الكتاب: تفسير العز بن عبد السلام
المؤلف: عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي
الجزء: ١
الوفاة: ٦٦٠
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: الدكتور عبد الله بن إبراهيم الوهبي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٦ / ١٩٩٦م
المطبعة: بيروت - دار ابن حزم
الناشر: دار ابن حزم
ردمك:
ملاحظات:

((سورة الفاتحة))
* (بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله رب
العالمين (2) الرحمن الرحيم (3) مالك يوم الدين (4) إياك نعبد
وإياك نستعين (5) اهدنا الصراط المستقيم (6) صراط الذين
أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين (7)) *
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
' هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع
المثاني ' سميت الفاتحة، لأنها يفتح بها القرآن تلاوة وخطا [و] أم القرآن:
87

لتقدمها عليه، وتبعه لها، كراية الحرب أم لتقدمها على الجيش، وما مضى
من عمر الإنسان أم لتقدمه مكة أم القرى لتقدمها على سائر القرى، أو لأن
الأرض دحيت عنها، وحدثت عنها كالولد يحدث عن أمه. وهي سبع آيات
اتفاقا.
[وسميت] المثاني [لأنها] تثنى في كل صلاة فرض أو تطوع.
1 - * (بسم الله) * أبدأ بسم الله، أو بدأت بسم الله، الاسم صلة، أوليس
بصلة عند الجمهور، واشتق من السمة، وهي العلامة، أو من السمو.
* (الله) * أخص أسماء الرب لم يتسم به غيره * (هل تعلم له سميا) * [مريم:
65] تسمى باسمه، أو شبيها. أبو حنيفة: ' هو الاسم الأعظم ' وهو علم إذ
لا بد للذات من اسم علم يتبعه أسماء الصفات، أو هو مشتق من الوله لأنه يأله
إليه العباد: أي يفزعون إليه في أمورهم، فالمألوه إليه إله، كما أن المأموم [به]
إمام، أو اشتق من التأله وهو التعبد، تأله فلان: تعبد، واشتق من فعل العبادة
فلا يتصف به في الأزل، أو من استحقاقها على الأصح فيتصف به أزلا
88

* (الرحمن الرحيم) * الرحمن والرحيم الراحم، أو الرحمن أبلغ، وكانت الجاهلية
تصرفه للرب سبحانه وتعالى الشنفري:
* ألا ضربت تلك الفتاة هجينها
* ألا هدر الرحمن ربي يمينها
*
ولما سمي مسيلمة بالرحمن قرن لله تعالى الرحمن الرحيم، / لأن أحدا [2 / ب]
لم يتسم بهما، واشتقا من رحمة واحدة، أو الرحمن من رحمته لجميع الخلق،
والرحيم من رحمته لأهل طاعته، أو الرحمن من رحمته لأهل الدنيا والرحيم من
89

رحمته لأهل [الآخرة]، أو الرحمن من الرحمة التي يختص بها، والرحيم من
الرحمة التي يوجد في العباد مثلها.
2 - * (الحمد) * الثناء بجميل الصفات والأفعال والشكر والثناء بالإنعام،
فالحمد أعم، الرب: المالك كرب الدار أو السيد، أو المدبر كربة البيت،
الربانيون يدبرون الناس بعلمهم، أو المربي، ومنه الربيبة ابنة الزوجة، * (العالمين) *
جمع عالم لا واحد له من لفظه، كرهط وقوم، أخذ من العلم، فيعبر به عمن
يعقل من الجن والإنس والملائكة، أو من العلامة، فيكون لكل مخلوق، أو هو
الدنيا وما فيها، أو كل ذي روح من عاقل وبهيم، وأهل كل زمان عالم.
4 - * (ملك) * * (مالك) * أخذا من الشدة، ملكت العجين عجنته بشدة،
أو من القدرة.
* ملكت بها كفي فأنهرت فتقها
*
90

