المشهور على حدود الدلالات بقوله واعلم أن اللفظ قد يكون مشتركا بين المعنى وجزئه أو بينه وبين لازمه
وحينئذ يكون لذلك اللفظ دلالة على ذلك الجزء من جهتين فباعتبار دلالته عليه من حيث الوضع يكون
مطابقة وباعتبار دلالته عليه من حيث دخوله في المسمى يكون تضمنا وكذا في الالتزام فكان الواجب عليه
يعني على المصنف أن (يعيد)؟ في الدلالات الثلاث دخوله من حيث هو كذلك وإلا اختلت الرسوم قال
ولقد أوردت عليه قدس الله روحه هذا الاشكال فأجاب بأن اللفظ لا يدل بذاته على معناه بل باعتبار
الإرادة والقصد واللفظ حين يراد منه معناه المطابقي لا يراد منه معناه التضمني فهو إنما يدل على
معنى واحد لا غير وفيه نظر انتهى وحاصل ما ذكره ذلك المحقق كما نقل عنه بالمعنى في موضع آخر أن دلالة
اللفظ لما كانت وضعية كانت متعلقة بإرادة اللافظ إرادة جارية على قانون الوضع فاللفظ إن أطلق
وأريد به معنى وفهم منه ذلك المعنى فهو دال عليه وإلا فلا فالمشترك إذا أطلق وأريد به أحد المعنيين
لا يراد به المعنى الاخر ولو أريد أيضا لم يكن تلك الإرادة على قانون الوضع لان قانون الوضع أن لا يراد
بالمشترك إلا أحد المعنيين فاللفظ أبدا لا يدل إلا على معنى واحد فذلك المعنى إن كان تمام الموضوع له
فمطابقة وإن كان جزئه متضمن وإلا فالتزام وتوضيحه أن التضمن التكلم بالألفاظ الموضوعة لما كان
مقتضاه أن تكون صادرة على طبق قانون الوضع فلا بد أن يراد منها ما أراده الواضع على حسب ما
أراده ومن المحقق أن وضع المشترك لكل واحد من معانيه مستقل غير ملتفت إليه إلى معناه الاخر
فلم يحصل الرخصة من الواسع إلا في استعماله في حال الانفراد فلم يوجد مادة يتوهم استعمال المشترك
في معنييه حتى يقال أنه اتحد مصداق الدلالة المطابقية والتضمنية مثلا حينئذ فاما يستعمل اللفظ في
الكل أو في الجزء على سبيل منع الجمع وفي صورة استعماله في الكل لم يرد منه إلا الكل وكون الجزء أيضا معنى اخر
له لا يستلزم جواز إرادته منه حتى يدل عليه أيضا فلا دلالة للفظ حين إرادة الكل على المعنى الاخر الذي
248

هو الجزء وأما مجرد تصوره حينئذ فلا يستلزم كونه مدلولا له بالفعل على ما قدمنا لكون ذلك خلاف مقتضى
الوضع وحينئذ فلا يراد من اللفظ إلا معنى واحد فإن اعتبر دلالته على ذلك المعنى بتمامه لمطابقة وإن اعتبر
دلالته على جزئه من جهة كون الجزء في ضمن الكل فتضمن وإن اعتبر دلالته على لازم له إن كان له لازم
بمعنى الانتقال من أصل المعنى إلى ذلك اللازم فهو إلتزام ولا يخفى إن الدلالة على الجزء بهذا المعنى يعني في ضمن
الكل هو معنى التضمن لا إذا استعمل اللفظ في الجزء مجازا كما يتوهم وكذلك في الالتزام وأما استعماله في الجزء
منفردا إذا وضع له بوضع على حدة فهو مطابقة جزما فعلى ما مر من التحقيق فاللفظ اما مستعمل في الكل
سواء اعتبر فيه الدلالة التضمنية أو الالتزامية أم لا واما مستعمل في الجزء فلا (يمكن تصادق)؟ الدلالة
التضمنية الحاصلة في الصورة الأولى مع المطابقية التي هي الدلالة على هذا الجزء بعينه من جهة وضعه
له على حدة واستعماله فيه إذ تلك الدلالة التضمنية لا تنفك من المطابقية التي هي في ضمنه وهو أحد
معنيي المشترك ولا يجوز مع إرادته إرادة المعنى الاخر الذي هو ذلك الجزء بعينه بوضع مستقل وظهر
أيضا أنه لا ينتقض كل واحد من التضمن والالتزام بالآخر بأن يكون جزء أحد المعنيين لازما للاخر
أو بالعكس لان صدق كل منهما على الاخر يستلزم جواز إرادة كل واحد من المطابقيين فلنفصل
الكلام ليتضح المرام فنقول ان المعترض يقول أن اللفظ المشترك بين الكل والجزء إذا أطلق على الكل
كان دلالته على الجزء تضمنا مع أنه يصدق عليها أنها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له فينتقض بها
حد المطابقة وإذا أطلق على الجزء كان دلالته عليه مطابقة ويصدق عليها أنها دلالة اللفظ على
جزء ما وضع له اللفظ وكذا الحال في الملزوم واللازم وأقول إنا لا نسلم حينئذ أن دلالة اللفظ على الجزء في ضمن
الكل وبتبعيته كما هو معنى دلالة التضمن يصدق عليها أنها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له وإن كان
ذلك تمام الموضوع له بوضع آخر لان الدلالة على تمام الموضوع له انما هو تابع جواز الإرادة الجارية على
قانون الوضع وقد ذكرنا أن المشترك إذا أريد منه أحد معانيه فلا يجوز إرادة الاخر معه مثلا في
حوالينا رستاق مسمى بالكزاز (مشتمل على قرى كثيرة إحديها مسماة بالكزاز) فإذا أطلق الكزاز وأريد منه ذلك الرستاق فانفهام تلك القرية إنما
هو بالتبع وفي ضمن انفهام الكل ولا ريب أنه حينئذ لا يدل على تلك القرية الخاصة بخصوصها ولا يجوز
إرادتها أيضا فهو غير مدلول اللفظ بالاستقلال حينئذ نعم لو جاز إرادة المعنيين ولم تخالف القانون
الوضع لاحتاج حينئذ إلى قيد الحيثية والقول بأن تلك القرية من حيث أنه جزء أحد المعنيين المطابقيين
مدلول تضمني ومن حيث أنه نفس أحدهما الاخر فهو مطابقي قوله وإذا أطلق على الجزء كان دلالته عليه
مطابقة إلخ قلنا لا نسلم حينئذ صدق أنه دلالة اللفظ على جزء ما وضع له الذي هو الدلالة التضمنية إذ المراد بها
249

دلالته عليه في ضمن الكل وتبعيته وهو موقوف على جواز إرادة الكل الذي ذلك المعنى جزئه وهو
ممنوع لما ذكرنا ومما ذكر يظهر الكلام في الملزوم واللازم وبالجملة فلزوم كون الدلالة المطابقية مطابقة
لإرادة اللافظ الجارية على قانون الوضع كاف في دفع انتقاض حد كل واحد من الدلالات بالآخر
ومما ذكرنا ظهر أن مراد المحقق الطوسي رحمه الله من قوله لا يراد منه معناه التضمني فيما نقله العلامة رحمه الله
عنه لا يراد منه معناه التضمني الحاصل بسبب ذلك المطابقي بإرادة مستقلة مطابقية أخرى
بالنظر إلى وضعه الاخر ومن قوله فهو إنما يدل على معنى واحد لا غير أنه لا يدل إلا على معنى مطابقي
واحد كما لا يخفى فإذا دل على أحد المطابقيين الذي هو الكل وتبعه فهم الجزء ضمنا فلا يدل على
المطابقي الاخر الذي هو الجزء بالاستقلال ومن ذلك تقدر على توجيه أخر ما نقله عنه الناقل
بالمعنى في توضيحه وبالتأمل فيما ذكرنا لك يظهر أن كثيرا من الناظرين غفلوا عن مراده واعترضوا
عليه بأمور لا يرد عليه مثل إلزامه بامتناع الاجتماع بين الدلالات الثلاث لما ذكره من امتناع
أن يراد بلفظ واحد أكثر من معنى واحد ويندفع بأن مراده اجتماع الدلالات التي تتوقف على
الإرادة وهي الدلالات المطابقيات والتضمن والالتزام ليس من هذا القبيل ومثل أنه يلزمه
أن تكون الدلالة التضمنية والالتزامية موقوفتين على الإرادة من اللفظ ويندفع مما مر أيضا إذ
مطلق الدلالة لا يتوقف عنده على الإرادة ومثل ما قيل أنه بعد تسليم عدم ورود ما ذكر أنه
لا يفيد في هذا المقام لان اللفظ المشترك بين الجزء والكل إذا أطلق وأريد به الجزء لا يظهر أنه مطابقة
أو تضمن وكذا المشترك بين اللازم والملزوم ويندفع بأنه لا ريب أنه حينئذ مطابقة كما يظهر مما
تقدم هذا ما وصل إليه فهمي القاصر في تحقيق المرام وبعد هذا كله فالمتهم إنما هو فكري والله
يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم إذا تقرر ذلك فلنعد إلى ما كنا فيه فنقول انهم قيدوا
الألفاظ بالمفردة ومقتضاه أن الغرض من وضع الألفاظ المركبة هو إفادة معانيها ولا يلزم
فيها الدور لمنع توقف إفادة الألفاظ المركبة لمعانيها على العلم بكونها موضوعة لها وقد يستند
ذلك المنع بأنا متى علمنا كون كل واحد من تلك الألفاظ المفردة موضوعا لمعناه وعلمنا أيضا
كون حركات تلك الألفاظ المفردة دالة على النسب المخصوصة لتلك المعاني فإذا توالت الألفاظ
بحركاتها المخصوصة على السمع ارتسمت تلك المعاني المفردة مع نسب بعضها إلى بعض في ذهن
السامع ومتى حصلت المعاني المفردة مع نسبة بعضها إلى بعض حصل العلم بالمعاني المركبة لا محالة أقول
وتحقيق المقام أن المركبات لا وضع لها بالنظر إلى أشخاصها بل وضع المركبات من حيث أنها مركبات
250

نوعي وفائدة الوضع النوعي إفادة معاني أشخاصها فمن تحقق نوع التركيب في ضمن فرد خاص يعرف
التركيب الخاص فالمركب من حيث اشتماله على الألفاظ المفردة حكمه ما تقدم ومن حيث اشتماله
على النوع المعين من التركيب حكمه إفادة تحقق هذا النوع في ضمن هذا الشخص منه فهيئة تركب
الفعل مع الفاعل والمفعول أيضا مثلا على النهج المقرر في الاعراب والتقديم والتأخير موضوعة
لإفادة صدور الفعل عن الفاعل ووقوعه على المفعول فإذا تشخص في مادة ضرب زيد (عمروا) أفادت
صدور الضرب عن زيد ووقوعه على عمرو ضرورة حصول الكلي في ضمن الفرد وأما فهم معنى الضرب
وزيد وعمرو فقد تقدم الكلام فيه وقد يحصل من جهة الهيئة التركيبية تفاوت في أوضاع المفردات
كما في صورة التوصيف والتقييد والاستثناء ونحو ذلك فالمعتبر في وضع المركب هو ما اقتضاه الهيئة
التركيبية لا خصوص وضع المفردات الثانية الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس خلافا
للحنفية في الموضعين وقيل أن خلافهم إنما هو في الأول وأما في الثاني مثل له علي عشرة إلا ثلاثة
فهم أيضا يقولون بإفادة النفي وربما اعتذر لذلك بأن قولهم بذلك إنما هو لأجل مطابقته لأصل
البراءة لا لأجل إفادة اللفظ وقد أشرنا إلى مثل ذلك في مبحث المفاهيم وكيف كان فالمختار الإفادة
في المقامين للنقل عن أهل اللغة والتبادر ولأن كلمة التوحيد يفيده بلفظه اتفاقا والقول بأن
دلالتها شرعية ظاهر الفساد لان النبي صلى الله عليه وآله كان يقبل ذلك من أهل البادية الغير
المطلعين بحال الشرع ولولا أنهم يريدون به ذلك لما قبله منهم واستدل الحنفية بقوله صلى الله عليه وآله لا
صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بولي والوجه في تقريره أنه لو كان كما قلتم لزم ثبوت الصلاة بمجرد الطهور
وحصول النكاح بمجرد حصول الولي مع أن حصول الصلاة والنكاح يتوقف على أمور شتى وجوابه أنه
لما لم يجز استثناء الطهور عن الصلاة للمخالفة فلا بد من تقدير أما في جانب المستثنى يعني لا صلاة
صحيحة الا صلاة متلبسة بطهور أو المستثنى منه يعني لا صلاة صحيحة بوجه من الوجوه إلا باقترانها
بالطهور والمطلوب نفي إمكان الصحة بدون الطهور والاستثناء يقتضي إمكان الصحة معه كما
هو مقتضى الشرطية وحينئذ فالحصر بالنسبة إلى أحوال عدم الطهور وإن جامع جميع الكمالات المتصورة
للصلاة لا إلى سائر شروط الصحة حتى يلزم انحصار جهة الصحة في الطهور فيصير سببا للصحة ويلزم
المحذور وقد يوجه بإرادة المبالغة في المدخلية والحصر الادعائي وما ذكرناه أوجه وبالجملة فهذا
النوع من التركيب ظاهر فيما ذكرناه وهو عين ما جعلناه حقيقة في الاستثناء سلمنا عدم الظهور
لكن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز خير من الاشتراك وقد أثبتنا الحقيقة فيما ادعيناه بالتبادر
251

فلا يضر الاستعمال في غيره ومن ذلك يظهر الجواب عما استدل بعضهم بقوله تعالى وما كان لمؤمن
أن يقتل مؤمنا إلا خطأ فإن استثناء منقطع والمراد إخبار عن حال المؤمن أنه لا يفعل ذلك
إلا خطأ أو المراد الرخصة فيما حصل له الظن بالجواز كما إذا حسبه المؤمن صيدا وقتله أو حربيا بسبب
اختلاطه معهم ولا ينحصر الخطاء فيما لو لم يكن فيه قصد حتى لا يصح الاستثناء من عدم الرخصة
الثالثة اختلفوا في تقرير الدلالة في الاستثناء من جهة كونه تناقضا بحسب الظاهر فقيل
أن المراد بالعشرة مثلا في قولنا له علي عشرة إلا ثلاثة هو معناه الحقيقي ثم اخرج الثلاثة بحرف
الاستثناء ثم أسند الحكم إلى الباقي أعني السبعة فليس في الكلام إلا إسناد واحد فلا تناقض اختاره
العلامة رحمه الله وأكثر المتأخرين والأكثرون ومنهم السكاكي في المفتاح على أن المراد بالعشرة هو السبعة
وحرف الاستثناء قرينة المجاز والقاضي أبو بكر على أن مجموع عشرة إلا ثلاثة اسم لسبعة كلفظ سبعة
وأوسط الأقوال أوسطها لبطلان القولين الآخرين ولا رابع أما بطلان الأول فلانه يستلزم أن
لا يكون الاستثناء من النفي إثباتا كما هو مذهب الحنفية وهو خلاف التحقيق كما مر فيلزم حينئذ أن لا
يثبت في ذمة من قال ليس له علي شئ إلا خمسة شئ لان الخمسة مخرجة عن شئ قبل إسناد النفي إلى شئ
فهي في حكم المسكوت عنه بل يلزم أن لا يكون الاستثناء من الاثبات أيضا نفيا وأيضا فلو أشير
إلى عشرة مجتمعة شخصية وقيل خذ هذه العشرة إلا ثلاثة منه فلا يتصور هناك إخراج إلا من الحكم
فإن المفروض أنه لا يخرج أشخاص الثلاثة من جملة العشرة بل المراد إخراجها عنها بحسب الحكم فلا بد
من القول بإخراجها عن الحكم المتعلق بالمجموع والمفروض أنه لا حكم إلا الاسناد الموجود في الكلام
فإن قلت هذا كر على ما فررت منه من لزوم التناقض وكيف المناص عن ذلك على ما اخترت
قلت وإني لأظنك غافلا عن حقيقة التخصيص ملتبسا عليك أمره بالبداء فإنك إن أردت من
الاخراج في قولهم الاستثناء هو إخراج ما لولاه لدخل هو الاخراج الحقيقي عن الحكم الصادر عن المتكلم
بعنوان الجزم فهو لا يتحقق إلا في صورة البداء والاستدراك كما لو سهى المتكلم وغفل عن حال
المخرج ثم تذكره بعد إيقاع الحكم على المخرج منه أو جهل بكونه داخلا وحكم بالمجموع ثم علم فاخرج وأنت خبير
بأن أمثال ذلك لا يتصور في كلمات الله تعالى وأمنائه عليهم السلام في الأحكام الشرعية والتخصيص
المذكور في ألسنة الأصوليين والفقهاء ليس ذلك جزما فإن قلت فعلى هذا فيكون الهيئة الاستثنائية
استعارة تمثيلية في التخصيص المصطلح فيكون مجازا وهو بعيد قلت كون معنى الاستثناء ذلك
لا يوجب التجوز في الهيئة الاستثنائية كما لا يخفى وإن أردت من الاخراج أعم من الاخراج الواقعي
252

بأن يكون المراد الاخراج عما هو في صورة الثابت وإن لم يكن ثابتا في نفس الامر فلا تناقض أيضا وهو المراد
في التخصيص وبيانه أن القائل يسند الحكم أولا بالباقي ولكن يؤديه بلفظ الاسناد إلى الكل لنكتة ثم
يجئ بلفظ دال على الاخراج للقرينة على إرادة الباقي ويظهر بذلك أنه أراد به الاخراج عما هو ظاهر المراد
لا عن نفس المراد وذلك بعينه مثل قولك رأيت أسدا يرمي فلا يريب أحد في أن المراد بالأسد
حقيقة فيه هو الرجل الشجاع ويرمي للعدول عما هو ظاهر المراد من لفظ الأسد ولا يمكن فيه إرادة الحيوان
المفترس إلا على جعل الاستعارة من باب المجاز العقلي كما هو مذهب السكاكي بجعل الأسد شاملا
للأسد الادعائي مع أنه أيضا مجاز لغوي كما لا يخفى والمراد به غير ما هو مدلوله اللغوي جزما كما لا
يخفى وأما النكتة التي أشرنا إليها فهو أن المتكلم إذا أراد النسبة إلى الباقي فذكره بعنوان الحقيقة
يستلزم تعداد أسامي الباقي وهو متعذر غالبا أو متعسر فلا بد أن يجعل مقامه شيئا يتمكن به
عن ذلك فيطلق عليه نفس العام مجازا مع نصب قرينة عليه وهو الاستثناء وما يجري مجراه من
المخصصات المتصلة أو يأتي باسم آخر للباقي إن كان له اسم كما هو موجود في الاعداد والعدول
في الاعداد من الاسم إلى ذكر العام وقرينة الاخراج أيضا لا بد أن يكون لنكتة كما في قوله ولبث
فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما مع التمكن عن قوله تسعمأة وخمسين عاما وهو أن عدد الألف
مما يضرب به المثل للكثرة والمقام مقام بيان طول المكث والحاصل أن مقتضى إرادة التخصيص
اللائق بكلام الله تعالى وأوليائه الذي هو محط نظر الأصولي هو إسناد الحكم إلى الباقي في نفس الامر مع
تأديته بلفظ قابل للاخراج ثم الاخراج بملاحظة ظاهر الإرادة وإن لم يكن إخراج في نفس الامر أصلا و
ما ذكره بعض المدققين في رفع التناقض حيث قال ولك أن يزيد أنه مخرج عن النسبة إلى المتعدد
بأن تريد جميع المتعدد وتنسب الشئ إليه فتأتي بالاستثناء لاخراجه عن النسبة ولا تناقض لان الكذب
صفة النسبة المتعلقة للاعتقاد ولم ترد بالنسبة إفادة الاعتقاد بل قصدت النسبة لتخرج عنه شيئا
ثم تفيد الاعتقاد فإن أراد به ما ذكرنا فهو وإلا فلا تركب في النسبة المستفادة من الكلام ليفك
ويجعل بعضها متعلقا للاخراج وبعضها متعلقا للاعتقاد مع أنه لا يتأتى حينئذ على ما هو التحقيق من
كون الاستثناء من النفي إثباتا وبالعكس كما لا يخفى على المتأمل ومما حققنا ظهر أنه لا وجه للايرادات
التي أوردوها على المذهب المختار من لزوم الاستثناء المستغرق في قولك اشتريت الجارية إلا
نصفها لو أردت بالجارية نصف كلها والتسلسل لو أريد ما بقي من النصف بعد الاخراج وهو
الربع وإذا كان المراد بالنصف الربع فيكون المراد بالربع المستثنى منه الثمن وهلم جرا ومن أن ضمير
253

نصفها عائد إلى الجارية بكمالها قطعا وان المراد إلا نصف كلها فيكون المراد من الجارية كلها لا
نصفها وذلك لان المراد بالجارية مع انضمام الاستثناء إليه وهو القرينة نصفها لا المراد بالجارية
وحدها وبعد ملاحظة الانضمام فلا يبقى استثناء أخر ليلزم المحذور وأما ارجاع الضمير إلى كل
الجارية فجوابه أن الاخراج إذا كان من ظاهر المراد لا نفس الامر على ما حققناه فالضمير أيضا يعود إلى
ظاهر المراد من اللفظ على سبيل الاستخدام ويظهر مما ذكر الجواب عن سائر الايرادات التي لم نذكرها
أيضا ثم أن هذا القول الذي أبطلناه كما ترى مخصوص في كتبهم بالاستثناء أو المخصص المتصل وزاد
بعضهم تجويز هذا القول في المخصص المنفصل أيضا وقال أنه لا يمتنع أن يراد بلفظ العام الاستغراق
ويسند الحكم إلى بعضه بمعونة الخارج من سمع أو عقل ودعوى قبحه دون التجوز باللفظ عن معنى
لا يعلم إلا بعد الاطلاع على سمع أو عقل خارج تحكم فإن الكلام إنما هو في تصرف المتكلم في أنه هل
تصرف في معنى اللفظ وأحال العلم به إلى الخارج أو تصرف في الحكم وأحال الامر إليه ولزوم الاغراء
بالجهل مشترك وأقول مضافا إلى ما مر من بطلان هذا القول في المخصص المتصل المستلزم لبطلان
ذلك بطريق أولى أن من مفاسد هذا القول لزوم اللغو في إرادة الحكيم فإن إرادة الاستغراق
من اللفظ حينئذ لا فائدة فيه بل هو غلط فإنا قد بينا لك في المقدمة الأولى أن الغرض من وضع الألفاظ
هو تركيب معانيها وتفهيم التراكيب والأحكام المتعلقة بمفاهيم تلك الألفاظ فإذا لم يرد في الكلام
إسناد إلى نفس مفهوم العام ولا إسناده إلى شئ سواء كان إسنادا تاما أو ناقصا فما الفائدة في
إرادتها فإن قلت ذكر العام وإرادة مفهومه أولا لأجل إحضاره في ذهن السامع ثم إسناد الحكم
إلى بعضه وإخراج بعض آخر منه قلت إنما يتم هذا لو جعل العام في الكلام موضوعا لان يحمل عليه هذان
الحكمان مثل أن يقال كل إنسان إما كاتب أو غير كاتب وأين هذا ما نحن فيه وليس معنى قولنا
أكرم العلماء إلا زيدا ان العلماء يجب إخراج زيد من جملتهم وإكرام الباقي فإنه لا خلاف في صحته وكونه
حقيقة حينئذ ودعوى كون معنى هذا التركيب هو ما ذكرنا يحتاج إلى الاثبات والذي هو محط نظر أرباب
البلاغة في أداء المعاني وإيهاماتهم إنما هو بعد تصحيح اللفظ بل جعله فصيحا أيضا نعم ملاحظة اعتباراتهم
في البلاغة يتم فيما اخترناه كما أشرنا من جعل الاسناد أولا متوجها إلى العام ثم نصب القرينة على
خلافه للنكتة التي ذكرنا وغيرها وحاصل الكلام وفذلكة المرام أن علينا متابعة وضع الواضع
أو رخصة في نوع المجاز والذي نفهمه من اللفظ كون لفظ العام موردا للاسناد ومقتضاه كون
مفهومه موردا للاسناد وليس في الكلام إسناد آخر يتعلق بالباقي فلابد من التصرف في لفظ
254

العام بمعونة قرينة المخصص والعضدي أسس هنا أساسا جديدا في تحقيق المقام وبه اخرج كلام القوم
عن ظاهره ورد الأقوال الثالثة إلى اثنين وحاصله أن هنا مفهومين أحدهما عشرة موصوفة بأنها
أخرجت عنها الثلاثة وثانيهما الباقي من العشرة بعد إخراج الثلاثة فإن قلنا أن قولنا عشرة إلا الثلاثة
معناه الحقيقي المفهوم الأول فيكون مجازا في السبعة كما هو مذهب الجمهور وإن قلنا إن معناه
الحقيقي هو الثاني فيكون حقيقة في السبعة لا بمعنى أنه وضع له وضعا واحدا بل على
أنه يعبر عنه بلازم مركب ثم رد القول الثالث الذي هو مختار ابن الحاجب والعلامة والمتأخرين إلى
أحد هذين القولين وطريق الرد على ما فهمه التفتازاني أن القول الثالث بيان لمعاني مفردات
الهيئة التركيبية قال وعلى أي حال فالمفردات مستعملة في معانيها الحقيقية إنما الخلاف في المركب
فعند الجمهور مجاز في السبعة وعند القاضي حقيقة فيه هذا وقد ظهر لك بما حررنا ان الجمهور لا
يقولون بمجازية لفظ العشرة التي هو أحد المفردات في السبعة مع أن تفسير قولهم بأنهم يريدون
بالمركب العشرة الموصوفة بالاخراج المذكور مناف لوضع الاستثناء والمتبادر من الاخراج وغير ذلك
أيضا وأما قول القاضي يعني كون مجموع المركب اسما للسبعة لا بمعنى كونه موضوعا له بوضع على حدة
حتى يرد عليه أنه خارج عن قانون اللغة إذ ليس في لغتهم اسم مركب من ثلاثة ألفاظ يعرب الجزء الأول
منه وهو غير مضاف وأنه يلزم إعادة الضمير على جزء الاسم في اشتريت الجارية إلا نصفها مع عدم دلالة
فيه بل بمعنى التعبير عنه بلازم مركب كالطائر الولود للخفاش ومثل ذلك أربعة مضمومة إلى الثلاثة لها
ومثل بنت سبع وأربع وثلث لأربعة عشر وهكذا فيرد عليه أيضا أنه مستلزم لخلاف التحقيق من
كون الاستثناء من النفي إثباتا وبالعكس وإن ذلك يتم لو كان معنى عشرة إلا ثلاثة الباقي من العشرة
بعد إخراج الثلاثة وتبادر منه كما حرره العضدي وهو ممنوع ومستلزم لان لا يكون الاستثناء تخصيصا
أيضا كما لا يخفى وتنزيل مذهب الجمهور الذي اخترناه على إرادة العشرة الموصوفة بإخراج الثلاثة عنه
كما فهمه العضدي أيضا يستلزم وحدة الحكم فليس هناك نفي ولا إثبات وأنت خبير بأن جميع ذلك
خروج من الظاهر ومخالف لقواعد العرف والعادة واستقصاء الكلام في النقض والابرام على ما ذكره
القوم في هذا المقام تضييع للأيام الرابعة الاستثناء المستغرق لغو اتفاقا سواء ساوى المستثنى
منه أو زاد عليه فيعمل على الحكم الوارد على جميع المستثنى منه واستثناء الأقل من النصف صحيح اتفاقا
أيضا واختلفوا في جواز استثناء الأكثر والمساوي فقيل بوجوب كونه أقل وقيل بجواز المساوي والأكثرون
على جواز الأكثر ويلزمهم جواز المساوي بطريق الأولى وقيل لا يجوز إلا الأقل في العدد دون غيره
255

فيجوز أكرم بني تميم إلا الجهال وإن كان العالم فيهم واحدا واعتبر المحقق في الجواز أن لا ينتهي الكثرة إلى
حد يقبح استثنائها عادة مثل أن يقال له على مأة إلا تسعة وتسعين ونصفا احتج الأكثرون بأمور
الأول قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين مع قوله فبعزتك
لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين فإن قلنا باشتراط كون المستثنى أقل من المستثنى منه
يلزم أن يكون كل من المخلصين والغاوين أقل من الآخر وهو محال فإن الآية الثانية تدلى على أن غير
المخلصين كملهم غاوون لا واسطة فيكون الباقي من العباد بعد إخراج الغاوين في الآية الأولى هم المخلصين
لعدم الواسطة ومما قررناه وحررناه في وجه الاستدلال يظهر لك فساد كل ما أورد عليه فلا نطيل
ببيانه نعم يرد عليه أنه لا يدل على جواز استثناء الأكثر لجواز التساوي وقد يقرر الاستدلال على وجه آخر
وهو أن يضم إلى الآية الأولى قوله وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين بتقريب إن كلمة من بيانية و
الغاوون المتبعون للشيطان وإذا كان أكثر الناس غير مؤمن بحكم الآية الثانية فيكون متبعوا الشيطان
الغاوون أكثر الناس ورد بأن المراد من قوله تعالى عبادي هم المؤمنون لكون الإضافة للتشريف فيكون
المستثنى منقطعا فلا إخراج سلمنا لكن لا نسلم أكثرية الغاوين لان من العباد الملائكة والجن وكل الغاوين
أقل من الملائكة وأجيب بأن المنقطع مجاز ومتى أمكن الحمل على الحقيقة فلا يصار إلى المجاز ولذلك يحمل
قول القائل له علي ألف درهم إلا ثوبا على قيمة وكون الإضافة للتشريف ممنوع وصرح المفسرون
بأن المراد من العباد بنو آدم الثاني إجماع العلماء على أن من قال له علي عشرة إلا تسعة يلزم بواحد
فلولا صحته لحكموا بإلغاء الاستثناء وألزموه بعشرة كما في المستغرق الثالث قوله تعالى في الحديث القدسي
كلكم جائع إلا مع أطعمته ووجه الاستدلال واضح ثم إن لي إشكالا في هذا المقام لم يسبقني إليه فيما أعلم
أحد من الاعلام وتحقيقا في المخلص عنه من مواهب كريم المنعام ولكنه لا ينفع لما يرد من جهته على
الأقوام وهو أنهم ذكروا الاختلاف في منتهى التخصيص وذهب المحققون من الجمهور إلى أنه لا بد من بقاء
جمع يقرب من مدلول العام ثم ذكروا الاختلاف في هذه المسألة وأسندوا القول بوجوب بقاء
الأكثر إلى شاذ من العامة وجواز استثناء الأكثر إلى أكثر المحققين فإن كان وجه التفرقة الفرق بين
المتصل والمنفصل وإن الكلام في المبحث السابق كان فيما كان المخصص فيه منفصلا وفي هذا المبحث
في المستثنى فهذا ينافي نقل القول بالفرق بين المتصل والمنفصل ثمة بين الأقوال وإن قلت انا نمنع كون
الاستثناء تخصيصا والكلام في المبحث السابق إنما كان في التخصيص قلت مع أنه ينافي نقل القول
بالتفصيل المذكور ثمة فيه أن جمهور الأصوليين قائلون بكون الاستثناء تخصيصا لما عرفت من أنهم
256

قائلون بكون المراد من العام هو الباقي والاستثناء قرينة له وهذا معنى التخصيص فعلى هذا يلزم
أن يكون مختار الأكثرين في الاستثناء لزوم بقاء الأكثر وكون المخرج أقل وكيف يجتمع هذا مع اختيارهم
جواز الاستثناء الأكثر وكيف يجمع بين أدلتهم في المقامين وما تحقيق الحال والذي يختلج بالبال
أنهم قد غفلوا عما بنوا عليه الامر لظاهر هذه الأدلة والتحقيق ما حققوه في المبحث السابق كما
اخترناه وشيدناه وأما الجواب عن ذلك الأدلة فيتوقف على تمهيد مقدمة وهي أنا قد
بينا لك في أوائل الكتاب أن وضع الحقائق شخصية ووضع المجازات نوعية ونزيدك هيهنا
أن الحقيقة والمجاز يعرضان للمركبات كما يعرضان للمفردات ووضع المركبات قاطبة نوعية حقيقة
كانت أو مجازية والأوضاع النوعية إما هو للقدر المستفاد من تتبع كلماتهم من الرخصة فالاستثناء
مثلا تركيب وضع بالوضع النوعي للاخراج بمعنى أنه لا يتوقف على سماع كل واحد من أفراده كما يتوقف
في الحقائق المفردة والقدر الذي يستفاد من الرخصة في ذلك النوع إنما هو المتبع نظير ما بيناه
في الحقائق المجازية ألا ترى أنهم يحكمون بأن الاستثناء المنقطع مجاز فعلم أنه في المتصل حقيقة و
كذلك يحكمون بأن الاستثناء من النفي إثبات بعنوان الحقيقة لأجل التبادر وبالعكس وهكذا و
القدر الذي تيقن ثبوته من أهل اللغة هنا هو لزوم الاخراج عن متعدد في الجملة وأما أنه يكفي في ذلك
أي إخراج يكون أم لا بد أن يكون على وجه خاص من كون المخرج أقل من الباقي فلا بد من إقامة الدليل
عليه وإثبات الرخصة فيه من جهة أهل اللغة وكما أن الحقيقة والمجاز في المفردات يرجع إلى النقل و
التبادر وعدم صحة السلب وأمثالها فكذلك في المركبات كما عرفت في نظرائه ومجرد الاستعمال لا
يثبت الحقيقة كما حققناه في محله وبينا أن الاستعمال أعم من الحقيقة فمجرد الاستعمال في إخراج الأكثر
لا يدل على كونه حقيقة فيه والمقصود الأصلي للأصولي هو ذلك لا مطلق الاستعمال فحينئذ نقول القدر
الثابت المتيقن هو ما لو كان المخرج أقل وكون ما لو كان المخرج أكثر من الباقي مما رخص فيه من العرب
بعنوان الوضع الحقيقي ممنوع وعدم الثبوت دليل على العدم لكون الوضع توقيفيا وحينئذ فالصور
المشكوكة مثل ما لو كان المخرج أكثر فيمكن كونها من أفراد الحقيقة وكونها من أفراد المجاز بأن يستعمل
الاستثناء فيه بعلاقة مشابهة أو ادعاء القلة فيه للمبالغة في التحقير وإن كان كثيرا ونحو ذلك فلا
يثبت كونها حقيقة مع أنه لا يبعد أن يدعى التبادر فيما لو كان المخرج أقل وهو علامة الحقيقة ولا ريب
أن أهل العرف يعدون مثل قول القائل له علي مأة إلا تسعة وتسعين مستهجنا ركيكا لا لأنه إطالة
مملة بل لمخالفته لما بلغهم من الاستعمال نعم قد يقال ذلك في موضع السخرية والتمليح بل وكذلك له علي
257

عشرة إلا تسعة فضلا عن قوله الا تسعة ونصفا وثلثا ومما يؤيد ما ذكرناه أن المستثنى في معرض
النسيان غالبا لقلته وأن الغالب الوقوع في الاستثناء البدائي كما هو الغالب في ألسنة العوام
هو إخراج القليل وليس ذلك إلا لمطابقته لأصل وضع الاستثناء وحينئذ فقد ظهر لك بحمد الله تعالى
أن التحقيق هو ما حققناه سابقا من لزوم بقاء جمع قريب من المدلول وغفلة الأكثرين إنما حصل
من جهة الأمثلة المذكورة وقد عرفت أن مجرد الاستعمال لا يدل على الحقيقة كما هو محط نظر الأصولي
والحاصل أنه لم يثبت كون الاستثناء حقيقة في غير إخراج الأقل ولم يثبت جواز التجوز في المستثنى
منه في غير استعماله في الأكثر كما بيناه آنفا فلا بأس علينا أن نجيب من الأمثلة المذكورة التي
استدل بها الأكثرون ونقول يمكن دفع الأول بمنع الدلالة من جهة أن ظاهر العام قابل لأصناف
كثيرة فإخراج صنف منه يكون أفراده أكثر من سائر الأصناف لا يستلزم كون نفس الأصناف
الباقية أقل والمقصود هنا إخراج الصنف يعني أفراد صنف خاص من حيث أنها افراد ذلك
الصنف الخاص فظاهر الآية استثناء صنف من الأصناف لا افراد من جميع الافراد وأكثرية
الصنف لا تستلزم أكثرية الافراد وبالجملة إذا لوحظ الصنف الواحد بالنسبة إلى العام القابل
للأصناف فهو أقل من الباقي وإن فرض كونه بالنسبة إلى الافراد أكثر من الباقي وذلك يختلف
باختلاف الاعتبارات والحيثيات فيه ان عموم الجمع افرادي لا إضافي والذي يؤيد ما ذكرنا أن
المقصد الأصلي لله تعالى لما كان هو الهداية والرشاد فجعل الغاوين مخرجا (حصلا)؟ لما ليس موافقا
للغرض الأصلي كالقليل الذي لا يعتنى به وفي إبليس (لعنه الله)؟ بالعكس بل ذلك المعنى إنما يلاحظ بالنسبة
إلى قابلية العام لا فعلية تحقق الأصناف فيه (ففي كل واحد)؟ من الآيتين استثناء الأقل من الأكثر
ويوضح ما بينا أن لو فرض أنك (أضفت)؟ جماعة من العلماء والشعراء والظرفاء وكان عدد كل واحد
من العلماء والشعراء ثلاثة وعدد الظرفاء مأة فإذا قيل جاء الأضياف إلا الظرفاء فيمكن تصحيحه بما
ذكرنا لان الباقي حينئذ أكثر وأما لو قيل جاء الأضياف إلا زيدا وعمرا وبكرا وخالدا إلى آخر المأة من الظرفاء
لعد قبيحا ودفع الثاني بأن اتفاقهم على إلزام الواحد لا يدل على اتفاقهم على صحة الاستثناء أو كونه
حقيقة فإن فتوى الأكثرين لعله مبني على تجويزهم ذلك وبناء الباقين على أن الاقرار عبارة
عما يفهم منه اشتغال الذمة بعنوان النصوصية ولو كان بلفظ غلط أو لفظ مجازي ولما كان الأصل
براءة الذمة حتى يحصل اليقين بالاشتغال فمع قابلية اللفظ للدلالة على المراد وانفهام المعنى عنه
بمعونة المقام أو بسبب التشبيه بالاستثناء مع قرينة واضحة لا يحكم باشتغال الذمة بالعشرة لكون
258

اللفظ غلطا كما أن في قولهم له علي عشرة إلا تسعة بالرفع لا يحكم باشتغال الذمة بالعشرة لكون الاستثناء
غلطا بخلاف الاستثناء المستغرق فإنه لغو بحث فيؤخذ بأول الكلام ويترك بآخره ودفع الثالث
بأن المراد والله يعلم لعله أنه لا يقدر على الاطعام إلا أنا فكلكم يبقى على صفة الجوع لو أراد الاطعام
من غيري وهذا معنى واضح على من كان له ذوق سليم وسليقة مستقيمة فلا دلالة فيه على مطلبهم
إذا تمهد هذه فنقول لما كان موضوع المسألة في الأقوال المذكورة مختلفة فلا بد من
تحرير محل النزاع بحيث يصح ورود الأقوال عليه وذلك لان بعض القائلين بالحقيقة يريدون
كون العام مع المخصص حقيقة في الباقي وبعضهم يريدون كون نفس العام حقيقة وهؤلاء أيضا
مختلفون في التقرير فلا بد أن يقال في تقرير محل النزاع أن لفظ العام في هذا التركيب هل استعمل في
معنى مجازي أم لا فذهب الأكثرون إلى كون العام مجازا في الباقي وقيل حقيقة مطلقا وقيل حقيقة إن
كان الباقي غير منحصر أي له كثرة يعسر العلم بقدرها وإلا فمجاز وقيل حقيقة إن خصص بغير مستقل
كالشرط والصفة والغاية والاستثناء ومجاز إن خصص بالمستقل من عقل أو سمع وظاهر هؤلاء
أنهم يريدون أن مجموع التركيب حقيقة في إرادة الباقي وهكذا ما في معناه من التفصيلين الذين
بعده فلا يكون العام بنفسه حقيقة ولا مجازا وقيل حقيقة إن خصص بشرط أو استثناء لا صفة و
غيرها وقيل حقيقة ان خصص بلفظي اتصل أو انفصل وقيل حقيقة في تناوله ومجاز في الاقتصار عليه
والأول أقرب لنا أنه لو كان حقيقة في الباقي كما كان في الكل لزم الاشتراك والمفروض خلافه وقد يقال
ان إرادة الاستغراق باقية فلا يراد به الباقي حتى يلزم الاشتراك على تقدير كونه حقيقة فإن المراد
بقول القائل أكرم بني تميم الطوال عند الخصم أكرم من بني تميم من قد علمت من صفتهم أنهم الطوال
سواء عمهم الطول أو خص بعضهم ولذلك نقول وأما القصار منهم فلا تكرمهم ويرجع الضمير إلى
بني تميم لا إلى الطوال منهم وكذلك معنى أكرم بني تميم إلى الليل أو إن دخلوا الدار الحكم على جميعهم
غايته أنه ليس في جميع الأزمنة في الأول وعلى جميع الأحوال في الثاني وكذا أكرم بني تميم إلا الجهال منهم
الحكم على كل واحد بشرط اتصافه بالعلم وأنت خبير بأن ذلك كله تكلفات باردة وتجشم حمل
الهيئة التركيبية على خلاف وضعه مع استلزامه التجوز في بعض المفردات أيضا ليس بأولى من حمل
العام فقط على المعنى المجازي ولا ريب أن الهيئة المفسرة مغايرة للهيئة المفسرة وكل منهما موضوع
لمعنى وأول معنى قولنا رأيت أسدا يرمي مع قولنا رأيت شجاعا مثلا إلى أمر واحد لا يقتضي اتحادهما
وكذلك تأدية التراكيب الحقيقية لمعنى واحد لا يوجب اتحادها في الدلالة وأما إرجاع الضمير
261

إلى بني تميم فجوابه يظهر مما مر في قولك اشتريت الجارية إلا نصفها وأما قوله أكرم بني تميم إلى الليل إلى
آخره فهو من غرائب الكلام إذ التخصيص هنا ليس متوجها إلى بني تميم بل إلى زمان الاكرام المستفاد
من الاطلاق وكذلك إن دخلوا إن لم يرد به الداخلين منهم والمثال المناسب لتخصيص الغاية أكرم
الناس إلى أن يفسقوا أو أن يجهلوا أو غرابة تفسير الاستثناء بما ذكره لا يحتاج إلى البيان وما يقال
أيضا أن هذا إنما يتم لو كان اللفظ مستعملا في الباقي أما إذا كان مستعملا في العموم وإرادة الباقي
طرء بعد التخصيص بمعنى أن الاسناد وقع إلى الباقي بعد إخراج البعض من العام فلا يلزم الاشتراك و
لا المجاز فلا يتم الدليل فيظهر ضعفه مما قدمناه في المقدمة الثالثة سيما في المخصصات المنفصلة كما نقلنا
جريان القول فيه عن بعضهم ومما حققناه ثمة يظهر لك أنه لا يمكن أن يقال أيضا ان هذا إنما يتم لو
بطل القول بكون المجموع حقيقة في الباقي إذ مقتضاه كون كل من المفردات حقيقة في معناه أو عدم
كون واحد منها حقيقة ولا مجازا فلا يتم القول بكون العام مجازا في الباقي حجة القول بكونه حقيقة في
الباقي مطلقا أن اللفظ كان متناولا ولا له حقيقة بالاتفاق والتناول باق على ما كان عليه لم يتغير إنما طرء
عدم تناول الغير وأن الباقي يسبق إلى الفهم حينئذ وذلك دليل الحقيقة والجواب عن الأول أنه إن أراد
من تناوله حقيقة ثبوت التناول في نفس الامر فهو لا يثبت الحقيقة المصطلحة المبحوث عنها وإن
أراد تناولها بعنوان الحقيقة المصطلحة فنمنع ذلك أولا قبل التخصيص إذ المتصف بالحقيقة هو
اللفظ باعتبار تناوله للجميع لا للباقي وكون الباقي داخلا في المعنى الحقيقي لا يستلزم كون اللفظ
حقيقة فيه لا من جهة أن الباقي جزء المجموع وإن الدلالة التضمنية ليست بنفس المعنى الحقيقي بل
هو تابع له كما صرح به علماء البيان وجعلوه من الدلالة العقلية لا الوضعية حتى يقال ان الخاص ليس
بجزء للعام بل لان دلالة العام على كل واحد من الافراد منفردا غير الموضوع له الحقيقي بل الموضوع له
هو كل فرد بدون قيد الانفراد ولا قيد الاجتماع لا بمعنى إرادة كل فرد لا بشرط الانضمام ولا عدمه حتى
يقال انه لا ينافي كونه حقيقة في المنفرد بل بمعنى أن الوضع إنما ثبت في حال إرادة جميع الافراد بعنوان
الكلي التفصيلي الافرادي كما حققناه في مبحث استعمال المشترك في معنييه فافهم ذلك فإنه لا ينافي
ما حققناه سابقا من أن الدلالة العام على أفراده دلالة تامة ومما ذكرنا يظهر أنه لا معنى للتمسك
بالاستصحاب إذ لم يكن تناول العام للباقي في حال تناوله للجميع بعنوان الحقيقة حتى يستصحب
بل لأنه كان تابعا للمدلول الحقيقي وهو الجميع ثم لو سلمنا كونه حقيقة فإنما يثبت ذلك في حال كونه
في ضمن الجميع وقد تغير الموضوع والجواب عن الثاني بالمنع من السبق بلا قرينة وبدونها
262

يسبق العموم وسبق الغير علامة المجاز وما يقال ان إرادة الباقي معلومة بدون القرينة وإنما المحتاج
إليها هو خروج غيره ففيه أن العلم بإرادة الباقي إنما هو لأجل دخوله تحت المراد وذلك لا يوجب
كونه حقيقة فيه إنما الذي يقتضي كون اللفظ حقيقة هو سبق المعنى والعلم بإرادته على أنه نفس المراد
ولا يحصل ذلك فيما نحن فيه إلا بالقرينة وهو معنى المجاز واحتج من قال بأنه حقيقة إن بقي غير منحصر
أن معنى العموم حقيقة هو كون اللفظ دالا على أمر غير منحصر في عدد وأجيب بمنع كون معناه ذلك
بل معناه تناوله للجميع وقد صار الآن لغيره فصار مجازا مع أن الكلام في صيغ العموم لا في نفس العام
فكما أن كون إفعل حقيقة في الوجوب لا يقتضي كون مفهوم الامر كذلك وكذلك لا يقتضي كون مفهوم
الامر معتبرا فيه الايجاب كون صيغة إفعل حقيقة في الوجوب فهكذا ما نحن فيه ونظير ذلكم أيضا أن
كون الهيئة الاستثنائية حقيقة في المنقطع لا يقتضي كون الاستثناء حقيقة فيه ليرد أنه ليس بإخراج
ما لولاه لدخل احتج القائل بأنه حقيقة إن خص بغير مستقل بأن لفظ العام حال انضمام المخصص
المتصل ليس مفيدا للبعض أعني ما عدا المخرج بالمخصص لأنه لو كان كذلك لما بقي شئ يفيده المخصص
فلا يكون مجازا في البعض بل المجموع منه ومن المتصل يفيد البعض حقيقة وفيه انه إن أراد عدم إفادته
البعض بخصوصه بحسب الوضع فلا كلام لنا فيه وإن أراد أنه لا يفيد البعض بحسب إرادة اللافظ
فهو ممنوع غاية الامر عدم الإفادة من حيث هو وأما مع انضمام المخصص فلا ريب في إفادته ذلك
كما هو المدار في المجازات وأما المخصص فهو يدل على إخراج البعض الآخر أيضا وأيضا يرجع هذا
الكلام إلى اختيار مذهب القاضي في رفع التناقض عن الهيئة الاستثنائية ولفظ العام حينئذ إما
حقيقة في معناه والنسبة إلى الباقي وقع بعد الاخراج وإما أنه ليس بحقيقة ولا مجاز إن قلنا بالوضع
الجديد وقد عرفت بطلانهما سابقا واستدل أيضا بأنه لو كان التقييد بما لا يستقل موجبا لتجوز
في نحو الرجال المسلمون وأكرم بني تميم إن دخلوا وأكرم الناس إلا الجهال لكان نحو المسلمون للجماعة
والمسلم للجنس أو العهد وألف سنة إلا خمسين عاما مجازات واللوازم باطلة أما الأولان
فإجماعا وأما الأخير فبالتزام الخصم بيان الملازمة أن كل واحد من المذكورات يقيد بقيد هو
كالجزء له وقد صار به لمعنى غير ما وضع له أولا وهي بدونه للمنقول عنه ومعه للمنقول إليه ولا يحتمل
غيره وقد جعلتم ذلك موجبا للتجوز فالفرق تحكم والتحقيق في الجواب إنك إن أردت أن لفظة
مسلم في المسلمون والمسلم حقيقة مع تغيير معناه بسبب القيد فهو ممنوع فيكف يدعي الاتفاق
عليه وإن أردت أن المسلمون حقيقة في الجماعة والمسلم في الجنس أو العهد فهو إنما يثبت حقيقة
263

المركب من حيث التركيب لا من حيث أنه حقيقة في معنى منفرد وهو خارج عن المبحث وبيان ذلك
أن المفردات مختلفة الأوضاع كما أشرنا سابقا فوضع الاعلام وأسماء الأجناس ونحوها وضع شخصي
ووضع الافعال والمشتقات والتثنية والجمع ونحوها وضع نوعي كما أن وضع المركبات كلها نوعية
ومنقسمة إلى الحقيقة والمجاز كما أشرنا وكما أن كون وضع المركبات حقيقة لا ينافي كون بعض مفرداتها
مجازا لما ذكرنا في المقدمة الأولى كذلك كون وضع المفردات النوعية حقيقة لا ينافي كون بعض
أجزائها مجازا فكما أنه لا ينافي كون العام مستعملا في المعنى المجازي على ما اخترناه كون الهيئة
الاستثنائية حقيقة في الاخراج فلا ينافي كون المراد من مثل مسلمون جماعة من أفراد هذا الجنس
يعني المسلم وبعبارة أخرى المسلم المتحقق في ضمن أفراد حقيقة كون لفظ المسلم في هذه الكلمة مجازا
كما لا يخفى هذا إن اعتبرنا دلالة الكلمة على الجنس ودلالة علامة الجمع والعهد وتعيين المهية على
مدلولها وإن جعلناها كلمة واحدة موضوعة بالاستقلال لمجموع هذا المعنى فوجه الدفع أن الاستدلال
قياس مع الفارق لكون المقيس عليه كلمة مستقلة موضوعة بوضع واحد ولم يلاحظ
فيها دلالة القيد والمقيد بل وضع مجموع اللفظ بإزاء مجموع المعنى بخلاف المقيس فإنه أريد من كل
كلمة منه معنى على حدة والقول بأن المجموع عبارة عن الباقي بعنوان الحقيقة فهو مع بطلانه كما
بينا سابقا لا يلائم ظاهر الاستدلال من ملاحظة العلة المستنبطة في قياسه والحاصل أن المستدل
إن أراد مقايسة المركبات المذكورة التي هي موضوعة بوضع حقيقي نوعي لمعان مركبة معهودة
في كونها حقيقة في معانيها التركيبية الحقيقية على المفردات المشتقة الموضوعة بالوضع النوعي
للمعاني المنحلة باجزاء متعددة مع قطع النظر عن ملاحظة مفرداتها وأجزائها فلا ريب انه ليس
من محل النزاع في شئ وكون كل منهما حقيقة في معانيها متفق عليه وإن أراد مقايسة بعض أجزائها
وهي المقيدات بباقي الاجزاء في كونها حقيقة على أجزاء المفردات المقيدة فثبوت الحقيقة في
المقيس عليه أول الدعوى وإن ادعى في المفردات وضعا مستقلا فلا مناسبة حينئذ بين المقيس و
المقيس عليه ولا جامع بينهما على ما هو ظاهر الاستدلال ومن هذا يظهر جواب من أراد الاستدلال
بهذا الدليل على كون العام مع المخصص حقيقة في الباقي إذ الفرق واضح بين المقيس والمقيس عليه حينئذ
وذلك الوضع لم يثبت في المقيس ولا معنى للقياس هنا في إثبات الوضع كما لا يخفى فإن الوضع لم يثبت
حينئذ في المقيس عليه من جهة اختلاف المعنى بسبب القيد حتى يقال أنه موجود في المقيس بل بسبب جعل
الواضع وهو فيما نحن فيه أول الكلام بقي الكلام في المثال الأخير وجعله مقيسا عليه ووجهه أن الخصم
264

يفرق بين أسماء العدد وغيرها والتحقيق في جوابه منه الفرق بينهما ووجهه ما تقدم في المقدمات
وقد يجاب بأن الخصم لعله يقول في المثال المذكور بأن المراد بالألف تمام المدلول وإن الاخراج
وقع قبل الاسناد والحكم وفيه مع ما عرفت من فساد هذه الطريقة أنه مبني على الفرق بين أسماء العدد
وغيرها في ذلك وهو غير ظاهر الوجه والقائل وحجة التفصيل الثالث هو الحجة السابقة واستثناء
الصفة وغيرها لكونها عند القائل من قبيل المستقل وكذلك حجة التفصيل الرابع هو الحجة السابقة
وضعفها غني عن البيان وأما حجة القول الأخير وهو قول فخر الدين فقال في البرهان والذي أراه
اجتماع جهتي الحقيقة والمجاز في اللفظ لان تناوله لبقية المسميات لا تجوز فيه فهو من هذا الوجه
حقيقة في المتناول واختصاصه بها وقصوره عما عداها جهة في التجوز وضعفه ظاهر مما مر
قانون العام المخصص بمجمل ليس بحجة اتفاقا فإن كل مجملا من جميع الوجوه ففي الجميع مثل قوله
تعالى أحلت لكن بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم ومثل اقتلوا المشركين إلا بعضهم وإن كان إجماله في
الجملة ففي قدر الاجمال مثل إلا بعض اليهود فلا إجمال في غير اليهود وأما المخصص بمبين فالمعروف
من مذهب أصحابنا الحجية في الباقي مطلقا ونقل بعض الأصحاب اتفاقهم على ذلك واختلف العامة
فمنهم من قال بعدم الحجية مطلقا ومنهم من خص الحجية لما لو كان المخصص متصلا ومنهم من قال
بحجيته في أقل الجمع ومنهم من قال بالحجية فيما لو كان العام منبئا عن الباقي قبل التخصيص كالمشركين بالنسبة
إلى الحربي بخلاف مثل السارق فإنه لا ينصرف الذهن منه إلى من يسرق ربع دينار فما فوقها من
الحرز ومنهم من خص الحجية بما لو كان العام قبل التخصيص غير محتاج إلى البيان كالمشركين قبل إخراج
الذمي بخلاف أقيموا الصلاة قبل إخراج الحايض لنا ظهروه في إرادة الباقي بحيث لا يتوقف أهل
العرف في فهم ذلك حتى ينصب قرينة أخرى عليه غير المخصص ولذلك ترى العقلاء يذمون عبدا
قال له المولى أكرم من دخل داري ثم قال لا تكرم زيدا إذا ترك إكرام غير زيد أيضا وأيضا العام
كان حجة في الباقي في ضمن الجميع قبل التخصيص بمعنى أنه كان بحيث يجب العمل على مقتضاه في
كل واحد من الافراد خرج المخرج بالدليل وبقي الباقي فيستصحب حجيته في الباقي وأما ما ذكره بعضهم بأنه
كان متناولا للباقي قبل التخصيص وهو مستصحب فإن أراد التناول الواقعي فهو غلط لعدم العلم
به ولزوم البداء في المخصص وإن أراد التناول الظاهري فلا معنى لاستصحاب الظهور وإن
أراد استصحاب حكم التناول الظاهري فهو ما قلنا ولنا أيضا احتجاج السلف من العلماء وأهل
العصمة عليهم السلام بالعمومات المخصصة بحيث لا يقبل الانكار وربما يستدل أيضا بأنه لو لم
265

يكن حجة في الباقي لكانت إفادة العام لدخول الباقي موقوفة على إفادته للمخرج فلو كانت إفادته
للمخرج أيضا متوقفة على ذلك لزم الدور وإلا لزم الترجيح بلا مرجح وهو ضعيف لأنه دور معية كالمتضائفين
(واللبنتين المتساندتين)؟ احتج المنكر مطلقا بوجهين الأول إن حقيقة العموم غير مراد
والباقي أحد من المجازات فلا يتعين الحمل عليه لاحتمال إرادة سائر مراتب الخصوص ولا مرجح
فيصير مجملا والثاني أنه خرج بالتخصيص عن كونه ظاهرا وما لا يكون ظاهرا لا يكون حجة والجواب
عن الأول منع الاجمال وعدم المرجح إذ الأقربية إلى العام مرجح ومدار مباحث الألفاظ على الظنون
فكما أن التبادر علامة الحقيقة فظهور العلاقة علامة تعيين المجاز ولذلك لو قيل رأيت أسدا يرمي
لتبادر إلى الذهن معنى الشجاع لا (البخر)؟ ولا ريب أن العام المخصص سيما مع ملاحظة عدم ذكر مخصص
آخر معه ينصرف منه إلى الباقي لكون أقرب إلى أصل المقصود المدلول وكفاك في المرجح ما ذكرنا
من الأدلة مع أن الوقوع في كلام الحكيم أيضا يصرفه عن الاجمال لا بمعنى أنه لا يقع المجمل في كلام الحكيم
أبدا لوقوعه في الجملة كما لا يخفى بل بمعنى أن الأصل والقاعدة الناشئة عن الحكمة والاعتبار يقتضي عدمه
حتى يثبت بالدليل وقوعه كحمل كلامه على خلاف الظاهر إذا دل الدليل عليه والحمل على أقل الجمع كما
ذكره القائل به وإن كان يدفع الاجمال لكن الحمل على تمام الباقي أولى منه لضعف دليله لظهور
الفرق بين الجمع والعام كما مر ولا قائل بإرادة غيرهما بالخصوص مضافا إلى ما سنذكره في بطلان ذلك
القول أيضا ومما ذكرنا يظهر الجواب عن الثاني هذا ولكن الاشكال في أن مقتضى محل النزاع ان
القول بعدم الحجية مطلق وهذا الدليل يقتضي اختصاصه بالقول بكون العام المخصوص مجازا في الباقي
ولا ينهض على من قال بأنه حقيقة في الباقي وكيف ذلك وكيف يجتمع هذا مع كلام في القانون السابق
فإن الكلام ثمة يقتضي حجيته في الباقي سواء كان حقيقة أو مجازا لان كلا من الحقيقة والمجاز ظاهر في
معناه والكلام هيهنا يقتضي الخلاف في الحجية وقد يوجه هنا الاستدلال بحيث ينهض على القول
بالحقيقة بأن مراد من قال إن العام المخصص حقيقة في الباقي أنه حقيقة فيه من حيث أنه أحد أبعاض
العام لا أنه حقيقة في الباقي من حيث أنه تمام الباقي فحينئذ يقال في الاستدلال أن تمام الباقي أحد الحقايق
فلا يحمل عليه بخصوصه ورد بأنه لا يجري على القول بكون المجموع اسما للباقي فكما لا يقول أحد أن السبعة
مثلا اسم لهذا العدد فما دونها كذلك لا ينبغي أن يجوز ذلك في عشرة إلا ثلاثة ولا على القول بأن
الاسناد وقع بعد الاخراج فإن المراد بلفظ العام هو معناه الحقيقي الأصلي لا الباقي فقط فهو عين
الحقيقة لا أحد الحقائق ولا على القول بأنه حقيقة في الباقي لاستصحاب التناول السابق وعدم منافاة
266

عدم تناول الغير لتناول الباقي فإن ظاهره أنه لم يطرء عليه شئ إلا خروج ما أخرجه المخصص فلا يبقى
الاتمام الباقي وكذا لا يجري على الدليل الاخر الذي هو سبق الباقي إلى الذهن فإنه لا معنى لسبق أحد الابعاض
من دون تعيين ولا على القول بكونه حقيقة فيما لو بقي غير منحصر لان هذا القول منهم ليس لأنه
أحد أبعاض العام كما هو مناط التوجيه في الاستدلال بل لأنه هو عام فالظاهر أن النزاع هنا إنما
هو على القول بمجازية لفظ العام في الباقي كما هو المختار في القانون السابق وقول المفصل بالمتصل
والمنفصل أيضا مبني على ذلك فإنه مبني على أن المخصص بالمنفصل مجاز دون المتصل أقول و
لعل التفصيلات الاخر في المسألة أيضا على هذا ناظرة إلى ملاحظة مناسبة بعض المجازات للعام دون
بعض بحسب المقامات فإن ما (أنبأ)؟ عن الباقي قبل التخصيص أقوى من غير المنبئ وكذلك ما لا يحتاج
إلى البيان أقوى ممن يحتاج إليه ونظر من قال بالحجية في أقل الجمع هو ان أقل الجمع هو المتيقن من بين
المجازات يعنى جميع افراد الباقي والزايد مشكوك فيه فصار حاصل الرد إنا إن قلنا بأن العام لم يستعمل
في معنى مجازي وبنينا على القول بالحقيقة في القانون السابق فلا مناص عن الحجية وإن قلنا بالمجازية
فيجئ فيه هذا الخلاف المذكور في هذا القانون وبما ذكر يندفع المنافاة المتوهمة بين الأصلين أيضا
وأقول الانصاف أن ما ذكر في الترديد لا يدفع التوجيه المذكور لان مراد من يقول بأنه حقيقة في
الباقي أنه حقيقة فيما لم يخرج عن حكم العام فلو فرض تخصيص تمام الباقي مرة أخرى وكرة بعد أولى بل وكرات
متعددة ولم نطلع إلا على التخصيص الأول فاحتمال التخصيصات حاصل عند السامع ولا ريب ان القائل
بكونه حقيقة في الباقي يقول بالحقيقة في المرة الأخيرة أيضا كما هو مقتضى دليله فالمراد بالباقي ما لم يثبت
خروجه بهذا التخصيص وإن احتمل خروجه عنه بتخصيص آخر وحينئذ فالعام محتمل لحقائق متعددة فإذا قامت
القرينة على عدم إرادة الجميع فيتساوى احتمال سائر الحقائق ويتم الدليل إذ الكلام في هذا المقام بعد تسليم
تصحيح هذا القسم من الحقيقة فيصير ذلك نظير إطلاق العام المنطقي على افراده من حيث وجوده
في ضمن كل واحد لا من حيث الخصوص وبعد تسليم ذلك فمنع جريان الاستدلال مكابرة فيتم الكلام
فيه مثل القول بالمجازية حرفا بحرف ومما ذكرنا تقدر بعد التأمل على إجراء الدليل على جميع الأقوال في
الحقيقة فإن مراد من قال إن عشرة إلا ثلاثة اسم للسبعة لعلة كون المستثنى والمستثنى منه اسما للباقي
وذكر السبعة بعنوان المثال وسيجئ الكلام السابق في الباقي من أنه يحتمل مراتب متعددة كلها معنى
حقيقي لمجموع التركيب على قول هذا القائل وكذلك الكلام على القول بكونه حقيقة في غير المحصور
لان لغير المحصور أيضا مراتب متعددة كلها معنى حقيقي للعام على قول هذا القائل نعم يخدش في ذلك
269

أن ذلك إنما يتم فيما كان أفراد العام غير محصور واحتمل التخصيص مراتب متعددة منه وأما على القول
بكون الاسناد إلى الباقي بعد الاخراج فأنت بعد التأمل فيما ذكرنا في بطلان هذا القول تعلم أن الكلام
في الحجية وعدم الحجية إنما يرجع إلى الحكم والاسناد المتعلق باللفظ وقد فرض أنه ليس إلا بالنسبة إلى الباقي
والتخصيص لم يتحقق فيه بالنسبة إلى لفظ العام بل إنما تحقق بالنسبة إلى الاسناد والحكم فإذا خص الاسناد
بغير القدر المخرج فهو يحتمل المراتب المتعددة ويجري فيه الكلام السابق ومما ذكرنا يظهر اندفاع المنافاة
بين الأصلين أيضا إذ الحقيقة والمجاز لا يستلزمان الظهور والحجية في جميع الأحوال بل إنما هو إذا
لم يطرئهما إجمال فقد يحتاج الحقيقة إلى القرينة كما في المشترك وكذلك المجاز إذا تعددت المجازات
وكذلك المشتري المعنوي إذا أريد منه فرد معين فإن معرفة أن المراد برجل في قوله تعالى وجاء رجل من
أقصى المدينة هو الحبيب النجار يحتاج إلى القرينة مع أنه حقيقة على الظاهر كما بيناه في مباحث الأوامر و
قد يقال أن الكلام في القانون السابق إنما هو بعد تسليم الحجية فلا منافاة وهو أيضا باطل ومما ينادي
ببطلانه بناء استدلالهم على عدم الحجية في هذا الأصل بتعدد المجازات وإجمالها وهو موقوف على
كون المجازية مفروغا عنها في هذا القانون فكيف يختلفون بعد ذلك في الحقيقة والمجاز مع أنه كان
ينبغي حينئذ تقديم هذا القانون على السابق وكتب الأصول التي حضرتنا الآن كلها متفقة في تقديم القانون
السابق على هذا قيل والحق ان الخلاف فيما سبق مبني على فرض إرادة الباقي وأما ظهوره فغير لازم و
القائل بكونه حقيقة يلزمه ظهوره والقائل بكونه مجازا على خلافه إذ المجاز قد يكون ظاهرا أو قد يكون
غيره وقس عليه التفصيل فتأمل أقول ويظهر ما فيه بالتأمل فيما قدمناه إذ لو بنينا على التحقيق واقتضاء
الدليل فالحق ان الحقيقة والمجاز كليهما ظاهران في معناهما إذا اتحدا وتعين القرينة على كل منهما فيما
احتاج إليه على فرض الاشتراك أو تعدد المجاز وقد بينا لك سابقا بطلان الحقيقة وتعين المجاز في تمام
الباقي واحتمال إرادة ما دون تمام الباقي خلاف الظاهر ولا يصار إليه ولو أعرضنا عن التحقيق وتماشينا
مع الخصم في تصحيح الحمل على الحقيقة فلا يتفاوت الكلام في هذا القانون على القولين فتأمل ويؤيدها
ذكرنا استدلالهم الثاني فإنه لو لم يكن ناظرا إلى احتمال الحقيقة لرجع إلى الدليل الأول ولكان تكراره لغوا
إذ الاجمال من جهة تعدد المجاز أخص من عدم الظهور فإنه أعم من أن يكون من تلك الجهة أو من
جهة احتمال الحقايق فحينئذ يصير العام في محتملات الباقي على القول بالحقيقة مثل النكرة التي أريد بها فرد معين
عند المتكلم غير معين عند المخاطب مثل قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة وكذلك كل أدلة
القائلين بالحجية قابل للقولين من دعوى الظهور ولزوم الذم واستصحاب التناول وغيرها كما
270

بيناها بل بعضها في الدلالة على القول بالحقيقة أظهر ثم إن هيهنا أمرا لا بد أن ينبه عليه وهو أن ظاهر
كلام المستدل في أقل الجمع أن محل النزاع فيما وكل المتكلم تعيين أفراد المخرج والباقي إلى المخاطب كما لو قال
كل البيضات إلا ثلاثة منها ونحو ذلك وعلى هذا يلزم على القول بجواز التخصيص إلى الواحد أن يكون
العام حجة في الواحد لأنه المتيقن أيضا ولم يستثنه المستدل وعمم في الاجمال ولعل نظر المستدل في ذلك
إنما هو الصحيح لا نظر القائل بالحجية في أقل الجمع فإن الغالب الوقوع في كلام الحكيم في التخصيصات ملاحظة
التعينات في الاحكام ولا بد أن يكون مراد من يجوز التخصيص إلى الواحد في القانون المتقدم أيضا
التخصيص إلى واحد معين عند المتكلم لا أي واحد يكون وكذلك أقل الجمع عند القائل به ثمة مثلا قوله
تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير
قد تعلق الاخراج عن نفي التحريم بهذه الثلاثة بخصوصها وكذلك إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم
الخنزير فإذا ورد النص بحرمة لحم الأسد ولحم الكلب فيجب الاخراج أيضا وهكذا وكما أن الحرمة تتعلق
بالمخرج بخصوصه فكذلك نفي الحرمة لا بد أن يتعلق بالباقي بتعينه فلا بد أن يكون الباقي متعينا سواء
كان واحدا خاصا أو أقل جمع خاص والى ما ذكرنا ينظر الكلام السابق على الاستدلال وإجرائه على
القول بالحقيقة أيضا كما نبهنا عليه وسيجئ في القانون الآتي أيضا إشارة إلى ذلك ومما ذكرنا
يظهر لك ضعف ما قد يعارض أقربية المجاز المرجحة للحجية في تمام الباقي على ما ذكرنا (باين)؟ إرادة
الواحد وأقل الجمع وكذلك ضعف هذه المعارضة في بيان عدم جواز التخصيص إلا بإرادة جمع يقرب
من المدلول كما أشرنا إليه في محله هذا ولكني لم أقف في كلماتهم تنبيها على ما ذكرنا فإنهم ذكروا حجة المفصل
بالحجية في أقل الجمع دون غيره كما ذكرنا ولم يتعرضوا لما فيه فلا بد لهم أن يجيبوا عنه بأن تيقن الأقل
إنما يفيد الحجة إذا تعين فلا ثمرة لهذا الكلام وإن اعتمد المفصل في التعيين على قرينة أخرى فهذا ليس
من حجية العام في الباقي في شئ كما لا يخفى بل الحجية حينئذ إنما ثبت في العام مع القرينة المذكورة تنبيه
قد عرفت أن المخصص المتصل هو الاستثناء المتصل والغاية والشرط والصفة وبدل البعض ولا يخفى
أن المخرج في الاستثناء والغاية هو المذكور بعد أداتهما وفي الباقيات هو الغير المذكور فالباقي في قولنا
أكرم الناس إلا الجهال هو الناس العلماء وفي أكرم العلماء إلى أن يفسقوا هو غير من فسق من العلماء
والمخرج في أكرم العلماء إن كانوا صلحاء هو غير الصالحين منهم وفي أكرم الرجال المسلمين هو غير
المسلمين من الرجال وفي أكرم العلماء شعرائهم هو غير الشعراء منهم وأنت بعد ذلك خبير بطريق
إجراء الكلام في المباحث السابقة فيها من بيان مورد الحقيقة والمجاز والحجية وعدم الحجية وغيرها
271

وتميز المختار والمزيف قانون الحق موافقا للأكثرين حتى ادعى عليه جمع منهم الاجماع عدم جواز
العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص وقيل يجوز وعلى المختار فالحق الاكتفاء بالظن وقيل يجب تحصيل
القطع ولا بد في تحرير محل النزاع وتحقيق المقام من تمهيد مقدمة ينكشف بملاحظتها غواشي
الأوهام وهي أن الفرق الواضح حاصل بين حالنا وحال أصحاب النبي صلى الله عليه والأئمة عليهم الصلاة والسلام
في طريق فهم الاحكام ومعرفتها وأخذها منهم عليهم السلام ومن أحاديثهم لأنهم كانوا مشافهين لهم
ومخاطبين بخطابهم وعارفين بمصطلحهم واجدين للقرائن الحالية والمقالية عالمين لبعض الاحكام
من الضرورة والبداهة آخذين ما لا يعلمونه من كلماتهم وكانوا قد يعلمون العموم ويشتبه عليهم الخصوصية
في بعض الموارد ويسئلون عنه وقد يعلمون الخصوص من الخارج وأنه مخالف لباقي الافراد ويعرفون
أن المراد من العام هو الباقي بقرينة ما سمعوه أو بقرينة المقام وأكثرهم كانوا محتاجين حين السؤال
فمكالمة المعصوم عليه السلام معهم لا بد أن يكون معهم بحيث يفهمون ولا يؤخر بيانه عن وقت حاجتهم فيجب
عليهم العمل على العام والمطلق إذا سمعوه بدون التخصيص فربما كان الوقت يقتضي التعميم له والتخصيص
لاخر وربما كان يتفاوت الحال من أجل التقية وغيرها وإن شئت توضيح الحال فقايسهم بالمقلد
السائل عن مجتهده في هذا الزمان وأما نقلهم الاخبار إلى آخرين في زمانهم وعملهم عليه فهو أيضا لا
يشتبه الاخبار الموجودة عندنا فإنه كان أسباب الاختلال والاشتباه قليلا الا ترى انهم كانوا
يستشكلون فيما لو ورد عليهم أخبار مختلفة من أصحابهم وكانوا يسئلون عن أئمتهم عليهم السلام في
ذلك ويجيبون بالعلاج بالرجوع إلى موافقة الكتاب أو السنة أو مخالفة العامة أو الشهرة أو غير ذلك
ثم التخيير أو الاحتياط وهو بعينه مثل الخبر المنقول في زماننا عن مجتهد بعيد عنا أو أخبار منقولة
متخالفة عنه وبالجملة انحصر أمرنا في هذا الزمان في الرجوع إلى كتب الأحاديث الموجودة بيننا ولا ريب
أن المتعارضات فيها في غاية الكثرة بل لا يوجد فيها خبر بلا معارض إلا في غاية الندرة فكيف يقاس
هذا بخبر ينقله الثقة عن إمامه عليه السلام بلا واسطة إلى أهله أو إلى بلد آخر مع عدم علم المستمع بمعارض له و
لا أظن بذلك مع اتحاد أن الاصطلاح وقلة أسباب الاختلال وإنما عرض الاختلالات بسبب طول
الزمان وكثرة تداولها بالأيدي سيما أيدي الكذابة وأهل الريبة والمعاندين للأئمة عليهم السلام
فأدرجوا فيها ما ليس منهم فنحن في الاخبار التي وصلت إلينا في وجوه من الاختلال من جهة العلم
بالصدور عنهم وعدمه ومن جهة جواز العمل بخبر الواحد الظني وعدمه وكذلك في اشتراط العدالة
وتحقيق معنى العدالة ومعرفة حصولها في الراوي وكيفية الحصول من تزكية عدل أو عدلين ومن جهة
272

الاختلال في المتن من جهة النقل بالمعنى مرة أو مرارا مختلفة واحتمال السقط والتحريف والتبديل و
حصول التقطيع فيها الموجبة لتفاوت الحال من جهة السند والدلالة ومن جهة الاختلال في الدلالة
بسبب تفاوت العرف والاصطلاح وخفاء القرائن وحصول المعارضات اليقينية والاشكال
في جهة العلاج من جهة اختلاف النصوص الواردة في التعارض وإن التكليف اليقيني الثابت بالضرورة
من الدين لا بد من تحصيل معرفته من وجه يرضى به صاحب الشرع وسبيل العلم به منسد غالبا و
ليس لنا وجه وسبيل في ذلك إلا الرجوع إلى الأدلة المتعارفة والكتاب العزيز لا يستفاد منه إلا أقل
قليل من الاحكام مع اختلال وإشكال في كيفية الدلالة في أكثرها والاجماع اليقيني نادر الحصول
وكذلك الخبر المتواتر والاستصحاب لا يفيد إلا الظن والاخبار مع أنها لا تفيد إلا الظن متخالفة و
متعارضة في غاية الاختلاف والتعارض بل الاختلاف حاصل بينها وبين سائر الأدلة أيضا بل
الاختلاف موجود بين جميع الأدلة ولا بد في الاعتماد على شئ منها على بيان مرجح لئلا يلزم ترجيح
المرجوح أو المساوي والقول بالتخيير مطلقا أو الاخذ بأحد الطرفين من باب التسليم إنما يتم مع العجز عن
الترجيح كما هو منصوص عليه في الاخبار مدلول عليه بالاعتبار فالأخذ بكل ما رأيناه أولا من حديث
أو ظاهر آية أو استصحاب مع وجود الظن الغالب بوجود المعارض مجازفة من القول إذ يلزم على هذا
التخيير في العمل مطلقا ورأسا وهو باطل جزما وبالجملة الذي نجزم به ويمكن أن نعتقده بعد ثبوت العجز
عن تحصيل العلم وسد بابه هو استخراج الحكم عن هذه الأدلة في الجملة بمعنى أنه يمكن الاعتماد على ما حصل
الظن بحقيته من جملتها لا الاعتماد على كل واحد منها والأصل حرمة العمل بالظن إلا ما قام عليه الدليل
ولم يقم إلا على هذا القدر مع أنا لو قلنا أنه يجوز لكل من رأى حديثا أو فهم استصحابا أن يعمل عليه و
كذلك سائر الأدلة فيصير الفقه حينئذ من باب الهرج والمرج ولا يكاد ينتظم له نسق فإن قلت أنك
قائل بأن الخبر الصحيح من باب الخبر الواحد حجة مثلا فإذا رأينا حديثا صحيحا نعمل عليه لان الأصل
عدم المعارض ولا علم بوجوده فيه بخصوصه وهكذا في غيره قلت إجراء الأصل مع وجود العلم بوجود
المعارضات غالبا لا معنى له فإن قلت العلم بوجود المعارضات إنما هو في الجملة وليس في خصوص
هذا الحديث قلت إن هذا يصير من باب الشبهة المحصورة التي حكموا بوجوب الاجتناب عنها مع
أنا لو قلنا بجواز الارتكاب في الشبهة المحصورة أيضا إلى أن يلزم منه العمل بالحرام لا يتم الكلام هنا
لان فتح باب الرخصة في ذلك لآحاد المكلفين يقتضي تجويز الارتكاب في الجميع فأين اعتبار ملاحظة
المعارض مع أن الغالب في ذلك هو التعارض وخبر لم يوجد له معارض لمن آنس بطريقة الاستنباط
275

في غاية الندرة وإن كان في أول أمره والحاصل أن المجتهد إذا علم أن دليل الحكم إنما هو في جملة هذه
الأدلة المتعارضة المتخالفة لا نفس كل واحد منها فلا بد من البحث عن المعارض حتى يعرف أن العمل
بأيها هو الراجح في ظنه لئلا يكون مؤثرا للمرجوح ولئلا يكون تاركا للأخبار المستفيضة الواردة بالعلاج
والترجيح فيما لو كان الخبران متخالفين إذ العلم بوجود الخبرين المتعارضين في جملة تلك الأخبار حاصل
لنا ويجب علينا علاجه وعدم العلم بالفعل بأن هذا الخبر الذي رآه أولا هل هو من هذا الباب أم لا لا
يوجب العلم بعدم ذلك لان ورود الخبرين المتعارضين صادق على ما ورد علينا في جملة الأدلة مع
إمكان معرفتهما بعينهما ومما ذكرنا يظهر أنه لا يمكن التمسك بأصالة عدم المعارض في كل رواية إذ
المفروض ان أحاديثنا مشتملة على الحديث الذي له معارض والحديث الذي لا معارض له وكون الأصل
عدم كون الحديث الذي نراه أولا هو ما لا معارض له ليس بأولى من كونه هو الذي له معارض فيجب
إجراء حكم كل من الصنفين فيه وهو لا يتم إلا بعد البحث والفحص وحاصل المقام إن حجة الله على
العباد منحصر في النبي صلى الله عليه وآله والوصي عليه الصلاة والسلام وبعد العجز عن الوصول إليهما
وبقاء التكليف فلا دليل على جواز الاعتماد إلا على ظن من استفرغ وسعه في تحصيل الظن من جهة
الأدلة المنسوبة إليهم ولا يمكن ذلك إلا بعد الفحص عن المعارضات والاعتماد على الترجيحات وسيأتي
الكلام في كفاية الظن وعدم وجوب تحصيل العلم عليه إذا تمهد هذا فنقول أن العام المتنازع فيه
واحد من الأدلة واحتمال وجود المعارض أعم من المناقض الرابع لجميع حكمه أو المخصص الرافع لبعضه و
لما كان الغالب في العمومات التخصيص حتى قيل ما من عام إلا وقد خص فقوى احتمال وجود المعارض
هنا فصار مظنونا فصار ذلك أولى بوجوب الفحص عن المعارض عن سائر الأدلة وشبهة من لا يقول
بوجوب الفحص عن المخصص في العام هو أنه لو وجب طلب المخصص في التمسك بالعام لوجب طلب
المجاز في التمسك بالحقيقة إذ احتمال إرادة خلاف الظاهر ولزوم الوقوع في الخطأ بالعمل على الظاهر
قائم فيهما ولا يجب ذلك في الحقيقة اتفاقا وبدلالة قضاء العرف بذلك فكذلك العام وفيه أولا أنه
إن أراد أنه لا يجب التفحص عن الحقيقة أصلا بمعنى أنه إذا ورد حديث يدل على فعل شئ بعنوان الوجوب
ولكن احتمل احتمالا راجحا وجود حديث آخر يدل على أن المراد بالامر في الحديث الأول لاستحباب فهو
في الحقيقة احتمال المعارض فلا معنى لعدم وجوب البحث عنه فكيف يدعي عليه الاتفاق وإن أراد أنه
لا يجب في الحقيقة طلب المجاز إذا لم يكن هنا ظن بوجود المعارض من الأدلة بل ولا احتمال له بمعنى
أن يتفحص لاحتمال قيام قرينة حالية أو مقالية دلت على إرادة المعنى المجازي من الكلمة فهو صحيح ومسلم
276

في العام أيضا من هذه الجهة فإنا لا نتفحص في العام عن المخصص لاحتمال أن يكون المراد معناه المجازي
بل لان وجود دليل خاص يرفع أحكام بعض أفراد العام محتمل أو مظنون وإن آل ذلك إلى حصول
التجوز في العام بعد ظهوره فتداخل البحثين لا يوجب كون كل منهما مقصودا بالذات ولما كان العام
من جملة الأدلة أكثر احتمالا لوجود المعارض خصوه بالبحث دون سائر الأدلة وثانيا على فرض
تسليم كون البحث عن العام من جهة دلالة اللفظ وحقيقته والاحتراز عن التجوز ولكن نقول أن
الاتفاق الذي ذكره المستدل هو الفارق بين أنواع الحقائق لعدم تحققه فيما نحن فيه بل
تحقق خلافه فقد ادعى جمع من المحققين الاجماع على وجوب الفحص فحصل الفارق وبطل القياس
مع أن الفارق موجود بوجه آخر وهو تفاوت الحقايق في الظهور ألا ترى أنهم اختلفوا في ترجيح
المجاز المشهور على الحقيقة فنقول هنا أن استعمال العام في معناه المجازي بلغ حد الاشتهار
إلى أن قيل ما من عام إلخ بخلاف سائر الحقائق فإن لم نقل بترجيح المجاز المشهور فلا أقل من التوقف
فالغلبة مرجحة للتجوز وأصالة الحقيقة وعدم التخصيص للحقيقة فيصير مجملا فيحتاج إلى الفحص
بخلاف سائر الحقائق فإن الغلبة ليس فيها إلى هذا الحد بل أكثر الألفاظ محمول على الحقائق وما يقال
أن أكثر كلام العرب مجازات فهو إغراق ليس على حقيقته ومما يوضح ما ذكرنا أنه لا يجب الفحص
عن احتمال سائر المجازات في العام أيضا كما إذا احتمل إطلاق العام على شخص باعتبار جامعية جميع
أوصاف أفراد العام فإذا قيل جاء العلماء فيحتمل أن يراد منه زيد باعتبار أن علمه مساو لعلم كلهم
بعلاقة المشابهة ويحتمل أن يراد منه أمرهم أو حكمهم أو نوابهم بعلاقة المجاورة أو التعلق أو نحو
ذلك بل نحمله على حقيقته من هذه الجهة بخلاف احتمال جهة التخصيص بإرادة بعضهم دون
البعض وكأنه غفل من غفل في هذا الأصل من جهة الغفلة عن تفاوت المجازات أو عن أن
الكلام في الفحص عن المعارض من حيث أنه معارض لا في طلب المجاز من حيث أنه طلب المجاز
وقد عرفت إمكان اجتماع الحيثيات وافتراقها فتأمل فيما ذكرنا بعين الانصاف تجده
حقيقا بالقبول وأما الدليل على كفاية الظن (بعدم وجود المخصص بعد الفحص فهو الدليل على كفاية الظن) في مطلق معارضات الأدلة وهو أن ضرورة
بقاء التكليف وعدم السبيل إلى تحصيل الاحكام الواقعية بعنوان اليقين يفيد جواز العمل به
وإن فرض إمكان الوصول إليه في بعضها لان الحكم الذي يمكن أن يحصل فيه العلم إن كان
مركبا أو كان جزء للعبادات المركبة فتحصيل العلم بالجزء ليس تحصيلا للعلم بالكل وما بعضه ظني
فكله ليس بعلمي جزما كما هو واضح وتحصيل العلم بالكل في غاية البعد وإن كان بسيطا أو كان هو
277

نفس المركب أيضا فاستفراغ الوسع في تحصيله إنما يمكن بعد تتبع جميع الأدلة وهو مستغرق
للأوقات غالبا مفوت للمقصود مع أنه عسر عظيم وحرج شديد وهما منفيان في الدين بالاجماع
والآيات والاخبار فثبت كفاية العمل بالظن مطلقا فنقول فيما نحن فيه أن العلم بعدم المخصص في العام
غير ممكن غالبا وتحصيل ما يمكن العلم فيه مستلزم لتفويت العمل بأكثر العمومات وبهذا التقرير
يندفع ما قد يتوهم أن ذلك يقتضي جواز العمل بالظن في البعض دون البعض وإن العمل بالظن
إنما هو فيما إذا لم يكن تحصيل القطع وهو مخالف لما والمعهود من طريقتهم في الفقه
من جواز العمل بالظن وإن أمكن تحصيل العلم في بعض الأحكام أيضا فإن المراد في هذا الاستدلال
أن العمل بالظن في الكل انما هو لأجل ان تحصيل العلم فيما يمكن فيه من الصور النادرة يوجب تفويت
العمل بالأكثر والعسر والحرج لا انه لا يجوز العمل بالظن إلا فيما لا يمكن القطع وأما ما يمكن أن يوجه
للقول بلزوم تحصيل القطع بعدم المخصص في العمل على العام فهو ان العمل بالظن مشروط بعدم إمكان
تحصيل اليقين وهو ممكن لان ما يعم البحث فيه وكان مما يبتلى به عموما فالعادة تقتضي باطلاع
الباحثين عليه وتنصيصهم على وجوده وعدمه وأما الذي ليس بهذه المثابة فالمجتهد بعد البحث
يحصل له القطع بذلك إذ لو كان مخصص لذكروه وفيه ما فيه من منع حصول القطع في المقامين
إذ غاية الامر عدم الوجدان وهو لا يدل على عدم الوجود أن اشتراط العمل بالظن بعدم إمكان
تحصيل اليقين لا دليل عليه إذ اليقين بحكم الله الواقعي لا يحصل بالقطع بعدم المخصص إذ عدم المخصص
لو سلم القطع به في نفس الامر أيضا فكيف يحصل القطع بأن المراد من العام هو جميع الافراد بل لعله
كان في مقام الخطاب قرينة حالية أفهمت إرادة البعض مجازا مع ما في سند العام ودلالته من
غير جهة العموم والخصوص أيضا وجوه من الاحتمال تمنع عن القطع بحكم الله تعالى الواقعي وهكذا
الكلام في سائر الأدلة بالنسبة إلى المعارض وبالجملة وجود المعارض وعدمه أحد أسباب الخلل كما
أشرنا سابقا فدعوى أنه بعد حصول القطع بعدم المعارض أو المخصص يحصل القطع بحكم الله تعالى
جزاف من القول وإمكان سد جميع الخلل في المتن والسند وسائر كيفيات الدلالة لم نر إلى
الآن سبيلا إلى التمكن عنه ودعوى اشتراط قطعية بعض مقدمات الدليل إذا أمكن مع عدم
إفادة الدليل لا الظن ترجيح بلا مرجح إن قلت إن ما ذكرت يوجب الاكتفاء بمطلق الظواهر
في حكم الله الظاهري فلا يجب البحث عن المعارض أصلا فضلا عن تحصيل القطع قلت إن المراد
من الظاهر هو الراجح الدلالة المرجوح خلافه وبعد ملاحظة احتمال المعارض احتمالا راجحا لا يفي
278

ظهور في دلالته نعم الظواهر في نفسها مع قطع النظر عن احتمال المعارض لها ظهور في مدلولاتها و
هو لا يكفي لنا نعم إنما هو يكفي لأصحاب الأئمة عليهم السلام والحاضرين مجلس الخطاب ومن قاربهم
وشابههم فدليلنا على المطلوب هو ما يظهر من ملاحظة مجموع الأدلة بعد البحث والفحص لا
كل واحد مما يمكن أن يصير دليلا ولكن لا يجب في الحكم بذلك الظهور القطع بعدم المعارض بل
يكفي الظن ثم إن بعض أفاضل المتأخرين خبط خبطا عظيما وتبعه بعض أفاضل من تأخر عنه و
هو أنه منع عن لزوم تحصيل القطع والظن كليهما في طلب المعارض في جميع الأدلة سواء كان العام
أو غيره واستدل على ذلك بوجوه الأول ان أحدا من المنازعين والمباحثين في المسائل
من أصحاب الأئمة عليهم السلام والتابعين لم يطلب في المسألة التوقف من صاحبه حتى يبحث
وينقب عن المعارض والمخصص بل سكت أو تلقى بالقبول وإلا لنقل إلينا فصار إجماعا على عدم
البحث عن المخصص والمعارض وزاد بعضهم على ذلك أيضا وقال وأيضا الأصول الأربع مأة
لم تكن موجودة عند أكثر أصحاب الأئمة عليهم الصلاة والسلام بل كان عند بعضهم واحد وعند الآخر
اثنان أو الثلاثة وهكذا والأئمة عليهم الصلاة والسلام كانوا يعلمون بأن كلا منهم يعمل في الأغلب
بما عنده ولا يتم البحث عن المخصص إلا بتحصيل جميعها فلو كان واجبا لأمرهم الأئمة عليهم السلام
بتحصيل الكل ونهوهم عن العمل ببعضها والجواب عن الأول بعد تسليم هذه الدعوى يظهر مما
مر من التفاوت الظاهر بين زماننا وزمان الأئمة وزمان الأئمة عليهم السلام وهذا الكلام يجري في خطاب
الأئمة عليهم السلام مع أصحابهم أيضا حيث لم يسئل الأصحاب عنهم عليهم السلام عن المخصص وقرروهم على
معتقدهم من العموم ونزيد توضيحا ونقول ان الاستدلال بالعموم غالبا ليس في جميع الافراد وكذلك
خطاب الأئمة عليهم السلام بالنسبة إلى أصحابهم فإنه قد يكون الحاضر في ذهن الأصحاب هو طائفة
من أفراد العام المطابق لخطاب الإمام عليه السلام وكان ذلك موضع حاجته وبين الخصوص في
موضع آخر وكذلك المنازعين والمباحثين كان نزاعهم في طائفة من افراد العام وكانوا غافلين
عن العام فباستدلال صاحبه بذلك كان يسكت وذلك لا ينافي تخصيص العام بالنسبة إلى
غير تلك الافراد إذ العام المخصص حجة في الباقي كما مر تحقيقه فمرادنا من قولنا أنه يجب في العمل
بالعام البحث عن المخصص العمل به في جميع الافراد ويندفع الاشكال الطارئ من جهة شيوع
التخصيص وغلبته بالتفحص عن المخصص في الجملة فإذا ظهر وجود مخصص ما فلا دليل على وجوب
التفحص أزيد من ذلك لا ظنا ولا قطعا لأصالة الحقيقة إلا مع احتمال وجود مخصص آخر راجح على
279

