الكتاب: التسهيل لعلوم التنزيل
المؤلف: الغرناطي الكلبي
الجزء: ١
الوفاة: ٧٤١
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق:
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣م
المطبعة: لبنان - دار الكتاب العربي
الناشر: دار الكتاب العربي
ردمك:
ملاحظات:

التسهيل لعلوم التنزيل 1 - 4
1

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الفقيه الإمام العالم العلم العلامة فريد دهره ووحيد عصره أبو عبد الله محمد المدعو بالقاسم ابن أحمد بن محمد بن جزى الكلبي رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه بحرمة النبي الأواه
الحمد لله العزيز الوهاب مالك الملوك ورب الأرباب هو الذي أنزل على عبده الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب وأودعه من العلوم النافعة والبراهين القاطعة غاية الحكمة وفصل الخطاب وخصصه من الخصائص العلية واللطائف الخفية والدلائل الجلية والأسرار الربانية العجب بكل عجب عجاب وجعله في الطبقة العليا من البيان حتى أعجز الإنسان والجان واعترف علماء أرباب اللسان بما تضمنه من الفصاحة والبراعة والبلاغة والإعراب والإغراب ويسر حفظه في الصدور وضمن حفظه من التبديل والتغيير فلم يتغير ولا يتغير على طول الدهور وتوالي الأحقاب وجعله قولا فصلا وحكما عدلا وآية بادية ومعجزة باقية يشاهدها من شهد الوحي ومن غاب وتقوم بها الحجة للمؤمن الأواب والحجة على الكافر المرتاب وهدى الخلق بما شرع فيه من الأحكام وبين الحلال والحرام وعلم من شعائر الإسلام وصرف من النواهي والأوامر والمواعظ والزواجر والبشارة بالثواب والنذارة بالعقاب وجعل أهل القرآن أهل الله وخاصته واصطفاهم من عباده وأورثهم الجنة وحسن المآب فسبحان مولانا الكريم الذي خصنا بكتابه وشرفنا بخطابه فياله من نعمة سابغة وحجة بالغة اوزعنا الله الكريم القيام بواجب شكرها وتوفية حقها ومعرفة قدرها وما توفيقي إلا بالله هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب وصلاة الله وسلامه وتحياته وبركاته وإكرامه على من دلنا على الله وبلغنا رسالة الله وجاءنا بالقرآن العظيم وبالآيات والذكر الحكيم وجاهد في الله حق الجهاد وبذل جهده في الحرص على نجاة العباد وعلم ونصح وبين وأوضح حتى قامت الحجة ولاحت المحجة وتبين الرشد من الغي وظهر طريق الحق والصواب وانقشعت ظلمات الشك والارتياب ذلك سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي القرشي الهاشمي المختار من لباب اللباب والمصطفى من أطهر الأنساب وأشرف الأحساب الذي أيده الله بالمعجزات الظاهرة والجنود القاهرة والسيوف الباترة الغضاب وجمع له بين شرف الدنيا والآخرة وجعله قائدا للغر المحجلين والوجوه الناضرة فهو أول من يشفع يوم الحساب وأول من يدخل الجنة ويقرع الباب فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الأكرمين خير أهل وأصحاب صلاة زاكية نامية لا يحصر مقدارها العد والحساب ولا يبلغ إلى أدنى وصفها ألسنة البلغاء ولا أقلام الكتاب
أما بعد فإن علم القرآن العظيم هو أرفع العلوم قدرا وأجلها خطرا وأعظمها أجرا وأشرفها ذكرا وأن الله أنعم علي بأن شغلني بخدمة القرآن وتعلمه وتعليمه وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه فاطلعت
2

على ما صنف العلماء رضي الله عنهم في تفسير القرآن من التصانيف المختلفة الأوصاف المتباينة الأصناف فمنهم من آثر الاختصار ومنهم من طول حتى كثر الأسفار ومنهم من تكلم في بعض فنون العلم دون بعض ومنهم من اعتمد على نقل أقوال الناس ومنهم من عول على النظر والتحقيق والتدقيق وكل أحد سلك طريقا نحاه وذهب مذهبا ارتضاه وكلا وعد الله الحسنى فرغبت في سلوك طريقهم والانخراط في مساق فريقهم وصنفت هذا الكتاب في تفسير القرآن العظيم وسائر ما يتعلق به من العلوم وسلكت مسلكا نافعا إذ جعلته وجيزا جامعا قصدت به أربع مقاصد تتضمن أربع فوائد الفائدة الأولى جمع كثير من العلم في كتاب صغير الحجم تسهيلا على الطالبين وتقريبا على الراغبين فلقد احتوى هذا الكتاب على ما تضمنته الدواوين الطويلة من العلم ولكن بعد تلخيصها وتمحيصها وتنقيح فصولها وحذف حشوها وفضولها ولقد أودعته من كل فن من فنون علم القرآن اللباب المرغوب فيه دون القشر المرغوب عنه من غير إفراط ولا تفريط ثم إني عزمت على إيجاز العبارة وإفراط الاختصار وترك التطويل والتكرار الفائدة الثانية ذكر نكت عجيبة وفوائد غريبة قلما توجد في كتاب لأنها من نبات صدري وينابيع ذكري ومما أخذته عن شيوخي رضي الله عنهم أو مما التقطته من مستظرفات النوادر الواقعة في غرائب الدفاتر الفائدة الثالثة إيضاح المشكلات إما بحل العقد المقفلات وإما بحسن العبارة ورفع الاحتمالات وبيان المجملات الفائدة الرابعة تحقيق أقوال المفسرين السقيم منها والصحيح وتمييز الراجح من المرجوح وذلك أن أقوال الناس على مراتب فمنها الصحيح الذي يعول عليه ومنها الباطل الذي لا يلتفت إليه ومنها ما يحتمل الصحة والفساد ثم إن هذا الاحتمال قد يكون متساويا أو متفاوتا والتفاوت قد يكون قليلا أو كثيرا وإني جعلت لهذه الأقسام عبارات مختلفة تعرف بها كل مرتبة وكل قول فأدناها ما أصرح بأنه خطأ أو باطل ثم ما أقول فيه إنه ضعيف أو بعيد ثم ما أقول إن غيره أرجح أو أقوى أو أظهر أو أشهر ثم ما أقدم غيره عليه إشعارا بترجيح المتقدم أو بالقول فيه قيل كذا قصدا للخروج من عهدته وأما إذا صرحت باسم قائل القول فإني أفعل ذلك لأحد أمرين إما للخروج عن عهدته وإما لنصرته إذا كان قائله ممن يقتدي به على أني لست أنسب الأقوال إلى أصحابها إلا قليلا وذلك لقلة صحة إسنادها إليهم أو لاختلاف الناقلين في نسبتها إاليهم وأما إذا ذكرت شيئا دون حكاية قوله عن أحد فذلك إشارة إلى أني أتقلده وأرتضيه سواء كان من تلقاء نفسي أو مما أختاره من كلام غيري وإذا كان القول في غاية السقوط والبطلان لم أذكره تنزيها للكتاب وربما ذكرته تحذيرا منه وهذا الذي من الترجيح والتصحيح مبني على القواعد العلمية أو ما تقتضيه اللغة العربية وسنذكر بعد هذا بابا في موجبات الترجيح بين الأقوال إن شاء الله وسميته كتاب التسهيل لعلوم التنزيل وقدمت في أوله مقدمتين إحداهما في أبواب نافعة وقواعد كلية جامعة والأخرى فيما كثر دوره من اللغات الواقعة وأنا أرغب إلى الله العظيم الكريم أن يجعل تصنيف هذا الكتاب عملا مبرورا وسعيا مشكورا ووسيلة توصلني إلى جنات النعيم وتنقذني من عذاب الجحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
3

المقدمة الأولى فيها إثنا عشر بابا
الباب الأول في نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول ما بعثه الله بمكة وهو ابن أربعين سنة إلى أن هاجر إلى المدينة ثم نزل عليه بالمدينة إلى أن
توفاه الله فكانت مدة نزوله عليه عشرون سنة وقيل كانت ثلاث وعشرين سنة على حسب الاختلاف في سنه صلى الله عليه وسلم يوم توفي هل كان ابن ستين سنة أو ثلاث وستين سنة وكان ربما تنزل عليه سورة كاملة وربما تنزل عليه آيات مفترقات فيضم عليه السلام بعضها إلى بعض حتى تكمل السورة وأول ما نزل عليه من القرآن صدر سورة العلق ثم المدثر والمزمل وقيل أول ما نزل المدثر وقيل فاتحة الكتاب والأول هو الصحيح لما ورد في الحديث الصحيح عن عائشة في حديثها الطويل في ابتداء الوحي قالت فيه جاءه الملك وهو بغار حراء قال اقرأ قال ما أنا بقاريء قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقاريء قال فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقاريء قال فأخذني وغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ثم قال * (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) * فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه ما يجد من الروع وفي رواية من طريق جابر ابن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم زملوني فأنزل الله تعالى * (يا أيها المزمل) * وآخر ما نزل * (إذا جاء نصر الله والفتح) * وقيل أية الزنى التي في البقرة وقيل الآية قبلها وكان القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرق في الصحف وفي صدور الرجال فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بيته فجمعه على ترتيب نزوله ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ولكنه لم يوجد فلما قتل جماعة من الصحابة يوم اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يذهب بموت القراء فجمعه في صحف غير مرتب السور وبقيت تلك الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر بعده ثم عند بنته حفصة أم المؤمنين وانتشرت في خلال ذلك صحف كتبت في الآفاق عن الصحابة وكان بينها اختلاف فأشار حذيفة بن اليمان على عثمان بن عفان رضي الله عنهما فجمع الناس على مصحف واحد خيفة من اختلافهم فانتدب لذلك عثمان وأمر زيد بن ثابت فجمعه وجعل معه ثلاثة من قريش عبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاصي بن أمية وقال لهم إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش وجعلوا المصحف الذي كان عند حفصة إماما في هذا الجمع الأخير وكان عثمان رضي الله عنه يتعهدهم ويشاركهم في ذلك فلما كمل المصحف نسخ عثمان رضي الله عنه منه نسخا ووجهها إلى الأمصار وأمر بما سواها أن تخرق أو تحرق يروى بالحاء والخاء المنقوطة فترتيب السور على ما هو الآن من فعل عثمان وزيد بن ثابت والذين كتبوا معه المصحف وقد قيل إنه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ضعيف ترده الآثار الواردة في ذلك وأما نقط القرآن وشكله فأول من فعل ذلك الحجاج بن يوسف بأمر عبد الملك بن مروان وزاد الحجاج تحزيبه وقيل أول من نقطة يحيى بن يعمر وقيل أبو الأسود الدؤلي وأما وضع الأعشار فيه فقيل إن الحجاج فعل ذلك وقيل بل أمره به المأمون العباسي وأما أسماؤه فهي
4

أربعة القرآن والفرقان والكتاب والذكر وسائر ما يسمى صفات لا أسماء كوصفه بالعظيم والكريم والمتين والعزيز والمجيد وغير ذلك فأما القرآن فأصله مصدر قرأ ثم أطلق على المقروء وأما الفرقان فمصدر أيضا معناه التفرقة بين الحق والباطل وأما الكتاب فمصدر ثم اطلق على المكتوب وأما الذكر فسمي القرآن به لما فيه من ذكر الله أو من التذكير والمواعظ ويجوز في السورة من القرآن الهمز وترك الهمز لغة قريش وأما الآية فأصلها العلامة ثم سميت الجملة من القرآن به لأنها علامة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم
الباب الثاني في السورة المكية والمدنية اعلم أن السور المكية هي التي نزلت بمكة ويعد منها كل ما نزل قبل الهجرة وإن نزل بغير مكة كما أن المدنية هي السورة التي نزلت بالمدينة ويعد منها كل ما نزل بعد الهجرة وإن نزل بغير المدينة وتنقسم السور ثلاثة أقسام قسم مدنية باتفاق وهي اثنان وعشرون سورة وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال وبراءة والنور والأحزاب والقتال والفتح والحجرات والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق والتحريم وإذا جاء نصر الله وقسم فيها خلاف هل هي مكية أو مدنية وهي ثلاثة عشر سورة أم القرآن والرعد والنحل والحج والإنسان والمطففون والقدر ولم يكن وإذا زلزلت وأرأيت والإخلاص والمعوذتين وقسم مكية باتفاق وهي سائر السور وقد وقعت آيات مدنية في سور مكية كما وقعت آيات مكية في سور مدنية وذلك قليل مختلف في أكثره
واعلم أن السور المكية نزل أكثرها في إثبات العقائد والرد على المشركين وفي قصص الأنبياء وأن السور المدنية نزل أكثرها في الأحكام الشرعية وفي الرد على اليهود والنصارى وذكر المنافقين والفتوى في مسائل وذكر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وحيث ما ورد يا أيها الذين آمنوا فهو مدني وأما يا أيها الناس فقد وقع في المكي والمدني
الباب الثالث في المعاني والعلوم التي تضمنها القرآن ولنتكلم في ذلك على الجملة والتفصيل أما الجملة فاعلم أن المقصود بالقرآن دعوة الخلق إلى عبادة الله وإلى الدخول في دينه ثم إن هذا المقصد يقتضى أمرين لا بد منهما وإليهما ترجع معاني القرآن كله أحدهما بيان العبادة التي دعي الخلق إليها والأخرى ذكر بواعث تبعثهم على الدخول فيها وترددهم إليها فأما العبادة فتنقسم إلى نوعين وهما أصول العقائد وأحكام الأعمال وأما البواعث عليها فأمرين وهما الترغيب والترهيب وأما على التفصيل فاعلم أن معاني القرآن سبعة وهي علم الربوبية والنبوة والمعاد والأحكام والوعد والوعيد والقصص فأما علم الربوبية فمنه إثبات وجود الباري جل جلاله والاستدلال عليه بمخلوقاته فكل ما جاء في القرآن من التنبيه على المخلوقات والاعتبار في خلقة الأرض والسماوات والحيوان والنبات والريح والأمطار والشمس والقمر والليل والنهار وغير ذلك من الموجودات فهو دليل على خالقه ومنه إثبات الوحدانية والرد على المشركين والتعريف بصفات الله من الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر وغير ذلك من أسمائه وصفاته والتنزيه عما لا يليق به وأما النبوة فإثبات نبوة الأنبياء عليهم السلام على العموم ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم على الخصوص وإثبات الكتب التي أنزلها الله عليهم ووجود الملائكة الذين
5

كان منهم وسائط بين الله وبينهم والرد على من كفر بشيء من ذلك وينخرط في سلك هذا ما ورد في القرآن من تأنيس النبي صلى الله عليه وسلم وكرامته والثناء عليه وسائر الأنبياء صلى الله عليه وعليهم أجمعين وأما المعاد فإثبات الحشر وإقامة البراهين والرد على من خالف فيه وذكر ما في الدار الآخرة من الجنة والنار والحساب والميزان وصحائف الأعمال وكثرة الأهوال ونحو ذلك وأما الأحكام فهي الأوامر والنواهي وتنقسم خمسة أنواع واجب ومندوب وحرام ومكروه ومباح ومنها ما يتعلق بالأبدان كالصلاة والصيام وما يتعلق بالأموال كالزكاة وما يتعلق بالقلوب كالإخلاص والخوف والرجاء وغير ذلك وأما الوعد فمنه وعد بخير الدنيا من النصر والظهور وغير ذلك ومنه وعد بخير الآخرة وهو الأكثر كأوصاف الجنة ونعيمها وأما الوعيد فمنه تخويف بالعقاب في الدنيا ومنه تخويف بالعقاب في الآخرة وهو الأكثر كأوصاف جهنم وعذابها وأوصاف القيامة وأهوالها وتأمل القرآن تجد الوعد مقرونا بالوعيد قد ذكر أحدهما على أثر ذكر الآخر ليجمع بين الترغيب والترهيب وليتبين أحدهما بالآخر كما قيل فبضدها تتبين الأشياء وأما القصص فهو ذكر أخبار الأنبياء المتقدمين وغيرهم كقصة أصحاب الكهف وذي القرنين فإن قيل ما الحكمة في تكرار قصص الأنبياء في القرآن فالجواب من ثلاثة أوجه الأول أنه ربما ذكر في سورة من أخبار الأنبياء ما لم يذكره في سورة أخرى ففي كل واحدة منهما فائدة زائدة على الأخرى الثاني أنه ذكرت أخبار الأنبياء في مواضع على طريقة الإطناب وفي مواضع على طريقة الإيجاز لتظهر فصاحة القرآن في الطريقتين الثالث أن أخبار الأنبياء قصد بذكرها مقاصد فتعدد ذكرها بتعدد تلك المقاصد فمن المقاصد بها إثبات نبوة الأنبياء المتقدمين بذكر ما جرى على أيديهم من المعجزات وذكر إهلاك من كذبهم بأنواع من المهالك ومنها إثبات النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم لإخباره بتلك الأخبار من غير تعلم من أحد وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى * (ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا) * ومنها إثبات الوحدانية ألا ترى أنه لما ذكر إهلاك الأمم الكافرة قال " فما أغنت عنهم آلهتهم اللاتي يدعون من دون الله من شيء " ومنها الاعتبار في قدرة الله وشدة عقابه لمن كفر ومنها تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه له بالتأسي بمن تقدم من الأنبياء كقوله * (ولقد كذبت رسل من قبلك) * ومنها تسليته عليه السلام ووعده بالنصر كما نصر الأنبياء الذين من قبله ومنها تخويف الكفار بأن يعاقبوا كما عوقب الكفار الذين من قبلهم إلى غير ذلك مما احتوت عليه أخبار الأنبياء من العجائب والمواعظ واحتجاج الأنبياء وردهم على الكفار وغير ذلك فلما كانت أخبار الأنبياء تفيد فوائد كثيرة ذكرت في مواضع كثيرة ولكل مقام مقال
الباب الرابع في فنون العلم التي تتعلق بالقرآن اعلم أن الكلام على القرآن يستدعي الكلام في اثني عشر فنا من العلوم وهي التفسير والقراءات والأحكام والنسخ والحديث والقصص والتصوف وأصول الدين وأصول الفقه واللغة والنحو والبيان فأما التفسير فهو المقصود بنفسه وسائر هذه الفنون أدوات تعين عليه أو تتعلق به أو تتفرع منه ومعنى التفسير شرح القرآن وبيان معناه والإفصاح بما يقتضيه بنصه أو إشارته أو نجواه واعلم أن التفسير منه متفق عليه ومختلف فيه ثم إن المختلف فيه على ثلاثة أنواع
الأول اختلاف في العبارة مع اتفاق في المعنى فهذا عده كثير من المؤلفين خلافا وليس في الحقيقة بخلاف لاتفاق معناه وجعلناه نحن قولا واحدا وعبرنا عنه بأحد عبارات المتقدمين أو بما يقرب منها
6

أو بما يجمع معانيها الثاني اختلاف في التمثيل لكثرة الأمثلة الداخلة تحت معنى واحد وليس مثال منها على خصوصه هو المراد وإنما المراد المعنى العام التي تندرج تلك الأمثلة تحت عمومه فهذا عده أيضا كثير من المؤلفين خلافا وليس في الحقيقة بخلاف لأن كل قول منها مثال وليس بكل المراد ولم نعده نحن خلافا بل عبرنا عنه بعبارة عامة تدخل تلك تحتها وربما ذكرنا بعض تلك الأقوال على وجه التمثيل مع التنبيه على العموم المقصود الثالث اختلاف المعنى فهذا هو الذي عددناه خلافا ورجحنا فيه بين أقوال الناس حسبما ذكرناه في خطبة الكتاب فإن قيل ما الفرق بين التفسير والتأويل فالجواب أن في ذلك ثلاثة أقوال الأول أنهما بمعنى واحد الثاني أن التفسير للفظ والتأويل للمعنى الثالث وهو الصواب أن التفسير هو الشرح والتأويل هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر بموجب اقتضى أن يحمل على ذلك ويخرج على ظاهره وأما القراءات فإنها بمنزلة الرواية في الحديث فلا بد من ضبطها كما يضبط الحديث بروايته ثم إن القراءات على قسمين مشهورة وشاذة فالمشهورة هي القراءات السبع وما جرى مجراها كقراءة يعقوب وابن محيصين والشاذة ما سوى ذلك وإنما بنينا هذا الكتاب على قراءة نافع لوجهين أحدهما أنها القراءة المستعملة في بلادنا بالأندلس وسائر بلاد المغرب الأخرى اقتداء بالمدينة شرفها الله لأنها قراءة أهل المدينة وقال مالك بن أنس قراءة نافع سنة وذكرنا من سائر القراءة ما فيها فائدة في المعنى والإعراب وغير ذلك دون ما لا فائدة فيه زائدة واستغنينا عن استيفاء القراءات لكونها مذكورة في الكتب المؤلفة فيها وقد ألفنا فيها كتبا نفع الله بها وأيضا فإنا لما عزمنا في هذا الكتاب على الاختصار حذفنا منه ما لا تدعو إليه الضرورة وقد ذكرنا في هذه المقدمات بابا في قواعد أصول القراءات وأما أحكام القرآن فهي ما ورد فيه من الأوامر والنواهي والمسائل الفقهية وقال بعض العلماء إن آيات الأحكام خمسمائة آية وقد تنتهي إلى أكثر من ذلك إذا استقصى تتبعها في مواضعها وقد صنف الناس في أحكام القرآن تصانيف كثيرة ومن أحسن تصانيف المشارقة فيها تأليف إسماعيل القاضي وابن الحسن كباه ومن أحسن تصانيف أهل الأندلس تأليف القاضي الإمام أبي بكر بن العربي والقاضي الحافظ بن محمد بن عبد المنعم ابن عبد الرحيم المعروف بابن الفرس وأما النسخ فهو يتعلق بالأحكام لأنها محل النسخ إذ لا تنسخ الأخبار ولا بد من معرفة ما وقع في القرآن من الناسخ والمنسوخ والمحكم وهو ما لم ينسخ وقد صنف الناس في ناسخ القرآن ومنسوخه تصانيف كثيرة وأحسنها تأليف القاضي أبي بكر بن العربي وقد ذكرنا في هذه المقدمات بابا في قواعد النسخ وذكر ما تقرر في القرآن من المنسوخ وذكرنا سائره في مواضعه وأما الحديث فيحتاج المفسر إلى روايته وحفظه لوجهين الأول أن كثيرا من الآيات في القرآن نزلت في قوم مخصوصين ونزلت بأسباب قضايا وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوات والنوازل والسؤالات ولا بد من معرفة ذلك ليعلم فيمن نزلت الآية وفيما نزلت ومتى نزلت فإن الناسخ يبنى على معرفة تاريخ النزول لأن المتأخر ناسخ للمتقدم الثاني أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كثير من تفسير القرآن فيجب معرفته لأن قوله عليه السلام مقدم على أقوال الناس وأما القصص فهي من جملة العلوم التي تضمنها القرآن فلا بد من تفسيره إلا أن الضروري منه ما يتوقف التفسير عليه وما سوى ذلك زائد مستغنى عنه وقد أكثر بعض المفسرين من حكاية القصص الصحيح وغير الصحيح حتى أنهم
ذكروا منه ما لا يجوز ذكره مما فيه تقصير بمنصب
7

الأنبياء عليهم السلام أو حكاية ما يجب تنزيههم عنه وأما نحن فاقتصرنا في هذا الكتاب من القصص ما يتوقف التفسير عليه وعلى ما ورد منه في الحديث الصحيح وأما التصوف فله تعلق بالقرآن لما ورد في القرآن من المعارف الإلهية ورياضة النفوس وتنوير القلوب وتطهيرها باكتساب الأخلاق الحميدة واجتناب الأخلاق الذميمة وقد تكلمت المتصوفة في تفسير القرآن فمنهم من أحسن وأجاد ووصل بنور بصيرته إلى دقائق المعاني ووقف على حقيقة المراد ومنهم من توغل في الباطنية وحمل القرآن على ما لا تقتضيه اللغة العربية وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي كلامهم في التفسير في كتاب سماه الحقائق وقال بعض العلماء بل في البواطل وإذا انتصفنا قلنا فيه حقائق وبواطل وقد ذكرنا هذا في كتاب ما يستحسن من الإشارات الصوفية دون ما يعترض أو يقدح فيه وتكلمنا أيضا على اثني عشر مقاما من مقام التصوف في مواضعها من القرآن فتكلمنا على الشكر في أم القرآن لما بين الحمد والشكر من الاشتراك في المعنى وتكلمنا على التقوى في قوله تعالى في البقرة * (هدى للمتقين) * وعلى الذكر في قوله فيها * (فاذكروني أذكركم) * وعلى الصبر في قوله تعالى * (وبشر الصابرين) * وعلى التوحيد في قوله فيها * (وإلهكم إله واحد) * وعلى محبة الله في قوله فيها * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * وعلى التوكل في قوله في آل عمران * (فإذا عزمت فتوكل على الله) * وعلى المراقبة في قوله في النساء * (إن الله كان عليكم رقيبا) * وعلى الخوف والرجاء في قوله في الأعراف * (وادعوه خوفا وطمعا) * وعلى التوبة في قوله في النور * (وتوبوا إلى الله جميعا) * وعلى الإخلاص في قوله في لم يكن * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * وأما أصول الدين فيتعلق بالقرآن من طرفين أحدهما ما ورد في القرآن من إثبات العقائد وإقامة البراهين عليها والرد على أصناف الكفار والآخر أن الطوائف المختلفة من المسلمين تعلقوا بالقرآن وكل طائفة منهم تحتج لمذهبها بالقرآن وترد على من خالفها وتزعم أنه خالف القرآن ولا شك أن منهم المحق والمبطل فمعرفة تفسير القرآن أن توصل في ذلك إلى التحقيق مع التشديد والتأييد من الله والتوفيق وأما أصول الفقه فإنها من أدوات تفسير القرآن على أن كثيرا من المفسرين لم يشتغلوا بها وإنها لنعم العون على فهم المعاني وترجيح الأقوال وما أحوج المفسر إلى معرفة النص والظاهر والمجمل والمبين والعام والخاص والمطلق والمقيد وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب وشروط النسخ ووجوه التعارض وأسباب الخلاف وغير ذلك من علم الأصول
وأما اللغة فلا بد للمفسر من حفظ ما ورد في القرآن منها وهي غريب القرآن وهي من فنون التفسير وقد صنف الناس في غريب القرآن تصانيف كثيرة وقد ذكرنا بعد هذه المقدمة مقدمة في اللغات الكثيرة الدوران في القرآن لئلا نحتاج أن نذكرها حيث وقعت فيطول الكتاب بكثرة تكرارها وأما النحو فلا بد للمفسر من معرفته فإن القرآن نزل بلسان العرب فيحتاج إلى معرفة اللسان والنحو ينقسم إلى قسمين أحدهما عوامل الإعراب وهي أحكام الكلام المركب والآخر التصريف وهي أحكام الكلمات من قبل تركيبها وقد ذكرنا في هذا الكتاب من إعراب القرآن ما يحتاج إليه من المشكل والمختلف أو ما يفيد فهم المعنى أو ما يختلف المعنى باختلافه ولم نتعرض لما سوى ذلك من الإعراب السهل الذي لا يحتاج إليه إلا المبتدىء فإن ذلك يطول بغير فائدة كبيرة وأما علم البيان فهو علم شريف تظهر به فصاحة القرآن وقد ذكرنا منه في هذا الكتاب فوائد فائقة ونكت مستحسنة رائقة وجعلنا في المقدمات بابا في أدوات البيان
8

ليفهم به ما يرد منها مفرقا في مواضعه من القرآن
الباب الخامس في أسباب الخلاف بين المفسرين والوجوه التي يرجح بها بين أقوالهم فأما أسباب الخلاف فهي اثني عشر الأول اختلاف القرآن الثاني اختلاف وجوه الإعراب وإن اتفقت القراءات الثالث اختلاف اللغويين في معنى الكلمة الرابع اشتراك اللفظ بين معنيين فأكثر الخامس احتمال العموم والخصوص السادس احتمال الإطلاق أو التقييد السابع احتمال الحقيقة أو المجاز الثامن احتمال الإضمار أو الاستقلال التاسع احتمال الكلمة زائدة العاشر احتمال حمل الكلام على الترتيب وعلى التقديم والتأخير الحادي عشر احتمال أن يكون الحكم منسوخا أو محكما الثاني عشر اختلاف الرواية في التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف رضي الله عنهم وأما وجوه الترجيح فهي اثني عشر الأول تفسير بعض القرآن ببعض فإذا دل موضع من القرآن على المراد بموضع آخر حملناه عليه ورجحنا القول بذلك على غيره من الأقوال الثاني حديث النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ورد عنه عليه السلام تفسير شيء من القرآن عولنا عليه لا سيما إن ورد في الحديث الصحيح الثالث أن يكون القول قول الجمهور وأكثر المفسرين فإن كثرة القائلين بالقول يقتضي ترجيحه الرابع أن يكون القول قول من يقتدى به من الصحابة كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن عباس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل الخامس أن يدل على صحة القول كلام العرب من اللغة والإعراب أو التصريف أو الاشتقاق السادس أن يشهد بصحة القول سياق الكلام ويدل عليه ما قبله أو ما بعده السابع أن يكون ذلك المعنى المتبادر إلى الذهن فإن ذلك دليل على ظهوره ورجحانه الثامن تقديم الحقيقة على المجاز فإن الحقيقة أولى أن يحمل عليها اللفظ عند الأصوليين وقد يترجح المجاز إذا كثر استعماله حتى يكون أغلب استعمالا من الحقيقة ويسمى مجازا راجحا والحقيقة مرجوحة وقد اختلف العلماء أيهما يقدم فمذهب أبي حنيفة تقديم الحقيقة لأنها الأصل ومذهب أبي يوسف تقديم المجاز الراجح لرجحانه وقد يكون المجاز أفصح وأبرع فيكون أرجح التاسع تقديم العمومي على الخصوصي فإن العمومي أولى لأنه الأصل إلا أن يدل دليل على التخصيص العاشر تقديم الإطلاق على التقييد إلا أن يدل دليل على التقييد الحادي عشر تقديم الاستقلال على الإضمار إلا أن يدل دليل على الإضمار الثاني عشر حمل الكلام على ترتيبه إلا أن يدل دليل على التقديم والتأخير
الباب السادس في ذكر المفسرين
اعلم أن السلف الصالح انقسموا إلى فرقتين فمنهم من فسر القرآن وتكلم في معانيه وهم الأكثرون ومنهم من توقف عن الكلام فيه احتياطا لما ورد من التشديد في ذلك فقد قالت عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من القرآن الآيات إلا بعد علمه إياهن من جبريل وقال صلى الله عليه وسلم من قال في القرآن
برأيه وأصاب فقد أخطأ وتأول المفسرون حديث عائشة رضي الله عنها بأنه في مغيبات القرآن التي لا تعلم إلا بتوقيف من الله تعالى وتأول الحديث الآخر بأنه فيمن تكلم في القرآن بغير علم ولا أدوات لا فيمن تكلم فيما تقتضيه أدوات العلوم ونظر في أقوال العلماء المتقدمين فإن هذا لم يقل في القرآن برأيه واعلم أن المفسرين على طبقات فالطبقة الأولى الصحابة رضي الله عنهم وأكثرهم كلاما في التفسير ابن عباس وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يثني على تفسير ابن عباس ويقول كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق وقال ابن عباس
9

ما عندي من تفسير القرآن فهو عن علي بن أبي طالب ويتلوهما عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد ابن ثابت وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وكلما جاء من التفسير عن الصحابة فهو حسن والطبقة الثانية التابعون وأحسنهم كلاما في التفسير الحسن بن الحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد مولى ابن عباس وعلقمة صاحب عبد الله بن مسعود ويتلوهم عكرمة وقتادة والسدي والضحاك ابن مزاحم وأبو صالح وأبو العالية ثم حمل تفسير القرآن عدول كل خلف وألف الناس فيه كالمفضل وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وعلي بن أبي طلحة وغيرهم ثم إن محمد بن جرير الطبري جمع أقوال المفسرين وأحسن النظر فيها وممن صنف في التفسير أشياء أبو بكر النقاش والثعلبي والماوردي إلا أن كلامهم يحتاج إلى تنقيح وقد استدرك الناس على بعضهم وصنف أبو محمد بن قتيبة في غريب القرآن ومشكله وكثير من علومه وصنف في معاني القرآن جماعة من النحويين كأبي إسحق الزجاج وأبي علي الفارسي وأبي جعفر النحاس وأما أهل المغرب والأندلس فصنف القاضي منذر بن سعيد البلوطي كتابا في غريب القرآن وتفسيره ثم صنف المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب كتاب الهداية في تفسير القرآن وكتابا في غريب القرآن وكتابا في ناسخ القرآن ومنسوخه وكتابا في إعراب القرآن إلى غير ذلك من تآليفه فإنها نحو ثمانين تأليفا أكثرها في علوم القرآن والقراءات والتفسير وغير ذلك وأما أبو عمرو الداني فتآليفه تنيف على مائة وعشرين إلا أن أكثرها في القرآن ولم يؤلف في التفسير إلا قليلا وأما أبو العباس المهدي فمتقن التآليف حسن الترتيب جامع لفنون علوم القرآن ثم جاء القاضيان أبو بكر بن العربي وأبو محمد عبد الحق بن عطية فأبدع كل واحد وأجمل واحتفل وأكمل فأما ابن العربي فصنف كتاب أنوار الفجر في غاية الاحتفال والجمع لعلوم القرآن فلما تلف تلافاه بكتاب قانون التأويل إلا أنه اخترمته المنية قبل تخليصه وتلخيصه وألف في سائر علوم القرآن تآليفا مفيدة وأما ابن عطية فكتابه في التفسير أحسن التآليف وأعدلها فإنه اطلع على تآليف من كان قبله فهذبها ولخصها وهو مع ذلك حسن العبارة مسدد النظر محافظ على السنة ثم ختم علم القرآن بالأندلس وسائر المغرب بشيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير فلقد قطع عمره في خدمة القرآن وآتاه الله بسطة في علمه وقوة في فهمه وله فيه تحقيق ونظر دقيق ومما بأيدينا من تآليف أهل المشرق تفسير ابن القاسم الزمخشري فمسدد النظر بارع في الإعراب متقن في علم البيان إلا أنه ملأ كتابه من مذهب المعتزلة وشرهم وحمل آيات القرآن على طريقتهم فتكدر صفوه وتمرر حلوه فخذ منه ما صفا ودع ما كدر وأما القرنوي فكتابه مختصر وفيه من التصوف نكت بديعة وأما ابن الخطيب فتضمن كتابه ما في كتاب الزمخشري وزاد عليه إشباع في قواعد علم الكلام ونمقه بترتيب المسائل وتدقيق النظر في بعض المواضع وهو على الجملة كتاب كبير الجرم ربما يحتاج إلى تلخيص والله ينفع الجميع بخدمة كتابه ويجزيهم أفضل ثوابه
الباب السابع في الناسخ والمنسوخ النسخ في اللغة هو الإزالة والنقل ومعناه في الشريعة رفع الحكم الشرعي بعد ما نزل ووقع في القرآن على ثلاثة أوجه الأول نسخ اللفظ والمعنى كقوله لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم الثاني نسخ اللفظ دون المعنى كقوله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم الثالث نسخ المعنى دون اللفظ وهو كثير وقع منه في القرآن على ما عد بعض العلماء
10

مائتا موضع وثنتا عشرة مواضع منسوخة إلا أنهم عدوا التخصيص والتقييد نسخا والاستثناء نسخا وبين هذه الأشياء وبين النسخ فروق معروفة وسنتكلم على ذلك في مواضعه ونقدم هنا ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم ليغني ذلك عن تكراره في مواضعه فإنه وقع منه في القرآن مائة آية وأربع عشرة آية من أربع وخمسين آية ففي البقرة * (وقولوا للناس حسنا) * * (ولنا أعمالنا) * * (ولا تعتدوا) * أي لا تبدءوا بالقتال * (ولا تقاتلوهم) * * (قل قتال) * * (لا إكراه) * وفي آل عمران * (فإنما عليك البلاغ) * * (منهم تقاة) * وفي النساء * (فأعرض عنهم) * في موضعين * (فما أرسلناك عليهم حفيظا) * * (لا تكلف إلا نفسك) * * (إلا الذين يصلون) * وفي المائدة " ولا آمن " * (عليك البلاغ) * * (عليكم أنفسكم) * وفي الأنعام * (لست عليكم بوكيل) * * (ثم ذرهم) * * (ا عليكم بحف) * * (وأعرض) * * (عليهم حفيظا) * * (ولا تسبوا) * قدرهم في موضعين * (يا قوم اعملوا) * * (قل انظروا) * * (لست منهم في شيء) * وفي الأعراف * (فأعرض) * * (وأملي لهم) * وفي الأنفال * (وإن استنصروكم) * يعني المجاهدين وفي التوبة * (فاستقيموا لهم) * وفي يونس * (فانتظروا) * * (فقل لي عملي) * * (وإما نرينك) * * (ولا يحزنك قولهم) * لما يقتضي من الإمهال * (أفأنت تكره) * * (فمن اهتدى) * لأن معناه الإمهال * (واصبر) * وفي هود * (إنما أنت نذير) * أي تنذر ولا تجبر * (اعملوا على مكانتكم) * * (انتظروا) * وفي الرعد * (عليك البلاغ) * وفي النحل * (إلا البلاغ) * * (عليك البلاغ) * * (وجادلهم) * * (واصبر) * وفي الإسراء * (ربكم أعلم بكم) * وفي مريم " فأنذرهم " * (فليمدد) * * (ولا تعجل) * وفي طه * (قل كل متربص) * وفي الحج * (وإن جادلوك) * وفي المؤمنين * (فذرهم) * * (ادفع) * وفي النور * (فإن تولوا) * * (وما على الرسول إلا البلاغ) * وفي النمل * (فمن اهتدى) * وفي القصص * (لنا أعمالنا) * وفي العنكبوت * (أنا نذير) * لما يقتضي من عدم الإجبار وفي الروم * (فاصبر) * وفي لقمان * (ومن كفر) * وفي السجدة * (فانظروا) * وفي الأحزاب * (ودع أذاهم) * وفي سبأ * (قل لا تسألون) * وفي فاطر * (إن أنت إلا نذير) * وفي يس * (فلا يحزنك) * وفي الصافات " فقول " و " قول " وما يليهما وفي ص * (أصبر) * * (أنا نذير) * وفي الزمر * (إن الله يحكم بينهم) * لما فيه من الإمهال * (فاعبدوا ما شئتم) * * (يا قوم اعملوا) * * (فمن اهتدى) * * (أنت تحكم) * لأن فيه تفويضا وفي المؤمن * (فاصبر) *
في موضعين وفي السجدة * (ادفع) * وفي الشورى * (وما أنت عليهم بوكيل) * * (ولنا أعمالنا) * * (فإن أعرضوا) * وفي الزخرف * (فذرهم) * * (واصفح) * وفي الدخان * (فارتقب) * وفي الجاثية * (يغفروا) * وفي الأحقاف * (فاصبر) * وفي القتال * (فإما منا) * وفي ق * (فاصبر) * * (وما أنت) * وفي الذاريات " فقول " وفي الطور * (قل تربصوا) * * (واصبر) * * (فذرهم) * وفي النجم * (فأعرض) * وفي القمر " فقول " وفي ن * (فاصبر) * * (سنستدرجهم) * وفي المعارج * (فاصبر) * * (فذرهم) * وفي المزمل * (واهجرهم) * * (وذرني) * وفي المدثر * (ذرني) * وفي الإنسان * (فاصبر) * وفي الطارق * (فمهل الكافرين) * وفي الغاشية * (لست عليهم بمصيطر) * وفي الكافرين * (لكم دينكم) * نسخ ذلك كله * (اقتلوا المشركين) * و * (كتب عليكم القتال) *
الباب الثامن في جوامع القراءة وهو على نوعين مشهورة وشاذة فالمشهورة القراءات السبع وهو حرف نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمر بن العلاء البصري وابن عامر الشامي وعاصم وابن حمزة والكسائي الكوفيين ويجري مجراهم في الصحة والشهرة يعقوب الخضري بن محيصن ويزيد بن القعقاع والشاذة ما سوى ذلك وإنما سميت شاذة لعدم استقامتها في النقل وقد تكون فصيحة اللفظ أو قوية المعنى ولا يجوز أن يقرأ بحرف إلا بثلاث شروط موافقته لمصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه وموافقته لكلام العرب ولو على بعض الوجوه أو في بعض اللغات ونقله نقلا متواترا أو مستفيضا
11

واعلم أن اختلاف القراء على نوعين أصول وفرش الحروف فأما الفرش فهو ما لا يرجع إلى أصل مضطرد ولا قانون كلي وهو على وجهين اختلاف في القراءة باختلاف المعنى وباتفاق المعنى وأما الأصول فالاختلاف فيها لا يغير المعنى وهي ترجع إلى ثمان قواعد الأولى الهمزة وهي في حروف المد الثلاث ويزاد فيها على المد الطبيعي بسبب الهمزة والتقاء الساكنين الثانية وأصله التحقيق ثم قد يحقق على سبعة أوجه إبدال واو أو ياء أو ألف وتسهيل بين الهمزة والواو وبين الهمزة والياء وبين الهمزة والألف وإسقاط الثالثة الإدغام والإظهار والأصل الإظهار ثم يحدث الإدغام في المثلين أو المتقاربين وفي كلمة وفي كلمتين وهو نوعان إدغام كبير انفرد به أبو عمرو وهو إدغام المتحرك وإدغام صغير لجميع القراء وهو إدغام الساكن الرابعة الإمالة وهو أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء والأصل الفتح ويوجب الإمالة الكسرة والياء الخامسة الترقيق والتفخيم والحروف على ثلآثة أقسام يفخم في كل حال وهي حروف الاستعلاء السبعة ومفخم تارة ومرقق أخرى وهي الراء واللام والألف فأما الراء فأصلها التفخيم وترقق للكسر والياء وأما اللام فأصلها الترقيق وتفخم لحروف الإطباق وأما الألف فهي تابعة للتفخيم والترقيق لما قبلها والمرقق على كل حال سائر الحروف السادسة الوقف وهو على ثلاثة أنواع سكون جائز في الحركات الثلاثة وروم في المضموم والمكسور وإشمام في المضموم خاصة السابعة مراعاة الخط في الوقف الثامنة إثبات الياءات وحذفها
الباب التاسع في الوقف وهي أربعة أنواع وقف تام وحسن وكاف وقبيح وذلك بالنظر إلى الإعراب والمعنى فإن كان الكلام مفتقرا إلى ما بعده في إعرابه أو معناه وما بعده مفتقرا إليه كذلك لم يجز إليه الفصل بين كل معمول وعامله وبين كل ذي خبر وخبره وبين كل ذي جواب وجوابه وبين كل ذي موصول وصلته وإن كان الكلام الأول مستقلا يفهم دون الثاني إلا أن الثاني غير مستقل إلا بما قبله فالوقف على الأول كاف وذلك في التوابع والفضلات كالحال والتمييز والاستثناء وشبه ذلك إلا أن وصل المستثنى المتصل آكد من المنقطع ووصل التوابع والحال إذا كانت أسماء مع ذات آكد من وصلها إذا كانت جملة وإن كان الكلام مستقلا والثاني كذلك فإن كانا في قصة واحدة فالوقف على الأول حسن وإن كانا في قصتين مختلفتين فالوقف تام وقد يختلف الوقف باختلاف الإعراب أو المعنى وكذلك اختلف الناس في كثير من الوقف من أقوالهم فيها راجح ومرجوح وباطل وقد يقف لبيان المراد وإن لم يتم الكلام (تنبيه) هذا الذي ذكرنا من رعى الإعراب والمعنى في المواقف استقر عليه العمل وأخذ به شيوخ المقرئين وكان الأوائل يراعون رؤس الآيات فيقفون عندها لأنها في القرآن كالفقر في النثر والقوافي في الشعر ويؤكد ذلك ما أخرجه الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته يقول الحمد لله رب العالمين ثم يقف الرحمن الرحيم ثم يقف
الباب العاشر في الفصاحة والبلاغة وأدوات البيان أما الفصاحة فلها خمسة شروط الأول أن تكون الألفاظ عربية لا مما أحدثه المولدون ولا مما غلطت فيه العامة الثاني أن تكون من الألفاظ المستعملة لا من الوحشية المستثقلة الثالث أن تكون العبارة واقعة على المعنى موفية له لا قاصرة عنه الرابع أن تكون العبارة سهلة سالمة من التعقيد الخامس أن يكون الكلام سالما من الحشو الذي لا يحتاج إليه وأما البلاغة
12

فهي سياق الكلام على ما يقتضيه الحال والمقال من الإيجاز والإطناب ومن التهويل والتعظيم والتحقير ومن التصريح والكناية والإشارة وشبه ذلك بحيث يهز النفوس ويؤثر في القلوب ويقود السامع إلى المراد أو يكاد وأما أدوات البيان فهي صناعة البديع وهو تزيين الكلام كما يزين العلم الثوب وقد وجدنا في القرآن منها اثنين وعشرين نوعا ونبهنا على كل نوع في المواضع التي وقع فيها من القرآن وقد ذكرنا هنا أسماءها ونبين معناه الأول المجاز وهو اللفظ المستعمل في غير مواضع له لعلاقة بينهما وهو اثنا عشر نوعا التشبيه والاستعارة والزيادة والنقصان وتشبيه المجاور باسم مجاوره والملابس باسم ملابسه والكل وإطلاق اسم الكل على البعض وعكسه والتسمية باعتبار ما يستقبل والتسمية باعتبار ما مضى وفي هذا خلاف هل هو حقيقة أو مجاز واتفق أهل علم اللسان وأهل الأصول على وقوع المجاز في القرآن لأن القرآن نزل بلسان العرب وعادة فصحاء العرب استعمال المجاز ولا وجه لمن منعه لأن الواقع منه في القرآن أكثر من أن يحصى الثاني الكناية وهي العبارة عن الشيء فيما لا يلازمه من غير تصريح الثالث الالتفات وهو على ستة أنواع خروج من التكلم إلى الخطاب أو الغيبة وخروج من الخطاب إلى التكلم أو الغيبة وخروج من الغيبة إلى التكلم أو الخطاب الرابع التمديد وهو ذكر شيء بعد اندراجه في لفظ عام متقدم والقصد بالتجديد تعظيم المجدد ذكره أو تحقيره أو رفع الاحتمال الخامس الاعتراض وهو إدراج كلام بين شيئين متلازمين كالخبر والمخبر عنه والصفة والموصوف والمعطوف والمعطوف عليه وإدخاله في أثناء كلام متصل والقصد به تأكيد الكلام الذي أدرج فيه السادس
التجنيس وهو اتفاق اللفظ مع اختلاف المعنى ثم الاتفاق قد يكون في الحروف والصيغة أو في الحروف خاصة أو في أكثر الحروف لا في جميعها أو في الخط لا في اللفظ وهو تجنيس التصحيف السابع الطباق وهو ذكر الأشياء المتضادة كالسواد والبياض والحياة والموت والليل والنهار وشبه ذلك الثامن المقابلة وهو أن يجمع بين شيئين فصاعدا ثم يقابلهما بأشياء أخر التاسع المشاكلة وهي أن تذكر الشيء بلفظ آخر لوقوعه في صحبته العاشر الترديد وهو رد الكلام على آخره ويسمى في الشعر رد العجز على الصدر الحادي عشر لزوم ما لا يلزم وهو أن تلتزم قبل حروف الروي حرفا آخر وكذلك عند رؤوس الآيات الثاني عشر القلب وهو أن يكون الكلام يصلح ابتداء قراءته من أوله وآخره نحو دعد أو تعكس كلماته فتقدم المؤخر منها وتؤخر المقدم الثالث عشر التقسيم وهو أن تقسم المذكور إلى أنواعه أو أجزائه الرابع عشر التتميم وهو أن تزيد في الكلام ما يوضحه ويؤكده وإن كان مستقلا دون هذه الزيادة الخامس عشر التكرار وهو أن تضع الظاهر موضع المضمر فتكرر الكلمة على وجه التعظيم أو التهويل أو مدح المذكور أو ذمه أو للبيان السادس عشر التهكم وهو إخراج الكلام عن مقتضاه استهزاء بالمخاطب أو بالخبر كذلك البشارة في موضع النذارة السابع عشر اللف والنشر وهو أن تلف في الذكر شيئين فأكثر ثم تذكر متعلقات بها وفيه طريقتان أن تبدأ في ذكر المتعلقات بالأول وأن تبدأ بالآخر الثامن عشر الجمع وهو أن تجمع بين شيئين فأكثر في خبر واحد وفي وصف واحد وشبه ذلك التاسع عشر الترصيع وهو أن تكون الألفاظ في آخر الكلام مستوفية الوزن أو متقاربة مع الألفاظ التي في أوله العشرون التشجيع وهو أن يكون كلمات الآي على روي واحد الحادي والعشرون الاستطراد وهو أن يتطرق من كلام إلى كلام آخر بوجه يصل ما بينهما ويكون الكلام الثاني
13

هو المقصود كخروج الشاعر من السب إلى المدح بمعنى يتعلق بالطرفين مع أنه قصد المدح الثاني والعشرون المبالغة وقد تكون بصيغة الكلمة نحو صيغة فعال ومفعال وقد تكون بالمبالغة في الإخبار أو الوصف فإن اشتدت المبالغة فهو غلو وإغراب وذلك مستكره عند أهل هذا الشأن
الباب الحادي عشر في إعجاز القرآن وإقامة الدليل على أنه من عند الله عز وجل ويدل على ذلك عشرة أوجه الأول فصاحته التي امتاز بها عن كلام المخلوقين الثاني نظمه العجيب وأسلوبه الغريلب من قواطع آياته وفواصل كلماته الثالث عجز المخلوقين في زمان نزوله وبعد ذلك إلى الآن عن الإتيان بمثله الرابع ما أخبر فيه من أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم ذلك ولا قرأه في كتاب الخامس ما أخبر فيه من الغيوب المستقبلة فوقعت على حسب ما قال السادس ما فيه من التعريف بالباري جل جلاله وذكر صفاته وأسمائه وما يجوز عليه وما يستحيل عليه ودعوة الخلق إلى عبادته وتوحيده وإقامة البراهين القاطعة والحجج الواضحة والرد على أصناف الكفار وذلك كله يعلم بالضرورة أنه لا يصل إليه بشر من تلقاء نفسه بل يوحي من العليم الخبير ولا يشك عاقل في صدق من عرف الله تلك المعرفة وعظم جلاله ذلك التعظيم ودعا عباد الله إلى صراطه المستقيم السابع ما شرع فيه من الأحكام وبين من الحلال والحرام وهدى إليه من مصالح الدنيا والآخرة وأرشد إليه من مكارم الأخلاق وذلك غاية الحكمة وثمرة العلوم الثامن كونه محفوظا عن الزيادة والنقصان محروسا عن التغيير والتبديل على طول الزمان بخلاف سائر الكتب التاسع تيسيره للحفظ وذلك معلوم بالمعاينة العاشر كونه لا يمله قارئه ولا سامعه على كثرة الترديد بخلاف سائر الكلام
الباب الثاني عشر في فصل القرآن وإنما نذكر ما ورد في الحديث الصحيح فمن ذلك ما ورد عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه وينتفع به وهو عليه شاق فله أجران وعن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه فإن الله يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع آخرين وعن ابن عباس قال بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة وعن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقرأوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر
14

من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة وعن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم فضرب في صدري وقال ليهنك العلم يأ أبا المنذر وعن النواس بن سمعان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهما بعد قال وإنهما غمامتان أو طلتان سوداوان بينهما شرف أو كأنهما فرقان من طير صواف تخافان عن صاحبهما وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سورة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وعن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تر آيات أنزلت علي لم ير مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس
المقدمة الثانية في تفسير معاني اللغات
نذكر في هذه المقدمة الكلمات التي يكثر دورها في القرآن أو تقع في موضعين فأكثر من الأسماء والأفعال والحروف وإنما جمعناها في هذا الباب لثلاثة فوائد أحدها
تفسيرها للحفظ فإنها وقعت في القرآن متفرقة فجمعها أسهل لحفظها والثانية ليكون هذا الباب كالأصول الجامعة لمعاني التفسير لما أن تآليف القرآن جمعت فيها الأصول المطردة والكثيرة الدور والثالثة الاقتصار فنستغني بذكرها هنا عن ذكرها في مواضعها من القرآن خوف التطويل بتكرارها وربما نبهنا على بعضها للحاجة إلى ذلك ورتبناها في هذا الكتاب على حروف المعجم فمن لم يجد تفسير كلمة في موضعها من القرآن فلينظر في هذا الباب واعتبرنا في هذا الحروف الحرف الذي يكون فاء الكلمة وهو الأصلي دون الحروف الزائدة في أول الكلمات
حرف الهمزة * (أيه) * لها معنيان أحدهما علامة وبرهان والثاني آية من القرآن وهي كلام متصل إلى الفاصلة والفواصل هي رؤس الآيات * (أتي) * بقصر الهمزة معناه جاء ومضارعه يأتي ومصدره إتيان واسم الفاعل منه آت واسم المفعول منه مأتي ومنه قوله تعالى * (أتي) * بمد الهمزة معناه أعطي ومضارعه يؤتي واسم الفاعل مؤت ومنه والمؤتون الزكاة * (أبى) * يأبى أي امتنع * (آثر) * الشيء بقيته وأمارته وجمعه آثار والأثر أيضا الحديث وأثارة من علم بقية وأثاروا الأرض حرثوها وأثر الرجل الشيء يؤثره فضله * (إثم) * ذنب ومنه آثم وأثيم أي مذنب * (أجر) * ثواب وبمعنى الأجرة ومنه استأجره وعلى أن تأجرني وأما استجارك فأجره ويجركم من عذاب أليم ومن يجيرني من الله وهو يجير ولا يجار عليه فذلك كله من الجوار بمعنى التأمين * (آمن) * إيمانا أي صدق والإيمان في اللغة التصديق مطلقا وفي الشرع التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والمؤمن في الشرع المصدق بهذه الأمور والمؤمن اسم الله تعالى أي المصدق لنفسه وقيل إنه من الأمن أي يؤمن أولياءه من عذابه وأمن بقصر الهمزة وكسر الميم أمنا وأمانة ضد الخوف وأمن من الأمانة وأمن غيره من التأمين * (أليم) * مؤلم أي موجع ومنه تألمون * (إمام) * له أربعة معان القدوة والكتاب والطريق وجمع أم أي تابع وهي للمتقين إماما * (أمة) * لها أربعة معان الجماعة من الناس والدين
15

والحين والإمام أي القدوة * (أمي) * لا يقرأ ولا يكتب ولذلك وصف العرب بالأميين * (أم) * لها معنيان الوالدة والأصل وأم القرى مكة * (أخرى) * مؤنثة آخر وآخر * (ال) * له معنيان الأهل ومنه آل لوط والأتباع والجنود ومنه آل فرعون * (إمس) * اليوم الذي قبل يومك والزمان الماضي * (أناه) * وقته وجمعه إنا ومنه آناء الليل * (أمر) * له معنيان أحدهما طلب الفعل على الوجوب أو الندب أو الإباحة وقد تأتي صفة الأمر لغير الطلب والتهديد والتعجيز والتعجب والخبر والثاني بمعنى الشأن والصفة وقد يراد به العذاب ومنه جاء أمرنا * (إسرائيل) * هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وهو والد الأسباط واليهود ذريتهم * (إياب) * رجوع ومنه مآب أي مرجع ورجل أواب كثير الرجوع إلى الله والتأويب التسبيح يا جبال أوبي * (أفك) * أشد الكذب والأفاك الكذاب وأفك الرجل عن الشيء أي صرف عنه ومنه تؤفكون * (اوي) * الرجل إلى الموضع بالقصر وآواه غيره بالمد ومنه المأوى * (أف) * كلمة شر * (آلاء الله) * نعمه ومنه آلاء ربكما * (أسف) * له معنيان الحزن والغضب ومنه فلما آسفونا * (أسوة) * بكسر الهمزة وضمها قدوة * (اسي) * الرجل يأسى أسآ أي حزن ومنه فلا تأس وكيف آسى * (آذان) * بالقصر إعلام بالشيء ومنه الأذان بالصلاة والآذان بالمد جمع أذن * (إذن الله) * بمعنى العلم والإرادة والإباحة وأذنت بالشيء أعلمت به بكسر الذال وآذنت به غيري بالمد * (إصر) * له معنيان الذنب والعهد * (أيد) * اي قوة ومنه أيدناه وبنيناها بأيد والأيدي جمع يد فهمزتها زائدة * (أكل) * بضم الهمزة اسم المأكول ويجوز فيه ضم الهمزة وإسكانها والأكل بضم الهمزة المصدر " أيلة " غيضة * (أثاث) * متاع البيت * (أجاج) * مر * (أرائك) * أسرة واحدها أريكة * (انيه) * له معنيان أحدهما جمع إناء ومنه آنية من فضة وشديدة الحر ومنه عين آنية ووزن الأولى أفعلة والثانية فاعلة ومذكرها آن * (أحد) * له معنيان واحد ومنه * (الله إحد) * واسم جنس بمعنى إنسان * (أيان) * معناه متى * (إني) * بمعنى كيف ومتى و * (أين) * للحصر * (أن) * المكسورة المخففة أربعة أنواع شرطية ونافية وزائدة ومخففة من الثقيلة * (أن) * المفتوحة المخففة أربعة أنواع مصدرية وزائدة ومخففة من الثقيلة وعبارة عن القول * (إنما) * نوعان ظرف زمان مستقبل ومعناها الشرط وقد تخلو عن الشرط ومجانبة * (إذا) * لها معنيان ظرف زمان ماضي وسببية للتقليل * (أو) * العاطفة لها خمسة معان الشك والإبهام والإباحة والتخيير والناصبة للفعل بمعنى إلى أو إلا * (أم) * استفهامية وقد يكون فيها معنى الإنكار والإضراب وتكون متصلة للمعادلة بين ما قبلها وما بعدها ومنفصلة مما قبلها * (أما) * المكسورة المشددة للتنويع والشك والتخيير وقد تكون مركبة من إن الشرطية وما الزائدة * (الآ) * المفتوحة المشددة أداة استثناء وتكون للإيجاب بعد غير الواجب وتكون مركبة من إن الشرطية ولا النافية " أي " المشددة سبعة أنواع شرطية واستفهامية وموصولة ومنادى وصفة وظرفية إذا أضيفت إلى ظرف ومصدرية إذا أضيفت إلى مصدر * (إي) * المكسورة المخففة ومعناها التصديق * (إلي) * معناه انتهاء الغاية وقيل تكون بمعنى مع " الهمزة " للاستفهام والتقرير والتوبيخ والتسوية وللمتكلم وأملية وزائدة للبناء
حرف الباء * (باري) * خالق ومنه البرية أي الخلق * (بعث) * له معنيان بعث الرسل وبعث الموتى من القبور * (بسط) * الله الرزق وسعه ومعنى قبض وقدر الرزق أي ضيقه ومن أسماء الله تعالى القابض والباسط وبسطة زيادة * (بشر) * من البشارة وهي الإعلام بالخير قبل وروده وقد يكون للشر إذا ذكر
16

معها ويجوز في الفعل التشديد والتخفيف ومنه المبشر والبشير واستبشر بالشيء فرح به * (بعد) * له معنيان ضد القرب والفعل منه بعد بضم العين والهلاك والفعل منه بكسرها ومنه كما بعدت ثمود * (بلاء) * له معنيان العذاب والاختبار ومنه أيضا ونبلوكم * (بر) * له معنيان الكرامة ومنه بر الوالدين و أن تبروهم والتقوى والجمع لخصال الخير ومنه البر من اتقى ورجل بار وبر والجمع أبرار والبر من أسماء الله تعالى * (بات) * معروف ومصدره بيات وبيت الأمر دبره بالليل * (بغتة) * فجأة * (بروج) * جمع برج وهو الحصن وبروج السماء منازل الشمس والقمر * (بين) * ظرف وبين يدي الشيء ما تقدم قبله والبين الفراق والاجتماع لأنه من الأضداد * (بينات) * براهين من المعجزة وغيرها ومبينة من البيان * (يبين) * من البيان وله معنيان بين غير متعد ومبين لغيره * (بدا) * يبدو بغير همز ظهر وأبديته أظهرته والبادي أيضا من البداية ومنه بأدون في الأعراب * (بدا) * بالهمزة من الابتداء ويقال بدأ الخلق وأبدأه وقد جاء القرآن بالوجهين * (بغي) * له معنيان
العدوان على الناس والحسد والبغا بكسر الباء الزنا ومنه امرأة بغي أي زانية وابتغاء الشيء وبغاه أي طلبه * (بث) * الحديث وغيره نشره والمبثوث المنتشر ومبثوثه متفرقة والبث الحزن الشديد ومنه أشكو بثي * (بوا) * أنزل الرجل ومنه بوأكم في الأرض ولنبوأنهم ومبوأ * (بوار) * هلك ومنه قوما بورا أي هلكى * (باء) * بالشيء رجع به وقد يقال بمعنى اعترف * (بأساء) * الفقر والبؤس والشدة والمحنة والبائس الفقير من البؤس والبأس القتال والشجاعة والمكروه وبأس الله عذابه وبئس كلمة ذم * (برزخ) * شيء بين شيئين والبرزخ ما بين الموت والقيامة * (بديع) * له معنيان جميل ومبدع أي خالق الشيء ابتداء * (بسر) * عبس ومنه باسرة * (بصير) * من أبصر يقال أبصرته وبصرته والبصائر البراهين جمع بصيرة * (برز) * ظهر ومنه بارزة وبارزون * (بطش) * أخذ بشدة * (بخس) * نقص * (بعل) * له معنيان زوج المرأة وجمعه بعولة والبعل أيضا الرب وقيل اسم صنم ومنه أتدعون بعلا * (بهجة) * حسن وبهيج حسن * (مبلسون) * جمع مبلس وهو البائس وقيل الساكت الذي انقطعت حجته وقيل الحزين النادم منه يبلس ومنه اشتق إبليس (بهت) انقطعت حجته * (تبارك) * من البركة وهي الكثرة والنماء وقيل تقدس * (بلي) * جواب يقتضي إثبات الشيء * (بل) * معناها الإضراب عما قبلها " الباء " للإلصاق ولنقل الفعل في التعدي وللقسم وللتعليل وللمصاحبة وللاستعانة وظرفية وزائدة
حرف التاء * (تلا) * يتلو له معنيان قرأ واتبع * (تقوى) * مصدر مشتق من الوقاية فالتاء بدل من الواو معناه الخوف والتزام طاعة الله وترك معاصيه فهو جامع لكل خير * (تاب) * يتوب رجع توبة وتوبا فهو تائب وتواب كثير التوبة وتواب اسم الله تعالى أي كثير التوبة على عباده وتاب الله على العبد ألهمه التوبة وقبل توبته * (تباب) * خسران وتب خسر * (تبار) * هلاك ومنه متبر * (أترفوا) * أنعموا والمترفون المنعمون في الدنيا
حرف الثاء * (ثمود) * قبيلة من العرب الأقدمين * (ثوى) * في الموضع أفام فيه ومنه مثوى * (ثبور) * هلاك ومنه دعوا هنالك ثبورا أي صاحوا هلاكا * (ثمر) * ما يؤكل مما تنبت الأرض ويقال بالفتح والضم * (ثقفوا) * أخذوا وظفر بهم ومنه فإما تثقفنهم في الحرب * (ثاقب) * مضيء " ثم " بالفتح ظرف وبالضم حرف عطف يقتضي الترتيب والمهلة وقد يرد لغير الترتيب كالتأكيد وترتيب الأخبار
حرف الجيم * (جعل) * له أربعة معان صير وألقى وخلق وأنشأ يفعل كذا * (جناح) * الطائر معروف وجناح
17

الإنسان إبطه ومنه اضمم إليك جناحك ولا جناح لا إثم فمعناه الإباحة وجنح للشيء مال إليه * (لا جرم) * لا بد " اجتبى " اختار * (جدال) * مخالفة ومخاصمة واحتجاج * (تجأرون) * تصيحون بالدعاء " جواري " جمع جارية وهي السفينة * (أجرم) * فهو مجرم له معنيان الكفر والعصيان * (جنة) * الجنون وقد جاء بمعنى الملائكة * (جان) * له معنيان الجن والحية الصغيرة * (جنة) * بالفتح البستان وبالكسر الجنون وبالضم الترس وما أشبهه مما يستتر به ومنه استعير أيمانهم جنة * (جاثية) * أي على ركبهم لا يستطيعون مما هم فيه وقوله جثيا جمع جاث * (الجرز) * الأرض التي لا نبات فيها * (جاثمين) * باركين على ركبهم * (جبار) * اسم الله تعالى له معنيان قهار ومتكبر وقد يكون من الجبر للكسير وشبهه والجبار أيضا الظالم * (أجداث) * قبور * (جزي) * له معنيان من الجزاء بالخير والشر وبمعنى أغنى ومنه لا تجزي نفس وأما أجزأ بالهمز فمعناه كفى * (جرح) * له معنيان من الجروح وبمعنى الكسب والعمل ومنه جرحتم بالنهار واجترحوا السيئات ولذلك سميت كلاب الصيد جوارح لأنها كواسب لأهلها * (جنب) * له معنيان من الجنابة وبمعنى البعد ومنه عن جنب
حرف الحاء * (حمد) * هو الثناء سواء كان جزاء على نعمه أو ابتداء والشكر إنما يكون جزاء فالحمد من هذا الوجه أعم والشكر باللسان والقلب والجوارح ولا يكون الحمد إلا باللسان فالشكر من هذا الوجه أعم * (حميد) * اسم الله تعالى أي بمعنى محمود * (حكمة) * عقل أو علم وقيل في الكتاب والحكمة هي السنة * (حكيم) * اسم الله من الحكمة ومن الحكم بين العباد أو من إحكام الأمور وإتقانها * (حليم) * الحلم العقل وقد يقال بمعنى العفو والأحلام العقول والحليم من أسماء الله تعالى قيل الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه وقيل معناه العفو عن الذنوب والأحلام ما يرى في النوم * (حبط) * بطل وأحبطه الله ابطله * (حنيف) * مسلم وموحد الله وقيل حاج وقيل مختتن والجمع حنفاء " محصنين ومحصنات " الإحصان له أربع معان الإسلام والحرية والعفاف والتزوج وليحصنكم من بأسكم بغيكم * (حجة) * بالضم دليل وبرهان وحاج فلان فلانا جادله وحجة عليه بالحجة والحج بالفتح والكسر القصد ومنه أخذ حج البيت وحجة بالكسر سنة وجمعها حجج * (حطة) * أي حط عنا ذنوبنا وقيل كلمة بالعبرانية تفسيرها لا إله إلا الله * (حضر) * بالضاد من الحضور ومنه محضرون وشرب محتضر وبالظاء من المنع ومنه وما كان عطاء ربك محظورا وكهشيم المحتظر وبالذال من الحذر وهو الخوف ومنه إن عذاب ربك كان محذورا * (حفظ) * العلم وعيه وحفظ الشيء حراسته والحفيظ اسم الله تعالى قيل معناه العليم وقيل حافظ الخلق كالئهم من المهالك * (حاق) * بهم أي حل بهم * (حبل) * من الله ومن الناس أي عهد وحبل الله القرآن وأصله بالحبل المعروف * (حسب) * بكسر السين ظن مضارعه بالفتح والكسر وحسب بالفتح من العدد ومضارعه بالضم ومنه الحساب والحسبان وحسبانا من السماء أي مرام واحداها حسبانة * (حساب) * من الظن والعدد وبغير حساب يحتمل الوجهين وأن يكون من المحاسبة أن لا يحاسب عليه ومن التقدير أي بغير تضييق وعطاء حسابا أي كافيا * (حسيب) * اسم الله تعالى فيه أربعة أقوال كافي وعالم وقادر ومحاسب * (حسبك الله) * أي كافيك * (حزن) * تأسف على ماض أو حال الخوف ترفع في المستقبل ويقال حزن بكسر الزاي وحزنه غيره وأحزنه أيضا * (حصير) * مجلس من الحصر وأحصر عن الشيء حبس عنه وحسير بالسين كليل * (حصيد) * هو ما يحصد من الزرع وغيره واستعير قائم وحصيد أي باق وزاهد * (حميم) * له معنيان الصديق والماء الحار * (محيص) *
18

مهرب * (حجر) * له أربعة معان الحرام والعقل ومنازل ثمود وحجر الكعبة * (حمل) * بكسر الحاء ما على ظهر الدابة وغيرها ويستعار للذنوب وبالفتح ما في بطن المرأة وجمعه أحمال * (إحسان) * له ثلاث معان فعل الحسنات والإنعام على الناس ومراقبة الله تعالى المشار إليها في قوله صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد
الله كأنك تراه * (حق) * له أربعة معان الصدق والعدل في الحكم والشيء الثابت والأمر الواجب والحق اسم الله تعالى أي الواجب الوجود * (حاصب) * أي ريح شديدة سميت بذلك لأنها ترمى بالحصباء أي الحصا والحاصب أيضا الحجارة * (حليه) * حلي * (حرج) * ضيق أو مشقة * (حول) * له معنيان العام والحيلة وحولا بكسر الحاء انتقالا * (حرث) * الأرض مصدر ثم استعمل بمعنى الأرض والزرع والجنات * (حس) * بغير ألف قتل ومنه إذ تحسونهم وأحس من الحس * (حرم) * بضمتين محرمون بالحج * (حقب) * بضمتين وأحقاب جمع حقب وهو مدة من الدهر يقال إنه ثمانون سنة * (حف) * الشيء بالشيء أطاف به من جوانبه ومنه حففناهما بنخل والملائكة حافين * (حل) * بالمكان يحل بالضم والكسر وحل من إحرامه يحل بالكسر لا غير * (حطام) * فتات والحطام ما تحطم من عيون الزرع اليابس
حرف الخاء * (خلق) * له معنيان من الخلقة ومنه الخالق اسم الله وكذا الخلاق وخلق الرجل كذب ومنه تخلقون إفكا واختلاق أي كذب * (خلاق) * نصيب * (خير) * ضد الشر وله أربعة معان العمل الصالح والمال والخيرة والتفضيل بين شيئين * (خلا) * له معنيان من الخلوة وبمعنى ذهب ومنه أمة قد خلت * (خطيئة) * ذنب وجمعه خطايا وخطيات والفعل منه خطىء فهو خاطىء وأما الخطأ بغير عمد فالفعل منه أخطأ * (خاسئين) * مطرودين من قولك خسئت الكلب ومنه اخسؤا فيها * (خلف) * بفتح الخاء وإسكان اللام وله معنيان وراء ومن خلف خلفه بشر فإذا خلفه بخير قيل بفتح اللام * (خلاف) * له معنيان من المخالفة وبمعنى بعد أو دون ومنه بمقعدهم خلاف رسول الله * (خول) * أعطى * (خلة) * بضم الخاء مودة ومنه الخليل وجمعه أخلاء * (خلال) * له معنيان وداد ومنه لا بيع فيه ولا خلال وبمعنى بين ومنه خلال الديار وخلالكم * (خر) * يخر سقط على وجهه * (خامدون) * هالكون وأصله من خمود النار * (خطب) * الخطب سبب الأمر والخطب أيضا الأمر العظيم وخطبة النساء بالكسر وخطبة الخطيب بالضم * (يخرصون) * يكذبون ومنه يخرصون والخرص أيضا التقدير وقيل يخرصون منه أي يقولون بالظن من غير تحقيق * (خوان) * كثير الخيانة * (مختال) * من الخيلاء * (مخمصة) * من الخمص وهو الجوع * (أخدان) * جمع خدن وهو الخليل " خراج وخرج " أي أجرة وعطية
حرف الدال * (دين) * له خمسة معان الملة والعادة والجزاء والحساب والقهر * (دأب) * له معنيان عادة وجد وملازمة ومنه سبع سنين دأبا متتابعة للزراعة من قولك دأبت على الشيء دمت عليه * (أدنى) * له معنيان أقرب من الدنو وأقل فهو من الداني الحقير * (دار السلام) * الجنة * (دوائر) * صروف الدهر واحدها دائرة ومنه دائرة السوء * (دعاء) * له خمسة معان الطلب من الله والعبادة ومنه تدعون من دون الله والتمني ولهم فيها ما يدعون والنداء ادعوا شهداءكم والدعوة إلى الشيء ادع إلى سبيل ربك * (دابة) * كل ما يدب فيجمع جميع الحيوان * (دحور) * إبعاد ومنه المدحور المطرود * (دع) * بتشديد العين يدع أي دفع بعنف ومنه يدع اليتيم ويدعون إلى نار جهنم دعا * (درا) * دفع ومنه يدرؤون * (مدرارا) * من در المطر إذا
19

صب * (داخرين) * صاغرين * (دكت) * الأرض أي دقت حبالها حتى استوت مع وجه الأرض ومنه جعله دكا أي مستويا مع الأرض
حرف الذال * (ذكر) * له أربعة معان ضد النسيان والذكر باللسان والقرآن ومنه نزلنا الذكر والشرف ومذكر مفعل من الذكر * (ذنوب) * بضم الذال جمع ذنب وبالفتح النصيب ومنه ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم أي نصيبا من العذاب والذنوب أيضا الدلو * (ذبح) * بكسر الذال المذبوح وبالفتح المصدر * (ذرأ) * خلق ونشر * (ذلول) * مذللة للعمل من الفك ومنه ذللناها لهم ورجل ذلول من الذل بالضم وذللت قطوفها أدنيت * (أذقان) * جمع ذقن
حرف الراء * (رب) * له أربعة معان الإله والسيد والمالك الشيء والمصلح للأمر * (ريب) * شك ومنه ارتابوا ومريب وريب المنون حوادث الدهر * (رجع) * يستعمل متعديا بمعنى رد وغير متعدوالمرجع اسم مصدر أو زمان أو مكان من الرجوع * (رعى) * له معنيان من النظر ومن رعي الغنم * (روح) * له أربعة معان للنفس التي بها الحياة يسئلونك عن الروح والوحي ينزل الملائكة بالروح وجبريل نزل به الروح الأمين وملك عظيم تنزل الملائكة والروح وروح بفتح الراء رائحة طيبة والريحان الرزق وقيل الشجر المعروف * (ركام) * بعضه فوق بعض ومنه مركوم ويركمه * (رجا) * طمع وقد يستعمل في الخوف ومنه لا يرجون لقاءنا * (رجال) * جمع رجل وجمع راجل أي غير راكب ومنه يأتوك رجالا ومثله بخيلك ورجلك * (رفث) * له معنيان الجماع والكلام بهذا المعنى * (رجز) * عذاب والرجز فاهجر فهي الأوثان والرجس بالسين النجس حقيقة أو مجازا وقد يستعمل بمعنى العذاب * (رهب) * خوف ومنه يرهبون " رؤوف " من الرأفة وهي الرحمة إلا أن الرأفة في دفع المكروه والرحمة في دفع المكروه وفعل الجميل فهي أعم من الرأفة " مرضاة " مفعلة من الرضا * (راسيات) * ثابتات ومنه قيل للجبال رواسي ومنه مرساها * (رغدا) * أي كثيرا * (ربوه) * مكان مرتفع * (ربا) * هو في اللغة الزيادة ومنه ويربي الصدقات وربت الأرض انفتحت * (أرحام) * جمع رحم وهو فرج المرأة ويستعمل أيضا في القرابة " أرجئه " أخره ومنه ترجى ويرجون ويجوز فيه الهمز وتركه * (رأي) * من رؤية العين يتعدى إلي واحد ومن رؤية القلب بمعنى العلم يتعدى إلى مفعولين * (تربص) * انتظر * (رفات) * فتات * (أرذل) * العمر الهرم والأرذلون من الرذالة * (رقي) * من الرقية بفتح القاف ومنه وقيل من راق ورقى في السلم بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل * (أرداكم) * أهلككم والردى الهلاك ومنه تردين وتردى * (رجفة) * زلزلة وشدة
حرف الزاي * (زبر) * بضمتين كتب والزبور كتاب داود عليه السلام * (زخرف) * زينة والزخرف أيضا الذهب * (زكاة) * له في اللغة معنيان الزكاة والطهارة ثم استعمله الشرع في إعطاء المال وهو من الزيادة لأنه يبارك له فيه فيزيد أو من الطهارة لأنه يطهره من الذنوب وزكيت الرجل أثنيت عليه وزكا هو مخففة أي صار زكيا * (زوج) * له ثلاث معان الرجل والمرأة وقد يقال زوجة والمعنى الصنف والنوع ومنه أزواج من نبات ومن كل زوج كريم * (زل) * له معنيان زل القدم عن الموضع وفعل الزلل * (زاغ) * عن الشيء زيغا مال عنه وأزاغه غيره أماله * (زلفى) * قربى وأزلفت قربت وزلفا من الليل ساعات * (زعم) * أي ادعى ولم
يوافقه غيره قال ابن عباس زعم كناية عن كذب * (زعيم) * ضامن " تزجى "
20