فالمالك من اختص ملكه، والملك من عم ملكه، وملك يختص بنفوذ
الأمر، والمالك يختص بملك الملوك، والملك أبلغ لنفوذ أمره على المالك،
ولأن كل ملك مالك ولا عكس، أو المالك أبلغ لأنه لا يكون إلا على ما
يملكه، والملك يكون على من لا يملكه كملك الروم والعرب، ولأن الملك
يكون على الناس وحدهم والمالك يكون مالكا للناس وغيرهم، أو المالك أبلغ
في حق الله تعالى من ملك، وملك أبلغ في الخلق من مالك، إذ المالك من
المخلوقين قد يكون غير ملك بخلاف الرب سبحانه وتعالى. * (يوم) * أوله
الفجر، وآخره غروب الشمس، أو هو ضوء يدوم إلى انقضاء الحساب.
* (الدين) * الجزاء أو الحساب، ويستعمل الدين في العادة والطاعة، وخص
الملك بذلك اليوم إذ لا ملك فيه سواء، أو لأنه قصد ملكه للدنيا بقوله * (رب العالمين) * فذكر ملك الآخر ليجمع بينهما.
5 - * (إياك) * الخليل: إيا: اسم مضاف إلى الكاف، الأخفش إياك:
كلمة واحدة، لأن الضمير لا يضاف. * (نعبد) * العبادة: أعلى مراتب الخضوع
تقربا، ولا يستحقها إلا الله - تعالى -، لإنعامه بأعظم النعم، كالحياة والعقل
91

والسمع والبصر، أو هي لزوم الطاعة، أو التقرب بالطاعة، أو المعنى ' إياك نؤمل
ونرجوا ' مأثور والأول أظهر * (نستعين) * على عبادتك أو هدايتك أمروا بذلك كما
أمروا بالحمد له، أو أخبروا.
[3 / أ]
6 - / * (اهدنا) *: دلنا، أو وفقنا * (الصراط) * السبيل المستقيم أو الطريق
الواضح، مأخوذ من مسرط الطعام وهو ممره في الحلق، طلبوا دوام الهداية، أو
زيادتها، أو الهداية إلى طريق الجنة في الآخرة، أو طلبوها إخلاصا للرغبة،
ورجاء ثواب الدعاء، فالصراط: القرآن، أو الإسلام أو الطريق الهادي إلى
دين الله، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر [رضي الله عنهما] أو طريق الحج أو
طريق الحق. * (الذين أنعمت عليهم) *: الملائكة أو الأنبياء، أو المؤمنون بالكتب
السالفة أو المسلمون أو النبي ومن معه.
7 - * (المغضوب عليهم) *: اليهود، والضالون: النصارى. اتفاقا خصت
اليهود بالغضب لشدة عداوتها، والغضب هو المعروف من العباد، أو إرادة
الانتقام، أو ذمة لهم، أو نوع من العقاب سماه غضبا كما سمى نعمته رحمة.
92

((سورة البقرة))
مدنية اتفاقا إلا آية * (واتقوا يوما ترجعون فيه) * [281] نزلت يوم النحر
بمنى في حجة الوداع.
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (ألم) *
1 - * (ألم) * اسم من أسماء القرآن، كالذكر، والفرقان، أو اسم للسورة
أو اسم الله الأعظم، أو اسم من أسماء الله أقسم به، وجوابه ذلك الكتاب،
أو افتتاح للسورة يفصل به ما قبلها، لأنه يتقدمها ولا يدخل في أثنائها، أو
هي حروف قطعت من أسماء، أفعال، الألف من أنا، اللام من الله، الميم
من أعلم، معناه ' أنا الله أعلم '، أو هي حروف لكل واحد منها معاني
مختلفة، الألف مفتاح الله، أو آلاؤه، واللام مفتاح لطيف، والميم مجيد أو
مجده، والألف سنة، واللام ثلاثون، والميم أربعون سنة، آجالا ذكرها، أو
هي حروف من حساب الجمل،
لما روى جابر قال: مر أبو ياسر بن
93

أخطب بالنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ * (ألم) *، فأتى أخاه حيي بن أخطب. في نفر
من اليهود، فقال: سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يتلو فيما أنزل عليه * (ألم) *، قالوا:
أنت سمعته قال: نعم، فمشى حيي في أولئك النفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا:
يا محمد، ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل عليك * (ألم) *، قال: بلى،
فقال: أجاءك بها جبريل - عليه السلام - من عند الله - تعالى - قال: نعم،
قالوا: لقد بعث قبلك أنبياء، ما نعلمه بين لنبي منهم مدة ملكه، وأجل أمته
غيرك. فقال حيي لمن كان معه: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم
أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، ثم قال: يا محمد هل كان مع هذا غيره
[3 / ب] قال: نعم، قال: ماذا، قال: * (المص) * قال: هذه أثقل / وأطول، الألف
واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وستون
ومائة سنة، وهل مع هذا غيره قال: نعم فذكر * (المر) * فقال: هذه أثقل،
وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون والراء مائتان، فهذه
إحدى وسبعون ومئتا سنة، ثم قال: لقد التبس علينا أمرك، ما ندري أقليلا
أعطيت أم كثيرا: ثم قاموا عنه. فقال لهم أبو ياسر؟ ما يدريكم لعله قد
جمع هذا كله لمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، قالوا: قد
94