عدمه بالخصوص وليس ذلك من باب أصل التخصيص الراجح بسبب الغلبة بل من جهة مطلق
وجود المعارض للدليل فافهم ذلك وتأمل حتى يتحقق لك أن دعوى مثل ذلك الاجماع لا أصل
لها ولا حقيقة مع أنه ورد في الاخبار ما يدل على ذلك مثل رواية سليم بن قيس الهلالي في الكافي
عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام حيث أجاب عن اختلاف أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله وفي آخرها فإن أمر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن منه ناسخ ومنسوخ وخاص وعام و
محكم ومتشابه وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان وكلام
عام وخاص مثل القرآن إلى أن قال فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن
إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها و
محكمها ومتشابهها وخاصها وعامها الحديث وفي معناها غيرها وظاهرها لزوم معرفة
الجميع فبعد ملاحظة أن في الآيات والاخبار عاما وخاصا ولا يندفع الاختلاف والحيرة إلا
بملاحظتها وإنا مأمورون بمعرفة العام والخاص فكيف يقال إنا لم نؤمر بالبحث عن الخاص و
أحاديث الأئمة عليهم السلام مثل أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وقد قال الصادق عليه
الصلاة والسلام في رواية داود بن فرقد المروية في معاني الأخبار وأنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني
كلامنا أن الكلمة لتصرف على وجوه فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف يشاء ولا يكذب ويدل على
المطلوب أيضا الأخبار المستفيضة الدالة على عرض الاخبار المتخالفة على الكتاب ولا ريب أن
موافقة الكتاب وعدمها لا يعلم إلا بعد معرفة عام الكتاب وخاصته ومعرفة ذلك في فهم الكتاب
لازم كما يستفاد من الاخبار فيستلزم ذلك لزوم معرفة عام الخبر عن خاصه أيضا وهو معنى البحث
عن المخصص وأما الجواب عما زاده بعضهم فنقول مضافا إلى ما ظهر مما تقدم أن الأحاديث
المجتمعة عندنا من الكتب الأربعة وغيرها أكثر مما كان عند كل واحد من أصحاب الأئمة عليهم السلام
من تلك الأصول بلا شك ولا ريب ومع ذلك فالفروع المتكررة في كتب الفقهاء الخالية عن
النصوص أكثر مما وجد فيه النص بمراتب شتى وما لم يذكروه في كتب الفروع وما يتجدد يوما فيوما
أضعاف مضاعف ما ذكروه بل لا يتناهى ولا يعد فلو كان يلزم عليهم تبليغ احكام الجميع بالخصوص
فيلزم أنهم العياذ بالله قصروا في ذلك لعدم تبليغ ذلك بالخصوص في الجميع جزما فظهر أنهم اكتفوا
في جميع ذلك بالأصول الملقاة إلينا بقولهم علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا و
هذا من أقوى الأدلة على جواز العمل بالظن في الأحكام الشرعية إذ غاية ما في الباب جعل الفرع من
280

جزئيات أصل وقاعدة ولا ريب أن دلالة العام والقاعدة على جزئياتهما ظنية فنقول أن الواجد
للأصل والأصلين من أصحاب الأئمة عليهم السلام كان عالما بالأصول الأصلية التي هي أمهات
المسائل مثل أصل البراءة وعدم وجواز نقض اليقين بالشك وعدم العسر والحرج وعدم التكليف بما
لا يطاق وأصالة الإباحة فيما لا ضرر فيه وقبح الظلم والعدوان والاضرار ونحو ذلك وبينوا لهم في
جواب مسائلهم كثيرا من الخصوصيات وكثيرا من العمومات الواردة في الكليات ولم يظهر من
حالهم أن تلك العمومات الثابتة في الأصل والأصلين كانت أبكارا لم يصلها أيدي التخصيص فلعل
الرواة كانوا يعلمون أن مرادهم عليهم السلام من تلك العمومات الاستدلال على الباقي بعد
التخصيص كما أشرنا وان الخاص بين له من خارج والتنصيص على جميع الجزئيات ليس بواجب على
بينا واحتمال وجود مخصص آخر غير ما فهموه لا يضر كما بينا لان الظن بالعدم كاف بل يكفي أصالة
العدم حينئذ ولم يظهر من حال صاحب الأصل والأصلين أنه يظن بوجود خاص أو معارض في
سائر الأصول وعلى فرض الثبوت أنه كان متمكنا من الرجوع إليه ولم يفعل وعلى فرض ذلك
أن الإمام عليه السلام اطلع عليه وقرره وكل ذلك دعاوة لا بينة عليها بخلاف زماننا فإن وجود
المعارض في جملة الاخبار مما لا يدانيه ريب ولا يعتريه شك فيكف يقاس بزمان أصحاب الأئمة
عليهم السلام ولعمري أن أصحاب هذه الكلمات ممن تتبع الاخبار وعرف طريقة الفقه والفقهاء
مما يقتضى منه العجب ومما ذكرنا ظهر أن عدم أمر الإمام عليه السلام بتحصيل سائر الكتب لم يكن لأجل
أن الفحص عن المخصص أو المعارض لا حاجة إليه مع قيام الاحتمال الراجح إذ لعله يعتمد على ذلك بأنه
إذا أشكل عليه الامر في العام يرجع إلى الإمام عليه السلام الثاني قوله تعالى إن جائكم فاسق
بنبأ فتبينوا إلخ وجه الاستدلال أنه نفى بالمفهوم التثبت عند مجئ العدل والبحث عن المخصص
تثبت وأي تثبت وفيه أن الظاهر من الآية لزوم التثبت في خبر الفاسق الذي يفهم منه مراده بعنوان
القطع أو الظن في أنه هل هو صادق أو كاذب والتفحص والبحث عن المراد من خبر العادل إذا كان
محتملا لغير ظاهره احتمالا مساويا له ليس تثبتا في أنه هل هو صادق فيه أو كاذب والحاصل أن
خبر العدل لا يتأمل في قبوله من حيث احتمال الكذب بل التأمل والتثبت إنما هو في فهم المراد ولم
يظهر من الآية نفيه كما لا يخفى لا يقال أن هذا تقييد في خبر العدل والأصل عدمه وإطلاق الآية
يقتضي عدم التثبت في خبر العدل مطلقا لا في نفي الكذب فقط لأنا نقول إنا نمنع الاطلاق بالنسبة
إلى هذا المعنى حتى نطالب بدليل التقييد بل نقول المتبادر من الآية المقيد وإنكاره ومكابرة مع
281

انه يرد على المستدل النقض بمجمل خبر العدل فإن قيل إن المجمل خرج بالاتفاق وبحكم العقل للزوم
التحكم من حمل الكلام على بعض المحتملات ولا اتفاق هنا ولا يحكم العقل بعدم جواز ترجيح العموم لوجود
المرجح من تبادر العموم ولأصالة الحقيقة وأيضا القول بكون العام مثل المجمل رجوع عن القول بكون
ألفاظ العام حقيقة في العموم قلنا حصول الاجمال من جهة تساوي
احتمال إرادة الخصوص لأصالة الحقيقة لا ينافي القول بكونها حقيقة في العموم كما في المجاز المشهور عند
من يتساوى عنده إحتماله مع الحقيقة والتبادر الحاصل في المجاز المشهور للمعنى الحقيقي كما أنه بعد قطع
النظر عن الشهرة فكذلك المسلم من التبادر ذهنا هو بعد قطع النظر عن شيوع غلبة التخصيص مع
أن هنا فرقا آخر وهو أن العام بعد ثبوت التخصيص في الجملة يكون ظاهرا في الباقي كما مر بخلاف المجمل و
المشترك ولئن سلمنا إطلاق الآية حتى بالنسبة إلى الدلالة فنقول أن ما ذكرناها من الأدلة على المختار
يقيدها وإلا فلا ريب انه يصدق على كل من خبري العدلين المتعارضين ولا ريب أنه لا يمكن العمل
حينئذ مطلقا فظاهر أن المراد من الآية أن خبر العدل من حيث أنه خبر العدل لا يجب فيه التفحص عن الصدق
والكذب وإن وجب فيه من حيث أنه يعارضه خبر عدل آخر فضلا عما كان التثبت من جهة فهم المراد
الثالث آية النفر ووجه الاستدلال أنه تعالى أوجب الحذر عند إنذار الواحد ولم يقيده بالبحث
عن المخصص ويظهر الجواب عنه أيضا مما مر ثم إن مناط القول المختار أنه لا يحصل الظن بإرادة المعنى
الحقيقي للعام الا بعد الفحص لا انه يحصل الظن بسبب أصالة الحقيقة ولكن لا يكتفي بهذا الظن بل يوجب
الظن الزايد بل نقول أن أصالة الحقيقة إن أفاد الظن فإنما يفيد بعد قطع النظر عن شيوع التخصيص
والمفروض أنه غير منفك فلا معنى لمقابلة مختارنا بأنا نكتفي بالظن الحاصل من أصالة الحقيقة بل
لا بد أن يقال أن الظن حاصل مع شيوع التخصيص أيضا وجوابه المنع ثم إن مطلق الظن كاف وإلا فيشكل
الامر لتفاوت مراتب الظنون بل تفاوت مراتب الظن المتاخم للعلم أيضا فلو قلنا باشتراطه لزم الحرج
الشديد مع أنها غير ميسر غالبا وما أمكن تحصيله فيه فيجري فيه الكلام الذي ذكرناه في تحصيل
العلم ثم إن الظاهر أنه يكفي في تحصيل الظن تتبع كل باب بوبوه في كتب الاخبار لكل مطلب وكل ما
يظن وجود ماله مدخلية في المسألة فيه من سائر الأبواب وإن كان في كتاب آخر مثل أن ملاحظة
أبواب لباس المصلي في كتاب الصلاة له مدخلية في أحكام الطهارة وغسل الثياب وملاحظة
كتاب الصوم له مدخلية في أحكام الاستحاضة والحيض ونحو ذلك وهكذا وقد صار الآن تتبع
ذلك سهلا عندنا من جهة تأليف الكتب المبوبة مثل الكافي والتهذيب والاستبصار زاد في ذلك
282

إعانة كتاب الوافي للفاضل الكاشاني وكتاب وسائل الشيعة لمحمد بن الحسن الحر العاملي عظم الله
أجورهم ولا بد في الفحص عن المخصص من ملاحظة الكتب الفقهية سيما الاستدلالية منها ليطلع
على موارد الاجماع أيضا وذلك مما يعين على الاطلاع بحال الاخبار وخصوصها وعمومها أيضا سيما
ملاحظة كتب المتأخرين من أصحابنا مثل المعتبر والمنتهى والمختلف والمسالك والمدارك وغيرها
ولا يجب تتبع جميع كتب الاخبار من أولها إلى آخرها في كل مسألة وكذلك الكتب الفقهية مع أنه
مما يوجب العسر الشديد والحرج الوكيد المقصد الثالث فيما يتعلق بالمخصص
قانون إذا تعقب المخصص عمومات متعددة جملا كانت أو غيرها متعاطفة بالواو أو
غيرها وصح عوده إلى كل واحد فلا خلاف في أن الأخيرة مخصصة به جزما وإنما الخلاف في غيرها
وفرضوا الكلام في الاستثناء ثم قاسوا عليه غيره فذهب الشيخ والشافعية إلى أن الاستثناء
المتعقب للجمل المتعاطفة ظاهر في رجوعه إلى الجميع وفسره العضدي بكل واحد وأبو حنيفة وأتباعه إلى
أنه ظاهر في العود إلى الأخيرة والسيد رحمه الله إلى أنه مشترك بينهما فيتوقف إلى ظهور القرينة والغزالي
إلى الوقف فلا يدري أنه حقيقة في أيهما وهذان القولان متوافقان لقول أبي حنيفة في الحكم و
ان تخالفا في المأخذ لان الاستثناء يرجع على القولين إلى الأخيرة فيثبت حكمه فيها ولا يثبت
في غيرها كقول أبي حنيفة لكن هؤلاء لعدم ظهور تناولها وأبو حنيفة لظهور عدم تناولها هكذا قرره
العضدي وجماعة من الأصوليين وليس مرادهم محض الموافقة في تخصيص الأخيرة فإن قول الشافعي
أيضا موافق له في ذلك ولا أن غير الأخيرة باق على العموم على القولين محمول على ظاهرها ليتحدا
في تمام الحكم مع قول الحنفية لينافي التوقف والاشتراك بل مرادهم بيان موافقة القولين لقول
أبي حنيفة من جهة لزوم تخصيص الأخيرة وعدم تخصيص غيرها وعدم التخصيص أعم من القول بالعموم
فعدم تخصيص الغير عند أبي حنيفة لحمله على العموم والعمل على ظاهر اللفظ ومأخذه الحمل على أصل الحقيقة
وعندهما بالتوقف في التخصيص وعدمه بسبب عدم معرفة الحال ومأخذه أما تصادم الأدلة أو
الاجمال الناشئ عن الاشتراك فيظهر ثمرة الخلاف بين الحنفية وبينهما في أمرين أحدهما أن غير
الأخيرة في التخصيص غير معلوم الحال عندهما ومعلوم العموم عند الحنفية وثانيهما أنه لو استعمل
في الاخراج عن غير الأخيرة أيضا كان مجازا عند الحنفية وحقيقة عند السيد رحمه الله محتملا لهما عند الغزالي
والعجب من الفاضل المدقق الشيرواني حيث نفى الاشكال في موافقة القولين الأخيرين للقول
الثاني في تمام الحكم وقال يجب أن لا يعمل في غير الأخيرة أصحابهما إلا على العموم لان له صيغة خاصة به
283

دالة عليه دلالة معتبرة ولم يتحقق في الكلام دلالة أخرى يعارضها ومجرد احتمال المعارض لا يكفي في
الصرف عنها وإلا كان ذلك قائما على تقدير عدم الاستثناء أيضا والمفروض أن أصحاب المذهبين
بحثوا ونقبوا في المسألة إلى أخر ما ذكره وفيه أنه لم يظهر من كلام الأصوليين نسبة ذلك إلى صاحب
القولين ولا يظهر من كلامهم في بيان الموافقة إرادة ما ذكره بل كلامهم على ما ذكرنا أدل وأوفق
ومرادهم مجرد نسبة المخصص إلى الجمل من حيث ثبوت التخصيص لا من حيث إرادة العموم من غير
الأخيرة وعدمه مع أن مقتضى تلك الأقوال أن الخلاف إنما هو في الهيئة التركيبية من الاستثناء
المتعقب للجمل كما يظهر من ملاحظة أدلتهم أيضا كما سيجئ فالقول باشتراك تلك الهيئة بين
الرجوع إلى الأخيرة فقط والرجوع إلى الجميع معناه أن تلك الهيئة حقيقة في كل واحد منهما ومقتضى
كونه حقيقة في الرجوع إلى الجميع أن العموم لم يبق على حاله في واحد منها ومقتضى كونه حقيقة
في الرجوع إلى الأخيرة بقاء العموم على حاله في غيرها والمفروض أن الامر مردد حينئذ بين أن المراد من
اللفظ هل هو العمومات المخصصة باحتمال إرادة المعنى الأول من معنيي المشترك أو العمومات
الغير المخصصة باحتمال إرادة المعنى الثاني والشك في أن المراد من ذلك اللفظ هل هو العام
المخصص أم العام الغير المخصص غير الشك في أن العام هل خص أم لا فيجري فيه أصالة عدم
التخصيص وليس ذلك من قبيل العام الذي لم يظهر له مخصص بعد الفحص والبحث حتى يقال أن له
صيغة خاصة به دالة على معنى ولم يوجد له معارض فكون العام مخصصا أو غير مخصص جزء مدلول
اللفظ فيما نحن فيه والشك في أن المراد أي المدلولين لا أنه أمر خارج عنهما يمكن نفيه بأصالة
الحقيقة وأصالة عدم التخصيص ونحوهما وظني أن ذلك واضح لا يحتاج إلى مزيد (الاطناب)؟ ويا
ليته رحمه الله اختار موضع مقايسة ما نحن فيه بمبحث البحث عن المخصص مقايسة بجواز العمل بالعام
المخصص بالمجمل والحاصل أن القائل بالاشتراك يتوقف عن الحمل على العموم لأنه لا يظهر عليه أنه
أريد من الهيئة المعنى الذي لازمه تخصيص الكل أو أريد منها المعنى الذي لازمه تعميم ما سوى الأخيرة
والمتوقف يتوقف ما لم يتعين عنده المعنى الحقيقي للهيئة التركيبية حتى يبني على أصل الحقيقة
أو الاشتراك مع أنه يعلم أن للفظ حقيقة معينة لا بد من الحمل عليه ولم يبق العمومات على سجيتها
الأصلية حتى يعرض عن حال المعارضات الخارجية رأسا بأصالة العدم وهيهنا قول خامس اختاره
صاحب المعالم رحمه الله وهو القول بالاشتراك المعنوي وحاصله أن الاستثناء موضوع لمطلق الاخراج
واستعماله في أي فرد من أفراد الاخراج حقيقة غاية الامر الاحتياج إلى القرينة في فهم المراد لكون أفراد
284

الكلي غير متناهية وظاهر هذا القول بل صريحه أنه لم يعتبر للهيئة التركيبية حقيقة جديدة وزعم أن
ذكر الاستثناء وإرادة الاخراج عن كل واحد حقيقة كما أن إرادة الاخراج عن الأخيرة فقط أيضا
حقيقة فلا يتفاوت الحال بتعقبه لعام واحد أو لعمومات متعددة وتعيين كل فرد من الافراد الاخراج
يحتاج إلى قرينة لكن لا من قبيل قرينة المشترك اللفظي فإنه للتعيين لا للتفهيم ثم انه رحمه الله مهد لتحقيق
ما اختاره مقدمة لا بأس بإيرادها مع توضيح مني وتحرير وإصلاح وهي أن الواضع لا بد له من تصور
المعنى في الوضع فإن تصور معنى جزئيا وعين بإزائه لفظا مخصوصا كزيد لولد عمرو أو ألفاظا مخصوصة
متصورة تفصيلا كزيد وضياء الدين وأب الفضل له أو إجمالا كوضع ما اشتق من الحمد له مثل محمد
وأحمد وحامد ومحمود فيكون الوضع خاصا لخصوص التصور المعتبر فيه أعني تصور المعنى والموضوع
له أيضا خاصا وهو ظاهر وإن تصور معنى عاما تحته جزئيات إضافية أو حقيقية فله أن يعين
لفظا معلوما أو ألفاظا معلومة بالتفصيل أو الاجمال بإزاء ذلك المعنى العام فيكون الوضع عاما
لعموم التصور المعتبر فيه والموضوع له أيضا عاما مثال الأول الحيوان ومثال الثاني الانسان و
البشر ومثال الثالث وضع المشتقات لمعانيها مثل فاعل لذات قام به الفعل والمراد بالوضع الاجمالي
هو الوضع النوعي وقد يحصل اجتماع الألفاظ الفصيلية في الأوضاع النوعية كوضع فعال وفعول
للمبالغة فيحصل الترادف في الوضع النوعي أيضا وله أن يعين لفظا معلوما أو ألفاظا معلومة
بالتفصيل أو الاجمال بإزاء خصوصيات الجزئيات المندرجة تحته لأنها معلومة إجمالا إذا توجه العقل
بذلك المفهوم العام نحوها والعلم الاجمالي كاف في الوضع فيكون الوضع عاما والموضوع له خاصا
مثال الأول الحروف قاطبة فإن من وإلى وعلى مثلا لوحظ في وضعها معنى عام نسبي هو الابتداء
والانتهاء والاستعلاء ووضع تلك الحروف لجزئيات تلك المعاني ومثل لفظ هذا وهو لكل فرد
مذكر ومثال الثاني ذي وتي وتهي لكل مفرد مؤنث ومثال الثالث الوضع الهيئي للأفعال
التامة فإنها باعتبار النسبة وضعها حرفي نوعي إجمالي وإن كان باعتبار المادة من القسم الأول
من هذين القسمين وضعها عام والموضوع له عام وربما قيل أن المشتقات من باب وضع الحروف
وأسماء الإشارة وهو غلط واضح ولا بأس بتفصيل الكلام فيه فنقول ان وضع المشتقات كاسم
الفاعل والمفعول يتصور على وجوه أحدها أن يقال ان وضع صيغة فاعل مثلا أي كل ما كان
على زنة فاعل من أي مادة بنيت إنما هو لكل من قام به تلك المادة للخصوصية وبعبارة أخرى
كل واحد من الصيغ المبنية على زنة فاعل موضوع لمن قام به مبدء ذلك الواحد يعنى ضارب
287

موضوع لمن قام به الضرب وقاتل لمن قام به القتل وعالم لمن قام به العلم وهكذا وعلى هذا فالوضع
عام والموضوع له عام لان الواضع تصور حين الوضع معنى عاما وهو كل واحد من الذوات
القائمة بها احداث ووضع بإزاء كل واحد منها ما بنيت من ذلك الحدث على هيئة فاعل وهذا
من باب الوضع النوعي فإنه قد لوحظ الألفاظ الموضوعة إجمالا في ضمن الهيئة الخاصة فقولنا
هيئة فاعل موضوع لمن قام به مبدء ما بنيت منه في قوة قولنا كلما كان على زنة فاعل إلخ فقد
تصور الواضع الألفاظ إجمالا عند وضع الهيئة والثاني أن يقال صيغة فاعل وضعت لمن قام به
المبدء يعني هذا الجنس من اللفظ هو ما بنيت على فاعل موضوع لهذا المفهوم الكلي وهذا أيضا
كسابقه لكن المراد بالعام في الأول هو العام الأصولي وفي الثاني العام المنطقي لا يقال إن هذا
يستلزم كون ضارب وقاتل وعالم مثلا موضوعا لهذا المفهوم الكلي والمفروض خلافه لان معنى
هذه المذكورات ليس هو نفس ذلك الكلي يعني من قام به المبدء بل معناها من قام به الضرب و
القتل والعلم لأنا نقول الذي يدل عليه الهيئة هو نفس الكلي وأما خصوصية قيام الضرب والقتل
ونحوهما فهو من مقتضيات المادة والكلام في وضع الهيئة أو اللفظ بواسطة الهيئة فالهيئة من
حيث هي لا تدل إلا على هذا المعنى الكلي والثاني مدلول المادة والثالث ان يقال لفظ ضارب
موضوع لمن قام به الضرب وعالم لمن قام به العلم وهكذا وهذا أيضا كسابقه في كون الوضع عاما
والموضوع له عاما لكن الوضع فيه شخصي من جهة ملاحظة الخصوصية في اللفظ بخلاف السابق
فإنه لم يعتبر فيه الخصوصية بل اعتبر فيه العموم فوضعه نوعي وحقيقة الوضع النوعي يرجع إلى بيان
القاعدة وجعل وضع المشتقات من قبيل الوضع الشخصي بعيد إذا عرفت هذا فاعلم أن جمعا من
الأصوليين قالوا ان وضع المشتقات مثل وضع الحروف والمبهمات من حيث أن الواضع للفظ
فيها تصور المعنى الكلي ووضع الألفاظ بإزاء خصوصيات الافراد إلا أن الموضوع له في الحروف
والمبهمات هو الجزئيات الحقيقية وفي المشتقات هو الجزئيات الإضافية وحاصله أن الواضع
حين الوضع تصور معنى كليا وهو من قام به مبدء ما ووضع بإزاء جزئياته الإضافية يعني من قام
به الضرب أو القتل مثلا ألفاظا متصورة بالاجمال وهو ضارب وقاتل ونحوهما وفيه ما لا يخفى إذ
الواضع إن كان غرضه تعلق بوضع الهيئة أي ما كان على زنة فاعل لمن قام به المبدء فحينئذ إنما وضع
لفظا كليا منطقيا لمعنى كلي منطقي وكما يتشخص كلي اللفظي في ضمن مثل ضارب فكذلك يتشخص
كلي المعنى في ضمن من قام به الضرب ولا يستلزم ذلك وضعا جزئيا لمعنى جزئي بل لفظة ضارب
288

من حيث أنه تحقق فيه المعنى الكلي أعني من قام به المبدء ولا يلزم من ذلك تجوز في لفظ ضارب
إذا أريد به من قام به الضرب كما أنه لا يلزم التجوز في إطلاق الكلي على الفرد مثل زيد إنسان وبالجملة
وضع اللفظ الكلي للمعنى الكلي مستلزم لوضع اللفظ الجزئي للمعنى الجزئي لا أن اللفظ الجزئي موضوع
للمعنى الجزئي بالاستقلال بملاحظة المعنى الكلي وإن كان غرضه تعلق بوضع كل واحد مما كان على
هذه الهيئة من الألفاظ فحينئذ إنما وضع كل واحد من أفراد اللفظ الكلي بعنوان العموم الأصولي لكل
واحد ممن قام به موزعا تلك الألفاظ على تلك المعاني فهيهنا أيضا قد وضع الألفاظ بعنوان
العموم الأصولي بإزاء المعاني بدون أن يلاحظ معنى كليا ثم يضع لجزئياته الإضافية وأيضا فلا
حاجة إلى ملاحظة المعنى الكلي في الوضع للجزئيات حينئذ وما ذكروه من ملاحظة المعني الكلي في وضع
الألفاظ المتعددة بإزاء الجزئيات إنما ينفع لو أريد بتصور الكلي جميع شتات الجزئيات ليمكن
أن يوضع لجميعها لفظ واحد كهذا أو ألفاظ متعددة مترادفة مثل ته وتي وتهي وذه وذهي
فيكون اللفظ والمعنى الكلي كلاهما جامعين لشتات الجزئيات وفيما نحن فيه ليس
كذلك لان لفظة ضارب يفيد معنى وقاتل تفيد معنى آخر وهكذا فلا فايدة في تصور المعنى
الكلي لذلك فالألفاظ هنا موزعة على الجزئيات الإضافية بخلاف أسماء الإشارة ثم انه رحمه الله بعد
تمهيد المقدمة المتقدمة بنى قوله على أن وضع أداة الاستثناء من قبيل وضع الحروف عام والموضوع
له هو خصوصيات الاخراجات والمفروض أن المستثنى أيضا صالح للعود إلى الأخيرة وإلى الجميع
وفرض الصلاحية بان يكون وضع المستثنى أيضا عاما سواء كان الموضوع له أيضا عاما كالمشتقات
والنكرات أو كان الموضوع له خاصا كما لو كان من قبيل المبهمات ولا بد أن يكون مراده مثل
الموصولات أو بأن يكون مشتركا بين معنيين يصلح من جهة أحدهما للرجوع إلى الجميع ومن جهة
الآخر للأخيرة فقط مثل أكرم بني تميم واخلع بني أسد إلا فارسا إذا فرض كون شخص من بني أسد
مسمى بفارس وفرض وجود الفارس بمعنى الراكب في جميعهم فلفظ فارس مشترك بينه وبين
الراكب وأنت خبير بأن وجه الصلاحية لا ينحصر فيما ذكره بل يختلف باختلاف الأوضاع والأحوال
فقد يجري الصلاحية للجميع في الاعلام المختصة أيضا وفي أسماء الإشارة أيضا إذا فرض اتحاد المستثنى
منه مع اختلاف الجمل كما تقول أضف بني تميم واخلعهم إلا زيدا والا هذا نعم لا يتم ذلك إذا اختلف
المستثنى منه وإن اتحد الحكم وأيضا فرض كون المستثنى مشتركا على النهج الذي ذكره يخرج الكلام
عن محل النزاع إذ محل النزاع ما لو كان المخصص صالحا لان يخصص به كل واحد من العمومات
289

السابقة ولا خلاف بين أرباب الأقوال في تخصيص الأخيرة بالنسبة إلى هذا المخصص الذي يصلح
للرجوع إلى الجميع ولا ريب أن في الصورة المفروضة لا يمكن الحكم بالصلاحية أولا لاحتمال إرادة
المعنى المختص بالأخيرة وهو المعنى العلمي وهو لا يصلح للرجوع إلى غيرها سيما إذا لم يكن هذا الشخص
راكبا وبعد تعيين إرادة الراكب بالقرينة والرجوع إلى البحث فيه فيغني عن اعتبار الاشتراك في
الصلاحية كما لا يخفى فإنما يدخل في المبحث بعد نفي احتمال إرادة المعنى العلمي إذ يصير حينئذ من باب
الموضوع له بالوضع العام وإن فرض المثال بمثل أكرم بني تميم وأضف بني خالد واخلع بني أسد إلا
الزيدين مع فرض وجود شخص مسمى بزيد واحد في كل واحد من القبائل ومسمى بزيدين في بني أسد
فهو وإن كان أقرب من المثال السابق لكنه أيضا خارج عن المبحث للزوم إرادة كل واحد
من العمومات على الاجتماع لا على البدل ولأن الظاهر أنهم أرادوا صلاحية المخصص بالفعل
لكل واحد لا صلاحية لفظه لإرادة معنيين يناسب أحدهما الأخير بحيث لا يجوز استعماله
للغير والاخر للجميع بحيث لا يجوز استعماله في الأخيرة فاللايق في المبحث أن يقال لفظ المخصص
صالح لان يراد منه ما يختص بالأخيرة ولا يمكن إرادته في غيرها وصالح لان يراد منه ما يختص
بالجميع ولا يمكن إرادة الأخيرة فقط منه لا ما هو المذكور في ألسنة القوم في تحرير محل النزاع من
صلاحية مفهوم المخصص لكل واحد من العمومات كما هو الظاهر من كلماتهم والعجب أنه رحمه الله
فرض حصول الاشتراك في هذه الصورة فقط وعرض على من قال بالاشتراك وقال وقد اتضح بهذا
بطلان القول بالاشتراك مطلقا فإنه لا تعدد في وضع المفردات غالبا كما عرفت ولا دليل على
كون الهيئة التركيبية موضوعة وضعا متعددا لكل من الامرين وفيه أن القائل بالاشتراك
يقول بأن الاستثناء المتعقب للجمل مشترك بين الامرين بمعنى أنه لا يعلم أنه أريد بذلك الاستثناء
الذي يصلح لكل من الامرين الاخراج عن الأخيرة أو الاخراج عن الكل لا بمعنى أنا لا نعلم أنه هل أريد
بالمستثنى ما يصلح أن يخرج من الكل أو ما لا يصلح إلا للأخيرة وبينهما بون بعيد وبالجملة هو رحمه الله وإن
أتعب باله في التعقيب والتدقيق وأسس أساس التحقيق لكنه قد اختلط عليه الشأن بعض الاختلاط
ولم ينته أمره إلى الاتقان في الارتباط أو المتهم هو فكري القاصر والله ولي السرائر والتحقيق عندي
أنه لا إشكال ولا خلاف في أنه لم يوضع أدوات الاستثناء لاخراج شئ خاص من متعدد خاص بل
الظاهر أنها وضعت بوضع عام لكل واحد من الافراد فوضع كلها حرفي وإن كان بعضها اسما
كغير وسوى وأما الافعال فوضعها أيضا حرفي لان الاخراج إنما هو باعتبار النسبة وهو معنى حرفي
290

والأسماء أيضا وإن كان لها وضع مستقل لكنه لا بد أن يراد منها في باب الاستثناء المعنى الحرفي و
المستعمل فيه ليس إلا خصوصيات الاخراج جزئيا حقيقيا لا ينافي كون المخرج أمرا كليا كما لا يخفى والحاصل
أن المعيار في الكلام هو عموم الوضع فلم يتصور الواضع حين وضع تلك الأدوات خصوصية إخراج
خاص بل تصور عموم معنى الاخراج ووضع تلك الألفاظ لكل واحد من جزئيات الاخراج ثم انه لم يثبت
طريان وضع جديد للهيئة التركيبية الحاصلة من اجتماع الجمل مع الاستثناء والأصل عدمه وعوده
إلى الأخيرة حقيقة لا بمعنى أنه حقيقة في الرجوع إلى الأخيرة فقط بل بمعنى أن رجوعه إلى الأخيرة معنى
حقيقي له ولم يثبت استعماله ولا جوازه معه في غيره وبيان ذلك يتوقف على أمور الأول إن
وضع الحقائق والمجازات وحداني كما حققناه وبيناه في مسألة استعمال اللفظ المشترك في
معنييه ومن التأمل فيه يظهر أن وضع الأدوات وكذلك وضع المستثنى لا بد أن يكون وحدانيا
فلا يجوز إرادة إخراجين من الأدوات ولا إرادة فردين من المستثنى والثاني أن محل النزاع
هو جواز كون كل من الجمل موردا للاخراج على البدل لا كون المجموع موردا له كما يفهم من تفسير
العضدي لقول الشافعي من إرادة كل واحد لإرادة الجميع ويؤيده المثال الذي ذكره السيد رحمه الله
بقوله اضرب غلماني والق أصدقائي إلا واحدا فإن إخراج الواحد من كليهما محال إذ لفظة
واحد موضوعة لمفرد ما وتخيير المخاطب في اختيار أي فرد يريد إذا قيل له جئني بواحد من الغلمان
لا يخرجه عن المفردية فلا يصح جريان الكلام والبحث في هذا المثال إلا بإرادة واحد من الأصدقاء
وواحد من الغلمان فيتبادل إرادة الاخراج بالنسبة إلى كل واحد منهما في الواحد فمن يقول أنه
يرجع إلى الجميع يقول إن المراد اضرب غلماني إلا واحدا منهم والق أصدقائي إلا واحدا منهم
وإن فسر الجميع بالمجموع لا كل واحد لكفى إخراج واحد من المجموع الثالث إن جعل قول القائل
لا أكلت ولا شربت لا نمت إلا بالليل بمعنى لم أفعل هذه الأفعال إلا بالليل مجاز وخروج عن
الأصل لا يصار إليه إلا بدليل وأيضا جعل قول القائل إلا العلماء بعد قوله إضرب بني تميم وأهن
بني أسد واشتم بني خالد راجعا إلى الجميع إنما هو لأجل أن الجمع الحلى باللام حقيقة في العموم وإرادة
علماء بني خالد منه فقط توجب التخصيص وهو خلاف الأصل ولكن يعارضه لزوم تخصيص بني تميم
وبني أسد أو إرادة هذه الجماعات من مجموع الجمل فالامر يدور فيه بين مجازات ثلاثة إذا تحقق هذا
فنقول كل استثناء يستدعي مستثنى منه واحدا فلا بد أن يكون كل من المستثنى منه والاستثناء
والمستثنى وحدانيا فكما لا يجوز استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى كما حققناه في محله إلا
291

اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي كما بينا فكذلك لا يمكن إرادة فردين من الماهية بالنكرة المفردة
ولو على سبيل البدل ولو فرض إرادة الارجاع إلى أكثر من جملة فلا بد من إرادة معنى مفرد منتزع
من الجمل السابقة مثل هذه الأفعال أو هذه الجماعات ونحو ذلك وهو مجاز لا يصار إليه إلا بدليل
ولما كان القرب مرجحا للأخيرة فنرجعه إليها من جهة أنه فرد من أفراد الاستثناء لا من حيث
أنه خصوصية الأخيرة ولا نحكم بالخروج في غيرها لكون خلاف الوضع وخلاف الأصل والحاصل
أنه إذا ثبت من الخارج كون المتعددة السابقة في حكم الواحد فلا إشكال في الرجوع إلى الجميع وإنها
حقيقة أيضا وإن حصل التجوز في بعض أجزاء الهيئة التركيبية كما أشرنا إليه في المباحث السابقة و
لكنه ليس من محل النزاع في شئ لان النزاع إنما هو في إرادة كل واحد منها على البدل إلا فلا وجه
لارجاعه إليها لا حقيقة ولا مجازا وحاصل الفرق بين ما اخترناه وما اختاره صاحب المعالم رحمه الله هو
أنه يقول أن الواضع تصور معنى الاخراج عن المتعدد بعنوان العموم ووضع أدوات الاستثناء
لكل واحد من خصوصيات افراده فيشمل المعنى العام المتصور ما صدق عليه الاخراج عن المتعدد
الواحد والاخراج عن المتعدد المتعدد على البدل وعن المتعدد المأول بالواحد وعن متعدد واحد
من المتعددات مثل الأخيرة فقط وكذلك الخصوصيات الموضوعة بإزائها تحتمل خصوصيات
جميع هذه المفاهيم فإذا استعمل الاستثناء في أي شئ من المذكورات كان حقيقة وإن احتاج
في التعيين إلى القرينة ونحن نقول ان الواضع تصور معنى الاخراج عن المتعدد ووضع اللفظ بإزاء
جزئياته وليس المعنى العام المتصور إلا مفهوم الاخراج عن متعدد واحد سواء كان واحدا بالنوع
أو متعددات تأولت بالواحد مجازا كهذه الافعال وهذه الجماعات وكذلك الخصوصيات
الموضوعة بإزائها هو خصوصيات هذا الكلي ويدل على ما اخترناه تبادر الوحدة وعدم تبادر الاخراجات
المتبادلة فيكون في المتبادلة مجازا إن صح وكما أنه لا يتبادر من قولنا جاء رجل إلا رجل
واحد وإن كان قابلا للاستعمال في كل واحد من أفراد الرجال ولا يجوز إرادة آحاد كثيرة على التبادل
من لفظ رجل لكون وضعه وحدانيا على ما حققناه فكذلك لا يتبادر من قولنا إضرب غلماني و
الق أصدقائي إلا واحدا إلا إخراج واحد إما من الغلمان أو من الأصدقاء وإنما خصصنا الأخيرة
واخترناه من جهة خارجية مثل القرب أو الاجماع وإلا لكان رجوعه إلى الأول فقط أيضا جايزا
بعنوان الحقيقة لأنه أيضا فرد من أفراد الاخراج وأما ما اختاره في المعالم فلا يدل عليه دليل المنع
كون العموم المتصور حين الوضع شاملا للصور المذكورة المتقدمة ودعوى تحقق الوضع لافراد
292

ذلك العموم المقصود الكذائي أول الكلام لا يقال أن الوضع إما هو لافراد الاخراج على المتعدد وهو
مطلق ولا تقييد فيه وما ذكرته من اعتبار الوحدة خلاف الأصل ولا دليل عليه والوضع للماهية
يستلزم جواز استعماله في كل الافراد حقيقة لأنا نقول إنا لا نقول بان الواضع اعتبر الوحدة حتى
يقال أنه خلاف الأصل ولا دليل عليه بل نقول أنه لم يثبت من الواضع إلا الوضع في حال الوحدة
لا بشرط الوحدة نظير ما ذكرنا في مبحث المشترك فالاطلاق أيضا قيد يحتاج إلى الدليل فما
ذكرناه معنى دقيق لا مطلق ولا مقيد بشرط الوحدة ولا بشرط عدمها (فالشكلان)؟ على التوظيف
والتوقيف مع أنا ندعي التبادر أيضا وهو دليل الحقيقة فيما ذكرنا وقد ظهر بما ذكرنا بطلان ما
ذكره صاحب المعالم رحمه الله وأما بطلان سائر الأقوال فمع ما ظهر مما ذكرنا يظهر مما سيأتي في
نقل أدلتهم احتج السيد رحمه الله بوجوه ضعيفة أقواها وجهان الأول حسن الاستفهام بأن المتكلم
هل أراد تخصيص الأخيرة أو الجميع وهو مدفوع بأنه يحسن على القول بالوقف وعلى القول
بالاشتراك المعنوي أيضا فإنه إذا قيل لك جاء رجل بالأمس عندي فيحسن أن تقول من الرجل
وثانيهما أن الأصل في الاستعمال الحقيقة ولا ريب في استعمال الصورة المفروضة في الاخراج
عن الكل مرة كما في قوله تعالى أولئك جزائهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا والاخراج عن الأخيرة أخرى
كما في قوله تعالى إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف
غرفة بيده فشربوا منه من غير قرينة على التجوز وفيه أن الاستعمال لا يدل على الحقيقة كما مر في
محله واحتج الشافعية بوجوه ضعيفة أقواها وجوه ثلاثة الوجه الأول ان حرف العطف يصير
الجمل المتعددة في حكم الفرد وقرروه على وجهين الأول أن الجمل في قولنا زيد أكرم أباه وضرب
أخاه وقتل عبده في قوة قولنا زيد فعل هذه الأفعال فكما أن ما يلي الجملة الواحدة من المخصصات
يرجع إليها فكذا ما في حكمها وفيه منع واضح لان العطف لا يقتضي إلا مناسبة ما ومغايرة ما ووجوب
إعطاء كل ما هو في قوة شئ حكم ذلك الشئ ممنوع والقياس باطل سيما في اللغة والثاني أن حكم الجمل
المتعاطفة حكم الألفاظ المفردة فإن قولنا اضرب الذين قتلوا وسرقوا وزنوا إلا من تاب في
قوة قولنا اضرب اللذين هم قتلة وسراق وزناة وفيه مع ما تقدم من المنع أن ذلك مبني على
كون ذلك متفقا عليه في المفردات والنزاع موجودة فيه أيضا الثاني إن الاستثناء بمشية
الله إذا تعقب جملا يعود إلى الجميع بلا خلاف فكذا الاستثناء بجامع كون كل منهما استثناء
293

وغير مستقل وفيه ان كونه استثناء ممنوع ولو سلم فالاجماع فارق وقد يجاب بان ذلك من باب
الشرط لا الاستثناء وذلك يجوز في الشرط وشرطيته والجواز في الشرط كلاهما ممنوعان وبيانه كونه
ليس بشرط ان الظاهر من الشرط هو التعليق كما مر ولا ريب ان هذا الكلام لا يراد به تعليق الفعل
على المشية بلا ريب وكثيرا ما يذكر في المنجزات المقطوع بفعلها وانما يذكر ذلك من باب التسليم و
التوكل وبيان الاعتقاد بأنه لا مناص عن مشية الله وارادته وقدرته أو من جهة امتثال الامر
لئلا يفوت المقصود وبالجملة المراد منه غالبا ايقاف الكلام عن النفوذ والمضي فإذا قال افعل
كذا غدا فهو جازم في نفسه بأنه يفعله لكن يظهر من نفسه ان صدور الفعل عنه لا يكون الا
بمشية الله تعالى فهو جازم في الايقاع شاك في الموضوع لعدم الاعتماد على نفسه ويؤيد ذلك أنه
يستعمل في الماضي أيضا مثل قولك حججت وزرت انشاء الله مع أن كلمة ان تصير الماضي
مضارعا ومراد القائل الحج والزيارة في المضي ولا يذهب عليك ان المراد ليس انهما مقبولتان
انشاء الله تعالى إذ هو خارج عن فرض المثال بل المراد نفس الحج والزيارة ومراده من التعليق بالمشية
ان حصولهما انما كان بمشية الله وتوفيقه واما بيان كونه ليس باستثناء فهو عدم اشتماله على
شئ من أدواته ولو تكلف بتأويل الشرط بالاستثناء بان يقال معناه الا ان لم يشاء الله ففيه
الكلام السابق في الشرط من أن المراد انما هو الايقاف عن النفوذ والمضي لا التعليق نعم قد يستعمل
هذه الكلمة في الشرط الحقيقي لو أريد به التعليق كما في صورة الشك وعدم حصول الأسباب الظاهرة
الغالبة اللزوم لحصول المسببات مثل ان يسئل عم جامع امرأته مرة هل انعقد ولد منك في
الرحم فيقول انشاء الله انعقد وان لم يشاء لم ينعقد وهذا ليس من باب المتداول في استعمال
تلك الكلمة كما لا يخفى ثم انه لا محصل للاجماع المدعي في عود هذه الكلمة إلى الجميع إذ ذلك مسألة
لغوية وانعقاد الاجماع على أن مراد كل من تكلم بهذه الكلمة في الصورة المفروضة هو الرجوع
إلى الجميع شطط من الكلام الا ان يقال المراد الاجماع في كل ما ورد في كلام الشارع أو يقال ان المراد
لزوم حمل كلام المسلم على ذلك لأنه من توابع الايمان والتوكل والاذعان بهذا الامر الوجه الثالث
ان الاستثناء صالح للرجوع إلى الجميع والحكم بأولوية البعض تحكم فيحب عوده إلى الجميع كما أن
ألفاظ العموم لما لم يكن تناولها لبعض أولى من الاخر تناولت الجميع وفيه ان الصلاحية للجميع لا
يوجب ظهوره فيه بل انما يوجب التجويز والشك والتعيين موقوف على الدليل واخراج كلام
الحكيم عن اللغوية عن الاجمال يحصل بتخصيص الأخيرة وان لم يكن من باب التعيين فلاوجه
294

لاخراج الباقي عن العموم الذي هو مقتضي الصيغة سيما إذا كان موافقا للأصل أيضا والقياس بألفاظ
العموم في غاية الغرابة فان دلالتها انما هي بالوضع لا لرفع التحكم نعم يتم هذا القياس في مثل النكرة
المثبتة والجمع المنكر ونحوهما مما يرجع إلى العموم في بعض المقامات كما بيناه في محله صونا لكلام الحكيم
عن اللغوية مع أنه أيضا تابع لحصول الفائدة فإذا حصل الفائدة بالافراد الشايعة أو أقل مراتب
الجمع فلا ضرورة إلى الحمل على الجميع وقد يتوهم على القول بالاشتراك ان الطاهر هو العود إلى الجميع
فلا يتوقف على القرينة نظرا إلى غلبة الوقوع وهو مع ما فيه من منع الغلبة غير واضح المأخذ وقد
أشرنا في تحقيق معنى التبادر ان الظهور الحاصل من الغلبة لا يكفي في الترجيح في أمثال ذلك نعم ربما
حصل التوقف في ترجيح المجاز الراجح المشهور على الحقيقة النادرة ولكن أغلبية استعمال بعض
معاني المشترك لا يوجب ترجيح ارادته وان بادر الذهن إلى انفهامه عند الاطلاق ولم نقف
على قائل به والسر في ملاحظة الغلبة في جانب المجاز وترجيحه على الحقيقة أو التوقف في ترجيحه هو
احتمال حصول النقل وهجر الحقيقة هو منتف فيما نحن إذ كثرة استعمال لفظ العين مثلا في
النابعة والباصرة لا يوجب ضعفا في دلالتها على الذهب وكونه من معانيها الحقيقية والاستعمال
في المعنيين الأولين لم يحصل من جهة مناسبة في المعنى الثالث لهما وعلاقة كما كان ذلك في المجاز
المشهور فافهم ذلك احتج الحنفية بوجوه منها ان الاستثناء خلاف الأصل لاشتماله على مخالفة
الحكم الأول فالدليل يقتضي عدمه تركنا العمل به في الجملة الواحدة لدفع محذور الهذرية فيبقى الدليل
في باقي الجمل سالما عن المعارض وانما خصصنا الأخيرة لكونها أقرب ولأنه لا قائل بالعود إلى غير
الأخيرة خاصة واعترض عليه بأنه ان كان المراد بمخالفة الاستثناء للأصل انه موجب للتجوز في
لفظ العام فهو مسلم سيما على مذهب الجمهور ولكن تعليله بمخالفة الحكم الأول فاسد إذ لا مخالفة
فيه للحكم الأول على قول من الأقوال في وجوه تقرير الجملة الاستثنائية كما مر سابقا وأيضا تعليل ترك
العمل في الجملة الواحدة بدفع محذور الهذرية غلط لدلالة نص الواضع ورخصته النوعية على جواز
الخروج عن أصالة الحقيقة إلى المجاز عند قيام القرينة مع أن تخصيص الجملة الأخيرة مقطوع به
ولا حاجة فيه إلى التمسك برفع الهذرية لأنه لو صلح بمجرده سببا للخروج عن الأصل لجاز في
المنفصل في النطق عرفا أيضا وان كان المراد ان ظاهر المتكلم بالعام إرادة العموم وإرادة العموم
اقرار والاستثناء مستلزم لانكار بعضه ولا يسمع الانكار بعد الاقرار فالاستثناء مخالف للأصل
يعني هذه القاعدة أو ان إرادة العموم بعد ما بينا من الظهور مستصحبة والاستثناء مزيل له
295

فهو مخالف للاستصحاب ففيه أن للمتكلم ما دام متشاغلا بالكلام أن يلحق به ما شاء من اللواحق
فلا يجوز للسامع أن يحكم بإرادة العموم حتى يتم الكلام ولو كان مجرد صدور اللفظ مقتضيا للحمل
على الحقيقة لكان التصريح بخلافه قبل فوات وقته منافيا له ووجب رده ولا يتمشى ذلك إلى الأخيرة
ولا ينفع في ذلك دفع محذور الهذرية لما مر فما لم يقع الفراغ لم يتجه للسامع الحكم بإرادة الحقيقة
لبقاء مجال الاحتمال لكن لما كان تعلقه بالأخيرة متحققا للزومه على كلا التقديرين (فيخزم)؟ به ونتمسك
في انتفاء التعلق بالباقي بالأصل فليس هذا من القول بالاختصاص بالأخيرة في شئ أقول ويمكن تصحيح
الاستبدال على كلا التقريرين في الجملة اما الأول فنقول في تقريره أن المراد أن الجملة الاستثنائية
لما كان ظاهرها التناقض فأوجب إخراج الكلام عن ظاهره بأحد التقريرات المتقدمة في محله
فالغرض من التعليل إن الداعي على التجوز هو مخالفة الاستثناء للحكم الأول ظاهرا كما صرحوا به في محله
لا المخالفة النفس الامرية فمنع المخالفة النفس الامرية بعد القول بالتجوز الناشئ عن توهم المخالفة و
حصول المخالفة الظاهرية غريب وإبطال العلة بمثل هذا الاعتراض عجيب فعلى هذا فيمكن تعميم
العنوان أيضا بأن يقال أن الاستثناء خلاف الأصل يعني موجب لخلاف الظاهر لأنه بظاهره مخالف
للحكم الأول فيلزم فيه ارتكاب خلاف ظاهر سواء كان ذلك هو التجوز في لفظ العام أو أحد الامرين
الأخيرين ولا ريب أن كلها خلاف الظاهر ثم إن المستدل لا ينكر ثبوت الرخصة من الواضع بأن
الاستثناء وضع للاخراج عن المتعدد وأنه يصير قرينة للمجاز لكن القدر المسلم الثابت هو ما تعلق
بمتعدد خاص وأما لو ورد استثناء محتمل للمتعددات ولم يعلم متعلقه فلم يظهر من الواضع الرخصة
في تعليقه بأيها لكن وقوعه في كلام الحكيم لا بد أن لا يكون لغوا فيصير من باب المجمل والعقل الحاكم
بنفي اللغو عن كلام الحكيم يحكم برجوعه إلى واحد من المتعددات لا أزيد منها لان مقتضى الأصل عدم
التعلق بالكل ودفع الهذرية يحصل بالارجاع إلى الواحد ثم تعيين ذلك البعض أيضا يحتاج إلى
دليل فيتمسك فيه بالأقربية وبالقطعية بالاجماع ونحو ذلك فالتمسك برفع الهذرية (ليس لأجل تصحيح أصل التعليق
في الاستثناء فإنه لا ريب أنه من جهة الواضع وكذلك تخصيص الأخيرة أيضا ليس من جهة رفع الهذرية) لرفعه
بغيره أيضا بل إنما هو من جهة الأقربية ونحوها فهيهنا مقامات ثلاثة اعتبرها المستدل وغفل
عنها المعترض وأما العلاوة التي ذكرها المعترض أخيرا ففيه أن عدم سماع الاستثناء المنفصل
عن النطق إنما هو لعدم ثبوت الرخصة من الواضع في أصل تعليق الاستثناء في مثله فأصل ترتيب
الكلام فيه غلط مخالف لضوابط الوضع بخلاف ما نحن فيه فإن استعماله بعد العمومات المتعددة
صحيح وارد في كلام الفصحاء لكنه لحقه الاجمال فصار مثل المجملات فلا بد حينئذ لرفع القبح عن كلام الحكيم
296

ودفع لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة من الارجاع إلى أحد العمومات والتمسك في نفيه عن
أكثر منه بالأصل والاكتفاء بالأخيرة إعمالا للدليلين وأما التقرير الثاني فمقتضاه أن توهم التناقض
وظهور المخالفة للحكم الأول في الاستثناء صار سببا للعدول عن القاعدة وهي أن لا يسمع الانكار
بعد الاقرار فلما كان ظاهر الجملة الاستثنائية سماع الانكار بعد الاقرار مثلا فصار مخالفا للأصل
فعدلنا عنه في جملة واحدة لدفع الهذرية إلى آخر ما ذكرنا في التقرير الأول وتحريره والفرق بين
التقريرين مع أن مقتضاهما واحد لان فهم العموم أيضا من أجل كون اللفظ حقيقة فيه أن هذه
القاعدة غير مختصة بالحقيقة وإن اتفق هنا اتحاد موردهما فقد يحصل الاقرار والاعتراف
بلفظ مجازي فمخالفة الاعتراف ومناقضة مخالفة للقاعدة سواء دل على الاعتراف بأصالة
الحقيقة أو غيره كما أن المخالفة بحسب الحقيقة والمجاز أيضا قد تكون بالتخصيص وقد يكون بغيره
فاختلف التقريران مفهوما وإن اتحد مصداقهما فيما نحن فيه في العام الذي له لفظ حقيقي وأما
بيانه في مخالفته للاستصحاب فهو غلط فاحش ولا يمكن تطبيقه إلا على الاستثناء البدائي و
هو خارج عن المتنازع كما لا يخفى ولا معنى لاستصحاب ظهور الإرادة (أيضا كما لا يخفى وأما
ما ذكره المعترض في دفع هذا التقرير فما له منع ظهور الإرادة) وأنت خبير بما فيه إذ احتمال
ذكر المنافي لا يخرج الحقيقة عن الظهور وفي معناها الحقيقي ينادي بذلك أصلهم المشهور في
الاستثناء وعلاج ظهور التناقض فيه ولا ريب أن انتفاء احتمال التجوز لا يحصل بعد انتهاء الكلام
أيضا لاحتمال المخصص المنفصل فوجود الاحتمال ما دام الكلام لم ينته غير مضر بظهور الدلالة
على الحقيقة مع أنه لا يجتمع إنكار ظهور الإرادة في هذا التقرير مع قبول أن التجوز خلاف أصل
الحقيقة في التقرير الأول لان معنى قولهم الأصل في اللفظ الحقيقة أن اللفظ الذي له موضوع له
معين واستعمل في شئ لم يظهر للسامع لا بد أن يحمل على معناه الحقيقي ما لم يجئ قرينة على خلافه
ومقتضى ما ذكرنا في مقدمات المباحث السابقة من أن المقصود في الوضع هو غرض التركيب
لا ينافي ما نقول هنا لان التركيب يتم بقول القائل أكرم العلماء ولا ينتظر في فهم معناه التركيبي
لمجئ جمل متعددة بعده ومجئ استثناء عقيب الكل فقد تم الكلام النحوي وإن لم يتم الكلام الاصطلاحي
بعد والمعيار في صحة الفهم هو الأول وإن كان للمتكلم رخصة في جعل اللواحق مربوطة
بالسوابق وذلك لا يوجب عدم ظهور الحقيقة في معناها ولا نقول أن مجرد صدور اللفظ يوجب
الجزم بإرادة الحقيقة حتى ينافيه التصريح بخلافه بل نقول أن ظاهره إرادة الحقيقة ونحكم به حكما
ظنيا لا قطعيا وإذا جاء المنافي في تتمة الكلام فيكشف عن بطلان الظن ويتجدد للنفس تصديق
297

جديد بإرادة المعنى المجازي ولا غائلة فيه أصلا وأما قوله فما لم يقع الفراغ لم يتجه إلخ ففيه تناقض
وهو مناف لما تقدم من المعترض فإنه قال سابقا أيضا أنه لا يحكم بالحقيقة حتى يتحقق الفراغ وينتفي
احتمال غيره ولا ريب أنه بعد الفراغ عن ذكر الجمل والشروع في ذكر الاستثناء لا ينتفي احتمال التخصيص
كما هو المفروض فما معنى إبقاء غير الأخيرة على عمومه تمسكا بالأصل وما معنى الأصل هنا فقد عرفت
بطلان إرادة الاستصحاب منه وكذلك القاعدة على مذاق المعترض فلم يبق إلا الظاهر أعني
أصل الحقيقة إذ ليس كل عموم موافقا لأصل البراءة حتى يقال أنه هو المراد والتحقيق في الجواب أن
هذا الدليل لا يدل على مدعاهم بل هو موافق لما اخترناه من الاشتراك المعنوي وإن ما ذكره
المستدل قرائن لتعيين أحد أفراده وأين هذا من إثبات كونه حقيقة مخصوصة في الاخراج عن الأخيرة
فهذا دليل على ما اخترناه في المسألة بلا قصور ولا غائلة ومنها أنه لو رجع إلى الجميع لرجع في قوله تعالى
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم
شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا مع أنه لا يسقط الجلد بالتوبة اتفاقا وخلاف
الشعبي لا يعبأ به وفيه أن مطلق الاستعمال لا يدل على الحقيقة فلا ينافي ذلك كونه حقيقة في الرجوع
إلى الجميع والخروج عن مقتضاه في الجلد بالدليل الخارجي وهو الاجماع وأنه حق الناس فلا يسقط
بالتوبة مع أنه لا يدل على الاختصاص بالأخيرة لقبول الشهادة بعد التوبة إلا أن يمنعها المستدل
ومنها أن الجملة الثانية بمنزلة السكوت فكما لا يرجع المخصص بعد السكوت والانفصال عن
النطق إلى ما تقدمه فكذلك ما في حكمه وجوابه بالمنع ودعوى أنه لم ينتقل من الجملة الأولى إلا بعد
استيفاء الغرض منها أول الكلام ومنها أنه لو رجع إلى الجميع فإن أضمر مع كل منها استثناء لزم
خلاف الأصل وإلا فيكون العامل في المستثنى أكثر من واحد ولا يجوز تعدد العامل على معمول
واحد في اعراب واحد لنص سيبويه على ولئلا يجتمع المؤثران المستقلان على أثر واحد وأجيب باختيار
الشق الثاني ومنع كون العامل في المستثنى هو العامل في المستثنى منه بل هو أداة الاستثناء
كما هو مذهب جماعة من النحاة لقيام معنى الاستثناء بها والعامل هو ما يتقوم
به المعنى المقتضى للأعراب ولكونها نائبة عن استثنى كحرف النداء عن أدعو سلمنا لكن نمنع
امتناع اجتماع العاملين على معمول واحد ولا حجة في نص سيبويه لاحتمال أن يكون ذلك من
اجتهاده لا من نقله كما أن رواية الثقة حجة على غيره لاجتهاده ورأيه مع أنه معارض بما نقل
عنه من تجويزه نحو قام زيد وذهب عمرو الظريفان مع أنه قائل بأن العامل في الصفة هو العامل
298

في الموصوف وبنص الكسائي على الجواز وكذلك بتجويز الفراء بتشريك العاملين في العمل إذا كان
مقتضاهما واحدا وربما يؤيد الجواز بمثل هذا حلو حامض لعدم جواز إخلائهما عن الضمير ولا
يختص أحدهما به فتعين أن يكون فيهما ضميرا واحد وفيه إشكال لاحتمال أن يقال هما كالكلمة
الواحدة وهو مز مع احتمال أن يكون حامض صفة لحلو لا خبرا بعد خبر
وأما حكاية عدم اجتماع المؤثرين المستقلين ففيه ما لا يخفى إذ العلل الاعرابية كالعلل الشرعية
معرفات وعلامات لا علل حقيقية ولا ريب في جواز اجتماع المعرفات أقول ويرد عليه أيضا
مضافا إلى ما ذكر النقض بصورة التجوز فلو استعمل الهيئة المذكورة في الاخراج عن الجميع فيكون
مجازا على رأي المستدل ولم ينقل عنه القول ببطلان الاستعمال فيعود المحذور عليهم ولا يمكنهم
دفع ذلك بالتزام الاضمار مع كل منهما من جهة انه نفس التجوز الذي ذهبوا إليه فإن المراد
بالتجوز المبحوث عنه هو استعمال لفظ وضع لاخراج شئ عن عام واحد في الاخراج عن عمومات
متعددة على التبادل وهو لا يستلزم الاضمار مع كل واحد فالاضمار خلاف أصل آخر يجب التحرز
عنه على القول بالمجازية أيضا ثم أن تصحيح التجوز وبيان العلاقة في هذا المجاز دونه خرط القتاد
ولا يصح جعله من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل إذ الاخراج عن الأخيرة ليس جزء
للاخراج عن كل واحد كما لا يخفى وأما التجوز بإرادة الجميع من حيث المجموع فهو خارج عن
المتنازع مع أن لهذه العلاقة شرطا وهو مفقود ولا العكس بتقريب أن يقال أنه موضوع
للاخراج المخصوص وهو الاخراج عن الأخيرة فاستعمل في الاخراج المطلق الشامل للاخراج عن
الأخيرة والاخراج عن غيرها فإن جزء الموضوع له هو مطلق الاخراج اي الماهية الجنسية
ولا ريب أنه لم يستعمل فيه حينئذ بل استعمل في فرد خاص آخر منه وهو الاخراج عن كل واحد وهذا
ليس من باب إطلاق المشفر على شفة الانسان إذ الشفة ماهية مشتركة بينهما وبين غيرهما أيضا
من شفاه الحيوانات ومع ملاحظة هذا النوع من العلاقة يصح استعماله في كل شفة بخلاف
ما نحن فيه لعدم جواز استعماله في كل إخراج نعم لو فرض الكلي الذي هو جزء الاخراج عن الأخيرة
هو القدر المشترك بينه وبين الاخراج عن الجميع لتم ما ذكر وليس فليس وما ذكرنا أيضا مما
يوهن هذا القول ويضعفه هذا كله مع أنه لو تم هذا الاستدلال لا يضر ما اخترناه في المسألة
أصلا فإنا لا نقول بجواز رجوعه إلى كل واحد لا حقيقة ولا مجازا ومنها أن الاستثناء من الاستثناء
يرجع إلى ما يليه دون ما تقدمه اتفاقا فإذا قال القائل ضربت غلماني إلا ثلاثة إلا واحدا كان
299

الواحد المستثنى راجعا إلى الجملة التي تليه دون ما تقدمها فكذا في غيره دفعا للاشتراك وفيه
أولا أن الكلام في الجمل المتعاطفة لا غير سلمنا لكن الاتفاق فارق سلمنا لكن المانع في المقيس
عليه موجود من جهة لزوم اللغوية لو عاد إلى غير الأخيرة أيضا لأنه لو رجع مع الرجوع إلى الاستثناء
الأول إلى المستثنى منه أيضا لزم أن يخرج من المستثنى منه مثل ما ادخل فيه فيبقى الاستثناء
الأخير لغوا كما لو قيل له علي عشرة إلا ثلاثة إلا واحدا فالكلام بعد استثناء الثلاثة اعتراف بالسبعة
وإذا أخرج من الثلاثة واحدا بالاستثناء الثاني يرجع الاعتراف إلى الثمانية ثم إذا رجعناه إلى
العشرة ثانيا فيخرج من العشرة أيضا واحدا ويصير اعترافا بالسبعة وهو المستفاد من الاستثناء
الأول فيبقى الاستثناء الثاني لغوا وحجة القول بالتوقف هو تصادم الأدلة وعدم ظهور شئ
مرجح لاحد الأقوال عنده ثم إنك إذا أحطت خبرا بما ذكرنا تقدر على استخراج الأدلة على
حكم سائر المخصصات وإن الكلام واحد فلا حاجة إلى الإعادة قانون إذا تعقب العام
ضمير يرجع إلى بعض ما يتناوله فقيل أنه يخصص وقيل لا وقيل بالتوقف وذلك مثل قوله تعالى
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلى أن قال تعالى وبعولتهن أحق بردهن فإن الضمير
في قوله تعالى بردهن بل في وبعولتهن للرجعيات فعلى الأول يختص التربص بهن وعلى الثاني
يعم الباينات وعلى الثالث يتوقف احتج المثبتون بأن تخصيص الضمير مع بقاء عموم ما هو له
يقتضي مخالفة الضمير للمرجوع إليه فلا بد من تخصيص العام لئلا يلزم الاستخدام فإنه وإن كان
واقعا في الكلام لكنه مجاز واحتج النافون بأن اللفظ عام فيجب إجرائه على عمومه ما لم يدل دليل
على تخصيصه ومجرد اختصاص الضمير العائد في الظاهر إليه لا يصلح لذلك لان كلا منهما لفظ مستقل
فلا يلزم من خروج أحدهما عن ظاهره خروج الاخر واحتج المتوقفون بتعارض المجازين وتساقطهما
وعدم المرجح وقد يقال في ترجيح الأول بان عدم التخصيص مستلزم للاضمار لان المراد من قوله تعالى
وبعولتهن بعولة بعضهن والتخصيص أولى من الاضمار وقد يجاب عنه بأن الضمير كناية عن البعض
فلا إضمار فالامر مردد بين التخصيص والمجاز لا التخصيص والاضمار ولا ترجيح للتخصيص على المجاز
وقد يقال ان ذلك تردد بين التخصيصين ولا وجه لترجيح أحدهما على الاخر وفيه ما فيه إذ المراد
التجوز الحاصل من صرف الضمير عن ظاهر وضعه وهو المطابقة للمرجع وهو لا يستلزم كونه من
باب التخصيص وإن اتفق تحققه في ضمنه في بعض الأحيان مع أن العموم غير مسلم في الضمير فإن
وضعه للجميع لا غير فالأولى التمسك بترجيح التخصيص على مطلق المجاز وقد يرجح الثاني بأنه
300

يستلزم مجازا واحدا في الضمير بخلاف الأول فإن مجازية العام يستلزم مجازية الضمير أيضا
فيتعدد المجاز وقد يجاب عن ذلك بأنه مبني على كون وضع الضمير لما كان المرجع ظاهرا فيه حقيقة
له لكن الحق أن حقيقة فيما هو مراد من المرجع ولو كان معنى مجازيا وفيه أن الضمير وإن كان حقيقة
في المراد لكن ظاهر اللفظ كاشف عن المراد فهو المعيار فالمعتبر فيه هو ظاهر اللفظ إذا عرفت
هذا فالأظهر عندي هو القول الأوسط وبيانه يتوقف على ذكر فائدتين الأولى أن في معنى
كون الأصل في الضمير المطابقة للمرجع وكون وضع الضمير في الأصل لما هو ظاهر فيه حقيقة له
أو المراد منه غموضا وذلك لان وضع الضمائر قد عرفت أنه من قبيل الوضع العام وإن الموضوع
له فيها كل واحد من خصوصيات الافراد لكن بوضع واحد إجمالي وبذلك يمتاز عن المشترك كما
أشرنا إليه في أول الكتاب وعلى هذا فضمير المفرد المذكر الغائب مثلا إذا استعمل في كل واحد من
أفراد المفرد المذكر الغائب يكون حقيقة وكذلك اسم الإشارة مثل هذا لكنها تحتاج في إفادة
المعاني إلى القرينة نظير استعمال النكرة في الفرد المعين عند المتكلم الغير المعين عند المخاطب
فلا دخل لحقيقة المرجع ومجازه في وضع الضمير بهذا المعنى نعم لما كان المعتبر في وضع ضمير الغائب
مثلا معهودية المرجع بين المتكلم والمخاطب ولو بمقتضى الحال والمقام فلا بد أن يستعمل ضمير
الغائب في المفرد المذكر الغائب المعهود والعهد إن كان باللفظ الذي أريد به المعنى الحقيقي
أو كان بغير اللفظ كمقتضى المقام أو بلفظ مجازي مقرون بالقرينة فلا إشكال في تحقق الوضع
الأصلي ووروده على مقتضاه حينئذ وأما إذا كان المرجع لفظا له حقيقة وأريد به المعنى المجازي فلما
كان مقتضى أصل الحقيقة حمل اللفظ إلى معناه الحقيقي فيقتضي ذلك الأصل أن المراد من ذلك
اللفظ هو ما كان ظاهرا فيه ويحصل العهد بينهما بدلالة الظاهر فإذا دلت القرينة على إرادة خلاف
الظاهر منه بعد ذكر الضمير فيكشف عن عدم معهودية المرجع وذلك يستلزم استعمال الضمير في غير
ما وضع له وهذا هو معنى مجازية الضمير اللازمة على تقدير تخصيص العام وبما ذكرنا تقدر على
فهم المجازية في سائر أنواع الاستخدام الذي يحصل بغير إرادة بعض أفراد الموضوع له من سائر
العلائق والحاصل أن مقتضى وضع الضمير الغائب رجوعه إلى متقدم معهود مفهوم بينهما بالدلالة
الحقيقية أو الحاصلة بالقرينة وإذا ظهر بعد ذكر الضمير خلاف مقتضى العهد والدلالة
ظهر كونه مجازا الثانية إنك قد عرفت سابقا أن التشاغل بالكلام مع احتمال عروض
ما يخرجه عن الظاهر من اللواحق وبقاء مجال إلحاق اللواحق لا يخرج اللفظ الظاهر في معنى مثل
301

العموم عن الظاهر حتى يثبت تعلق اللواحق به وإخراجه عن الظاهر فالعام المذكور أولا ظاهر في
معناه الحقيقي حتى يأتي ما تحقق كونه مخصصا له وما يتوهم أن ذلك ينافي عدم جواز العمل بالعام
قبل الفحص عن المخصص ومقتضى ذلك التوقف عن الحكم بإرادة الحقيقة من العام حتى يتم الكلام
فلا يحكم بالظهور في معناه الحقيقي إلا مع انتفاء احتمال إرادة المجاز ففيه أن البحث عن وجود المخصص
وعدمه غير البحث عن كون ذلك الشئ مخصصا أم لا والذي يقتضيه تلك القاعدة هو الأول لا
الثاني وأيضا فأصالة الحقيقة تقتضي الحكم بظهورها في المعنى الحقيقي وغلبة التخصيص تقتضي الحكم
بعدمه فهو مراعى حتى يتفحص وبعد التفحص والتأمل
في أن ذلك الذي وقع في الكلام من اللواحق هل يقتضي التخصيص أم لا فإذا لم يحصل الظن بالتخصيص
فيحكم بأصل الحقيقة وبالجملة الذي يضر بأصل الحقيقة هو ظن التخصيص ولا يجب في إعمال أصل
الحقيقة الظن بعدم المخصص بل عدم الظن به كاف هذا مع أنا لو فرضنا التفحص من الخارج وثبت
تخصيص ما له من وجه آخر فلا وجه للتوقف بعد ذلك كما أشرنا في القانون السابق وكذلك لو
حصل الظن بالعدم من الخارج وبقي الاشكال في كون اللاحق في الكلام مخصصا وبالجملة فرق بين
توقيف العام عن العمل حتى يحصل الظن بعدم المخصص الواقعي وبين توقيفه عن العمل حتى
يحصل الظن بعدم كون ما يحتمل كونه مخصصا من اللواحق في الكلام أو غيرها مخصصا له والكلام
إنما هو في الثاني إذا تمهد هذا فنقول في توضيح جميع المقامات المذكورة فيما نحن فيه أنه إذا ابتدء
في الكلام بذكر العام مثل لفظ المطلقات فنقول ان ظاهرها العموم وإذا قيل يتربصن بأنفسهن
ثلاثة قروء فنقول ان المراد منها غير الغير المدخولات وغير اليائسات على الأقوى فبقي العام
ظاهرا في الباقي إذ مرادنا من أصل العموم أعم من الحقيقة الأولية أو الظهور الحاصل في الباقي
وإن قلنا بمجازيته في الباقي أيضا فحينئذ المطلقات أيضا ظاهرة في ذوات الأقراء مطلقا وإذا قيل و
بعولتهن أحق بردهن علمنا أن الحكم بالرد مختص بالرجعيات لكن لم يظهر من ذلك أن المرجع
أولا هل كان هو الرجعيات أو الأعم فأصل العموم بحاله وإن كان المراد به تمام الباقي لا نفس المدلول
فلا دليل على تخصيص العدة بالرجعيات وعدم ثبوت الارجاع كاف ولا يجب ثبوت العدم
فظهر أن احتمال كون مخالفة الضمير مخصصا للمرجع لا يضر لظهور المرجع في العموم مع أنه يمكن
القلب بأن قاعدة لزوم مطابقة الضمير للمرجع أيضا عام يمكن أن يكون مخصصا بما سبقه
ظاهر ينافي حمله على مقتضى لقاعدة (المطابقة) هذا مع أن الظاهر أصل والضمير تابع والدلالة الأصلية
302

أقوى من الدلالة التبعية والتصرف في الأضعف أسهل قانون لا خلاف في أن اللفظ
الوارد بعد سؤال أو عند وقوع حادثة يتبع السؤال وتلك الحادثة في العموم والخصوص إذا كان
اللفظ غير مستقل بنفسه بمعنى أنه يحتاج إلى انضمام السؤال إليه في الدلالة على معناه إما لذاته و
باعتبار الوضع كقوله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر أينقص إذا جف فقيل نعم فقال فلا
إذن أو بحسب العرف مثل قولك لا آكل في جواب من من قال كل عندي فإن أهل العرف يفهم
تقييد الجواب يعني لا آكل عندك وكذا لو كان مستقلا مساويا للسؤال في العموم والخصوص مثل
ما لو قيل ما على المجامع في نهار رمضان فيقول على المجامع في نهار رمضان الكفارة أو أخص من
السؤال مع دلالته على حكم الباقي على سبيل التنبيه مع كون السامع من أهل الاجتهاد ووسعة
الوقت لذلك لئلا يفوت الغرض كأن يقال في جواب السؤال عن الزكاة في الخيل في ذكور الخيل
زكاة أو ليس في إناثه زكاة فإن الإناث لما كانت هي محل النمو ففي إثباتها في الذكور يثبت في
الإناث بطريق أولى ومن نفيها في الإناث ينفى عن الذكور كذلك ولو كان أعم منه في غير محل
السؤال مثل قوله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن ماء البحر هو الطهور مائه الحل ميتة فإن السؤال عن الماء
والجواب عن الماء وعن الميتة فيتبع عموم الجواب في المقامين أيضا لعدم مانع من ذلك و
وأما لو كان اللفظ أعم منه في محل السؤال مثل قوله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن بئر بضاعة خلق الله الماء طهورا
لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته وقوله صلى الله عليه وآله لما مر بشاة ميمونة على ما رواه العامة
أيما اهاب دبغ فقد طهر فاختلفوا فيه والحق كما هو مختار المحققين أن العبرة بعموم اللفظ لا
بخصوص المحل وبعبارة أخرى السبب لا يخصص الجواب وقيل أن السبب مخصص للجواب لنا
أن المقتضي وهو اللفظ الموضوع للعموم موجود والمانع مفقود وما يتصور مانعا سنبطله
ولعمل العلماء والصحابة والتابعين على العمومات الواردة على أسباب خاصة بحيث يظهر
منهم الاجماع على ذلك كما لا يخفى ذلك على من تتبع الآثار وكلام الأخيار واحتجوا بأنه لو كان عاما
في السبب وغيره لفاتت المطابقة بين الجواب والسؤال وفيه أن المطابقة إنما يحصل بإفادة
مقتضى السؤال والزيادة لا تنفي ذلك مع ما فيه من كثرة الإفادة وبأنه لو كان يعم غير السبب لجاز
تخصيص السبب وإخراجه بالاجتهاد كما يجوز في غيره والتالي باطل والمقدم مثله وفيه أن عدم جواز
إخراج السبب إنما هو لأجل أنه بمنزلة المنصوص عليه المقطوع به وبأنه لو لم يخص بالسبب لما
كان لنقل السبب فائدة مع أنهم بالغوا في ضبطه وتدوينه وليس ذلك إلا لأجل الاختصاص به و
303

فيه أن الفوائد كثيرة منها معرفة شأن ورود الحكم ومنها معرفة كون هذا الفرد بمنزلة المقطوع
به لئلا يخرج بالاجتهاد ومنها معرفة السير والقصص وغير ذلك من الفوائد وبأن من حلف
والله لا تغذيت بعد قول القائل له تغذ عندي لا يحنث بكل تغذ بل إنما يحنث بالتغذي عنده
فقط فلو لم يكن السبب مخصصا لحصل الحنث بكل تغذ وهو باطل بالاتفاق وفيه أن العرف دل
على هذا التخصيص كما أشرنا إليه سابقا قانون اختلفوا في جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة
بعد اتفاقهم على جوازه في مفهوم الموافقة والأكثر على الجواز حجة الأكثرين أنه دليل شرعي عارض
بمثله وفي العمل به جمع بين الدليلين فيجب واحتج الخصم بأن الخاص إنما يقدم على العام بكون دلالته
على ما تحته أقوى من دلالة العام على ذلك والمفهوم أضعف دلالة من المنطوق فلا يجوز حمله
عليه وقد أجيب عنه مرة بأن الجمع بين الدليلين أولى من إبطال أحدهما وإن كان أضعف وأخرى
بمنع كون العام أقوى بل لا يقصر المفهوم الخاص غالبا عن العام المنطوق سيما مع شيوع تخصيص
العمومات أقول وفي أوضاع الحجتين والجوابين مع ملاحظة ما قرروه في باب التعادل والترجيح
تشويش واضطراب وذلك لأنهم ذكروا في باب التعادل أن تعادل الامارتين وتساويهما من جميع
الوجوه يوجب التخيير أو التساقط والرجوع إلى الأصل أو التوقف على اختلاف الآراء وإن ذلك
إنما هو بعد فقد المرجحات وعدم إمكان الجمع بين الدليلين وكأنه لا خلاف بين العلماء في وجوب
الجمع بين الدليلين مع الامكان وإن التخيير وغيره من الأقوال إنما هو بعد فرض عدم الامكان و
ممن صرح بكون ذلك إجماع العلماء الفاضل ابن الجمهور في غوالي اللئالي حيث قال بعد ذكر مقبولة
عمر بن حنظلة الواردة في ذكر المرجحات إن كل حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أولا البحث
عن معناهما وكيفيات دلالة ألفاظهما فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات
فاحرص عليه واجتهد في تحصيله فإن العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيله
بإجماع العلماء فإذا لم تتمكن من ذلك أو لم يظهر لك وجهه فارجع إلى العمل بهذا الحديث انتهى فعلى
هذا إذا تعارض دليلان من الأدلة مثل خبرين جامعين لشرائط القبول أو ظاهر آيتين أو نحو ذلك
فلا بد أولا من ملاحظة الجمع والعمل بهما إما بالتخصيص أو بالتقييد إذا كان بينهما عموم وخصوص
أو إطلاق وتقييد أو بحمل أحدهما على بعض الافراد وحمل الأخير على بعض آخر إذا كان بينهما تناقض
أو نحو ذلك مع العجز عن ذلك لمانع خارجي مثل التناقض في قضية شخصية أو إجماع على عدمه فيرجع
إلى المرجحات ومع التساوي فالأقوال المذكورة فقولهم بالجمع مع عدم ملاحظة المرجحات تمسكا
304

بكونه جمعا بين الدليلين ينافي تعليل تقديم الخاص على العام بكونه أقوى كما في حجة الخصم وكذلك
قول المجيب الأول وغيره بالجمع بين الدليلين وإن كان أحدهما أضعف ينافي رجوعهم إلى المرجحات
واعتبار القوة والضعف في المقامات مثل تخصيص القرآن بخبر الواحد وغيره من مقامات
الجمع فإنهم يعتبرون الترجيحات أيضا فالمناص عن هذا الاشكال وتحقيق المقام ومحصل ما
ذكروه في قاعدة التعادل والترجيح مع تحرير مني وتصحيح على ما اقتضاه الحال والمقام إن
مرادهم في مقام لزوم الجمع مع الامكان من عدم الرجوع إلى المرجحات الخارجية إنما هو بالنسبة
إلى الهجر والترك والاسقاط لا بالنسبة إلى ارجاع أحدهما إلى الاخر فان ارجاع أحد الدليلين إلى
الاخر أو ارجاعهما إلى ثالث يقتضي اخراج اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز إذ العمل بالمتخالفين مع
بقائهما على حقيقتهما مما لا يمكن بالضرورة فكما يمكن اخراج العام عن حقيقة العموم يمكن اخراج
الخاص عن حقيقة الخصوص أيضا فلا بد في توجيه التأويل إلى أحدهما دون الاخر من مرجح فلا ينافي
عدم الرجوع إلى المرجحات فيما أمكن فيه الجمع من جهة القبول مطلقا والاسقاط مطلقا وجوب
الرجوع إليها في ارجاع التأويل إلى أحدهما دون الاخر ومرادهم من العمل بالدليلين العمل بهما على ما
هو مقتضى مدلولهما اما بالحقيقة أو بالمجاز الذي يصح في محاورات أهل اللسان وهو ما وجد فيه
العلاقة المصححة المقبولة عند أهل البيان والقرينة الصارفة عن الحقيقة والمعينة لذلك المعنى
المجازي كذلك بان تكون موجودة في اللفظ أو مقارنة معها أو كاشفة عن كون اللفظ مقترنة
حين التكلم بقرينة تدل على هذا المعنى ولا يكفي في ذلك مجرد احتمال اللفظ لذلك وكذلك معنى
ارجاع أحدهما إلى الاخر ابقاء أحدهما على حقيقته وارجاع الاخر إليه كذلك ومعنى ارجاعهما إلى
ثالث اثبات القرينة للتجوز في كليهما بحيث يحصل من التجوز فيهما معنى ثالث مثال الأول العام
والخاص المطلقان فان العمل بالخاص يوجب العمل بالدليلين في الجملة اما في الخاص فبحقيقته و
اما في العام فبمجازه المتعارف وهو التخصيص ومجرد وقوع العام والخاص المتنافي الظاهر في
كلام متكلم واحد أو متكلمين كانا في حكم واحد قرينة على إرادة التخصيص سيما وفيه إشارات
من كلام الشارع أيضا بان في كلامه عاما وخاصا ولا بد من معرفتهما ومثال الثاني إرجاع
عامين متنافيين إلى خاصين وذلك يحصل بين المتناقضين مثل انه ورد في الاخبار ان الام
أحق بحضانة الولد إلى سبع سنين وورد أيضا ان الأب أحق (بحضانته) إلى سبع سنين فالجمع بينهما
بان المراد بالولد في الأول الأنثى وفي الثاني الذكر عمل بالدليلين واخراج لكليهما عن حقيقتهما
305

بالتخصيص لكن الخاص هنا في الاخبار غير ظاهر فيشكل الاعتماد بهذا الجمع لاخراج اللفظ عن الحقيقة
وعدم تنزيله على مجاز متعارف عند أهل اللسان لعدم القرينة عليه الا ان يجعل الشهرة بين
الأصحاب قرينة على أنهما لعلهما كانتا مقترنتين بقرينة مفهمة لذلك واما الذي وجد فيه القرينة
من الاخبار فأمره واضح مثل الأخبار الواردة في أن العاري يصلي قائما ويؤمي والأخبار الواردة
في أنه يصلي قاعدا فالمشهور أن الاخبار الأولة محمولة على الامن من المطلع والثانية على العدم
وبهذا التفصيل رواية صحيحة هي كالمخصص لكليهما وهي قرينة لذلك الحمل واما مطلق الحمل كيفما
اتفق كما يذهب إليه بعض من أفرط في التأويل فلا دليل عليه مثل ان بعضهم إذا رأى خبرا ورد
بلفظ الامر واخر بلفظ النهى في ذلك بعينه فيجعل الامر بمعنى الاذن والنهى بمعنى مطلق المرجوحية
ويثبت بذلك الكراهة وهو خارج عن مدلول كليهما فإذا لم يكن قرينة على ذلك حالية أو مقالية
فلا يجوز ذلك بمجرد انه جمع بين الدليلين ولا يكون عملا بكلام الشارع لا بحقيقته ولا مجازه
اما الحقيقة فظاهر واما المجاز فلان المجاز هو المعنى الذي افهمه القرينة وهو مسبوق بوجود
القرينة والعلم بها ومجرد احتمال وجود قرينة توجب فهم المخاطبين المشافهين كذلك لا يجوز الحكم
بإرادة ذلك ف (ولا يورث الظن بإرادة ذلك) فهذا مما لا يمكن فيه الجمع والعمل بالدليلين ولا بد من التخيير بعد اليأس من الترجيح
مع أن هذا ليس عملا بالدليل بل هو ذكر احتمال في معنى الدليل فالتحقيق في جواب حجة الخصم منع كون
المفهوم أضعف من العام المنطوق مطلقا سيما مع غلبة تخصيص العمومات وشيوعه ومع التساوي
فيحمل العام على الخاص لا لمحض الجمع بين الدليلين حتى يرد انه لا دليل عليه كما بينا بل لان اجتماعهما
مع تساويهما قرينة لإرادة ذلك في العرف سيما مع غلبة التخصيص وشيوعه وأما ما يقال من
الرجوع إلى مراتب الظن باعتبار الموارد فحيثما حصل في المفهوم ظن أقوى من العام فيخصص به
والا فلا فهو خروج عن طريقة أرباب الفن ورجوع إلى القرائن ومحط نظر الأصولي هو ملاحظة
المقام خاليا عن القرائن والا فمع الالتفات إلى المرجحات الخارجة فيعتبر ذلك في ارجاع التأويل
إلى أحد الدليلين دون الاخر مع ثبوتهما أو إليهما معا مع التساوي والامكان أو التخيير بينهما أيضا
فنقول مع كون الخاص أقوى فلا اشكال في ترجيح الخاص وارجاع العام إليه واخراجه عن حقيقته
واما مع كون العام أقوى فلا يجوز إذا كان العام أقوى من جهة الاعتضاد أو كان المفهوم أضعف
من جهة خصوص المقام واما مع التساوي فالمرجح للتخصيص هو شيوع التخصيص وكونه خيرا
من سائر المجازات لأجل ما ذكروه في تعارض الأحوال من أن الغفلة عنه لا يوجب ترك المراد
306

رأسا بخلاف سائر المجازات فليس الاعتماد في التخصيص بمحض أنه جمع بين الدليلين كما ظنه بعض
المحققين لامكان ذلك بابقاء العام على حقيقته وتأويل الخاص بمجاز اخر فالاعتماد هنا أيضا
على المرجح فمع وجود المرجح في أحد الطرفين وموافقته لمحاورات أهل اللسان من مراعاة شرايط المجاز
لا يجوز التجوز في الطرف الآخر فيرجع مأل الكلام جملة إلى ما يترجح في النظر ويحصل به الظن من الامارتين
بعد ملاحظة قواعد اللفظ وفهم المعاني فهذا أيضا يرجع إلى ملاحظة التراجيح وبعد العجز
عنه يرجع إلى التخيير أو التوقف فالتخصيص والتقييد وأمثالهما أيضا في الحقيقة يرجع إلى الاثبات و
الاسقاط الا ان في ذلك اثبات البعض واسقاط البعض وفيما لا يمكن الجمع اسقاط الكل واثبات
الكل مع أن القول بان التخصيص فيما نحن فيه عمل الدليلين مشكل بل هو إلقاء أحدهما واعمال
الاخر فان التخالف انما هو في بعض مدلول العام ونفس الخاص ولا ريب ان مع العمل بالخاص
يلغي ذلك البعض وان لوحظ مجموع مدلول اللفظ في الجانبين فلا يخفى ان المفهوم أيضا ليس تمام
مدلول اللفظ بل بعضه كما أشار إليه بعض الاعلام فلا مناص عن ملاحظة المرجحات في الكل أعني
في العمل بالدليلين معا في الجملة وفي طرح أحدهما ويشهد به اطلاق الأخبار الواردة في علاج الاخبار
المختلفة وسيجئ تمام الكلام في اخر الكتاب انشاء الله تعالى وفذلكة المقام في ضابطة
الجمع والترجيح ان التخالف الحاصل بين الدليلين سبب لان يكون العمل بأحدهما تركا لظاهر
الاخر وحقيقته أو تركا لظاهرهما معا ومع ترك الظاهر اما يحصل قرينة على إرادة خلاف الظاهر
من نفس المتعارضين أو الخارج فبذلك يندرج في الدلالة المجازية المتعارفة ويكون هذا أيضا
مع القرينة من جملة الظواهر أو لا تحصل ومع ذلك فاما يمكن تأويل هناك بمعنى احتمال ينزل عليه
المخالف ولو لم يكن ظاهرا أو لا يمكن فحينئذ نقول إن أراد القوم من قولهم الجمع مهما أمكن أولى من
الطرح انه لا يجوز رد كلام الشارع ولو بحمله على محتمل صحيح يناسب سائر كلماته وان كان بعيدا
ولم نجعله حكما شرعيا دفعا للزوم التناقض كما فعله الشيخ رحمه الله في التهذيب لغرض دعاه إلى ذلك
في كلامهم بمعنى الواجب كما في قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وان أرادوا انه
يجب تنزيل المتخالفين على احتمالين بحيث لا يوجب طرحهما ويكون بذلك مستندا شرعيا و
دليلا في جميع الموارد حتى في معنى مجازي لم يظهر له قرينة في نفس المتعارضين ولا في الخارج
بل لمحض احتمال عقلي لرفع التناقض فلا دليل على جواز ذلك فضلا عن وجوبه وجعله مستندا
307

شرعيا فإنه يؤل إلى الخروج عن كلام الشارع رأسا وفي العمل بأحدهما عمل بكلامه في الجملة فلا بدان
يكون مراد القوم من الأولوية اما مطلق الرجحان أو الوجوب فيما يمكن جمع يوافق طريقة متفاهم
أهل اللسان كالتخصيص وغيره ويكون غيره داخلا في غير الممكن فالمراد من الامكان ما يعم الامكان
بملاحظة العرف ثم إن مجرد ظهور القرينة من نفس المتعارضين أو غيرهما على مجازية أحدهما أو كليهما
لا يوجب الذهاب إلى الاعتماد عليها واعمالها الا إذا لم يوجب ترجيح المرجوح فان حمل اللفظ على المجاز
في الحقيقة خروج من مقتضى الدليل لدليل اخر وهو لا يصح الا إذا تساويا أو ترجح القرينة على مقتضى
حقيقة اللفظ فلا بد من ملاحظة الترجيحات في مقام الارجاع أيضا كما تريهم يعتبرون ذلك
في القانون الآتي وغيره أيضا ويظهر بذلك ضعف ما ذكره العضدي وغيره من لزوم الجمع بين
الدليلين وان كان بارجاع الأقوى إلى الأضعف واما ظاهر كلام ابن الجمهور فنمنع ما ادعاه
من الاجماع بظاهره إذ عندنا ما هو أقوى في العمل من ذلك الاجماع المنقول من دلالة العقل على
قبح ترجيح المرجوح مع أن الرواية صريحة في إرادة المتناقضين اللذين لا يمكن الجمع بينهما وسؤال
الراوي فيها انما هو عنهما والسبب ليس مخصصا للجواب ولا يمنع الرجوع في غير المتناقضين أيضا
إلى الترجيحات قانون لا ريب في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب ولا بالاجماع ولا بالخبر
المتواتر ووجهها ظاهر واختلفوا في جوازه بخبر الواحد على أقوال ثالثها بالتفصيل فيجوز ان
يخصص قبله بدليل قطعي ورابعها التفصيل أيضا بتخصيصه بما خص قبل بمنفصل قطعيا كان
أو ظنيا وخامسها التوقف وقد ينسب إلى المحقق رحمه الله نظرا إلى أنه قال الدليل على العمل بخبر الواحد
هو الاجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب
العمل به وهذا ليس معنى التوقف بل هو نفى للتخصيص كما لا يخفى والأظهر الجواز كما هو مذهب
أكثر المحققين واحتجوا عليه بأنهما دليلان تعارضا بإعمالهما ولو من وجه أولى ولا ريب ان
ذلك لا يحصل الا مع العمل بالخاص إذ لو عمل بالعام بطل الخاص ولغى بالمرة وبعدما حققنا
لك سابقا يظهر ما فيه لان العام كما أنه يخرج عن حقيقته بالتخصيص بسبب كونه مجازا حينئذ و
مع ذلك فنقول أنه قد عمل به فكذلك الخاص إن أريد به معنى مجازي أيضا بحيث لا يوجب
ترك ظاهر العام وحقيقته فمحض كونه جمعا بين الدليلين لا يوجب القول بالتخصيص مع
ما عرفت من أنه ليس جمعا بين الدليلين بل هو إلغاء لأحدهما إذ المعارضة انما هو بين ما
دل عليه العام من أفراد الخاص وهو ملغى بأجمعه حينئذ فلا بد من بيان وجه التخصيص واختياره
308