تسوق * (زلزلة) * الأرض اهتزازها وتستعمل بمعنى الشدة والخوف ومنه زلزلوا * (زجرة) * واحدة صيحة بمعنى نفخة الصور والزجرة الصيحة بشدة وانتهار وازدجر من الزجر
حرف السين * (أسباط) * جمع سبط وهم ذرية يعقوب عليه السلام كان له اثني عشر ولدا ذكرا فأعقب كل واحد منهم عقبا والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب * (سبيل) * هو الطريق وجمعه سبل ثم استعمل في طريق الخير والشر وسبيل الله الجهاد وابن السبيل الضيف وقيل القريب * (سوى) * بالتشديد له معنيان من التسوية بين الأشياء وجعلها سواء وبمعنى اتقن وأحسن ومنه فسواك فعدلك * (سواء) * بالفتح والهمز من التسوية بين الأشياء وسواء الجحيم وسطها وسواء الصراط قصد الطريق * (سوى) * بالكسر والضم مع ترك الهمزة استثناء وقد يكون من التسوية * (سفهاء) * جمع سفيه وهو الناقص العقل وأصل السفه الحمق ولذلك قيل لمبذر المال سفيه وللكفار والمنافقين سفهاء * (سلوى) * طائر يشبه السماني وكان ينزل على بني إسرائيل مع المن * (سأل) * له معنيان طلب الشيء والاستفهام عنه وسال بغير همز من المعنيين المذكورين ومن السيل * (سبحان) * تنزيه وسبحان الله أي نزهته عما لا يليق به من الصاحبة والولد والشركاء والأنداد وصفات الحدوث وجميع العيوب والنقائص * (سار) * يسير مشى ليلا أو نهارا * (سري) * يسري مشى ليلا ويقال أيضا أسرى بألف * (سخر) * يسخر بالكسر في الماضي والفتح في المضارع أي استهزأ وسخر بالتشديد من التسخير * (سخريا) * بضم السين من السخرة وهي تكليف الأعمال وبالكسر من الاستهزاء * (سلطان) * له معنيان البرهان والقوة ومنه لا ينفذون إلا بسلطان * (سأم) * يسوم أي كلف الأمر وألزمه ومنه يسومونكم سوء العذاب وأصله من سوم السلعة في البيع " سئم " يسأم أي مل ومنه وهم لا يسامون * (سنة) * أي عادة * (سلف) * الأمر أي تقدم وأسلفه الرجل أي قدمه ومنه هنيئا بما أسلفتم * (سراء) * فعلاء من السرور * (سارع) * إلى الشيء بادر إليه " سوءة " عورة والسوء ما يسوء بالفتح والضم والسوآى فعلاء من السوء وسيء بهم فعل بهم السوء * (سنة) * بفتح السين عام ولامها محذوفة وجمعها سنون وقد تقال بمعنى الحفظ والجذب * (سنة) * بكسر السين ابتداء النوم وفاؤها واو محذوفة لأنها من الوسن * (سلك) * يسلك له معنيان أدخل ومنه أسلك يدك وسلكه ينابيع ومنه سلوك الطريق * (أسفار) * جمع سفر بفتحتين وجمع سفر وهو الكتاب * (ساح) * يسيح أي سار ومنه فسيحوا في الأرض والسائحون الصائمون * (سول) * بتشديد الواو زين ومنه سولت لكم أنفسكم أمرا * (سرابيل) * جمع سربال وهو القميص * (سبا) * قبيلة من العرب * (سموم) * شدة الحر * (سلام) * له ثلاثة معان التحية والسلامة والقول الحسن ومنه إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * (سلام) * اسم الله تعالى معناه السلامة من كل نقص فهو من أسماء التنزيه وقيل سلم العباد من المهالك وقيل ذو السلام على المؤمنين في الجنة * (سلم) * بفتحتين انقياد وإلقاء باليد وهو أيضا بيع * (سلم) * بفتح السين وإسكان اللام صلح ومهادنة * (سلم) * بكسر السين وإسكان اللام ومعناه الإسلام وبضم السين وفتح اللام مشددة هو الذي يصعد فيه * (أسلم) * يسلم له ثلاث معان الدخول في الإسلام والإخلاص لله والانقياد ومنه فلما اسلما * (سعى) * يسعى له ثلاث معان عمل عملا ومنه وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ومشى ومنه فاسعوا إلى ذكر الله وأسرع في مشيه ومنه رجل يسعى * (سكن) * يسكن له معنيان من السكون ضد الحركة ومن السكنى في الموضع * (سكينة) * وقار وطمأنينة * (سائغ) * سهل الشرب
21

لا يغص به من شربه * (سابغات) * دروع واسعات * (أساطير) * الأولين ما كتبه المتقدمون " مسيطر " أي مسلط وأم هم المسيطرون الأرباب * (سندس) * وإستبرق ثياب حرير قيل السندس رقيق الديباج والإستبرق صفيقة * (سحقا) * بعدا ومنه مكان سحيق أي بعيد * (سعير) * جهنم وسعرت أوقدت * (سبب) * وجمعه أسباب له خمسة معان الحبل ومنه فليمدد بسبب إلى السماء والاستعارة من الحبل في المودة والقرابة ومنه وتقطعت بهم الأسباب والطريق ومنه فأتبع سببا والباب ومنه أسباب السماوات وسبب الأمر موجبه
حرف الشين * (شعر) * بالأمر يشعر أي علمه والشعور العلم من طريق الحس ومنه لا يشعرون * (شهد) * يشهد له معنيان من الشهادة على الشيء ومن الحضور ومن الشهادة في سبيل الله * (شكرا) * قد تقدم في الحمد والشكر والشكور اسم الله المجازي لعباده على أعمالهم بجزيل الثواب وقيل المثني على العباد * (شرى) * أي باع وقد يكون بمعنى اشترى * (شقاق) * عداوة ومعاندة ومنه ومن يشاقق الله * (شهاب) * كوكب وقد يطلق على شعلة النار * (شجر) * هو كل ما ينبت في الأرض وشجر بينهم أي اختلفوا فيه * (شنآن) * عداوة وشر ويجوز فيه فتح النون وإسكانها * (شرع) * الله الأمر أي أمر به والشريعة والشرعة الملة وشرعة الماء في الدواب شعائر الله معالم دينه واحدها شعيرة أو شعارة * (شرك) * له معنيان من الإشراك وهو أيضا النصيب ومنه أم لهم شرك في السماوات * (شركاء) * جمع شريك * (مشحون) * أي مملوء
حرف الصاد * (صراط) * هو في اللغة الطريق ثم استعمل في القرآن بمعنى الطريقة الدينية وأصله بالسين ثم قلبت صادا لحرف الإطباق بعدها وفيه ثلاث لغات بالصاد وبالسين وبين الصاد والزاي * (صلاة) * إذا كانت من الله فمعناها رحمة وإذا كانت من المخلوق فلها معنيين الدعاء والأفعال المعلومة * (صوم) * أصله في اللغة الإمساك مطلقا ثم استعمل شرعا في الإمساك عن الطعام والشراب وقد جاء بمعنى الصمت في قوله إني نذرت للرحمن صوما لأنه إمساك عن الكلام * (صدقة) * يطلق على الزكاة الواجبة وعلى التطوع ومنه إن المصدقين والمصدقات و " أما أئنك لمن المصدقين " بالتخفيف فهو من التصديق * (صدقة) * بضم الدال صداق المرأة ومنه وآتوا النساء صدقاتهن نحلة والصدق في القول ضد الكذب والصدق في الفعل صدق النية فيه والصدق في القصد العزم الصادق * (صعد) * يصعد أي ارتفع وأصعد بالألف يصعد بالضم أي أبعد في الهروب ومنه إذ تصعدون صعيدا طيبا أي ترابا والصعيد وجه الأرض * (صد) * له معنيان فالمتعدي بمعنى منع غيره من شيء
ومصدره صد ومضارعه بالضم وغيره بمعنى أعرض ومصدره صدود * (صار) * له معنيان من الانتقال ومنه تصير الأمور والمصير وبمعنى ضم ومضارعه يصور ومنه فصرهن إليك * (صاعقة) * له ثلاثة معان الموت وكل بلاء يصيب وقطعة نار تنزل من شدة الرعد والمطر وجمعها صواعق * (إصر) * على الذنب يصر إصرارا دام عليه ولم يتب منه * (صواع) * مكيال وهو السقاية والصاع وسواع بالسين اسم صنم * (صابئين) * قوم يعبدون الملائكة ويقولون إنها بنات الله وقيل إنهم يرون تأثير الكواكب وفيه لغتان الهمز وتركه من صبأ إلى الشيء إذا مال إليه * (تصطلون) * تفتعلون من صبأ بالنار إذا تسخن بها والطاء بدل من التاء * (اصطفي) * أي اختار وأصله من الصفى أي اتخذه صفيا * (صغار) * بفتح الصاد ذلة ومنه صاغرون والصغير ضد الكبير " صدف " عن الشيء يصدف أعرض عنه * (صريخ) * مغيث ومنه ما أنا بمصرخكم * (صلصال) * طين يابس فإذا مسته النار فهو فخار * (صرح) * قصر وهو أيضا البناء العالي
22

حرف الضاد * (ضرب) * له أربعة معان من الضرب باليد وشبهه ومن ضرب الأمثال ومن السفر ومنه ضربتم في الأرض ومن الالتزام ومنه ضربت عليهم الذلة أي ألزموها وضربنا على آذانهم أي ألقينا عليهم النوم و * (أفنضرب عنكم الذكر) * أي نمسك عنكم التذكير * (ضاعف) * الشيء كثره ويجوز فيه التشديد وضعف الشيء بكسر الضاد مثلاه وقيل مثله والضعف أيضا العذاب والضعف بالضم ويجوز فيه الفتح * (ضر) * بفتح الضاد وضمها بمعنى واحد وكذلك الضير بالياء ومنه لا يضركم كيدهم والضر ما يصيب من المرض وشبهه * (ضحى) * أول النهار والفعل منه أضحى وأما ضحى بكسر الحاء يضحى في المضارع فمعناه برز للشمس وأصابه حرها ومنه لا تظمأ فيها ولا تضحى " ضيف " يقال للواحد والاثنين والجماعة * (ضيق) * بكسر الضاد مصدر وبفتحها مع إسكان الياء تخفيف من ضيق المشدد كميت وميت
حرف الطاء * (طبع) * ختم والخاتم الطابع * (طول) * بفتح الطاء فضل أو غنى * (طائر) * له معنيان من الطيران ومن الطيرة * (طوى) * قيل اسم الوادي وقيل معناه مرتين أي قدس الوادي مرتين " طهارة " له معنيان الطهارة بالماء ومنه جنبا فاطهروا والماء الطهور وهو المطهر والطهارة من القبائح والرذائل ومنه أناس يتطهرون * (طيب) * له معنيان اللذيذ والحلال * (طوفان) * السيل العظيم * (طاغوت) * أصنام وشياطين ويكون مفردا أو جمعا والطاغوت أيضا رؤوس النصارى على قول * (طباق) * بعضها على بعض وطبقا عن طبق حالا بعد حال * (طور) * جبل وهو الطور * (طفق) * يفعل كذا أي جعل يفعله * (طائفين) * من الطواف وطائف من الشيطان لمم وقرئ طيف
حرف الظاء * (ظهر) * الأمر بدا وأظهره غيره أبداه وظهير معين * (ظاهر) * الرجل من امرأته وتظاهر وتظهر أي قال لها أنت علي كظهر أمي وهو الظاهر * (ظهر) * البيت أعلاه وظهرته أي ارتفعت عليه ومنه فما استطاعوا أن يظهروه * (ظلم) * وقع في القرآن على ثلاثة معان الكفر والمعاصي وظلم الناس أي التعدي عليهم * (ظن) * له ثلاثة معان التحقيق وغلبة أحد الاعتقادين والتهمة " ظمىء " عطش " ظلال " جمع ظل وظلل بالضم جمع ظلة وهي ما كان من فوقه وظل بالنهار بمنزلة بات بالليل
حرف العين * (عاذ) * بالله يعوذ أي استجار به ليدفع عنه ما يخاف ويقال أيضا استعاذ يستعيذ ومنه عذت بربي ومعاذ الله * (العالمين) * جمع عالم وهو عند المتكلمين كل موجود سوى الله تعالى وقيل العالمين الإنس والجن والملائكة فجمعه جمع العقلاء وقيل الإنس خاصة لقوله أتأتون الذكران من العالمين * (يعمهون) * يتحيرون في ضلالهم والعمه الحيرة * (عدل) * يعدل ضد جار وعدل عن الحق عدولا وعدلت فلانا بفلان سويت بينهما ومنه أو عدل ذلك صياما * (عزيز) * اسم الله تعالى معناه الغالب وعز غلب ومنه وعزني في الخطاب والغلبة ترجع إلى القوة والقدرة ومنه فعززنا بثالث أي قوينا وقيل العزيز القديم المثل * (عفا) * له أربعة معان عفا عن الذنب أي صفح عنه وعفا أسقط حقه ومنه إلا أن يعفون أو يعفو الذي وعفا القوم كثروا ومنه حتى عفوا وعفا المنزل إذا درس * (عفو) * له ثلاث معان العفو عن الذنب والإسقاط والسهل من غير كلفة ومنه ماذا ينفقون قل العفو * (عين) * بكسر العين وإسكان الياء وهو جمع عيناء * (عنت) * معناه الهلاك أو المشقة ومنه ولو شاء الله لأعنتكم أي أهلككم أو ضيق عليكم والعنت أيضا الزنا ومنه ذلك لمن خشي العنت منكم وأما عنت الوجوه فليس من
23

هذا لأن لامه واو فهو من عتا يعتو إذا خضع * (عاقب) * له معنيان من العقوبة على الذنب ومن العقبى ومنه وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم أي أصبتم عقبا * (أعجاز) * نخل أصولها أعجز الشيء إذا فات ولم يقدر عليه ومنه وما هم بمعجزين وما كان الله ليعجزه من شيء وأما معاجزين بالألف فمعناه مسابقين * (عال) * يعيل عيلة أي افتقر ومنه ووجدك عائلا وعال يعول عدل عن الحق وعال يعول أيضا كثر عياله والأشهر أن يقال في هذا المعنى أعال بالألف * (عرج) * يعرج بفتح الراء في الماضي وضمها في المضارع صعد وارتقى ومنه المعارج وعرج بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل صار أعرج * (عتبي) * معناه الرضى ومنه فما هم من المعتبين ولا هم يستعتبون العتاب العدل * (أعد) * بالألف يسد الشيء هيأه وعد بغير الألف من العدد * (عرش) * سرير الملك ومنه ورفع أبويه على العرش وأهكذا عرشك وعرش الله فوق السماء وتعرشون تبنون وعلى عروشها سقوفها * (عورة) * أصل معناه الانكشاف فيما يكره كشفه ولذلك قيل عورة الإنسان عورات أي أوقات انكشاف وبيوتنا عورة أي خالية معرضة للسراق " عافر " له معنيان المرأة العقيم واسم فاعل من عقر الحيوان * (عبر) * يعبر له معنيان من عبارة الرؤيا ومنه إن كنتم للرؤيا تعبرون ومن الجواز على الموضع ومنه عابر سبيل * (عمون) * جمع عم وهو صفة على وزن فعل بكسر العين من العمى في البصر أو في البصيرة * (علا) * يعلو تكبر ومنه قوما عالين وعلا في الأرض والعلي اسم الله والمتعالي والأعلى من العلو بمعنى الجلال والعظمة وقيل بمعنى التنزيه عن عما لا يليق به * (عزب) * الشيء غاب ومنه لا يعزب عن ربك أي لا يخفى عنه * (عصبة) * جماعة من العشرة إلى الأربعين * (علقة) * واحدة العلق وهو الدم * (عاصف) * ريح شديدة * (عصف) * ورق الزرع
حرف الغين * (غشاوة) * غطاء إما حقيقة أو مجاز * (غمام) * هو السحاب * (غلف) * جمع أغلف وهو كل شيء جعلته في غلاف أي قلوبنا محجوبة * (غرفة) * بضم الغين لها معنيان المسكن المرتفع والغرفة من الماء بالضم وبالفتح المرة الواحدة * (غادر) * ترك ومنه لم نغادر * (غل) * يغل من الغلول وهو الخيانة والأخذ من المغنم بغير حق والغل الحقد * (أغلال) * جمع غل بالضم وهو ما يجعل في العنق ومنه مغلولة * (غلا) * يغلو من الغلو وهو مجاوزة الحد والإفراط ومنه لا تغلوا في دينكم أي لا تجاوزوا الحد * (غائط) * المكان المنخفض ثم استعمل في حاجة الإنسان * (غشى) * الأمر يغشى بالكسر في الماضي والفتح في المضارع معناه غطى حسا ومعنى ومنه والليل إذا يغشى لأنه يغطى بظلامه وينقل بالهمزة والتشديد فيقال غشى وأغشى ومن فوقهم غواش يعني ما يغشاهم من العذاب أو يصيبهم ومنه غاشية من عذاب الله والغاشية أيضا القيامة لأنها تغشى الخلق * (غبر) * له معنيان ذهب وبقي ومنه عجوزا في الغابرين أي في الهالكين أو في الباقين في العذاب * (غرور) * بضم الغين وبفتحها اسم فاعل مبالغة ويراد به إبليس * (غاض) * الشيء نقص ومنه وغيض الماء وتغيض الأرحام وغاظ بالظاء يغيظ من الغيظ * (غور) * غاير من غار الماء إذا أذهب * (غرام) * عذاب ومنه إنا لمغرمون والمغرم غرم المال ومنه من مغرم مثقلون
حرف الفاء * (فرقان) * مفرق بين الحق والباطل ومنه يجعل لكم فرقانا أي تفرقة ولذلك سمي القرآن بالفرقان * (فئة) * جماعة من الناس * (فصال) * فطام من الرضاع * (فضل) * له معنيان الإحسان والربح في التجارة وغيرها ومنه يبتغون من فضل الله * (فسق) * أصله الخروج وتارة يرد بمعنى الكفر وتارة بمعنى العصيان
24

* (فتنة) * لها ثلاثة معان الكفر والاختبار والتعذيب * (فاء) * يفيء أي رجع * (فلك) * بضم الفاء سفينة ويستوي فيه المفرد والجمع * (فلك) * بفتحتين القطب الذي تدور به الكواكب * (فزع) * له معنيان الخوف والإسراع ومنه إذا فزعوا فلا فوت * (فرح) * له معنيان السرور والبطر * (فاحشة) * وفحشاء هي كل ما يقبح ذكره من المعاصي * (فرض) * له معنيان الوجوب والتقدير * (فتح) * له معنيان فتح الأبواب ومنه فتح البلاد وشبهها والحكم ومنه افتح بيننا وبين قومنا ويقال للقاضي فاتح واسم الله الفتاح قيل الحاكم وقيل خالق الفتح والنصر * (انفضوا) * تفرقوا * (فطره) * خلقه ابتداء ومنه فاطر السماوات والأرض وفطرة الله التي خلق الخلق عليها وأفطر بالألف من الطعام * (فطور) * شقوق ومنه انفطرت أي انشقت ويتفطرن * (فج) * طريق واسع وجمعه فجاج * (فار التنور) * يقال لكل شيء هاج وعلا حتى فاض ومنه وهي تفور وقولهم فارت القدر * (فوج) * جماعة من الناس وجمعه أفواج * (فاكهين) * من التلذذ بالفاكهة أو من الفكهة وهي السرور واللهو " فؤاد " هو القلب وجمعه أفئدة * (استفز) * يستفز أي استخف * (فقة) * فهم ومنه لا يفقهون وما نفقه كثيرا " في " حرف جر بمعنى الظرفية وقد تكون للتعليل وقد تكون بمعنى مع وقيل بمعنى على " الفاء " لها ثلاثة أنواع عاطفة ورابطة وناصبة للفعل بإضمار أن ومعناها الترتيب والتعقيب والسبب
حرف القاف * (قرآن) * القرآن العزيز ومصدره قرأ أي تلا ومنه إن علينا جمعه وقرانه " قنوت " له خمسة معان العبادة والطاعة والقيام في الصلاة والدعاء والسكوت " قضاء " له سبعة معان الحكم والأمر والقدر السابق وفعل الشيء والفراغ منه والموت والإعلام بالشيء ومنه قضينا إليه ذلك الأمر * (قدر) * له خمسة معان من القدرة ومن التقدير ومن المقدار ومن القدر والقضاء وبمعنى التضييق نحو فقدر عليه رزقه وقد يشد الفعل ويخفف والقدر بفتح الدال وإسكانها القضاء والمقدار وبالفتح لا غير من القضاء * (قام) * له معنيان من القيام على الرجلين ومن القيام بالأمر بتقديره وإصلاحه ومنه الرجال قوامون على النساء وقام الأمر ظهر واستقام ومنه الدين القيم دين القيامة * (أقام) * له ثلاثة معان أقام الرجل غيره من القيام ومن التقويم ومنه جدارا يريد أن ينقض فأقامه وأقام في الموضع سكن ومنه مقيم أي دائم * (قيوم) * اسم الله تعالى وزنه فيعول وهو بناء مبالغة من القيام على الأمور معناه مدبر الخلائق في الدنيا وفي الآخرة ومنه قائم على كل نفس له معنيان مصدر قام على اختلاف معانيه وبمعنى قوام الأمر وملاكه وقيم بغير ألف جمع قيمة * (قرض) * سلف والفعل منه أقرض يقرض * (أقسط) * بألف قسطا عدلا في الحكم ومنه يحب المقسطين وقسط بغير ألف جار ومنه وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا * (مقاليد) * فيه قولان خزائن ومفاتح * (قدس) * يقدس من التنزيه والطهارة وقيل من التعظيم والقدوس اسم الله تعالى فعول من النزاهة عما لا يليق به " قال " يقول من القول وقد يكون بمعنى الظن ومصدره قول وقال يقيل من القايلة ومنه أو هم قائلون وأحسن مقيلا * (قفي) * اتبع وأصله من القفا يقال أقفوته إذا حبيت في أثره وقفيته بالتشديد إذا سقت شيئا في أثره ومنه وقفينا من بعده بالرسل * (قرن) * جماعة من الناس وجمعه قرون * (قواعد) * البيت أساسه واحدها قاعدة والقواعد من النساء واحدة قاعد وهي العجوز * (قربان) * ما يتقرب به إلى الله تعالى من الذبائح وغيرها وقربان أيضا من القرابة * (قلي) * يقلي أبغض ومنه وما قلى ولعملكم من القالين * (اقترف) * اكتسب حسنة أو سيئة * (قصص) * له معنيان من الحديث ومن قص الأثر ومنه
25

على آثارهما قصصا وقصيه * (قررت) * به عينا قرر بالكسر في الماضي والفتح في المضارع * (قسطاس) * ميزان * (قتر) * وقترة غبار وعبارة عن تغير الوجه وقتور من التقتير " قارعة " داهية وأمر عظيم * (قبس) * شعلة نار * (قنط) * يئس من الخير * (قرطاس) * صحيفة وجمعه قراطيس
حرف الكاف * (كافر) * له معنيان من الكفر وهو الجحود وبمعنى الزرع ومنه أعجب الكفار نباته أي الزراع وتكفير الذنوب غفرانها * (كرة) * رجعة * (كبر) * بكسر الباء من السن يكبر بالفتح في المضارع وكبر الأمر بالضم في المضارع والماضي وكبر بضم الكاف وفتح الباء جمع كبرى وكبار بالضم والتشديد كبير مبالغة والكبر التكبر وكبر الشيء بكسر الكاف وضمها معظمه والكبرياء الملك والعظمة والمتكبر اسم الله تعالى من الكبرياء وبمعنى العظمة * (كفل) * يكفل أي ضم الصبي وحضنه وأكفلنيها اجعلني كافلها * (كفيل) * نصيب * (كلالة) * هي أن يموت الرجل ولا ولد له ولا والد * (كاد) * قارب الأمر ولم يفعله فإذا نفى اقتضى الإثبات * (كريم) * من الكرم وهو الحسب والجلالة والفضل وكريم اسم الله تعالى أي محسن * (أكنة) * أغطيه وأكنان جمع كن وهو ما وقى من الحر والبرد * (
كهل) * هو الذي انتهى شبابه * (أكمام) * الثمار والنخيل جمع كم وهو ما تكون الثمرة فيه قبل خروجها * (أكب) * الرجل على وجهه فهو مكب وكبه غيره بغير ألف * (كهف) * غار * (كيد) * هو من المخلوق احتيال ومن الله مشيئة أمر ينزل بالعبد من حيث لا يشعر * (كسفا) * بفتح السين جمع كسفة وهي القطعة من الشيء وبالسكون كذلك أو مفرد * (كبتوا) * أي أهلكوا أي يكبتهم ثم يهلكهم أو يخذلهم * (أكمه) * هو الذي ولد أعمى * (كان) * على نوعين تامة بمعنى حضر أو حدث أو وقع وهي ترفع الفاعل وناقصة ترفع الاسم وتنصب الخبر وتقتضي ثبوت الخبر للمخبر عنه في زمانها وقد تأتي بمعنى الدوام في مثل قوله وكان الله غفورا رحيما وكان ربك قديرا وشبه ذلك وهو كثير في القرآن ومعناه لم يزل ولا يزال موصوفا بذلك الوصف * (كان) * معناها التشبيه * (كي) * معناها التعليل * (كم) * معناها التكثير وهي خبرية واستفهامية * (كأين) * بمعنى كم وهي عند سيبويه كاف التشبيه دخلت على أي * (كلا) * حرف ردع وزجر وقيل إنها تكون للنفي أي ليس الأمر كما ظننت وقيل إنها استفتاح كلام بمعنى إلا * (الكاف) * بمعنى التشبيه وبمعنى التعليل وقيل إنها تكون زائدة
حرف اللام * (لبس) * الأمر أي خلطه بفتح الباء في الماضي وكسرها في المستقبل * (الباب) * عقول وهو جمع لب * (لبث) * في المكان أقام فيه " لمز " يلمز أي عاب الشيء * (لؤلؤ) * جوهر * (لغو) * الكلام الباطل منه والفحش ولغو اليمين ما لا يلزم * (لها) * بفتح الهاء من اللهو ومضارعه يلهو ولهى عن الشيء بالكسر والياء يلهى بالفتح إذا أعرض عنه وألهاه الشيء إذا أشغله ومنه لا تلهكم أموالكم " لطيف " اسم الله تعالى قيل معناه رفيق وقيل خبير بخفيات الأمور " لدى ولدن " معناها عند * (ليت) * معناها التمني * (لعل) * معناها الترجي في المحبوبات والتوقع للمكروهات وأشكل ذلك في حق الله تعالى فقيل جاءت في القرآن على منهاج كلام العرب وبالنظر إلى المخاطب أي ذلك مما يرتجى عندكم أي يتوقع وقد يكون معناها التعليل أو مقاربة الأمر فلا إشكال * (لولا) * لها معنيان التمني وامتناع شيء لامتناع غيره * (لما) * لها معنيان النفي وهي الجازمة ووجود شيء لوجود غيره وأما لما بالتخفيف فهي لام التأكيد دخلت على ما وقال الكوفيون هي
26

بمعنى إلا الموجبة بعد النفي * (لا) * ثلاثة أنواع نافية وناهية وزائدة " اللام " خمسة أنواع لام الجر ولام كي ولام الأمر ولام التأكيد في القسم وغيره وهي المفتوحة ثم إن لام الجر لها ثلاثة معان الملك والاستحقاق والتعليل وقد تأتي للتعدي إذا ضعف العامل وقد تأتي بمعنى عند نحو أقم الصلاة لدلوك الشمس ولام كي معناها التشبيه والتعليل وقد تأتي بمعنى الصيرورة والعاقبة نحو فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وقد تأتي بمعنى أن المصدرية ومنه يريد الله ليبين لكم
حرف الميم * (مرض) * الجسد معروف ومرض القلب الشك في الإيمان والبغض في الدين * (المن) * شبه العسل والسلوى طائر والمن أيضا الإنعام والمن أيضا العطية والمن أيضا القطع ومنه أجر غير ممنون * (أماني) * جمع أمنية ولها ثلاثة معان ما تتمناه النفس والتلاوة والكذب وكذلك تمنى له هذه المعاني الثلاثة * (ملا) * القوم أشرفهم وذوو الرأي منهم * (مثل) * بفتح الميم والمثلثة لها أربعة معان الشبيه والنظير ومن المثل المضروب واصله من التشبيه ومثل الشيء حاله وصفته والمثل الكلام الذي يتمثل به ومثل الشيء بكسر الميم شبهه * (مرية) * شك ومنه الممترين أي الشاكين لا تمار من المراء وهو الجدال * (املي) * لهم أمهلهم وزادهم * (مهاد) * فراش * (مد) * يمد أي أملى وقد تكون بمعنى زاد مثل أمد بألف من المداد * (مضغة) * قطعة لحم * (إملاق) * فقر * (مرد) * فهو مارد من العتو والضلال * (مكانه) * بمعنى مكان أي من التمكين والعز ومنه مكين * (مواخر) * فواعل من المخر يقال مخرت السفينة إذا جرت تشق الماء * (مجيد) * من المجد وهو الكرم والشرف * (مقت) * هو الذم أو البغض على ما فعل من القبيح * (معين) * ماء كثير جار وهو من قولك معن الماء إذا كثر وقيل هو مشتق من العين ووزنه مفعول فالميم زائدة * (مارج) * مختلط والمارج لهب النار من قولك مرج الشيء إذا اضطرب وقيل من الاختلاط أي خلط نوعين من النار * (مرج) * البحرين أي خلى بينهما وقيل خلطهما وقيل فاض أحدهما في الآخر * (مهل) * فيه قولان دردي الزيت وما أذيب من النحاس * (منون) * له معنيان الموت والدهر * (مس) * له معنيان اللمس باليد وغيره والجنون " من " لها أربعة أنواع شرطية وموصولة واستفهامية ونكرة موصوفة " ما " إذا كانت اسما فلها ستة أنواع شرطية وموصولة واستفهامية وموصوفة وصفة وتعجبية وإذا كانت حرفا فلها خمسة أنواع نافية ومصدرية وزائدة وكافية ومبهمة " من " لها ستة أنواع لابتداء الغاية ولجملة الغاية وللتبعيض ولبيان الجنس والتعليل وزائدة * (مهما) * اسم شرط
حرف النون * (نظر) * له معنيان من النظر ومن الانتظار فإذا كان من الانتظار تعدى بغير حرف ومن نظر العين يتعدى بإلى ومن نظر القلب يتعدى في * (انظر) * بالألف أخر ومنه أنظرني ومن المنظرين ونظرة إلى ميسرة * (نضرة) * بالضاد من التنعم ومنه وجوه يومئذ ناضرة أي ناعمة وأما إلى ربها ناظرة فمن النظر * (نعمة) * بفتح النون من النعيم وبكسرها من الإنعام * (أنعام) * هي الإبل والبقر والغنم دون سائر البهائم ويجوز تذكيرها وتأنيثها ويقال لها أيضا نعم ونعم كلمة مدح ويجوز فيها كسر النون وفتحها وإسكان العين وكسرها * (نعم) * بفتح العين والنون كلمة تصديق وموافقة على ما قبلها بالنفي أو الإثبات بخلاف بلى فإنها للإثبات خاصة ويجوز في نعم فتح العين وكسرها * (ند) * هو المضاهي والمماثل والمعانت وجمعه أنداد * (أنذر) * أعلم بالمكروه قبل وقوعه ومنه نذير ومنذر والمنذرين وكيف كان نذير أي إنذاري فهو مصدر ومنه عذابي ونذر والنذر بغير ألف ومنه نذر ثم من نذر فليوفوا نذورهم * (نكال) * له معنيان
27

العقوبة والعبرة * (نجي) * بتشديد الجيم له معنيان من النجاة ومن النجوة وهو الموضع المرتفع ومنه ننجيك ببدنك على قول * (نجوى) * معناه كلام خفي ومنه ناجى وقربناه نجيا وقيل إنه يكون بمعنى الجماعة من الناس في قوله وإذ هم نجوى وقد يجمع ذلك على حذف مضاف تقديره وإذ هم أصحاب نجوى " نسيان " له معنيان الذهول ومنه إن نسينا أو أخطأنا والترك ومنه نسوا الله فنسيهم * (نسخ) * له معنيان الكتابة ومنه نستنسخ ما كنتم تعملون والإزالة ومنه ما ننسخ من آية أو ننسها * (نصر) * بالصاد المهملة معروف وبالسين اسم صنم ويعوق ونسرا أو اسم طائر أيضا * (نشوز) * بالزاي له معنيان شر بين الرجل والمرأة وارتفاع ومنه انشزوا أي قوموا من المكان * (نزل) * بضمتين رزق وهو ما يطعم الضيف * (نأى) * بعد ومنه ينأون عنه * (نكص) * رجع إلى وراء * (نفر) * نفورا عن الشيء ونفر ينفر بضم
المضارع ومنه نفرت الدابة ونفر ينفر بكسر المضارع نفيرا أتى أسرع وجد ومنه انفروا في سبيل الله * (نبأ) * خبر ومنه اشتق النبىء بالهمز وترك الهمز تخفيفا وقيل إنه عند من ترك مشتق من النبوة وهي الارتفاع * (نطفة) * أي نقطة من ماء ومنه خلقكم من نطفة يعني من المني " أناب " إلى الشيء رجع ومال إليه ومنه منيب * (نفذ) * ينفذ أي تم وانقطع * (نهر) * بفتح الهاء الوادي ويجوز الإسكان وأما السائل فلا تنهر فهو من الانتهار وهو الزجر * (منير) * من النور وهو الضوء حسا أو معنى * (نصب) * بضمتين وبضم النون وإسكان الصاد وبفتح النون وإسكان الصاد بمعنى واحد وهو حجر أو صنم كان المشركون يذبحون عنده وجمعه أنصاب * (نصب) * بفتحتين تعب ومسني الشيطان بنصب أي بلاء وشر * (نقم) * الشيء ينقمه أي كرهه وعابه * (نضيد) * أي منصوب بعضه إلى بعض * (نكير) * إنكار ويقال نكر الشيء وأنكره * (نسل) * بمعنى أسرع ومنه ينسلون من النسلان وهو الإسراع في المشي مع قرب الخطا
حرف الهاء * (الهدى) * له معنيان الإرشاد والبيان ومن البيان فأما ثمود فهديناهم والإرشاد قد يكون إلى الطريق إلى الدين وبمعنى التوفيق والإلهام * (هدى) * بفتح الهاء وإسكان الدال ما يهدى إلى الكعبة من الهائم * (هاد) * يهود أي تاب ومنه هدنا إليك والذين هادوا أي تهودوا أي صاروا يهودا وأصله من قولهم هدنا إليك * (هود) * له معنيان اسم نبي عاد عليه السلام وبمعنى اليهود ومنه كونوا هودا * (هوى) * النفس مقصور وهو ما تحبه وتميل إليه والفعل منه بكسر الواو في الماضي وفتحها في المضارع " والهواء " بالمد والهمز ما بين السماء والأرض وأفئدتهم هواء أي متحرقة لا تعي شيئا " وهوى " يهوي بالفتح في الماضي والكسر في المضارع وقع من علو ويقال أيضا بمعنى الميل ومنه أفئدة من الناس تهوي إليهم * (هاجر) * خرج من بلاده ومنه سمي المهاجرون * (هجر) * من الهجران ومنه الهجر أيضا وهو فحش الكلام وقد يقال في هذا اهجر بالألف * (أهل) * لغير الله به أي صيح والإهلال الصياح وفي النية أي أريد به غير الله * (مهيمن) * عليه شاهد وقيل مؤتمن والمهيمن اسم الله القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم وقيل الشهيد وقيل الرقيب (هوان هون) أي ذل * (مهين) * بضم الميم أي مفعل مشتق من الهوان أي مذل وأما مهين بفتح الميم فمعناه ضعيف أو ذليل
حرف الواو * (وقود) * النار بفتح الواو ما توقد به من الحطب وشبهه والوقود بالضم المصدر * (وجه) * له معنيان الجارحة والجهة وأما وجه الله ففي قوله ابتغاء وجه الله أي طلب رضاه وفي قوله كل شيء هالك إلا وجهه ويبقى وجه ربك قيل الوجه الذات وقيل صفة كاليدين وهو من المتشابه * (وعد) * يعد
28

وعدا بالخير وقد يقال في الشر وأوعد بالألف يوعد وعيدا بالشر لا غير * (ود) * يود له معنيان من المودة والمحبة وبمعنى تمنى ودوا لو تكفرون والود بالضم المحبة وود اسم صنم بضم الواو وفتحها " ودود " اسم الله تعالى أي محب لأوليائه وقيل محبوب * (ويل) * كلمة شر وقيل إن الويل واد في جهنم * (وجب) * له معنيان من وجوب الحق بمعنى سقط كقولهم وجب الحائط إذا سقط ومنه وجبت جنوبها * (وسط) * وأوسط له معنيان من التوسط بين الشيئين وبمعنى الخيار والأحسن * (وسع) * يسع سعة من الاتساع ضد الضيق والسعة الغنى والواسع اسم الله تعالى أي واسع العلم والقدرة والغنى والرحمة * (واسع) * جواد موسع غني أي واسع الحال وهو ضد المقتر وإنا لموسعون قيل أغنياء وقيل قادرون وإلا وسعها طاقتها * (ولي) * له معنيان أدبر وجعل واليا وتولى له ثلاث معان أدبر وأعرض بالبدن أو بالقلب وصار واليا واتخذ وليا ومنه ومن يتولى الله ورسوله * (ولي) * ناصر والولي اسم الله قيل ناصر وقيل متولي أمر الخلائق * (مولي) * له سبعة معان السيد والأعظم والناصر والوالي أي القريب والمالك والمعتق وبمعنى أولى ومنه النار مولاكم * (ولج) * يلج أي دخل ومنه ما يلج في الأرض وأولج أدخل ومنه يولج الليل في النهار * (وهن) * يهن ضعف ومنه وهن العظم والوهن الضعف * (ورد) * الماء يرده إذا جاء إليه وأورده غيره وأرسلوا واردهم الذي يتقدمهم إلى الماء فيسقي لهم * (أوزعني) * أي ألهمني ووفقني * (يوزعون) * يدفعون * (وليد) * صبي والجمع ولدان * (وجل) * يوجل وجلا خاف ومنه لا توجل " أوجس " وجد في نفسه وأضمر * (واري) * يواري أي يستر ومنه يواري سوأة أخيه وما ووري عنهما وتواروا أي استتروا واستخفوا * (وطا) * يطأ له ثلاث معان جماع المرأة ومن الوطئ بالأقدام ومنه أرضا لم تطؤها والإهلاك ومنه لم تعلموهم أن تطؤهم * (وقر) * بفتح الواو وهو الصمم والثقل في الأذن والوقر بكسر الواو الحمل ومنه فالحاملات وقرا * (ودق) * هو المطر * (واصب) * أي دائم * (وكيل) * كفيل بالأمر وقيل كاف * (وزر) * بفتحتين أي ملجأ * (وزير) * أي معين وأصله من الوزر بمعنى الثقل لأن الوزير يحمل عن الملك أثقاله * (وسوس) * الشيطان إلى الإنسان ألقى في نفسه والوسواس الشيطان * (أوحي) * يوحي وحيا له ثلاث معان كلام الملك من الله للأنبياء ومنه قيل للقرآن وحي وبمعنى الإلهام ومنه أوحى ربك إلى النحل وبمعنى الإشارة ومنه فأوحى إليهم أن سبحوا أي أشار * (وعي) * العلم يعي حفظه ومنه أذن واعية وأوعى بالألف يوعي جمع المال في وعاء ومنه جمع فأوعى
حرف الياء * (يمين) * له أربعة معان اليد اليمين وبمعنى القوة وبمعنى الحلف وأيمن أي إلى الجهة اليمين * (يسير) * له معنيان قليل ومنه كيل يسير وهين ومنه ذلك على الله يسير واليسر ضد العسر * (يئس) * أي انقطع رجاؤه ومنه لا تيئسوا من روح الله وإنه ليؤس وأما أفلم ييئس الذين آمنوا فمعناه ألم يعلم * (يم) * هو البحر * (ميسر) * هو القمار في النرد والشطرنج وغير ذلك وهو مأخوذ من يسر لي كذا إذا وجب واليسر بفتح الياء والسين الرجل الذي يشتغل بالميسر وجمعه أيسار وميسر العرب أنهم كانوا لهم عشرة قداح وهم الأزلام لكل واحد منها نصيب معلوم من ناقة ينحرونها وبعضها لا نصيب له ويجزؤنها عشرة أجزاء ثم يدخلون الأزلام في خريطة ويضعونها على يد عدل ثم يدخل يده فيها فيخرج باسم رجل قدحا فمن خرج له قدح له نصيب أخذ ذلك النصيب ومن خرج له قدح لا نصيب له غرم ثمن الناقة كلها * (ينبوع) * أي عين من ماء والجمع ينابيع
29

الكلام على الاستعاذة
في عشرة فوائد من فنون مختلفة الأولى لفظ التعوذ على خمسة أوجه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم والمختار عند القراء
وأعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي وأعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد وهي محدثة وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم الثانية يؤمر القارئ بالاستعاذة قبل القراءة سواء ابتدأ أول سورة أو جزء سورة على الندب الثالثة يجهر بالاستعاذة عند الجمهور وهو المختار وروى الإخفاء عن حمزة ونافع الرابعة لا يتعوذ في الصلاة عند مالك ويتعوذ في أول ركعة عند الشافعي وأبي حنيفة وفي كل ركعة عند قوم فحجة مالك عمل أهل المدينة وحجة قول غيره قول الله تعالى * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * وذلك يعم الصلاة وغيرها الخامسة إنما جاء أعوذ بالمضارع دون الماضي لأن معنى الاستعاذة لا يتعلق إلا بالمستقبل لأنها كالدعاء وإنما جاء بهمزة المتكلم وحده مشاكلة للأمر به في قوله * (فاستعذ) * السادسة الشيطان يحتمل أن يراد به الجنس فتكون الاستعاذة من جميع الشياطين أو العهد فتكون الاستعاذة من إبليس وهو من شطن إذا بعد فالنون أصلية والياء زائدة وزنه فيعال وقيل من شاط إذا هاج فالنون زائدة والياء أصلية ووزنه فعلان وإن سميت به لم ينصرف على الثاني لزيادة الألف والنون وانصرف على الأول السابعة الرجيم فعيل بمعنى مفعول ويحتمل معنيين أن يكون بمعنى لعين وطريد وهذا يناسب إبليس لقوله * (وجعلناها رجوما للشياطين) * والأول أظهر الثامنة من استعاذ بالله صادقا أعاذه فعليك بالصدق ألا ترى امرأة عمران لما أعاذت مريم وذريتها عصمها الله ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مولود إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا إلا ابن مريم وأمه التاسعة الشيطان عدو وحذر الله منه إذ لا مطمع في زوال علة عداوته وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم فيأمره أولا بالكفر ويشككه في الإيمان فإن قدر عليه وإلا أمره بالمعاصي فإن أطأعه وإلا ثبطه عن الطاعة فإن سلم من ذلك أفسدها عليه بالرياء والعجب العاشرة القواطع عن الله أربعة الشيطان والنفس والدنيا والخلق فعلاج الشيطان الاستعاذة والمخالفة له وعلاج النفس بالقهر وعلاج الدنيا بالزهد وعلاج الخلق بالانقباض والعزلة
الكلام على البسملة
فيه عشر فوائد الأولى ليست البسملة عند مالك آية من الفاتحة ولا من غيرها إلا في النمل خاصة وهي عند الشافعي آية من الفاتحة وعند ابن عباس آية من أول كل سورة فحجة مالك ما ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنزلت علي سورة ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها ثم قال الحمد لله رب العالمين فبدأ بها دون البسملة وما ورد في الحديث الصحيح إن الله يقول قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين يقول العبد الحمد لله رب العالمين فبدأ بها دون البسملة وحجة الشافعي ما ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
30

الحمد لله رب العالمين وحجة ابن عباس ثبوت البسملة مع كل سورة في المصحف الثانية إذا ابتدأت أول سورة بسملت إلا براءة وسنذكر علة سقوطها من براءة في موضعه وإذا ابتدأت جزء سورة فأنت مخير بين البسملة وتركها عند أبي عمرو الداني وتترك البسملة عند غيره وإذا أتممت سورة وابتدأت أخرى فاختلف القراء في البسملة وتركها الثالثة لا يبسمل في الصلاة عند مالك ويبسمل عند الشافعي جهرا في الجهر وسرا في السر وعند أبي حنيفة سرا في الجهر والسر فحجة مالك من وجهين أحدهما أنه ليست عنده آية في الفاتحة حسبما ذكرنا والآخر ما ورد في الحديث الصحيح عن أنس أنه قال صليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة ولا في آخرها وحجة الشافعي من وجهين أحدهما أن البسملة عنده آية من الفاتحة والأخرى ما ورد في الحديث من قراءتها حسبما ذكرنا الرابعة كانوا يكتبون باسمك اللهم حتى نزلت بسم الله مجراها فكتبوا بسم الله حتى نزلت أو ادعوا الرحمن فكتبوا بسم الله الرحمن حتى نزل إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فكتبوها وحذفت الألف في بسم الله لكثرة الاستعمال الخامسة الباء من بسم الله متعلقة باسم محذوف عند البصريين والتقدير ابتداء كائن بسم الله فموضعها رفع وعند الكوفيين تتعلق بفعل تقديره أبدأ أو أتلو فموضعها نصب وينبغي أن يقدر متأخرا لوجهين أحدهما إفادة الحصر والاختصاص والأخرى تقديم اسم الله اعتناء كما قدم في بسم الله مجراها السادسة الاسم مشتق من السمو عند البصريين فلامه واو محذوفه وعند الكوفيين مشتق من السمة وهي العلامة ففاؤه محذوفة ودليل البصريين التصغير والتكبير لأنهما يردان الكلمات إلى أصولها وقول الكوفيين أظهر في المعنى لأن الاسم علامة على المسمى السابعة قولك الله اسم مرتجل جامد والألف واللام فيه لازمة لا للتعريف وقيل إنه مشتق من التأله وهو التعبد وقيل من الولهان وهي الحيرة لتحير العقول في شأنه وقيل أصله إله من غير الف ولام ثم حذفت الهمزة من أوله على غير قياس ثم أدخلت الألف واللام عليه وقيل أصله الإله بالألف واللام ثم حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى اللام كما نقلت إلا الأرض وشبهه فاجتمع لأمان فأدغمت إحداهما في الأخرى وفخم للتعظيم إلا إذا كان قبله كسرة الثامنة الرحمن الرحيم صفتان من الرحم ومعناهما الإحسان فهي صفة فعل وقيل إرادة الإحسان فهي صفة ذات التاسعة الرحمن الرحيم على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرحمن في الدنيا والرحيم في الآخرة وقيل الرحمن عام في رحمة المؤمنين والكافرين لقوله * (وكان بالمؤمنين رحيما) * فالرحمن أعم وأبلغ وقيل الرحمن أبلغ لوقوعه بعده على طريقة الارتقاء إلى الأعلى العاشرة إنما قدم الرحمن لوجهين اختصاصه بالله وجريانه مجرى الأسماء التي ليست بصفات انتهى والله أعلم
31

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
سورة أم القرآن
وتسمى سورة الحمد لله وفاتحة الكتاب والواقية والشافية والسبع المثاني وفيها عشرون فائدة سوى ما تقدم في اللغات من تفسير ألفاظها واختلف هل هي مكية أو مدنية ولا خلاف أن الفاتحة سبع آيات إلا أن الشافعي يعد البسملة آية منها والمالكي يسقطها ويعد أنعمت عليهم آية الفائدة الأولى قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة عند مالك والشافعي خلافا لأبي حنيفة وحجتهما قوله صلى الله عليه وسلم للذي علمه الصلاة اقرأ ما تيسر من القرآن الفائدة الثانية اختلف هل أول الفاتحة على إضمار القول تعليما للعباد أي قولوا الحمد لله أو هو ابتداء كلام الله ولا بد من إضمار القول في * (إياك نعبد) * وما بعده الفائدة الثالثة الحمد أعم من الشكر لأن الشكر لا يكون إلا جزاء على نعمه
والحمد يكون جزاء كالشكر ويكون ثناء ابتداء كما أن الشكر قد يكون أعم من الحمد لأن الحمد باللسان والشكر باللسان والقلب والجوارح فإذا فهمت عموم الحمد علمت أن قولك * (الحمد لله) * يقتضي الثناء عليه لما هو من الجلال والعظمة والواحدانية والعزة والإفضال والعلم والمقدرة والحكمة وغير ذلك من الصفات ويتضمن معاني أسمائه الحسنى التسعة والتسعين ويقتضي شكره والثناء عليه بكل نعمة أعطى ورحمة أولى جميع خلقه في الآخرة والأولى فيا لها من كلمة جمعت ما تضيق عنه المجلدات واتفق دون عدة عقول الخلائق ويكفيك أن الله جعلها أول كتابه وآخر دعوى أهل الجنة الفائدة الرابعة الشكر باللسان هو الثناء على المنعم والتحدث بالنعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التحدث بالنعم شكر والشكر بالجوارح هو العمل بطاعة الله وترك معاصيه والشكر بالقلب هو معرفة مقدار النعمة والعلم بأنها من الله وحده والعلم بأنها تفضل لا باستحقاق العبد واعلم أن النعم التي يجب الشكر عليها لا تحصى ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام نعم دنيوية كالعافية والمال ونعم دينية كالعلم والتقوى ونعم أخروية وهي جزاؤه بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير والناس في الشكر على مقامين منهم من يشكر على النعم الواصلة إليه خاصة ومنهم من يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم والشكر على ثلاث درجات فدرجات العوام الشكر على النعم ودرجة الخواص الشكر على النعم والنقم وعلى كل حال ودرجة خواص الخواص أن يغيب عن النعمة بمشاهدة المنعم قال رجل لإبراهيم بن أدهم الفقراء إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا آثروا ومن فضيلة
32

الشكر أنه من صفات الحق ومن صفات الخلق فإن من أسماء الله الشاكر والشكور وقد فسرتهما في اللغة الفائدة الخامسة قولنا الحمد لله رب العالمين أفضل عند المحققين من لا إله إلا الله لوجهين أحدهما ما خرجه النسائي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله كتب له عشرون حسنة ومن قال الحمد لله رب العالمين كتب له ثلاثون حسنة والثاني أن التوحيد الذي يقتضيه لا إله إلا الله حاصل في قولك * (رب العالمين) * وزادت بقولك الحمد لله وفيه من المعاني ما قدمنا وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله فإنما ذلك للتوحيد الذي يقتضيه وقد شاركتها الحمد لله رب العالمين في ذلك وزادت عليها وهذ المؤمن يقولها لطلب الثواب وأما لمن دخل في الإسلام فيتعين عليه لا إله إلا الله الفائدة السادسة الرب وزنه فعل بكسر العين ثم أدغم ومعانيه أربعة الإله والسيد والمالك والمصلح وكلها في رب العالمين إلا أن الأرجح معنى الإله لاختصاصه لله تعالى كما أن الأرجح في العالمين أن يراد به كل موجود سوى الله تعالى فيعم جميع المخلوقات الفائدة السابعة ملك قراءة الجماعة بغير ألف من الملك وقرأ عاصم والكسائي بالألف والتقدير على هذا مالك مجيء يوم الدين أو مالك الأمر يوم الدين وقراءة الجماعة أرجح من ثلاثة أوجه الأول أن الملك أعظم من المالك إذ قد يوصف كل أحد بالمالك لماله وأما الملك فهو سيد الناس والثاني قوله * (وله الملك يوم ينفخ في الصور) * والثالث أنها لا تقتضي حذفا والأخرى تقتضيه لأن تقديرها مالك الأمر أو مالك مجيء يوم الدين والحذف على خلاف الأصل وأما قراءة الجماعة فإضافة ملك إلى يوم الدين فهي على طريقة الاتساع وأجرى الظرف مجرى المفعول به والمعنى على الظرفية أي الملك في يوم الدين ويجوز أن يكون المعنى ملك الأمور يوم الدين فيكون فيه حذف وقد رويت القراءتان في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قريء ملك بوجوه كثيرة إلا أنها شاذة الفائدة الثامنة الرحمن الرحيم مالك صفات فإن قيل كيف جر مالك ومالك صفة للمعرفة وإضافة اسم الفاعل غير محضة فالجواب أنها تكون غير محضة إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال وأما هذا فهو مستمر دائما فإضافته محضة الفائدة التاسعة هو يوم القيامة ويصلح هنا في معاني الدين والحساب والجزاء والقهر ومنه إنا لمدينون الفائدة العاشرة إياك في الموضعين مفعول بالفعل الذي بعده وإنما قدم ليفيد الحصر فإن تقديم المعمولات يقتضي الحصر فاقتضى قول العبد إياك نعبد أن يعبد الله وحده لا شريك له واقتضى قوله * (وإياك نستعين) * اعترافا بالعجز والفقر وأنا لا نستعين إلا بالله وحده الفائدة الحادية عشرة إياك نستعين أي نطلب العون منك على العبادة وعلى جميع أمورنا وفي هذا دليل على بطلان قول القدرية والجبرية وأن الحق بين ذلك الفائدة الثانية عشرة اهدنا دعاء بالهدى فإن قيل كيف يطلب المؤمنون الهدى وهو حاصل لهم فالجواب أن ذلك طلب للثبات عليه إلى الموت أو الزيادة منه فإن الارتقاء في المقامات لا نهاية له الفائدة الثالثة عشرة قدم الحمد والثناء على الدعاء لأن تلك السنة في الدعاء وشأن الطلب أن يأتي بعد المدح وذلك أقرب للإجابة وكذلك قدم الرحمن على ملك يوم الدين لأن رحمة الله سبقت غضبه وكذلك قدم إياك نعبد على إياك نستعين لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة الفائدة الرابعة عشرة ذكر الله تعالى في أول هذه السورة على طريق الغيبة ثم على الخطاب في إياك نعبد وما بعده وذلك يسمى الالتفات وفيه إشارة إلى أن العبد إذا ذكر الله تقرب منه
33

فصار من أهل الحضور فناداه الفائدة الخامسة عشرة الصراط في اللغة الطريق المحسوس الذي يمشي ثم استعير للطريق الذي يكون الإنسان عليها من الخير والشر ومعنى المستقيم القويم الذي لا عوج فيه فالصراط المستقيم الإسلام وقيل القرآن والمعنيان متقاربان لأن القرآن يضمن شرائع الإسلام وكلاهما مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ الصراط بالصاد والسين وبين الصاد والزاي وقد قيل إنه قرئ بزاي خالصة والأصل فيه السين وإنما أبدلوا منها صادا لموافقة الطاء في الاستعلاء والإطباق وأما الزاي فلموافقة الطاء في الجهر الفائدة السادسة عشرة الذين أنعمت عليهم قال ابن عباس هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وقيل المؤمنون وقيل الصحابة وقيل قوم موسى وعيسى قبل أن يغيروا والأول أرجح لعمومه ولقوله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
الفائدة السابعة عشرة إعراب غير المغضوب بدل ويبعد النعت لأن إضافته غير مخصوصة وهو قد جرى عن معرفة وقريء بالنصب على الاستثناء أو الحال
الفائدة الثامنة عشرة إسناد نعمة عليهم إلي الله والغضب لما لم يسم فاعله على وجه التأدب كقوله وإذا مرضت فهو يشفين وعليهم أول في موضع نصب والثاني في موضع رفع الفائدة التاسعة عشرة المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما وقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل ذلك عام في كل مغضوب عليه وكل ضال والأول أرجح لأربعة أوجه روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وجلالة قائله وذكر ولا في قوله ولا الضالين دليل على تغاير الطائفتين وأن الغضب صفة اليهود في مواضع من القرآن كقوله فباؤا بغضب والضلال صفة النصارى لاختلاف أقوالهم الفاسدة في عيسى ابن مريم عليه السلام ولقول الله فيه * (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) * الفائدة العشرون هذه السورة جمعت معاني القرآن العظيم كله فكأنها نسخة مختصرة منه فتأملها بعد تحصيل
الباب السادس من المقدمة الأولى تعلم ذلك في الألوهية حاصلا في قوله الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والدار الآخرة في قوله مالك يوم الدين والعبادات كلها من الاعتقادات والأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي في قوله إياك نعبد والشريعة كلها في قوله الصراط المستقيم والأنبياء وغيرهم في قوله الذين أنعمت عليهم وذكر طوائف الكفار في قوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين
خاتمة أمر بالتأمين عند خاتمة الفاتحة للدعاء الذي فيها وقولك آمين اسم فعل معناه اللهم استجب وقيل هو من أسماء الله ويجوز فيه مد الهمزة وقصرها أو لا يجوز تشديد الميم وليؤمن في الصلاة المأموم والفذ والإمام إذا أسر واختلفوا إذا جهر
34

سورة البقرة
* (ألم) * اختلف فيه وفي سائر حروف الهجاء في أوائل حروف السور وهي المص والر والمر وكهيعص وطه وطسم وطس ويس وص وق وحم وحم عسق ون فقال قوم لا تفسر لأنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله قال أبو بكر الصديق لله في كل كتاب سر وسره في القرآن فواتح السور وقال قوم تفسر ثم اختلفوا فيها فقيل هي أسماء السور وقيل أسماء الله وقيل أشياء أقسم الله بها وقيل هي حروف مقطعة من كلمات فالألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك في سائرها وورد في الحديث أن بني إسرائيل فهموا أنها تدل بحروف أبجد على السنين التي تبقي هذه الأمة وسمع النبي صلى الله عليه وسلم منهم ذلك فلم ينكره وقد جمع أبو القاسم السهيلي عددها على ذلك بعد أن أسقط المتكرر فبلغت تسعمائة وثلاثة وإعراب هذه الحروف يختلف بالاختلاف في معناها فيتصور أن تكون في موضع رفع أو نصب أو خفض فالرفع على أنها مبتدأ أو خبر ابتداء مضمر والنصب على أنها مفعول بفعل مضمر والخفض على قول من جعلها مقسما بها كقولك الله لأفعلن * (ذلك الكتاب) * هو هنا القرآن وقيل التوراة والإنجيل وقيل اللوح المحفوظ وهو الصحيح الذي يدل عليه سياق الكلام ويشهد له مواضع من القرآن والمقصود منها إثبات أن القرآن من عند الله كقوله * (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) * يعني القرآن باتفاق وخبر ذلك لا ريب فيه وقيل خبره الكتاب فعلى هذا * (ذلك الكتاب) * جملة مستقلة فيوقف عليه * (لا ريب فيه) * أي لا شك أنه من عند الله في نفس الأمر في اعتقاد أهل الحق ولم يعتبر أهل الباطل وخبر لا ريب فيه فيوقف عليه وقيل خبرها محذوف فيوقف على * (لا ريب) * والأول أرجح لتعينه في قوله * (لا ريب) * في مواضع أخر فإن قيل فهلا قدم قوله فيه على الريب كقوله * (لا فيها غول) * فالجواب أنه إنما قصد نفي الريب عنه ولو قدم فيه لكان إشارة إلى أن ثم كتاب آخر فيه ريب كما أن * (لا فيها غول) * إشارة إلى أن خمر الدنيا فيها غول وهذا المعنى يبعد قصده فلا يقدم الخبر * (هدى) * هنا بمعنى الإرشاد لتخصيصه بالمتقين ولو كان بمعنى البيان لعم كقوله * (هدى للناس) * وإعرابه خبر ابتداء أو مبتدأ وخبره فيه عندما يقف على لا ريب أو منصوب على الحال والعامل فيه الإشارة * (للمتقين) * مفتعلين من التقوى وقد تقدم معناه في الكتاب فنتكلم عن التقوى في ثلاثة فصول
الأول في فضائلها المستنبطة من القرآن وهي خمس عشرة الهدى كقوله * (هدى للمتقين) * والنصرة لقوله * (إن الله مع الذين اتقوا) * والولاية لقوله * (الله ولي المتقين) * والمحبة لقوله * (إن الله يحب المتقين) * والمغفرة لقوله * (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) * والمخرج من الغم والرزق من حيث لا يحتسب لقوله " ومن يتق الله
35

يجعل له مخرجا) الآية وتيسير الأمور لقوله * (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) * وغفران الذنوب وإعظام الأجور لقوله * (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) * وتقبل الأعمال لقوله * (إنما يتقبل الله من المتقين) * والفلاح لقوله * (واتقوا الله لعلكم تفلحون) * والبشرى لقوله * (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * ودخول الجنة لقوله * (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم) * والنجاة من النار لقوله * (ثم ننجي الذين اتقوا) *
الفصل الثاني البواعث على التقوى عشرة خوف العقاب الأخروي وخوف الدنيوي ورجاء الثواب الدنيوي ورجاء الثواب الأخروي وخوف الحساب والحياء من نظر الله وهو مقام المراقبة والشكر على نعمه بطاعته والعلم لقوله * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * وتعظيم جلال الله وهو مقام الهيبة وصدق المحبة لقول القائل
(تعصي الإله وأنت تظهر حبه
* هذا لعمري في القياس بديع)
(لو كان حبك صادقا لأطعته
* إن المحب لمن يحب مطيع) ولله در القائل
(قالت وقد سألت عن حال عاشقها
* لله صفه ولا تنقص ولا تزد)
(فقلت لو كان يظن الموت من ظمأ
* وقلت قف عن ورود الماء لم يرد)
الفصل الثالث درجات التقوى خمس أن يتقي العبد الكفر وذلك مقام الإسلام وأن يتقي المعاصي والحرمات وهو مقام التوبة وأن يتقي الشبهات وهو مقام الورع وأن يتقي المباحات وهو مقام الزهد وأن يتقي حضور غير الله على قلبه وهو مقام المشاهدة * (الذين يؤمنون بالغيب) * فيه قولان يؤمنون بالأمور المغيبات كالآخرة وغيرها فالغيب على هذا بمعنى الغائب إما تسميه بالمصدر كعدل وإما تخفيفا في فعيل كميت والآخر يؤمنون في حال غيبهم أي باطنا وظاهرا وبالغيب على القول الأول يتعلق
بيؤمنون وعلى الثاني في موضع الحال ويجوز في الذين أن يكون خفضا على النعت أو نصبا على إضمار فعل أو رفعا على أنه خبر مبتدأ * (ويقيمون الصلاة) * إقامتها علمها من قولك قامت السوق وشبه ذلك والكمال المحافظة عليها في أوقاتها بالإخلاص لله في فعلها وتوفية شروطها وأركانها وفضائلها وسننها وحضور القلب الخشوع فيها وملازمة الجماعة في الفرائض والإكثار من النوافل * (ومما رزقناهم ينفقون) * فيه ثلاثة أقوال الزكاة لاقترانها مع الصلاة والثاني أنه التطوع والثالث العموم وهو الأرجح لأنه لا دليل على التخصيص * (والذين يؤمنون) * هل هم المذكورون قبل فيكون من عطف الصفات أو غيرهم وهم من أسلم من أهل الكتاب فيكون عطفا للمغايرة أو مبتدأ وخبره الجملة بعد * (بما أنزل إليك) * القرآن * (وما أنزل من قبلك) * التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله عز وجل * (إن الذين كفروا) * فيمن سبق القدر أنه لا يؤمن كأبي جهل فإن كان الذين للجنس فلفظها عام يراد به الخصوص وإن كان للعهد فهو إشارة إلى قوم بأعيانهم وقد اختلف فيهم فقيل المراد من قتل ببدر من كفار قريش وقيل المراد حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف
36

اليهوديان * (سواء) * خبر إن و * (أنذرتهم) * فاعل به لأنه في تقدير المصدر وسواء مبتدأ وأنذرتهم خبره أو العكس وهو أحسن و * (لا يؤمنون) * على هذه الوجوه استئنافا للبيان أو للتأكيد أو خبر بعد خبر أو تكون الجملة اعتراضا ولا يؤمنون الخبر والهمزة في أأنذرتهم لمعنى التسوية قد انسلخت من معنى الاستفهام * (ختم) * الآية تعليل لعدم إيمانهم وهو عبارة عن إضلالهم فهو مجاز وقيل حقيقة وأن القلب كالكف ينقبض مع زيادة الضلال أصبعا أصبعا حتى يختم عليه والأول أبرع * (وعلى سمعهم) * معطوف على قلوبهم فيوقف عليه وقيل الوقف على قلوبهم والسمع راجع إلى ما بعده والأول أرجح لقوله * (وختم على سمعه وقلبه) * * (غشاوة) * مجاز باتفاق وفيه دليل على وقوع المجاز في القرآن خلافا لمن منعه ووحد السمع لأنه مصدر في الأصل والمصادر لا تجمع * (ومن الناس) * أصل الناس أناس لأنه مشتق من الإنس وهو اسم جمع وحذفت الهمزة مع لام التعريف تخفيفا * (من يقول) * إن كان اللام في الناس للجنس فمن موصوفة وإن جعلتها للعهد فمن موصولة وأفرد الضمير في يقول رعيا للفظ ومن * (وما هم بمؤمنين) * هم المنافقين وكانوا جماعة من الأوس والخزرج رأسهم عبد الله بن أبي ابن سلول يظهرون الإسلام ويسرون الكفر ويسمى الآن من كذلك زنديقا وهم في الآخرة مخلدون في النار وأما في الدنيا إن لم تقم عليهم بينة فحكمهم كالمسلمين في دمائهم وأموالهم وإن شهد على معتقدهم شاهدان عدلان فمذهب مالك القتل دون الاستتابة ومذهب الشافعي الاستتابة وترك القتل فإن قيل كيف جاء قولهم * (آمنا) * جملة فعلية * (وما هم بمؤمنين) * جملة اسمية فهلا طابقتها فالجواب أن قولهم * (وما هم بمؤمنين) * أبلغ وآكد في نفي الإيمان عنهم من لو قال ما آمنوا فإن قيل لم جاء قولهم آمنا مقيدا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين مطلقا فالجواب أنه يحتمل وجهين التقييد فتركه لدلالة الأول عليه والإطلاق وهو أعم في سلبهم من الإيمان * (يخادعون) * أي يفعلون فعل المخادع ويرومون الخدع بإظهار خلاف ما يسرون وقيل معناه يخدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم والأول أظهر " وما يخادعون إلا أنفسهم " أي وبال فعلهم راجع عليهم وقرئ وما يخدعون بفتح الياء من غير ألف من خدع وهو أبلغ في المعنى لأنه يقال خادع إذا رام الخداع وخدع إذا تم له * (وما يشعرون) * حذف معموله أي لا يشعرون أنهم يخدعون أنفسهم * (في قلوبهم مرض) * يحتمل أن يكون حقيقة وهو الألم الذي يجدونه من الخوف وغيره وأن يكون مجازا بمعنى الشك أو الحسد * (فزادهم) * يحتمل الدعاء والخبر * (يكذبون) * بالتشديد أي يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم وقرئ بالتخفيف أي يكذبون في قولهم آمنا * (لا تفسدوا) * أي بالكفر والنميمة وإيقاع الشر وغير ذلك * (إنما نحن مصلحون) * يحتمل أن يكون جحود الكفر لقولهم آمنا أو اعتقاد أمنهم على إصلاح
37

* (كما آمن الناس) * أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والكاف يحتمل أن تكون للتشبيه أو للتعليل وما يحتمل أن تكون كافة كما هي وربما أن تكون مصدرية * (أنؤمن) * إنكار منهم وتقبيح * (هم السفهاء) * رد عليهم وإناطة السفه بهم وكذلك هم المفسدون وجاء بالألف واللام ليفيد حصر السفه والفساد فيهم وأكده بأن وبألا التي تقتضي الاستئناف وتنبيه المخاطب * (قالوا آمنا) * كذبوا خوفا من المؤمنين * (خلوا إلى شياطينهم) * هم رؤساء الكفر وقيل شياطين الجن وهو بعيد وتعدى خلا بإلى ضمن معنى مشوا وذهبوا أو ركنوا وقيل إلى بمعنى مع أو بمعنى الباء وجه قولهم " إنا معكم إنما نحن مستهزؤن " بجملة اسمية مبالغة وتأكيد بخلاف قولهم آمنا فإنه جاء بالفعل لضعف إيمانهم * (الله يستهزئ بهم) * فيه ثلاثة أقوال تسمية للعقوبة باسم الذنب كقوله * (ومكروا ومكر الله) * وقيل يملي لهم بدليل قوله * (ويمدهم) * وقبل يفعل بهم في الآخرة ما يظهر لهم أنه استهزأ بهم كما جاء في سورة الحديد " ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا الآية " * (ويمدهم) * يزيدهم وقيل يملي لهم وقد ذكروا يعمهون * (اشتروا الضلالة) * عبارة عن تركهم الهدى مع تمكنهم منه ووقوعهم في الضلالة فهو مجاز بديع * (فما ربحت تجارتهم) * ترشيح للمجاز لما ذكر الشر ذكر ما يتبعه من الربح والخسران وإسناد عدم الربح إلى التجارة مجاز أيضا لأن الرابح أو الخاسر هو التاجر * (وما كانوا مهتدين) * في هذا الشراء أو على الإطلاق وقال الزمخشري نفى الربح في قوله فما ربحت ونفى سلامة رأس المال في قوله وما كانوا مهتدين * (مثلهم كمثل) * إن كان المثل هنا بمعنى حالهم وصفتهم فالكاف للتشبيه وإن كان المثل بمعنى التشبيه فالكاف زائدة * (استوقد) * أي أوقد وقيل طلب الوقود على الأصل في استفعل * (فلما أضاءت) * إن تعدى فما حوله مفعول به وإن لم يتعد فما زائدة أو ظرفية * (ذهب الله بنورهم) * أي أذهبه وهذه الجملة جواب لما محذوف تقديره طفيت النار وذهب الله بنورهم جملة مستأنفة والضمير عائد على المنافقين فعلى هذا يكون الذي على بابه من الإفراد والأرجح أنه أعيد ضمير الجماعة لأنه لم يقصد بالذي واحد بعينه إنما المقصود التشبيه بمن استوقد نارا سواء كان واحدا أو جماعة ثم أعيد الضمير بالجمع ليطابق المشبه لأنهم جماعة فإن قيل ما وجه تشبيه المنافقين بصاحب النار التي أضاءت ثم أظلمت فالجواب من ثلاثة أوجه أحدها أن منفعتهم في الدنيا بدعوى الإيمان شبيه بالنور وعذابهم في الآخرة شبيه بالظلمة بعده والثاني أن استخفاء كفرهم كالنور وفضيحتهم كالظلمة والثالث أن ذلك فيمن آمن منهم ثم كفر فإيمانه نور وكفره بعده ظلمة ويرجح هذا قوله * (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا) * فإن قيل لم قال * (ذهب الله بنورهم) * ولم يقل أذهب الله نورهم مشاكلة لقوله * (فلما أضاءت) * فالجواب أن إذهاب النور أبلغ لأنه إذهاب للقليل والكثير بخلاف الضوء فإنه يطلق على الكثير " صم
38

بكم عمي) يحتمل أن يراد به المنافقون والمستوقد المشبه بهم وهذه الأوصاف مجاز عبارة عن عدم انتفاعهم بسمعهم وأبصارهم وكلامهم وليس المراد فقد الحواس * (فهم لا يرجعون) * إن أريد به المنافقون فمعناه لا يرجعون إلى الهدى وإن أريد به أصحاب النار فمعناه أنهم متحيرون في الظلمة لا يرجعون ولا يهتدون إلى الطريق * (أو كصيب) * عطف على الذي استوقد والتقدير أو كصاحب صيب أو للتنويع لأن هذا مثل آخر ضربه الله للمنافقين والصيب المطر وأصله صيوب ووزنه فعيل وهو مشتق من قولك صاب يصوب وفي قوله * (من السماء) * إشارة إلى قوته وشدة انصبابه قال ابن مسعود إن رجلين من المنافقين هربا إلى المشركين فأصابهما هذا المطر وأيقنا بالهلاك فعزما على الإيمان ورجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامهما فضرب الله ما أنزل فيهما مثلا للمنافقين وقيل المعنى تشبيه المنافقين في حيرتهم في الدين وفي خوفهم على أنفسهم بمن أصابه مطر فيه ظلمات ورعد وبرق فضل عن الطريق وخاف الهلاك على نفسه وهذا التشبيه على الجملة وقيل إن التشبيه على التفصيل فالمطر مثل للقرآن أو الإسلام والظلمات مثل لما فيه من الإشكال على المنافقين والرعد مثل لما فيه من الوعيد والزجر لهم والبرق مثل لما فيه من البراهين الواضحة فإن قيل لم قال رعد وبرق بالإفراد ولم يجمعه كما جمع ظلمات فالجواب أن الرعد والبرق مصدران والمصدر لا يجمع ويحتمل أن يكونا اسمين وجمعهما لأنهما في الأصل مصدران * (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق) * أي من أجل الصواعق قال ابن مسعود كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فهو على هذا حقيقة في المنافقين والصواعق على هذا ما يكرهون من القرآن والموت هو ما يتخوفونه فهما مجازان وقيل لأنه راجع لأصحاب المطر المشبه بهم فهو حقيقة فيهم والصواعق على هذا حقيقة وهي التي تكون من المطر من شدة الرعد ونزول قطعة نار والموت أيضا حقيقة وقيل إنه راجع للمنافقين على وجه التشبيه لهم في خوفهم بمن جعل أصابعه في آذانه من شدة الخوف من المطر والرعد فإن قيل لم قال أصابعهم ولم يقل أناملهم والأنامل هي التي تجعل في الآذان فالجواب أن ذكر الأصابع أبلغ لأنها أعظم من الأنامل ولذلك جمعها مع أن الذي يجعل في الآذان السبابة خاصة * (والله محيط بالكافرين) * أي لا يفوتونه بل هم تحت قهره وهو قادر على عقابهم * (يخطف أبصارهم) * إن رجع إلى أصحاب المطر وهم الذين شبه بهم المنافقين فهو بين في المعنى وإن رجع إلى المنافقين فهو تشبيه بمن أصابه البرق على وجهين أحدهما تكاد براهين القرآن تلوح لهم كما يضيء البرق وهذا مناسب لتمثيل البراهين بالبرق حسبما تقدم والآخر يكاد زجر القرآن ووعيده يأخذهم كما يكاد البرق يخطف أبصار أصحاب المطر المشبه بهم * (كلما أضاء لهم مشوا فيه) * إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم يمشون بضوء البرق إذا لاح لهم وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه يلوح لهم من الحق ما يقربون به من الإيمان * (وإذا أظلم عليهم قاموا) * إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم إذا زال عنهم الضوء وقفوا متحيرين لا يعرفون الطريق وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه إذا ذهب عنهم ما لاح لهم من الإيمان ثبتوا على كفرهم وقيل إن المعنى كلما صلحت أحوالهم في الدنيا قالوا
39

هذا دين مبارك فهذا مثل الضوء وإذا أصابتهم شدة أو مصيبة عابوا الدين وسخطوا فهذا مثل الظلمة فان قيل لم قال مع الإضاءة كلما ومع الظلام إذا فالجواب أنهم لما كانوا حراصا على المشي ذكر معه كلما لأنها تقتضي التكرار والكثرة * (ولو شاء الله) * الآية إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى لو شاء الله لأذهب سمعهم بالرعد وأبصارهم بالبرق وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى لو شاء الله لأوقع بهم العذاب والفضيحة وجاءت العبارة عن ذلك بإذهاب سمعهم وأبصارهم والباء للتعدية كما هي في قوله تعالى * (ذهب الله بنورهم) * * (يا أيها الناس) * الآية لما قدم اختلاف الناس في الدين وذكر ثلاث طوائف المؤمنين والكافرين والمنافقين أتبع ذلك بدعوة الخلق إلى عبادة الله وجاء بالدعوة عامة للجميع لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الناس * (اعبدوا ربكم) * يدخل فيه الإيمان به سبحانه وتوحيده وطاعته فالأمر بالإيمان به لمن كان جاحدا والأمر بالتوحيد لمن كان مشركا والأمر بالطاعة لمن كان مؤمنا * (لعلكم) * يتعلق بخلقكم أي خلقكم لتتقوه كقوله * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * أو بفعل مقدر من معنى الكلام أي دعوتكم إلى عبادة الله لعلكم تتقون وهذا أحسن وقيل يتعلق بقوله * (اعبدوا) * وهذا ضعيف وإن كانت لعل للترجي فتأويله أنه في حق المخلوقين جريا على عادة كلام العرب وإن كانت للمقاربة أو التعليل فلا إشكال والأظهر فيها أنها لمقاربة الأمر نحو عسى فإذا قالها الله فمعناها أطباع العباد وهكذا القول فيها حيث ما وردت في كلام الله تعالى * (الأرض فراشا) * تمثيل لما كانوا يقعدون وينامون عليها كالفراش فهو مجاز وكذلك السماء بناء * (من الثمرات) * من للتبعيض أو لبيان الجنس لأن الثمرات هو المأكول من الفواكه وغيرها والباء في به سببية أو كقولك كتبت بالقلم لأن الماء سبب في خروج الثمرات بقدرة الله تعالى * (فلا تجعلوا) * لا ناهية أو نافية وانتصب الفعل بإضمار أن بعد الفاء في جواب اعبدوا والأول أظهر * (أندادا) * يراد به هنا الشركاء المعبودون مع الله جل وعلا * (وأنتم تعلمون) * حذف مفعوله مبالغة وبلاغة أي وأنتم تعلمون وحدانيته بما ذكر لكم من البراهين وفي ذلك بيان لقبح كفرهم بعد معرفتهم بالحق ويتعلق قوله بلا تجعلوا بما تقدم من البراهين ويحتمل أن يتعلق بقوله * (اعبدوا) * والأول أظهر
فوائد ثلاث الأولى هذه الآية ضمنت دعوة الخلق إلى عبادة الله بطريقتين أحدهما إقامة البراهين بخلقتهم وخلقة السماوات والأرض والمطر والسماوات والآخر ملاطفة جميلة بذكر ما لله عليهم من الحقوق ومن الإنعام فذكر أولا ربوبيته لهم ثم ذكر خلقته لهم وآبائهم لأن الخالق يستحق أن يعبد ثم ذكر ما أنعم الله به عليهم من جعل الأرض فراشا والسماء بناء ومن إنزال المطر وإخراج الثمرات لأن المنعم يستحق أن يعبد ويشكر وانظر قوله جعل لكم ورزقا لكم يدلك على ذلك لتخصيصه ذلك بهم في ملاطفة وخطاب بديع
40

الثانية المقصود الأعظم من هذه الآية الأمر بتوحيد الله وترك ما عبد من دونه لقوله في آخرها فلا تجعلوا لله أندادا وذلك هو الذي يترجم عنه بقولنا لا إله إلا الله فيقتضى ذلك الأمر بالدخول في دين الإسلام الذي قاعدته التوحيد وقول لا إله إلا الله تكون في القرآن ذكر المخلوقات والتنبيه على الاعتبار في الأرض والسماوات والحيوان والنبات والرياح والأمطار والشمس والقمر والليل والنهار وذلك أنها تدل بالعقل على عشرة أمور وهي أن الله موجود لأن الصنعة دليل على الصانع لا محالة وأنه واحد
لا شريك له لأنه لا خالق إلا هو * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * وأنه حي قدير عالم مريد لأن هذه الصفات الأربع من شروط الصانع إذ لا تصدر صنعة عمن عدم صفة منها وأنه قديم لأنه صانع للمحدثات فيستحيل أن يكون مثلها في الحدوث وأنه باق لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه وأنه حكيم لأن آثار حكمته ظاهرة في إتقانه للمخلوقات وتدبيره للملكوت وأنه رحيم لأن في كل ما خلق منافع لبني آدم سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض وأكثر ما يأتي ذكر المخلوقات في القرآن في معرض الاستدلال على وجوده تعالى وعلى وحدانيته فإن قيل لم قصر الخطاب بقوله لعلكم تتقون على المخاطبين دون الذين من قبلهم مع أنه أمر الجميع بالتقوى فالجواب أنه لم يقصره عليهم ولكنه غلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ والمراد الجميع فإن قيل هلا قال لعلكم تعبدون مناسبة لقوله اعبدوا فالجواب أن التقوى غاية العبادة وكمالها فكان قوله لعلكم تتقون أبلغ وأوقع في النفوس * (وإن كنتم في ريب) * الآية إثبات لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإقامة الدليل على أن القرآن جاء به من عند الله فلما قدم إثبات الألوهية أعقبها بإثبات النبوة فإن قيل كيف قال إن كنتم في ريب ومعلوم أنهم كانوا في ريب وفي تكذيب فالجواب أنه ذكر حرف إن إشارة إلى أن الريب بعيد عند العقلاء في مثل هذا الأمر الساطع البرهان فلذلك وضع حرف التوقع والاحتمال في الأمر الواقع ليعد وقوع الريب وقبحه عند العقلاء وكما قال تعالى * (لا ريب فيه) * على عبدنا هو النبي صلى الله عليه وسلم والعبودية على وجهين عامة وهي التي بمعنى الملك وخاصة وهي التي يراد بها التشريف والتخصيص وهي من أوصاف أشراف العباد ولله در القائل
(لا تدعني إلا بياعبدها
* فإنه أشرف أسمائي)
* (فأتوا بسورة) * أمر يراد به التعجيز * (من مثله) * الضمير عائد على ما أنزلنا وهو القرآن ومن لبيان الجنس وقيل يعود على النبي صلى الله عليه وسلم فمن على هذا لابتداء الغاية من بشر مثله والأول أرجح لتعيينه في يونس وهود وبمعنى مثله في فصاحته وفيما تضمنه من العلوم والحكم العجيبة والبراهين الواضحة * (شهداءكم) * آلهتكم أو أعوانكم أو من يشهد لكم * (من دون الله) * أي غير الله وقيل هو من الدين الحقير فهو مقلوب اللفظ * (ولن تفعلوا) * اعتراض بين الشرط وجوابه فيه مبالغة وبلاغة وهو إخبار ظهير مصداقه في الوجود إن لم يقدر أحد أن يأتي بمثل القرآن مع فصاحة العرب في زمان نزوله وتصرفهم في الكلام وحرصهم على التكذيب وفي الإخبار بذلك معجزة أخرى وقد اختلف في عجز الخلق عنه على قولين أحدهما أنه ليس في قدرتهم الإتيان بمثله وهو الصحيح والثاني أنه كان في قدرتهم وصرفوا عنه والإعجاز حاصل على الوجهين
41