التبس علينا أمره. فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم * (هو الذي أنزل عليك الكتاب) * [آل عمران: 7] أو أعلم الله تعالى العرب لما تحدوا بالقرآن
أنه مؤتلف من حروف كلامهم، ليكون عجزهم عن الإتيان بمثله أبلغ في د
الحجة عليهم، أو الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد صلى الله عليه وسلم،
أو افتتح به الكلام كما يفتتح بألا.......
95

أبجد: كلمات أبجد حروف أسماء من أسماء الله - تعالى - مأثور أو
96

هي أسماء الأيام الستة التي خلق [الله تعالى] فيها الدنيا أو هي أسماء
ملوك مدين قال:
* ألا يا شعيب قد نطقت مقالة
* سببت بها عمرا وحي بني عمرو
*
* ملوك بني حطي وهواز منهم
* وسعفص أصل في المكارم والفخر
*
* هم صبحوا أهل الحجاز بغارة
* كمثل شعاع الشمس أو مطلع الفجر
*
أو أول من وضع الكتاب العربي ستة أنفس ' أبجد، هوز، حطي، كلمن،
سعفص، قرشت '، فوضعوا الكتاب على أسمائهم، وبقي ستة أحرف لم تدخل
في أسمائهم، وهي: الظاء، والذال، والشين، والغين، والثاء، والخاء، وهي
الروادف التي تحسب بعد حساب الجمل،
قاله عروة بن الزبير، ابن
عباس: ' أبجد ' أبى آدم الطاعة، وجد في أكل الشجرة، ' هوز ' فزل آدم فهوى
من السماء إلى الأرض، ' حطي '، فحطت عنه خطيئته، ' كلمن ' فأكل من
97

الشجرة، ومن عليه بالتوبة ' سعفص ' فعصى آدم فأخرج من النعيم إلى النكد
' قرشت ' فأقر بالذنب، وسلم من العقوبة.
* (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون
الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) والذين يؤمنون بما أنزل إليك ومآ أنزل
من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم
المفلحون (5)) *
2 - * (ذلك الكتاب) *: إشارة إلى ما نزل من القرآن قبل هذا بمكة أو
المدينة، أو إلى قوله * (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) * [المزمل: 5] أو ذلك
بمعنى هذا إشارة إلى حاضر، أو إشارة إلى التوراة والإنجيل، خوطب به
النبي صلى الله عليه وسلم: أي الكتاب الذي ذكرته لك في التوراة والإنجيل هو الذي أنزلته
عليك، أو خوطب به اليهود والنصارى: أي الذي وعدتكم به هو هذا الكتاب
الذي أنزلته على محمد، أو إلى قوله: * (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) *، أو قال
لمحمد صلى الله عليه وسلم: الكتاب الذي ذكرته في التوراة والإنجيل هو هذا الذي أنزلته
عليك [أو المراد] بالكتاب: اللوح [المحفوظ] * (لا ريب فيه) *: الريب
98