فالأولى أن يقال دليلان تعارضا وتساويا وأحدهما عام والاخر خاص وفهم العرف وشيوع
التخصيص وكونه أقل استلزاما لمخالفة المراد في نفس الامر كلها مرجحة لاختيار تخصيص العام
بالخاص وأما وجه التساوي فستعرف احتج المانع بأن الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني و
الظن لا يعارض القطع لعدم مقاومته له فيلغى وبأن التخصيص به لو جاز لجاز النسخ وهو باطل
أما الملازمة فلانه تخصيص في الأزمان فهو من أفراد التخصيص أو أن العلة في التخصيص هو
أولوية تخصيص العام من إلغاء الخاص وهو موجود في النسخ وأما بطلان التالي فبالاتفاق و
الجواب عن الأول ان الكتاب وإن كان قطعي الصدور ولكنه ظني الدلالة وخاص الخبر و
إن كان ظني الصدور ولكنه قطعي الدلالة فصار لكل قوة من وجه فتساويا فتعارضا فوجب
الجمع بينهما هكذا ذكروه وأنت خبير بأن الخاص أيضا ليس بقطعي الدلالة سيما إذا كان عاما
بالنسبة إلى ما تحته لاحتمال مجاز آخر غير التخصيص من أنواع المجاز مضافا إلى احتمال التخصيص فيما
كان عاما أيضا نعم هو نص بالإضافة إلى العام وقطعي بهذا المعنى وهو لا يستلزم قطعيته مطلقا
وقد مر توضيح ذلك في مبحث المفهوم والمنطوق فالتحقيق في الجواب هو أنهما ظنان تعارضا و
تساويا ولأجل أن التخصيص أرجح أنواع المجاز والفهم العرفي رجحنا التخصيص وأما التساوي
فلان المعيار في الاستدلال هو اللفظ من حيث الدلالة من حيث هو والذي نقطع
بصدوره هو لفظ العام وأما أن المراد منه هل هو معناه الحقيقي أم لا فهو غير مقطوع به
فالذي هو قطعي الصدور هو لفظ العام لا الحكم عليه بعنوان العموم فكون الحكم على العموم مراد
الشارع مظنون وكذلك الحكم في الخاص على الخصوص مظنون والقول بأن الخطاب بما له ظاهر
وإرادة غيره قبيح فثبت وجوب العمل بظاهر القرآن مع قطعية المخاطبة به إنما يتم بالنسبة إلى
من يوجهه الخطاب والخطابات الشفاهية وما في منزلتها مخصوصة بالحاضرين كما تقدم وربما
كانت مقترنة بقرائن تخرجها عن الظاهر قد اختفى علينا كما ظهر في مواضع كثيرة ووجوده في غير
ما ظهر أيضا محتمل فلم يبق القطع بالمراد فيما لم يظهر وخبر الواحد المخالف لظاهره يمكن أن يكون
من جملة تلك القرائن وعدم اقتران القرينة باللفظ لا يوجب تأخير البيان عن وقت الحاجة
إذ ربما كانت مقترنة بها من جهة الحال لا من جهة المقال أو كانت مقترنة بالقول منفصلة
عن ظاهر القرآن أو لم تكن مقترنة بها ولم يكن حينئذ وقت الحاجة ونحو ذلك وشركتنا للحاضرين
في التكليف إنما هو فيما علم المراد منها أو ظن فإذا لم يمكن العلم بالمراد وان تكليف الحاضرين
309

اي شئ كان فلا ريب في الاكتفاء بما ظن أنه مراد فأين العلم ومما ذكرنا يظهر النقض بحصول العلم
بمدلول خبر الواحد أيضا لكونه خطابا بما له ظاهر لمخاطبة فيحصل من ذلك قوة أخرى في الخبر أيضا
مع أن جواز العمل بظاهر الكتاب من المسائل الاجتهادية قد خالف فيه الأخباريون والتمسك
في حجيته وإثبات جواز العمل به بالاخبار إلى دفع الاخبار المعارضة وبالاجماع مدفوع
بمنعه في موضع النزاع فظهر بطلان كلام المحقق أيضا بالمعارضة بالقلب فكما أن الاجماع لم
يعلم انعقاده على جواز العمل بخبر الواحد فيما كان هناك عام من الكتاب فلم يعلم انعقاد
الاجماع على حجية ظاهر الكتاب وعامه فيما يثبت من الأخبار الخاصة ما يعارضه سيما والقائلون
بجواز التخصيص جماعة كثيرون وعدم الاعتناء بمخالفتهم مشكل مع أن في كون العام حقيقة في العموم
كلاما وهو أيضا من المسائل الاجتهادية وقد مر وكذلك العام المخصص بل سد باب تخصيص
الكتاب بخبر الواحد يوجب المنع من العمل بخبر الواحد إذ قل ما وجد خبر لم يكن مخالفا لظاهر
من عمومات الكتاب فلا أقل من مخالفته لأصل البراءة الثابتة بنص الكتاب مثل لا يكلف الله
نفسا إلا ما أتاها ونحو ذلك مضافا إلى ما يظهر ذلك من تتبع أحوال السلف من العلماء و
الصحابة والتابعين كما أشار إليه بعض الأفاضل وبالجملة مع ملاحظة ما ذكر وأضعاف ما ذكر
مما لم يذكر من المضعفات لظاهر الكتاب لا يبقى إلا مجرد دعوى حصول ظن من ظاهر الكتاب
بمراد الله تعالى ولا ريب أن خبر الواحد الجامع لشرائط العمل أيضا يورث ذلك الظن فإن قلت
أن الأخبار الكثيرة وردت بأن الخبر المخالف لكتاب الله يجب طرحه وضربه على الجدار ونحو
ذلك فكيف يصح الخروج عن ظاهر الكتاب بخبر الواحد قلت تلك الأخبار مختلفة متعارضة معارضة
بمثلها أو بأقوى منها من تقديم العرض على مذهب العامة والاخذ بما خالفهم ونحو ذلك فهي على
إطلاقها غير معمول بها مع أن الظاهر من المخالفة هو رفع حكم الكتاب كليا وإن كان يتحقق
بسلب البعض أيضا سلمنا لكنها مخصصة بذلك لمعارضتها بما هو أقوى منها من الأدلة الدالة
على حجية خبر الواحد مطلقا وما دل على جواز تخصيص الكتاب به من الأدلة أيضا إذ قد عرفت
أن الخاص إنما يقدم على العام مع المقاومة مع أن من جملة أدلة حجية خبر الواحد هو قوله تعالى
إن جائكم فاسق إلخ وآية النفر وما اتيكم الرسول فخذوه والعمل بهذه الاخبار يوجب تخصيصها
وهو كر على ما فررت منه ومما ذكرنا يظهر بطلان ما قيل في هذا المقام أيضا من أن تخصيص الكتاب
بخبر الواحد يستلزم تخصيص أدلة خبر الواحد بهذه الاخبار فيلزم عدم جواز تخصيص الكتاب
310

بخبر الواحد لان ما يستلزم ثبوته انتفائه فهو باطل وذلك لما عرفت من ضعف الاستدلال بهذه
الاخبار فالقول بتخصيص الكتاب بخبر الواحد مخصوص بغير هذه الأخبار في المخالفة الخاصة فإنها
إما مهجورة أو مخصوصة بصورة المناقصة والمنافاة رأسا وأما الجواب عن الثاني فعن الشق الأول
من الترديد بأن المسلم من التخصيص والذي ندعيه هو الفرد الخاص يعني التخصيص في الافراد لا جميع
أفراده أو ما يشملهما وعن الشق الثاني فبإبداء الفارق بالاجماع المدعى في النسخ أولا وبأن التخصيص
أغلب وأشيع وأرجح من النسخ لكمال وضوح ندرته وغلبة التخصيص ثانيا وقد يتمسك في إبداء
الفرق بأن التخصيص أهون من النسخ لأنه دفع لبعض المدلول قبل العمل به والنسخ رفع للمدلول المعمول
عليه وقد يوجه ذلك بأن حدوث الحادث محتاج إلى العلة ويكفي في بقائه علة الوجود فدفع حصوله
بسبب عدم ثبوت علته أسهل من دفع ما ثبت لعدم احتياجه في الثبوت إلى علة أخرى وهو مع
أنه لا معنى له في أحكام الله تعالى وأفعاله ولا يصعب عليه شئ أبدا وأنه موقوف على إثبات عدم احتياج
البقاء إلى المؤثر الجديد وهو ممنوع وإن حصول ما لم يكن في الواقع والخارج ليس بأقل من بقاء ما ثبت
فهو مردود بأنه لا يرجع إلى محصل إذ الاشكال في أن خاص الخبر إذا ورد مع عام الكتاب فهل يقتضي
معاملة أهل اللسان في فهم الألفاظ حمله على النسخ والتخصيص وأيهما أرجح وكون أحدهما أصعب
في نفس الامر عن الاخر مع عدم أقليته بالنسبة إلى الاخر لا يوجب فهمه من اللفظ وحمله عليه نعم خصوص
شيوع التخصيص وأرجحيته يوجب ترجيحه فبطل القول بعدم الفرق بذلك وربما يقال في بيان الفرق
بين النسخ والتخصيص ان في النسخ يراد دلالة اللفظ على جميع الأزمنة وإن لم يكن وقوع المدلول
مرادا بخلاف التخصيص فإنه لا يراد منه الا البعض أولا فظهر بذلك أنه لا رفع في التخصيص أصلا بخلاف
النسخ فإن فيه رفعا في الجملة وفيه أن ذلك تحكم من قائله فإن إمكان إرادة الدلالة في العام و
وجود المصلحة في ذلك أيضا قائم إن أريد مجرد الامكان وإن أريد الفعلية في النسخ دون التخصيص
فهو أيضا ممنوع لامكان أن يكون المراد في النسخ أيضا الحكم في بعض الأزمان مجازا ولكن تأخر بيانه
فالفرق بذلك مشكل احتج المفصلون بما يرجع حاصله بعد التحرير إلى أن الخاص ظني والعام قطعي
فلا يقاومه إلا مع ظهور ضعف فيه وذلك عند الفرقة الأولى بأن يخصص مرة بدليل قطعي وعند
الفرقة الثانية بأن يخصص بمخصص منفصل وذلك لان العام عند الفرقة الأولى يصير بذلك مجازا
في الباقي وعند الفرقة الثانية بهذا والدلالة المجازية أضعف من الدلالة الحقيقية كما سيجئ في
باب التراجيح وجوابه يظهر مما مر فإن القطعية إنما كانت في المتن لا في الدلالة والتخصيص إنما
313

يقع في الدلالة فلا ينافي قطعية المتن وحجة المتوقف تصادم أدلة الطرفين وعدم المرجح وجوابه
إنا قد بينا إثبات المرجح قانون إذا ورد عام وخاص متنافيا الظاهر فإما أن يعلم تاريخهما
بالاقتران أو تقدم الخاص أو تقدم العام أو يجهل تاريخهما وإن كان بجهالة تاريخ أحدهما فهذه
أقسام أربعة واعلم أن مراد الأصوليين بالعام والخاص في هذا المبحث هو العام والخاص
المطلقان فإن العامين من وجه لا يمكن أن يكون موضوعا لهذا المبحث لأنه لا يقال لهما
العام والخاص على الاطلاق بل هما عامان من وجه وخاصان من وجه ولأن الأدلة المذكورة
في هذا المبحث لا تنطبق إلا على الأول كما لا يخفى على من تأملها فقد تراهم يجعلون في طي هذه الأدلة
الخاص بيانا للعام ويفرعون الكلام فيه على جواز تأخير البيان وهو لا يتم في الثاني إذ كل منهما
متصف بما اتصف به الاخر من استعداد البيانية والمبينة وصيرورة أحدهما بيانا للاخر في بعض
الأوقات وتخصيصه للاخر ليس بذاته بل إنما هو بضميمة المرجحات الخارجية التي قدمته على الاخر و
أيضا قولهم في الصورة الآتية بنى العام على الخاص اتفاقا أو على الأقوى أو نحو ذلك لا يجري في
الثاني إذ لو أريد من بناء العام على الخاص في الثاني بناء كل منهما على الأخير فيلزم تساقطهما جميعا
وبطلانهما رأسا كما لا يخفى وإن أريد بناء أحدهما على الأخير فيلزم الترجيح بلا مرجح ولا مرجح في
أنفسهما كما هو المفروض أي من حيث (محض)؟ العموم والخصوص والاعتماد على المرجحات الخارجية
ليس من جهة بناء العام على الخاص بل من جهة ترجيح أحدهما على الاخر في مادة التعارض وبالجملة
المعارضة بين العامين بالمعنى الثاني مثل المعارضة بين المتناقضين لا بد فيه من ملاحظة المرجحات
الخارجية في التخصيص يعني بعد ملاحظة المقاومة ونفي رجحان أحدهما على الاخر أولا لاشتراك
هذا المعنى بين المعنيين وقد غفل بعض الأعاظم هنا وعمم البحث واستشهد ببعض الشواهد الذي
لا يشهد له بشئ ومنشأ اختلاط الامر عليه اختلاط مباحث التخصيص ومبحث كيفية بناء العام
على الخاص في بعض الكتب الأصولية وأنت خبير بأنهما مقامان متفاوتان فصل بينهما في كثير من
كتب الأصول فمن الشواهد الذي ذكره ان محققي الأصوليين استدلوا في هذه المسألة على جواز
تخصيص الكتاب بالكتاب بآيتي عدة الحامل والمتوفى عنها زوجها مع أن بينهما عموما من وجه و
فيه ما لا يخفى إذ ذكر ذلك ابن الحاجب ومن تبعه في مقام بيان جواز تخصيص الكتاب بالكتاب
وكلامهم هذا في مقام الرد على الظاهرية حيث منعوا ذلك محتجين بقوله تعالى لتبين للناس
ما نزل إليهم والتخصيص بيان فيجب أن يكون بالسنة وأجابوا عن ذلك بالمعارضة بقوله تعالى
314

في صفة القرآن تبيانا لكل شئ وبأن معنى البيان منه صلى الله عليه وآله للآية المخصصة وبأن بيانه مختص
بالمشتبه ومع وجود المخصص من الكتاب لا اشتباه ويندفع كلام الظاهرية بمحض إثبات مطلق
التخصيص وإن كان بمعاونة المرجح الخارجي وإطلاق التخصيص على قصر أحد العامين من وجه على
بعض أفراده بسبب العام الاخر لا يوجب كون مطلق البحث في بناء العام على الخاص بقول مطلق
أعم من المقامين كما لا يخفى هذا على مذهب العامة وأما الامامية فلما كان مذهبهما اعتبار أبعد
الأجلين فيجمعون بين الآيتين على غير صورة التخصيص المصطلح بأن المراد أن المتوفي عنها زوجها
تتربص أربعة أشهر وعشرا إلا إذا كانت حاملا ولم تضع حملها بعد فتصبر حتى تضع وإن الحامل
تصبر حتى تضع الحمل إلا إذا كانت متوفى عتها زوجها ولم يبلغ مدة وضعه له أربعة أشهر وعشرا
فتصبر بعد الوضع حتى يتم الشهور وهذا ليس معنى التخصيص المصطلح كما لا يخفى على المتدبر البصير و
الذي دعاهم إلى ذلك إجماعهم واخبارهم المستفيضة مع أن الظاهر من آية أولات الأحمال المطلقات
فلا تعارض وأما العامة فبنوا أمرهم في ذلك أولا على ترجيح عموم آية أولات الأحمال بسبب دلالة
اللفظ واقترانها بالحكمة وغير ذلك ثم خصصوا بها الآية الأخرى وتمام الكلام فيها في الفروع مع
أن تمثيل ابن الحاجب (ونظراته)؟ لا يصير حجة على أحد وأما المحققون منا مثل العلامة في التهذيب
وغيره فقد مثلوا لجواز التخصيص الكتاب بالكتاب بآية القروء وآية أولات الأحمال وكلامهم هذا
ظاهر في العام والخاص المطلقين فإن الظاهر من آية أولات الأحمال المطلقات وهي أخص من آية
ذوات القروء مطلقا ومنها أنه استشهد بكلام صاحب المعالم رحمه الله في حواشيه على كتاب وسيجئ
الإشارة إليه وإلى أنه لا دلالة فيها على المطلوب بوجه وبالجملة لا مسرح لجعل موضوع هذا القانون
القدر المشترك بينهما بوجه فلنرجع إلى تفصيل الكلام في الأقسام الأربعة ونقول القسم الأول وهو
ما علم اقترانهما وهو قد يتصور في القول والفعل والفعلين مع احتمال إرادة القولين المتصلين
من دون تراخ أيضا إن جعلنا المقارنة أعم من الحقيقة والحق فيه بناء العام على الخاص من دون
نقل خلاف الا عن بعض الحنفية فقالوا إن حكم المقارنة والجهل بالتاريخ واحد وهو ثبوت
حكم التعارض في قدر ما يتناولانه فيرجع إلى المرجحات الخارجية وهذا قولهم في المقارنة الحقيقية
دون القولين المتصلين عرفا فالخاص المتأخر مخصص عندهم فيها والعام المتأخر ناسخ لنا ما مر
مرارا من الفهم العرفي والرجحان النفس الامري والشيوع والغلبة واحتمال التجوز في الخاص
مرجوح بالنسبة إليه وقد يستشكل بأن الاخبار وردت في تقديم ما هو مخالف العامة أو ما هو
315

موافق الكتاب ونحو ذلك وهو يقتضي تقديم العام لو كان هو الموافق للكتاب أو المخالف
للعام أو نحو ذلك وفيه أن المبحث منعقد لملاحظة العام والخاص
من حيث العموم والخصوص لا بالنظر إلى المرجحات الخارجية إذ قد يصير التجوز في الخاص أولى
من التخصيص في العام من جهة مرجح خارجي وهو خارج عن المتنازع ومما ظهر لك من اتفاق
العلماء إلا من شذ منهم على بناء العام على الخاص في صورة الاقتران من جهة محض العموم و
الخصوص يتضح لك بطلان تعميم المبحث بحيث يشمل العام والخاص من وجه لما ذكرنا سابقا
القسم الثاني وهو ما علم تقدم العام وتراخي زمان صدور الكلام المشتمل على الخاص فإما أن
يكون ورود الخاص بعد حضور وقت العمل (بالعام) فيكون ناسخا لا تخصيصا للزوم تأخير البيان عن
وقت الحاجة وقد يستشكل ذلك في اخبارنا المروية عن أئمتنا عليهم الصلاة والسلام فإنه إذا
كان الخاص في كلامهم فيلزم وقوع النسخ بعد النبي صلى الله عليه وآله وهو باطل لانقطاع الوحي
بعده وبهذا يظهر إشكال آخر أورده بعضهم أيضا وهو أنه يلزم عدم جواز العمل بأخبار الآحاد
المخصصة للكتاب أو الاخبار النبوية رأسا للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة والأول مدفوع
بأن لزوم النسخ إنما هو إذا علم أن هذا البيان والتخصيص كان من الرسول صلى الله عليه وآله
بعد حضور وقت العمل لا مجرد تراخي رواية الإمام عليه السلام من حيث هو عن زمان العام فإن
الأئمة عليهم السلام حاكون عن النبي صلى الله عليه وآله لا مؤسسون للشريعة فلا بد في لزوم
الحكم بالنسخ من إثبات أن الخبر الخاص من حيث أنه ناسخ متأخر عن زمان العمل بالعام وهو
غير معلوم بل خلافه معلوم لاتفاقهم ظاهرا على أن الاحكام الكلية بعد الرسول صلى الله عليه وآله
باقية إلى يوم القيامة وإن لم يمتنع عقلا ان النبي صلى الله عليه وآله أخبر خلفائه عليهم السلام بأن
الحكم الفلاني باق بعدي إلى الزمان الفلاني ثم ينسخ فعليكم بإجرائه إلى ذلك الحين وإخفاء غايته
ثم بيان الغاية عند انتهاء المدة وبذلك ظهر الجواب عن إشكال لزوم تأخير البيان أيضا
والحاصل أن الأئمة عليهم السلام يظهرون ما وصل إليهم عن النبي صلى الله عليه وآله وينشرون
ما وقع في زمانه ويبينون ما أراده الله في كتابه وما رام النبي صلى الله عليه وآله من سنته
فحالهم مع الأمة كحال الفقيه مع مقلده وقد أشار إلى بعض ما ذكرنا الفاضل المدقق الشيرواني
في حاشيته الفارسية على المعالم فعلى هذا فلو فرض أن أحد الرواة سمع العام من إمامه عليه السلام
وتأخر سماع الخاص عنه عن زمان حضور وقت العمل به من دون مانع ومن دون عذر ظاهر
316

فلا بد أن يكون ظهور كونه مكلفا بالعام إلى ذلك الحين من جهة أخرى غير النسخ مثل تقية أو
ضرورة أو نحو ذلك علمها الإمام عليه السلام ولا يعلمها الراوي ولا يلزم بمجرد ذلك القول بالنسخ حتى
يلزم المحذور فتأخير بيان الزمان ونهايته أيضا قد يكون من غير جهة النسخ فليفهم ذلك
وإن كان ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام فالأقوى كونه مخصصا تأخير البيان
عن وقت الخطاب كما سنحققه وأما من لا يقول بجوازه فإما يجعله ناسخا إن قال بجواز النسخ
قبل حضور وقت العمل أو بجعله كالمتعارضين ويرجع إلى المرجحات
الخارجية إن لم يقل بجوازه والقسم الثالث وهو ما علم تقدم الخاص فالأقوى وفاقا لأكثر
المحققين ان العام يبنى على الخاص وذهب جماعة منهم السيد والشيخ إلى كونه ناسخا للخاص
لنا رجحان التخصيص بما مر وترجيح الراجح واجب واستدل أيضا بأن فيه الجمع بين الدليلين
في الجملة فلو عمل بالعام لزم إلغاء الخاص إن كان ورود العام قبل حضور وقت العمل به ونسخه ان
كان بعده والتخصيص أولى منهما وفيه أن مجرد الجمع لا يصير دليلا على اختيار التخصيص لامكانه
بغيره بأن يرتكب تجوز في جانب الخاص فلا بد من ذكر مرجح التخصيص ووجه اختياره على غيره
وقد عرفت أن التخصيص الذي ثبت رجحانه هو التخصيص في أفراد العام لا في أزمانه فلا ينافي ما
ذكرنا كون النسخ نوعا من التخصيص أيضا واستدل أيضا بأنا لو لم نخصص العام وألغينا الخاص
لزم إبطال القطعي بالظني وهو باطل بالضرورة بيان الملازمة إن دلالة الخاص على مدلوله قطعي
ودلالة العام محتمل لجواز أن يراد به الخاص ومرجع هذا الاستدلال إلى الترجيح من جهة قوة
الدلالة بسبب النصوصية وإن لم يكن قطعيا في معناه كما أشرنا إليه مرارا ولا بأس به وترك صاحب
المعالم رحمه الله الاستدلال به وقال في الحاشية إنما عدلنا عنه في الأصل لأنه لا يتم إلا في بعض صور
المعارضة وهو ما يكون فيه الخاص خاليا من جهة عموم ليكون قطعي الدلالة إذ لو كان له عموم من
جهة أخرى لم يكن قطعيا فليتأمل انتهى والظاهر أنه أراد مما يكون فيه الخاص خاليا من جهة عموم
ما كان جزئيا حقيقيا مثل المثال الذي سنذكره فإن الخاص الكلي أيضا عام وظاهر في معناه
لا قطعي وحسب الفاضل المدقق أنه أراد بذلك ما كان الخاص أعم من وجه من العام وجعل
ذلك شاهدا على دعواه من عموم محل النزاع بل جعله صريحا في ذلك وأنت خبير بما فيه أما أولا
فلانه لا وجه لجعل المعارضة بين العام والخاص المطلقين من بعض صور المعارضة مشعرا بقلته
بل هو الأغلب وأما ثانيا فلان مقتضى ذلك أن يكون الدليل الذي ذكره في الأصل من
319

أن العمل بالعام يقتضي إلغاء الخاص دون العكس جاريا في المعنيين وهو مما لا مساغ له في العام و
الخاص من وجه لعدم الفرق بينهما فلنرجع إلى الجواب عما أورده صاحب المعالم على الدليل ونقول ان
(لغوية)؟ الخاص لا تنفي نصوصيته وقطعيته بالنسبة إلى فرد ما من الخاص بخلاف العام فإنه لا قطع فيه إلا
على دلالته على (فرد ما)؟ من العام مع أن احتمال التجوز في الجزئي الحقيقي أيضا قائم وكذا في الخاص والعام
بالنسبة إلى غير التخصيص من سائر المجازات فالمراد بالقطعية هنا قطعية إرادة فرد ما منه بعد فرض
أن المراد هو المدلول الحقيقي في الجملة فلاوجه لترك هذا الدليل في مقام الاستدلال احتج القائل
بالنسخ بوجوه الأول أن قول القائل اقتل زيدا ثم لا تقتل المشركين بمثابة أن يقول لا تقتل زيدا
ولا عمروا ولا بكرا إلى آخر الافراد ولا شك أن هذا ناسخ فكذا ما هو بمثابته وجوابه المنع عن التساوي
فإن التنصيص بمنع التخصيص بخلاف ما إذا كان بلفظ العام واحتمال غير التخصيص من النسخ
وغيره حينئذ مرجوح لما مر مرارا فتعين التخصيص والثاني أن المخصص للعام بيان فكيف يتقدم
عليه وجوابه أن المقدم ذات البيان وأما وصف البيانية فهو متأخر وما قيل أن وصف
البيانية حينئذ مقارن للعام فهو وهم لان وصف البيانية من حيث هي يتوقف على تقدم ما يحتاج
إلى البيان وكيف كان فالبيان بوصف البيانية متأخر عما يحتاج إلى البيان طبعا وإن تقدم عليه
وضعا من حيث الذات القسم الرابع وهو ما جهل التأريخ والمعروف من مذهب الأصحاب العمل
بالخاص وهو الأقوى لأنه لا يخرج عن أحد الأقسام السابقة وقد عرفت في الكل رجحان تقديم الخاص
اما من جهة كونه ناسخا لوروده بعد حضور وقت العمل بالعام أو لكونه مخصصا كما مر مفصلا ثم إن
الكلام في هذه المقامات إذا كان الخاص مما يجوز نسخ العام به واضح وكذلك فيما لا يجوز مع العلم بالتأريخ
ويظهر الحال في الترجيح مما مر في المباحث السابقة وما سيجئ في مبحث النسخ فإطلاق الكلام
في هذه المقامات إنما هو بالنظر إلى ملاحظة تقديم كل من العام والخاص على الاخر من حيث العموم (والخصوص) و
إلا فيشكل الامر فيما يتفاوت الحال فيه من جهة النسخ والتخصيص في صورة جهل التأريخ فقد يجوز التخصيص
دون النسخ كما لو كان العام من الكتاب أو السنة المتواترة والخاص من أخبار الآحاد وجهل التأريخ
فالقول بالتقديم العمل بالخاص مطلقا يستلزم تجويزه في صورة ورود الخاص بعد حضور وقت العمل
بالعام في نفس الامر أيضا فيشكل الحكم بتقديم الخاص في صورة جهل التأريخ بقول مطلق وربما يجاب
عن هذا الاشكال في الصورة المفروضة بأن الأصل عدم تحقق شرط النسخ وهو حضور وقت العمل
فينتفي المشروط فيبقى التخصيص وهو معارض بأن الأصل عدم تحقق شرط التخصيص أيضا فإن
320

تحققه في نفس الامر أيضا مشروط بورود الخاص قبل حضور وقت العمل وما قيل أن الأصل تأخر الحادث
وهو يقتضي ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام فهو معارض بأن حضور وقت العمل
أيضا حادث والأصل تأخره فالتحقيق في الجواب إن أريد تعميم القول بتقديم العمل بالخاص في صورة
جهل التأريخ مع كون الخاص مما لا يجوز نسخ العام القطعي به أن يقال أن شيوع التخصيص وغلبته
ومرجحاته المتقدمة يقتضي ترجيح التخصيص بمعنى أن الراجح في النظر حصول ما يستلزم التخصيص في نفس
الامر لا النسخ بمعنى أن الظاهر أن الخاص ورد قبل حضور وقت العمل ليثبت التخصيص إلحاقا للشئ
بالأعم الأغلب واتباعا لمرجحات التخصيص وأما من يقول بترجيح النسخ على التخصيص فيما لو فرض تقدم
الخاص على العام كما نقلنا عن الشيخ والسيد رحمهما الله تعالى فهو أيضا يتوقف في مجهول التأريخ
لدوران الخاص بين كونه مخصصا أو منسوخا ويظهر جوابه مما مر ثم أن ثمرة هذا الاشكال وأثر ذلك
في أخبار أئمتنا عليهم السلام غير ظاهرة لعدم ورود المنسوخ في كلامهم عليهم السلام كما أشرنا سابقا ولا الناسخ
من حيث أنه ناسخ بل ما يؤثر عنهم عليهم السلام إنما هو حكاية ما علم من سنة النبي صلى الله عليه و
آله ومعاملاته وبياناته في الكتاب وسنته صلى الله عليه وآله نعم هم عليهم السلام ربما يقولون إن هذه الآية
نسخت بهذه الآية وأمثال ذلك فلو ثبت باخبارهم شئ فإنما يثبت بها حال ما وقع في زمان
الرسول صلى الله عليه وآله وأما الاخبار النبوية فعندنا قليلة جدا وأما الكتاب فقد ادعى السيد رحمه الله
إن تأريخ نزول آياته مضبوط لا خلاف فيه وذلك في الجميع محل نظر الباب الرابع في
المطلق والمقيد قانون المطلق على ما عرفه أكثر الأصوليين هو ما دل
على شايع في جنسه أي على حصة محتملة الصدق على حصص كثيرة مندرجة تحت جنس ذلك
الحصة وهو المفهوم الكلي الذي يصدق على هذه الحصة وعلى غيرها من الحصص فيدخل
فيه المعهود الذهني ويخرج العام منه والجزئي الحقيقي والمعهود الخارجي وهذا التعريف يصدق
على النكرة ويظهر من جماعة منهم الشهيد الثاني رحمه الله في تمهيد القواعد حيث قال في مقام الفرق
بين المطلق والعام أن المطلق هو الماهية لا بشرط شئ والعام هو المهية بشرط الكثرة المستغرقة
وصرح بعضهم بالفرق بين المطلق والنكرة وقد بينا ما عندنا في ذلك في مبحث العام والخاص
وإن التحقيق إمكان الاعتبارين وصحة الجمع بين التعريفين بملاحظة الحيثيات فراجع ذلك
المقام وأما ما ذكره بعضهم في وجه جعل المطلق حصة من الجنس لا نفس الحقيقة من أن الاحكام
إنما تتعلق بالافراد لا بالمفهومات فيظهر لك ما فيه مما حققناه في مبحث جواز تعلق التكليف
321

والاحكام بالطبائع فحينئذ نقول أن البيع مثلا في قوله تعالى أحل الله البيع مطلق وبيع الغرر مقيد
وكذلك الماء في مثل خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ والماء القليل المفهوم من قوله عليه السلام
إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ وكذلك صم ولا تصم في السفر ونحو ذلك وعرفوا المقيد بما
دل لا على شايع في جنسه فيدخل فيه المعارف والعمومات ولهم تعريف آخر وهو ما اخرج من
شياع مثل رقبة مؤمنة والاصطلاح الشايع بينهم هو ذلك وعلى هذا فالمطلق هو ما لم يخرج
عن هذا الشياع والنسبة بينهما عموم من وجه لصدقهما على هذا الرجل وصدق الأول على زيد دون
الثاني والثاني على رقبة مؤمنة دون الأول وكذا بين المطلق والمعنى الثاني لصدقهما على رقبة
مؤمنة والأول على رقبة دون الثاني والثاني على هذا الرجل دون الأول إذا عرفت هذا
فاعلم أن الاطلاق والتقييد يؤول من وجه إلى التعميم والتخصيص كما سنشير إليه فجميع ما مر
في أحكام معارضة العام والخاص وتخصيص العام بالخاص والفرق بين الظني والقطعي وعدمه
وأقسام معلومية التأريخ وجهالته وغير ذلك يجري هيهنا أيضا ويزيد هذا المبحث بما
سنورده وهو أنه إذا أرود مطلق ومقيد فإما أن يختلف حكمهما بمعنى كون المحكوم به فيهما مختلفين
وإن لم يختلف نفس الحكم الشرعي مثل أطعم يتيما وأكرم يتيما هاشميا أو يتحد حكمهما مثل أطعم يتيما أطعم
يتيما هاشميا اما على الأول فلا يحمل المطلق على المقيد إجماعا إلا عن أكثر الشافعية على ما نقل عنهم
فحملوا اليد في آية التيمم على اليد في آية الوضوء فقيدوها بالانتهاء إلى المرفق لاتحاد الموجب وهو الحدث
وهو باطل لأنه يرجع إلى إثبات العلة والعمل بالقياس وفيه منع القياس أولا ومنع العلة ثانيا والمختار
وهو مختار الأكثرين سواء كانا أمرين أو نهيين أو مختلفين وسواء كان موجبهما أي علة الحكم متحدا
أو مختلفا لعدم المقتضي للجمع وإمكان العمل بكل منهما رأسا إلا فيما كان أحدهما مستلزما لعدم الاخر
مثل أن يقال إن ظاهرت فأعتق رقبة ولا تملك رقبة كافرة فإن العتق والملك وإن كانا
مختلفين لكن العتق موقوف على الملك فالعتق يستلزم الملك بل عدم الملك أيضا يستلزم عدم
العتق فحينئذ يقيد المطلق بعدم الكفر فلا يجوز عتق الكافرة بل ولا يصح أيضا وأما على الثاني فإما أن
يتحد موجبهما أو يختلف أما الأول فإما أن يكون الحكمان مثبتين أو منفيين أو مختلفين فهذه
أقسام ثلاثة الأول مثل أن يقول إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة ولا
خلاف بينهم في وجوب العمل بالمقيد اما من باب البيان أو من باب النسخ والمختار أنه من باب
البيان سواء تقدم على المطلق أو تأخر عنه ولكن بشرط عدم حضور وقت العمل إذا علم تقدم المطلق
322

فيكون ناسخا فحينئذ فهيهنا مسئلتان الأولى وجوب حمل المطلق على المقيد والثانية كونه بيانا لا نسخا
لنا على المقام الأول نظير ما مر في حمل العام على الخاص لشيوع التقييد وشهرته ورجحانه وانفهامه في
العرف فإنه في الحقيقة أيضا نوع من التخصيص كما سنشير إليه واحتج الأكثرون بأنه جمع بين
الدليلين لان العمل بالمقيد يستلزم العمل بالمطلق دون العكس وهذا بنفسه لا يتم لامكان الاعتراض
بأن الجمع لا ينحصر في ذلك فلا بد من بيان المرجح ولا يتم إلا بما ذكرنا وأما سند هذا المنع فقد يقرر
بوجوه الأول أنه يمكن الجمع بينهما بحمل المقيد على الاستحباب بمعنى حمل الامر في قوله أعتق رقبة مؤمنة
مثلا على الاستحباب فيكون المؤمنة أفضل أفراد الواجب التخييري والثاني أن يحمل الامر فيه على
الواجب التخييري بمعنى التخيير المصطلح لا التخييري المستفاد من العقل فيما لو كان المأمور به
كليا قابلا لكثيرين فإنه كان مستفادا من الامر بالمطلق بانضمام حكم العقل أيضا وفيهما أنهما مرجوحان
بالنسبة إلى ما ذكرنا لما ذكرنا سيما الأخير وقد يذب عنهما أيضا بأن حمل الامر على الاستحباب مجاز جزما
كذا حمله على التخيير بخلاف استعمال المطلق في المقيد فإنه ليس مجازا مطلقا بل له جهة حقيقة
كما صرحوا به وفيه أنه إن أريد بذلك مجرد هذه الملائمة لا كونه مستعملا فيه بعنوان الحقيقة فيما
نحن فيه فله وجه وإن أريد أنه مستعمل في المقيد فيما نحن فيه بعنوان الحقيقة في بعض الأحيان ففيه أن
هذا الاستعمال ليس إلا الاستعمال المجازي لإرادة الخصوصية منه حينئذ وإن لم يتعين عند المخاطب
نعم قد يمكن دعوى الحقيقة مع عدم التعيين عند المخاطب إذا اشعر المقام بتعيينه عند المتكلم في
مثل جاء رجل من أقصى المدينة وما نحن فيه ليس من هذا القبيل لاستحالة تعليق الحكم على المبهم من
الحكيم ولو فرض مثل ذلك وحصل العلم بعد ذلك بسبب القرينة بإرادة ذلك فيكون حينئذ بيانا
للمجمل يعني يظهر بعد القرينة أنه كان مجملا فيكون هذا من باب المجمل لا المطلق فيكون مجازا في
معناه فكيف كان فلا يخرج عن المجازية وإلى هذا ينظر قولهم بكون المقيد والخاص بيانا للمطلق
والعام وتقسيمهم المجمل بما له ظاهر وما ليس له ظاهر فعلم أن ذلك خروج عن الظاهر والظاهر هو
الحقيقة فهذا الكلام في ترجيح ما اخترناه من المجاز على ما ذكره المانع ولئن سلمنا تساوي الاحتمالين
فنقول ان البراءة اليقينية لا تحصل إلا بالعمل بالمقيد كما ذكره العلامة رحمه الله في النهاية
وقد يعترض عليه بأنه لم يحصل العمل بشغل الذمة مع احتمال إرادة المجاز من المقيد حتى يجب
تحصيل اليقين بالبرائة عنه فلا وجه لوجوب العمل به وفيه أن المكلف به حينئذ هو القدر المشترك
بين كونه نفس المقيد أو المطلق ونعلم أنا مكلفون بأحدهما فاشتغال الذمة إنما هو بالمجمل ولا
325

يحصل البراءة منه إلا بالاتيان بالمقيد وإنما يتم كلام المعترض لو سلمنا أنا مكلفون بعتق رقبة
ما ولكن لا نعلم هل يشترط الايمان أم لا فحينئذ يمكن نفيه بأصل البراءة وليس كذلك بل نقول بعد
تعارض المجازين وتصادم الاحتمالين يبقى الشك في أن المكلف به هل هو المطلق أو المقيد وليس
هيهنا قدر مشترك يقيني يحكم بنفي الزايد عنه بالأصل لان الجنس الموجود في ضمن المقيد لا
ينفك عن الأصل ولا تفارق بينهما فليتأمل والثالث ذكر سلطان العلماء رحمه الله أنه يمكن العمل
بهما من دون إخراج أحدهما عن حقيقته بأن يعمل بالمقيد ويبقى المطلق على إطلاقه فلا يجب
ارتكاب تجوز حتى يجعل ذلك وظيفة المطلق وذلك لان مدلول المطلق ليس صحة العمل بأي فرد
كان حتى ينافي مدلول المقيد بل هو أعم منه ومما يصلح للتقييد بل المقيد في الواقع ألا ترى أنه
معروض للقيد كقولنا رقبة مؤمنة إذ لا شك أن مدلول رقبة في قولنا رقبة مؤمنة هو المطلق
وإلا لزم حصول المقيد بدون المطلق مع أنه لا يصلح لأي رقبة كان فظهر أن مقتضى المطلق
ليس كذلك وإلا لم يتخلف عنه وفيه أن مدلول المطلق وإن لم يكن ما ذكره ولكن مقتضاه
هو ذلك بالوجهين اللذين سنذكرهما فمقتضاه ينافي مقتضى المقيد ولا يمكن الجمع بين مقتضاه
ومقتضى المقيد بدون تصرف وإخراج عن الظاهر وقوله بل هو أعم إلخ إن أراد أن مدلول
المطلق هو الامر الدائر بين الامرين أعني أي فرد كان على البدل والمقيد فهو باطل جزما لان
مدلوله الحصة الشايعة والماهية لا بشرط كما مر وإن أراد أنه معنى عام قابل لصدقه على المعنيين
فهو صحيح ولكن مقتضاه صحة العمل بأي فرد كان منه وإن كان بضميمة حكم العقل لان الطبيعة يوجد
في ضمن أي فرد يكون والامتثال بها يحصل بالاتيان بأي فرد كان منه وأيضا الأصل براءة الذمة
عن التعيين فهو يقتضي التخيير في الافراد ولا ريب أن هذا ينافي مقتضى المقيد والظاهر أن مراد
القائل هو الشق الأول من الترديد لأنه ذكر في موضع آخر أن المراد من المطلق كرقبة ليس أي فرد
كان من أفراد الماهية على البدل بل ربما كان مدلوله معينا في الواقع وإن لم يكن اللفظ مستعملا
في التعيين بل هذا أظهر وأكثر في الاخبار نعم في الأوامر يحتمل الاحتمالين فلا يكون التقييد تخصيصا
وقرينة على المجاز انتهى ملخصا وأنت خبير بأن كل ما يتعلق به الحكم الشرعي على سبيل التعيين في
الواقع فلا بد أن يكون معرفة المخاطب للتعيين مقصودا فيه من الشارع سواء قارنه ذكر التعيين
أو فارقه وسواء كان في صورة الاخبار كقوله تعالى أحل الله البيع أو في صورة الانشاء أمرا كان كأعتق
أو نهيا لتمكن الامتثال فذكر لفظة المطلق وإرادة المعين الواقعي مجاز جزما نعم ربما يصح ذلك
326

في القصص والحكايات مثل قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة ومحل النزاع وموضع البحث ليس
من هذا القبيل فكلما فرض استعمال مطلق وإرادة فرد معين واقعي منه ولم يقترن بقرينة فهو حقيقة
في بادي النظر ويحصل العلم بكونه مجازا بعد ظهور القرينة والحاصل أن استعمال المطلق في المقيد
حقيقة على وجهين ومجاز على وجه ومآل الوجهين يرجع إلى كون المقصود بالذات الحكم على الكلي و
يكون إرادة الفرد مقصودا بالعرض وذلك يحصل في مثل جاء رجل من أقصى المدينة وفي مثل
ائتني برجل إذا أراد فردا منه أي فرد يكون ومآل الوجه الاخر إلى ذكر المطلق وإرادة فرد خاص منه
إما باقترانه بما يدل على ذلك أو بإنكشاف ذلك بعد ظهور القرينة وكلامنا إنما هو في الأخير و
هو المتداول في مسائل المطلق والمقيد فلو قيل بعد قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى
جاء حبيب النجار يسعى أو جاء (حزقيل)؟ مؤمن آل فرعون يسعى يكون بيانا للمجمل لا تقييدا للمطلق فقد
خبط القائل خبطا عظيما واختلط عليه الامر فلا تغفل وقوله ألا ترى أنه معروض للقيد فيه ما لا يخفى
إذ لا شك أن مدلول رقبة في قولنا رقبة مؤمنة هو المقيد لا المطلق والمؤمنة قيد للمقيد قوله
وإلا لزم حصول المقيد بدون المطلق فيه أنه لا يستلزم ذلك محالا وقبيحا بل هو عين الحق والذي
لا يمكن تخلف المقيد عنه إنما هو المفهوم الكلي القدر المشترك بينه وبين غيره من الافراد وهو
ليس معنى الرقبة في قولنا رقبة مؤمنة وبالجملة لفظ رقبة وإن كان دالا على المعنى القدر المشترك
بين الافراد في الجملة لكنه يقال له المطلق إذا استعمل وحده ويقال له المقيد إذا استعمل مع القيد
فلا يلزم من وجود المقيد في الخارج وجود المطلق بل إنما يلزم منه وجود ما وجد في المطلق من المعنى
الكلي ثم إن هيهنا كلاما من المحقق البهائي رحمه الله في حواشي زبدته في مباحث المفاهيم وهو أنه قال
قد يقال ان القائلين بعدم حجية مفهوم الصفة قد قيدوا المطلق بمفهومها في نحو أعتق في
الظهار رقبة أعتق في الظهار رقبة مؤمنة فإذا لم يكن مفهوم الصفة حجة عندهم كيف يقيدون
به المطلق فما هذا إلا التناقض والجواب أن مفهوم الصفة إما أن يكون في مقابله مطلق كما
في المثال المذكور أو لا نحو جاء العالم ففي الثاني ليس مفهوم الصفة حجة عندهم فلا يلزم من الحكم
بمجئ العالم نفي مجئ الجاهل إلا إذا قامت قرينة على إرادة ذلك أما الأول فقد أجمع أصحابنا
على أن مفهوم الصفة فيه حجة كما نقله العلامة طاب ثراه في نهاية الأصول فالقائلون بعدم حجية
مفهوم الصفة يخصون كلامهم بما إذا لم يكن في مقابلها مطلق لموافقتهم في حجية ما إذا كان في
المقابل مطلق ترجيحا للتأسيس على التأكيد وقريب من هذا الاعتراض على القائلين بأن الامر
329

حقيقة في الوجوب كيف قالوا بأن الامر الوارد عقيب الحظر حقيقة في الإباحة انتهى أقول ولا
خفاء في بطلان الاعتراض ولا وقع لهذا الجواب اما الاعتراض فلان مفهوم قوله أعتق في
الظهار رقبة مؤمنة عدم وجوب عتق غير المؤمنة لا حرمة عتق غير المؤمنة فلا ينافي جواز عتق
الكافرة وحمل المطلق على المقيد إنما هو من جهة ملاحظة المنطوق لا المفهوم فإن المطلوب إن
كان عتق فرد واحد فلا ريب أن مع وجوب عتق المؤمنة لا يمكن الامتثال بغيرها وإن كان
مطلق الطبيعة فبعد وجود عتق المؤمنة وحصول الامتثال بإيجاد الطبيعة في ضمنه فلا يبقى
طلب حتى يحصل الامتثال بغيرها فيكون الاتيان ثانيا حراما فلا منافاة بين القول بعدم حجية
المفهوم ووجوب حمل المطلق على المقيد وان أول قوله أعتق رقبة مؤمنة بأن المراد منه أن
كفارة الظهار عتق رقبة مؤمنة لا مجرد إيجاب عتق رقبة مؤمنة فهو وإن كان يصحح الاعتراض
في الجملة ولكنه لا يتم أيضا إذ يكفي في نفي الجواز الغير وحدة المطلوب مع ملاحظة المنطوق ولا
حاجة إلى استفادته من المفهوم نعم يمكن جريان هذا التوهم في العام والخاص المتوافقين في
الحكم والنفي والاثبات مثل قولك أكرم بني تميم أكرم بني تميم الطوال فإن نفي وجوب الاكرام في
البعض ينافي وجوبه في الكل ولا يجري في المطلق والمقيد لعدم العموم الافرادي في المطلق ولذلك
تراهم متفقين في عدم وجوب حمل العام على الخاص ثمة وإنما خصوا الحمل بالعام والخاص (المتنافيي)؟
الظاهر وأما الجواب ففيه أنه يفهم منه قبول التناقض في الجملة وقد ظهر لك بطلانه وإنه لا حاجة
إلى التمسك بالاجماع والاجماع لا يثبت حجية المفهوم في الموضع الخاص بل إنما يثبت وجوب العمل
بالمقيد والظاهر أن العلامة رحمه الله أيضا لم يدع الاجماع إلا على ذلك ولم يحضرني الآن كتاب النهاية
لألاحظ وأيضا التمسك بترجيح التأسيس على التأكيد أيضا مما لا يناسب المقام إذ هو مما يصلح
مرجحا لجميع موارد المفهوم ولا اختصاص له بما نحن فيه وإن قيل إنه فيما انحصر فائدة القيد في اعتبار
المفهوم فنمنع الانحصار فيما نحن فيه إذ التأسيس يحصل بحمله على إرادة الأفضلية ومما ذكرنا
يظهر أن ما نحن فيه ليس من قبيل الامر الواقع عقيب الحظر وقد مر التحقيق فيه ولنا على المقام الثاني
أنه نوع من التخصيص فان المستفاد من المطلق ومقتضاه ولو بانضمام العقل إليه حصول الامتثال
بأي فرد كان من أفراده فهو عام لكنه على البدل وقد عرفت في العام والخاص أن الخاص مبين
لا ناسخ إلا في صورة تقدم العام وحضور وقت العمل فذلك المطلق والمقيد واحتج من قال
بكون المقيد ناسخا إذا تأخر عن المطلق والظاهر أنه لا يشترط حضور وقت العمل للنسخ بأن الدلالة
330

لا بد أن تكون مقارنة باللفظ فلو كان المقيد بيانا للمطلق لكان المطلق مجازا فيه وهو فرع الدلالة
وهي منفية والجواب منع لزوم المقارنة ولا يلزم منه شئ إلا تأخير البيان عن وقت الخطاب و
لا دليل على امتناعه وأجيب أيضا بالنقض بصورة تقدم المقيد فالمطلق الوارد بعده لا بد أن
يراد منه المقيد من دون (دلالة و) تقييد الرقبة بالسلامة عندهم أيضا واعترض على الأول بأن تقدم المقيد
يصلح قرينة لانتقال الذهن من المطلق إلى المقيد بخلاف العكس وعلى الثاني بمنع تناول الرقبة
للناقصة حتى يكون مجازا في السليمة ولو سلم فالمطلق ينصرف إلى الفرد الكامل والشايع الثاني
وهو ما كانا منفيين مع اتحاد الموجب حكمه وجوب العمل بما اتفاقا ومثل له الأكثرون بقوله
في كفارة الظهار لا تعتق مكاتبا لا تعتق مكاتبا كافرا وأورد عليه بأنه من تخصيص العام لا تقييد
المطلق فإن النكرة المنفية تفيد العموم وبدله بعضهم بقوله لا تعتق المكاتب لا تعتق المكاتب
الكافر مع تقييده ذلك بعدم قصد الاستغراق بل جعله من العهد الذهني وأورد عليه بأن
معناه حينئذ لا تعتق مكاتبا ما عن المكاتب على سبيل البدل والاحتمال من غير قصد إلى الاستغراق
ويكفي لامتثاله بعدم عتق فرد واحد من المكاتب فقط ويحتمل حينئذ أن قوله لا تعتق مكاتبا كافرا
بيان لهذا الفرد المنفي فمن أين يحصل الحكم بعدم إجزاء اعتاق المكاتب أصلا كما قالوا في حكم هذه
المسألة سيما مع اعتبار مفهوم الصفة أقول ويمكن دفع الايراد عن مثال الأكثرين بإرادة
الجنس فيكون التنوين تنوين التمكن ويصح المثال الثاني أيضا بإرادة الماهية أيضا كما بينا سابقا
فلا حاجة إلى جعله من باب العهد الذهني مع أنه أيضا في معنى النكرة ولا يدفع الاشكال مع أن التقييد
بعدم قصد الاستغراق لا فايدة فيه إلا أن يراد دفع توهم أن يجعل من قبيل والله لا يحب كل
مختال فخور وإلا فاللام داخل على المنفي والنفي إنما يفيد نفي العموم لا عموم النفي فهو أوفق بالمطلق
من العام وأما ما ذكره المورد من أن معناه حينئذ إلخ ففيه أنه إن أراد أن مكاتبا ما من المكاتب
على سبيل البدل والاحتمال مورد للنهي ومتعلق له مع وصف كونه محتملا فهو عين النكرة المنفية
المفيدة للعموم وإن أراد بعد اختيار المكلف تعيينه في ضمن فرد معين فهو ليس معنى هذا
اللفظ بل يحتاج إلى تقدير وإضمار ومع ذلك فكيف يكون المقيد بيانا له كما ذكره إذ البيان إنما
حصل باختيار المكلف ذلك الفرد وإن أراد جعله من باب جاء رجل من أقصى المدينة فهو مع
فيه مما مر أنه ليس من موضوع المسألة في شئ فيه ان هذا ألصق بالمثال المشهور من هذا المثال
فلا وجه للعدول عنه فبالضرورة لا بد أن يكون مراد من بدل المثال بذلك غير هذا نعم يصح
331

ما ذكره لو أخرج النهي عن معناه إلى معنى إثباتي مثل أن يراد منه أبق على الرق مكاتبا ما وحينئذ
يتم معنى المطلق ويكتفي في الامتثال بعدم عتق فرد واحد إلى آخر ما ذكره لكنك خبير بأنه خارج
عن مقاصد الفروع وأغلب موارد الاستعمالات في الشرع والعرف إذ المقصود من أمثال ذلك
بيان مورد العتق لا بيان مورد إبقاء الرق فالمقصود بالذات عتق غير المكاتب لا إبقاء الرق
للمكاتب مع أن إرادة فرد ما بعد النهي بدون العموم مما يعبد فرضه غالبا أو يصير المعنى حينئذ
كون غير ذلك المنفي من الافراد محكوما عليها بذلك الحكم فيكون معنى لا تعتق مكاتبا ما أعتق
من عداهم من العبيد وهو وإن كان يتم في مثل هذا المثال لو كان مالكا لمكاتب ولغير مكاتب
ولكن كيف يتم في مثل لا تقتلوا الصيد مثلا إذ حينئذ يكون معناه لا تقتلوا صيدا ما إلا أن يخرج
أيضا إلى المعنى الاثباتي مثل أن يقال إذا أصبتم صيودا فأبقوا منها واحدا ويجوز لكم قتل الباقي
وهذا كله خارج عن العرف والعادة ثم إن الحكم بوجوب العمل بالمطلق والمقيد هنا لا يتم إلا
بفرضهما عاما وخاصا والظن أن اتفاقهم على ذلك مبني على مثالهم المشهور وإلا فعلى الفرض
الذي ذكرنا من إرادة الماهية لا بشرط فيمكن الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد اللهم إلا أن
يعتمد على الاجماع في ذلك بمعنى أن يكون ذلك كاشفا من اصطلاح عند أهل العرف متفقا
عليه وهو كما ترى وإن أريد الاجماع الفقهي فلا يخفى بعده الثالث وهو ما كانا مختلفين مثل
إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فلا تعتق رقبة كافرة فحكمه حمل المطلق على المقيد و
وجهه ظاهر مما مر وأما الثاني كإطلاق الرقبة في كفارة الظهار وتقييدها في كفارة القتل فمذهب
الأصحاب فيه عدم الحمل ولا فرق بين الأقسام المتصورة فيه من كونهما مثبتين أو منفيين أو
مختلفين واختلف مخالفونا فعن الحنفية المنع عنه مطلقا وعن أكثر الشافعية أنه يحمل عليه إن
اقتضاه القياس ووجد شرائطه وعن بعضهم الحمل مطلقا وحججهم واهية لا تليق بالذكر والحق
ما اختاره الأصحاب لعدم المقتضي الباب الخامس في المجمل والمبين
والظاهر والمؤول قانون المجمل ما كان دلالته غير واضحة بأن يتردد بين معنيين فصاعدا
من معانيه وهو قد يكون فعلا وقد يكون قولا أما الفعل فحيث لم يقترن بما يدل على جهة وقوعه
من الوجوب والندب وغيرهما كما إذا صلى النبي صلى الله عليه وآله صلاة ولم يظهر وجهها و
أما القول فهو إما مفرد أو مركب أما المفرد فاما إجماله بسبب تردده بين المعاني بسبب الاشتراك
اللفظي في أول الامر كالقرء أو بسبب الاعلال كالمختار أو بسبب الاشتراك المعنوي
332

وهو فيما لو أراد منه فردا معينا عنده غير معين عند المخاطب وذلك إما في الاخبار مثل جاء رجل
من أقصى المدينة وإما في الأوامر والاحكام مثل أن تذبحوا بقرة وأعتق رقبة إذا أريد بها
المؤمنة وإلى هذا ينظر قولهم إن الخاص والمقيد بيان لا ناسخ وقولهم فيما سيأتي أنه لا يجوز تأخير
البيان عن وقت الخطاب فيما له ومرادهم مما له ظاهر هو الظاهر على الظاهر وفي النظر الأول
ومرادهم بكونه مبينا بالخاص المستلزم لاطلاق المجمل عليه هو المجمل في النظر الثاني فلا يتوهم التناقض
بين وصف العام بالمجمل والظاهر والحاصل أن مرادهم بكون العام والمطلق حينئذ مجملا وكون الخاص
والمقيد بيانا هو أن الخاص والمقيد يكشفان عن أن مراد المتكلم بالعام والمطلق كان فردا
معينا عنده مبهما عند المخاطب وهذا هو الأكثري في الاحكام وإلا فقد يقترن العام والمطلق
بقرينة تدل على إرادة مرتبة خاصة من العام وفرد خاص من المطلق ولكنه لم يقترن ببيان
تلك المرتبة فذلك مجمل في أول النظر أيضا ولكنه مجاز حينئذ ولا يقال له أنه مما له ظاهر فإن القرينة
أخرجته من الظهور في أول النظر أيضا وقد يجعل من الاجمال باعتبار الاشتراك المعنوي قوله تعالى
وآتوا حقه يوم حصاده باعتبار إمكان صدق الحق على كل واحد من الابعاض مع أن المراد هو
العشر لا غير والتحقيق أنه يرجع إلى الإشارة إلى القدر المخرج من المال الذي قدره الشارع مثل
الزكاة مثلا فالاجمال بسبب الاشتراك المعنوي إنما هو فيما لو قال أخرج قدرا من مالك و
أراد قدرا معينا ولم يبين وأما إذا سمى ذلك القدر بالحق فهيهنا الحق معين لان المراد منه
هو القدر المذكور فالاجمال في الحق إنما هو باعتبار الاجمال في مسماه ومن الاجمال تردد اللفظ
بين مجازاته إذا قام قرينه على نفي الحقيقة وتساوت مجازاته وأما المركب فإما أن يكون الاجمال
فيه بجملته مثل قوله تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح المتردد بين الزوج وولي المرأة أو
باعتبار تخصيصه بمخصص مجهول مثل اقتلوا المشركين إلا بعضهم مع إرادة البعض المعين وأحل
لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين لجهالة
معنى الاحصان فإنه قد يجئ بمعنى الحفظ كما في أحصنت فرجها وقد يجئ بمعنى التزوج وقد يكون الاجمال
بسبب تردد مرجع الضمير بأن يتقدمه شيئان يحتمل رجوعه إلى كل منهما مثل ضرب زيد عمروا
وأكرمته ومرجع الصفة مثل زيد طبيب ماهر لاحتمال كون المهارة في الطب أو لزيد مطلقا إذ
عرفت هذا فاعلم أن التكليف بالمجمل جايز عقلا واقع شرعا وتوهم لزوم القبح لعدم الافهام فاسد
لان ذلك إنما يتم إذا كان وقت الحاجة والفائدة فيه قبل الحاجة الاستعداد والتهيؤ للامتثال
335

وتوطين النفس ووقوعه في الآيات والاخبار أكثر من أن يحتاج إلى الذكر وقد سمعت بعضها و
ستسمع ثم أن هيهنا فروعا مهمة الأول ذهب أكثر الأصوليين إلى أنه لا إجمال في آية السرقة
لا من جهة اليد ولا من جهة القطع وذهب السيد المرتضى رحمه الله وجماعة من العامة إلى إجمالها
بسبب اشتراك اليد بين جملتها وبين كل واحد من أبعاضها وقيل بإجمالها باعتبار القطع أيضا
لاشتراكه بين الإبانة والجرح حجة السيد مع تحرير مني لها أن اليد تطلق على الجملة وعلى كل بعض
منه كما يقال غوصت يدي في الماء إذا غوصه إلى الأشاجع أو إلى الزند أو إلى المرفق وأعطيته بيدي
وكتبت بيدي مع أنهما إنما حصلا بالأنامل والاستعمال دليل الحقيقة فثبت الاشتراك قال و
ليس قولنا يد يجري مجرى قولنا إنسان كما ظنه قوم لان الانسان يقع على جملة يختص كل بعض منها باسم من
غير أن يقع إنسان على أبعاضها بخلاف اليد ويظهر من ذلك استدلال من يعتبر القطع أيضا
في الاجمال والجواب أن الاستعمال أعم من الحقيقة كما مر مرارا والتبادر علامة الحقيقة والمتبادر
من اليد إنما هو المجموع إلى المنكب والشاهد على ما ذكرنا أنه إذا قيل فلان بيده وجع يقال له
أي موضع من يده به وجع لا أي يد منه به وجع نعم يصح الاستفهام بالنسبة إلى اليمنى واليسرى
فعلم أنه موضوع للمفهوم الكلي الذي مصداقه هو مجموع ذلك العضو ولا ريب أنه لو كان اليد
موضوعا لكل واحد من الاجزاء لصح الاستفهام بأنه أي الأيدي ومن القطع الإبانة والمقايسة
بالانسان وتمثيله في مقابل اليد دون زيد لان الانسان لم يوضع إلا للمفهوم الكلي وإطلاقه
على الشخص من باب إطلاق الكلي على الفرد فهو المناسب للمقايسة والتمثيل ولا يخفى عليك أن
كليهما مثل اليد فيقال قبلت زيدا أو إنسانا وإنما قبل وجهه أو ضربت زيدا أو إنسانا وإنما ضرب
رجله وهكذا بل الظاهر أن مرادهم في النزاع إنما هو بعنوان المثال وهذا الكلام يجري في الرجل و
الوجه والرأس والجسد واليوم والليل وغير ذلك مما يكون ذا أجزاء وكل جزء منه مسمى باسم على حدة
ويطلق اسم المجموع على كل منها والتحقيق في الكل أن الأسامي في الكل موضوعة للمجموع وإطلاقها على
الابعاض مجاز نعم هيهنا معنى دقيق خالجني في حل الاشكال في بعض موارد هذه ال‍ مسألة وهو أنهم
اختلفوا في حقيقة الليل والنهار وطال التشاجر بينهم فقيل بأنه ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب
الشمس وقيل ما بين طلوع الشمس إلى الغروب وقيل بالاشتراك وقيل بكون ما بين الطلوعين واسطة
والتحقيق عندي القول الأول ولكني أقول ان من اشتغل من أول طلوع الشمس إلى الغروب بعمل
فيصدق عليه أنه عمل يوما حقيقة فلو صار أجير يوم برء ذمته وكذا لو وقع مورد نذر وكذا لو دخل
336

في بلد في أول طلوع الشمس يحسب ذلك اليوم من أيام إقامته وبيان ذلك أن هذا من خواص
الإضافة لا أن المضاف إليه حقيقة في هذا القدر فهذا عمل يوم حقيقة لا أنه عمل اليوم الحقيقي
وإقامة في اليوم الحقيقي فهذا حقيقة عرفية للتركيب الإضافي ولذلك يقال نمت ليلة في هذه
الدار ويراد منه القدر المتعارف بعد التعشي والجلوس بعده وهو معنى حقيقي وعليه يتفرع مقدار
المضاجعة في قسم الزوجة وهكذا في النظائر فلو قيل فلان ضرب زيدا فلا ريب أنه حقيقة وإن كان
الضرب وقع على بعض أعضائه وكذلك لو قال جرح زيدا وكذلك جرح يده ورجله ونحو ذلك و
لكن إذا قيل أبن يده عن جسده لا يتأمل في أن المراد هو مجموع العضو إلى المنكب ولا يسئل هل
أبين كفه أو ساعده أو عضده وكذلك إذا قيل اغسل جسدك يفهم منه تمام الجسد وأما إذا قيل
جرح يد زيد أو جسد زيد أو ضرب على جسد زيد يفهم تمامه بل يكفي حصوله في الجملة ولذلك
يحسن الاستفهام بأنه في أي موضع منه لا أي يد ولا أي جسد وعلى هذا فإذا قيل اغسلوا وجوهكم
فيجب غسل تمام الوجه وكذلك اغسلوا أيديكم لو لم يكن قوله تعالى إلى المرافق وكذلك لو قيل امسحوا
رؤوسكم ولذلك اختلفوا في قوله تعالى وامسحوا برؤسكم مع ذكر الباء في كونه مجملا وعدمه ونحن
قد تخلصنا عن الاجمال ببيان أئمتنا عليهم الصلاة والسلام من كون الباء للتبعيض بالنص
الصحيح واختلف الناس فيه على أقوال فذهب الحنفية إلى أنها مجملة وبينها النبي صلى الله عليه وآله
بمسح ناصيته ودليله أن الباء إذا دخلت في محل المسح تعدى الفعل إلى الآلة فيستوعبها دون
المحل كما في الآية وإذا دخلت في آلة المسح تعدى الفعل إلى محله فيستوعبه دون الآلة مثل مسحت رأس
اليتيم بيدي وموجب ذلك في الآية مسح بعض الرأس والبعض يحتمل السدس والربع وغيرهما وفيه أن
المراد هو مطلق البعض ومسماه وهو يحصل في ضمن أي الابعاض اختاره فلا إجمال وذهب جماعة منهم
إلى وجوب مسح الكل لمنعهم مجئ الباء للتبعيض ويقولون أنه للالصاق والعضو حقيقة في المجموع و
ذهب بعضهم إلى القدر المشترك لمجيئها لكلا المعنيين والمجاز والاشتراك خلاف الأصل فتعين
القدر المشترك ووافقنا جماعة منهم انها للتبعيض مدعين أنها إذا دخلت على اللازم كانت
للتعدية وإذا دخلت على المتعدي كانت للتبعيض ولأن العرف إنما يفهم في مثل مسحت يدي بالمنديل
البعض وأجيب بالمنع وبأن الباء في المنديل للاستعانة والالية وهو يقتضي ذلك بخلاف ما
نحن فيه والحق مجيئه للتبعيض كما هو مذهب الكوفيين ونص الأصمعي على مجيئها له في نظمهم ونثرهم
وهو المنقول عن أبي علي الفارسي وابن كيسان وعده صاحب القاموس من معانيه وكذلك ابن
337

هشام في المغني فلا عبرة بإنكار سيبويه وابن جني ذلك مع أن الشهادة على الاثبات مقدم ومع
جميع ذلك فصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ناطقة بذلك الثاني اختلفوا في نحو قوله صلى الله عليه وآله
لا صلاة إلا بطهور ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ولا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل ولا
نكاح إلا بولي مما نفي فيه الفعل ظاهرا والمراد نفي صفة من صفاته هل هو مجمل أم لا على أقوال ثالثها
إن كان الفعل المنفي شرعيان كالصلاة والصيام أو لغويا ذا حكم واحد فلا إجمال وإن كان لغويا
له أكثر من معنى فهو مجمل والحق عدم الاجمال كما اختاره الأكثر واحتجوا عليه بما تحريره وتوضيحه
أن الفعل المنفي في هذه التراكيب إن كان من قبيل العبادات وقلنا بأنها حقيقة شرعية في الصحيحة
منها فحينئذ يصح نفي الذات ويمكن حمل التركيب على الحقيقة اللغوية لعدم منافاة وجود عامة أركان
الصلاة التي يطلق عليها الصلاة حقيقة على القول بكونها أسامي للأعم لنفي اسم الصلاة حقيقة
عنها على هذا القول وحينئذ فإذا صح الحمل على المعنى الحقيقي فنحملها عليه إذ المانع عنه لم يكن الا عدم الامكان
باعتبار وجود الأركان في الجلة وقد انتفى اعتبار ذلك على هذا القول فإذا صح الحمل على نفي الذات
فيعلم ان ذلك بسبب كون ما فقد مع تلك الأركان من مثل الطهور والفاتحة شرطا أو جزء وإلا
لما صح نفي الذات فعلم بذلك النفي كونهما شرطا أو جزء أيضا فينتفي الاجمال فلا إجمال وإن لم يكن من
قبيل العبادات أو كان ولم نقل بكونها حقايق في الصحيحة بل تكون حقيقة في الأعم فإن قلنا بثبوت
معنى عرفي لهذه التراكيب بأن يقال المراد من أمثالها نفي الفايدة كما في قولهم لا علم إلا ما نفع ولا
كلام إلا ما أفاد فيحمل عليه ويعبر عن الفايدة بالصحة إذا كان في مثل العبادات إذ الصحة هو ترتب
الأثر وهو مساوق الفايدة وإن لم نقل بثبوت ذلك فالامر متردد فيها بين أن يكون المراد نفي
الفائدة أو نفي الكمال وإذا تردد الامر بين هذين المجازين فنقول ان نفي الفايدة والصحة أقرب إلى
الحقيقة نم نفي الكمال فيحمل عليه فلا إجمال أيضا أقول وبما حققنا في أوائل الكتاب تعرف أنه لا حاجة
إلى إقحام كونها حقيقة شرعية في الصحيحة بل يكفي إرادة الشارع من الأركان المخترعة الصحيحة منها ثم
أن التمسك بأقربية المجاز ليس من باب إثبات اللغة بالترجيح بل من باب تعيين أحد المجازات
بكثرة التعارف ولذلك يقال هو العدم إذا كان بلا منفعة والمراد بكثرة التعارف كثرة إرادة هذا
المجاز وظهوره في العرف لا صيرورتها حقيقة فيه ليناقض ما تقدم احتج القائل بالاجمال باختلاف
العرف في نفي الصحة والكمال وتردده فيلزم الاجمال والجواب إن أريد أن أهل العرف مختلفون في
الفهم فبعضهم يدعي ظهور هذا وبعضهم ظهور ذلك فلا إجمال عند أحد منهم وكل يحمل على ما يفهمه
338

وإن أريد أن العرف مترددون بمعنى عدم استقرار رأي أحدهم على شئ لتساوي الاحتمالين في كل
مورد قلنا لا نسلم التردد وإن سلم فهو في البادي وأما بعد التأمل ففي الصحة أرجح لكونه أقرب
إلى الحقيقة فيقدم على غيره وإن أريد أن الألفاظ مختلفة في الفهم فيفهم من قوله لا صلاة لجار المسجد
إلا في المسجد نفي الكمال ومن قوله عليه السلام لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب نفي الصحة وهكذا قلنا ممنوع بل
الظاهر في الكل نفي الصحة والاجماع وسائر الأدلة هو المخرج عن مقتضى الظاهر في الأول ويظهر حجة المفصل
وجوابها مما تقدم بالتأمل والظاهر أن المفصل ممن يدعي كون الألفاظ الشرعية كلها حقيقة في
الصحيحة الثالث اختلفوا في التحليل والتحريم المضافين إلى الأعيان مثل حرمت عليكم
أمهاتكم والخمر والخنزير والميتة وأحلت لكم بهيمة الأنعام وما وراء ذلكم والطيبات وغير ذلك
وكذلك غير لفظ الحل والحرمة من الاحكام والأكثر على عدم الاجمال واحتجوا عليه بأن استقراء
كلام العرب يفيد أن في مثل ذلك المراد هو الفعل المقصود من ذلك كالأكل من المأكول والشرب
من المشروب واللبس من الملبوس والوطي من الموطوء وأنت خبير بأن المقامات في أمثال
ذلك مختلفة إذ الشئ قد يتصف بكونه مأكولا وبكونه مبيعا وبكونه مشترى وهكذا المشروب
فقد يقصد بالخمر الشرب وقد يقصد البيع وقد يقصد الشري وغير ذلك وكذلك قد يكون
الشئ الواحد مشتملا على أشياء كالميتة المشتملة على اللحم والشحم والإهاب والعظم والصوف و
المقصود من الإهاب قد يكون هو اللبس وقد يكون هو الاستسقاء به وغير ذلك فلا بد من ملاحظة
ذلك فإرادة المنكوح والموطوء من الأمهات والبنات ونحوها والقول بأن المقصود منها
ذلك لا معنى له إلا بإرادة بعض النسوان منها نعم مقابلة المرأة بالرجل وخلقة النسوان يصحح أن
يقال المقصود المتعارف منها الوطئ وأما مع عنوان الام والبنت بدون قرينة على أن ذكرها في
مقام بيان المحرمات والمحللات من حيث النكاح فيشكل دعوى ذلك وكذلك الميتة في مقام
لم يظهر قرينة على أن المراد بيان المأكولات فالاستصباح والاكل واتخاذ الصابون بالنسبة إلى
الشحم متساوية فلو قيل حرم عليكم شحوم الميتة فلا يخفى أن الاجمال ثابت ولا كلام فيما ظهر من القرائن
إرادة فرد من الافراد والظاهر أن مراد المنكر هو عدم دلالة اللفظ بالذات على شئ مع تعدد الافعال
لا في (مثل) آية التحريم المنادية بأن المراد بيان من يجوز نكاحها من النساء ومن لا يجوز ولا ريب
أن الاجمال فيما لا قرينة فيه ثابت ويمكن دفع الاجمال في أمثال ذلك بحملها على الجميع لئلا يلزم
القبيح في كلام الحكيم وعراه عن الفايدة واحتج القائل بالاجمال بأن تحريم العين غير معقول فلا بد
339

من إضمار فعل يصلح متعلقا له لان الاحكام إنما تتعلق بأفعال المكلفين ولا يمكن إضمار كل الافعال
المتعلقة بها لان الاضمار خلاف الأصل فلا يرتكب إلا بقدر الضرورة وهي ترتفع بإضمار
البعض ولا دليل على خصوصية شئ منها فيقع الاجمال وأجابوا عنه بمنع عدم الدليل على الخصوصية
لان ظهور ما هو المقصود منه في العرف يرجح ذلك أقول وقد عرفت ما في ذلك فالتحقيق في الجواب
أن ما لم يثبت من الخارج مرجح لاحد المعاني فنحملها على الجميع إذ قد لا يرتفع الضرورة إلا بذلك
فقوله وهو يرتفع بإضمار البعض مطلقا ممنوع قانون المبين نقيض المجمل فهو ما دلالته
على المراد واضحة وهو قد يكون بينا بنفسه مثل قوله تعالى والله بكل شئ عليم فإن أفادته
لشمول علمه تعالى لجميع الأشياء بنفس اللغة لا بشئ خارج وفي هذا المثال تأمل إذ العام ظاهر في
الشمول وليس بنص نعم مع انضمام الخارج إليه يصير نصا لكنه ليس مقتضى اللغة وقد مر في الفرق
بين النص والظاهر في محله ما ينفعك هنا وقد يكون مع تقدم إجمال كقوله تعالى أقيموا الصلاة بعد
حصول البيان بفعله عليه السلام والعام المخصص وغيرهما وتسمية القسم الأول بالمبين إما مسامحة وإما
لأنه من باب ضيق فم الركية فإن أهل اللغة وضعوه مبينا والبيان مأخوذ من بان بمعنى ظهر أو
من البين وهو الفرقة بين الشيئين وهو إما المراد به فعل المبين وهو التبيين كالكلام بمعنى
التكليم والسلام بمعنى التسليم وأما الدليل على ذلك أي ما به التبيين وأما متعلق التبيين وهو
المدلول ومعناه حينئذ العلم من الدليل وقد يسمى ما به البيان مبينا على لفظ الفاعل وهو يحصل بالقول
إجماعا وبالفعل على الأقوى أما القول فمن الله تعالى كقوله عز وجل صفراء فاقع إلخ فإنه بيان للبقرة
في قوله تعالى أن تذبحوا بقرة على الأصح ومن الرسول كقوله صلى الله عليه وآله فيما سقت السماء
العشر فإنه بيان لمقدار الزكاة المأمور بإتيانها وأما الفعل فهو قد يكون دلالته على البيان بمواضعه
كالكتابة وعقد الأصابع والإشارة بالأصابع في تعيين عدد أيام الشهر وغيره أو بغيرها كما
بين صلى الله عليه وآله الصلاة والحج بفعله وإتيانه بالأركان على ما هي عليه وقد يكون تركا كما لو ركع
في الثانية بغير قنوت فإنه يدل على عدم وجوبه ثم العلم بكون الفعل بيانا إما يعلم بالضرورة من قصده
أو بقوله إن ما فعله بيان للمجمل أو أمره بأن يفعل مشابها لما فعله مثل قوله عليه السلام صلوا كما رأيتموني أصلي
فإنه ليس فيه بيان قولي لافعال الصلاة بل إحالة على ما فعله في الخارج فبطل ما توهم أن هذا بيان
قولي الا فعلي أو بالدليل العقلي كما لو أمر بفعل مضيق مجمل وفعل فعلا يصلح لكونه بيانا فالعقل يحكم بأنه
بيان له وإلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وخالف بعض العامة في جواز كون الفعل بيانا
340

محتجا بأن البيان بالفعل يوجب الطول فيتأخر البيان مع إمكان تعجيله وفيه أولا أنه قد يكون القول
أطول من الفعل وثانيا أنه يلزم تأخير البيان لو لم يشرع بالفعل بعد إمكان الشروع وبعدما شرع
فإذا احتاج إتمامه إلى زمان طويل لا يسمى ذلك تأخير البيان عرفا كما لا يسمى بذلك في القول في الزمان
المحتاج إليه وثالثا أنه لا قبح في هذا التأخير سيما إذا كان أصلح ورابعا أن امتناع تأخير البيان مع
إمكان التعجيل إنما يسلم قبحه إذا كان عن وقت الحاجة وهو خارج عن الفرض قانون ذهب
أصحابنا وجميع أهل العدل إلى امتناع تأخير بيان المجمل عن وقت الحاجة لاستلزامه تكليف ما لا يطاق
وأما تأخيره عن وقت الخطاب ففيه أقوال ثلاثة المشهور الجواز وفصل بعضهم فجوز في غير ما له ظاهر
وأما ما له ظاهر كالعام والمطلق والامر الظاهر في الوجوب فلا يجوز فيه تأخير البيان رأسا وأما
مع البيان الاجمالي فلا بأس وربما زاد بعض العامة عدم جواز تأخير البيان في المنسوخ أيضا فذهب
إلى لزوم اقترانه بالبيان الاجمالي بأن يقال وقت الخطاب إن هذا الحكم سينسخ وهو في غاية
الضعف للاجماع من العامة والخاصة على عدمه بل جعلوا تأخير بيان الناسخ من شرائط النسخ
لنا على الجواز مطلقا عدم المانع عقلا ووقوعه في العرف والشرع أما الأول فلما سنبين من ضعف
ما تمسك به المانع وإمكان المصلحة في التأخير مثل توطين المكلف نفسه على الفعل والعزم عليه
إلى وقت الحاجة وتهيؤه للفعل حتى يكون عليه أسهل بل قد يكون التأخير أصلح لان مع اقتران البيان
ربما يعلم سهولة التكليف والتوطين عليه إلى وقت الحاجة سهل وأما مع عدم الاقتران فربما
يحتمل كون المكلف به أشق مما هو مراد في نفس الامر ويوطن نفسه على الأشق والأسهل مع أن المط
منه هو الأسهل وفي صورة اقتران البيان بإرادة الأسهل لا يوطن إلا على الأسهل ولا فرق في ذلك
بين الأوامر والتكاليف والحكايات والقصص فما توهم بعض القائلين بجواز تأخير البيان عن وقت
الخطاب مطلقا من عدم جوازه في الاخبار والحكايات نظرا إلى أنها ليس لها وقت الحاجة بل المراد منها
التفهيم ولا بد أن يكون مقترنا بالخطاب لا وجه له إذ من الجائز أن يكون المراد من الخبر لازم
فايدته مثل أن يعتقد على ما هو ظاهر ليحصل به ما يحصل من حقيقة المراد فيمكن تأخر زمان الاحتياج
إلى بيان نفس المراد والعلم بأصل الخبر وحصول فائدته بذاته مثل أن يقال قتل فلان مع أنه ضرب
ضربا شديدا لأجل تعذيب أوليائه وتشويشهم أو لأجل تفريح أعدائه وتجريتهم ثم يبين أن المراد
الضرب الشديد وأما الثاني فكثير لا حاجة إلى البيان أما في العرف فلانه يصح عرفا أن يقول
الملك لاحد من غلمانه قد وليتك البلد الفلاني فاذهب إليه إلى وقت كذا وسأكتب لك
341

كتابا فيه بيان ما تعمله هناك وأرسله إليك بعد استقرارك في عملك وأما في الشرع فمنها قوله تعالى
إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وهي كانت معينة في الواقع وإلا لما سئلوا عن التعيين بقوله أدع
إلى ربك يبين لنا ما هي وما لونها ولم يبينه تعالى بقوله بقرة لا فارض ولا بكر إلى قوله تعالى فاقع لونها
تسر الناظرين وقيل إنه ليس من هذا الباب لظاهر قوله ان تذبحوا بقرة فإنه يفيد التخيير وقوله وما
كادوا يفعلون فإنه ظاهر في قدرتهم على الفعل وإنما وقع السؤال تعنتا فشدد الله عليهم ونقل
عن ابن عباس أنه قال لو ذبحوا أي بقرة لأجزأتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم
وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام عنه عليه السلام لو عمدوا إلى أي بقرة أجزئتهم ولكنهم شددوا على
أنفسهم فشدد الله عليهم أقول ظاهر تنكير يندفع بالقرائن المتأخرة وقوله وما كادوا يفعلون
يعني من جهة التواني في الامتثال ومن جهة عظم ثمن البقرة فقد روي أنه بلغ إلى ملاء مسكها
ذهبا فأرادوا أن لا يفعلوا ولكن اللجاج حملهم على ذلك واتهامهم موسى عليه السلام حداهم عليه و
أما قول ابن عباس فعلى فرض تسليمه لا حجة فيه وأما حديث العيون فمعارض بما في تفسير الإمام عليه السلام
وبما في تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه الصلاة والسلام وغيرهما ومنها قوله
تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما والزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مع تأخر بيان تفاصيلها من الأركان والمقدار واشتراط (الحرز)؟ والنصاب
وتخصيص الزاني بالمحصن وأما بيان الفائدة في تأخير بيان ما له ظاهر فسيجئ وأما وقوعه في
العرف والشرع أيضا فأكثر من أن يحصى ومنها الآيات المتقدمة في حكم السارق والزاني وغيرهما
وكفاك ملاحظة عموم التكاليف للظانين لبقائهم إلى آخر الامتثال جامعا للشرائط مع أن الصائم
قد يمرض والصائمة قد تحيض والمصلي قد يموت بين الصلاة إلى غير ذلك واحتج المانع مطلقا
اما على عدم التأخير في المجمل فبأنه لو جاز لجاز خطاب العربي بالزنجية من غير بيان في الحال وهو
قبيح لعدم فهم المراد وجوابه منع الملازمة للفرق بينهما فإن خطاب العربي بالزنجية لا يحصل منه
العلم بشئ من أصناف الكلام وضروب القول حتى أنه لا يميز بين كونه خبرا أو إنشاء مدحا أو
ذما ثناء أو شتما بخلاف المجمل فإن المخاطب يفهم أنه يريد به أحد معانيه المحتملة ويوطن نفسه
على الامتثال بأيهما تبين له أنه مراد ولو فرض في خطاب العربي بالزنجية حصول فهم في الجملة للسامع
بقرائن المقام وكان له رجاء تفسير له فلا نسلم بطلان اللازم حينئذ وأما على عدم الجواز فيما له ظاهر
فيما احتج به المفصل وسنذكره ونجيب عنه واحتج المفصل أما في المجمل فبما بيناه فيما اخترناه و
342

أما على عدم جواز تأخير بيان ما له ظاهر فيقبح خطاب الحكيم بلفظ له حقيقة وهو لا يريدها من
دون نصب قرينة على المراد بل ذلك دلالة له على غير المراد لان الأصل في اللفظ حمله على معناه
الحقيقي وأما المجمل فلما لم يكن فيه مرجح لإرادة أحد معانيه فيقتصر على اقتضاه الوضع الحقيقي
ويتوقف بسبب الاجمال الحاصل في الوضع فليس فيه دلالة على المراد في الجملة أيضا بخلاف الحقيقة
التي أريد منها المعنى المجازي بدون نصب القرينة وبأن الخطاب وضع للإفادة ومن سمع
العام مثلا مع تجويزه أن يكون مخصصا ويبين في المستقبل فلا يستفيد في هذه الحالة به شيئا
والتحقيق في الجواب عن الدليل الأول ان مناطه لزوم القبح من جهة أنه إغراء بالجهل وهو قبيح
وفيه منع كلية الكبرى لغاية وفور التكليفات الابتدائية كتكليف إبراهيم عليه السلام بذبح ولده وما قيل
أن التكليف إنما كان بالمقدمات وجزعه إنما كان من جهة خوفه من أن يؤمر بنفس الذبح
بعده لا يليق مدح إبراهيم عليه السلام ذلك المدح وقد مر الإشارة إلى ذلك والتكليفات الامتحانية
في العرف والعادة أكثر من أن تحصى وقد حققناه في مبحث تكليف الامر مع العلم بانتفاء الشرط
فإذا كان مصلحة في توطين المكلف نفسه على ظاهر العموم إلى وقت الحاجة أو على الوجوب في الامر
إلى وقت الحاجة ويحصل له هذا الثواب ثم يبين له أن المراد هو الخصوص والندب فأي مانع
منه وقد يجاب بمنع لزوم الاغراء لأنه يلزم حيث ينتفي احتمال التجوز وانتفائه فيما قبل وقت الحاجة
موقوف على ثبوت منع التأخير مطلقا وقد فرضنا عدمه وما يقال أن الأصل في الكلام الحقيقة معناه
أنه مع فوات وقت القرينة وهو الحاجة في هذا المقام وتجرده عنها يحمل على الحقيقة لا مطلقا ألا ترى
أنه لا يحمل اللفظ على حقيقته حتى يتم الكلام وأنه يجوز تأخير القرينة عن وقت التلفظ كما في الجمل المتعاطفة
المتعقبة بمخصص وأيضا قد حكموا بجواز إسماع العام المخصوص بأدلة العقل وإن لم يعلم السامع أن
العقل يدل على تخصيصه فيثبت جواز تأخير القرينة عن اللفظ وعدم لزوم الاغراء وكذلك قد جوزوا
إسماع العام المخصوص بالدليل السمعي من دون إسماع المخصص فكما أن احتمال وجود المخصص يوجب
عدم الحمل على الحقيقة حتى يحصل الفحص فكذلك احتمال ذكر القرينة في زمان الحاجة يوجب ذلك
وفيه أن الحمل على الحقيقة هو مقتضى الظاهر والظن والمدار على الظنون
في مباحث الألفاظ ولا ريب أن احتمال التجوز ضعيف في جنب إرادة الحقيقة ولا ريب في حصول
الظن بعد الفراغ من الكلام بعدم القرينة وأن المراد هو الحقيقة وقد صرحوا بأن معنى الأصل في
قولهم الأصل هو الحقيقة هو الظاهر وما ذكره المجيب في معنى أصالة الحقيقة فهو مختص به وما
343

استشهد به من جواز تأخير القرينة عن اللفظ إلى أخر الكلام فهو قياس مع الفارق لان وقت تشاغل
المتكلم بالكلام محتمل لما لا يحتمله حال السكوت عنه كما تقتضيه العرف والعادة وذلك ليس لتفاوت
زمان التأخير في الطول والقصر كما توهم بل لمدخلية التشاغل وعدم التشاغل في ذلك وأما الاستشهاد
بالعام المخصوص بدليل العقل من دون إعلام السامع ذلك ففيه أنه غير مضر لان
إعطاء العقل للمكلف رافع للاغراء ودلالته قرينة على إرادة التخصيص فإن العقل والشرع متطابقان
يفسر كل منهما الاخر ومع عدم تعقل المخاطب فلا ريب في قبحه إلا أن لا يتعقل العموم بحيث يشمل الفرد
المخرج بالعقل وهو أيضا كاف في عدم الاغراء ولو فرض تعقله للعموم وعدم تعقله للتخصيص إلا بعد زمان
فهذا يكون من باب تأخير البيان عن وقت الخطاب ونلتزم فيه الاغراء ونمنع قبحه كما مر وأما تجويز
إسماع العام المخصص بالدليل السمعي فلا دخل له بما نحن فيه إذ العام إن كان مما خوطب به المخاطب
من لسان الشارع مواجها له مريدا إفهامه والعمل على مقتضاه فعلا أو تعليما للغير ليجري فيه ما سبق
من عدم جواز تأخير بيان المخصص عن وقت الحاجة واما عن وقت الخطاب فإذا أخره فيلزم
الاغراء جزما لأنه يحمله على ظاهره فالتحقيق في الجواب منع قبح ذلك الاغراء حتى يتبين له المخصص
إما بذكره له قبل وقت الحاجة أو إحالته على (راو)؟ أو أصل أو كتاب وأما إذا لم يكن السامع ممن يراد فهمه
للخطاب كالعجمي القح والعامي البحت فهو ليس بمخاطب بذلك حتى يترتب عليه أحكام الخطاب بل هو
مخاطب بالأخذ من العالم وكذلك من يفهم الخطاب لكن لا يحتاج إلى العمل به وأما إذا كان العام
من باب الأدلة الواردة من الشرع لا من باب الخطاب كما هو كذلك بالنسبة إلى زماننا على ما هو
الحق من اختصاص الخطابات بالمشافهين فيخرج عن محل النزاع فإن الكلام في لزوم الاغراء وقبح الخطاب
فخطابنا حينئذ هو العمل بمقتضى هذا العام الذي رأيناه أو سمعناه مع ما يقتضيه سائر الأدلة التي لم نعثر
عليها وهي في الأصول يقينا أو ظنا لا خصوص العام وهذا المقام هو الذي يقولون يجب الفحص عن
المخصص في الأصول فخطابنا حينئذ هو العمل بما نفهمه من مجموع الأدلة ولا إجمال في هذا الخطاب وليس من
باب الخطاب بما له ظاهر وإرادة غيره أيضا وهذا الغرض الحاصل في زماننا الآن هو أيضا قد يحصل
في زمن الشارع أيضا إذ ليس كل أحد في زمن الشارع يسمع الخطابات شفاها عموما كان أو خصوصا
بعنوان أن يراد منه فهمه والعمل به بل الأئمة عليهم السلام كانوا يقررون أصحابهم على العمل بما يفهمون
من الجمع بين أخبارهم وفهمهم واجتهادهم في تطبيق الروايات بالكتاب وبمذاهب العامة و
بسنة النبي صلى الله عليه وآله وغيرها فالكلام في الاذعان بكون العام باقيا على عموم أم لا في غير محل
344