وقد بينا سائر وجوه إعجازه في المقدمة * (فاتقوا النار) * أي فآمنوا لتنجوا من النار وعبر باللازم عن ملازمه لأن ذكر النار أبلغ في التفخيم والتهويل والتخويف * (وقودها) * حطبها * (الحجارة) * قال ابن مسعود هي حجارة الكبريت لسرعة اتقادها وشدة حرها وقبح رائحتها وقيل الحجارة المعبودة وقيل الحجارة على الإطلاق * (أعدت) * دليل على أنها قد خلقت وهو مذهب الجماعة وأهل السنة خلافا لمن قال إنها تخلق يوم القيامة وكذلك الجنة * (وبشر) * يحتمل أن تكون خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم أو خطابا لكل أحد ورجح الزمخشري هذا لأنه أفخم * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * دليل على أن الإيمان خلاف العمل لعطفه عليه خلافا لمن قال الإيمان اعتقاد وقول وعمل وفيه دليل على أن السعادة بالإيمان مع الأعمال خلافا للمرجئة * (تجري من تحتها الأنهار) * أي تحت أشجارها وتحت مبانيها وهي أنهار الماء واللبن والخمر والعسل وهكذا تفسيره وقع وروي أن أنهار الجنة تجري في غير أخدود * (منها من ثمرة رزقا) * من الأولى للغاية أو للتبعيض أو لبيان الجنس ومن الثانية لبيان الجنس * (من قبل) * أي في الدنيا بدليل قولهم * (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) * في الدنيا فإن ثمر الجنة أجناس ثمر الدنيا وإن كانت خيرا منها في المطعم والمنظر * (وأتوا به متشابها) * أي يشبه ثمر الدنيا في جنسه وقيل يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في المطعم والضمير المجرور يعود على المرزوق الذي يدل عليه المعنى * (مطهرة) * من الحيض وأقذار النساء وسائر الأقذار التي تختص بالنساء كالبول وغيره ويحتمل أن يريد طهارة الطيب وطيب الأخلاق * (لا يستحي) * تأول قوم أن معناه لا يترك لأنهم زعموا أن الحياء مستحيل على الله لأنه عندهم انكسار يمنع من الوقوع في أمر وليس كذلك وإنما هو كرم وفضيلة تمنع من الوقوع فيما يعاب ويرد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم إن الله حي كريم يستحي من العبد إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا * (أن يضرب) * سبب الآية أنه لما ذكر في القرآن الذباب والنمل والعنكبوت عاب الكفار على ذلك وقيل المثلين المتقدمين في المنافقين تكلموا في ذلك فنزلت الآية ردا عليهم * (مثلا ما بعوضة) * إعراب بعوضة مفعول بيضرب ومثلا حال أو مثلا مفعول وبعوضة بدل منه أو عطف بيان أو هما مفعولان بيضرب لأنها على هذا المعنى تتعدى إلى مفعولين وما صفة للنكرة أو زائدة * (فما فوقها) * في الكبر وقيل في الصغر والأول أصح * (فيعلمون أنه الحق) * لأنه لا يستحيل على الله أن يذكر ما شاء ولأن ذكر تلك الأشياء فيه حكمة وضرب أمثال وبيان للناس ولأن الصادق جاء بها من عند الله * (ماذا أراد الله) * لفظه الاستفهام ومعناه الاستبعاد والاستهزاء والتكذيب وفي إعراب ماذا وجهان أن تكون ما مبتدأ وذا خبره وهي موصولة وأن تكون كلمة مركبة في موضع نصب على المفعول بأراد ومثلا منصوب على الحال أو التمييز * (يضل به) * من كلام الله جوابا للذين قالوا ماذا أراد الله بهذا مثلا وهو أيضا تفسير لما أراد
42

الله بضرب المثل من الهدى والضلال * (عهد الله) * مطلق في العهود وكذلك ما بعده من القطع والفساد ويحتمل أن يشار بنقض عهد الله إلى اليهود لأنهم نقضوا العهد الذي أخذ الله عليهم في الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ويشار بقطع ما أمر الله به أن يوصل إلى قريش لأنهم قطعوا الأرحام التي بينهم وبين المؤمنين ويشار بالفساد في الأرض إلى المنافقين لأن الفساد من أفعالهم حسبما تقدم في وصفهم * (ميثاقه) * الضمير للعهد أو لله تعالى * (كيف تكفرون) * موضعها الاستفهام ومعناها هنا الإنكار والتوبيخ * (وكنتم أمواتا) * أي معدومين أي في أصلاب الآباء أو نطفا في الأرحام * (فأحياكم) * أي أخرجكم إلى الدنيا * (ثم يميتكم) * الموت المعروف
* (ثم يحييكم) * بالبعث * (ثم إليه ترجعون) * للجزاء وقيل الحياة الأولى حين أخرجهم من صلب آدم لأخذ العهد وقيل في الحياة الثانية إنها في القبور والراجح القول الأول لتعيينه في قوله * (وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) *
فوائد ثلاثة الأولى هذه الآية في معرض الرد على الكفار وإقامة البرهان على بطلان قولهم فإن قيل إنما يصح الاحتجاج عليهم بما يعترفون به فكيف يحتج عليهم بالبعث وهم منكرون له فالجواب أنهم ألزموا من ثبوت ما اعترفوا به من الحياة والموت ثبوت البعث لأن القدرة صالحة لذلك كله الثانية قوله وكنتم أمواتا في موضع الحال فإن قيل كيف جاز ترك قد وهى لازمة مع الفعل الماضي إذا كان في موضع الحال فالجواب أنه قد جاء بعد الماضي مستقبل والمراد مجموع الكلام كأنه يقول وحالهم هذه فلذلك لم تلزم قد الثالثة عطف فأحياكم بالفاء لأن الحياة أثر العدم ولا تراخي بينهما وعطف ثم يميتكم وثم يحييكم بثم للتراخي الذي بينهما * (خلق لكم ما في الأرض) * دليل على إباحة الانتفاع بما في الأرض * (ثم استوى) * أي قصد لها والسماء هنا جنس ولأجل ذلك أعاد عليها بعد ضمير الجماعة * (فسواهن) * أي أتقن خلقهن كقوله فسواك فعدلك وقيل جعلهن سواء فائدة هذه الآية تقتضي أنه خلق السماء بعد الأرض وقوله و * (الأرض بعد ذلك دحاها) * ظاهره خلاف ذلك والجواب من وجهين أحدهما أن الأرض خلقت قبل السماء ودحيت بعد ذلك فلا تعارض والآخر تكون ثم لترتيب الأخبار * (الملائكة) * جمع ملك واختلف في وزنه فقيل فعل فالميم أصلية ووزن ملائكة على هذا مفاعلة وقيل هي من الألوكة وهي الرسالة فوزنه مفعل ووزنه مألك ثم حذفت الهمزة ووزن ملائكة على هذا مفاعلة ثم قلبت وأخرت الهمزة فصار مفاعلة وذلك بعيد * (خليفة) * هو آدم عليه السلام لأن الله استخلفه في الأرض وقيل ذريته لأن بعضهم يخلف بعضا والأول أرجح ولو أراد الثاني لقال خلفاء * (أتجعل فيها) * الآية سؤال محض لأنهم استبعدوا أن يستخلف الله من يعصيه وليس فيه اعتراض لأن الملائكة منزهون عنه وإنما علموا أن بني آدم يفسدون بإعلام الله إياهم بذلك وقيل
43

كان في الأرض جن فأفسدوا فبعث الله إليهم ملائكة فقتلتهم فقاس الملائكة بني آدم عليهم * (ونحن نسبح) * اعتراف والتزام للتسبيح لا افتخار * (بحمدك) * أي حامدين لك والتقدير نسبح متلبسين بحمدك فهو في موضع الحال * (ونقدس لك) * يحتمل أن تكون الكاف مفعولا ودخلت عليها اللام كقولك ضربت لزيدا وأن يكون المفعول محذوفا أي نقدسك على معنى ننزهك أو نعظمك وتكون اللام في لك للتعليل أي لأجلك أو يكون التقدير نقدس أنفسنا أي نطهرها لك * (ما لا تعلمون) * أي ما يكون في بني آدم من الأنبياء والأولياء وغير ذلك من المصالح والحكمة * (الأسماء كلها) * أي أسماء بني آدم وأسماء أجناس الأشياء لتشمية القمر والشجر وغير ذلك * (ثم عرضهم) * أي عرض المسميات وبين أشخاص بني آدم وأجناس الأشياء " أنبؤني " أمر على وجه التعجيز * (إن كنتم صادقين) * أي في قولكم إن الخليفة يفسد في الأرض ويسفك الدماء وقيل إن كنتم صادقين في جواب السؤال والمعرفة بالأسماء * (لا علم لنا) * اعتراف * (أنبئهم بأسمائهم) * أي أنبىء الملائكة بأسماء ذريتك أو بأسماء أجناس الأشياء * (اسجدوا لآدم) * السجود على وجه التحية وقيل عبادة لله وآدم كالقبلة * (فسجدوا) * روى أن من أول من سجد إسرافيل ولذلك جازاه الله بولاية اللوح المحفوظ * (إلا إبليس) * استثناء متصل عند من قال إنه كان ملكا ومنقطع عند من قال كان من الجن * (استكبر) * لقوله أنا خير منه * (وكان من الكافرين) * قيل كفر بإبايته من السجود وذلك بناء على أن المعصية كفر والأظهر أنه كفر باعتراضه على الله وتسفيهه له في أمره بالسجود لآدم وليس كفره كفر جحود لاعترافه بالربوبية * (وزوجك) * هي حواء خلقها الله من ضلع آدم ويقال زوجة وزوج هنا أفصح * (الجنة) * هي جنة الخلد عند الجماعة وعند أهل السنة خلافا لمن قال هي غيرها * (لا تقربا) * النهي عن القرب يقتضي النهي عن الأكل بطريق الأولى وإنما نهى عن القرب سدا للذريعة فهذا أصل في سد الذرائع * (الشجرة) * قيل هي شجرة العنب وقيل شجرة التين وقيل الحنطة وذلك مفتقر إلى نقل صحيح واللفظ مبهم * (فتكونا) * عطف على تقربا أو نصب بإضمار أن بعد الفاء في جواب النهي * (فأزلهما) * متعد من أزل القدم وأزالهما بالألف من الزوال * (عنها) * الضمير عائد على الجنة أو على الشجرة فتكون عن سببية على هذا فائدة اختلفوا في أكل آدم من الشجرة فالأظهر أنه كان على وجه النسيان لقوله تعالى * (فنسي ولم نجد له عزما) * وقيل سكر من خمر الجنة فحينئذ أكل منها وهذا باطل لأن خمر الجنة لا تسكر وقيل أكل عمدا وهي معصية صغرى وهذا عند من أجاز على الأنبياء الصغائر وقيل تأول آدم أن النهي
44

كان عن شجرة معينة فأكل من غيرها من جنسها وقيل لما حلف له إبليس صدقه لأنه ظن أنه لا يحلف أحد كذبا * (اهبطوا) * خطاب لآدم وزوجه وإبليس بدليل بعضكم لبعض عدو * (مستقر) * موضع استقرار وهو في مدة الحياة وقيل في بطن الأرض بعد الموت * (ومتاع) * ما يتمتع به * (إلى حين) * إلى الموت * (فتلقى) * أي أخذ وقيل على قراءة الجماعة وقرأ ابن كثير بنصب آدم ورفع الكلمات فتلقى على هذا من اللقاء * (كلمات) * هي قوله * (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * بدليل ورودها في الأعراف وقيل غير ذلك * (اهبطوا) * كرر ليناط به ما بعده ويحتمل أن يكون أحد الهبوطين من السماء والآخر من الجنة وأن يكون هذا الثاني لذرية آدم لقوله * (فإما يأتينكم) * إن شرطية وما زائدة للتأكيد والهدى هنا يراد به كتاب الله ورسالته * (فمن تبع) * شرط وهو جواب الشرط الأول وقيل فلا خوف جواب الشرطين * (يا بني إسرائيل) * لما قدم دعوة الناس عموما وذكر مبدأهم دعا بني إسرائيل خصوصا وهم اليهود وجرى الكلام معهم من هنا إلى حزب سيقول السفهاء فتارة دعاهم بالملاطفة وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم وتارة بالتخويف وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أعمالهم وذكر العقوبات التي عاقبهم بها فذكر من النعم عليهم عشرة أشياء وهي * (وإذ نجيناكم من آل فرعون) * " وإذا فرقنا بكم البحر " " وبعثناكم من بعد موتكم " * (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى) * " وعفونا عنكم " " وتاب عليكم " " ويغفر لكم خطاياكم " " وآتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون " " وانفجرت منه اثنتي عشرة عينا " وذكر من سوء أفعالهم عشرة أشياء " قولهم سمعنا وعصينا " " واتخذتم العجل " " وقالوا أرنا الله جهرة " " وبدل الذين ظلموا " " ولن نصبر على طعام واحد " " ويحرفونه " " وتوليتم من بعد ذلك " " وقست قلوبكم " * (وكفرهم بآيات الله) * * (وقتلهم الأنبياء بغير حق) * وذكر من عقوباتهم عشرة أشياء " ضربت عليهم الذلة والمسكنة
وباؤا بغضب من الله " " ويعطوا الجزية " " واقتلوا أنفسكم " " وكونوا قردة " " وأنزلنا عليهم رجزا من السماء " " وأخذتكم الصاعقة " * (وجعلنا قلوبهم قاسية) * " وحرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " وهذا كله جزاء لآبائهم المتقدمين وخوطب المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنهم متبعون لهم راضون بأحوالهم وقد وبخ المعاندين لمحمد صلى الله عليه وسلم بتوبيخات أخر وهي كتمانهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم مع معرفتهم به ويحرفون الكلم ويقولون هذا من عند الله وتقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم وحرصهم على الحياة وعداوتهم لجبريل واتباعهم للسحر وقولهم نحن أبناء الله وقولهم يد الله مغلولة * (نعمتي) * اسم جنس فهي مفردة بمعنى الجمع ومعناه عام في جميع النعم التي على بني إسرائيل مما اشترك فيه معهم غيرهم أو اختصهم به كالمن والسلوى وللمفسرين فيه أقوال تحمل على أنها أمثلة واللفظ يعم النعم جميعا * (بعهدي) * مطلق في كل ما أخذ عليهم من العهود وقيل الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك قوي لأنه مقصود الكلام * (بعهدكم) * دخول الجنة
45

* (وإياي) * مفعول بفعل مضمر مؤخر لانفصال الضمير وليفيد الحصر يفسره فارهبون ولا يصح أن يعمل فيه فارهبون لأنه قد أخذ معموله وكذلك إياي فاتقون * (بما أنزلت) * يعني القرآن * (مصدقا لما معكم) * أي مصدقا للتوراة وتصديق القرآن للتوراة وغيرها وتصديق محمد صلى الله عليه وسلم للأنبياء والمتقدمين له ثلاث معان أحدها أنهم أخبروا به ثم ظهر كما قالوا فتبين صدقهم في الإخبار به والآخر أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم أنبياء وأنزل عليهم الكتب فهو مصدق لهم أي شاهد بصدقهم والثالث أنه وافقهم فيما في كتبهم من التوحيد وذكر الدار الآخرة وغير ذلك من عقائد الشرائع فهو مصدق لهم لاتفاقهم في الإيمان بذلك * (ولا تكونوا أول كافر به) * الضمير عائد على القرآن وهذا نهي عن المسابقة إلى الكفر به ولا يقتضي إباحة الكفر في ثاني حال لأن هذا مفهوم معطل بل يقتضي الأمر بمبادرتهم إلى الإيمان به لما يجدون من ذكره ولما يعرفون من علامته ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا الاشتراء هنا استعارة في الاستبدال كقوله اشتروا الضلالة بالهدى والآيات هنا هي الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والثمن القليل ما ينتفعون به في الدنيا من بقاء رياستهم وأخذ الرشا على تغيير أمر محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك وقيل كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك واحتج الحنفية بهذه الآية على منع الإجارة على تعليم القرآن * (الحق بالباطل) * الحق هنا يراد به نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والباطل الكفر به وقيل الحق التوراة والباطل ما زادوا فيها * (وتكتمون) * معطوف على النهي أو منصوب بإضمار أن في جواب النهي والواو بمعنى الجمع والأول أرجح لأن العطف يقتضي النهي عن كل واحد من الفعلين بخلاف النصب بالواو فإنه إنما يقتضي النهي عن الجمع بين الشيئين لا النهي عن كل واحد على انفراده * (وأنتم تعلمون) * أي تعلمون أنه حق " الصلاة وآتو الزكاة " يراد بها صلاة المسلمين وزكاتهم فهو يقتضي الأمر بالدخول في الإسلام * (واركعوا) * خصص الركوع بعد ذكر الصلاة لأن صلاة اليهود بلا ركوع فكأنه أمر بصلاة المسلمين التي فيها الركوع وقيل اركعوا للخضوع والانقياد * (مع الراكعين) * مع المسلمين فيقتضي ذلك الأمر بالدخول في دينهم وقيل الأمر بالصلاة مع الجماعة * (أتأمرون) * تقريع وتوبيخ لليهود * (بالبر) * عام في أنواعه فوبخهم على أمر الناس وتركهم له وقيل كان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه وقال ابن عباس بل كانوا يأمرون باتباع التوراة ويخالفون في جحدهم منها صفة محمد صلى الله عليه وسلم * (تنسون) * أي تتركون وهذا تقريع * (تتلون الكتاب) * حجة عليهم * (أفلا تعقلون) * توبيخ * (واستعينوا بالصبر والصلاة) * قيل معناه استعينوا بها على مصائب الدنيا وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ونعى إلى ابن عباس أخوه فقام إلى الصلاة فصلى
46

ركعتين وقرأ الآية وقيل استعينوا بهما على طلب الآخرة وقيل الصبر هنا الصوم وقيل الصلاة هنا الدعاء * (وإنها) * الضمير عائد على العبادة التي تضمنها الصبر والصلاة أو على الاستعانة أو على الصلاة * (لكبيرة) * أي شاقة صعبة * (يظنون) * هنا يتيقنون * (على العالمين) * أي أهل زمانهم وقيل تفضيل من وجه ما هو كثرة الأنبياء وغير ذلك * (لا تجزي) * لا تغني وشيئا مفعول به أو صفة لمصدر محذوف والجملة في موضع الصفة وحذف الضمير أي فيه * (ولا يقبل منها شفاعة) * ليس نفي الشفاعة مطلقا فإن مذهب أهل الحق ثبوت الشفاعة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وشفاعة الملائكة والأنبياء والمؤمنين وإنما المراد أنه لا يشفع أحد إلا بعد أن يأذن الله له لقوله تعالى * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * ولقوله * (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) * ولقوله " ولا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له " وانظر ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن في الشفاعة فيقال له اشفع تشفع فكل ما ورد في القرآن من نفي الشفاعة مطلقا يحمل على هذا لأن المطلق يحمل على المقيد فليس في هذه الآيات المطلقة دليل للمعتزلة على نفي الشفاعة * (عدل) * هنا فدية * (ولا هم ينصرون) * جمع لأن النفس المذكورة يراد بها نفوس * (وإذ نجيناكم) * تقديره اذكروا إذ نجيناكم أي نجينا آباءكم وجاء الخطاب للمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم منهم لأنهم ذريتهم وعلى دينهم ومتبعون لهم فحكمهم كحكمهم وكذلك فيما بعد هذا من تعداد النعم لأن الإنعام على الآباء إنعام على الأبناء ومن ذكر مساويهم لأن ذريتهم راضون بها * (من آل فرعون) * المراد من فرعون وآله وحذف لدلالة المعنى وآل فرعون هم جنوده وأشياعه وآل دينه لا قرابته خاصة ويقال إن اسمه الوليد بن مصعب وهو من ذرية عمليق ويقال فرعون لكل من ولي مصر وأصل آل أهل ثم أبدلت من الهاء همزة وأبدل من الهمزة ألف فائدة كل ما ذكره في هذه الصور من الأخبار معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر بها من غير تعلم * (يسومونكم سوء العذاب) * أي يلزمونهم به وهو استعارة من السوم في البيع وفسر سوء العذاب بقوله * (يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم) * ولذلك لم يعطفه هنا وأما حيث عطفه في سورة إبراهيم فيحتمل أن يراد بسوء العذاب غير ذلك بل فيكون عطف مغايرة أو أراد به ذلك وعطف لاختلاف اللفظة وكان سبب قتل فرعون لابناء بني إسرائيل وقيل إن آل فرعون تذاكروا وعد الله لإبراهيم بأن يجعل في ذريته ملوكا وأنبياء فحسدوهم على ذلك وروى أنه وكل بالنساء رجالا يحفظون من تحمل منهن وقيل بل وكل على ذلك القوابل ولأجل هذا قيل معنى يستحيون يفتشون الحياة ضد الموت * (فرقنا بكم البحر) * فصلناه وجعلناه فرقا اثنى عشر طريقا على عدد
47

الأسباط والباء سببية أو للمصاحبة والبحر المذكور هنا هو بحر القلزم * (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) * هي شهر ذي القعدة وعشر ذي الحجة وإنما خص الليالي بالذكر لأن العام بها والأيام تابعة لها والمراد أربعين ليلة بأيامها * (اتخذتم العجل) * اتخذتموه إلها فحذف لدلالة المعنى * (من بعده) * أي بعد غيبته في الطور * (الكتاب) * هنا التوراة * (والفرقان) * أي المفرق بين الحق والباطل وهو صفة للتوراة عطف عليها لاختلاف اللفظ وقيل الفرقان هنا فرق البحر وقيل آتينا موسى التوراة وآتينا محمدا الفرقان وهذا بعيد لما فيه من الحذف من غير دليل عليه * (فاقتلوا أنفسكم) * أي يقتل بعضكم بعضا كقوله * (سلموا على أنفسكم) * وروى أن من لم يعبد العجل قتل من غده وروى أن الظلام ألقي عليهم فقتل بعضهم بعضا حتى بلغ القتلى سبعون ألفا فعفى الله عنهم وإنما خص هنا اسم البلد لأن فيه توبيخا للذين عبدوا العجل كأنه يقول كيف عبدتم غير الذي براكم ومعنى الباري الخالق * (فتاب عليكم) * قبله محذوف لدلالة الكلام عليه وهو فحوى الخطاب أي ففعلتم ما أمرتم به من القتل فتاب عليكم * (لن نؤمن لك) * تعدى باللام لأنه تضمن معنى الانقياد * (جهرة) * عيانا * (الصاعقة) * الموت وكانوا سبعين وهم الذين اختارهم موسى وحملهم إلى الطور فسمعوا كلام الله ثم طلبوا الرؤية فعوقبوا لسوء أدبهم وجراءتهم على الله * (وظللنا) * أي جعلنا الغمام فوقهم كالظلة يقيهم حر الشمس وكان ذلك في التيه وكذا أنزل عليه فيه المن والسلوى تقدم في اللغات * (كلوا) * معمول لقول محذوف * (هذه القرية) * بيت المقدس وقيل أريحاء وقيل قريب من بيت المقدس * (فكلوا) * جاء هنا بالفاء التي للترتيب لأن الأكل بعد الدخول وجاء في الأعراف بالواو بعد قوله اسكنوا لأن الدخول لا يتأتى معه السجود وقيل متواضعين * (حطة) * تقدم في اللغات * (وسنزيد) * أي نزيدهم أجرا إلى المغفرة * (فبدل) * روى أنه قالوا حنطة وروى حبة في شعرة * (الذين ظلموا) * يعني المذكورين وضع الظاهر موضع
48

المضمر لقصد ذمهم بالظلم وكرره زيادة في تقبيح أمرهم * (رجزا) * روى أنهم أصابهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفا * (استسقى) * طلب السقيا لما عطشوا في التيه * (الحجر) * كان مربعا ذراعا في ذراع تفجر من كل جهة ثلاث عيون وروى أن آدم كان أهبطه من الجنة وقيل هو جنس غير معين وذلك أبلغ في الإعجاز * (فانفجرت) * قبله محذوف تقديره فضربه فانفجرت * (مشربهم) * أي موضع شربهم وكانوا اثني عشر سبطا لكل سبط عين * (كلوا) * أي من المن والسلوى واشربوا من الماء المذكور * (فومها) * هي الثوم وقيل الحنطة * (أدنى) * من الدنيء الحقير وقيل أصله أدون ثم قلب بتأخير عينه وتقديم لامه * (مصر) * قيل البلد المعروف وصرف لسكون وسطه وقيل هو غير معين فهو نكرة لما روى أنهم نزلوا بالشام والأول أرجح لقوله تعالى * (وأورثناها بني إسرائيل) * يعني مصر * (ضربت) * أي قضى عليهم بها وألزموها وجعله الزمخشري استعارة من ضرب القبة لأنها تعلوا الإنسان وتحيط به * (المسكنة) * الناقة وقيل الجزية * (ذلك بأنهم) * الإشارة إلى ضرب الذلة والمسكنة والغضب والباء للتعليل * (بآيات الله) * الآيات المتلوات أو العلامات * (بغير الحق) * معلوم أنه لا يقتل نبي إلا بغير حق وذلك أفصح فائدة قال هنا بغير الحق بالتعريف باللام للعهد لأنه قد تقررت الموجبات لقتل النفس وقال في الموضع الآخر من آل عمران * (بغير حق) * بالتنكير لاستغراق النفي لأن تلك نزلت في المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم * (ذلك بما عصوا) * يحتمل أن يكون تأكيدا للأول وتكون الإشارة بذلك إلى القتل والكفر والباء للتعليل أي اجترؤا على الكفر وقتل الأنبياء لما انهمكوا في العصيان والعدوان * (إن الذين آمنوا والذين هادوا) * الآية قال ابن عباس نسختها " ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " وقيل معناها أن هؤلاء الطوائف من آمن منهم إيمانا صحيحا فله أجره فيكون في حق المؤمنين الثبات إلى الموت وفي حق غيرهم الدخول في الإسلام فلا نسخ وقيل إنها فيمن كان قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم فلا نسخ * (من آمن) * مبتدأ خبره فلهم أجرهم والجملة خبر إن أو من آمن بدل * (فلهم أجرهم) * خبر إن * (ورفعنا فوقكم الطور) * لما جاء موسى بالتوراة أبوا أن يقبلوها فرفع الجبل فوقهم وقيل لهم إن لم تأخذوها وقع عليكم * (بقوة) * جد في العلم بالتوراة أو العمل بها * (اعتدوا منكم في السبت) * اصطادوا
49

فيه الحوت وكان محرما عليهم * (كونوا قردة) * عبارة عن مسخهم وخاسئين صفة أو خبر ثان ومعناه مبعدين كما يخسأ الكلب * (فجعلناها) * الضمير للفعلة وهي المسخ * (نكالا) * أي عقوبة لما تقدم من ذنوبهم وما تأخر وقيل عبرة لمن تقدم ومن تأخر * (أن تذبحوا بقرة) * قصتها أن رجلا من بني إسرائيل قتل قريبه ليرثه وادعى على قوم أنهم قتلوه فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوا القتيل ببعضها ففعلوا فقام وأخبر بمن قتله ثم عاد ميتا * (أتتخذنا هزوا) * جفاء وقلة أدب وتكذيب * (فارض) * مسنة * (بكر) * صغيرة * (عوان) * متوسطة * (بين ذلك) * أي بين ما ذكر ولذلك قال ذلك مع الإشارة إلى شيئين * (صفراء) * من الصفرة المفروقة وقيل سوداء وهو بعيد والظاهر صفراء كلها وقيل القرن والظلف فقط وهو بعيد * (فاقع) * شديد الصفرة * (تسر الناظرين) * لحسن لونها وقيل لسمنها ومنظرها كله * (لا ذلول) * غير مذللة للعمل * (تثير الأرض) * أي تحرثها وهو داخل تحت النفي على الأصح * (ولا تسقي الحرث) * لا يسقى عليها * (مسلمة) * من العمل أو من العيوب " لاشية " لا لمعة غير الصفرة وهو من وشى ففاؤه واو محذوفة كعدة * (الآن جئت بالحق) * العامل في الضرب جئت بالحق وقيل العامل فيه مضمر تقديره الآن تذبحوها والأول أظهر فإن كان قولهم أتتخذنا هزوا هكذا فهذا تصديق وإن كان غير ذلك فالمعنى الحق المبين * (وما كادوا) * لعصيانهم وكثرة سؤالهم أو لغلاء البقرة فقد جاء بأنها كانت ليتيم وأنهم اشتروها بوزنها ذهبا أو لقلة وجود تلك الصفة فقد روي أنهم لو ذبحوا أدنى بقرة أجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد عليهم * (وإذ قتلتم نفسا) * هو أول قصة البقرة فمرتبته التقديم * (إن الله يأمركم) * قال الزمخشري إنما أخر لتعدد توبيخهم لقصتين وهما ترك المسارعة إلى الأمر وقتل النفس ولو قدم لكان قصة واحدة بتوبيخ واحد * (فادارأتم) * أي اختلفتم وهو من المدارأة أي المدافعة * (ما كنتم تكتمون) * من أمر القتيل ومن قتلة * (ضربوه) * القتيل أو قريبة * (ببعضها) * مطلقا وقيل الفخذ وقيل اللسان وقيل الذنب * (كذلك) *
50

إشارة إلى حياة القتيل واستدلال بها على الإحياء للبعث وقبله محذوف لا بد منه تقديره ففعلوا ذلك فقام القتيل فائدة استدل المالكية بهذه القصة على قبول قول المقتول فلان
قتلني وهو ضعيف لأن هذا المقتول قام بعد موته ومعاينة الآخرة وقصته معجزة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا يتأتى أن يكذب المقتول بخلاف غيره واستدلوا أيضا بها على أن القاتل لا يرث ولا دليل فيها على ذلك * (قست قلوبكم) * خطابا لبني إسرائيل * (من بعد ذلك) * أي بعد إحياء القتيل وما جرى في القصة من العجائب وذلك بيان لقبح قسوة قلوبهم بعد ما رأوا تلك الآيات * (أو أشد) * عطف على موضع الكاف أو خبر ابتداء أي هي أشد وأو هنا إما للإيهام أو للتخيير كأن من علم حالها مخير بين أن يشبهها بالحجارة أو بما هو أشد قسوة كالحديد أو التفضيل أي فهم أقسى مع أن فعل القسوة ينبني منه أفعل لكون أشد أدل على فرط القسوة * (وإن من الحجارة) * الآية تفضيل الحجارة على قلوبهم * (يهبط) * أي يتردى من علو إلى أسفل والخشية عبارة عن انقيادها وقيل حقيقة وأن كل حجر يهبط فمن خشية الله * (أفتطمعون) * خطاب للمؤمنين * (أن يؤمنوا) * يعني اليهود وتعدى باللام لما تضمن معنى الانقياد * (فريق منهم) * السبعون الذي يسمع كلام الله على الطور ثم حرفوه وقيل بنو إسرائيل حرفوا التوراة * (من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) * بيان لقبح حالهم * (قالوا آمنا) * قالها رجل ادعى الإسلام من اليهود وقيل قالوها ليدخلوا إلى المؤمنين ويسمعوا إلى أخبارهم * (أتحدثونهم) * توبيخ * (بما فتح الله عليكم) * فيه ثلاثة أوجه بما حكم عليهم من العقوبات وبما في كتبهم من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وبما فتح الله عليهم من الفتح والإنعام وكل وجه حجة عليهم ولذلك قالوا * (ليحاجوكم به عند ربكم) * قيل في الآخرة وقيل أي في حكم ربكم وما أنزل في كتابه فعنده بمعنى حكمه * (أفلا تعقلون) * من بقية كلامهم توبيخا لقولهم " ولا يعلمون " الآية من كلام الله ردا عليهم وفضيحة لهم * (ومنهم أميون) * أي الذين لا يقرؤن ولا يكتبون فهم * (لا يعلمون الكتاب) * والمراد قوم من اليهود وقيل من المجوس وهذا غير صحيح لأن الكلام كله من اليهود * (إلا أماني) * تلاوة بغير فهم أو أكاذيب وما تتمناه النفوس * (بأيديهم) * تحقيق لافترائهم * (ثمنا قليلا) * عرض الدنيا من الرياسة والرشوة وغير ذلك يكسبون من الدنيا أو هي الذنوب " أياما
51

معدودة) أربعين يوما عدد عبادتهم العجل وقيل سبعة أيام * (تخذتم) * الآية تقرير يقتضي إبطال * (بلي) * تحقيق لطول مكثهم في النار ولقولهم ما لا يعلمون * (من كسب سيئة) * الآية في الكفار لأنها رد على اليهود ولقوله بعدها * (والذين آمنوا) * فلا حجة فيها لمن قال بتخليد العصاة في النار * (لا تعبدون إلا الله) * جواب لقسم يدل عليه الميثاق وقيل خبر بمعنى النهي ويرحجه قراءة لا يعبدون وقيل الأصل بأن لا تعبدوا ثم حذفت الباء وأن * (وبالوالدين) * يتعلق بإحسان أو بمحذوف تقديره أحسنوا ووكد بإحسانا * (وذي القربى) * القرابة * (اليتامى) * جمع يتيم وهو من فقد والده قبل البلوغ واليتيم من سائر الحيوان من فقد أمه وجاء الترتيب في هذه الآية بتقديم الأهم فقدم الوالدين لحقهما الأعظم ثم القرابة لأن فيهم أجر الإحسان وصلة الرحم ثم اليتامى لقلة حيلتهم ثم المساكين * (لا تسفكون دماءكم) * لا يسفك بعضكم دم بعض وإعرابه مثل لا تعبدون * (ولا تخرجون أنفسكم) * لا يخرج بعضكم بعضا * (ثم أقررتم) * بالميثاق واعترفتم بلزومه * (وأنتم تشهدون) * بأخذ الميثاق عليكم * (هؤلاء) * منصوب على التخصيص بفعل مضمر وقيل هؤلاء مبتدأ وخبره أنتم وتقتلون حالا لازمة تم بها المعنى * (تقتلون أنفسكم) * كانت قريظة حلفاء الأوس والنضير حلفاء الخزرج وكان كل فريق يقاتل الآخر مع حلفائه ويتقيه من موضعه إذا ظفر به * (تظاهرون) * أي تتفاوتون * (تفادوهم) * قرئ بالألف وحذفها والمعنى واحد وكذلك أسارى بالألف وحذفها جمع أسير * (وهو محرم) * الضمير للإخراج من ديارهم وهو مبتدأ وخبره محرم " وإخراجهم " بدل والضمير للأمر والشأن وإخراجهم مبتدأ ومحرم خبره والجملة خبر الضمير * (أفتؤمنون ببعض الكتاب) * فداؤهم الأسارى موافقة لما في كتبهم * (وتكفرون ببعض) * القتل والإخراج من الديار مخالفة لما في كتبهم * (خزي) * الجزية أو الهزيمة لقريظة والنضير وغيرهم أو مطلق " وقفينا
52

من بعده بالرسل) أي جئنا من بعده بالرسل وهو مأخوذ من القفا أي جاء بالثاني في قفا الأول * (بالبينات) * المعجزات من إحياء الموتى وغير ذلك * (روح القدس) * جبريل وقيل الإنجيل وقيل الاسم الذي كان يكنى به الموتى والأول أرجح لقوله * (قل نزله روح القدس) * ولقوله صلى الله عليه وسلم لحسان اللهم أيده بروح القدس * (تقتلون) * جاء مضارعا مبالغة لأنه أيد استحضاره في النفوس أو لأنهم حاولوا قتل محمد صلى الله عليه وسلم لولا أن الله عصمه * (غلف) * جمع أغلف أي عليها غلاف وهو الغشاء فلا تفقهه * (بل لعنهم الله) * ردا عليهم وبيان أن عدم فقههم بسبب كفرهم * (فقليلا) * أي إيمانا قليلا * (ما يؤمنون) * ما زائدة ويجوز أن تكون القلة بمعنى العدم أو على أصلها لأن من دخل منهم في الإسلام قليل أو لأنهم آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض * (كتاب من عند الله) * هو القرآن * (مصدق) * تقدم أن له ثلاثة معان * (يستفتحون) * أي ينتصرون على المشركين إذا قاتلوهم قالوا اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان ويقولون لأعدائهم المشركين قد أظل زمان نبي يخرج فنقتلكم معه قتل عاد وإرم وقيل يستفتحون أي يعرفون الناس النبي صلى الله عليه وسلم والسين على هذا للمبالغة كما في استعجب واستسخر وعلى الأول للطلب * (فلما جاءهم ما عرفوا) * القرآن والإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم قال المبرد كفروا جوابا لما الأولى والثانية وأعيدت الثانية لطول الكلام ولقصد التأكيد وقال الزجاج كفروا جوابا لما الثانية وحذف جواب الأولى للاستغناء عنه لذلك وقال الفراء جواب لما الأولى فلما وجواب الثانية كفر * (على الكافرين) * أي عليهم يعني اليهود ووضع الظاهر موضع المضمر ليدل أن اللعنة بسبب كفرهم واللام للعهد أو للجنس فيدخلون فيها مع غيرهم من الكفار * (بئسما) * فاعل ليس مضمر وما مفسرة له وإن يكفروا هو المذموم وقال الفراء بئسما مركب كحبك وقال الكاسي ما مصدرية أي اشتراكهم فهي فاعله * (اشتروا) * هنا بمعنى باعوا * (أن يكفروا) * في موضع خبر ابتداء أو مبتدأ كاسم المذموم في بئس أو مفعول من أجله أو بدل من الضمير في به * (بما أنزل الله) * القرآن أو التوراة لأنهم كفروا بما فيها من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم * (أن ينزل) * في موضع مفعول من أجله * (من فضله) * القرآن والرسالة * (من يشاء) * يعني محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى أنهم إنما كفروا حسدا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لما تفضل الله عليه بالرسالة * (بغضب على غضب) * لعبادتهم العجل أو لقولهم عزير ابن الله أو لغير ذلك من قبائحهم * (بما أنزل الله) * القرآن * (بما وراءه) * أي بما بعده
53

وهو القرآن * (فلم تقتلون) * ردا عليهم فيما ادعوا من الإيمان بالتوراة وتكذيب لهم وذكر الماضي بلفظ المستقبل إشارة إلى ثبوته فكأنه دائم لما رضي هؤلاء به * (إن كنتم مؤمنين) * شرطية بمعنى القدح في إيمانهم وجوابها يدل عليه ما قبل أو نافية فيوقف قبلها والأول أظهر * (بالبينات) * يعني المعجزات كالعصا وفلق البحر وغير ذلك * (اتخذتم العجل) * ذكر هنا على وجه ألزم لهم والإبطال بقولهم نؤمن بما أنزل علينا وكذلك رفع الطور وذكر قبل هذا على وجه تعداد النعم لقوله * (ثم عفونا عنكم) * * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * وعطفه بثم في الموضعين إشارة إلى قبح ما فعلوه من ذلك * (من بعده) * الضمير لموسى عليه السلام أي من بعد غيبته في مناجاة الله على جبل الطور * (سمعنا وعصينا) * أي سمعنا قولك وعصينا أمرك ويحتمل أن يكونوا قالوه بلسان المقال أو بلسان الحال * (واشربوا) * عبارة عن تمكن حب العجل من قلوبهم فهو مجاز تشبيها بشرب الماء أو بشرب الصبغ في الصواب وفي الكلام محذوف أي أشربوا حب العجل وقيل إن موسى برد العجل بالمبرد ورمى برادته في الماء فشربوه فالشرب على هذا حقيقة ويرد هذا قوله في قلوبهم * (بكفرهم) * الباء سببية للتعليل أو بمعنى المصاحبة * (يأمركم) * إسناد الأمر إلى إيمانهم فهو مجاز على وجه التهكم فهو كقولك أصلاتك تأمرك كذلك إضافة الإيمان إليهم * (إن كنتم) * شرط أو نفي * (فتمنوا الموت) * بالقلب أو اللسان أو باللسان خاصة وهذا أمر على وجه التعجيز والتبكيت لأنه من علم أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وروي أنهم لو تمنوا الموت لماتوا وقيل إن ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم دامت طول حياته * (ولن يتمنوه) * إن قيل لم قال في هذه السورة * (ولن يتمنوه) * وفي سورة الجمعة * (ولا يتمنونه) * فنفى هنا بلن وفي الجمعة بلا فقال أستاذنا الشيخ أبو جعفر بن الزبير الجواب أنه لما كان الشرط في المغفرة مستقبلا وهو قوله إن كانت لكم الدار الآخرة خالصة جاءت جوابه بلن التي تخلص الفعل للاستقبال ولما كان الشرط في الجمعة حالا وهو قوله إن زعمتم أنكم أولياء لله جاء جوابه بلا التي تدخل على الحال أو تدخل على المستقبل * (بما قدمت) * أي لسبب ذنوبهم وكفرهم * (عليم بالظالمين) * تهديد لهم * (ومن الذين أشركوا) * فيه وجهان أحدهما أن يكون عطفا على ما قبله فيوصل به والمعنى أن اليهود أحرص على الحياة من الناس ومن الذين أشركوا فحمل على المعنى كأنه قال أحرص من الناس ومن الذين أشركوا وخص الذين أشركوا بالذكر بعد دخولهم في عموم الناس لأنهم لا يؤمنون بالآخرة بإفراط حبهم للحياة الدنيا والآخر أن يكون من الذين أشركوا ابتداء كلام فيوقف على ما قبله والمعنى من الذين أشركوا قوم * (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) * فحذف الموصوف وقيل أراد به المجوس لأنهم يقولون لملوكهم عش
54

ألف سنة والأول أظهر لأن الكلام إنما هو في اليهود وعلى الثاني يخرج الكلام عنهم * (وما هو بمزحزحه) * الآية فيها وجهان أحدهما أن يكون هو عائد على أحدهم وأن يعمر فاعل لمزحزحه والآخر أن يكون هو للتعمير وأن يعمر بدل * (من كان عدوا لجبريل) * الآية سببها أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم جبريل عدونا لأنه ملك الشدائد والعذاب فلذلك لا نؤمن به ولو جاءك ميكائيل لآمنا بك لأنه ملك الأمطار والرحمة * (فإنه نزله) * فيه وجهان الأول فإن الله نزل جبريل والآخر فإن جبريل نزل القرآن وهذا أظهر لأن قوله مصدقا لما بين يديه من أوصاف القرآن والمعنى الرد على اليهود بأحد وجهين أحدهما من كان عدوا لجبريل فلا ينبغي له أن يعاديه لأنه نزله على قلبك فهو مستحق للمحبة ويؤكد هذا قوله وهدى وبشرى والثاني من كان عدوا لجبريل فإنما عاداه لأنه نزله على قلبك فكان هذا تعليل لعداوتهم لجبريل " وجبريل وميكائيل " ذكرا بعد الملائكة تجديدا للتشريف والتعظيم * (أو كلما) * الواو للعطف قال الأخفش زائدة * (نبذه فريق منهم) * نزلت في مالك بن الصيف اليهودي وكان قد قال والله ما أخذ علينا عهد أن نؤمن بمحمد رسول يعني محمدا صلى الله عليه وسلم * (كتاب الله) * يعني القرآن أوالتوراة لما فيها من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم أو المتقدمين * (ما تتلو) * هو من القراءة أو الاتباع * (على ملك) * أي في ملك أو عهد ملك سليمان * (وما كفر سليمان) * تبرئه له مما نسبوه إليه وذلك أن سليمان عليه السلام دفن السحر ليذهبه فأخرجوه بعد موته ونسبوه إليه وقالت اليهود إنما كان سليمان ساحرا وقيل إن الشياطين استرقوا السمع وألقوه إلى الكهان فجمع سليمان ما كتبوا من ذلك ودفنه فلما مات قالوا ذلك علم سليمان * (وما كفر سليمان) * بتعليم السحر وبالعمل به أو بنسبته إلى سليمان عليه السلام * (وما أنزل) * نفي أو عطف على السحر عليهما إلا أن ذلك يرده آخر الآية وإن كانت معطوفة بمعنى الذي فالمعنى أنهما أنزل عليهما ضرب من السحر ابتلاء من الله لعباده أو ليعرف فيحذر وقرئ الملكين بكسر اللام وقال الحسن هما علجان فعلى هذا يتعين أن تكون ما غير نافية * (ببابل) * موضع معروف * (هاروت وماروت) * اسمان علمان بدل من الملكين أو عطف بيان * (إنما نحن فتنة) * أي محنة وذلك تحذير من السحر * (فلا تكفر) * أي بتعليم السحر ومن هنا أخذ مالك أن الساحر يقتل كفرا * (يفرقون) * زوال العصمة
55

أو المنع من الوطء * (يضرهم) * أي في الآخرة * (علموا) * أن اليهود والشياطين أي اشتغلوا به وذكر الشرى لأنهم كانوا يعطون الأجرة عليه * (شروا) * هنا بمعنى باعوا * (لمثوبة) * من الثواب وهو جواب لو أنهم وإنما جاء جوابها بجملة اسمية وعدل عن الفعلية لما في ذلك من الدلالة على إثبات الثواب واستقراره وقيل الجواب محذوف أي لأثيبوا * (لو كانوا يعلمون) * في الموضعين نفي لعلمهم * (لا تقولوا راعنا) * كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله راعنا وذلك من المراعاة أي راقبنا وانظرنا فكان اليهود يقولونها ويعنون بها معنى الرعونة على وجه الإذاية للنبي صلى الله عليه وسلم وربما كانوا يقولونها على معنى النداء فنهى الله المسلمين أن يقولوا هذه الكلمة لاشتراك معناها بين ما قصده المسلمون وقصده اليهود فالنهي سدا للذريعة وأمروا أن يقولوا انظرنا لخلوه عن ذلك الاحتمال المذموم فهو من النظر والانتظار وقيل إنما نهى الله المسلمين عنها لما فيها من الجفاء وقلة التوقير * (واسمعوا) * عطف على قولوا لا على معمولها والمعنى الأمر بالطاعة والانقياد * (ما يود الذين كفروا) * جنس يعم نوعين أهل الكتاب والمشركين من العرب ولذلك فسره بهما ومعنى الآية أنهم لا يحبون أن ينزل الله خيرا على المسلمين * (من خير) * من للتبعيض وقيل زائدة لتقدم النفي في قوله ما يود * (برحمته) * قيل القرآن وقيل النبوة وللعموم أولى ومعنى الآية الرد على من كره الخير للمسلمين * (ما ننسخ) * نزل حكمه ولفظه أو أحدهما وقرئ بضم النون أي نأمر بنسخه * (أو ننسها) * من النسيان وهو ضد الذكر أي ينساها النبي صلى الله
عليه وسلم بإذن الله كقوله " سنقرؤك فلا تنسى إلا ما شاء الله " أو بمعنى الترك أي نتركها غير منزلة أي غير منسوخة وقرئ بالهمز بمعنى التأخير أي نؤخر إنزالها أو نسخها * (بخير) * في خفة العمل أو في الثواب * (قدير) * استدلال على جواز النسخ لأنه من المقدورات خلافا لليهود لعنهم الله فإنهم أحالوه على الله وهو جائز عقلا وواقع شرعا فكما نسخت شريعتهم ما قبلها نسخها ما بعدها * (تسألوا رسولكم) * أي تطلبوا الآيات ويحتمل السؤال عن العلم والأول أرجح لما بعده فإنه شبهه بسؤالهم لموسى وهو قولهم له أرنا الله جهرة " ود كثير من
56

أهل الكتاب) أي تمنوا ونزلت الآية في حيي بن أخطب وأمية بن ياسر وأشباههما من اليهود الذين كانوا يحرصون على فتنة المسلمين ويطمعون أن يردوهم عن الإسلام * (حسدا) * مفعول من أجله أو مصدر في موضع الحال والعامل فيه ما قبله فيجب وصله معه وقيل هو مصدر والعامل فيه محذوف تقديره يحسدونكم حسدا فعلى هذا يوقف على ما قبله والأول أظهر وأرجح * (من عند أنفسهم) * يتعلق بحسدا وقيل بيود * (فاعف) * منسوخ بالسيف * (بأمره) * يعني إباحة قتالهم أو وصول آجالهم * (وقالوا لن يدخل الجنة) * الآية أي قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا * (هودا) * يعني اليهود وهذه الكلمة جمع هايد أو مصدر وصف به وقال الفراء حذفت منه يا هودا على غير قياس * (أمانيهم) * أكاذيبهم أو ما يتمنونه * (هاتوا) * أمر على وجه التعجيز والرد عليهم وهو من هاتي يهاتي ولم ينطق به وقيل أصله آتوا وأبدل من الهمزة هاء * (بلي) * إيجاب لما نفوا أي يدخلها من ليس يهوديا ولا نصرانيا * (من أسلم وجهه لله) * أي دخل في الإسلام وأخلص وذكر الوجه لشرفه والمراد جملة الإنسان * (وقالت اليهود) * الآية سببها اجتماع نصارى نجران مع يهود المدينة قدمت كل طائفة الأخرى * (وهم يتلون) * تقبيح لقولهم مع تلاوتهم الكتاب * (الذين لا يعلمون) * المشركون من العرب لأنهم لا كتاب لهم * (منع مساجد الله) * لفظه الاستفهام ومعناه لا أحد أظلم منه حيث وقع قريش منعت الكعبة أو النصارى منعوا بيت المقدس أو على العموم * (خائفين) * في حق قريش لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحج بعد هذا العام مشرك وفي حق النصارى ضربهم عند بيت المقدس أو الجزية * (خزي) * في حق قريش غلبتهم وفتح مكة وفي حق النصارى فتح بيت المقدس أو الجزية * (فأينما تولوا) * في الحديث الصحيح أنهم صلوا ليلة في سفر إلى غير القبلة بسبب الظلمة فنزلت وقيل هي في نفل المسافر حيث ما توجهت به دابته وقيل هي راجعة إلى ما قبلها أي إن منعتم من مساجد الله فصلوا حيث كنتم وقيل إنها احتجاج على من أنكر تحويل القبلة فهي كقوله بعد هذا * (قل لله المشرق والمغرب) * الآية والقول الأول هو الصحيح ويؤخذ منه أن من
57

أخطأ القبلة فلا تجب عليه الإعادة وهو مذهب مالك * (وجه الله) * المراد به هنا رضاه كقوله * (ابتغاء وجه الله) * أي رضاه وقيل معناه الجهة التي وجهه إليها وأما قوله " كل شيء هالك إلا وجهه " * (ويبقى وجه ربك) * فهو من المتشابه الذي يجب التسليم له من غير تكييف ويرد علمه إلى الله وقال الأصوليين هو عبارة عن الذات أو عن الوجود وقال بعضهم هو صفة ثابتة بالسمع * (وقالوا اتخذ) * قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقالت الصابئون وبعض العرب الملائكة بنات الله * (سبحانه) * تنزيه لهم عن قولهم * (بل له) * الآية رد عليهم لأن الكل ملكه والعبودية تنافي النبوة * (قانتون) * أي طائعون منقادون * (بديع السماوات) * أي مخترعها وخالقها ابتداء * (وإذا قضى أمرا) * أي قدره وأمضاه قال ابن عطية يتحد في الآية المعنيان فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل وأمضى فيه وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد قلت لا يكون قضى هنا بمعنى قدر لأن القدرقديم وإذا تقتضي الحدوث والاستقبال وذلك يناقض القدم وإنما قضى هنا بمعنى أمضى أو فعل أو وجد كقوله * (فقضاهن سبع سماوات) * وقد قيل إنه بمعنى ختم الأمر وبمعنى حكم والأمر هنا بمعنى الشيء وهو واحد الأمور وليس بمصدر أمر يأمر * (فإنما يقول له كن فيكون) * قال الأصوليون هذا عبارة عن تعود قدرة الله تعالى وليس بقول حقيقي لأنه إن كان قول كن خطابا للشيء في حال عدمه لم يصح لأن لمعدوم لم يخاطب وإن كان خطابا في حال وجوده لأنه قد كان وتحصيل الحاصل غير مطلوب وحمله المفسرون على حقيقته وأجابوا عن ذلك بأربعة أجوبة أحدها أن الشيء الذي يقول له كن فيكون هو موجود في علم الله وإنما يقول له كن ليخرجه إلى العيان لنا والثاني أن قوله كن لا يتقدم على وجود الشيء ولا يتأخر عنه قاله الطبري والثالث أن ذلك خطابا لمن كان موجودا على حاله فيأمر بأن يكون على حالة أخرى كإحياء الموتى ومسخ الكفار وهذا ضعيف لأنه تخصيص من غير مخصص والرابع أن معنى يقول له يقول من أجله فلا يلزم خطابه والأول أحسن هذه الأجوبة وقال ابن عطية تلخيص المعتقد في هذه الآية أن الله عز وجل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال فهو بحسب المأمورات إذ المحدثات تجىء بعد أن لم تكن فيكون رفع على الاستثناء قال سيبويه معناه فهو يكون قال غيره يكون عطف على يقول واختاره الطبري وقال ابن عطية وهو فاسد من جهة المعنى ويقتضي أن القول مع التكوين والوجود وفي هذا نظر * (وقال الذين لا يعلمون) * هم هنا وفي الموضع الأول كفار العرب على الأصح وقيل هم اليهود والنصارى * (لولا يكلمنا الله) * لولا هنا عرض والمعنى أنهم قالوا لن نؤمن حتى يكلمنا الله * (أو تأتينا آية) * أي دلالة من المعجزات كقولهم * (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * وما بعده * (كذلك قال الذين من قبلهم) * يعني اليهود والنصارى على القول بأن الذين لا يعلمون كفار العرب وأما على القول بأن الذين لا يعلمون اليهود والنصارى فالذين من قبلهم هم أمم الأنبياء المتقدمين * (تشابهت قلوبهم) * الضمير للذين لا يعلمون وللذين من قبلهم وتشابه قلوبهم في الكفر أو في طلب
58

ما لا يصح أن يطلب وهو كقولهم لولا يكلمنا الله * (قد بينا الآيات) * أخبر تعالى أنه قد بين الآيات لعنادهم * (إنا أرسلناك بالحق) * خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد بالحق التوحيد وكل ما جاءت به الشريعة * (بشيرا ونذيرا) * تبشر المؤمنين بالجنة وتنذر الكافرين بالنار وهذا معنى حديث وقع * (ولا تسأل) * بالجزم نهي وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن حال آبائه في الآخرة فنزلت وقيل إن ذلك على معنى التهويل كقولك لا تسأل عن فلان لشدة حاله وقرأ غير نافع بضم التاء واللام أي لا تسأل في القيامة عن ذنوبهم * (ملتهم) * ذكرها مفردة وإن كانت ملتين لأنهما متفقتان في الكفر فكأنهما ملة واحدة * (قل إن الهدى هدى الله) * لا ما
عليه اليهود والنصارى والمعنى أن الذي أنت عليه يا محمد هو الهدى الحقيقي لأنه هدى من عند الله بخلاف ما يدعيه اليهود والنصارى * (ولئن اتبعت أهواءهم) * جمع هوى ويعني به ما هم عليه من الأديان الفاسدة والأقوال المضلة لأنهم اتبعوها بغير حجة بل بهوى النفوس والضمير لليهود والنصارى والخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ومن علم الله أنه لا يتبع أهواءهم ولكن قال ذلك على وجه التهديد لو وقع ذلك فهو على معنى الفرض والتقدير ويحتمل أن يكون خطابا له صلى الله عليه وسلم والمراد غيره * (الذين آتيناهم الكتاب) * يعني المسلمين والكتاب على هذا القرآن وقيل هم من أسلم من بني إسرائيل والكتاب على هذا التوراة ويحتمل العموم ويكون الكتاب اسم جنس * (يتلونه حق تلاوته) * أي يقرؤونه كما يجب من التدبر له والعمل به وقيل معناه يتبعونه حق اتباعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه والأولى أظهر فإن التلاوة وإن كانت تقال بمعنى القراءة وبمعنى الاتباع فإنه أظهر في معنى القراءة لا سيما إذا كانت تلاوة الكتاب ويحتمل أن تكون هذه الجملة في موضع الحال ويكون الخبر أولئك يؤمنون وهذا أرجح لأن مقصود الكلام الثناء عليهم بالإيمان أو إقامة الحجة بإيمانهم على غيرهم ممن لم يؤمن * (يا بني إسرائيل) * الآية تقدم الكلام على نظيرتها * (وإذا تتلى) * أي اختبر فالعامل في إذ فعل مضمر تقديره اذكر وقوله * (بكلمات) * قيل مناسك الحج وقيل خصال الفطرة العشرة وهي المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وإعفاء اللحية وقص الأظافر ونتف الإبطين وحلق العانة والختان والاستنجاء وقيل هي ثلاثون خصلة عشرة ذكرت في براءة من قوله * (التائبون العابدون) * وعشرة في الأحزاب من قوله * (إن المسلمين والمسلمات) * وعشرة في المعارج من قوله * (إلا المصلين) * * (فأتمهن) * أي عمل بهن * (ومن ذريتي) *
59

استفهام أو رغبة * (عهدي) * الإمامة * (البيت) * الكعبة * (مثابة) * اسم مكان من قولك ثاب إذا رجع لأن الناس يرجعون إليه عاما بعد عام * (واتخذوا) * بالفتح إخبار عن المتبعين لإبراهيم عليه السلام وبالكسر إخبار لهذه الأمة وافق قول عمر رضي الله عنه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى وقيل أمر لإبراهيم وشيعته وقيل لبني إسرائيل فهو على هذا عطف على قوله * (اذكروا نعمتي) * وهذا بعيد * (من مقام إبراهيم) * هو الحجر الذي صعد به حين بناء الكعبة وقيل المسجد الحرام * (وعهدنا) * عبارة عن الأمر والوصية * (طهرا بيتي) * عبارة عن بنيانه بنية خالصة كقوله أسس على التقوى وقيل المعنى طهراه عن عبادة الأصنام * (للطائفين) * هم الذين يطوفون بالكعبة وقيل الغرباء القادمون على مكة والأول أظهر * (والعاكفين) * هم المعتكفون في المسجد وقيل المصلون وقيل المجاورون من الغرباء وقيل أهل مكة والعكوف في اللغة اللزوم * (بلدا) * يعني مكة * (آمنا) * أي مما يصيب غيره من الخسف والعذاب وقيل آمنا من إغارة الناس على أهله لأن العرب كان يغير بعضهم على بعض وكانوا لا يتعرضون لأهل مكة وهذا أرجح لقوله أولم نمكن لهم حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم فإن قيل لم قال في البقرة * (بلدا آمنا) * فعرف في إبراهيم ونكر في البقرة أجيب عن ذلك بثلاثة أجوبة الجواب الأول قاله أستاذنا الشيخ أبو جعفر بن الزبير وهو أنه تقدم في البقرة ذكر البيت في قوله * (القواعد من البيت) * وذكر البيت يقتضي بالملازمة ذكر البلد الذي هو فيه فلم يحتج إلى تعريف بخلاف آية إبراهيم فإنها لم يتقدم قبلها ما يقتضي ذكر البلد ولا المعرفة به فذكره بلام التعريف الجواب الثاني قاله السهبلي وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة حين نزلت آية إبراهيم لأنها مكية فلذلك قال فيه البلد بلام التعريف التي للحضور كقولك هذا الرجل وهو حاضر بخلاف آية البقرة فإنها مدنية ولم تكن مكة حاضرة حين نزولها فلم يعرفها بلام الحضور وفي هذا نظر لأن ذلك الكلام حكاية عن إبراهيم عليه السلام فلا فرق بين نزوله بمكة أو المدينة الجواب الثالث قاله بعض المشارقة أنه قال هذا بلد آمنا قبل أن يكون بلدا فكأنه قال اجعل هذا الموضع بلدا آمنا وقال هذا البلد بعد ما صار بلدا وهذا يقتضي أن إبراهيم دعا بهذا الدعاء مرتين والظاهر أنه مرة واحدة حكى لفظه فيها على وجهين * (من آمن) * بدل بعض من كل * (ومن كفر) * أي قال الله وأرزق من كفر لأن الله يرزق في الدنيا المؤمن والكافر * (ربنا تقبل منا) * على حذف القول أي يقولان ذلك * (وأرنا مناسكنا) * علمنا موضع الحج وقيل العبادات * (فيهم) * أي في ذريتنا * (رسولا منهم) * هو محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أنا دعوة أبي إبراهيم والضمير المجرور لذرية إبراهيم وإسماعيل وهم العرب الذين من نسل عدنان وأما الذين من قحطان فاختلف هل هم من ذرية إسماعيل أم لا * (آياتك) *
60

هنا القرآن * (والحكمة) * هنا هي السنة * (ويزكيهم) * أي يطهرهم من الكفر والذنوب * (سفه نفسه) * منصوب على التشبيه بالمفعول به وقيل الأصل في نفسه ثم حذف الجار فانتصب وقيل تمييز " وأوصى بها " أي بالكلمة والملة * (ويعقوب) * بالرفع عطف على إبراهيم فهو موصى وقرئ بالنصب عطفا على نبيه فهو موصى * (أم كنتم) * أم هنا منقطعة معناها الاستفهام والإنكار وإسماعيل كان عمه والعم يسمى ايا * (وقالوا كونوا) * أي قالت اليهود كونوا هودا وقالت النصارى كونوا نصارى * (بل ملة) * منصوب بإضمار فعل * (لا نفرق) * أي لا نؤمن بالبعض دون البعض وهذا برهان لأن كل من أتى بالمعجزة فهو نبي فالكفر ببعضهم والإيمان ببعضهم تناقض * (فسيكفيكهم) * وعد ظهر مصداقه فقتل بني قريظة وأجلي بني النضير وغير ذلك * (صبغة الله) * أي دينه وهو استعارة من صبغ الثوب وغيره ونصبه على الإغراء وعلى المصدر من المعاني المتقدمة أو بدل من ملة إبراهيم * (كتم شهادة) * من الشهادة بأن الأنبياء على الحنيفية * (من الله) * يتعلق بكتم أو كأن المعنى شهادة تخلصت له من الله * (سيقول) * ظاهره الإعلام بقولهم قبل وقوعه إلا أن ابن عباس قال نزلت بعد
61

قولهم * (السفهاء) * هنا اليهود أو المشركون أو المنافقون * (ما ولاهم) * أي ما ولى المسلمين * (عن قبلتهم) * الأولى وهي بيت المقدس إلى لكعبة * (لله المشرق والمغرب) * الآية ردا عليهم لأن الله يحكم ما يريد ويولي عباده حيث شاء لأن الجهات كلها له * (وكذلك) * بعد ما هديناكم * (جعلناكم أمة وسطا) * أي خيارا * (شهداء على الناس) * أي تشهدون يوم القيامة بإبلاغ الرسل إلى قومهم * (عليكم شهيدا) * أي بأعمالكم قال عليه الصلاة والسلام أقول كما قال أخي عيسى * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) * الآية فإن قيل لم قدم المجرور في قوله * (عليكم شهيدا) * وآخره في قوله * (شهداء على الناس) * فالجواب أن تقديم المعمولات يفيد الحصر فقدم المجرور في قوله * (عليكم شهيدا) * لاختصاص شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته ولم يقدمه في قوله * (شهداء على الناس) *
لأنه لم يقصد الحصر * (القبلة التي كنت عليها) * فيها قولان أحدهما أنها الكعبة وهو قول ابن عباس والآخر هو بيت المقدس وهو قول قتادة وعطاء والسدي وهذا مع ظاهر قوله * (كنت عليها) * لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس ثم انصرف عنه إلى الكعبة وأما قول ابن عباس فتأويله بوجهين الأول أن كنت بمعنى أنت والثاني قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى الكعبة قبل بيت المقدس وإعراب التي كنت عليها مفعول بجعلنا أو صفة للقبلة ومعنى الآية على القولين اختبار وفتنة للناس بأمر القبلة وأما على قول قتادة فإن الصلاة إلى بيت المقدس فتنة للعرب لأنهم كانوا يعظمون الكعبة أو فتنة لمن أنكر تحويلها وتقديره على هذا ما جعلنا صرف القبلة أما على قول ابن عباس فإن الصلاة إلى الكعبة فتنة لليهود لأنهم يعظمون بيت المقدس وهم مع ذلك ينكرون النسخ فأنكروا صرف القبلة أو فتنة لضعفاء المسلمين حتى رجع بعضهم عن الإسلام حين صرفت القبلة * (لنعلم) * أي العلم الذي تقوم به الحجة على العبد وهو إذا ظهر في الوجود ما علمه الله * (ينقلب على عقبيه) * عبارة عن الارتداد عن الإسلام وهو تشبيه بمن رجع يمشي إلى وراء * (وإن كانت) * إن مخففة من الثقيلة واسم كان ضمير الفعلة وهي التحول عن القبلة * (إيمانكم) * قيل صلاتكم إلى بيت المقدس واستدل به من قال إن الأعمال من الإيمان وقيل معناه ثبوتكم على الإيمان حين انقلب غيركم بسبب تحويل القبلة * (تقلب وجهك) * كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه إلى السماء رجاء أن يؤمر بالصلاة إلى الكعبة * (شطر المسجد) * جهة * (وما أنت بتابع قبلتهم) * خبر يتضمن النهي ووحدت قبلتهم وإن كانت جهتين لاتحادهم في البطلان * (وما بعضهم بتابع قبلة بعض) * لأن
62

اليهود لعنهم الله يستقبلون المغرب والنصارى المشرق * (يعرفونه) * أي يعرفون القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر القبلة * (كما يعرفون أبناءهم) * مبالغة في وصف المعرفة وقال عبد الله بن سلام معرفتي بالنبي صلى الله عليه وسلم أشد من معرفتي بابني لأن ابني قد يمكن فيه الشك * (ولكل) * أي لكل أحد أو لكل طائفة * (وجهه) * أي جهة ولم تحذف الواو لأنه ظرف مكان وقيل إنه مصدر وثبت فيه الواو على غير قياس * (هو موليها) * أي موليها وجهه وقرئ مولاها أي ولاه الله إليها والمعنى أن الله جعل لكل أمة قبلة * (فاستبقوا الخيرات) * أي بادروا إلى الأعمال الصالحات * (يأت بكم الله) * أي يبعثكم من قبوركم * (فول وجهك) * الأمر كرر للتأكيد أو ليناط به ما بعده * (لئلا يكون للناس) * الآية معناها أن الصلاة إلى الكعبة تدفع حجة المعترضين من الناس فإن أريد اليهود فحجتهم أنهم يجدون في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يتحول إلى الكعبة فلما صلى إليها لم تبق لهم حجة على المسلمين وإن أريد قريش فحجتهم أنهم قالوا قبلة آبائه أولى به * (إلا الذين ظلموا) * أي من يتكلم بغير حجة ويعترض التحول إلى الكعبة والاستثناء متصل لأنه استثناء من عموم الناس ويحتمل الانقطاع على أن يكون استثناء ممن له حجة فإن الذين ظلموا هم الذين ليس لهم حجة * (ولأتم) * متعلق بمحذوف أي فعلت ذلك لأتم أو معطوف على لئلا يكون * (كما أرسلنا) * متعلق بقوله لأتم أو بقوله فاذكروني والأول أظهر * (فاذكروني أذكركم) * قال سعيد بن المسيب معناه اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب وقيل اذكروني بالدعاء والتسبيح ونحو ذلك وقد أكثر المفسرون ولا سيما المتصوفة في تفسير هذا الموضع بألفاظ لها معاني مخصوصة ولا دليل على التخصيص وبالجملة فهذه الآية بيان لشرف الذكر وبينها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يرويه عن ربه أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم والذكر ثلاثة أنواع ذكر بالقلب وذكر باللسان وبهما معا واعلم أن الذكر أفضل الأعمال على الجملة
63

وإن ورد في بعض الأحاديث تفضيل غيره من الأعمال كالصلاة وغيرها فإن ذلك لما فيها من معنى الذكر والحضور مع الله تعالى
والدليل على فضيلة الذكر من ثلاثة أوجه الأول النصوص الواردة بتفضيله على سائر الأعمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال ذكر الله قيل الذكر أفضل أم الجهاد في سبيل الله فقال لو ضرب المجاهد بسيفه في الكفار حتى ينقطع سيفه ويختضب دما لكان الذاكر أفضل منه الوجه الثاني أن الله تعالى حيث ما أمر بالذكر أو أثنى على الذكر اشترط فيه الكثرة فقال * (اذكروا الله ذكرا كثيرا) * * (والذاكرين الله كثيرا) * ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال الوجه الثالث أن للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره وهي الحضور في الحضرة العلية والوصول إلى القرب بالذي عبر عنه ما ورد في الحديث من المجالسة والمعية فإن الله تعالى يقول أنا جليس من ذكرني ويقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني
وللناس في المقصد بالذكر مقامان فمقصد العامة اكتساب الأجور ومقصد الخاصة القرب والحصور وما بين المقامين بون بعيد فكم بين من يأخذ أجره وهو من وراء حجاب وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب
واعلم أن الذكر على أنواع كثيرة فمنها التهليل والتسبيح والتكبير والحمد والحوقلة والحسبلة وذكر كل اسم من أسماء الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار وغير ذلك ولكل ذكر خاصيته وثمرته وأما التهليل فثمرته التوحيد أعني التوحيد الخاص فإن التوحيد العام حاصل لكل مؤمن وأما التكبير فثمرته التعظيم والإجلال لذي الجلال وأما الحمد والأسماء التي معناها الإحسان والرحمة كالرحمن الرحيم والكريم والغفار وشبه ذلك فثمرتها ثلاث مقامات وهي الشكر وقوة الرجاء والمحبة فإن المحسن محبوب لا محالة وأما الحوقلة والحسبلة فثمرتهما التوكل على الله والتفويض إلى الله والثقة بالله وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك كالعليم والسميع والبصير والقريب وشبه ذلك فثمرتها المراقبة وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فثمرتها شدة المحبة فيه والمحافظة على اتباع سنته وأما الاستغفار فثمرته الاستقامة على التقوى والمحافظة على شروط التوبة مع إنكار القلب بسبب الذنوب المتقدمة
ثم إن ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصفات مجموعة في الذكر الفرد وهو قولنا الله الله فهذا هو الغاية وإليه المنتهى * (استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) * أي بمعونته * (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) * قيل إنها نزلت في الشهداء المقتولين في غزوة بدر وكانوا أربعة عشر رجلا لما قتلوا حزن عليهم
أقاربهم فنزلت الآية مبينه لمنزلة الشهداء عند الله وتسلية لأقاربهم ولا يخصها نزولها
64

فيهم بل حكمها على العموم في الشهداء * (ولنبلونكم) * أي نختبركم وحيث ما جاء الاختبار في حق الله فمعناه أن يظهر في الوجود ما في علمه لتقوم الحجة على العبد وليس كاختبار الناس بعضهم بعضا لأن الله يعلم ما كان وما يكون والخطاب بهذا الابتلاء للمسلمين وقيل لكفار قريش والأول أظهر لقوله بعد هذا وبشر الصابرين " بشيء من الخوف " من الأعداء * (والجوع) * بالجدب * (ونقص من الأموال) * بالخسارة * (والأنفس والثمرات) * بالجوائح وقيل ذلك كله بسبب الجهاد * (إنا لله) * اللام للملك والمالك يفعل في ملكه ما يشاء * (راجعون) * تذكروا الآخرة لتهون عليهم مصائب الدنيا وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابته مصيبة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها أخلف الله له خيرا مما أصابه قالت أم سلمة فلما مات زوجي أبو سلمة قلت ذلك فأبدلني الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فائدة ورد ذكر الصبر من القرآن في أكثر من سبعين موضعا وذلك لعظمة موقعه في الدين قال بعض العلماء كل الحسنات لها أجر محصور من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصبر فإنه لا يحصر أجره لقوله تعالى * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) * وذكر الله للصابرين ثمانية أنواع من الكرامة أولها المحبة قال * (والله يحب الصابرين) * والثاني النصر قال * (إن الله مع الصابرين) * والثالث غرفات الجنة قال * (يجزون الغرفة بما صبروا) * والرابع الأجر الجزيل قال * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) * والأربعة الأخرى المذكورة في هذه الآية ففيها البشارة قال * (وبشر الصابرين) * والصلاة والرحمة والهداية * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) * والصابرون على أربعة أوجه صبر على البلاء وهو منع النفس من التسخيط والهلع والجزع وصبر على النعم وهو تقييدها بالشكر وعدم الطغيان وعدم التكبر بها وصبر على الطاعة بالمحافظة والدوام عليها وصبر عن المعاصي بكف النفس عنها وفوق الصبر التسليم وهو ترك الاعتراض والتسخيط ظاهرا وترك الكراهة باطنا وفوق التسليم الرضا بالقضاء وهو سرور النفس بفعل الله وهو صادر عن المحبة وكل ما يفعل المحبوب محبوب * (إن الصفا والمروة) * جبلان صغيران بمكة * (من شعائر الله) * أي معالم دينه واحدها شعيرة أو شعارة * (فلا جناح عليه) * إباحة للسعي بين الصفا والمروة والسعي بينهما واجب عند مالك والشافعي وإنما جاء بلفظ يقتضي الإباحة لأن بعض الصحابة امتنعوا من السعي بينهم لأنه كان في الجاهلية على الصفا صنم يقال له أساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة فخافوا أن يكون السعي بينهما تعظيما للصنمين فرفع الله ما وقع في نفوسهم من ذلك ثم إن السعي بينهما للسنة قالت عائشة رضي الله عنها سن رسول الله صلى الله عليه وسلم السعي بين
65

الصفا والمروة وليس لأحد تركه وقيل إن الوجوب يؤخذ من قوله * (شعائر الله) * وهذا ضعيف لأن شعائر الله منها واجبة ومنها مندوبة وقد قيل إن السعي مندوب * (يطوف) * أصله يتطوف ثم أدغمت التاء في الطاء وهذا الطواف يراد به السعي سبعة أشواط * (ومن تطوع) * عاما في أفعال البر وخاصة في الوجوب من السنة أو معنى التطوع بحج بعد حج الفريضة * (إن الذين يكتمون) * أمر محمد صلى الله عليه وسلم * (في الكتاب) * التوراة هنا * (اللاعنون) * الملائكة والمؤمنون وقيل المخلوقات إلا الثقلين وقيل البهائم لما يصيبهم من الجدب لذنوب الكاتمين للحق * (وبينوا) * أي شرط في توبتهم أن يبينوا لأنهم كتموا * (والناس أجمعين) * هم المؤمنون فهو عموم يراد به الخصوص لأن المؤمنين هم الذين يعتد بلعنهم للكافرين وقيل يلعنهم جميع الناس * (خالدين فيها) * أي في اللعنة وقيل في النار * (لا هم ينظرون) * من أنظر إذا أخر أي لا يؤخرون عن العذاب ولا يمهلون أو من نظر لقوله * (لا ينظر إليهم) * إلا أن يتعدى بإلى * (وإلهكم إله واحد) * الواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى أحدها أنه لا ثاني له فهو نفي للعدد والآخر أنه لا شريك له والثالث أنه لا يتبعض ولا ينقسم وقد فسر المراد به هنا في قوله لا إله إلا هو واعلم أن توحيد الخلق لله تعالى على ثلاث درجات الأولي توحيد عامة المسلمين وهو الذي يعصم النفس من الهلك في الدنيا وينجي من الخلود في النار في الآخرة وهو نفي الشركاء والأنداد والصاحبة والأولاد والأشباه والأضداد الدرجة الثانية توحيد الخاصة وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده ويشاهد ذلك بطريق المكاشفة لا بطريق الاستدلال الحاصل لكل مؤمن وإنما مقام الخاص في التوحيد يغني في القلب بعلم ضروري لا يحتاج إلى دليل وثمرة هذا العلم الانقطاع إلى الله والتوكل عليه وحده واطراح جميع الخلق فلا يرجو إلا الله ولا يخاف أحدا سواه إذ ليس يرى فاعلا إلا إياه ويرى جميع الخلق في قبضة القهر ليس بيدهم شيء من الأمر فيطرح الأسباب وينبذ الأرباب والدرجة الثالثة ألا يرى في الوجود إلا الله وحده فيغيب عن النظر إلى المخلوقات حتى كأنها عنده معدومة وهذا الذي تسميه الصوفية مقام الفناء بمعنى الغيبة عن الخلق حتى أنه قد يفنى عن نفسه وعن توحيده أي يغيب عن ذلك باستغراقه في مشاهدة الله * (إن في خلق السماوات والأرض) * الآية ذكر فيها ثمانية أصناف من المخلوقات تنبيها على ما فيها من العبر والاستدلال على التوحيد المذكور قبلها في قوله * (وإلهكم إله واحد) * * (واختلاف الليل والنهار) * أي اختلاف وصفهما من الضياء والظلام والطول والقصر وقيل إن أحدهما يخلف الاخر * (بما ينفع الناس) * من التجارة وغيرها * (وتصريف الرياح) * إرسالها من جهات
66