التهمة أو الشك. / * (للمتقين) * الذين أقاموا الفرائض واجتنبوا المحرمات، أو
[4 / أ] الذين يخافون العقاب ويرجون الثواب، أو الذين اتقوا الشرك وبرئوا من
النفاق.
3 - * (يؤمنون) * يصدقون أو يخشون الغيب، أصل الإيمان التصديق
* (وما أنت بمؤمن لنا) * [يوسف: 17] أو الأمان، فالمؤمن يؤمن نفسه بإيمانه من
العذاب، والله تعالى مؤمن لأوليائه من عذابه، أو الطمأنينة، فالمصدق بالخبر
مطمئن إليه، ويطلق الإيمان على اجتناب الكبائر، وعلى كل خصلة من
الفرائض، وعلى كل طاعة. * (بالغيب) * بالله، أو ما جاء من عند الله، أو
القرآن، أو البعث والجنة والنار، أو الوحي. * (ويقيمون) * يديمون، كل شيء
راتب قائم، وفاعله يقيم، ومنه فلان يقيم أرزاق الجند، أو يعبدون الله بها،
إقامتها: أداؤها بفروضها، أو إتمام ركوعها وسجودها وتلاوتها وخشوعها ' ع '،
سمي ذلك إقامة لها من تقويم الشيء، قام بالأمر أحكمه، وحافظ عليه، أو
سمى فعلها إقامة لها لاشتمالها على القيام. * (رزقناهم) * أصل الرزق الحظ،
فكان ما جعله حظا من عطائه رزقا. * (ينفقون) * وأصل الإنفاق الإخراج، نفقت
الدابة خرجت روحها، والمراد الزكاة ' ع '، أو نفقة الأهل، أو التطوع بالنفقة
فيما يقرب إلى الله تعالى. نزلت هاتان الآيتان في مؤمني العرب خاصة، واللتان
بعدهما في أهل الكتاب ' ع '، أو نزلت الأربع في مؤمني أهل الكتاب، أو نزلت
الأربع في جميع المؤمنين، فتكون الأربع في المؤمنين، وآيتان بعدهن في
الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين.
4 - * (ما أنزل إليك) * القرآن. * (وما أنزل من قبلك) *: التوراة، والإنجيل
99

وسائر الكتب. * (وبالآخرة) *: النشأة الآخرة، أو الدار الآخرة لتأخرها عن
الدنيا، أو لتأخرها عن الخلق، كما سميت الدنيا لدنوها منهم * (يوقنون) *:
يعلمون، أو يعلمون بموجب يقيني.
5 - * (هدى) * بيان ورشد، * (المفلحون) * الناجون من عذاب الله،
والفلاح: النجاة أو الفائزون السعداء، أو الباقون في الثواب، الفلاح: البقاء، أو
المقطوع لهم بالخير، الفلح: القطع، الأكار: فلاح لشقه الأرض، شعر:
* لقد علمت يا ابن أم صحصح
* أن الحديد بالحديد يفلح
*
والمراد بهم جميع المؤمنين، أو مؤمنو العرب، أو المؤمنون من
[4 / ب] ' العرب ' وغير العرب / ممن آمن بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى من قبله من
الأنبياء.
100

* (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6) ختم الله على
قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (7)) *
6 - * (الذين كفروا) *: نزلت في قادة الأحزاب، أو في مشركي أهل
الكتاب، أو في معينين من اليهود حول المدينة أو مشركو العرب، والكفر:
التغطية، شعر:
*
* في ليلة كفر النجوم غمامها
*
والزارع: كافر، لتغطيته البذر في الأرض، فالكافر مغطي نعم الله تعالى
بجحوده.
7 - * (ختم الله) * حفظ ما في قلوبهم ليجازيهم عنه، كأنه مأخوذ من ختم
ما يراد حفظه، الختم: الطبع، ختمت الكتاب. وذلك علامة تعرفهم الملائكة
بها من بين المؤمنين، أو القلب كالكف إذا أذنب العبد ذنبا ختم منه كالإصبع،
فإذا أذنب آخر ختم منه كالإصبع الثانية حتى ينختم جميعه، ثم يطبع عليه
بطابع، أو هو إخبار عن كفرهم، وإعراضهم عن سماع الحق شبهه بما سد
وختم عليه فلا يدخله خير، أو شهادة من الله عليها أنها لا تعي الحق، وعلى
101

)
أسماعهم أنها لا تصغي إليه، كما يختم الشاهد على الكتاب * (غشاوة) * والغشاوة
الغطاء الشامل، أراد بذلك تعاميهم عن الحق. وسمى القلب قلبا، لتقلبه
بالخواطر.
* ما سمي القلب إلا من تقلبه
* والرأي يصرف والإنسان أطوار
*
* (ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله
والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9) في قلوبهم مرض فزادهم
الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في
الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11) ألآ إنهم هم المفسدون ولكن لا
يشعرون (12) وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس قالوا أنؤمن كما ءامن السفهاء ألآ إنهم
هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13) وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى
102

شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون (14) الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم
يعمهون (15)) *
9 - * (يخادعون الله) * أصل الخدع: الإخفاء، مخدع البيت يخفي ما فيه،
جعل خداع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين خداعا له، لأنه دعاهم برسالته. * (وما
يخدعون) * لما رجع وبال خداعهم عليهم قال ذلك. * (وما يشعرون) * وما
يفطنون.
10 - * (مرض) * أصلة الضعف أي شك، أو نفاق، أو غم بظهور
النبي صلى الله عليه وسلم على أعدائه. * (فزادهم) * دعاء، أو إخبار عن الزيادة عند نزول
الفرائض والحدود * (أليم) * مؤلم.
11 - * (لا تفسدوا) * بالكفر، أو بفعل ما نهيتم عنه، وتضييع ما أمرتم به،
أو بممايلة الكفار. نزلت في المنافقين، أو في قوم لم يكونوا موجودين حينئذ
بل جاءوا فيما بعد قاله سلمان: * (مصلحون) * ظنوا ممايلة الكفار صلاحا
لهم، وليس كذلك، لأن الكفار لو ظفروا بهم لم يبقوا عليهم، أو مصلحون في
اجتناب ما نهينا عنه إنكارا لممايلة الكفار، أو نريد بممايلتنا الكفار الإصلاح
103

بينهم وبين المؤمنين، أو إن ممايلة الكفار صلاح وهدى ليست بفساد، عرضوا
بهذا، أو قالوه لمن خلوا به من المسلمين.
13 - * (كما آمن الناس) * الناس: الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم
أجمعين - * (السفهاء) * الصحابة عند عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنه -،
[5 / أ] أو النساء والصبيان عند عامة المفسرين، والسفه خفة الأحلام / ثوب سفيه:
خفيف النسج.
14 - * (خلوا إلى) * إلى بمعنى ' مع ' أو خلوت إليه: إذا جعلته غايتك في
حاجتك، أو صرفوا خلاءهم إلى شياطينهم. * (شياطينهم) * رؤوسهم في
الكفر، أو اليهود الذين يأمرونهم بالتكذيب، شيطان: فيعال من شطن إذا بعد -
نوى شطون - سمي به لبعده عن الخير، أو لبعد مذهبه في الشر، نونه
أصلية، أو من شاط يشيط إذا هلك زائد النون، أو من التشيط وهو الاحتراق
سمى ما يؤول إليه أمره. * (إنا معكم) * على التكذيب والعداوة. * (مستهزئون) *
بإظهار التصديق.
15 - * (الله يستهزئ بهم) * يجزيهم على استهزائهم، سمى الجزاء باسم
الذنب * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) * [سورة البقرة: 194].
104

*
* فنجهل فوق جهل الجاهلينا
*
أو نجزيهم جزاء المستهزئين، أو إظهاره عليهم أحكام الإسلام مع ما
أوجبه لهم من العقاب فاغتروا به كالاستهزاء بهم، أو هو كقوله تعالى: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * [الدخان: 49] للاستهزاء به، أو يفتح لهم باب جهنم
فيريدون الخروج على رجاء فيزدحمون فإذا انتهوا إلى الباب ضربوا بمقامع
الحديد حتى يرجعوا، فهذا نوع من العذاب على صورة الاستهزاء. * (ويمدهم) *
يملي لهم، أو يزيدهم، مددت وأمددت أو مددت في الشر وأمددت في الخير،
أو مددت فيما زيادته منه، وأمددت فيما زيادته من غيره. * (طغيانهم) * غلوهم
في الكفر، الطغيان: مجاوزة القدر. * (يعمهون) * يترددون أو يتحيرون، أو
يعمون عن الرشد.
* (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16)
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضآءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في
ظلمات لا يبصرون (17) صم بكم عمي فهم لا يرجعون (18)
16 - * (اشتروا) * الكفر بالإيمان على حقيقة الشراء، أو استحبوا الكفر على
الإيمان إذ المشتري محب لما يشتريه، إذ لم يكونوا قبل ذلك مؤمنين، أو
105