الخطاب الشفاهي وما في معناه غير خطاب بالعام المخصوص شفاها مريدا به الافهام مع عدم إسماع
مخصصه وما نحن فيه من قبيل الأول وما ذكره المجيب من قبيل الثاني وبينهما بون بعيد هذا مع
أن الشيوع والغلبة في التخصيص زاحم أصالة الحقيقة في العام وذلك لا يوجب تأسيس القاعدة التي
بنى عليه الامر وهو أن مجرد احتمال التجوز يوجب التوقف عن الحمل على أصل الحقيقة مع انا قد أشرنا في
مبحث البحث عن المخصص أن البحث عن المجاز معنى والبحث عن المعارض معنى آخر ولزوم التوقف
عن العمل بظاهر الدليل حتى يتفحص عن معارضه عاما كان الدليل أو غيره من الظواهر مثل الامر و
النهي غير التوقف عن حمله على أصالة الحقيقة حتى يعلم عدم القرينة على المجاز وهذا التوقف الذي
أورده المجيب من باب الأول لا الثاني وقد يجاب بالنقض بالنسخ وتوجيهه أن المنسوخ لا بد
أن يكون ظاهرا في الدوام وإن كان عن القرائن الخارجية لا من دلالة اللفظ والحقيقة فبعد
مجئ الناسخ يعلم أنه غير مراد ومن هنا التجاء بعضهم إلى القول بلزوم اقتران المنسوخ بالبيان
الاجمالي وهو باطل وأما الجواب عن قوله أن الخطاب وضع للإفادة إلخ فهو أولا منقوض بتأخير
بيان المجمل وثانيا بأن الفايدة حاصلة من العزم والتوطين على الظاهر تنبيه قد عرفت وجوب
البيان في الجملة فاعلم أن البيان إنما يجب لمن أراد الله إفهامه الخطاب دون من لا يريد إفهامه
للزوم التكليف بالمحال لولاه في الأول دون الثاني ثم الأول قد يراد منه فعل ما تضمنه الخطاب
إن تضمن فعلا كالعالم في الصلاة وقد لا يراد منه إلا معرفة المضمون لارشاد الغير كمسائل الحيض له
والثاني قد لا يراد منه العمل بمضمون الخطاب أيضا كالعوام بالنسبة إلى مسائل الحيض وقد يراد
(فعلا)؟ كالعبادات بالنسبة إلى العوام ومسائل الحيض بالنسبة إلى النساء فإن وظيفتهم الاخذ عن العالم
قانون قد عرفت معنى الظاهر في أقسام المحكم وتنبهت على معنى المأول أيضا ونقول هيهنا
أيضا الظاهر ما دل على معنى دلالة ظنية راجحة مع احتمال غيره كالألفاظ التي لها معان حقيقة إذا
استعملت بلا قرينة تجوز سواء كانت لغوية أو شرعية أو غيرهما ومنه المجاز المقترن بالقرينة الواضحة
على ما أشرنا إليه سابقا وأما المؤول فهو في الاصطلاح اللفظ المحمول على معناه المرجوح وإن
أردت تعريف الصحيح منه فرد عليه بقرينة مقتضية له والقرينة إما عقلية مثل قوله تعالى يد الله فوق
أيديهم ومثل يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وإما لفظية كحمل آية الصدقة على بيان المصرف
لا الاستحقاق والملك بقرينة ملاحظة ما قبلها وهو قوله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات
فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا إذا هو يسخطون فالآية رد عليهم وردع عما اعتقدوا أنه
345

يجوز في ذلك بل أنه صلى الله عليه وآله يصرف في مصرفه وثمرة ذلك عدم وجوب التوزيع على الأصناف (واخاصهم)؟
وربما يكون القرينة مفصولة مثل الاخبار المخصوصة بالسنة والاجماع وغيرهما وإن شئت جعلت
المجازات كلها من باب المأول بالنسبة إلى اللفظ مع قطع النظر عن القرينة سواء قارنها القرينة أو
فارقها فمع ملاحظة الهيئة المركبة من اللفظ والقرينة ظاهر ومع قطع النظر عن القرينة مأول وهو
بعيد والتحقيق أن يقال ان المجاز ما اقترن بالقرينة الدالة على خلاف ما وضع له اللفظ والمأول
ما لم يقترن به وعلى هذا فاليد في الآية ليست بمجاز بل هي ظاهرة في معناها الحقيقي عند عامة العرب
محمولة على خلاف ظاهرها عند أهل المعرفة والقرينة على هذا الحمل هو العقل وعلى هذا يظهر الفرق
بين قولنا رأيت أسدا يرمي وبين يد الله فوق أيديهم وعلى هذا فكل المجملات التي لها ظاهر وتأخر
بياناتها عن وقت الخطاب مأولات وكذلك العمومات المخصصة بما هو مفصول عنها وأطلق
عليها المجاز توسعا من أجل احتمال أن يكون القائل أراد منها حين التكلم ما ظهر إرادته أخيرا و
نصب قرينة عليها حين التكلم بها قد اختفت علينا ولا يجوز ارتكاب التأويل إلا مع تعذر الحمل
على الظاهر بأن يتحقق عليه دليل يترجح على ظهور اللفظ وكما أن الراجح متفاوت في مقدار الرجحان
فالمرجوح أيضا متفاوت فمنها قريب ومنها بعيد ومنها أبعد وأما ما لا يحتمله اللفظ فلا يجوز
تنزيله عليه وتفاوت القرب والبعد إنما يكون بسبب تفاوت افهام الناظرين وانتقالاتهم وتفاوت
القرائن فربما يكون اللفظ عند أحدهم ظاهرا وعند الاخر مأولا وبالعكس وقد ذكر الأصوليون
لاقسام التأويل وقريبها وبعيدها في كتبهم الأصولية أمثلة لا فايدة في التعرض لها والكلام عليها
الباب السادس في الأدلة الشرعية وفيه مقاصد المقصد الأول في
الاجماع قانون الاجماع لغة العزم والاتفاق وفي الاصطلاح اتفاق خاص يدل
عليه حقية مورده واختلف العلماء في حده ولا فايدة في ذكر ما ذكروه وجرحها وتعديلها فلنقتصر
على تعريف واحد يناسب مذهب العامة ثم نذكر ما يناسب مذهب الخاصة أما الأول فهو أنه
اتفاق المجتهدين من هذه الأمة على أمر ديني في عصر من الاعصار فقيد الاجتهاد لعدم اعتبار
وفاق العوام وخلافهم والتخصيص بهذه الأمة لأنهم لا يقولون بحجية إجماع سائر الأمم وإن اقتضى
بعض أدلتهم ذلك وأما الشيعة فيلزمهم القول بالحجية لان حجية الاجماع عندهم اعتبار دخول
المعصوم عليه السلام وهو لا يختص عندهم بزمان دون زمان وأما ما ذكره العلامة في أول نكاح
القواعد وغيره من أن عصمة الأمة من خواص نبينا صلى الله عليه وآله فقد نقل المحقق البهائي رحمه الله
346

عن والده وعن مشايخه رحمهم الله تعالى أن مراده العصمة من المسخ والخسف ونحو ذلك فلا اعتراض
عليه والتقييد بالامر الديني لاخراج ما ليس منه مثل العقليات المحضة والديني أعم من الاعتقادي
والفروعي وقيد عصر من الاعصار لعدم اشتراط اجتماع ما معنى وما يأتي وإلا فلا يتحقق بعد
إجماع وأما الثاني فهو اتفاق جماعة يكشف اتفاقهم عن رأي المعصوم عليه السلام فقد يوافق ذلك
مع ما حده العامة به وقد يتخلف عنه فإنهم يعتبرون اتفاق جميع علماء الأمة ومع اتفاق الجميع
يظهر موافقة المعصوم عليه السلام أيضا لعدم خلو العصر عن معصوم عليه السلام عندهم أو لان مع اتفاق
جميعهم يحصل العلم بأنه مأخوذ من رئيسهم ثم إن أصحابنا متفقون على حجية الاجماع ووقوعه
موافقا لأكثر المخالفين ولكن منهم من أنكر إمكان حصوله ومنه من أنكر إمكان العلم به و
منهم من أنكر حجيته والكل ضعيف وأدلتهم سخيفة وسنشير إليها بعد ذلك فلنقدم الكلام في
مدرك حجية الاجماع وكونه مناطا للاحتجاج ثم نتبعه بذكر الشكوك والشبهات في المقامات
الثلاثة ولما كان مدرك حجيته مختلفا بالنسبة إلى مذاهب العامة والخاصة فلنذكر أولا ما اعتمد
عليه الخاصة ثم نذكر ما اعتمد عليه العامة أما الخاصة فاعتمدوا في ذلك على كشفه عن رأي المعصوم عليه السلام
فلا حجية عندهم في الاجماع من حيث أنه إجماع بل لأنه كاشف عن رأي رئيسهم المعصوم عليه السلام
ولهم في بيان ذلك وجوه ثلاثة أولها ما اشتهر بين قدمائهم وهو أنهم يقولون إذا اجتمع علماء
أمة النبي صلى الله عليه وآله على قول فهو قول الإمام المعصوم عليه السلام القائم بعده لأنه عليه السلام
من جملة الأمة وسيدها فإذا ثبت اجتماع الأمة على حكم ثبت موافقته لهم فإن قيل إن علم أنه
قال بمثل ما قال سائر الأمة فلا معنى للاعتماد على اتفاق سائرهم فالمعتمد هو قوله عليه السلام وإلا فكيف
يقال أنه موافق لهم قلنا فرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي وكلامنا إنما هو في العلم الاجمالي وما
علم قوله فيه بالتفصيل فالكلام فيه هو ما ذكرت وذلك من باب كلية الكبرى في الشكل الأول
فإن العلم بجسمية الانسان في ضمن قولنا كل حيوان جسم إنما هو بالاجمال لا بالتفصيل حتى يستلزم
الدور كما أورده بعض المتصوفة على أهل الاستدلال وبهذا يندفع الشبهة التي أوردوها
من عدم إمكان العلم بمذاهب العلماء المنتشرين في شرق العالم وغربه مع عدم معرفتهم وعدم
إمكان لقائهم فإن العلم الاجمالي مما يمكن حصوله بلا شك ولا ريب كما في ضروريات المذهب
وسيجئ تمام الكلام وبالجملة مناط هذا التقرير في حجية الاجماع إني علمت بالعلم الاجمالي أن
جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله متفقون على كذا فكلما كان كذلك فهو حجة لان الإمام عليه السلام في
349

جملتهم فهو حجة وهذا هو السر في اعتبار هؤلاء وجود شخص مجهول النسب في جملة المجمعين ليجامع
العلم الاجمالي ولو (بذلوا)؟ اعتبار وجود مجهول النسب بعدم العلم بأجمعهم تفصيلا لكان أولى و
لعلهم أيضا يريدون بمجهول النسب ذلك وحاصله فرض إمكان صورة يمكن القول بكون الامام
فيهم إجمالا لا تفصيلا وعلى هذه الطريقة فإن حصل العلم باتفاق الجميع إجمالا فيتم المطلوب وكذا
إن خرج منهم بعض من يعرف بشخصه ونسبه مع العلم الاجمالي باتفاق الباقين ولكن الانصاف
إن على هذه الطريقة لا يمكن الاطلاع على الاجماع في أمثال زماننا إلا على سبيل النقل وإن قال
بعضهم أن المراد من موافقة الإمام عليه السلام موافقة قوله لقولهم لا دخول شخصه في أشخاصهم حتى
يستبعد ذلك في الإمام المنتظر عليه السلام وثانيها ما اختاره الشيخ في عدته بعدما وافق القوم في الطريقة
السابقة والظاهر أن له موافقا من أصحابنا أيضا ممن تقدم عليه وممن تأخر في هذه الطريقة و
هي أنه اعتمد في ذلك على ما رواه أصحابنا من الأخبار المتواترة من أن الزمان لا يخلو من حجة
كي إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا أتمه لهم ولولا ذلك لاختلط على الناس أمورهم و
يظهر ثمره هذه الطريقة حيث لم يحصل العلم بالطريقة الأولى كما لو وجد في الامامية قول ولم يعرف
له دليل ولم يعرف له مخالف أيضا ولكن لم يعرف مع ذلك أيضا كونه قول الإمام ومختاره فقال
حينئذ انا نعلم أنه قول الإمام عليه السلام ومختاره لأنه لو لم يكن كذا لوجب عليه أن يظهر القول بخلاف ما أجمعوا
عليه لو كان باطلا فلما لم يظهر ظهر أنه حق ويظهر ذلك منه في مواضع وبعض عباراته في العدة
هو هذا إذا ظهر قول بين الطائفة ولم يعرف له مخالف ولم نجد ما يدل على صحة ذلك القول ولا
على فساده وجب القطع على صحة ذلك القول وأنه موافق لقول المعصوم عليه السلام لأنه لو كان قول المعصوم
مخالفا لوجب أن يظهره وإلا كان يقبح التكليف الذي ذلك القول لطف فيه وقد علمنا خلاف
ذلك وقال قبل ذلك في مقام أخر وهو فيما لو اختلف الامامية على قولين لا يجري فيهما التخيير كالوجوب
والحرمة مثلا وكان أحدهما قول الإمام عليه السلام ولم يشاركه أحد من العلماء فيه وكان الجميع متفقين
على الباطل فقال ومتى اتفق ذلك وكان على القول الذي إنفرد به الإمام عليه السلام دليل من كتاب أو سنة
مقطوع بها لم يجب عليه الظهور والدلالة على ذلك لان ما هو موجود من الكتاب والسنة كاف
في باب إزاحة التكليف ومتى لم يكن على القول الذي إنفرد به دليل على ما قلناه يعني على النحو الذي
فرضه من الكتاب أو السنة المقطوع بها وجب عليه الظهور وإظهار الحق وإعلام بعض ثقاته حتى
يؤدي الحق إلى الأمة بشرط أن يكون معه معجزة تدل على صدقه وإلا لم يحسن التكليف وقد أورد عليه
350

بعض المحققين بأنه يكفي في إلقاء الخلاف بينهم بأن يظهر القول وإن لم يعرفه العلماء أنه إمام بل يكفي
قول الفقيه المعلوم النسب في ذلك أيضا بل يكفي وجود رواية بين روايات أصحابنا دالة على خلاف
ما أجمعوا وفيه نظر ظاهر إذ مناط كلام الشيخ ليس ان الاجتماع على الخطأ لما كان باطلا وجب على
الإمام عليه السلام دفع ذلك وهذا يتم بنقض الاجماع ولو كان بوجود مخالف بل مناط كلامه أن لطفه تعالى
الداعي إلى نصب الإمام عليه السلام أوجب ردع الأمة عن الباطل وذلك لا يتم إلا بما يوجب ردعهم فلما لم
يحصل ذلك علم أنه راض على ما اجتمعوا عليه والتحقيق في جوابه منع ذلك وإنما الواجب على الله تعالى
نصبه عليه السلام والواجب عليه عليه السلام الابلاغ والردع عن الباطل إن لم يمنعه مانع ولم يثبت حكمة
في غيبته واستتاره عليه السلام لا مطلقا وبهذا رد هذا القول السيد المرتضى رحمه الله وقال ولا يجب
عليه الظهور لأنه إذا كنا نحن السبب في استتاره فكل ما يفوتنا من الانتفاع به (وبتصرفه)؟ وبما
معه من الاحكام يكون قد أتينا من قبل نفوسنا فيه ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا
به وأدى إلينا الحق الذي عنده وحاصل هذا الكلام هو الذي ذكره المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد حيث
قال وجوده عليه السلام لطف وتصرفه لطف آخر وعدمه منا هذا مع أنا نرى أن خلاف
مقتضى اللطف والتبليغ موجود إلى غير النهاية والأقوال المختلفة في غاية الكثرة مع تعطل الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر وإجراء الاحكام والحدود وقد يجاب عن وجود الاختلاف في الأقوال بأنهم
أوقعوا الخلاف وبينوا لنا علاجه وهو وإن كان كذلك في الغالب لكن بعض الخلافات الذي
لا يمكن ذلك فيه لا يتم فيه ما ذكر بل لا يتم في الغالب أيضا كما سيجئ وقد ينتصر لطريقة الشيخ ردا
على الجواب الذي ذكرنا من أن عدم إظهار الإمام عليه السلام المخالفة لعله كان لأجل تقية أو مصلحة بأن
هذا هو الذي يذكره العامة في الرد على الشيعة من أن الحكمة لعلها اقتضت خلو الزمان عن الحجة أيضا
وبأن ذلك ينافي كون تقرير المعصوم عليه السلام حجة خصوصا تقرير كل الشيعة على أمر مع أن الحكمة
إذا اقتضت إبقائهم على ذلك فيكون راضيا بما اتفقوا عليه حتى يتغير المصلحة فيثبت المطلوب مع
أنه يمكنه ردعهم بأن يظهر بعنوان المجهول النسب ويلقي الخلاف الخلاف بينهم ويبين لهم ولا يكفي في ذلك
وجود رواية أو مجتهد معروف مخالف كما توهم لأنه لا يوجب ردعهم كما هو المعهود من طريقتهم
من طرحهم (مقتضى اللطف) الرواية الشاذة والقول النادر واما عدم ردعهم في المسائل الخلافية وعدم رفع الخلاف
من بينهم فلانه رضى باجتهاد المجتهدين وتقليد المقلدين مع أنهم أوقعوا الخلاف بينهم فيظهر
منه في الخلافيات بأنه راض بأحد طرفي النقيض لمجتهد وبآخر لمجتهد آخر وأما فيما اجتمعوا عليه فليس إلا
353

رضاه بشئ واحد فلا يجوز مخالفته أقول فرق بين بين الحكمة الباعثة على نصب الإمام وعلى إنفاذه
جميع الأحكام سيما إذا تسبب لعدمه المكلفون فلا يرد نقض العامة وليس هنا مقام بسط الكلام
وهذا واضح سيما في مسائل الفروع وأما كون تقرير المعصوم عليه السلام حجة فهو إنما يسلم إذا علم إطلاعه
عليه وتمكنه من المنع لو كان باطلا ولم يمنع وهو فيما نحن فيه ممنوع وأما رضاه على بقائهم على معتقدهم
فهو لا ينافي جواز مخالفتهم بدليل دل المتأخر منهم على المخالفة إذ ذلك أيضا من باب الرضا باجتهادهم
في حال الاضطرار كما في الخلافيات إذ ليس في كل قول من الأقوال المتخالفة حديث أو آية بل ربما اعتمد
بعضهم على دليل ضعيف من قياس ونحوه خطأ وغفلة ومع ذلك نقول بأن الإمام عليه السلام
راض باجتهاده وبتقليد مقلده له فلعل اجتماع هؤلاء أيضا يكون من هذا القبيل ولا مانع من مخالفتهم
إذا دل عليه دليل لمن بعدهم إلا مخالفتهم للشهرة فهذا الكلام يفيد عدم جواز مخالفة الشهرة
وإنه لا يمكن ان يثبت دليل يترجح على الشهرة وهو ممنوع لم يقم عليه دليل ولا يفيد إثبات الاجماع
كما هو مرادك والعلم برضا الإمام عليه السلام بذلك بالخصوص من حيث هؤلاء من حيث أنه أيضا
من الاجتهادات المعفوة وأما ردعهم بعنوان مجهول النسب فمع تجويز رضا الإمام عليه السلام
باجتهاد المجتهد وعمل المقلد به كما ذكرت فلا دليل على وجوب الردع عن هذا الاجتهاد الخاطئ الذي
اجتمع عليه جماعة ورضاه على هذا الاجتماع لا يسلم إلا من جهة كونهم باجتهادهم المعفو عنهم و
ذلك لا يوجب عدم رضاه بمخالفتهم إذا أدى دليل إلى مخالفتهم مع أن جريان ما ذكره في مثل
زماننا في غاية البعد بل لا وجه له نعم يمكن تتميم هذه الطريقة فيما لو اجتمع الطائفة على فتوى ولم يعلم
موافقة الإمام عليه السلام لهم وكذا على قولين أو ثلاثة بالاخبار مثل قوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع أمتي على
الخطاء ونحوه بأن يقول يمتنع اجتماعهم على الخطأ فلو كان ما اجتمعوا عليه خطأ لوجب على
الإمام عليه السلام ردعهم عن الاجتماع ويلزمه الاكتفاء بمجرد إلقاء الخلاف ولكن الكلام في إثبات دلالة
تلك الأخبار وحجيتها وسيجئ الكلام فيها مع أن مدلولها المطابقي يقتضي اجتماع كل الأمة ومع عدم
العلم بقول الإمام عليه السلام يخرج عن مدلولها وثالثها ما اختاره جماعة من محققي المتأخرين وهو أنه
يمكن حصول العلم برأي الإمام عليه السلام من اجتماع جماعة من خواصه على فتوى مع عدم ظهور مخالف
لهم وكذلك يمكن العلم برأي كل رئيس بملاحظة أقوال تبعته فكما لو فرض أن فقيها له تلامذة
ثقات عدول لا يروون إلا عن رأي فقيههم ولا يصدرون إلا عن معتقده فاجتمعوا على
فتوى من أن دون ان يسندوه إلى فقيههم ولم يعلم مخالفة لأحدهم فيه يمكن حصول العلم بذلك
354

بأنه رأي فقيههم فكذلك يمكن العلم بفتوى جمع كثير من أصحاب الصادق عليه الصلاة والسلام
من قبيل زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وليث المرادي وبريد بن معاوية العجلي والفضيل بن يسار
من الفضلاء الثقات العدول وأمثالهم من دون ظهور مخالف منهم أن ذلك فتوى إمامهم عليه السلام
ومعتقده وطريقة ذلك هو الحدس والوجدان وهذه طريقة معروفة لا يجوز إنكارها فإذا حصل
العلم بذلك بمعتقد الإمام عليه السلام فلا ريب في حجيته بل يمكن أن يدعى ثبوته في أمثال زماننا أيضا
بملاحظة تتبع أقوال علمائنا فإنه لا شك في أنه إذا أفتى فقيه عادل ماهر يحكم فهو بنفسه يورث
ظنا بحقيته وأنه مأخوذ من إمامه وإذا ضم إليه فتوى فقيه آخر مثله يزيد ذلك الظن فإذا انضم إليه
آخر وآخر استوعب فتواهم بحيث لم يعرف لهم مخالف فيمكن حصول العلم بأنه رأي إمامهم و
إذا انضم إلى ذلك البعض المؤيدات الآخر مثل أن جمعا منهم نسبوه في كتبهم إلى مذهب علمائنا وجمعا
منهم نفي الخلاف فيه وبعضهم ذكر المذهب مع سكوته عن ذكر مخالف بل وإذا رأى بعضهم أو جماعة
منهم ذكر في كتابه أنه إجماعي فيزيد ذلك الدعوى وضوحا وإذا انضم إلى ذلك كون الطرف المخالف
مدلولا عليه بأخبار كثيرة صحيح السند فيزيد وضوحا أكثر مما مر وإذا انضم إلى ذلك عدم ورود
خبر في أصل الحكم أو ورود خبر ضعيف غير ظاهر الدلالة فيتضح غاية الوضوح إذا انضم إلى ذلك
ملاحظة اختلاف مشاربهم ووقوع الخلاف بينهم في أكثر المسائل وقلما يوجد خبر ضعيف
إلا وبه قائل وملاحظة غاية اهتمامهم في نقل الخلافات ولو كان قولا شاذا نادرا بل القول النادر من
العامة فضلا عن الخاصة وملاحظة أنهم لا يجوزون التقليد للمجتهدين سيما تقليد الموتى و
أن كثيرا منهم يوجبون تجديد النظر فلو قيل لا يمكن حصول العلم من جميع ذلك بأن الباعث
على هذا الاجتماع هو كونه رأيا لامامهم ورئيسهم الواجب الإطاعة على معتقدهم سيما ولا يجوزون
العمل بالقياس والاستحسان والخروج عن مدلولات النصوص وخصوصا مع كون القياس و
أمثاله من الأدلة العقلية مما يختلف فيه المشرب غاية الاختلاف من جهة تخريج المناط بالمناسبات
الذوقية واستنباط العلة بالترديد والدوران ونفي الفارق ونحو ذلك لكان ذلك
مكابرة صرفة لا يستحق منكره الجواب بل الظاهر أن مدار كل من يدعي الاجماع من علمائنا
المتأخرين على هذه الطريقة ولا يتفاوت فيه زمان الغيبة والحضور مع أنه إذا كان يمكن حصول
العلم بمذهب الرئيس إلى حد الضرورة كما وصل في ضروريات الدين والمذهب كوجوب الصلوات
الخمس ومسح الرجلين وحلية المتعتين فجواز حصول العلم إلى حد اليقين بالنظر أولى وكما أنه يجوز
355

أن يصير بعض أحكام النبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام بديهيا للنساء والصبيان بحيث يحصل
لهم العلم بالبديهة أنه من دين نبيهم ومذهب إمامهم بسبب كثرة التضافر والتسامع فكذا
يجوز أن يصير بعض أحكامه يقينيا نظريا للعلماء بسبب ملاحظة أقوال العلماء وفتاوي أهل
هذا الدين والمذهب إذ الغالب في الضروريات أنه مسبوق باليقين النظري فكيف يمكن حصول
المسبوق بدون حصول السابق وبالجملة فعلى هذه الطريقة الاجماع عبارة عن اجتماع طائفة دل
بنفسه أو مع انضمام بعض القرائن الاخر على رضا المعصوم عليه السلام بالحكم ويكون كاشفا عن رأيه
فلا يضره مخالفة بعضهم ولا يشترط فيه وجود مجهول النسب ولا العلم بدخول شخص الإمام عليه السلام
فيهم ولا قوله عليه السلام فيهم ولا يتفاوت الامر بين زمان الحضور والغيبة ويعلم من ذلك أنه لا يشترط
وحدة العصر في تعريفهم الاجماع أيضا بل يجوز انضمام أهل عصر آخر في إفادة المطلوب فإن قلت
أمثال ذلك لا تكون إلا من ضروريات الدين أو المذهب قلت إن كنت من أهل الفقه و
التتبع فلا يليق لك القول بذلك وإن لم تكن من أهله فاستمع لبعض الأمثلة تهتدي إلى الحق
فنقول لك قل أي ضرورة دلت على نجاسة ألف كر من الجلاب بملاقاة مقدار رأس إبرة
من البول فهل يعرف ذلك العوام والنسوان والصبيان وهل يعلم ذلك العلماء الفحول من
جهة الأخبار المتواترة مع أنه لم يرد به خبر واحد فضلا عن المتواتر فإن قلت أنهم قالوا في
ذلك هذا القول من غير دليل فقد جفوت عليهم جدا وإن قلت دليلهم غير الاجماع من آية
أو عقل أو غيره فأت به إن كنت من الصادقين وإلا فاعتقد بأن الدليل هو الاجماع بل مدار
العلماء في جميع الأعصار والأمصار على ذلك ووافقنا المنكرون على ذلك من حيث لا يشعرون
بل لا يتم مسألة من المسائل الفقهية من الكتاب والسنة إلا بانضمام الاجماع إليه بسيطا أو مركبا
فانظر إليهم يستدلون على نجاسة أبوال وأرواث ما لا يؤكل لحمه مطلقا بقوله صلى الله عليه وآله اغسل ثوبك
من أبوال ما لا يؤكل لحمه مطلقا من أن ذلك ليس مدلولا مطابقيا للفظ ولا تضمنيا ولا
التزاميا إذ وجوب الغسل أعم من النجاسة والثوب غير البدن وغيره من الملاقيات المأكولة
والمشروبة وغيرهما وكذلك البول غير الروث إلى غير ذلك من المخالفات فليس فهم النجاسة
الشرعية منه إلا من جهة إجماعهم على أن العلة في هذا الحكم هو النجاسة وليس من باب التعبد و
أنه لا فرق بين الثوب والجسد ولا البول والروث وكذلك غيرهما من المخالفات وكذلك في
مسألة نجاسة الماء القليل كل من يستدل على التنجيس فيستدل ببعض الأخبار الخاصة ببعض
356

النجاسات وبعض المياه الخاصة كالكلب والماء الذي ولغ فيه في الاناء وكل من يستدل على الطهارة
يستدل ببعض آخر مختص ببعض النجاسات وبعض المياه كالجزر الميتة والقربة من الماء مع أن في الخبر
الأول فهم النجاسة من الامر بالصب أو النهي عن الوضوء ومن الثاني من جهة الامر بالتوضي ولا
ريب أن الصب لا يدل على النجاسة وكذا النهي عن التوضي ومع ذلك لم يفصلوا بالعمل بالروايتين
ولم يبقوهما على حالهما مع عدم التعارض بينهما وليس ذلك إلا الاجماع المركب وعدم القول بالفرق
بين المسئلتين وليت شعري من ينكر حجية الاجماع أو إمكان وقوعه أو العلم به بأي شئ يعتمد في
هذه المسائل فإن كان يقول إفهم كذا من اللفظ فمع أنه مكابرة واقتراح وخروج عن اللغة والعرف
فلم لا يفهم فيما لو أمر الشارع بالجهر في الصلاة للرجل وجوبه على المرأة ويفهم من قوله إغسل ثوبك
دون قوله اغسلي وجوبه عليها وبالجملة لو أردنا شرح هذه المقامات وإيراد ما ليس فيها مناص
عن الاحتجاج بالاجماع بسيطا أو مركبا لكنا ارتكبنا بيان المعسور أو المحال وفيما ذكرنا كفاية لمن
كان له دراية ومن لا دراية له لا يفيده ألف حكاية ثم لا بأس أن نجدد المقال في توضيح الحال
لرفع الاشكال ونقول كل طريقة أحدثها نبي فبعضها مما يعلم به البلوى ويحتاج إليه الناس في كل
يوم أو في أغلب الأوان كنجاسة البول والغايط ووجوب الصلوات الخمس وأمثال ذلك فذلك
بسبب كثرة تكرره وكثرة التسامع والتضافر بين أهل هذا الدين والملة يصير ضروريا يحصل
العلم به لكل منهم ولكل من كان خارج هذه الملة إذا دخل فيهم وعاشرهم يوما أو يومين أو أزيد
فيحصل له العلم بأن الطريقة من رئيسهم والعمدة فيه ملاحظتهم
متلقين ذلك بالقبول من دون منكر في ذلك ومخالف لهم أن منكر لا يعتد به لندرته أو ظهور
نفاقه وعناده فهذا يسمى بديهي الدين ودون ذلك بعض المسائل الغير العامة البلوى التي لا
يحتاج إليها جميعهم ولكن علماء هذه الأمة وأرباب إفهامهم المترددين عند ذلك النبي صلى الله عليه وآله و
الرئيس الذين هم الواسطة بينهم وبينه غالبا يتداولون هذه المسألة بينهم لأجل ضبط المسائل
أو لرجوع من يحتاج في هذه المسائل إلى الرجوع بهم فيحصل من الاطلاع على اتفاقهم في هذه المسألة
وتسامعهم بينهم من دون إنكار من أحدهم على الاخر العلم بأنه طريقة رئيسهم فكما في البديهي ليس
وجه حصول اليقين إلا التسامع والتضافر بدون إنكار المنكر مع ملاحظة اقتضاء العادة ذكر
المخالفة لو كان هناك مخالف فكذلك في الاجماعي الوجه هو ملاحظة تسامع العلماء وتضافرهم و
اتفاقهم في الفتوى مع كون العادة قاضية بذكر الخلاف لو كان فوجود المخالف لو فرض في عصر
357

(التتبع)؟ وحصول الحدس فهو من باب النادر والذي ذكرنا في الضرورة بأن يكون بحيث ثبت عندهم
غفلته وخطأه من أجل شبهة أولم لم يقفوا عليه وأدى اجتهادهم وسعيهم إلى الاعتماد على حدسهم
الذي استقر عليه رأيهم إذ لا ننكر احتمال الخطأ في مدعى الاجماع كما سنحققه فيما بعد وبالجملة فكما
يمكن حصول العلم بضروريات الدين من جهة تسامع وتضافر العلماء والعوام والنسوان فيمكن
حصول العلم بالنظريات من تسامع العلماء وتضافرهم وهذا نسميه إجماعا ونظير ذلك في المتواترات
موجود فإن التواتر قد يحصل من دون طلب وتتبع كما لو جاء ألف رجل من مكة وأخبروا بوجود
مكة فيحصل العلم اليقيني بذلك للعلماء والنسوان والصبيان وقد يحتاج ذلك إلى تتبع وإعمال
روية كقوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات على ما ذكروه فإن اليقين بكون ذلك قول النبي صلى الله
عليه وآله مختص بالعلماء بل ببعضهم لاحتياجه إلى معرفة الوسائط وتعددها بالعدد المعتبر في كل طبقة
فهناك النظر إلى كثرة الرواة والنقلة وثمة إلى كثرة المفتين والقائلين (والعاملين) ولنرجع إلى بيان مدرك
الاجماع على طريقة العامة وهو من وجوه وليعلم أولا أنه لا جدوى لنا في التعرض إلى القدح في أدلتهم
التي أقاموها على حجية الاجماع لان الاجماع على مصطلحهم إذا ثبت فلا ريب أنه حجة عندنا أيضا
ولكن نتعرض لذكر أدلتهم والكلام فيها على وجهين أحدهما بيان نفس الامر والثاني إظهار أن
ما تشبثوا به في وجه حجية الاجماع لا يمكن أن يعتمد عليه فيبطل كل ما يعتمدون في إثباته على إلزاما
عليهم بعد إبطال المستند ومن ذلك أصل مذهبهم ودينهم فنحن نلزمهم إما ببطلان طريقتهم من
جهة عدم حجية الاجماع إن كان مستنده ما ذكروه على معتقدهم إلزاما أو بمنع تحقق الاجماع
المصطلح فيما يضرنا تسليمه في مذهبنا سواء سلمنا مستندهم فيه أم لا مع أن حجية الاجماع عندهم
ليس (بوفاقي)؟ بل أنكره النظام وجعفر بن حرب وغيرهما على ما نقل عنهم وبعضهم أنكر إمكان
وقوعه وبعضهم العلم به ولكن جمهورهم على حجيته وإن اختلفوا أيضا في انحصارها في إجماع الصحابة
أو أهل المدينة وعدم الانحصار واستدل القائلون بحجيته بوجوه من العقل والنقل من الآيات
والاخبار ونحن نقتصر بما هو أظهر دلالة منها فأما الآيات فمنها قوله تعالى ومن يشاقق الرسول
من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم الآية فإنه
تعالى جمع في الوعيد بين مخالفة سبيل المؤمنين ومشاقة الرسول صلى الله عليه وآله ولا ريب
في حرمة الثاني فكذا الأول وفيه أن الوعيد على المجموع من حيث المجموع لا على كل واحد وما قيل إن
مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله كافية فيه مستقلا فلا حاجة إلى ضم غيره ففيه أنه كذلك لكن متابعة غير
358

سبيل المؤمنين غير مستقل بذلك حتى تنضم إلى مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله فلا يتم الاستدلال و
التمسك بأصالة الاستقلال في كل منهما وإن الأصل عدم انضمام كل منهما إلى الاخر باطل لفهم العرف
الانضمام في مثل قولك من دخل الدار وجلس فله درهم مع أن القيد المعتبر في المعطوف عليه وهو
تبين الهدى معتبر في المعطوف والهدى في المعطوف هو دليل الاجماع (فثم)؟ يثبت حجيته وأيضا
سبيل المؤمنين ليس على حقيقته ومن أقرب مجازاته دليلهم وهو مستند الاجماع لا نفسه هذا
جملة مما ذكروه في هذا المقام وقد أطنب الأصحاب في هذا المقام بما لا حاجة إلى إيرادها والأوجه أن
يقال المراد بسبيل المؤمنين الايمان وهو ما صاروا به مؤمنين ويرد عليها أيضا أن مفهوم
اتباع غير سبيل المؤمنين عدم اتباع الغير لا اتباع سبيل المؤمنين فلا يلزم تهديد ووعيد على
تارك المتابعة رأسا لا يقال أن ترك المتابعة رأسا هو متابعة غير سبيل المؤمنين لأنا نقول المتابعة
أمر وجودي يحصل بحصول المتبوع والمفروض انتفائه ومنها قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا
لتكونوا شهداء على الناس فإن وسط كل شئ عدله وخياره في اللغة فمن عدله الله تعالى يكون معصوما
عن الخطأ فقولهم حجة ففيه أن ذلك يستلزم عدم صدور الخطأ عنهم مطلقا وهو باطل وما يقال
ان ذلك إذا اجتمعوا لا مطلقا ففيه أن تقييد بلا دليل وتخصيص قبيح مع أن التعليل بقوله تعالى
لتكونوا شهداء على الناس ظاهر في كون كل منهم شاهدا لا المجموع من حيث المجموع فكذلك الأمة مع
أن المراد إما الشهادة في الآخرة كما ورد في الاخبار فهو إنما يستلزم العدالة عند الأداء لا التحمل فلا
يجب عصمتهم في الدنيا وأما في الدنيا فهو إنما يدل على قبول شهادتهم وهو لا يستلزم حجية فتواهم
فالآية متشابهة الدلالة فالأولى أن يقال المراد بهم أئمتنا عليهم السلام كما روي في تفسيرها ومنها
قوله تعالى فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول فإن مفهومه عدم وجوب الرد مع الاتفاق
وفيه أن عدم وجوب الرد حينئذ أعم من أن يكون وجواز العمل لكون إجماعهم حجة بل إنما كان من أجل
أن عند كل منهم ما يكفيهم من الدليل على مطلبه من عقل أو نقل مع أن عموم الجمع في قوله تنازعتم
وردوا افرادي لا مجموعي كما لا يخفى وسيجئ أن بعض العامة استدل بهذه الآية على عدم حجية الاجماع
وأما الاخبار فمنها ما ادعوا تواتر مضمونها معنى وأظهرها دلالة وهو قوله صلى الله عليه وآله لا
تجتمع أمتي على الخطأ وفي لفظ آخر لم يكن الله ليجمع أمتي على خطأ ومنها قوله صلى الله عليه وآله كونوا مع الجماعة و
يد الله على الجماعة ونحو ذلك وفيه أولا منع صحتها وتواترها بل هي أخبار آحاد لا يمكن التمسك بها
في إثبات مثل هذا الأصل الذي بنوا دينهم عليه فضلا عن فقههم ولم يثبت دلالتها على القدر
361

المشترك على سبيل القطع بحيث يفيد المطلوب وثانيا منع دلالتها أما أولا فلان الظاهر من الاجتماع
هو التجامع الإرادي لا محض حصول الموافقة اتفاقا فلا يثبت حجية جميع الاجماعات إذ لا يتوقف
تحقق الاجماع على اجتماع آرائهم على سبيل إطلاع كل منهم على رأي الآخر واختياره موافقة الآخر وتتميمه
بالاجماع المركب أو بعدم القول بالفصل دور وهذا واضح إلا أن يقال مرادهم إثبات الحجية في
الجملة لا مطلقا وبه يبطل السلب الكلي الذي يدعيه الخصم وثالثا أن لام الخطأ جنسية لما حققناه
سابقا في محله من أنها حقيقة فيه ومقتضاه عدم جواز اجتماعهم على جنس الخطأ وهو قد يحصل
بأن يختار كل واحد من الأمة خطأ غير خطأ الآخر وذلك يوجب عصمتهم ولا يقولون به فهذا من
أدلة الشيعة على القول بوجوب وجود الامام المعصوم عليه السلام والعجب من المخالفين حيث
قالوا بمقتضاه من حيث لا يشعرون نقله المحقق البهائي رحمه الله عن صاحب المحصول وهو نسبة فيه إلى
أكثرهم وسيجئ في مسألة تعاكس شطري الاجماع الكلام في ذلك نعم يمكن توجيه الدلالة على القول
بجنسية اللام بأن يقال يفهم اتحاد الفرد من لفظ الاجتماع لا من لفظ الخطأ فيكون المراد لا يجتمع
أمتي على جنس الخطأ بأن يختاروا فردا منها كالزنا مثلا فما اجتمعوا عليه فهو صواب وهو تقييد
بلا دليل نعم يتم ذلك لو جعل اللام للعهد الذهني فيصير من باب النكرة المنفية مفيدا للعموم لكنه أيضا
معنى مجازي للفظ وأيضا الظاهر من اللفظ سيما على القول بكون الاجتماع بمعنى التجامع الإرادي ان
اجتماع الأمة (لا يحصل) على ما خطأيته ثابتة قبل الاجتماع فالغرض نفي اجتماع الأمة على ما هو خطأ لا أن ما
اجتمعوا عليه يعلم أنه ليس بخطأ وظاهر الأول أن المعتبر في الخطأ كون خطأيته ثابتة قبل الاجتماع
فالغرض نفي اجتماع الأمة على ما هو خطأ عندهم لا أن ما اجتمعوا عليه يكشف عن أنه صواب و
ليس بخطأ وإن قلنا بكون الألفاظ أسامي للماهيات النفس الامرية والحاصل أن هذه الرواية وما
في معناها ظاهرة في مذهب الإمامية من لزوم معصوم في كل زمان ويؤيده أيضا ما رووه من
قوله صلى الله عليه وآله لا يزال طائفة من أمتي على الحق حتى يقوم الساعة وهو أيضا يشعر بأن نفيه صلى الله عليه وآله
اجتماعهم على الخطأ إنما هو لأجل أنه لا بد أن يكون طائفة من أمته صلى الله عليه وآله على الحق كما نبه عليه بعض
المحققين قال وهو ما يقوله أصحابنا من وجوب دخول المعصوم عليه السلام في الاجماع حتى يكون
حجة فيلزم المخالفين أن يقولوا بأن حجية الاجماع إنما هو من أجل ذلك كما يقوله أصحابنا لا لأنه
إجماع من حيث أنه إجماع وأما قوله صلى الله عليه وآله لم يكن الله ليجمع أمتي على خطأ فمع ما فيه من أكثر ما مر
من القدح في السند والدلالة أن ظاهرها مقبول عندنا ولا يصدر مثل هذا القبيح عن الله تعالى
362

ولكن لا ينفى صدوره عن الخلق ويظهر الكلام في الباقي مما مر وأما الأدلة العقلية التي أقاموها
على ذلك فأقواها أن العلماء أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف للاجماع فدل على أنه حجة فإن
العادة تحكم بأن هذا العدد الكثير من العلماء المحققين لا يجتمعون على القطع في شرعي بمجرد تواطئ
وظن بل لا يكون قطعهم إلا عن قاطع فوجب الحكم بوجود نص قاطع بلغهم في ذلك فيكون مقتضاه و
هو خطأ المخالف للاجماع حقا وهو يقتضي حقية ما عليه الاجماع وهو المطلوب وأجيب أولا بالنقض
بإجماع الفلاسفة على قدم العالم وإجماع اليهود على أن لا نبي بعد موسى عليه السلام وأمثال ذلك ورد
بأن إجماع الفلاسفة عن نظر عقلي وتعارض الشبه واشتباه الصحيح والفاسد فيه كثير وأما في
الشرعيات فالفرق بين القاطع والظني بين لا يشتبه على أهل المعرفة والتمييز وإجماع اليهود
والنصارى عن الاتباع لآحاد الأوائل لعدم تحقيقهم والعادة لا تحيله بخلاف ما
ذكرنا وبالجملة فإنما يرد نقضا إذا وجد فيه ما ذكرنا من القيود وانتفائه ظاهر وقد يعترض بأنه
لا حاجة في هذا الاستدلال إلى توسيط الاجماع على تخطئة المخالف لأنه لو صح لاستلزم وجود
قاطع في كل حكم وقع الاجماع عليه ويجاب بأن كل المجمعين ليسوا بقاطعين على خطأ مخالفيهم بل
ربما يكون كل حكم منهم ظنيا مستندا إلى إمارة لكن يحصل لنا القطع بالحكم من اتفاق الكل ولذلك
قال في الاستدلال أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف ولم يقل على تخطئة المخالف واعترض عليه أيضا
بأنه مستلزم للدور لأنه إثبات للاجماع بالاجماع ورد بأن وجود الاجماع الخاص دليل على حجية الاجماع
لاستلزامه ثبوت أمر قطعي يدل عليها كما مر فحجية الاجماع موقوفة على وجود هذا الاجماع الخاص
ووجود هذا الاجماع الخاص لا يتوقف على حجية مطلق الاجماع وكذا دلالته على وجود قاطع يدل
عليها لا تتوقف على حجية مطلق الاجماع هكذا قرروا الدليل والاعتراضات وأقول إن كان
مراد المخالفين من حجية الاجماع هو حجيته من حيث هو إجماع كما هو لازم طريقتهم بل هو صريح
أكثرهم فلا يتم الاستدلال لان مرادهم إن من العلماء المجمعين على القطع بتخطئة مخالف
الاجماع علماء الإمامية أيضا ومن الاجماع الذي يخطأ مخالفه ما اشتمل على الامام المعصوم عليه السلام فلا
ريب في حقية ما ذكروه ولكن ذلك لا يثبت حجية الاجماع من حيث هو فلا ينفعهم إلا فإن لم
يعلم دخول المعصوم عليه السلام أو علم خروجه عن الاجماع الذي يخطأ مخالفة فلا نسلم إجماع جميع العلماء حتى
الامامية على القطع بتخطئة المخالف وبدونه نمنع حكم العادة على ما ذكروه ولو فرض موافقة
الامامية على القطع بتخطئة المخالف وإن لم يعلم دخول المعصوم عليه السلام فيهم فحينئذ نقول إن كان موافقة
365

الامامية في القطع في التخطئة بحيث يحصل القطع معه بكونه قول المعصوم عليه السلام فيكون حجية الاجماع
الذي يحكم بخطأ مخالفه للاجماع المصطلح عندنا لا لأجل قضاء العادة بذلك وبدونه فنمنع أيضا
حكم العادة على ما ذكروه ويظهر ثمرة هذا الكلام في أمثال زماننا حيث لا يمكن تحقق الاجماع
على مصطلح العامة بحيث يحكم بكون الإمام المنتظر فيهم وكذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله
مع فرض عدم معصوم آخر حال انعقاد الاجماع لأنه لا يستحيل ذلك عندنا أيضا مع أن القدر
المسلم في قضاء العادة على ما ذكروه وهو ما لو كان عدد المجمعين عدد التواتر حتى يمكن القطع بتخطئة
مخالفه والجواب بأن الدليل ناهض في إجماع المسلمين من غير تقييد واشتراط فإنهم خطأوا المخالف
مطلقا لا يخفى ما فيه فإن دعوى كونهم قاطعين بتخطئة المخالف لا بد أن تكون قطعية ومجرد ظهور اللفظ
في إرادة العموم لا يكفي في ذلك مع أن المجمعين على القطع بالتخطئة لو ادعوا ذلك في خصوص مثل
هذا الاجماع الذي لم يبلغ عدده حد التواتر لم يسمع منهم ودعوى حكم العادة حينئذ على ما ذكر غير
مسموعة نعم يمكن أن يقال يتم الاستدلال بناء على كون المطلوب إثبات الحجية في الجملة لا مطلقا
وكيف كان فما ذكروه من الأدلة من العقل والنقل لو تمت فلا يضرنا بل ينفعنا ولو لم يتم فايضا
لا يخلو من تأييد لاثبات حجية الاجماع وأكثر أدلتهم مطابقة لمتقضي مذهب الشيعة في حجية الاجماع
يظهر لمن تأمل فيها بعين التدقيق والانصاف ولنذكر هنا شيئا من الشكوك والشبهات التي
أوردوها في المقامات الثلاثة المتقدمة ولنجب عنها فمنها ما ذكروه في نفي إمكانه وهو أن الاتفاق
إما عن قطعي أو ظني وكلاهما باطل أما القطعي فلان العادة تقتضي نقله إلينا فلو كان لنقل
وليس فليس ولو نقل لاغنى عن الاجماع وأما الظني فلقضاء العادة بامتناع الاتفاق عليه لاختلاف
القرائح وتباينهم وذلك كاتفاقهم على أكل الزبيب الأسود في زمان واحد فإنه معلوم الانتفاء
وما ذلك إلا لاختلاف الدواعي ورد بمنع حكم العادة القطعي إذا أغنى عنه ما هو أقوى عنه
وهو الاجماع ونقله أيضا لا يغني عن الاجماع لظهور كمال الفايدة في تعدد الأدلة سيما مع كون
القطعيات متفاوتة في مراتب القطع وبمنع استحالة الاتفاق على الظني سيما إذا كان جليا
واضح الدلالة معلوم الحجية مع أنا سنثبت إمكان العلم به فكيف يمكن التشكيك في إمكانه ومنها
ما ذكروه في نفي إمكان العلم به وهو أنه لا يمكن العلم بفتوى جميع علماء الاسلام لانتشارهم في
مشارق الأرض ومغاربها بل لا يمكن معرفة أعيانهم فضلا عن أقوالهم مع احتمال خفاء بعضهم
لئلا يلزمه الموافقة أو المخالفة أو انقطاعه لطول غيبته فلا يعلم له خبر أو اسره في المطمورة أو كذبه
366

في قوله رأيي كذا مع أن العبرة بالرأي دون اللفظ مع احتمال رجوع بعضهم عما قال بعد الاستماع
عن الاخر وفيه أن هذه شبهة في مقابل البديهة لحصول العلم بمذهب جميع علماء الاسلام بأن
رأيهم وجوب الصلوات الخمس وصوم رمضان ونحوهما ومذهب علماء الشيعة بأن رأيهم حلية
المتعة ومسح الرجلين فإذا أمكن حصول العلم برأيهم على سبيل البديهة فكيف لا يمكن حصول اليقين
بالنظر مع أن مرتبة البداهة متأخرة عن النظر ولا ريب أن أعيان العلماء غير معروفة بأجمعهم في
ذلك فضلا عن حصول الاستماع منهم وليس الداعي إلى ذلك أمر عقلي حتى يقال ان العلم باجتماعهم
إنما هو بحكم العقل بأن العقلاء يجتمعون على ذلك لأجل عقلهم مع أن العقليات أيضا مما
وقع فيه الاختلاف كثيرا كما لا يخفى على المطلع بها ومنها ما ذكروه في نفي حجيته فمنها ما ذكره
العامة مثل قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى
الله والرسول فظهر منها أن المرجع والمعول إنما هو الكتاب والسنة وفيه أن كون الكتاب
تبيانا لا ينافي تبيانية غيره وأن المجمع عليه لا تنازع فيه ومثل قوله تعالى وأن تقولوا على الله ما
لا تعلمون وفيه منع واضح وأما ما ذكره بعض القاصرين من الخاصة فهو أمور الأول أنه يجوز
الخطأ على كل واحد من المجمعين فكذا المجموع وهو بعينه الشبهة التي أوردوها على نفي التواتر وجوابه
القرق بين المجموع وبين كل واحد كما لا يخفى فإن للاجماع تأثيرا واضحا في حصول الاعتماد بل هو في
الاجماع أظهر منه في الخبر الثاني أن المعصوم عليه السلام لو كان معلوما بشخصه فلا حاجة إلى الاجماع وإلا
فلا يمكن الاطلاع على رأيه وقوله وجوابه أنه قد لا يمكن الوصول إلى خدمته ولكن يمكن العلم الاجمالي
بقوله ورأيه وقد بينا إمكان العلم الاجمالي كما يحصل في الضروريات وأنه يمكن العلم برأيه في زمان
حضوره بسبب أقوال تبعته كما يمكن صيرورة الحكم بديهيا في زمانه مع عدم الاستماع من لفظه
ومن ذلك يظهر عدم الفرق بين زمان الظهور وزمان الغيبة الثالث وقوع الخلاف في
حجية الاجماع وفي أدلة حجيته كما مر وفيه مع أن علماء الشيعة المعتنين بأقوالهم لم يختلفوا في حجيته
وكذلك المحققون من العامة ونسبة بعض العامة القول بعدم الحجية إلى الشيعة افتراء أو اشتباه
لفهم مقصد الشيعة فإنهم يمنعون حجية الاجماع من حيث أنه إجماع لا مطلقا أن وجود الخلاف لا
ينفي الحجية وكذلك اختلاف مدرك الحجية كما يلاحظ في حجية خبر الواحد وغيره بل الخلاف موجود
في أصول الدين وأصول المذهب بل في جميع العقليات إلا ما شذ وندر الرابع وجود المخالف في
أكثر الاجماعات وفيه أنه إن أراد أن وجود المخالف يمنع عن تحقق الاجماع فهو إنما يصح على طريقة
367

العامة مع أن بعضهم أيضا لا يعتبر خلاف النادر وأما على طريقتنا فلا يضر وجود المخالف أما
على المختار من الطرق الثلاثة فلما عرفت أن المناط هو حصول الجزم بموافقة المعصوم عليه السلام ولو باتفاق
جماعة من الأصحاب وأما على المشهور بين القدماء فلانه لا يضر خروج معلوم النسب بل ولا المجهول
النسب أيضا إذا علم أنه ليس بمعصوم بل يكفي فيه العلم الاجمالي أن غير الخارجين الذين علم أنهم ليسوا
بإمام كلهم متفقون على كذا بحيث حصل العلم بأن الامام فيهم مع أنه يحتمل تقدم المخالف على تحقق
الاجماع أو تأخره مع عدم إطلاعه على الاجماع إذ لم نقل بأن كل إجماع تحقق لا بد أن يحصل العلم به لكل
أحد سواء كان في حال الحضور أو الغيبة بل الاحكام الثابتة من الشارع على أقسام منها بديهي ومنها
يقيني نظري للخواص ومنها ظني للخواص مجهول للعوام والنظري اليقيني ربما يكون يقينيا لبعض
الخواض ظنيا لبعض آخر ومرجوحا عند بعض آخر إذ أسباب الحدس والتتبع مختلفة فيتفاوت الحال
بالنسبة إلى الناظر والمتتبعين ألا ترى أن الشيعة مجمعون على حرمة العلم بالقياس مع أن ابن
الجنيد رحمه الله قال بجوازه ولا ريب أن الحرمة حينئذ إجماعي وكذا عدم وجوب قرائة دعاء الهلال مع أن ابن
أبي عقيل قال بوجوبه وإن شهر رمضان يعتبر فيه الرؤية لا العدد مع أن الصدوق رحمه الله خالف فيه و
هكذا ولا يتفاوت الحال بين زمان الحضور والغيبة فتحقق الاجماع في كل واحد من الأزمنة بالنسبة
إلى الاشخاص إما يقيني أو ظني واليقينيات مختلفة في مراتب القطع والظنيات في مراتب الرجحان فلا
يلزم إطراد الحكم ولا القول بأن الاجماع المتحقق في نفس الامر لا بد أن يحصل به العلم لكل أحد ولا بد أن
لا يوجد له مخالف نعم لا نضايق من القول باحتمال السهو والغفلة والاشتباه في الحدس وذلك لا يوجب
بطلان أصل الاجماع كما لا ينافي الغفلة والاشتباه والخطاء بطلان أصول الدين والعقليات مع حصول
الخطأ فيها من كثير وإن أراد أن وجود المخالف يمنع عن الاحتجاج بالاجماعات المنقولة ويورث
العلم بخطأ المدعين فإن أراد أنا نجزم مع وجود المخالف بخطأهم في الدعوى فهو في غاية الظهور من
البطلان لما عرفت من إمكان حصول العلم مع وجود المخالف وإن أراد ذلك يورث ضعف الاعتماد
عليه ففيه مع أنه ممنوع لما ذكرنا أن ذلك لا يوجب بطلان مطلق الاجماع ولا مطلق الاجماع
المنقول ألا ترى أن خروج بعض أخبار الآحاد عن الحجية لا يوجب عدم حجية مطلق الاخبار وكذلك
تخصيص العام وكثرة تخصيصه لا يوجب خروج العام عن أصالة العموم وكذلك المخالفات الواقعة
في سائر المسائل وسائر العلوم لا يوجب عدم الاعتماد بأصل العلم تنبيهات الأول
إذا قال بعض المجتهدين بقول وشاع الباقين من غير إنكار له وهو المسمى بالاجماع السكوتي
368

فهو ليس بحجة خلافا لبعض أهل الخلاف لان الاجماع هو الاتفاق ولم يعلم لاحتمال التصويب على مذهب
المخالفين واحتمال التوقف والتمهل للنظر أو لتجديد النظر ليكون ذا بصيرة في الرد على مذهبنا في
غير المعصوم ولاحتمال خوف الفتنة بالانكار أو غير ذلك من الاحتمالات فلا يكشف السكوت
عن الرضا نعم إذا تكرر ذلك في وقايع متعددة كثيرة في الأمور العامة البلوى بلا نكير بحيث
يحكم العادة بالرضا فهو حجة الثاني قال في المعالم الحق امتناع العلم بكون المسألة إجماعية
في زماننا هذا وما ضاهاه إلا من جهة النقل عن الأزمنة السابقة على ذلك إذ لا سبيل إلى العلم
بقول الإمام عليه السلام كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم
ويكون قوله عليه السلام مستورا بين أقوالهم وهذا مما يقطع بانتفائه فكل إجماع يدعى في كلام الأصحاب مما
يقرب من عصر الشيخ رحمه الله إلى زماننا هذا وليس مستندا إلى نقل متواتر وآحاد حيث تعتبر أو مع
القرائن المفيدة للعلم فلابد أن يراد به ما ذكره الشهيد رحمه الله من الشهرة إلى أن قال وإلى مثل هذا
نظر بعض علماء أهل الخلاف حيث قال الانصاف أنه لا طريق إلى معرفة حصول الاجماع إلا في زمن
الصحابة حيث كان المؤمنون قليلين يمكن معرفتهم بأسرهم على التفصيل أقول لا ريب في إمكان
حصول العلم في هذا الزمان أيضا (كما أشرنا صح) على الطريقة التي اخترناها فإنه يمكن حصول العلم من تتبع كلمات
العلماء ومؤلفاتهم بإجماع جميع الشيعة من زمان حضور الإمام عليه السلام إلى زماننا هذا بسبب
اجتماعهم وعدم ظهور مخالف مع قضاء العادة بأن المتصدين لنقل الأقوال حتى الأقوال الشاذة
والنادرة حتى من الواقفية وسائر المخالفين لو كان قول في المسألة من علمائنا لنقلوه وإذا مضاف
إلى ذلك دعوى جماعة منهم الاجماع أيضا وكذا سائر القرائن مما أشرنا سابقا فيمكن حصول العلم
بكونه إجماعيا بمعنى كون اجتماعهم كاشفا عن موافقتهم لرئيسهم وما قيل أنهم لعلهم اعتمدوا على دليل
عقلي لو وصلنا لظهر عدم دلالته على المطلوب ولم يعتمدوا على ما صدر من المعصوم عليه السلام من
قول أو فعل أو تقرير ففيه ما لا يخفى إذ هذا الكلام لا يجري في الأمور التي لا مجال للعقل فيها وجل
الفقه بل كلها من هذا الباب وما يمكن استفادته من العقل فإن كان من جهة إدراك حسن
ذاتي أو قبح ذاتي فلا إشكال في كونه متبعا سواء انعقد عليه الاجماع أو لا وإن كان من باب
استنباط أو تخريج أو تفريع فالعقل يحكم والعادة تقتضي بعدم اتفاق آراء هذا الجم الغفير المتخالفة
المذاق المتباينة المشرب على دليل غير واضح المأخذ كما أشرنا سابقا وأصحابنا لا يعملون
بأمثال ذلك وإن كان مأخوذا من النص فهو المطلوب نعم يظهر الاشكال فيما لو استدلوا بعلة
369

غير معلومة المأخذ كما استدلوا في لزوم الشاهد والتزكية على اليمين إذا كان المثبت للحق هو
الشاهد مع اليمين وأنه لو قدم اليمين وقعت ملغاة بأن وظيفة المدعي هو البينة واليمين متمم ويمكن
أن يقال بأن هذا أيضا في الحقيقة اتفاق آخر على أمر شرعي وهو كون اليمين متلبسة بوصف المتممية
ولازمه التأخير فاتفاقهم على هذا التعليل أيضا اتفاق على أمر شرعي فإذا حصل من التتبع اجتماع
السلف والخلف على أصل الحكم فلا يضر هذا التعليل ولا يقدح في إمكان دعوى الاجماع أن هذه
العلة غير واضحة المأخذ ولا دليل على حجيتها لامكان دعوى الاجماع على أصل العلة أيضا نعم على ما
اختاره من الطريقة لا يتم دعوى حصول العلم بالاجماع في أمثال هذا الزمان بل يشكل ثبوته في زمان
الحضور أيضا إلا بأن يؤول كلامهم بما ذكرنا سابقا من أن يراد من حصول العلم بأقوال العلماء حتى
الإمام عليه السلام العلم الاجمالي لا العلم بهم تفصيلا حتى ينتفي فايدة الاجماع ويكفي في ذلك عدم معرفة آرائهم
تفصيلا وإن فرض معرفتهم بأشخاصهم مفصلا لو شاهدهم ولقيهم وبالجملة إنكار إمكان العلم بالاجماع
في هذا الزمان مكابرة وإن كان انعقاده في الأزمنة السابقة وكيف يمكن قبول إمكان
حصول العلم بالبديهي بسبب التسامع والتضافر للعوام والخواص ولا يمكن دعوى العلم النظري
للعلماء المتفحصين المدققين وبالجملة فيمكن حصول العلم الضروري بكون الشئ مجمعا عليه والعلم
النظري ودونهما الظن المتاخم للعلم إذ كثيرا ما يحصل الظن المتاخم للعلم بكون المسألة إجماعية
بسبب القرائن والتتبع العام ويختلف الحال في اليقين ومراتبه والظن ومراتبه بحسب المتتبعين رحمه الله
لعل الاجماع الظني أيضا يكون حجة كما سنشير إليه فيما بعد لو لم يكن هناك دليل أقوى منه وإلى ما بينا
يرجع كلام العلامة رحمه الله في جواب ما نقله في المعالم عن بعض علماء أهل الخلاف حيث قال إنا نجزم
بالمسائل المجمع عليها جزما قطعيا ونعلم اتفاق الأمة عليها علما وجدانيا حصل بالتسامع وتضافر
الاخبار عليه وحاصله أنه لا ينحصر العلم بحصول الاجماع في زمن الصحابة بل يحصل في أمثال زماننا
أيضا بالتسامع والتضافر ان المسألة إجماعية من دون أن ينقل يدا بيد أصل الاجماع من الزمان
السابق إلى الزمان اللاحق وغفل صاحب المعالم رحمه الله عن مراده واعترض عليه بأن ذلك لا ينافي ما
ذكره بعض العامة حيث أراد حصول العلم الابتدائي وما ذكره العلامة ادعاء حصول العلم بالنقل وإنما دعاه
إلى هذا الاعتراض افراد الضمير المجرور في كلمة عليه وقرينة المقام ومقابلة الجواب للسؤال شاهد على أن
مرجع الضمير كل واحد من فتاوي العلماء المجمعين كما لا يخفى ومما ذكرنا ظهر ما في قوله فكل إجماع يدعى
في كلام الأصحاب إلخ لأنهم عدول ثقات وادعوا العلم بحصول الاجماع فلا يجوز تكذيبهم ويكون لنا
370

بمنزلة خبر صحيح أخبر به العدل عن إمامه عليه السلام بلا واسطة مع أن ما ذكره موافقا للشهيد رحمه الله من إرادة
الشهرة لا يليق بمن هو دونهم بمراتب فكيف وهو امناء الأمة ونواب الأئمة عليهم الصلاة والسلام
ومتكفلوا أيتامهم الورعون المتقون الحجج على الخلق بعد أئمتهم عليه السلام وهذا منهم تدليس و
خداع حيث يصطلحون في كتبهم الأصولية ان الاجماع هو الاجتماع الكاشف عن رأي إمامهم و
يطلقونه في كتبهم الفقهية على محض الشهرة حاشاهم عن ذلك نعم تطرق الغفلة والاشتباه عليهم لا
(نمنعه)؟ واحتمال الخطأ لا يوجب الحكم ببطلانه في نفس الامر أو عدم جواز الاعتماد على الظن الحاصل به لو لم
يزاحمه ظن أقوى أو لم يظهر من الخارج قرائن تدل على غفلته في دعوى الاجماع واشتباهه في حدسه
وكذلك لا وجه لسائر التوجيهات التي ذكره الشهيد رحمه الله في الذكرى أيضا من أنهم أرادوا بالاجماع عدم
ظهور المخالف عندهم حين دعوى الاجماع إلا أن يرجع إلى الاجماع على مصطلح الشيخ رحمه الله وقد عرفت
ضعفه وأنه خلاف مصطلح جمهورهم بل الشيخ أيضا يريد من الاجماع الذي يدعيه مطلق مصطلح
المشهور كما سنشير إليه وأرادوا الاجماع على روايته بمعنى تدوينه في كتبهم منسوبا إلى الأئمة عليهم السلام
أو بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الاجماع وإن بعد كجعل الحكم من باب التخيير وكل
ذلك بعيد لا حاجة إليه فنقول تلك الاجماعات إجماعات نقلها العلماء ومن يقول بحجية الاجماع
المنقول بخبر الواحد يقول بحجيتها إلا أن يعارضها أقوى منها من الأدلة وظهور الخلل في بعضها
لا يوجب خروج أصل الاجماع المنقول عن الحجية أو كون جميع تلك الاجماعات باطلة في نفسها
الثالث قد عرفت أن الاجماع هو اتفاق الكل أو اتفاق جماعة يكشف عن رأي الإمام عليه السلام
فأما لو أفتى جماعة من الأصحاب ولم يعلم لهم مخالف ولم يحصل القطع بقول الإمام عليه السلام فهو ليس
بإجماع جزما قال الشهيد رحمه الله في الذكرى وهل هو حجة مع عدم متمسك ظاهر من حجة عقلية أو نقلية
الظاهر ذلك لان عدالتهم تمنع عن الاقتحام على الافتاء بغير علم ولا يلزم من عدم الظفر بالدليل
عدم الدليل خصوصا وقد تطرق الدروس إلى كثير من الأحاديث لمعارضة الدول المتخالفة و
مباينة الفرق المنافية وعدم تطرق الباقين إلى الرد له مع أن الظاهر وقوفهم عليه وأنهم لا يقرون
ما يعلمون خلافه فإن قلت لعل سكوتهم لعدم الظفر بمستند من الجانبين قلت فيبقى قول
أولئك سليما من المعارض ولا فرق بين كثرة القائل بذلك أو قلته مع عدم معارض وقد كان
الأصحاب يتمسكون بما يجدونه في شرايع الشيخ أبي الحسن بن بابويه رحمه الله تعالى عند إعواز النصوص
لحسن ظنهم به وإن فتواه كروايته وبالجملة تنزل فتاويهم بمنزلة روايتهم هذا مع ندور هذا الفرض
373

إذ الغالب وجود الدليل دال على ذلك القول عند التأمل وقال في المعالم بعدما نقل كلامه إلى قوله عدم
الدليل وهذا الكلام عندي ضعيف لان العدالة إنما يؤمن معها تعمد الافتاء بغير ما يظن بالاجتهاد
دليلا وليس الخطأ بمأمون على الظنون أقول وسيجئ منه رحمه الله في مباحث الاخبار استدلالا
له بما يدل على كفاية الظن مطلقا إذا انسد باب العلم ولا ريب أن ما ذكر من الظنون القوية فلو
لم يعارضه ما هو أقوى منه فلا يبعد الاعتماد عليه سيما إذا كان القائل به في غاية الكثرة إلا أن الفرض
بعيد كما ذكره في الذكرى الرابع قال في الذكرى ألحق بعضهم المشهور بالمجمع عليه فإن أراد في
الاجماع فهو ممنوع وإن أراد في الحجية فهو قريب لمثل ما قلناه يعني قوله لان عدالتهم تمنع من الاقتحام
على الافتاء بغير علم إلى آخر ما ذكره ولقوة الظن في جانب الشهرة سواء كان اشتهارا في الرواية بأن يكثر
تدوينها أو الفتوى أقول وقوله لقوة الظن يحتمل أن يكون المراد به بيان كون الظن الحاصل من جانب
المشهور أقوى من الظن الحاصل من مخالفهم ولما كان المفروض في المسألة السابقة عدم العلم بالمخالف
فلم يتعرض لذلك وما ذكره رحمه الله قوي ويؤيده قوله عليه السلام خذ بما اشتهر بين أصحابك واترك
الشاذ النادر فإن المجمع عليه لا ريب فيه فإن ملاحظة الحكم والتعليل في الرواية يقتضي إرادة الشهرة
من المجمع عليه أو الأعم منه والعلة المنصوصة حجة والتخصيص بالرواية خروج عن القول بحجية العلة المنصوصة
كما لا يخفى وعلى القول بكون الأصل العمل بالظن بعد انسداد باب العلم إلا ما أخرجه الدليل يتقوى
حجية الشهرة وإذا كان معها دليل ضعيف فأولى بالقبول سيما إذا كان الدليل الذي في طرف المخالف
أقوى بل كلما كان الأدلة والاخبار في جانب المخالف أكثر وأصح يتقوى جانب الشهرة ويضعف الطرق
الاخر ثم إن صاحب المعالم رحمه الله اعترض على الشهيد رحمه الله بمثل ما سبق وبأن الشهرة التي تحصل معها قوة
الظن هي الحاصلة قبل زمن الشيخ رحمه الله لا الواقعة بعده قال وأكثر ما يوجد مشتهرا في كلام الأصحاب حدث
بعد زمن الشيخ كما نبه عليه والذي في كتاب الرعاية الذي ألفه في دراية الحديث مبينا لوجهه وهو
أن أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد زمن الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له لكثرة اعتقادهم فيه
وحسن ظنهم به فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه فحسبوها
شهرة بين العلماء وما دروا أن مرجعها إلى الشيخ رحمه الله وإن الشهرة إنما حصلت بمتابعته ثم نقل من
والده رحمه الله تأييدا لما ذكره من كلام بعض أصحابنا وأنت خبير بأن هذا الكلام في غاية البعد فإن
توجيه كلام والده لا يمكن بمثل ما نقلناه عن الشهيد رحمه الله فيما لو يعرف خلاف للجماعة ولم يظهر
مستندهم في الحكم فإن ذلك في المقام الذي لم يظهر مستند الحكم ولا بأس حينئذ بمتابعتهم لحصول الظن
374

بل قولهم كان عن دليل شرعي وأما القول بأن كل مشهور بعد زمان الشيخ هو من هذا القبيل
فلا ريب أنه اعتساف وإن أبقينا كلامه على ظاهره من تجويز تقليد الجماعة للشيخ مع تصريحهم
بحرمة التقليد على المجتهد فهو جرئة عظيمة ولا ريب أن ذلك في معنى تفسيقهم مع أنا نرى مخالفتهم
له بل أن كثيرا من مخالفة القدماء بعضهم لبعض واعتراضهم عليه في غاية الكثرة على أنا
نقول أن كتب الشيخ كثيرة وفتاويه في كتبه متخالفة بل له في كتاب واحد فتاوى متخالفة فهذه
الشهرة حصلت في أي موضع وتبعية أي فتوى من فتاويه وتقليد أي كتاب من كتابه إذ قلما
يوجد قول بين الأصحاب إلا وللشيخ موافقة فيه فربما وافق الشهرة فتواه في النهاية وخالفت
فتواه في المبسوط وربما كان بالعكس وربما كانت موافقة للخلاف وهكذا وبالجملة هذا
الكلام من الغرابة بحيث لا يحتاج إلى البيان فإن كان اعتمادهم على كتاب النهاية فسائر
كتبه متأخرة عنه فهي أولى بالاذعان مع أن المشهور ربما كان موافقا للخلاف والمبسوط و
إن كان بالعكس فربما كانت موافقة للنهاية وهكذا نعم يمكن ترجيح الشهرة (الحاصلة
بين القدماء من جهة قربهم بزمان المعصوم عليه السلام وإن كان لترجيح الشهرة صح) بين المتأخرين
أيضا وجه لكونهم أدق نظرا وأكثر فأكثر تأملا فرب حال فقه إلى من هو أفقه منه فعلى المجتهد
التحري والتأمل وملاحظة رجحان الظن بحسب المقامات وقد وجدنا المقامات مختلفة
في غاية الاختلاف وترجح عندنا شهرة القدماء تارة وشهرة المتأخرين أخرى وتارة وجدنا
مشهورا لا أصل له وأخرى وجدناها مستقلة في الحكم ومحلا للاعتماد ثم إن هيهنا كلاما
وهو أن المشهور عدم حجية الشهرة فالقول بحجية الشهرة مستلزم للقول بعدم حجيتها وما
يستلزم وجوده عدمه فهو باطل ويمكن دفعه بأن الذي يقوله القائل هو حجية الشهرة
في مسائل الفروع والذي يقوله القائل هو حجية الشهرة في مسائل الفروع والذي يلزم عدم
حجيته هو الشهرة ولا منافاة ووجه الفرق ابتناء المسألة الأصولية على دليل عقلي يمكن القدح
فيه وهو عدم الائتمان على الخطأ في الظنون وهو لا يقاوم ما دل على حجية الشهرة وهو ما دل
على حجية الظن بعد انسداد باب العلم إلا ما أخرجه الدليل كما سيجئ والعلة المنصوصة
وغيرهما فما يحصل من الظن بصدق الجماعة في الحكم الفرعي أقوى من الظن الحاصل من قول
الجماعة بعدم جواز العمل بالمشهور الخامس قد يطلقون الاجماع على غير مصطلح الأصولي
كإجماع أهل العربية العربية والأصوليين واللغويين ومثل قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما
يصح عنه وأجمع الشيعة على روايات فلان وهذا ليس كاشفا عن قول الحجة ولكنه مما يعتمد عليه
377

في مقام الترجيحات ومراتب الظنون قانون لا يجوز خرق الاجماع المركب عندنا سواء
كان مركبا عن قولين أو أكثر فلا يجوز الزايد القول على ما أجمعوا عليه وذلك قد يحصل بملاحظة
توارد حكمين أو أحكام متعددة من الأحكام الشرعية على موضوع واحد بحسب أقوال الأمة ثم حكم آخر
من آخر وقد يحصل بملاحظة توارد حكمين من فريقين منها على موضوع كلي ثم حكم موافق لأحدهما
في بعض أفراد ذلك الموضوع وحكم آخر موافق لاخر في البعض الآخر من تلك الافراد من فريق آخر مثال
الأول أن القول من الشيعة منحصر في استحباب الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة مثلا والقول بحرمته فالقول
بوجوبه خرق للاجماع المركب ومثل أن المشتري إذا وطئ الجارية الباكرة ثم وجد بها عيبا
فقيل لا يجوز الرد وقيل يجوز الرد مع الأرش وهو تفاوت ما بين الثيبوبة والبكارة فالقول بردها
مجانا خرق للاجماع المركب ومثال الثاني أن الشيعة مختلفة في وجوب الغسل بوطئ الدبر فمن
قال بوجوبه في المرأة قال به في الغلام ومن لم يقل به لم يقل به في شئ منهما فالقول بوجوبه في بعض أفراد
الدبر وهو دبر المرأة دون الرجل خرق للاجماع المركب وكذلك مسألة الفسخ بالعيوب فإن الأمة
مختلفة فيه فقيل يفسخ بها كلها وقيل لا يفسخ بها كلها فالقول بالفسخ في بعض العيوب دون بعض
خرق للاجماع المركب وقد يسمى هذا قولا بالفصل ويقال لا يجوز القول بالفصل ويتمسكون بعدم
القول بالفصل في تعميم الحكم في كل واحد من القولين بالنسبة إلى أفراد (لغو بل و)؟ قد يقولون إذ لم
يفصل الأمة بين مسئلتين في حكم فلا يجوز القول بالفصل بينهما وذلك إذا لم يكن هناك كلي
جامع لموضوع المسئلتين مثل الدبر والعيب ومن أمثلته أن بعضهم قال بأن المسلم لا يقتل بالذمي
ولا يصح بيع الغائب وبعضهم يقتل المسلم بالذمي ويصح بيع الغايب فالقول بالقتل وعدم
الصحة قول بالفصل بين المسئلتين فقد يجتمع خرق الاجماع المركب مع القول بالفصل فقد
يتقارنان من الجانبين فمادة الاجتماع هو مسألة وطئ الدبر والفسخ بالعيوب وأمثالهما
ومادة الافتراق من جانب خرق الاجماع المركب هو مسألة الجهر في ظهر الجمعة ورد الجارية
الموطوئة وأمثالهما وأما من جانب القول بالفصل فأمثلته كثيرة يتضح في ضمن ما يتلى عليك
فاستمع لتحقيق هذا المقام على ما يستفاد من كلماتهم وهو أنه إذا لم يفصل الأمة بين مسئلتين
أو أكثر فإن نصوا على عدم الفصل بينهما بأن يعلم من حالهم الاتفاق على ذلك وإن لم نجد
التصريح به من كلامهم فلا يجوز الفصل سواء حكموا بعدمه في كل الاحكام أو بعض الأحكام وله
صور ثلاث الأولى أن يحكم الأمة بحكم واحد فيهما مثل أنهم يستدلون لوجوب الاجتناب
378

عن البول بقوله عليه السلام اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه فالحكم من الأمة للبول واحد وهو
النجاسة وهم متفقون على عدم الفصل بين وجوب غسل الثوب عنه والبدن وتنزيه المأكول و
المشروب والمساجد والمصاحب وغير ذلك وكذلك سائر أحكام النجاسات فاتفقوا على عدم
الفصل بين أحكام المذكورات بالنسبة إلى ملاقاة البول مع كون الحكم واحدا أيضا فهذا في الحقيقة
إجماعان بسيطان وليس لنا هنا إجماع مركب وموارد هذه الصورة في الأحكام الشرعية فوق
حد الاحصاء الثانية أن يحكم بعض الأمة في المسئلتين بحكم وبعض آخر بحكم آخر مثل أن بعضهم
يقول بنجاسة الماء القليل الذي في الاناء بولوغ الكلب وكذلك بنجاسة القليل الذي دخل فيه الدجاجة
التي وطأت العذرة وكذلك غيرهما من أفراد الماء القليل وأقسام النجاسة والاخر يقول بعدم
تنجسه بشئ منها في شئ من أفرادها وهذا أيضا ممن اجتمع فيه الاجماع المركب مع الاتفاق على عدم
الفصل فهناك إجماع بسيط ومركب وذلك أيضا في الأحكام الشرعية في غاية الكثرة
الثالثة أن لا يعلم حكم منهم فيهما بخصوصه وإن اتفقوا على الحكم بعدم الفرق بينهما وذلك في
الاحكام الاجتهادية التي لم يتعين فيها حكم بحيث ينعقد عليه إجماع بسيط أو مركب سواء كان في
أول الاطلاع على المسألة وابتداء البحث في خصوص حكمها أو بعد الاطلاع والفحص وقبل استقرار
الامر على حكم أو حكمين مثل انا إذا لم نعلم حكم تذكية المسوخ فإذا ثبت جواز تذكية الذئب من جملتها
من (أجل)؟ ما دل على جواز تذكية السباع فنحكم بجواز التذكية في الباقي ان ثبت الاتفاق على عدم
القول بالفصل وهكذا في الحشرات بعد إثبات حكم المسوخ بما ذكرنا نقول بجواز التذكية في
الفارة لكونها منها وقد أثبتنا جوازها فيها وهكذا وأمثال ذلك أيضا كثيرة وإن لم ينصوا
على عدم الفصل ولم يعلم اتفاقهم على ذلك ولكن لم يكن فيهم من فرق بينهما أيضا فإن علم اتحاد
طريق الحكم فيهما فهو في معنى اتفاقهم على عدم الفرق مثاله من ورث العمة ورث الخالة ومن منع
إحديهما منع الأخرى لاتحادهما في الطريقة وهي قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ومثله
زوج وأبوان وامرأة وأبوان فمن قال للام ثلث أصل التركة كابن عباس قال به في الموضعين و
من قال لها ثلث الباقي بعد فرضهما قال في الموضعين إلا ابن سيرين فقال في الزوج بمثل
قول ابن عباس دون الزوجة وعكس آخر وإن لم يعلم اتحاد الطريقة فقال العلامة رحمه الله الحق جواز
الفرق لمن بعدهم عملا بالأصل السالم عن معارضة مخالفة حكم مجمع عليه أو مثله ولأن منع
المخالفة يستلزم أن من قلد مجتهدا في حكم أن يوافقه في كل حكم ذهب إليه وهو ظاهر البطلان و
379

قال في المعالم والذي يأتي على مذهبنا عدم الجواز لان الإمام عليه السلام مع إحدى الطائفتين قطعا أقول
وهذا لا يتم إلا مع العلم بعدم خروج قول الإمام عليه السلام عن القولين والمفروض عدم ثبوت الاجماع ويمكن
التكلف في إرجاع كلامه إلى صورة الاجماع ولكنه بعيد فلنرجع إلى ما كنا فيه ونقول لا يجوز خرق
الاجماع المركب يعني ما علم أن قول الإمام عليه السلام ليس بخارج عن أحد الأقوال فإن الخروج عن
الكل واختيار غيره يوجب ترك قول الإمام عليه السلام يقينا فهذا هو الوجه فيما اخترناه من المنع مطلقا
وأما العامة فأكثرهم قد وافقنا على ذلك وذهب الأقلون منهم إلى الجواز وفصل ابن الحاجب ومن
تبعه بأن الثالث إن كان يرفع شيئا متفقا عليه كمسألة رد البكر مجانا فلا يجوز وإلا فيجوز
كمسألة فسخ النكاح ببعض العيوب لأنه وافق في كل مسألة مذهبا فلم يخالف إجماعا ويوضحه مثل قتل
الذمي وبيع الغائب المتقدم فهما مسئلتان خالف في إحديهما بعضا وفي الأخرى بعضا وإنما الممنوع
مخالفة الكل فيما اتفقوا عليه واستدل المانعون منهم مطلقا بأنهم اتفقوا على عدم التفصيل في
مسألة العيوب ومسئلتي الام فالمفصل خالف الاجماع ورد بمنع اتفاقهم على عدم التفصيل فإن
عدم القول بالفصل ليس قولا بعدم الفصل وإنما الممتنع مخالفة ما قالوا بنفيه لا ما لم يقولوا بثبوته
ويوضحه مسألة قتل الذمي وبيع الغائب واعترض بان من قال بالايجاب الكلي في مثل مسألة العيوب
فيستلزم قوله بطلان السلب الجزئي الذي هو نقيضه قطعا بل بطلان التفرقة ومن قال بالسلب
الكلي يستلزم قوله بطلان الايجاب الجزئي الذي هو نقيضه قطعا بل بطلان التفرقة والقول بالتفصيل
مركب من الجزئيتين فالمركب منهما باطل على القولين باعتبار أحد جزئيه قطعا ولا يخفى ما فيه فإن
دلالة القول بالقضية الكلية وإن سلمت من باب الالتزام البين بالمعنى الأعم كما في دلالة الامر بالشئ
على النهي عن الترك كما مر لكن بطلان أحد جزئي المركب إنما يستلزم بطلان المركب من حيث أنه
مركب لا من حيث سائر الأجزاء أيضا مع أنه لا تركيب هنا حقيقيا بل الجزئيتان كل منهما مسألة
برأسها اتفق للقائل القول بهما مطلقا لا بشرط اجتماع كل منهما مع الاخر ولا بشرط التركيب فلا دلالة
في أحد من القولين إلا على بطلان أحد من الجزئيتين فلم يثبت اجتماع الفريقين على بطلان كل واحد
منهما وأما ما قيل من أن اتحاد الحكم في كل الافراد لازم لقول لكل الأمة وإن لم يقولوا به صريحا والتفصيل
ينافيه ففيه أن اللازم لقولهم إنما هو نفس اتحاد الحكم في كل الافراد بلزوم تبعي لا القول باتحاد الحكم
في كل الافراد وما يفيد في تحقق الاجماع هو الثاني لا الأول سملنا لزوم الثاني أيضا لكن لا يلزم
من القول باتحاد الكلي في الحكم القول ببطلان القول بالحكم الموافق في البعض إذ ليس في القول
380

باتحاد الكل في الحكم لزوم انضمام وكل منهما بالآخر لان الحكم إنما يتعلق بكل واحد من الافراد لا بالافراد
بشرط تركيبها واجتماعها سلمنا جميع ذلك لكن المسلم من العقاب على مخالفة الاجماع (والقدر الثابت الحجية من الاجماع) هو ما علم اتفاقهم
على شئ بدلالاتهم المقصودة لا التبعيات وأدلتهم التي أقيمت على ذلك إنما تنصرف إلى ذلك و
استدل المانعون أيضا بأن فيه تخطئة كل فريق في مسألة وفيه تخطئة كل الأمة والأدلة السمعية
تنفيها ورد بأن المنفي تخطئة كل الأمة فما اتفقوا عليه وأما فيما لم يتفقوا عليه بان يخطى كل بعض
في مسألة غير ما خطأ فيه الآخر فلا ينفي أقول وقد مر منا ما يخدش في هذا الكلام وما يصلحه في
خصوص الاستدلال بقوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع أمتي على الخطأ يجعل اللام للجنس أو
للعهد ولكن الأظهر على مذهبهم في هذا المقام هو قول المانع كما بينا احتج المجوزون بأن اختلافهم
دليل على أن المسألة اجتهادية يعمل فيها بما اقتضاه الاجتهاد وأدى إليه فيجوز إحداث الثالث
وأجيب بأن الاختلاف إنما يدل على جواز الاجتهاد إذ لم يكن هناك إجماع مانع فإذا اختلفوا
على قولين ولم يستقر خلافهم كانت المسألة اجتهادية وهنا استقر خلافهم على قولين فلا يجوز
الثالث واحتجوا أيضا بمسألة الام ومخالفة ابن سيرين وتابعي آخر وعدم إنكارهم عليهما وأجيب
بأنه كان قسما من الجائز مما لم يكن فيه مخالفة الاجماع كالفسخ بالعيوب و
يشكل هذا الجواب بأن الظاهر أنه مما اتحد فيه طريق المسئلتين إلا أن يمنع عن ذلك وأما عندنا
فلا إشكال لعدم الثبوت ثم إن الكلام في تحقق الاجماع المركب وحجيته وأقسامه من القطعي والظني
وغير ذلك نظير ما مر في الاجماع البسيط فلا حاجة إلى الإعادة قانون إذا اختلف الأمة
على قولين ولم يدل على أحدهما دليل قطعي أو ظني يرجحه على الاخر فمقتضى طريقة العامة الرجوع إلى
مقتضى الأصل إن لم يكن موجبا لخرق المتفق عليه وإلا فالتخيير وأما على مذهب الإمامية ففيه قولان
نقلهما الشيخ رحمه الله في العدة أحدهما إسقاط القولين والتمسك بمقتضى العقل من حظر أو إباحة على
اختلاف مذاهبهم وثانيهما التخيير وأنه يجري مجرى خبرين تعارضا ولم يكن مرجح لأحدهما ورد الشيخ
القول الأول بأنه يوجب طرح قول الإمام عليه السلام واختار الثاني واعترضه المحقق رحمه الله بأن
في التخيير أيضا ابطالا لقول الإمام عليه السلام لان كلا من الطائفتين يوجب العمل بقوله ويمنع من العمل
بالقول الأخرى فلو خيرنا لاستبحنا ما حظره المعصوم عليه السلام ولا يخفى ضعف هذا الاعتراض
فإن التخيير طريق في العمل للجاهل بالحكم لا قول في المسألة يوجب طرح كل واحد من القولين كالتخيير
في العمل بالخبرين المتعارضين وحكم كل واحد منهما ببطلان القول الاخر وعدم صحته في نفس الامر لا
383

ينافي تجويزه العمل به للجاهل كما أنه لا يجوز للمجتهد منع مقلد مجتهد آخر عن تقليده وإن علم خطأه
في المسألة بل له أن يجوز تقليده إذا كان أهلا للاجتهاد ويرخصه فيه فإن الترخيص في التقليد غير
إمضاء نفس الحكم وإظهار الرضا به بالخصوص ثم إن فرض اتفاق الفريقين بعد الاختلاف على أحد
القولين فقال الشيخ بجواز ذلك على القول بالرجوع بمقتضى العقل وإسقاط القولين لانعقاد الاجماع
حينئذ على ما أجمعوا عليه وأما على مختاره من التخيير فمنعه لأنه يوجب بطلان القول الاخر والمفروض كان
التخيير بينهما وهو ينافي البطلان وهو ضعيف لان التخيير إنما كان في العمل لجهالة قول الإمام عليه السلام
بخصوصه وبعد انعقاد الاجماع يتعين قول الإمام عليه السلام ويظهر بطلان القول الاخر ولا منافاة بين عدم
ظهور البطلان وجواز العمل به في وقت وظهور البطلان وعدم جواز العمل به في وقت آخر ولا يجوز تعاكس
الفريقين عند أصحابنا للزوم رجوع المعصوم عليه السلام عن قوله اللهم إلا إذا كان القولان منه وكان
أحدهما من باب التقية وهو خلاف الأصل لا يصار إليه إلا مع الثبوت وربما يستدل على عدم جواز
التعاكس بقوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع أمتي على الخطاء بناء على كون اللام للجنس للزوم الاجتماع
على جنس الخطأ حينئذ فإن من عدل عن الخطاء فيلزمه الخطأ أولا ويلزم الفرقة الأخرى بعدولها عن
الصواب إلى ذلك الخطأ فصدر عن كل منهما جنس الخطأ وإن كان في وقتين وربما يستدل بذلك
على هذا على لزوم عدم خلو الزمان عن المعصوم عليه السلام لان إتيان كل واحد من الأمة خطأ و
إن كان خطأ كل واحد منهم غير خطأ الآخر يوجب اجتماعهم على جنس الخطأ فلا بد من معصوم حتى يصدق
عدم الاجتماع على الخطأ ويؤيده قوله عليه السلام لا يزال طائفة من أمتي على الحق بناء على كون اسم كلمة
لا يزال كلمة طائفة لا ضمير الشأن قانون الأقرب حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد لأنه خبر
وخبر الواحد حجة أما الأول فلان قول العدل أجمع العلماء على كذا يدل بالالتزام على نقل قول المعصوم عليه السلام
أو فعله أو تقريره الكاشفات عن اعتقاده على طريقة المشهور أو على رأيه واعتقاده على الطريقة التي
اخترنا فكأنه أخبر عن اعتقاد المعصوم عليه السلام اخبارا ناشئا عن علم فهو بناء وخبر وأما الثاني فلما يجئ
في مبحث الاخبار والفرق بين الطريقين أن الأول يفيد كونه حديثا مصطلحا والثاني أنه خبر لغة و
عرفا ومما ذكرنا ظهر وجه الاستدلال بآية النبأ وأما آية النفر فهي أيضا دالة عليه كالخبر لان تحصيل
المعرفة به تفقه والاخبار به إنذار وأما الاجماع الذي نقلوه في حجية خبر الواحد فلما كان بالنسبة
إلينا منقولا فالتمسك به دوري ومن ظهر له القطع بذلك الاجماع بحيث يشمل هذا النبأ الذي
هو مدلول التزامي للاجماع المنقول الذي نحن نتكلم فيه فهو وإلا فلا وجه للاستدلال به وأما انسداد باب
384

العلم وانحصار الطريق في الظن فدلالته عليه واضحة لان مقتضاه حجية الظن من حيث أنه ظن لا ظن خاص
واستدلوا أيضا على حجيته بالأولوية بالنسبة إلى خبر الواحد فإن الظني المنقول بخبر الواحد إذا كان
حجة فالقطعي المنقول به أولى وسيجئ الكلام في توضيح هذا الاستدلال وبقوله عليه السلام نحن نحكم بالظاهر و
أجيب عن الأول بأن الاطلاع على الاجماع أمر بعيد فالظن بوقوعه أضعف من الظن بوقوع الخبر و
ربما يمنع من جهة ذلك التساوي أيضا وعن الأول والثاني بأنهما لا يفيدان إلا الظن وهو غير معتبر
في الأصول أقول واحتمال الخطأ في مدعي الاجماع معارض بكثرة الحوادث اللاحقة بالاخبار من حيث
المتن والسند والدلالة والتعارض والاختلاف والاضطراب والسهو والغفلة والنقل بالمعنى
مع الاشتباه في فهم المقصود والاجماع المنقول خال عن أكثر ما ذكر فيبقى مزية العلم مرجحا ودعوى
لزوم القطع في الأصول خالية عن شاهد ودليل وقد مر الإشارة إليه وسيجئ والحق أن المقامات
تختلف في الترجيح فرب خبر يقدم على إجماع منقول بل وإجماعين منقولين ورب إجماع منقول
يقدم على خبر صحيح بل وأخبار صحيحة فلا بد من ملاحظة الخصوصيات والمرجحات الخارجية واحتج المنكر
للحجية بان مقتضى الآيات والاخبار حرمة العمل بالظن في الفتوى والعمل خرج خبر الواحد بالاجماع
والآيتين وبقي الاجماع المنقول تحت الأصل يعني انا لا نعلم أن الاجماع انعقد على حجية هذا الخبر
الذي هو المدلول الالتزامي لنقل الاجماع أو لا نعلم الاجماع عليه لأنه ليس بحديث أقول أما الاتيان
فقد ذكرنا أنهما تشملانه أيضا وأما الاجماع على ما ادعاه الشيخ وغيره كما سيجئ فهو لا يدل على حجية
الخبر مطلقا أيضا بل غاية ما ثبت هو أخبار الآحاد مع وصف تداولها بين أصحاب الأئمة عليهم
السلام ولا ريب أن حال زمانهم زماننا متفاوت غاية التفاوت بسبب قلة الوسايط و
إمكان حصول القرائن على صدوره من الإمام عليه السلام وقلة الاختلال من جهة النقل والتقطيع
وسائر التصرفات وكذلك بسبب تغائر الاصطلاحات وتفاوت القرائن في فهم اللفظ وبسبب
علاج التعارض المتفاوت حاله بالنسبة إلى الزمانين فالاعتماد على الاجماع المدعى الذي لم يعلم
دعواه ولا وقوعه إلا على العمل بأخبار الآحاد في زمان الأئمة عليهم السلام لا يثبت الاجماع على
جواز العمل به في زماننا أيضا فما تقول في غالب أخبار الآحاد في زماننا نقوله في الاجماع المنقول
فإن أردت إثبات جواز العمل على الظنون التي يحتاج إليها في العمل بأخبار الآحاد في زماننا من
جهة المتن والسند والدلالة وغيرها من الوجوه كلها بالدليل من إجماع أو غيره فلا ريب أنه
تمحل فاسد بل العمل بظواهر الآيات أيضا كذلك إذ لا ريب أن القدر الثابت من كون الآية
387