مختلفة وهي الجهات الأربع وما بينهما وبصفات مختلفة فمنها ملقحة بالشجر وعقيم وصر وللنصر وللهلاك * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * اعلم أن محبة العبد لربه على درحتين إحداهما المحبة العامة التي لا يخلو منها كل مؤمن وهي واجبة والأخرى المحبة الخاصة التي ينفرد بها العلماء الربانيون والأولياء والأصفياء وهي أعلى المقامات وغاية المطلوبات فإن سائر مقامات الصالحين كالخوف والرجاء والتوكل وغير ذلك فهي مبنية على حظوظ النفس ألا ترى أن الخائف إنما يخاف على نفسه وأن الراجي إنما يرجو منفعة نفسه بخلاف المحبة فإنها من أجل المحبوب فليست من المعاوضة واعلم أن سبب محبة الله معرفته فتقوى المحبة على قدر قوة المعرفة وتضعف على قدر ضعف المعرفة فإن الموجب للمحبة إحدى أمرين وكلاهما إذا اجتمع في شخص من خلق الله تعالى كان في غاية الكمال الموجب الأول الحسن والجمال والآخر
الإحسان والإجمال فأما الجمال فهو محبوب بالطبع فإن الإنسان بالضرورة يحب كل ما يستحسن والإجمال مثل جمال الله في حكمته البالغة وصنائعه البديعة وصفاته الجميلة الساطعة الأنوار التي تروق العقول وتهيج القلوب وإنما يدرك جمال الله تعالى بالبصائر لا بالأبصار وأما الإحسان فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وإحسان الله إلى عباده متواتر وإنعامه عليهم باطن وظاهر وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ويكفيك أنه يحسن إلى المطيع والعاصي والمؤمن والكافر وكل إحسان ينسب إلى غيره فهو في الحقيقة منه وهو المستحق للمحبة وحده واعلم أن محبة الله إذا تمكنت من القلب ظهرت آثارها على الجوارح من الجد في طاعته والنشاط لخدمته والحرص على مرضاته والتلذذ بمناجاته والرضا بقضائه والشوق إلى لقائه والأنس بذكره والاستيحاش من غيره والفرار من الناس والانفراد في الخلوات وخروج الدنيا من القلب ومحبة كل من يحبه الله وإيثاره على كل من سواه قال الحارث المحاسبي المحبة تسليمك إلى المحبوب بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحك ثم موافقته سرا وجهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه * (ولو ترى) * من رؤية العين والذين ظلموا مفعول وجواب لو محذوف وهو العامل في أن التقدير لو ترى الذين ظلموا لعلمت أن القوة لله أو لعلموا أن القوة لله والقوي بالياء وهو على هذه القراءة من رؤيا القلب والذين ظلموا فاعل وأن القوة مفعول يرى وجواب لو محذوف والتقدير لو يرى الذين ظلموا أن القوة لله لندموا ولاستعظموا ما حل بهم * (إذ تبرأ) * بدل من إذ يرون أو استئناف والعامل فيه محذوف وتقديره اذكر * (الذين اتبعوا) * هم الآلهة أو الشياطين أو الرؤساء من الكفار والعموم أولى * (الأسباب) * هنا الوصلات من الأرحام والمودات * (أعمالهم حسرات) * أي سيادتهم وقيل حسنتهم إذا لم تقبل
67

منهم أو ما عملوا لآلهتهم * (كلوا) * أمر محمول على الإباحة * (حلالا) * حال مما في الأرض أو مفعول بكلوا أو صفة لمفعول محذوف أي سيئا حلالا * (طيبا) * يحتمل أن يريد الحلال * (خطوات الشيطان) * ما يأمر به وأصله من خطوت الشيء وقال المنذر بن سعيد يحتمل أن يكون من الخطيئة ثم سهلت همزته وقريء بضم الطاء وإسكانها وهي لغتان * (بالسوء والفحشاء) * المعاصي * (وأن تقولوا) * الإشراك وتحريم الحلال كالبحيرة وغير ذلك * (أولو كان آباؤهم) * ردا على قولهم بل نتبع الآية في كفار العرب وقيل في اليهود أنهم يتبعونهم ولو كانوا * (لا يعقلون) * فدخلت همزة الإنكار على واو الحال * (ومثل الذين كفروا) * الآية في معناها قولان الأول تشبيه الذين كفروا بالبهائم لقلة فهمهم وعدم استجابتهم لمن يدعوهم ولا بد في هذا من محذوف وفيه وجهان أحدهما أن يكون المحذوف أول الآية والتقدير مثل داعي الذين كفروا إلى الإيمان * (كمثل الذي ينعق) * أي يصيح * (بما لا يسمع) * وهي البهائم التي لا تسمع * (إلا دعاء ونداء) * ولا يعقل معنى والآخر أن يكون المحذوف بعد ذلك والتقدير مثل الذين كفروا كمثل مدعو الذي ينعق ويكون دعاء ونداء على الوجهين مفعولا يسمع والنعيق هو زجر الغنم والصياح عليها فعلى هذا القول شبه الكفار بالغنم وداعيهم بالذي يزجرها وهو يصيح عليها الثاني تشبيه الذين كفروا في دعائهم وعبادتهم لأصنامهم بمن ينعق بما لا يسمع لأن الأصنام لا تسمع شيئا ويكون دعاء ونداء على هذا منعطف أي أن الداعي يتعب نفسه بالدعاء أو النداء لمن لم يسمعه من غير فائدة فعلى هذا شبه الكفار بالنعق * (صم) * وما بعده راجع إلى الكفار وذلك غير التآويل الأول ورفعوا على إضمار مبتدأ * (واشكروا) * الآية دليل على وجوب الشكر لقوله * (إن كنتم إياه تعبدون) * * (الميتة) * ما مات حتف أنفه وهو عموم خص منه الحوت والجراد وأجاز مالك أكل الطافي من الحوت ومنعه أبو حنيفة ومنع مالك الجراد حتى تسيب في بيوتها بقطع عضو منها أو وضعها في الماء وغير ذلك وأجازه عبد الحكم دون ذلك * (والدم) * يريد المسفوح لتقييده بذلك في سورة الأنعام ولا خلاف في إباحة ما خالط اللحم من الدم * (ولحم الخنزير) * هو حرام سواء ذكى أو لم يذك وكذلك شحمه بإجماع وإنما خص اللحم بالذكر لأنه الغالب في الأكل ولأن الشحم تابع له وكذلك من حلف أن لا يأكل لحما فأكل شحما حنث بخلاف العكس * (وما أهل به) * أي صيح لأنهم كانوا يصيحون باسم من ذبح له ثم استعمل في النية في الذبح * (لغير الله) * الأصنام وشبهها * (أضطر) * بالجوع أو بالإكراه وهو مشتق من الضرورة ووزنه افتعل وأبدل من التاء طاء * (غير باغ ولا عاد) * قيل باغ على المسلمين وعاد عليهم ولذلك لم يرخص مالك في رواية عنه
68

للعاصي بسفره أن يأكل لحم الميتة والمشهور عنه الترخيص له وقيل غير باغ باستعمالها من غير إضرار وقيل باغ أي متزايد على إمساك رمقه ولهذا لم يجز الشافعي للمضطر أن يشبع من الميتة قال مالك بل يشبع ويتزود * (فلا إثم عليه) * رفع للحرج ويجب على المضطر أكل الميتة لئلا يقتل نفسه بالجوع وإنما تدل الآية على الإباحة لا على الوجوب وقد اختلف هل يباح له ميتة بني آدم أم لا فمنعه مالك وأجازه الشافعي لعموم الآية * (إن الذين يكتمون) * اليهود * (ما يأكلون في بطونهم إلا النار) * أي أكلهم للدنيا يقودهم إلى النار فوضع السبب موضع المسبب وقيل يأكلون النار في جهنم حقيقة * (ولا يكلمهم الله) * عبارة عن غضبه عليهم وقيل لا يكلمهم بما يحبون * (ولا يزكيهم) * لا يثني عليهم * (فما أصبرهم على النار) * تعجب من جرأتهم على ما يقودهم إلى النار أو من صبرهم على عذاب النار في الآخرة وقيل إنها استفهام وأصبرهم بمعنى صبرهم وهذا بعيد وإنما حمل قائله عليه اعتقاده أن التعجب مستحيل على الله لأنه استعظام خفي سببه وذلك لا يلزم فإنه في حق الله غير خفي السبب * (ذلك) * إشارة إلى العذاب ورفعه بالابتداء أو بفعل مضمر * (بأن الله) * الباء سببية * (نزل الكتاب) * القرآن هنا * (بالحق) * أي بالواجب أو بالإخبار الحق أي الصادق والباء فيه سببية أو للمصاحبة * (الذين اختلفوا في الكتاب) * اليهود والنصارى والكتاب على هذا التوراة والإنجيل وقيل الذين اختلفوا العرب والكتاب على هذا القرآن ويحتمل جنس الكتاب في الموضعين * (في شقاق بعيد) * أي بعيد من الحق والاستقامة * (ليس البر) * الآية خطاب لأهل الكتاب لأن المغرب قبلة اليهود والمشرق قبلة النصارى أي إنما البر التوجه إلى الكعبة وقيل خطاب للمؤمنين أي ليس البر الصلاة خاصة بل البر جميع الأشياء المذكورة بعد هذا * (ولكن البر من آمن) * لا يصح أن يكون خبرا عن البر فتأويله لكن صاحب البر من آمن أو لكن البر بر من آمن أو يكون البر مصدرا وصف به " وآت المال " صدقة التطوع وليست بالزكاة لقوله بعد ذلك وآتي الزكاة * (على حبه) * الضمير عائد على المال لقوله * (ويؤثرون على أنفسهم) * الآية وهو الراجح من طريق المعنى وعود الضمير على الأقرب وهو على هذا تتميم وهو من أدوات البيان وقيل يعود على مصدر آتي وقيل على الله * (ذوي القربى) * وما بعده ترتيب بتقديم الأهم فالأهم
والأفضل لأن الصدقة على القرابة صدقة وصلة بخلاف من بعدهم ثم اليتامى لصغرهم وحاجتهم ثم المساكين للحاجة خاصة وابن السبيل الغريب وقيل الضعيف والسائلين وإن كانوا غير محتاجين وفي الرقاب عتقها * (والموفون بعهدهم) * أي العهد مع الله ومع الناس * (والصابرين) * نصب بإضمار فعل * (في البأساء) *
69

الفقر * (والضراء) * المرض * (وحين البأس) * القتال * (صدقوا) * في القول والفعل والعزيمة * (كتب عليكم القصاص) * أي شرع لكم وليس بمعنى فرض لأن ولي المقتول مخير بين القصاص والدية والعفو وقيل بمعنى فرض أي فرض على القاتل الانقياد على القصاص وعلى ولي المقتول أن لا يتعداه إلى غيره كفعل الجهلة وعلى الحاكم التمكين من القصاص * (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * ظاهره اعتبار التساوي بين القاتل والمقتول في الحرية والذكورية ولا يقتل حر بعبد ولا ذكر بأنثى إلا أن العلماء أجمعوا على قتل الذكر بالأنثى وزاد قوم أن يعطى أولياءها حينئذ نصف الدية لأولياء الرجل المقتصر منه خلاف لمالك وللشافعي وأبو حنيفة وأما قتل الحر بالعبد فهو مذهب أبي حنيفة خلافا لمالك والشافعي فعلى هذا لم يأخذ أبو حنيفة بشيء من ظاهر الآية لا في الذكورية ولا في الحرية لأنها عنده منسوخة وأخذ مالك بظاهرها في الحرية كما في الذكورية وتأويلها عنده أن قوله الحر بالحر والعبد بالعبد عموم يدخل فيه الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى والأنثى بالذكر والذكر بالأنثى ثم كرر قوله * (الأنثى بالأنثى) * تأكيدا للتجديد لأن بعض العرب إذا قتل منهم أنثى قتلوا بها ذكرا تكبرا وعدوانا وقد يتوجه قول مالك على نسخ جميعها ثم يكون عدم قتل الحر بالعبد من السنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يقتل حر بعبد والناسخ لها على القول بالنسخ عموم قوله النفس بالنفس على أن هذا ضعيف لأنه إخبار عن حكم بني إسرائيل * (فمن عفي له) * الآية فيها تأويلان أحدهما أن المعنى من قتل منفي عنه فعليه أداء الدية بإحسان وعلى أولياء المقتول اتباعه بها على وفاء فعلى هذا من كناية عن القاتل وأخوه هو المقتلول أو وليه وعفى من العفو عن القصاص وأصله أن يتعدى بعن وإنما تعدى هنا باللام لأنه كقولك تجاوزت لفلان عن ذنبه وعلى الثاني أن من أعطيته الدية فعليه اتباع المعروف وعلى القاتل أداء بإحسان فعلى هذا من كناية عن أولياء المقتول وأخوه هو القاتل أو عاقلته وعفى بمعنى يسر كقوله خذ العفو أي ما تيسر ولا إشكال في تعدي عفى باللام على هذا المعنى * (ذلك تخفيف) * إشارة إلى جواز أخذ الدية لأن بني إسرائيل لم يكن عندهم دية وإنما هو القصاص * (فمن اعتدى) * أي قتل قاتل وليه بعد أن أخذ منه الدية * (عذاب أليم) * القصاص منه وقيل عذاب الآخرة * (ولكم في القصاص حياة) * بمعنى قولهم القتل أبقى للقتل أي أن القصاص يردع الناس عن القتل وقيل المعنى أن القصاص أقل قتلا لأنه قتل واحد بواحد بخلاف ما كان في الجاهلية من اقتتال قبيلتي القاتل والمقتول حتى يقتل بسبب ذلك جماعة * (الوصية للوالدين والأقربين) * كانت فرضا قبل الميراث ثم نسخها آية الميراث مع قوله صلى الله عليه وسلم
70

لا وصية لوارث وبقيت الوصية مندوبة لمن لا يرث من الأقربين وقيل معناها الوصية بتوريث الوالدين والأقربين على حسب الفرائض فلا تعارض بينها وبين المواريث ولا نسخ والأول أشهر * (كتب عليكم الصيام) * أي فرض والقصد بقوله * (كما كتب على الذين من قبلكم) * وبقوله * (أياما معدودات) * تسهيل الصيام على المسلمين وكأنه اعتذار عن كتبه عليهم وملاطفة جميلة والذي كتب على الذين من قبلنا الصيام مطلقا وقيل كتب على الذين من قبلنا رمضان فبدلوه * (أياما) * منصوب بالصيام أو بمحذوف ويبعد انتصابه بتتقون * (فمن كان منكم مريضا) * الآية إباحة للفطر مع المرض والسفر وقد يجب الفطر إذا خاف الهلاك وفي الكلام عند الجمهور محذوف يسمى فحوى الخطاب والتقدير فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فعليه عدة من أيام أخر ولم يفعل الظاهرية بهذا المحذوف فرأوا أن صيام المسافر والمريض لا يصح وأوجبوا عليه عدة من أيام أخر وإن صام في رمضان وهذا منهم جهل بكلام العرب وليس في الآية ما يقتضي تحديد السفر وبذلك قال الظاهرية وحده في مشهور مذهب مالك أربعة برد * (وعلى الذين يطيقونه فدية) * قيل يطيقونه من غير مشقة فيفطرون ويكفرون ثم نسخ جواز الإفطار بقوله * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وقيل يطيقونه بمشقة كالشيخ الهرم فيجوز له الفطر فلا نسخ على هذا * (فمن تطوع) * أي صام ولم يأخذ بالفطر والكفارة وذلك على القول بالنسخ وقيل تطوع بالزيادة في مقدار الإطعام وذلك على القول بعدم النسخ * (شهر رمضان) * مبتدأ أو خبر ابتداء مضمر أو بدل من الصيام * (أنزل فيه القرآن) * قال ابن عباس أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان ثم نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بطول عشرين سنة وقيل المعنى أنزل في شأنه القرآن كقولك أنزل القرآن في فلان وقيل المعنى ابتدأ فيه إنزال القرآن * (هدى للناس وبينات من الهدى) * أي أن القرآن هدى للناس ثم هو مع ذلك من مبينات الهدى وذلك أن الهدى على نوعين مطلق وموصوف بالبينات فالهدى الأول هنا على الإطلاق وقوله من البينات والهدى أي وهو من الهدى المبين فهو من عطف الصفات كقولك فلان عالم وجليل من العلماء * (فمن شهد) * أي كان حاضرا غير مسافر والشهر منصوب على الظرفية واليسر والعسر على الإطلاق وقيل اليسر الفطر في السفر والعسر الصوم فيه * (ولتكملوا) * متعلق بمحذوف تقديره شرع أو عطف على اليسر * (العدة) * الأيام التي أفطر فيها * (ولتكبروا) * التكبير يوم العيد أو مطلقا * (أجيب دعوة الداع) * مقيد بمشيئة الله
71

وموافقة القدر وهذا جواب من قال كيف لا يستجاب الدعاء مع وعد الله بالاستجابة * (فليستجيبوا لي) * أي امتثال ما دعوتهم إليه من الإيمان والطاعة * (أحل لكم) * الآية كان الأكل والجماع محرما بعد النوم في ليل رمضان فجرت لذلك قصة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ولصرمة بن مالك فأحلهما الله تخفيفا على عباده * (الرفث) * هنا الجماع وإنما تعدى بإلى لأنه في معنى الإفضاء * (هن لباس لكم) * تشبيه بالثياب لاشتمال كل واحد من الزوجين على الآخر وهذا تعليل للإباحة * (تختانون أنفسكم) * أي تأكلون وتجامعون بعد النوم في رمضان " فتاب عليكم وعفى عنكم " أي غفر ما وقعتم فيه من ذلك وقيل رفع عنكم ذلك الحكم * (باشروهن) * إباحة * (ما كتب الله لكم) * قيل الولد يبتغى بالجماع وقيل الرخصة في الأكل والجماع لمن نام في ليل رمضان بعد منعه * (من الفجر) * بيان للخيط الأبيض لا للأسود لأن الفجر ليس له سواد والخيط هنا استعارة يراد بالخيط الأبيض بياض الفجر وبالخيط الأسود سواد الليل وروي أن قوله من الفجر نزل بعد ذلك بيانا لهذا المعنى لأن بعضهم جعل خيطا أبيض وخيطا أسود تحت وسادته وأكل حتى تبين له فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بياض النهار وسواد الليل * (إلى الليل) * أي إلى أول الليل
وهو غروب الشمس فمن أفطر قبل ذلك فعليه القضاء والكفارة ومن شك هل غربت أم لا فأفطر فعليه القضاء والكفارة أيضا وقيل القضاء فقط وقالت عائشة رضي الله عنها * (إلى الليل) * يقتضي المنع من الوصال وقد جاء ذلك في الحديث * (ولا تباشروهن) * تحريم للمباشرة حين الاعتكاف قال الجمهور المباشرة هنا الجماع فما دونه وقيل الجماع فقط * (في المساجد) * دليل على جواز الاعتكاف في كل مسجد خلافا لمن قال لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام ومسجد المدينة وبيت المقدس وفيه أيضا دليل على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد لا في غيرها خلافا لمن أجازه في غيرها من مفهوم الآية * (حدود الله) * أحكامه التي أمر بالوقوف عندها * (فلا تقربوها) * أي لا تقربوا مخالفتها واستدل بعضهم به على سد الذرائع لأن المقصود النهي عن المخالفة للمحدود لقوله * (تلك حدود الله فلا تعتدوها) * ثم نهى هنا عن مقاربة المخالفة سدا للذريعة * (ولا تأكلوا أموالكم) * أي لا يأكل بعضكم مال بعض * (بالباطل) * كالقمار والغصب وجحد الحقوق وغير ذلك * (وتدلوا) * عطف على لا تأكلوا أو نصب بإضمار أن وهو من أدلى الرجل بحجته إذا قام بها والمعنى نهى عن أن يحتج بحجة باطلة ليصل بها إلى أكل مال الناس وقيل نهى عن رشوة الحكام بأموال للوصول إلى أكل أموال الناس فالباء على
72

الأول سببية وعلى الثاني للإلصاق * (بالإثم) * الباء سببية أو للمصاحبة والإثم على القول الأول في تدلوا إقامة الحجة الباطلة كشهادة الزور والأيمان الكاذبة وعلى القول الثاني الرشوة * (يسألونك عن الأهلة) * سببها أنهم سألوا عن الهلال وما فائدته ومخالفته لحال الشمس والهلال ليلتان من أول الشهر وقيل ثلاث ثم يقال له قمر * (مواقيت) * جمع ميقات لمحل الديون والأكرية والقضاء والعدد وغير ذلك ثم ذكر الحج اهتماما بذكره وإن كان قد دخل في المواقيت للناس * (وليس البر) * الآية كان قوم إذا رجعوا من الحج لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها وإنما يدخلون من ظهورها ويقولون لا يحول بيننا وبين السماء شيء فنزلت الآية إعلاما بأن ذلك ليس من البر وإنما ذكر ذلك بعد ذكر الحج لأنه كان عندهم من تمام الحج وقيل المعنى ليس البر أن تسألوا عن الأهلة وغيرها مما لا فائدة لكم فيه فتأتون الأمور على غير ما يجب فعلى هذا البيوت وأبوابها وظهورها استعارة يراد بالبيوت المسائل وبظهورها السؤال عما لا يفيد وأبوابها السؤال عما يحتاج إليه * (البر من اتقى) * تأويله مثل البر من آمن * (الذين يقاتلونكم) * كان القتال غير مباح في أول الإسلام ثم أمر بقتال الكفار الذين يقاتلون المسلمين دون من لم يقاتل وذلك مقتضى هذه الآية ثم أمر بقتال جميع الكفار في قوله * (قاتلوا المشركين كافة) * * (اقتلوهم حيث وجدتموهم) * فهذه الآية منسوخة وقيل إنها محكمة وأن المعنى قاتلوا الرجال الذين هم بحال من يقاتلونكم دون النساء والصبيان الذين لا يقاتلونكم والأول أرجح وأشهر * (ولا تعتدوا) * أي بقتال من لم يقاتلكم على القول الأول وبقتال النساء والصبيان على القول الثاني * (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) * أي من مكة لأن قريشا أخرجوا منها المسلمين * (والفتنة أشد من القتل) * أي فتنة المؤمن عن دينه أشد عليه من قتله وقيل كفرالكفار أشد من قتل المؤمنين لهم في الجهاد * (عند المسجد الحرام) * منسوخ بقوله حيث وجدتموهم وهذا يقوي نسخ الذين يقاتلونكم * (فإن انتهوا) * عن الكفر فاسلموا بدليل قوله * (غفور رحيم) * وإنما يغفر للكافر إذا أسلم * (لا تكون فتنة) * أي لا يبقى دين كفر * (الشهر الحرام) * الآية نزلت لما صد الكفار النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول مكة للعمرة عام الحديبية في شهر ذي الحجة فدخلها في العام الذي بعده في شهر ذي القعدة أي الشهر الحرام الذي دخلتم فيه مكة بالشهر الحرام الذي صددتم فيه عن دخولها * (والحرمات قصاص) * أي حرمة
73

الشهر والبلد حين دخلتموها قصاص بحرمة الشهر والبلد حين صددتم عنها * (فاعتدوا عليه) * تسمية للعقوبة باسم الذنب أي قاتلوا من قاتلكم ولا تبالوا بحرمة من صدكم عن دخول مكة * (تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * قال أبو أبو أيوب الأنصاري المعنى لا تشتغلوا بأموالكم عن الجهاد وقيل لا تتركوا النفقة في الجهاد خوف العيلة وقيل لا تقنطوا من التوبة وقيل لا تقتحموا المهالك والباء في بأيديكم زائدة وقيل التقدير لا تلقوا أنفسكم بأيديكم * (وأتموا الحج والعمرة لله) * أي أكملوها إذا ابتدأتم عملهما قال ابن عباس إتمامهما كمال المناسك وقال علي إتمامهما أن تحرم بهما من دارك ولا حجة فيه لمن أوجب العمرة لأن الأمر إنما هو بالإتمام لا بالابتداء * (فإن أحصرتم) * المشهور في اللغة أحصره المرض بالألف وحصره العدو وقيل بالعكس وقيل هما بمعنى واحد فقال مالك أحصرتم هنا بالمرض على مشهور اللغة فأوجب عليه الهدي ولم يوجبه على من حصره العدو وقال الشافعي وأشهب يجب الهدي على من حصره العدو وعمل الآية على ذلك واستدلا بنحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدي بالحديبية وقال أبو حنيفة يجب الهدي على المحصر بعدو وبمرض * (فما استيسر) * أي فعليكم ما استيسر من الهدي وذلك شاة " ولا تحلقوا رؤسكم " خطابا للمحصر وغيره * (فمن كان منكم مريضا) * الآية نزلت في كعب بن عجرة حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لعلك يؤذيك هوام رأسك احلق رأسك وصم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين أو انسك بشاة فمعنى الآية أن من كان في الحج واضطره مرض أو قمل إلى حلق رأسه قبل يوم النحر جاز له حلقه وعليه صيام أو صدقة أو نسك حسبما تفسر في الحديث وقاس الفقهاء على حلق الرأس سائر الأشياء التي يمنع الحاج منها إلا الصيد والوطء وقصر الظاهرية ذلك على حلق الرأس ولا بد في الآية من مضمر لا ينتقل الكلام عنه وهو المسمى فحوى الخطاب وتقديرها فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه فحلق رأسه فعليه فدية * (فإذا أمنتم) * أي من المرض على قول مالك ومن العدو على قول غيره والمعنى إذا كنتم بحال أمن سواء تقدم مرض أو خوف عدو أو لم يتقدم * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) * التمتع عند مالك وغيره هو أن يعتمر الإنسان في أشهر الحج ثم يحج من عامه فهو قد تمتع بإسقاط أحد السفرين للحج أو العمرة وقال عبد الله بن الزبير التمتع هو أن يحصر عن الحج بعدو حتى يفوته الحج فيعتمر عمرة يتحلل بها من إحرامه ثم يحج من قابل قضاء لحجته فهو قد تمتع بفعل الممنوعات من الحج في وقت تحلله بالعمرة إلى الحج القابل وقيل التمتع هو قران الحج والعمرة * (فما استيسر من الهدي) * شاة * (ثلاثة أيام في الحج) * وقتها من إحرامه إلى يوم عرفة فإن فاته صام أيام التشريق * (إذا رجعتم) * إلى بلادكم أو في الطريق * (تلك عشرة) * فائدته أن السبع تصام بعد الثلاثة فتكون عشرة ورفع لئلا يتوهم أن السبعة بدل من الثلاثة وقيل هو مثل الفذلكة وهو قول الناس بعد الأعداد فذلك كذا وقيل كاملة في الثواب * (لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * يعني غير أهل مكة
74

وذي طوى بإجماع وقيل أهل الحرام كله وقيل من كان دون الميقات وقوله ذلك إشارة إلى الهدي أو الصيام أي إنما يجب الهدي أو الصيام بدلا منه على الغرباء لا على أهل مكة وقيل ذلك إشارة إلى التمتع * (الحج أشهر) * التقدير أشهر الحج أشهر أو الحج في أشهر وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل العشر الأول منه وينبني على ذلك أن من أخر طواف الإفاضة إلى آخر ذي الحجة فعليه دم على القول بالعشر الأول ولا دم عليه على القول بجميع الشهر واختلف فيمن أحرم بالحج قبل هذه الأشهر فأجازه مالك على كراهة ولم يجزه الشافعي وداود لتعيين هذا الاسم كذلك فكأنها كوقت الصلاة * (فمن فرض فيهن الحج) * أي ألزم بالحج نفسه * (فلا رفث ولا فسوق) * الرفث الجماع وقيل الفحش من الكلام والفسوق المعاصي والجدال المراء مطلقا وقيل المجادلة في مواقيت الحج وقيل النسيء الذي كانت العرب تفعله * (وتزودوا) * قيل احملوا زادا في السفر وقيل تزودوا للآخرة بالتقوى وهو الأرجح لما بعده * (فضلا من ربكم) * التجارة في أيام الحج أباحها الله تعالى وقرأ ابن عباس فضلا من ربكم في مواسم الحج * (أفضتم) * اندفعتم جملة واحدة * (من عرفات) * اسم علم للموقف والتنوين فيه في مقابلة النون في جمع المذكر لا تنوين صرف فإن فيه التعريف والتأنيث * (المشعر الحرام) * المزدلفة والوقوف بها سنة * (كما هداكم) * الكاف للتعليل * (وإن كنتم) * إن مخففة من الثقيلة ولذلك جاء اللام في خبرها * (من قبله) * أي من قبل الهدى * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * فيه قولان أحدهما أنه أمر للجنس وهم قريش ومن تبعهم كانوا يقفون بالمزدلفة لأنها حرم ويقفون بعرفة مع سائر الناس لأنها حل ويقولون نحن أهل الحرم لا نقف إلا بالحرم فأمرهم الله تعالى أن يقفوا بعرفة مع الناس ويفيضوا منها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يقف مع الناس بعرفة توفيقا من الله تعالى له والقول الثاني أنها خطاب لجميع الناس ومعناها أفيضوا من المزدلفة إلى منى فثم على هذا القول على بابها من الترتيب وأما على القول الأول فليست للترتيب بل للعطف خاصة قال الزمخشري هي كقولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم فإن معناها التفاوت بين ما قبلها وما بعدها وأن ما بعدها أوكد * (قضيتم مناسككم) * فرغتم من أعمال الحج * (كذكركم آباءكم) * لأن الإنسان كثيرا ما يذكر آباءه وقيل كانت العرب يذكرون آباءهم مفاخرة عند الجمرة فأمروا بذكر الله عوضا من ذلك * (آتنا في الدنيا) * كان الكفار إنما يدعون بخير الدنيا خاصة لأنهم لا يؤمنون بالآخرة * (حسنة) * قيل العمل
75

الصالح وقيل المرأة الصالحة * (وفي الآخرة حسنة) * الجنة * (نصيب مما كسبوا) * يحتمل أن تكون من سببية أي لهم نصيب من الحسنات التي اكتسبوها والنصيب على هذا الثواب * (سريع الحساب) * فيه وجهان أحدهما أن يراد به سرعة مجىء يوم القيامة لأن الله لا يحتاج إلى عدة ولا فكرة وقيل لعلي رضي الله عنه كيف يحاسب الله الناس على كثرتهم قال كما يرزقهم على كثرتهم * (في أيام معدودات) * ثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق والذكر فيها التكبير في أدبار الصلوات وعند الجمار وغير ذلك * (فمن تعجل في يومين) * أي انصرف في اليوم الثاني من أيام التشريق * (ومن تأخر) * إلى اليوم الثالث فرمى فيه بقية الجمار وأما المتعجل فقيل يترك رمي جمار اليوم وقيل يقدمها في اليوم الثاني * (فلا إثم عليه) * في الموضعين قيل إنه إباحة للتعجل والتأخر وقيل إنه إخبار عن غفران الإثم وهو الذنب للحاج سواء تعجل أو تأخر * (لمن اتقى) * أما على القول بأن معنى فلا إثم عليه الإباحة فالمعنى أن الإباحة في التعجل والتأخر لمن اتقى أن يأثم فيهما فقد أبيح له ذلك من غير إثم وأما على القول بأن معنى فلا إثم عليه إخبار بغفران الذنوب فالمعنى أن الغفران إنما هو لمن اتقى الله في حجه كقوله صلى الله عليه وسلم من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فاللام متعلقة إما بالغفران أو بالإباحة المفهومين من الآية * (من يعجبك) * الآية قيل نزلت في الأخنس بن شريق فإنه أظهر الإسلام ثم خرج فقتل دواب المسلمين وأحرق لهم زرعا وقيل في المنافقين وقيل عامة في كل من كان على هذه الصفة * (في الحياة) * متعلق بقوله يعجبك أي يعجبك ما يقول في أمر الدنيا ويحتمل أن يتعلق بيعجبك * (ويشهد الله) * أي يقول الله أعلم إنه لصادق * (ألد الخصام) * شديد الخصومة * (تولي) * أدبر بجسده أو أعرض بقلبه وقيل صار واليا * (ويهلك الحرث والنسل) * على القول بأنها في الأخنس فإهلاك الحرث حرقه الزرع وإهلاك النسل قتله الدواب وعلى القول بالعموم فالمعنى مبالغته في الفساد وعبر عن ذلك بإهلاك الحرث والنسل لأنهما قوام معيشة ابن آدم فإن الحرث هو الزرع والفواكه وغير ذلك من النبات والنسل هو الإبل والبقر والغنم وغير ذلك مما يتناسل * (أخذته العزة بالإثم) * المعنى أنه لا يطيع من أمره بالتقوى تكبرا وطغيانا والباء يحتمل أن تكون سببية أو بمعنى مع وقال الزمخشري هي كقولك أخذ الأمير الناس بكذا أي ألزمهم إياه فالمعنى حملته العزة على الإثم * (من يشري نفسه) * أي يبيعها قيل نزلت في صهيب وقيل على العموم وبيع النفس في الهجرة أو الجهاد
76

وقيل في تغيير المنكر وأن الذي قبلها فيمن غير عليه فلم ينزجر * (السلم) * بفتح السين المسالمة والمراد بها هنا عقد الذمة بالجزية والأمر على هذا لأهل الكتاب وخوطبوا بالذين آمنوا لإيمانهم بأنبيائهم وكتبهم المتقدمة وقيل هو الإسلام وكذلك هو بكسر السين فيكون الخطاب لأهل الكتاب على معنى الأمر لهم بالدخول في الإسلام وقيل إنها نزلت في قوم من اليهود أسلموا وأرادوا أن يعظموا البيت كما كانوا فالمعنى على هذا ادخلوا في الإسلام واتركوا سواه ويحتمل أن يكون الخطاب للمسلمين على معنى الأمر بالثبوت عليه والدخول في جميع شرائعه من الأوامر والنواهي * (كافة) * عموم في المخاطبين أوفى شرائع الإسلام * (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) * تهديد لمن زل بعد البيان * (هل ينظرون) * أي ينتظرون * (يأتيهم الله) * تأويله عند المتأولين يأتيهم عذاب الله في الآخرة أو أمره في الدنيا وهي عند السلف الصالح من المتشابه يجب الإيمان بها من غير تكييف ويحتمل أن لا تكون من المتشابه لأن قوله ينظرون بمعنى يطلبون بجهلهم كقولهم لولا يكلمنا الله * (في ظلل) * جمع ظلة وهي ما علاك من فوق فإن كان ذلك لأمر الله فلا إشكال وإن كان لله فهو من المتشابه * (الغمام) * السحاب * (وقضي الأمر) * فرغ منه وذلك كناية عن وقوع العذاب * (سل بني إسرائيل) * على وجه التوبيخ لهم وإقامة الحجة عليهم * (من آية) * معجزات موسى أو الدلالات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم * (ومن يبدل) * وعيد * (ويسخرون) * كفار قريش سخروا من فقراء المسلمين كبلال وصهيب * (والذين اتقوا) * هم المؤمنون الذين سخر الكفار منهم * (فوقهم) * أي
أحسن حالا منهم ويحتمل فوقية المكان لأن الجنة في السماء * (يرزق من يشاء) * إن أراد في الآخرة فمن كناية عن المؤمنين والمعنى رد على الكفار أي إن رزق الله الكفار في الدنيا فإن المؤمنين يرزقون في الآخرة وإن أراد في الدنيا فيحتمل أن يكون من كناية عن المؤمنين أي سيرزقهم ففيه وعد لهم وأن تكون كناية عن الكافرين أي أن رزقهم في الدنيا بمشيئة الله لا على وجه الكرامة لهم * (بغير حساب) * إن كان للمؤمنين فيحتمل أن يريد بغير تضييق ومن حيث لا يحتسبون أو لا يحاسبون عليه وإن كان للكفار فمن غير تضييق * (أمة واحدة) * أي متفقين في الدين وقيل كفارا في زمن نوح عليه السلام وقيل مؤمنين ما بين آدم ونوح أو من كان مع نوح في السفينة وعلى ذلك يقدر فاختلفوا بعد اتفاقهم ويدل عليه أمة واحدة فاختلفوا * (الكتاب) * هنا جنس أو في كل نبي وكتابه * (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه) * الضمير المجرور يعود على الكتاب أو على الضمير المجرور المتقدم وقال الزمخشري يعود على
77

الحق وأما الضمير في أوتوه فيعود على الكتاب والمعنى تقبيح الاختلاف بين الذين أوتوا الكتاب بعد أن جاءتهم البينات * (بغيا) * أي حسدا أو عدوانا وهو مفعول من أجله أو مصدر في موضع الحال * (فهدى الله الذين آمنوا) * يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم * (لما اختلفوا فيه) * أي للحق لما اختلفوا فيه فما بمعنى الذي وقبلها مضاف محذوف والضمير في اختلفوا لجميع الناس يريد اختلافهم في الأديان فهدى الله المؤمنين لدين الحق وتقدير الكلام فهدى الله الذين آمنوا لإصابة ما اختلف فيه الناس من الحق ومن في قوله من الحق لبيان الجنس أي جنس ما وقع فيه الخلاف * (بإذنه) * قيل بعلمه وقيل بأمره * (أم حسبتم) * خطاب للمؤمنين على وجه التشجيع لهم والأمر بالصبر على الشدائد * (ولما يأتكم) * أي لا تدخلوا الجنة حتى يصيبكم مثل ما أصاب من كان قبلكم * (مثل الذين) * أي حالهم وعبر عنه بالمثل لأنه في شدته يضرب به المثل * (وزلزلوا) * بالتخويف والشدائد * (ألا إن نصر الله قريب) * يحتمل أن يكون جوابا للذين قالوا متى نصر الله وأن يكون إخبارا مستأنفا وقيل إن الرسول قال ذلك لما قال الذين معه متى نصر الله * (فللوالدين والأقربين) * إن أريد بالنفقة الزكاة فذلك منسوخ والصواب أن المراد التطوع فلا نسخ وقدم في الترتيب الأهم فالأهم ورد السؤال على المنفق والجواب عن مصرفه لأنه كان المقصود بالسؤال وقد حصل الجواب عن المنفق في قوله من خير * (كتب عليكم القتال) * إن كان على الأعيان فنسخه وما كان المؤمنون لينفروا كافة فصار القتال فرض كفاية وإن كان على الكفاية فلا نسخ * (كرة) * مصدر ذكر للمبالغة أو اسم مفعول كالخبز بمعنى المخبوز * (وعسى أن تكرهوا) * حض على القتال * (الشهر الحرام) * جنس وهو أربعة أشهر رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم * (قتال فيه) * بدل من الشهر وهو مقصود السؤال * (قل قتال فيه كبير) * أي ممنوع ثم نسخه فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وذلك بعيد فإن حيث وجدتموهم عموم في الأمكنة لا في الأزمنة ويظهر أن ناسخه وقاتلوا المشركين كافة بعد ذكر الأشهر الحرم فكان التقدير قاتلوا فيها ويدل عليه فلا تظلموا فيهن أنفسكم ويحتمل أن يكون المراد وقوع القتال في الشهر الحرام أي إباحته حسبما استقر في الشرع فلا تكون الآية منسوخة بل ناسخة لما كان في أول الإسلام من تحريم القتال في الأشهر الحرم * (وصد عن سبيل الله) * ابتداء وما بعده معطوف عليه وأكبر عند الله خبر الجميع أي أن هذه الأفعال القبيحة التي فعلها الكفار أعظم عند الله من القتال في الشهر الحرام الذي عير به الكفار المسلمين سرية عبد الله بن جحش حين قاتل في أول يوم
78

من رجب وقد قيل إنه ظن أنه آخر يوم من جمادى * (والمسجد) * عطف على سبيل الله * (حتى يردوكم) * قال الزمخشري حتى هنا للتعليل * (فأولئك حبطت أعمالهم) * ذهب مالك على أن المرتد يحبط عمله بنفس الارتداد سواء رجع إلى الإسلام أو مات على الارتداد ومن ذلك انتقاض وضوئه وبطلان صومه وذهب الشافعي إلى أنه لا يحبط إلا إن مات كافرا لقوله فيمت وهو كافر وأجاب المالكية بقوله حبطت أعمالهم جزاء على الردة وقوله أصحاب النار هم فيها خالدون جزاء على الموت على الكفر وفي ذلك نظر * (إن الذين آمنوا) * الآية نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه * (الخمر) * كل مسكر من العنب وغيره * (والميسر) * القمار وكان ميسر العرب بالقداح في لحم الجزور ثم يدخل في ذلك النرد والشطرنج وغيرهما وروي أن السائل عنهما كان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه * (إثم كبير) * نص في التحريم وأنهما من الكبائر لأن الإثم حرام لقوله * (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم) * خلافا لمن قال إنما حرمتها آية المائدة لا هذه الآية * (ومنافع) * في الخمر التلذذ والطرب وفي القمار الاكتساب به ولا يدل ذكر المنافع على الإباحة قال ابن عباس المنافع قبل التحريم والإثم بعده * (وإثمهما أكبر) * تغليبا للإثم على المنفعة وذلك أيضا بيان للتحريم * (قل العفو) * أي السهل من غير مشقة وقراءة الجماعة بالنصب بإضمار فعل مشاكلة للسؤال على أن يكون ما مبتدأ وذا خبره * (تتفكرون في الدنيا والآخرة) * أي في أمرهما * (ويسألونك عن اليتامى) * كانوا قد تجنبوا اليتامى تورعا فنزلت إباحة مخالطتهم بالإصلاح لهم فإن قيل لم جاءو يسألونك بالواو ثلاث مرات وبغير واو ثلاث مرات قبلها فالجواب أن سؤالهم عن المسائل الثلاث الأول وقع في أوقات مفترقة فلم يأت بحرف عطف وجاءت الثلاثة الأخيرة بالواو لأنها كانت متناسقة * (والله يعلم) * تحذير من الفساد وهو أكل أموال اليتامى * (لأعنتكم) * لضيق عليكم بالمنع من مخالطتهم قال ابن عباس لأهلككم بما سبق من أكلكم لأموال اليتامى * (ولا تنكحوا) * أي لا تتزوجوا والنكاح مشترك بين الوطىء والعقد * (المشركات) * عباد الأوثان من العرب فلا تتناول اليهود ولا النصارى المباح نكاحهن في المائدة فلا تعارض بين الموضعين ولا نسخ خلافا
79

لمن قال آية المائدة نسخت هذه ولمن قال هذه نسخت آية المائدة فمنع نكاح الكتابيات ونزول الآية بسبب مرثد الغنوي أراد أن يتزوج امرأة مشركة * (ولأمة مؤمنة) * أي أمة لله حرة كانت أو مملوكة وقيل أمة مملوكة خير من حرة مشركة * (ولو أعجبتكم) * في الجمال والمال وغير ذلك * (ولا تنكحوا المشركين) * أي لا تزوجوهم نساءكم وانعقد الإجماع على أن الكافر لا يتزوج مسلمة سواء كان كتابيا أو غيره واستدل المالكية على وجوب الولاية في النكاح بقوله * (ولا تنكحوا المشركين) * لأنه أسند نكاح النساء إلى الرجال * (ولعبد) * أي عبد لله وقيل مملوك * (أولئك) * المشركات والمشركون * (يدعون إلى النار) * إلى الكفر الموجب إلى النار * (بإذنه) * أي بإرادته أو علمه * (ويسألونك) * سأل عن ذلك عباد بن بشر وأسيد بن حضير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نجامع النساء في
المحيض خلافا لليهود * (هو أذى) * مستقذر وهذا تعليل لتحريم الجماع في المحيض * (فاعتزلوا النساء) * اجتنبوا جماعهن وقد فسر ذلك الحديث بقوله لتشد عليها إزارها وشأنك بأعلاها * (حتى يطهرن) * أي ينقطع عنهن الدم * (فإذا تطهرن) * أي اغتسلن بالماء وتعلق الحكم بالآية الأخيرة عند مالك والشافعي فلا يجوز عندهما وطء حتى تغتسل وبالغاية الأولى عند أبي حنيفة فأجاز الوطء عند انقطاع الدم وقبل الغسل وقرئ حتى يطهرن بالتشديد ومعنى هذه الآية بالماء فتكون الغايتان بمعنى واحد وذلك حجة لمالك * (من حيث أمركم الله) * قبل المرأة * (التوابين) * من الذنوب * (المتطهرين) * بالماء أو من الذنوب * (حرث لكم) * أي موضع حرث وذلك تشبيه للجماع في إلقاء النطفة وانتظار الولد بالحرث في إلقاء البذر وانتظار الزرع * (أنى شئتم) * أي كيف شئتم من الهيئات أو من شئتم لا أين شئتم لأنه يوهم الإتيان في الدبر وقد افترى من نسب جوازه إلى مالك وقد تبرأ هو من ذلك وقال إنما الحرث في موضع الزرع * (وقدموا لأنفسكم) * أي الأعمال الصالحة * (عرضة لأيمانكم) * أي لا تكثروا الحلف بالله فتبدلوا اسمه وأن تبروا على هذا علة للنهي فهو مفعول من أجله أي نهيتم عن كثرة الحلف كي تبروا وقيل المعنى لا تحلفوا على أن تبروا وتتقوا وافعلوا البر والتقوى دون يمين فأن تبروا على هذا هو المحلوف عليه والعرضة على هذين القولين لقولك فلان عرضة لفلان إذا أكثر التعرض له وقيل عرضة ما منع من قولك عرض له أمر حال بينه وبين كذا أي لا تمتنعوا بالحلف بالله من فعل البر والتقوى ومن ذلك يمين أبي بكر الصديق أن لا ينفق على مسطح فأن تبروا على هذا علة لامتناعهم فهو مفعول من أجله أو مفعول بعرضة لأنها بمعنى مانع * (باللغو) * الساقط وهو عند مالك قولك نعم والله ولا والله الجاري على اللسان من غير قصد وفاقا
80

للشافعي وقيل أن يحلف على الشيء بظنه على ما حلف عليه ثم يظهر خلافه وفاقا لأبي حنيفة وقال ابن عباس اللغو الحلف حين الغضب وقيل اللغو اليمين على المعصية والمؤاخذة العقاب أو وجوب الكفارة * (بما كسبت قلوبكم) * أي قصدت فهو على خلاف اللغو وقال ابن عباس هو اليمين الغموس وذلك أن يحلف على الكذب متعمدا وهو حرام إجماعا وليس فيه كفارة عند مالك خلافا للشافعي " يولون من نسائهم " يحلفون على ترك وطئهن وإنما تعدى بمن لأنه تضمن معنى البعد منهن ويدخل في عموم قوله الذين كل حالف حرا كان أو عبدا إلا أن مالك جعل مدة إيلاء العبد شهرين خلافا للشافعي ويدخل في إطلاق الإيلاء اليمين بكل ما يلزم عنه حكم خلافا للشافعي في قصر الإيلاء على الحلف بالله ووجهه أنها اليمين الشرعية ولا يكون موليا عند مالك والشافعي إلا إذا حلف على مدة أكثر من أربعة أشهر وعند أبي حنيفة أربعة أشهر فصاعدا فإذا انقضت الأربعة الأشهر وقف المولى عند مالك والشافعي فإما فاء وإلا طلق فإن أبى الطلاق طلق عليه الحاكم وقال أبو حنيفة إذا انقضت الأربعة الأشهر وقع الطلاق دون توقيف ولفظ الآية يحتمل القولين " فإن فاؤا " رجعوا إلى الوطىء وكفروا عن اليمين * (غفور رحيم) * أي يغفر ما في الأيمان من إضرار المرأة * (عزموا الطلاق) * العزيمة على قول مالك التطليق أو الإباية فيطلق عليه الحاكم وعند أبي حنيفة ترك الفيء حتى تنقضي الأربعة الأشهر والطلاق في الإيلاء رجعي عند مالك بائن عند الشافعي وأبي حنيفة * (والمطلقات يتربصن) * بيان للعدة وهو عموم مخصوص خرجت منه الحامل بقوله تعالى * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * واليائسة والصغيرة بقوله * (واللائي يئسن من المحيض) * الآية والتي لم يدخل بها بقوله فمالكم عليهن من عدة تعتدونها فيبقى حكمها في المدخول بها وهي سن من تحيض وقد خص مالك منها الأمة فجعل عدتها قرءين ويتربصن خبر بمعنى الأمر * (ثلاثة قروء) * انتصب ثلاثة على أنه مفعول به هكذا قال الزمخشري وقروء جمع قرء وهو مشترك في اللغة بين الطهر والحيض فحمله مالك والشافعي على الطهر لإثبات التاء في ثلاثة فإن الطهر مذكر والحيض مؤنث ولقول عائشة الأقراء هي الإطهار وحمله أبو حنيفة على الحيض لأنه الدليل على براءة الرحم وذلك مقصود العدة فعلى قول مالك تنقضي العدة بالدخول في الحيضة الثالثة إذا طلقها في طهر لم يمسها فيه وعند أبي حنيفة بالطهر منها * (ما خلق الله في أرحامهن) * يعني الحمل والحيض وبعولتهن جمع بعل وهو هنا الزوج * (في ذلك) * أي في زمان العدة * (ولهن مثل الذي عليهن) * من الاستمتاع وحسن المعاشرة * (درجة) * في الكرامة وقيل الإنفاق وقيل كون الطلاق
81

بيده * (الطلاق مرتان) * بيان لعدد الطلاق الذي يرتجع منه دون زوج آخر وقيل بيان لعدد الطلاق الذي يجوز إيقاعه وهو طلاق السنة * (فإمساك) * ارتجاع وهو مرفوع بالابتداء أو بالخبر * (بمعروف) * حسن المعاشرة وتوفية الحقوق * (أو تسريح) * هو تركها حتى تنقضي العدة فتبين منه * (بإحسان) * المتعة وقيل التسريح هنا الطلقة الثالثة بعد الاثنتين وروي في ذلك حديث ضعيف وهو بعيد لأن قوله تعالى بعد ذلك * (فإن طلقها) * هو الطلقة الثالثة وعلى ذلك يكون تكرارا والطلقة الرابعة لا معنى لها * (ولا يحل لكم أن تأخذوا) * الآية نزلت بسبب ثابت بن قيس اشتكت منه امرأته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها أتردين عليه حديقته قالت نعم فدعاه فطلقها على ذلك وحكمها على العموم وهو خطاب للأزواج في حكم الفدية وهي الخلع وظاهرها أنه لا يجوز الخلع إلا إذا خاف الزوجان * (ألا يقيما حدود الله) * وذلك إذا ساء ما بينهما وقبحت معاشرتهما ثم إن المخالعة على أربعة أحوال الأول أن تكون من غير ضرر من الزوج ولا من الزوجة فأجازه مالك وغيره لقوله تعالى " فإن طبن لكم عن شيء " الآية ومنعها قوم لقوله تعالى " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله " والثاني أن يكون الضرر منهما جميعا فمنعه مالك في المشهور لقوله تعالى * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) * وأجازه الشافعي لقوله تعالى " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله " والثالث أن يكون الضرر من الزوجة خاصة فأجازه الجمهور لظاهر هذه الآية والرابع أن يكون الضرر من الزوج خاصة فمنعه الجمهور لقوله تعالى * (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) * الآية وأجازه أبو حنيفة مطلقا وقوله في ذلك مخالف للكتاب والسنة * (فإن خفتم) * خطاب للحكام والمتوسطين في هذا الأمر * (فإن طلقها) * هذه هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين المذكورتين في قوله الطلاق مرتان * (حتى تنكح زوجا غيره) * أجمعت الأئمة على أن النكاح هنا هو العقد مع الدخول والوطىء لقوله صلى الله عليه وسلم للمطلقة ثلاثا حين أرادت الرجوع إلى مطلقها قبل أن يمسها الزوج الآخر لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وروي عن سعيد بن المسيب أن العقد يحلها دون وطئ وهو قول مرفوض لمخالفته للحديث وخرقه للإجماع وإنما تحل عند مالك إذا كان النكاح صحيحا لا شبهة فيه والوطء مباحا في غير حيض ولا إحرام ولا اعتكاف
ولا صيام خلافا لابن الماجشون في الوطء غير المباح وأما نكاح المحلل فحرام ولا يحل الزوجة لزوجها عند مالك خلافا لأبي حنيفة والمعتبر في ذلك نية المحلل لا نية المرأة ولا المحلل له وقال قوم من نوى التحليل منهم أفسد * (فإن طلقها) * يعني هذا الزوج الثاني * (فلا جناح عليهما) * أي على الزوجة والزوج الأول * (أن يقيما حدود الله) * أي أوامره فيما يجب من حقوق الزوجة * (وإذا طلقتم النساء) * الآية خطاب للأزواج وهي نهي عن أن يطول الرجل العدة على المرأة مضارة منه لها بل يرتجع قرب انقضاء العدة ثم يطلق بعد ذلك ومعنى بلغن أجلهن في هذا الموضع قاربن انقضاء العدة وليس المراد انقضاؤها لأنه ليس
82

بيده إمساك حينئذ ومعنى أمسكوهن راجعوهن * (بمعروف) * هنا قيل هو الإشهاد وقيل النفقة * (وإذا طلقتم النساء) * الآية هذه الأخرى خطاب للأولياء وبلوغ الأجل هنا انقضاء العدة * (فلا تعضلوهن) * أي لا تمنعوهن * (أن ينكحن أزواجهن) * أي يراجعن الأزواج الذين طلقوهن قال السهيلي نزلت في معقل بن يسار كان له أخت فطلقها زوجها ثم أراد مراجعتها وأرادت هي مراجعته فمنعها أخوها وقيل نزلت في جابر بن عبد الله وذلك أن رجلا طلق أخته وتركها حتى تمت عدتها ثم أراد مراجعتها فمنعها جابر وقال تركتها وأنت أملك بها لا زوجتكها أبدا فنزلت الآية والمعروف هنا العدل وقيل الإشهاد وهذه الآية تقتضي ثبوت حق الولي في نكاح وليته خلافا لأبي حنيفة * (ذلك يوعظ به) * خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل واحد على حدته ولذلك وحد ضمير الخطاب * (ذلكم أزكى لكم) * خطابا للمؤمنين والإشارة إلى ترك الفصل ومعنى أزكى أطيب للنفس ومعنى أطهر أي للدين والعرض * (والوالدات يرضعن أولادهن) * خبر بمعنى الأمر وتقتضي الآية حكمين الحكم الأول من يرضع الولد فمذهب مالك أن المرأة يجب عليها إرضاع ولدها ما دامت في عصمة والده إلا أن تكون شريفة لا يرضع مثلها فلا يلزمها ذلك وإن كان والده قد مات وليس للولد مال لزمها رضاعه في المشهور وقيل أجرة رضاعه على بيت المال وإن كانت مطلقة بائن لم يلزمها رضاعه لقوله تعالى * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * إلا أن تشاء هي فهي أحق به بأجرة المثل فإن لم يقبل غيرها وجب عليها إرضاعه ومذهب الشافعي وأبي حنيفة أنها لا يلزمها إرضاعه أصلا والأمر في هذه الآية عندهما على الندب وقال أبو ثور يلزمها على الإطلاق لظاهر الآية وحملها على الوجوب وأما مالك فحملها في موضع على الوجوب وفي موضع على الندب وفي موضع على التخيير حسبما ذكر من التقسيم في المذهب الحكم الثاني مدة الرضاع وقد ذكرها في قوله * (حولين كاملين) * وإنما وصفهما بكاملين لأنه يجوز أن يقال في حول وبعض آخر حولين فرفع ذلك الاحتمال وأباح الفطام قبل تمام الحولين بقوله تعالى * (لمن أراد أن يتم الرضاعة) * واشترط أن يكون الفطام عن تراضي الأبوين بقوله * (فإن أرادا فصالا) * الآية فإن لم يكن على الولد ضرر في الفطام فلا جناح عليهما ومن دعا منهما إلى تمام الحولين فذلك له وأما بعد الحولين فمن دعا منهما إلى الفطام فذلك له وقال ابن عباس إنما يرضع حولين من مكث في البطن ستة أشهر فمن مكث سبعة فرضاعه ثلاثة وعشرون شهرا وإن مكث تسعة فرضاعه إحدى وعشرون لقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن) * في هذه النفقة والكسوة قولان أحدهما أنها
83

أجرة رضاع الولد أوجبها الله للأم على الوالد وهو قول الزمخشري وابن العربي الثاني أنها نفقة الزوجات على الإطلاق وقال منذر ابن سعيد البلوطي هذه الآية نص في وجوب نفقة الرجل على زوجته وعلى هذا حملها ابن الفرس * (بالمعروف) * أي على قدر حال الزوج في ماله والزوجة في منصبها وقد بين ذلك بقوله لا تكلف نفسا إلا وسعها * (لا تضار والدة بولدها) * قرىء بفتح الراء لالتقاء الساكنين على النهي وبرفعهما على الخبر ومعناها النهي ويحتمل على كل واحد من الوجهين أن يكون الفعل مسندا إلى الفاعل فيكون ما قبل الآخر مكسورا قبل الإدغام أو يكون مسندا إلى المفعول فيكون مفتوحا والمعنى على الوجهين النهي عن إضرار أحد الوالدين بالآخر بسبب الولد ويدخل في عموم النهي وجوه الضرر كلها والباء في قوله بولدها وبولده سببية والمراد بقوله ولا مولود له الوالد وإنما ذكره بهذا اللفظ إعلاما بأن الولد ينسب له لا للأم * (وعلى الوارث مثل ذلك) * اختلف في الوارث فقيل وارث المولود له وقيل وارث الصبي لو مات وقيل هو الصبي نفسه وقيل من بقي من أبويه واختلف في المراد بقوله مثل ذلك فقال مالك وأصحابه عدم المضارة وذلك يجري مع كل قول في الوارث لأن ترك الضرر واجب على كل أحد وقيل المراد أجرة الرضاع في النفقة والكسوة ويختلف هذا القول بحسب الاختلاف في الوارث فأما على القول بأن الوارث هو الصبي فلا إشكال لأن أجرة رضاعه في ماله وأما على سائر الأقوال فقيل إن الآية منسوخة فلا تجب أجرة الرضاع على أحد غير الوالد وقيل إنها محكمة فتجب أجرة الرضاع على وارث الصبي لو مات أو على وارث الوالد وهو قول قتادة والحسن البصري * (وإن أردتم أن تسترضعوا) * إباحة لاتخاذ الغير * (إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف) * أي دفعتم أجرة الرضاع * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * الآية عموم في كل متوفى عنها سواء توفي زوجها قبل الدخول أو بعده إلا الحامل فعجتها وضع حملها سواء وضعته قبل الأربعة الأشهر والعشر أو بعدها عند مالك والشافعي وجمهور العلماء وقال علي بن أبي طالب عدتها أبعد الأجلين وخص مالك من ذلك الأمة فعدتها في الوفاة شهران وخمس ليال ويتربص معناه عن التزويج وقيل عن الزينة فيكون أمرا بالإحداد وإعراب الذين مبتدأ وخبره يتربصن على تقدير أزواجهم يتربصن وقيل التقدير وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن وقال الكوفيون الخبر عن الذين متروك والقصد عن الإخبار عن أزواجهم * (فيما فعلن في أنفسهن) * من التزويج والزينة * (بالمعروف) * هنا إذا كان غير منكر وقيل معناه الإشهاد * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به) * الآية إباحة
84

التعريض بخطبة المرأة المعتدة ويقتضي ذلك النهي عن التصريح ثم أباح ما يضمر في النفس بقوله أو أكننتم في أنفسكم * (علم الله أنكم ستذكرونهن) * أي تذكروهن في أنفسكم بألسنتكم لم يخف عليكم وقيل أي ستخطبونهن إن لم تنتهوا عن ذلك * (لا تواعدوهن سرا) * أي لا تواعدوهن في العدة خفية بأن تتزوجوهن بعد العدة وقال مالك فيمن يخطب في العدة ثم يتزوج بعدها فراقها أحب إلي ثم يكون خاطبا من الخطاب وقال ابن القاسم يجب فراقها * (إلا أن تقولوا قولا معروفا) * استثناء منقطع والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض كقوله إنكم لأكفاء كرام وقوله إن الله سيفعل معك خيرا وشبه ذلك * (ولا تعزموا عقدة النكاح) * الآية نهي عن عقد النكاح قبل تمام العدة والكتاب هنا القدر الذي شرع فيه من المدة ومن تزوج امرأة في عدتها يفرق بينهما اتفاقا فإن دخل بها حرمت عليه على التأبيد عند مالك خلافا للشافعي وأبي حنيفة
واختلف عن مالك في تأبيد التحريم إذا لم يدخل بها وإذا دخل بها ولم يطأها * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) * الآية قيل إنها إباحة للطلاق قبل الدخول ولما نهى عن التزويج بمعنى الذوق وأمر بالتزويج طلب العصمة ودوام الصحبة ظن قوم أن من طلق قبل البناء وقع في المنهي عنه فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك وقيل إنها في بيان ما يلزم من الصداق والمتعة في الطلاق قبل الدخول وذلك أن من طلق قبل الدخول فإن كان لم يفرض لها صداقا وذلك في نكاح التفويض فلا شيء عليه من الصداق لقوله * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) * الآية والمعنى لا طلب عليكم بشيء من الصداق ويؤمر بالمتعة لقوله تعالى * (ومتعوهن) * وإن كان قد فرض لها فعليه نصف الصداق لقوله تعالى * (فنصف ما فرضتم) * ولا متعة عليه لأن المتعة إنما ذكرت فيما لم يفرض لها بقوله * (أو تفرضوا) * أو فيه بمعنى الواو * (ومتعوهن) * أي أحسنوا إليهن وأعطوهن شيئا عند الطلاق والأمر بالمتعة مندوب عند مالك وواجب عند الشافعي * (على الموسع قدره) * أي يمتع كل واحد على قدر ما يجد والموسع الغني " والمقتر " الضيق الحال وقرئ بإسكان دال قدره وفتحها وهما بمعنى وبالمعروف هنا أي لا حمل فيه ولا تكلف على أحد الجانبين * (حقا على المحسنين) * تعلق الشافعي في وجوب المتعة بقوله حقا وتعلق مالك بالندب في قوله على المحسنين لأن الإحسان تطوع بما لا يلزم * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * الآية بيان أن المطلقة قبل البناء لها نصف الصداق إذا كان فرض لها صداق مسمى بخلاف نكاح التفويض * (إلا أن يعفون) * النون فيه نون جماعة النسوة يريد المطلقات والعفو هنا بمعنى الإسقاط أي للمطلقات قبل الدخول نصف الصداق إلا أن يسقطنه وإنما يجوز إسقاط المرأة إذا كانت مالكة أمر نفسها " أو يعفو الذي بيده عقدة
85

النكاح) قال ابن عباس ومالك وغيرهما هو الوالي الذي تكون المرأة في حجره كالأب في ابنته المحجورة والسيد في أمته فيجوز له أن يسقط نصف الصداق الواجب لها بالطلاق قبل الدخول وأجاز شريح إسقاط غير الأب من الأولياء وقال علي بن أبي طالب والشافعي الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه أن يعطي النصف الذي سقط عنه من الصداق ولا يجوز عندهما أن يسقط الأب لنصف الواجب لابنته وحجة مالك أن قوله الذي بيده عقدة النكاح في الحال والزوج ليس بيده بعد الطلاق عقدة النكاح وحجة الشافعي قوله تعالى " وأن تعفو أقرب للتقوى " فإن الزوج إذا تطوع بإعطاء النصف الذي لا يلزمه فذلك فضل وأما إسقاط الب لحق ابنته فليس فيه تقوى لأنه إسقاط حق الغير * (ولا تنسوا الفضل بينكم) * قيل نه يعني إسقاط المرأة نصف صداقها أو دفع الرجل النصف الساقط عنه واللفظ أعم من ذلك * (والصلاة الوسطى) * جدد ذكرها بعد دخولها في الصلاة اعتناء بها وهي الصبح عند مالك وأهل المدينة والعصر عند علي بن أبي طالب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وقيل هي الظهر وقيل المغرب وقيل هي العشاء الآخرة وقيل الجمعة وسميت الوسطى لتوسطها في عدد الركعات وعلى القول بأنها المغرب لأنها بين الركعتين والأربع أو لتوسط وقتها وعلى القول بأنها الصبح لأنها متوسطة بين الليل والنهار وعلى القول بأنها الظهر أو الجمعة لأنها في وسط النهار أو لفضلها من الوسط وهو الخيار وعلى هذا يجري اختلاف الأقوال فيها * (وقوموا لله) * معناه في صلاتكم * (قانتين) * هنا ساكتين وكانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت قاله ابن مسعود وزيد بن أرقم وقيل خاشعين وقيل طول القيام * (فإن خفتم) * أي من عدو أو سبع أو غير ذلك مما يخاف منه على النفس * (فرجالا) * جمع راجل أي على رجليه * (أو ركبانا) * جمع راكب أي صلوا كيف ما كنتم من ركوب أو غيره وذلك في صلاة المسايفة ولا تنقص منها عن ركعتين في السفر وأربع في الحضر عند مالك * (فإذا أمنتم فاذكروا الله) * الآية قيل المعنى إذا زال الخوف فصلوا الصلاة التي علمتموها وهي التامة وقيل إذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم هذه الصلاة التي تجزئكم في حال الخوف فالذكر على القول الأول في حال الصلاة وعلى الثاني بمعنى الشكر * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم) * هذه الآية منسوخة ومعناها أن الرجل إذا مات كان لزوجته أن تقيم في منزله سنة وينفق عليها من ماله وذلك وصية لها ثم نسخ إقامتها سنة بالأربعة الأشهر والعشر ونسخت النفقة بالربع أو الثمن الذي لها في الميراث حسبما ذكر في سورة النساء وإعراب وصية مبتدأ وأزواجهم خبر أو مضمر تقديره فعليهم وصية وقرئت بالنصب على المصدر تقديره ليوصوا وصية ومتاعا نصب على المصدر * (غير إخراج) * أي ليس لأولياء الميت إخراج المرأة " فإن خرجت " معناه إذا كان الخروج من قبل المرأة فلا جناح على أحد فيما فعلت في نفسها من تزوج وزينة " وللمطلقات
86

متاع) عام في إمتاع كل مطلقة وبعمومه أخذ أبو ثور واستثنى الجمهور المطلقة قبل الدخول وقد فرض لها بالآية المتقدمة منه واستثنى مالك المختلعة والملاعنة * (حقا على المتقين) * يدل على وجوب المتعة وهي الإحسان للمطلقات لأن التقوى واجبة ولذلك قال بعضهم نزلت مؤكدة للمتعة لأنه نزل قبلها حقا على المحسنين فقال رجل فإن لم أرد أن أحسن لم أمتع فنزلت حقا على المتقين * (ألم تر) * رؤية قلب * (إلى الذين خرجوا من ديارهم) * قوم من بني إسرائيل أمروا بالجهاد فخافوا الموت بالقتال فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء وقيل بل فروا من الطاعون * (وهم ألوف) * جمع ألف قيل ثمانون ألفا وقيل ثلاثون ألفا وقيل ثمانية آلاف وقيل هو من الألفة وهو ضعيف * (فقال لهم الله موتوا) * عبارة عن إماتتهم وقيل إن ملكين صاحا بهم موتوا فماتوا * (ثم أحياهم) * ليستوفوا آجالهم * (وقاتلوا) * خطاب لهذه الأمة وقيل للذين أماتهم الله ثم أحياهم * (من ذا الذي يقرض الله) * استفهام يراد به الطلب والحض على الإنفاق وذكر لفظ القرض تقريبا للأفهام لأن المنفق ينتظر الثواب كما ينتظر المسلف رد ما أسلف وروي أن الآية نزلت في أبي الدحداح حين تصدق بحائط لم يكن له غيره * (قرضا حسنا) * أي خالصا طيبا من حلال من غير من ولا أذى * (فيضاعف) * قرىء بالتشديد والتخفيف وبالرفع على الاستئناف أو عطفا على يقرض وبالنصف في جواب الاستفهام * (أضعافا كثيرة) * عشرة فما فوقها إلى سبعمائة * (يقبض ويبسط) * إخبار يراد به الترغيب في الإنفاق * (ألم تر إلى الملإ) * رؤية قلب وكانوا قوما نالهم الذلة من أعدائهم فطلبوا الإذن في القتال فلما أمروا به كرهوه * (لنبي لهم) * قيل اسمه شمويل وقيل شمعون * (هل عسيتم) * أي قاربتم وأراد النبي المذكور أن يتوثق منهم ويجوز في السين من عسيتم الكسر والفتح وهو أفصح ولذلك انفرد نافع بالكسر وأما إذا لم يتصل بعسى ضمير فلا يجوز فيها إلا الفتح * (طالوت ملكا) *
قال وهب بن منبه أوحى الله إلى نبيهم إذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن فهو ملكهم وقال السدي أرسل الله إلى نبيهم عصا وقال له إذا دخل عليك رجل على طول هذه العصا فهو ملكهم فكان ذلك طالوت * (ونحن أحق بالملك منه) * روي أنه كان
87

دباغا ولم يكن من بيت الملك والواو في قوله ونحن واو الحال والواو في قوله ولم يؤت لعطف الجملة على الأخرى * (بسطة في العلم والجسم) * كان عالما بالعلوم وقيل بالحروب وكان أطول رجل يصل إلى منكبه * (والله يؤتي ملكه من يشاء) * رد عليهم في اعتقادهم أن الملك يستحق بالبيت أو المال أن * (أن يأتيكم التابوت) * كان هذا التابوت قد تركه موسى عند يوشع فجعله يوشع في البرية فبعث الله ملائكة حملته فجعلته في دار طالوت وفيه قصص كثيرة غير ثابته * (فيه سكينة) * قيل رمح فيه رأس ووجه كوجه الإنسان وقيل طست من ذهب تغسل فيه قلوب الأنبياء وقيل رحمة وقيل وقار * (وبقية) * قال ابن عباس هي عصى موسى ورضاض الألواح وقيل العصا والنعلان وقيل ألواح من التوراة * (آل موسى وآل هارون) * يعني أقاربهما قال الزمخشري يعني الأنبياء من بني إسرائيل ويحتمل أن يريد موسى وهارون وأقحم الأهل * (فصل طالوت) * أي خرج من موضعه إلى الجهاد * (بنهر) * قيل هو نهر فلسطين * (فمن شرب منه) * الآية اختبر طاعتهم بمنعهم من الشرب باليد * (إلا من اغترف غرفة) * رخص لهم في الغرفة باليد وقرئ بفتح الغين وهو المصدر وبضمها هو الاسم * (فشربوا منه إلا قليلا) * قيل كانوا ثمانين ألفا فشربوا منه كلهم إلا ثلاثمائة وبضعة عشر عدد أصحاب بدر فأما من شرب فاشتد عليه العطش وأما من لم يشرب فلم يعطش * (جالوت وجنوده) * كان كافرا عدوا لهم وهو ملك العمالقة ويقال إن البربر من ذريته * (يظنون) * أي يوقنون وهم أهل البصائر من أصحابه * (قتل داود جالوت) * كان داود في جند طالوت فقتل جالوت فأعطاه الله ملك بني إسرائيل وفي ذلك قصص كثيرة غير صحيحة * (والحكمة) * هنا النبوة والزبور * (وعلمه مما يشاء) * صنعة الدروع ومنطق الطيور وغير ذلك * (ولولا دفع الله) * الآية منة على العباد بدفع بعضهم ببعض وقرئ دفاع بالألف ودفع بغير ألف والمعنى متفق * (تلك الرسل) * الإشارة إلى جماعتهم * (فضلنا) * نص في التفضيل في الجملة من غير تعيين مفضول كقوله صلى الله عليه وسلم لا تخيروا بين الأنبياء ولا تفضلوني
88

على يونس بن متى فإن معناه النهي عن تعيين المفضول لأنه تنقيص له وذلك غيبة ممنوعة وقد صرح صلى الله عليه وسلم بفضله على جميع الأنبياء بقوله أنا سيد ولد آدم لا بفضله على واحد بعينه فلا تعارض بين الحديثين * (من كلم الله) * موسى عليه السلام * (ورفع بعضهم درجات) * قيل هو محمد صلى الله عليه وسلم لتفضيله على الأنبياء بأشياء كثيرة وقيل هو إدريس لقوله * (ورفعناه مكانا عليا) * فالرفعة على هذا في المسافة وقيل هو مطلق في كل من فضله الله منهم * (من بعدهم) * أي من بعد الأنبياء والمعنى بعد كل نبي لا بعد الجميع * (ولو شاء الله ما اقتتلوا) * كرره تأكيدا وليبني عليه ما بعده * (أنفقوا) * يعم الزكاة والتطوع * (لا بيع فيه) * أي لا يتصرف أحد في ماله والمراد لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق في الدنيا ويدخل فيه نفي الفدية لأنه بشراء الإنسان نفسه * (ولا خلة) * أي مودة نافعة لأن كل أحد يومئذ مشغول بنفسه * (ولا شفاعة) * أي ليس في يوم القيامة شفاعة إلا بإذن الله فهو في الحقيقة رحمة من الله للمشفوع فيه وكرامة للشافع ليس فيها تحكم على الله وعلى هذا يحمل ما ورد من نفي الشفاعة في القرآن أعني أن لا تقع إلا بإذن الله فلا تعارض بينه وبين إثباتها وحيث ما كان سياق الكلام في أهوال يوم القيامة والتخويف بها نفيت الشفاعة على الإطلاق ومبالغة في التهويل وحيث ما كان سياق الكلام تعظيم الله نفيت الشفاعة إلا بإذنه * (والكافرون هم الظالمون) * قال عطاء بن دينار الحمد لله الذي قال هكذا ولم يقل والظالمون هم الكافرون * (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) * هذه آية الكرسي وهي أعظم آية في القرآن حسبما ورد في الحديث وجاء فيها فضل كبير في الحديث الصحيح وفي غيره * (لا تأخذه سنة ولا نوم) * تنزيه لله تعالى عن الآفات البشرية والفرق بين السنة والنوم أن السنة هي ابتداء النوم لا نفسه كقول القائل في عينه سنة ليس بنائم * (من ذا الذي يشفع عنده) * استفهام مراد به نفي الشفاعة إلا بإذن الله فهي في الحقيقة راجعة إليه * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * الضمير عائد على من يعقل ممن تضمنه قوله * (له ما في السماوات وما في الأرض) * والمعنى يعلم ما كان قبلهم وما يكون بعدهم وقال مجاهد ما بين أيديهم الدنيا وما خلفهم الآخرة * (من علمه) * من معلوماته أي لا يعلم عباده من معلوماته إلا ما شاء هو أن يعلموه * (وسع كرسيه) * الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش وهو أعظم من السماوات والأرض وهو بالنسبة إلى العرش كأصغر شيء وقيل كرسيه علمه وقيل كرسيه ملكه " ولا يؤده " أي لا يشغله ولا يشق عليه * (لا إكراه في الدين) * المعنى أن دين الإسلام في غاية الوضوح وظهور البراهين على صحته بحيث لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه
89

بل يدخل فيه كل ذي عقل سليم من تلقاء نفسه دون إكراه ويدل على ذلك قوله * (قد تبين الرشد من الغي) * أي قد تبين أن الإسلام رشد وأن الكفر غي فلا يفتقر بعد بيانه إلى إكراه وقيل معناها الموادعة وأن لا يكره أحد بالقتال على الدخول في الإسلام ثم نسخت بالقتال وهذا ضعيف لأنها مدنية وإنما آية المسالمة وترك القتال بمكة * (بالعروة الوثقى) * العروة في الأجرام هي موضع الإمساك وشد الأيدي وهي هنا تشبيه واستعارة في الإيمان * (لا انفصام لها) * لا انكسار لها ولا انفصال * (يخرجهم من الظلمات إلى النور) * أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان * (أولياؤهم الطاغوت) * جمع الطاغوت هنا وأفرد في غير هذا الموضع فكأنه اسم جنس لما عبد من دون الله ولمن يضل الناس من الشياطين وبني آدم * (الذي حاج إبراهيم) * هو نمرود الملك وكان يدعي الربوبية فقال لإبراهيم من ربك " قال ربي الذي يحيي ويميت " فقال نمروذ * (أنا أحيي وأميت) * وأحضر رجلين فقتل أحدهما وترك الآخر فقال قد أحييت هذا وأمت هذا فقال له إبراهيم * (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت) * أي انقطع وقامت عليه الحجة فإن قيل لم انتقل إبراهيم عن دليله الأول إلى هذا الدليل الثاني والانتقال علامة الانقطاع فالجواب أنه لم ينقطع ولكنه لما ذكر الدليل الأول وهو الإحياء والإماتة كان له حقيقة وهو فعل الله ومجازا وهو فعل غيره فتعلق نمروذ بالمجاز غلطا منه أو مغالطة فحينئذ انتقل إبراهيم إلى الدليل الثاني لأنه لا مجاز له ولا يمكن الكافر عدول عنه أصلا * (أو كالذي مر على قرية) * تقديره أو رأيت مثل الذي فحذف لدلالة ألم تر عليه لأن كلتيهما كلمتا تعجب ويجوز أن يحمل على المعنى كأنه يقول أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مر على قرية وهذا المار قيل إنه عزير وقيل الخضر فقوله * (أنى
يحيي هذه الله) * ليس إنكارا للبعث ولا استبعادا ولكنه استعظام لقدرة الذي يحيى الموتى أو سؤال عن كيفية الإحياء وصورته لا شك في وقوعه وذلك مقتضى كلمة أنى فأراه الله ذلك عيانا ليزداد بصيرة وقيل بل كان كافرا وقالها إنكارا للبعث واستبعادا فأراه الله الحياة بعد الموت في نفسه وذلك أعظم برهان * (وهي خاوية على عروشها) * أي خالية من الناس وقال السدي سقطت سقوفها وهي العروش ثم سقطت الحيطان على السقف * (أنى يحيي هذه الله) * ظاهر هذا اللفظ إحياء هذه القرية بالعمارة بعد الخراب ولكن المعنى إحياء أهلها بعد موتهم لأن هذا الذي يمكن فيه الشك والإنكار ولذلك أراه الله الحياة بعد موته والقرية كانت بيت المقدس لما أخربها بختنصر وقيل قرية الذين خرجوا
90