(حجة)؟ هو متفاهم المشافهين وتحصيل متفاهمهم يحتاج إلى استعمال ظنون شتى لا يمكن دعوى الاجماع
على حجيته كل واحد واحد منها وبالجملة من تتبع الفقه وبلغ إلى حقيقته يعلم أن دعوى أنه لا يجوز
العمل فيه إلا بظن ثبت حجيته من إجماع أو دليل آخر قاطع مجازفة فإذا لم يبق فرق بين الظنون فلا ريب
أن الاجماع المنقول مما يفيد الظن بل ربما يفيد لنا ظنا أقوى من ظاهر الخبر بل الآية أيضا فالآيات
والأخبار الدالة على عدم جواز العمل بالظن مخصوصة بصورة إمكان تحصيل العلم أو بأصول الدين فقط
كما هو مورد أكثر الآيات نعم مثل القياس الذي أجمع الشيعة على بطلانه وصار حرمته من باب ضروريات
المذهب فهو إنما خرج بالدليل فاقتضى الدليل جواز العمل بالظن إلا ما أخرجه الدليل ولذلك
ذهبنا سابقا إلى تقوية حجية الشهرة والاجماعات الظنية ومن ذلك قاعدة الغلبة وإلحاق الظن
بالأعم الأغلب وإن كان ذلك مما يستفاد بالاخبار أيضا كما أشرنا في أوائل الكتاب ثم إن الاشكال
في الاجماعات المنقولة بسبب وجود المخالف وتعارضها حتى من مدعيها كما مر الإشارة إليه قد
ظهر لك الجواب عنه ونقول هنا أيضا أن وجود المخالف غير مضر في تحقق الاجماع كما عرفت
ووقوع الخطأ من المدعي أيضا في استنباطه أيضا لا ننكره وكم من هذا القبيل في أخبار الآحاد مع
أنا نقول بحجيتها فكذلك التعارض والاختلاف فكما يمكن حصول الاختلاف في الاخبار من جهة
الغفلة والنسيان وسوء الفهم والنقل بالمعنى وغير ذلك وهو لا يقدح في حجيته ماهية خبر الواحد
فكذلك ما نحن فيه فإن مبنى الاطلاع على الاجماع غالبا على الحدس وهو مما يجري فيه الخطأ و
الخطأ في القطعيات في غاية الكثرة ألا ترى أن بعض أرباب المعقول يدعي أن الجسم بعد الانفصال
هو هو بالبديهة والآخر يدعي أنه غيره بالبديهة فتعارض الاجماعات ومخالفتها مبتن على ذلك
ألا ترى أن السيد رحمه الله ادعى الاجماع على عدم حجية خبر الواحد وادعى الشيخ رحمه الله الاجماع على خلافه و
وجهه أن السيد رحمه الله كان ناظرا إلى طريقة المتكلمين والناظرين إلى أصول العقائد وانضم إلى ذلك في
(نظره)؟ قرائن أخرى وغفل عن طريقة أهل الحديث وحكم بكون عدم الجواز العمل به مطلقا إجماعيا و
الشيخ رحمه الله إلى طريقة الفقهاء وأهل الحديث وغفل عن طريقة المتكلمين وحكم بكون جواز العمل به
إجماعيا وكما أن سبب حصول الاختلاف من جانب الشارع ممكن في الاخبار كما صرحوا عليهم السلام به
فكذلك فيما نحن فيه فربما انعقد إجماع على مستند صدر قطعا من الامام عليه الصلاة والسلام
وانعقد إجماع آخر على مستند آخر بعينه صدر عنه عليه السلام قطعا هذا ليس بمستبعد ولا مستنكر
ووجه صدور المتخالفة من الاحكام عنهم عليهم السلام ظاهر من جهة التقية وغيرها فلا مانع من رجوع المدعي
388

عن دعواه أيضا من جهة هذه الأمور نعم هيهنا كلام آخر وهو انا بينا أن الطريقة التي اختارها الشيخ رحمه الله
وغيره من الأصحاب الذين يعتمدون في إثبات موافقة قول الإمام عليه السلام للمجمعين بأنه لو كان اجتماعهم على
الباطل لوجب على الإمام عليه السلام ردعهم عن الضلالة بنفسه أو بغيره ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها
فكيف يجوز الاعتماد على إجماعاتهم المنقولة مع أنكم لا تفرقون بينها فإذا كان الاجماع المنقول من مثلهم
أو محتملا لكون مدعيه قائلا بكونه إجماعا من هذه الجهة فكيف يمكن الاعتماد عليه وهو نظير الاشكال
الذي ذكره المنكرون لعلم الرجال النافون للاحتياج إليه بأن كيف يعرف عدالة الراوي مع وجود
الاختلاف في معنى العدالة وعدم المعرفة بحال المذكي واعتقاده في العدالة وسنجيب عنه في محله إنشاء الله تعالى
وأقول في دفع الاشكال هنا أن هذا الاشكال لا يرد على ما ادعاه عبر الشيخ ممن لم يقل بهذه المقالة وهم
الأكثرون بل لم نقف على مصرح بهذه الطريقة من بعد الشيخ وقد رد هذه الطريقة وزيفها سيدنا
المرتضى رحمه الله وأما الشيخ رحمه الله ومن يوافقه في هذه المقالة فهم لا يقولون بانحصار العلم بثبوت الاجماع في
هذه الطريقة المدخولة بل يصرحون بأن الاتفاق كاشف عن قول الإمام عليه السلام وبأن العلم يحصل
من جهة الاتفاق كغيرهم من الأصحاب والاجماع الواقعي عنده أيضا هو ما ذكره القوم فلاحظ كتاب
العدة مصرحا فيها بذلك في مواضع نعم ذكر ذلك أيضا في طريق معرفة قول الإمام عليه السلام حيث
لم يوجد للامامية مخالف في الحكم ولم يعلم اتفاقهم ولم يعرف بموافقة إمامهم لهم أيضا فقال من عدم ظهور
المخالفة يعلم أنه عليه السلام راض بما اتفقوا عليه وإلا لوجب عليه الظهور بنفسه أو بغيره وردعهم عن ذلك و
كذلك لو كان بينهم قولان لم يظهر لهم مخالف ولم يعلم موافقته عليه السلام لهم فقال إن هذا يدل على أن الإمام عليه السلام
خيرهم بين القولين وإلا لظهر وأقامهم على الحق فمتى ذكر الشيخ أن الأصحاب أجمعوا على كذا و
هو أغلب ما يذكرونه في هذا المقام فهو دال على الاجماع المصطلح عند جمهورهم ولا غبار عليه فإن اتفاق
الكل واجتماعهم كاشف عن رأي رئيسهم بلا إشكال مع أن الشيخ إذا اختلف اصطلاحه في الاجماع فالظاهر
من حاله أنه إذا أراد حكاية الاجماع على غير الطريقة المستمرة بين العلماء أن يبين ذلك فإن نقلهم
الاجماع في كتبهم لأجل أن يعتمد عليه من بعدهم فإخفاء ذلك مع تعدد اصطلاحه تدليس منه فالظاهر
منه حيث يطلق الاجماع إرادة المعنى المعهود كما ذكروا نظير ذلك في الجواب عن الشبهة في التعديل
فإن ظاهر حال المذكي أنه يذكر في كتابه ليكون معتمدا لكل من سيجئ بعده فإنه إذا قال فلان عدل
لا بد أن يريد منه العدالة التي تكون كافية عند الكل مع أن الغالب الشايع في الاجماعات هو ما كان
على طبق مصطلح المشهور فالمطلق في كلامهم ينصرف إلى الافراد الغالبة مع أن حصول مقام لم يعرف في
389

الامامية مخالف في الحكم ولم يبق احتمال ظاهر لوجود المخالف قلما ينفك عن حصول العلم بموافقة
الإمام عليه السلام من جهة اتفاقهم ولا يحتاج إلى إثبات الموافقة من جهة الدليل الذي ذكره
الشيخ رحمه الله ومع هذا كله فلا يخفى أن ما ذكره الشيخ أيضا لو لم يصر إجماعا فلا ريب أنه يفيد ظنا
قويا قد يمكن الاعتماد عليه فليجعل الاجماعات المنقولة على قسمين وذلك لا يوجب نفي حجية الاجماع
المنقول رأسا وهيهنا إشكال آخر أيضا وهو أن بعضهم يعتمد على الاجماع الظني بمعنى أنه
يدعي الاجماع بمظنة حصوله وآخرون لا يعتمدون إلا على القطعي فكيف يجوز الاعتماد على مطلق الاجماعات
المنقولة مع عدم العلم بأنها من قبيل الأول أو الثاني وفيه أيضا انا لو سلمنا أنهم يعتبرون
ذلك فلا يخفى أنهم يتكلمون على ما هو مصطلحهم ومصطلحهم في كتبهم الأصولية والفقهية هو القسم
الثاني فيحمل إطلاقها عليه وكل ما كان من قبيل الأول فيصرحون بما يدل على ظنيته مثل أنهم
يقولون الظاهر أنه إجماعي أو لعله إجماعي وأمثال ذلك وأما قولهم أجمع العلماء على كذا أو اتفقوا
أو أنه كذلك عند علمائنا ونحو ذلك فلا ريب أنها صريحة في دعوى العلم والتكلم بمثل هذه الألفاظ
وإرادة الظن بالاجماع تدليس ينافي عدالتهم حاشاهم عن ذلك مع أنه لا يبعد القول بحجية الاجماع
المظنون كالاجماع المنقول نظير الشهرة بالنسبة إلى الاجماع على ما وجهه الشهيد رحمه الله كما مر ولكن لابد
من البيان لتفاوت المذاهب في الاحتجاج وتفاوت المذكورات في القوة والضعف ثم إن الاجماع
المنقول مثل الخبر المنقول يجري فيه أقسامه وأحكامه من الرد والقبول والتعادل والترجيح
فينقسم بالمنقول بخبر الواحد والمتواتر والصحيح والضعيف والمسند والمرسل وغيرها وكذلك اعتبار
المرجحات (الخارجة) من علو الاسناد وكثرة الواسطة الأفقهية والأعدلية وغير ذلك من المرجحات والصحة
والضعف يحصل بسبب عدالة الناقل وعدمها والاسناد والارسال يحصل باتصال السند إلى
الناقل وعدمه وحذف بعض السلسلة وعدمه مثل أن الشيخ رحمه الله سمع عن شيخه المفيد رحمه الله أن المسألة
إجماعية فقال هو أجمع الأصحاب من دون رواية عن شيخه فهذا موقوف أو روى ابن إدريس رحمه الله
عن المفيد رحمه الله بواسطة الشيخ رحمه الله بحذف الواسطة وأما كونه بخبر الواحد أو متواترا فقد أورد المحقق
البهائي رحمه الله سؤالا فيه على القوم بأنهم مطبقون على اشتراط الحس في التواتر وأنه لا يثبت بالتواتر
إلا ما كان محسوسا والاجماع هو تطابق آراء رؤساء الدين على حكم والذي ينقل بالتواتر هو قولهم
وقولهم بشئ لا يستلزم ادعائهم به في نفس الامر وإن قال كل منهم أما مذعن بذلك لاحتمال التقية
أو الكذب من بعضهم نعم يفيد الظن بذلك لأصالة عدمهما وسيما الثاني لمصادمته للعدالة فظهر
390

فظهر بذلك ان تقسيم الأصوليين الاجماع إلى قطعي ثابت بالتواتر وظني ثابت بغيره بعيد عن السداد
وكذا قول بعض المتكلمين أن للقطع بحدوث العالم حاصل من الاجماع المتواتر على حدوثه أقول وفرض
تواتر الاجماع وإن كان قلما ينفك عن الضروري وفرضه بدونه نادر سيما مع كثرة الوسائط ولكن
يمكن أن يقال في جواب الاشكال أما أولا فبمنع انحصار التواتر في المحسوسات بل يمكن به إثبات غيره
أيضا فيمكن حصول العلم ب‍ مسألة علمية بإجماع كثير من العقلاء الأزكياء سيما مع عدم قيام دليل
على بطلان قولهم كما استدل بعضهم على إثبات الصانع ووحدته باتفاق الأنبياء والأوصياء
عليهم السلام والعلماء قاطبة على ذلك فإن العقل يستحيل اجتماع أمثلا ذلك على الخطأ فكذلك
فيما نحن فيه إذا نقل جماعة كثيرة يؤمن تواطئهم على الخطأ أقوال المجمعين مع دعواهم بمعرفتهم من حالهم
إذعانهم بما قالوا وأنهم صادقون في ذلك فيمكن حصول العلم بصدقهم في نقل القول إصابتهم في
إدراك مطابقة قولهم لرأيهم سيما مع ملاحظة تطابقهم في ذلك واعتراف كل منهم بأني مذعن
بما قلت فثبت مما ذكرنا أنه يمكن حصول القطع بالاجماع بنقل هذه الجماعة الكثيرة والحاصل أن
ذلك نظير ما يعلم به اتفاق كل العلماء إجمالا في أصل انعقاد الاجماع فإنه كما يمكن حصول العلم
باتفاق الكل بسبب العلم برأي أكثرهم وعامتهم وإن كان ذلك بسبب انضمام القرائن فيمكن حصول
العلم بتحقق الاجماع بدعوى جماعة كثيرة تحقق الاجماع وإن كان بسبب انضمام بعض القرائن فمراد
القوم بالاجماع الثابت بالتواتر هو ذلك مع أنه يكفي ثبوت أقوالهم (فنفهم)؟ نحن تحقق الاجماع
بسبب اجتماع أقوالهم فالتواتر إنما هو في ملزوم الاجماع لا في نفسه كما سنذكره في المتواتر بالمعنى وقال
بعض الأفاضل في مقام الجواب أنه يمكن تحقق التواتر على طريقة العامة الذين يقولون بحجية الاجماع
من حيث أنه إجماع واتفاق بأن يقال أن الرؤساء إذا اتفقوا على قول مثل أن الماء الكثير لا ينجس
بالملاقاة لا بد من أن يكون كذلك في الواقع وليس علينا أن نبحث عن مطابقته لآرائهم لان قوله صلى الله
عليه وآله لا تجتمع أمتي على الخطأ كما يدل على عدم اجتماعهم على الرأي الخطأ يدل على عدم اجتماعهم على
القول الخطأ أيضا فلو اجتمعت على هذا القول الكاذب لزم كذبه صلى الله عليه وآله وهو محال فهذا القول
المتفق عليه إن ثبت بالتواتر فقطعي وإلا فظني لظنية طريقه لا لظنية نفسه فهو كالمتن القطعي
الثابت بالسند الظني قال الحاجبي في مقام الاستدلال دلالة الاجماع قطعية ودلالة الخبر ظنية
وإذا وجب العمل مع نقل الخبر الظني فوجوبه مع نقل القطعي أولى وليس غرضه أن الاجماع المنقول
بخبر الواحد يقيد القطع حتى يمنع هذا وهذا مثل أن يقول أحد ان العمل بالظاهر المحكي عن المعصوم عليه السلام
391

مثلا إذا كان واجبا فالنص المحكي أولى انتهى أقول ولا يخفى ما فيه فإنه لا معنى محصل للاجماع على القول
الخطأ والاتفاق على القول الصواب إذا أريد منه محض اللفظ إلا اتفاقهم في كيفية قرائة اللفظ وإعرابه
وإلا فالظاهر من الاجتماع على القول هو الاجتماع على مؤداه ومفهومه ومع ذلك فأي فائدة له
في المسائل الفقهية إلا أن يقال فائدته هو صيرورة المتن قطعيا وإن كان الدلالة ظنية كالخبر المتواتر
قوله إن ثبت بالتواتر قطعي يعني أن هذا اللفظ حينئذ للواقع ونفس الامر على ما حقق المقام
لا أنه قطعي الدلالة على مراد المجمعين وحينئذ فلا معنى لقوله وإلا فظني لظنية طريقه لا لظنية نفسه فإن
مراده بذلك بقرينة المقابلة لا بد أن يكون أنه بدون التواتر لا يعلم كون اللفظ موافقا للواقع و
نفس الامر لكن ذلك بسبب ظنية طريقه لا بسبب ظنية نفسه لان نفسه قطعي موافق لنفس الامر
وهو كما ترى وإن أراد من نفي ظنية نفسه كونه قطعي الدلالة ففيه أن المفروض قطع النظر عن الدلالة
وعن مراد القائل والمفروض عدم القطع بمرادهم أيضا فهل هذا إلا تناقض فإن قلت لعل مراده نظير
أن ينقل أحد آية ويذكر أنه من القرآن لمن يعلم قطعا بأن القرآن قطعي موافق لنفس الامر و
محدود معين ولكن لا يعلم أن هذه الآية هل هي من القرآن أم لا فهذا نقل قطعي بالظني قلت ليس
ما نحن فيه من هذا القبيل بل من قبيل ما روي في الشواذ زبادة بعض الكلمات أو الآيات فالكلام
في ذلك أنا لا نعلم أن هذه الآية قرآن أم لا لا أنها من القرآن أم لا لان الاجماعيات ليست متعينة
في الخارج بشخصها لا يتجاوزها حتى يشك في أن ذلك هل هو (بل الشك في أن هذا اجماعي أم لا) منها أم لا فتأمل حتى تفهم الفرق و
لا يختلط عليك الامر قوله فهو كالمتن القطعي الثابت لم أفهم معنى هذا التشبيه فإن أراد من
المتن القطعي القطعي الوقوع فلا معنى له مع كون السند ظنيا وإن أراد قطعي الدلالة فالمفروض
عدمه قوله قال الجاجبي اه لا يخفى أن الخبر الذي يسمع الراوي من المعصوم عليه السلام بلا واسطة
ليس بخبر واحد ولا ظني بل هو قطعي الصدور نعم هذا الخبر لمن يرويه عنه عليه السلام إذا لم يحتف بقرينة
توجب القطع ظني ودلالته أيضا ظنية ومراد ابن الحاجب وغيره في هذا المقام جواز نقل هذا الخبر
عن الراوي بطريق الآحاد فإذا جاز نقل ما هو ظني أنه من الشارع دلالة وسندا فنقل ما هو
قطعي أولى بالجواز ومراده من نقل القطعي هو نقل مدعي الاجماع فإن من يدعي الاجماع فهو يحكي
لغيره ما هو يقيني له انه من الشارع بخلاف من يروي عن الراوي عن الشارع فإنه يحكي ما هو
ظني له انه من الشارع فإن اقتصرت على ظنية الدلالة فيجوز ذلك المقايسة بالنسبة إلى أول صدور
الخبر أيضا قوله وليس غرضه اه لا يتوهم هذا المعنى أحد من كلامه قوله فالنص المحكي أولى قد عرفت
392

أن هذا التشبيه لا يصح على ما بني عليه المقام إن كان موافقا لغرض الحاجبي كيف وليس موافقا
لغرضه كما عرفت المقصد الثاني في الكتاب قانون الحق جواز العمل بمحكمات
الكتاب نصا كان أو ظاهرا خلافا للاخباريين حيث قالوا بمنع الاستدلال بكله على ما نسب
إليهم بعضهم وقال أن مذهبهم ان كل القرآن متشابه بالنسبة إلينا ولا يجوز أخذ حكم منه إلا من
دلالة الاخبار على بيانه وهو الأظهر من مذهبهم أو بالظواهر فقط على ما يظهر من آخر وفصل بعض
الأفاضل فقال إن أرادوا أنه لا يجوز العمل بالظواهر التي ادعيت إفادتها للظن المحتملة لمثل
التخصيص والتقييد والنسخ وغيرها لصيرورة أكثرها متشابها بالنسبة إلينا فلا يفيد الظن وما
أفاد الظن منه قد منعنا عن العمل به مع قبول أن في القرآن محكما بالنسبة إلينا أيضا فلا كلام معهم
وإن أرادوا أنه لا محكم فيه أصلا فهو باطل أقول وهذا التفصيل غفلة عن محل النزاع فإن هذا
التشابه على الوجه الذي ذكره لا اختصاص له بالكتاب بل هو يجري في الاخبار أيضا وقد مر بيانه
في باب وجوب البحث عن المخصص في العام بل النزاع في المقام إنما هو بالنسبة إلى خصوص الكتاب
وإنما نشأ هذا النزاع من جهة بعض الاخبار الذي دل على أن علم القرآن مختص بالمعصومين
عليهم السلام وإنه لا يجوز تفسيره لغيهم وذلك لا يختص بوقت دون وقت وبزمان دون زمان
وأما ما ذكره المفصل فهو إنما يصح في زمان عروض الاختلالات لا في أول زمان النزول
فنقول الحق القول بجواز العمل فأما في الصدر الأول الذي خوطب به المشافهون فلان الضرورة
قاضية بان الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وآله وأنزل إليه الكتاب بلسان قومه
مشتملا على أوامر ونواهي ودلائل لمعرفته وقصصا عمن غبر ووعدا ووعيدا واخبارا بما سيجئ و
ما كان ذلك إلا لان يفهم قومه ويعتبروا به وقد فهموا وقطعوا بمراده تعالى من دون بيانه صلى الله عليه وآله
وما جعل القرآن من باب اللغز والمعمى بالنسبة إليهم مع أن اللغز والمعمى أيضا مما يظهر للذكي
المتأمل من أهل اللسان والاصطلاح بل أصل الدين وإثباته إنما هو مبني على ذلك إذ النبوة
إنما تثبت بالمعجزة ولا ريب أن من أظهر معجزات نبينا صلى الله عليه وآله وأجلها وأتقنها هو القرآن و
الحق أن إعجاز القرآن هو من وجوه أجلها وأقواها بلاغته لا مجرد مخالفة أسلوبه لسائر
الكلمات ولا يخفى أن البلاغة هو موافقة الكلام الفصيح لمقتضى المقام وهو لا يعلم إلا بمعرفة
المعاني والقول بأن العرب كانت تتوقف في فهم المعاني على بيان النبي صلى الله عليه وآله
من دون أن يفهموه بأنفسهم ثم تعلم البلاغة شطط من الكلام مع أن الأخبار الدالة على جواز
393

الاستدلال به ولزوم التمسك به قريب من التواتر أو متواتر منها ما ذكره أمير المؤمنين عليه
الصلاة والسلام في خطبته المذكورة في نهج البلاغة قال فيها والصلاة على نبيه الذي أرسله بالفرقان
ليكون للعالمين نذيرا وأنزل عليه القرآن ليكون إلى الحق هاديا وبرحمته بشيرا فالقرآن
آمر زاجر وصامت ناطق حجة الله على خلقه أخذ عليهم مشاقه إلى آخر ما ذكره عليه السلام من هذا النمط ومنها
خبر الثقلين الذي ادعوا تواتره بالخصوص فإن الامر بالتمسك بالكتاب سيما مع عطف أهل
البيت عليهم السلام عليه صريح في كون كل منهما مستقلا بالإفادة وعدم افتراقهما كما في بعض رواياته لا يدل على
توقف فهم جميع القرآن ببيان أهل البيت عليهم السلام فإن ذلك لأجل إفهام المتشابهات وما
لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم فإما مذعنون بما قاله تعالى هو الذي أنزل إليك الكتاب منه
آيات محكمات هن أم الكتاب الآية فإن المراد بالمتشابه هو مشتبه الدلالة والمحكم في مقابله
وما قيل إن المراد من المتشابه مشتبه فيحتمل أن يكون الظاهر منه لجهالة معناه بالنسبة إلى الواقع
وكذلك المراد بالمحكم لما يستفاد من بعض الاخبار أن المحكم هو ما يرادف النص أو المراد به الناسخ
ففيه ما لا يخفى إذ من (المعائن)؟ الغني عن البيان أن مجرى عادة الله تعالى في بيان الاحكام على النطق و
الكلام وإن الكلام كله لا يفيد اليقين بل أكثره مبتن على الظن من العمل بأصل الحقيقة في الحقايق
وبالقرائن في المجازات مع احتمال إرادة المجاز واختفاء القرينة على السامع واحتمال اشتباه القرينة
بقرينة أخرى ولم يعهد من نبي ولا وصي ولا متكلم (النبي)؟ من حكيم وعاقل أو سفيه وجاهل التوقف
في حال التكلم مع مخاطبه في أنه هل حصل له اليقين بمرامه أم اكتفى بالظن بل لو توقف وكرر عليه القول
واستفسر وبين له ثانيا أيضا فلا ينفك ذلك أيضا غالبا عن لفظ آخر محتمل لتلك الوجوه وهكذا
وسيجئ زيادة توضيح لذلك فالمراد من المتشابه هو ما لم يتضح دلالته بأن يصير السامع مترددا
لأجل تعدد الحقايق أو لأجل خفاء القرينة المعينة للمجاز لتعدد المجازات وهكذا والحاصل ما لم يكن
له ظاهر أريد منه سواء لم يكن له ظاهر أو كان ولم يرد واشتبه دلالته في غيره فما وضح دلالته إما
للقطع بالمراد أو للظهور المعهود الذي يكتفي العقلاء وأرباب اللسان به فهو المحكم ومقابله المتشابه
فخذ هذا ودع عنك ما استشكله بعضهم في هذا المجال لاطلاق المحكم في كلام بعض العلماء على ما يرادف
النص أو يدعى استفادة ذلك من بعض الاخبار أيضا وإن في بعض الاخبار ما يدل على أن المحكم هو
الثابت لا المنسوخ وان المنسوخ من المتشابهات فإن الظاهر أن المراد من كون المنسوخ من
المتشابهات أنه مثلها في عدم جواز العمل ومن أن الناسخ محكم أنه يجب العمل به فهذه الآية محكمة
394

لا تشابه فيها ولا يحتاج في بيان المتشابه إلى كلام الأئمة عليهم السلام ومما ذكرنا يندفع ما يورد على
الاستدلال برواية الثقلين أيضا من أن الامر بالتمسك بكتاب الله لا يدل على أنه يمكنه الفهم بنفسه
بل الذي لا بد منه هو الاستعداد للفهم بعد الافهام فإن لفظ ما إن تمسكتم به لن تضلوا لفظ النبي صلى الله عليه وآله
لا لفظ الكتاب حتى يكون معركة للنزاع ولا ريب أن المتبادر منه التمسك بلا واسطة والاحتياج إلى
الترجمة للعجمي مثلا ليس من باب الاحتياج إلى بيان الإمام عليه السلام فإنه يشمل العربي القح أيضا فنحن
لا نلتزم وجوب أن يمكنه الفهم بنفسه بل يجوز احتياجه إلى المترجم لو كان عجميا مثلا لا البيان ولو كان
عربيا أيضا وهذا لا ينافي في دلالة الحديث على عدم الاحتياج إلى بيان الإمام عليه السلام بالمعنى الذي يحتاج
إليه العربي أيضا ومنها الأخبار الكثيرة التي ادعوا تواترها في عرض الحديث المشكوك فيه على كتاب الله
والمراد بكتاب الله هو ما يفهمه أهل اللسان منه وما يتوهم منه أن العرض على بيان الأئمة عليهم السلام
للكتاب أيضا تمسك بالكتاب وعرض على الكتاب غلط لان الاعتماد حينئذ على البيان لا على الكتاب كما
لا يخفى ومنها الأخبار الكثيرة التي استدل فيها الأئمة عليهم السلام بالكتاب لأصحابه مرشدين إياهم
لذلك واستدلال بعض الأصحاب به على بعضهم وهي كثيرة جدا متفرقة في مواضع شتى لا نطيل
بذكرها والحاصل أن هذا المقصد من الواضحات التي لا تحتاج إلى البيان وأما أدلة الأخباريين
فهي الاخبار التي دل بعضها على حصر علم القرآن في النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام مثل ما رواه الكليني
عن الصادق عليه الصلاة والسلام قال إنما يعلم القرآن من خوطب به ويدفعه أن جميع الحاضرين
مجلس الوحي أو الموجودين في زمانه كانوا ممن خوطب به فلا يختص به صلى الله عليه وآله وما رواه أيضا في الروضة
عنه عليه السلام واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى
ولا رأي ولا مقائيس قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شئ وجعل للقرآن ولعلم القرآن أهلا
إلى أن قال عليه السلام وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم الحديث وفيه أنه ظاهر بل صريح
في أن المراد علم جميعه وهو مسلم وفي معناهما أخبار أخر والجواب عن الكل واحد ولو فرض ورود حديث
صريح صحيح بل أخبار صحاح أيضا في أن العلم منحصر فيهم رأسا وقطعا ولا يفهمه أحد سواهم ولا يجوز
العمل إلا ببيانهم عليهم السلام لتأوله أو نذره في سنبله كيف ولا خبر يدل على ذلك صريحا ولا ظاهرا ومنها الاخبار
التي دلت على عدم جواز التفسير بالرأي وأفتى بمضمونه المحقق الطبرسي رحمه الله حيث قال في مجمع البيان وعلم
أن الخبر قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة القائمين مقامه عليهم السلام أن تفسير القرآن لا
يجوز إلا بالأثر الصحيح والنص الصريح قال وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من فسر القرآن برأيه
397

فأصاب الحق فقد أخطأ وفيه أن الظاهر أن المراد بالتفسير كما ذكره المحقق الطبرسي رحمه الله أيضا كشف المراد
عن اللفظ المشكل وقيل التفسير كشف الغطاء ولا ريب أنه لا يجوز الحكم بالمراد من الألفاظ المشتركة
والمجملة في القرآن بالرأي ومجرد الاستحسان العقلي من دون نص صريح من الأئمة عليهم السلام أو دليل
معتبر فلا منافاة بين المنع من التفسير بالرأي وجواز العمل بالظواهر ويمكن أن يراد أن من ترك
متابعة مقتضى وضع اللغة والتعارف في بيان المعنى وأبدع معنى للفظ بمجرد الاشتباه فهو ممنوع
مع أنا نرى أن المحقق الطبرسي رحمه الله كثيرا ما يفسر الألفاظ ويبين المعاني من دون نص وأثر
وأما ما ذكره المفصل من أنه يجوز العمل في القطعيات منه دون الظواهر المحتملة للنسخ و
التخصيص وغيره ففيه ما مر من أن محل النزاع إن كان ظاهر الكتاب من حيث أنه هو ظاهر
الكتاب فلا يضره هذه المحتملات قبل طروها مثل أوائل نزول الكتاب فإذا نزل آية كان يجوز العمل
بها حتى يثبت لها ناسخ أو مخصص أو مقيد وأما بعد سنوح هذه العوارض فيعمل على مقتضاها
إذا علم بها على وجهها وإلا فالحال فيه هو الحال في جميع ما يرد علينا في أمثال زماننا من متعارضات
الأدلة والمجتهدون أيضا يقولون بأنه لا يجوز العمل بها حينئذ إلا بعد ملاحظة المعارض ينادي بذلك
اتفاقهم على لزوم الفحص عن المخصص في العام ووجوب تحصيل القطع بالعدم أو الظن وما يدعى أن
الحاصل من تتبع الاخبار أن أصحاب الأئمة عليهم السلام كانوا يعملون بالاخبار العامة بمحض الورود من
دون فحص عن المخصص وأنهم ما كانوا يعملون بالآيات كذلك وإجماعهم المستفاد من طريقتهم هو
الداعي لاخراج الاخبار عن هذا الحكم بخلاف الكتاب فهو من أغرب الدعاوي فنحن نقول في
الكتاب نظير ما قلناه في الاخبار انه يجب الفحص عن الناسخ والمنسوخ والعام والخاص ثم يعمل على ما
يبقى ظاهرا بعد ذلك وهذا لا ينافي جواز العمل بالظواهر على ما هو محل النزاع وأما الاستدلال بما
دل على حرمة العمل بالظن في مثل هذه الظواهر فإن كان بالآيات ففيه وإن كان لا يتم إلا إلزاما
وإلا عند هذا المفصل إن ادعى أن هذا من المحكمات القطعية الدلالة لا من الظواهر إن دلالتها
ممنوعة لظهورها في أصول الدين ثم قطعيتها لأنها عمومات وإطلاقات مخصصة بالظواهر لما
بينا من الأدلة على حجية الظن الحاصل عن التخاطب ثم الظن الحاصل بعد انقطاع سبيل العلم إلى
الاحكام في أمثال زماننا كما سنبينه ومن جميع ذلك ظهر أن حجية ظواهر القرآن على وجوه فبالنسبة
إلى بعض الأحوال معلوم الحجية مثل حال المخاطبين بها وبالنسبة إلى غير المشافهين مظنون الحجية
وكونها مظنون الحجية اما بظن آخر علم حجيته بالخصوص كأن نستنبط من دلالة الاخبار وجوب
398

التمسك بها لكل من يفهم منها شيئا واما بظن لم يعلم حجيته بالخصوص كأن نعتمد على مجرد الظن الحاصل من
تلك الظواهر ولو بضميمة أصالة عدم النقل وعدم التخصيص والتقييد وغير ذلك فإن ذلك إنما يثبت حجيته
وقت انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية وانحصار الامر في الرجوع إلى الظن ولما كان الاخبار أيضا من
باب الخطابات الشفاهية فكون دلالتها على حجية الكتاب معلوم الحجية إنما هو للمشافهين بتلك الأخبار
وطرو حكمها بالنسبة إلينا أيضا لم يعلم دليل عليه بالخصوص فيدخل حينئذ أيضا في القسم الاخر فليكن على ذكر
منك وانتظر لتتمة الكلام قانون قالوا القرآن متواتر فما نقل آحادا ليس بقرآن لأنه مما يتوفر
الدواعي على نقله وما هو كذلك فالعادة تقضي بتواتر تفاصيله أما الصغرى فلما تضمنت من التحدي
والاعجاز ولكون أصل سائر الأحكام وأما الثانية فظاهرة أقول أما تواتر القرآن في الجملة ووجوب العمل
بما في أيدينا اليوم فمما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه لكن تواتر جميع ما نزل على محمد صلى الله عليه وآله
غير معلوم وكذا وجوب تواتره أما الثاني فلانه إما يتم لو انحصر طريق المعجزة وإثبات النبوة لمن سلف
وغبر فيه الا ترى ان بعض المعجزات مما لم يثبت تواتره وأيضا يتم لو لم يمنع المكلفون على أنفسهم اللطف
كما منعوه في شهود الإمام عليه السلام وأما الأول أعني تواتر جميع ما نزل فيظهر توضيحه برسم مباحث
الأول انهم اختلفوا في وقوع التحريف والنقصان في القرآن وعدمه فعن أكثر الأخباريين أنه وقع
فيه التحريف والزيادة والنقصان وهو الظاهر من الكليني رحمه الله وشيخه علي بن إبراهيم القمي رحمه الله والشيخ أحمد
بن أبي طالب الطبرسي رحمه الله صاحب الاحتجاج وعن السيد والصدوق والمحقق الطبرسي وجمهور المجتهدين
رحمهم الله تعالى وعدمه وكلام الصدوق رحمه الله في اعتقاداته يعرب عن أن المراد بما ورد في الأخبار الدالة على أن
في القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام كان زيادة لم تكن في غيرها انها كانت من باب
الأحاديث القدسية لا القرآن وهو بعيد والأدلة على الأول على ما ذكره الفاضل السيد نعمة الله رحمه الله
في رسالته منبع الحياة وجوه منها الأخبار المستفيضة بل المتواترة مثل ما روي عن أمير المؤمنين عليه
الصلاة والسلام لما سئل عن المناسبة بين قوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا فقال عليه السلام
لقد سقط بينهما أكثر من ثلث القرآن وما روي عن الصادق عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى كنتم خير
أمة قال عليه السلام كيف يكون هذه الأمة خير أمة وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ليس هكذا
نزلت وإنما نزلها كنتم خير أئمة أي الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ومنها الأخبار المستفيضة في أن آية الغدير هكذا
نزلت يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي عليه السلام فإن لم تفعل فما بلغت رسالته إلى غير ذلك مما لو جمع
لكان كتابا كثيرا لحجم ومنها أن القرآن كان ينزل منجما على حسب المصالح والوقائع وكتاب الوحي كانوا
403

أربعة عشر رجلا من الصحابة وكان رئيسهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وكانوا في الأغلب ما
يكتبون إلا ما يتعلق بالأحكام وإلا ما يوحى إليه صلى الله عليه وآله في المحافل والمجامع وأما الذي كان يكتب ما ينزل
عليه في منازله وخلواته فليس هو إلا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لأنه كان يدور معه صلى الله عليه وآله
كيفما دار فكان مصحفه عليه السلام أجمع من غيره من المصاحف فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى لقاء حبيبه وتفرقت الأهواء بعده جمع أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام القرآن كما أنزل وشده
بردائه أتى به إلى المسجد فقال لهم هذا كتاب ربكم كما أنزل فقال عمر ليس لنا فيه حاجة هذا عندنا مصحف
عثمان فقال عليه السلام لن تروه ولن يراه أحد حتى يظهر القائم عليه السلام إلى أن قال وهذا القرآن
كان عند الأئمة عليهم السلام يتلونه في خلواتهم وربما اطلعوا عليه لبعض خواصهم كما رواه ثقة الاسلام الكليني
عطر الله مرقده بإسناده إلى سالم بن سلمة قال قرء رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفا
من القرآن ليس على ما يقرئها الناس فقال أبو عبد الله عليه السلام مه كف عن هذه القراءة واقرء كما
يقرئها الناس حتى يقوم القائم عليه السلام فإذا قام قرء كتاب الله على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي
عليه السلام وقد يوجه هذا الحديث وأمثاله مما يدل على ثبوت شئ آخر نقص من هذا القرآن الذي في
أيدينا بأن المراد إما نقص المعنى وتغييره إلى ما ليس مراده تعالى أو نقص ما فسروه به يعني أنهم عليهم السلام
كتبوا في مصاحفهم تفسير الآيات وأصحابهم كانوا يتلفظون بها فمنعوهم عن ذلك وإن أصحابهم
كانوا يفسرون الآيات بشئ لم يكن إظهاره صلاحا لوقتهم فأمروهم بالكف عن ذلك حتى يظهر القائم عليه السلام
فيظهره لا أنه كان شئ في القرآن داخلا فأخرجوه وهو بعيد بل لا يمكن جريانه في كثير من تلك الأخبار
بوجه من الوجوه ثم قال السيد رحمه الله بعد نقل الحديث وهذا الحديث وما بمعناه قد أظهر العذر في
تلاوتنا من هذا المصحف والعمل بأحكامه ثم ذكر حكاية طبخ عثمان ما عدا مصحفه من مصاحف كتاب
(؟؟) فلولا حصول المخالفة بينهما لما ارتكب هذا الامر الشنيع الذي صار من أعظم المطاعن عليه ثم نقل
عن كتاب سعد السعود للسيد بن طاوس رحمه الله أنه نقل عن محمد بن بحر الرهني من أعاظم علماء العامة في
بيان التفاوت في المصاحف التي بعث بها عثمان إلى أهل الأمصار قال إتخذ عثمان سبع مصاحف
نسخ فحبس منها بالمدينة مصحفا وأرسل إلى أهل مكة مصحفا وإلى أهل الشام مصحفا وإلى أهل الكوفة
مصحفا وإلى أهل البصرة مصحفا وإلى أهل اليمن مصحفا وإلى أهل البحرين مصحفا ثم عدد ما وقع فيها
من الاختلاف بالكلمات والحروف مع أنها كلها بخط عثمان فكيف حال ما ليس بخطه ثم كر السيد رحمه الله
الاختلاف الواقع في أزمان القراء وذلك أن المصحف الذي دفع إليهم خال من الاعراب والنقط
404

كما هو الآن موجود في المصاحف التي هي بخط مولانا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين صلوات
الله وسلامه عليهم وقد شاهدنا عدة منها في خزانة الرضا صلوات الله وسلامه عليه نعم ذكر
جلال الدين السيوطي في كتابه الموسوم بالمطالع السعيدة أن أبا الأسود الدئلي أعرب مصحفا
واحدا في خلافة معاوية وبالجملة لما دفعت إليهم المصاحف على ذلك الحال تصرفوا في إعرابها و
نقطها وإدغامها وإمالتها ونحو ذلك من القوانين المختلفة بينهم على ما يوافق مذاهبهم في
اللغة والعربية كما تصرفوا في النحو وصاروا إلى ما دونوه من القواعد المختلفة قال محمد بن بحر الرهني ان
كل واحد من القراء قبل أن يتجدد القاري الذي بعده كانوا لا يجيزون إلا قرائته ثم لما جاء القارئ
الثاني انتقلوا عن ذلك المنع إلى جواز قرائة الثاني وكذلك في القراءات السبعة فاشتمل كل واحد
على إنكار قرائته ثم عادوا إلى خلاف ما أنكروه ثم اقتصروا على هؤلاء السبعة مع أنه قد حصل في علماء
المسلمين والعاملين بالقرآن أرجح منهم من أن زمان الصحابة ما كان هؤلاء السبعة ولا عددا معلوما
من الصحابة للناس يأخذون القراءات عنهم ثم ذكر قول الصحابة لنبيهم صلى الله عليه وآله على الحوض إذا سئلهم
كيف خلفتموني في الثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فحرفناه وبدلناه وأما الأصغر فقتلناه ثم
يذادون عن الحوض وأما الدليل على الثاني فقوله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا
دلالة فيه أصلا كما لا يخفى وقوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وفيه أنه لا يدل على عدم
التغيير في القرآن الذي بأيدينا فيكفي كونه محفوظا عند الأئمة عليهم السلام في حفظ أصل القرآن في
مصداق الآية ولا ريب أن ما في أيدينا أيضا محفوظ من أن يتطرق إليه نقص آخر أو زيادة مع احتمال
أن يراد من قوله تعالى لحافظون لعالمون وإن القول بجواز التبديل فتح لباب الكلام على إعجاز القرآن
وعلى استنباط الاحكام منه وفيه أنه لم يخرج بذلك عن كونه معجزا لبقاء الأسلوب والبلاغة اللذين هما
مناط الاعجاز بحالهما بل سائر وجوه الاعجاز أيضا مع أنه لم يدخل الاخبار على حصول الزيادة وادعى على عدمها
أيضا الاجماع الشيخ والطبرسي في التبيان ومجمع البيان والذي له مدخلية في الاخراج عن حد الاعجاز
هو الزيادة غالبا وكذلك لم يظهر وقوع التحريف في آيات الاحكام مع أنه لو وقع فليس بأعظم من غيبة
الإمام عليه السلام وما ورد من الأخبار الدالة على وجوب التمسك بالكتاب والامر باتباعه وعرض الاخبار
على كتاب الله ونحو ذلك وفيه أن ما ورد من هذه الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينافي
ما ذكرنا فإنه أمر أيضا بالتمسك بالأوصياء عليهم السلام مع أنهم صاروا ممنوعين عن التبليغ كما هو حصة
وأما ما ورد من الأئمة عليهم السلام فلا ينافي تجويزهم العمل بها من باب التقية وحكم الله الظاهري
405

كما سنقول في القراءات السبعة المتواترة ما يقرب من ذلك أو نقول إنا نلتزم تغيير الاحكام فيما ذكر
في الكتاب الذي بأيدينا اليوم بل هي صحيحة وإن كان لا ينافي ذلك حذف بعض الكلمات منه كذكر أسماء
أهل البيت عليهم السلام والمنافقين وعدم ذكر بعض الأحكام أيضا بل الظاهر من بعض الأصحاب دعوى
الاجماع على عدم وقوع تحريف وتغيير في الكتاب يوجب تغيير الحكم الثاني أن المشهور كون
القراءات السبع متواترة وهي المروية عن مشايخها السبعة وهم نافع وأبو عمرو والكسائي وحمزة وابن عامر
وابن كثير وعاصم وادعى على تواترها الاجماع جماعة من أصحابنا وبعضهم الحق بها القراءات الثلاثة
الباقية أيضا ومشايخها أبو جعفر ويعقوب وخلف وهو المشهور بين المتأخرين وممن صرح بكونها متواترة
الشهيد رحمه الله في الذكرى والشهيد الثاني رحمه الله في روض الجنان بعد نقل الشهرة عن المتأخرين وشهادة
الشهيد رحمه الله على ذلك قال ولا يقصر ذلك عن ثبوت الاجماع بخبر الواحد فيجوز القراءة بها مع أن بعض
محققي القراء من المتأخرين أفرد كتابا في أسماء الرجال الذين نقلوها في كل طبقة وهو يزيدون عما يعتبر في
التواتر فيجوز القراءة بها إنشاء الله تعالى انتهى كلامه وبعضهم زاد على ذلك وهو مهجور وأنكر الزمخشري تواتر
السبعة ووافقه على ذلك جماعة من الأصحاب قال السيد الفاضل المقدم ذكره بعد اختياره عدم التواتر
وقد وافقنا عليه السيد الاجل علي بن طاوس في مواضع من كتاب سعد السعود وغيره وصاحب الكشاف
عند تفسير قوله تعالى وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم ونجم الأئمة الرضي رحمه الله
في موضعين من شرح الرسالة أحدهما عند قول ابن الحاجب وإن عطف على الضمير المجرور أعيد الخافض
ثم إن ظاهر الأكثر أنها متواترة إن كان جوهرية أي من قبيل جوهر اللفظ كملك ومالك مما يختلف خطوط
المصحف والمعنى باختلافه لأنه قرآن وقد ثبت اشتراط التواتر فيه وأما إن كانت أدائية أي من قبيل
الهيئة كالإمالة والمد واللين فلا لان القرآن هو الكلام وصفات الألفاظ ليست كلاما ولأنه لا يوجب
ذلك اختلافا في المعنى فلا يتعلق فايدة مهمة بتواتره أقول والظاهر أن مراد الأصحاب ممن يدعي تواتر السبعة
أو العشرة هو تواترها عن النبي صلى الله عليه وآله عن الله تعالى كما يشير إليه ما سننقله عن شرح الألفية ويشكل ذلك
بعدما عرفت ما نقلناه في القانون السابق نعم إن كان مرادهم تواترها من الأئمة عليهم السلام بمعنى تجويزهم
قرائتها والعمل على مقتضاها فهذا هو الذي يمكن أن يدعى معلوميتها من الشارع لأمرهم بقرائة القرآن
كما يقرء الناس وتقريرهم لأصحابهم على ذلك وهذا لا ينافي عدم علمية صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله
ووقوع الزيادة والنقصان فيه والاذعان بذلك والسكوت عما سواه أوفق بطريقة الاحتياط وأما الاستدلال
على كون السبع من الله تعالى بما ورد في الاخبار أن القرآن نزل على سبعة أحرف فهو لا يدل على المطلوب
406

وقد ادعى بعض العامة تواترها واختلفوا في معناه على ما يقرب من أربعين قولا وقال ابن الأثير في نهايته في
الحديث نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف أراد بالحرف اللغة يعني على سبع لغات من لغات
العرب أي أنها متفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه
بلغة يمن وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه على أنه قد جاء في القرآن ما قرء بسبعة وعشرة
كقوله تعالى مالك يوم الدين وعبد الطاغوت ومما يبين ذلك قول ابن مسعود إني قد سمعت القراء
فوجدتهم متقاربين فاقرؤا كما علمتم انما هو كقول أحدكم هلم وتعال وأقبل وفيه أقوال غير ذلك هذا
أحسنها انتهى كلامه وعن القاموس مثل ذلك مع أن الكليني رحمه الله روى في الحسن كالصحيح عن الفضيل بن
يسار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان الناس يقولون ان القرآن نزل على سبعة أحرف فقال كذبوا
أعداء الله ولكنه على حرف واحد من عند الواحد والظاهر أنه كذبهم لأجل فهمهم من النزول على
سبعة أحرف النزول على القراءات السبع كما هو الظاهر من قوله عليه السلام نزل على حرف واحد من عند الواحد فلا
ينافي صحة الخبر إذا أريد منه اللغات السبع أو البطون السبعة أو نحو ذلك مثل ما روى أصحابنا عن أمير
المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه قال إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف
شاف وهي أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص ومثلها روى العامة عن النبي صلى الله عليه
وآله وكذلك ما رووه أيضا عن زرارة عن الباقر عليه الصلاة والسلام قال إن القرآن واحد نزل من
عند واحد ولكن الاختلاف يجئ من قبل الرواة ويؤيد ما ذكرنا أن المراد بالسبعة ليس القراءات السبع
ما رواه في الخصال عن الصادق عليه الصلاة والسلام حين قال له حماد أن الأحاديث تختلف عنكم قال
فقال إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام عليه السلام أن يفتي على سبعة وجوه ثم قال هذا عطائنا
فامنن أو أمسك بغير حساب وما رواه العامة عنه صلى الله عليه وآله أن القرآن نزل على سبعة أحرف لكل آية منها
ظهر وبطن ولكل حرف حد ومطلع وفي رواية أخرى أن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن
نعم روى في الخصال عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
أتاني آت من الله فقال إن الله يأمرك أن تقرء القرآن على سبعة أحرف وهذه الرواية مع ضعف
سندها أيضا غير واضحة الدلالة على المطلوب وكيف كان فدعوى تواتر السبعة عن النبي صلى الله عليه
وآله محل كلام وقد ذكر السيد المتقدم ذكره في بيان منع تواترها أيضا أنهم نصوا على أنه كان لكل قار
راويان يرويان قرائته نعم اتفق التواتر في الطبقات اللاحقة وأيضا تواترها عنهم كيف يفيدوهم من
آحاد المخالفين استبدوا بآرائهم كما تقدم وإسنادهم إلى النبي صلى الله عليه وآله إن ثبت فلا حجة فيه مع
407

ان كتب القراءة والتفاسير مشحونة بقولهم قرء حفص كذا وعاصم كذا وفي قرائة علي بن أبي طالب وأهل البيت
عليهم الصلاة والسلام كذا بل ربما قالوا في قرائة رسول الله صلى الله عليه وآله كذا كما يظهر من الاختلافات
المذكورة في قرائة غير المغضوب عليهم ولا الضالين والحاصل أنهم يجعلون قرائة القراء قسيمة لقرائة
المعصومين عليهم السلام فكيف يكون القراءات السبع متواترة من الشارع انتهى ما ذكره أقول ويمكن أن
يقال أن الراويين كانا يرويان القراءة عن شيخهم بمعنى أن شيخهم كان يقرء كذا يعني أن الشيخ كان يختار
هذه القراءة من جملة القراءات المتواترة فتخصيص الراويين بالنقل إنما هو لأجل إسناد الاختيار و
الترجيح لا رواية أصل القراءة حتى يستند في منع حصول التواتر بذلك وذلك لا ينافي مخالفتهم للمعصومين
عليهم السلام أيضا لأنهم عليهم السلام كانوا يختارون ما نقل عنهم وقد يؤيد عدم تواتر السبع أيضا باختلاف القراء في
ترك البسملة فقد نقل متواتر عن قرائة كثير منهم ترك البسملة مع أن الأصحاب مجمعون على بطلان الصلاة
بتركها فكيف يحكمون ببطلان المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وفيه تأمل وأما على ما بنينا عليه من
كون ذلك تجويزا عن الأئمة عليهم السلام فيصح الجواب باستثناء ذلك كما ورد في الأخبار المستفيضة من
كون البسملة جزء وانعقد إجماعهم عليه ثم إن الشهيد الثاني رحمه الله قال في شرح الألفية واعلم أنه ليس المراد
ان كل ما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد انحصار المتواتر الآن فيما نقل من هذه القراءات فإن
بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن غيرهم كما حققه جماعة من أهل هذا الشأن والمعتبر القراءة بما
تواتر من هذه القراءات وإن ركب بعضها في بعض ما لم يترتب بعضه على بعض آخر بحسب العربية فيجب مراعاته
كتلقي آدم من ربه كلمات فتاب فإنه لا يجوز الرفع فيهما ولا النصف وإن كان كل منهما متواترا بان
يؤخذ رفع آدم من غير قرائة ابن كثير ورفع كلمات من قرائته فإن ذلك لا يصح لفساد المعنى ونحوه
كفلها زكريا بالتشديد مع الرفع أو بالعكس وقد نقل ابن الجوزي في النشر عن أكثر القراء جواز ذلك
أيضا واختار ما ذكرناه وأما اتباع قرائة الواحد من العشرة في جميع السور فغير واجب قطعا بل ولا
مستحب فإن الكل من عند الله نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين تخفيفا عن لامة و
تهوينا على أهل الملة وانحصار القراءات فيما ذكر أمر حادث غير معروف في الزمن السابق
بل كثير من الفضلاء أنكر ذلك خوفا من التباس الامر وتوهم أن المراد بالسبعة هي الحرف التي ورد في
النقل أن القرآن أنزل عليها والامر ليس كذلك فالواجب القراءة بما تواتر انتهى قوله رحمه الله وانحصار
القراءات اه متشابه المقصود والأظهر أنه ابتداء تحقيق يعني انها في الصدر الأول لم تكن منحصرة
في السبع والعشر بل كانت أزيد من ذلك وأنكر كثير منهم ذلك حتى لا يتوهم أن المرخص فيه في الصدر
408

الأول لم تكن منحصرة في السبع والعشر بل كانت أزيد من ذلك وأنكر كثير منهم ذلك حتى لا يتوهم ان
المرخص فيه في الصدر الأول إنما هو هذا القدر كما يشير إليه ما نقلناه عن النهاية ثم إن ما توافقت فيه
القراءات فلا إشكال والمشهور في المختلفات التخيير لعدم المرجح ويشكل الامر فيما يختلف به الحكم في ظاهر
اللفظ مثل يطهرن ويطهرن فإن ثبت مرجح كما ثبت للتخفيف هنا فيعمل عليه ومما يؤيد ما ذكرنا وقوع
الخلاف في هذه الآية وإلا لتعين التخيير في العمل وقال العلامة رحمه الله في المنتهى وأحب القراءات إلي ما قرئه
عاصم من طريق أبي بكر بن عياش وطريق أبي عمرو بن العلاء فإنها أولى من قرائة حمزة والكسائي لما فيها
من الادغام والإمالة وزيادة المد وذلك كله تكلف ولو قرء به صحت صلاته بلا خلاف الثالث
لا عمل بالشواذ لعدم ثبوت كونها قرانا وذهب بعض العامة إلى أنها كأخبار الآحاد يجوز العمل بها وهو
مشكل لان إثبات السنة بخبر الواحد قام الدليل عليه بخلاف الكتاب وذلك كقرائة ابن مسعود
في كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات فهل ينزل منزلة الخبر لأنها رواية أم لا لأنها لم تنقل خبرا و
القرآن لا يثبت بالآحاد ويتفرع عليه وجوب التتابع في كفارة اليمين وعدمه ولكن ثبت الحكم عندنا
من غير القراءة المقصد الثالث في السنة وهو قول المعصوم عليه السلام أو فعله أو تقريره الغير
العاديات وفيه مطلبان المطلب الأول في القول قانون الحديث هو ما يحكي
قول المعصوم عليه السلام أو فعله أو تقريره والظاهر أن حكاية الحديث القدسي داخلة في السنة وحكاية
هذه الحكاية عنده صلى الله عليه وآله داخل في الحديث وأما نفس الحديث القدسي فهو خارج عن السنة والحديث و
القرآن والفرق بينه وبين القرآن إن القرآن هو المنزل للتحدي والاعجاز بخلاف الحديث القدسي و
قد يعرف الحديث بأنه قول المعصوم عليه السلام أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره ليدخل فيه أصل
الكلام المسموع عن المعصوم عليه السلام والأنسب بقاعدة النقل هو عدم الدخول لكون كلامه عليه السلام في
الأغلب أمرا أو نهيا بخلاف حكايته فإنه دائما أخبار ونفس الكلام المسموع هو الذي يسمونه بالمتن
ومتن الحديث مغاير لنفس ومذهب أصحابنا أن ما لا ينتهي إلى المعصوم عليه السلام ليس حديثا وأما
العامة فاكتفوا فيه بالانتهاء إلى أحد الصحابة أو التابعين أيضا والكلام فيما يرد على التعريفات و
اصطلاح طردها وعكسها يشغلنا عنه ما هو أهم فلنقتصر على ذلك ثم أن الخبر قد يطلق على ما يراد و
الحديث كما هو مصطلح أصحاب الدراية وقد يطلق على ما يقابل الانشاء وقد عرفت تعريفه على الأول
وأما على الثاني فهو كلام لنسبته خارج يطابقه أو لا يطابقه والمراد بالخارج هو الخارج عن مدلول
اللفظ وإن كان في الذهن ليدخل مثل علمت وليس المراد به ثبوته في جملة الأعيان الخارجية لينافي
409

كونها أمرا اعتباريا لا أمرا مستقلا موجودا وأيضا الموجود الخارجي على ما ذكره بعض المحققين هو ما كان
الخارج ظرفا لوجوده لا لنفسه ولا ريب أن الخارج ظرف لنفس النسبة لا لوجودها فيقال زيد موجود في
الخارج بمعنى أن وجود زيد في الخارج لا نفسه وأما حصول القيام لزيد مثلا فليس وجوده في الخارج حتى
يكون موجودا خارجيا بل هو نفسه في الخارج فالحاصل أن الموجود الخارجي هو زيد لا وجوده والقيام
لا حصوله لأنه لو فرض للحصول والوجود وجود حتى يكونان موجودين خارجيين لزم التسلسل فيقال
لحصول القيام أنه أمر خارجي (لا موجود خارجي) وكذلك لوجود زيد وبالجملة النسبة في الخبر ثابتة في الواقع سواء التفت الذهن
إليها أم لا وأما الانشاء فإنها يثبت بنفسه نسبة بالتفات الذهن إليها وإيقاعها ويوجد الحكم بنفس
الكلام الانشائي فقولنا بعت إذا استعمل على وضعه الحقيقي فلا بد أن يكون البيع واقعا في نفس الامر قبل
هذا الكلام حتى يطابقه بخلاف بعت الانشائي قان البيع يوجد بهذا اللفظ ولا ينافي ذلك جواز
التعليق شئ كما في الظهار مثل أن يقول رجل لزوجته إن كلمت فلانا فأنت علي كظهر أمي فإن الظهار
وإن كان لا يحصل بمجرد التنطق بل يبقى معلقا بحصول الشرط ولكن الحكم الحاصل من هذا اللفظ إنما يحصل
به ولا خارج له أصلا وحيلولة حائل عن أثره وتأخيره عن المؤثر لا ينافي حصوله به ومن هذا القبيل صيغة
الإجارة مع تأخر زمان الإجارة عن الصيغة وصيغة الامر المعلق على شرط وقيل في تعريف الخبر أنه كلام
يحتمل الصدق والكذب وقيل التصديق والتكذيب وقد يفرع على ذلك ما لو قال لإحدى زوجاته من
أخبرني بقدوم زيد فهي علي كظهر أمي فأخبرته إحداهن بذلك كاذبة فيقع الظهار لصدق الخبر وهو
يشكل بأن المتعارف في ذلك إرادة الخبر الصادق بل الصدق إنما هو مدلول الخبر والكذب إنما هو احتمال
عقلي فإن علم أن المراد مطلق الخبر فكذلك وقد يتوهم أن تعريف الخبر بذلك نع انهم عرفوا الصدق بأنه
الخبر عن الشئ على ما هو به يستلزم الدور وقد يجاب عنه بان المراد بالخبر في تعريف الصدق هو مطلق
الاعلام فلا دور أو أن المراد تعريف صدق المتكلم لا الكلام والصدق في تعريف الخبر هو صدق الكلام و
إن شئت تعريف صدق الخبر فيقال صدق الخبر هو مطابقته للواقع ولا إشكال وقد اختلفوا في تعريف
صدق الخبر وكذبه على أقوال المشهور والأقوى أن الصدق مطابقة الواقع والكذب عدم مطابقته للتبادر
والاجماع على أن اليهودي إذا قال الاسلام حق يحكم بصدقه وإذا قال خلافه يحكم بكذبه وذهب النظام
ومن تبعه إلى أن الصدق مطابقته لاعتقاد المخبر وإن لم يطابق الواقع والكذب عدمها وإن طابق الواقع
فقول القائل السماء تحتنا معتقدا ذلك صدق والسماء فوقنا غير معتقد ذلك كذب والمراد بالاعتقاد
ما يعم الظن وهو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض عند المخبر والعلم وهو الحكم الذهني الجازم الثابت
410

المطابق للواقع الذي لا يزول بتشكيك المشكك والجهل المركب وهو الحكم الجازم الغير المطابق سواء زال
بتشكيك المشكك أم لا والاعتقاد المشهور اي الحكم الذهني الجازم الذي يقبل التشكيك ثم إن أرادوا من
قبول التشكيك في الاعتقاد المشهور القبول في بعض افراده فيشمل العلم وإلا فيخرج عنه العلم وما لا يقبل
التشكيك من أفراد الجهل المركب ويدخل فيه الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الذي يقبل التشكيك وربما
قيل إن العلم هو الحكم الجازم الذي لا يقبل التشكيك والاعتقاد المشهور هو ما يقبله وقسم الاعتقاد إلى هذين و
الظن وهو مفوت للجهل المركب وما قيل في دفعه أن الجهل المركب ما يقبل التشكيك مطلقا بمعنى أنه يمكن زواله
بإقامة البرهان فيرد عليه أن العلم أيضا ربما يقبل التشكيك بإلقاء الشبهة فإن قلت المراد من قبول
التشكيك احتمال نفس الامر للخلاف لا مجرد حصول الشك للمخبر فيرد عليه أن الاعتقاد الجازم المشهوري
الذي يقبل التشكيك ربما يكون مطابقا للواقع أيضا وكيف كان فالخبر المعلوم والمظنون والمجزوم به
بالاعتقاد المشهوري صادق عند النظام بخلاف الموهوم يعني إذا دل الخبر على الطرف الذي هو مرجوح عند
المخبر فهو كاذب وكذا ما كان مشكوكا عنده لعدم كونه مطابقا لاعتقاده وإن كان بسبب انتفاء
الاعتقاد رأسا والمراد أن مدلول الخبر متصف بالكذب وإلا فلا حكم للشاك حتى يقال أن خبره صادق
أو كاذب واحتج النظام بقوله تعالى والله يشهد ان المنافقين لكاذبون فإنه تعالى حكم بكونهم كاذبين
في قولهم إنك لرسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه مطابق للواقع فاتصافه بالكذب إنما يكون من جهة مخالفة اعتقادهم
وأجيب عنه بوجوه أحدها أنهم كاذبون فيما تضمنه شهادتهم من ادعائهم أنه من صميم القلب كما يدل
عليه تأكيد الكلام بأنواع التأكيدات من ذكر كلمة إن واللام والجملة الاسمية لا يقال ان هذا لا يبطل قوله
لان دعوى المواطاة وكون الشهادة من صميم القلب مخالف لمعتقدهم أيضا لأنا نقول انه غير مطابق
للواقع أيضا فلم يثبت أن وصفه بالكذب لما ذكره دون ما ذكرنا وثانيها أنه راجع إلى دعوى الاستمرار
كما يشهد به الجملة المضارعة وثالثها أنه راجع إلى لازم فائدة الخبر وهو كونهم عالمين بذلك معتقدين له
ورابعها أن المنافقين قوم متسمون بالكذب وهو عادتهم وسجيتهم فلا تغتر بشهادتهم ولا تعتمد عليهم
فإن الكذوب قد يصدق وخامسها أنهم كاذبون في تسمية شهادة لاشتراط مواطاة القلب واللسان
في مفهوم الشهادة وتوجيهه أن تسميتهم كأنه اخبار بأن ذلك شهادة فيؤول التسمية إلى الخبر وإلا
فالتسمية ليست بخبر وربما يمنع اشتراط المواطاة في مفهوم الشهادة وسادسها أنه على فرض تسليم
رجوع التكذيب إلى قولهم إنك لرسول الله فالمراد أنهم كاذبون في اعتقادهم الفاسد لأنهم يعتقدون
أن هذا غير مطابق للواقع وسابعها أنه راجع إلى حلفهم على أنهم لم يقولوا لا تنفقوا على من عند رسول الله
411

ولم يقولوا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وذهب الجاحظ إلى أن الصدق مطابقة الواقع
والاعتقاد والكذب مخالفتهما معا وإن هناك واسطة وحاصله أن الخبر إما مطابق للواقع أو لا وكل
منهما إما مع اعتقاد المطابقة أو اعتقاد عدمها أو الشك أو عدم الشعور والصدق هو المطابقة مع اعتقاد
المطابقة والكذب هو المخالفة مع اعتقاد المخالفة والست البواقي وسائط بنيهما واستدل على ثبوت
الواسطة بقوله تعالى افترى على الله كذبا أم به جنة فإن الكفار حصروا أخبار النبي صلى الله عليه وآله
عن الحشر أو عن نبوته صلى الله عليه وآله في الافتراء وهو الكذب والاخبار حال الجنة على سبيل منع الخلو كما هو ظاهر
مفاد كلمة أم والهمزة ولابد أن يكون المراد من الثاني غير الكذب لاقتضاء الترديد مغايرته معه وغير
الصدق لاعتقادهم عدمه ولعدم دلالة قولهم أم به جنة على إرادة ذلك فلا بد أن يكون هناك واسطة يحمل
عليها قولهم لأنهم عقلاء من أهل اللسان وعارفون باللغة وكون الخبر صادقا في نفس الامر لا ينافي كونه
واسطة بينهما على زعمهم والحاصل أنهم اعتقدوا أن هذا الخبر خبر وليس من قسم الصدق ولا من قسم الكذب
بل هو شئ ثالث وخطاهم في أنه شئ ثالث لا ينفي صحة إطلاقهم الخبر على شئ ثالث وإطلاقهم دليل على صحة
الاطلاق عليه وأجيب بأن الترديد بين الافتراء وعدم الافتراء والافتراء هو الكذب عن عمد ولا عمد
للمجنون فهذا ترديد بين نوعي الكذب وتوضيحه أن القصد إما داخل في مفهوم الافتراء أو هو المتبادر
من الافعال المنسوبة إلى ذوي الإرادات ولذلك ذكروا في خيار المجلس المستفاد من قوله صلى الله عليه وآله البيعان
بالخيار ما لم يفترقا إن التفارق على غير الاختيار لا يوجب انقطاع الخيار بل لا يبعد إجراء ذلك في نفي
الافعال فيعتبر في عدم الافتراق أيضا القصد والاختيار ولو سلم عدم المدخلية للقصد في الموضوع له و
لا من جهة الاستعمال فنقول ان الدليل لما دل على ما اخترناه من مذهب المشهور فنحمله هنا على إرادة
القصد ولو كان مجازا جمعا بين الأدلة وربما يجاب بأنه ترديد بين الكذب وما ليس بخبر فإن الكلام الذي
لا قصد معه ليس بخبر وفيه أن مدخلية القصد في كون الكلام خبرا ممنوع إلا أن يمنع كونه كلاما حينئذ وهو كما
ترى واعلم أن هذه الآية على فرض تسليم دلالتها فإنما تدل على ثبوت الواسطة لا على تحقيق معنى الصدق
والكذب فإن غاية ما ثبت من الآية إطلاق الكذب فيها على ما خالف الواقع والاعتقاد بزعمهم وأما
انحصاره فيه فلا وإذا لم يثبت حقيقة الكذب منها فالصدق بالطريق الأولى ثم على فرض تسليم إثبات الواسطة
فإنما تثبت واسطة واحدة من الوسائط وهو الخبر لا عن شعور الغير المطابق للواقع كما هو معتقدهم
على ما فهمه العضدي وذكر شيخنا البهائي رحمه الله أن الثابت بها ثلث وسائط الخبر لا عن قصد وشعور و
مع الشك في مطابقة الواقع ومع اعتقادها بأن يكون في زعمهم الفاسد أن الشك في الصدق لا يكون إلا
412

عن مجنون فكيف اعتقاد الصدق أقول وتوضيحه أن الكفار يقولون أن خبره صلى الله عليه وآله
مخالف للواقع جزما فإن كان مع اخباره بثبوته يعتقد عدم المطابقة للواقع فهو كذب ولا ينافي
طريقة العقل وإن كان يعتقد المطابقة للواقع أو يشك في المطابقة وعدمها فهو مجنون يعنى شبيه
بالمجنون حيث إن الشك في المطابقة وعدمها لا يصدر عن عاقل ولا ينبغي أن يصدر مثله إلا عن
المجنون فضلا عن اعتقاد المطابقة ويرد على ما ذكره أنه لا يثبت إلا واسطتين لأنه لا يبقى حينئذ مجال
لادخال ما لا قصد فيه ولا شعور في الكلام لان التشبيه بالمجنون إما من جهة خيالاته وأفكاره أو
من جهة مطلق تكلماته وأطواره ولا يمكن الجمع بينهما في التشبيه فإن خبره صلى الله عليه وآله أمر واحد وجزئي
حقيقي موجود في الخارج لا يقبل إلا أحد المحتملات اما كونه لا عن شعور العياذ بالله أو عن اعتقاد
المطابقة أو مع الشك ولا يجتمع أحد الاحتمالات مع الاخر في الوجود فإما يقال انه يقول لا عن شعور
كالمجنون أو يقال أنه يشك كالمجنون أو يعتقد المطابقة كالمجنون بل لا يمكن الجمع في الأخيرين أيضا
إلا من باب الاستلزام الفرضي والحاصل أنه لا يمكن الجمع في تشبيه الخبرين ذي الاعتقاد ولا عن
شعور فالتحقيق أن الآية لا تثبت إلا المخبر لا عن قصد وشعور لو أريد التشبيه في طور كلام المجنون
وحاله أو المخبر عن اعتقاد مع عدم المطابقة للواقع لو أريد التشبيه بأفكار المجنون وخيالاته ولا يبعد
ترجيح الأول لكونه آكد في سقوط الاعتبار صورة ومعنى ولمقابلته بالافتراء الذي هو الكذب عن عمد
فما ذكره العضدي أظهر ووافقه الجماعة أيضا فلاحظ الشهيد الثاني رحمه الله أيضا في تمهيد القواعد حيث
جعل مذهب الجاحظ ثلاثية ثالثها الاخبار بدون اعتقاد والظاهر أن المراد بالاعتقاد وهو قابلية
ليدخل الشك أيضا ولذلك لم يلتفت الجماعة ثم إن لي هنا كلاما طارفا لم يلتفت إليه من قبلي هداني
إليه التأمل فيما ذكره شيخنا البهائي رحمه الله من فروع هذه المسألة في حواشي زبدته فقال ومما يتفرع
على كون صدق الخبر وكذبه مطابقته للواقع وعدمها أم لا أن المدعي لو قال بعد إقامة البينة كذب
شهودي فعلى المذهب المختار تسقط دعواه وكذا على مذهب الجاحظ وأما على مذهب النظام
لا تسقط دعواه ولو قال لم يصدق شهودي فإن دعواه على المختار تسقط دون المذهبين الأخيرين
ولو قال له المنكر صدق شهودك فهو إقرار على المذهبين دون مذهب النظام ولو قال لم يكذبوا
فهو إقرار على المختار دون المذهبين الأخيرين ومما يتفرع على هذا الخلاف أيضا ما لو قال المنكر
إن شهد فلان فهو صادق فعلى المذهب المختار ومذهب الجاحظ هو إقرار كما هو مذكور في كتب
الفروع لأنه لو لم يكن الحق ثابتا لم يكن صادقا إن شهد وأما على مذهب النظام فليس إقرارا انتهى
413

كلامه رحمه الله أقول الذي يظهر لي أن مناط الأقوال الثلاثة في جواز وصف الخبر بالصدق والكذب و
الحكم عليه بأنه صدق أو كذب عند التحقيق هو اعتقاد مطابقة الواقع وعدمه فإن النظام أيضا
مراده من كون الصدق هو مطابقة الاعتقاد هو كون اعتقاده إن هذا الحكم ثابت في الواقع فالذي
يصفه بالصدق هو ما يعتقد مطابقته للواقع وكذلك الجاحظ ولا يصف به إلا ما يعتقده كذلك
وأما المشهور فلما لم يكن ظهور الواقع إلا بالاعتقاد أنه واقع فوصفهم بالصدق إنما يكون بعد اعتقادهم
المطابقة فالاعتقاد مما لا بد من ملاحظته في وصف الخبر بالصدق والكذب فان قلت إن الصدق
والكذب أمران نفس الأمريان والخبر انما يتصف بالصدق والكذب النفس الأمريين لا ما يعتقد صدقه
أو كذبه فلو كان شئ مطابقا للواقع واعتقد أحد عدمه وحكم بكذبه ثم ظهر له فساد اعتقاده فيحكم بأنه كان
صادقا فلو نذر أحد أن يعطي من أخبر بصدق شيئا فأعطاه بشخص لم يعتقد في حقه الصدق لكنه
كان في نفس الامر صادقا فيبر نذره إذا ظهر له بعد ذلك أنه كان صادقا وبالعكس قلت اتصافه بما هو
كذلك في نفس الامر إنما هو في نفس الامر لا عندنا والذي يثمر في الفروع ما هو ما عرفنا اتصافه به في نفس الامر و
اعتقدناه وبر النذر في الصورة المفروضة وعدمه في عكسها ممنوع مع أنه يجري ذلك على المذهبين الأخيرين
أيضا فإنه إذا تغير الاعتقاد فيحكم النظام أيضا بخلاف المعتقد في ذلك الخبر وكذلك الجاحظ فالخبر الموافق
للاعتقاد عند النظام صدق ما دام كذلك وإذا تبدل فيتصف بالكذب بمعنى أن ذلك الخبر كذب رأسا
لا أنه صار كذبا الآن ولا معنى لكون الخبر صدقا في وقت كذبا في آخر في نفس الامر بل إنما ذلك من جهة الاعتقاد
ثم إعلم أن معنى قولنا كتب فلان أنه فعل ما هو كتابة في نفس الامر لا ما هو كتابة عنده فلا بد في
الاسناد من ملاحظة المسند والمسند إليه ثم الاسناد فالكتابة أمر مستقل ملحوظ في ذاته قبل الاسناد
غاية الامر أنه يتقيد بإدراك المدرك ضرورة يعني أن من يلاحظ نسبتها إلى فلان يعرفها ويعلم أنها كتابة
ثم يسندها إلى فلان إذا عرفت هذا وتأملت فيما ذكرنا تعلم أنه لا محصل للتفريعات التي ذكرها رحمه الله لان
قول المدعي كذب شهودي معناه كذب شهودي في الواقع لا في اعتقاد الشهود يعني قالوا قولا كاذبا في الواقع
على أي قول كان من الأقوال الثلاثة وهو يستلزم بطلان حقه على الأقوال الثلاثة فإن كل واحد منها يعتبر
فيه اعتقاد مطابقة الواقع وعدمه كما بينا والحاصل أن معنى قول المدعي كذب شهودي هو أني اعتقد
عدم مطابقته للواقع على ما بينا لك سابقا وهو إقرار ببطلان حقه فإن الاقرار أيضا تابع للاعتقاد
الواقع فكلما دل عليه فهو يثبته وإن لم يقصد وليس معنى كذبوا أنهم أخبروا من غير علم واعتقاد فإن
هذا معنى قولنا كذبوا في اعتقادهم بمعنى قالوا قولا مخالفا لمعتقدهم وإذا صرح بهذا المضمون فهو كما ذكره
414

لا يستلزم سقوط الحق ولكن ليس هذا تفريعا على لفظ الكذب المطلق وبالجملة كما أن نفس المخبر إذا قال
خبري كذب معناه على مذهب النظام أن خبري غير موافق لاعتقادي فكذلك غيره ممن وصف
ذلك الخبر بالكذب على هذا المذهب لا بد أن يريد أنه غير موافق لاعتقاده وحينئذ فهو إقرار بعدم ثبوته
في الواقع كما مر وتوضيح هذا المطلب أن الخبر كما ذكروه وهو كلام كان له خارج يطابقه أو لا يطابقه و
المراد بالخارج هو خارج المدلول وإن كان في الذهن كما أشرنا ولا ريب أن النسبة التي هو خارج
المدلول اما هو الذي مكتوب في اللوح المحفوظ أو ما يدركه المدرك ويزعمه أن هو ذلك المكتوب و
هذا هو الاعتقاد وإن لم يكن مطابقا للمكتوب في الواقع فحقيقة مذهب المشهور في الصدق هو
مطابقة مدلول الكلام والنسبة الذهنية الحاصلة منه لما هو مكتوب في اللوح المحفوظ من حيث هو مكتوب
هناك وإن أخطأ الواصف به في فهم المطابقة واعتقاده في نفس الامر وحقيقة مذهب النظام هو مطابقته
لما يعتقده المدرك أنه كذلك في اللوح المحفوظ من حيث إن اعتقاده ذلك فوصف الخبر بالصدق
والكذب على كل المذاهب يلاحظ بالنسبة إلى الخبر من حيث هو خبر لا من حيث صدوره عن المخبر
فإذا قال أحد زيد قائم والمفروض في اللوح المحفوظ قيام زيد وكان اعتقاد المخبر عدم قيامه فالخارج
عند المخبر عدم القيام يعني يعتقد أن ما في اللوح المحفوظ هو عدم القيام فقوله زيد قائم عند المخبر
كذب لأنه مخالف لمعتقده من حيث أنه مخالف لمعتقده وأما غير المخبر ممن يسمع هذا الكلام و
يعتقد قيام زيد فهو صدق عنده على مذهب النظام أيضا لكونه موافقا لاعتقاده وهكذا فالخبر
عند النظام أيضا لا بد أن يتصف بالصدق والكذب مطلقا فإن الخبر هو نفس الكلام الموصوف
لا الكلام مع اتصافه بكون صادرا عن المخبر فما يتوهم أن مذهب النظام هو مطابقة اعتقاد المخبر فقط و
الكذب هو مخالفة اعتقاد المخبر فقط فذلك يستلزم أن يكون مذهبه عدم اتصاف الخبر بالنسبة إلى
معتقد غير المخبر بصدق ولا كذب وهو واه جدا لان الخبر هو نفس الكلام لا هو من حيث أنه صادر
عن المخبر ولا بد له من خارج اعتقادي على مذهبه وهو يختلف بحسب الاعتقادات فلا بد أن يكون
مراد النظام من المخبر في قوله صدق الخبر هو مطابقته لاعتقاد المخبر هو مطلق من يلاحظ الخبر لا نفس
من تكلم به وأخبر به فقط والذي أوجب والتعبير بهذه العبارة في مذهب النظام وأوقع المتوهم في الوهم
هو الاستدلال بقوله تعالى إنهم لكاذبون من حيث أن الواصف بالكذب هو الله تعالى مع أن علمه تعالى
مخالف ما اعتقدوه فوصف الله تعالى هذا الخبر بالكذب لأجل محض كونه مخالفا لاعتقاد المخبرين ويدفعه
إن ذلك الاستدلال لا بد أن يكون بالنظر إلى اعتقاد المخبرين يعني أنهم لكاذبون بالنظر إلى اعتقادهم أنهم
415

موصوفون بالكذب عند أنفسهم وفي اعتقادهم وبالنظر إلى ملاحظة مخالفته لمعتقدهم لا أنه كذب عند غيرهم
أيضا ممن لم يعتقد ذلك وإلا فيلزم أن ينحصر اتصاف الخبر بكونه صدقا أو كذبا بالنظر إلى ملاحظة حال
المخبر فقط ولم يكن بالذات متصفا بصدق ولا كذب فتأمل حتى لا تتوهم أن ما ذكرناه هو ما ذكروه في الجواب
عن الاستدلال بالآية بعد تسليم رجوع الكذب إلى قولهم إنك لرسول الله صلى الله عليه وآله بأن المراد أنهم لكاذبون في
زعمهم فإنه معنى آخر وحاصله أنهم يزعمون ويعتقدون أن هذا كذب لمخالفته للواقع لا أنهم كاذبون
لأجل مخالفته لمعتقدهم والحاصل أن مذهب النظام لا بد أن يكون أن الصدق والكذب هما مطابقة
الخبر لاعتقاد من يطلع على الخبر ويلاحظه سواء كان نفس المخبر أو غيره والاستدلال بالآية بتقريب أن
الله تعالى أطلق الكذب على مثل ذلك فإن ما شهدوا به كذب لكونه مخالفا مخالفا لاعتقادهم والجواب عنه منع
رجوع قوله تعالى لكاذبون إلى هذا الخبر أولا ومنع كونه لأجل مخالفته لمعتقدهم من حيث أنه مخالف لمعتقدهم
بل لأجل أنه مخالف للواقع بحسب معتقدهم من حيث أنه مخالف للواقع في معتقدهم ثانيا ومن جميع ما
ذكرنا يظهر جواب آخر عن استدلال النظام غير ما ذكرنا سابقا وهو أن ذلك حينئذ تقييد لاطلاق الآية
وخلاف ظاهرها فلا بد من حملها على أحد الوجوه المتقدمة لئلا يلزم ذلك وإن كان ولا بد من التقييد
فتقيده بما ذكروه في جوابه على النهج الذي قررناه هيهنا ثم بالتأمل فيما ذكرنا تقدر على معرفة بطلان سائر
الفروع التي ذكرها رحمه الله ووافقه الشهيد الثاني رحمه الله في تمهيد القواعد في ذكر الفرع الأخير لكنه رحمه الله لم ينقل فيه
مذهب النظام بل اكتفى بنقل مذهب المشهور ومذهب الجاحظ كالعلامة في التهذيب ثم قال إذا عرفت
ذلك فمن فروع القاعدة ما لو قال إن شهد شاهدان بأن علي كذا فهما صادقان فإنه يلزمه الآن على
القولين معا لأنا قررنا أن الصدق هو المطابق للواقع وإذا كان مطابقا على تقدير الشهادة لزم أن يكون
ذلك عليه لأنه يصدق كلما لم يكن ذلك عليه على تقدير الشهادة لم يكونا صادقين لكنه قد حكم بصدقهما على
تقديرها فيكون ذلك عليه الآن ومثله ما لو قال إن شهد شاهد علي إلخ أقول إن أراد أنه يثبت الحق
على المذهبين دون مذهب النظام ففيه ما مر بل هيهنا أوضح لظهور أن مراد القائل ليس مجرد ان ما يخبره
الشاهد هو مطابق لاعتقاده فقط وإن هذا الاحتمال في غاية البعد من هذا الاطلاق في هذا المثال وإن
كان القائل على مذهب النظام أيضا وإن أراد نفس تفريع المسألة على معنى الصدق على المذهبين ففيه نظر
آخر لا دخل له بما نحن فيه وهو منع استلزام ذلك ثبوت الحق بل الحق خلافه وفاقا للمتأخرين وتفصيله في
كتب الفروع ثم إن العضدي قال في آخر كلامه وهذه المسألة لفظية لا يجدي الاطناب فيها كثير نفع والظاهر
أنه أراد من كون المسألة لفظية هو كون الخلاف في تفسير اللفظ لا المعنى المشهور للنزاع اللفظي كما يظهر من
416

التفتازاني أيضا ولكن يمكن أن يكون مراده من عدم النفع هو ما ذكرنا لا ما ذكره التفتازاني فإنه قال
في شرح هذا الكلام المسألة لفظية أي لغوية لا يتعلق بعلم الأصول كثير تعلق إذ المقصود تحقيق المعنى
الذي وضع لفظ الصدق والكذب بإزائه ليس المراد به أنه نزاع لفظي يتعلق بالاصطلاح على ما يشعر به
كلام الآمدي لأنه لا قائل بنقل اللفظين عن معناهما اللغوي انتهى وفيما ذكره تأمل إذ كون المسألة لغوية
لا يوجب عدم تعلقها بعلم الأصول ولا يوجب عدم النفع بسبب كونه غير متعلق بالأصول ولا ريب
ان كثيرا من المسائل الأصولية من المسائل اللغوية كالنزاع في أن صيغة إفعل للوجوب أولا وكذا صيغة
لا تفعل للحرمة أم لا وان الجمع المحلى يفيد العموم أم لا وكذا المفرد المحلى وهكذا فإن قيل نعم ولكن هناك فرق
وهو أن ما يبحث عنه في علم الأصول من هذه المسائل هو ما كان بمنزلة القاعدة لاستخراج المسائل الفرعية
كالنزاع في الأوضاع الهيئية كصيغة إفعل والمشتق والجمع المحلى وأمثال ذلك مركبا كان أو مفردا ومثل
أن الضمير المتعقب للعام هل يخصصه أم لا في مثل وبعولتهن أحق بردهن ومثل أن الضمير الذي
(سبقه)؟ مضاف ومضاف إليه مثل له علي ألف درهم إلا نصفه هل يرجع إلى الأقرب أو الابعد مع إمكانهما
فيتفرع عليه استثناء نصف الدرهم أو الخمس مأة وبعض الأوضاع المادية أيضا من جهة العموم و
الخصوص وغيرهما كالنزاع في كلمة كل أنه للعموم أم لا وكذلك من وما وانهما لذوي العقول أو لغيرهم بل
في أصل (منسبك)؟ اللفظ فيما حصل فيه تغيير الاصطلاح كالنزاع في أن الصلاة والصوم معناهما الأركان
المخصوصة أم لا مما أدعي فيها ثبوت الحقيقة الشرعية وغيرها بل وكثير من القواعد المذكورة في علم العربية
مثل معاني الحروف كالباء ومن وإلي وغير ذلك وبالجملة ما يتعلق معرفة حال استخراج الأحكام الشرعية بأن
ينازع في أن اللفظ هل يفيد هذا الحكم أم هذا الحكم كصيغة الأمر والنهي أو هل يفيد عموم الحكم أو خصوصه و
هل يفيد إخراجه عن الحكم أم لا كألفاظ العام والخاص وكذلك ما يتعلق بالموضوعات التي اخترعها
الشارع فهل تصرف الشارع في أوضاع الألفاظ ليحمل على معانيها التي اصطلحها أم لا وهكذا ولا يبحث في
علم الأصول عن سائر الأوضاع المادية مثل أن الصعيد هو التراب أو وجه الأرض وهل الإنفحة هو الكرش
أو الشئ الأصفر الذي ينجمد فيه اللباء وهكذا ولا ريب أن الصدق والكذب من قبيل الصعيد والإنفحة لا من
قبيل صيغة إفعل وأمثالها ولا من قبيل الصلاة والصوم وأمثالهما لعدم تجدد اصطلاح فيهما كما أشار إليه
التفتازاني قلت نعم ولكن نرى أن الأصوليين يبحثون عن معنى الخبر والانشاء والامر والنهي وأمثالها لما
يترتب عليها من الثمرات وذلك لأجل احتمال تجدد الاصطلاح أو دعوى ثبوته وتغاير العرف واللغة
فيها وما كان معرفة أمثال المذكورات مما يتوقف عليه معرفة الأحكام الشرعية وطريق استنباطها
417

ولذلك يبحث عنها في علم الأصول فكذلك ما يتوقف معرفة المذكورات عليها فإذا كان لفظ يستعمل
في تعريف المذكورات وكان مختلفا فيه في اللغة فلا يتم معرفة المذكورات إلا بتحقيق معنى ذلك اللفظ
فلفظ الصدق والكذب مما يتوقف عليه معرفة الخبر ولا يتم البحث عن حال الخبر ولا يتميز حقيقته
إلا بمعرفتهما فليس حالهما مثل حال الصعيد والإنفحة فالتحقيق أن البحث في هذين اللفظين من هذه
الجهة لا من حيث دعوى تغيير الاصطلاح كما نقل عن الآمدي ولا أنه محض الكلام في المعنى اللغوي
حتى لا يكون له تعلق بمباحث الأصول فبقي الكلام في أن البحث في تفسير اللفظين والخلاف في
معناهما هل هو نزاع لفظي بالمعنى المشهور أو نزاع حقيقي وقد عرفت الوجه وإن الظاهر أنه ليس بلفظي
لكن لا ثمرة فيه يعتد بها ثم إن كلام العضدي لما كان في آخر المبحث قابلا لما ذكرنا لأنه ذكر المذاهب
الثلاثة ثم قال والذي يحسم النزاع الاجماع على أن اليهودي إذا قال الاسلام حق حكمنا بصدقه وإذا
قال خلافه حكمنا بكذبه وهذه المسألة لفظية لا يجدي الاطناب فيها كثير نفع فيمكن تنزيل ما ذكره
من كون المسألة لفظية إلى ما ذكرنا وأما كلام غيره فلا يمكن تنزيله على ذلك بل مرادهم أن النزاع
في ثبوت الواسطة لفظي منهم السيد عميد الدين في شرح التهذيب بل هو الظاهر من ابن الحاجب
حيث عقد المسألة لبيان حصر الخبر في القسمين ونقل القول بالواسطة عن الجاحظ وقال في آخر
كلامه وهي لفظية ومرجع الضمير المسألة المعقودة ونقله الفاضل الجواد في شرح الزبدة أيضا و
تنظر فيه قال بعد نقل قول الجاحظ بإثبات الواسطة ورده واعلم أن النزاع هذه المسألة كاللفظي
فإنا نقطع إن كل خبر فاما مطابق للمخبر عنه أو لا فإن اكتفى في الصدق بالمطابقة كيف كان
والكذب بعدم المطابقة كيف كان وجب القطع بأنه لا واسطة وإن اعتبر العلم بالمطابقة أيضا
في الصدق والعلم بالعدم في الكذب يثبت الواسطة بالضرورة وهو الخبر الذي لا يعلم فيه المطابقة
كذا قيل وفيه نظر يعلم وجهه بأدنى ملاحظة انتهى أقول وجه النظر ان النزاع في إثبات الواسطة
بعينه هو النزاع في معنى الصدق والكذب وليس شيئا على حدة حتى يتفرع عليه ويصير النزاع لفظيا
فلذلك عدل العضدي عما هو ظاهر عبارة ابن الحاجب وفسر اللفظي بما هو خلاف المشهور وقال
أنه ليس فبها كثير نفع إذ النزاع اللفظي المصطلح لا نفع فيه أصلا لا أنه قليل النفع فأخذ بمجامع المسألة
وتوابعها ولوازمها ونظر إلى مآل المنازعات وجعله نفس الخلاف في معنى الصدق والكذب وقال
أنه خلاف لغوي قليل الفايدة فقوله لا يجدي الاطناب فيها كثير نفع صفة تقييدية لا توضيحية و
لو كان الفروع التي ذكرها شيخنا البهائي رحمه الله كما ذكره لكان فيه نفع كثير فتأمل في أطراف هذا الكلام
418