من ديارهم وهم ألوف * (كم لبثت) * سؤال على وجه التقرير * (قال لبثت يوما أو بعض يوم) * استقل مدة موته قيل أماته الله غدوة يوم ثم بعثه قبل الغروب من يوم آخر بعد مائة عام فظن أنه يوم واحد ثم رأى بقية من الشمس فخاف أن يكذب في قوله يوما فقال أو بعض يوم * (فانظر إلى طعامك وشرابك) * قيل كان طعامه تينا وعنبا وأن شرابه كان عصيرا ولبنا * (لم يتسنه) * معناه لم يتغير بل بقي على حاله طول مائة عام وذلك أعجوبة إلهية واللفظ يحتمل أن يكون مشتقا من السنة لأن لامها هاء فتكون الهاء في يتسنه أصلية أي لم يتغير السنون ويحتمل أن يكون مشتقا من قولك تسنن الشيء إذا فسد ومنه الحمأ المسنون ثم قلبت النون حرف علة كقولهم قصيت أظفاري ثم حذف حرف العلة للجازم والهاء على هذا هاء السكت * (وانظر إلى حمارك) * قيل بقي حماره حيا طول المائة عام دون علف ولا ماء وقيل مات ثم أحياه الله وهو ينظر إليه * (ولنجعلك آية للناس) * التقدير فعلنا بك هذا لتكون آية للناس وروي أنه قام شابا على حالته يوم مات فوجد أولاده وأولادهم شيوخا * (وانظر إلى العظام) * هي عظام نفسه وقيل عظام الحمار على القول بأنه مات " ننشرها " بالراء نحيبها وقرئ بالزاي ومعناه نرفعها للأحياء * (قال أعلم) * بهمزة قطع وضم الميم أي قال الرجل ذلك اعترافا وقرئ بألف وصل والجزم على الأمر أي قال له الملك ذلك * (وإذ قال إبراهيم) * الآية قال الجمهور لم يشك إبراهيم في إحياء الموتى وإنما طلب المعاينة لأنه رأى دابة قد أكلتها السباع والحيات فسأل ذلك السؤال ويدل على ذلك قوله كيف فإنها سؤال عن حال الإحياء وصورته لا عن وقوعه * (ولكن ليطمئن قلبي) * أي بالمعاينة * (أربعة من الطير) * قيل هي الديك والطاوس والحمام والغراب فقطعها وخلط أجزاءها ثم جعل من المجموع جزءا على كل جبل وأمسك رأسها بيدها ثم قال تعالين بإذن الله فتطايرت تلك الأجزاء حتى التأمت وبقيت بلا رؤس ثم كرر النداء فجاءته تسعى حتى وضعت أجسادها في رؤسها وطارت بإذن الله * (فصرهن) * أي ضمهن وقيل قطعهن على كل جبل قيل أربعة جبال وقيل سبعة وقيل الجبال التي وصل إليها حينئذ من غير حصر بعدد * (في سبيل الله) * ظاهره الجهاد وقد يحمل على جميع وجوه البر * (كمثل حبة) * كل ما يزرع ويقتان وأشهره القمح وفي الكلام حذف تقديره مثل نفقة الذين ينفقون كمثل حبة أو يقدر في آخر الكلام كمثل صاحب حبة * (أنبتت سبع سنابل) * بيان أن الحسنة بسبعمائة كما جاء في الحديث أن رجلا جاء بناقة فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
91

لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة * (والله يضاعف لمن يشاء) * أي يزيده على سبعمائة وقيل هو تأكيد وبيان للسبعمائة والأول أرجح لأنه ورد في الحديث ما يدل عليه * (الذين ينفقون) * الآية قيل نزلت في عثمان وقيل في علي وقيل في عبد الرحمن بن عوف * (منا ولا أذى) * المن ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها والأذى السب * (قول معروف) * هو رد السائل بجميل من القول كالدعاء له والتأنيس * (ومغفرة) * عفو عن السائل إذا وجد منه جفاء وقيل مغفرة من الله لسبب الرد الجميل والمعنى تفضيل عدم العطاء إذا كان بقول معروف ومغفرة على العطاء الذي يتبعه أذى * (لا تبطلوا صدقاتكم) * عقيدة أهل السنة أن السيئات لا تبطل الحسنات فقالوا في هذه الآية إن الصدقة التي يعلم من صاحبها أنه يمن أو يؤذي لا تقبل منه وقيل إن المن والأذى دليل على أن نيته لم تكن خالصة فلذلك بطلت صدقته * (كالذي ينفق) * تمثيل لمن يمن ويؤذي بالذي ينفق رياء وهو غير مؤمن * (فمثله) * أي مثل المرائي في نفقته كحجر عليه تراب يظنه من يراه أرضا منبتة طيبة فإذا أنزل عليها المطر انكشف التراب فيبقى الحجر لا منفعة فيه فكذلك المرائي يظن أن له أجرا فإذا كان يوم القيامة انكشف سره ولم تنفعه نفقته * (صفوان) * حجر كبير * (وابل) * مطر كثير * (صلدا) * أملس * (لا يقدرون) * أي لا يقدرون على الانتفاع بثواب شيء من إنفاقهم وهو كسبهم * (وتثبيتا) * أي تيقنا وتحقيقا للثواب لأن أنفسهم لها بصائر تحملهم على الإنفاق ويحتمل أن يكون معنى التثبيت أنهم يثبتون أنفسهم على الإيمان باحتمال المشقة في بذل المال وانتصاب ابتغاء على المصدر في موضع الحال وعطف عليه وتثبيتا ولا يصح في تثبيتا أن يكون مفعولا من أجله لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت فامتنع ذلك في المعطوف عليه وهو ابتغاء * (كمثل حبة) * تقديره كمثل صاحب حبة أو يقدر ولا مثل نفقة الذي ينفقون * (بربوة) * لأن ارتفاع موضع الجنة أطيب لتربتها وهوائها * (فطل) * الطل الرقيق الخفيف فالمعنى يكفي هذه الجنة لكرم أرضها * (أيود أحدكم) * الآية مثل ضرب للإنسان يعمل صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره ختم له بعمل السوء أو مثل للكافر أو المنافق أو المرائي المتقدم ذكره آنفا أو ذي المن والأذى فإن كل واحد منهم يظن أنه ينتفع بعمله فإذا كان وقت حاجة إليه لم يجد شيئا فشبههم الله بمن كانت له جنة ثم أصابتها الجائحة المهلكة أحوج ما كان إليها لشيخوخته
92

وضعف ذريته قالوا في قوله وأصابه الكبر للحال * (إعصار) * أي ريح فيها سموم محرقة * (من طيبات ما رزقناكم) * والطيبات هنا عند الجمهور الجيد غير الرديء فقيل إن ذلك في الزكاة فيكون واجبا وقيل في التطوع فيكون مندوبا لا واجبا لأنه كما يجوز التطوع بالقليل يجوز بالرديء * (ومما أخرجنا) * من النبات والمعادن وغير ذلك * (ولا تيمموا الخبيث) * أي لا تقصدوا الرديء * (منه تنفقون) * في موضع الحال * (ولستم بآخذيه) * الواو للحال والمعنى أنكم لا تأخذونه في حقوقكم وديونكم إلا أن تتسامحوا بأخذه وتعملوا من قولك أغمض فلان عن بعض حقه إذا لم يستوفه وإذا غض بصره * (الشيطان يعدكم الفقر) * الآية دفع لما يوسوس به الشيطان من خوف الفقر ففي ضمن ذلك حض على الإنفاق ثم بين عداوة الشيطان بأمره بالفحشاء وهي المعاصي وقيل الفحشاء البخل والفاحش عند العرب
البخيل قال ابن عباس في الآية اثنتان من الشيطان واثنتان من الله والفضل هو الرزق والتوسعة * (يؤتي الحكمة) * قيل هي المعرفة بالقرآن وقيل النبوة وقيل الإصابة في القول والعمل * (وما أنفقتم من نفقة) * الآية ذكر نوعين وهما ما يفعله الإنسان تبرعا وما يفعله بعد إلزامه نفسه بالنذر وفي قوله * (فإن الله يعلمه) * وعد بالثواب وقوله * (وما للظالمين من أنصار) * وعيد لمن يمنع الزكاة أو ينفق لغير الله * (إن تبدوا الصدقات) * هي التطوع عند الجمهور لأنها يحسن إخفاؤها وإبداء الواجبة كالصلوات * (فنعما هي) * ثناء على الإظهار ثم حكم أن الإخفاء خير من ذلك الإبداء وما من نعما في موضع نصب تفسير للمضمر والتقدير فنعم شيء إبداؤها * (ليس عليك هداهم) * قيل إن المسلمين كانوا لا يتصدقون على أهل الذمة فنزلت الآية مبيحة للصدقة على من ليس على دين الإسلام وذلك في التطوع وأما الزكاة فلا تدفع لكافر أصلا فالضميرفي هداهم على هذا القول للكافر وقيل ليس عليك أن تهديهم لما أمروا به من الانفاق وترك المن والأذى والرياء والانفاق من الخبيث إنما عليك أن تبلغهم والهدى بيد الله فالضمير على هذا للمسلمين * (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) * أي إن منفعته لكم لقوله * (من عمل صالحا فلنفسه) * * (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) * قيل إنه خبر عن الصحابة أنهم لا ينفقون إلا ابتغاء وجه الله ففيه تزكية لهم
93

وشهادة بفضلهم وقيل ما تنفقون نفقة تقبل منكم إلا ابتغاء وجه الله ففي ذلك حض على الإخلاص * (للفقراء) * متعلق بمحذوف تقديره الانفاق للفقراء وهم هنا المهاجرون * (أحصروا) * حبسوا بالعدو وبالمرض * (في سبيل الله) * يحتمل الجهاد والدخول في الإسلام * (ضربا في الأرض) * هو التصرف في التجارة وغيرها * (يحسبهم الجاهل أغنياء) * أي يظن الجاهل بحالهم أنهم أغنياء لقلة سؤالهم والتعفف هنا هو عن الطلب ومن سببية وقال ابن عطية لبيان الجنس * (تعرفهم بسيماهم) * علامة وجوههم وهي ظهور الجهد والفاقة وقلة النعمة وقيل الخشوع وقيل السجود * (لا يسألون الناس إلحافا) * الإلحاف هو الإلحاح في السؤال والمعنى أنهم إذا سألوا يتلطفون ولا يلحون وقيل هو نفي السؤال والإلحاح معا وباقي الآية وعد * (بالليل والنهار سرا وعلانية) * تعميم لوجوه الإنفاق وأوقاته قال ابن عباس نزلت في علي فإنه تصدق بدرهم بالليل وبدرهم بالنهار وبدرهم سرا وبدرهم علانية وقال أبو هريرة نزلت في علف الخيل * (الذين يأكلون الربا) * أي ينتفعون به وعبر عن ذلك بالأكل لأنه أغلب المنافع وسواء من أعطاه أو من أخذه والربا في اللغة الزيادة ثم استعمل في الشريعة في بيوعات ممنوعة أكثرها راجع إلى الزيادة فإن غالب الربا في الجاهلية قولهم للغريم أتقضي أم تربي فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه ثم إن الربا على نوعين ربا النسيئة وربا التفاضل وكلاهما يكون في الذهب والفضة وفي الطعام فأما النسيئة فتحرم في بيع الذهب بالذهب وبيع الفضة بالفضة وفي بيع الذهب بالفضة وهو الصرف وفي الطعام بالطعام مطلقا وأما التفاضل فإنما يحرم في بيع الجنس الواحد بجنسه من النقدين ومن الطعام ومذهب مالك أنه يحرم التفاضل في المقتات المدخر من الطعام ومذهب الشافعي أنه يحرم في كل طعام ومذهب أبي حنيفة أنه يحرم في المكيل والموزون من الطعام وغيره * (لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * أجمع المفسرون أن المعنى لا يقومون من قبورهم في البعث إلا كالمجنون ويتخبطه يتفعله من قولك خبط يخبط والمس الجنون ومن تتعلق بيقوم * (ذلك بأنهم) * تعليل للعقاب الذي يصيبهم وإنما هذا للكفار لأن قولهم إنما البيع مثل الربا رد على الشريعة وتكذيب للإثم وقد يأخذ العصاة بحظ من هذا الوعيد فإن قيل هلا قيل إنما الربا مثل البيع لأنهم قاسوا الربا على البيع في الجواز فالجواب أن هذا مبالغة فإنهم جعلوا الربا أصلا حتى شبهوا به البيع * (وأحل الله البيع) * عموم يخرج منه البيوع الممنوعة شرعا وقد عددناها في الفقه ثمانين نوعا * (وحرم الربا) * رد على الكفار وإنكار للتسوية بين البيع والربا وفي ذلك دليل على أن القياس يهدمه النص لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم تحليل
94

الله وتحريمه * (فله ما سلف) * أي له ما أخذ من الربا أي لا يؤاخذ بما فعل منه قبل نزول التحريم * (وأمره إلى الله) * الضمير عائد على صاحب الربا والمعنى أن الله يحكم فيه يوم القيامة فلا تؤاخذوه في الدنيا وقيل الضمير عائد على الربا والمعنى أن أمر الربا إلى الله في تحريم أو غير ذلك * (ومن عاد) * الآية يعني من عاد إلى فعل الربا وإلى القول إنما البيع مثل الربا ولذلك حكم عليه بالخلود في النارلأن ذلك القول لا يصدر إلا من كافر فلا حجة فيها لمن قال بتخليد العصاة لكونها في الكفار * (يمحق الله الربا) * ينقصه ويذهبه " ويربي الصدقات) * ينميها في الدنيا بالبركة وفي الآخرة بمضاعفة الثواب * (كفار أثيم) * أي من يجمع بين الكفر والإثم بفعل الربا وهذا يدل على أن الآية في الكفار * (وذروا ما بقي من الربا) * سبب الآية أنه كان بين قريش وثقيف ربا في الجاهلية فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال في خطبته كل ربا كان في الجاهلية موضوع ثم إن ثقيف أرسلت تطلب الربا الذي كان لهم على قريش فأبوا من دفعه وقالوا قد وضع الربا فتحاكموا إلى عتاب بن أسيد أمير مكة فكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فنزلت الآية * (إن كنتم مؤمنين) * شرط لمن خوطب به من قريش وغيرهم * (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب) * أي إن لم تنتهوا عن الربا حوربتم ومعنى فأذنوا اعلموا وقرئ بالمد أي أعلموا غيركم ولما نزلت قالت ثقيف لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله * (لا تظلمون ولا تظلمون) * أي لا تظلمون بأخذ زيادة على رؤوس أموالكم ولا تظلمون بالنقص منها * (وإن كان ذو عسرة) * كان تامة بمعنى حضر ووقع وقرئ ذا عسرة أي إن كان الغريم ذا عسرة " فنظرة إلى ميسرة حكم الله للمعسر بالإنظار إلى أن يوسر وقد كان قبل ذلك يباع فيما عليه ونظرة مصدر معناه التأخير وهو مرفوع على أنه خبر ابتداء تقديره فالجواب نظرة أو مبتدأ وميسرة أيضا مصدر وقرئ بضم السين وفتحها " وأن تصدقوا خير لكم " ندب الله إلى الصدقة على المعسر بإسقاط الدين عنه فذلك أفضل من إنظاره وباقي الآية وعظ وقيل إن آخر آية نزلت آية الربا وقيل بل قوله " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " الآية وقيل آية الدين المذكورة بعد " إذا تداينتم بدين " أي إذا عامل بعضكم بعضا بدين وإنما ذكر الدين وإن كان مذكورا في تداينتم ليعود عليه الضمير في اكتبوه وليزول الاشتراك الذي في تداينتم إذ يقال لمعنى الجزاء " إلى أجل مسمى " دليل على أنه لا يجوز إلى أجل مجهول وأجاز مالك البيع إلى الجذاذ والحصاد لأنه معروف عند الناس ومنعه الشافعي وأبو حنيفة قال ابن عباس نزلت الآية في السلم خاصة يعني أن سلم أهل المدينة كان سبب نزولها قال مالك وهذا يجمع الدين كله يعني
95

أنه يجوز التأخير في السلم والسلف وغيرهما * (فاكتبوه) * ذهب قوم إلى أن كتابة الدين واجبة بهذه الآية وقال قوم إنها منسوخة لقوله * (فإن أمن بعضكم بعضا) *
وقال قوم إنها على الندب * (وليكتب بينكم كاتب) * قال قوم يجب على الكاتب أن يكتب وقال قوم نسخ ذلك بقوله ولا يضار كاتب ولا شهيد وقال آخرون يجب عليه إذا لم يوجد كاتب سواه وقال قوم إن الأمر بذلك على الندب ولذلك جاز أخذ الأجرة على كتب الوثائق * (بالعدل) * يتعلق عند ابن عطية بقوله وليكتب وعند الزمخشري بقوله كاتب فعلى الأول تكون الكتابة بالعدل وإن كان الكاتب غير مرضي وعلى الثاني يجب أن يكون الكاتب مرضيا في نفسه قال مالك لا يكتب الوثائق إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون * (ولا يأب كاتب أن يكتب) * نهى عن الإباية وهو يقوي الوجوب * (كما علمه الله) * يتعلق بقوله أن يكتب والكاف للتشبيه أي يكتب مثل ما علمه الله أو للتعليل أي ينفع الناس بالكتابة كما علمه الله لقوله أحسن كما أحسن الله إليك وقيل يتعلق بقوله بعدها * (فليكتب وليملل) * يقال أمللت الكتاب وأمليته فورد هنا على اللغة الواحدة وفي قوله تملى عليه على الأخرى * (الذي عليه الحق) * لأن الشهادة إنما هي باعترافه فإن كتب الوثيقة دون إملاله ثم أقر بها جاز * (ولا يبخس) * أمر الله بالتقوى فيما يملي ونهاه عن البخس وهو نقص الحق * (سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو) * السفيه الذي لا يحسن النظر في ماله والضعيف الصغير وشبهه والذي لا يستطيع أن يمل الأخرس وشبهه * (وليه) * أبوه أو وصيه والضمير عائد على الذي عليه الحق * (واستشهدوا شهيدين) * شهادة الرجلان جائزة في كل شيء إلا في الزنا فلا بد من أربعة * (من رجالكم) * نص في رفض شهادة الكفار والصبيان والنساء وأما العبيد فاللفظ يتناولهم ولذلك أجاز ابن حنبل شهادتهم ومنعها مالك والشافعي لنقص الرق * (فرجل وامرأتان) * قال قوم لا تجوز شهادة المرأتين إلا مع الرجال وقال معنى الآية إن لم يكونا أي إن لم يوجدا وأجاز الجمهور أن المعنى إن لم يشهد رجلان فرجل وامرأتان وإنما يجوز عند مالك شهادة الرجل والمرأتين في الأموال لا في غيرها وتجوز شهادة المرأتين دون رجل فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والاستهلال وعيوب النساء وارتفع رجل بفعل مضمر تقديره فليكن رجل فهو فاعل أو تقديره فليستشهد رجل فهو مفعول لم يسم فاعله أو بالابتداء تقديره فرجل وامرأتان يشهدون * (ممن ترضون) * صفة للرجل والمرأتين وهو مشترط أيضا في الرجلين الشاهدين لأن الرضا مشترط في الجميع وهو العدالة ومعناها اجتناب الذنوب الكبائر وتوقي الصغائر مع المحافظة على المروءة * (أن تضل) * مفعول من أجله والعامل فيه هو المقدر العامل في رجل وامرأتان والضلال في الشهادة وهو نسيانها أو نسيان بعضها وإنما جعل ضلال إحدى المرأتين مفعولا من أجله وليس هو المراد لأنه سبب لتذكير الأخرى لها
96

وهو المراد فأقيم السبب مقام المسبب وقرئ إن تضل بكسر الهمزة على الشرط وجوابه الفاء في فتذكر ولذلك رفعه من كسر الهمزة ونصبه من فتحها على العطف وقرئ تذكر بالتشديد والتخفيف والمعنى واحد * (ولا يأب الشهداء) * أي لا يمتنعون * (إذا ما دعوا) * إلى أداء الشهادة وقد ورد تفسيره بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق العلماء أن أداء الشهادة واجب إذا دعي إليها وقيل إذا دعوا إلى تحصيل الشهادة وكتبها وقيل إلى الأمرين * (ولا تسأموا أن تكتبوه) * أي لا تملوا من الكتابة إذا ترددت وكثرت سواء كان الحق صغيرا أو كبيرا ونصب صغيرا على الحال * (ذلكم) * إشارة إلى الكتابة * (أقسط) * من القسط وهو العدل * (وأقوم) * بمعنى أشد إقامة وينبني أفعل فيهما من الرباعي وهو قليل " وأدنى أن لا ترتابوا " أي أقرب إلى عدم الشك في الشهادة * (إلا أن تكون تجارة حاضرة) * أن في موضع نصب على الاستثناء المنقطع لأن الكلام المتقدم في الدين المؤجل والمعنى إباحة ترك الكتابة في التجارة الحاضرة وهو ما يباع بالنقد وغيره * (تديرونها بينكم) * يقتضي القبض والبينونة * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * ذهب قوم إلى وجوب الإشهاد على كل بيع صغيرا أو كبيرا وهم الظاهرية خلافا للجمهور وذهب قوم إلى أنه منسوخ بقوله فإن أمن بعضكم بعضا وذهب قوم إلى أنه على الندب * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) * يحتمل أن يكون كاتب فاعلا على تقدير كسر الراء المدغمة من يضار والمعنى على هذا نهي للكاتب والشاهد أن يضار صاحب الحق أو الذي عليه الحق بالزيادة فيها أو النقصان منه أو الامتناع من الكتابة أو الشهادة ويحتمل أن يكون كاتب مفعولا لم يسم فاعله على تقدير فتح الراء المدغمة ويقوي ذلك قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يضارر بالتفكيك وفتح الراء والمعنى النهي عن الإضرار بالكاتب والشاهد بإذايتهما بالقول أو بالفعل * (وإن تفعلوا) * أي إن وقعتم في الإضرار * (فإنه فسوق) * حال بكم * (ويعلمكم الله) * إخبار على وجه الامتنان وقيل معناه الوعد بأن من اتقى علمه الله وألهمه وهذا المعنى صحيح ولكن لفظ الآية لا يعطيه لأنه لو كان كذلك لجزم يعلمكم في جواب اتقوا * (وإن كنتم على سفر) * الآية لما أمر الله تعالى بكتب الدين جعل الرهن توثيقا للحق عوضا عن الكتابة حيث تتعذر الكتابة في السفر وقال الظاهرية لا يجوز الرهن إلا في السفر لظاهر الآية وأجازه مالك وغيره في الحضر لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه بالمدينة * (فرهان مقبوضة) * يقتضي بينونة المرتهن بالرهن وأجمع العلماء على صحة قبض المرتهن وقبض وكيله وأجاز مالك والجمهور وضعه على يد عدل والقبض للرهن شرط في الصحة عند الشافعي وغيره لقوله تعالى * (مقبوضة) * وهو عند مالك شرط كمال لا صحة * (فإن أمن بعضكم بعضا) * الآية أي إن أمن صاحب الحق المديان لحسن ظنه به فليستغن عن الكتابة وعن الرهن فأمر أولا بالكتابة ثم بالرهن ثم بالائتمان فللدين ثلاثة أحوال ثم أمر المديان بأداء الأمانة ليكون عند ظن صاحبه به * (ولا تكتموا الشهادة) * محمول على الوجوب " فإنه
97

آثم قلبه) معناه قد تعلق به الإثم اللاحق من المعصية في كتمان الشهادة وارتفع آثم بأنه خبر إن وقلبه فاعل به ويجوز أن يكون قلبه مبتدأ وآثم خبره وإنما أسند الإثم إلى القلب وإن كان جملة الكاتم هي الآثمة لأن الكتمان من فعل القلب إذ هو يضمرها ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * الآية مقتضاها المحاسبة على ما في نفوس العباد من الذنوب سواء أبدوه أم أخفوه ثم المعاقبة على ذلك لمن يشاء الله أو الغفران لمن شاء الله وفي ذلك إشكال لمعارضته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة أنه لما نزلت شق ذلك على الصحابة وقالوا أهلكنا إن حوسبنا على خواطر أنفسنا فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا فقالوها فأنزل الله بعد ذلك * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * فكشف الله عنهم الكربة ونسخ بذلك هذه الآية وقيل هي في معنى كتم الشهادة وإبدائها وذلك محاسب به وقيل يحاسب الله خلقه على ما في نفوسهم ثم يغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين والمنافقين والصحيح التأويل الأول لوروده في الصحيح وقد ورد أيضا عن ابن عباس وغيره فإن قيل إن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ فالجواب أن
النسخ إنما وقع في المؤاخذة والمحاسبة وذلك حكم يصح دخول النسخ فيه فلفظ الآية خبر ومعناها حكم " فيغفر لمن يشاءويعذب " قرىء بجزمهما عطفا على يحاسبكم وبرفعهما على تقدير فهو يغفر * (آمن الرسول) * الآية سببها ما تقدم في حديث أبي هريرة لما قالوا سمعنا وأطعنا مدحهم الله بهذه الآية وقدم ذلك قبل كشف ما شق عليهم * (والمؤمنون) * عطف على الرسول أو مبتدأ فعلى الأول يوقف على المؤمنون وعلى الثاني يوقف على من ربه والأول أحسن * (كل آمن بالله) * إن كان المؤمنون معطوفا فكل عموم في الرسول والمؤمنون وإن كان مبتدأ فكل عموم في المؤمنين ووحد الضمير في آمن على معنى أن كل واحد منهم آمن * (وكتبه) * قرىء بالجمع أي كل كتاب أنزله الله وقرئ بالتوحيد يريد القرآن أو الجنس * (لا نفرق بين أحد من رسله) * التقدير يقولون لا نفرق والمعنى لا نفرق بين أحد من الرسل وبين غيره في الإيمان بل نؤمن بجميعهم ولسنا كاليهود والنصارى الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض * (وقالوا سمعنا وأطعنا) * حكاية عن قول المؤمنين على وجه المدح لهم * (غفرانك) * مصدر والعامل فيه مضمر ونصبه على المصدرية تقديره اغفر غفرانك وقيل على المفعولية تقديره نطلب غفرانك * (وإليك المصير) * إقرار بالبعث مع تذلل وانقياد وهنا تمت حكاية كلام المؤمنين * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * إخبار من الله تعالى برفع تكليف ما لا يطاق وهو جائز عقلا عند الأشعرية ومحال عقلا عند المعتزلة واتفقوا على أنه لم يقع في الشريعة * (لها ما كسبت) * أي من الحسنات * (وعليها ما اكتسبت) * أي من السيئات وجاءت العبارة بلها
98

في الحسنات لأنها مما ينتفع العبد به وجاءت بعليها في السيئات لأنها مما يضر بالعبد وإنما قال في الحسنات كسبت وفي الشر اكتسبت لأن في الاكتساب ضرب من الاعتمال والمعالجة حسبما تقتضيه صيغة افتعل فالسيئات فاعلها يتكلف مخالفة أمر الله ويتعداه بخلاف الحسنات فإنه فيها على الجادة من غير تكلف أو لأن السيئات يجد في فعلها لميل النفس إليها فجعلت لذلك مكتسبة ولما لم يكن الإنسان في الحسنات كذلك وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * أي قولوا ذلك في دعائكم ويحتمل أن يكون ذلك من بقية حكاية قولهم كما حكى عنهم قولهم سمعنا وأطعنا والنسيان هنا هو ذهول القلب على الإنسان والخطأ غير العمد فذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وقد كان يجوز أن يأخذ به لولا أن الله رفعه * (ولا تحمل علينا إصرا) * التكاليف الصعبة وقد كانت لمن تقدم من الأمم كقتل أنفسهم وقرض أبدانهم ورفعت عن هذه الأمة قال تعالى * (ويضع عنهم إصرهم) * وقيل الإصر المسخ قردة وخنازير * (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * هذا الدعاء دليل على جواز تكليف ما لا يطاق لأنه لا يدعى برفع ما لا يجوز أن يقع ثم إن الشرع دفع وقوعه وتحقيق ذلك أن ما لا يطاق أربعة أنواع الأول عقلي محض كتكليف الإيمان لمن علم الله أنه لا يؤمن فهذا جائز وواقع بالاتفاق والثاني عادي كالطيران في الهواء والثاني عقلي وعادي كالجمع بين الضدين فهذان وقع الخلاف في جواز التكليف بهما والاتفاق على عدم وقوعه والرابع تكليف ما يشق ويصعب فهذا جائز اتفاقا فقد كلفه الله من تقدر من الأمم ورفعه عن هذه الأمة * (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا) * ألفاظ متقاربة المعنى وبينها من الفرق أن العفو ترك المؤاخذة بالذنب والمغفرة تقتضي مع ذلك الستر والرحمة تجمع ذلك مع التفضل بالإنعام * (مولانا) * ولينا وسيدنا
سورة آل عمران
نزل صدرها إلى نيف وثمانين آية لما قدم نصارى نجران المدينة المنورة يناظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام * (ألم) * تقدم الكلام على حروف الهجاء وقرأ الجمهور بفتح الميم هنا في الوصل لالتقاء الساكنين نحو من الناس وقال الزمخشري هي حركة الهمزة نقلت إلى الميم وهذا ضعيف لأنها ألف وصل تسقط في الدرج * (الحي القيوم) * رد على النصارى في قولهم إن عيسى هو الله لأنهم زعموا أنه صلب فليس بحي وليس بقيوم * (الكتاب) * هنا هو القرآن * (بالحق) * أي تضمن الحق من الأخبار والأحكام وغيرها أو بالاستحقاق * (مصدقا) * قد تقدم في مصدقا لما معكم * (بين يديه) * الكتب المتقدمة * (التوراة والإنجيل) * أعجميان
99

فلا يصح ما ذكره النحاة من اشتقاقهما ووزنهما * (وأنزل الفرقان) * يعني القرآن وإنما كرر ذكره ليصفه بأنه الفارق بين الحق والباطل ويحتمل ان يكون ذكره أولا على وجه الإثبات لإنزاله لقوله * (مصدقا لما بين يديه) * ثم ذكره ثانيا على وجه الامتنان بالهدى به كما قال في التوراة والإنجيل هدى للناس فكأنه قال وأنزل الفرقان هدى للناس ثم حذف ذلك لدلالة الهدى الأول عليه فلما اختلف قصد الكلام في الموضعين لم يكن ذلك تكرارا وقيل الفرقان هنا كل ما فرق بين الحق والباطل من كتاب وغيره وقيل هو الزبور وهذا بعيد " لا يخفى عليه شيء " خبر عن إحاطة علم الله بجميع الأشياء على التفضيل وهذه صفة لم تكن لعيسى ولا لغيره ففي ذلك رد على النصارى * (هو الذي يصوركم) * برهان على إثبات علم الله المذكور قبل وفيه رد على النصارى لأن عيسى لا يقدر على التصوير بل كان مصورا كسائر بني آدم * (كيف يشاء) * من طول وقصر وحسن وقبح ولون وغير ذلك * (منه آيات محكمات) * المحكم من القرآن هو البين المعنى الثابت الحكم والمتشابه هو الذي يحتاج إلى التأويل أو يكون مستغلق المعنى كحروف الهجاء قال ابن عباس المحكمات الناسخات والحلال والحرام والمتشابهات المنسوخات والمقدم والمؤخر وهو تمثيل لما قلنا * (هن أم الكتاب) * أي عمدة ما فيه ومعظمه * (فأما الذين في قلوبهم زيغ) * نزلت في نصارى نجران فإنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أليس في كتابك أن عيسى كلمة الله وروح منه قال نعم قالوا فحسبنا إذا فهذا من المتشابه الذي اتبعوه وقيل نزلت في أبي ياسر بن أخطب اليهودي وأخيه حكيم ثم يدخل في ذلك كل كافر أو مبتدع أو جاهل يتبع المتشابه من القرآن * (ابتغاء الفتنة) * أي ليفتنوا به الناس * (وابتغاء تأويله) * أي يبتغون أن يتأولوه على ما تقتضي مذاهبهم أو يبتغون أن يصلوا من معرفة تأويله إلى ما لا يصل إليه مخلوق * (وما يعلم تأويله إلا الله) * إخبار بانفراد الله بعلم تأويل المتشابه من القرآن وذم لمن طلب علم ذلك من الناس * (والراسخون في العلم) * مبتدأ مقطوع مما قبله والمعنى أن الراسخين لا يعلمون تأويل المتشابه وإنما يقولون آمنا به على وجه التسليم والانقياد والاعتراف بالعجز عن
معرفتة وقيل إنه معطوف على ما قبله وأن المعنى أنهم يعلمون تأويله وكلا القولين مروى عن ابن عباس والقول الأول قول أبي بكر الصديق وعائشة وعروة بن الزبير وهو أرجح وقال ابن عطية المتشابه نوعان نوع انفرد الله بعلمه ونوع يمكن وصول الخلق إليه فيكون الراسخون ابتداء بالنظر إلى الأول وعطفا بالنظر إلى الثاني * (كل من عند ربنا) * أي المحكم والمتشابه من عند الله * (ربنا لا تزغ قلوبنا) * حكاية عن الراسخين ويحتمل أن يكون منقطعا على وجه التعليم
100

والأول أرجح لاتصال الكلام وأما قوله وما يذكر إلا أولو الألباب فهو من كلام الله تعالى لا حكاية قول الراسخين * (إن الله لا يخلف الميعاد) * استدلال على البعث ويحتمل أن يكون من تمام كلام الراسخين أو منقطعا فهو من كلام الله * (كدأب) * في موضع رفع أي دأب هؤلاء كدأب * (آل فرعون) * وفي ذلك تهديد * (والذين من قبلهم) * عطف على آل فرعون ويعني بهم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم والضمير عائد على آل فرعون * (بآياتنا) * البراهين أو الكتاب * (ستغلبون وتحشرون) * قرىء بتاء الخطاب ليهود المدينة وقيل لكفار قريش وقرئ بالياء إخبارا عن يهود المدينة وقيل عن قريش وهو صادق على كل قول أما اليهود فغلبوا يوم قريظة والنضير وقينقاع وأما قريش ففي بدر وغيرها والأشهر أنها في بني قينقاع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الإسلام بعد غزوة بدر فقالوا له لا يغرنك أنك قتلت نفرا من قريش لا يعرفون القتال فلو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس فنزلت الآية ثم أخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة * (قد كان لكم آية) * قيل خطاب للمؤمنين وقيل لليهود وقيل لقريش والأول أرجح أنه لبني قينقاع الذين قيل لهم ستغلبون ففيه تهديد لهم وعبرة كما جرى لغيرهم * (في فئتين التقتا فئة) * المسلمون والمشركون يوم بدر * (يرونهم مثليهم) * قرىء ترونهم بالتاء خطابا لمن خوطب بقوله قد كان لكم آية والمعنى ترون الكفار مثلي المؤمنين ولكن الله أيد المسلمين بنصره على قدر عددهم وقرئ بالياء والفاعل في يرونهم المؤمنون والمفعول به هم المشركون والضمير في مثليهم للمؤمنين والمعنى على حسب ما تقدم فإن قيل إن الكفار كانوا يوم بدر أكثر من المسلمين فالجواب من وجهين أحدهما أن الكفار كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين لأن الكفار كانوا قريبا من ألف والمؤمنون ثلاثمائة وثلاثة عشر ثم إن الله تعالى قلل عدد الكفار في أعين المؤمنين حتى حسبوا أنهم مثلهم مرتين ليتجاسروا على قتالهم إذا ظهر لهم أنهم على ما أخبروا به من قتال الواحد للإثنين من قوله " إن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين " وهذا المعنى موافق لقوله تعالى * (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا) * والآخر أنه رجع قوم من الكفار حتى بقي منهم ستمائة وستة وعشرون رجلا وذلك قدر عدد المسلمين مرتين وقيل إن الفاعل في يرونهم ضمير المشركين والمفعول ضمير المؤمنين وأن الضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمؤمنين والمفعول للمشركين والمعنى على هذا أن الله كثر عدد المسلمين في أعين المشركين حتى حسب الكفار المؤمنين مثلي الكافرين أو مثلي المؤمنين وهم أقل من ذلك وإنما كثرهم الله في أعينهم ليرهبوهم ويرد هذا قوله تعالى ويقللكم في أعينهم * (رأي العين) * نصب على المصدرية ومعناه معاينة ظاهرة لا شك فيها " والله يؤيد
101

بنصره من يشاء) أي أن النصر بمشيئة الله لا بالقلة ولا بالكثرة فإن فئة المسلمين غلبت فئة الكافرين مع أنهم كانوا أكثر منهم * (زين للناس) * قيل المزين هو الله وقيل الشيطان ولا تعارض بينهما فتزيين الله بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى الدنيا وتزيين الشيطان بالوسوسة والخديعة * (والقناطير) * جمع قنطار وهو ألف ومائتا أوقية وقيل ألف ومائتا مثقال وكلاهما مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم * (المقنطرة) * مبنية من لفظ القناطير وللتأكيد كقولهم ألوف مؤلفة وقيل المضروبة دنانير أو دراهم * (المسومة) * الراعية من قولهم سام الفرس وغيره إذا جال في المسارح وقيل المعلمة في وجوهها شيئان فهي من السمات بمعنى العلامات قيل المعدة للجهاد * (ذلك متاع الحياة الدنيا) * تحقير لها ليزهد فيها الناس * (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) * تفضيل للآخرة على الدنيا ليرغب فيها وتمام الكلام في قوله من ذلكم ثم ابتدأ قوله * (للذين اتقوا) * تفسيرا لذلك فجنات على هذا مبتدأ وخبره للذين اتقوا وقيل إن قوله للذين اتقوا متعلق بما قبله وتمام الكلام في قوله عند ربهم فجنات على هذا خبر مبتدأ مضمر * (ورضوان من الله) * زيادة إلى نعيم الجنة وهو أعظم من النعيم حسبما ورد في الحديث * (الذين يقولون) * نعت للذين اتقوا ورفع بالابتداء أو نصب بإضمار فعل (الصادقين) في الأقوال والأفعال * (والقانتين) * العابدين والمطيعين * (والمستغفرين) * الاستغفار هو طلب المغفرة قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نستغفر فقال قولوا اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * (بالأسحار) * جمع سحر وهو آخر الليل يقال إنه الثلث الأخير وهو الذي ورد أن الله يقول حينئذ من يستغفرني فأغفر له * (شهد الله) * الآية شهادة من الله سبحانه لنفسه بالوحدانية وقيل معناها إعلامه لعباده بذلك " والملائكة وأولوا العلم " عطف على اسم الله أي هم شهداء بالوحدانية ويعني بأولي العلم العارفين بالله الذين يقيمون البراهين على وحدانيته * (قائما) * منصوب على الحال من اسم الله أو من هو أو منصوب على المدح * (بالقسط) * بالعدل * (لا إله إلا هو) * إنما كرر التهليل لوجهين أحدهما أنه ذكر أولا الشهادة بالوحدانية ثم ذكرها ثانيا بعد ثبوتها بالشهادة المتقدمة والآخر أن ذلك تعليم لعباده ليكثروا من قولها * (إن الدين) * بكسر الهمزة ابتداء وبفتحها بدل من أنه وهو بدل شيء من شيء لأن التوحيد هو الإسلام * (وما اختلف الذين) * الآية إخبار أنهم اختلفوا بعد معرفتهم بالحقائق من أجل البغي وهو الحسد والآية
102

في اليهود وقيل في النصارى وقيل فيهما * (سريع الحساب) * قد تقدم معناه في البقرة وهو هنا تهديد ولذلك وقع في جواب من يكفر * (فإن حاجوك) * أي جادلوك في الدين والضمير لليهود ونصارى نجران * (أسلمت) * وجهي أي أخلصت نفسي وجملتي * (لله) * وعبر بالوجه على الجملة ومعنى الآية إقامة الحجة عليهم لأن من اسلم وجهه لله فهو على الحق بلا شك فسقطت حجة من خالفه * (ومن اتبعن) * عطف على التاء في أسلمت ويجوز أن يكون مفعولا معه * (أأسلمتم) * تقرير بعد إقامة الحجة عليهم أي قد جاءكم من البراهين ما يقتضي أن تسلموا * (فإنما عليك البلاغ) * أي إنما عليك أن تبلغ رسالة ربك فإذا أبلغتها فقد فعلت ما عليك وقيل إن فيها موادعة نسختها آية السيف * (إن الذين يكفرون) * الآية نزلت في اليهود والنصارى توبيخا لهم ووعيدا على قبح أفعالهم وأفعال أسلافهم * (الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) * هم اليهود والكتاب هنا التوراة أو جنس * (يدعون إلى كتاب الله) * قال ابن عباس دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جماعة من اليهود فيهم النعمان
بن عمرو والحارث بن زيد فقالوا له على أي دين أنت فقال لهم على دين إبراهيم فقالوا إن إبراهيم كان يهوديا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلموا إلي التوراة فهي بيننا وبينكم فأبوا عليه فنزلت الآية فكتاب الله على هذا التوراة وقيل هو القرآن كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إليه فيعرضون عنه * (ذلك بأنهم) * الإشارة إلى إعراضهم عن كتاب الله والباء سببية والمعنى أن كفرهم بسبب اعتراضهم وأكاذيبهم والأيام المعدودات قد ذكرت في البقرة * (فكيف إذا جمعناهم) * أي كيف يكون حالهم يوم القيامة والمعنى تهويل واستعظام لها أعد لهم * (اللهم) * منادى والميم فيه عوض من حرف النداء عند البصريين ولذلك لا يجتمعان وقال الكوفيون أصله يا الله أمنا بخير فالميم عندهم من أمنا * (مالك الملك) * منادى عند سيبويه وأجاز الزجاج أن يكون صفة لاسم الله وقيل إن الآية نزلت ردا على النصارى في قولهم إن عيسى هو الله لأن هذه الأوصاف ليست لعيسى وقيل لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته يفتحون ملك كسرى وقيصر استبعد ذلك المنافقون فنزلت الآية * (بيدك الخير) * قيل المراد بيدك الخير
103

والشر فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه وقيل إنما خص الخير بالذكر لأن الآية في معنى دعاء ورغبة فكأنه يقول بيدك الخير فأجزل حظي منه * (تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) * قال عبد الله بن مسعود هي النطفة تخرج من الرجل ميتة وهو حي ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة وقال عكرمة هي إخراج الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة وقيل يخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر فالحياة والموت على هذا استعارة وفي ذكر الحي من الميت المطابقة وهي من أدوات البيان وفيه أيضا القلب لأنه قدم الحي على الميت ثم عكس * (بغير حساب) * بغير تضييق وقيل بغير محاسبة * (لا يتخذ المؤمنون) * الآية عامة في جميع الأعصار وسببها ميل بعض الأنصار إلى بعض اليهود وقيل كتاب حاطب إلى مشركي قريش " فليس من الله في شيء " تبرؤ ممن فعل ذلك ووعيد على موالاة الكفار وفي الكلام حذف تقديره ليس من التقرب إلى الله في شيء وموضع في شيء نصب على الحال من الضمير في ليس من الله قاله ابن عطية * (إلا أن تتقوا منهم) * إباحة لموالاتهم إن خافوا منهم والمراد موالاة في الظاهر مع البغضاء في الباطن * (تقاة) * وزنه فعلة بضم الفاء وفتح العين وفاؤه واو وأبدل منها تاء ولامه ياء أبدل منها ألف وهو منصوب على المصدرية ويجوز أن ينصب على الحال من الضمير في تتقوا * (ويحذركم الله نفسه) * تخويف * (يوم تجد) * منصوب على الظرفية والعامل فيه فعل مضمر تقديره اذكروا أو خافوا وقيل العامل فيه قدير وقيل المصير وقيل يحذركم * (وما عملت من سوء) * مبتدأ خبره تود أو معطوف * (أمدا) * أي مسافة * (والله رؤوف) * ذكر بعد التحذير تأنيسا لئلا يفرط الخوف أو لأن التحذير والتنبيه رأفة * (فاتبعوني) * جعل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم علامة على محبة العبد لله تعالى وشرط في محبة الله للعبد ومغفرته له وقيل إن الآية خطاب لنصارى نجران ومعناها على العموم في جميع الناس * (إن الله اصطفى) * الآية لما مضى صدر من محاجة نصارى نجران أخذ يبين لهم ما اختلفوا فيه وأشكل عليهم من أمر عيسى عليه السلام وكيفية ولادته وبدأ بذكر آدم ونوح عليهما السلام تكميلا للأمر لأنهما أبوان لجميع الأنبياء ثم ذكر إبراهيم تدريجا إلى ذكر عمران والد مريم أم عيسى عليه السلام وقيل إن عمران هنا هو والد موسى وبينهما ألف وثمانمائة سنة والأظهر أن المراد هنا والد مريم لذكر قصتها بعد ذلك * (آل إبراهيم وآل عمران) * يحتمل أن يريد بآل القرابة أو الأتباع وعلى الوجهين
104

يدخل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في آل إبراهيم * (ذرية) * بدل مما تقدم أو حال ووزنه فعلية منسوب إلى الذر لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذر وغير أوله في النسب وقيل أصل ذرية ذرورة وزنها فعولة ثم أبدل من الراء الأخيرة ياء فصار ذروية ثم أدغمت الواو في الياء وكسرت الراء فصارت ذرية * (إذ قالت) * العامل فيه محذوف تقديره اذكروا وقيل عليم وقال الزجاج العامل فيه معنى الاصطفاء * (امرأة عمران) * اسمها حنة بالنون وهي أم مريم وعمران هذا هو والد مريم * (نذرت) * أي جعلت نذراعلى أن يكون هذا الولد في بطني حبسا على خدمة بيتك وهو بيت المقدس * (محرر) * أي عتيقا من كل شغل إلا خدمة المسجد * (فلما وضعتها) * الآية كانوا لا يحررون الإناث بخدمة المساجد فقالت * (إني وضعتها أنثى) * تحسرا وتلهفا على ما فاتها من النذر الذي نذرت * (والله أعلم بما وضعت) * قرىء وضعت بإسكان التاء وهو من كلام الله تعظيما لوضعها وقرئ بضم التاء وإسكان العين وهو على هذا من كلامها * (وليس الذكر كالأنثى) * يحتمل أن يكون من كلام الله فالمعنى ليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لك وأن يكون من كلامها فالمعنى ليس الذكر كالأنثى في خدمة المساجد لأن الذكور كانوا يخدمونها دون الإناث * (سميتها مريم) * إنما قالت لربها سميتها مريم لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة فأرادت بذلك التقرب إلى الله ويؤخذ من هذا تسمية المولود يوم ولادته وامتنع مريم من الصرف للتعريف والتأنيث وفيه أيضا العجمة * (وإني أعيذها بك) * ورد في الحديث ما من مولود إلا نخسه الشيطان يوم ولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها لقوله * (وإني أعيذها بك) * الآية * (فتقبلها ربها) * أي رضيها للمسجد مكان الذكر * (بقبول حسن) * فيه وجهان أحدهما أن يكون مصدرا على غير المصدر والآخر أن يكون اسما لما يقبل به كالسعوط اسم لما يسعط به * (وأنبتها نباتا حسنا) * عبارة عن حسن النشأ * (وكفلها زكريا) * أي ضمها إلى إنفاقه وحضانته والكافل هو الحاضن وكان زكريا زوج خالتها وقرئ كفلها بتشديد الفاء ونصب زكريا أي جعله الله كافلها * (المحراب) * في اللغة أشرف المجالس وبذلك سمي موضع الإمام ويقال إن زكريا بنى لها غرفة في المسجد وهي المحراب هنا وقيل المحراب موضع العبادة * (وجد عندها رزقا) * كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ويقال إنها لم ترضع ثديا قط وكان الله يرزقها * (أنى لك هذا) * إشارة إلى مكان أي كيف ومن أين * (إن الله يرزق) * يحتمل أن يكون من كلام مريم أو من كلام الله تعالى * (هنالك) * إشارة إلى مكان وقد يستعمل في الزمان وهو الأظهر هنا أي لما رأى زكريا كرامة الله تعالى لمريم سأل من الله الولد " فنادته
105

الملائكة) أنث رعاية للجماعة وقرئ بالألف على التذكير وقيل الذي ناداه جبريل وحده وإنما قيل الملائكة لقولهم فلان يركب الخيل أي جنس الخيل وإن كان فرسا واحدا * (يحيي) * اسم سماه الله تعالى به قبل أن يولد وهو اسم بالعبرانية صادف اشتقاقا وبناء في العربية وهو لا ينصرف فإن كان في الإعراب أعجميا ففيه التعريف
والعجمة وإن كان عربيا فالتعريف ووزن الفعل * (مصدقا بكلمة من الله) * أي مصدقا بعيسى عليه السلام مؤمنا به وسمي عيسى كلمة الله لأنه لم يوجد إلا بكلمة الله وحدها وهي قوله كن لا بسبب آخر وهو الوالد كسائر بني آدم * (وسيدا) * السيد الذي يسود قومه أي يفوقهم في الشرف والفضل * (وحصورا) * أي لا يأتي النساء فقيل خلقه الله كذلك وقيل كان يمسك نفسه وقيل الحصور الذي لا يأتي الذنوب * (أنى يكون لي غلام) * تعجب واستبعاد أن يكون له ولد مع شيخوخته وعقم امرأته ويقال كان له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون سنة فاستبعد ذلك في العادة مع علمه بقدرة الله تعالى على ذلك فسأله مع علمه بقدرة الله واستبعده لأنه نادر في العادة وقيل سأله وهو شاب وأجيب وهو شيخ ولذلك استبعده * (كذلك الله يفعل ما يشاء) * أي مثل هذه الفعلة العجيبة يفعل الله ما يشاء فالكاف لتشبيه أفعال الله العجيبة بهذه الفعلة والإشارة بذلك إلى هبة الولد لزكريا واسم الله مرفوع بالابتداء أو كذلك خبره فيجب وصله معه وقيل الخبر يفعل الله ما يشاء ويحتمل كذلك على هذا وجهين أحدهما أن يكون في موضع الحال من فاعل يفعل والآخر أن يكون في موضع خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر كذلك أو أنتما كذلك وعلى هذا يوقف على كذلك والأول أرجح لاتصال الكلام وارتباط قوله يفعل ما يشاء مع ما قبله ولأن له نظائر كثيرة في القرآن منها قوله كذلك أخذ ربك * (اجعل لي آية) * أي علامة على حمل المرأة * (آيتك ألا تكلم الناس) * أي علامتك أن لا تقدر على كلام الناس * (ثلاثة أيام) * بمنع لسانه عن ذلك مع إبقاء الكلام بذكر الله ولذلك قال واذكر ربك كثيرا وإنما حبس لسانه عن الكلام تلك المدة ليخلص فيها لذكر الله شكرا على استجابة دعائه ولا يشغل لسانه بغير الشكر والذكر * (إلا رمزا) * إشارة باليد أو بالرأس أو غيرهما فهو استثناء منقطع * (بالعشي) * من زوال الشمس إلى غروبها والإبكار من طلوع الفجر إلى الضحى * (وإذ قالت الملائكة) * اختلف هل المراد جبريل أو جمع من الملائكة والعامل في إذ مضمر * (اصطفاك) * أولا حين تقبلك من أمك * (وطهرك) * من كل عيب في خلق وخلق ودين * (واصطفاك على نساء العالمين) * يحتمل أن يكون هذا الاصطفاء مخصوصا بأن وهب لها عيسى من غير أب فيكون على نساء العالمين عاما أو يكون الاصطفاء عاما فيخص من نساء العالمين خديجة وفاطمة أو يكون المعنى على نساء
106

زمانها وقد قيل بتفضيلها على الإطلاق وقيل إنها كانت نبية لتكليم الملائكة لها * (اقنتي) * القنوت هنا بمعنى الطاعة والعبادة وقيل طول القيام في الصلاة وهو قول الأكثرين * (واسجدي واركعي) * أمرت بالصلاة فذكر القنوت والسجود لكونها من هيئة الصلاة وأركانها ثم قيل لها اركعي مع الراكعين بمعنى ولتكن صلاتك مع المصلين أو في الجماعة فلا يقتضي الكلام على هذا تقديم السجود على الركوع لأنه لم يرد الركوع والسجود المنضمين في ركعة واحدة وقيل أراد ذلك وقدم السجود لأن الواو لا ترتب ويحتمل أن تكون الصلاة في ملتهم بتقديم السجود على الركوع * (ذلك) * إشارة إلى ما تقدم من القصص وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم * (ما كنت لديهم) * احتجاجا على نبوته صلى الله عليه وسلم لكونه أخبر بهذه الأخبار وهو لم يحضر معهم * (يلقون أقلامهم) * أي أزلامهم وهي قداحهم وقيل الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة اقترعوا بها على كفالة مريم حرصا عليها وتنافسا في كفالتها وتدل الآية على جواز القرعة وقد ثبتت أيضا من السنة * (أيهم يكفل مريم) * مبتدأ وخبر في موضع نصب بفعل تقديره ينظرون أيهم * (يختصمون) * يختلفون فيمن يكفلها منهم * (إذ قالت الملائكة) * إذ بدل من إذ قالت أو من إذ يختصمون والعامل فيه مضمر * (اسمه) * أعاد الضمير المذكر على الكلمة لأن المسمى بها ذكر * (المسيح) * قيل هو مشتق من ساح في الأرض فوزنه مفعل وقال الأكثرون من مسح لأنه مسح بالبركة فوزنه فعيل وإنما قال عيسى ابن مريم والخطاب لمريم لينسبه إليها إعلاما بأنه يولد من غير والد * (وجيها) * نصب على الحال ووجاهته في الدنيا النبوة والتقديم على الناس وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة * (في المهد) * في موضع الحال * (وكهلا) * عطف عليه والمعنى أنه يكلم الناس صغيرا آية تدل على براءة أمه مما قذفها به اليهود وتدل على نبوته ويكلمهم أيضا كبيرا ففيه إعلام بعيشه إلى أن يبلغ سن الكهولة وأوله ثلاث وثلاثون سنة وقيل أربعون * (ويعلمه) * عطف على يبشرك أو ويكلم * (الكتاب) * هنا جنس وقيل الخط باليد والحكمة هنا العلوم الدينية أو الإصابة في القول والفعل * (ورسولا) * حال معطوف على وبعلمه إذ التقدير ومعلما الكتاب أو يضمر له فعل تقديره أرسل رسولا أو جاء رسولا * (إلى بني إسرائيل) * أي أرسل إليهم عيسى عليه السلام مبينا لحكم التوراة * (إني) * تقديره بأني * (أخلق) * بفتح الهمزة بدل من أني الأولى أو من آية وبكسرها ابتداء كلام * (فأنفخ فيه) * ذكر هنا الضمير لأنه يعود على الطين أو على الكاف من كهيئة وأنث في
107

المائدة لأنه يعود على الهيئة * (فيكون طيرا) * قيل إنه لم يخلق غير الخفاش وقرئ طيرا بياء ساكنة على الجمع وبالألف وهمزة على الإفراد ذكر بإذن الله رفعا لوهم من توهم في عيسى الربوبية * (وأبرئ) * روي أنه كان يجتمع إليه جماعة من العميان والبرصاء فيدعو لهم فيبرؤن * (وأحيي الموتى) * روي أنه كان يضرب بعصاه الميت أو القبر فيقوم الميت ويكلمه وروي أنه أحيى سام بن نوح * (وأنبئكم) * كان يقول يا فلان أكلت كذا وادخرت في بيتك كذا * (ومصدقا) * عطف على رسولا أو على موضع بآية من ربكم لأنه في موضع الحال وهو أحسن لأنه من جملة كلام عيسى فالتقدير جئتكم بآية من ربكم وجئتكم مصدقا * (ولأحل لكم) * عطف على بآية من ربكم وكانوا قد حرم عليهم الشحم ولحم الإبل وأشياء من الحيتان والطير فأحل لهم عيسى بعض ذلك * (إن الله ربي وربكم) * رد على من نسب الربوبية لعيسى وانتهى كلام عيسى عليه السلام إلى قوله * (صراط مستقيم) * وابتداؤه من قوله أني قد جئتكم وكل ذلك يحتمل أن يكون مما ذكرت الملائكة لمريم حكاية عن عيسى عليه السلام أنه سيقوله ويحتمل أن يكون خطاب مريم قد انقطع ثم استؤنف الكلام من قوله ورسولا على تقدير جاء عيسى رسولا بأني قد جئتكم بآية من ربكم ثم استمر كلامه إلى آخره * (فلما أحس عيسى) * أي علم علما ظاهرا كعلم ما يدرك بالحواس * (من أنصاري) * طلب للنصرة والأنصار جمع ناصر * (إلى الله) * تقديره من يضيف أنفسهم في نصرتي إلى الله فلذلك قيل إلى هنا بمعنى مع أو يتعلق بمحذوف تقديره ذاهبا أو ملتجئا إلى الله * (الحواريون) * حواري الرجل صفوته وخاصته ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وإن حواري الزبير وقيل إن الحواريين كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها ولذلك سماهم
الحواريين * (بما أنزلت) * يريدون الإنجيل والرسول هنا عيسى عليه السلام * (مع الشاهدين) * أي مع الذين يشهدون بالحق من الأمم وقيل مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم يشهدون على الناس * (ومكروا) * الضمير لكفار بني إسرائيل ومكرهم أنهم وكلوا بعيسى من يقتله غيلة * (ومكر الله) * أي رفع عيسى إلى السماء وألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل عوضا منه وعبر عن فعل الله بالمكر مشاكله لقوله مكروا * (والله خير الماكرين) * أي أقواهم وهو فاعل ذلك بحق والماكر من البشر فاعل بالباطل * (إذ قال الله) * العامل فيه فعل مضمر أو يمكر * (إني متوفيك) * قيل وفاة موت ثم أحياه الله في السماء وقيل رفع حيا ووفاة الموت بعد أن ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال وقيل يعني وفاة نوم وقيل المعنى قابضك من الأرض إلى السماء
108

* (ورافعك إلي) * أي إلى السماء * (ومطهرك) * أي من سوء جوارهم * (الذين اتبعوك) * هم المسلمون وعلوهم على الكفرة بالحجة وبالسيف في غالب الأمر وقيل الذين اتبعوك النصارى والذين كفروا اليهود فالآية مخبرة عن عزة النصارى على اليهود وإذلالهم لهم * (ذلك نتلوه) * إشارة إلى ما تقدم من الأخبار * (من الآيات) * المتلوات أو المعجزات * (الذكر) * القرآن * (الحكيم) * الناطق بالحكمة * (إن مثل عيسى) * الآية حجة على النصارى في قولهم كيف يكون ابن دون أب فمثله الله بآدم الذي خلقه الله دون أم ولا أب وذلك اغرب مما استبعدوه فهو أقطع لقولهم * (خلقه من تراب) * تفسير لحال آدم فيكون حكاية عن حال ماضية والأصل لو قال خلقه من تراب ثم قال له كن فكان لكنه وضع المضارع موضع الماضي ليصور في نفوس المخاطبين أن الأمر كأنه حاضر دائم * (الحق) * خبر مبتدأ مضمر * (فمن حاجك فيه) * أي في عيسى وكان الذي حاجه فيه وفد نجران من النصارى وكان لهم سيدان يقال لأحدهما السيد والآخر العاقب * (نبتهل) * نلتعن والبهلة اللعنة أي نقول لعنة الله على الكاذب منا ومنكم هذا أصل الابتهال ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن لعنة ولما نزلت الآية أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ودعا نصارى نجران إلى الملاعنة فخافوا أن يهلكهم الله أو يمسخهم الله قردة وخنازير فأبوا من الملاعنة وأعطوا الجزية * (قل يا أهل الكتاب) * خطاب لنصارى نجران وقيل اليهود * (سواء) * أي عدل ونصف " أن لا نعبد " بدل من كلمة أو رفع على تقدير هي ودعاهم صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله وترك ما عبدوه من دونه كالمسيح والأحبار والرهبان * (لم تحاجون في إبراهيم) * قالت اليهود كان إبراهيم يهوديا وقالت النصارى كان نصرانيا فنزلت الآية ردا عليهم لأن ملة اليهود والنصارى
109

إنما وقعت بعد موت إبراهيم بمدة طويلة * (ها أنتم) * ها تنبيه وقيل بدل من همزة الاستفهام وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره وحاججتم استئناف أو هؤلاء منصوب على التخصيص وحاججتم الخبر * (فيما لكم به علم) * فيما نطقت به التوراة والإنجيل * (فيما ليس لكم به علم) * ما تقدم على ذلك من حال إبراهيم * (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا) * ردا على اليهود والنصارى * (وما كان من المشركين) * نفي للاشتراك الذي هو عبادة الأوثان ودخل في ذلك الإشراك الذي يتضمن دين اليهود والنصارى * (وهذا النبي) * عطف على الذين اتبعوه أي محمد صلى الله عليه وسلم * (أولى الناس بإبراهيم) * لأنه على دينه * (والذين آمنوا) * أمة محمد صلى الله عليه وسلم * (ودت طائفة) * هم اليهود دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية * (وما يضلون إلا أنفسهم) * أي لا يعود وبال الإضلال إلا عليهم * (وأنتم تشهدون) * أي تعلمون أن محمد صلى الله عليه وسلم نبي * (لم تلبسون الحق) * أي تخلطون والحق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والباطل الكفر به * (آمنوا بالذي أنزل) * كان قوم من اليهود لعنهم الله أظهروا الإسلام أول النهار ثم كفروا آخره ليخدعوا المسلمين فيقولوا ما رجع هؤلاء إلا عن علم وقال السهيلي إن هذه الطائفة هم عبد الله بن الصيف وعدي بن زيد والحارث بن عوف * (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) * يحتمل أن يكون من تمام الكلام الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله متصلا بقوله إن الهدى هدى الله وأن يكون من كلام أهل الكتاب فيكون متصلا بقولهم ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ويكون إن الهدى اعتراضا بين الكلامين فعلى الأول يكون المعنى كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وقلتم ما قلتم ودبرتم ما دبرتم من الخداع فموضع أن يؤتى مفعول من أجله أو منصوب بفعل مضمر تقديره فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب والنبوة وعلى الثاني فيكون المعنى لا تؤمنوا أي لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم * (إلا لمن تبع دينكم) * واكتموا ذلك على من لم يتبع دينكم لئلا يدعوهم إلى الإسلام فموضع أن يؤتى مفعول بتؤمنوا المضمن معنى تقروا ويمكن أن يكون في موضع المفعول من أجله أي لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم * (أو يحاجوكم) * عطف على أن يؤتى وضمير الفاعل للمسلمين وضمير المفعول لليهود * (إن الفضل بيد الله) * رد على اليهود في قولهم لم يؤت أحدا مثل ما أوتي بنو إسرائيل من النبوة والشرف " ومن
110

أهل الكتاب) الآية إخبار أن أهل الكتاب على قسمين أمين وخائن وذكر القنطار مثالا للكثير فمن أداه أدى ما دونه وذكر الدنيا مثالا للقليل فمن منعه منع ما فوقه بطريق الأولى * (قائما) * يحتمل أن يكون من القيام الحقيقي بالجسد أو من القيام بالأمر وهو العزيمة عليه * (ذلك بأنهم) * الإشارة إلى خيانتهم والباء للتعليل * (ليس علينا) * زعموا بأن أموال الأميين وهم العرب حلال لهم * (الكذب) * هنا قولهم إن الله أحلها عليهم في التوراة أو كذبهم على الإطلاق * (بلي) * عليهم سبيل وتباعة في أموال الأميين * (بعهده) * الضمير يعود على من أو على الله * (إن الذين يشترون) * الآية قيل نزلت في اليهود لأنهم تركوا عهد الله في التوراة لأجل الدنيا وقيل نزلت بسبب خصومة بين الأشعث من قيس وآخر فأراد خصمه أن يحلف كاذبا * (وإن منهم) * الضمير عائد على أهل الكتاب * (يلوون ألسنتهم) * أي يحرفون اللفظ أو المعنى * (لتحسبوه) * الضمير يعود على ما دل عليه قوله يلوون ألسنتهم وهو الكلام المحرف * (ما كان لبشر) * الآية هذا النفي متسلط على * (ثم يقول للناس) * والمعنى لا يدعي الربوبية من آتاه الله النبوة والإشارة إلى عيسى عليه السلام رد على النصارى الذين قالوا إنه الله وقيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لأن اليهود قالوا له يا محمد تريد أن نعبدك كما عبدت النصارى عيسى فقال معاذ الله ما بذلك أمرت ولا إليه دعوت * (ربانيين) * جمع رباني وهو العالم وقيل الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره * (بما كنتم) * الباء سببية وما مصدرية * (تعلمون) * بالتخفيف تعرفون وقرئ بالتشديد من التعليم * (ولا يأمركم) * بالرفع استئناف
والفاعل الله أو البشر المذكور وقرئ بالنصب عطف على أن يؤتيه أو على ثم يقول والفاعل على هذا البشر " وإذ أخذ ميثاق الله النبيين " معنى الآية أن الله أخذ العهد والميثاق على كل نبي أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصره إن أدركه وتضمن ذلك أخذ هذا الميثاق على أمم الأنبياء واللام في قوله * (لما آتيتكم) * لام التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى الاستخلاف واللام في لتؤمنن
111

جواب القسم وما يحتمل أن تكون شرطية ولتؤمنن سد مسد جواب القسم والشرط وأن تكون موصولة بمعنى الذي آتيناكموه * (لتؤمنن به) * والضمير في به ولتنصرنه عائد على الرسول " أأقررتم " أي اعترفتم * (إصري) * عهدي * (فاشهدوا) * أي على أنفسكم وعلى أممكم بالتزام هذا العهد * (وأنا معكم) * تأكيد للعهد بشهادة رب العزة جل جلاله * (بعد ذلك) * أي من تولى عن الإيمان بهذا النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الميثاق فهو فاسق مرتد متمرد في كفره * (أفغير) * الهمزة للإنكار والفاء عطفت جملة على جملة وغير مفعول قدم للاهتمام به أو للحصر * (وله أسلم) * أي انقاد واستسلم * (طوعا وكرها) * مصدر صدر في موضع الحال والطوع للمؤمنين والكره للكافر إذا عاين الموت وقيل عند أخذ الميثاق المتقدم وقيل إقرار كل كافر بالصانع هو إسلامه كرها * (قل آمنا) * أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن نفسه وعن أمته بالإيمان * (وما أنزل علينا) * تعدى هنا بعلى مناسبة لقوله قل وفي البقرة بإلى لقوله قولوا لأن على حرف استعلاء يقتضي النزول من علو ونزوله على هذا المعنى مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم وإلى حرف غاية وهو موصل إلى جميع الأمة * (ومن يبتغ) * الآية إبطال لجميع الأديان غير الإسلام وقيل نسخت * (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى) * الآية * (كيف) * سؤال والمراد به هنا استبعاد الهدى * (قوما كفروا) * نزلت في الحرث بن سويد وغيره أسلموا ثم ارتدوا ولحقوا بالكفار ثم كتبوا إلى أهلهم هل لنا من توبة فنزلت الآية إلى قوله * (إلا الذين تابوا) * فرجعوا إلى الإسلام وقيل نزلت في اليهود والنصارى شهدوا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم كفروا به لما بعث وشهدوا عطف على إيمانهم لأن معناه بعد أن آمنوا وقيل الواو للحال وقال ابن عطية عطف على كفروا والواو لا ترتب * (والناس أجمعين) * عموم بمعنى الخصوص في المؤمنين أو على عمومه وتكون اللعنة في الآخرة * (خالدين فيها) * الضمير عائد على اللعنة وقيل على النار وإن لم تكن ذكرت لأن المعنى
112

يقتضيها * (ثم ازدادوا كفرا) * قيل هم اليهود كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا مؤمنين قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بعداوتهم له وطعنهم عليه وقيل هم الذين ارتدوا * (لن تقبل توبتهم) * قيل ذلك عبارة عن موتهم على الكفر أي ليس لهم توبة فتقبل وذلك في قوم بأعيانهم ختم الله لهم بالكفر وقيل لن تقبل توبتهم مع إقامتهم على الكفر فذلك عام * (فلن يقبل من أحدهم ملء) * جزم بالعذاب لكل من مات على الكفر والواو في قوله * (ولو افتدى به) * قيل زائدة وقيل للعطف على محذوف كأنه قال لن يقبل من أحدهم لو تصدق به * (ولو افتدى به) * وقيل نفي أولا القبول جملة على الوجوه كلها ثم خص الفدية بالنفي كقولك أنا لا أفعل كذا أصلا ولو رغبت إلى * (لن تنالوا البر) * أي لن تكونوا من الأبرار ولن تنالوا البر الكامل * (حتى تنفقوا مما تحبون) * من أموالكم ولما نزلت قال أبو طلحة إن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة وكان ابن عمر يتصدق بالسكر ويقول إني لأحبه * (كل الطعام) * الآية إخبار أن الأطعمة كانت حلالا لبني إسرائيل * (إلا ما حرم إسرائيل) * أبوهم * (على نفسه) * وهو لحم الإبل ولبنها ثم حرمت عليهم أنواع من الأطعمة كالشحوم وغيرها عقوبة لهم على معاصيهم وفيها رد عليهم في قولهم إنهم على ملة إبراهيم عليه السلام وأن الأشياء التي هي محرمة كانت محرمة على إبراهيم وفيها دليل على جواز النسخ ووقوعه لأن الله حرم عليهم تلك الأشياء بعد حلها خلافا لليهود في قولهم إن النسخ محال على هذه الأشياء وفيها معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم لإخباره بذلك من غير تعلم من أحد وسبب تحريم إسرائيل لحوم الإبل على نفسه أنه مرض فنذر إن شفاه الله أن يحرم أحب الطعام إليه شكرا لله وتقربا إليه ويؤخذ من ذلك أنه يجوز للأنبياء أن يحرموا على أنفسهم باجتهادهم * (فأتوا بالتوراة) * تعجيزا لليهود وإقامة حجة عليهم وروي أنهم لم يجسروا على إخراج التوراة * (فمن افترى) * أي من زعم بعد هذا البيان أن الشحم وغيره كان محرما على بني إسرائيل قبل نزول التوراة فهو الظالم المكابر بالباطل * (صدق الله) * أي الأمر كما وصف لا كما تكذبون أنتم ففيه تعريض بكذبهم * (فاتبعوا ملة إبراهيم) * إلزام لهم أن يسلموا كما ثبت أن ملة الإسلام هي ملة إبراهيم التي لم يحرم فيها شيء مما هو محرم عليهم * (إن أول بيت) * أي أول مسجد بني في الأرض وقد سأل أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم أي مسجد بني أول قال المسجد الحرام ثم بيت المقدس وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه المعنى أنه أول بيت وضع مباركا وهدى وقد كانت قبله بيوتا * (ببكة) * قيل هي مكة والباء بدل من الميم وقيل مكة الحرم كله وبكة المسجد وما حوله * (مباركا) *
113

نصب على الحال والعامل فيه على قول على وضع * (مباركا) * على أنه حال من الضمير الذي فيه وعلى القول الأول هو حال من الضمير المجرور والعامل فيه العامل المجرور من معنى الاستقرار * (فيه آيات بينات) * آيات البيت كثيرة منها الحجر الذي هو مقام إبراهيم وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت فكان كلما طال البناء ارتفع به الحجر في الهواء حتى أكمل البناء وغرقت قدم إبراهيم في الحجر كأنها في طين وذلك الأثر باق إلى اليوم ومنها أن الطيور لا تعلوه ومنها إهلاك أصحاب الفيل ورد الجبابرة عنه ونبع زمزم لهاجر أم إسماعيل بهمز جبريل بعقبه وحفر عبد المطلب بعدد ثورها وأن ماؤها ينفع لما شرب له إلى غير ذلك * (مقام إبراهيم) * قيل إنه بدل من الآيات أو عطف بيان وإنما جاز بدل الواحد من الجمع لأن المقام يحتوي على آيات كثيرة لدلالته على قدرة الله تعالى وعلى نبوة إبراهيم وغير ذلك وقيل الآيات مقام إبراهيم وأمن من دخله فعلى هذا يكون قوله ومن دخله عطفا وعلى الأول استئنافا وقيل التقدير منهن مقام إبراهيم فهو على هذا مبتدأ والمقام هو الحجر المذكور وقيل البيت كله وقيل مكة كلها * (كان آمنا) * أي آمنا من العذاب فإنه كان في الجاهلية إذا فعل أحد جريمة ثم لجأ إلى البيت لا يطلب ولا يعاقب فأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من الحدود ولا من القصاص وقال ابن عباس وأبو حنيفة ذلك الحكم باق في الإسلام إلا أن من وجب عليه حد أو قصاص فدخل الحرم لا
يطعم ولا يباع منه حتى يخرج وقيل آمنا من النار * (حج البيت) * بيان لوجوب الحج واختلف هل هو على الفور أو على التراخي وفي الآية رد على اليهود لما زعموا أنهم على ملة إبراهيم قيل لهم إن كنتم صادقين فحجوا البيت الذي بناه إبراهيم ودعا الناس إليه * (من استطاع) * بدل من الناس وقيل فاعل بالمصدر وهو حج وقيل شرط مبتدأ أي من استطاع فعليه الحج والاستطاعة عند مالك هي القدرة على لوصول إلى مكة بصحة البدن إما راجلا وإما راكبا مع الزاد المبلغ والطريق الآمن وقيل الاستطاعة الزاد والراحلة وهو مذهب الشافعي وعبد الملك بن حبيب وروي في ذلك حديث ضعيف * (ومن كفر) * قيل المعنى من لم يحج وعبر عنه بالكفر تغليظا كقوله صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة فقد كفر وقيل أراد اليهود لأنهم لا يحجون وقيل من زعم أن الحج ليس بواجب * (لم تكفرون) * توبيخ لليهود * (لم تصدون) * توبيخ أيضا وكانوا يمنعون الناس من الإسلام ويرومون فتنة المسلمين عن دينهم * (سبيل الله) * هنا الإسلام * (تبغونها عوجا) * الضمير يعود على السبيل أي تطلبون لها الاعوجاج * (وأنتم تشهدون) * أي تشهدون أن الإسلام حق * (إن تطيعوا فريقا) * الآية لفظها عام والخطاب للأوس والخزرج إذ كان اليهود يريدون فتنتهم " وكيف
114

تكفرون) إنكار واستبعاد * (حق تقاته) * قيل نسخها فاتقوا الله ما استطعتم وقيل لا نسخ إذ لا تعارض فإن العباد أمروا بالتقوى على الكمال فيما استطاعوا تحرزا من الإكراه وشبهه * (واعتصموا بحبل الله) * أي تمسكوا والحبل هنا مستعار من الحبل الذي تشد عليه اليد والمراد هنا القرآن وقيل الجماعة * (ولا تفرقوا) * نهي عن التدابر والتقاطع إذ قد كان الأوس هموا بالقتال مع الخزرج لما رام اليهود إيقاع الشر بينهم ويحتمل أن يكون نهيا عن التفرق في أصول الدين ولا يدخل في النهي الاختلاف في الفروع * (إذ كنتم أعداء) * كان بين الأوس والخزرج عداوة وحروب عظيمة إلى أن جمعهم الله بالإسلام * (شفا حفرة) * أي حرف حفرة وذلك تشبيه لما كانوا عليه من الكفر والعداوة التي تقودهم إلى النار * (ولتكن منكم أمة) * الآية دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب وقوله منكم دليل على أنه فرض كفاية لأن من للتبعيض وقيل إنها لبيان الجنس وأن المعنى كونوا أمة وتغيير المنكر يكون باليد واللسان وبالقلب على حسب الأحوال * (كالذين تفرقوا) * هم اليهود والنصارى نهى الله المسلمين أن يكونوا مثلهم وورد في الحديث أنه عليه السلام قال افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ومن تلك الواحدة قال من كان على ما أنا وأصحابي عليه * (يوم تبيض وجوه) * العامل فيه محذوف وقيل عذاب عظيم * (أكفرتم بعد إيمانكم) * أي يقال لهم أكفرتم والخطاب لمن ارتد عن الإسلام وقيل للخوارج وقيل لليهود لأنهم آمنوا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة في التوراة ثم كفروا به لما بعث * (كنتم خير أمة) * كان هنا هي التي تقتضي الدوام كقوله وكان الله غفورا رحيما وقيل كنتم في علم الله وقيل كنتم فيما وصفتم به في الكتب المتقدمة وقيل كنتم بمعنى
115

أنتم والخطاب لجميع المؤمنين وقيل للصحابة خاصة * (لن يضروكم إلا أذى) * أي بالكلام خاصة وهو أهون المضرة * (يولوكم الأدبار) * إخبار بغيب ظهر في الوجوه صدقة * (ثم لا ينصرون) * إخبار مستأنف غير معطوف على يولوكم وفائدة ذلك أن توليهم الأدبار مقيد بوقت القتال وعدم النصر على الإطلاق وعطفت الجملة على جملة الشرط والجزاء وثم لترتيب الأحوال لأن عدم نصرهم على الإطلاق أشد من توليهم الأدبار حين القتال * (إلا بحبل من الله) * الحبل هنا العهد والذمة * (ليسوا سواء) * أي ليس أهل الكتاب مستويين في دينهم * (أمة قائمة) * أي قائمة بالحق وذلك فيمن أسلم من اليهود كعبد الله بن سلام وثعلبة بن سعيد وأخيه أسد وغيرهم * (وهم يسجدون) * يدل أن تلاوتهم للكتاب في الصلاة " فلن تكفروه " أي لن تحرموا ثوابه * (مثل ما ينفقون) * الآية تشبيه لنفقة الكافرين بزرع أهلكته ريح باردة فلن ينتفع به أصحابه فكذلك لا ينتفع الكفار بما ينفقون وفي الكلام حذف تقديره مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح أو مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح وإنما احتيج لهذا لأن ما ينفقون ليس تشبيها بالريح إنما هو تشبيه بالزرع الذي أهلكته الريح * (صر) * أي برد * (حرث قوم ظلموا أنفسهم) * أي عصوا الله فعاقبهم بإهلاك حرثهم * (وما ظلمهم الله) * الضمير للكفار أو المنافقين أو لأصحاب الحرث والأول أرجح لأن قوله أنفسهم يظلمون فعل حال يدل على أنه للحاضرين * (بطانة من دونكم) * أي أولياء من غيركم فالمعنى نهي عن استخلاص الكفار وموالاتهم وقيل لعمر رضي الله عنه إن هنا رجلا من النصارى لا أحد أحسن خطا منه أفلا يكتب عنك قال إذا أتخذ بطانة من دون المؤمنين * (لا يألونكم خبالا) * أي لا يقصرون في إفسادكم والخبال الفساد * (ودوا ما عنتم) * أي تمنوا مضرتكم وما مصدرية وهذه
116

الجملة والتي قبلها صفة للبطانة أو استئناف * (وتؤمنون بالكتاب كله) * أي بكل كتاب أنزله الله واليهود لا يؤمنون بقرآنكم * (عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) * عبارة عن شدة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذه والأنامل جمع أنملة بضم الميم وفتحها * (موتوا بغيظكم) * تقريع وإغاظة وقيل دعاء * (إن تمسسكم حسنة) * الحسنة هنا الخيرات من النصر والرزق وغير ذلك والسيئة ضدها * (لا يضركم) * من الضير بمعنى الضر * (وإذ غدوت من أهلك) * نزلت في غزوة أحد وكان غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال صبيحة يوم السبت وخرج من المدينة يوم الجمعة بعد الصلاة وكان قد شاور أصحابه قبل الصلاة * (تبوئ المؤمنين) * تنزلهم وذلك يوم السبت حين حضر القتال وقيل ذلك يوم الجمنعة بعد الصلاة حين خرج من المدينة وذلك ضعيف لأنه لا يقال غدوت فيما بعد الزوال إلا على المجاز وقيل ذلك يوم الجمعة قبل الصلاة حين شاور الناس وذلك ضعيف لأنه لم يبوىء حينئذ مقاعد للقتال إلا أن يراد أنه بوأهم بالتدبير حين المشاورة * (مقاعد) * مواضع وهو جمع مقعد * (طائفتان منكم) * هم بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج لما رأوا كثرة المشركين وقلة المؤمنين هموا بالانصراف فعصمهم الله ونهضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم * (أن تفشلا) * الفشل في البدن هو الإعياء والفشل في الرأي هو العجز والحيرة وفساد العزم * (والله وليهما) * أي مثبتهما وقال جابر بن عبد الله ما وددنا أنها لم تنزل لقوله والله وليهما * (ولقد نصركم الله ببدر) * تذكير بنصر الله لهم يوم بدر لتقوى قلوبهم * (وأنتم أذلة) * الذلة هي قلة عددهم وضعف عددهم كانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ولم يكن لهم إلا فرس واحد وكان المشركون ما بين التسعمائة والألف وكان معهم مائة فرس فقتل من المشركين سبعون
وأسر منهم سبعون وانهزم سائرهم * (لعلكم تشكرون) * متعلق بنصركم أو باتقوا والأول أظهر * (إذ تقول للمؤمنين) * كان هذا القول يوم بدر وقيل يوم أحد فالعامل في إذ على الأول محذوف وعلى الثاني بدل من إذ غدوت * (ألن يكفيكم) * تقرير جوابه بلى وإنما جاوب المتكلم لصحة الأمر وبيانه كقوله قل " من رب السماوات والأرض قل الله " * (ويأتوكم من فورهم) * الضمير للمشركين والفور السرعة أي من ساعتهم وقيل المعنى من سفرهم * (بخمسة آلاف) * بأكثر من العدد الذي يكفيكم ليزيد ذلك في قوتكم فإن كان هذا يوم
117

بدر فقد قاتلت فيه الملائكة وإن كان يوم أحد فقد شرط في قوله إن تصبروا وتتقوا فلما خالفوا الشرط لم تنزل الملائكة * (مسومين) * بفتح الواو وكسرها أي معلمين أو معلمين أنفسهم أو خيلهم وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء إلا جبريل فإنه كانت عمامته صفراء وقيل كانت عمائمهم صفر وكانت خيلهم مجزوزة الأذناب وقيل كانوا على خيل بلق * (وما جعله) * الضمير عائد على الإنزال أو الإمداد * (ولتطمئن) * معطوف على بشرى لأن هذا الفعل بتأويل المصدر وقيل يتعلق بفعل مضمر يدل عليه جعله * (ليقطع) * يتعلق بقوله ولقد نصركم الله أو بقوله وما النصر " ليس لك من الأمر شيء " جملة اعتراضية بين المعطوفين ونزلت لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة على أحياء من العرب فترك الدعاء عليهم * (أو يتوب عليهم) * معناه يسلمون * (أضعافا مضاعفة) * كانوا يزيدون كل ما حل عاما بعد عام * (سارعوا) * بغير واو استئناف وبالواو عطف على ما تقدم * (إلى مغفرة) * أي إلى الأعمال متى تستحقون بها المغفرة * (عرضها) * قال ابن عباس تقرن السماوات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب فذلك عرض الجنة ولا يعلم طولها إلا الله وقيل ليس العرض هنا خلاف الطول وإنما المعنى سعتها كسعة السماوات والأرض * (في السراء والضراء) * في العسر واليسر * (وهم يعلمون) * حذف مفعولة وتقديره وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا * (قد خلت من قبلكم سنن) * خطاب للمؤمنين تأنيسا لهم وقيل للكافرين تخويفا لهم * (فانظروا) * من نظر العين عند الجمهور وقيل هو بالفكر * (ولا تهنوا) * تقوية لقلوب المؤمنين * (وأنتم الأعلون) * إخبار بعلو كلمة الإسلام * (إن يمسسكم قرح) * الآية معناها إن مسكم قتل أو جراح في أحد فقد مس الكفار مثله في بدر وقيل قد مس الكفار يوم أحد مثل ما مسكم فيه فإنهم
118

نالوا منكم ونلتم منهم وذلك تسلية للمؤمنين بالتأسي * (نداولها) * تسلية أيضا عما جرى يوم أحد * (وليعلم) * متعلق بمحذوف تقديره أصابكم ما أصابهم يوم أحد ليعلم والمعنى ليعلم ذلك علما ظاهرا لكم تقوم به الحجة * (شهداء) * من قتل من المسلمين يوم أحد * (وليمحص الله) * أي يظهر وقيل يميز وهو معطوف على ما تقدم من التعليلات لقصة أحد والمعنى أن إدالة الكفار على المسلمين إنما هي لتمحيص المؤمنين وأن نصر المؤمنين على الكفار إنما هو ليمحق الله الكافرين أي يهلكهم * (أم حسبتم) * أم هنا منقطعة مقدرة ببل والهمزة عند سيبويه وهذه الآية وما بعدها معاتبة لقوم من المؤمنين صدرت منهم أشياء يوم أحد * (تمنون الموت) * خوطب به قوم فاتتهم غزوة بدر فتمنوا حضور قتال الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم ليستدركوا ما فاتهم من الجهاد فعلى هذا إنما تمنوا الجهاد وهو سبب الموت وقيل إنما تمنوا الشهادة في سبيل الله * (وما محمد إلا رسول) * المعنى أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول كسائر الرسل قد بلغ الرسالة كما بلغوا فيجب عليكم التمسك بدينه في حياته وبعد موته وسببها أنه صرخ صارخ يوم أحد إن محمدا قد مات فتزلزل بعض الناس * (أفإن مات) * دخلت ألف التوبيخ على جملة الشرط والجزاء ودخلت الفاء لتربط الجملة الشرطية بالجملة التي قبلها والمعنى أن موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتله لا يقتضي انقلاب أصحابه على أعقابهم لأن شريعته قد تقررت وبراهينه قد صحت فعاتبهم على تقدير أن لو صدر منهم انقلاب لو مات صلى الله عليه وسلم أو قتل وقد علم أنه لا يقتل ولكن ذكر ذلك لما صرخ به صارخ ووقع في نفوسهم * (الشاكرين) * قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الثابتون على دينهم * (كتابا مؤجلا) * نصب على المصدر لأن المعنى كتب الموت كتابا وقال ابن عطية نصب على التمييز * (نؤته منها) * في ثواب الدنيا مقيد بالمشيئة بدليل قوله عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد * (وكأين من نبي قاتل) * الفعل مسند إلى ضمير النبي ومعه ربيون على هذا في موضع الحال وقيل إنه مسند إلى الربيين فيكون ربيون على هذا مفعولا لما لم يسم فاعله فعلى الأول يوقف على قوله قتل ويترجح الأول بما صرخ به الصارخ يوم أحد إن محمدا قد مات فضرب لهم المثل بنبي قتل ويترجح الثاني بأنه لم يقتل قط نبي في محاربة * (ربيون) * علماء مثل ربانيين وقيل جموع كثيرة " فما
119

وهنوا) الضمير لربيون على إسناد القتل للنبي وهو لم يق منهم على إسناد القتل إليهم * (وما استكانوا) * أي لم يذلوا للكفار قال بعض النحاة الاستكان مشتق من السكون ووزنه افتعلوا مطلت فتحة الكاف فحدث عن مطلها ألف وذلك كالإشباع وقيل إنه من كان يكون فوزنه استفعلوا وقوله تعالى فما وهنوا وما بعده تعريض لما صدر من بعض الناس يوم أحد * (وثبت أقدامنا) * أي في الحرب * (ثواب الدنيا) * النصر * (ثواب الآخر) * الجنة * (إن تطيعوا الذين كفروا) * هم المنافقون الذين قالوا في قضية أحد ما قالوا وقيل مشركوا قريش وقيل اليهود * (الرعب) * قيل ألقى الله الرعب في قلوب المشركين بأحد فرجعوا إلى مكة من غير سبب وقيل لما كانوا ببعض الطريق هموا بالرجوع ليستأصلوا المسلمين فألقى الله الرعب في قلوبهم فأمسكوا والآية تتناول جميع الكفار لقوله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب * (ولقد صدقكم الله وعده) * كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعد المسلمين عن الله بالنصر فنصرهم الله أولا وانهزم المشركون وقتل منهم اثنان وعشرون رجلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر الرماة أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا فلما رأوا المشركين قد انهزموا طمعوا في الغنيمة وأتبعوهم وخالفوا ما أمروا به من الثبوت في مكانهم فانقلبت الهزيمة على المسلمين * (إذ تحسونهم) * أي تقتلونهم قتلا ذريعا يعني في أول الأمر * (وتنازعتم) * وقع النزاع بين الرماة فثبت بعضهم كما أمروا ولم يثبت بعضهم * (وعصيتم) * أي خالفتم ما أمرتم به من الثبوت وجاءت المخاطبة في هذا لجميع المؤمنين وإن كان المخالف بعضهم وعظا للجميع وسترا على من فعل ذلك وجواب إذ محذوف تقديره لانهزمتم * (منكم من يريد الدنيا) * الذين حرصوا على الغنيمة معه * (ليبتليكم) * معناه لينزل بكم ما نزل من القتل والتمحيص * (ولقد عفا عنكم) * إعلام بأن الذنب كان يستحق أكثر مما نزل بهم لولا عفو الله عنهم فمعناه لقد أبقى عليكم وقيل هو عفو عن الذنب * (إذ تصعدون) *
العامل في إذ عفا فيوصل إذ تصعدون مع ما قبله ويحتمل أن يكون العامل فيه مضمر * (ولا تلوون) * مبالغة في صفة الانهزام * (والرسول يدعوكم) * كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إلي عباد الله وهم يفرون * (في أخراكم) * في سقايتكم وفيه مدح للنبي صلى الله عليه وسلم فإن الأخرى هي
120

موقف الأبطال * (فأثابكم) * أي جازاكم * (غما بغم) * قيل أثابكم غما بسبب الغم الذي أدخلتموه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين إذ عصيتم وتنازعتم قيل أثابكم غما متصلا بغم وأحد الغمين ما أصابهم من القتل والجراح والآخر ما أرجف به من قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم * (على ما فاتكم) * من النصر والغنيمة * (ولا ما أصابكم) * من القتل والجراح والانهزام * (أمنة نعاسا) * قال ابن مسعود نعسنا يوم أحد والنعاس في الحرب أمان من الله * (يغشى طائفة منكم) * هم المؤمنون المخلصون غشيهم النعاس تأمينا لهم * (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) * هم المنافقون كانوا خائفين من أن يرجع إليهم أبو سفيان والمشركون * (غير الحق) * معناه يظنون أن الإسلام ليس بحق وأن الله لا ينصرهم وظن الجاهلية بدل وهو على حذف الموصوف تقديره ظن المودة الجاهلية أو الفرقة الجاهلية " هل لنا من الأمر من شيء " قالها عبد الله بن أبي ابن سلول والمعنى ليس لنا رأي ولا يسمع قولنا أو لسنا على شيء من الأمر الحق فيكون قولهم على هذا كفرا * (يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك) * يحتمل أن يريد الأقوال التي قالوها أو الكفر " لو كان لنا من الأمر شيء " قاله معشب بن قشير ويحتمل من المعنى ما احتمل قول عبد الله بن أبي * (قل لو كنتم في بيوتكم) * الآية رد عليهم وإعلام بأن أجل كل إنسان إنما هو واحد وأن من لم يقتل يموت لأجله ولا يؤخر وأن من كتب عليه القتل لا ينجيه منه شيء * (وليبتلي) * يتعلق بفعل تقديره فعل بكم ذلك ليبتلي * (إن الذين تولوا) * الآية فيمن فر يوم أحد * (استزلهم) * أي طلب منهم أن يزلوا ويحتمل أن يكون معناه أزلهم أي أوقعهم في الزلل * (ببعض ما كسبوا) * أي كانت لهم ذنوب عاقبهم الله عليها بأن مكن الشيطان من استزلالهم " عفى الله عنهم " أي غفر لهم ما وقعوا فيه من الفرار * (لا تكونوا كالذين كفروا) * أي المنافقين * (لإخوانهم) * هي أخوة القرابة لأن المنافقين كانوا من الأوس والخزرج وكان أكثر المقتولين يوم أحد منهم ولم يقتل من المهاجرين إلا أربعة * (إذا ضربوا في الأرض) * أي سافروا وإنما قال إذا التي للاستقبال مع قالوا لأنه على حكاية الحال الماضية " أو كانوا غزا " جمع غاز وزنه فعل بضم الفاء وتشديد العين * (لو كانوا عندنا) * اعتقاد منهم فاسد لأنهم ظنوا أن إخوانهن لو كانوا عندهم لم يموتوا ولم يقتلوا وهذا
121

قول من لا يؤمن بالقدر والأجل المحتوم ويقرب منه مذهب المعتزلة في القول بالأجلين * (ليجعل) * متعلق بقالوا أي قالوا ذلك فكان حسرة في قلوبهم فاللام لام الصيرورة لبيان العاقبة (ذلك) إشارة إلى قولهم واعتقادهم الفاسد الذي أوجب لهم الحسرة لأن الذي يتيقن بالقدر والأجل تذهب عنه الحسرة * (والله يحيي ويميت) * رد على قولهم واعتقادهم * (ولئن قتلتم) * الآية إخبار أن مغفرة الله ورحمته لهم إذا قتلوا وماتوا في سبيل الله خير لهم مما يجمعون من الدنيا * (ولئن متم أو قتلتم) * الآية إخبار أن من مات أو قتل فإنه يحشر إلى الله * (فبما رحمة) * ما زائدة للتأكيد * (لانفضوا) * أي تفرقوا * (فاعف عنهم) * فيما يختص بك واستغفر لهم فيما يختص بحق الله * (وشاورهم) * المشاورة مأمور بها شرعا وإنما يشاور النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الرأي في الحروب وغيرها لا في الأحكام الشرعية وقال ابن عباس وشاورهم في بعض الأمر * (فإذا عزمت فتوكل على الله) * التوكل هو الاعتماد على الله في تحصيل المنافع أو حفظها بعد حصولها وفي دفع المضرات ورفعها بعد وقوعها وهو من أعلى المقامات لوجهين أحدهما قوله إن الله يحب المتوكلين والآخر الضمان الذي في قوله ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقد يكون واجبا لقوله تعالى وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين فجعله شرطا في الإيمان والظاهر قوله جل جلاله وعلى الله فليتوكل المؤمنون فإن الأمر محمول على الوجوب
واعلم أن الناس في التوكل على ثلاثة مراتب الأولى أن يعتمد العبد على ربه كاعتماد الإنسان على وكيله المأمون عنده الذي لا يشك في نصيحته له وقيامه بمصالحه والثانية أن يكون العبد مع ربه كالطفل مع أمه فإنه لا يعرف سواها ولا يلجأ إلا إليها والثالثة أن يكون العبد مع ربه كالميت بين يدي الغاسل قد أسلم نفسه إليه بالكلية فصاحب الدرجة الأولى له حظ من النظر لنفسه بخلاف صاحب الثانية وصاحب الثانية له حظ من المراد والاختبار بخلاف صاحب الثالثة وهذه الدرجات مبنية على التوحيد الخاص الذي تكلمنا عليه في قوله وإلهكم إله واحد فهي تقوى بقوته وتضعف بضعفه فإن قيل هل يشترط في التوكل ترك الأسباب أم لا فالجواب أن الأساب على ثلاثة أقسام أحدهما سبب معلوم قطعا قد أجراه الله تعالى فهذا لا يجوز تركه كالأكل لدفع الجوع واللباس لدفع البرد والثاني سبب مظنون كالتجارة وطلب المعاش وشبه ذلك فهذا لا يقدم فعله في التوكل لأن التوكل من أعمال القلب لا من أعمال البدن ويجوز تركه لمن قوي عليه والثالث سبب موهوم بعيد فهذا يقدم فعله في التوكل ثم إن فوق التوكل التفويض وهو الاستسلام لأمر الله تعالى بالكلية فإن المتوكل له مراد واختيار وهو يطلب مراده باعتماده على ربه وأما المفوض فليس له مراد ولا اختيار بل أسند المراد والاختيار إلى الله تعالى فهو أكمل أدبا مع الله تعالى " وما
122

كان لنبي أن يغل) هو من الغلول وهو أخذ الشيء خفية من المغانم وغيرها وقرئ بفتح الياء وضم الغين ومعناه تبرئة النبي صلى الله عليه وسلم من الغلول وسببها أنه فقدت من المغانم قطيفة حمراء فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها وقرئ بضم الياء وفتح الغين أي ليس لأحد أن يغل نبيا أي يخونه في المغانم وخص النبي بالذكر وإن كان ذلك محظورا من الأمر لشنعة الحال مع النبي لأن المعاصي تعظم بحضرته وقيل معنى هذه القراءة أن يوجد غالا كما تقول أحمدت الرجل إذا أصبته محمودا فعلى هذا القول يرجع معنى هذه القراءة إلى معنى فتح الياء * (ومن يغلل يأت بما غل) * وعيد لمن غل بأن يسوق يوم القيامة على رقبته الشيء الذي غل وقد جاء ذلك مفسرا في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير لاألفين أحدكم على رقبته فرس لاألفين أحدكم على رقبته رقاع لاألفين أحدكم على رقبته صامت لاألفين أحكم على رقبته إنسان فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك * (أفمن اتبع) * الآية فقيل إن الذي اتبع رضوان الله من لم يغلل والذي باء بالسخط من غل وقيل الذي اتبع الرضوان من استشهد بأحد والذي باء بالسخط المنافقون الذين رجعوا عن الغزو " وهم درجات " ذووا درجات والمعنى تفاوت بين منازل أهل الرضوان وأهل السخط أو التفاوت بين درجات أهل الرضوان فإن بعضهم فوق بعض فكذلك درجات أهل
السخط * (لقد من الله) * الآية إخبار بفضل الله على المؤمنين ببعث رسول الله صلى الله عليه وسلم * (من أنفسهم) * معناه في الجنس واللسان فكونه من جنسهم يوجب الأنس به وقلة الاستيحاش منه وكونه بلسانهم يوجب حسن ألفهم عنه ولكونه منهم يعرفون حسبه وصدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم ويكون هو صلى الله عليه وسلم أشفق عليهم وأرحم بهم من الأجنبيين * (أو لما أصابتكم مصيبة) * الآية عتاب للمسلمين على كلامهم فيمن أصيب منهم يوم أحد ودخلت ألف التوبيخ على واو العطف والجملة معطوفة على ما تقدم من قصة أحد أو على محذوف * (قد أصبتم مثليها) * قتل يوم أحد من المسلمين سبعون وكان قد قتل من المشركين يوم بدر سبعون وأسر سبعون * (قل هو من عند أنفسكم) * قيل معناه أنهم عوقبوا بالهزيمة لمخالفتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يقيم بالمدينة ولا يخرج إلى المشركين فأبوا إلا الخروج وقيل بل ذلك إشارة إلى عصيان الرماة حسبما تقدم * (يوم التقى الجمعان) * أي جمع المسلمين والمشركين يوم أحد * (وقيل لهم تعالوا) * الآية كان رأي
123

عبد الله بن أبي بن سلول أن لا يخرج المسلمون إلى المشركين فلما طلب الخروج قوم من المسلمين فخرج رسول الله غضب عبد الله وقال أطاعهم وعصانا فرجع ورجع معه ثلاثمائة رجل خمسين فمشى في أثرهم عبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري وقال لهم ارجعوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا فقال له عبد الله بن أبي ما أرى أن يكون فقال لو علمنا أنه يكون قتال لكنا معكم * (أو ادفعوا) * أي كثروا السواد وإن لم تقاتلوا * (الذين قالوا) * بدل من الذين نافقوا أو لإخوانهم في النسب لأنهم كانوا من الأوس والخزرج " قل فادرءوا " أي ادفعوا المعنى رد عليهم * (بل أحياء) * إعلام بأن حال الشهداء حال الأحياء من التمتع بأرزاق الجنة بخلاف سائر الأموات من المؤمنين فإنهم لا يتمتعون بالأرزاق حتى يدخلوا الجنة يوم القيامة * (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم) * المعنى أنهم يفرحون بإخوانهم الذين بقوا في الدنيا من بعدهم لأنهم يرجون أن يستشهدوا مثلهم فينالوا مثل ما نالوا من الشهادة * (ألا خوف) * في موضع المفعول أو بدل من الذين * (يستبشرون) * كرر ليذكر ما تعلق به من النعمة والفضل " للذين استجابوا " صفة للمؤمنين أو مبتدأ وخبره للذين أحسنوا الآية ونزلت في الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في اتباع المشركين بعد غزوة أحد فبلغ بهم إلى حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة وأقام بها ثلآثة أيام وكانوا قد أصابتهم جراحات وشدائد فتجلدوا وخرجوا فمدحهم الله بذلك * (الذين قال لهم الناس) * الآية لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد بعد أحد بلغ ذلك أبا سفيان فمر عليه ركب من عبد القيس يريدون المدينة بالميرة فجعل لهم حمل بعير من زبيب على أن يثبطوا المسلمين عن اتباع المشركين فخوفوهم بهم فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فخرجوا فالناس الأول ركب عبد القيس والناس الثاني مشركو قريش وقيل نادى أبو سفيان يوم أحد موعدنا ببدر في القابل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله فلما كان العام القابل خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر للميعاد فأرسل أبو سفيان نعيم ابن مسعود الأشجعي ليثبط المسلمين فعلى هذا الناس الأول نعيم وإنما قيل له الناس وهو واحد لأنه من جنس الناس كقولك ركبت الخيل إذا ركبت فرسا * (فزادهم) * الفاعل ضمير المفعول وهو إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم والصحيح أن الإيمان يزيد وينقص فمعناه هنا قوة يقينهم وثقتهم بالله " حسبنا
124

الله ونعم الوكيل) كلمة يدفع بها ما يخاف ويكره وهي التي قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار ومعنى حسبنا الله كافينا وحده فلا نخاف غيره ومعنى ونعم الوكيل ثناء على الله وأنه خير من يتوكل العبد عليه ويلجأ إليه * (فانقلبوا) * أي رجعوا بنعمة السلامة وفضل الأجر " واتبعوا رضوان الله بخروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذلكم الشيطان " المراد به هنا أبو سفيان أو نعيم الذي أرسله أبو سفيان أو إبليس وذلكم مبتدأ والشيطان خبره وما بعده مستأنف أو الشيطان نعت وما بعده خبر " يخوف أولياءه " أي يخوفكم أيها المؤمنون أولياءه وهم الكفار فالمفعول الأول محذوف ويدل عليه قوله فلا تخافونهم وقرأ ابن مسعود وابن عباس يخوفكم أولياءه وقيل المعنى يخوف المنافقين وهم أولياؤه من كفار قريش فالمفعول الثاني على هذا محذوف " ولا يحزنك " تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وقرئ بفتح الياء وضم الزاي حيث وقع مضارعا من حزن الثاني وهو أشهر في اللغة من أحزن " الذين يسارعون في الكفر " أي يبادرون إلى أقواله وأفعاله وهم المنافقون والكفار " إن الذين اشتروا " الآية هم المذكورون قبل أو على العموم في جميع الكفار " إنما نملي لهم خير " أي نمهلهم أن مفعول يحسبن وما اسم أن فحقها أن تكتب منفصلة وخير خبر إنما نملي لهم ما هنا كافة والمعنى رد عليهم أي أن الإملاء لهم ليس خيرا لهم إنما هو استدراج ليكتسبوا الإثم " ما كان الله ليذر المؤمنين " الآية خطاب للمؤمنين والمعنى ما كان الله ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين ولكنه ميز هؤلاء من هؤلاء بما ظهر في غزوة أحد من الأقوال والأفعال التي تدل على الإيمان أو على النفاق " وما كان الله ليطلعكم على الغيب " أي ما كان الله ليطلعكم على ما في القلوب من الإيمان والنفاق أو ما كان الله ليطلعكم على أنكم تغلبون أو تغلبون " ولكن الله يجتبي " أي يختار من رسله من يشاء فيطلعهم على ما شاء من غيبة " الذين يبخلون " يمنعون الزكاة وغيرها " هو خيرا " هو فضل وخيرا مفعول ثان والأول محذوف تقديره لا يحسبن البخل خيرا لهم " سيطوقون " أي يلزمون إثم ما بخلوا به وقيل يجعل ما بخلوا به حية يطوقها في عنقه يوم القيامة " لقد سمع الله " الآية لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قال بعض اليهود وهو
125

فنحاص أو حيي بن أخطب أو غيرهما إنما يستقرض الفقير من الغنى فالله فقير ونحن أغنياء فنزلت هذه الآية وكان ذلك القول منهم اعتراضا على القرآن أوجبه قلة فهمهم أو تحريفهم للمعاني فإن كانوا قالوه باعتقاد فهو كفر وإن قالوه بغير اعتقاد فهو استخفاف وعناد * (سنكتب ما قالوا) * أي تكتبه الملائكة في الصحف * (وقتلهم الأنبياء) * أي قتل آبائهم للأنبياء وأسند إليهم لأنهم راضون به ومتبعون لمن فعله من آبائهم * (الذين قالوا) * صفة للذين وليس صفة للعبيد * (حتى يأتينا بقربان) * كانوا إذا أرادوا أن يعرفوا قبول الله لصدقة أو غيرها جعلوه في مكان فتنزل نار من السماء فتحرقه وإن لم تنزل فليس بمقبول فزعموا أن الله جعل لهم ذلك علامة على صدق الرسل * (قل قد جاءكم رسل) * الآية رد عليهم بأن الرسل قد جاءتهم بمعجزات توجب الإيمان بهم وجاؤهم أيضا بالقربان الذي تأكله النار ومع ذلك كذبوهم وقتلوهم
فذلك يدل على أن كفرهم عناد فإنهم كذبوا في قولهم إن الله عهد إلينا * (فإن كذبوك فقد كذب) * الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بالتأسي بغيره * (فمن زحزح) * أي نحي وأبعد * (لتبلون) * الآية خطاب للمسلمين والبلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفي الأموال بالمصائب والإنفاق * (ولتسمعن) * الآية سببها قول اليهود إن الله فقير وسبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين * (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) * قال ابن عباس هي لليهود أخذ عليهم العهد في أمر محمد صلى الله عليه وسلم فكتموه وهي عامة في كل من علمه الله علما * (الذين يفرحون بما أتوا) * الآية قال ابن عباس نزلت في أهل الكتاب سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا إليه بذلك وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه وقال أبو سعيد الخدري نزلت في المنافقين كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله وإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم اعتذروا
126

إليه وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا * (فلا تحسبنهم) * بالتاء وفتح الباء خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وبالياء وضم الباء أسند الفعل للذين يفرحون أي لا يحسبون أنفسهم بمفازة من العذاب ومن قرأ تحسبن بالتاء فهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والذين يفرحون مفعول به وبمفازة المفعول الثاني وكرر فلا تحسبنهم للتأكيد ومن قرأ لا يحسبن بالياء من أسفل فإنه حذف المفعولين لدلالة مفعولي لا تحسبنهم عليهما * (واختلاف الليل والنهار) * ذكر في البقرة * (قياما وقعودا وعلى جنوبهم) * أي يذكرون الله على كل حال فكأن هذه الهيئات حصر لحال بني آدم وقيل إن ذلك في الصلاة يصلون قياما فإن لم يستطيعوا صلوا قعودا فإن لم يستطيعوا صلوا على جنوبهم * (ربنا) * أي يقولون ربنا ما خلقت هذا لغير فائدة بل خلقته وخلقت البشر لينظروا فيه فيعرفونك * (سمعنا مناديا) * هو النبي صلى الله عليه وسلم * (ما وعدتنا على رسلك) * أي على ألسنة رسلك * (من ذكر وأنثى) * من لبيان الجنس وقيل زائدة لتقدم النفي * (بعضكم من بعض) * النساء والرجال سواء في الأجور والخيرات * (وأخرجوا من ديارهم) * هم المهاجرون آذاهم المشركون بمكة حتى خرجوا منها * (ثوابا) * منصوبا على المصدرية * (لا يغرنك) * الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تظنوا أن حال الكفار في الدنيا دائمة فتهتموا لذلك وأنزل لا يغرنك منزلة لا يحزنك * (متاع قليل) * أي تقلبهم في الدنيا قليل بالنظر إلى ما فاتهم في الآخرة * (نزلا) * منصوب على الحال من جنات أو على المصدرية * (للأبرار) * جمع بار وبر ومعناه العاملون بالبر وهي غاية التقوى والعمل الصالح قال بعضهم الأبرار هم الذين لا يؤذون أحدا * (وإن من أهل الكتاب) * الآية قيل نزلت في النجاشي ملك الحبشة فإنه كان نصرانيا فأسلم وقيل في عبد الله بن سلام
127

وغيره ممن أسلم من اليهود * (لا يشترون) * مدح لهم وفيه تعريض لذم غيرهم ممن اشترى بآيات الله ثمنا قليلا * (وصابروا) * أي صابروا عدوكم في القتال * (ورابطوا) * أقيموا في الثغور مرابطين خيلكم مستعدين للجهاد وقيل هو مرابطة العبد فيما بينه وبين الله أي معاهدته على فعل الطاعة وترك المعصية والأول أظهر قال صلى الله عليه وسلم رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه وأما قوله في انتظار الصلاة فذلكم الرباط فهو تشبيه بالرباط في سبيل الله لعظم أجره والمرابط عند الفقهاء هو الذي يسكن الثغور فيرابط فيها وهي غير موطنه فأما سكانها دائما بأهلهم ومعايشهم فليسوا مرابطين ولكنهم حماة حكاه ابن عطية
سورة النساء
* (يا أيها الناس اتقوا ربكم) * خطاب على العموم وقد تكلمنا على التقوى في أول البقرة * (من نفس واحدة) * هو آدم عليه السلام * (زوجها) * هي حواء خلقت من ضلع آدم * (وبث) * نشر * (تساءلون به) * أي يقول بعضكم لبعض أسألك بالله أن تفعل كذا * (والأرحام) * بالنصب عطفا على اسم الله أي اتقوا الأرحام فلا تقطعوها أو على موضع الجار والمجرور وهو به لأن موضعه نصب وقريء بالخفض عطف على الضمير في به وهو ضعيف عند البصريين لأن الضمير المخفوض لا يعطف عليه إلا بإعادة الخافض * (إن الله كان عليكم رقيبا) * إذا تحقق العبد بهذه الآية وأمثالها استفاد مقام المراقبة وهو مقام شريف أصله علم وحال ثم يثمر حالين أما العلم فهو معرفة العبد لأن الله مطلع عليه ناظر إليه يرى جميع أعماله ويسمع جميع أقواله ويعلم كل ما يخطر على باله وأما الحال فهي ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه ولا يغفل عنه ولا يكفي العلم دون هذه الحال فإذا حصل العلم والحال كانت ثمرتها عند أصحاب اليمين الحياء من الله وهو يوجب بالضرورة ترك المعاصي والجد في الطاعات وكانت ثمرتها عند المقربين الشهادة التي توجب التعظيم والإجلال لذي الجلال وإلى هاتين الثمرتين أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فقوله أن تعبد الله كأنك تراه إشارة إلى الثمرة الثانية وهي المشاهدة الموجبة للتعظيم كمن يشاهد ملكا عظيما فإنه يعظمه إذ ذاك بالضرورة وقوله فإن لم تكن تراه فإنه يراك إشارة إلى الثمرة الأولى ومعناه إن لم تكن من أهل المشاهدة التي هي مقام المقربين فاعلم أنه يراك فكن من أهل الحياء الذي هو مقام أصحاب اليمين فلما فسر الإحسان
128

أول مرة بالمقام الأعلى رأى أن كثيرا من الناس قد يعجزون عنه فنزل عنه إلى المقام الآخر واعلم أن المراقبة لا تستقيم حتى تتقدم قبلها المشارطة والمرابطة وتتأخر عنها المحاسبة والمعاقبة فأما المشارطة فهي اشتراط العبد على نفسه بالتزام الطاعة وترك المعاصي وأما المرابطة فهي معاهدة العبد لربه على ذلك ثم بعد المشارطة والمرابطة أول الأمر تكون المراقبة إلى آخره وبعد ذلك يحاسب العبد نفسه على ما اشترطه وعاهد عليه فإن وجد نفسه قد أوفى بما عهد عليه الله حمد الله وإن وجد نفسه قد حل عقد المشارطة ونقص عهد المرابطة عاقب النفس عقابا بزجرها عن العودة إلى مثل ذلك ثم عاد إلى المشارطة والمرابطة وحافظ على المراقبة ثم اختبر بالمحاسبة فهكذا يكون حتى يلقى الله تعالى * (وآتوا اليتامى أموالهم) * خطاب للأوصياء وقيل للعرب الذين لا يورثون الصغير مع الكبير أمروا أن يورثوهم وعلى القول بأن الخطاب للأوصياء فالمراد أن يأتوا اليتامى من أموالهم ما يأكلون ويلبسون في حال صغرهم فيكون اليتيم على هذا حقيقة وقيل المراد دفع أموالهم إليهم إذا بلغوا فيكون اليتيم على هذا مجاز لأن اليتيم قد كبر * (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) * كان بعضهم يبدل الشاة السمينة من مال اليتيم بالمهزولة من ماله والدرهم الطيب بالزائف فنهوا
عن ذلك وقيل المعنى لا تأكلوا أموالهم وهو الخبيث وتدعوا مالكم وهو الطيب * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * المعنى نهى أن يأكلوا أموال اليتامى مجموعة إلى أموالهم وقيل نهى عن خلط أموالهم بأموال اليتامى ثم أباح ذلك بقوله وإن تخالطوهم فإخوانكم وإنما تعدى الفعل بإلى لأنه تضمن معنى الجمع والضم وقيل بمعنى مع * (حوبا) * أي ذنبا " فإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا " الآية قالت عائشة نزلت في أولياء اليتامى الذين يعجبهم جمال أوليائهم فيريدون أن يتزوجوهن ويبخسوهن في الصداق مكان ولايتهم عليهم فقيل لهم أقسطوا في مهورهن فمن خاف أن لا يقسط فليتزوج بما طاب له من الأجنبيات اللاتي يوفهن حقوقهن وقال ابن عباس إن العرب كانت تتحرج في أموال اليتامى ولا تتحرج في العدل بين النساء فنزلت الآية في ذلك أي كما تخافون أن لا تقسطوا في اليتامى كذلك خافوا النساء وقيل إن الرجل منهم كان يتزوج العشرة أو أكثر فإذا ضاق ماله أخذ من أمال اليتيم فقيل لهم إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فاقتصروا في النساء على ما طاب أي ما حل وإنما قال ما ولم يقل من لأنه أراد الجنس وقال الزمخشري لأن الإناث من العقلاء يجري مجرى غير العقلاء ومنه قوله وما ملكت أيمانكم * (مثنى وثلاث ورباع) * لا ينصرف للعدل والوصف وهي حال من ما طاب وقال ابن عطية بدل وهي عدوله عن إعداد مكرره ومعنى التكرار فيها أن الخطاب لجماعة فيجوز لكل واحد منهم أن ينكح ما أراد من تلك الأعداد فتكررت الأعداد بتكرار الناس والمعنى أنكحوا اثنتين أو ثلاث أو أربعا وفي ذلك منع لما كان في الجاهلية من تزوج ما زاد على الأربع وقال قوم لا يعبأ بقولهم إنه يجوز الجمع بين تسع لأن مثنى وثلاث ورباع يجمع فيه تسعة وهذا خطأ لأن المراد التخيير بين تلك الأعداد لا الجمع ولو أراد الجمع لقال تسع ولم يعدل عن ذلك إلى ما هو أطول منه وأقل بيانا وأيضا قد أنعقد الإجماع
129

على تحريم ما زاد على الرابعة * (فواحدة) * أي إن خفتم أن لا تعدلوا بين الاثنين أو الثلاث أو الأربع فاقتصروا على واحدة أو على ما ملكت أيمانكم من قليل أو كثير رغبة في العدول وانتصاب واحدة بفعل مضمر تقديره فانكحوا واحدة * (ذلك أدنى ألا تعولوا) * الإشارة إلى الاقتصار على الواحدة والمعنى أن ذلك أقرب إلى أن لا تعولوا ومعنى تعولوا تميلوا وقيل يكثر عيالكم * (وآتوا النساء صدقاتهن) * خطاب للأزواج وقيل للأولياء لأن بعضهم كان يأكل صداق وليته وقيل نهى عن الشغار * (نحلة) * أي عطية منكم لهن أو عطية من الله وقيل معنى نحلة أي شرعة وديانة وانتصابه على المصدر من معنى آتوهن أو على الحال من ضمير المخاطبين * (فإن طبن لكم) * الآية إباحة للأزواج والأولياء على ما تقدم من الخلاف أن يأخذوا ما دفعه النساء من صدقاتهن عن طيب أنفسهن والضمير في منه يعود على الصداق أو على الإيتاء * (هنيئا مريئا) * عبارة عن التحليل ومبالغة في الإباحة وهما صفتان من قولك هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغا لا تنغيص فيه وهما وصف للمصدر أي أكلا هنيا أو حال من ضمير الفاعل وقيل يوقف على فكلوه ويبدأ هنيئا مريئا على الدعاء * (ولا تؤتوا السفهاء) * قيل هم أولاد الرجل وامرأته أي لا تؤتوهم أموالكم للتبذير وقيل السفهاء المحجورون وأموالكم أموال المحجورين وأضافها إلى المخاطبين لأنهم ناظرون عليها وتحت أيديهم * (قياما) * جمع قيمة وقيل بمعنى قياما بألف أي تقوم بها معايشكم * (وارزقوهم فيها واكسوهم) * قيل إنها فيمن تلزم الرجل نفقته من زوجته وأولاده وقيل في المحجورين يرزقون ويكسون من أموالهم * (وقولوا لهم قولا معروفا) * أي ادعوا لهم بخير أو عدوهم وعدا جميلا أي إن شئتم دفعنا لكم أموالكم * (وابتلوا اليتامى) * أي اختبروا رشدهم * (بلغوا النكاح) * بلغوا مبلغ الرجال * (فإن آنستم منهم رشدا) * الرشد هو المعرفة بمصالحه وتدبير ماله وإن لم يكن من أهل الدين واشترط قوم الدين واعتبر مالك البلوغ والرشد وحينئذ يدفع المال واعتبر أبو حنيفة البلوغ وحده ما لم يظهر سفه وقوله مخالف للقرآن * (وبدارا أن يكبروا) * ومعناه مبادرة لكبرهم أي أن الوصي يستغنم أكل مال اليتيم قبل أن يكبرو موضع أن يكبروا نصب على المفعولية ببدارا أو على المفعول من أجله تقديره مخافة أن يكبروا * (فليستعفف) * أمر الوصي الغنى أن يستعفف عن مال اليتيم ولا يأكل منه شيئا * (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) * قال عمر بن الخطاب المعنى أن يستسلف الوصي الفقير من مال اليتيم فإذا أيسر رده وقيل المراد أن يكون له أجرة بقدر عمله وخدمته ومعنى بالمعروف من غير إسراف وقيل نسختها إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما * (فأشهدوا عليهم) * أمر بالتحرز والحرز فهو
130

ندب وقيل فرض * (للرجال نصيب) * الآية سببها أن بعض العرب كانوا لا يورثون النساء فنزلت الآية ليرث الرجال النساء * (نصيبا مفروضا) * منصوب انتصاب المصدر المؤكد لقوله فريضة من الله وقال الزمخشري منصوب على التخصيص أعني بمعنى نصيبا * (وإذا حضر القسمة) * الآية خطاب للوارثين أمروا أن يتصدقوا من الميراث على قرابتهم وعلى اليتامى وعلى المساكين فقيل إن ذلك على الوجوب وقيل على الندب وهو الصحيح وقيل نسخ بآية المواريث * (وليخش الذين) * الآية معناها الأمر لأولياء اليتامى أن يحسنوا إليهم في نظير أموالهم فيخافوا الله على أيتامهم كخوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا ويقدروا ذلك في أنفسهم حتى لا يفعلوا خلاف الشفقة والرحمة وقيل الذين يجلسون إلى المريض فيأمروه أن يتصدق بماله حتى يجحف بورثته فأمروا أن يخشوا على الورثة كما يخشوا على أولادهم وحذف مفعول وليخش وخافوا جواب لو * (قولا سديدا) * على القول الأول ملاطفة الوصي لليتيم بالكلام الحسن وعلى القول الثاني أن يقول للموروث لا تسرف في وصيتك وأرفق بورثتك * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * قيل نزلت في الذين لا يورثون الإناث وقيل في الأوصياء ولفظها عام في كل من أكل مال اليتيم بغير حق * (إنما يأكلون في بطونهم نارا) * أي أكلهم لمال اليتامى يؤول إلى دخولهم النار وقيل يأكلون النار في جهنم * (يوصيكم الله في أولادكم) * هذه الآية نزلت بسبب بنات سعد بن الربيع وقيل بسبب جابر بن عبد الله إذ عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ورفعت ما كان في الجاهلية من توريث النساء والأطفال وقيل نسخت الوصية للوالدين والأقربين وإنما قال يوصيكم بلفظ الفعل الدائم ولم يقل أوصاكم تنبيها على ما مضى والشروع في حكم آخر وإنما قال يوصيكم الله بالاسم الظاهر ولم يقل يوصيكم لأنه أراد تعظيم الوصية فجاء بالاسم الذي هو أعظم الأسماء وإنما قال في أولادكم ولم يقل في أبنائكم لأن الابن يقع على الابن من الرضاعة وعلى ابن البنت وعلى ابن المتبنى وليسوا من الورثة * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * هذا بيان للوصية المذكورة فإن قيل هلا قال للأنثيين مثل حظ الذكر أو للأنثى نصف حظ الذكر فالجواب أنه بدأ بالذكر لفضله ولأن القصد ذكر حظه ولو قال للأنثيين مثل حظ الذكر لكان فيه تفضيل للإناث * (فإن كن نساء) * إنما أنت ضمير الجماعة في كن لأنه
قصد الإناث وأصله أن يعود على الأولاد لأنه يشمل الذكور والإناث وقيل يعود على المتروكات وأجاز الزمخشري أن تكون كان تامة والضمير مبهم ونساء تفسير * (فوق اثنتين) * ظاهره أكثر من اثنتين ولذلك أجمع على أن للثلاث فما فوقهن الثلثان وأما البنتان فاختلف فيهما فقال ابن عباس لهما النصف كالبنت
131

الواحدة وقال الجمهور الثلثان وتأولوا فوق اثنتين أن المراد اثنتان فما فوقهما وقال قوم إن فوق زائدة كقوله فاضربوا فوق الأعناق وهذا ضعيف وقال قوم إنما وجب لهما الثلثان بالسنة لا بالقرآن وقيل بالقياس على الأختين * (وإن كانت واحدة) * بالرفع فاعل وكان تامة وبالنصب خبر كان وقوله تعالى فلهما النصف نص على أن للبنت النصف إذا انفردت ودليل على أن للابن جميع المال إذا انفرد لأن للذكر مثل حظ الأنثيين * (إن كان له ولد) * الولد يقع على الذكر والأنثى والواحد والاثنين والجماعة سواء كان للصلب أو ولد ابن وكلهم يرد الأبوين إلى السدس * (وورثه أبواه فلأمه الثلث) * لم يجعل الله للأم الثلث إلا بشرطين أحدهما عدم الولد والآخر إحاطة الأبوين بالميراث ولذلك دخلت الواو لعطف أحد الشرطين على الآخر وسكت عن حظ الأب استغناء بمفهومه لأنه لا يبقى بعد الثلث إلا الثلثان ولا وارث إلا الأبوان فاقتضى ذلك أن الأب يأخذ بقية المال وهو الثلثان * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * أجمع العلماء على أن ثلاثة من الإخوة يردون الأم إلى السدس واختلفوا في الاثنين فذهب الجمهور أنهما يردانها إلى السدس ومذهب ابن عباس أنهما لا يردانها إليه بل هما كالأخ الواحد وحجته أن لفظ الإخوة لا يقع على الاثنين لأنه جمع لا تثنية وأقل الجمع ثلاثة وقال غيره أن لفظ الجمع قد يقع على الاثنين كقوله وكنا لحكمهم شاهدين وتسوروا المحراب وأطراف النهار واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم الاثنان فما فوقهما جماعة وقال مالك مضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعدا ومذهبه أن أقل الجمع اثنان فعلى هذا يحجب الأبوان من الثلث إلى السدس سواء كانا شقيقين أو لأب أو لأم أو مختلفين وسواء كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكر أو أنثى فإن كان معهما أب ورث بقية المال ولم يكن للإخوة شيء عند الجمهور فهم يحجبون الأم ولا يرثون وقال قوم يأخذون السدس الذي حجبوه عن الأم وإن لم يكن أب ورثوا * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * قوله من بعد يتعلق بالاستقرار المضمر في قوله فلهن ثلثا ما ترك أي استقر لهن الثلثان من بعد وصية ويمتنع أن يتعلق بترك وفاعل يوصي الميت وإنما قدمت الوصية على الدين والدين مقدم عليها في الشريعة اهتماما بها وتأكيدا للأمر بها ولئلا يتهاون بها وأخر الدين لأن صاحبه يتقاضاه فلا يحتاج إلى تأكيد في الأمر بإخراجه وتخرج الوصية من الثلث والدين من رأس المال بعد الكفن وإنما ذكر الوصية والدين نكرتين ليدل على أنهما قد يكونان وقد لا يكونان فدل ذلك على وجوب الوصية * (أقرب لكم نفعا) * قيل بالإنفاق إذا احتيج إليه وقيل بالشفاعة في الآخرة ويحتمل أن يريد نفعا بالميراث من ماله وهو ألبق بسياق الكلام * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * الآية خطاب للرجال وأجمع العلماء على ما تضمنته هذه الآية من ميراث الزوج والزوجة وأن ميراث الزوجة تنفرد به إن كانت واحدة ويقسم بينهن إن كن أكثر من واحدة ولا ينقص عن ميراث الزوج والزوجة وسائر السهام إلا ما نقصه العول على مذهب جمهور العلماء خلافا لابن عباس
132

فإنه لا يقول بالعول فإن قيل لم كرر قوله من بعد وصية مع ميراث الزوج وميراث الزوجة ولم يذكره قبل ذلك إلا مرة واحدة في ميراث الأولاد والأبوين فالجواب أن الموروث في ميراث الزوج هو الزوجة والموروث في ميراث الزوجة هو الزوج وكل واحدة قضية على انفرادها فلذلك ذكر ذلك مع كل واحدة بخلاف الأولى فإن الموروث فيها واحد ذكر حكم ما يرث منه أولاده وأبواه وهي قضية واحدة فلذلك قال فيها من بعد وصية مرة واحدة * (وإن كان رجل يورث كلالة) * الكلالة هي انقطاع عمود النسب وهو خلو الميت عن ولد ووالد ويحتمل أن تطلق هنا على الميت الموروث أو على الورثة أو على القرابة أو على المال بأن كانت على الميت فإعرابها خبر كان ويورث في موضع الصفة أو يورث خبر كان وكلالة حال من الضمير في يورث أو تكون كان تامة ويورث في موضع الصفة وكلالة حال من الضمير وإن كانت المورثة فهي مصدر في موضع الحال وإن كانت للقرابة فهي مفعول من أجله وإن كانت للمال فهي مفعول ليورث وكل وجه من هذه الوجوه على أن تكون كان تامة ويورث في موضع الصفة وأن تكون ناقصة ويورث خبرها * (وله أخ أو أخت) * المراد هنا الأخ للأم والأخت للأم بإجماع وقرأ سعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت لأمه وذلك تفسير للمعنى " فكل واحد منهما السدس " إذا كان الأخ للأم واحد فله السدس وكذلك إذا كانت الأخت للأم واحدة * (فهم شركاء في الثلث) * إذا كان الإخوة للأم اثنين فصاعدا فلهما الثلث بالسواء بين الذكر والأنثى لأن قوله شركاء يقتضي التسوية بينهم ولا خلاف في ذلك * (غير مضار) * منصوب على الحال والعامل فيه يوصي ومضار اسم فاعل قال ابن عباس الضرار في الوصية من الكبائر ووجوه المضار كثيرة منها الوصية لوارث والوصية بأكثر من الثلث أو بالثلث فرارا عن وارث محتاج فإن علم أنه قصد بوصيته الإضرار رد ما زاد على الثلث اتفاقا واختلف هل يرد الثلث على قولين في المذهب والمشهور أنه ينفذ * (وصية من الله) * مصدر مؤكد لقوله يوصيكم الله ويجوز أن ينتصب بغير مصدر * (تلك حدود الله) * إشارة إلى ما تقدم من المواريث وغيرها * (ومن يعص الله ورسوله) * الآية تعلق بها المعتزلة في قولهم إن العصاة من المؤمنين يخلدون في النار وتأولها الأشعرية على أنها في الكفار * (يأتين الفاحشة) * هي هنا الزنا * (من نسائكم) * أو من المسلمات لأن المسلمة تحد حد الزنا
133

وأما الكافر أو الكافرة فاختلف هل يحد أو يعاقب * (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) * قيل إنما جعل شهداء الزنا أربعة تغليظا على المدعي وسترا على العباد وقيل ليكون شاهدان على كل واحد من الزانيين * (فأمسكوهن في البيوت) * كانت عقوبة الزنا الإمساك في البيوت ثم نسخ ذلك بالأذى المذكور بعد هذا وهو السب والتوبيخ وقيل الإمساك للنساء والأذى للرجال فلا نسخ بينهما ورجحه ابن عطية بقوله في الإمساك من نسائكم وفي الأذى منكم ثم سنخ الإمساك والأذى بالرجم للمحصن وبالجلد لغير المحصن واستقر الأمر على ذلك وأما الجلد فمذكور في سورة النور وأما الرجم فقد كان في القرآن ثم نسخ لفظه وبقي حكمه وقد رجم صلى الله عليه وسلم ماعز الأسلمي وغيره * (فأعرضوا عنهما) * لما أمر بالأذى للزاني أمر بالإعراض عنه إذا تاب وهو ترك الأذى * (إنما التوبة على الله) * أي إنما يقبل الله توبة من كان على هذه الصفة وإذا تاب العبد توبة صحيحة بشروطها فيقطع بقبول الله لتوبته عند جمهور العلماء وقال أبو المعالي يغلب ذلك على الظن ولا يقطع به * (يعملون السوء
بجهالة) * أي بسفاهة وقلة تحصيل أداة إلى المعصية وليس المعنى أنه يجهل أن ذلك الفعل يكون معصية قال أبو العالية أجمع الصحابة على أن كل معصية فهي بجهالة سواء كانت عمدا أو جهلا * (ثم يتوبون من قريب) * قيل قبل المرض والموت وقيل قبل السياق ومعاينة الملائكة وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر * (وليست التوبة) * الآية في الذين يصرون على الذنوب إلى حين لا تقبل التوبة وهو معاينة الموت فان كانوا كفارا فهم مخلدون في النار بإجماع وإن كانوا مسلمين فهم في مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم فقوله اعتدنا لهم عذابا أليما ثابت في حق الكفار ومنسوخ في حق العصاة من المسلمين بقوله إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فعذابهم مقيد بالمشيئة * (لا يحل لكم أن ترثوا النساء) * قال ابن عباس كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاؤوا تزوجها أحدهم وإن شاؤوا زوجوها من غيرهم وإن شاؤوا منعوها التزوج فنزلت الآية في ذلك فمعنى الآية على هذا لا يحل لكم أن تجعلوا النساء يورثن عن الرجال كما يورث المال وقيل الخطاب للأزواج الذين يمسكون المرأة في العصمة ليرثوا مالها من غير غبطة بها وقيل الخطاب للأولياء الذين يمنعون ولياتهم من التزوج ليرثوهن دون الزوج * (ولا تعضلوهن) * معطوف على أن ترثوا أو نهي والعضل المنع قال ابن عباس هي أيضا في أولياء الزوج الذين يمنعون زوجته من التزوج بعد موته إلا أن قوله ما آتيتموهن على هذا معناه
134

ما آتاها الرجل الذي مات وقال ابن عباس هي في الأزواج الذين يمسكون المرأة ويسيئون عشرتها حتى تفتدي بصداقها وهو ظاهر اللفظ في قوله ما آتيتموهن ويقويه قوله وعاشروهن بالمعروف فإن الأظهر فيه أن يكون في الأزواج وقد يكون في غيرهم وقيل هي للأولياء * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * قيل الفاحشة هنا الزنا وقيل نشوز المرأة وبغضها في زوجها فإذا نشزت جاز له أن يأخذ ما آتاها من صداق أو غير ذلك من مالها وهذا جائز على مذهب مالك في الخلع إذا كان الضرر من المرأة والزنا أصعب على الزوج من النشوز فيجوز له أخذ الفدية * (فإن كرهتموهن) * الآية معناها إن كرهتم النساء لوجه فاصبروا عليه فعسى أن يجعل الله الخير في وجه آخر وقيل الخير الكثير الولد والأحسن العموم وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا يترك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي آخر * (وإن أردتم استبدال زوج) * الآية معناها المنع من أن يأخذ الرجل من المرأة فدية على الطلاق إن أراد أن يبدلها بأخرى وعلى هذا جرى مذهب مالك وغيره في المنع من الفدية إذا كان الضرر وأرادت الفراق من الزوج فقال قوم إن هذه الآية منسوخة بقوله في البقرة فلا جناح عليهما فيما افتدت به وقال قوم هي ناسخة والصحيح أنها غير ناسخة ولا منسوخة فإن جواز الفدية على وجه ومنعها على وجه فلا تعارض ولا نسخ * (قنطارا) * مثال على جهة المبالغة في الكثرة وقد استدلت به المرأة على جواز المغالاة في المهور حين نهى عمر بن الخطاب عن ذلك فقال عمر رضي الله عنه امرأة أصابت ورجل أخطأ كل الناس أفقه منك يا عمر * (أفضى بعضكم إلى بعض) * كناية عن الجماع * (ميثاقا غليظا) * قيل عقدة النكاح) وقيل قوله فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقيل الأمر بحسن العشرة * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * كان بعض العرب يتزوج امرأة أبيه بعده فنزلت الآية تحريما لذلك فكل امرأة تزوجها رجل حرمت على أولاده ما سفلوا سواء دخل بها أو لم يدخل فالنكاح في الآية بمعنى العقد وما نكح يعني النساء وإنما أطلق عليهن ما وإن كن ممن يعقل لأن المراد الجنس فإن زنى رجل بامرأة فاختلف هل يحرم تزوجها على أولاده أم لا فحرمه أبو حنيفة وأجازه الشافعي وفي المذهب قولان واحتج من حرمه بهذه الآية وحمل النكاح فيها على الوطء وقال من أجازه إن الآية لا تتناوله إذ النكاح فيها بمعنى العقد * (إلا ما قد سلف) * أي إلا ما فعلتم في الجاهلية من ذلك وانقطع بالإسلام فقد عفى عنه فلا تؤاخذون به ويدل على هذا قوله إن الله كان غفورا رحيما بعد قوله إلا ما قد سلف في المرأة الأخرى في الجمع بين الأختين قال ابن عباس كانت العرب تحرم كل ما حرمته الشريعة إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين وقيل المعنى إلا ما قد سلف فأنكحوه إن أمكنكم وذلك غير ممكن فالمعنى المبالغة في التحريم * (إنه كان فاحشة ومقتا) * كان في هذه الآية تقتضي الدوام كقوله إن الله كان غفورا رحيما وشبه ذلك وقال
135

المبرد هي زائدة وذلك خطأ لوجود خبرها منصوبا وزاد هذا المقت على ما وصف من الزنا في قوله تعالى إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا دلالة على أن هذا أقبح من الزنا * (حرمت عليكم) * الآية معناها تحريم ما ذكر من النساء والنساء المحرمات على التأييد ثلاثة أصناف بالنسب وبالرضاع وبالمصاهرة فأما النسب فيحرم به سبعة أصناف وهي المذكورة في هذه الآية وضابطها أنه يحرم على الرجل فصوله ما سفلت وأصوله ما علت وفصول أبويه ما سفلت وأول فصل من كل أصل متقدم على أبويه * (أمهاتكم) * يدخل فيه الوالدة والجدة من قبل الأم والأب ما علون * (وبناتكم) * يدخل فيه البنت وبنت الابن وبنت البنت ما سفلن * (وأخواتكم) * يدخل فيه الأخت الشقيقة أو لأب أو لأم * (وعماتكم) * يدخل فيه أخت الوالد وأخت الجد ما علا سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم * (وخالاتكم) * يدخل فيه أخت الأم وأخت الجد ما علت سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم * (وبنات الأخ) * يدخل فيه كل من تناسل من الأخ الشقيق أو لأب أو لأم * (وبنات الأخت) * يدخل فيه كل ما تناسل من الأخت الشقيقة أو لأب أو لأم * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * ذكر تعالى صنفين من الرضاعة وهم الأم والأخت وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فاقتضى ذلك تحريم الأصناف السبعة التي تحرم من النسب وهي الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت وتفصيل ذلك يطول وفي الرضاع مسائل لم نذكرها لأنها ليس لها تعلق بألفاظ الآية * (وأمهات نسائكم) * المحرمات بالمصاهرة أربع وهن زوجة الأب وزوجة الابن وأم الزوجة وبنت الزوجة فأما الثلاث الأول فتحرم بالعقد دخل بها أم لم يدخل بها وأما بنت الزوجة فلا تحرم إلا بعد الدخول بأمها فإن وطئها حرمت عليه بنتها بالإجماع وإن تلذذ بها بما دون الوطء فحرمها مالك والجمهور وإن عقد عليها ولم يدخل بها لم تحرم بنتها إجماعا وتحرم هذه الأربع بالرضاع كما تحرم بالنسب * (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم) * الربيبة هي بنت امرأة الرجل من غيره سميت بذلك لأنه يربيها فلفظها فعيلة بمعنى مفعولة وقوله اللاتي في حجوركم على غالب الأمر إذ الأكثر أن تكون الربيبة في حجر زوج أمها وهي محرمة سواء كانت في حجره أم لا هذا عند الجمهور من العلماء إلا ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أجاز نكاحها إن لم تكن في حجره * (اللاتي دخلتم بهن) * اشترط الدخول في تحريم بنت الزوجة ولم يشترط في غيرها وعلى ذلك جمهور العلماء
إلا ما روي عن علي بن أبي طالب أنه اشترط الدخول في تحريم الجميع وقد انعقد الإجماع بعد ذلك * (وحلائل أبنائكم) * الحلائل جمع حليلة وهي الزوجة * (الذين من أصلابكم) * تخصيص ليخرج عنه زوجة الابن يتبناه الرجل وهو أجنبي عنه كتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش امرأة زيد بن حارثة الكلبي الذي كان يقال له زيد ابن محمد صلى الله عليه وسلم * (وأن تجمعوا بين الأختين) * يقتضي تحريم الجمع بين الأختين سواء كانتا شقيقتين أو لأب أو لأم وذلك
136

في الزوجتين وأما الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطء فمنعه مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم ورأوا أنه داخل في عموم لفظ الأختين وأجازه الظاهرية لأنهم قصروا الآية على الجمع بالنكاح وأما الجمع بين الأختين في الملك دون وطء فجائز باتفاق * (إلا ما قد سلف) * المعنى إلا ما فعلتم من ذلك في الجاهلية وانقطع بالإسلام فقد عفى عنكم فلا تؤاخذون به وهذا أرجح الأقوال حسبما تقدم في الموضع الأول * (والمحصنات من النساء) * المراد هنا ذوات الأزواج وهو معطوف على المحرمات المذكورة قبله والمعنى أنه لا يحل نكاح المرأة إذا كانت في عصمة الرجل * (إلا ما ملكت أيمانكم) * يريد السبايا في أشهر الأقوال والاستثناء متصل والمعنى أن المرأة الكافرة إذا كان لها زوج ثم سبيت جاز لمن ملكها من المسلمين أن يطأها وسبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا إلى أوطاس فأصابوا سبايا من العدو لهن أزواج من المشركين فتأثم المسلمون من غشيانهن فنزلت الآية مبيحة لذلك ومذهب مالك أن السبي يهدم النكاح سواء سبي الزوجان الكافران معا أو سبي أحدهما قبل الآخر وقال ابن المواز لا يهدم السبي النكاح * (كتاب الله عليكم) * منصوب على المصدرية أي كتب الله عليكم كتابا وهو تحريم ما حرم وهو عند الكوفيين منصوب على الإغراء * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * معناه أحل لكم تزويج من سوى ما حرم من النساء وعطف أحل على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله والفاعل هو الله أي كتب الله عليكم تحريم من ذكر وأحل لكم ما وراء ذلكم * (أن تبتغوا) * مفعول من أجله أو بدل مما وراء ذلكم وحذف مفعوله وهو النساء * (محصنين) * هنا العفة ونصبه على الحال من الفاعل في تبتغوا * (غير مسافحين) * أي غير زناة والسفاح هو الزنا * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) * قال ابن عباس وغيره معناها إذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء فقد وجب إعطاء الأجر وهو الصداق كاملا وقيل إنها في نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل من غير ميراث وكان جائزا في أول الإسلام فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه ثم حرم عند جمهور العلماء فالآية على هذا منسوخة بالخبر الثابت في تحريم نكاح المتعة وقيل نسختها آية الفرائض لأن نكاح المتعة لا ميراث فيه وقيل نسختها * (والذين هم لفروجهم حافظون) * وروي عن ابن عباس جواز نكاح المتعة وروي أنه رجع عنه * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به) * من قال إن الآية المتقدمة في مهور النساء فمعنى هذه جواز ما يتراضون به من حظ النساء من الصداق أو تأخيره بعد استقرار الفريضة ومن قال إن الآية في نكاح المتعة فمعنى هذا جواز ما يتراضون به من زيادة في مدة المتعة وزيادة في الأجر * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * معناها إباحة تزويج الفتيات وهن الإماء للرجل إذا لم يجد طولا للمحصنات والطول هنا هو السعة في المال والمحصنات هنا يراد بهن الحرائر غير المملوكات ومذهب مالك وأكثر أصحابه أنه لا يجوز
137

للحر نكاح أمة إلا بشرطين أحدهما عدم الطول وهو ألا يجد ما يتزوج به حرة والآخر خوف العنت وهو الزنا لقوله بعد هذا ذلك لمن خشي العنت منكم وأجاز ابن القاسم نكاحهن دون الشرطين على القول بأن دليل الخطاب لا يعتبر واتفقوا على اشتراط الإسلام في الأمة التي تتزوج لقوله تعالى * (من فتياتكم المؤمنات) * إلا أهل العراق فلم يشترطوه وإعراب طولا مفعولا بالاستطاعة وأن ينكح بدل منه وهو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح ويحتمل أن يكون طولا منصوبا على المصدر والعامل فيه الاستطاعة لأنها بمعنى يتقارب وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة أو بالمصدر * (والله أعلم بإيمانكم) * معناه أنه يعلم بواطن الأمور ولكم ظواهرها فإذا كانت الأمة ظاهرة الإيمان فنكاحها صحيح وعلم باطنها إلى الله * (بعضكم من بعض) * أي إماؤكم منكم وهذا تأنيس بنكاح الإماء لأن بعض العرب كان يأنف من ذلك * (فانكحوهن بإذن أهلهن) * أي بإذن ساداتهن المالكين لهن * (وآتوهن أجورهن) * أي صدقاتهن وهذا يقتضي أنهن أحق بصدقاتهن من ساداتهن وهو مذهب مالك * (بالمعروف) * أي بالشرع على ما تقتضيه السنة * (محصنات غير مسافحات) * أي عفيفات غير زانيات وهو منصوب على الحال والعامل فيه فانكحوهن * (ولا متخذات أخدان) * جمع خدن وهو الخليل وكان من نساء الجاهلية من تتخذ خدنا تزني معه خاصة ومنهن من كانت لا ترد يد لامس * (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * معنى ذلك أن الأمة إذا زنت بعد أن أحصنت فعليها نصف حد الحرة فإن الحرة تجلد في الزنا مائة جلدة والأمة تجلد خمسين فإذا أحصن يريد به هنا تزوجن والفاحشة هنا الزنا والمحصنات هنا الحرائر والعذاب هنا الحد فاقتضت الآية حد الأمة إذا زنت بعد أن تزوجت ويؤخذ حد غير المتزوجة من السنة وهو مثل حد المتزوجة وهذا على قراءة أحصن بضم الهمزة وكسر الصاد وقرئ بفتحهما ومعناه أسلمن وقيل تزوجن * (ذلك لمن خشي العنت منكم) * الإشارة إلى تزوج الأمة أي إنما يجوز لمن خشي على نفسه الزنا لا لمن يملك نفسه * (وأن تصبروا خير لكم) * المراد الصبر عن نكاح الإماء وهذا يندب إلى تركه وعلته ما يؤدي إليه من استرقاق الولد * (يريد الله ليبين لكم) * قال الزمخشري أصله يريد الله أن يبين لكم فزيدت اللام مؤكدة لإرادة التبيين كما زيدت في لا أبا لك لتأكيد إضافة الأب وقال الكوفيون اللام مصدرية مثل أن * (ويهديكم سنن الذين من قبلكم) * أي يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين لتقتدوا بهم * (والله يريد أن يتوب عليكم) * كرر توطئة لفساد إرادة الذين يتبعون الشهوات وهم هنا الزناة عند مجاهد وقيل المجوس لنكاحهم ذات المحارم وقيل عام في كل
138

متبع شهوة وهو أرجح * (يريد الله أن يخفف عنكم) * يقتضي سياق الكلام التخفيف الذي وقع في إباحة نكاح الإماء وهو مع ذلك عام في كل ما خفف الله عن عباده وجعل دينه يسرا * (وخلق الإنسان ضعيفا) * قيل معناه لا يصبر على النساء وذلك مقتضى سياق الكلام واللفظ أعم من ذلك * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * يدخل فيه القمار والغصب والسرقة وغير ذلك * (إلا أن تكون تجارة) * استثناء منقطع والمعنى لكن إن كانت تجارة فكلوها وفي إباحة التجارة دليل على أنه يجوز للإنسان أن يشتري بدرهم سلعة تساوي مائة والمشهور إمضاء البيع وحكي عن ابن وهب أنه يرد إذا كان الغبن أكثر من الثلث وموضع أن نصب وتجارة بالرفع فاعل
تكون وهي تامة وقرئ بالنصب خبر تكون وهي ناقصة * (عن تراض منكم) * أي اتفاق وبهذا استدل المالكية على تمام البيع بالعقد دون التفرق وقال الشافعي إنما يتم بالتفرق بالأبدان لقوله صلى الله عليه وسلم المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا * (ولا تقتلوا أنفسكم) * قال ابن عطية أجمع المفسرون أن المعنى لا يقتل بعضكم بعضا قلت ولفظها يتناول قتل الإنسان لنفسه وقد حملها عمرو بن العاص على ذلك ولم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمعه * (ومن يفعل ذلك) * إشارة إلى القتل لأنه أقرب مذكور وقيل إليه وإلى أكل المال بالباطل وقيل إلى كل ما تقدم من المنهيات من أول السورة * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) *) اختلف الناس في الكبائر ما هي فقال ابن عباس الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب وقال ابن مسعود الكبائر هي الذنوب المذكورة من أول هذه السورة إلى أول هذه الآية وقال بعض العلماء كل ما عصى الله به فهو كبيرة وعدها بعضهم سبعة عشر وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم اتقوا السبع الموبقات الإشراك بالله والسحر وقتل النفس وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات فلا شك أن هذه من الكبائر للنص عليها في الحديث وزاد بعضهم عليها أشياء وورد في الأحاديث النص على أنها كبائر وورد في القرآن أو في الحديث وعيد عليها فمنها عقوق الوالدين وشهادة الزور واليمين الغموس والزنا والسرقة وشرب الخمر والنهبة والقنوط من رحمة الله والأمن مكر الله ومنع ابن السبيل الماء والإلحاد في البيت الحرام والنميمة وترك التحرز من البول والغلول واستطالة المرء في عرض أخيه والجور في الحكم * (نكفر عنكم سيئاتكم) * وعد بغفران الذنوب الصغائر إذا اجتنبت الكبائر * (مدخلا كريما) * اسم مكان وهو هنا الجنة * (ولا تتمنوا) * الآية سببها أن النساء قلن ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشاركناهم في الغزو فنزلت نهيا عن ذلك لأن في تمنيهم رد على حكم الشريعة فيدخل في النهي تمني مخالفة الأحكام الشرعية كلها * (للرجال نصيب مما اكتسبوا) * الآية أي من الأجر والحسنات وقيل من الميراث
139

ويرده لفظ الاكتساب * (ولكل جعلنا موالي) * الآية في معناه وجهان أحدهما لكل شيء من الأموال جعلنا موالي يرثونه فما ترك على هذا بيان لكل والآخر لكل أحد جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون فما ترك على هذا يتعلق بفعل مضمر والموالي هنا الورثة والعصبة " والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " اختلف هل هي منسوخة أو محكمة فالذين قالوا إنها منسوخة قالوا معناها الميراث بالحلف الذي كان في الجاهلية وقيل بالمؤاخاة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ثم نسخها وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فصار الميراث للأقارب والذين قالوا إنها محكمة اختلفوا فقال ابن عباس هي في المؤازرة والنصرة بالحلف لا في الميراث به وقال أبو حنيفة هي في الميراث وأن الرجلين إذا والى أحدهما الآخر على أن يتوارثا صح ذلك وإن لم تكن بينهما قرابة * (الرجال قوامون على النساء) * قوام بناء مبالغة من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه قال ابن عباس الرجال أمراء على النساء * (بما فضل الله) * الباء للتعليل وما مصدرية والتفضيل بالإمامة والجهاد وملك الطلاق وكمال العقل وغير ذلك * (وبما أنفقوا) * هو الصداق والنفقة المستمرة * (فالصالحات قانتات) * أي النساء الصالحات في دينهن مطيعات لأزواجهن أو مطيعة لله في حق أزواجهن * (حافظات للغيب) * أي تحفظ كلما غاب عن علم زوجها فيدخل في ذلك صيانة نفسها وحفظ ماله وبيته وحفظ أسراره * (بما حفظ الله) * أي بحفظ الله ورعايته أو بأمره للنساء أن يطعن الزوج ويحفظنه فما مصدرية أو بمعنى الذي * (واللاتي تخافون نشوزهن) * قيل الخوف هنا اليقين * (فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) * هذه أنواع من تأديب المرأة إذا نشزت على زوجها وهي على مراتب بالوعظ في النشوز الخفيف والهجران فيما هو أشد منه والضرب فيما هو أشد ومتى انتهت عن النشوز بوجه من التأديب لم يتعد إلى ما بعده والهجران هنا هو ترك مضاجعتها وقيل ترك الجماع إذا ضاجعها والضرب غير مبرح * (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) * أي إذا أطاعت المرأة زوجها فليس له أن يؤذيها بهجران ولا ضرب * (وإن خفتم شقاق بينهما) * الشقاق الشر والعداوة وكان الأصل إن خفتم شقاق بينهما ثم أضيف الظرف إلى الشقاق على طريق الاتساع لقوله تعالى * (بل مكر الليل والنهار) * وأصله مكر بالليل والنهار * (فابعثوا حكما) * الآية ذكر تعالى الحكم في نشوز المرأة والحكم في طاعتها ثم ذكر هنا حالة أخرى وهي ما إذا ساء ما بين الزوجين ولم يقدر على الإصلاح بينهما ولا علم من الظالم منهما فيبعث حكمان مسلمان لينظر في أمرهما وينفذ ما ظهر لهما من تطليق وخلع
140

من غير إذن الزوج وقال أبو حنيفة ليس لهما الفراق إلا إن جعل لهما وإن اختلفا لم يلزم شيء إلا باتفاقهما ومشهور مذهب مالك أن الحاكم هو الذي يبعث الحكمين وقيل يبعثهما الزوجان وجرت عادة القضاة أن يبعثوا امرأة أمينة ولا يبعثوا حكمين قال بعض العلماء هذا تغيير لحكم القرآن والسنة الجارية * (من أهله وحكما من أهلها) * يجوز في المذهب أن يكون الحكمان من غير أهل الزوجين والأكمل أن يكونا من أهلهما كما ذكر الله * (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) * الضمير في يريدا للحكمين وفي بينهما للزوجين على الأظهر وقيل الضميران للزوجين وقيل للحكمين * (والجار ذي القربى والجار الجنب) * قال ابن عباس الجار ذي القربى هو القريب النسب والجار الجنب هو الأجنبي وقيل ذي القربى القريب المسكن منك والجنب البعيد المسكن عنك وحد الجوار عند بعضهم أربعون ذراعا من كل ناحية * (الصاحب بالجنب) * قال ابن عباس الرفيق في السعي وقال علي بن أبي طالب الزوجة * (مختالا) * اسم فاعل وزنه مفتعل من الخيلاء وهو الكبر وإعجاب المرء بنفسه * (فخورا) * شديد الفخر * (الذين يبخلون) * بدل من قوله مختالا أو نصب على الذم أو رفع بخبر ابتداء مضمر أو مبتدأ وخبره محذوف تقديره يعذبون والآية في اليهود نزلت في قوم منهم كحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت كانوا يقولون للأنصار لا تنفقوا أموالكم في الجهاد والصدقات وهي مع ذلك عامة من فعل هذه الأفعال من المسلمين * (والذين ينفقون) * عطف على الذين يبخلون وقيل على الكافرين والآية في المنافقين الذين كانوا ينفقون في الزكاة والجهاد رياء ومصانعة وقيل في اليهود وقيل في مشركي مكة الذين أنفقوا أموالهم في حرب المسلمين * (قرينا) * أي ملازما له يغويه * (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر) * الآية استدعاء لهم كملاطفة أو توبيخ على ترك الإيمان والإنفاق كأنه يقول أي مضرة عليهم في ذلك * (مثقال ذرة) * أي وزنها وهي النملة الصغيرة وذلك تمثيل بالقليل تنبيها على الكثير * (وإن تك حسنة) * بالرفع فاعل وتك تامة وبالنصب خبر من أنها ناقصة واسمها مضمر فيها * (يضاعفها) * أي يكثرها واحد البر بعشر إلى سبعمائة أو أكثر * (ويؤت من
لدنه) * أي من عنده تفضلا وزيادة على ثواب العمل * (فكيف إذا جئنا) * تقديره كيف يكون الحال إذا جئنا * (بشهيد) * هو نبيهم يشهد عليهم بأعمالهم * (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) * أي تشهد على قومك ولما قرأ ابن مسعود هذه الآية على رسول الله
141

صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه * (لو تسوى بهم الأرض) * أي يتمنون أن يدفنوا فيها ثم تسوى بهم كما تسوى بالموتى وقيل يتمنون أن يكونوا سواء مع الأرض كقوله * (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) * وذلك لما يرون من أهوال يوم القيامة * (ولا يكتمون الله حديثا) * استئناف إخبار أنهم لا يكتمون يوم القيامة عن الله شيئا فإن قيل كيف هذا مع قولهم * (والله ربنا ما كنا مشركين) * فالجواب من وجهين أحدهما أن الكتم لا ينفعهم لأنهم إذا كتموا تنطق جوارحهم فكأنهم لم يكتموا والآخر أنهم طوائف مختلفة ولهم أوقات مختلفة وقيل إن قوله ولا يكتمون عطف على تسوى أي يتمنون أن لا يكتموا لأنهم إذا كتموا افتضحوا " ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " سببها أن جماعة من الصحابة شربوا الخمر قبل تحريمها ثم قاموا إلى الصلاة وأمهم أحدهم فخلط في القراءة فمعناها النهي عن الصلاة في حال السكر قال بعض الناس هي منسوخة بتحريم الخمر وذلك لا يلزم لأنها ليس فيها ما يقتضي إباحة الخمر وإنما هي نهي عن الصلاة في حال السكر وذلك الحكم الثابت في حين إباحة الخمر وفي حين تحريمها وقال بعضهم معناها لا يكن منكم سكر يمنع قرب الصلاة إذ المرء مأمور بالصلاة فكأنها تقتضي النهي عن السكر وعن سببه وهو الشرب وهذا بعيد من مقتضى اللفظ * (حتى تعلموا ما تقولون) * حتى تعود إليكم عقولكم فتعلمون ما تقرؤن ويظهر من هذا أن السكران لا يعلم ما يقول فأخذ بعض الناس من ذلك أن السكران لا يلزم طلاقه ولا إقراره * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * عطف ولا جنبا على موضع وأنتم سكارى إذ هو في موضع الحال والجنب هنا غير الطاهر بإنزال أو إيلاج وهو واقع على جماعة بدليل استثناء الجمع منه واختلف في عابري سبيل فقيل إنه المسافر ومعنى الآية على هذا نهى أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا في السفر فيصلي بالتيمم دون اغتسال فمقتضى الآية إباحة التيمم للجنب في السفر ويؤخذ إباحة التيمم للجنب في الحضر من الحديث وقيل عابر السبيل المار في المسجد والصلاة هنا يراد بها المسجد لأنه موضع الصلاة فمعنى الآية على هذا النهي أن يقرب المسجد الجنب إلا خاطرا عليه وعلى هذا أخذ الشافعي بأنه يجوز للجنب أن يمر في المسجد ولا يجوز له أن يقعد فيه ومنع مالك المرور والقعود وأجازهما داود * (وإن كنتم مرضى أو على سفر) * الآية سببها عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع فأبيح لهم التيمم لعدم الماء ثم إن عدم الماء على ثلاثة أوجه أحدهما عدمه في السفر والثاني عدمه في المرض فيجوز التيمم في هذين الوجهين بإجماع لأن الآية نص في المرض والسفر إذا عدم الماء فيهما لقوله وإن كنتم مرضى أو على سفر ثم قال فلم تجدوا ماء
الوجه الثالث عدم الماء في الحضر دون مرض فاختلف الفقهاء فيه فمذهب أبو حنيفة أنه لا يجوز فيه التيمم لأن ظاهر الآية أن عدم الماء إنما يعتبر مع المرض أو السفر ومذهب مالك والشافعي أنه يجوز فيه التيمم فإن قلنا إن الآية لا تقتضيه فيؤخذ جوازه من السنة وإن قلنا إن الآية تقتضيه فيؤخذ جوازه منها وهذا هو الأرجح إن شاء الله وذلك أنه ذكر في أول الآية المرض والسفر ثم ذكر الإحداث دون مرض ولا سفر ثم قال بعد ذلك كله فلم تجدوا ماء فيرجع قوله فلم تجدوا ماء إلى المرض وإلى السفر وإلى من أحدث في غير مرض ولا سفر فيجوز التيمم على هذا لمن عدم الماء في غير مرض ولا سفر فيكون في الآية حجة لمالك والشافعي ويجوز التيمم أيضا في مذهب مالك للمريض إذا وجد الماء ولم يقدر على استعماله لضرر بدنه فإن قلنا إن الآية لا تقتضيه فيؤخذ جوازه من السنة وإن قلنا إن السنة تقتضيه فيؤخذ جوازه منها
142