وتعمق النظر في غمار مقاصده ومبانيه ولا تنظر إلى تفردي به كأكثر مقاصد الكتاب وإلا تلحظ إليه بعين
الحقارة وإلى بعين العتاب ثم بعد ذلك فاما قبولا وإما اصلاحا واما عفوا والله الموفق للصواب
تنبيهان الأول المعتبر في الاتصاف بالصدق والكذب هو ما يفهم من الكلام ظاهر إلا
ما هو المراد منه فلو قال رأيت حمارا وأراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو يتصف بالكذب و
إن لم يكن المراد مخالفا للواقع وكذلك إذا رأى زيدا أو اعتقد أنه عمرو وقال رأيت رجلا فهو صادق
لان المفهوم من اللفظ مطابق للواقع بل والاعتقاد أيضا وإن لم يكن معتقده في شخص الرجل موافقا
للواقع فهو على مذهب الجاحظ أيضا صدق والمعتبر في مطابقة الواقع هو مطابقته واقعا ولكن يكفي
في الكشف عن ذلك اعتقاد المطابقة وإن كان مخالفا لنفس الامر ونظيره ما أشرنا إليه في العدالة فإن
اعتقاد كونه عدلا في نفس الامر يكفي في اتصافه بالعدالة نعم ذلك الاتصاف داير مدار عدم ظهور الفساد
ثم يتبدل الثاني المشهور أن الصدق والكذب من خواص النسبة الخبرية دون التقييدية
مثل يا زيد الفاضل وغلام زيد وقيل بعدم الفرق بينهما في ذلك لان النسبة التقييدية أيضا إما
مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع فيا زيد الانسان صادق ويا زيد الفرس كاذب ويا زيد الفاضل
محتمل والتحقيق على ما ذكره بعض المحققين أن النسبة الذهنية في المركبات الخبرية تشعر من حيث هي
هي بوقوع نسبة أخرى خارجة عنها ولذلك احتملت عند العقل مطابقتها أو لا مطابقتها وأما النسبة
الذهنية في المركبات التقييدية فلا إشعار لها من حيث هي هي بوقوع نسبة أخرى تطابقها أو لا
تطابقها بل انما أشعرت بذلك من حيث إن فيها إشارة إلى نسبة أخرى خبرية بيان ذلك أنك إذا
قلت زيد فاضل فقد اعتبرت بينهما نسبة ذهنية على وجه يشعر بذاتها بوقوع نسبة أخرى خارجة عنها
وهي أن الفضل ثابت له في نفس الامر لكن تلك النسبة الذهنية لا تستلزم تلك النسبة الخارجية استلزاما
عقليا فإن كانت النسبة الخارجية المشعر بها واقعة كانت الأولى صادقة وإلا فكاذبة وإذا لاحظ العقل
تلك النسبة الذهنية من حيث هي هي جوز معها كلا الامرين على السواء وهو معنى الاحتمال وأما إذا قلت
يا زيد الفاضل فقد اعتبرت بينهما نسبة ذهنية على وجه لا يشعر من حيث هي هي بأن الفضل ثابت
له في الواقع بل من حيث أن فيها إشارة إلى معنى قولك زيد فاضل إذ المتبادر إلى الافهام أن لا يوصف
شئ إلا بما هو ثابت له في الواقع فالنسبة الخبرية يشعر من حيث هي هي بما يوصف باعتباره بالمطابقة
واللا مطابقة أي الصدق والكذب فهي من حيث هي هي محتملة لهما وأما التقييدية فإنها تشير إلى
نسبة خبرية والانشائية تستلزم نسبا خبرية فهما بذلك الاعتبار يحتملان الصدق والكذب واما
419

بحسب مفهومهما فلا تصح ان الحق هو المشهور من كون الاحتمال من خواص الخبر انتهى الخبر انتهى ويمكن أن يكون
مرادهم بالاختصاص هو الاطلاق العرفي حقيقة يعني أنهم لا يصفون بالصدق والكذب حقيقة إلا أن
النسبة الخبرية المقصودة بالذات فإطلاقهما على غيرهما مجاز ويتفرع على ذلك الأحكام المتعلقة بالصدق
والكذب فمن نذر لمن قال صدقا درهما وقال أحد يا زيد الفاضل لا يبر النذر بإعطائه وإن
وافق فضله للواقع كما يقتضيه أصل الحقيقة قانون الخبر ينقسم إلى ما هو معلوم الصدق ضرورة
أو نظرا أو معلوم الكذب وما لا يعلم صدقه وكذبه وهو اما يظن صدقه أو كذبه أو يتساويان فهذه
أقسام ستة فالأول إما ضروري بنفسه كبعض المتواترات أو بغيره كقولنا الواحد نصف الاثنين
فإن ضروريته ليست مقتضى الخبر من حيث أنه هذا الخبر بل لمطابقة الخبر لما هو كذلك في نفس
الامر ضرورة والثاني مثل خبر الله تعالى والمعصومين عليهم السلام والخبر الموافق للنظر الصحيح والثالث
هو الخبر الذي علم مخالفته للواقع والرابع مثل خبر العدل الواحد والخامس مثل خبر الكذوب والسادس
مثل خبر مجهول الحال ثم ينقسم الخبر باعتبار آخر إلى متواتر وآحاد أما المتواتر فعرفه الأكثرون بأنه خبر
جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه وذكروا أن التقييد بنفسه ليخرج خبر جماعة علم صدقهم لا بنفس الخبر
بل إما بالقرائن الزايدة على ما لا ينفك الخبر عنه عادة من الأمور الخارجية كما سيجئ في الخبر المحفوف
بالقرائن وإما بغير القرائن كالعلم بمخبره ضرورة أو نظرا ومرادهم بالقرائن التي لا ينفك عنها الخبر
عادة هو ما يتعلق بحال المخبر ككونه موسوما بالصدق وعدمه والسامع ككونه خالي الذهن وعدمه والمخبر عنه
ككونه قريب الوقوع وعدمه ونفس الخبر كالهيئات المقارنة له الدالة على الوقوع وعدمه فقد يختلف الحال
باختلاف الأمور المذكورة أقول ويشكل ما ذكروه بأنهم اشترطوا في التواتر تعدد المخبرين وكثرتهم إلى
حد يؤمن تواطئهم على الكذب عادة ولا ريب أن مقتضى ذلك أن يكون للكثرة مدخلية في حصول
العلم بحيث لو لم تكن لم يحصل العلم وقولهم أن التقييد بنفسه احتراز عما لو حصل العلم من القرائن الخارجية
عن لوازم الخبر من الأمور المتقدمة يقتضي أنه إذا حصل العلم بسبب خبر جماعة خاصة من حيث خصوصيات
الخبر يكون متواترا مطلقا سيما مع ملاحظة ما يذكرونه في نفي تعيين العدد وإن المدار بما يحصل منه العلم
وهو يختلف باختلاف المواقع فلا يقتضي اعتبار ما ذكر اعتبار الكثرة فيه فعلى هذا لو أخبر ثلاثة بواقعة
وحصل العلم بها من جهة خصوص الواقعة وملاحظة صدق المخبرين وخلو ذهن السامع من الشبهة
يلزم أن يكون هذا متواترا مع أن الظاهر أنهم لا يقولون به والحاصل أن اشتراط الكثرة أمر زايد على
اعتبار كون المخبرين جماعة فالمعتبر هو الجماعة الكثيرة لا مطلق الجماعة فالتعريف على ما ذكروه غير مطرد
420

فلو لم نمنع من مدخلية حال المخبرين والسامعين ونفس الخبر في حصول العلم فلا بد أن نعتبرها في حصول
العلم بالكثرة فالأولى أن يقال أنه خبر جماعة يؤمن تواطئهم على الكذب عادة وإن كان للوازم الخبر
مدخلية في إفادة ذلك الكثرة العلم ثم إن الحق إمكان تحقق الخبر المتواتر وحصول العلم به وقد خالف
في ذلك السمنية والبراهمة وهما طائفتان من أهل الهند أوليهما عبدة الأوثان وقائلة بالتناسخ والثانية
من الحكماء على زعمهم وكلاهما نافيتان للأديان والنبوات وبعضهم خص المنع بما لو كان الخبر عما مضى
لا الموجود لنا الجزم بوجود البلدان النائية كالهند والصين والأمم الخالية كقوم فرعون وقوم موسى عليه السلام
ضرورة من دون تشكيك كالجزم بالمشاهدات وللسمنية شبة واهية مثل أنهم قالوا أولا أنه كاجتماع
الخلق الكثير على أكل طعام واحد وهو محال عادة وفيه مع أنه مدفوع بوقوعه كما ذكرنا قياس مع الفارق
لوجود الداعي فيما نحن فيه دون ما ذكروه وثانيا أنه لو حصل العلم به لزم اجتماع النقيضين لو تواتر نقيضه
أيضا وفيه أن هذا الفرض محال وثالثا لو حصل العلم به لحصل بما نقله اليهود والنصارى عن نبيهم بأنه لا
نبي بعده فيبطل دين محمد صلى الله عليه وآله وفيه منع تحقق التواتر فيما ذكروه لاشتراط التساوي الوسائط
في إفادة العلم بالكثرة وبخت نصر قد استأصل اليهود فلم يبق منهم عدد التواتر وكذلك النصارى
في أول الامر لم يكونوا عدد التواتر مع أن عدم العلم بتساوي الطبقات يكفي في المنع ولا يهمنا إثبات العدم
واعلم أن هيهنا دقيقة لا بد أن ينبه عليها وهو أنه قد يشتبه ما يحصل العلم فيه بسبب التسامع والتضافر
وعدم وجود المخالف بالتواتر فمثل علمنا بالهند والصين ورستم وحاتم ليس من جهة التواتر لأنا لم نسمع
إلا من أهل عصرنا وهم لم يرووا لنا عن سلفهم ذلك فضلا عن عدد يحصل به التواتر وهكذا و
ذلك وإن لم يستلزم عدم حصول التواتر في نفس الامر إلا أن علمنا لم يحصل من جهته بل الظاهر أنه من
جهة أن أهل العصر قاطبة مجمعون على ذلك إما بالتصريح أو بظهور أن سكوتهم مبني على عدم بطلان
هذا النقل فكثرة تداول ما ذكر على الألسنة وعدم وجود مخالف في ذلك في العصر ولا نقل عمن سلف في
غيره تفيد القطع بصحته وذلك نظير الاجماع على المسألة وليس ذلك من باب التواتر فالظاهر أن
وجود البلاد النائية والأمم الخالية لنا من هذا الباب لا من باب التواتر بل الذي يحصل لنا من باب
المتواتر في هذا العصر ليس من باب تلك الأمثلة والمثال المناسب لهذا العصر هو نقل زلزلة وقعت
في بلد فتكاثر الواردون المشاهدون لذلك وتضافروا في الاخبار حتى حصل القطع فعلى هذا فاجتماع
اليهود والنصارى على الخبر أو على ملتهم ليس من إحدى القبيلتين أما التواتر فلعدم العلم بتساوي الطبقات
بل العلم بالعدم كما ذكرنا وأما الاجماع فلوجود المخالفة من المسلمين وغيرهم فلا نغفل فإن أكثر الأمثلة
421

التي يذكرون في هذا الباب من باب الثاني لا الأول وكم من فرق بينهما ورابعا إن الكذب يجوز على كل
واحد من الآحاد فيجوز على الجميع لأنه عبارة عن الآحاد وفيه منع اتحاد حكم المجموع مع الآحاد فإن العسكر
يفتح البلاد ويظفر ولا يتمشى ذلك من كل واحد والعشرة من حكمها ان الواحد جزئها بخلاف الواحد
فلا يلزم من حصول العلم من اخبار الجميع بسبب التعاضد والتقوى حصوله من كل واحد وذكروا غير
ذلك أيضا من الشبه الواهية الظاهرة الدفع مع أنها تشكيكات في مقابلة الضرورة فلا يستحق الجواب
كالشبه السوفسطائية المنكرين للحسيات فإن غاية مراتب الجواب الضرورة وهم ينكرونها و
لهم شبهتان أخريان إنما تردان على من قال بأن العلم الحاصل من التواتر ضروري كما هو المشهور
وهو أنه لو حصل العلم به بالضرورة لما فرقنا بينه وبين سائر الضروريات واللازم باطل لأنا نفرق
بين وجود الإسكندر وكون الواحد نصف الاثنين وانه لو كان ضروريا لما اختلف فيه ونحن لكم
مخالفون وفيهما مع أنهما لا يردان إلا على القول بكون العلم به ضروريا لا مطلقا أنه يرد على الأول أن
الفرق إنما هو من جهة تفاوت الضروريات في حصول العلم من جهة كثرة المؤانسة ببعضها دون
بعض وعلى الثاني أن الضرورة لا تستلزم عدم المخالف كما نشاهد في السوفسطائية وإنما هو من جهة
بهت وعناد تنبيهات الأول انهم اختلفوا في كيفية العلم الحاصل بالتواتر فالمشهور أنه ضروري
وقال الكعبي وأبو الحسين والجويني وإمام الحرمين أنه نظري وعن الغزالي الميل إلى الواسطة وذهب
السيد رحمه الله إلى التوقف في موضع وإلى التفصيل في موضع آخر وارتضاه الشيخ في العدة والأقرب عندي
القول بالتفصيل احتج المشهور بأنه لو كان نظريا لتوقف على توسط المقدمتين واللازم منتف لأنا
نعلم علما قطعيا بالمتواترات مثل وجود مكة وهند وغيرهما مع انتفاء ذلك وأيضا لو كان نظريا
لما حصل لمن لا قدرة له على النظر كالعوام والصبيان وأيضا يلزم أن لا يعلمه من ترك النظر قصدا إذ
كل علم نظري فإن العالم به يجد نفسه أولا شاكا ثم طالبا ونحن لا نجد أنفسنا طالبين لوجود مكة
ويمكن دفع الأول بأنا نمنع عدم الاحتياج إلى توسط المقدمتين في المتواترات مطلقا نعم يتم فيما حصل
القطع من جهة التواتر اضطرارا فإن المتواترات على قسمين قسم منها ما يحصل بعد حصول مباديها
اضطرارا وبدون الكسب كالمشاهدات وضروريات الدين ووجود مكة وهند وأمثال ذلك و
منها ما هو مسبوق بالكسب كالمسائل العلمية التي لا بد أن يحصل التتبع فيه من جهة ملاحظة الكتب
وملاقاة أهل العلم والاستماع منهم أصولية كانت وفروعية ولا ريب أن التتبع واستماع الخبر يتدرج
في حصول الرجحان في النظر إلى حيث يشرف المتتبع على حصول العلم فيلاحظ حينئذ المقدمات من كون هذه
422

الاخبار مسموعة ومنوطة بالحس وإن هؤلاء الجماعة الكثيرين لا يتواطؤون على الكذب ثم يحصل له
القطع بمضمونها فهذا متواتر نظري ومن علامات النظري أن بعد حصول العلم أيضا إذا ذهل
عن المقدمتين قد يتزلزل القطع ويحتاج إلى مراجعة المقدمات وهو مما يحصل في كثير من المتواترات
بخلاف الضروري فالضروري وإن كان أيضا لا ينفك عن المقدمات لكنها لا تحتاج إلى المراجعة
إليها والاعتماد عليها ما دام ضروريا فإن كان مراد المشهور هو ذلك فمرحبا بالوفاق وإن كان مرادهم
إن كل متواتر لا يحتاج إلى النظر مطلقا فهو مكابرة وإلى ما ذكرنا ينظر كلام سيدنا المرتضى رحمه الله حيث قال إن
اخبار البلدان والوقائع والملوك وهجرة النبي صلى الله عليه وآله ومغازيه وما يجري هذا المجرى
يجوز أن يكون العلم بها ضرورة من فعل الله تعالى ويجوز أن تكون مكتسبة من أفعال العباد وأما ما
عدا ذلك مثل العلم بمعجزات النبي صلى الله عليه وآله وكثير من أحكام الشريعة والنص الحاصل على الأئمة
عليهم السلام فنقطع على أنه مستدل عليه وهذا هو التفصيل الذي أشرنا إليه وارتضاه الشيخ في العدة
والظاهر أن القول بالتوقف المنسوب إليه أيضا إنما هو في القسم الأول من الضروريات ومنشأ التوقف
الشك والتأمل في أن العلم هل يحصل بجعل الله تعالى اضطرارا من دون اختيار العبد بعد حصول المقدمات
(هنا)؟ ويحصل من جهة كسب العبد والتأمل في المقدمات من كون المخبرين عددا يمتنع كذبهم وأنهم أخبروا
عن حس وإن لم يكن متفطنا بها حين حصول العلم إذ يصدق حينئذ أن العلم ناش عن الكسب وإن لم
يتفطن بالمكتسب عنه حين العلم إذ لا فرق بين المعلومات الموصلة إلى المطلوب التي كانت حاصلة
بالعلم الاجمالي أو التفصيلي فإن من أسس أساسا وأصل أصلا وقاعدة يتفرع عليه فروع كثيرة فقد
اكتسب في ذلك فكلما ترتب عنده نتيجة على ما أصله بسبب علمه به إجمالا يصدق أنه من كسبياته و
إن احتمل أيضا أن يكون مع ذلك إلقاء العلم في روعه بفعل الله تعالى ومجرى عادته عقيب اخبار هذا
القدر من المخبرين ومما ذكرنا ظهر أن المتواتر بعد العلم بالتواتر أيضا يمكن أن يكون نظريا فضلا
عن ابتداء الامر وأما الدليل الثاني ففيه أن العوام والصبيان أيضا لهم معلومات نظرية بالضرورة
وأنهم يستفيدون ذلك من المقدمات ويترتب في نظرهم مقدمات الدليل ويحصل لهم النتيجة لكنهم
لا يتفطنون بها من حيث هي كذلك والمقدمات العادية لا إشكال فيها ولا دقة بحيث لم تحصل للعوام
والصبيان بل مدار العالم وأساس عيش بني آدم غالبا على المقدمات العادية التي يفهمه أكثر العقلاء
وإلا فلا نجد أحدا من غير العلماء والأزكياء يعلم ضره من نفعه وخيره من شره مع أن ذلك مبتن
على قاعدة إدراك الحسن والقبح العقلي ولزوم الاجتناب عن المضار وحسن ارتكاب المنافع و
423

النظري هو ما كان العلم به موقوفا على المقدمتين لا بالعلم بهما ويظهر مما ذكرنا الجواب عن الدليل الثالث
فلا يفيد واحتج القائلون بكونه نظريا بأنه لو كان ضروريا لما احتاج إلى توسط المقدمتين والتالي باطل
لأنه يتوقف على العلم بأن المخبر عنه محسوس وأن هذه الجماعة لا يتواطؤون على الكذب وأجيب بمنع التوقف
على ذلك إذ العلم بالصدق ضروري حاصل بالعادة ووجود صورة الترتيب للمقدمتين لا يستلزم الاحتياج
إليه على أن مثل ذلك موجود في كل ضروري فإن قولنا الكل أعظم من الجزء يمكن أن يقال لان
الكل مشتمل على جزء آخر غيره وما هو كذلك فهو أعظم ومما ذكرنا من بيان التفصيل يعرف حقيقة الحال
وإن الحق هو التفصيل وأما مذهب الغزالي فالذي نقل عنه في كتابه المستصفى أنه قال العلم الحاصل بالتواتر
ضروري بمعنى أنه لا يحتاج إلى الشعور به بتوسط واسطة مفضية إليه مع أن الواسطة حاضرة في
الذهن وليس ضروريا بمضي أنه حاصل من غير واسطة كقولنا الموجود لا يكون معدوما فإنه لا بد فيه
من حصول مقدمتين إحداهما أن هؤلاء مع كثرتهم واختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع
الثانية أنهم قد اتفقوا على الاخبار عن الواقعة لكنه لا يفتقر إلى ترتيب المقدمتين بلفظ منظوم ولا
إلى الشعور بتوسطهما وإفضائهما إليه وقال التفتازاني أن حاصل كلامه أنه ليس أوليا ولا كسبيا
بل من قبيل القضايا التي قياساتها معها مثل قولنا العشرة نصف العشرين وأنت بعد التأمل فيما
ذكرنا تعرف أنه ليس من هذا القبيل وأن الحق ما ذكرنا من التفصيل والظاهر أن ما ذكره الغزالي
نوع من النظري لا واسطة ولذلك نسب العلامة رحمه الله في القول بالنظرية إليه ولعل مراد الغزالي أنه من
باب نظريات العوام فإنهم وإن استفادوها من المقدمتين لكنهم لم يتفطنوا بهما بكيفيتهما المترتبة
في نفس الامر فكان الغزالي قسم النظري إلى قسمين بالنسبة إلى الناظرين وهو في الحقيقة تقسيم للناظرين
لا للنظري فكأنه قال العالم والعامي كلاهما مساويان في النظر فيما نحن فيه دون سائر النظريات
الثاني أنهم بعدما عرفوا المتواتر بما نقلنا عنهم قالوا ان هذا المعنى يتحقق بأمور فيشترط في
تحقق هذا الخبر الذي يفيد العلم بنفسه أمور منها ما يتعلق بالمخبرين ومنها ما يتعلق بالسامع فأما
الأول فهو كون المخبرين بالغين في الكثرة حدا يمتنع منه في العادة تواطئهم على الكذب وكون علمهم
مستندا إلى الحس فإنه في مثل حدوث العالم لا يفيد قطعا واستواء الطرفين والواسطة بمعنى أن يبلغ
كل واحد من الطبقات حد الكثرة المذكورة وذلك فيما لو حصل هناك أكثر من طبقة وإلا فلا واسطة
ولا تعدد في الطبقات وربما زاد بعضهم اشتراط كون اخبارهم عن علم ولا دليل عليه بل يكفي حصول
العلم من اجتماعهم وإن كان بعضهم ظانين مع كون الباقين عالمين وأقول الكثرة المذكورة التي
424

اشترطوا هنا إن كانت مأخوذة في ماهية المتواتر فالتعريف مختل لعدم دلالته على ذلك إذ مع ملاحظة
مدخلية لوازم الخبر في حصول العلم وعدم ضرره في الحد فلا حاجة إلى الكثرة فإذا حصل العلم بخبر ثلاثة
بسبب صدقهم وصلاحهم وثقتهم سيما مع انضمام حال نفس الخبر فيحصل العلم ويصدق الحد على ذلك
فيكفي ذلك في تحقق التواتر وإن لم تكن مأخوذة في ماهية فما معنى قولهم ويشترط في حصول التواتر و
تحققه كون المخبرين في الكثرة إلى هذا الحد إذ ذلك من مقومات المهية عندهم وإلا فلا معنى لكون
ذلك شرطا لحصول العلم بالمتواتر بعدما أخذوا إفادة العلم بنفسه في تعريفه فإن ما يفيد العلم
بنفسه لا يتوقف حصول العلم بسببه على شرط آخر كما لا يخفى وأيضا قولهم ويشترط في حصول التواتر كون
المخبرين في الكثرة إلى هذا الحد إما أن يراد به اعتبار الكثرة المطلقة باعتبار الجعل والاصطلاح في
والتواتر فما معنى تقييده بكونهم حدا يمتنع تواطؤهم على الكذب وما وجه تخلية التعريف عن لفظ
الكثرة إذ المراد كثرة الجماعة لا الكثرة مطلقا حتى تشتمل الثلاثة مع أنه مما يناقش في صدقه في الثلاثة
أيضا فلا يحسن أن يقال أن الثلاثة أيضا كثير واما أن يراد به الكثرة المقيدة بما ذكر وحينئذ فنقول إن أريد
من امتناع تواطئهم على الكذب عادة من جهة نفس الكثرة مع قطع النظر عن لوازم الخبر وعن كل
شئ فمع أنهم لا يقولون به لا يلائم تخصيصهم الاحتراز بما لو كان العلم من جهة القرائن الخارجة عن
لوازم الخبر بل لا بد أن يحترزوا من القرائن اللازمة للخبر أيضا فالمتواتر حينئذ هو ما كان إفادته العلم من
جهة الكثرة لا غير مع أنه ليس لذلك معيار معين بل يختلف باختلاف لوازم الخبر جزما ولذلك
لم يعين الجمهور للمتواتر عددا خاصا وإن أريد امتناع تواطئهم على الكذب بملاحظة خصوصيات
المواضع وتفاوت لوازم الخبر فيرجع هذا إلى أن هذا الشرط لمحض إدراج قيد الكثرة إذ امتناع تواطئهم
على الكذب بحسب لوازم الخبر كان مستفادا من قولهم يفيد بنفسه العلم فيرجع الكلام فيه البحث
الأول وهو أن التعريف مختل للزوم إدراج قيد الكثرة فيه وإن قولهم بنفسه لا يغني عنه وبالجملة
كلماتهم هنا في غاية الاختلال فالأولى في التعريف ما ذكرنا سابقا والذي يحضرني من كلام القوم ما
يوافق ما اخترته التعريف الذي اختاره السيد عميد الدين رحمه الله في شرح التهذيب حيث قال هو في
الاصطلاح عبارة عن خبر أقوام بلغوا في الكثرة إلى حيث حصل العلم بقولهم وأما الثاني فهو كون
السامع غير عالم بما أخبر به لاستحالة تحصيل الحاصل وأن لا يكون قد سبق بشبهة أو تقليد إلى اعتقاد
نفي موجب الخبر وهذا الشرط مما اختص به سيدنا المرتضى رحمه الله وأوفقه المحققون فمن تأخر عنه وهو
شرط وجيه وبذلك يجاب عن كل من خالف الاسلام ومذهب الامامية في إنكارهم حصول العلم بما
425

تواتر من معجزات النبي صلى الله عليه وآله والنص على الوصي عليه السلام وكذلك كل من اشرب (قلبه حب)؟
خلاف ما اقتضاه المتواتر لا يمكن حصول العلم له إلا مع تخليته عما شغله عن ذلك إلا نادرا الثالث
اختلفوا في أقل عدد التواتر والحق أنه لا يشترط فيه وعدد وهو مختار الأكثرين فالمعيار هو ما حصل العلم
بسبب كثرتهم وهو يختلف باختلاف الموارد فرب عدد يوجب القطع في موضع دون الاخر وقيل
أقله الخمسة وقيل اثني عشر وقيل عشرون وقيل أربعون وقيل سبعون وقيل غير ذلك وحججهم ركيكة
واهية لا يليق بالذكر فلا نطيل بذكرها وذكر ما فيها وقد اشترط بعض الناس هنا شروطا آخر لا دليل
عليها وفسادها أوضح من أن يحتاج إلى الذكر فمنهم من شرط الاسلام والعدالة ومنهم من اشترط أن
لا يحويهم بلد ليمتنع تواطئهم ومنهم من اشترط اختلاف النسب ومنهم من اشترط غير ذلك والكل
باطل ونسب بعضهم إلى الشيعة اشتراط دخول المعصوم عليه السلام فيهم وهو افتراء أو اشتباه بالاجماع.
تتميم إذا تكثرت الاخبار في الوقايع واختلف لكن اشتمل كل منها على معنى مشترك بينها بالنص
أو الالتزام وحصل العلم بذلك القدر المشترك بسبب كثرة الاخبار فيسمى ذلك متواترا بالمعنى و
قد مثلوا بذلك بشجاعة علي عليه الصلاة والسلام وجود حاتم فقد روي عنه عليه السلام أنه عليه السلام فعل في غزوة بدر
كذا وفي أحد كذا وفي خيبر كذا وهكذا وكذلك عن حاتم أنه أعطى فلانا كذا وفلانا كذا وهكذا فإن
كل واحد من الحكايات الأول يستلزم شجاعته عليه السلام وكل واحد من الحكايات والاخر بتضمن جود حاتم
لان الجود المطلق جزء الجود الخاص وفيه مسامحة لان الجود صفة للنفس وليس من جملة الافعال حتى تتضمنه
بل هو مبدئها وعلتها فذلك أيضا من باب الاستلزام وتحقيق المقام أن التواتر يتصور على وجوه
الأول أن يتواتر الاخبار باللفظ الواحد سواء كان ذلك اللفظ تمام الحديث مثل إنما الأعمال بالنيات
على تقدير تواتره كما ادعوه أو بعضه كلفظ من كنت مولاه فعلى مولاه ولفظ إني تارك فيكم
الثقلين لوجود تفاوت في سائر الألفاظ الواردة في تلك الأخبار والثاني أن يتواتر بلفظين
مترادفين أو ألفاظ مترادفة مثل أن الهر طاهر والسنور طاهر أو الهر نظيف والسنور طاهر و
هكذا فيكون اختلاف الاخبار باختلاف الألفاظ المترادفة والثالث أن يتواتر الاخبار بدلالتها
على معنى مستقل وإن كان دلالة بعضها بالمفهوم والأخرى بالمنطوق وإن اختلف ألفاظها أيضا
مثل نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة الحاصلة من مثل أن يرد في بعض الاخبار ان الماء القليل
ينجس بالملاقاة وفي آخر الماء الأنقص من الكر ينجس بالملاقاة وفي آخر إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ
بل ويتم ذلك على وجه فيما كان النجاسة في تلك الأخبار مختلفة كما في قوله عليه السلام ولا تشرب سؤر الكلب إلا
426

أن يكون حوضا كبيرا يستسقى منه الماء وقوله صلى الله عليه وآله حين سئل عن التوضي في ماء دخله الدجاجة التي وطنت
العذرة لا إلا أن يكون الماء كثيرا قدر كر وهكذا فإن المطلوب بالنسبة إلى الماء القليل وهو انفعاله
أمر مستقل مقصود بالذات لا أنه قدر مشترك منتزع من أمور فإن الحكم لمفهوم الماء القليل لا لخصوصيات
أفراده التي يشترك فيها هذا المفهوم وذلك أيضا أعم من أن يكون الاخبار منحصرة في بيان هذا
المطلب المستقل أو مشتملة على بيان مطلب آخر أيضا والرابع أن يتواتر الاخبار بدلالة تضمنية على شئ
مع اختلافها بأن يكون ذلك المدلول التضمني قدرا مشتركا بين تلك الأخبار مثل أن يخبر أحد أن
زيدا اليوم ضرب عمروا وآخر أنه ضرب بكرا وآخر أنه ضرب خالدا وهكذا إلى أن يحصل حد التواتر مع
فرض الواقعة واحدا فإنه يحصل العلم بوقوع الضرب من زيد وإن لم يحصل العلم بالمضروب وكذلك لو
اختلفوا في كيفيات الضروب ومن ذلك ورود الاخبار فيما تحرم عنه الزوجة من الميراث بأن يقال
أن حرمانها في الجملة يقيني لكن الخلاف فيما تحرم عنه فالقدر المشترك هو مطلق الحرمان الموجود في
ضمن كل واحد من الحرمانات والخامس أن يتواتر الاخبار بدلالة التزامية بكون ذلك المدلول
الالتزامي قدرا مشتركا بينها مثل أن ينهانا الشارع عن التوضي عن مطلق الماء القليل إذا لاقاه
العذرة وعن الشرب عنه إذا ولغ فيه الكلب وعن الاغتسال عنه إذا لاقاه الميتة وهكذا فإن النهي
عن الوضوء في عرف الشارع يدل بالالتزام على النجاسة وهكذا الشرب والاغتسال فإنه يحصل العلم
بنجاسة الماء القليل بذلك والسادس أن يتكاثر الاخبار بذكر أشياء تكون ملزومات للازم يكون
ذلك اللازم منشأ لظهور تلك الأشياء مثل الأخبار الواردة في غزوات علي عليه الصلاة والسلام
وما ورد في عطايا حاتم وذلك يتصور على وجهين الأول أن يذكر تلك الوقائع بحيث تدل بالالتزام
على الشجاعة والسخاوة مثل أن يذكر غزوة خيبر بالتفصيل الذي وقع فإنه لا يمكن صدورها بهذا
التفصيل والتطويل والمقام الطويل والكرارية من دون الفرارية إلا عن شجاع بطل قوي بالغ
أعلى درجة الشجاعة وهكذا غزوته عليه السلام في أحد وفي الأحزاب وغيرها فباجتماع هذه الدلالات
يحصل العلم بثبوت أصل الشجاعة التي هي منشأ لهذه الآثار وكذلك عطايا حاتم والفرق بين هذا
وسابقه أن الدلالة في الأول مقصودة جزما والاخبار مسوقة لبيان ذلك الحكم الالتزامي بخلاف
ما نحن فيه فإنه قد لا يكون بيان الشجاعة مقصودا أصلا وإن دل عليها تبعا فحصول العلم فيما نحن
فيه من ملاحظة كل واحد من الاخبار ثم تلاحق كل منها بالآخر والثاني أن يذكر تلك الوقايع لا بحيث
تدل على الشجاعة مثل أن يقال ان فلانا قتل في حرب كذا رجلا وقال آخر انه قتل في حرب آخر رجلا وهكذا
427

فبعد ملاحظة المجموع يحصل العلم بأن مثل ذلك الاجتماع ناش عن ملكة نفسانية هي الشجاعة وليس
ذلك بمحض الاتفاق أو مع الجبن أو لأجل القصاص ونحو ذلك وكذلك في قصة الجود والقدر المشترك
الحاصل من تلك الوقائع على النهج السابق هو كلي القتل والاعطاء وهو لا يفيد الشجاعة ولا الجود ولكن
الحاصل من ملاحظة المجموع من حيث المجموع هو الملكتان ولعل من جعل الجود من باب الدلالة
التضمنية غفل عن هذا واختلط عليه الفرق بينت الجود والعطاء ولعل كلام العضدي ناظر إلى هذا الوجه
حيث قال واعلم أن الواقعة الواحدة لا تتضمن السخاوة ولا الشجاعة بل القدر المشترك الحاصل
من الجزئيات ذلك وهو المتواتر لا لان آحادها صدق قطعا بل بالعادة انتهى والظاهر أنه فرض
المقام خاليا عن وجه يدل على الشجاعة بالالتزام ومع هذا الفرض فالامر كما ذكره من عدم دلالة كل واحد
من الوقائع على الشجاعة والسخاوة ولذلك قال بل القدر المشترك الحاصل من الجزئيات يعني
الحاصل من ملاحظة مجموع الجزئيات لا كل واحد منها هو الشجاعة والسخاوة لإفادتها بكثرتها
الملكة النفسانية وأما قوله لا لان آحادها صدق يعني أن المتواتر في سائر الأقسام لا ينفك عن
صدق الآحاد بناء على المشهور في معنى الصدق بلا شبهة وإن كان من جهة الدلالة الالتزامية
الحاصلة مع كل منها أو التضمنية الحاصلة مع كل منها كما في الصورتين السابقتين وأما في ذلك فلا يستلزم
صدق واحد من الوقائع فضلا عن جميعها ولكن بالعادة يحصل العلم بالقدر المشترك يعني ما هو
قدر مشترك في كونه لازما لها وهو الشجاعة والسخاوة من سماع تلك الواقعات وإن لم يحكم العقل
بصدق واحد من الواقعات بعنوان القطع إذ لا مشترك بينها في الدلالة حينئذ والقدر المشترك إنما يحصل
من جميعها هذا ويظهر من العضدي في هذا المقام أنه حصر المتواتر المعنوي في الوجه الثاني من الوجهين
ومقتضاه أنه يحصل بمجموع الآحاد الدلالة على القدر المشترك بعنوان القطع لا ان الدلالة كانت حاصلة
في كل من الآحاد ولكن القطع حصل بمجموعها وإلا فكان اللازم عليه أن ينبه على أن ذلك
مناقشة في المثال مع أن المثال الذي ذكروه قابل لكلا الوجهين كما عرفت وإدخال الوجه الأول
تحت المتواتر اللفظي وكذا بعض ما تقدمه من الأقسام مشكل وعلى هذا فجميع أقسام المتواتر يجمعها
قسمان أحدهما أن يدل آحاد الاخبار على شئ يوجب كثرتها مع دلالتها على ذلك الشئ القطع بحصول
ذلك الشئ وذلك هو ما عدى الوجه الثاني من القسم السادس من الأقسام والثاني أن يحصل
من مجموع آحاد متكثرة الدلالة على شئ وكانت مقطوعا بها ويمكن أن يمثل للوجه الثاني بالاخبار
التي وردت في نجاسة الماء القليل بالخصوصيات المعينة من جهة النجاسة ومن جهة الماء معا فإن
428

بملاحظة مجموعها يمكن دعوى القطع بأنها تدل على نجاسة مطلق الماء القليل بل الظاهر أن الحكم كذلك
ولو كان الحكم بالنجاسات المخصوصة كان واردا في مطلق الماء القليل كما هو مضمون بعض الاخبار
فإن عموم الموضوع لا ينفع مع خصوص الحكم إذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذكروه في تعريف التواتر من
اشتراط كونه منوطا بالحس فإن أرادوا إدراج المشترك المعنوي في التعريف فلا بد أن يقال ان
المتواتر هو ما يكون نقل المخبرين منوطا بالحس وموجبا بنفسه العلم بذلك المحسوس أو بالقدر المشترك
بين الآحاد الموجود في ضمنها الذي هو غير محسوس في نفسه وإن عرض له المحسوسية بسبب وجوده في
ضمن الفرد أو بلازمه سواء كان فهم اللزوم من جهة كل واحد من الآحاد أو من مجموعها فعلى هذا
يندفع الاشكال الذي أورده المحقق البهائي رحمه الله على الاجماع المنقول بالخبر المتواتر كما أشرنا سابقا
فيكون هذا القسم من الخبر المتواتر والاجماع المتواتر من قبيل أصل الاجماع وفهم اتفاق آراء الكل و
مطابقة آرائهم لأقوالهم فكما أن هناك الأقوال المحسوسة ومطابقة الآراء مدركة بالعقل فكذلك في الاجماع
المتواتر والخبر المتواتر معنى بالمعنى الأخير ويمكن أن يقال في الوجه الأول من الوجهين أن العلم بحصول
فرد محسوس من الافراد مع العلم بمقارنتها مع لازمها الذي دل عليه كل واحد من الآحاد يحصل للسامع
وكذلك فيما قبله قانون خبر الواحد ما لم ينته إلى حد التواتر كثرت رواته أم قلت وقيل ما
أفاد الظن ويبطل عكسه بخبر لا يفيد الظن والمستفيض ما زاد نقلته على ثلاثة كذا ذكره ابن الحاجب وقرره
العضدي وقال التفتازاني في تفسيره أي خبر لا يفيد العلم بنفسه سواء لم يفد العلم أصلا أو أفاد بالقرائن
الزايدة قال وعلى هذا لا واسطة بين الخبر المتواتر وخبر الواحد فالمستفيض نوع منه أقول قد عرفت
أنهم عرفوا المتواتر بأنه خبر جماعة يفيد بنفسه العلم واحترزوا بالتقييد بنفسه عما لو حصل العلم من القرائن
الخارجة عما لا ينفك الخبر عنه عادة كشق الثوب والصراخ والجنازة في المثال الآتي فظهر أن مدخلية
القرائن الداخلة في حصول العلم لا تضر بكونه متواترا وإن كان للكثرة أيضا مدخلية في حصول العلم
فإذا كان خبر الواحد بقرينة المقابلة هو ما لم ينته إلى حد التواتر يعني لم يكن مما حصل العلم به من جهة
الكثرة فيكون له فردان فرد لا يثبت به العلم أصلا وفرد لا يثبت به العلم من جهة الكثرة وإن حصل
من جهة القرائن الداخلة أو الخارجة إذ لم يقم دليل على امتناع حصول العلم بخبر الواحد بملاحظة
القرائن الداخلة كما سنذكره أو الخارجة كما هو مختار الأكثر فعلى هذا فللخبر الواحد اقسام كثيرة منها
ما يفيد القطع من جهة القرائن الداخلة ومنها ما يفيد القطع من جهة القرائن الخارجة ومنها ما
يفيد الظن ومنها ما لا يفيده أيضا وعلى هذا فالمستفيض يمكن دخوله في كل من القسمين فيكون قسما
429

ثالثا ولا مانع من تداخل الأقسام وهذا هو ظاهر ابن الحاجب والعضدي فإذا لم يبلغ الكثرة إلى حيث
يكون له في العرف والعادة مدخلية في الامتناع من التواطؤ على الكذب مثل الثلاثة والأربعة و
الخمسة وإن حصل العلم من جهة القرائن الداخلة فهو مستفيض قطعي وإن زاد على المذكورات بحيث
يمتنع التواطؤ على الكذب بمثل هذا العدد في بعض الأوقات ولكن لم يحصل فيما نحن فيه فهذا مستفيض
ظني ويمكن إلحاق الأول بالمتواتر على وجه مر الإشارة إليه من القول بكون خبر الثلاثة إن كان
قطعيا متواترا وإلحاق الثاني بخبر الواحد ويمكن جعلهما قسمين من خبر الواحد على ما بيناه من جعل
خبر الواحد أعم من الظني وبالجملة كلام القوم هنا غير محرر ويرجع النزاع إلى أن الخبر الواحد الخالي
عن القرائن الزائدة هل يفيد العلم أم لا وعلى الأول فهل هو مطرد أم لا وعلى الثاني فهل يفيد العلم
مع القرائن الزايدة أم لا فهناك أقوال أربعة واعلم أن القول بإفادة العلم مع قطع النظر عن
القرائن الداخلة والخارجة في خبر غير العدل لم يعهد من أخذ منهم وكذلك اشتراط العدالة
في الخبر المحفوف بالقرائن الخارجية ومحل نزاعهم في غير المحفوف بالقرائن الخارجية مخصوص
بخبر العدل وفيه أعم فلنقدم الكلام في خبر العدل الخالي عن القرائن الخارجية فالمشهور عدم
إفادته العلم مطلقا وذهب أحد من العامة إلى أنه يفيد العلم مطردا وذهب قوم إلى أنه يفيده غير مطرد
وهذا أظهر لأنا كثيرا ما نجد بالوجدان حصول العلم من خبر العدل الواحد بملاحظة القرائن اللازمة
للخبر التي لا ينفك عنها عادة وإن لم يكن هناك قرينة خارجة إذ قد عرفت أن اعتبار القرائن
الداخلة لم يخرج عن تعريف الخبر الواحد ولكن ذلك لا يطرد كما هو مشاهد بالوجدان بل (لامعد)؟
القول بحصول ذلك في خبر غير العدل أيضا وما استدل به القائل بالاطراد في خبر العدل من
أنه لو لم يفد العلم لما وجب العمل به بل لم يجز لقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وإن يتبعون
إلا الظن والتالي باطل للاجماع فالمقدم مثله فهو باطل لان الاجماع إنما هو الباعث على العمل بالظن
وهو قاطع ولمنع تعلق النهي بالعمل بالظن في الفروع وإنما هو في الأصول كما مر وسيجئ واحتج الجمهور
بوجوه ثلاثة الأول أنه لو حصل بلا قرينة يعني خارجية لكان عاديا إذ لا علية عندنا
ولا ترتب إلا بإجراء الله عادته بخلق شئ عقيب شئ آخر ولو كان عاديا لاطرد كالخبر المتواتر و
انتفاء اللازم بين الثاني أنه لو حصل العلم به لادى إلى تناقض المعلومين إذا أخبر عدلان بأمرين
متناقضين فإن ذلك جائز بالضرورة بل واقع واللازم باطل لان المعلومين واقعان في الواقع
وإلا لكان العلم جهلا فيلزم اجتماع النقيضين الثالث لو حصل العلم به لوجب القطع بتخطئة من
430

يخالفه بالاجتهاد وهو خلاف الاجماع والجواب عن الأول منع بطلان التالي إن أراد أنه لا يفيد
القطع إذ فرض صورة أخرى مثله إذ نحن نقول في الصورة التي فرضنا كون خبر الواحد مفيدا للعلم من
جهة القرائن الداخلة أنه إذا فرض مثل هذا الخبر في موضع آخر لم يتفاوت في القرائن المذكورة أيضا
يفيد العلم فإن أراد من عدم الاطراد عدم الإفادة في مثل ذلك الموضوع أيضا فهو ممنوع وإن أراد في
جميع أفراد خبر الواحد فلا يضرنا كالمتواتر فإنه أيضا يختلف باختلاف الموارد كما صرحوا به فكلما أرادوا
من الاطراد وجريان العادة في المتواتر فيزيد نظيره فيما نحن فيه وقد يورد على هذا الدليل بأن دعوى
الملازمة لغو إذ لو كان عقليا لثبت الاطراد بالطريق الأولى وإرادة نفي كون ذلك على سبيل الاتفاق
من ذلك يأباه التعليل بقوله إذ لا علية ولا ترتب اه وفيه أن هذا الدليل من الأشاعرة وهو لما جعلوا
عدم العلية والترتب العقلي مفروغا عنه ففرضهم أن الامر هنا منحصر في كون الترتب عاديا وكونه
بسبب جريان عادة الله به ومقتضاه الدوام فلا يكون من باب محض الاتفاق ولا ينافيه التعليل
بقوله إذ لا علية ولا ترتب اه فإن الحصر بالنسبة إلى محض الاتفاق وعن الثاني أن هذا الدليل إنما
ينهض على القائل بالاطراد ونحن لا نقول به في كل خبر عدل فنمنع لزوم حصول العلم بالمتناقضين وإن
هذا الفرض غير متحقق كما مر نظيره في شبه السومناتية في المتواتر ولو فرض أن أحدا ادعى حصول العلم
بخبر بسبب القرائن الداخلة وآخر بنقيضه ظهر أن أحدهما أخطأ في دعوى العلم وكذلك ولو ادعى أولا
حصول العلم بخبر ثم ظهر له العلم بنقيضه بخبر آخر فقوله ان ذلك جائز بالضرورة بل واقع إن أراد مجرد
صدور خبر عدلين في طرفي النقيض فهو كذلك لكنا لا نقول بحصول العلم منهما وإن أراد حصول العلم
بشئ لاحد من يخبر بسبب القرائن الداخلة ولآخر بنقيضه فهو جائز الوقوع لكن ذلك كاشف عن الخطأ
في دعوى العلم ونظيره في البراهين غير محصور عن الثالث إن أراد ما لو حصل العلم به للمخالف
بالاجتهاد أيضا فلا ريب ان المخالف له مخط جزما ودعوى الاجماع على خلافه باطل قطعا وإن أراد
ما لو لم يحصل العلم به للمخالف فهو كما ذكره من جواز المخالفة ولا غائلة فيه إذ ربما يحصل لاحد العلم
بشئ لا يحصل لآخر وكل مكلف بما حصل له والظاهر أن الدليلين الأخيرين في مقابل من يقول بالاطراد
وأما الخبر المحفوف بالقرائن الخارجة فالأظهر فيه أنه قد يفيد القطع وذهب قوم إلى المنع
لنا أنه لو أخبر ملك بموت ولد له مشرف على الموت وانضم إليه القرائن من صراخ وجنازة وخروج
المخدرات على حالة منكرة غير معتادة من دون موت مثله وكذلك الملك وأكابر مملكته فإنه يحصل
بذلك العلم بصحة الخبر ويعلم به موت الولد وجدانا ضروريا لا يعتريه شك وريب بل وقد يحصل
431

دون ذلك وأما ما أورد عليه من الشكوك ومنع العلم إذ لعله غشي عليه فأفاق أو مات وله آخر له
فجأة وأعتقده المخبر أنه المشرف على الموت ففيه أنها إحتمالات عقلية لا تنافي العلوم العادية مع أنا
نفرض الواقعة بحيث لا يبقى هذه الاحتمالات وكذلك ما قيل أن ذلك العلم لعله من جهة القرائن من
دون مدخلية الخبر كالعلم بخجل الخجل ووجل الوجل وارتضاع الطفل اللبن من الثدي ونحوها فإن
القرينة قد تستقل بإفادة العلم مدفوع بأنه حصل بالخبر بضميمة القرائن إذ لولا الخبر لجوز موت شخص
آخر والحق أن إمكان حصول العلم بديهي لا يقبل التشكيك واحتج المنكرون بالوجوه الثلاثة المتقدمة
والجواب عنها يظهر ما ذكرنا ثمة فلا نعيدها ثم إن بعضهم ذكر أن الخبر المحفوف بالقرائن القطعية
لم يقع في الشرعيات أقول إمكان حصوله للحاضرين المستمعين من الصحابة والتابعين والمقاربين
عهد الأئمة عليهم السلام مما لا يمكن إنكاره وكذلك المحفوف بالقرائن الداخلة وأما في أمثال زماننا
فلم نقف عليه في اخبارنا وما ذكره بعض أصحابنا كالشيخ رحمه الله في أول استبصاره من القرائن المفيدة
للقطع مثل موافقة الكتاب والسنة والاجماع والعقل فهو ليس مما يفيد القطع إذ غاية الامر موافقة
الخبر لاحد المذكورات وهو لا يفيد قطعية صدوره ولا دلالته ولا فرض كون مضمونه قطعيا بسبب
أخذ من تلك القرائن فهو الخبر المقرون بالقرينة الدالة على صحة مضمون الخبر لا صحة نفس الخبر وموضوع
المسألة إنما هو الثاني لا الأول فاخبارنا اليوم كلها ظنية إلا ما ندر ومخالفة الأخباريين في ذلك
ودعواهم قطعيتها مما لا يصغى إليه ولعلنا نتكلم في ذلك بعض الكلام في باب الاجتهاد والتقليد
قانون اختلفوا في حجية الخبر الواحد العاري عن القرائن المفيدة للعلم بصدق نفسه وبصدق
مضمونه وإن كان نصا في الدلالة فإنما قيدنا بذلك لأنه قد يكون مضمونه قطعيا باعتبار موافقته لدليل
قطعي ولم يتعرضوا هنا للخلاف فيه لعدم فائدة مهمة في الخلاف من حيث حجيته في نفسه مع ثبوت
قطعية مضمونه وقد يكون هو بنفسه قطعيا لكن يكون مضمونه ظنيا باعتبار كون دلالته ظاهرا لا نصا
وخلافهم في هذا المقام أيضا ليس فيه بل النزاع في جواز العمل به هو النزاع في جواز العمل بالظن مطلقا و
أما الخبر الذي كان صدقه قطعيا بنفسه وبمضمونه فخروجه عن البحث ظاهر فانحصر البحث فيما لم يحصل
العلم به من حيث السند والمضمون معا والحق أنه يجوز التعبد به عقلا أي لا يلزم من تجويز العمل به
محال أو قبيح بلا خلاف فيه من أصحابنا إلا ما نقل عن ابن قبة وتبعه جماعة من الناس تمسكا بأنه يؤدي
إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال وأنه لو جاز التعبد به في الاخبار عن المعصوم عليه السلام لجاز عن الله تعالى
أيضا لجامع كون المخبر عادلا في الصورتين وفيه ما فيه ويمكن توجيه الاستدلال الأول بأن للمحرمات
432

مثلا قبحا ذاتيا وكذا الواجبات وربما يحرم شئ لكونه سما أو موجبا لفساد في العقل أو الجسم كالخمر والميتة
الموجبتين للقساوة وظلمة القلب وتلك خاصيتهما ولا تزول بالجهل فإذا جوز العمل بخبر الواحد المفيد
للظن فلا يؤمن عن الوقوع في تلك المفسدة فتجويز العمل به مظنة الوقوع في المهلكة ويمكن دفعه بأنا نرى
بالعيان أن الشارع الحكيم جوز لنا أخذ اللحم عن أسواق المسلمين وحكم بالحل وإن لم نعلم كونه مذكى وكذلك
وقع المؤاخذة عن الجاهل والناسي وغيرهما فعلم من ذلك أنه تدارك هذا النقص من شئ آخر من الشرائع
من الأعمال الشاقة والمجاهدات الصعبة وسائر التكليفات فلا مانع من أن يجوز العمل بالظن الحاصل
من خبر الواحد وإن كان في نفس الامر موجبا لارتكاب الحرام وترك الواجب ثم اختلفوا في جواز العمل به
شرعا والمراد بهذا الجواز هو المعنى العام الشامل للوجوب بل المراد الوجوب لأنه إذا جاز العمل به شرعا
فلا بد أن يجب أن يعمل على مقتضاه بعنوان الوجوب في الواجب وبعنوان الاستحباب في المستحب
وهكذا والحق جواز العمل به بالمعنى المذكور كما هو مختار جمهور المتأخرين خلافا لجماعة من قدمائنا
كالسيد رحمه الله وابن زهرة وابن البراج وابن إدريس والحق أنه يدل على ذلك السمع والعقل كلاهما كما
سيجئ خلافا لجماعة حيث أنكروا دلالة العقل عليه لنا وجوه الأول قوله تعالى إن جائكم فاسق
بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وجه الدلالة أنه سبحانه علق
وجوب التبين على مجئ الفاسق فينتفي عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط وإذا لم يجب التبين عند مجئ
غير الفاسق فإما أن يجب القبول وهو المطلوب أو الرد وهو باطل لأنه يقتضي كونه أسوء حالا من الفاسق
وهو واضح الفساد هكذا ذكره كثير من الأصوليين والوجه عندي أنه ليس من باب مفهوم الشرط لان
غاية ما يمكن توجيهه على ذلك أن يكون المعنى إن جائكم خبر الفاسق فتبينوا ومفهومه إن لم يجئكم
خبر الفاسق فلا يجب التبين سواء لم يجئكم خبر أصلا أو جائكم خبر عدل فالمطلوب داخل في المفهوم
وإن لم يكن هو هو وفيه أولا أن ظاهر الآية إن جائكم الفاسق بالخبر ومفهومه إن لم يجئ الفاسق بالخبر
لا إن لم يجئ خبر الفاسق وثانيا أن المراد بالتبين والتثبت طلب ظهور حال خبر الفاسق والثبات
والقرار حتى يظهر حال خبر الفاسق فكأنه قال تبينوا خبر الفاسق فالمفهوم يقتضي عدم وجوب تبين حال
خبر الفاسق لا خبر العادل للزوم وحدة الموضوع والمحمول في المفهوم والمنطوق في الشرط والجزاء
نعم لما كان مقدم المفهوم إن لم يجئكم خبر الفاسق بحيث يشمل عدم خبر أصلا أو مجئي خبر عادل وتاليه
لا يجب تبين خبر الفاسق بحيث يشمل ما لو لم يكن هناك خبر أصلا أو كان ولكن كان خبر العادل
فيندرج فيه خبر العادل ولكن لا يدل على عدم وجوب تبينه مع أن ذلك خروج عن حقائق الكلام
433

وترك للعرف والعادة بمجرد كون احتمال السالبة منتفية الموضوع ولا ريب أنه مجاز لا يصار إليه وقسمة
المنطقيين السالبة إلى الموجود الموضوع المنتفي الموضوع لا توجب كونه معنى حقيقيا لها أو عرفيا
والكتاب والسنة إنما وردا على مصطلح أهل اللغة والعرف ولا مصطلح أهل الميزان فالاعتماد على مفهوم
الوصف فإنا وإن لم نقل بحجيته في نفسه لكنه قد يصير حجة بانضمام قرينة المقام كما أشرنا إليه في مباحث
المفاهيم وعلى فرض إمكان تصوير مفهوم الشرط في هذا الكلام فلا يخفى أن حجية مثل هذا المفهوم الوصفي
أوضح من حجية هذا الفرد من المفهوم الشرطي نعم لو جعل معنى الآية إن كان المنبئ فاسقا فتبينوا لصار
ذلك من باب مفهوم الشرط وهو خلاف الظاهر وكيف كان فنتيجة الاستدلال بالآية والخدشة
في الاستدلال بأن المفهوم نفي وجوب التبين وهو لا يدل إلا على جواز العمل والمقصود إثبات الوجوب
لا وجه لها لما أشرنا إليه من معنى الجواز ولعدم القائل بالفصل فمن قال بالجواز قال بالوجوب وسيجئ
تمام الكلام ثم إن هذا الاستدلال إنما ينهض على من جوز العمل بالمفاهيم وبالظن الحاصل من الظواهر
في مسائل الأصول وقد عرفت في المباحث السالفة التحقيق فيهما وستعرف في الثاني أيضا واعترض
أيضا بأن سبب نزول الآية أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث وليد بن عتبة بن أبي معيط إلى
بني المصطلق مصدقا فلما جاء إلى ديارهم ركبوا مستقبلين فحسبهم مقاتليه فرجع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله
بأنهم ارتدوا فنزلت الآية وأيضا التعليل بقوله أن تصيبوا إلخ إنما يجري فيه وفي مثله لا مطلق الخر والمقصود
إثبات حجية مطلق الخبر والأول مردود بما حققنا سابقا من أن العبرة بعموم اللفظ ولفظ فاسق وبنبأ
ينزلان على العموم كما لا يخفى إذ لو كان المراد الخصوص لناسب العهد والتعريف باللام والثاني بأن التعليل
لبيان أن خبر الفاسق معرض لمثل هذه المفسدة العظمى لا أنه كذلك مطلقا وفي جميع الافراد وذلك لا يوجب
اختصاص التبين بمثل هذه الواقعة مع أن ذلك أيضا يفيد المطلوب إذ مفهومه يقتضي عدم التثبت في
مثل هذه الواقعة وغيرها لخبر العادل عملا بالعلة المنصوصة في المنطوق وقد يعترض أيضا بأن العمل بخبر
العدل لا يصح في مورد نزول الآية لعدم جواز العمل بخبر العدل الواحد في الارتداد فلا يدل على حجية خبر العدل
مطلقا فعلى هذا فالنكتة في ذكر الفاسق التنبيه على فسق الوليد وتعييره عليه وإلا فكان يكفي أن يقول إن
جائكم أحد ونحوه وفيه أن عدم جواز العمل بخبر العدل في الردة لا يضر بحجية المفهوم لامكان التخصيص
يعني إخراج المورد عن عام المفهوم بدليل خارجي والمناسب للتعيير حينئذ هو التعريف والعهد فالعدول
عنه بعد ترك ذكر مثل أحد ونحوه يدل على أن ذلك من جهة اعتبار المفهوم مع أن عدم قبول خبر العدل
الواحد في الردة إنما هو إذا لم ينضم إليه آخر بخلاف خبر الفاسق فإنه لا يقبل أصلا فكأنه أريد أن جائكم فاسق
434

بخبر وإن كان خبر غير الارتداد فلا تقبلوه أصلا لا منضما ولا منفردا إلا مع التثبت بخلاف خبر العدل
فإنه يقبل في الجملة اما في غير الردة فمطلقا واما في الردة فمع انضمام الغير الثاني قوله تعالى
فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون
وجه الدلالة أنه تعالى أوجب الحذر عند إنذار الطوائف للأقوام وهو يتحقق بإنذار كل طائفة
من الطوائف لقومهم ولما لم يدل لفظ الفرقة على كونهم عدد التواتر فلفظ الطائفة أولى بعدم
الدلالة بل الظاهر أن الفرقة يطلق على الثلاثة فيصدق الطائفة على الاثنين بل الواحد أيضا ولا يضر
ضمير الجمع في قوله تعالى ليتفقهوا في شموله للواحد أيضا لأنه عبارة عن الطوائف ولا يلزم من ذلك لزوم
اعتبار الانذار من جميع الطوائف لصدق حصوله بإنذار كل واحد منهم كل واحد من الأقوام ثم
يصدق حصوله بملاحظة كل واحد واحد منهم بالنسبة إلى قومهم وكيف كان فالمقصود بيان حجية خبر
الواحد في الجملة لا حجية مجرد خبر رجل واحد مع أنه لا قائل بالفرق في جانب المنع وأما دلالة الآية على
وجوب الحذر فلان التهديد المستفاد من كلمة لولا يدل على وجوب النفر وتعليل النفر بالتفقه
يدل على وجوبه وكذا تعليله بالانذار ومن المستبعد جدا وجوب الانذار وعدم وجوب إطاعة
المستمع بل المتبادر وجوب الإطاعة للمنذرين والمشهور في وجه الدلالة أن كلمة لعل للترجي وهو
ممتنع على الله تعالى فلا بد من إخراجها عن ظاهرها وأقرب مجازاتها الطلب الذي هو في معنى الامر
الظاهر في الوجوب وهو فاسد لما بيناه في مبحث الامر وقيل إن أقرب مجازاتها مطلق الطلب و
تحمله على الوجوب لأنه لا معنى لندب الحذر وجوازه لأنه إن حصل المقتضي له فيجب وإلا فلا يحسن و
رد بأن ندب الحذر لا معنى له إذا كان المقتضي موجودا قطعا أو ظنا وأما مع احتمال وجود المقتضي
فربما كان الحذر مندوبا كالحذر عن الطهارة بالماء المشمس مخافة حصول البرص أقول نعم ولكن لا
معنى لاستحباب الحذر هنا بمعنى أن يقال يستحب الحذر عما أنذر به بخبر الواحد بمعنى العمل بمدلوله
مطلقا فإنه قد يكون خبر الواحد دالا على الوجوب ولا معنى لاستحباب الحذر عن ترك العمل بهذا
الخبر بأن يقال يستحب أن يعمل بهذا الواجب وكذلك لا يصح حمل الطلب على القدر المشترك
بينهما بمعنى أنه يجب العمل بخبر الطائفة إذا حصل منه القطع ويستحب إذا حصل منه الظن فإن معناه
حينئذ استحباب الحذر عن الانذار الظني الحاصل على سبيل الايجاب وحاصل الكلام أن القول باستحباب
العمل بخبر الواحد المفيد للوجوب مع بقاء الوجوب على معناه الحقيقي مما لا يتصور له معنى محصل
فإن استحباب الواجب لا يتصور إلا في أفضل فردي الواجب التخييري والمفروض أنه لا يتصور له
435

فرد آخر حينئذ سوى العمل بمقتضى الأصل فإن الكلام في العمل بخبر الواحد من حيث هو لا إذا كان معارضا
لظاهر الآية أو الاجماع أو غيرهما والتخيير بين العمل بالأصل والعمل بخبر الواحد لا معنى له لأنه إما أن يعتبر
مفهوم الأصل في مقابل مفهوم خبر الواحد كليين فيقال ان المكلف مختار بين أن يعمل على مقتضى
الأصل بأن يقول لا حكم في المسألة بالخصوص من الشارع لان الأصل عدم الحكم الشرعي وبين ان يعمل
على مقتضى خبر الواحد بأن يقول ورد في المسألة حكم من الشارع فيرجع هذا إلى التخيير بين الاذعان
بثبوت الحكم وعدم ثبوته ولكن يستحب الاذعان بثبوت الحكم وإما أن يعتبر الأصل الخاص في
مقابل الخبر الخاص (مثل ان يقول الأصل براءة الذمة عن مقتضي الوجوب الذي هو مدلول هذا
الخبر الخاص) مثلا فيقال لان المكلف مخير بين أن يعلم ذمته بريئة عن هذا التكليف وبين
أن يعلم ذمته مشغولة بمقتضى مدلول الخبر وعلى أي الفرضين لا يصح جواز اعتقاد الوجوب الذي
هو مدلول الخبر وما يتوهم أن هذا من باب التخيير في الرجوع إلى المجتهدين المخالفين في الرأي أو
إلى الخبرين المتعارضين المتساويين من جهة الترجيح فهو باطل لان التخيير في هاتين الصورتين
إنما هو في حال الاضطرار وإرشاد بطريقة العمل في صورة جهالة الحكم وعدم وجود ما يفيد القطع بالحكم
ولا ريب أنه لا يعلم في هاتين الصورتين كون خصوص أحد الحكمين من الشارع بل يحتمل أن يكون
كل منهما حقا ولكن لما لم يتعين ولا سبيل إلى العمل فرخص لنا الشارع حينئذ إلى الاخذ بأيهما شئنا من باب
التسليم وأما فيما نحن فيه فليس كذلك إذ هو إنشاء الحكم الأولى حين حضور الشارع والأصل الثابت
بالعقل ولا شرع متيقن الثبوت من الشرع جزما وليس من باب الاحكام الاضطرارية في حال عدم التمكن
فالتخيير فيما نحن فيه من باب التخيير بين خصال الكفارة المصرح به في الكتاب والسنة لا من باب
التخيير الذي دلنا عليه الالجاء والاضطرار حين جهالة الحكم وهذا التخيير قد يتصور بين جواز
العمل بالأصل وجواز العمل بخبر الواحد وقد يتصور بين الأصل وخبر الواحد والأول إنما هو من باب
المسائل الأصولية المبحوث عنها والذي يمكن ان يستدل عليه برجحان الحذر المستفاد من الآية على
ما بني عليه المأول إنما هو من باب المسائل الفقهية المستنبطة من آحاد أخبار الآحاد وحمله على
الاستحباب إنما يصح إذا قطع النظر عن دلالتها على الوجوب مثلا يعني إذا عارض خبر الواحد
للأصل فيجوز العمل بكل منهما لكن يستحب اختيار العمل بخبر الواحد فهو في معنى التخيير في المطلوب
بخبر الواحد بين الاتيان به وعدمه وهو صريح في نفي الوجوب ولا يجامع مع إتيانه على سبيل الوجوب
كما توهمه فهذا إخراج للخبر عن المدلول الحقيقي وأما التخيير بين الاعتقاد بجواز العمل بالأصل
وبين الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد عند عدم دليل آخر رافع للأصل الذي هو من المسائل
436

الأصولية فهو غلط إذ لا يتوهم فيه تعارض وتناقض حتى يستلزم التخيير وأرجحية أحدهما فإن الاعتقاد
بجواز العمل بالأصل قبل العثور على الدليل لا ينافي الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد في الصورة المفروضة
فإن قلت نعم ولكن اعتقاد جواز العمل بخبر الواحد لا ينافي استحباب العمل قلت بعد ثبوت
التكليف في الجملة ولزوم الامتثال بالتكاليف فكل ما يجوز استخراج الحكم منه فيتمكن من العمل به
فيحصل مقدمة الواجب فيجب الاتيان به فلا معنى للاستحباب فإن قلت نعم ولكن يقدر على استنباطه
من الأصل أيضا فهو مخير بينهما قلت المفروض أن الأصل إنما يصح العمل به قبل إمكان معرفة الحكم وبعد الامكان
فلا يجوز ولهذا اشترط الأصوليون في جواز العمل بأصل البراءة الاستقراء والتتبع بل أوجبوا ذلك
في العام مع أنه أولى بعدم الوجوب فكيف يقال بالاستحباب مع أنه لا دليل على الاستحباب في ذلك
بقي الكلام في تأويل كلمة لعل بناء على ما اخترناه وأثبتناه في محله فيمكن جعلها من باب اللام في قوله
تعالى ليكون لهم عدوا وحزنا بأن يكون استعارة تبعية فيشبه حصول الخوف والإطاعة مرة وعدمه
أخرى اما من جهة تفاوت الانذارات بالقطع والظن أو المخبرين بالصدق والكذب أو المستمعين
بالإطاعة وعدمها بالترجي لان المترجي قد يحصل وقد لا يحصل واستعير كلمة لعل لذلك ويمكن أن
يجعل حكاية عن حال المنذرين فإنهم مترجون لحصول الحذر وما يقال انه لا يدل إلا على وجوب الحذر
عند الانذار وهو التخويف فهو أخص من المدعى مدفوع بعدم القول بالفصل وبأنه يثبت بذلك غيره
بطريق أولى إذ إثبات الحرمة والوجوب أصعب من الكراهة والاستحباب للمسامحة في دليلهما دون
الأولين ولموافقتهما للأصل وكمال مباينة الأولين له وقد اعترض على الاستدلال أيضا بأن مقتضى
الآية الوجوب الكفائي على كل فرقة ولا يقول به أحد وأجيب بأنه مخصص بالدليل والأولى أن يقال ان
المراد بالفرقة في الآية الجماعة العظيمة التي تحتاج إلى منذر مستقل مثل بني حرب أو بني أسد ونحوهما لا محض
ما يصدق عليه الفرقة لغة فيصح الوجوب الكفائي في الكل واعترض أيضا بإمكان حمل التفقه على
التفقه في أصول الدين وهو أيضا بعيد لان المفهوم منه في العرف هو الفروع مع أنه أهم بالتهديد
على ترك النفر فيه لاستقلال العقل فيه غالبا دون الفروع مع أن الخطاب متعلق بالمؤمنين و
اتصافهم بكونهم مؤمنين لا يكون إلا بعد كونهم عالمين بما يعتبر في الايمان واعترض أيضا بأن التفقه
ظاهر في الاجتهاد ومعرفة الاحكام فلا يدل الآية إلى على لزوم المقلد بفتوى المجتهد وهو خارج
عن المبحث وهو اتفاقي وأجيب بمنع ثبوت كونه حقيقة في ذلك في عرف الشارع بل هو اصطلاح
جديد فيحمل على معناه اللغوي وهو مطلق الفهم وهو صادق على سماع الخبر ونقله مع أنه مستلزم
437

لتخصيص القوم بالمقلدين وهو أيضا مجاز نعم يمكن أن يدعى أن المتبادر من الفهم والانذار هو الفتوى
لا نقل الخبر فتأمل هذا كله مبني على المشهور في تفسير الآية وأما على التفسير الاخر وهو أن يكون
المراد بالطوائف المجاهدين وأن يكون التفقه واجبا على المتخلفين فيمكن توجيه الاستدلال أيضا
بملاحظة ما سبق كما لا يخفى الثالث قوله تعالى والذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و
الهدى الآية فان المنقول من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم الصلاة والسلام أيضا من
الهدي ويظهر وجه الاستدلال مما بينا سابا من التبادر فإن الظاهر من وجوب إظهاره
أنه يجب على السامع الامتثال به فتأمل الرابع اشتهار العمل بخبر الواحد في زمان رسول
الله صلى الله عليه وآله وعمل الصحابة عليه من غير نكير وذكر الخاصة والعامة وقائع كثيرة ذكروا
فيها عمل الصحابة به يحصل من مجموعها العلم باتفاقهم الكاشف عن رضاه صلى الله عليه وآله بل كان صلى الله عليه وآله يأمر به
ويجوزه حيث كان يرسل والولاة إلى القبائل والأطراف لتعليم الاحكام بدون اعتبار عدد
التواتر وكذلك أصحاب الأئمة عليهم السلام ومن يليهم من أصحابنا القدماء كان طريقتهم رواية أخبار
الآحاد وتدوينها وضبطها والتعرض لحال رجالها وتوثيقها وتضعيفها وتقرير الأئمة عليهم السلام
على ذلك بل أمرهم بالعمل بها كما يستفاد من تتبع أخبار كثيرة لا نطيل بذكرها فليراجعها من أرادها
في مظانها بل من الواضح الجلي الذي لا يقبل الانكار أن كل واتحد من أصحاب الأئمة عليهم السلام
المترددين عندهم السائلين عنهم كانوا يأخذون الخبر وينقلون إلى غيرهم العلم ولم يكن يحصل
بخبر كل واحد منهم العلم للسامع ومع ذلك كان أئمتهم عليهم السلام مطلعين على طريقتهم ويقررونهم
على ذلك واحتمال أن كل ذلك كان من القرائن المفيدة للعلم مما يأباه العقل السليم والفهم المستقيم
فحصل من جميع ما ذكرنا أن إطباقهم على هذه الطريقة من غير نكير منهم إجماع منهم على الجواز
فيدل عليه الاجماع وتقرير المعصوم عليه السلام بل أمره وصرح بالاجماع الشيخ في العدة حيث قال و
اما ما اخترته من المذهب فهو أن خبر الواحد إذا كان من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة
وكان ذلك مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله أو أحد من الأئمة عليهم السلام وكان ممن لا يطعن في
روايته ويكون سديدا في نقله ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر لأنه إذا كان هناك
قرينة تدل على ذلك كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجبا للعلم ونحن نذكر القرائن فيما بعد
جاز العمل به والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة فإني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار
التي أوردوها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه حتى أن واحدا
438

منهم إذا أفتى بشئ لا يعرفونه سئلوه من أين قلت هذا فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور
وكان رواية ثقة لا ينكرون حديثه سكتوا وسلموا الامر في ذلك وقبلوا قوله هذه عادتهم وسجيتهم
من عهد النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الأئمة عليهم السلام إلى زمان الصادق جعفر بن محمد
عليهما الصلاة والسلام الذي انتشر عنه العلم فكثرت الرواية من جهته عليه السلام فلولا أن العمل بهذه الاخبار
كان جائزا لما أجمعوا على ذلك ولأنكروه لان إجماعهم لا يكون إلا عن معصوم عليه السلام لا يجوز عليه الغلط
والسهو والذي يكشف عن ذلك أنه لما كان العمل بالقياس محظورا في الشريعة عندهم لم يعملوا به أصلا
وإذا شذ واحد منهم وعمل به في بعض المسائل أو استعمله على وجه المحاجة لخصمه وإن لم يعلم اعتقاده
تركوا قوله وأنكروا عليه وتبرأوا من قوله حتى أنهم يتركون تصانيف من وصفناه ورواياته لما كان
عاملا بالقياس فلو كان العمل بخبر الأحد يجري هذا المجرى لوجب فيه أيضا مثل ذلك وقد علمنا
خلافه انتهى ما أردت نقله وقال العلامة رحمه الله في النهاية أما الامامية فالأخباريون منهم لم يعولوا
في أصول الدين وفروعه إلا على أخبار الآحاد المروية عن الأئمة عليهم السلام والأصوليون منهم كأبي جعفر
الطوسي رحمه الله وغيره وافقوا على قبول خبر الواحد ولم ينكره سوى المرتضى رحمه الله وأتباعه لشبهة حصلت
لهم انتهى ويظهر منه رحمه الله أن المخالف إنما هو السيد ومن تبعه من بعده ويظهر دعوى الاجماع أيضا
من المحقق رحمه الله على ما نقل عنه وبالجملة من تتبع سيرة الفقه وتتبع أحوال أصحاب الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم والأئمة عليهم السلام ولاحظ الأخبار الدالة على رخصتهم في العمل بكتب أصحابهم والرجوع
إليهم والأخبار الواردة في بيان علاج الاخبار المتخالفة سيما مع ملاحظة ان ذلك هو طريقة العرف
والعادة وجميع أرباب العقول بل مدار العالم وأساس عيش بني آدم غالبا كان على ذلك يظهر له
العلم بجواز العمل بخبر الواحد في الجملة وما يستبعد من أنه كان العمل بخبر الواحد جائزا وواقعا في زمان
الأئمة عليهم السلام لم يختف على مثل السيد رحمه الله مع قربه بزمانهم عليهم السلام وكمال فطانته واطلاعه فهو مدفوع
باستبعاد انه لو كان وجوب الاقتصار باليقين الحاصل من مثل الأخبار المتواترة أو المحفوفة بالقرينة
ونحوها ثابتا وكان المنع من العمل بخبر الواحد طريقة للأئمة عليهم السلام ومذهبا لهم لصار شايعا من
باب حرمة القياس ولم يختف على مثل الشيخ رحمه الله حتى ادعى إجماعهم على جواز العمل بل التحقيق أن الاشتباه
أنما حصل للسيد رحمه الله ومن تبعه لما بينا ولما سنبينه إنشاء الله تعالى الخامس الأدلة الدالة على حجية
ظن المجتهد في حال غيبة الإمام عليه السلام من أمثال وزماننا المتباعدة عن زمان الأئمة عليهم السلام
واعلم أن ما تقدم من الأدلة إنما يدل على حجية المراد بخبر الواحد فإنه هو المتبادر من النبأ والانذار
439

وهو المستفاد من الاجماع الذي نقلناه وأما حجية ما يفهم من لفظ الخبر والظن الحاصل من جهة
دلالته وإن هذا المظنون هو المراد أو غيره مع تفاوت ذلك بسبب إفهام الناظرين والمعاصرين
للأئمة عليهم السلام والمتباعدين فهو يحتاج إلى دليل آخر من إجماع عليه حجية أمثال هذه الظنون
أو غيره من الأدلة التي تدل على حجية ظن المجتهد في أمثال زماننا فهذه الأدلة دلالتها على حجية
خبر الواحد ليس من حيث أنه خبر الواحد ولا تشمل جميع الأزمان والأوقات بل إنما تتم في أمثال
زماننا وتدل على حجية مطلق الظن وهي حقيقة أدلة على جواز عمل المجتهد بالظن إلا ما أخرجه الدليل
في مقابل قول من لا يجوز العمل إلا باليقين أو الظن الذي ثبت فيه الرخصة من الشارع والأول
أشهر وأظهر بل الظاهر من طريقة الفقهاء هو الأول ولعل وجه نزاعهم في خبر الواحد واستدلالهم
على حدة إنما هو لأجل إثبات حجيته بذاته من قبل الشارع ليتم حجيته في زمان إمكان العلم أيضا و
لأجل دفع توهم حرمة العمل به خصوصا كالقياس لأجل ما ادعاه السيد رحمه الله من الاجماع على الحرمة
كما سيجئ وإلا فهذه الأدلة على جواز العمل بالظن عند الاضطرار يكفيهم بجواز العمل بخبر الواحد و
كذلك استدلالهم في حجية ظواهر الكتاب لدفع ما توهمه الأخباريون من المنع وعلى هذا فقس
سائر المقاسات التي استدلوا على حجيتها بالخصوص من القياس المنصوص العلة أو مفهوم الموافقة
واستصحاب حال الشرع وغيرها والأدلة على ذلك من وجوه وأنت إذا تأملتها تقدر على
استنباط حجية خبر الواحد منها الأول إن باب العلم القطعي في الأحكام الشرعية منسد في
أمثال زماننا في غير الضروريات غالبا ولا ريب إنا مشاركون لأهل زمان المعصومين عليهم
السلام في التكاليف وليس في غير ما علم ضرورة أو إجماعا أو حكم به العقل القاطع ما يدل على
الحكم باليقين فإن الكتاب بنفسه لا يفيد إلا الظن وكذلك أصل البراءة والضرورة والاجماع والعقل
القاطع لا يثبت به شئ ينفعنا في الفقه غالبا بل هي إنما تثبت بعض الأحكام إجمالا ولا يحصل منها
التفصيلات وعلى هذا فينحصر الامتثال في العمل بالظن وإلا لزم التكليف بما لا يطاق ويندرج في ذلك
الظن الحاصل من الخبر الواحد فإنه لا فارق بين أفراد الظن من حيث هو فإذا حصل منه ظن أقوى
من غيره فيجب متابعته بل لا معنى حينئذ لكونه أقوى بل الظن إنما هو من جهته وملاحظة القوة والضعف
إنما هو بملاحظة كل منهما على حدة لا مجتمعا وقد أورد على ذلك بأن انسداد باب العلم لا يوجب
العمل بالظن من حيث أنه ظن لأنه يجوز أن يعتبر الشارع ظنونا مخصوصة بخصوصها لا من حيث
أنها ظن كظاهر الكتاب وأصل البراءة لا لأنهما ظن بل للاجماع على حجيتهما وفيه أن حجية ظواهر الكتاب
440

من حيث الخصوص بعد تسليم معلوميته مطلقا لا يثبت إلا أقل قليل من الاحكام كما لا يخفى على المطلع و
الاجماع على أصالة البراءة فيما ورد في خلافه خبر الواحد أول الكلام إن لم ندع الاجماع على خلافه و
قد أورد على هذا الدليل أيضا أن انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية غالبا لا يوجب جواز العمل
بالظن فيها حتى يتجه ما ذكره لجواز أن لا يجوز العمل بالظن فكل حكم حصل العلم به من ضرورة أو إجماع
نحكم به وما لم يحصل العلم به نحكم فيه بأصالة البراءة لا لكونها مفيدة للظن ولا للاجماع على وجوب
التمسك بها بل لان العقل يحكم بأنه لا يثبت تكليف علينا إلا بالعلم به أو ظن يقوم على اعتباره
دليل يفيد العلم ففيما انتفى الأمران فيه يحكم العقل ببرائة الذمة عنه وعدم جواز العقاب على تركه
لا لان الأصل المذكور يفيد ظنا بمقتضاها حتى يعارض بالظن الحاصل من أخبار الآحاد بخلافها
بل لما ذكرنا من حكم العقل بعدم لزوم شئ علينا ما لم يحصل العلم لنا به ولا يكفي الظن به ويؤكد ذلك
ما ورد من النهي عن اتباع الظن وعلى هذا ففيما لم يحصل العلم به على أحد الوجهين وكان لنا مندوحة
عنه لغسل الجمعة مثلا فالخطب سهل إذ نحكم بجواز تركه بمقتضى الأصل المذكور وأما فيما لم تكن مندوحة
عنه كالجهر بالتسمية والاخفات بها في الصلوات الاخفاتية التي قال بوجوب كل منهما قوم ولا يمكن لنا
ترك التسمية في محيد لنا عن الاتيان بأحدهما فنحكم بالتخيير فيهما لثبوت وجوب أصل التسمية
وعدم ثبوت خصوص الجهر أو الاخفات فلا حرج لنا في فعل شئ منهما وعلى هذا فلا يتم الدليل المذكور لأنا
لا نعمل بالظن أصلا أقول وفيه نظر من وجوه أما أولا فلان قوله وما لم يحصل العلم به نحكم فيه إلخ
أن أراد منه عدم حصول العلم الاجمالي أيضا فهو كذلك لكنه خلاف المفروض وإن أراد منه عدم
حصول العلم التفصيلي ففيه أن عدم العلم التفصيلي لا يوجب البراءة مع ثبوت التكليف بالمجمل
سيما مع التمكن بالاتيان به بأن يأتي بالمحتملات بحسب القدرة والاستطاعة فإن قيل لا نسلم العلم
الاجمالي بالتكليف بغير الضروريات في أمثال زماننا بل إنما تكليفنا هو العمل بالضروريات واليقينيات
قلنا التكليف بغير الضروريات يقيني فإنا نعلم بالضرورة إن في الصلاة واجبات كثيرة علينا غير ما
علم منها ضرورة مثل وجوبها أو مطلق مسمى الركوع والسجود أيضا مع أنا لا يمكننا معرفة تلك
التفصيلات إلا بالظنون وأيضا الضروريات أمور إجمالية غالبا لا يمكن الامتثال بها إلا بما
يفصلها فالحكم بين المسلمين وقطع الدعاوي ثبت وجوبه مثلا بالضرورة أو بالاجماع لكن معرفة
كيفية ذلك يحتاج إلى الظنون التي يشتمل عليها كتب الفقهاء غاية الامر حصول القطع في كيفيته بأن
البينة للمدعي واليمين على من أنكر لكن معرفة حقيقة المدعي والمنكر والتمييز بينهما ومعرفة معنى
441

البينة أنه رجل أو امرأة أو واحد أو متعدد أو يشترط فيه العدالة أو لا وإن العدالة أي شئ وبأي شئ
تثبت وإن الحكم أي شئ إلى غير ذلك مما لا يحصل للفقيه إلا باستعمال الظنون كما لا يخفى على من
ارتبط بالفقه قليلا فضلا عن المتدرب فيه وهكذا جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات
والاحكام فمن قال أنه يمكن الاعتماد على ما علم ضرورة أو بالاجماع في تحصيل الفقه فقد تغافل ولعله
هنا في مقام المجادلة والتدقيق في نفس الدليل وأنت خبير بأنه لا وجه له وأما ثانيا فلان قوله بل
لان العقل يحكم بأنه لا يثبت تكليف علينا إلخ هذا أول الكلام لان حكم العقل إما أن يريد به الحكم
القطعي أو الظني فإن كان الأول فدعوى كون مقتضى أصل البراءة قطعيا أول الكلام كما لا يخفى
على من لاحظ أدلة المثبتين والنافين من العقل والنقل سلمنا كونه قطعيا في الجملة لكن المسلم
إنما هو قبل ورود الشرع وأما بعد ورود الشرع فالعلم بأن فيه أحكاما إجمالية بعنوان اليقين (يثبطنا)؟
عن الحكم بالعدم قطعا كما لا يخفى سلمنا ذلك أيضا ولكن لا نسلم حصول القطع بعد ورود مثل الخبر الواحد
الصحيح في خلافه وإن أراد الحكم الظني كما يشعر به كلامه أيضا سواء كان بسبب كونه بذاته مفيدا
للظن أو من جهة استصحاب الحالة السابقة فهو أيضا ظن مستفاد من ظواهر الآيات والاخبار
التي لم يثبت حجيتها بالخصوص مع أنه ممنوع بعد ورود الشرع ثم بعد ورود الخبر إذا حصل من
خبر الواحد ظن أقوى منه وأما ثالثا فلان قوله ويؤكد ذلك إلخ يرد عليه أنها عمومات لا تفيد إلا
الظن وإن كان سندها قطعيا بل هي ظاهرة في غير الفروع وشمول عموم ما دل على حجية ظاهر القرآن
لما نحن فيه ممنوع لأنه إن كان هو الاجماع ففيما نحن فيه أول الكلام وإن كان غيره فهو ليس إلا الظنون الحاصلة
من الاخبار وإن فرض التواتر في تلك الأخبار فقد مر الكلام في الاستدلال بها وأما رابعا فلان
قوله إذ نحكم بجواز تركه بمقتضى الأصل إلخ فيه أن ذلك لا ينطبق على مدعاه إذ المفروض أن رجحان
غسل الجمعة يقيني ولكنه مردد بين الوجوب والاستحباب لا ثالث لهما وما ذكره من الحكم
بجواز الترك وأصل البراءة إن أراد نفي الوجوب مع عدم الحكم بالاستحباب فهو لا يلائم ما (ثبت)؟
يقينا من الشرع وإن أراد إثبات الاستحباب فهو ليس إلا معنى ترجيح أحاديث الاستحباب على أحاديث
الوجوب بسبب الاعتضاد بالأصل وأما الحكم بسبب الأصل إن الرجحان الثابت بالاجماع والضرورة
لا بد أن يكون هو الرجحان الاستحبابي دون الوجوبي فهو لا يتم إلا بترجيح أصل البراءة على الاحتياط
وهو موقوف على حجية هذا الظن وبالجملة الجنس لا بقاء له بدون الفصل والثابت من الشرع أحد
الامرين وأصل البراءة لا ينفي إلا المنع عن الترك وعلى فرض أن يكون الرجحان الثابت بالاجماع هو
442

الحاصل في ضمن الوجوب فقط في نفس الامر فمع نفي المنع من الترك بأصل البراءة لا يبقى رجحان أصلا
لانتفاء الجنس بانتفاء فصله وأصل البراءة من المنع عن الترك لا يوجب كون الثابت بالاجماع في نفس
الامر هو الاستحباب فكيف يحكم بالاستحباب نعم يصح ترجيح الحديث الدال على الاستحباب على الحديث
الدال على الوجوب بسبب اعتضاده بأصل البراءة وهذا ليس مراده وإنما المناسب لما رامه من المثال
هو أن يقال في نجاسة عرق الجنب من الحرام مثلا أن خبر الواحد الوارد في ذلك أو الاجماع المنقول الدال
على ذلك لا حجة فيه والأصل براءة الذمة عن وجوب الاجتناب وحينئذ فالجواب عن ذلك يظهر مما قدمنا من
منع حصول الجزم أو الظن بأصل البراءة مع ورود الخبر الصحيح وبما ذكرنا ظهر أن حكم غسل الجمعة نظير الجهر
بالتسمية والاخفات على ما فهمه والحاصل أن الكلام فيما كان خبر الواحد الظني في مقابل أصل البراءة وفي غسل
الجمعة الحكم بمطلق الرجحان القطعي الحاصل من الاجماع والنوعين من الأخبار الواردة فيه في مقابل أصل
البراءة قوله وأما فيما لم تكن مندوحة إلخ إن أراد أن هذا التخيير الذي هو في معنى أصل البراءة في مقابل
الدليل الظني هو مقدم فهو فاسد إذ بعد ملاحظة تعارض دليلي القولين لا شئ في مقابل أصل البراءة
حتى يقال انه ظني ولا نعمل به بل يرجع الكلام فيه إلى مثل جريان أصل البراءة فيما لا نص فيه ومقابله حينئذ هو أدلة
التوقف والاحتياط وهو لا يقول به والمستدل أيضا لا يقول به وإن أراد أن هذا التخيير إنما هو في العمل بأيهما
اختار من القولين وعلى فرض اختيار كل منهما يصير واجبا عليه فلا معنى لأصل البراءة حينئذ نظير التخيير بين
الرجوع إلى المجتهدين كما مر فإن المفروض أن القول منحصر في وجوب الجهر أو وجوب الاخفات وإن أحدهما
ثابت في نفس الامر جزما لا أن الأصل عدم وجوب شئ والدليل الظني دل على وجوب أحدهما فينفيه أصل
البراءة فبعد ثبوت التخيير أيضا يثبت حكم جزما والتخيير في الرجوع إلى الدليلين أو القولين غير التخيير في
اختيار أحد المدلولين ليكون تخييرا في أصل المسألة كما مر الإشارة إليه مرارا إذا عرفت هذا ظهر أنه لا مناص
عن العمل بالظن وأنه حجة إلا ما صرح الشارع بحرمته وثبت حرمته من جانبه مثل القياس والاستحسان
ونحوهما والعبرة بقوة الظن والمعيار هو الرجحان في النظر فإذا حصل الظن بمدلول خبر الواحد أكثر
مما دل عليه أصل البراءة وغيره فيقدم عليه وذلك ليس من قبيل ما نص الشارع باعتباره من الظنون
كشهادة العدلين وغيرها فإنه قد يحصل الظن بشاهد واحد أكثر من شاهدين ولا يعتبر ذلك لان
الشارع جعل الشاهدين من حيث أنهما شاهدان مناطا للحكم لا من حيث الظن الحاصل بهما كالفتوى و
الاقرار وغيرهما والثاني أنه لو لم يجب العمل بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو بديهي
البطلان ذكره العلامة رحمه الله في النهاية وغيره وتوضيحه أن لفظ الترجيح في قولنا ترجيح المرجوح بمعنى الاختيار ولفظ
443

المرجوح عبارة عن القول بأن الموهوم حكم الله أو العمل بمقتضاه والراجح عبارة عن القول بأن
المظنون حكم الله تعالى أو العمل بمقتضاه ومبدء الاشتقاق في لفظ الراجح والمرجوح هو الرجحان بمعنى
استحقاق فاعله المدح أو الذم لا بمعنى كون الشئ ذا المصلحة الداعية إلى الفعل كما هو المصطلح في لفظ
المرجح والمرجوح في تركيب الترجيح بلا مرجح وترجيح المرجوح المصطلحين عند نزاعهم في أن الترجيح بلا مرجح
محال وخلافه وكذا ترجيح المرجوح وبالجملة المراد أن الفتوى والعمل بالموهوم مرجوح عند العقل والفتوى
والعمل بالراجح حسن ووجهه أن الأول يشبه الكذب بل هو هو بخلاف الثاني ولا يجوز ترك الحسن واختيار
القبيح وأورد على هذا بأنه إنما يتم إذا ثبت وجوب الافتاء والعمل ولا دليل عليه من العقل ولا من النقل
إذ العقل إنما يدل على أنه لو وجب الافتاء أو العمل يجب اختيار الراجح وثبوت وجوب الافتاء لا يحكم
به العقل وأما النقل فلانه لا دليل على وجوب الافتاء عند عدم القطع بالحكم والاجماع الذي ادعوه
على وجوب الافتاء على المفتي فيما نحن فيه ممنوع إذ الأخباريون الذين يعتبر فتواهم في انعقاد الاجماع
مخالفون في ذلك ويقولون بوجوب التوقف أو الاحتياط عند فقد ما يفيد القطع أقول وهذا الايراد
في جانب المقابل من الايراد المتقدم في الدليل الأول وكما أنه إفراط فهذا تفريط وإذ قد أبطلنا العمل بأصل
البراءة ثمة فبطلان التوقف والاحتياط هنا أولى فإنا نقول أولا وجوب العمل بالمقطوع به في الفرعيات
أول الكلام وما دل عليه من ظواهر الآيات مع أن ظواهرها ليست بحجة عند الأخباريين ليست
إلا ظنونا مع أن الظاهر منها أصول الدين سلمنا لكنها مخصوصة بحال الامكان ودعواهم أن
الاخبار قطعية وأنهم يعملون بالقطع في غاية الوهن فإن عيان وجوه الاختلال في متنها وسندها
ودلالتها وتعارضها الموجبة لعدم الوثوق بها فضلا عن حصول اليقين منها يغني عن البيان و
قد أشرنا إليه سابقا وسنشير مع أنه لا دليل على حجيتها إذ الاتيان على فرض تسليم دلالتهما فهما من
ظواهر القرآن وقد عرفت حالها مع أن آية النفر ظاهرة في التفقه وآية النبأ معللة بما علل ولا ريب
أنه إذا وجد ظن أقوى من الظن الحاصل من خبر الواحد لا يجري العلة فيه وأما الاجماع فهو لم يثبت
على حجيتها مطلقا وفي جميع الأحوال والأزمان خصوصا فيما كان هناك ظن أقوى منه لا يقال ثبوت
الاجماع على جواز العمل بها في زمن الصحابة والتابعين يكفي في ثبوته مطلقا لعدم القول بالفصل لأنا
نقول أولا لم نعلم الاجماع على عدم القول بالفصل بل بعضهم منعوا عن ثبوت الاجماع إلا في الصدر
الأول فيفرق بين الزمانين وثانيا أن الاعتماد على الاجماع المركب إنما هو إذا لم يعلم مستند المجمعين
ونحن علمنا أن مستند المجمعين من جانب القول بالحجية هو الاتيان والاجماع وقد عرفت حال
444

الآيتين وأما الاجماع فلم يثبت إلا في الصدر الأول ولا معنى حينئذ للتمسك بعدم القول بالفصل لاحد
شطري الاجماع المركب إذ تحقق ذلك الشطر حينئذ إنما هو بهذا الاجماع البسيط ولم يتحقق إلا في هذا القدر
فليفهم ذلك وبالجملة عدم إمكان القطع في الفقه في أمثال زماننا غالبا مما لا يجوز إنكاره في غير
الضروريات والضروريات لا تكفينا كما أشرنا وأيضا العمل بالتوقف أو الفتوى أيضا
يحتاج إلى دليل يفيد القطع فإن تمسكوا فيه بالاخبار الدالة على ذلك عند عدم العلم فمع أن تلك الأخبار
لا يفيد القطع كما بينا لعدم تواترها معارضة بما دل على أصالة البراءة ولزوم العسر والحرج
ولو فرض ترجيح تلك الأخبار عليها فلا ريب أنه ترجيح ظني أيضا مع أنه قد لا يمكن الاحتياط في العمل ولا
التوقف كما لو دار المال بين شخصين ولا يقتضي الاحتياط إعطائه بأحدهما دون الاخر أو كان
بين يتيمين فإن قلت إنا لا نتعرض للمال في العمل ولا نحكم به لأحدهما في الفتوى قلت إبقائه قد يوجب
التلف فيكف تجتري بأن تقول إن الله تعالى يرضى عنك بذلك وأي شئ دلك على أن دليل
هذا العمل قطعي وأنه لا يجوز العمل على مقتضى الظن الحاصل للمجتهد فترك الفتوى وترك العمل أيضا
يحتاج إلى الدليل فلعل الله يعذبك على عدم الاعتناء وحرمة العمل بالظن لم يثبت من أدلتها بحيث
يوازي الضرر المظنون في إتلاف مال اليتيم وتعطيل الامر والتزام العسر والحرج فلنأت بمثال
من جهة التقريب فنقول ان المشهور بين أصحابنا أن لكل من أولاد الابن وأولاد البنت من
مال جدهما نصيب من يتقربان به فالثلثان لأولاد الابن والثلث لأولاد البنت خلافا للسيد رحمه الله
ومن تبعه حيث يجعلون الجميع مقام أولاد الجد فيقسمون بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ثم المشهور
بعدم اعتبار الفرق بين أولاد الابن وأولاد البنت يجعلون حصة كل واحد من الفريقين بينهم للذكر
مثل حظ الأنثيين ولا دليل لهم ظاهرا إلا الشهرة فإن جعلنا الشهرة حجة فهو وإلا فلا بد أن يوقف
المال ويهلك الأيتام من الجوع والتمسك بالأخبار الواردة في أن كل رحم يرث نصيب من يتقرب
به لا يعطى إلا أن لكل واحد من الفريقين نصيب والدهم ولا يعطى كيفية القسمة بينهم بأنفسهم والعمل
بعموم آية يوصيكم الله في أولادكم كما ذهب إليه السيد ومن تبعه فمع أنه يوجب الرجوع إلى قول السيد
في الأصل وأنه في نفسه ممنوع لكون الأولاد حقيقة في ولد الصلب إنما هو ظاهر آية ولا حجة فيه عندهم
فلا بد للأخباريين هنا من بيان دليل قطعي على جواز التوقف والاحتياط وإرشادهم إيانا سبيل
الاحتياط إذا كان الفريقان كلاهما أيتاما صغارا فقارا لا حيلة لهم في المعيشة إلا أخذ مالهم وبالجملة
من سلك سبيل الفقه واطلع على أحكامه وعاشر الناس ولاحظ وقايعهم المختلفة ومقتضياتهم المتناقضة
445

وتتبع الأدلة ومؤداها وتأمل فيها حق التأمل وميزها حق التميز وعرف الفرق بين زمان المعصوم
عليه السلام وغير زمانه يعلم أن ما ذكره الأخباريون محض كلام بلا محصل ولو فرضنا في مسألة
قيام الشهرة في أحد طرفي المسألة وخبر واحد في الطرف الآخر من دون عامل أو مع عامل نادر فعلى
الاخباري ان يثبت أن أدلة حجية خبر الواد تشمل مثل هذا المقام فلا يجوز العمل بالشهرة فإن قال
لا أقول بنفي العمل ولا بوجوبه بل أتوقف واحتاط فأقول كيف تصنع فيما لا يمكن ذلك فيه بل أقول
لك هنا كلاما هو بمنزلة السر لمختار العاملين بالظنون في أمثال ذلك الزمان وهو أن العاقل البصير
لا بد أن يلاحظ مضار طرفي الفعل والترك في كل ما يرد ولا يقتصر على أحد الطرفين ولذلك أمثلة
كثيرة منها الاجتناب عن مساورة عامة الناس لكون غالبهم غير محترزين عن النجاسات فإن
الاحتياط عن النجاسة حسن لكن الاجتناب عن كسر قلوب المؤمنين وتضييق الامر والمفاسد
المترتبة على ذلك مما ليس هنا مقام تعداده أيضا حسن بل أحسن وكذلك الاحتياط في الفتوى و
العمل حسن لكن إقامة المعروف وإغاثة الملهوف ورفع المفاسد وقطع الدعاوي بين الناس و
الاصلاح بينهم أيضا حسن بل أحسن وهكذا فإذا ورد عليك مسألة وتردد أمرك بين أن تحكم
فيها بما أدى إليه ظنك وأن تحتاط فكما تحتاط في الفتوى والعمل بالظن من جهة ما دلك عليه من
الآيات والأخبار الدالة على حرمة العمل بالظن وبتذكرها تثبط على الدخول فيه فتذكر حينئذ ما ورد
عليك من الآيات والأخبار الدالة على إقامة المعروف والاصلاح بين الناس وأنه لا حرج في الدين
ولا عسر ولا ضيق وأن التسبيب لتلف الأموال والنفوس وتعطيل أحكام الشرع مذموم وعليك
أن تحتاط من أن يكون ذلك من جهة الوسواس وتسويل الشيطان فإن الشيطان أيضا قد يصير عالما
صالحا متنسكا لأجل تغرير الصلحاء والعباد ألا ترى أنه يوسوس في أحكام النجاسات ونية العبادات
إلى أن يجعل الانسان متأذيا عن طاعة الله ولا يتعرض لحال أمر الانسان في الاجتناب عن المحرمات
المالية وحقوق الناس وغيرها فترى الوسواسين مجتنبين عن الطاهر اليقيني بسبب احتمال قربه بالنجس
ولا يحتاطون أبدا من أكل لحوم السوق مع ظهور أن أكثر الجزارين مما لا يعتمد على دينهم وتقويهم
بل ولا يدرون كثير منهم مسائل الذبح والتذكية فلعله أكل لحم الميتة غالبا وكذلك لا يجتنبون
من أكل السكر بل ولبس منسوجات أهل الكفر مع أن الغالب أنهم ملاقوها بالرطوبة وكما أن
عدم التنزه عن النجاسة يوجب الهلاك فكذلك أكل الحرام وهكذا الكلام في فتوى القصاص فربما
يظهر لفقيه لزوم القصاص ويحتاط لأجل التحرز عن الدخول في أحكام الدماء وينسى عما ذكره الله تعالى
446

في كتابه أن في القصاص حياة وعن النظر إلى حال أولياء الدم مع ما بهم من الوجع والألم وإن تركه ربما
يوجب زيادة قتل النفوس وغير ذلك بل أقول لك أنه ربما يكون ظن أحدهم متاخما للعلم بل يصير
إلى حد العلم العادي ولا يجترى على فتوى القصاص فإن سئلته عن ذلك يجيب بأنه يخاف الله عن
سوء الحساب وان تتبعت حاله لا تجد يقينه بالمعاد وعذاب جهنم أكثر مما يظهر له من حقيقة الامر
فكيف يصير الفرع زايدا على الأصل وبالجملة لا بد من ملاحظة طرفي الافراط والتفريط أعاذنا الله من
الميل إلى الهوى ومتابعة النفس وإطاعة الشيطان لعنه الله تعالى ومع ذلك كله فلا تغتر بما نهيتك
عن إلتزام الاحتياط ويصير ذلك سببا للمسامحة في الدين والمساهلة في الفتوى فإن ذلك أيضا
من الموبقات المهلكة ومن أعظمها بل عليك بالاقتصاد وبذل الجهد والوسع ثم العمل بمقتضاه
الثالث أن مخالفة ما ظنه المجتهد حكم الله مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون واجب و
رد بمنع بان مخالفة الظن مظنة للضرر لان علمنا بوجوب نصب الدلالة من الشارع على ما يتوجه التكليف به
يؤمننا الضرر عند صدق المخبر مع أنه منقوض برواية الفاسق بل برواية الكافر فإن الظن يحصل عند
خبره ولا يمكن أن يقال انه مخرج بالاجماع لان للدليل العقلي لا يختلف بحسب مظانه ولا بد أن يكون
مطردا وربما يمنع وجوب دفع هذا الضرر المظنون بل هو أولى للاحتياط وعلى تقدير التسليم فإنما يسلم
في العقليات الصرفة المتعلقة بأمر المعاش دون المسائل الشرعية المتعلقة بالمعاد فإن العقل يستقل
بمعرفة حكم العقليات دون الشرعيات أقول مراد المستدل أنه إذا علم بقاء التكليف ضرورة وانحصر
معرفة طريق الحكم الشرعي في الظن فيجب متابعته ولا يجوز تركه بأن يقال الأصل براءة الذمة من هذا
التكليف إذ ما ظنه حراما أو واجبا فيظن أن الله تعالى يؤاخذه على مخالفته وظن المؤاخذة موجب
لوجوب التحرز عقلا ولا وجه لمنع ذلك وما ذكره من السند فيه أن وجوب نصب الدلالة القطعية
بالخصوص على الشارع حينئذ ممنوع وهو أول الكلام ألا ترى أن الامامية تقول بوجوب اللطف على الله تعالى
ونصب الإمام عليه السلام لاجراء الاحكام والحدود ورفع المفاسد والاصلاح بين الناس وإقامة المعروف
ومع ذلك مخفي عن الأمة وإن كان خفاه بسبب ظلم ظالميهم وكما أن المجتهد صار نائبا عنه بالعقل والنقل
وكان اتباعه واجبا كاتباعه فكذلك ظن المجتهد بقولهم ودينهم وشرايعهم صار نائبا عن يقينه بها
وكما كان يجب أن يكون الإمام عليه السلام عارفا بجميع الاحكام بحيث لو احتاج الأمة أعلمهم بها وإن لم تكن
محتاجة بالفعل إليها فكذلك يجب للمجتهد الاستعداد لجميع الاحكام بقدر طاقته ليرفع احتياج
الأمة عند احتياجهم وإن لم يكن فعلية الاجتهاد واجبا ولا ريب أنه لا يمكن له تحصيل الكل باليقين
447

فناب ظنه مقام يقينه ولما لم يكن إثبات اليقين بحجية أخبار الآحاد وظواهر الكتاب في زماننا لما
أشرنا سابقا فغاية الامر حصول ظن بحجيتها لنا والاعتماد على أصل البراءة قد عرفت حاله وكذلك
التوقف والاحتياط مع عدم دليل عليهما نعم إذا فرض حصول ظن للمجتهد في مسألة أصلا فيرجع
فيه إلى أصل البراءة لا يقال انه على هذا التقرير يرجع مال هذا الدليل إلى الدليل الأول لان مرجع الدليل
الأول إلى لزوم تكليف ما لا يطاق في معرفة الاحكام لو لم يعمل بظن المجتهد ومرجع هذا الدليل إلى أن
ترك العمل بالظن يوجب الظن بالضرر قوله مع أنه منقوض برواية الفاسق فيه أن عدم جواز العمل
بخبر الفاسق إذا أفاد الظن أول الكلام إذ اشتراط العدالة معركة للآراء والاستدلال بالآية غاية الظن
ولم يحصل العلم بحجيته هذا الظن كما مر مع أن الشيخ صرح بجواز العمل بخبر المتحرز عن الكذب وإن كان
فاسقا بجوارحه ولا ريب أن ذلك من القرائن الداخلية لا القرائن الخارجة مع أن المشهور بينهم
جواز العمل بالخبر الضعيف المعتضد بعمل الأصحاب ولا ريب أن ذلك لا يفيد إلا الظن وغايته أن
يثبت حجية هذا الظن بما ورد من الاخذ بالمشهور بين الأصحاب وهو مع أنه قد يعارض بغيره من
المرجحات ظن حاصل من خبر الواحد بل من الترجيح الحاصل بين مختلفاتها وقد عرفت حاله والحاصل
انا لم نجوز العمل بخبر الفاسق فإنما هو لأجل عدم حصول الظن به أو لحصول الظن بعدمه لا لأنه فاسق
وإن حصل الظن بن وهكذا يقال إذا أورد النقض بالقياس أيضا بل نقول أن الواجب على المجتهد العمل
بمقتضى ما يؤديه إلى الظن بالحكم من الأدلة التي تتداول إلا خبر الفاسق مثلا أو القياس مثلا وذلك
أما لأنهما لا يفيدان الظن وذلك هو علة منع الشارع عنهما أو لأنهما مستثنيان من الأدلة المفيدة
للظن لا أن الظن الحاصل منهما مستثنى من مطلق الظن وهذا الكلام يجري في الوجه الأول أيضا لان
تكليف ما لا يطاق إذا اقتضى العمل بالظن بعد انسداد باب العلم فلا معنى لاستثناء الظن الحاصل من
القياس والجواب أن تكليف ما لا يطاق وانسداد بال العلم من جهة الأدلة المقتضية للعلم أو
الظن المعلوم الحجية مع بقاء التكليف يوجب جواز العمل بما يفيد الظن يعني في نفسه ومع قطع النظر
عما يفيد ظنا أقوى وبالجملة ما يدل على مراد الشارع على مراد الشارع ولو ظنا ولكن لا من حيث أنه يفيد الظن لا أنه يوجب
جواز العمل بالظن المطلق النفس الأمري وهذا المعنى قابل للاستثناء فيقال أنه يجوز العمل بكل ما يفيد
الظن بنفسه ويدل على مراد الشارع إلا بالقياس وبعد وضع القياس من البين فإذا تعارض باقي
الأدلة المفيدة للظن فحينئذ يعتبر الظن النفس الأمري ويلاحظ القوة والضعف بل لا يبقى حينئذ ظن ضعيف
بل الأقوى يصير ظنا والأضعف وهما ويمكن أن يقال أن في مورد القياس لم يثبت انسداد باب العلم
448

بالنسبة إلى مقتضاه فإنا نعلم بالضرورة من المذهب حرمة العمل على مؤدى القياس فنعلم أن حكم الله
غيره وإن لم نعلم أنه اي شئ هو ففي تعيينه يرجع إلى سائر الأدلة وإن كان مؤداها عين مؤداه فليتأمل
فإنه يمكن منع دعوى بداهة حرمة القياس حتى في موضع لا سبيل إلى الحكم إلا به فإن قلت لو لم يحصل الظن
بشئ حين انسداد باب العلم حتى بالقياس أيضا فما المناص في العمل والتخلص عن لزوم تكليف ما لا
يطاق فإن عملت بأصل البراءة حينئذ فلم لم تعمل به أولا قلت المناص حينئذ هو المناص حين تعارض الأدلة
لمن لم يرجح شيئا مع وجود الأدلة المعلومة الحجية فيتوقف في الفتوى أو يبني على أصل البراءة وكذلك
في الظنون الغير المعلوم الحجية إذا تعارضت أو فقدت فقد يتوقف أو يعمل على أصل البراءة وعدم
جواز العمل بأصل البراءة أولا لان الثابت من الأدلة ان جواز العمل عليه موقوف على اليأس من
الأدلة بعد الفحص فكما يعتبر العمل عليه بعد اليأس عن الأدلة في الأدلة الاختيارية فكذا الحال في الأدلة
الاضطرارية فإن قلت ما ذكرت من منع بقاء الحرمة عند انحصار العمل في مثل القياس مثلا أو غيره
من الظنون التي لم يثبت حرمتها بالخصوص أيضا يدفعه منع بقاء التكليف حينئذ أيضا قلت ما دل على حرمة
العمل بالقياس وغيره من الظنون أيضا ليس بأقوى دلالة وأشمل افرادا وأوقاتا مما دل على بقاء التكليف
إلى آخر الأبد فغاية الامر عدم الوجوب فما الدليل على الحرمة ثم أجدد المقال في هذا المجال ليظهر جلية الحال
وأقول غير آل جهدي في إقامة الدليل على الظنون وإثبات العلم في حجية بعضها بالخصوص مميزا إياها
عن غيرها أنه لا ريب ولا شك أن الله بعث رسولا وأنزل كتابا وسنن شرايع وأحكاما وأراد من
عباده العمل عليها وطريق إبلاغ الاحكام إلى العباد على ما هو وفق مجرى عادته تعالى إنما هو بالنطق والكلام
غالبا ونطقه تعالى مع عباده ليس إلا بلسان رسوله اما بتلاوة كتابه عليهم أو بحكمه بنفسه وبيانه إياها
بلسانه الشريف فما حصل العلم بمراد الله تعالى للمخاطبين المشافهين من الكتاب أو سنته صلى الله عليه وآله فلا كلام
فيه وفي أنه حجة على العباد ويجب متابعتهم وحصول العلم من الخطاب ولو بضميمة المقام مما لا يداني
إمكانه ريب ولا شك وكذلك ما حصل الظن به لهم من العمل على مقتضى الحقايق والمجازات بحمل الألفاظ
على حقايقها عند عدم القرينة على خلافها والبناء على القرائن في الحمل على المعاني المجازية لان ذلك كان
طريقة العرف والعادة من لدن خلقة آدم عليه السلام إلى يومنا هذا وإنهم كانوا يبنون المحاورات على (ما لا)؟
يعلم ذلك بملاحظة أحوال العرف والعادة علما وجدانيا فالشارع اكتفى في المحاورات مع أصحابه بما
حصل لهم الظن به في التكاليف أيضا والسر في ذلك مع أن المحقق عند أصحابنا هو التخطئة وإن حكم
الله الواقعي واحد في نفس الامر أن عمدة العماد في التدين والايمان بالله هو أصل التوحيد وخلع
449

الأنداد والأضداد والتسليم والانقياد وتوطين النفس على تحمل المشاق الواردة من قبله تعالى فالاحكام
الفرعية وإن كانت من الأمور الحقيقية المتأصلة الناشئة من المصالح النفس الامرية لكن العمدة في
تأسيسها هو الابتلاء والامتحان وتقوية الايمان بسبب الامتثال بها والتقرب بها من جهة أنه إطاعة
فإذا فهم المكلف من خطاب الشارع فهما علميا بنفس الحكم وامتثل به فهو جامع للسعادتين أعني الفوز
بالمصلحة الخاصة الكامنة فيه والفوز بالمصلحة العامة التي هي نفس الانقياد والإطاعة وإذا فهم فهما
ظنيا على مقتضى محاورة لسان القوم الذي انزل الله الكتاب وبعث الرسول صلى الله عليه وآله عليه
فهو وإن فقد المصلحة الخاصة لكنه أدرك المصلحة العامة بل عوض المصلحة الخاصة أيضا لئلا يخلو
عمله عن الاجر وفاقا للعدل لحصول الانقياد بدونه أيضا وبعد ملاحظة هذا السر يندفع ما يتوهم
انه كيف يجمع هذا مع القول بكون الاحكام ثابتة في نفس الامر في كل شئ على نهج مستقر ثابت وإن
التصويب باطل والحاصل أن المقصود بالذات من الخطاب وإن كان حصول نفس الحكم النفس الأمري
لكن يظهر من جعل الشارع مناط تفهيمه النطق بالألفاظ التي جرى عادة الله بأنها لا تفيد اليقين في
الأغلب أنه راض بهذا الظن ويكتفي به عما اراده في نفس الامر لأنه غير فاقد للمصلحة أيضا كما عرفت فهذا
الظن مما علم حجيته وهذا هو الذي اتفق العلماء على حجيته من دون خلاف بينهم قائلين ان الظن في
موضوعات الاحكام من مباحث الألفاظ وغيرها حجة إجماعا ثم إن هذا الكلام إذا نقل إلى غير المشافهين
المشاركين لهم في التكليف بمقتضاه فإن كان نقله بمعناه بمعنى أن مراده الواقعي صار يقينا لهم و
علموا أنه أراد ذلك لا غير فلا كلام فيه أيضا وإن كان نقله بلفظه بمعنى أنه حصل لهم العلم بأن هذا
هو لفظ الشارع فالاشكال حينئذ في أن الظن الحاصل لهم من هذا اللفظ القطعي الصدور حجة عليهم
أم لا نقول حينئذ ان هذا اللفظ على قسمين قسم يحتمل أن يكون مما يقصد به بقائه في الدهر والاستفادة
منه كتأليفات المصنفين وقسم لا يقصد به ذلك بل إنما قصد به تفهيم المخاطبين وإن كان غيرهم
أيضا مشاركون لهم في أصل الحكم فأما الكتاب كالعزيز فهو وإن كان يمكن أن يكون من القسم الأول
وذلك لأنا وإن لم نقل بعموم خطاب المشافهة للغائبين كما حققناه في محله لكنا نقول بأن الله تعالى
يريد من جميع الأمة فهمه والتدبر فيه والعمل على مقتضاه خلافا لأخباريين كما بيناه سابقا فيكون
هذا الظن أيضا حجة بالخصوص لان طريقة العرف والعادة في تأليف الكتب وإرسال المكاتيب والرسائل
إلى البلاد البعيدة سيما مع مخالفة مخالفة الألسنة ومباينة الاصطلاحات تقتضي ذلك فإن المصنفين
وأهل المكاتيب والرسائل لا يريدون ممن يبلغ إليه كتابهم إلا العمل على مقتضاه بقدر فهمهم ووسعهم
450

فالذي يجب على الله تعالى أن يكتفي عنا بما نفهمه من كتابه إما يقينا أو ظنا ولكن لم يثبت ذلك ثبوتا
علميا لاحتمال أن يكون الكتاب العزيز من باب القسم الثاني سيما الخطابات الشفاهية منه وسيما
ما اشتمل على الاحكام الفرعية ولا ينافي ذلك تعلق الغرض ببقائه أبد الدهر أيضا لحصول الاعجاز و
سائر الفوائد مع ذلك أيضا فإن قلت إن أخبار الثقلين وغيرها مما دل على العرض على كتاب الله
تعالى تفيد ان الكتاب من القسم الأول قلنا أولا ننقل الكلام إلى تلك الأخبار ونقول ان الاستدلال
بها فيما نحن فيه موقوف على أن يكون تلك الأخبار من قبيل القسم الأول لا من باب مجرد الخطاب
الشفاهي مع الأصحاب وثانيا أنه لا قطع لنا بكونها ظني الدلالة بالنسبة إلى المشافهين في هذا المعنى
كما ذكرنا القدح من الأخباريين في دلالتها وإن كان خلاف الظاهر فإن غايتها الظن بكون جواز
العمل بما يظن من جهة الكتاب جائزا لهم ولا قاطع لحجية هذا الظن ويمكن أن يكون المراد تمسكوا بها
إذا فسرها الأئمة عليهم السلام كما ذكروه الأخباريون وإن كان خلاف الظاهر وإن سلمنا أن تعاضد
تلك الأخبار بعضها ببعض مع قرائن خارجية يفيد القطع بجواز العمل فذلك أيضا لا يفيد إلا جواز العمل في
الجملة وأما لو حصل ظن أقوى من ظاهر الكتاب من جهة خبر الواحد وغيره من الأدلة التي لم يثبت
حجيتها بالخصوص فلا قطع لوجوب العمل على ظاهر الكتاب حينئذ وأما السنة المعلومة الصدور عنه صلى الله عليه وآله
فيحتمل ضعيفا أن تكون مثل المصنفات والمكاتيب ولكن الأظهر أن يكون المراد منها تفهيم المخاطبين
وبلوغ نفس الحكم إلى من سواهم بواسطة تبليغهم ومع ذلك فلا يعلم من حاله رضاه صلى الله عليه وآله بما يفهمه
الغير المشافهين حتى يكون ظنا معلوم الحجية فهذا هو القدر الذي يمكن أن يقال أنه الظن المعلوم
الحجية وأما أصل البراءة فهو ليس من الظنون التي علم حجيتها بل هو من الأدلة الظنية كما أشرنا و
سنشير إليه في محله وأما خبر الواحد فقد عرفت أنه لا دليل على وجوب العمل به إذ أقوى أدلته الاجماع
وهو على فرض تسليمه لا يثبت إلا حجيته في الجملة وفي زمان خاص وفي نوع خاص إذ حجيته في الاعصار
المتأخرة عن زمن الصحابة غير معلومة وكذلك القدر المسلم منه خبر العادل والمسلم منه العادل
المعلوم العدالة والمسلم منه ما لم يعارضه مثله أو لم يعارضه أضعف منه إذا كان معمولا به وهو
مهجور أو لم يسنحه السوانح من المعارضات والاشكالات في علاج التعارض وغيره مما ليس هنا
محل البسط وقد أشرنا إلى بعضها في مباحث التخصيص وغيرها وأكثر هذه السوانح يعود إلى كيفية
الاستنباط من الكتاب والسنة المتواترة أيضا باعتبار حصول العلم بالتخصيص والتقييد بالنظر إلى
العمومات في الجملة واحتمال (ورودها فيما لم نطلع عليه فيجب البحث والفحص إلى أن يحصل
الظن بعدمه كما مر في محله لما بينا انها من باب الخطابات الشفاهية المقصودة عنها تفهيم المخاطبين
واحتمال) أن يكون معهم من القرائن ما يفيد أن المراد خلاف ظاهرها كما علم في كثير
451

من المواضع بالاجماع وغيره واحتمال أن يكون من هذا الباب أيضا يكفي وثبوت اشتراكنا معهم في
أصل التكليف بالاجماع لا يوجب اشتراكنا معهم في كيفية الفهم من هذه الأدلة وتوجه الخطاب إلينا
ولا إجماع على مساواتنا في العمل بالظن بالحاصل منها لنا فالحاصل أن العمل على مقتضى الظن المعلوم الحجية
مجرد كلام لا يحصل منه الفقه فبعد حصول العلم ببقاء التكليف بالتفصيلات المجملة كيف يكمن تحصيل
العلم بها بمجرد حصول العلم بجواز العمل بخبر الواحد الذي علم كون راويه عادلا على النهج المتفق عليه
مع كونه غير معارض بشئ آخر خاليا عن السوانح التي لا مناص عنها إلا بالعمل بالظن مع أنه إن لم نقل
بامتناع وجوده في أخبارنا فهو في غاية الندرة ولا إجماع ولا دليل قطعي آخر يدل على حجية الظنون
الحاصلة من جهة المعالجات كما لا يخفى سيما مع ملاحظة الاختلاف في الاخبار التي وردت في علاج
التعارض بينها وكذلك الكلام في الكتاب والسنة المتواترة باللفظ مع غاية ندرة علمية مدلولهما وكذلك
أصل البراءة إن سلمنا كونه ظنا معلوم الحجية إذ العلم بحجيتها مع وجود خبر صحيح يفيد ظنا أقوى منه أو
ظن أخر ممنوع ودعوى الاجماع على حجيتها حتى فيما نحن فيه غير مسموعة ونقل الاجماع لا يفيد لنا إلا الظن
لو ثبت فيصير حال الظنون المعلومة الحجية عندنا مثل حال نفس الاحكام المعلومة إجمالا بالضرورة
من الدين فكما أن العلم الاجمالي بنفس الاحكام لا يفيد في التفصيلات فكذلك العلم بجواز العمل بالظن
الاجمالي في استفادتها لا يفيد فيها إذ العلم بجواز العمل بظاهر الكتاب والسنة المتواترة في الجملة أو
مع خبر الواحد في الجملة أيضا مع عدم العلم بحجية ما يستفاد منها مفصلا بضميمة ما لا مناص لنا عنه في
علاج الاختلالات الحاصلة من المعارضات اليقينية والمحتملة كيف يجدينا فيما نريده من العمل
بأحكام الله تعالى مع الاجتناب عن العمل بظن لا نعلم حجيته بالخصوص وليس ذلك غالبا إلا مثل من يتكلف
في جعل إحدى مقدمتي قياسه قطعية مع كون الأخرى ظنية فهل ينفعه ذلك في صيرورة النتيجة قطعية
أو من يحصل العلم في بعض أجزاء صلاته مثلا مع كون سائر الأجزاء ظنية فهل ينفعه ذلك في صيرورة
صلاته يقينية مع ملاحظة عدم كون الجزء مطلوبا بذاته وغير مفيد منفردا في نفسه ولو فرض ثبوت
حكم مستقل من جهة الظنون المعلومة الحجية مستقلا من دون حاجة إلى غيرها فهو في غاية
الندرة ونتكلم فيما لا يمكن ذلك فيه مع ثبوت التكليف فيه يقينا فثبت من جميع ذلك أنه لا مناص
من العمل بالظن إلا ما أخرجه الدليل كالقياس والاستحسان ونحوهما فمن جميع ما ذكرنا ثبت حجية
خبر الواحد وهذا هو الدليل المعتمد في إثبات حجيتها ثم قد ظهر ذلك مما حققنا المقام أنه لا فرق بين
مسائل أصول الفقه وفروعه في جواز البناء على الظن وأنه لا دليل على اشتراط القطع في الأصول نعم
452

لا بد في إثبات حجية ظن المجتهد من دليل قطعي وسنشير في موضعه أنه من الأصول الكلامية لا الأصول
الفقهية وإذا صار ظنه حجة فلا فرق بين الأصول والفروع وسيجئ زيادة توضيح لهذا في مبحث الاجتهاد
والتقليد فلنرجع إلى ذكر أدلة النافين لحجية خبر الواحد وهو أيضا من وجهين أحدهما هو
الدليل على حرمة العمل بالظن إلا ما أثبته الدليل حذوا لما ذكرناه في خامس الأدلة وثانيهما في نفي حجية خبر
الواحد بالخصوص أما الأول فهو الآيات والأخبار الدالة على حرمة العمل بالظن مثل قوله تعالى ولا تقف
ما ليس لك به علم وقوله تعالى إن يتبعون إلا الظن إن الظن لا يغني من الحق شيئا وغير لك فإن
النهي والذم على اتباع الظن دليل على الحرمة وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن بالفرض والجواب اما عن
آية النهي فإنها مختصة بالنبي صلى الله عليه وآله ولا دليل على مشاركة غيره له في جميع الخطابات
سلمنا لكن الخطاب شفاهي فلعله كان قرينة تدل على خلاف المقصود من اختصاصها بأصول الدين
أو بما ينسب إلى المسلمين كما يظهر من قوله تعالى يا أيها الذين الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض
الظن إثم ومن إرادة المعنى الراجح من العلم مجازا مع أن اشتراك غير المشافه للمشافه إنما هو بالاجماع
والضرورة وهما منتفيان في موضع النزاع وهو صورة انسداد باب العلم وأيضا التمسك بهذه الآية
يفيد حرمة العمل بالظن فالتمسك بالظن الحاصل بها هو ما نفاه نفس الآية وكل ما يستلزم وجوده عدمه
فهو محال ودعوى قطعية حجية الظن الحاصل من الكتاب وقد عرفت الكلام فيه وأنه ليس بثابت في
الأصل وعلى فرض الثبوت فلم يثبت فيما كان هناك خبر واحد يدل على حكم بالخصوص مع أن الآية
إنما تفيد العموم لو كانت (كلية)؟ ما نكرة ولو كانت موصولة فلا تنافي جواز اتباع بعض الظنون وأما مثل
قوله تعالى إن الله لا يجب كل مختال فخور فعلى خلاف الأصل فإن الظاهر من ليس كل أنه سور للسلب
الجزئي وأما عن آية الذم فمع أنه يرد عليه بعض ما ذكر فيه أنها ظاهرة في أصول الدين بالنظر إلى سياقها
وإن قلنا بأن السبب والمحل لا يخصص اللفظ سلمنا العموم في جميع الآيات لكن ما ذكرنا من الأدلة
يخصصها لان الخاص مقدم على العام وأما الثاني فهو ما ذكره السيد المرتضى رحمه الله في جواب المسائل
البتانيات من أصحابنا لا يعملون بخبر الواحد وإن ادعاء خلاف ذلك عليهم رفع للضرورة قال لأنا
نعلم علما ضروريا لا يدخل في مثله ريب ولا شك ان علماء الشيعة الإمامية يذهبون إلى أن أخبار
الآحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة ولا التعويل عليها وأنها ليست بحجة ولا دلالة وقد ملؤا الطوامير و
سطروا الأساطير في الاحتجاج على ذلك والنقض على مخالفيهم فيه ومنهم من يزيد على هذه الجملة ويذهب
إلى أنه مستحيل من طريق العقول أن يتعبد الله بالعمل بأخبار الآحاد ويجري ظهور مذهبهم في أخبار
453

الآحاد ويجري ظهور مذهبهم في أخبار الآحاد مجرى ظهوره في إبطال القياس في الشريعة وخطره وقال في
المسألة التي أفردها في البحث عن العمل بخبر الواحد أنه بين في جواب مسائل البتانيات ان العلم الضروري حاصل
لكل مخالف للامامية أو موافق بأنهم لا يعملون في الشريعة بخبر لا يوجب العلم وإن ذلك قد صار
شعارا لهم يعرفون به كما أن نفي القياس في الشريعة من شعارهم الذي يعلمه منهم كل مخالط لهم وتكلم في
الذريعة على التعلق بعمل الصحابة والتابعين بأن الامامية تدفع ذلك وتقول إنما عمل بأخبار الآحاد
من الصحابة المتأمرون الذين يحتشم التصريح بخلافهم والخروج من جملتهم فإمساك النكير عليهم
لا يدل على الرضا بما فعلوه لان الشرط في دلالة الامساك على الرضا أن لا يكون له وجه سوى الرضا من
تقية وخوف وما أشبه ذلك هكذا نقله عنه في المعالم والجواب عنه منع ما ادعاه ولا يحصل لنا
العلم بالاجماع الحقيقي على ذلك لو لم يحصل على عدمه والاتكال على نقله الاجماع رجوع إلى العمل بخبر الواحد
مع أنه لو سلم الاجماع فإنما يسلم فيها لو لم ينقطع باب العلم والمفروض في زماننا انقطاعه كما مر فالقدر
المسلم منه في زمان أصحاب الأئمة عليهم السلام لكونهم قادرين على تحصيل العلم بل ولبعضهم لعدم تمكن
كثير منهم من العلم أيضا ووجه امتناع أصحاب الأئمة عليهم السلام عن العمل بأخبار الآحاد لعله كان لأجل
تمكنهم بل الظاهر أن السيد رحمه الله أيضا كان متمكنا لقرب عهده بصاحب الشرع ووجود القرائن والامارات
ولذلك قال إن معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذاهب أئمتنا عليهم السلام وبالاخبار المتواترة وما لم
يتحقق فيه ذلك فيعول فيه على إجماع الإمامية وفي سائر المتخالفات يرجع إلى التخيير بين الأقوال وأنت
خبير بأنه لا يحصل لنا سبيل إلى العلم بتفاصيل الفقه بشئ مما ذكر فكيف يكون حالنا متحدة مع حال
السيد رحمه الله وأصحاب الأئمة عليهم السلام مع أن السيد رحمه الله أيضا يكتفي بالظن فيما لا سبيل فيه إلى العلم هذا
إذا أردنا إثبات حجية الخبر في أمثال زماننا وكان غرضنا إبطال القول بحرمة العمل به في أمثال هذا الزمان
وأما لو أردنا إثبات جواز العمل به مطلقا ومع تمكن العلم فيحتاج إلى تتميم الأدلة المخصوصة بإثبات حجية
خبر الواحد مطلقا والظاهر من الاجماع الذي ادعاه الشيخ والعلامة هو ذلك بقي الكلام في تحقيق الحق
في هذا الاجماع المدعى على طرفي النقيض من السيد والشيخ ووجه ذلك المخالفة فاعلم أن إنكار العمل
بخبر الواحد في الجملة مما لا ريب فيه أنه كان مذهبا للامامية وعلى ذلك تنزل دعوى السيد وإن غفل
في تعميم الدعوى وذكر في المعالم في وجه المخالفة في الدعويين أن السيد كان اعتماده في هذه الدعوى
على ما عهده من كلام أوائل المتكلمين منهم والعمل بخبر الواحد بعيد عن طريقتهم حتى قال بعضهم
باستحالته عقلا وتعويل الشيخ والعلامة كان على ما ظهر لهما من حال علمائنا المعتنين بالفقه والحديث
454

حيث أوردوا الاخبار في كتبهم واستراحوا إليها في المسائل الفقهية وأقول الذي هو صريح كلام الشيخ
في العدة موافقته للسيد في إنكار الامامية للعمل بخبر الواحد لكنه ذكر أنه هو ما رواه المخالفون
في كتبهم وأما الذي رواه أصحابنا الامامية في كتبهم وتداولوه بينهم فاتفقوا على العمل بها وصاحب
المعالم رحمه الله بعد ما ذكر في وجه الدعويين ما ذكرنا أولا كتب في الحاشية إن ذلك كان قبل وقوفه
على كتاب العدة ثم نقل رحمه الله في الحاشية في وجهها ما نقلناه عن الشيخ واستبعده عن الصواب
لان الاعتراف بإنكار عمل الامامية بأخبار الآحاد لا يعقل صرفه إلى روايات مخالفيهم لاشتراط العدالة
عندهم وانتفائها في خبرهم كاف في الاضراب عنها فلا وجه للمبالغة في نفي العمل بخبر يروونه أقول و
يمكن دفع الاستبعاد بأن الامامية لما كانوا مخالطين مع المخالفين وكان المخالفون من مذهبهم
جواز وضع الأحاديث كما لا يخفى على من اطلع على طريقتهم ومنها ما اشتهر أن سمرة بن جندب اختلق
رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر معاوية في إزاء أربعمأة ألف درهم بأن آية اشتملت على
مذمة عظيمة نزلت في شأن علي عليه الصلاة والسلام وآية أخرى مشتملة على مدح عظيم نزلت في شأن
قالته كذا غيره من المعروفين بالكذب وما كانوا متمكنين عن التصريح بتكذيبهم ومنع قبول
أخبارهم من حيث أنها أخبارهم فاحتالوا فيه مناصا واعتمدوا في احتجاجاتهم على أن خبر الواحد لا
يفيد العلم فلا يثبت به شئ وتخلصوا بذلك عن تهمتهم فاشتهر بينهم هذا المطلب بهذا الاشتهار حتى
ظن السيد ونظرائه أن ذلك كان مذهبا لهم في خبر الواحد وإن كان من طرق الأصحاب في فروع
المسائل الحق أن الغفلة إنما وقع من السيد في التعميم وإن العمل بخبر الواحد من طرق الأصحاب كان
جايزا عند الإمامية وعليها شواهد كثيرة لا تخفى على المتتبع المتأمل ثم إن صاحب المعالم رحمه الله تصدى
لرفع التنافي بين الدعويين وبيان الموافقة بين المدعيين وقال الانصاف أنه لم يتضح من حال الشيخ
وموافقيه مخالفة السيد رحمه الله إذ كانت أخبار الأصحاب يومئذ قرينة العهد بزمان لقاء المعصومين
عليهم السلام واستفادة الاحكام منهم وكانت القرائن المعاضدة لها متيسرة كما أشار إليه السيد رحمه الله
ولم يعلم أنهم اعتمدوا على الخبر المجرد ليظهر مخالفتهم لرأيه فيه ثم استشهد على ذلك بكلام المحقق رحمه الله
وأنت إذا تأملت كتاب العدة تعرف أن هذا الكلام بعيد بمراحل عن الصواب وكذلك لا شهادة في
كلام المحقق له ووجه غفلته رحمه الله أنه لم يكن عنده كتاب العدة حين تأليف المعالم والحاصل أن في
العدة مواضع متعددة من كلامه رحمه الله ينادي بأعلى صوتها أن كلامه في الاخبار المجردة عن القرائن
الدالة على صحة الخبر وصحة المضمون لا حاجة لنا إلى نقلها نعم خص الشيخ القول بجواز العمل بأخبار
455

الامامية التي دونتها في الكتب المتداولة الدائرة بين الأصحاب سواء رواها الامامية أو غيرهم أيضا
إذا كان سليما عن المعارض وهذا هو الذي نقله المحقق عنه أيضا وأنت خبير بأن مجرد ذلك لا يوجب
كون تلك الأخبار مقرونة بالقرائن المفيدة للقطع بالصدور سيما مع تصريحه في مواضع كثيرة مما
يدل على أنها غير موجبة للعلم فلاحظ مع أن كون تلك الأخبار مقترنة بالقرائن المفيدة للقطع
لأصحاب الأئمة عليهم السلام لا يفيد كونه كذلك عند الشيخ أيضا ولا دلالة في كلام الشيخ على أنها كانت
كذلك عند هذا ولكن الحق والتحقيق أن الاعتماد في الاستدلال بخبر الواحد في أمثال زماننا على
الاجماع أيضا مشكل لان ما نقله الشيخ وإن كان يفيد عموم حجية الكتب المتداولة لكنه لفظ عام والاعتماد
على عموم لفظ الاجماع المنقول في إثبات خبر الواحد دوري والعلم بجواز العمل بجميعها لأنفسنا غير
معلوم فلا يمكننا اليوم دعوى الاجماع على حجية جميع ما في الكتب المتداولة مع أن الاجماع لا يثبت إلا جواز
العمل في الجملة وقطعية حجية بعضها في الجملة مع الاجمال والاشتباه لا يحصل منه شئ ودعوى الاجماع على العمل
بالنحو الذي رخصوه في الجمع والترجيح وتقديم بعضها على بعض مع عدم حصول العلم بنفس الكيفية وخصوصيتها
لاختلاف وجوه الجمع والترجيح بالنسبة إلى الاخبار وغيرها مما لا يسمن ولا يغني فظهر من جميع ذلك
أن ذلك أيضا بعد التسليم حجة إجمالية لا يحصل العلم بتفاصيلها فالمرجع في حجية خبر الواحد حقيقة
انما هو الدليل الخامس كما أشرنا سابقا ثم إن بعض المتأخرين تمسك بالأخبار الواردة في أمرهم
عليهم السلام بحفظ الكتب والعمل بها ولو سلم التواتر فيها فإنها لا تفيد أيضا إلا الاجمال كما بينا والله
العالم قانون ذكر العلماء للعمل بخبر الواحد شرائط ترجع إلى الراوي وهي البلوغ والعقل و
الاسلام والايمان والعدالة والضبط والتحقيق أن هذه الشرائط إنما تتم إذا ثبت جواز العمل بخبر الواحد
من الأدلة الخاصة به وعلى القول بجواز العمل به من حيث هو وأما إذا كان بناء العمل عليه من جهة أنه
مفيد للظن كما هو مقتضى الدليل الخامس فلا معنى لهذه الشرائط بل الامر دائر مدار حصول الظن فحينئذ
اشتراط هذه الشرائط لا بد أن يكون للتنبيه على أن الخالي عن المذكورات لا يفيد الظن أو لبيان
مراتب الظن أو لاثبات تحريم العمل بالخالي عن الشرائط كالقياس وقد عرفت أنه ليس كذلك إذ قد يحصل الظن
بخبر الفاسق والمخالف ما لا يحصل من غيره مع قطع النظر عن القرائن الخارجية أيضا وستعرف الكلام
في دعوى حرمة العمل في الخالي عنها في الأكثر مع ما عرفت من الاشكال في صحة الاستثناء فيما ذكرناه في
استثناء القياس وأما تفصيل القول في الشرائط فأما البلوغ والعقل فنقلوا الاجماع على عدم قبول
خبر المجنون المطبق والصبي الغير المميز وأما المجنون الأدواري فلا مانع من قبول روايته حال إفاقته
456

إذا انتفى اثر الجنون عنه وأما الصبي المميز فالمعروف من مذهب الأصحاب وجمهور العامة المنع ودليله الأصل
وعدم شمول أدلة حجية خبر الواحد له وربما يستدل بالأولوية بالنسبة إلى الفاسق فإن للفاسق خشية من
الله ربما منعه عن الكذب بخلاف الصبي وفيه تأمل وذهب آخرون إلى القبول قياسا على جواز الاقتداء
به ورد ببطلان القياس أولا وبمنع الأصل ثانيا وبوجود الفارق ثالثا فإنهم يجيزون الاقتداء بالفاسق
ولا يقبلون خبره هذا إذا رواه قبل البلوغ وأما إذا رواه بعده وسمعه قبله فلا إشكال في القبول إذا
جمع سائر الشرائط ولذلك قبل الصحابة رواية ابن عباس وغيره ممن تحمل الرواية قبل البلوغ وما ذكره
بعض الأصحاب من أن وجه رد الصدوق رحمه الله ما يرويه محمد بن عيسى عن يونس هو هذا لا وجه له وأما
الاسلام فظاهر بعضهم دعوى الاجماع على ذلك مستندا إلى قوله تعالى إن جائكم فاسق اما الاجماع فيشكل
دعواه مطلقا حتى في صورة انسداد باب العلم نعم يفيد دعواه في تضعيف الظن الحاصل بخبره والحاصل أنه
يمكن الاعتماد على الاجماع وإن كان منقولا لو ثبت حجية خبر الواحد بالخصوص ولو في صورة إمكان
تحصيل العلم وأما في غيره فلا إلا إذا أوجب نفي الظن وأما الاستناد إلى الآية فإن كان مستند الاجماع هو
أيضا هذه الآية فلا يبقى اعتماد على الاجماع أصلا وإن كان المستند نفس الآية ففيه منع الدلالة لمنع إطلاق
الفاسق على الكافر المؤتمن الغير العاصي بجوارحه حقيقة والاستدلال بطريق الأولوية حينئذ ممنوع فإنه قد يكون
الاعتماد على الكافر الثقة أكثر من الفاسق الغير المتحرز عن الكذب نعم يمكن أن يقال لو سلم عدم
تبادر الكافر من الفاسق فلا نسلم تبادر عدمه فغاية الامر الشك فيحتمل أن يكون الكافر فاسقا ولما كان
الحكم معلقا على الفاسق وهو اسم لما هو في نفس الامر كذلك كما سنبينه فيشترط قبول الخبر بعدمه ولا
نعلم إلا بالعلم بعدم كونه فاسقا والجهالة كما قد تكون في كون الشئ من الافراد المعلومة الفردية لمفهوم
فقد تكون في كون الشئ من أفراد تلك المفهوم مطلقا وهما سيان فيما نحن بصدده ويمكن أن يقال
مع تسليم صدق الفاسق على الكافر أيضا لا يدل الآية على عدم قبول روايته إذا كان ثقة لان معرفة
كونه ثقة نوع تثبت في خبره ولو كان إجمالا كما سنبينه في خبر المخالفين وكيف كان فلا ثمرة يعتد
بها في خصوص العمل برواياتنا وإن كان يثمر في غير الرواية المصطلحة مما يحتاج إليه في الموضوعات وأما
الايمان والمراد كونه إماميا اثني عشريا فالمشهور بين الأصحاب اشتراطه لقوله تعالى إن جائكم فاسق
والكلام فيه مثل ما تقدم بل أظهر ومقتضى هذا الشرط عدم جواز العمل بخبر المخالفين ولا سائر فرق
الشيعة وقال الشيخ رحمه الله في العدة بجواز العمل بخبر المخالفين إذا رووا عن أئمتنا عليهم السلام إذا لم يكن في
روايات الأصحاب ما يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه لما روي عن الصادق عليه الصلاة والسلام (أنه قال) إذا
457

نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي عليه الصلاة والسلام فاعملوا به
ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج و
السكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهم السلام فيما لن ينكروه ولم يكن عندهم خلافه ورد بمنع صحة
الرواية التي استدل بها الشيخ وبمنع إجماع الطائفة على العمل بخبر هؤلاء لو أريد من عمل الطائفة إجماعهم
سيما إذا إنفرد بعض العامة بروايته لاحتمال أن يراد من قوله عليه السلام اجتماعهم على روايته وما ذكرنا سابقا
من حصول التثبت الاجمالي يجري هنا أيضا فيمن وثقه الأصحاب منهم كالسكوني فإن المحقق رحمه الله في
المعتبر وثقه في مسائل النفاس وكذلك غيره وأما على البناء على الدليل الخامس فالامر واضح مما بينا و
أما سائر فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفية والناووسية وغيرهم فقال الشيخ أيضا في عدة إن كان ما
رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أن يعمل به إذا كان متحرزا في
روايته موثوقا به في أمانته وإن كان مخطئا في أصل الاعتقاد ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية
مثل عبد الله بن بكير وغيره وأخبار الواقفية مثل سماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى
ومن بعد هؤلاء مما رواه بنو فضال وبنو سماعة والطاطريون وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلاف و
رده المحقق رحمه الله بأنا لا نعلم إلى الآن أن الطائفة عملت بأخبار هؤلاء ولعله أراد منع إجماعهم على العمل
وأنه لا حجية في عمل البعض وإلا فلا مجال لانكار العمل مطلقا واختلف كلام العلامة رحمه الله ففي الخلاصة أكثر
من قبول روايات فاسدي المذهب مع اشتراطه الايمان في يب ونقل صاحب المعالم رحمه الله عن والده
في فوائد الخلاصة أنه حكى عن فخر المحققين أنه سئل والده عن أبان بن عثمان فقال الأقرب عندي عدم
قبول روايته لقوله تعالى إن جائكم فاسق ولا فسق أعظم من عدم الايمان وأشار بذلك إلى ما رواه الكشي
أن أبانا كان من الناووسية أقول والأظهر قبول أخبار الموثقين منهم إذ لو قلنا بصدق العدالة مع
فساد العقيدة وعدم إطلاق الفاسق عليهم فيدل على حجية مفهوم الآية كما سيجئ وإن لم نقل بذلك
وقلنا بكونهم فساقا لأجل عقائدهم فيدل على الحجية منطوق الآية لان التوثيق نوع من التثبت
سيما مع ملاحظة العلة المنصوصة فإن التثبت إنما يحصل بتفحص حال كل واحد واحد من الاخبار أو
بتفحص حال الرجل في خبره فإذا حصل التثبت في حال الرجل وظهر أنه لا يكذب في خبره فهذا تثبت في
خبره لاتحاد الفايدة وإن أبيت عن ذلك مع ظهوره فالعلة المنصوصة تكفي عن ذلك وأما على البناء
على الدليل الخامس فالامر واضح وأما العدالة فهي في الأصل الاستقامة والاستواء فالكيفية الحاصلة
من تعديل القوي النفسانية وكسر سورة كل منها بعد فعلها وانفعالها من الطرفين بحيث يحصل شبه
458

مزاج منها عدالة وأما القوة العاقلة إذا اعتدلت بين طرفي أاراطها وهو الجربزة وتفريطها وهو
البلادة تسمى حكمة والقوة الشهوية إذا اعتدلت بين الشرة والخمود تسمى عفة والقوة الغضبية
إذا اعتدلت بين التهور والجبن تسمى شجاعة وحلما وأما في عرف الفقهاء والأصوليين فالمشهور بين
المتأخرين أنها ملكة في النفس تمنعها من فعل الكبائر والاصرار على الصغائر ومنافيات المروة يعني ما
يدل على خسة النفس ودنائة الهمة بحسب حاله سواء كانت صغيرة كالتطفيف (بحبة)؟ أو سرقتها أو
مباحا كلبس الفقيه لباس الجندي والاكل في الأسواق في بعض الأوقات والأزمان والكاشف عن تلك
الكيفية هو المعاشرة المطلعة على تلك الملكة يقينا أو ظنا أو شهادة عدلين والمختار الاكتفاء بحسن
الظاهر وظهور الصلاح وكون الشخص ساتر العيوب ومجتنبا عن الكبائر مواظبا للطاعات على ما
اشتمل عليه صحيحة عبد الله بن أبي يعفور المروية في كتاب من لا يحضره الفقيه وغيره وأما الاكتفاء
بظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق كما هو مذهب جماعة من القدماء فهو ضعيف وتفصيل الكلام
والخلافات في معنى العدالة والكاشف عنها وأدلتها ونقضها وإبرامها قد أوردناه في كتبنا
الفقهية فالمشهور اشتراط العدالة في قبول الرواية واكتفى الشيخ رحمه الله بكون الراوي ثقة متحرزا عن
الكذب في الرواية وإن كان فاسقا بجوارحه وهذه عبارته في عدة فأما من كان مخطئا في بعض الأفعال
أو فاسقا بأفعال الجوارح وكان ثقة في روايته متحرزا فيها فإن ذلك لا يوجب رد خبره
ويجوز العمل به لان العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه وإنما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول
شهادته وليس بمانع من قبول خبره ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم وعن ظاهر
جماعة من متأخري الأصحاب الميل إلى العمل بخبر مجهول الحال كما هو مذهب بعض العامة والظاهر أن
هذا القول ليس من جهة اختيار هذه الجماعة الاكتفاء في الكاشف عن العدالة بظهور الاسلام و
عدم ظهور الفسق كما هو مذهب بعض العامة بل لان آية التثبت وغيرها تدل على جواز العمل بخبر
المجهول وإن لم نقل بكونه عادلا بسبب عدم ظهور الفسق حجة المشهور قوله تعالى إن جائكم فاسق
الآية وجه الدلالة ان الفاسق هو من ثبت له الفسق لا من علم أنه فاسق فإذا وجب التثبت عند خبر
من له هذه الصفة في الواقع فيتوقف القبول على العلم بانتفائها وهو يقتضي اشتراط العدالة إذ لا
واسطة بين الفاسق والعادل في نفس الامر فيما يبحث عنه من رواة الاخبار لان فرض كون الراوي
في أول سن البلوغ مثلا بحيث لم يحصل له ملكة قبل البلوغ ولم يتجاوز عن أول زمان التكليف بمقدار
يحصل له الملكة ولم يصدر عنه فسق أيضا فرض نادر لا التفات إليه وأما في غير ذلك فهو إما فاسق في
459

نفس الامر أو عادل والواسطة إنما تحصل بين من علم عدالته ومن علم فسقه وهو من يشك في كونه عادلا
أو فاسقا وذلك الواسطة إنما هو في الذهن لا في نفس الامر وبالجملة تقدم العلم بالوصف لا مدخلية
له في ثبوت الوصف والواجبات المشروطة بوجود شئ إنما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على
العلم بوجودها فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط مثل أن من شك في كون ماله بقدر استطاعة الحج
لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول إني لا أعلم إني مستطيع ولا يجب علي شئ بل يجب عليه
محاسبة ماله ليعلم أنه واجد للاستطاعة أو فاقد لها نعم لو شك بعد المحاسبة في أن هذا المال هل
يكفيه في الاستطاعة أم لا فالأصل عدم الوجوب حينئذ فمقتضى تعليق الحكم على المتصف بوصف في نفس الامر
لزوم الفحص ثم العمل على مقتضاه فإذا قيل أعط كل بالغ رشيد من هذه الجماعة درهما يقتضي إرادة
السؤال عمن جمع الوصفين لا الاكتفاء بمن علم اجتماعهما فيه ويؤيده التعليل المذكور في الآية فإن الوقوع
في الندم يحصل بقبول خبر من كان فاسقا في نفس الامر وإن لم يحصل العلم به فيه وأما خبر العدل وإن ظهر
كذبه فيما بعد فلا يذم عليه ولا ذم فيه على عدم الفحص لأنه عمل على مقتضى الدليل ومقتضى طريقة العرف
والعادة بخلاف مجهول الحال ومن حكاية التعليل يظهر أن في صورة فرض ثبوت الواسطة أيضا لا
يجوز العمل لعدم الاطمينان بخبر مثله فهو قد يوجب الندم أيضا مع أن العلم بتحققها متعذر لعدم إمكان
العلم بانتفاء المعاصي الباطنية عادة وقد تصدى بعضهم لبيان أن المراد الفاسق النفس الأمري بما
لا كرامة فيه فقال إذا علق أمر بشئ فالظاهر أن المراد ما هو مدلول ذلك الشئ بحسب الواقع فإذا
قيل زيد صالح أو فاسق أو شاعر أو كاتب فالمراد اتصافه بالصفة المذكورة بحسب نفس الامر لا بحسب
معتقد المخاطب وإلا انتفى من الكلام الذي لا قرينة على إرادة إفادة معنى الخبر المتعارف إفادة
معنى الخبر وانحصر الإفادة حينئذ في إفادة لازم معنى الخبر وأيضا لو كان المراد هو مدلول الكلام بحسب
معتقد المخاطب لصح للمخاطب الجزم بكذب المتكلم بمحض عدم اعتقاده بما أخبر به وأيضا ليس إثبات
المتكلم تحقق صلاح زيد مثلا في نفس الامر إثباتا لما أخبر به وأيضا لا يصح طلب الدليل عما أخبر به
لأنه حينئذ بمنزلة أن يقول أقم الدليل على بأني معتقد بصلاح زيد وبطلان اللوازم أظهر من أن يحتاج
إلى البيان فظهر أن المتبادر من الفاسق هو الفاسق بحسب نفس الامر انتهى وفيه مالا يخفى من
الاشتباه بين النسبة الخبرية المصرحة واللازمة للنسبة التقييدية الحاصلة في كل واحد من المحكوم
عليه والمحكوم به بالنسبة إلى ذاتهما والوصف العنواني الثابت لهما فإن معنى قولنا زيد صالح ان
ما هو زيد في الواقع صالح في الواقع وكلمة في الواقع في الموضعين قيد لطرفي النسبة والمراد بالواقع هنا
460

مقابل اشتراط علم المخاطب لا مقابل الامكان والواقع في الواقع لا بحسب اعتقاد المتكلم وأما النسبة
الخبرية المستفادة من الجملة فلا يلزم أن تكون مقيدة بالواقع نعم ظاهر المتكلم دعوى مطابقته للواقع
وأنه معتقد لذلك ووضع الجملة الخبرية لإفادة هذه النسبة ولا يجري فيه توهم إرادة ثبوت النسبة
على معتقد المخاطب حتى يلزم انحصار فائدة الجملة في إفادة لازم معنى الخبر وغيره من اللوازم المذكورة
فالملازمة المدعاة في كلامه ممنوعة وإن كان بطلان اللوازم ظاهرا وحجة القول بالعمل بخبر مجهول الحال
إن الله تعالى علق وجوب التثبت على فسق المخبر وليس المراد الفسق الواقعي وإن لم يعلم به وإلا لزم التكليف
بما لا يطابق فتعين أن يكون المراد الفسق المعلوم فانتفاء الامر بالتثبت ليس بالرد للزوم كونه أسوء حالا
من معلوم الفسق وهو باطل فهو بالقبول أولى ومما بينا يظهر لك جوابه من أن المراد بالفسق هو
الفسق النفس الأمري وبعد إمكان تحصيل العلم به أو الظن فلا يلزم تكليف بما لا يطاق وقد يتمسك
بالأصل في نفي الفسق وهو باطل لان الأظهر ان العدالة أمر وجودي فالأصل بالنسبة إليهما سواء مع
أنه معارض بغلبة الفسق في الوجود وأنه مقتضى الشهوة والغضب اللتين هما غريزتان في الانسان و
الراجح وقوع مقتضاهما ما لم يظهر عدمه والحاصل أن مجهول الحال ملحق بالفاسق في الحكم وأما قبول
قول المسلم المجهول الحال في التذكية والطهارة ورق الجارية ونحوها فهو من دليل خارجي من
القاعدة المقتضية لحمل فعل المسلم وقوله على الصحة ومطابقته للأصل في بعضها وأما إخراج الخبر و
الشهادة من البين فلأنهما مخصصان بالدليل الخاص والسر فيهما أنهما يثبت بهما الحكم على الغير غالبا
ولذلك لا يسمع قول المدعي بمجرده ولو كان عدلا وأما حجة الشيخ رحمه الله فالظاهر أنها أيضا آية التثبت لا
ما فهمه صاحب معالم رحمه الله من كلام المحقق رحمه الله أن دليل الشيخ هو مجرد عمل الطائفة ورده تبعا للمحقق أما
أولا فبمنع العلم بحصول العمل من الطائفة واما ثانيا فبأن عملهم إنما يدل على قبول تلك الأخبار المخصوصة
لا مطلقا فلعله كان لانضمام القرائن إليها لا بمجرد الخبر ولا يخفى ما ذكرناه على من لاحظ كلام الشيخ و
تأمل فيه ووجه الاستدلال بآية التثبت أن معرفة حال الراوي بأنه متحرز عن الكذب في الرواية
تثبت إجمالي محصل للظن بصدق الراوي فيجوز العمل به كما مر في أخبار الموثقين من المخالفين وسائر
فرق الشيعة والظاهر كفاية الظن فإن الظاهر من الآية أنه إذا حصل الاطمينان من جهة خبر الفاسق
بعد التثبت بمقدار يحصل من خبر العدل فهو يكفي سيما العدل الذي ثبت عدالته بالظن والأدلة
الظنية فإن المراد بالعادل النفس الأمري هو ما اقتضى الدليل إطلاق العادل عليه في نفس الامر لا ما
كان عادلا في نفس الامر والدليل قد يفيد القطع وقد يفيد الظن وأما بناء على الدليل الخامس في أمثال
461

زماننا فالامر واضح نعم قال المحقق دعوى التحرز عن الكذب مع ظهور الفسق مستبعد واستجوده في معالم
أقول وجه الاستبعاد أن الداعي على ترك المعصية قد يكون هو الخوف عن فضيحة الخلق وقد يكون
لأجل إنكار الطبيعة لخصوص المعصية وقد يكون من أجل الخوف عن الحاكم وقد يكون هو الخوف عن
الله تعالى وهذا هو الذي يعتمد عليه في عدم حصول المعصية في السر والعلن بخلاف غيره فمن كان فاسقا
بالجوارح ولا يبالي عن معصية الخالق فكيف يعتمد عليه في ترك الكذب والتحقيق أن إنكار حصول
الظن مطلقا حينئذ لا وجه له كما ترى بالعيان أن كثيرا ممن (لا يجتنب عن اكل مال الحرام انه يهتم في
الصلاة وترك الشرب والزنا وغيرها وكذلك كثيرا ممن) هو مبتلى بأنواع الفسوق أنه لا يستخف بكتاب الله
وسائر شعائره وكذلك الكذب خصوصا في الرواية بالنسبة إلى الأئمة عليهم السلام كما هو ظاهر كلام
الشيخ فمجرد ظهور سائر الفسوق عمن يعظم في نظره الكذب على الإمام عليه السلام لا يوجب عدم حصول
الظن بصدقه وكذلك إذا كان طبيعة مجبولة على الاجتناب عن الكذب نعم إن كان ترك الكذب محضا
من جهة أن الشارع منعه وأوعد عليه لا يحصل الظن به مع صدور ما هو أعظم منه مما يدل على عدم
الاعتناء بوعيده تعالى ونواهيه فالأقوى إذن ما ذهب إليه الشيخ ويرجع هذا في الحقيقة إلى التثبت الاجمالي
أو إلى مطلق العمل بالظن عند انسداد باب العلم ومن جميع ما ذكرنا يظهر لك حال الحسن من أقسام
الخبر وإن حجيته أيضا من جهة حصول التثبت الاجمالي وهو تابع لما ذكروه في مدح الرجل فيتبع ما
أفاده دون غيره وأما الضبط فلا خلاف في اشتراطه إذ لا اعتماد ولا وثوق إلا مع الضبط لأنه قد
يسهو فيزيد في الحديث أو ينقص أو يغير ويبدل بما يوجب اختلاف الحكم واختلال المقصود وقد يسهو
عن الواسطة مع وجودها وبذلك قد يحصل الاشتباه بين السند الصحيح والضعيف وغير ذلك
والمراد به من يغلب ذكره سهوه لا من لا يسهو ابدا وإلا لما صح العمل إلا عن معصوم عن السهو وهو باطل
إجماعا عن العاملين بالخبر فمفهوم الآية المتقضي لقبول خبر العدل مطلقا مخصص بالضابط لاشعار المنطوق
به من حيث التعليل ولاجماعهم ظاهرا وإما بناء على العمل بمقتضى الدليل الخامس فالامر واضح ومراد علماء
الرجال حيث يقولون في مقام التزكية فلان ثقة هو العدل الضابط إذ لا وثوق إلا مع الضبط ولذلك
اختاروا هذا اللفظ لا يقال ان العدالة كافية عن هذا الشرط لان العدل لا يروي إلا ما تحققه لأنا
نقول ان العدل لا يكذب عن عمد لا عن سهو فإنه قد يسهو عن كونه غير مضبوط عنده أو عن كونه
ساهيا والظاهر أنه يكفي في إطلاق الضبط كثرة الاهتمام في نقل الحديث بأنه بمجرد سماع الحديث يكتبه
ويحفظه ويراجعه ويزاوله بحيث يحصل له الاعتماد وإن كان كثيرا السهو إذ ربما يكون الانسان متفطنا
زكيا لا يغفل عن درك المطلب حين الاستماع ولكن يعرضه السهو بعد ساعة أو أكثر فمثل هذا إذا كتب
462

وأتقن حين السماع فقد ضبط الحديث وهو ضابط وبمثل هذا يمكن أن يجاب عما يقال أن حبيب
الخثعمي ممن وثقوه في الرجال مع أن الصدوق رحمه الله روى في الفقيه أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام فقال
إني رجل كثير السهو فما أحفظ على صلاتي الحديث ويمكن أن يقال في وجهه أن كثرة السهو في الصلاة
لا تنافي الضبط في الرواية أو أن المراد كثير الشك لكثرة استعمال الشك في السهو واعلم أن معرفة
الضبط أيضا اما تحصل بممارسة حال الراوي باختبار رواياته واعتبارها بروايات الثقات المعروفين
بالضبط والاتقان وموافقتها لها ولو من حيث المعنى فقط أو بشهادة العدول وقد ذكرنا أن قولهم
ثقة شهادة على ذلك تنبيه المعتبر في شرائط الراوي هو حال الأداء لا حال التحمل كما أشرنا إليه في
الصبي فلا إشكال في جواز الرواية عمن تاب ورجع عما كان عليه من مخالفة في دين أو فسق في حال
استقامته وكذا في عدم الجواز عمن خلط بعد الاستقامة في حال الخلط إن كان فسقا مطلقا وعلى المشهور
إن كان مخالفة في المذهب أيضا قال الشيخ في عدة فأما ما يرويه الغلاة والمتهمون والمضعفون
وغير هؤلاء فما يختص الغلاة بروايته فإن كانوا ممن عرف لهم حال استقامة وحال غلو بما رووه حال
الاستقامة وترك ما رووه في حال خطأهم فلأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب محمد بن أبي زينب
في حال استقامته وتركوا ما رواه في حال تخليطه وكذلك القول في أحمد بن هلال (العبرتاني)؟ وابن أبي
العزاقر وغير هؤلاء وأما ما يروونه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كل حال انتهى ومقتضى ما ذكرنا
ترك رواياتهم مع جعل التاريخ إلا أن يكون موثقا عند من يعمل بالموثق كما هو الأظهر وقد يتأمل في
ذلك لان خطأ أبي الخطاب لم يكن بعنوان السهو والغفلة بل دعته الأهواء الفاسدة إلى تعمد الكذب
والظاهر أنه لم يكن في المدة التي لم يظهر منه الكفر بريئا من غاية الشقاوة لكن جعل إخفاء المعصية و
إظهار الطاعة وسيلتين إلى ما أراد من الرياسة وإضلال الجماعة فكيف يمكن الاعتماد على روايته و
رواية أمثاله في وقت من الأوقات وربما يجعل هذا مؤيدا لضعف القول بكون عثمان بن عيسى و
علي بن أبي حمزة ثقتين أقول فما نراه من أخبار أمثال هؤلاء قد عمل به الأصحاب ولم يظهر لنا تاريخ
الرواية فعلينا أن نرجع إلى القرائن الخارجية إذ لعلهم عملوا بها لاعتمادهم على القرائن الخارجية لا لكون
الرواية في حال الاستقامة فعلينا أن نجتهد في القرائن أيضا ومن القرائن المفيدة للرجحان هو عمل
جمهور الأصحاب والحاصل أن المعيار في أمثال ذلك قوة الظن من القرائن الخارجية فلا بد من التأمل
والتفحص فمثل ما يرويه الأصحاب عن الحسين بن بشار وعلي بن أسباط ممن كانوا من غير الامامية
ثم تابوا ورجعوا واعتمد الأصحاب على روايتهم ومثل علي بن محمد بن رياح وعلي بن أبي حمزة وإسحق بن
463

جرير من الواقفية الذين كانوا على الحق ثم توقفوا وروى عنهم ثقات الأصحاب وصرح أجلاء المتأخرين
بقبول روايتهم مع جهل التاريخ فيمكن الوثوق على روايتهم لأجل ما ذكر لان المعهود من حال أصحاب
الأئمة عليهم السلام كما اجتنابهم عن الواقفية وأمثالهم من فرق الشيعة وكان معاندتهم معهم وتبريهم
عنهم أزيد منها عن العامة سيما الواقفية حتى أنهم كانوا يسمونهم الممطورة أي الكلاب التي أصابها المطر
يتنزهون عن صحبتهم والمكالمة معهم وكان أئمتهم عليهم الصلاة والسلام يأمرونهم باللعن عليهم التبري
عنهم فرواية ثقاتهم وأجلائهم عنهم قرينة على أن الرواية كانت حال الاستقامة أو أن الرواية عن أصلهم
المعتمد المؤلف قبل فساد العقيدة أو المأخوذ عن المشايخ المعتمدين من أصحابنا ككتب علي بن الحسن
الطاطري فإن الشيخ ذكر في الفهرست أنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم قال المحقق
البهائي رحمه الله في كتاب مشرق الشمسين والظاهر أن قبول المحقق طاب ثراه رواية علي بن حمزة مع
شدة تعصبه في مذهبه الفاسد مبني على ما هو الظاهر من كونها منقولة عن أصله وتعليله رحمه الله يشعر
بذلك فإن الرجل من أصحاب الأصول وكذلك قول العلامة رحمه الله بصحة رواية إسحاق بن جرير عن الصادق
عليه الصلاة السلام فإنه ثقة من أصحاب الأصول أيضا وتأليف أمثال هؤلاء أصولهم كان قبل الوقف
لأنه وقع في زمن الصادق عليه الصلاة والسلام فقد بلغنا عن مشايخنا قدس الله أرواحهم أنه كان
من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحد الأئمة عليهم السلام حديثا بادروا إلى إثباته في أصولهم
لئلا يعرضه لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الأيام وتوالي الشهور والأعوام قانون تعرف عدالة
الراوي بالملازمة والصحبة المتأكدة حتى يظهر سريرته علما أو ظنا وباشتهارها بين العلماء وأهل
الحديث كالصدوق فان علماء الرجال لم يذكروا له توثيقا واشتهاره بذلك كفافا من غيره وبشهادة
القرائن الكثيرة المتعاضدة مثل كونه مرجع العلماء والفقهاء وكونه ممن يكثر عنه الرواية من لا يروي
إلا عن عدل ونحو ذلك من القرائن وبالتزكية من العالم بها إما بأن يقول هو عدل أو ما يشمله أو يقبل
شهادته إن كان ممن يرى العدالة شرطا أو نحو ذلك واختلفوا في أن الواحد هل يكفي في التزكية أو
لا بد من المتعدد على قولين وبني كثير منهم ذلك على أن التزكية رواية أو شهادة فعلى الأول يكفي دون
الثاني ولا بد في ذلك من تمهيد مقدمة وهو ان الرواية والشهادة والفتوى كلها من أفراد الخبر
المقابل للانشاء والشهادة في اللغة أخبار عن اليقين وعلى ما عرفها الفقهاء أخبار جازم بحق لازم
للغير من غير الحاكم فحكم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وخلفائه عليهم السلام والحاكم ليس بشهادة
وقال الشهيد رحمه الله في القواعد الشهادة والرواية تشتركان في الجزم وتنفردان في أن المخبر عنه إذا كان
464

أمرا عاما لا يختص بمعين فهو الرواية لقوله لا شفعة فيما لا يقسم فإنه شامل لجميع الخلق إلى يوم القيامة و
إن كان لمعين فهو الشهادة كقوله عند الحاكم اشهد بكذا لفلان وقد يقع لبس بينهما في صور الأولى
رؤية الهلال فان الصوم مثلا لا يتشخص بمعين فهو رواية ومن اختصاصه بهذا العام دون ما قبله
ما بعده بل بهذا الشهر فهو كالشهادة ومن ثم اختلف في التعدد الثانية المترجم عند الحاكم من حيث
أنه يصير عاما للترجمة ومن اخباره عن كلام معين والأقوى التعدد في الموضعين الثالثة المقوم من
حيث أنه منصوب لتقويمات لا نهاية له فهو رواية ومن أنه إلزام لمعين الرابعة القاسم من حيث
نصبه لكل قسمة ومن حيث التعيين في كل قضية الخامسة المخبر عن عدد الركعات أو الأشواط من أنه
لا يخبر عن إلزام حكم لمخلوق بل للخالق سبحانه وتعالى فهو كالرواية ومن أنه إلزام لمعين لا يتعداه السادسة
المخبر بالطهارة أو النجاسة ترد فيه الشهادة ويمكن الفرق بين قوله طهرته ونجسته لاستناده إلى الأصل
هناك وخلافه في الاخبار بالنجاسة أما لو كان ملكه فلا شك في القبول السابعة المخبر عن دخول الوقت
الثامنة المخبر عن القبلة التاسعة الخارص والأقرب في هذه الخمسة الاكتفاء بالواحد إلا في الاخبار
بالنجاسة إلا أن تكون يده ثابتة عليه بإذن المالك أما المفتي فلا خلاف في أنه لا يعتبر فيه التعدد وكذا
الحاكم لأنه ناقل عن الله تعالى إلى الخلق فهو كالراوي ولأنه وارث النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام
الذي هو واحد وأما قبول الواحد في الهدية وفي الاذن في دخول دار الغير فليس من باب الشهادة لا
لأنه رواية إذ هو خاص بل هو شهادة لكن اكتفى فيها بالواحد عملا بالقرائن المفيدة للقطع ولهذا قيل
وإن كان صبيا ومنه أخبار المرأة في إهداء العروس إلى زوجها ولو قيل بأن هذه الأمور قسم ثالث خارج
عن الشهادة والرواية وإن كان مشبها للرواية كان قويا وليس اخبارا ولهذا لا يسمى الأمين المخبر
عن فعله شاهدا ولا راويا مع قبول قوله وحده كقوله هذا مذكى أو ميتة لما في يده وقول الوكيل بعت أو
أنا وكيل أو هذا ملكي انتهى ما أردنا ذكره أقول ولا يخفى على المتأمل في كلامه رحمه الله ما فيه من المسامحة في
البيان واشتباه ما هو المقصود من الرواية والشهادة ووجه التفرقة بينهما وحكمهما فإن من يقول
بأن الواحد يكفي في الرواية دون الشهادة إن أراد بالرواية الخبر المصطلح الذي هو واحد من أدلة
الفقه بناء على حجية خبر الواحد لا مطلق الخبر المقابل للانشاء فهو لا يتم لأنه لا معنى حينئذ للتفريعات التي
ذكروها من حكاية رؤية الهلال والمترجم وغيرهما مما ذكروه ولا لجعل التزكية رواية بهذا المعنى مطلقا
كما لا يخفى وإن قيل أن المراد مقابلة الشهادة بساير أفراد الخبر والغرض من الرواية هو سائر أفراد الخبر
فيشمل الخبر المصطلح وغيره أيضا ففيه أنه لا معنى حينئذ لاشتراط كون المخبر عنه في الخبر عاما وفي الشهادة خاصا
465

إذ قد يكون المخبر عنه في الخبر خاصا مع كونه غير شهادة كإخبار زيد بمجئ ولده من السفر مثلا مع أن
أكثر الروايات إخبار عن الخاص لان إخبار عن سماع خاص أو رؤية خاصة فإن قول الراوي قال النبي صلى الله عليه وآله
كذا أو الإمام عليه السلام كذا إخبار عن جزئي حقيقي وإن اعتبر نفس إلزام الحق في الشهادة فلا وجه لتخصيص الفرق
بالتخصيص والتعميم كما يظهر منه رحمه الله في أول كلامه ولا لتخصيص الحق بالمخلوق في الشهادة كما يظهر من أواسط
كلامه إذ قد يكون الشهادة في حق الله تعالى كالشهادة على شرب الخمر لاجراء الحد وجعله رحمه الله الأمور
المذكورة أخيرا قسما ثالثا أيضا ينافي إرادة المعنى الأعم أيضا والظاهر أن مرادهم من الرواية هنا مطلقا
الخبر غير الشهادة لا الخبر المصطلح فالتقرير الواضح حينئذ أن يقال أن كل خبر يسمع فيه الواحد إلا الشهادة
وهو إخبار جازم عن حق لازم للغير عن غير الحاكم ووجهه أن أقوال المسلمين وأفعالهم محمولة على الصدق
والصحة كما حقق في محله وذلك يقتضي الاكتفاء بالواحد في الجميع وذلك فيما لا يسري إلى غير الخبر
واضح وأما إذا أوجب تكليفا للغير فيعارضه أصالة البراءة عن التكليف فلا بد في إثبات التكليف
من ظن بالصدق أزيد من أصل كونه قول المسلم لرفع الظن الحاصل بأصل البراءة وهو إما بعدالة
الراوي علاوة على الاسلام أو بالتثبت المحصل للظن بالصدق فهذا خير مثبت للتكليف وإن كان
مع ذلك معارضا بفعل مسلم آخر أو قوله وكان في واقعة خاصة فقد ينبغي فيه التعدد كما في الشهادة فلا بد
حينئذ من ملاحظة أدلة حجية خبر الواحد هل تفيد حجية الخبر المصطلح أو مطلق خبر الواحد وقد عرفت أن
آية النفر ظاهرة في الفتوى غايته دخول الخبر المصطلح فيه أيضا وأما غيرهما فلا وأما آية النبأ فهو وإن
كان أعم من ذلك لكنه ينافي ما ذكروه من اشتراط عموم المخبر عنه في الخبر فإنه أعم من ذلك بل حكاية
وليد التي هو شأن نزول الآية واقعة خاصة وهي بالشهادة أشبه وكيف كان فالشهادة داخلة فيه و
لذلك استدل الفقهاء في رد شهادة الفاسق والمخالف بهذه الآية وحينئذ فلا دلالة فيها على قول
الواحد إذ مقتضاها لا بد أن يكون إن كان عادلا لا يجب التوقف من حيث تحصيل الصدق بل
يجوز العمل به حينئذ في الجملة وإن كان من جهة كونه أحد شطري (التنبيه)؟ وذلك لا يفيد إلا جواز العمل في
الجملة لا خصوص العمل إذا كان واحدا مطلقا كما هو المطلوب وإرادة المعنيين معا بالنسبة إلى الشهادة وغير
الشهادة استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي وهو باطل كما حققناه سابقا وجعل الأصل والظاهر
من الآية العمل بالواحد والقول بأن الشهادة مخرج بالدليل مع كون الآية واردة فيما هو من باب
الشهادة على ما هو شأن نزول الآية محل إشكال سيما وهو مستلزم لتخصيص المنطوق بالخبر أيضا
لان الظن الحاصل بالتثبت لا يفيد في الشهادة وأما الاجماع فهو ظاهر في الخبر المصطلح واما الدليل
466

الخامس فهو لا يفيد الاعتماد على الواحد من جهة أنه خبر الواحد بل لأنه ظن لا مناص عن الظن عند
انسداد باب العلم فالحق والتحقيق أن هذا البناء باطل إذ ليس ذلك من باب الخبر المصطلح ولا دليل على
كفاية الواحد بالخصوص في غير الشهادة من أقسام الخبر ولا دليل على كونه من باب الشهادة لعدم صدق
تعريفها عليه عند التأمل فإن المراد من التزكية ليس إثبات حق لازم للمخلوق أو للخالق وإفادته لذلك
بالآخرة بعد العمل بالرواية بسبب التعديل مشترك الورود في الخبر والشهادة مع أن العلم معتبر في
الشهادة غالبا بخلاف ما نحن فيه لاستحالة العلم بالعدالة عادة سلمنا أنه شهادة لكن لا دليل على
وجوب التعدد في مطلق الشهادة فإن بعض الأصحاب قد اعتبر الواحد في بعض المواد بل اعتبروا المرأة
الواحدة أيضا في بعض الأحيان ولا دليل على عدم كون التزكية مما يقبل فيه الواحد فالأولى أن يقال أن
ذلك من باب الظنون الاجتهادية المرجوع إليها عند انسداد باب العلم وليس من باب الشهادة ولا
الرواية المصطلحة ثم انه يمكن توجيه كلام الشهيد رحمه الله حيث قال وينفردان في أن المخبر عنه اه بأن المراد أن
العموم انما يوجد في الرواية دون الشهادة لان المخبر عنه في الرواية دائما يكون عاما ويلزمه أن الشهادة
دائما مخصوصة وهو كذلك ومراده بيان أحد المميزات لا الجميع حتى يرد أن بينهما فرقا اخر وهو أن الشهادة
اخبار بحق لازم للغير البتة ولا يلزم أن يوجد ذلك في الرواية بل لا يوجد فيها إلا على سبيل التبعية والاستلزام
كالفتوى وأما قوله فإن الصوم مثلا لا يتشخص لمعين فلا وجه له لان الاخبار عن رؤية الهلال الجزئي
المتشخص لا عموم فيه بالضرورة وذلك يوجب إثبات حق الله تعالى وهو الصوم الخاص الحاصل في الشهر
الخاص على عباده كإثبات الحد على شارب الخمر وتوهم عموم الصائم والمفطر مدفوع بان المراد بالعموم و
الخصوص هنا أن أكثر الروايات مفيد للحكم لموضوع مفروض وإن لم يتحقق ولم يتصور تحققه كالفتاوى
فقوله عليه السلام لا شفعة فيما لا يقسم يعني كلما وجد ما لا يقسم فحكمه أنه لا شفعة فيه لا أن الأملاك الموجودة
الغير المقسومة حكمه كذا بخلاف رؤية الهلال فإنه يثبت الصوم والافطار لو أجدى الشرائط من الحياة
والعقل والبلوغ وغيرها بالفعل بل لأهل البلاد الخاصة بخلاف مثل يجب الصوم للرؤية والفطر للرؤية
وكذلك الشهادة على الوقف العام فإن المصلحة العامة مصلحة خاصة ورد عليها الوقف بالخصوص
فهو حقيقة متعين من حيث المورد وإن لزمه الشيوع والاستمرار بالتبع في أفراد الموقوف عليه وأشخاصه
وكذلك الشهادة على النسب فإنها تثبت شيئا معينا خاصا ولكن الانتساب إلى آخر الأبد يتبعه و
أما المترجم فهو أيضا أخبار عن جزئي معين مشخص وتوجيه كلامه في العموم هنا بأن يقال مراد المترجم
أن كل من يقول بمثل هذا الكلام فمراده هذا ولا يخفى بعده وأما القاسم والمقوم فيظهر توجيه العموم
467

مما ذكرنا في المترجم والتوجيه فيهما أظهر من المترجم وأما قوله الخامس المخبر عن عدد الركعات والأشواط
ففيه ما قدمناه من عدم انحصار الشهادة في حق الخلق ثم إن تحقيق هذه المسائل والتكلم في كل واحد
منها ليس وظيفة هذا الكتاب وحظ الأصولي في هذا الباب التفرقة بين الشهادة وغيرها من الاخبار
حتى يجعل الشهادة أصلا ويطلب فيها العدد وهو مشكل إذ ما ذكروه من المميزات للشهادة كثيرا
يتخلف عن العدد فدعوى لزوم العدد في الشهادة إلا ما أخرجه الدليل ليس بأولى من دعوى كفاية
مطلق الخبر إلا ما أثبته الدليل فالمتبع هو ما اقتضاه الأدلة في خصوصيات المقامات إلا أن يتمسك
بالاستقراء وتتبع موارد الاحكام فإنه يقتضي كون الأصل فيها العدد وإن ما اكتفى فيه بالواحد فإنما
خرج بدليل خاص بقي الكلام في الفرق بين الفتوى والحكم وهو أن الفتوى هو إخبار عن الله تعالى
بأن حكمه في هذه القضية كذا ومن خواصه عدم المنع من مخالفته من المجتهد والمقلد أما المجتهد
فظاهر وأما المقلد فلان له أن يستفتي عن آخر ومع التعدد فيختار الأعلم ثم الأورع ومع التساوي يتخير
والحكم هو إنشاء إطلاق أو الزام في المسائل الاجتهادية وغيرها مع تقارب المدارك فيها مما يتنازع
فيه الخصمان بمصالح المعاش هكذا عرفه الشهيد رحمه الله في القواعد وحكمه أنه لا يجوز لغيره نقضه وإن كان
مجتهدا مخالفا له في الرأي لاستلزام ذلك عدم استقرار الاحكام والمصلحة في شرع الاحكام هو حصول
النظام وذلك ينافيه وقال في القواعد فبالانشاء يخرج الفتوى لأنها أخبار والاطلاق والالزام
نوعا الحكم وغالب الاحكام إلزام ومثل للاطلاق بإطلاق مسجون لعدم ثبوت الحق عليه وبإطلاق
حر من يد من ادعى رقه بلا بينة وغير ذلك قال وبتقارب المدارك في المسائل الاجتهادية يخرج
ما ضعف مدركه جدا كالعول والعصيب وقتل المسلم بالكافر فإنه لو حكم به حاكم وجب نقضه و
بمصالح المعاش يخرج العبادات فإنه لا مدخل للحكم فيها فلو حكم الحاكم بصحة صلاة زيد لم يلزم صحتها بل
إن كانت صحيحة في نفس الامر فذاك وإلا فهي فاسدة وكذا الحكم بأن مال التجارة لا زكاة فيه وأن الميراث
لا خمس فيه فإن الحكم به لا يرفع الخلاف بل لحاكم غيره أن يخالفه في ذلك نعم لو اتصل بها أخذ الحاكم
ممن حكم عليه بالوجوب مثلا لم يجز نقضه فالحكم المجرد عن اتصال الاخذ اخبار كالفتوى وأخذه للفقراء
حكم باستحقاقهم فلا ينقض إذا كان في محل الاجتهاد ولو اشتملت الواقعة على أمرين أحدهما من مصالح
المعاد والاخر من مصالح المعاش كما لو حكم بصحة حج من أدرك اضطراري المشعر وكان نائبا فإنه لا أثر له
في براءة ذمة النائب في نفس الامر ولكن يؤثر في عدم رجوعهم عليه بالأجرة انتهى وسيجئ تحقيق الكلام في
أواخر الكتاب إذا تمهد هذا فنقول ذهب الأكثرون إلى كفاية المزكي الواحد في الرواية وهو مذهب
468

العلامة رحمه الله في التهذيب وذهب المحقق رحمه الله ومن تبعه إلى أنه لا يقبل فيه إلا ما يقبل في تزكية الشاهد وهو
شهادة عدلين وعن بعض العامة عدم اعتبار التعدد فيهما فلنقدم الكلام في معنى هذا النزاع ثم
نتعرض إلى ذكر أدلة الأقوال فإنه غير مجرد في كلام القوم وأقول ان حجية خبر الواحد إما من حيث أنه
ظن كما هو مقتضى الدليل الخامس أو من حيث هو خبر كما هو مقتضى آية النبأ أو من حيث أنه الخبر
المصطلح أعني المروي عن المعصوم عليه السلام كما هو مقتضى الاستدلال بالاجماع ثم إن اشتراط العدالة
لا معنى له على الأول إلا باعتبار اعلام طرق الظن والتنبيه عليها والتنبيه على أن خبر الفاسق لا يفيد الظن كما
أشرنا إليه سابقا وأما عن الثاني فمقتضاه قبول خبر العدل مطلقا سواء كان رواية مصطلحة أو شهادة
أو غيرهما ولذلك استدل الأصحاب بآية النبأ على اشتراط عدالة الشاهد أيضا ومقتضاه قبول خبر
العدل الواحد في التزكية مطلقا ولما ثبت من دليل خارجي اشتراط التعدد في نفس الشهود فيرجع
الكلام هنا في أن التزكية شهادة أم لا وبعد ثبوت كونها شهادة فلا فرق بين الراوي والشاهد
وكذا مع عدمه فالقول بالتفصيل لا معنى له إذ عدالة الراوي إن ثبت بتزكية الواحد فهو عدل يجوز
قبول شهادته أيضا والاقتداء به وإلا فلا يقبل في قبول الرواية أيضا لان معنى العدالة شئ واحد و
لا معنى لكون الشخص عادلا بالنسبة إلى أمر دون أمر وأما ما يفهم من كلام الشيخ رحمه الله في العدة من الفرق
بين عدالة الراوي وغيره فمع أن مراده أن مجرد الوثوق بالصدق كاف لا أن محض ذلك عدالة وان
كان فاسقا بالجوارح فلا ينفع في محل النزاع إذ هو مطرح نظر جميع العلماء فلا بد أن يوافق مذاق الجميع
فيرجع الكلام في هذا الفرق أيضا إلى أن المدار هو حصول الظن وإن مجرد حصول الظن يكفي في الرواية
وهو رجوع إلى الوجه الأول أعني الاعتماد على الدليل الخامس وجعل المعيار هو مطلق الظن ولا يفيد ذلك
إثبات اشتراط العدالة في الخبر من حيث أنه خبر والحاصل أن سبيل العلم بالأحكام الشرعية إذا كان
منسدا فالمدار على الظن والظن يحصل بالخبر بمجرد تعديل واحد وأما إثبات حقوق الله أو حقوق الناس
فالمدار فيهما على العلم أو البينة أو اليمين فلم ينحصر المناص فيهما في العمل بمطلق الظن فمثل اخبار الطبيب
عن إنبات اللحم وشد العظم للرضاع وعن كون الصوم مضر للمريض واخبار أهل الخبرة بالقيمة والأرش
ونحو ذلك فهي مثل الفتوى فيكفي فيها الواحد ولا وجه للحكم بوجوب الاثنين كما وقع من بعض الفقهاء
وتوضيحه أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالموضوعات التي ليس بيانها وظيفة الشارع مثل أن يقول يجوز
الصلاة في الخز أو إنبات اللحم محرم أو المرض المضر مبيح للافطار ونحو ذلك لا شبهة في أنها إنما تعلقت
بما هو في نفس الامر كذلك فإن حصل للمكلف العلم به فهو وإلا فيرجع إلى الظن لاستحالة التكلف بالمحال
469