على أن يتناول قوله إن كنتم مرضى أن معناه مرضى لا تقدرون على مس الماء وحد المرض الذي يجوز فيه التيمم عند مالك هو أن يخاف الموت أو زيادة المرض أو تأخر البرء وعند الشافعي خوف الموت لا غير وحد السفر الغيبة عن الحضر كان مما تقصر فيه الصلاة أم لا * (أو جاء أحد منكم) * في أو هنا تأويلان أحدهما أن تكون للتفصيل والتنويع على بابها والآخر أنها بمعنى الواو فعلى القول بأنها على بابها يكون قوله فلم تجدوا ماء راجعا إلى المريض والمسافر وإلى من جاء من الغائط وإلى من لامس سواه كانا مريضين أو مسافرين أم حسبما ذكرنا قبل هذا فيقتضي ذلك جواز التيمم للحاضر الصحيح إذا عدم الماء وهو مذهب مالك والشافعي فيكون في الآية حجة لهما وعلى القول بأنها بمعنى الواو يكون قوله * (فلم تجدوا ماء) * راجعا إلى المريض والمسافر فيقتضي ذلك أنه لا يجوز التيمم إلا في المرض والسفر مع عدم الماء وأنه لا يجوز للحاضر الصحيح إذا عدم الماء ولكن يؤخذ جواز التيمم له من موضع آخر والراجح أن تكون أو على بابها لوجهين أحدهما أن جعلها بمعنى الواو إخراج لها عن أصلها وذلك ضعيف والآخر إن كانت على بابها كان فيها فائدة إباحة التيمم للحاضر الصحيح إذا عدم الماء على ما ظهر لنا فيها وإذا كانت بمعنى الواو لم تعط هذه الفائدة وحجة من جعلها بمعنى الواو أنه لو جعلها على بابها لاقتضى المعنى أن المرض والسفر حدث يوجب الوضوء كالغائط لعطفه عليها وهذا لا يلزم لأن العطف بأو هنا للتنويع والتفصيل ومعنى الآية كأنه قال يجوز لكم التيمم إذا لم تجدوا ماء إن كنتم مرضى أو على سفر وأحدثتم في غير مرض ولا سفر * (الغائط) * أصله المكان المنخفض وهو هنا كناية عن الحدث الخارج من المخرجين وهو العذرة والريح والبول لأن من ذهب إلى الغائط يكون منه هذه الأحداث الثلاث وقيل إنما هو كناية عن العذرة وأما البول والريح فيؤخذ وجوب الوضوء لهما من السنة وكذلك الودي والمذي * (أو لامستم النساء) * اختلف في المراد بالملامسة هنا على ثلاثة أقوال أحدها أنها الجماع وما دونه من التقبيل واللمس باليد وغيرها وهو قول مالك فعلى هذا ينتقض الوضوء باللمس الذي هو دون الجماع على تفصيل في المذهب ويجب معه التيمم إذا عدم الماء ويكون الجنب من أهل التيمم والقول الثاني أنها ما دون الجماع فعلى هذا ينتقض الوضوء باللمس ولا يجوز التيمم للجنب وقد قال بذلك عمر بن الخطاب ويؤخذ جوازه من الحديث والثالث أنها الجماع فعلى هذا يجوز التيمم للجنب ولا يكون ما دون الجماع ناقضا للوضوء وهو مذهب أبي حنيفة * (فلم تجدوا ماء) * هذا يفيد وجوب طلب الماء وهو مذهب مالك خلافا لأبي حنيفة فإن وجده بثمن فاختلف هل يجوز له التيمم أم لا وإن وهب له فاختلف هل يلزم قبوله أم لا * (فتيمموا) * التيمم في اللغة القصد وفي الفقه الطهارة بالتراب وهو منقول من المعنى اللغوي * (صعيدا طيبا) * الصعيد عند مالك هو وجه الأرض كان ترابا أو رملا أو حجارة فأجاز التيمم بذلك كله وهو عند الشافعي التراب لا غير والطيب هنا الطاهر واختلف في التيمم بالمعادن كالذهب وبالملح وبالتراب المنقول كالمجعول في طبق بالآجر
وبالجص المطبوخ وبالجدار وبالنبات الذي على وجه الأرض وذلك كله على الاختلاف في معنى الصعيد * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) * لا يكون التيمم إلا في هذين العضوين ويقدم الوجه على اليدين لظاهر
143

الآية وذلك على الندب عند مالك ويستوعب الوجه بالمسح وأما اليدان فاختلف هل يمسحهما إلى الكوعين أو إلى المرفقين ولفظ الآية محتمل لأنه لم يحد وقد احتج من قال إلى المرفقين بأن هذا مطلق فيحمل على المقيد وهو تحديدها في الوضوء بالمرفقين * (الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) * هم اليهود هنا وفي الموضع الثاني قال السهيلي فالموضع الأول نزل في رفاعة بن زيد بن التابوت وفي الثاني نزل في كعب بن الأشرف * (يشترون الضلالة) * عبارة عن إيثارهم الكفر على الإيمان فالشراء مجاز كقوله * (اشتروا الضلالة بالهدى) * وفي تكرار قوله كفى بالله مبالغة * (من الذين هادوا) * من راجعة إلى الذين أوتوا نصيبا أو إلى أعدائكم فهي بيان وقال الفارسي هي ابتداء كلام تقديره من الذين هادوا قوم وقيل هي متعلقة بنصيرا على قول الفارسي * (يحرفون الكلم) * يحتمل تحريف اللفظ أو المعنى وقيل الكلم هنا التوراة وقيل كلام النبي صلى الله عليه وسلم * (غير مسمع) * معناه لا سمعت * (راعنا) * ذكر في البقرة * (سمعنا وأطعنا) * عوض من قولهم سمعنا وعصينا واسمع عوض من قولهم اسمع غير مسمع وانظرنا عوض من قولهم راعنا وهو النظر أو الانتظار فهذه الأشياء الثلاثة في مقابلة الأشياء الثلاثة التي ذمهم على قولها لما فيها من سوء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أنهم لو قالوا هذه الثلاثة الأخر عوضا عن تلك لكان خيرا لهم فإن هذه ليس فيها سوء أدب * (مصدقا) * ذكر في البقرة * (أن نطمس وجوها) * قال ابن عباس طمسها أن تزال العيون منها وترد في القفا فيكون ذلك ردا على الدبر وقيل طمسها محو تخطيط صورها من أنف أو عين أو حاجب حتى تصير كالأدبار في خلوها عن الحواس * (أو نلعنهم) * أي نمسخهم كما مسخ أصحاب السبت وقد ذكر في البقرة أو يكون من اللعن المعروف والضمير يعود على الوجوه والمراد أصحابها أو على الذين أوتوا الكتاب على الالتفات * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * هذه الآية هي الحاكمة في مسئلة الوعيد وهي المبينة لما تعارض فيها من الآيات وهي الحجة لأهل السنة والقاطعة بالخوارج والمعتزلة والمرجئة وذلك أن مذهب أهل السنة أن العصاة من المؤمنين في مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم وحجتهم هذه الآية فإنها نص في هذا المعنى ومذهب الخوارج أن العصاة يعذبون ولا بد سواء كانت ذنوبهم صغائر أو كبائر ومذهب المعتزلة أنهم يعذبون على الكبائر ولا بد ويرد على الطائفتين قوله * (ويغفر ما دون ذلك) * ومذهب المرجئة أن العصاة كلهم يغفر لهم ولا بد وأنه لا يضر ذنب مع الإيمان ويرد عليهم قوله * (لمن يشاء) * فإنه
144

تخصيص لبعض العصاة وقد تأولت المعتزلة الآية على مذهبهم فقالوا لمن يشاء وهو التائب لا خلاف أنه لا يعذب وهذا التأويل بعيد لأن قوله * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * في غير التائب من الشرك وكذلك قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء في غير التائب من العصيان ليكون أول الآية وآخرها على نسق واحد وتأولتها المرجئة على مذهبهم فقالوا لمن يشاء معناه لمن يشاء أن يؤمن وهذا أيضا بعيد لا يقتضيه اللفظ وقد ورد في القرآن آيات كثيرة في الوعيد فحملها المعتزلة على العصاة وحملها المرجئة على الكفار وحملها أهل السنة على الكفار وعلى من لا يغفر الله له من العصاة كما حملوا آية الوعد على المؤمنين الذين لم يذنبوا وعلى المذنبين التائبين وعلى من يغفر الله له من العصاة غير التائبين فعلى مذهب أهل السنة لا يبقى تعارض بين آية الوعد وآية الوعيد بل يجمع بين معانيها بخلاف قول غيرهم فإن الآيات فيه تتعارض وتخليص المذاهب أن الكافر إذا تاب من كفره غفر له بإجماع وإن مات على كفره لم يغفر له وخلد في النار بإجماع وأن العاصي من المؤمنين إن تاب غفر له وإن مات دون توبة فهو الذي اختلف الناس فيه * (الذين يزكون أنفسهم) * هم اليهود لعنهم الله وتزكيتهم قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه وقيل مدحهم لأنفسهم * (فتيلا) * الفتيل هو الخيط الذي في شق نواة التمرة وقيل ما يخرج بين إصبعيك وكفيك إذا فتلتهما هو تمثيل وعبارة عن أقل الأشياء فيدل على الأكثر بطريق الأولى * (يفترون) * دليل على أن تزكيتهم لأنفسهم بالباطل * (يؤمنون بالجبت والطاغوت) * قال ابن عباس الجبت هو حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف وقال عمر بن الخطاب الجبت السحر والطاغوت الشيطان وقيل الجبت الكاهن والطاغوت الساحر وبالجملة هما كل ما عبد وأطيع من دون الله * (ويقولون للذين كفروا) * الآية سببها أن حيي بن أخطب وكعب بن الشرف أو غيرهما من اليهود قالوا لكفار قريش أنتم أهدى سبيلا من محمد وأصحابه * (أم لهم نصيب من الملك) * الهمزة للاستفهام مع الإنكار * (نقيرا) * النقير هي النقرة في ظهر النواة وهو تمثيل وعبارة عن أقل الأشياء والمراد وصف اليهود بالبخل لو كان لهم نصيب من الملك وأنهم حينئذ يبخلون بالنقير الذي هو أقل الأشياء ويبخلون بما هو أكثر منه من باب أولى * (أم يحسدون الناس) * وصفهم بالحسد مع البخل والناس هنا يراد بهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته والفضل النبوة وقيل النصر والعزة وقيل الناس العرب والفضل كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم * (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة) * المراد بآل إبراهيم ذريته من بني إسرائيل وغيرهم ممن آتاه الله الكتب التي أنزلها والحكمة
145

التي علمها والمقصود بالآية الرد على اليهود في حسدهم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعناها إلزام لهم بما عرفوه من فضل الله تعالى على آل إبراهيم فلأي شيء تخصون محمدا صلى الله عليه وسلم بالحسد دون غيره ممن أنعم الله عليهم * (ملكا عظيما) * الملك في آل إبراهيم هو ملك يوسف وداود وسليمان * (فمنهم من آمن به) * الآية قيل المراد من اليهود من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالقرآن المذكور في قوله تعالى * (مصدقا لما معكم) * أو بما ذكر من حديث إبراهيم فهذه ثلاثة أوجه في ضمير به وقيل منهم أي من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ومنهم من كفر كقوله تعالى * (فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) * * (كلما نضجت جلودهم) * الآية قيل تبدل لهم جلود بعد جلود أخرى إذ نفوسهم هي المعذبة وقيل تبديل الجلود تغيير صفاتها بالنار وقيل الجلود السرابيل وهو بعيد * (أزواج مطهرة) * ذكر في البقرة * (ظلا ظليلا) * صفة من لفظ الظل للتأكيد أي دائما لا تنسخه الشمس وقيل نفي الحر والبرد * (إن الله يأمركم) * الآية قيل هي خطاب للولاة وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة ولفظها عام وكذلك حكمها " وأولوا الأمر " هم الولاة وقيل العلماء نزلت في عبد الله بن حذافة بعثه رسول الله صلى
الله عليه وسلم في سرية * (فردوه إلى الله والرسول) * الرد إلى الله هو النظر في كتابه والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو سؤاله في حياته والنظر في سنته بعد وفاته * (إن كنتم) * يحتمل أن يكون هذا الشرط راجعا إلى قوله فردوه أو إلى قوله أطيعوا والأول أظهر لأنه أقرب إليه * (وأحسن تأويلا) * أي مآلا وعاقبة وقيل أحسن نظرا منكم * (الذين يزعمون) * الآية نزلت في المنافقين وقيل في منافق ويهودي كان بينهما خصومة فتحاكما إلى كعب بن الأشرف اليهودي وقيل إلى كاهن * (رأيت المنافقين) * وضع الظاهر موضع المضمر ليذمهم بالنفاق ودل ذلك على أن الآية المتقدمة نزلت في المنافقين * (فكيف إذا أصابتهم مصيبة) * الآية أي كيف يكون حالهم إذا عاقبهم الله بذنوبهم " ثم جاؤوك
146

يحلفون بالله) يحتمل أن يكون هذا معطوفا على ما قبله أو يكون معطوفا على قوله يصدون ويكون قوله فكيف إذا أصابتهم اعتراضا * (فأعرض عنهم) * أي عن معاقبتهم وليس المراد بالإعراض القطيعة لقوله وعظهم * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * الآية وعد بالمغفرة لمن استغفر وفيه استدعاء للاستغفار والتوبة ومعنى جاؤوك أتوك تائبين معتذرين من ذنوبهم يطلبون أن تستغفر لهم الله * (فلا وربك) * لا هنا مؤكدة للنفي الذي بعدها * (شجر بينهم) * أي اختلط واختلفوا فيه ومعنى الآية أنهم لا يؤمنون حتى يرضوا بحكم النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت بسبب المنافقين الذين تخاصموا وقيل بسبب خصام الزبير مع رجل من الأنصار في الماء وحكمها عام * (ولو أنا كتبنا عليهم) * معناها لو فرض عليهم ما فرض على من كان قبلهم من المشقات لم يفعلوها لقلة انقيادهم إلا القليل منهم الذين هم مؤمنون حقا وقد روي أن من هؤلاء القليل أبو بكر وعمر وابن مسعود وعمار بن ياسر وثابت بن قيس * (إلا قليل) * بالرفع بدل من المضمر وقرأ ابن عامر وحده بالنصب على أصل الاستثناء أو على إلا فعلا قليلا * (ما يوعظون به) * من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته والانقياد له * (وأشد تثبيتا) * أي تخفيفا لإيمانهم * (وإذا لآتيناهم) * جواب لسؤال مقدر عن حالهم لو فعلوا ذلك * (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) * ثواب على الطاعة أي هم معهم في الجنة وهذه الآية مفسرة لقوله تعالى * (صراط الذين أنعمت عليهم) * والصديق فعيل من الصدق ومن التصديق والمراد به المبالغة والصديقون أرفع الناس درجة بعد الأنبياء والشهداء المقتولون في سبيل الله ومن جرى مجراهم من سائر الشهداء كالغريق وصاحب الهدم حسبما ورد في الحديث أنهم سبعة * (وحسن أولئك رفيقا) * الإشارة إلى الأصناف الأربعة المذكورة والرفيق يقع على الواحد والجماعة كالخليط وهو مفرد بين به الجنس ومعنى الكلام إخبار واستدعاء للطاعة التي ينال بها مرافقة هؤلاء * (ذلك الفضل) * الإشارة إلى الثواب على الطاعة بمرافقة من ذكر في الجنة والفضل صفة أو خبر * (خذوا حذركم) * أي تحرزوا من عدوكم واستعدوا له * (فانفروا ثبات) * أي اخرجوا للجهاد جماعات متفرقين
147

وذلك كناية عن السرايا وقيل إن الثبتة ما فوق العشرة ووزنها فعلة بفتح العين ولامها محذوفة * (أو انفروا جميعا) * أي مجتمعين في الجيش الكثيف فخيرهم في الخروج إلى الغزو في قلة أو كثرة * (وإن منكم لمن ليبطئن) * الخطاب للمؤمنين والمراد بمن المنافقين وعبر عنهم بمنكم إذ هم يزعمون أنهم من المؤمنين ويقولون آمنا واللام في لمن للتأكيد وفي ليبطئن جواب قسم محذوف ومعناه يبطىء غيره يثبطه عن الجهاد ويحمله على التخلف عن الغزو وقيل يبطىء يتخلف هو عن الغزو ويتثاقل * (فإن أصابتكم مصيبة) * أي قتل وهزيمة والمعنى أن المنافق تسره غيبته عن المؤمنين إذا هزموا وشهيدا معناه حاضرا معهم * (ولئن أصابكم فضل من الله) * أي نصر وغنيمة والمعنى أن المنافق يندم على ترك الغزو معهم إذا غنموا فيتمنى أن يكون معهم * (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) * جملة اعتراض بين العامل ومعموله فلا يجوز الوقف عليها وهذه المودة في ظاهر المنافق لا في اعتقاده * (الذين يشرون) * أي يبيعون * (فيقتل أو يغلب) * ذكر الحالتين للمقاتل ووعد بالأجر على كل واحدة منهما * (وما لكم لا تقاتلون) * تحريض على القتال وما مبتدأ والجار والمجرور خبر ولا تقاتلون في موضع الحال والمستضعفين هم الذين حبسهم مشركوا قريش بمكة ليفتنوهم عن الإسلام وهو عطف على اسم الله أو مفعول معه * (القرية الظالم أهلها) * هي مكة حين كانت للمشركين * (يقاتلون في سبيل الله) * وما بعده إخبار قصد به تقوية قلوب المسلمين وتحريضهم على القتال * (الذين قيل لهم كفوا أيديكم) * الآية قيل هي في قوم من الصحابة كانوا قد أمروا بالكف عن القتال قبل أن يفرض الجهاد فتمنوا أن يؤمروا به فلما أمروا به كرهوه لا شكا في دينهم ولكن خوفا من الموت وقيل هي في المنافقين وهو أليق في سياق الكلام * (متاع الدنيا قليل) * وما بعده تحقير للدنيا فتضمن الرد عليهم في كراهتهم للموت * (في بروج مشيدة) *
148

أي في حصون منيعة وقيل المشيدة المطولة وقيل االمبنية بالشيد وهو الجص * (إن تصبهم حسنة) * الحسنة هنا النصر والغنيمة وشبه ذلك من المحبوبات والسيئة الهزيمة والجوع وشبه ذلك والضمير في تصبهم وفي يقول للذين قيل لهم كفوا أيديكم وهذا يدل على أنها في المنافقين لأن المؤمنين لا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إن السيئات من عنده * (قل كل من عند الله) * رد على من نسب السيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلام أن السيئة والحسنة والخير والشر من عند الله أي بقضائه وقدره * (فما لهؤلاء القوم) * توبيخ لهم على قلة فهمهم * (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) * خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به كل مخاطب على الإطلاق فدخل فيه غيره من الناس وفيه تأويلان أحدهما نسبة الحسنة إلى الله والسيئة إلى العبد تأدبا مع الله في الكلام وإن كان كل شيء منه في الحقيقة وذلك كقوله عليه الصلاة والسلام والخير كله بيديك والشر ليس إليك وأيضا فنسبة السيئة إلى العبد لأنها بسبب ذنوبه لقوله) * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) * فهي من العبد بتسببه فيها ومن الله بالخلقة والاختراع والثاني أن هذا من كلام القوم المذكورين قبل والتقدير يقولون كذا فمعناها كمعنى التي قبلها * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * هذه الآية من فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كانت طاعته كطاعة الله لأنه يأمر وينهي عن الله * (ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) * أي من أعرض عن طاعتك فما أنت عليه بحفيظ تحفظ أعماله بل حسابه وجزاؤه على الله وفي هذا متاركة وموادعة منسوخة بالقتال * (ويقولون طاعة) * أي أمرنا وشأننا طاعة لك وهي في المنافقين بإجماع * (بيت طائفة منهم غير الذي تقول) * بيت أي تدبر الأمر بالليل والضمير في تقول للمخاطب وهو النبي صلى
الله عليه وسلم أو للطائفة * (فأعرض عنهم) * أي لا تعاقبهم * (أفلا يتدبرون القرآن) * حض على التفكر في معانيه لتظهر أدلته وبراهينه * (اختلافا كثيرا) * أي تناقضا كما في كلام البشر أو تفاوتا في الفصاحة لكن القرآن منزه عن ذلك فدل على أنه كلام الله وإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافا في شيء من القرآن فالواجب أن يتهم نظره ويسأل أهل العلم ويطالع تآليفهم حتى يعلم أن ذلك ليس باختلاف * (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) * قيل هم المنافقون وقيل قوم من ضعفاء المسلمين كانوا إذا بلغهم خبر عن السرايا والجيوش أو غير ذلك أذاعوا به أي تكلموا به
149

وشهروه قبل أن يعلموا صحته وكان في إذاعتهم له مفسدة على المسلمين مع ما في ذلك من العجلة وقلة التثبت فأنكر الله ذلك عليهم * (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * أي لو ترك هؤلاء القوم الكلام بذلك الأمر الذي بلغهم وردوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر وهم كبراء الصحابة وأهل البصائر منهم لعلمه القوم الذين يستنبطونه أي يستخرجونه من الرسول وأولي الأمر فالذين يستنبطونه على هذا طائفة من المسلمين يسألون عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر وحرف الجر في قوله يستبطونه منهم لابتداء الغاية وهو يتعلق بالفعل والضمير المجرور يعود على الرسول وأولي الأمر وقيل الذين يستنبطونه هو أولو الأمر كما جاء في الحديث عن عمر رضي الله عنه أنه سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه فدخل عليه فقال أطلقت نساءك فقال لا فقام على باب المسجد فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق نساءه فأنزل الله هذه القصة قال وأنا الذي استنبطته فعلى هذا يستنبطونه هم أولو الأمر والضمير المجرور يعود عليهم ومنهم لبيان الجنس واستنباطه على هذا هو سؤالهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم أو بالنظر والبحث واستنباطه على التأويل الأول وهو سؤال الذين أذاعوه للرسول عليه الصلاة والسلام ولأولي الأمر * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * أي هداه وتوفيقه أو بعثه للرسل وإنزاله للكتب والخطاب في هذه الآية للمؤمنين * (إلا قليلا) * أي إلا اتباعا قليلا فالاستثناء من المصدر والمعنى لولا فضل الله ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا في أمور قليلة كنتم لا تتبعونه فيها وقيل إنه استثناء من الفاعل في اتبعتم أي إلا قليلا منكم وهو الذي يقتضيه اللفظ وهم الذين كانوا قبل الإسلام غير متبعين للشيطان كورقة بن نوفل والفضل والرحمة على بعث الرسول وإنزال الكتاب وقيل إن الاستثناء من قوله أذاعوا به * (لا تكلف إلا نفسك) * لما تثاقل بعض الناس عن القتال قيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم أي إن أفردوك فقاتل وحدك فإنما عليك ذلك * (وحرض المؤمنين) * أي ليس عليك في شأن المؤمنين إلا التحريض * (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) * قيل عسى من الله واجبة والذين كفروا هنا قريش وقد كفهم الله بهزيمتهم في بدر وغيرها وبفتح مكة * (وأشد تنكيلا) * أي عقابا وعذابا * (شفاعة حسنة) * هي الشفاعة في مسلم لتفرج عنه كربة أو تدفع مظلمة أو يجلب إليه خيرا والشفاعة السيئة بخلاف ذلك وقيل الشفاعة الحسنة هي الطاعة والشفاعة السيئة هي المعصية والأول أظهر والكفل هو النصيب * (مقيتا) * قيل قديرا وقيل حفيظا وقيل الذي يقيت الحيوان أي يرزقهم القوت * (فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * معنى ذلك الأمر برد السلام والتخيير بين أن يرد بمثل ما سلم عليه أو بأحسن منه والأحسن أفضل مثل أن يقال له
150

سلام عليك فيرد السلام ويزيد الرحمة والبركة ورد السلام واجب على الكفاية عند مالك والشافعي وقال بعض الناس هو فرض عين واختلف في الرد على الكفار فقيل يرد عليهم لعموم الآية وقيل لا يرد عليهم وقيل يقال لهم عليكم حسبما جاء في الحديث وهو مذهب مالك ولا يبتدؤن بالسلام * (ليجمعنكم) * جواب قسم محذوف وتضمن معنى الحشر ولذلك تعدى بإلى * (ومن أصدق) * لفظه استفهام ومعناه لا أحد أصدق من الله * (فما لكم في المنافقين فئتين) * ما استفهامية بمعنى التوبيخ والخطاب للمسلمين ومعنى فئتين أي طائفتين مختلفتين وهو منصوب على الحال والمراد بالمنافقين هنا ما قال ابن عباس أنها نزلت في قوم كانوا بمكة مع المشركين فزعموا أنهم آمنوا ولم يهاجروا ثم سافر قوم منهم إلى الشام بتجارات فاختلف المسلمون هل يقاتلونهم ليغنموا تجارتهم لأنهم لم يهاجروا أو هل يتركونهم لأنهم مؤمنين وقال زيد بن ثابت نزلت في المنافقين الذين رجعوا عن القتال يوم أحد فاختلف الصحابة في أمرهم ويرد هذا قوله حتى يهاجروا * (أركسهم) * أي أضلهم وأهلكهم " ودوا لم تكفرون " الضمير للمنافقين أي تمنوا أن تكفروا * (فخذوهم) * يريد به الأسر * (إلا الذين يصلون) * الآية استثناء من قوله فخذوهم واقتلوهم ومعناها أن من وصل من الكفار غير المعاهدين إلى الكفار المعاهدين وهم الذين بينهم وبين المسلمين عهد ومهادنة فحكمه كحكمهم في المسالمة وترك قتاله وكان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ بالقتال في أول سورة براءة قال السهيلي وغيره الذين يصلون هم بنو مدلج بن كنانة إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق بنو خزاعة فدخل بنو مدلج في صلح خزاعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعنى يصلون إلى قوم ينتهون إليهم ويدخلون فيما دخلوا فيه من المهادنة وقيل معنى يصلون أي ينتسبون وهذا ضعيف جدا بدليل قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش وهم أقاربه وأقارب المؤمنين فكيف لا يقاتل أقارب الكفار المعاهدين أو جاؤكم حصرت صدورهم عطف على يصلون أو على صفة قوم وهي بينكم وبينهم ميثاق والمعنى يختلف باختلاف ذلك والأول أظهر وحصرت صدورهم في موضع الحال بدليل قراءة يعقوب حصرت ومعناه ضاقت عن القتال وكرهته ونزلت الآية في قوم جاؤوا إلى المسلمين وكرهوا أن يقاتلوا المسلمين وكرهوا أيضا أن يقاتلوا قومهم وهم أقاربهم الكفار فأمر الله بالكف عنهم ثم نسخ أيضا ذلك بالقتال * (فإن اعتزلوكم) * أي إن سالموكم فلا تقاتلوهم والسلم هنا الانقياد * (ستجدون آخرين) *
151

الآية نزلت في قوم مخادعين وهم من أسد وغطفان كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا من المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا ليأمنوا قومهم والفتنة هنا الكفر على الأظهر وقيل الاختبار " وما كن لمؤمن أن يقتل مؤمنا لا خطأ " نزلت بسبب قتل عياش بن ربيعة للحارث بن زيد وكان الحارث يعذبه على الإسلام ثم أسلم وهاجر ولم يعلم عياش بإسلامه فقتله وقيل إن الاستثناء هنا منقطع والمعنى لا يحل لمؤمن أن يقتل مؤمنا بوجه لكن الخطأ قد يقع والصحيح أنه متصل والمعنى لا ينبغي لمؤمن ولا يليق به أن يقتل مؤمنا إلا على وجه الخطأ من غير قصد ولا تعد إذ هو مغلوب فيه وانتصاب خطأ على أنه مفعول من أجله أو حال أو صفة لمصدر محذوف * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية) * هذا بيان ما يجب على القاتل خطأ فأوجب الله عليه التحرير والدية فأما التحرير ففي مال القاتل وأما الدية ففي مال
عاقلته وجاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وبيان للآية إذ لفظها يحتمل ذلك أو غيره وأجمع الفقهاء عليه واشترط مالك في الرقبة التي تعتق أن تكون مؤمنة ليس فيها عقد من عقود الحرية سالمة من العيوب أما إيمانها فنص هنا ولذلك أجمع العلماء عليه هنا واختلفوا في كفارة الظهار وكفارة اليمين وأما سلامتها من عقود الحرية فيظهر من قوله تعالى * (فتحرير رقبة) * لأن ظاهره أنه ابتداء عتق عند التكفير بها وأما سلامتها من العيب فزعموا أن إطلاق الرقبة يقتضيه وفي ذلك نظر ولم يبين في الآية مقدار الدية وهي عند مالك مائة من الإبل على أهل الإبل وألف دينار شرعية على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم شرعية على أهل الورق وروي ذلك عن عمر بن الخطاب * (مسلمة إلى أهله) * أي مدفوعة إليهم والأهل هنا الورثة واختلف في مدة تسليمها فقيل هي حالة عليهم وقيل يؤدونها في ثلاث سنين وقيل في أربع ولفظ التسليم مطلق وهو أظهر في الحلول لولا ما جاء من السنة في ذلك * (إلا أن يصدقوا) * الضمير يعود على أولياء المقتول أي إذا أسقطوا الدية سقطت وإذا أسقطها المقتول سقطت أيضا عند مالك والجمهور خلافا لأهل الظاهر وحجتهم عود الضمير على الأولياء وقال الجمهور إنما هذا إذا لم يسقطها المقتول * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) * معنى الآية أن المقتول خطأ إن كان مؤمنا وقومه كفارا أعداء وهم المحاربون فإنما في قتله التحرير خاصة دون الدية فلا تدفع لهم لئلا يتقووا بها على المسلمين ورأى ابن عباس أن ذلك إنما هو فيمن آمن وبقي في دار الحرب لم يهاجر وخالفه غيره ورأى مالك أن الدية في هذا البيت المال فالآية عنده منسوخة * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) * الآية معناها أن المقتول خطأ إن كان قومه كفارا معاهدين ففي مثله تحرير رقبة والدية إلى أهله لأجل معاهدتهم والمقتول على هذا مؤمن ولذلك قال مالك لا كفارة في قتل الذمي وقيل إن المقتول في هذه الآية كافر فعلى هذا تجب
152

الكفارة في قتل الذمي وقيل هي عامة في المؤمن والكافر ولفظ الآية مطلق إلا أن قيده قوله وهو مؤمن في الآية التي قبلها وقرأ الحسن هنا وهو مؤمن * (فمن لم يجد فصيام شهرين) * أي من لم يجد العتق ولم يقدر عليه فصيام الشهرين المتتابعين عوض منه * (توبة من الله) * منصوب على المصدرية ومعناه رحمة منه وتخفيفا * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) * الآية نزلت بسبب مقيس بن صبابة كان قد أخذ دية أخيه هشام المقتول خطأ ثم قتل رجلا من القوم الذين قتلوا أخاه وارتد مشركا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله والمتعمد عند الجمهور هو الذي يقصد القتل بحديدة أو حجر أو عصا أو غير ذلك وهذه الآية معطلة على مذهب الأشعرية وغيرهم ممن يقول لا يخلد عصاة المؤمنين في النار واحتج بها المعتزلة وغيرهم ممن يقول بتخليد العصاة في النار لقوله خالدا فيها وتأولها الأشعرية بأربعة أوجه أحدها أن قالوا إنها في الكافر إذا قتل مؤمنا والثاني قالوا معنى المتعمد هنا المستحل للقتل وذلك يؤول إلى الكفر والثالث قالوا الخلود فيها ليس بمعنى الدوام الأبدي وإنما هو عبارة عن طول المدة والرابع أنها منسوخة بقوله تعالى * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وأما المعتزلة فحملوها على ظاهرها ورأوا أنها ناسخة لقوله * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * واحتجوا على ذلك بقول زيد بن ثابت نزلت الشديدة بعد الهينة بقول ابن عباس الشرك والقتل من مات عليهما خلد وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل المؤمن متعمدا وتقتضي الآية وهذه الآثار أن للقتل حكما يخصه من بين سائر المعاصي واختلف الناس في القاتل عمدا إذا تاب هل تقبل توبته أم لا وكذلك حكى ابن رشد الخلاف في القاتل إذا اقتص منه هل يسقط عنه العقاب في الآخرة أم لا والصحيح أنه يسقط عنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة وبذاك قال جمهور العلماء * (ضربتم في سبيل الله) * أي سافرتم في الجهاد * (فتبينوا) * من البيان وقرئ بالثاء المثلثة من الثبات والتفعل فيها بمعنى الاستفعال أي اطلبوا بيان الأمر وثبوته " ألقى إليكم السلم " بغير ألف أي انقاد وألقى بيده وقرئ السلام بمعنى التحية ونزلت في سرية لقيت رجلا فسلم عليهم وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله فحمل عليه أحدهم فقتله فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان القاتل علم بن جثامة والمقتول عامر بن الأغبط وقيل القاتل أسامة بن زيد والمقتول مرداس بن بهيك * (تبتغون عرض الحياة الدنيا) * يعني الغنيمة وكان للرجل المقتول غنم * (فعند الله مغانم كثيرة) * وعد وتزهيد في غنيمة من أظهر الإسلام * (كذلك كنتم من قبل) * قيل معناه كنتم كفارا فهداكم الله للإسلام وقيل كنتم تخفون إيمانكم من قومكم * (فمن الله عليكم) * بالعزة والنصر حتى أظهرتموه * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) * الآية
153

معناها تفضيل المجاهدين على من لم يجاهد وهم القاعدون * (غير أولي الضرر) * لما نزلت الآية قام ابن أم مكتوم الأعمى فقال يا رسول الله هل من رخصة فإني ضرير البصر فنزل غير أولي الضرر وقرئ غير بالحركات الثلاث بالرفع صفة للقاعدين وبالنصب على الاستثناء أو الحال وبالخفض صفة للمؤمنين * (درجة) * قيل هي تفضيل على القاعدين من أهل العذر والدرجات على القاعدين بغير عذر وقيل إن الدرجات مبالغة وتأكيد الدرجة * (الحسنى) * الجنة * (أجرا) * منصوب على الحال من درجات أو المصدرية من معنى فضل وانتصب درجات على البدل من الأجر أو بفعل مضمر وانتصب مغفرة ورحمة بإضمار فعلها أي غفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة * (إن الذين توفاهم الملائكة) * الآية نزلت في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا فلما كان يوم بدر خرجوا مع الكفار فقتلوا منهم قيس بن الفاكه والحارث بن زمعة وقيس بن الوليد بن المغيرة وعلي بن أمية بن خلف ويحتمل أن يكون توفاهم ماضيا أو مضارعا وانتصب ظالمي على الحال * (قالوا فيم كنتم) * أي في أي شيء كنتم في أمر دينكم * (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) * اعتذار عن التوبيخ الذي وبخهم به الملائكة أي لم تقدروا على الهجرة وكان اعتذار بالباطل * (قالوا ألم تكن أرض الله واسعة) * رد عليهم وتكذيب لهم في اعتذارهم * (إلا المستضعفين) * الذين كان استضعافهم حقا قال ابن عباس كنت أنا وأبي وأمي ممن عنى الله بهذه الآية * (مراغما) * أي متحولا وموضعا يرغم عدوه بالذهاب إليه * (وسعه) * أي اتساع في الأرض وقيل في الرزق * (فقد وقع أجره على الله) * أي ثبت وصح * (ومن يخرج من بيته) * الآية حكمها على العموم ونزلت في ضمرة بن القيس وكان من المستضعفين بمكة وكان مريضا فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال أخرجوني فهيء له فراش فوضع عليه وخرج فمات في الطريق وقيل نزلت في خالد بن حزام فإنه هاجر إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات قبل أن يصل إلى أرض
الحبشة * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * اختلف العلماء في تأوليها على خمسة أقوال أولها أنها في قصر الصلاة الرباعية
154

إلى ركعتين في السفر ولذلك لا يجوز إلا في حال الخوف على ظاهر الآية وهو قول عائشة وعثمان رضي الله عنهما الثاني أن الآية تقتضي ذلك ولكن يؤخذ القصر في السفر دون الخوف من السنة ويؤيد هذا حديث يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب إن الله يقول إن خفتم وقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في السفر وهو آمن الثالث أن قوله إن خفتم راجع إلى قوله وإذا كنت فيهم الآية التي بعد ذلك والواو زائدة وهذا بعيد الرابع أنها في صلاة الخوف على قول من يرى أن تصلي كل طائفة ركعة خاصة قال ابن عباس فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة الخامس أنها في صلاة المسايفة فالقصر على هذا هو من هيأة الصلاة كقوله فإن خفتم فرجالا أو ركبانا وإذا قلنا إنها في القصر في السفر فظاهرها أن القصر رخصة والإتمام أفضل وهو مذهب الشافعي وقال مالك القصر أفضل وقيل إنهما سواء وأوجب أبو حنيفة القصر وليس في لفظ الآية ما يدل على مقدار المسافة التي تقصر فيها الصلاة لأن قوله إذا ضربتم في الأرض معناه السفر مطلقا ولذلك أجاز الظاهرية القصر في كل سفر طويل أو قصير ومذهب مالك والشافعي أن مسافة القصر ثمانية وأربعون ميلا واحتجوا بآثار عن عمر وابن عباس وكذلك ليس في الآية ما يدل على تخصيص القصر بسفر القربة أو السفر المباح دون سفر المعصية فإن لفظها مطلق في السفر ولذلك أجاز أبو حنيفة القصر في سفر القربة وفي المباح وفي سفر المعصية ومنعه مالك في سفر المعصية ومنعه ابن حنبل في المعصية وفي المباح وللقصر أحكام لا تتعلق بالآية فاضربنا عن ذكرها والمراد بالفتنة في هذه الآية القتال أو التعرض بما يكره * (وإذا كنت فيهم) * الآية في صلاة الخوف وظاهرها يقتضي أنها لا تصلى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه شرط كونه فيهم وبذلك قال أبو يوسف وأجازها الجمهور بعده صلى الله عليه وسلم لأنهم رأوا أن الخطاب له يتناول أمته وقد فعلها الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم واختلف الناس في صلاة الخوف على عشرة أقوال لاختلاف الأحاديث فيها ولسنا نضطر إلى ذكرها فإن تفسيرها لا يتوقف على ذلك وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع * (فلتقم طائفة منهم معك) * يقسم الإمام المسلمين على طائفتين فيصلي بالأولى نصف الصلاة وتقف الأخرى تحرس ثم يصلى بالثانية بقية الصلاة وتقف الأولى تحرس واختلف هل تتم كل طائفة صلاتها وهو مذهب الجمهور أم لا وعلى القول بالإتمام اختلف هل يتمونها في أثر صلاتهم مع الإمام أو بعد ذلك * (وليأخذوا أسلحتهم) * اختلفوا في المأمور بأخذ الأسلحة فقيل الطائفة المصلية وقيل الحارسة والأول أرجح لأنه قد قال بعد ذلك في الطائفة الأخرى وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ويدل ذلك على أنهم إن قوتلوا وهم في الصلاة جاز لهم أن يقاتلوا من قاتلهم وإلا لم يكن لأخذ الأسلحة معنى إذا لم يدفعوا بها من قاتلهم * (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) * الضمير في قوله فإذا سجدوا للمصلين والمعنى إذا سجدوا معك في الركعة الأولى وقيل إذا سجدوا في ركعة القضاء والضمير في قوله فليكونوا من ورائكم يحتمل
155

أن يكون للذين سجدوا أي إذا سجدوا فليقوموا وليرجعوا وراءكم وعلى هذا إن كان السجود في الركعة الأولى فيقتضي ذلك أنهم يقومون للحرابة بعد انقضاء الركعة الأولى ثم يحتمل بعد ذلك أن يقضوا بقية صلاتهم أو لا يقضونها وإن كان السجود في ركعة القضاء فيقتضي ذلك أنهم لا يقومون للحراسة إلا بعد القضاء وهو مذهب مالك والشافعي ويحتمل أن يكون الضمير في قوله فليكونوا للطائفة الأخرى أن يقفوا وراء المصلين يحرسونهم * (ولتأت طائفة أخرى) * يعني الطائفة الحارسة * (ود الذين كفروا) * الآية إخبار عما جرى في غزوة ذات الرقاع من عزم الكفار على الإيقاع بالمسلمين إذا اشتغلوا بصلاتهم فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك وشرعت صلاة الخوف حذرا من الكفار وفي قوله ميلة واحدة مبالغة أي مفاضلة لا يحتاج منها إلى ثانية * (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر) * الآية نزلت بسبب عبد الرحمن ابن عوف كان مريضا فوضع سلاحه فعنفه بعض الناس فرخص الله في وضع السلاح في حال المرض والمطر ويقاس عليهما كل عذر يحدث في ذلك الوقت * (إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا) * إن قيل كيف طابق الأمر بالحذر للعذاب المهين فالجواب أن الأمر بالحذر من العدو يقتضي توهم قوتهم وعزتهم فنفى ذلك الوهم بالإخبار أن الله يهينهم ولا ينصرهم لتقوى قلوب المؤمنين قال ذلك الزمخشري وإنما يصح ذلك إذا كان العذاب المهين في الدنيا والأظهر أنه في الآخرة * (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله) * الآية أي إذا فرغتم من الصلاة فاذكروا الله بألسنتكم وذكر القيام والقعود على الجنوب ليعم جميع أحوال الإنسان وقيل المعنى إذا تلبستم بالصلاة فافعلوها قياما فإن لم تقدروا فقعودا فإن لم تقدروا فعلى جنوبكم * (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) * أي إذا اطمأننتم من الخوف فأقيموا الصلاة على هيئتها المعهودة * (كتابا موقوتا) * أي محدودا بالأوقات وقال ابن عباس فرضا مفروضا * (ولا تهنوا في ابتغاء القوم) * أي لا تضعفوا في طلب الكفار * (إن تكونوا تألمون) * الآية معناها إن أصابكم ألم من القتال فكذلك يصيب الكفار ألم مثله ومع ذلك فإنكم ترجون إذا قاتلتموهم النصر في الدنيا والأجر في الآخرة وذلك تشجيع للمسلمين * (لتحكم بين الناس بما أراك الله) * يحتمل أن يريد بالوحي أو بالاجتهاد أو بهما وإذا تضمنت الاجتهاد ففيها دليل على إثبات النظر والقياس
156

خلافا لمن منع ذلك من الظاهرية وغيرهم * (ولا تكن للخائنين خصيما) * نزلت هذه الآية وما بعدها في قصة طعمة ابن الأبيرق إذ سرق طعاما وسلاحا لبعض الأنصار وجاء قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إنه بريء ونسبوا السرقة إلى غيره وظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم صادقون فجادل عنهم ليدفع ما نسب إليهم حتى نزل القرآن فافتضحوا فالخائنون في الآية هم السراق بنو الأبيرق وقال السهيلي هم بشر وبشير ومبشر وأسيد ومعناها لا تكن لأجل الخائنين مخاصما لغيرهم * (واستغفر الله) * أي من خصامك عن الخائنين على أنه صلى الله عليه وسلم إنما تكلم على الظاهر وهو يعتقد براءتهم * (إذ يبيتون) * أي يدبرون ليلا وإنما سمى التدبير قولا لأنه كلام النفس وربما كان معه كلام باللسان * (ومن يكسب خطيئة أو إثما) * قيل إن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد والإثم لا يكون إلا عن عمد وقيل هما بمعنى وكرر لاختلاف اللفظ * (ثم يرم به بريئا) * كان القوم قد نسبوا السرقة إلى لبيد بن سهل * (لهمت طائفة منهم أن يضلوك) * هم الذين جاؤوا إلى النبي صلى
الله عليه وسلم وأبرؤا ابن الأبيرق من السرقة وهذه الآية وإن كانت إنما نزلت بسبب هذه القصة فهي أيضا تتضمن أحكام غيرها وبقية الآية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتقدير لنعم الله عليه * (لا خير في كثير من نجواهم) * إن كانت النجوى هنا بمعنى الكلام الخفي فالاستثناء الذي بعدها منقطع وقد يكون متصلا على حذف مضاف تقديره إلا نجوى من أمر وإن كانت النجوى بمعنى الجماعة فالاستثناء متصل * (ومن يشاقق الرسول) * أي يعاديه والشقاق هو العداوة ونزلت الآية بسبب ابن الأبيرق لأنه ارتد وسار إلى المشركين ومات على الكفر وهي عامة فيه وفي غيره * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * استدل الأصوليون بها على صحة إجماع المسلمين وأنه لا يجوز مخالفته لأن من خالفه اتبع غير سبيل المؤمنين وفي ذلك نظر * (نوله ما تولى) * أي نتركه مع
157

اختياره الفاسد * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * قد تقدم الكلام على نظيرتها * (إن يدعون من دونه إلا إناثا) * الضمير في يدعون للكفار ومعنى يدعون يعبدون واختلف في الإناث هنا فقيل هي الأصنام لأن العرب كانت تسمي الأصنام بأسماء مؤنثة كاللات والعزى وقيل المراد الملائكة لقول الكفار إنهم إناث وكانوا يعبدونهم فذكر ذلك على وجه إقامة الحجة عليهم بقولهم الفاسد وقيل المراد الأصنام لأنها لا تفعل فيخبر عنها كما يخبر عن المؤنث * (إلا شيطانا مريدا) * يعنى إبليس وإنما قال إنهم يعبدونه لأنهم يطيعونه في الكفر والضلال والمريد هو الشديد العتو والإضلال * (لعنة الله) * صفة للشيطان * (وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) * الضمير للشيطان أي فرضته لنفسي من قولك فرض للجند وغيرهم والمراد بهم أهل الضلال * (ولأضلنهم) * أي أعدهم الأماني الكاذبة * (فليبتكن آذان الأنعام) * أي يقطعونها والإشارة بذلك إلى البحيرة وشبهها * (فليغيرن خلق الله) * التغيير هو الخصاء وشبهه وقد رخص جماعة من العلماء في خصاء البهائم إذا كان فيه منفعة ومنعه بعضهم لظاهر الآية وقيل التغيير هو الوشم وشبهه ويدل على هذا الحديث الذي لعن فيه الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن والمغيرات خلق الله * (محيصا) * أي معدلا ومهربا * (وعد الله حقا) * مصدران الأول مؤكد للوعد الذي يقتضيه قوله سندخلهم جنات والثاني مؤكد لوعد الله * (ليس بأمانيكم) * الآية اسم ليس مضمر تقديره الأمر وشبههه والخطاب للمسلمين وقيل للمشركين أي لا يكون ما تتمنون ولا ما يتمنى أهل الكتاب بل يحكم الله بين عباده ويجازيهم ذ بأعمالهم * (من يعمل سوءا يجز به) * وعيد حتم في الكفار ومقيد بمشيئة الله في المسلمين * (ومن يعمل من الصالحات) * دخلت من للتبعيض رفقا بالعباد لأن الصالحات على الكمال لا يطيقها البشر * (وهو مؤمن) * تقييد باشتراط الإيمان فإنه لا يقبل عمل إلا به * (نقيرا) * هو النقرة التي في ظهر نواة التمرة والمعنى تمثيل بأقل الأشياء * (واتبع ملة إبراهيم) * أي دين
158

الإسلام * (حنيفا) * حال من المتبع أو من إبراهيم * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * أي صفيا وهو مشتق من الخلة بمعنى المودة وفي ذلك تشريف لإبراهيم وترغيب في اتباعه * (ويستفتونك في النساء) * أي يسئلونك عما يجب عليهم في أمر النساء * (وما يتلى عليكم) * عطف على اسم الله أي يفتيكم الله والمتلو عليكم في الكتاب يعني القرآن * (في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن) * كان الرجل من العرب يتزوج اليتيمة من أقاربه بدون ما تستحقه من الصداق فقوله ما كتب لهن يعني ما تستحقه المرأة من الصداق وقوله وترغبون أن تنكحوهن يعني لجمالهن وما لهن من عير توفيه حقوقهن فنهاهم الله عز وجل عن ذلك أول السورة في قوله " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى " الآية وهذه الآية هي التي تليت عليهم في يتامى النساء والمستضعفين من الولدان عطف على يتامى النساء والذي يتلى في المستضعفين من الولدان وهو قوله يوصيكم الله في أولادكم لأن العرب كانت لا تورث البنت ولا الابن الصغير فأمر الله أن يأخذوا نصيبهم من الميراث * (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) * عطف على المستضعفين أي والذي يتلى عليكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط ويجوز أن يكون منصوبا تقديره ويأمركم أن تقوموا أو الخطاب في ذلك للأولياء والأوصياء أو للقضاة وشبههم والذي تلى عليهم في ذلك هو قوله * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * الآية وقوله ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلى غير ذلك * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) * معنى الآية إباحة الصلح بين الزوجين إذا خافت النشوز أو الإعراض وكما يجوز الصلح مع الخوف كذلك يجوز بعد وقوع النشوز أو الإعراض وقد تقدم معنى النشوز وأما الإعراض فهو أخف ووجوه الصلح كثيرة منها أن يعطيها الزوج شيئا أو تعطيه هي أو تسقط حقها من النفقة أو الاستمتاع أو غير ذلك وسبب الآية أن سودة بنت زمعة لما كبرت خافت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له أمسكني في نسائك ولا تقسم لي وقد وهبت يومي لعائشة * (والصلح خير) * لفظ عام يدخل فيه صلح الزوجين وغيرهما وقيل معناه صلح الزوجين خير من فراقهما فخير على هذا للتفضيل واللام في الصلح للعهد * (وأحضرت الأنفس الشح) * معناه أن الشح جعل حاضرا مع النفوس لا يغيب عنها لأنها جبلت عليه والشح هو أن لا يسمح الإنسان لغيره بشيء من حظوظ نفسه وشح المرأة من هذا هو طلبها لحقها من النفقة والاستمتاع وشح الزوج هو منع الصداق والتضييق في النفقة وزهده في المرأة لكبر سنها أو قبح صورتها * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) * معناه العدل التام الكامل في الأقوال
159

والأفعال والمحبة وغير ذلك فرفع الله ذلك عن عباده فإنهم لا يستطيعون وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ثم يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلو تؤاخذني بما لا أملك يعني ميله بقلبه وقيل إن الآية نزلت في ميله صلى الله عليه وسلم بقلبه إلى عائشة ومعناها اعتذار من الله تعالى عن عباده * (فتذروها كالمعلقة) * أي لا ذات زوج ولا مطلقة * (وإن يتفرقا) * الآية معناها إن تفرق الزوجان بطلاق أغنى الله كل واحد منهما من فضله عن صاحبه وهذا وعد بخير وتأنيس * (ولقد وصينا) * الآية إخبار أن الله وصى الأولين والآخرين بأن يتقوه * (ويأت بآخرين) * أي بقوم غيركم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت ضرب بيده على كتف سلمان الفارسي وقال هم قوم هذا * (من كان يريد ثواب الدنيا) * الآية تقتضي الترغيب في طلب ثواب الآخرة لأنه خير من ثواب الدنيا وتقتضي أيضا أن يطلب ثواب الدنيا والآخرة من الله وحده فإن ذلك بيده لا بيد غيره وعلى أحد هذين الوجهين يرتبط الشرط بجوابه فالتقدير على الأول من كان يريد ثواب الدنيا فلا يقتصر عليه خاصة فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وعلى الثاني من كان يريد ثواب الدنيا فليطلبه من الله فعند الله ثواب الدنيا والآخرة * (كونوا قوامين بالقسط) * أي مجتهدين في
إقامة العدل * (شهد الله) * معناه لوجه الله ولمرضاته * (ولو على أنفسكم) * يتعلق بشهد وشهادة الإنسان على نفسه هي إقراره بالحق ثم ذكر الوالدين والأقربين إذ هم مظنة للتعصب والميل فإقامة الشهادة على الأجنبيين من باب أولى وأحرى * (إن يكن غنيا أو فقيرا) * جواب إن محذوف على الأظهر أي إن يكن المشهود عليه غنيا فلا تمتنع من الشهادة تعظيما له وإن كان فقيرا فلا تمتنع من الشهادة عليه اتفاقا فإن الله أولى بالغني والفقير أي بالنظر إليهما * (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) * أن مفعول من أجله ويحتمل أن يكون المعنى من العدل فالتقدير إرادة أن تعدلوا بين الناس أو من العدل فالتقدير كراهة أن تعدلوا عن الحق * (وإن تلووا أو تعرضوا) * قيل إن الخطاب للحكام وقيل للشهود واللفظ عام في الوجهين واللي هو تحريف الكلام أي تلووا عن الحكم بالعدل أو عن الشهادة بالحق أو تعرضوا عن صاحب الحق أو عن المشهود له بالحق فإن الله يجازيكم فإنه خبير بما تعملون وقرئ إن تلوا بضم اللام من الولاية أي إن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عنها * (آمنوا بالله) * الآية خطاب للمسلمين
160

معناه الأمر بأن يكون أيمانهم على الكمال بكل ما ذكر أو يكون أمرا بالدوام على الإيمان وقيل خطاب لأهل الكتاب الذين آمنوا بالأنبياء المتقدمين معناه الأمر بأن يؤمنوا مع ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم قيل خطاب للمنافقين معناه الأمر بأن يؤمنوا بألسنتهم وقلوبهم * (إن الذين آمنوا ثم كفروا) * الآية قيل هي في المنافقين لترددهم بين الإيمان والكفر وقيل في اليهود والنصارى لأنهم آمنوا بأنبيائهم ثم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم والأول أرجح لأن الكلام من هنا فيهم والأظهر أنها فيمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ثم عاد إلى الإيمان ثم ارتد وازداد كفرا * (لم يكن الله ليغفر لهم) * ذلك فيمن علم الله أن يموت على كفره وقد يكون إضلالهم عقابا لهم بسوء أفعالهم * (وقد نزل عليكم في الكتاب) * الآية إشارة إلى قوله وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم وغيرها وفي الآية دليل على وجوب تجنب أهل المعاصي والضمير في قوله معهم يعود على ما يدل عليه سياق الكلام من الكافرين والمنافقين * (الذين يتربصون بكم) * صفة للمنافقين أي ينتظرون بكم دوائر الزمان * (ألم نستحوذ عليكم) * أي نغلب على أمركم بالنصرة لكم والحمية * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * قال علي بن أبي طالب وغيره ذلك في الآخرة وقيل السبيل هنا الحجة البالغة * (يخادعون الله) * ذكر في البقرة * (وهو خادعهم) * تسمية للعقوبة باسم الذنب لأن وبال خداعهم راجع عليهم * (مذبذبين) * أي مضطربين مترددين لا إلى المسلمين ولا إلى الكفار * (سلطانا مبينا) * أي حجة ظاهرة * (إن المنافقين في الدرك الأسفل) * أي في الطبقة السفلى من
161

جهنم وهي سبع طبقات وفي ذلك دليل على أنهم شر من الكفار * (إلا الذين تابوا) * استثناء من المنافقين والتوبة هنا الإيمان الصادق في الظاهر والباطن * (ما يفعل الله بعذابكم) * المعنى أي حاجة ومنفعة لله بعذابكم وهو الغني عنكم وقدم الشكر على الإيمان لأن العبد ينظر إلى النعم فيشكر عليها ثم يؤمن بالمنعم فكان الشكر سببا للإيمان متقدم عليه ويحتمل أن يكون الشكر يتضمن الإيمان ثم ذكر الإيمان بعده توكيدا واهتماما به والشاكر اسم الله ذكر في اللغات * (إلا من ظلم) * أي إلا جهر المظلوم فيجوز له من الجهر أن يدعو على من ظلمه وقيل أن يذكر ما فعل به من الظلم وقيل أن يرد عليه بمثل مظلمته إن كان شتمه * (إن تبدوا خيرا أو تخفوه) * الآية ترغيب في فعل الخير سرا وعلانية وفي العفو عن الظلم بعد أن أباح الانتصار لأن العفو أحب إلى الله من الانتصار وأكد ذلك بوصفه تعالى نفسه بالعفو مع القدرة * (إن الذين يكفرون) * الآية في اليهود والنصارى لأنهم آمنوا بأنبيائهم وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وغيره ومعنى التفريق بين الله ورسله الإيمان به والكفر برسله وكذلك التفريق بين الرسل هو الكفر ببعضهم والإيمان ببعضهم فحكم الله على من كان كذلك بحكم الكفر الحقيقي الكامل * (والذين آمنوا) * الآية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم آمنوا بالله وجميع رسله * (يسألك أهل الكتاب) * الآية روي أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لن نؤمن بك حتى تأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة وقيل كتاب إلى فلان وكتاب إلى فلان بأنك رسول الله وإنما طلبوا ذلك على وجه التعنت فذكر الله سؤالهم من موسى وسوء أدبهم معه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بالتأسي بغيره ثم ذكر أفعالهم القبيحة ليبين أن كفرهم إنما هو عناد وقد تقدم في البقرة ذكر طلبهم للرؤيا واتخاذهم العجل ورفع الطور فوقهم واعتدائهم في السبت وغير
162

ذلك بما أشير إليه هنا * (فبما نقضهم ميثاقهم) * ما زائدة للتأكيد والباء تتعلق بمحذوف تقديره بسبب نقضهم فعلنا بهم ما فعلنا أو تتعلق بقوله حرمنا عليهم ويكون فبظلم على هذا بدلا من قوله * (فبما نقضهم) * * (بهتانا عظيما) * هو أن رموا مريم بالزنا مع رؤيتهم الآية في كلام عيسى في المهد * (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم) * عدد الله في جملة قبائحهم قولهم إنا قتلنا المسيح لأنهم قالوها افتخارا وجرأة مع أنهم كذبوا في ذلك ولزمهم الذنب وهم لم يقتلوه لأنهم صلبوا الشخص الذي ألقى عليه شبهه وهم يعتقدون أنه عيسى وروي أن عيسى قال للحواريين أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل ويكون رفيقي في الجنة فقال أحدهم أنا فألقى عليه شبه عيسى فقتل على أنه عيسى وقيل بل دل على عيسى يهودي فألقى الله شبه عيسى على اليهودي فقتل اليهودي ورفع عيسى إلى السماء حيا حتى ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال * (رسول الله) * إن قيل كيف قالوا فيه رسول الله وهم يكفرون به ويسبونه فالجواب من ثلاثة أوجه أحدها أنهم قالوا ذلك على وجه التهكم والاستهزاء والثاني أنهم قالوه على حسب اعتقاد المسلمين فيه كأنهم قالوا رسول الله عندكم أو بزعمكم والثالث أنه من قول الله لا من قولهم فيوقف قبله وفائدة تعظيم ذنبهم وتقبيح قولهم إنا قتلناه * (وما قتلوه وما صلبوه) * رد عليهم وتكذيب لهم وللنصارى أيضا في قولهم إنه صلب حتى عبدوا الصليب من أجل ذلك والعجب كل العجب من تناقضهم في قوله إنه إله أو ابن إله ثم يقولون إنه صلب * (ولكن شبه لهم) * فيه تأويلان أحدهما ما ذكرناه من إلقاء شبهه على الحواري أو على اليهودي والآخر أن معناه شبه لهم الأمر أي خلط لهم القوم الذين حاولوا قتله بأنهم قتلوا رجلا آخر وصلبوه ومنعوا الناس أن يقربوا منه حتى تغير بحيث لا يعرف وقالوا للناس هذا عيسى ولم يكن عيسى فاعتقد الناس صدقهم وكانوا متعمدين للكذب * (وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه) * روى أنه لما رفع عيسى وألقي شبهه على غيره فقتلوه قالوا إن كان هذا المقتول عيسى فأين صاحبنا وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى فاختلفوا فقال بعضهم هو هو وقال بعضهم ليس هو فأجمعوا أن شخصا قتل واختلفوا من كان * (إلا اتباع الظن) * استثناء
منقطع لأن العلم تحقيق والظن تردد وقال ابن عطية هو متصل إذ الظن والعلم يجمعهما جنس المعتقدات فإن قيل كيف وصفهم بالشك وهو تردد بين احتمالين على السواء ثم وصفهم بالظن وهو ترجيح أحد الاحتمالين فالجواب أنهم كانوا على الشك ثم لاحت لهم أمارات فظنوا قاله الزمخشري وقد يقال الظن بمعنى الشك وبمعنى الوهم الذي هو أضعف من الشك * (وما قتلوه يقينا) * أي ما قتلوه قتلا يقينا فإعراب يقينا على هذا صفة لمصدر محذوف وقيل هي مصدر في موضع الحال أي ما قتلوه متيقنين وقيل هو تأكيد للنفي الذي في قوله ما قتلوه أي يتيقن نفي قتله وهو على هذا منصوب على المصدرية * (بل رفعه الله إليه) * أي إلى سمائه وقد ورد في حديث الإسراء أنه في السماء الثانية * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) * فيها تأويلان
163

أحدهما أن الضمير في موته لعيسى والمعنى أنه كل أحد من أهل الكتاب يؤمن بعيسى حين ينزل إلى الأرض قبل أن يموت عيسى وتصير الأديان كلها حينئذ دينا واحدا وهو دين الإسلام والثاني أن الضمير في موته للكتاب الذي تضمنه قوله وإن من أهل الكتاب التقدير وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى ويعلم أنه نبي قبل أن يموت هذا الإنسان وذلك حين معاينة الموت وهو إيمان لا ينفعه وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس وغيره وفي مصحف أبي بن كعب قبل موتهم وفي هذه القراءة تقوية للقول الثاني والضمير في به لعيسى على الوجهين وقيل هو لمحمد صلى الله عليه وسلم " ويصدهم " يحتمل أن يكون بمعنى الإعراض فيكون كثيرا صفة لمصدر محذوف تقديره صدا كثيرا أو بمعنى صدهم لغيرهم فيكون كثيرا مفعولا بالصد أي صدوا كثيرا من الناس عن سبيل الله * (لكن الراسخون في العلم منهم) * هو عبد الله ابن سلام ومخيرق ومن جرى مجراهم * (والمقيمين) * منصوب على المدح بإضمار فعل وهو جائز كثيرا في الكلام وقالت عائشة هو من لحن كتاب المصحف وفي مصحف ابن مسعود والمقيمون على الأصل * (إنا أوحينا إليك) * الآية رد على اليهود الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء واحتجاج عليهم بأن الذي أتى به وحي كما أتى من تقدم من الأنبياء بالوحي من غير إنزال الكتاب من السماء ولذلك أكثر من ذكر الأنبياء الذين كان شأنهم هذا لتقوم بهم الحجة * (ورسلا قد قصصناهم) * منصوب بفعل مضمر أي أرسلنا رسلا * (وكلم الله موسى تكليما) * تصريح بالكلام مؤكد بالمصدر وذلك دليل على بطلان قول المعتزلة إن الشجرة هي التي كلمت موسى * (رسلا مبشرين) * منصوب بفعل مضمر أو على البدل * (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) * أي بعثهم الله ليقطع حجة من يقول لو أرسل إلي رسولا لآمنت * (لكن الله يشهد) * الآية معناها أن الله يشهد بأن القرآن من عنده وكذلك تشهد الملائكة بذلك وسبب الآية إنكار اليهود للوحي فجاء الاستدراك على تقدير أنهم قالوا لن نشهد بما أنزل إليك فقيل لكن الله يشهد بذلك وفي الآية من أدوات البيان الترديد وهو ذكر الشهادة أولا ثم ذكرها في آخر الآية " أنزله
164

بعلمه) في هذا دليل لأهل السنة على إثبات علم الله خلافا للمعتزلة في قولهم إنه عالم بلا علم وقد تأولوا الآية بتأويل بعيد * (يا أيها الناس) * خطاب عام لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الناس * (فآمنوا خيرا لكم) * انتصب خبرا هنا وفي قوله انتهوا خيرا لكم بفعل مضمر لا يظهر تقديره إيتوا خيرا لكم هذا مذهب سيبويه وقال الخليل انتصب بقوله آمنوا وانتهوا على المعنى وقال الفراء فآمنوا إيمانا خيرا لكم فنصبه على النعت لمصدر محذوف وقال الكوفيون هو خبر كان المحذوفة تقديره يكن الإيمان خيرا لكم * (وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض) * أي هو غنى عنكم لا يضره كفركم * (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) * هذا خطاب للنصارى لأنهم غلوا في عيسى حتى كفروا فلفظ أهل الكتاب عموم يراد به الخصوص في النصارى بدليل ما بعد ذلك والغلو هو الإفراط وتجاوز الحد * (وكلمته) * أي مكون عن كلمته التي هي كن من غير واسطة أب ولا نطفة * (وروح منه) * أي ذو روح من الله فمن هنا لابتداء الغاية والمعنى من عند الله وجعله من عند الله لأن الله أرسل به جبريل عليه السلام إلى مريم * (ولا تقولوا ثلاثة) * نهى عن التثليث وهو مذهب النصارى وإعراب ثلاثة خبر مبتدأ مضمر * (له ما في السماوات وما في الأرض) * برهان على تنزيهه تعالى عن الولد لأنه مالك كل شيء * (لن يستنكف) * لن يأنف كذلك ومعناه حيث وقع * (ولا الملائكة) * فيه دليل لمن قال إن الملائكة أفضل من الأنبياء لأن المعنى لن يستنكف عيسى ومن فوقه * (قد جاءكم برهان) * هو القرآن وهو أيضا النور المبين ويحتمل أن يريد بالبرهان الدلائل والحجج وبالنور
165

النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سماه سراجا * (يستفتونك) * أي يطلبون منك الفتيا ويحتمل أن يكون هذا الفعل طلبا للكلالة ويفتيكم أيضا طلب لها فيكون من باب الإعمال وإعمال العامل الثاني على اختيار البصريين أو يكون يستفتونك مقطوعا عن ذلك فيوقف عليه والأول أظهر وقد تقدم معنى الكلالة في أول السورة والمراد بالأخت والأخ هنا الشقائق والذين للأب إذا عدم الشقائق وقد تقدم حكم الإخوة للأم في قوله وإن كان رجلا يورث كلالة الآية * (إن امرؤ هلك) * ارتفع بفعل مضمر عند البصريين ولا إشكال فيما ذكر هنا من أحكام المواريث * (أن تضلوا) * مفعول من أجله تقديره كراهية أن تضلوا
سورة المائدة
* (أوفوا بالعقود) * قيل إن العقود هنا عقدة الإنسان مع غيره من بيع ونكاح وعتق وشبه ذلك وقيل ما عقده مع ربه من الطاعات كالحج والصيام وشبه ذلك وقيل ما عقده الله عليهم من التحليل والتحريم في دينه ذكر مجملا ثم فصل بعد ذلك في قوله أحلت لكم وما بعده * (بهيمة الأنعام) * هي الإبل والبقر والغنم وإضافة البهيمة إليها من باب إضافة الشيء إلى ما هو أخص منه لأن البهيمة تقع على الأنعام وغيرها قال الزمخشري هي الإضافة التي بمعنى من كخاتم من حديد أي البهيمة من الأنعام وقيل هي الوحش كالظباء وبقر الوحش والمعروف من كلام العرب أن الأنعام لا تقع إلا على الإبل والبقر والغنم وأن البهيمة تقع على كل حيوان ما عدا الإنسان * (إلا ما يتلى عليكم) * يريد الميتة وأخواتها * (غير محلي الصيد) * نصب على الحال من الضمير في لكم * (وأنتم حرم) * حال من محلي الصيد وحرم جمع حرام وهو المحرم بالحج فالاستثناء بإلا من البهائم المحللة والاستثناء بغير من القوم المخاطبين * (لا تحلوا شعائر الله) * قيل هي مناسك الحج كان المشركون يحجون ويعتمرون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقيل لهم لا تحلوا شعائر الله أي لا تغيروا عليهم ولا تصدوهم وقيل هي الحرم وإحلاله الصيد فيه وقيل هي ما يحرم على الحاج من النساء
والطيب والصيد وغير ذلك وإحلاله فعله * (ولا الشهر الحرام) * قيل هو جنس الأشهر الحرام الأربعة وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وقيل أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة وإحلالها هو القتال فيها وتغيير حالها * (ولا الهدي) * هو ما يهدى إلى البيت الحرام من الأنعام ويذبح تقربا إلى الله فنهى الله أن يستحل بأن يغار عليه
166

أو يصد عن البيت * (ولا القلائد) * قيل هي التي تعلق في أعناق الهدي فنهى عن التعرض لها وقيل أراد ذوات القلائد من الهدي وهي البدن وجددها بالذكر بعد دخولها في الهدي اهتماما بها وتأكيدا لأمرها * (ولا آمين البيت الحرام) * أي قاصدين إلى البيت لحج أو عمرة ونهى الله عن الإغارة عليهم أو صدهم عن البيت ونزلت الآية على ما قال السهيلي بسبب الحكم البكري واسمه شريح بن ضبيعة أخذته خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقصد إلى الكعبة ليعتمر وهذا النهي عن إحلال هذه الأشياء عام في المسلمين والمشركين ثم نسخ النهي عن قتال المشركين بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وبقوله فلا يقرب المسجد الحرام وبقوله ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله * (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) * الفضل الربح في التجارة والرضوان الرحمة في الدنيا والآخرة * (وإذا حللتم فاصطادوا) * أي إذا حللتم من إحرامكم بالحج فاصطادوا إن شئتم فالأمر هنا إباحة بإجماع * (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) * معنى لا يجرمنكم لا يكسبنكم يقال جرم فلان فلانا هذا الأمر إذا أكسبه إياه وحمله عليه والشنآن هو البغض والحقد ويقال بفتح النون وإسكانها وأن صدوكم مفعول من أجله وأن تعتدوا مفعول ثان ليجرمنكم ومعنى الآية لا تحملنكم عداوة قوم على أن تعتدوا عليهم من أجل أن صدوكم عن المسجد الحرام ونزلت عام الفتح حين ظفر المسلمون بأهل مكة فأرادوا أن يستأصلوهم بالقتل لأنهم كانوا قد صدوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية فنهاهم الله عن قتلهم لأن الله علم أنهم يؤمنون * (وتعاونوا على البر والتقوى) * وصية عامة والفرق بين البر والتقوى أن البر عام في فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات وفي كل ما يقرب إلى الله والتقوى في الواجبات وترك المحرمات دون فعل المندوبات فالبر أعم من التقوى * (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) * الفرق بينهما أن الإثم كل ذنب بين العبد وبين الله أو بينه وبين الناس والعدوان على الناس * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) * تقدم الكلام عليها في البقرة * (والمنخنقة) * هي التي تخنق بحبل وشبهه * (والموقوذة) * هي المضروبة بعصا أو حجر وشبهه * (والمتردية) * هي التي تسقط من جبل أو شبه ذلك * (والنطيحة) * هي التي نطحتها بهيمة أخرى * (وما أكل السبع) * أي أكل بعضه والسبع كل حيوان مفترس كالذئب والأسد والنمر والثعلب والعقاب والنسر * (إلا ما ذكيتم) * قيل إنه استثناء منقطع وذلك إذا أريد بالمنخنقة وأخواتها ما مات من الاختناق والوقذ والتردية والنطح وأكل السبع والمعنى حرمت عليكم هذه الأشياء لكن ما ذكيتم من غيرها فهو حلال وهذا قول ضعيف لأنها إن ماتت بهذه الأسباب فهي ميتة فقد دخلت في عموم الميتة فلا فائدة لذكرها بعدها وقيل إنه استثناء متصل وذلك إن أريد بالمنخنقة وأخواتها ما أصابته تلك الأسباب وأدركت ذكاته والمعنى على هذا إلى ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء فهو حلال ثم اختلف أهل هذا القول هل يشترط أن تكون لم تنفذ مقاتلها أم لا وأما إذا لم تشرف على الموت من هذه الأسباب فذكاتها جائزة باتفاق * (وما ذبح على النصب) * عطف على المحرمات المذكورة والنصب
167

حجارة كان أهل الجاهلية يعظمونها ويذبحون عليها وليست بالأصنام لأن الأصنام مصورة والنصب غير مصورة وهي الأنصاب والمفرد نصاب وقد قيل إن النصب بضمتين مفرد وجمعه أنصاب * (وأن تستقسموا بالأزلام) * عطف على المحرمات أيضا والاستقسام هو طلب ما قسم له والأزلام هي السهام واحدها زلم بضم الزاي وفتحها وكانت ثلاثة قد كتب على أحدها أفعل وعلى الآخر لا تفعل والثالث مهمل فإذا أراد الإنسان أن يعمل أمرا جعلها في خريطة وأدخل يده وأخرج أحدها فإن خرج له الذي فيه افعل فعل ما أراد وإن خرج له الذي فيه لا تفعل تركه وإن خرج المهمل أعاد الضرب * (ذلكم فسق) * الإشارة إلى تناول المحرمات المذكورة كلها أو إلى الاستقسام بالأزلام وإنما حرمه الله وجعله فسقا لأنه دخول في علم الغيب الذي انفرد الله به فهو كالكهانة وغيرها مما يرام به الاطلاع على الغيوب * (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) * أي يئسوا أن يغلبوه ويطلبوه ونزلت بعد العصر من يوم الجمعة يوم عرفة في حجة الوداع فذلك هو اليوم المذكور لظهور الإسلام فيه وكثرة المسلمين ويحتمل أن يكون الزمان الحاضر لا اليوم بعينه * (اليوم أكملت لكم دينكم) * هذا الإكمال يحتمل أن يكون بالنصر والظهور أو بتعليم الشرائع وبيان الحلال والحرام * (فمن اضطر) * راجع إلى المحرمات المذكورة قبل هذا أباحها الله عند الاضطرار * (في مخمصة) * في مجاعة * (غير متجانف لإثم) * هذا بمعنى غير باغ ولا عاد وقد تقدم في البقرة * (فإن الله غفور رحيم) * قام مقام فلا جناح عليه وتضمن زيادة الوعد " يسئلونك ماذا أحل لهم " سببها أن المسلمين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لهم من المأكل وقيل لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب سألوه ماذا يحل لنا من الكلاب فنزلت مبينة للصيد بالكلاب * (قل أحل لكم الطيبات) * هي عند مالك الحلال وذلك مما لم يرد تحريمه في كتاب ولا سنة وعند الشافعي الحلال المستلذ فحرم كل مستقذر كالخنافس وشبهها لأنها من الخبائث * (وما علمتم من الجوارح) * عطف على الطيبات على حذف مضاف تقديره وصيد ما علمتم أو مبتدأ وخبره فكلوا مما أمسكن عليكم وهذا أحسن لأنه لا خلاف فيه والجوارح هي الكلاب ونحوها مما يصطاد به وسميت جوارح لأنها كواسب لأهلها فهو من الجرح بمعنى الكسب ولا خلاف في جواز الصيد بالكلاب واختلف فيمن سواها ومذهب الجمهور الجواز للأحاديث الواردة في البازات وغيرها ومنع بعض ذلك لقوله مكلبين فإنه مشتق من الكلب الكلب ونزلت الآية بسبب عدي بن حاتم كان له كلاب يصطاد بها فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل له الصيد * (مكلبين) * أي معلمين للكلاب الاصطياد وقيل معناه أصحاب كلاب وهو منصوب على الحال من ضمير الفاعل في علمتم ويقتضي قوله علمتم ومكلبين أنه لا يجوز الصيد إلا بجارح معلم لقوله وما علمتم وقوله مكلبين على القول الأول لتأكيده ذلك بقوله تعلمونهن وحد التعليم
168

عند ابن القاسم أن يعلم الجارح الإشلاء والزجر وقيل الإشلاء خاصة وقيل الزجر خاصة وقيل أن يجيب إذا دعي * (تعلمونهن مما علمكم الله) * أي تعلمونهن من الحيلة
في الاصطياد وتأتي تحصيل الصيد وهذا جزء مما علمه الله الإنسان فمن للتبعيض ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية والجملة في موضع الحال أو استئناف * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * الأمر هنا للإباحة ويحتمل أن يريد مما أمسكن سواء أكلت الجوارح منه أو لم تأكل وهو ظاهر إطلاق اللفظ وبذلك أخذ مالك ويحتمل أن يريد مما أمسكن ولم يأكل منه وبذلك فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فإن أكل منه فلا تأكل فإنه إنما أمسك على نفسه وقد أخذ بهذا بعض العلماء وقد ورد في حديث آخر إذا أكل فكل وهو حجة لمالك * (واذكروا اسم الله عليه) * هذا أمر بالتسمية على الصيد ويجري الذبح مجراه وقد اختلف الناس في حكم التسمية فقال الظاهرية إنها واجبة حملا للأمر على الوجوب فإن تركت التسمية عمدا أو نسيانا لم تؤكل عندهم وقال الشافعي أنها مستحبة حملا للأمر على الندب تؤكل عنده سواء تركت التسمية عمدا أو نسيانا وجعل بعضهم الضمير في عليه عائدا على الأكل فليس فيها على هذا أمر بالتسمية على الصيد ومذهب مالك أنه إن تركت التسمية عمدا لم تؤكل وإن تركت نسيانا أكلت فهي عنده واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * معنى حل حلال والذين أتوا الكتاب هم اليهود والنصارى واختلف في نصارى بني تغلب من العرب وفيمن كان مسلما ثم ارتد إلى اليهودية أو النصرانية هل يحل لنا طعامهم أم لا ولفظ الآية يقتضي الجواز لأنهم من أهل الكتاب واختلف في المجوس والصابئين هل هم أهل كتاب أم لا وأما الطعام فهو على ثلاثة أقسام أحدها الذبائح وقد اتفق العلماء على أنها مرادة في الآية فأجازوا كل ذبائح اليهود والنصارى واختلفوا فيما هو محرم عليهم في دينهم هل يحل لنا أم لا على ثلاثة أقوال الجواز والمنع والكراهة وهذا الاختلاف مبني على هل هو من طعامهم أم لا فإن أريد بطعامهم ما ذبحوه جاز وإن أريد به ما يحل لهم منع والكراهة توسط بين القولين القسم الثاني ما لا محاولة لهم فيه كالقمح والفاكهة فهو جائز لنا باتفاق والثالث ما فيه محاولة كالخبز وتعصير الزيت وعقد الجبن وشبه ذلك مما يمكن استعمال النجاسة فيه فمنعه ابن عباس لأنه رأى أن طعامهم هو الذبائح خاصة ولأنه يمكن أن يكون نجسا وأجازه الجمهور لأنه رأوه داخلا في طعامهم هذا إذا كان استعمال النجاسة فيه محتملا فأما إذا تحققنا استعمال النجاسة فيه كالخمر والخنزير والميتة فلا يجوز أصلا وقد صنف الطرطوشي في تحريم جبن النصارى وقال إنه ينجس البائع والمشتري والآلة لأنهم يعقدونه بأنفحة الميتة ويجري مجرى ذلك الزيت إذا علمنا أنهم يجعلونه في ظروف الميتة * (وطعامكم حل لهم) * هذه إباحة للمسلمين أن يطعموا أهل الكتاب من طعامهم * (والمحصنات) * عطف على الطعام المحلل وقد تقدم أن الإحصان له أربعة معان الإسلام والتزوج والعفة والحرية فأما الإسلام فلا يصح هنا لقوله من الذين أوتوا الكتاب وأما التزوج فلا يصح أيضا لأن ذات الزوج لا تحل لغيره ويحتمل هنا العفة والحرية فمن حمله
169

على العفة أجاز نكاح المرأة الكتابية سواء كانت حرة أو أمة ومن حمله على الحرية أجاز نكاح الكتابية الحرة ومنع الأمة وهو مذهب مالك ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله * (ولا تنكحوا المشركات) * لأن هذه في الكتابيات والأخرى في المشركات وقد جعل بعض الناس هذه ناسخة لتلك وقيل بالعكس وقد تقدم معنى * (فآتوهن أجورهن) * ومعنى الأخدان * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * الآية نزلت في غزوة المريسيع حين انقطع عقد عائشة رضي الله عنها فأقام الناس على التماسه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فنزلت الرخصة في التيمم فقال أسيد بن حضير ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر ولذلك سميت الآية آية التيمم وقد كان الوضوء مشروعا قبلها ثابتا بالسنة وقوله إذا قمتم إلى الصلاة معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضأوا أو ويقتضي ظاهرها وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة وهو مذهب ابن سيرين وعكرمة ومذهب الجمهور أنه لا يجب واختلفوا في تأويل الآية على أربعة أقوال الأول أن وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة منسوخ بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد والثاني أن ما تقتضيه الآية من التجديد يحمل على الندب والثالث أن تقديرها إذا قمتم محدثين فإنما يجب على من أحدث والرابع أن تقديرها إذا قمتم من النوم * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) * ذكر في هذه الآية أربعة أعضاء اثنين محدودين وهما اليدان والرجلان واثنين غير محدودين وهما الوجه والرأس أما المحدودان فتغسل اليدان إلى المرفقين والرجلان إلى الكعبين وجوبا بإجماع فإن ذلك هو الحد الذي جعل الله لهما واختلف هل يجب غسل المرفقين مع اليدين وغسل الكعبين مع الرجلين أم لا وذلك مبني على معنى إلى فمن جعل إلى بمعنى مع في قوله إلى المرافق وإلى الكعبين أوجب غسلهما ومن جعلها بمعنى الغاية لم يوجب غسلهما واختلف في الكعبين هل هما اللذان عند معقد الشراك أو العظمان الناتئان في طرف الساق وهو أظهر لأنه ذكرهما بلفظ التثنية ولو كان اللذان عند معقد الشراك لذكرهما بلفظ الجمع كما ذكر المرافق لأنه على ذلك في كل رجل كعب واحد وأما غير المحدودين فاتفق على وجوب إيعاب الوجه وحده طولا من أول منابت الشعر إلى آخر الذقن أو اللحية وحده عرضا من الأذن إلى الأذن وقيل من العذار إلى العذار وأما الرأس فمذهب مالك وجوب إيعابه كالوجه ومذهب كثير من العلماء جواز الاقتصار على بعضه لما ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته ولكنهم اختلفوا في القدر الذي يجزئ على أقوال كثيرة " وامسحوا برؤوسكم " اختلف في هذه الباء فقال قوم إنها للتبعيض وبنوا على ذلك جواز مسح بعض الرأس وهذا القول غير صحيح عند أهل العربية وقال القرافي إنها باء الاستعانة التي تدخل على الآلات وأن المعنى امسحوا أيديكم برؤوسكم وهذا ضعيف لأن الرأس على هذا ما مسح لا ممسوح وذلك خلاف المقصود وقيل إنها زائدة وهو ضعيف لأن هذا ليس موضع زيادتها والصحيح عندي أنها باء الإلصاق التي توصل الفعل إلى مفعوله لأن المسح تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف الجر كقوله * (فامسحوا بوجوهكم) * وكقوله * (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) * * (وأرجلكم إلى الكعبين) * قرىء وأرجلكم بالنصب عطفا على الوجوه والأيدي فيقتضي ذلك وجوب غسل الرجلين وقرئ بالخفض
170

فحمله بعضهم على أنه عطف على قوله برؤوسكم فأجاز مسح الرجلين روي ذلك عن ابن عباس وقال الجمهور لا يجوز مسحهما بل يجب غسلهما وتأولوا قراءة الخفض بثلاثة تأويلات أحدها أنه خفض على الجوار لا على العطف والآخر أنه يراد به المسح على الخفين والثالث أن ذلك منسوخ بالسنة والفرق بين الغسل والمسح أن المسح إمرار اليدين بالبلل الذي يبقى من الماء والغسل عند مالك إمرار اليد بالماء وعند الشافعي إمرار الماء وإن لم يدلك باليد * (وإن كنتم مرضى أو على سفر) * تقدم الكلام
على نظيرتها في النساء * (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) * أي من ضيق ولا مشقة كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم دين الله يسر وباقي الآية تفضل من الله على عباده ورحمة وفي ضمن ذلك ترغيب في الطهارة وتنشيط عليها * (وميثاقه الذي واثقكم به) * هو ما وقع في بيعة العقبة وبيعة الرضوان وكل موطن قال المسلمون فيه سمعنا وأطعنا * (كونوا قوامين) * تقدم الكلام على نظيرتها في النساء * (ولا يجرمنكم) * أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم * (إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم) * في سببها أربعة أقوال الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني النضير من اليهود فهموا أن يصبوا عليه صخرة يقتلونه بها فأخبره جبريل بذلك فقام من المكان ويقوي هذا القول ما ورد في الآيات بعد هذا في غدر اليهود والثاني أنها نزلت في شأن الأعرابي الذي سل السيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجده في سفر وهو وحده وقال له من يمنعك مني قال الله فأغمد السيف وجلس واسمه غورث بن الحارث الغطفاني والثالث أنها فيما هم به الكفار من الإيقاع بالمسلمين حين نزلت صلاة الخوف والرابع أنها على الإطلاق في دفع الله الكفار عن المسلمين * (اثني عشر نقيبا) * النقيب هو كبير القوم القائم بأمورهم * (إني معكم) *
171

أي بنصري والخطاب لبني إسرائيل وقيل للنقباء * (يحرفون الكلم) * اختلف هل أريد تحريف الألفاظ أو المعاني (ولا تزال تطلع على خائنة منهم) أي على خيانة فهو مصدر كالعاقبة وقيل على طائفة خائنة وهو إخبار بأمر مستقبل * (فاعف عنهم) * منسوخ بالسيف والجزية * (ومن الذين قالوا إنا نصارى) * أي ادعوا أنهم أنصار الله وسموا أنفسهم بذلك ثم كفروا بالله ووصفوه بما لا يليق به وتتعلق من الذين بأخذنا ميثاقهم والضمير عائد على النصارى * (فأغرينا) * أي أثبتنا وألصقنا وهو مأخوذ من الإغراء * (يا أهل الكتاب) * في الموضعين يعم اليهود والنصارى وقيل إنها نزلت بسبب اليهود الذين كانوا بالمدينة فإنهم كانوا يذكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصفونه بصفته فلما حل بالمدينة كفروا به * (قد جاءكم رسولنا) * يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وفي الآية دلالة على صحة نبوته لأنه بين لهم ما أخفوه مما في كتبهم وهي أمي لم يقرأ كتبهم * (ويعفو عن كثير) * أي يتركه ولا يفضحكم " فيه نور وكتاب مبين " محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن * (قل فمن يملك من الله شيئا) * الآية رد على الذين قالوا إن الله هو عيسى وهم فرقة من النصارى * (يخلق ما يشاء) * إشارة إلى خلقه عيسى من غير والد * (وقالت اليهود والنصارى) * أي قالت كل فرقة عن نفسها إنهم أبناء الله وأحباؤه والبنوة هنا بنوة الحنان والرأفة وقال الزمخشري المعنى نحن أشياع أبناء الله عندهم وهما المسيح وعزير كما يقول حشم الملوك نحن الملوك * (فلم يعذبكم) * رد عليهم لأنهم قد اعترفوا أنهم يدخلون النار أياما معدودات وقد أخذ الصوفية من الآية أن المحب لا يعذب
172

حبيبه ففي ذلك بشارة لمن أحبه الله * (وجعلكم ملوكا) * قيل جعل منكم ملوكا أي أمراء وقيل الملك من له مسكن وامرأة وخادم * (ما لم يؤت أحدا من العالمين) * قيل يعني المن والسلوى والغمام وغير ذلك من الآيات وعلى هذا يكون العالمين خاصا بأهل زمانهم لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد أوتيت من آياته مثل ذلك وأعظم وقيل المراد كثرة الأنبياء فعلى هذا يكون عاما لأن الأنبياء في بني إسرائيل أكثر منهم في سائر الأمم * (الأرض المقدسة) * أرض بيت المقدس وقيل الطور وقيل دمشق * (التي كتب الله لكم) * أي قضى أن تكون لكم * (ولا ترتدوا على أدباركم) * يحتمل أن يريد الارتداد عن الدين والطاعة والرجوع إلى الطريق الذي جاءوا منه فإنه روي أنه لما أمرهم موسى عليه السلام بدخول الأرض المقدسة خافوا من الجبارين الذين فيها وهموا أن يقدموا على أنفسهم رئيسا ويرجعوا إلى مصر * (قوما جبارين) * هم العمالقة * (قال رجلان) * هما يوشع وكالب * (يخافون) * أي يخافون الله وقيل يخافون الجبارين ولكن الله أنعم عليهما بالصبر والثبوت لصدق إيمانهما * (ادخلوا عليهم الباب) * أي باب المدينة * (فاذهب أنت وربك) * إفراط في العصيان وسوء الأدب بعبارة تقتضي الكفر والاستهانة بالله ورسوله وأين هؤلاء من الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لسنا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون * (لا أملك إلا نفسي وأخي) * قاله موسى عليه السلام ليتبرأ إلى الله من قول بني إسرائيل ويبذل جهده في طاعة الله ويعتذر إلى الله وإعراب أخي عطف على نفسي لأن أخاه هارون كان يطيعه وقيل عطف على الضمير في لا أملك أي لا أملك أنا إلا نفسي ولا يملك أخي إلا نفسه وقيل مبتدأ وخبره محذوف أي أخي لا يملك إلا نفسه * (فافرق بيننا) * أي فارق بيننا وبينهم فهو من الفرقة وقيل افصل بيننا وبينهم بحكم * (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة) * الضمير في قال لله تعالى وحرم الله على جميع بني إسرائيل دخول تلك المدينة أربعين سنة وتركهم في هذه المدة يتيهون في الأرض أي في أرض التيه وهو ما بين مصر والشام حتى مات كل من قال إنا لن ندخلها ولم يدخلها أحد من ذلك الجيل إلا يوشع وكالب ومات هارون في التيه ومات موسى بعده في التيه أيضا وقيل إن موسى وهارون لم يكونا في التيه لقوله فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وخرج يوشع ببني إسرائيل بعد الأربعين سنة وقاتل الجبارين وفتح المدينة والعامل في أربعين محرمة على الأصح فيجب وصله معه وقيل العامل فيه يتيهون فعلى هذا يجوز الوقف على قوله محرمة عليهم وهذا ضعيف لأنه لا حامل على تقديم المعمول هنا مع أن القول الأول أكمل معنى لأنه بيان لمدة التحريم والتيه * (يتيهون) * أي يتحيرون وروي
173

أنهم كانوا يسيرون الليل كله فإذا أصبحوا وجدوا أنفسهم في الموضع الذي كانوا فيه * (فلا تأس) * أي لا تحزن والخطاب لموسى وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم ويراد بالفاسقين من كان في عصره من اليهود * (نبأ ابني آدم) * هما قابيل وهابيل * (إذ قربا قربانا) * روي أن قابيل كان صاحب زرع فقرب أرذل زرعه وكان هابيل صاحب غنم فقرب أحسن كبش عنده وكانت العادة حينئذ أن يقرب الإنسان قربانه إلى الله ويقوم يصلي فإذا نزلت نار من السماء وأكلت القربان فذلك دليل على القبول وإلا فلا قبول فنزلت النار فأخذت كبش هابيل ورفعته وتركت زرع قابيل فحسده قابيل فقتله * (إنما يتقبل الله من المتقين) * استدل بها المعتزلة وغيرهم على أن صاحب المعاصي لا يتقبل عمله وتأولها الأشعرية بأن التقوى هنا يراد بها تقوى الشرك * (لئن بسطت إلي يدك) * الآية قيل معناها لئن بدأتني بالقتال لم أبدأك به وقيل إن بدأتني بالقتال لم أدافعك ثم اختلف على هذا القول هل تركه لدفاعه عن نفسه تورعا وفضيلة وهو الأظهر والأشهر وكان واجبا عندهم أن لا يدافع أحد عن نفسه وهو قول مجاهد وأما في شرعنا فيجوز دفع الإنسان عن نفسه بل يجب * (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) * الإرادة هنا ليست بإرادة محبة وشهوة وإنما هو تخيير في أهون
الشرين كأنه قال إن قتلتني فذلك أحب إلي من أن أقتلك كما ورد في الأثر كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل وأما قوله بإثمي وإثمك فمعناه بإثم قتلي لك لو قتلتك وبإثم قتلك لي وإنما يحمل القاتل الإثمين لأنه ظالم فذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم المتسابان ما قالا فهو على البادىء وقيل بإثمي أي تحمل عني سائر ذنوبي لأن الظالم تجعل عليه في القيامة ذنوب المظلوم وبإثمك أي في قتلك لي وفي غير ذلك من ذنوبك * (وذلك جزاء الظالمين) * يحتمل أن يكون من كلام هابيل أو استئنافا من كلام الله تعالى * (فبعث الله غرابا) * الآية روي أن غرابين اقتتلا حتى قتل أحدهما الآخر ثم جعل القاتل يبحث عن التراب ويواري الميت وقيل بل كان غرابا واحدا يبحث ويلقي التراب على هابيل " سوءة أخيه " أي عورته وخصت بالذكر لأنها أحق بالستر من سائر الجسد والضمير في أخيه عائد على ابن آدم ويظهر من هذه القصة أن هابيل كان أول من دفن من بني آدم " قال يا ولتا " أصله يا ويلتي ثم أبدل من الياء ألف وفتحت التاء وكذلك يا أسفي ويا حسرتي * (فأصبح من النادمين) * على ما وقع فيه من قتل أخيه واختلف في قابيل هل كان كافرا أو عاصيا والصحيح أنه لم يكن في تلك المدة كافرا لأنه قصد التقرب إلى الله بالقربان وأصبح
174

هنا وفي الموضع عبارة عن جميع الأوقات لا مختصة بالصباح * (من أجل ذلك) * يتعلق بكتبنا وقيل بالنادمين وهو ضعيف * (كتبنا على بني إسرائيل) * أي فرضنا عليهم أو كتبناه في كتبهم * (بغير نفس) * معناه من غير أن يقتل نفسا يجب عليه القصاص * (أو فساد في الأرض) * يعني الفساد الذي يجب به القتل كالحرابة * (فكأنما قتل الناس جميعا) * تمثيل قاتل الواحد بقاتل الجميع يتصور من ثلاث جهات إحداها القصاص فإن القصاص في قاتل الواحد والجميع سواء الثانية انتهاك الحرمة والإقدام على العصيان والثالثة الإثم والعذاب الأخروي قال مجاهد وعد الله قاتل النفس بجهنم والخلود فيها والغضب واللعنة والعذاب العظيم فلو قتل جميع الناس لم يزد على ذلك وهذا الوجه هو الأظهر لأن القصد بالآية تعظيم قتل النفس والتشديد فيه لينزجر الناس عنه وكذلك الثواب في إحيائها كثواب إحياء الجميع لتعظيم الأمر والترغيب فيه وإحياؤها هو إنقاذها من الموت كإنقاذ الحريق أو الغريق وشبه ذلك وقيل بترك قتلها وقيل بالعفو إذا وجب القصاص * (ولقد جاءتهم) * الضمير لبني إسرائيل والمعنى تقبيح أفعالهم وفي ذلك إشارة إلى ما هموا به من قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) * الآية سببها عند ابن عباس أن قوما من اليهود كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وقال جماعة نزلت في نفر من عكل وعرينة أسلموا ثم إنهم قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا إبله ثم حكمها بعد ذلك في كل محارب والمحاربة عند مالك هي حمل السلاح على الناس في بلد أو في خارج بلد وقال أبو حنيفة لا يكون المحارب إلى خارج البلد وقوله يحاربون الله تغليظ ومبالغة وقال بعضهم تقديره يحاربون رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ضعيف لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر بعد ذلك وقيل يحاربون عباد الله وهو أحسن * (ويسعون في الأرض فسادا) * بيان للحرابة وهي على درجات أدناها إخافة الطريق ثم أخذ المال ثم قتل النفس * (أن يقتلوا أو يصلبوا) * الصلب مضاف إلى القتل وقيل يقتل ثم يصلب ليراه أهل الفساد فينزجروا وهو قول أشهب وقيل يصلب حيا ويقتل على الخشبة وهو قول ابن القاسم * (أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) * معناه أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ثم إن عاد قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى وقطع اليد عند مالك والجمهور من الرسغ وقطع الرجل من المفصل وذلك في الحرابة وفي السرقة * (أو ينفوا من الأرض) * مشهور مذهب مالك أن ينفى من بلد إلى بلد آخر ويسجن فيه إلى أن تظهر توبته وروى عنه مطرف أنه يسجن في البلد بعينه وبذلك قال أبو حنيفة وقيل ينفى إلى بلد آخر دون أن يسجن فيه ومذهب مالك أن الإمام مخير في المحارب بين أن يقتله ويصلبه أو يقتله ولا يصلبه أو يقطع يده ورجله أو ينفيه إلا أنه قال إن كان قتل فلا بد من قتله وإن لم يقتل فالأحسن أن يأخذ
175

فيه بأيسر العقاب وقال الشافعي وغيره هذه العقوبات مرتبة فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ولم يصلب ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ومن أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالا نفي وحجة مالك عطف هذه العقوبات بأو التي تقتضي التخيير * (خزي في الدنيا) * هو العقوبة وعذاب الآخرة النار وظاهر هذا أن العقوبة في الدنيا لا تكون كفارة للمحارب بخلاف سائر الحدود ويحتمل أن يكون الخزي في الدنيا لمن عوقب فيها والعذاب في الآخرة لمن لم يعاقب * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) * قيل هي في المشركين وهو ضعيف لأن المشرك لا يختلف حكم توبته قبل القدرة عليه وبعدها وقيل هي في المحاربين من المسلمين وهو الصحيح وهم الذين جاءتهم العقوبات المذكورة فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه فقد سقط عنه حكم الحرابة لقوله فاعلموا أن الله غفور رحيم واختلف يطالب بما عليه من حقوق الناس في الدماء والأموال أولا فوجه المطالبة بها أنها زائدة على حد الحرابة التي سقطت عنه بالتوبة ووجه إسقاطها إطلاق قوله غفور رحيم * (وابتغوا إليه الوسيلة) * أي ما يتوسل به ويتقرب به إليه من الأعمال الصالحة والدعاء وغير ذلك * (ليفتدوا به) * إن قيل لم وحد الضمير وقد ذكر شيئين وهما ما في الأرض ومثله فالجواب أنه وضع المفرد في موضع الاثنين وأجرى الضمير مجرى اسم الإشارة كأنه قال ليفتدوا بذلك أو تكون الواو بمعنى مع * (عذاب مقيم) * أي دائم وكذلك نعيم مقيم * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * عموم الآية يقتضي قطع كل سارق إلا أن الفقهاء اشترطوا في القطع شروطا خصصوا بها العموم فمن ذلك من اضطره الجوع إلى السرقة لم يقطع عند مالك لتحليل الميتة له وكذلك من سرق مال والده أو سيده أو من سرق من غير حرز أو سرق أقل من النصاب وهو عند مالك ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة أو ما يساوي أحدهما وأدلة التخصيص بهذه الأشياء في غير هذه الآية وقد قيل إن الحرز مأخوذ من هذه الآية لأن ما أهمل بغير حرز أو ائتمن عليه فليس أخذه سرقة وإنما هو اختلاس أو خيانة وإعراب السارق عند سيبويه مبتدأ وخبره محذوف كأنه قال فيما يتلى عليكم السارق والسارقة والخبر عند المبرد وغيره فاقطعوا أيديهما ودخلت الفاء لتضمنها معنى الشرط * (فمن تاب من بعد ظلمه) * الآية توبة السارق هو أن يندم على ما مضى ويقلع فيما يستقبل ويرد ما سرق إلى من يستحقه واختلف إذا تاب قبل أن يصل إلى الحاكم هل يسقط عنه القطع وهو مذهب الشافعي لظاهر الآية أو لا يسقط عنه وهو مذهب مالك لأن الحدود عنده
176

لا تسقط بالتوبة إلا عن المحارب للنص عليه * (يعذب من يشاء) * قدم العذاب على المغفرة لأنه قوبل بذلك تقدم السرقة على التوبة * (يا أيها الرسول) * الآية
خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على وجه التسلية * (من الذين قالوا آمنا بأفواههم) * هم المنافقون * (ومن الذين هادوا) * يحتمل أن يكون عطفا على الذين قالوا آمنا ثم يكون سماعون استئناف إخبار عن الصنفين المنافقين واليهود ويحتمل أن يكون من الذين هادوا استئنافا منقطعا مما قبله وسماعون راجع إليهم خاصة * (سماعون لقوم آخرين) * أي سماعون كلام قوم آخرين من اليهود الذين لا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم لإفراط البعضة والمجاهرة بالعداوة فقوله لم يأتوك صفة لقوم آخرين والمراد بالقوم الآخرين يهود خيبر والسماعون للكذب بنو قريظة * (يحرفون الكلم من بعد مواضعه) * أي يبدلونه من بعد أن يوضع في موضعه وقصدت به وجوهه القويمة وذلك من صفة اليهود * (يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه) * نزلت بسبب أن يهوديا زنى بيهودية فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود عن حد الزاني عندهم فقالوا نجلدهما ونحمم وجوههما فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في التوراة الرجم فأنكروا ذلك فأمرهم أن يأتوا بالتوراة فقرؤها فجعل أحدهم يده على آية الرجم فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع فإذا آية الرجم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهودي واليهودية فرجما فمعنى قولهم إن أوتيتم هذا فخذوه إن أوتيتم الذي ذكرتم من الجلد والتحميم فخذوه واعملوا به وإن لم تؤتوه وأفتاكم محمد صلى الله عليه وسلم بغيره فاحذروا * (فتنته) * أي ضلالته في الدنيا أو عذابه في الآخرة * (في الدنيا خزي) * الذلة والمسكنة والجزية * (سماعون للكذب) * إن كان الأول في اليهود فكررها هنا تأكيدا وإن كان الأول في المنافقين واليهود فهذا في اليهود خاصة * (أكالون للسحت) * أي للحرام من الرشوة والربا وشبه ذلك * (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * هذا تخيير للنبي صلى الله عليه وسلم في أن يحكم بين اليهود أو يتركهم وهو أيضا يتناول الحاكم وقيل إنه منسوخ بقوله وأن أحكم بينهم بما أنزل الله * (وكيف يحكمونك) * الآية استبعادلتحكمهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يؤمنون به مع أنهم يخالفون حكم التوراة التي يدعون الإيمان بها فمعنى ثم يتولون من بعد ذلك أي يتولون عن اتباع حكم الله في التوراة من بعد كون حكم الله فيها موجودا عندهم ومعلوما في قضية الرجم وغيرها * (وما أولئك بالمؤمنين) * يعني أنهم لا يؤمنون بالتوراة وبموسى عليه
177

السلام وهذا إلزام لهم لأن من خالف كتاب الله وبدله فدعواه الإيمان به باطلة * (النبيون الذين أسلموا) * هم الأنبياء الذين بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومعنى أسلموا هنا أخلصوا لله وهو صفة مدح أريد به التعريض باليهود لأنهم بخلاف هذه الصفة وليس المراد هنا الإسلام الذي هو ضد الكفر لأن الأنبياء لا يقال فيهم أسلموا على هذا المعنى لأنهم لم يكفروا قط وإنما هو كقول إبراهيم عليه السلام أسلمت لرب العالمين وقوله تعالى فقل أسلمت وجهي لله * (للذين هادوا) * متعلق بيحكم أي يحكم الأنبياء بالتوراة للذين هادوا ويحملونهم عليها ويتعلق بقوله فيه هدى ونور * (بما استحفظوا) * أي كلفوا حفظه والباء هنا سببية قاله الزمخشري ويحتمل أن تكون بدلا من المجرور في قوله يحكم بها * (فلا تخشوا الناس) * وما بعده خطابا لليهود ويحتمل أن تكون وصية للمسلمين يراد بها التعريض باليهود لأن ذلك من أفعالهم * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * قال ابن عباس نزلت الثلاثة في اليهود الكافرون والظالمون والفاسقون وقد روي في هذا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال جماعة هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود والمسلمين وغيرهم إلا أن الكفر في حق المسلمين كفر معصية لا يخرجهم عن الإيمان وقال الشافعي الكافرون في المسلمين والظالمون في اليهود والفاسقون في النصارى * (وكتبنا عليهم فيها) * كتبنا بمعنى الكتابة في الألواح أو بمعنى الفرض والإلزام والضمير في عليهم لبني إسرائيل وفي قوله فيها للتوراة * (أن النفس بالنفس) * أي تقتل النفس إذا قتلت نفسا وهذا إخبار عما في التوراة وهو حكم في شريعتنا بإجماع إلا أن هذا اللفظ عام وقد خصص العلماء منه أشياء فقال مالك لا يقتل مؤمن بكافر للحديث الوارد في ذلك ولا يقتل حر بعبد لقوله الحر بالحر والعبد بالعبد وقد تقدم الكلام على ذلك في البقرة * (والعين بالعين) * وما بعده حكم القصاص في الأعضاء والقراءة بنصب العين وما بعده عطف على النفس وقرئ بالرفع ولها ثلاثة أوجه أحدها العطف على موضع النفس لأن المعنى قلنا لهم النفس بالنفس والثاني العطف على الضمير الذي في الخبر وهو بالنفس والثالث أن يكون مستأنفا مرفوعا بالابتداء * (والجروح قصاص) * بالنصب عطف على المنصوبات قبله وبالرفع على الأوجه الثلاثة التي في رفع العين وهذا اللفظ عام يراد به الخصوص في الجراح التي لا يخاف على النفس منها * (فمن تصدق به فهو كفارة له) * فيه تأويلان أحدهما من تصدق من أصحاب الحق بالقصاص وعفا عنه فذلك كفارة له يكفر الله ذنوبه لعفوه وإسقاطه حقه والثاني من تصدق وعفا فهو كفارة للقاتل والجارح بعفو الله عنه في ذلك لأن صاحب الحق قد عفا عنه فالضمير في له على التأويل الأول يعود على من التي هي كناية عن
178

المقتول أو المجروح أو الولي وعلى الثاني يعود على القاتل أو الجارح وإن لم يجر له ذكر ولكن سياق الكلام يقتضيه والأول أرجح لعود الضمير على مذكور وهو من ومعناها واحد على التأويلين والصدقة بمعنى العفو على التأويلين إلا أن التأويل الأول بيان لأجر من عفا وترغيب في العفو والتأويل الثاني بيان لسقوط الإثم عن القاتل أو الجارح إذا عفى عنه * (مصدقا لما بين يديه) * قد تقدم معنى مصدق في البقرة ولما بين يديه يعني التوراة لأنها قبله والقرآن مصدق للتوراة والإنجيل لأنهما قبله ومصدقا عطف على موضع قوله فيه هدى ونور لأنه في موضع الحال * (ومهيمنا) * ابن عباس شاهدا وقيل مؤتمنا * (عما جاءك من الحق) * تضمن الكلام معنى لا تنصرف أو لا تنحرف ولذلك تعدى بعن * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * ابن عباس سبيلا وسنة والخطاب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو الأمم والمعنى أن الله جعل لكل أمة شريعة يتبعونها وقد استدل بها من قال إن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا وذلك في الأحكام والفروع وأما الاعتقاد فالدين فيها واحد لجميع العالم وهو الإيمان بالله وتوحيده وتصديق رسله والإيمان بالدار الآخرة * (فاستبقوا الخيرات) * استدل به قوم على أن تقديم الواجبات أفضل من تأخيرها وهذا متفق عليه في العبادات كلها إلا الصلاة ففيها خلاف فمذهب الشافعي أن تقديمها في أول وقتها أفضل وعكس أبو حنيفة وفي مذهب مالك خلاف وتفصيل واتفقوا أن تقديم المغرب أفضل * (وأن احكم بينهم) * عطف على الكتاب في قوله وأنزلنا إليك الكتاب أو على الحق في قوله بالحق وقال قوم إن هذا وقوله قبله فاحكم بينهم ناسخ لقوله فاحكم بينهم أو أعرض عنهم أي ناسخ للتخيير الذي في الآية وقيل إنه ناسخ للحكم بالتوراة ونزلت الآية بسبب قوم من اليهود طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم فأبى من ذلك
ونزلت الآية تقضي أن يحكم بينهم * (أفحكم الجاهلية يبغون) * توبيخ لليهود وقرئ بالياء إخبارا عنهم وبالتاء خطابا لهم * (لقوم يوقنون) * قال الزمخشري اللام للبيان أي هذا الخطاب لقوم يوقنون فإنهم الذين يتبين لهم أنه لا أحسن من الله حكما * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * سببها موالاة عبد الله بن أبي بن سلول ليهود
179

بني قينقاع وخلع عبادة بن الصامت الحلف الذي كان بينه وبينهم ولفظها عام وحكمها باق ولا يدخل فيه معاملتهم في البيع والشراء وشبهه * (فإنه منهم) * تغليظ في الوعيد فمن كان يعتقد معتقدهم فهو منهم من كل وجه ومن خالفهم في اعتقادهم وأحبهم فهو منهم في المقت عند الله واستحاق العقوبة * (فترى الذين في قلوبهم مرض) * هم المنافقون والمراد هنا عبد الله بن أبي بن سلول ومن كان معه * (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) * كان عبد الله بن أبي يوالي اليهود ويستكثرهم ويقول إني رجل أخشى الدوائر * (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده) * الفتح هنا هو ظهور النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين والأمر من عنده هو هلاك الأعداء بأمراض عنده لا يكون فيه تسبب لمخلوق أو أمر من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام بقتل اليهود * (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) * الضمير في فيصبحوا للمنافقين والذين أسروه هو قصدهم الاستعانة باليهود على المسلمين وإضمار العداوة للمسلمين * (يقول الذين آمنوا) * قرىء يقل بغير واو استئناف وإخبار وقرئ بالواو والرفع وهو عطف جملة على جملة وبالواو والنصب عطفا على أن يأتي الله أو عطفا على فيصبحوا * (هؤلاء الذين أقسموا) * الإشارة إلى المنافقين لأنهم كانوا يحلفون أنهم مع المؤمنين وانتصب جهد أيمانهم على المصدر المؤكد * (حبطت أعمالهم) * يحتمل أن يكون من كلام المؤمنين أو من كلام الله ويحتمل أن يكون دعاء أو خبر * (من يرتد منكم عن دينه) * خطاب على وجه التحذير والوعيد وفيه إعلام بارتداد بعض المسلمين فهو إخبار بالغيب قبل وقوعه ثم وقع فارتد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب وبنو مدلج قوم الأسود العنسي الذي ادعى النبوة وقتل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة ثم أسلم وجاهد ثم كثر المرتدون وفشا أمرهم بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كفى الله أمرهم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكانت القبائل التي ارتدت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع قبائل بنو فزارة وغطفان وبنو سليم وبنو يربوع وكندة وبنو بكر بن وائل وبعض بني تميم ثم ارتدت غسان في زمان عمر بن الخطاب وهم جبلة بن الأيهم الذي تنصر من أجل اللطمة " فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه " أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها وقال هم قوم هذا يعني أبا موسى الأشعري والإشارة بذلك والله أعلم إلى أهل اليمن لأن الأشعريين من أهل اليمن وقيل المراد أبي بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ويقوي ذلك ما ظهر من أبي بكر الصديق رضي الله عنه من الجد في قتالهم والعزم عليه حين خالفه في ذلك بعض الناس فاشتد عزمه حتى وافقوه وأجمعوا عليه فنصرهم الله على أهل الردة ويقوي ذلك أيضا
180

أن الصفات التي وصف بها هؤلاء القوم هي أوصاف أبي بكر ألا ترى قوله * (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) * وكان أبو بكر ضعيفا في نفسه قويا في الله وكذلك قوله ولا يخافون لومة لائم إشارة إلى من خالف أبا بكر ولامه في قتال أهل الردة فلم يرجع عن عزمه * (أذلة على المؤمنين) * كقوله أشداء على الكفار رحماء بينهم وإنما تعدى أذلة بعلى لأنه تضمن معنى العطف والحنو فإن قيل أين الراجع من الجزاء إلى الشرط فالجواب أنه محذوف تقديره من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم مكانهم أو بقوم يقاتلونهم * (إنما وليكم الله) * ذكر الولي بلفظ المفرد إفرادا لله تعالى بهما ثم عطف على اسمه تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين على سبيل التبع ولو قال إنما أولياؤكم لم يكن في الكلام أصل وتبع * (وهم راكعون) * قيل نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه سأله سائل وهو راكع في الصلاة فأعطاه خاتمه وقيل هي عامة وذكر الركوع بعد الصلاة لأنه من أشرف أعمالها فالواو على القول الأول واو الحال وعلى الثاني للعطف * (فإن حزب الله) * هذا من إقامة الظاهر مقام المضمر معناه فإنهم هم الغالبون * (والكفار) * بالنصب عطف على الذين اتخذوا وقرئ بالخفض عطف على الذين أوتوا الكتاب ويعضده قراءة ابن مسعود ومن الكفار ويراد بهم المشركون من العرب * (وإذا ناديتم إلى الصلاة) * الآية روي أن رجلا من النصارى كان بالمدينة إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن محمدا رسول الله قال حرق الله الكاذب فوقعت النار في بيته فاحترق هو وأهله واستدل بعضهم بهذه الآية على ثبوت الأذان من القرآن * (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) * جعل قلة عقولهم علة لاستهزائهم بالدين * (هل تنقمون منا) * هل تعيبون علينا وتنكرون منا إلا إيماننا بالله ويجمع كتبه ورسله وذلك أمر لا ينكر ولا يعاب ونظير هذا في الاستثناء العجيب قول النابغة
(ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
* بهن فلول من قراع الكتائب)
ونزلت الآية بسبب أبي ياسر بن أخطب ونافع بن أبي نافع وجماعة من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرسل الذي يؤمن بهم فتلا * (آمنا بالله وما أنزل إلينا) * إلى آخر الآية فلما ذكر عيسى قالوا لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن به * (وأن أكثركم فاسقون) * قيل إنه معطوف على آمنا وقيل على ما أنزل وقيل هو تعليل معطوف على تعليل محذوف تقديره هل تنقمون منا إلا لقلة إنصافكم ولأن أكثركم فاسقون ويحتمل أن يكون وأن أكثركم مبتدأ وخبره محذوف تقديره فسقكم معلوم أو ثابت " قل هل أنبئكم بشر من
181

ذلك) لما ذكر أن أهل الكتاب يعيبون المسلمين بالإيمان بالله ورسله ذكر عيوب أهل الكتاب في مقابلة ذلك ردا عليهم فالخطاب في أنبئكم لليهود والإشارة بذلك إلى ما تقدم من حال المؤمنين * (مثوبة عند الله) * هي من الثواب ووضع الثواب موضع العقاب تهكما بهم نحو قوله فبشرهم بعذاب أليم * (من لعنه الله) * يعني اليهود ومن في موضع رفع بخبر مبتدأ مضمر تقديره هو من لعنه الله أو في موضع خفض على البدل من بشر ولا بد في الكلام من حذف مضاف تقديره بشر من أهل ذلك وتقديره دين
من لعنه الله * (وجعل منهم القردة والخنازير) * مسخ قوم من اليهود قرودا حين اعتدوا في السبت ومسخ قوم منهم خنازير حين كذبوا بعيسى ابن مريم * (وعبد الطاغوت) * القراءة بفتح الباء فعل معطوف على لعنه الله وقرئ بضم الباء وخفض الطاغوت على أن يكون عبد اسما على وجه المبالغة كيقظ أضيف إلى الطاغوت وقرئ وعابد وعباد وهو في هذه الوجوه عطف على القردة والخنازير * (شر مكانا) * أي منزلة ونسب الشر للمكان وهو في الحقيقة لأهله وذلك مبالغة في الذم " وإذا جاؤكم قالوا آمنا " نزلت في منافقين من اليهود * (وقد دخلوا بالكفر) * تقديره ملتبسين بالكفر والمعنى دخلوا كفارا وخرجوا كفارا ودخلت قد على دخلوا وخرجوا تقريبا للماضي من الحال أي ذلك حالهم في دخولهم وخروجهم على الدوام * (بالإثم) * الكذب وسائر المعاصي * (والعدوان) * الظلم * (السحت) * الحرام * (لولا ينهاهم) * عرض وتحضيض وتقريع * (ليس) * اللام في الموضعين للقسم * (وقالت اليهود يد الله مغلولة) * غل اليد كناية عن البخل وبسطها كناية عن الجود ومنه * (ولا تجعل يدك مغلولة) * أي لا تبخل كل البخل * (ولا تبسطها كل البسط) * أي لا تجد كل الجود وروي أن اليهود أصابتهم سنة جهد فقالوا هذه المقالة الشنيعة وكان الذي قالها فنحاص ونسبت إلى جملة اليهود لأنهم رضوا بقوله * (غلت أيديهم) * يحتمل أن يكون دعاء أو خبرا ويحتمل أن يكون في الدنيا أو في الآخرة فإن كان في الدنيا فيحتمل أن يراد به البخل أو غل أيديهم في الأسر وإن كان في الآخرة فهو جعل الأغلال في جهنم * (بل يداه مبسوطتان) * عبارة عن إنعامه وجوده وإنما ثنيت اليدان هنا وأفردت في قول اليهود يد الله مغلولة ليكون ردا عليهم ومبالغة في وصفه تعالى بالجود كقول العرب فلان يعطي بكلتا يديه إذا كان عظيم السخاء " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها
182

الله) إيقاد النار عبارة عن محاولة الحرب وإطفاؤها عبارة عن خذلانهم وعدم نصرهم ويحتمل أن يراد بذلك أسلافهم أو يراد من كان معاصرا النبي صلى الله عليه وسلم منهم من يأت بعدهم فيكون على هذا إخبار بغيب وبشارة للمسلمين * (ولو أن أهل الكتاب آمنوا) * الآية يحتمل أن يراد أسلافهم والمعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون على هذا ترغيبا لهم في الإيمان والتقوى " ولو أنهم أقاموا التواراة والإنجيل " إقامتها بالعلم والعمل وذكر الإنجيل دليل على دخول النصارى في لفظ أهل الكتاب * (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) * قيل من فوقهم عبارة عن المطر ومن تحت أرجلهم عبارة عن النبات والزرع وقيل ذلك استعارة في توسعة الرزق من كل وجه * (أمة مقتصدة) * أي معتدلة ويراد به من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وقيل من لم يعاد الأنبياء المتقدمين * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * أمر بتبليغ جميع ما أوحي إليه على الاستيفاء والكمال لأنه كان قد بلغ وإنما أمر هنا ألا يتوقف عن شيء مخافة أحد * (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) * هذا وعيد على تقدير عدم التبليغ وفي ارتباط هذا الشرط مع جوابه قولان أحدهما أن المعنى إن تركت منه شيئا فكأنك لم تبلغ شيئا وصار ما بلغت لا يعتد به فمعنى إن لم تفعل إن لم تستوف التبليغ على الكمال والآخر أن المعنى إن لم تبلغ الرسالة وجب عليك عقاب من كتمها ووضع السبب موضع المسبب * (والله يعصمك من الناس) * وعد وضمان للعصمة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف أعداءه ويحترس منهم في غزواته وغيرها فلما نزلت هذه الآية قال يا أيها الناس انصرفوا فإن الله قد عصمني وترك الاحتراس " قل يا أهل الكتاب لستم على شيء " الآية أي لستم على دين يعتد به يسمى شيئا * (حتى تقيموا التوراة والإنجيل) * ومن إقامتها الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وقوله * (وما أنزل إليكم) * قال ابن عباس يعني القرآن ونزلت الآية بسبب رافع بن حارثة وسلام بن بشكم ورافع بن خزيمة وغيرهم من اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا نتبع التوراة ولا نتبع غيرها ولا نؤمن بك ولا نتبعك * (إن الذين آمنوا والذين هادوا) * تقدم الكلام على نظيرتها في البقرة * (والصابئون) * قراءة السبعة بالواو وهي مشكلة حتى قالت عائشة هي من لحن كتاب المصحف وإعرابها عند أهل البصرة مبتدأ وخبره محذوف
183

تقديره والصابئون كذلك وهو مقدم في نية التأخير وأجاز بعض الكوفيون أن يكون معطوفا على موضع اسم إن وقيل إن هنا بمعنى نعم وما بعدها مرفوع بالابتداء وهو ضعيف " وحسبوا أن لا تكون فتنة " أي بلاء واختبار وقرئ تكون بالرفع على أن تكون أن مخففة من الثقيلة وبالنصب على أنها مصدرية * (فعموا وصموا) * عبارة عن تماديهم على المخالفة والعصيان * (ثم تاب الله عليهم) * قيل إن هذه التوبة رد ملكهم ورجوعهم إلى بيت المقدس بعد خروجهم منه ثم أخرجوا المرة الثانية فلم ينجبر حالهم أبدا وقيل التوبة بعث عيسى عليه السلام وقيل بعث محمد صلى الله عليه وسلم * (كثير منهم) * بدل من الضمير أو فاعل على لغة أكلوني البراغيث والبدل أرجح وأنصح * (وقال المسيح) * الآية رد على النصارى وتكذيب لهم * (وما للظالمين من أنصار) * يحتمل أن يكون من كلام المسيح أو من كلام الله * (ما المسيح ابن مريم إلا رسول) * الآية رد على من جعله إلها * (وأمه صديقة) * أي بليغة الصدق في نفسها أو من التصديق ووصفها بهذه الصفة دون النبوة يدفع قول من قال إنها نبية * (كانا يأكلان الطعام) * استدلال على أنهما ليسا بإلهين لاحتياجهما إلى الغذاء الذي لا يحتاج إليه إلا محدث مفتقر ومن كان كذلك فليس بإله لأن الإله منزه عن صفة الحدوث وعن كل ما يلحق البشر وقيل إن قوله يأكلان الطعام عبارة عن الاحتياج إلى الغائط ولا ضرورة تدعو إلى إخراج اللفظ عن ظاهره لأن الحجة قائمة بالوجهين * (ثم انظر) * دخلت ثم لتفاوت الأمرين ولقصد التعجيب من كفرهم بعد بيان الآيات * (قل أتعبدون من دون الله) * الآية إقامة حجة على من عبد عيسى وأمه وهما لا يملكان ضرا ولا نفعا * (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) * خطاب للنصارى والغلو الإفراط وسبب ذلك كفر النصارى * (ولا تتبعوا أهواء قوم) * قيل هم أئمتهم في دين النصرانية كانوا على ضلال في عيسى وأضلوا كثيرا من الناس ثم ضلوا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل هم اليهود والأول أرجح
184

لوجهين أحدهما أن الضلال وصف لازم للنصارى ألا ترى قوله تعالى ولا الضالين والآخر أنه يبعد نهي النصارى عن اتباع اليهود مع ما بينهم من الخلاف والشقاق * (على لسان داود وعيسى ابن مريم) * أي في الزبور والإنجيل * (لا يتناهون) * أي لا ينهي بعضهم بعضا * (عن منكر) * فإن قيل لم وصف المنكر بقوله فعلوه والنهي لا يكون بعد الفعل فالجواب أن المعنى لا يتناهون عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر إن أرادوا فعله * (ترى كثيرا منهم) * إن أراد أسلافهم فالرؤية بالقلب وإن أراد المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر فهي رؤية عين * (والنبي وما أنزل إليه) * يعني محمدا صلى الله عليه وسلم * (ما اتخذوهم أولياء) * يعني
ما اتخذوا الكفار أولياء * (لتجدن أشد الناس عداوة) * الآية إخبار عن شدة عداوة اليهود وعبدة الأوثان للمسلمين * (ولتجدن أقربهم مودة) * الآية إخبار أن النصارى أقرب إلى مودة المسلمين وهذا الأمر باق إلى آخر الدهر فكل يهودي شديد العداوة للإسلام والكيد لأهله * (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) * تعليل لقرب مودتهم والقسيس العالم والراهب العابد * (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) * الآية هي في النجاشي وفي الوفد الذين بعثهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوسبعون رجلا فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فبكوا كما بكى النجاشي حين قرأ عليه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه سورة مريم وقال السهيلي نزلت في وفد نجران وكانوا نصارى عشرين رجلا فلما سمعوا القرآن بكوا * (مما عرفوا من الحق) * من الأولى سببية والثانية بيان للجنس * (آمنا) * أي بالقرآن من عند الله * (مع الشاهدين) * أي مع المسلمين وكذلك مع القوم الصالحين * (وما لنا لا نؤمن بالله) * توقيف لأنفسهم أو محاجة لغيرهم * (ونطمع) * قال الزمخشري الواو للحال وقال ابن عطية لعطف جملة على جملة لا لعطف فعل على فعل * (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * سببها أن قوما من
185

الصحابة غلب عليهم خوف الله إلى أن حرم بعضهم النساء وبعضهم النوم بالليل وبعضهم أكل اللحم وهم بعضهم أن يختصوا أو يسيحوا في الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني * (ولا تعتدوا) * أي لا تفرطوا في التشديد على أنفسكم أكثر مما شرع لكم * (وكلوا) * أي تمتعوا بالمآكل الحلال وبالنساء وغير ذلك وإنما خص الأكل بالذكر لأنه أعظم حاجات الإنسان * (باللغو) * تقدم في البقرة * (بما عقدتم الأيمان) * أي بما قصدتم عقده بالنية وقرئ عقدتم بالتخفيف وعاقدتم بالألف * (إطعام عشرة مساكين) * اشتراط المسكنة دليل على أنه لا يجزى في الكفارة إطعام غني فإن أطعم جهلا لم يجزيه على المشهور من المذهب واشترط مالك أيضا أن يكونوا أحرارا مسلمين وليس في الآية ما يدل على ذلك * (من أوسط ما تطعمون أهليكم) * اختلف في هذا التوسط هل هو في القدر أو في الصنف واللفظ يحتمل الوجهين فأما القدر فقال مالك يطعم بالمدينة مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وبغيرها وسط من الشبع وقال الشافعي وابن القاسم يجزى المد في كل مكان وقال أبو حنيفة إن غداهم وعشاهم أجزأه وأما الصنف فاختلف هل يطعم من عيش نفسه أو من عيش أهل بلده فمعنى الآية على التأويل الثاني من أوسط ما تطعمون أيها الناس أهليكم على الجملة وعلى الأول يختص الخطاب بالكفر * (أو كسوتهم) * قال كثير من العلماء يجزى ثوب واحد لمسكين لأنه يقال فيه كسوة وقال مالك إنما يجزي ما تصح به الصلاة فالرجل ثوب واحد وللمرأة قميص وخمار * (أو تحرير رقبة) * اشترط مالك فيها أن تكون مؤمنة لتقيدها بذلك في كفارة القتل فحمل هذا المطلق على ذلك المقيد وأجاز أبو حنيفة هنا عتق الكافرة لإطلاق اللفظ هنا واشترط مالك أيضا أن تكون سليمة من العيوب وليس في اللفظ ما يدل على ذلك * (فمن لم يجد) * أي من لم يملك ما يعتق ولا ما يطعم ولا ما يكسو فعليه صيام ثلاثة أيام فالخصال الثلاث على التخيير والصيام مرتب بعدها لمن عدمها وهو عند مالك من لم يفضل عن قوته وقوت عياله في يومه زيادة * (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) * معناه إذا حلفتم وخشيتم أو أردتم الحنث واختلف هل يجوز تقديم الكفارة على الحنث أم لا * (واحفظوا أيمانكم) * أي احفظوها فبروا فيها ولا تخشوا وقيل احفظوها بأن تكفروها إذا حنثتم وقيل احفظوها أي لا تنسوها تهاونا بها * (الخمر والميسر) * ذكر في البقرة * (والأنصاب والأزلام) * مذكوران في أول هذه السورة * (رجس) * هو في اللغة كل مكروه مذموم وقد يطلق بمعنى النجس وبمعنى الحرام وقال ابن عباس معنى رجس سخط * (فاجتنبوه) * نص في التحريم والضمير يعود على الرجس الذي هو خبر عن جميع الأشياء
186

المذكورة * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) * تقبيح للخمر والميسر وذكر لبعض عيوبها وتعليل لتحريمها وقد وقعت في زمان الصحابة عداوة بين أقوام بسبب شربهم لها قبل تحريمها ويقال إن ذلك كان سبب نزول الآية * (فهل أنتم منتهون) * توقيف يتضمن الزجر والوعيد ولذلك قال عمر لما نزلت انتهينا انتهينا * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح) * * (فيما طعموا) * فيها تأويلان أحدهما أنه لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة كيف بمن مات منا وهو يشربها فنزلت الآية معلمة أنه لا جناح على من شربها قبل التحريم لأنه لم يعص الله بشربها حينئذ والآخر أن المعنى رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموا من المطاعم إذا اجتنبوا الحرام منها وعلى هذا أخذها عمر رضي الله عنه حين قال لقدامة إنك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم عليك وكان قدامة قد شربها واحتج بهذه الآية على رفع الجناح عنه فقال عمر أخطأت التأويل * (إذا ما اتقوا وآمنوا) * الآية قيل كرر التقوى مبالغة وقيل الرتبة الأولى اتقاء الشرك والثانية اتقاء المعاصي والثالثة اتقاء ما لا بأس به حذرا مما به البأس وقيل الأولى للزمان الماضي والثانية للحال والثالثة للمستقبل * (وأحسنوا) * يحتمل أن يريد الإحسان إلى الناس أو الإحسان في طاعة الله وهو المراقبة وهذا أرجح لأنه درجة فوق التقوى ولذلك ذكره في المرة الثالثة وهي الغاية ولذلك قالت الصوفية المقامات ثلاثة مقام الإسلام ثم مقام الإيمان ثم مقام الإحسان " ليبلوكم الله بشيء من الصيد " أي يختبر طاعتكم من معصيتكم بما يظهر لكم من الصيد مع الإحرام وفي الحرم وكان الصيد من معاش العرب ومستعملا عندهم فاختبروا بتركه كما اختبر بنو إسرائيل بالحوت في السبت وإنما قلله في قوله بشيء من الصيد إشعارا بأنه ليس من الفتن العظيمة وإنما هو من الأمور التي يمكن الصبر عنها * (تناله أيديكم ورماحكم) * قال مجاهد الذي تناله الأيدي الفراخ والبيض وما لا يستطيع أن يفر والذي تناله الرماح كبار الصيد والظاهر عموم هذا التخصيص * (ليعلم الله) * أي يعلمه علما تقوم به الحجة وذلك إذا ظهر في الوجود * (فمن اعتدى) * أي بقتل الصيد وهو محرم والعذاب الأليم هنا في الآخرة * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * معنى حرم داخلين في الإحرام وفي الحرم والصيد هنا عام خصص منه الحديث الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور وأدخل مالك في الكلب العقور كل ما يؤذي الناس من السباع وغيرها وقاس الشافعي على هذه الخمسة كل ما لا يؤكل لحمه ولفظ الصيد يدخل فيه ما صيد وما لم يصد مما شأنه أن يصاد وورد النهي هنا عن القتل قبل أن يصاد وبعد أن يصاد وأما النهي عن الاصطياد فيؤخذ من قوله * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * * (ومن قتله منكم متعمدا) * مفهوم الآية يقتضي أن جزاء
187

الصيد على المتعمد لا على الناسي وبذلك قال أهل الظاهر وقال جمهور الفقهاء المتعمد والناسي سواء في وجوب الجزاء ثم اختلفوا في قوله متعمدا على ثلاثة أقوال
أحدها أن المتعمد إنما ذكر ليناط به الوعيد في قوله ومن عاد فينتقم الله منه إذ لا وعيد على الناسي والثاني أن الجزاء على الناسي بالقياس على المتعمد والثالث أن الجزاء على المتعمد ثبت بالقرآن وأن الجزاء على الناسي ثبت بالسنة * (فجزاء مثل ما قتل من النعم) * المعنى فعليه جزاء وقرئ بإضافة جزاء إلى مثل وهو من إضافة المصدر إلى المفعول به وقيل مثل زائدة كقولك انا أكرم مثلك أي أكرمك وقرئ فجزاء بالتنوين ومثل بالرفع على البدل أو الصفة والنعم الإبل والبقر والغنم خاصة ومعنى الآية عند مالك والشافعي أن من قتل صيدا وهو محرم أن عليه في الفدية ما يشبه ذلك الصيد في الخلقة والمنظر ففي النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة وفي الغزالة شاة فالمثلية على هذا هي في الصورة والمقدار فإن لم يكن له مثل أطعم أو صام ومذهب أبي حنيفة أن المثل القيمة يقوم الصيد المقتول ويخير القاتل بين أن يتصدق بالقيمة أو يشتري بالقيمة من النعم ما يهديه * (يحكم به ذوا عدل) * هذه الآية تقتضي أن التحكيم شرط في إخراج الجزاء ولا خلاف في ذلك فإن أخرج أحد الجزاء قبل الحكم عليه فعليه إعادته بالحكم إلا حمام مكة فإنه لا يحتاج إلى حكمين قاله مالك ويجب عند مالك التحكيم فيما حكمت فيه الصحابة وفيما لم يحكموا فيه لعموم الآية وقال الشافعي يكتفي في ذلك بما حكمت به الصحابة * (هديا) * يقتضي ظاهره أن ما يخرج من النعم جزاء عن الصيد يجب أن يكون مما يجوز أن يهدى وهو الجذع من الضأن والثني مما سواه وقال الشافعي يخرج المثل في اللحم ولا يشترط السن * (بالغ الكعبة) * لم يرد الكعبة بعينها وإنما أراد الحرم ويقتضي أن يصنع بالجزاء ما يصنع بالهدي من سوقه من الحل إلى الحرم وقال الشافعي وأبو حنيفة إن اشتراه في الحرم أجزأه * (أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) * عدد تعالى ما يجب في قتل المحرم للصيد فذكر أولا الجزاء من النعم ثم الطعام ثم الصيام ومذهب مالك والجمهور أنها على التخيير وهو الذي يقتضيه العطف بأو ومذهب ابن عباس أنها على الترتيب ولم يبين الله هنا مقدار الطعام فرأى العلماء أن يقدر الجزاء من النعم لأنهم اختلفوا في كيفية التقدير فقال مالك يقدر الصيد المقتول نفسه بالطعام أو الدراهم ثم تقوم الدراهم بالطعام فينظر كم يساوي من طعام أو من دراهم وهو حي وقال بعض أصحاب مالك يقدر الصيد بالطعام أي يقال كم كان يشبع الصيد من نفس ثم يخرج قدر شبعهم طعاما وقال الشافعي لا يقدر الصيد نفسه وإنما يقدر مثله وهو الجزاء الواجب على القاتل له * (أو عدل ذلك صياما) * تحتمل الإشارة بذلك أن تكون إلى الطعام وهو أحسن لأنه أقرب أو إلى الصيد واختلف في تعديل الصيام بالطعام فقال مالك يكون مكان كل مد يوما وقال أبو حنيفة مكان كل مدين يوم وقيل مكان كل صاع يوما ولا يحب الجزاء ولا الإطعام ولا الصيام إلا بقتل الصيد لا بأخذه دون قتل لقوله من قتله وفي كل وجه يشترط حكم الحكمين وإنما لم يذكر الله في الصيام والطعام استغناء بذكره في الجزاء * (ليذوق وبال أمره) * الذوق هنا مستعار لأن حقيقته بحاسة اللسان والوبال سوء العاقبة وهو هنا ما لزمه من
188

التكفير * (عفا الله عما سلف) * أي عما فعلتم في الجاهلية من قتل الصيد في الحرم * (ومن عاد فينتقم الله منه) * أي من عاد إلى قتل الصيد وهو محرم بعد النهي عن ذلك فينتقم الله منه بوجوب الكفارة عليه أو بعذابه الآخرة * (أحل لكم صيد البحر) * أحل الله بهذه الآية صيد البحر للحلال والمحرم والصيد هنا المصيد والبحر هو الماء الكثير سواء كان ملحا أو عذبا كالبرك ونحوها وطعامه هو ما يطفو على الماء وما قذف به البحر لأن ذلك طعام وليس بصيد قاله أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وقال ابن عباس طعامه ما ملح منه وبقي * (متاعا لكم وللسيارة) * الخطاب بلكم للحاضرين في البحر والسيارة المسافرون أي هو متاع ما تدومون به * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * الصيد هنا يحتمل أن يراد به المصدر أو الشيء المصيد أو كلاهما فنشأ من هذا أن ما صاده المحرم فلا يحل له أكله بوجه ونشأ الخلاف فيما صاد غيره فإذا اصطاد حلال فقيل يجوز للمحرم أكله وقيل لا يجوز إن اصطاده لمحرم والأقوال الثلاثة مروية عن مالك وإن اصطاد حرام لمن يجز لغيره أكله عند مالك خلافا للشافعي * (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) * أي أمرا يقوم للناس بالأمن والمنافع وقيل موضع قيام بالمناسك ولفظ الناس هنا عام وقيل أراد العرب خاصة لأنهم الذين كانوا يعظمون الكعبة * (والشهر الحرام) * يريد جنس الأشهر الحرم الأربعة لأنهم كانوا يكفون فيها عن القتال * (والهدى) * يريد أنه أمان لمن يسوقه لأنه يعلم أنه في عبادة لم يأت لحرب * (والقلائد) * كان الرجل إذا خرج يريد الحج تقلد شيئا من السمر وإذا رجع تقلد شيئا من أشجار الحرم ليعلم أنه كان في عبادة فلا يتعرض له أحد بشيء فالقلائد هنا هو ما تقلده المحرم من الشجر وقيل أراد قلائد الهدى قال سعيد ابن جبير جعل الله هذه الأمور للناس في الجاهلية وشدد في الإسلام * (ذلك لتعلموا) * الإشارة إلى جعل هذه الأمور قياما للناس والمعنى جعل الله ذلك لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل الأمور * (لا يستوي الخبيث والطيب) * لفظ عام في جميع الأمور من المكاسب والأعمال والناس وغير ذلك * (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * قيل سببها سؤال عبد الله بن حذافة من أبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أبوك حذافة وقال آخر أين أبي قال في النار وقيل سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقالوا يا رسول الله أفي كل عام فسكت فأعادوا قال لا ولو قلت نعم لوجبت فعلى الأول تسؤكم بالإخبار بما لا يعجبكم وعلى الثاني تسؤكم بتكليف ما يشق عليكم ويقوي هذا قوله عفا الله عنها أي سكت عن ذكرها
189

ولم يطالبكم بها كقوله صلى الله عليه وسلم عفا الله عن الزكاة في الخيل وقيل إن معنى عفا الله عنها عفا عنكم فيما تقدم من سؤالكم فلا تعودوا إليه * (وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم) * فيه معنى الوعيد على السؤال كأنه قال لا تسألوا وإن سألتم أبدى لكم ما يسوؤكم والمراد بحين ينزل القرآن زمان الوحي * (قد سألها قوم من قبلكم) * الضمير في سألها راجع إلى المسئلة التي دل عليها لا تسألوا وهي مصدر ولذلك لم يتعدى بعن كما تعدى قوله إن تسألوا عنها وذلك أن بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا فالكفر هنا عبارة عن ترك ما أمروا به * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) * لما سأل قوم عن هذه الأمور التي كانت في الجاهلية هل تعظم لتعظيم الكعبة والهدي أخبرهم الله أنه لم يجعل شيئا من ذلك لعباده أي لم يشرعه لهم وإنما الكفار جعلوا ذلك فأما البحيرة فهي فعيلة بمعنى مفعولة من بحر إذا شق وذلك أن الناقة إذا أنتجت عشرة أبطن شقوا آذانها وتركوها ترعى ولا ينتفع بها وأما السائبة فكان الرجل يقول إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة وجعلها كالبحيرة في عدم الانتفاع بها وأما الوصيلة فكانوا إذا ولدت الناقة ذكرا وأنثى في بطن واحد قالوا وصلت الناقة أخاها فلم
يذبحوها وأما الحامي فكانوا إذا نتج من صلب الجمل عشرة بطون قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه شيء * (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) * أي يكذبون عليه بتحريمهم ما لم يحرم الله * (وأكثرهم لا يعقلون) * الذين يفترون على الله الكذب هم الذين اخترعوا تحريم تلك الأشياء والذين لا يعقلون هم أتباعهم المقلدون لهم * (قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) * أي يكفينا دين آبائنا * (أولو كان آباؤهم) * قال الزمخشري الواو واو الحال دخلت عليها همزة الإنكار كأنه قيل أحسبهم هذا وآباؤهم لا يعقلون قال ابن عطية ألف التوقيف دخلت على واو العطف وقول الزمخشري أحسن في المعنى * (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * قيل إنها منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيل إنها خطاب للمسلمين من ذرية الذين حرموا البحيرة وأخواتها كأنه يقول لا يضركم ضلال أسلافكم إذا اهتديتم والقول الصحيح فيها ما ورد عن أبي ثعلبة الخشني أنه قال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك وذر عوامهم ومثل ذلك قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليس هذا بزمان هذه الآية قولوا الحق ما قبل منكم فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم " شهادة بينكم
190

إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان) قال مكي هذه الآية أشكل آية في القرآن إعرابا ومعنى وحكما ونحن نبين معناها على الجملة ثم نبين أحكامها وإعرابها على التفصيل وسببها أن رجلين خرجا إلى الشام وخرج معهما رجل آخر بتجارة فمرض في الطريق فكتب كتابا قيد فيه كل ما معه وجعله في متاعه وأوصى الرجلين أن يؤديا رحله إلى ورثته فمات فقدم الرجلان المدينة ودفعا رحله إلى ورثته فوجدوا فيه كتابه وفقدوا منه أشياء قد كتبها فسألوهما فقالا لا ندري هذا الذي قبضناه فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبقي الأمر مدة ثم عثر على إناء عظيم من فضة فقيل لمن وجد عنده من أين لك هذا فقال اشتريته من فلان وفلان يعني الرجلين فارتفع الأمر في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أولياء الميت أن يحلفا فحلفا واستحقا فمعنى الآية إذا حضر الموت أحد في السفر فليشهد عدلين بما معه فإن وقعت ريبة في شهادتهما حلفا أنهما ما كذبا ولا بدلا فإن عثر بعد ذلك على أنهما كذبا أو خانا حلف رجلان من أولياء الميت وغرم الشاهدان ما ظهر عليهما وشهادة بينكم مرفوع بالابتداء وخبره اثنان التقدير شهادة بينكم شهادة اثنين أو مقيم شهادة بينكم اثنان إذ حضر أي قارب الحضور والعامل في إذ المصدر الذي هو شهادة وهذا على أن يكون إذا بمنزلة حين لا تحتاج جوابا ويجوز أن تكون شرطية وجوابها محذوف يدل عليه ما تقدم قبلها فإن المعنى إذا حضر أحدكم الموت فينبغي أن يشهد حين الوصية ظرف العامل فيه حضر ويكون بدلا من إذا * (ذوا عدل) * صفة للشاهدين منكم * (أو آخران من غيركم) * قيل معنى منكم من عشيرتكم وأقاربكم ومن غيركم من غير العشيرة والقرابة وقال الجمهور منكم أي من المسلمين ومن غيركم من الكفار إذا لم يوجد مسلم ثم اختلف على هذا هل هي منسوخة بقوله وأشهدوا ذوي عدل منكم فلا تجوز شهادة الكفار أصلا وهو قول مالك والشافعي والجمهور أو هي محكمة وأن شهادة الكفار جائزة على الوجه في السفر وهو قول ابن عباس * (إن أنتم ضربتم في الأرض) * أي سافرتم وجواب إن محذوف يدل عليه ما تقدم قبلها والمعنى إن ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت فشهادة بينكم شهادة اثنين * (تحبسونهما) * قال أبو علي الفارسي هو صفة لآخران واعترض بين الصفة والموصوف بقوله إن أنتم إلى قوله الموت ليفيد أن العدول إلى آخرين من غير الملة إنما يجوز لضرورة الضرب في الأرض وحلول الموت في السفر وقال الزمخشري تحبسونهما استئناف كلام * (من بعد الصلاة) * قال الجمهور هي صلاة العصر فاللام للعهد لأنها وقت اجتماع الناس وبعدها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأيمان وقال من حلف على سلعة بعد صلاة العصر وكان التحليف بعدها معروف عندهم وقال ابن عباس هي صلاة الكافرين في دينهما لأنهما لا يعظمان صلاة العصر * (فيقسمان بالله) * أي يحلفان ومذهب الجمهور أن تحليف الشاهدين منسوخ وقد استحلفهما علي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري * (إن ارتبتم) * أي شككتم في صدقهما أو أمانتهما وهذه الكلمة اعتراض بين القسم والمقسوم عليه وجواب إن محذوف يدل عليه يقسمان * (لا نشتري به ثمنا) * هذا هو المقسوم عليه والضمير في به للقسم وفي كان للمقسم له أي لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضا من
191

الدنيا أي لا نحلف بالله كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم له قريبا لنا وهذا لأن عادة الناس الميل إلى أقاربهم * (ولا نكتم شهادة الله) * أي الشهادة التي أمر الله بحفظها وأدائها وإضافتها إلى الله تعظيما لها * (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) * أي إن اطلع بعد ذلك على أنهما فعلا ما أوجب إثما والإثم الكذب والخيانة واستحقاقه الأهلية للوصف به * (فآخران يقومان مقامهما) * أي اثنان من أولياء الميت يقومان مقام الشاهدين في اليمين * (من الذين استحق عليهم) * أي من الذين استحق عليهم الإثم أو المال ومعناه من الذين جنا عليهم وهم أولياء الميت * (الأوليان) * تثنية أولى بمعنى أحق أي الأحقان بالشهادة لمعرفتهما والأحقان بالمال لقرابتهما وهو مرفوع على أنه خبر ابتداء تقديره هما الأوليان أو مبتدأ مؤخر تقديره الأوليان آخران يقومان أو بدل من الضمير في يقومان ومنع الفارسي أن يسند استحق إلى الأوليان وأجازه ابن عطية وأما على قراءة استحق بفتح التاء والحاء على البناء للفاعل فالأوليان فاعل باستحق ومعنى استحق على هذا أخذ المال وجعل يده عليه والأوليان على هذا هما الشاهدان اللذان ظهرت خيانتهما أي الأوليان بالتحليف والتعنيف والفضيحة وقرئ الأولين جمع أول وهو مخفوض على الصفة للذين استحق عليهم أو منصوبا بإضمار فعل ووصفهم بالأولية لتقدمهم على الأجانب في استحقاق المال وفي صدق الشهادة * (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) * أي يحلف هذان الآخران أن شهادتهما أحق أي أصح من شهادة الشاهدين الذين ظهرت خيانتهما * (إنا إذا لمن الظالمين) * أي إن اعتدينا فإنا من الظالمين وذلك على وجه التبرئة ومثل قول الأولين إنا إذا لمن الآثمين * (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها) * الإشارة بذلك إلى الحكم الذي وقع في هذه القضية ومعنى أدنى أقرب وعلى وجهها أي كما وقعت من غير تغيير ولا تبديل أو يخافوا * (أن ترد أيمان بعد أيمانهم) * أي يخافوا أن يحلف غيرهم بعدهم فيفتضحوا * (يوم يجمع الله الرسل) * هو يوم القيامة وانتصب الظرف بفعل مضمر أي ماذا أجابكم به الأمم من إيمان وكفر وطاعة ومعصية والمقصود بهذا السؤال توبيخ من كفر من الأمم وإقامة الحجة عليهم وانتصب ماذا أجبتم انتصاب مصدره
ولو أريد الجواب لقيل بماذا أجبتم * (قالوا لا علم لنا) * إنما قالوا ذلك تأدبا مع الله فوكلوا العلم إليه قال ابن عباس المعنى لا علم لنا إلا ما علمتنا وقيل معناه علمنا ساقط في جنب علمك ويقوي ذلك قوله إنك أنت علام الغيوب لأن من علم الخفيات لم تخف عليه الظواهر وقيل ذهلوا عن الجواب لهول ذلك اليوم وهذا بعيد لأن الأنبياء في ذلك اليوم آمنون وقيل أرادوا بذلك توبيخ الكفار * (إذ قال الله) * يحتمل أن يكون إذ بدل من يوم يجمع ويكون هذا القول يوم القيامة أو يكون العامل
192

في إذ مضمرا ويحتمل على هذا أن يكون القول في الدنيا أو يوم القيامة وإذا جعلناه يوم القيامة فقوله قال بمعنى يقول وقد تقدم تفسير ألفاظ هذه الآية في آل عمران * (فتنفخ فيها) * الضمير المؤنث عائد على الكاف لأنها صفة للهيئة وكذلك الضمير في تكون وكذلك الضمير المذكور في قوله في آل عمران فينفخ فيه عائد على الكاف أيضا لأنها بمعنى مثل وإن شئت قلت هو في الموضعين عائد على الموصوف المحذوف الذي وصف بقوله كهيئة فتقديره في التأنيث صورة وفي التذكير شخصا أو خلقا وشبه ذلك وقيل المؤنث يعود على الهيئة والمذكر يعود على الطير والطين وهو بعيد في المعنى * (بإذني) * كرره مع كل معجزة ردا على من نسب الربوبية إلى عيسى * (وإذ كففت بني إسرائيل عنك) * يعني اليهود حين هموا بقتله فرفعه الله إليه * (وإذ أوحيت) * معطوف على ما قبله فهو من جملة نعم الله على عيسى والوحي هنا يحتمل أن يكون وحي إلهام أو وحي كلام * (وأشهد) * يحتمل أن يكون خطابا لله تعالى أو لعيسى عليه السلام * (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم) * نداؤهم له باسمه دليل على أنهم لم يكونوا يعظمونه كتعظيم المسلمين لمحمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا لا ينادونه باسمه وإنما يقولون يا رسول الله يا نبي الله وقولهم ابن مريم دليل على أنهم كانوا يعتقدون فيه الاعتقاد الصحيح من نسبته إلى أم دون والد بخلاف ما اعتقده النصارى * (هل يستطيع ربك) * ظاهر هذا اللفظ أنهم شكوا في قدرة الله تعالى على إنزال المائدة وعلى هذا أخذه الزمخشري وقال ما وصفهم الله بالإيمان ولكن حكى دعواهم في قولهم آمنا وقال ابن عطية وغيره ليس كذلك لأنهم شكوا في قدرة الله لكنه بمعنى هل يفعل ربك هذا وهل يقع منه إجابة إليه وهذا أرجح لأن الله أثنى على الحواريين في مواضع من كتابه مع أن في اللفظ بشاعة تنكر وقرئ تستطيع بتاء الخطاب ربك بالنصب أي هل تستطيع سؤال ربك وهذه القراءة لا تقتضي أنهم شكوا وبها قرأت عائشة رضي الله عنها وقالت كان الحواريون أعرف بربهم من أن يقولوا هل يستطيع ربك * (أن ينزل علينا مائدة من السماء) * موضع أن مفعول بقوله يستطيع على القراءة بالياء ومفعول بالمصدر وهو السؤال المقدر على القراءة بالتاء والمائدة هي التي عليها طعام فإن لم يكن عليها طعام فهي خوان * (قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) * فقوله لهم اتقوا الله يحتمل أن يكون زجرا عن طلب المائدة واقتراح الآيات ويحتمل أن يكون زجرا عن الشك الذي يقتضيه قولهم هل يستطيع ربك على مذهب الزمخشري أو عن البشاعة التي في اللفظ وإن لم يكن فيه شك وقوله إن كنتم مؤمنين هو على ظاهره على مذهب الزمخشري وأما على مذهب ابن عطية وغيره فهو تقرير لهم
193

كما تقول افعل كذا إن كنت رجلا ومعلوم أنه رجل وقيل إن هذه المقالة صدرت منهم في أول الأمر قبل أن يروا معجزات عيسى * (قالوا نريد أن نأكل منها) * أي أكلا نتشرف به بين الناس وليس مرادهم شهوة البطن (وتطمئن قلوبنا) أي نعاين الآية فيصير إيماننا بالضرورة والمشاهدة فلا تعرض لنا الشكوك التي تعرض في الإستدلال * (ونعلم أن قد صدقتنا) * ظاهره يقوي قول من قال إنهم إنما قالوا ذلك قبل تمكن إيمانهم ويحتمل أن يكون المعنى نعلم علما ضروريا لا يحتمل الشك * (ونكون عليها من الشاهدين) * أي نشهد بها عند من لم يحضرها من الناس * (قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء) * أجابهم عيسى إلى سؤال المائدة من الله وروي أنه لبس جبة شعر ورداء شعر وقام يصلي ويدعو ويبكي * (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) * قيل نتخذ يوم نزولها عيدا يدور كل عام لأول الأمة ثم لمن بعدهم وقال ابن عباس المعنى تكون مجتمعا لجميعا أولنا وآخرنا في يوم نزولها خاصة لا عيدا يدور * (وآية منك) * أي علامة على صدقي * (قال الله إني منزلها عليكم) * أجابهم الله إلى ما طلبوا ونزلت المائدة عليها سمك وخبز وقيل زيتون وتمر ورمان وقال ابن عباس كان طعام المائدة ينزل عليهم حيثما نزلوا وفي قصة المائدة قصص كثيرة غير صحيحة * (فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا) * عادة الله عز وجل عقاب من كفر بعد اقتراح آية فأعطيته ولما كفر بعض هؤلاء مسخهم الله خنازير قال عبد الله بن عمر أشد الناس عذابا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون والمنافقون * (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * قال ابن عباس والجمهور هذا القول يكون من الله يوم القيامة على رؤس الخلائق ليرى الكفار تبرئة عيسى مما نسبوه إليه ويعلمون أنهم كانوا على باطل وقال السدي لما رفع الله عيسى إليه قالت النصارى ما قالوا وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك وسأل الله حينئذ عن ذلك فقال * (سبحانك) * الآية فعلى هذا يكون إذ قال ماضيا في معناه كما هو في لفظه وعلى قول ابن عباس يكون بمعنى المستقبل * (ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) * نفي يعضده دليل العقل لأن المحدث لا يكون إلها * (إن كنت قلته فقد علمته) * اعتذار وبراءة من ذلك القول ووكل العلم إلى الله لتظهر براءته لأن الله علم أنه لم يقل ذلك * (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) * أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ولكنه سلك باللفظ مسلك المشاكلة فقال في نفسك مقابلة لقوله في نفسي وبقية قوله تعظيما لله وإخبار بما قال الناس في الدنيا * (أن اعبدوا) * أن حرف عبارة وتفسير أو مصدرية بدل من الضمير في
194

به * (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * فيها سؤالان الأول كيف قال وإن تغفر لهم وهم كفار والكفار لا يغفر لهم والجواب أن المعنى تسليم الأمر إلى الله وأنه إن عذب أو غفر فلا اعتراض عليه لأن الخلق عباده والمالك يفعل في ملكه ما يشاء ولا يلزم من هذا وقوع المغفرة للكفار وإنما يقتضي جوازها في حكمة الله تعالى وعزته وفرق بين الجواز والوقوع وأما على قول من قال إن هذا الخطاب لعيسى عليه السلام حين رفعه الله إلى السماء فلا إشكال لأن المعنى إن تغفر لهم بالتوبة وكانوا حينئذ أحياء وكل حي معرض للتوبة السؤال الثاني ما مناسبة قوله فإنك أنت العزيز الحكيم لقوله وإن تغفر لهم والأليق مع ذكر المغفرة أن لو قيل فإنك أنت الغفور الرحيم والجواب من ثلاثة أوجه الأول يظهر لي أنه لما قصد التسليم لله والتعظيم له كان قوله فإنك أنت العزيز الحكيم أليق فإن الحكمة تقتضي التسليم له والعزة تقتضي التعظيم له فإن العزيز هو الذي يفعل ما يريد ولا يغلبه غيره ولا يمتنع عليه شيء أراده فاقتضى الكلام تفويض الأمر إلى الله في المغفرة لهم أو عدم لمغفرة
لأنه قادر على كلا الأمرين لعزته وأيهما فعل فهو جميل لحكمته الجواب الثاني قاله شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير إنما لم يقل الغفور الرحيم لئلا يكون في ذلك تعريض في طلب المغفرة لهم فاقتصر على التسليم والتفويض دون الطلب إذ لا تطلب المغفرة للكفار وهذا قريب من قولنا الثالث حكى شيخنا الخطيب أبو عبد الله بن رشيد عن شيخه إمام البلغاء في وقته حازم بن حازم أنه كان يقف على قوله وإن تغفر لهم ويجعل فإنك أنت العزيز استئنافا وجواب إن في قوله فإنهم عبادك كأنه قال إن تعذبهم وإن تغفر لهم فإنهم عبادك على كل حال * (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * عموم في جميع الصادقين وخصوصا في عيسى ابن مريم فإن في ذلك إشارة إلى صدقه في الكلام الذي حكاه الله عنه وقرأ غير نافع هذا يوم بالرفع على الابتداء أو الخبر وقرأ نافع بالنصب وفيه وجهان أحدهما أن يكون يوم ظرف لقال فعلى هذا لا تكون الجملة معمول القول وإنما معموله هذا خاصة والمعنى قال الله هذا القصص أو الخبر في يوم وهذا بعيد مزيل لرونق الكلام والآخر أن يكون هذا مبتدأ ويوم في موضع خبره والعامل فيه محذوف تقديره هذا واقع يوم ينفع الصادقين صدقهم ولا يجوز أن يكون يوم مبنيا على قراءة نافع لأنه أضيف إلى معرب قاله الفارسي والزمخشري
تم الجزء الأول
ويليه الجزء الثاني وأوله سورة الأنعام
195