والعدالة من هذا القبيل فالمعتبر في الطبيب وأهل الخبرة والمزكي هو كونه معتمدا بحيث يحصل الظن
فليس ذلك من باب الرواية ولا من باب الشهادة فخبر هؤلاء بالنسبة إلى كون ما ذكروه مطابقا
لنفس الامر بمقعدهم وبحسب ظنهم واعتبار العدالة في هؤلاء لأجل حصول الاعتماد بعدم كذبهم في
ذلك وعدم مسامحتهم في اجتهادهم فبهذا يحصل الظن بل قد يكتفي بما يحصل الظن وإن كان أهل
الخبرة فاسقا بل وكافرا أيضا بل وظاهر الفقهاء جواز الاعتماد على كلام الأطباء إذا أفاد الوثوق مطلقا
وهو مقتضى الأخبار الواردة في مسألة القيام في الصلاة ويقتضي ذلك تخصيص آية التثبت عند خبر
الفاسق بما لم يفد الظن فالأصل يقتضي الاكتفاء بالواحد في مطلق التزكية إلا أن تزكية الشاهد
خرج بالدليل من الاجماع كما ادعى بعضهم أو لأجل ما ذكرنا من مقابلة حق المسلم ولذلك خص
حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة بما لو لم يعارضه مثله أو أقوى منه مع تأمل في الأخير لكون
الخبر أيضا قد يكون كذلك كما أشرنا من أنه أيضا قد يثبت حقا على أحد بالآخرة ولكن يبقى الاشكال
الذي أوردناه أولا من أن العدالة شئ واحد والمشروط بالعدالة مشروط بماهية العدالة فمتى ثبت سبب
ثبوت العدالة فيتحقق العدالة في الخارج ويحصل شرط القبول في مشروطها فما معنى الفرق وأي
معنى للاجماع على ثبوت العدالة في الرواية دون الشهادة ويمكن دفعه بأن المراد أن قبول شهادة
العدل موقوف على كون مزكيه اثنين دون الرواية لا أن ثبوت العدل فيها مشروط بتزكية اثنين
دون الرواية فهو شرط لقبول العدلين لا لثبوت العدالة وأما مثل مترجم القاضي واخبار المقلد
مثله بفتوى المجتهد وإعلام المأموم الامام بوقوع ما شك فيه واخبار النائب عن إيقاع الحج و
نحو ذلك فيكفي فيه الواحد لأنه خبر ويعتبر فيه العدالة الظنية الحاصلة من تزكية واحد وأما مثل الاخبار
عن القبلة أو الوقت أو نحو ذلك فإن كان المراد الاخبار عن القبلة التي بناء عمل المسلمين عليها في
هذا البلد وكذا الوقت فهو اخبار وإن كان المراد الاخبار عن اجتهاده فهو مثل ما مر من أنه خبر عن
مطابقة ما اجتهد فيه فالخبر المطلق إما فتوى من فقيه أو من هو في معناه من أهل الخبرة أو شهادة
أو مجرد اخبار عن نفس الامر ويختلف احكامها حسب ما ذكرنا فلاحظ وتأمل وميز بينها حتى يختلط
عليك الامر واما على الثالث فإثبات اشتراط العدالة إما من جهة أية النبأ وقد مر الكلام فيه و
مقتضاه كفاية المزكي وأما من جهة الاجماع والاجماع لم يثبت على أزيد من العدالة الثابتة
بمزك واحد فلنرجع إلى ذكر أدلة الأقوال أما على المذهب المختار فإما بناء على الدليل الخامس كما
هو المعتمد في الاستدلال فظاهر لحصول الظن بتزكية الواحد واما على غيره من الأدلة فلآية النبأ
470

وتقريبه صدق النبأ على التزكية من جهة الاخبار عن موافقة المعتقد كما بينا ولكن يخدشه أنه لا يدل
إلا على قبوله في الجملة كما مرت الإشارة إليه في الشهادة إلا أن يثبت بالعموم وإخراج الشهادة بالدليل
كما أشرنا سابقا وأما ما أورد عليه بأنه مؤد إلى حصول التناقص في مدلول الآية لأنه يدل على أن قبول
خبر الواحد موقوف على انتفاء الفسق في نفس الامر كما مر وانتفاء الفسق في نفس الامر لا يعلم إلا مع العلم بالعدالة
فشرط قبول الخبر هو العلم بالعدالة وخبر المزكي الواحد لا يفيد العلم وإن كان عدلا فإن اعتبرنا تزكية
العدل الواحد فقد علمنا بالخبر مع عدم حصول العلم بعدالة الراوي لعدم إفادته العلم وهذا تناقض
فلا بد من حملها على ما سوى الاخبار بالعدالة ففيه أن المراد بالفاسق النفس الأمري والعادل النفس
الأمري هو ما يجوز إطلاق العادل والفاسق عليه فنفس الامر هنا مقابل مجهول الحال لا مقابل مظنون
الفسق والعدالة ألا ترى أنا نكتفي في معرفة العدالة بالاختبار والاشتهار وهما لا يفيدان العلم غالبا
بل العدلان أيضا لا يفيد العلم فمن ظنناه عادلا بأحد الأمور المذكورة فنقول أنه عادل ويؤيده
قوله تعالى ممن ترضون وكذلك المرض المبيح للتيمم والافطار وإنبات اللحم وشد العظم وغير ذلك
فإنه يطلق على ما هو مظنون أنه كذلك والكلام فيها وفي العدالة على السواء سلمنا لكن لا ريب أن
مع انسداد باب العلم يكتفي بالظن في الاحكام والموضوعات جميعا مع أن اشتراط العلم بالعدالة
مستفاد من المنطوق فلا مانع من تخصيصه بمفهومها حيث أفاد بعمومه قبول خبر العدل الواحد في
التزكية وما قيل إن تخصيص المنطوق بالمفهوم ليس أولى من العكس بل العكس أولى فيدفعه أن
المفهوم إذا كان أقوى بسبب المعاضدات الخارجة فيجوز تخصيص المنطوق به وهو معتضد بالشهرة
وغيره من الأمور التي ذكرنا مع أنه مخصص بشهادة العدلين جزما وهو لا يفيد العلم وذلك
أيضا يوجب وهنا في عمومه وإن كان العام المخصص حجة في الباقي على التحقيق والمشهور بين المتأخرين
في الاستدلال على هذا المذهب هو أن العدالة شرط في الرواية وشرط الشئ فرعه والاحتياط في الفرع
لا يزيد على الاحتياط في الأصل وقد اكتفى في الأصل وهو الرواية بواحد فيكفي الواحد في الفرع أيضا
أعني العدالة وإلا زاد الاحتياط في الفرع على الأصل وأنت خبير بضعف هذا الاستدلال ويشبه
أن يكون مبناه القياس كما ذكره بعض العامة وما يظهر من بعض أصحابنا أنه قياس الأولوية أيضا
ممنوع بل لا يبعد دعوى أن ثبوت الحكم في الأصل أقوى منه في الفرع لان الأصل وهو الرواية معلوم
أنه ليس بشهادة فلا يعتبر فيه التعدد جزما بخلاف الفرع لاحتمال كونه شهادة كما ادعاه صاحب
القول الاخر وإن كان ضعيفا على ما اخترناه وهذا قياس لم يقل به العامة أيضا ما قيل في دفع
471

ذلك بأن الأصل مشروط بثلاثة الراوي ومزكييه والفرع بإثنين وهما المزكيان فالفرع لم يزد على الأصل
فهو مدفوع بأنك تقبل رواية عدل واحد زكاه عدلان ولا تقبل تزكية عدل واحد زكاه عدلان
فثبت زيادة الفرع على الأصل والتحقيق في الجواب منع عدم جواز زيادة الفرع على الأصل بهذا
المعنى إذ لا دليل عليه من عقل ولا نقل وما قيل إن المتبادر من الشرط أن لا يكون وجوده و
اعتباره زايدا على المشروط كما هو شأن المقدمات فإنكاره مكابرة فيدفعه أن ذلك لو سلم
فإنما هو من جهة التبعية لا من حيث هو ألا ترى أن الايمان شرط لصحة الصلاة مع أن وجوده
واعتباره زايد على المشروط من جهة اعتبار اليقين فيه والاكتفاء بالظن في المشروط وكونه من أصول
الدين وهي من فروعه مع أن فرض التعدد في الفرع دون الأصل أيضا موجود في الأحكام الشرعية
فإن بعض الحقوق يثبت بشهادة واحد بل امرأة واحدة كربع ميراث المستهل وربع الوصية مع
أن تزكية الشاهد لا بد فيه من عدلين وأما ما مثل به من ثبوت وجوب الحد بالقذف بخبر الواحد
وهو مشروط بثبوت القذف وبلوغ القاذف وكل منهما يتوقف ثبوته على الشاهدين ففيه نظر فإنه
إن أريد من خبر الواحد حكم الحاكم فهو فرع الشهادة لا أصلها وإن أريد منه الرواية الدالة على
أصل المسألة فهو ليس بمشروط بثبوت القذف بالشاهدين بل المشروط به هو إجرائه في المادة
المخصوصة وما قيل في دفعه من أن هذا شهادة وثبوت التعدد فيها لا يوجب ثبوته في غيرها
وبعبارة أخرى أن هذا مخرج بالدليل ففيه أن عدم زيادة الفرع على الأصل إن سلم فهو قاعدة
عقلية لا تقبل التخصيص ومما يؤيد بطلان اشتراط التعدد إن المدار في أمثال زماننا بتزكية الشيخ
والنجاشي والعلامة وأمثالهم وهم ينقلون تعديل أكثر الرواة عن غيرهم وموافقة اثنين منهم في
التزكية إنما تنفع لو علم أن مذهب كل واحد منهم في التزكية اشتراط العدد وهو غير معلوم بل خلافه
معلوم من حال بعضهم كالعلامة حيث اكتفى في كتبه الأصولية بالمزكي الواحد فالقول باشتراط التعدد
في أمثال زماننا إنما يتم لو كان هؤلاء المزكون عرفوا العدالة من جهة المعاشرة أو بشهادة العدلين
وأنى للمشترط بإثباته واحتج من اعتبر اثنين بوجهين الأول أنها شهادة ومن شأنها اعتبار التعدد
وقد يجاب بالمعارضة بأنها خبر ومن شأنه قبول الواحد وأنت بعد التأمل فيما ذكرناه في المقدمة
تعرف ضعف المعارضة نعم يتجه في الجواب منع كونها شهادة أولا فيبقى تحت باقي أقسام الخبر الذي
يقبل فيها خبر الواحد لآية النبأ أو يدخل تحت ما هو من قبيل لفتوى وأنه ظن من الظنون
الاجتهادية الحاصلة لأرباب الخبرة بكل مسلك كمعرفة المرض المضر والقيمة والأرش ونحو ذلك وإن
472

اعترته الخبرية بالعرض أيضا من جهة أنه إخبار عما هو مطابق لظنه ومنع كلية الكبرى ثانيا سنده ما مر
من ثبوت ربع ميراث المستهل وربع الوصية وثبوت هلال رمضان برجل واحد عند بعض
علمائنا وإن أمكن دفع ذلك بأن اعتبار التعدد صار أصلا في الشهادة من جهة تتبع الآيات و
الاخبار فخروج ما خرج بالدليل لا يضر ببقاء الباقي تحت الأصل حتى يثبت المخرج فالأولى منع الصغرى
والثاني أن مقتضى اشتراط العدالة اعتبار حصول العلم بها ولا يحصل بالواحد واكتفينا بالعدلين
مع عدم إفادته العلم لقيامه مقامه شرعا ويظهر جوابه مما أسلفناه سابقا من منع اعتبار العلم
فيها كيف وكل ما جعلوه طريقا لمعرفة العدالة لا يفيد إلا الظن سلمنا لكنه إنما يسلم إذا أمكن تحصيل
العلم ومع انسداد بابه يكفي الظن كما مر وهو يحصل بالمزكي الواحد ثم إن الظاهر كفاية تزكية غير
الامامي العادل أيضا مثل علي بن الحسن بن فضال وغيره لأنه نوع تثبت ويؤيده أن الفضل
ما شهد به الأعداء ومقتضى طريقة المشهور عدم الاعتبار والأقوى اعتباره لإفادته الظن وهو على
ما اخترناه من البناء على الدليل الخامس في أصل حجية الخبر أوضح وأما الجرح فالكلام فيه هو الكلام
في التزكية ونقل عن المحقق البهائي رحمه الله قول بالفرق بين التزكية والجرح إذا صدر عن غير الامامي
فيقبل الأول دون الثاني والحق ما اخترناه لما ذكرناه ومن جميع ما ذكر يظهر أنه لاوجه للجرح في
مثل أبان بن عثمان لأجل ما رواه الكشي رحمه الله عن علي بن الحسن بن فضال أنه كان من الناووسية
فإن كون الرجل غير إمامي إن كان جرحا فالجارح مجروح وإلا فلا وجه لكون أبان مجروحا فعلى هذا فما
نقله فخر المحققين عن والده وذكرناه في القانون السابق فيه ما فيه إلا أن يكون إطلاعه على هذا من
جهة غير هذه الرواية قانون اختلف الأصوليون في قبول الجرح والتعديل مطلقين بأن
يقال فلان عدل أو ضعيف من دون ذكر سبب العدالة والضعف على أقوال ثالثها قبولها في
التعديل دون الجرح ورابعها العكس وخامسها إنهما إن كانا عالمين بالأسباب قبل وإلا فلا و
سادسها القبول مع العلم بالموافقة فيما يتحقق به الجرح والتعديل والأقوال الأربعة من العامة
والخامس من العلامة رحمه الله والثالث هو مختار الشهيد الثاني وقبله السيد عميد الدين في شرح
التهذيب وهو الأقوى حجة الأولين أنه إن كان من ذوي البصائر بهذا الشأن لم يكن معنى
للاستفسار وإن لم يكن منهم لم يصلح للتزكية وفيه أنه مع اختلاف المجتهدين في معنى العدالة و
الجرح وعدد الكبائر وغير ذلك فلا يكفي كونه ذا بصيرة إذ لعله يبني كلامه على مذهبه ولا يعلم
موافقته للحاكم والمجتهد إلا أن يقال إطلاقه مع عدم العلم بالموافقة واحتمال عدم الموافقة تدليس
473

وظاهر العدل عدم التدليس وبذلك يندفع إشكال احتمال غفلته عن هذا المعنى فإن المعيار هو الظاهر
وأنت خبير بأن الكلامين في محل المنع نعم يتم ذلك فيما إذا كان تزكيته لأجل عامة المكلفين أو لمن
كان قوله حجة عليه ومن هذا يحصل الجواب عن إشكال مشهور وهو أن مذاهب علماء الرجال غير
معلومة لنا الآن فكيف نعلم موافقتهم لما هو مختارنا في العدالة حتى يرجع إلى تعديلهم إذ هم يطلقون
العدالة والجرح ولا نعلم سببه عندهم بل ونرى العلامة رحمه الله أنه يبني تعديله على تعديل الشيخ مثلا مع
أنا نعلم مخالفتهما في المذهب وتوضيحه أن احتمال أن يكون تعديله على وفق مذهبهم خاصة مع كونهم
عارفين بالاختلاف وتفاوت المذاهب مع أن تأليفهم إنما هو للمجتهدين وأرباب النظر لا
لمقلديهم في زمانهم إذ لا يحتاج المقلد إلى معرفة الرجال والظاهر أن المصنف لمثل هذه الكتب
لا يريد اختصاص مجتهدي زمانه به حتى يقال أنه صنفه للعارفين بطريقته سيما وطريقة أهل العصر
من العلماء عدم الرجوع إلى كتب معاصريهم من جهة الاستناد غالبا وإنما ينفع المصنفات بعد
موت مصنفه غالبا وسيما إذا تباعد الزمان فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقائها أبد الدهر
وانتفاع من سيجئ بعدهم منهم فإذا لوحظ هذا المعنى منضما إلى عدالة المصنفين وورعهم وتقويهم
وفطانتهم وتقويهم وحذاقتهم يظهر أنهم أرادوا بما ذكروا من العدالة المعنى الذي هو مسلم الكل حتى
ينتفع الكل واحتمال الغفلة للمؤلف عن هذا المعنى حين التأليف سيما مع تمادي زمان التأليف و
الانتفاع به في حياته في غاية البعد وخصوصا من مثل هؤلاء الفحول الصالحين فلو قيل أن ما ذكرت
معارض بأن إرادة المعنى الاعلى وإن كان مستلزما لتعميم النفع ولكنه مفوت لفايدة أخرى وهي
أنه قد يكون مذهب المجتهدين اللاحقين إن العدالة هو المعنى الأدنى فلا يعلم حينئذ هل كان الراوي
متصفا بهذا المعنى أم لا فلو لم يسقط المؤلف اعتبار هذا المقدار لكان النفع أكثر قيل مع أن هذا النفع بالنسبة
إلى الأول أقل لمهجورية القول بكون العدالة هو ظاهر الاسلام عند المتأخرين فيه انا نراهم كثيرا ما يمدحون
الرجل بمدايح كثيرة توجب العدالة بمعنى حسن الظاهر بل وأكثر منه ومع ذلك لا يصرحون بعدالتهم فمن لحق
بهؤلاء وليس مذهبه في العدالة هو المعنى الاعلى فليأخذ بمقتضى هذا المدح ويجعله عدالة وهذا من أعظم
الشواهد أنهم أرادوا بالعدالة هو المعنى الاعلى فهم لاحظوا الأطراف وأخذوا بمجامع النفع سيما وقولهم
ثقة لا يحتمل مجرد ظهور الاسلام مع عدم ظهور الفسق كما هو واضح بل الظاهر أنه ليس مجرد حسن الظاهر أيضا
فإن الوثوق غالبا لا يحصل إلا مع اعتبار الملكة ويؤيده أن العلماء اكتفوا بمجرد التعديل ولم يتأملوا
من هذه الجهة ولم يحصل تشكيك لهم من هذه الجهة ويظهر مما مر حجة القول الثاني فإن أسباب الجرح
474

والتعديل كليهما مختلف فيها فلا بد من بيانها وفيه أن ذلك حسن لو لم يعلم الموافقة وعدم المخالفة وحجة القول الثالث
وهو مذهب الشافعي وكثير من الأصحاب اختلاف المذاهب في الأحكام الشرعية فربما جرح بما ليس جرحا
وفيه أنه لا فرق بين الجرح والتعديل بل العدالة تابع للجرح فإنها ترك لما هو موجب للجرح وما يقال ان التعديل
يصعب ذكر أسبابه لكثرة أسبابها بخلاف الجرح فإنه يثبت بسبب واحد لا ينفع في دفع هذا البحث و
حجة القول الرابع أن مطلق الجرح كاف في إبطال الثقة برواية المجروح وشهادته وليس مطلق التعديل
كذلك لتسارع الناس إلى البناء على الظاهر فيها فلا بد من ذكر السبب وفيه أيضا ما مر من أن الجرح مما
يختلف فيه فكيف يكتفى بمطلقه في إبطال الاعتماد مع أن التسارع إلى البناء على الجرح أغلب وأقرب إلى
طباع الناس من العدالة لعدم اجتنابهم كثيرا من الظن مضافا إلى أن تسارع الناس إلى البناء على الظاهر
في العدالة مبني على القول المهجور عند عامة متأخري أصحابنا بل وأكثر متقدميهم أيضا وحجة القولين
الأخيرين لا يحتاج إلى البيان وكذلك ضعف أولهما وقوة الثاني قانون إذا تعارض الجرح
والتعديل فقيل يقدم الجرح مطلقا وقيل التعديل مطلقا وقيل بالتفصيل فإن أمكن الجمع بينهما بمعنى
أن لا يلزم تكذيب أحدهما في دعواه فيقدم الجرح لان التعديل لا ينافي عدم الاطلاع ببعض ما
يوجب الفسق فكلاهما صادقان بمعنى أنه معذور في اجتهاده في التعديل وهذا مصدق في اخباره
عن الفسق ولا فرق في ذلك بين التصريح بسبب الجرح وعدمه وذلك مثل قول المفيد رحمه الله في محمد
بن سنان أنه من ثقات الكاظم عليه الصلاة والسلام وقول الشيخ رحمه الله أنه ضعيف لجواز إطلاع
الشيخ على ما لم يطلع عليه المفيد رحمه الله وإن لم يمكن الجمع بينهما كما لو عين الجارح السبب ونفاه المعدل
كما لو قال الجارح رأيته في أول الظهر يوم الجمعة يشرب الخمر وقال المعدل إني رأيته في ذلك الوقت
بعينه أنه يصلي فلا بد حينئذ من الرجوع إلى المرجحات كالكثرة والأعدلية والأورعية وغير ذلك ومن
هذا القبيل توثيق الشيخ ومدح الكشي والعلامة لداود بن كثير الرقي وروايته في شأنه أن
الصادق عليه الصلاة والسلام قال أنزلوا داود الرقي مني بمنزلة المقداد عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ومن سره أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم عليه الصلاة والسلام فلينظر
إلى هذا يعني داود وقيل أنه موافق لما رواه الصدوق رحمه الله أيضا وتضعيف النجاشي وقول ابن
الغضائري فيه بأنه كان فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يلتفت إليه فيرجع إلى الأكثرية سيما
وتضعيف ابن الغضائري مما لا يعتمد عليه غالبا وإن جبر ضعفه بتضعيف النجاشي المعتمد و
الأقوى عندي وفاقا لجماعة من المحققين من أصحابنا الرجوع إلى المرجحات في القسم الأول أيضا
475

غاية الامر هنا معارضة الظاهر مع النص فإن الجرح في حكم النص والتعديل في حكم الظاهر هذا فيما صرح
بالسبب وإلا فمثل قولهم ضعيف أو مجروح أيضا ظاهر والظاهر قد يقدم على النص بسبب المرجحات
كما مرت الإشارة إليه في باب التخصيص ومن هذا الباب تقديم قول النجاشي في داود بن الحصين
أنه ثقة على قول الشيخ أنه واقفي فإنه وإن أمكن القول بكونه موثقا جمعا بين القولين ولكن الظاهر
من النجاشي حيث يطلق الثقة ويسكت عن حال المذهب أن الرجل إمامي فلا يمكن الجمع بينهما و
كون النجاشي أضبط من الشيخ يرجح كونه إماميا إن لم يكافئه نصوصية كلام الشيخ وكذلك الكلام في
ترجيح تعديل الشيخ والنجاشي على جرح ابن الغضائري في إبراهيم بن سلمان وغيره والحاصل أن المعتمد
الرجوع إلى المرجحات مطلقا وكل ما ذكرنا في هذا القانون وسابقه من الشواهد على كون التزكية
من باب الظنون الاجتهادية لا الرواية والشهادة وإن المعيار هو حصول الظن على أي نحو يكون
كيف لا والمزكون لم يلقوا أصحاب الأئمة عليهم السلام وإنما اعتمدوا على مثل ما رواه الكشي وقد يفهمون
منه ما لا دلالة فيه أو فيه دلالة على خلافه بل وكل منهم قد يعتمد على تزكية من تقدم عليه الحاصلة
باجتهاده ومن ذلك قد يتطرق الخلل من جهة فهم كلام من تقدمه أيضا فضلا عن عدم كونه
موافقا للحق أو كونه موافقا مثل أن العلامة رحمه الله وثق في الخلاصة حمزة بن بزيع مع أنه لم يوثقه أحد
ممن اعتمد عليه العلامة ولعله توهمه من جهة عبارة النجاشي كما نبه عليه جماعة من المحققين فإن
النجاشي قال في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع ان ولد بزيع ليس منهم حمزة بن بزيع وذكر بعد ذلك كان
من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم ومراده محمد لا حمزة ولعلك تقول فإذا كان الامر كذلك فيلزم أن
يكون مثل العلامة رحمه الله مقلدا لمن تقدمه وكذلك من تقدمه لمن تقدمه فإنهم قلما ثبت لهم عدالة
الرواة من جهة الاشتهار كسلمان وأبي ذر أو من جهة المزكيين اللذين عاشرا الراوي ومع ذلك
فلم يميزوا بينهم ولم يفرقوا بين من ثبت عدالته عندهم من مثل ما ذكر أو من جهة الاجتهاد ويلزم
من جميع ذلك جواز تقليد المجتهد للمجتهد وإذا كان كذلك فلا فرق بين ما ذكر وبين أن يقول
الصدوق مثلا أو الكليني مثلا ان ما ذكرته من الروايات صحيحة أو يقول العلامة هذه الرواية
صحيحة مع كون السند مشتملا على من لم يوثقه أحد من علماء الرجال قلت إن اشتراط العدالة في
الراوي إما للاجماع أو للآية أما الأول فلم يثبت إلا على اشتراطه لقبول الخبر من حيث هو وإلا
فلا ريب أن أكثر الأصحاب يعملون بالاخبار الموثقة والحسنة والضعيفة المعمول بها عند جلهم
وأما الآية فمنطوقها يدل على كفاية التثبت في العمل بخبر الفاسق فضلا عن مجهول الحال وهذا
476

نوع تثبت مع أنا حققنا سابقا أن المعيار في حجية خبر الواحد والمعتمد هو الدليل الخامس والمعتبر
هو حصول الظن وإنما ذكرنا سائر الأدلة على فرض تسليمها لبيان إمكان إثبات حجيتها مع قطع النظر
عن انسداد باب العلم أيضا وكذلك الكلام في إثبات العدالة فأي مانع من الاعتماد على هذا الظن و
ليس ذلك من باب التقليد بل لأنه مفيد للظن للمجتهد كما يرجع إلى قول اللغوي بل واجتهادات
المصنفين في اللغة وذلك لا ينافي تقليدهم في الفروع الشرعية فإذا حصل الظن من جهة تصحيح
الصدوق للرواية أو تصحيح العلامة رحمه الله للسند ولم يحصل ظن أقوى منه من جهة تزكية غيره للراوي
صريحا أو غير ذلك فيتبع ولا مانع عنه تنبيه إعلم أن القول في المزكي والجارح هو القول في الأدلة
المتعارضة فكما أنه لا يجوز العمل بكل خبر حتى يتفحص عن معارضه وبالعام قبل الفحص عن مخصصه فكذلك
لا يجوز العمل بقول أحد من علماء الرجال في رجل معين حتى يتفحص عن معارضه هذا حال علماء الرجال
بالنسبة إلى رواة الاخبار وأما مطلق التزكية والجرح فليس كذلك مثل أن يزكي عدل في هذا الزمان
رجلا موجودا في هذا الزمان عند الحاكم مع عدم ظهور خلاف في ذلك نظير العام المسموع من الإمام عليه السلام
حين المخاطبة وقد بينا الفرق بين زمان الغيبة والحضور في مبحث العمل بالعام قبل الفحص
عن المخصص ولا فرق بين قول النجاشي مثلا ان داود بن الحصين ثقة وبين قول العلامة في رواية
كان هو في سنده مثلا صحيح في أنه لا بد أن يراجع رجال الشيخ وغيره في معرفة حال وجود المعارض و
عدمه ويتطرق الاشكال في تصحيح السند من جهة أخرى أيضا وهو احتمال الاشتباه في تعيين الرجل إذ
أكثر الرجال مشترك فلا بد من الاجتهاد في تعيين المشتركات أيضا أولا ثم العمل على ما أدى
إليه النظر في الجرح والتعديل في خصوص الرجل فالاعتماد على تزكية المزكي للرجل المعين إنما هو في تزكيته
وأما في السند المعين ففي ذلك وفي كون الرجل هو الرجل الذي رأيه فيه العدالة والجرح هذا كله
إذا تعين الرجل أو السند وأما إذا قال حدثني عدل من أصحابنا فإن كان ذلك المزكي والمزكى من
جملة رواة أصحابنا الذين وقع الخلاف في جرحهم وتعديلهم فلا يمكن الاعتماد لعدم إمكان الفحص
عن حاله بسبب جهالته وكذلك لو قال عالم في كتابه في حق حديث مجهول السند أنه صحيح وأما لو
كان ذلك في غير ما وقع الاختلاف فيه كما لو أخبرنا أحد في زماننا هذا وقال أخبرني عدل بكذا
فيمكن الاعتماد عليه إذا كان المخبر والمستمع عارفين بأسباب الجرح والتعديل متفقين في الرأي
أو مقلدين لمجتهد واحد إذا لم يكن المخالفة في الجرح والتعديل وفي هذا البلد موجودة في حق
العدول وأما ما ذهب إليه المحقق من الاكتفاء بقول العدل حدثني عدل بل بما دونه حيث قال
477

إذا قال أخبرني بعض أصحابنا وعنى الامامية يقبل وإن لم يصفه بالعدالة إذا لم يصفه بالجرح لان إخباره
بمذهبه شهادة أنه من أهل الأمانة ولم يعلم منه الجرح المانع من القبول فإن قال عن بعض أصحابه
لم يقبل لامكان أن يعني نسبته إلى بعض الرواة أو أهل العلم فيكون البحث فيه كالمجهول انتهى فهو
في غاية البعد مع قوله باشتراط العدالة في الراوي لعدم انحصار أصحابنا في العدول ولعل مراده
أن هذا نوع مدح يوجب التثبت لتعبيره بلفظ الصاحب المفيد للاختصاص ثم انه لا فرق
فيما تقدم جميعا بين ما أخبر عدل واحد أو عدلان على القولين في اعتبار المزكي الواحد أو
المتعدد كما لا يخفى قانون إذا أسند العدل الحديث إلى المعصوم عليه السلام ولم يلقه
أو ذكر الواسطة مبهمة مثل أن يقول عن رجل أو عن بعض أصحابنا ويقال له المرسل ففيه خلاف
بين العامة والخاصة فقيل بالقبول مطلقا وقيل بعدمه مطلقا وقيل بالقبول إن كان الراوي ممن
عرف أنه لا يرسل إلا مع عدالة الواسطة كمراسيل ابن أبي عمير والأول منقول عن محمد بن خالد
البرقي من قدماء أصحابنا ونسبه ابن الغضائري إلى ابنه أحمد أيضا والثاني أحد قولي العلامة رحمه الله
في التهذيب والثالث قوله الاخر وذهب الشيخ إلى قبوله إن كان الراوي ممن عرف أنه لا يروي
إلا عن ثقة مطلقا وإلا فيشترط أن لا يكون له معارض من المسانيد الصحيحة ويظهر من المحقق رحمه الله
التوقف والأقوى هو القول الثالث لا لان ذلك تعديل للواسطة حتى يقال انه على فرض تسليمه
شهادة على عدالة مجهول العين ولا يصح الاعتماد عليه لاحتمال ثبوت الجارح كما تقدم بل لأنه يفيد
نوع تثبت إجمالي إذ غايته أن العدل يعتمد على صدق الواسطة ويعتقد الوثوق بخبره وإن لم
يكن من جهة العدالة عنده أيضا ولا ريب ان ذلك يفيد ظنا بصدق خبره وهو لا يقصر عن
الظن الحاصل بصدق خبر الفاسق بعد التثبت ولذلك نعتمد على مسانيد ابن أبي عمير مثلا و
إن كان المروي عنه المذكور ممن لا يوثقه علماء الرجال فإن رواية ابن أبي عمير عنه يفيد الظن
بكون المروي عنه ثقة معتمدا عليه في الحديث لما ذكر الشيخ في عدة أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن
ثقة ولما ذكره الكشي أنه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ولما ذكروا أن أصحابنا
يسكنون إلى مراسيله وغير ذلك وكذلك نظرائه مثل البزنطي وصفوان بن يحيى والحمادين وغيرهم
والحاصل أن ذلك يوجب الوثوق ما لم يعارضه أقوى منه وبالجملة حجية الخبر لا تنحصر في الصحيح و
خبر العدل بل المراد من اشتراط العدالة في قبول الخبر هو أنه شرط في قبوله بنفسه وأما من جهة ملاحظة
التثبت والاعتضادات الخارجية فلا ريب أنه لا ينحصر الحجة في خبر العدل وغرضنا إثبات حجية
478

مثل هذه المراسيل لا إثبات أن أمثالها صحيحة في الاصطلاح والواسطة عادل واحتج المثبت مطلقا
بوجوه أقواها أمران الأول أن رواية العدل عن الأصل المسكوت عنه تعديل له لأنه لو روى عن غير
العدل ولم يبين حاله لكان ذلك غشا وتدليسا وهو مناف للعدالة وفيه أولا أنه إنما يتم فيما لو
أسقط الواسطة لا ما أبهمه وثانيا أنه يتم لو انحصر أمر العدل في روايته عن العدل أو عن الموثوق
بصدقه وهو ممنوع كما لا يخفى على من تتبع ويشهد بذلك ما يظهر من كلام الصدوق رحمه الله في أول من لا
يحضره الفقيه حيث قال إن دأبه في هذا الكتاب ليس دأب المصنفين والثاني أن إسناد الحديث
إلى المعصوم عليه السلام يقتضي صدقه لمنافاة إسناد الكذب العدالة فيتعين قبوله وفيه مع أنه لا
يتم في صورة إبهام الواسطة إنما يدل على كون الواسطة عادلا أو موثوقا بصدقه وهو توثيق
مجهول العين فلعل له جارحا والأولى بناء على ما مر (تحقيقه منع) كون ذلك إسنادا حقيقيا بل لعله يريد الاسناد
الظني الحاصل بمجرد إخبار المسلم ويمكن دفعه بأن الظاهر أن العدل يعتبر ظنا فوق ذلك الظن
بصدوره عن المعصوم عليه السلام فإما يتكل على عدالة الأصل أو التثبت الحاصل له المفيد لصدقه
ودعوى أن الاسناد لا بد أن يكون من جهة حصول العلم به في غاية البعد كما هو الغالب في الاخبار
فالانصاف أن ذلك لا يخلو عن قوة سيما في غير المواعظ والمندوبات والمقامات الخطابية فإن
العدل لا ينسب إلى المعصوم عليه السلام في مقام بيان الاحكام إلا ما حصل له الظن بالصدق اما
من جهة العدالة أو التثبت وكلاهما يفيد الظن واحتج الثاني مطلقا بما مرت الإشارة إليه من أن
شرط قبول الرواية معرفة عدالة الراوي ولم يثبت لعدم دلالة رواية العدل عليه كما مر وإن كان مثل
ابن أبي عمير أيضا فإن عدالة الواسطة إن ثبت باخباره فهو شهادة منه على عدالة مجهول العين
وإن علم ذلك من استقراء مراسيله والاطلاع عن خارج على أنه لا يروي إلا عن ثقة فهو في معنى
الاسناد ولا نزاع فيه ويظهر الجواب عنه مما مر واحتج الشيخ رحمه الله لما ذكره أخيرا بعمل الطائفة على المراسيل
مطلقا إذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة فإن أراد الاجماع فلم يثبت وإلا فلا حجة فيه على
الاطلاق قانون لا خلاف بين أصحابنا ظاهرا في جواز نقل الحديث بالمعنى وذهب بعض
العامة إلى المنع عنه مطلقا وبعضهم في غير المرادف وشرط الجواز هو كون الناقل عارفا بمعاني
الألفاظ بوضعها وبالقرائن الدالة على خلافه وأن لا يقصر الترجمة على إفادة المراد وإن اقتصر على
نقل بعضه فلا يضر إذا لم يكن مخلا بما ذكر وأن يكون مساويا له في الخفاء والجلاء وعلله بعضهم
بأن الخطاب الشرعي تارة يكون بالمحكم وتارة بالمتشابه لحكم وإسرار لا يصل إليها عقول البشر وهو
479

غير واضح إذ المتشابه إذا اقترن بقرينة تدل على السامع المراد فلا يضر نقله بالمعنى فإنه ليس بمتشابه عند
السامع بل هو كأحد الظواهر فلا يضر تغييره وإن لم يقترن بقرينة فحمله على أحد المعاني المحتملة من دون
علم من جانب الشارع باطل ولا معنى لاشتراط المساواة في الخفاء والجلاء حينئذ بل الشرطان السابقان
يكفيان مؤنة ذلك نعم لو أريد مثل ما لو نقل غير السامع من الرواة والوسائط وأداه بمعنى أدى إليه
اجتهاده بملاحظة سائر الأخبار والأدلة فهو كذلك إذ ربما كان الرواية في الأصل متشابهة بالنسبة
إلى السامع أيضا والحكمة اقتضت ذلك أو الحكمة اقتضت أن يوصل إلى المراد بالاجتهاد والفحص
فحينئذ فلابد للناقل من ذكر اللفظ المتشابه وتعقيبه بالتفسير الذي فهمه وهذا ليس من باب النقل بالمعنى
بل هو مسألة أخرى ذكروها بعنوان آخر وسنشير إلها اللهم إلا أن يكون المراد أنه لو
أدى المعصوم عليه السلام المطلوب بلفظ متشابه بالذات مبين للسامع بانضمام القرائن
فيجب على الناقل ذكر هذا اللفظ المتشابه وإن عقبه ببيان ما قارنه بالعرض من القرينة المبينة له
بانضمام أحوال التحاور والتخاطب بناء على الفرق بين أقسام الدلالات مثل ما لو حصل من المشترك
مع القرينة أو من اللفظ الأحادي المعني ويظهر من ذلك أنه ينبغي مراعاة النص والظاهر أيضا بل
وأقسام الظواهر إذ في عدم مراعاة ذلك يحصل الاختلاف في مدلول الاخبار في غاية الكثرة فإذا
ذكر الإمام عليه السلام لفظ القرء في بيان العدة وفهم الراوي بقرينة المقام الطهر مثلا فلا
يروي الحديث بلفظ الطهر إذ ربما كان فهم الراوي خطأ لاشتباه القرينة عليه فلو أراد بيان
ذلك فليذكر لفظ القرء ثم يفسره ما فهمه وكذا في النص والظاهر مثلا إذا قال الإمام عليه السلام لو
بقي من اليوم بمقدار صلاة العصر فهو مختص به فنقله الراوي بقوله إذا بقي من اليوم بمقدار أربع
ركعات العصر فهو مختص به مريدا به صلاة العصر أيضا إذ يتفاوت الامر بين اللفظين بملاحظة
شمول صلاة العصر لركعتي المسافر وأقل منه لصلاة الخوف وأمثال ذلك وكذلك في صلاة
العشاء ونصف الليل ومن أجل ذلك الفرق أفردت في هذه المسألة من الأصحاب في جواز
الاتيان بصلاة المغرب والعشاء كليهما إذا بقي من نصف الليل بمقدار أربع ركعات فإنهم يخصونه
بالعشاء وأنا أجمع بينهما لما استفاض من النقل الصحيح أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك
الوقت فيصدق على هذا أنه يدرك وقت الصلاتين وإن لم يدرك وقت الثلاث والأربع وبالجملة
فلا بد لناقل الحديث بالمعنى من ملاحظة العنوانات (المتعاورة)؟ على مصداق واحد مع
اختلاف الحكم باختلافها وملاحظة تفاوت الاحكام بتفاوت العنوانات أهم شئ للمجتهد في
480

المسائل الشرعية فبأدنى غفلة يختل الامر ويحصل الاشتباه هذا وأما ضبط مراتب الوضوح و
الخفاء بالنسبة إلى مؤدى الألفاظ فهو مما يصعب إثبات اشتراطه إذ الظاهر أن المعصوم عليه
السلام إنما يقصد من الاخبار غالبا تفهيم المخاطب ورفع حاجته في الموارد الخاصة المحتاج
إليها بحسب اتفاق الوقائع التي دعتهم إلى السؤال عنه عليه السلام أو علم المعصوم عليه الصلاة والسلام
احتياجهم إليها فهم عليهم السلام يكلمون أصحابهم بقدر فهمهم لا أنهم عليهم السلام يتكلمون على معيار خاص
يكون هو المرجع والمعول حتى يعتبر في نقله للآخر ذلك المقدار بل الناقل للغير أيضا لا بد أن يلاحظ
مقدار فهم مخاطبه لا كل مخاطب وهكذا فنقل المطلوب بعبارة أوجز إذا كان المخاطب ألمعيا
فطنا زكيا لا مانع منه وكذلك نقله أبسط وأوضح إذا كان بليدا غبيا وكيف كان فالحق جواز نقل
الحديث بالمعنى مع الشرائط المذكورة لنا إن ذلك هو الطريقة المعهودة في العرف والعادة من
لدن آدم وعلى نبينا وآله وعليه السلام إلى زماننا هذا والشارع أيضا بنائه في المحاورات على طريقة
العرف والعادة فإن المقصود في العرف والعادة هو إفهام المراد من دون اعتبار خصوصية
لفظ وأنه مرسل بلسان قومه ومن ذلك نقل الراوي إلى العجمي باللسان العجمية وكذا الناقل من
المجتهد إلى أهله أو عياله والأخبار الواردة عنهم عليهم السلام منها ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح
قال قلت لأبي عبد الله عليه الصلاة والسلام اسمع الحديث منك فأزيد وأنقص قال عليه السلام إن
كنت تريد معانيه فلا بأس والظاهر أن المراد من الزيادة والنقصان ما لا مدخلية له في تغيير
المراد بقرينة جلالة شأن الراوي وجواب الإمام عليه السلام وقوله عليه السلام إن كنت تريد معانيه
يعني إن لم تقصد نسبة اللفظ إلينا فإنه كذب ولا يخفى أن أفراد العام كلها من مدلولات
العام وكذلك لوازم المفهوم فيصدق أن الكل معاني اللفظ فإذا أراد أن ينقل عن الإمام عليه السلام
أنه قال اتقوا الله مثلا فيقول قال الإمام عليه السلام خافوا من الله واجتنبوا عما
نهاكم الله عنه من الشرك والفسق وشرب الخمر والزنا إلى غير ذلك وواظبوا على ما أوجبه عليكم
من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ونحو ذلك فيصدق على ذلك أنه نقل المعاني كلام الإمام عليه السلام
بل وكذلك أيضا لو كان مما دل عليه بالإشارة أيضا مع إشكال فيه لحصول الغفلة ووجود
الثمرة بين الخطابات الأصلية والتبعية كما أشرنا سابقا ويدل على المختار أيضا أنه تعالى قص
القصة الواحدة بعبارات مختلفة ومن المعلوم أنها وقعت بغير العربية أو بعبارة واحدة
منها بل يمكن أن يقال لم يقع بإحدى تلك العبارات لان هذا الكلام على هذا الطور الغريب
481

والأسلوب العجيب منحصر في القرآن الذي هو منزل على سبيل الاعجاز فتأمل ويظهر جواز ذلك
لمن تتبع الآثار والاخبار فإن تتبعها يفيد أن ذلك كان طريقة أصحاب النبي وآله صلوات الله
وسلامه عليهم أجمعين واحتج المنكر بان ذلك يوجب اختلال المقصود واستحالة المعنى
سيما مع كثرة الطبقات وتطاول الأزمنة وتغيير كل منهم اللفظ لاختلاف أهل اللسان بل
العلماء في فهم الألفاظ واستنباط المقصود وفيه أن بعدما ذكرنا من الشروط لا وقع لهذا
الاحتجاج سيما وذلك معارض بما مر من الأدلة فلو فرض الاشتباه والغفلة مع ذلك فهو معفو
مع أن اعتبار النقل باللفظ في الجميع يقرب من المحال بل هو محال عادة نعم يتم في مثل الأدعية التي
اعتبر فيها الألفاظ المخصوصة وطريقتهم في ذلك غالبا أنهم عليهم السلام كانوا يملؤون على
أصحابهم وهم يكتبون ولذلك ندر الاختلاف فيها بخلاف الاخبار وبقوله صلى الله عليه وآله
نصر الله من سمع مقالتي فرعاها ثم أداها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه وأدائه
كما سمعه إنما يتحقق بنقل اللفظ المسموع وفيه منع الصحة أولا ومنع الدلالة على الوجوب ثانيا
كما لا يخفى ومنع الدلالة على وجوب التأدية بلفظه ثالثا لصدق التأدية كما سمعه عرفا بمجرد أداء
المعنى كما هو مع أن الظاهر أن هذا الحديث واحد وقد اختلف ألفاظه ففي رواية كما ذكر و
في أخرى نضر الله بالضاد المعجمة وفي أخرى رحم الله وفي رواية إلى من لا فقه له فهذا الحديث لنا
لا علينا إلا أن يمنع الظهور ويتمسك بأصالة عدم التغيير وهو معارض بأصالة عدم التعدد و
أما المفصل فيظهر ضعف قوله مما تقدم بقي الكلام فيما وعدنا ذكره وهو أن الراوي الثقة إذا
روى مجملا وفسره بأحد محامله فالأكثر على لزوم حمله عليه بخلاف ما لو روى ظاهرا وحمله على
خلاف الظاهر لأنه فهم الراوي الثقة قرينة وليس له معارض من جهة اللفظ لعدم دلالة المجمل
على شئ بخلاف الثاني فإن فهمه معارض بالظاهر الذي هو حجة أقول وكما أن مقتضى الظاهر
العمل عليه فمقتضى المجمل السكوت عنه ولا يتفاوت الحال مع أن الظاهر إنما يعتبر لان الظاهر أنه
هو الظاهر عند المخاطب بالحديث لا لظهوره عندنا لان الخطاب مختص بالمشافهين كما بيناه
في محله فإذا ذكر المخاطب به أن مراده هو ما هو خلاف الظاهر فالظاهر اعتباره غاية الامر
التوقف وأما تقديم الظاهر فلا وبالجملة فالمعيار هو حصول الظن خاتمة فيها مباحث
الأول اصطلح المتأخرون من أصحابنا بتنويع خبر الواحد باعتبار اختلاف أحوال رواته
في الاتصاف بالايمان والعدالة والضبط وعدمها بأنواع أربعة الأول الصحيح وهو ما كان جميع
482

سلسلة سنده إماميين ممدوحين بالتوثيق مع الاتصال ولا يضره الشذوذ وإن سقط عن الحجية
خلافا لبعض العامة حيث اعتبر في وصفه بالصحة عدم الشذوذ وعدم كونه معللا يعني مشتملا على علة
خفية في متنه أو سنده لا يطلع عليها إلا الماهر كالارسال فما ظاهره الاتصال أو مخالفته لصريح
العقل أو الحس واعتبار عدم كونه معللا أيضا مستغنى عنه إذ ما ظهر كونه منقطعا أو ما شك فيه فلا
يصح الحكم بأنه متصل السند إلى المعصوم عليه السلام بالإمامي العدل الثقة فإن ظاهر هذا التعريف هو
ما حصل اليقين بذلك أو ما ترجح في النظر كونه كذلك فالمعلل أعني ما حصل الشك في ذلك خارج
عن التعريف فوصف بعضهم مثل ذلك بالصحة مع ظهور كونه معللا عند آخر مبني على غفلة الواصف
وخطائه في اجتهاده وترجيحه أنه غير معلل وأما عيب المتن فلا مدخلية له بهذا الاصطلاح الثاني
الحسن وهو ما كانوا إماميين ممدوحين بغير التوثيق كلا أو بعضا مع توثيق الباقي الثالث
الموثق وهو ما كان كلهم أو بعضهم غير إمامي مع توثيق الكل وقد يسمى بالقوي أيضا وقد يطلق
القوي على ما كان رجاله إماميين مسكوتا عن مدحهم وذمهم كنوح بن دراج وأحمد بن عبد الله
بن جعفر الحميري وغيرهما وأما لو كان رجال السند منحصرا في الامامي الممدوح بدون التوثيق
وغير الامامي الموثق ففي لحوقه بأيهما خلاف يرجع إلى الترجيح بين الموثق والحسن لان السند
يتبع في التوصيف أخس رجاله كالنتيجة تتبع أخس مقدمتيها والأظهر كون الموثق أقوى
فيتصف بالحسن نعم قد يصير الحسن أقوى بسبب خصوص المدح في خصوص الرجل وهو لا يوجب
ترجيح ماهيته ثم انه قد يطلق الصحيح مضافا إلى راو معين على خبر كان سنده إلى هذا الرجل
متصفا بصفات رجال الصحيح وإن لحقه بعد ذلك ضعف وإرسال مثل أن يقال يدل على ذلك
صحيحة ابن أبي عمير عن رجل عن الصادق عليه الصلاة والسلام ولا ريب أن ذلك ليس من الصحيح
المصطلح الذي هو حجة بنفسه بل هو غفلة أو اصطلاح لاعلام تصحيح السند إلى الرجل المعين وأما
قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير مثلا فهو ليس من هذا القبيل كما
توهم من وجهين أحدهما أنه ليس المراد فيه الصحة المصطلحة والثاني أنه أريد منه بيان الوثوق
بما قبل عبد الله بن بكير أيضا وقد يطلق على جملة محذوفة من السند للاختصار جامعة لأوصاف
رجال صحيح السند مثل أن يقال روى الشيخ في الصحيح عن فلان وإن لم يكن الفلان ولا ما قبله
متصفا بها ويثمر ذلك في الأغلب فيما كان لفلان ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم
ونحو ذلك مما يدل على اعتبار ذلك الحديث بسبب روايته والاصطلاحان المذكوران يجريان
483

في القسمين الآخرين أيضا الرابع الضعيف وهو ما لم يجتمع فيه شرائط أحد الثلاثة وقد عرفت مما سبق
كون الصحيح والموثق حجة وكذلك الحسن إذا أفاد مدحه التثبت الاجمالي وأما الضعيف فلا
حجة فيه إلا إذا اشتهر العمل به وحينئذ يسمى مقبولا وهو حجة حينئذ سيما إذا كان الاشتهار بين قدماء
الأصحاب نعم يجوز الاستدلال به في المندوبات والمكروهات للأخبار المستفيضة المعتبرة
جملة منها الدالة على أن من بلغه ثواب على عمل ففعله التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن
كما بلغه رواها العامة والخاصة وغيرها من الأدلة وقد بيناها وحققناها في كتاب مناهج
الاحكام وغيره ثم إن نسبة هذا الاصطلاح إلى المتأخرين لان قدماء الأصحاب لم يكن ذلك معروفا
بينهم بل كانوا يطلقون الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه مثل وجوده في كثير
من الأصول الأربعمأة أو تكرره في أصل أو أصلين فصاعدا بطرق متعددة أو وجوده في أصل
أحد من الجماعة الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى وأحمد بن أبي نصر
ويونس بن عبد الرحمن أو على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم وفضيل بن يسار أو على العمل بروايتهم
كعمار الساباطي ونظرائه ممن عده الشيخ رحمه الله في كتاب العدة أو وقوعه في أحد الكتب المعروضة
على الأئمة عليهم السلام فأثنوا على مؤلفيها ككتاب عبد الله الحلبي المعروض على الصادق عليه
الصلاة والسلام وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري
عليه الصلاة والسلام أو كونه مأخوذا عن أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد
عليها ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيار
وكتاب حفص بن غياث القاضي وأمثالها وعلى هذا الاصطلاح جرى ابن بابويه فيمن لا يحضره
الفقيه فحكم بصحة ما أورده فيه مع عدم كون المجموع صحيحا باصطلاح المتأخرين وقد أشار إلى
هذه الطريقة القدماء وبينها شيخنا البهائي رحمه الله في مشرق الشمسين ثم قال ما حاصله أن الباعث
للمتأخرين على عدولهم عن طريقة القدماء ووضع هذا الاصطلاح هو تطاول الأزمنة بينهم و
بين صدر السالف واندراس بعض الأصول المعتمدة لتسلط الظلمة والجابرين من أهل
الضلال والخوف من إظهارها وانتساخها وانضم إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من الأصول في
الكتب المشهورة في هذا الزمان (فالتبست)؟ المأخوذة من الأصول المعتمدة بغيرها واشتبهت
المتكررة فيها بغير المتكررة وخفي عليهم كثير من القرائن فاحتاجوا إلى قانون يتميز به الأحاديث
المعتبرة عن غيرها فقرروا هذا الاصطلاح وقال أول من سلك هذا الطريق العلامة أقول و
484

لا يتم ذلك إلا بعد ملاحظة أن التوثيق والتعديل أيضا كان أحد القرائن الموجبة للاعتماد عند القدماء
أيضا والظاهر أنه كان كذلك كما يستفاد من طريقتهم في تعديل الرجال وتوثيقهم وأخبارهم المنقولة
في الرجوع إلى الاعدل والأفقه وغيرهما فالظاهر أن القدماء أيضا كانوا يعتبرون ذلك كما أن المتأخرين
أيضا قد يسلكون مسلك القدماء في التصحيح بسب الاعتضاد بالقرائن أيضا فيطلقون
الصحيح على ما ظهر لهم من القرائن الوثوق عليه ولكن ذلك نادر والاطلاق في كلامهم محمول على
مصطلحهم وذلك تجوز منهم اعتمادا على القرائن أو غفلة والعمدة أنهم قد يعتمدون على الحديث
مع عدم التصريح بالعدالة وإن كان توصيفهم إياه بالصحة مجازا على مصطلحهم فلا بد من
التفطن لتلك القرائن وعدم الاقتصار على الصحيح والحسن المصطلحين كما اقتصر بعض المتأخرين
من أصحابنا لحصول التثبت الموجب لظن الصدق بغيرهما أيضا فمن أسباب الوثاقة
وقرائنها ما نقلناه سابقا ومنها قولهم عين ووجه فقيل انهما يفيدان التوثيق وأقوى
ومنهما وجه من وجوه أصحابنا وأوجه منه أوجه من فلان إذا كان المفضل عليه ثقة ومنها
كون الراوي من مشايخ الإجازة فقيل انه توثيق وقيل إنه في أعلى درجات الوثاقة وقيل إن
مشايخ الإجارة لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم وربما نسب كون ذلك توثيقا إلى كثير
من المتأخرين ومنها كونه وكيلا لاحد من الأئمة عليهم الصلاة والسلام لما قيل أنهم لا يجعلون
الفاسق وكيلا ومنها رواية الاجلاء عنه سيما الذين يردون رواية الضعفاء والمراسيل كأحمد
بن محمد بن عيسى ومنها أن يروي عنه الذين قيل فيهم أنهم لا يروون إلا عن ثقة مثل صفوان
بن يحيى والبزنطي وابن أبي عمير وذهب جماعة من المتأخرين إلى أن ذلك من إمارات الوثاقة
وقبول الرواية ويقرب عنهم علي بن الحسن الطاطري ومحمد بن إسماعيل بن ميمون وجعفر
بن بشير ومنها اعتماد القميين عليه ومنها وقوعه في سند حصل القدح فيه من غير جهة و
منها وجود الرواية في الكافي والفقيه لما ذكرا في أولهما وما وجد في كليهما فأقوى وإذا انضم
إليهما التهذيب والاستبصار فأقوى وأقوى وهكذا ومنها إكثار الكليني الرواية عن رجل أو
الفقيه ومنها كونه معمولا به عند مثل السيد رحمه الله وابن إدريس رحمه الله ممن لا يجوز العمل بخبر الواحد
ومنها قولهم معتمد الكتاب وقولهم ثقة في الحديث وصحيح الحكايات ومنها قولهم سليم (الجنة)؟
إن أريد سليم الأحاديث وقيل سليم الطريقة ومنها قولهم فقيه من فقهائنا أو فاضل دين أو
أصدق من فلان إذا كان المفضل عليه جليلا ومنها توثيق ابن فضال وابن عقدة وربما
485

يعتمد على توثيق مثل ابن نمير ومن ضارعه أيضا ومنها رواية الثقة عن رهط أو عن غير واحد
أو عن أشياخه ومنها أن يذكره واحد من الاجلاء مترحما عليه أو مترصيا له ومنها أن يقول
الثقة حدثني الثقة ومنها أن يروي محمد بن أحمد بن يحيى عنه ولم يكن من جملة ما استثناه
القميون وعن جماعة من المحققين أن فيه شهادة على العدالة والصحة وكذلك استثناء
محمد بن عيسى عن رواة يونس بن عبد الرحمن ففيه شهادة على وثاقة غيره ومنها قولهم
أسند عنه يعني سمع منه الحديث على وجه الاسناد إلى غير ذلك مما يستفاد منه التوثيق أو
الحسن مما هو مذكور في كتب الرجال وغيرها في المواضع المتفرقة ويمكن استنباطها للفقيه
الماهر بالتتبع في الموارد الخاصة فاجعل المعيار حصول الظن وإن اكتفى بالتعديل الصريح في العمل
بالاخبار ويلزم خلو أكثر الاحكام عن الدليل ويلزم مخالفة طريقة جل العلماء سيما على القول
باشتراط العدلين في التزكية وقد أشرنا إلى معنى اشتراط العدالة ووجه الاجماع المنقول فيه
الثاني إنهم ذكروا للخبر أقساما أخر باعتبارات شتى كلها ترجع إلى الأقسام الأربعة بعضها
مختص بالضعيف وبعضها مشترك بين الكل في الجملة وذكر تفصيلها وتعريفاتها وإن كان وظيفة علم
الدراية إلا أنا نذكر هنا أكثرها لتكثير الفايدة فمنها المسند وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم
عليه السلام بأن لا يعرضه قطع بسقوط شئ منه ومنها المتصل ويسمى الموصول وهو ما اتصل
إسناده بنقل كل راو عمن فوقه سواء رفع إلى المعصوم عليه السلام كذلك أو وقف على غيره
فهو أعم من الأول ومنها المرفوع وهو ما أضيف إلى المعصوم عليه السلام من قول أو فعل أو
تقرير سواء اعتراه قطع أو إرسال في سنده أم لا ومنها المعلق وهو ما حذف من أول إسناده
واحد أو أكثر فإن علم المحذوف فهو كالمذكور وإلا فهو كالمرسل ومنها العالي الاسناد وهو
القليل الوسائط ومنها المعنعن وهو ما يقال في سنده فلان عن فلان بدون ذكر التحديث
والاخبار والأظهر أنه متصل كما عليه الأكثر إذا لم يظهر قرينة على عدم اللقاء وأمن التدليس و
منها المدرج وهو أن يدرج في الحديث كلام بعض الرواة فيظن أنه منه ومنها المشهور و
هو الشايع عند أهل الحديث بأن ينقله جماعة منهم ومنها الشاذ وهو ما رواه الثقة
مخالفا لما رواه الأكثر فإن رواه غير الثقة فهو المنكر والمردود ومنها الغريب وهو إما
غريب الاسناد والمتن بأن ينفرد بروايته واحد أو غريب الاسناد خاصة كخبر يعرف متنه
عن جماعة من الصحابة مثلا إذا انفرد بروايته واحد عن آخر غيرهم أو غريب المتن خاصة بأن
486

ينفرد بروايته واحد ثم يرويه عنه جماعة ويشتهر فيسمى غريبا مشهورا لاتصافه بالغرابة في طرفه الأول
وبالشهرة في طرفه الاخر ومنها المصحف وهو إما في الراوي كتصحيف بريد بالباء الموحدة
المضمومة والراء المهملة بيزيد بالياء المثناة التحتانية والزاء المعجمة أو في المتن وهو كثير ومنها
الغريب لفظا وأكثره مذكور في الكتب الموضوعة لغريب الحديث كالنهاية لابن الأثير والفائق
للزمخشري وغيرهما ومنها المقبول وهو ما نقلوه وعملوا به سواء كان رواته ثقة أم لا ومنها
المزيد على غيره مما في معناه إما في المتن كأن يزيد فيه ما لا يفهم من الاخر أو في السند كأن يرويه
أحدهم عن اثنين والاخر من ثلاثة سواء كان في الوسط أو في الاخر ومنها المسلسل وهو ما
تتابع فيه رجال الاسناد على صفة أو حالة من قول أو فعل كالمسلسل بالتحديث بان يقول
حدثنا فلان قال حدثنا فلان وهكذا أو بالأسماء نحو أخبرنا محمد عن محمد أو بالاباء نحو فلان
عن أبيه عن فلان عن أبيه عن فلان وغير ذلك كالمسلسل بالمصافحة والمشابكة وأخذ الشعر
وغير ذلك فإن اتصل السند كذلك إلى المعصوم عليه السلام فتام وإلا فبحسبه وهذه المذكورات
مما يشترك فيه أصول الأنواع الأربعة وأما ما يختص بالضعيف فمنها المقطوع وقد
يقال له المنقطع وهو الموقوف على التابعي ومن في حكمه وقد يطلق على الأعم من ذلك فيشمل
المعلق والمرسل والمنقطع الوسط وغير ذلك ثم إن كان الساقط من السند أكثر من واحد
يسمى معضلا بصيغة اسم المفعول بمعنى المشكل وإلا فمنقطع ومنها المرسل وهو ما رواه عن
المعصوم عليه السلام أو غيره من لم يدركه أو لم يلقه من دون واسطة أو بواسطة مبهمة كرجل
أو بعض أصحابنا واختصاص هذا القسم بالضعيف مبني على اصطلاح المتأخرين وإلا فقد عرفت
أن بعض المراسلات في قوة الصحيح في الحجية ومنها الموقوف وهو ما روي عن صاحب المعصوم
عليه السلام من غير أن يسنده إلى المعصوم عليه السلام وأما المضمر كأن يقول صاحب المعصوم
عليه السلام سئلته عن كذا قال كذا فإن كان من مثل زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما من
الاجلاء فالأظهر حجيته بل الظاهر أن مطلق الموثقين من أصحابنا أيضا كذلك لان ظاهر حال
أصحاب الأئمة عليهم السلام أنهم لا يسئلون إلا عنهم عليهم السلام والذي صار سببا للاضمار اما التقية
أو تقطيع الاخبار من الأصول فإنهم كانوا يكتبون في صدر سؤالاتهم سئلت فلانا عليه السلام عن فلان
قال كذا وسئلته عن كذا قال كذا وهكذا ثم بعد تقطيعها وجمعها في الكتب المؤلفة صار مشتبها
والأظهر الاعتماد على القرائن وأشخاص الرواة ومنها المدلس كأن يقول الراوي قال فلان على
487

وجه يوهم روايته عنه بلا واسطة مع أنه ليس كذلك فإن قال حدثني فهو كذب وهكذا إن أسقط عن
السند رجلا مجروحا لتقوية الحديث أو يذكر بعض الرجال باسم أو لقب أو نسبة غير مشتهر به فإن
كل ذلك قبيح مذموم إلا لأجل تقية أو غيرها من الاغراض الصحيحة ومنها المضطرب وهو ما اختلف
فيه الرواية إما بالسند كأن يرويه تارة بواسطة وأخرى بدونها أو في المتن كحديث تمييز
الدم المشتبه بدم الحيض والقرحة بأن خروجه عن الأيمن علامة الحيض كما في بعض النسخ أو عن الأيسر
كما في الاخر ومنها المعلل وقد مر الإشارة إليه ومنها المقلوب وهو حديث يروى بطريق فيغير
كل الطريق أو بعض رجاله ليرغب فيه وهو مردود إلا إذا كان سهوا فيغتفر عن صاحبه ومنها
الموضوع وهو معلوم الثالث لابد لراوي الحديث من مستند يصح من جهته رواية الحديث
ويقبل منه اما الرواية عن المعصوم عليه السلام فله وجوه أعلاها السماع ولفظه أن يقول سمعت العصوم عليه السلام
يقول كذا واسمعني أو شافهني أو حدثني ثم إن يقول قال كذا لاحتمال كون السماع حينئذ بواسطة وإن
كان خلاف الظاهر ثم أن يقول أمر بكذا ونهى عن كذا فإنه يحتمل مضافا إلى احتمال الواسطة الغفلة
في فهم الأمر والنهي أو إطلاق الأمر والنهي على ما فهمه بالدلالة التبعية من النهي عن ضده أو الامر به
وإن كان بعيدا وأما مثل أمرنا بكذا أو نهانا عن كذا ونحو ذلك بصيغة المجهول أو من السنة
كذا أو قول الصحابي كنا نفعل كذا وأمثال ذلك فهي أدون الكل ويتبع العمل بها وقبولها الظهور
من جهة القرائن وأما الرواية عن الراوي فله أيضا وجوه أعلاها السماع من الشيخ سواء كان
بقرائة من كتابه أو بإملائه من حفظه فيقول سمعته أو حدثني أو أخبرني إن قصد الشيخ سماعه وإن قصد
إسماع غيره فيقول حدث فلانا وأنا أسمع وعلل الشهيد رحمه الله كونه أعلا بأن الشيخ أعرف بوجوه
ضبط الحديث وتأديته ولأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسفيره إلى أمته والاخذ
عنه كالأخذ منه ولأن النبي صلى الله عليه وآله أخبر الناس أولا وأسمعهم ما جاء به والتقرير على ما
جرى بحضرته صلى الله عليه وآله أولى ولأن السامع أربط جأشا وأوعى قلبا وشغل القلب وتوزع الفكر إلى
القارئ أسرع وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه الصلاة والسلام
يجيئني القوم فيستمعون مني حديثكم فأضجر ولا أقوى قال فاقرء عليهم من أوله حديثا ومن
وسطه حديثا ومن آخره حديثا فعدوله إلى قرائة هذه الأحاديث مع العجر يدل على أولويته
من قرائة الراوي وإلا أمر بها انتهى وفي دلالة الصحيحة على مدعاه تأمل ظاهر ثم دونه القراءة على
الشيخ مع إقراره به وتصريحه بالاعتراف بمضمونه ويسمى ذلك عرضا والظاهر أن يكون السكوت
488

مع توجهه إليه وعدم مانع عن المنع والرد من غفلة أو إكراه أو خوف وانضمام القرائن بالرضا كافيا
وعبارته قرأت على فلان وأقربه واعترف أو حدثنا أو أخبرنا فلان قرائة عليه وبدون قوله قرأته
عليه عند جماعة والحق المنع إذا لم يقم قرينة على إرادة ذلك فإن ظاهره سماعه من الشيخ وعن السيد رحمه الله
المنع عنه مقيدا أيضا محتجا بأنها مناقضة لان معنى الاخبار والتحديث هو السماع منه وقوله قرائة
عليه يكذبه وهو مدفوع بان كل مجاز كذلك فينسد باب المجاز ومن وجوه التحمل الإجازة وهو
اخبار إجمالي بأمور مضبوطة معلومة مأمون عليها من الغلط والتصحيف ونحوهما وذلك اما تشخص
التاب كقوله أجزت لك رواية هذه النسخة المصححة أو بنوعه المتعين في نفس الامر الصحيح في الواقع
مثل تهذيب الشيخ رحمه الله أو استبصاره مثلا ثم انه لا إشكال في جواز النقل والرواية والعمل بسبب الإجازة
وعبارته الشايعة أنبأنا ونبأنا ويجوز حدثنا وأخبرنا أيضا والأظهر عدم الجواز على الاطلاق إلا مع
القرينة بل يقول أنبأنا بهذا الكتاب إجازة كما ذكرنا في القراءة على الشيخ والإجازة على أقسام
الأول إجازة معين بمعين كقوله أجزتك التهذيب أو هذه النسخة منه وهذا على أقسام الإجازة
والثاني إجازة معين بغير معين كأن يقول أجزت لك مسموعاتي فيقتصر على ما ثبت عنده
أنه من مسموعاته الثالث إجازة غير معين بغير معين كقوله أجزت التهذيب لكل الطلبة أو
لأهل زماني الرابع إجازة غير معين بغير معين كأجزت مسموعاتي لكل أحد من أهل زماني
الخامس إجازة المعدوم إما منفردا أو عطفا على الموجود وفي جوازه خلاف وفائدة الإجازة إنما
تظهر في صحة الأصل الخاص المعين وحصول الاعتماد وعليه أو ما لم يثبت تواتره من المروي عنه وإلا
فلا فايدة فيها في المتواترات كمطلق الكتب الأربعة عن مؤلفيها نعم يحصل بها بقاء اتصال
سلسلة الاسناد إلى المعصوم عليه السلام وذلك أمر مطلوب للتيمن والتبرك ويظهر مما ذكرنا
الكلام في قرائة الشيخ والقرائة عليه أيضا فيحصل منه التصحيح والخلاص من التصحيف والتحريف وغير
ذلك ومن أنحاء التحمل المناولة وهي إما مقرونة بالإجازة أو خالية عنها فالأول هو أن يدفعه كتابا
ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان فارووه عني أو أجزت لك روايته عني ولا إشكال في جواز
روايته والثاني أن يناوله الكتاب مقتصرا على قوله هذا سماعي من فلان والأكثر على عدم جواز
الرواية عنه بذلك حينئذ ومنها الكتابة وهو أن يكتب مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو يأذن لثقة
أن يكتبه أو كتب أن الفلان سماعي فإن انضم ذلك بالإجازة وكتب فارووه عني أو أجزت لك
روايته فلم ينقل خلاف في جواز الرواية بشرط معرفة الخط والامن من التزوير وإن خلا عن ذكر
489

الإجازة ففيه خلاف والأكثر على الصحة وهو الأظهر والعبارة أن يقول كتب إلي فلان أو أخبرنا
أو حدثنا مكاتبة ومنها الوجادة وهي أن يجد الانسان أحاديث بخط راويها معاصرا كان له
أو لا ولم يجوزوا الرواية بمجرد ذلك بل يقول وجدت أو قرأت بخط فلان وفي جواز العمل به قولان
المطلب الثاني في الفعل والتقرير قانون فعل المعصوم عليه السلام حجة
كقوله لكن الشأن في تحقيق محله وتعيين ما يحكم بمتابعته فنقول أما الافعال الطبيعية كالأكل
والشرب والنوم والاستيقاظ فالكل مباح له ولنا بلا إشكال وذلك إذا لم يلحقه حيثية واعتبار وخصوصية
كالاستمرار على القيلولة وأكل الزبيب على الريق مثلا فإنها بذلك تندرج في الأقسام الآتية وأما
ما يتردد بين كونه من أفعال الطبايع أو من الشرع ففي حمله على أيهما وجهان نظرا إلى أصالة عدم
التشريع وإلى أنه صلى الله عليه وآله بعث لبيان الشرعيات قال الشهيد رحمه الله في القواعد وقد وقع ذلك في مواضع
منها جلسة الاستراحة وهي ثابتة من فعله صلى الله عليه وآله وبعض العامة زعم أنه صلى الله عليه وآله إنما فعلها بعد أن بدن و
حمل اللحم فتوهم أنه للجبلة ومنها دخوله في ثنية كداء وخروجه من ثنية كذا فهل ذلك لأنه صادف
طريقه أو لأنه سنة ويظهر الفايدة في استحبابه لكل داخل ومنها نزوله (بالمخصب)؟ لما نفر في الأخير و
تعريسه لما بلغ ذا الحليفة وذهابه بطريق في العيد ورجوعه بآخر والصحيح حمل ذلك كله على الشرعي انتهى
كلامه رفع مقامه أول ويرجع الكلام فيه إلى ما لم يعلم وجهه وسيجئ التفصيل والتحقيق ثم انه لا إشكال
أيضا فيما علم اختصاصه به صلى الله عليه وآله كوجوب التهجد وإباحة الوصال في الصوم والزيادة على أربع في النكاح
الدائم وأما غيرهما فإما أن لا نعلم وجهه وقصده به من الوجوب أو الندب أو غيرهما أو نعلم وجهه
وعلى الأول فإما أن نعلم أنه قصد به التقرب أم لا وعلى الأول فيتردد فعله لنفسه بين الواجب و
المندوب وعلى الثاني فيتردد فعله لنفسه بينهما وبين المباح والمكروه لو قلنا بصدوره
عنهم عليهم السلام لاستحالة صدور المحرم عنهم عندنا فهذه أقسام ثلاثة وهذا كله إذا لم يكن فعله بيانا لمجمل
وسيجئ الكلام فيه فأما ما لم يعلم وجهه فهل يجب علينا متابعته مطلقا أو يستحب مطلقا أو
يباح أو يجب التوقف فيه أقوال أقواها القول الثاني لنا أصالة البراءة من الوجوب عدم
دليل قائم عليه كما ستعرف واحتمال الإباحة مقهور بأكثرية الراجح في أفعالهم ولأن ذلك
مقتضى الاحتياط لاحتمال الوجوب بل والندب أيضا فيستحب ولأن ذلك مقتضى عمومات
ما دل على حسن التأسي بعد نفي دلالتها على الوجوب واحتج القائل بالوجوب بوجوه ضعيفة
أقواها الآيات الآمرة باتباعه صلى الله عليه وآله مثل قوله تعالى فاتبعوه وفيه أن المتابعة
490

والتأسي هو الاتيان بمثل فعل الغير على الوجه الذي فعله لأنه فعله ففعل ما فعله بقصد الندب
بعنوان الوجوب ليس متابعة له فكما يمكن التجوز في مادة الصيغة لابقاء هيئتها على حقيقتها
يمكن العكس بإرادة الطلب الراجح سيما والأول مستلزم للتخصيص أيضا جزما لعدم الوجوب
في كثير من الافعال وفي خصوص الخواص إجماعا مع أنه إذا بقي الاتباع على معناه الحقيقي وهو
إتيان الفعل على ما فعله لأجل أنه فعله على الوجه الذي فعله فالوجوب المتعلق بهذا المعنى
من جهة صيغة الامر إنما يتعلق بالقيد لا بالمقيد فلا مجاز أصلا ومنه يظهر الجواب عن قوله تعالى
إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ووجه الاستدلال بها أنه جعل وجوب المتابعة معلقا على
محبة الله تعالى التي هي واجبة اتفاقا وما أجيب بأن وجود الشرط غير مستلزم للمشروط فهو
فاسد لابتنائه على الخلط بين معاني الشرط وجعله هنا عبارة عن الشرط الأصولي ومثل
قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وتقديره
من كان يرجو الله واليوم الآخر فله فيه أسوة حسنة ويلزمه بعكس النقيض ان من لم تكن فيه
أسوة حسنة فليس ممن يرجو الله اليوم الآخر وهذا تهديد ووعيد على ترك الأسوة وهو
دليل الوجوب ويظهر الجواب عنه مما تقدم فإن التأسي هو متابعة الفعل لأجل أنه فعله
على الوجه الذي فعله لا بعنوان الوجوب مطلقا والقدح في عموم أسوة في مقام الجواب مما
لا كرامة فيه لارجاعه إلى العموم في أمثال هذا المقام في العرف والعادة والجواب عن سائر
الآيات مثل أطيعوا الرسول وما آتيكم الرسول فخذوه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها
لكيلا يكون على المؤمنين حرج أوضح فإن إطاعة موافقة الامر وهو حقيقة في القول والمراد
بالمأتي القول بالتبادر سيما مع مقابلة قوله وما نهاكم عنه فانتهوا وغاية ما يدل عليه الآية
الأخيرة الإباحة سيما وهو في مقام توهم الحظر وأين هو من الوجوب وأما الاستدلال بالاحتياط
ففيه مع أنه لا يتم لأجل احتمال الحرمة لاحتمال كون ما فعله من الخصائص لا دليل على وجوبه بل إنما
يتم لو سلم فيما يثبت التكليف يقينا وتوقف براءة الذمة على العمل وهو أول الكلام وأنت بعد
التأمل في جميع ما ذكرنا تقدر على استنباط دليل القائل بالإباحة والتوقف والجواب عنهما
فالقائل بالإباحة يقول إن تعارض الاحتمالات من الرجحان والحظر يوجب الرجوع إلى الأصل و
هو الإباحة المتوقف يتوقف ويظهر الجواب مما مر مضافا إلى أن احتمال الحظر من جهة كونه
من الخصائص نادر ولا يلتفت إليه فإن الغالب موافقة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة
491

عليهم السلام لأمتهم وتابعيهم فالأصل هو المشاركة إلا ما أخرجه الدليل وأما ما علم وجهه (حتب)؟
أنه يعلم أنه واجب عليه أو مندوب أو غيره ولم يعلم أنه من خصائصه صلى الله عليه وآله فالأظهر لزوم اتباعه
بمعنى اشتراكنا معه على الوجه الذي يفعله وذهب بعضهم إلى ذلك في العبادات دون المناكحات
والمعاملات واخر إلى إنكار ذلك كله لنا الأدلة المتقدمة للقائلين بالوجوب في
المسألة السابقة وضعف احتمال الاختصاص فيما لم يعلم كونه من الخصائص وأما ما علم أنه ليس
منها فلا إشكال فيه وضعف قول المنكر مطلقا فيها أيضا وجوابه فيما يحتملها عدم الالتفات إلى
النادر سيما مع قيام الأدلة على حسن التأسي وأما المفصل فلا دليل له يعتد به وقد استدل على
المختار مضافا إلى ما مر بإجماع العصابة على الرجوع في الاحكام إلى أفعاله كقبلة الصائم لما رواه أم سلمة
عن فعله صلى الله عليه وآله والغسل بمجرد التقاء الختانين وإن لم ينزل لما رواه عايشة عن فعله صلى الله عليه وآله
نظرا إلى أن وجه الأول معلوم فإنه للإباحة وإن الغسل من التقاء الختانين ظاهر في أنه كان يفعله
بعنوان الوجوب لأنه صلى الله عليه وآله كأن يجعله غسل الجنابة ويترتب عليه أحكامه وغسل الجنابة واجب
جزما والظاهر أن الحكم في الترك وهو الحكم في الفعل ومما يتفرع على هذا التأسي به صلى الله عليه وآله في التباعد عن
الناس عند التخلي المعلوم أنه كان على سبيل الاستحباب ثم إن معرفة وجه فعله صلى الله عليه وآله إما يعرف بنصه
بأن هذا الذي فعلته فعلته بعنوان الوجوب أو يعلم أنه كان امتثالا لأمر يدل على الوجوب مثل
قوله تعالى أقم الصلاة الدال على الوجوب أو أمر يدل على مجرد الرخصة أو أمر ندبي والتمثيل
لذلك بقوله تعالى إذا حللتم فاصطادوا وكاتبوهم سهو لعموم الخطاب فيهما أو يعلم بانضمام القرائن
كما أشرنا في قبلة الصائم والتباعد عند التخلي أو غير ذلك من القرائن ومنها أصالة عدم الوجوب
الدالة على الإباحة إليه إذا فقد الدليل على الوجوب والندب قانون إذا وقع الفعل بيانا
لمجمل فيتبعه في الوجه ويظهر منه وجهه مما سبق ثم إنك قد عرفت في باب المجمل والمبين حكم كون
الفعل بيانا وأقسام ما يدل على بيانيته فاعلم أن المعصوم عليه السلام إذا صدر منه فعل في
مقام البيان فما علم مدخليته وما علم عدم مدخليته فيه من الحركات والسكنات وغيرهما فلا كلام
فيه وما لم يعلم فإن كان مما استحدثه ولم يكن متلبسا به قبل الفعل فالظاهر دخوله في البيان و
ما كان متلبسا به قبله كالستر في الصلاة بل مثل الطهارة لصلاة الميت إذا كان فعلها في
حالة توضأ قبلها للصلاة اليومية فالظاهر عدم المدخلية إلا أن يثبت بدليل من خارج و
كذلك الكلام في عوارض ما استحدثه مثل التقصير والتطويل والسرعة والبطؤ الغير المعتد بها
492

عرفا فمثل تفاوت القراءة بسبب طلاقة اللسان وعدمها في التكلم ومثل تطويل الغسل في كل
واحد من أعضاء الوضوء وتعجيلها بحيث يتفاوت في المصداق العرفي غالبا لا يعتد بها
لاقتضاء العرف ذلك وعدم انضباط ذلك تحت حد محدود لا يتجاوز عنه فالتكليف به تكليف
بما لا يطاق وأما التفاوت الفاحش الخارج عن حد متعارف الأوساط فالظاهر اعتباره
فيشكل الاكتفاء بوضوء يغسل كل واحد من أعضائه في ظرف ساعة مثلا وأما ما يشك في دخوله
في البيان وعدمه مثل التوالي بين الأعضاء في الوضوء بحيث إذا فرغ من عضو شرع في الاخر
بلا فصل وكذلك غسل الوجه من الأعلى وكذلك اليد وكذلك المسح من الأعلى فإن ذلك كله
مما يشك في دخوله لان الغسل العرفي للأعضاء يصدق مع الفصل وعلى أي وجه اتفق لكن
اختيار هذا الفرد من الماهية هنا مما يشك في أنه هل هو بمجرد الاتفاق لأنه فرد من ماهية الغسل
أو أنه معتبر وكذلك الكلام فيما لو علم اشتمال المجمل على واجبات ومندوبات وحصل الشك في
بعضها أنه من الواجبات أو المندوبات كالسورة في الصلاة ففيه الاشكال المتقدم في أوائل
الكتاب من أنه يمكن الاعتماد على الأصل ونفي الجزئية والوجوب بأصالة عدمهما أم لا وقد بينا أن
التحقيق إمكان جريان الأصل في مهية العبادات كنفس الأحكام الشرعية وأنه لا فرق بينهما فاعتبار
المذكورات في الماهية موقوف على ثبوتها من دليل خارجي ومما حققنا لك في القانون السابق
يظهر أن الأقوى في أمثال المذكورات والبناء على الاستحباب لدخوله في الفعل الذي لم يعلم
وجهه وقد عرفت أن التحقيق فيها الاستحباب لحسن التأسي والاحتياط وأما الوجوب فلا دليل
عليه وما يتوهم من أن اشتغال الذمة بالمجمل يقيني وتحصيل البراءة اليقينية واجبة فيحكم بالوجوب
فقد عرفت جوابه في أول الكتاب وإن الاشتغال بأزيد مما يقتضيه ظن المجتهد فيما لا يمكن تحصيل
العلم به بشخصه ممنوع ولا دليل على وجوب الاحتياط ومن ذلك يظهر أن مقتضى ما ذكره الشهيد
من حمل الافعال المتردد في كونها من أفعال الجبلة والعادة أو الشرع والعبادة على الشرعي هو الحمل
على الاستحباب لا غير لعدم الدليل على ما فوقه قانون تصرف المعصوم عليه الصلاة و
السلام إما بالإمامة كالجهاد والتصرف في بيت المال أو بالقضاء كرفع النزاع بين الخصمين بالبينة
أو اليمين أو الاقرار أو علمه أو بالفتوى والتبليغ وتصرفاته في العبادات كلها من باب التبليغ وفي
غيرها قد يشتبه بين القضاء والفتوى كقوله صلى الله عليه وآله لهند زوجة أبي سفيان خذي لك
ولولدك ما يكفيك بالمعروف حيث شكت إليه صلى الله عليه وآله وقالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني
493

ولولدي ما يكفيني فلو كان فتوى فيثبت منه جواز التقاص للمسلط بإذن الحاكم وغيره ولو كان قضاء
فلا يجوز الاخذ إلا بقضاء قاض قال الشهيد رحمه الله في القواعد لا ريب أن حمله على الافتاء أولى لان
تصرفه صلى الله عليه وآله بالتبليغ أغلب والحمل على الغالب أولى من النادر وقد يشتبه بين التصرف بالإمامة
والفتوى كقوله صلى الله عليه وآله من أحيى أرضا ميتة فهي له فعلى الأول كما هو قول الأكثر لا يجوز
الاحياء إلا بإذن الإمام عليه السلام وعلى الثاني يجوز كما ذهب إليه بعض أصحابنا ويرد عليه أن
التصرف بالتبليغ أغلب فلا بد من الحمل عليه كالسابق فلا يشترط الاذن وأجاب عنه الشهيد رحمه الله
بأن اشتراطه يعلم من دليل خارج لا من هذا الدليل قانون الحق أن نبينا صلى الله
عليه وآله وسلم قبل البعثة كان متعبدا ولكن لا بشريعة من قبله من الأنبياء عليهم السلام وقيل
لم يكن متعبدا بشئ وقيل كان متعبدا بشريعة من قبله على اختلاف في مذاهبهم فقيل بشريعة نوح عليه السلام
وقيل بإبراهيم عليه السلام وقيل بموسى عليه السلام وقيل بعيسى عليه السلام وقيل بكل الشرايع وقيل بالوقف لنا أن ضرورة
ديننا يقتضي أفضليته صلى الله عليه وآله عن كل الأنبياء عليهم السلام وفيما ذكروه يلزم تقديم المفضول
وهو قبيح ولأنه لو كان كذا لكان إما بالوحي أو بالتعليم من علمائهم والأول هو معنى الرسالة والموافقة
لا يقتضي المتابعة وأما الثاني فلو ثبت لافتخر أهل الأديان بذلك ولو افتخروا به لشاع ولم يعاشر
أهل الكتاب ولم يأخذ منهم شيئا وإلا فالعادة تقتضي بنقله ولا من كتبهم لأنه صلى الله عليه وآله كان أميا لا
يقرء ولا يكتب ومع ما روى الخاصة والعامة أنه صلى الله عليه وآله قال كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وأيضا
كون عيسى عليه السلام في المهد نبيا ويحيى عليه السلام في الصبي دون نبينا صلى الله عليه وآله إلى أربعين سنة ينافي
أفضليته وأما بطلان القول بعدم تعبده بشئ فأوضح لاستلزامه كمال النقص وكونه أسوء حالا من
آحاد الناس مع ما ورد بما كان يفعله من الأعمال والحج في الاخبار وأما بعد البعثة فالحق أيضا أنه صلى الله عليه وآله
لم يكن متعبدا بشريعة من قبله وتوافقه مع غيره في كثير منها ليس نفس المتابعة واختلف الناس فيه
أيضا فقال بعضهم بمتابعة شرع من قبله في الجملة مستدلا بظواهر بعض الآيات لنا مع ما تقدم من
الأدلة وإن هو إلا وحي يوحى وإن شرعه كان ناسخا وكان ينتظر الوحي في كل مسألة ولا يتمسك
بالأديان السابقة وإخباره عن التوراة برجم الزانية لاتمام الحجة على اليهود وإظهار علمه وأما
الآيات مثل قوله تعالى ثم أوحينا إليك ان اتبع ملة إبراهيم وبهداهم اقتده وشرع لكم من الدين
ما وصى به نوحا فهي محمولة على أصول العقائد وإلا فلم يجز النسخ سيما مع ملاحظة قوله تعالى ومن
يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه وكذلك المراد بهدي الجميع ما اتفق الجميع فيه وهو
494

أصول العقائد وإلا فأديانهم مختلفة ويظهر من ذلك الجواب عن سائر الآيات فايدة إذا ثبت
بطريق صحيح أمر من الشرائع السابقة ولم يثبت نسخه في ديننا فهل يجوز لنا اتباعه أم لا مثل أن
يذكر في القرآن أو في الأخبار المتواترة حكم من الاحكام في شرع من الشرائع السابقة مثل قوله تعالى
في شأن يحيى عليه السلام انه كان سيدا وحصورا ونحو ذلك اختلف الأصوليون فيه على قولين والأقوى
أنه إن فهم أنه تعالى أو نبيه صلى الله عليه وآله نقل ذلك على طريق المدح لهذه الأمة أيضا وبحيث
يدل على حسنه مطلقا فنعم وإلا فلا وربما يقال ان عدم علم الناسخ كاف في استصحاب بقائه فهو حجة
مطلقا وهو مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتيا وهو ممنوع ومناف للقول بالنسخ بل التحقيق
أنه بالوجوه والاعتبارات إن كنا لا نمنع الذاتية في بعض الأشياء لكن إعمال الاستصحاب لا يمكن
إلا مع قابلية المحل كما سيجئ حقيقة ويتفرع على المسألة فروع ذكرها في تمهيد القواعد منها الاحتجاج
على أرجحية العبادة على التزويج بالآية المتقدمة ومنها لو حلف ليضربن زيدا مثلا مأة خشبة
فضربه بالعثكال ونحوه لقوله تعالى بيدك ضغثا لأيوب عليه السلام والضغث هو الشماريخ القائمة
على الساق الواحد وهو المسمى بالعثكال قال في تمهيد القواعد وهذا الحكم مروي عندنا في اليمين
بشروط خاصة وفي الحدود وكذلك لا مطلقا ومنها الاحتجاج بقوله تعالى ولمن جاء به حمل بعير وأنا
به زعيم على صحة كون عوض الجعالة مجهولا ومنها الاحتجاج بقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين على اشتراط الاخلاص إن لم نضم إليها قوله تعالى وذلك دين القيمة فقد يفسر
القيمة بالثابتة التي لا تنسخ قانون تقرير المعصوم عليه السلام حجة وهو أن يفعل بحضوره فعل
أو اطلع على فعل في عصره ولم ينكر فهو يدل على الجواز إن لم يمنعه مانع من خوف أو تقية أو سبق
منعه عليه أو معلومية عدم الفائدة في المنع ونحو ذلك من المصالح وأصالة عدمه تكفي في المقام
وكذلك إذا اطلع أن المكلف اعتقد شيئا على خلاف الواقع والدليل على ذلك لزوم النهي عن
المنكر سيما على المعصوم عليه السلام وأن التقرير على الحرام حرام لكونه إعانة على الاثم فالظاهر من السكوت
الرضا بفعله قال المحقق في المعتبر وأما ما يندر فلا حجة فيه كما روي أن بعض الصحابة قال كنا نجامع
فنكسل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلا نغتسل لجواز أن يخفى فعل ذلك على النبي صلى الله عليه وآله
فلا يكون سكوته صلى الله عليه وآله عنه دليلا على جوازه لا يقال قول الصحابي كنا نفعل دليل على عمل الصحابة أو
أكثرهم فلا يخفى ذلك عن الرسول صلى الله عليه وآله لأنا نمنع إذ قد يخبر بمثل ذلك عن نفسه أو عن
جماعة يمكن أن يخفى حالهم على النبي صلى الله عليه وآله يقاظ قيل إن الحكم الذي حكم به المعصوم
495

عليه السلام في الرؤيا حجة لما ورد من أن من رآه فقد رآه وإن الشيطان لا يتمثل به ورد بأنه فرع
أن يعرفه بصورته في اليقظة حتى يصدق عليه أنه رآه فلا يتم الاطلاق وأجيب
بأنه ورد أنه رأى أحد رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام في زمان مولانا الرضا عليه الصلاة
والسلام فقال هو رسول الله صلى الله عليه وآله ومن رآه فقد رآه ومن المعلوم أن الرائي لم يره صلى الله عليه وآله
ويدفعه أن كثيرا ما نرى في المنام صورتهم ويظهر في اليقظة أنه كان عالما صالحا (تروئي)؟ بصورته
إظهارا لجلالته كما في حكاية رؤيا المفيد رحمه الله حيث رأى في المنام فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه
عليها والحسنين عليهما الصلاة والسلام معها قالت له في المنام يا شيخ علمهما الفقه فجائت في
يومه والدة السيدين المرتضى والرضي رحمهما الله بهما وقالت يا شيخ علمهما الفقه وكيف كان فالاعتماد
مشكل سيما إذا خالف الأحكام الشرعية الواصلة إلينا مع أن ترك الاعتماد مطلقا حتى فيما لو لم يخالفه
شئ أيضا مشكل سيما إذا حصل الظن بصحته وخصوصا لمن كان أغلب رؤياه صادقة سيما بملاحظة
ما رواه الكليني رحمه الله في الحسن لإبراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام
قال سمعته يقول رأى المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزء من أجزاء النبوة وفي الصحيح
عن معمر بن خلاد عن الرضا عليه الصلاة والسلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان
إذا أصبح قال لأصحابه هل من مبشرات يعني به الرؤيا وفي معناه روايات أخر الحمد لله رب
العالمين الذي وفق عبده العاجز الذليل عبد الرحيم بن عبده محمد تقي المرحوم المغفور
بحوله وقوته ومنه العظيم الجليل لاتمام تحرير المجلد الأول من القوانين المحكمة في الأصول
المتقنة في العشر لاخر من شهر ذي حجة الحرام من شهور سنة 1302 ونسئله
التوفيق في إتمام المجلد الثاني من هذا الكتاب والصلاة والسلام على سيدنا
النبي ووصيه الولي أمير المؤمنين وعلى آلهما الأئمة المعصومين
الذين هم حجج الله على الخلق أجمعين وكان انطباع
هذا الكتاب في دار الطباعة المخصوصة لفخر
الحاج والمعتمرين الحاج إبراهيم
وفقه الله في الدارين و
نلتمس الدعاء من
المؤمنين
الطالبين المنتفعين من هذا الكتب لمؤلفه وكاتبه وسائر مباشريه المغفرة من الله تعالى
طبعت على نفقة الحاج سيد محمود كتابچي
في شهر بيع الأول
صاحب المكتبة العلمية الاسلامية بطهران
سنة 1378 ق
496