أخذوا الكفر وتركوا الإيمان. * (فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) * في
اشتراء الضلالة، أو ما اهتدوا إلى تجارة المؤمنين، أو نفى عنهم الربح والاهتداء
جميعا، لأن التاجر قد لا يربح مع أنه على هدى في تجارته، فذلك أبلغ في
ذمهم.
17 - * (استوقد) * أوقد، أو طلب ذلك من غيره للاستضاءة * (أضاءت) *
ضاءت النار في نفسها، وأضاءت ما حولها. قال:
* أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم
* دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
*
* (بنورهم) * أي المستوقد، لأنه في معنى الجمع، أو بنور المنافق عند
[5 / ب] الجمهور، فيذهب في الآخرة فيكون / ذهابه سمة يعرفون بها، أو ذهب ما
أظهروه للنبي صلى الله عليه وسلم من الإسلام * (في ظلمات لا يبصرون) * لم يأتهم بضياء
يبصرون به، أو لم يخرجهم من الظلمات، وحصول الظلمة بعد الضياء أبلغ،
لأن من صار في ظلمة بعد ضياء أقل إبصارا ممن لم يزل فيها، ثم الضياء
دخولهم في الإسلام، والظلمة خروجهم منه، أو الضياء تعززهم بأنهم في عداد
106

المسلمين، والظلمة زواله عنهم في الآخرة.
18 - * (صم) * أصل الصم: الانسداد، قناة صماء أي غير مجوفة، وصممت
القارورة سددتها، فالأصم: المنسد خروق المسامع. * (بكم) * البكم: آفة في اللسان
تمنع معها اعتماده على مواضع الحروف، أو الأبكم الذي يولد أخرس، أو المسلوب
الفؤاد الذي لا يعي شيئا ولا يفهمه، أو الذي جمع الخرس وذهاب الفؤاد، صموا عن
سماع الحق، فلم يتكلموا به، ولم يبصروه، فهم لا يرجعون إلى الإسلام.
* (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق
حذر الموت والله محيط بالكافرين (19) يكاد البرق يخطف أبصارهم كلمآ أضاء لهم مشوا
فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل
شئ قدير (20)
19 - * (كصيب) * الصيب: المطر، أو السحاب. * (الرعد) * ملك ينعق
بالغيث نعيق الراعي بالغنم، سمى ذلك الصوت باسمه، أو ريح تختنق تحت
السماء
قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو اصطكاك الأجرام.
* (البرق) * ضرب الملك - الذي هو الرعد - السحاب بمخراق من حديد
قاله
علي - رضي الله تعالى عنه -: أو ضربه بسوط من نور
قاله ابن عباس -
107

رضي الله تعالى عنهما - أو ما ينقدح من اصطكاك الأجرام.
* (الصاعقة) * الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار. شبه المطر بالقرآن، وظلماته بالابتلاء الذي في القرآن، ورعده بزواجر القرآن، وبرقه ببيان
القرآن، وصواعقه بوعيد القرآن في الآجل، ودعائه إلى الجهاد عاجلا
قاله ابن
عباس رضي الله تعالى عنهما، أو شبه المطر بما يخافونه من وعيد الآخرة،
وبرقه بما في إظهارهم الإسلام من حقن دمائهم ومناكحتهم وإرثهم، وصواعقه
بزواجر الإسلام بالعقاب عاجلا وآجلا، أو شبه المطر بظاهر إيمانهم، وظلمته
بضلالهم، وبرقة بنور الإيمان، وصواعقه بهلاك النفاق.
20 - * (يكاد) * يقارب، الخطف: الاستلاب بسرعة. * (أضاء لهم) * الحق.
* (مشوا فيه) * تبعوه * (وإذا أظلم عليهم) * بالهوى تركوه، أو كلما غنموا وأصابوا
خيرا تبعوا المسلمين، وإذا أظلم فلم يصيبوا خيرا قعدوا عن الجهاد. * (لذهب بسمعهم) * أسماعهم.
* كلوا في نصف بطنكم تعيشوا
*
* (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلك تتقون (21) الذي
جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا
108

لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22) وإن كنتم في ريب مما نزلنا على
عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدآءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23) فإن
لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (24)) *
22 - * (أندادا) * أكفاء أو أشباها، أو أضدادا. * (وأنتم تعلمون) * أن الله [6 / أ]
خلقكم، أو لأنه لا ند له ولا ضد، أو وأنتم تعقلون.
23 - * (عبدنا) * العبد مأخوذ من التعبد، وهو التذلل، فسمي به المملوك
من جنس ما يعقل لتذلله لمولاه. * (من مثله) * من مثل القرآن، أو من مثل
محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه بشر مثلكم. * (شهدآءكم) * أعوانكم، أو آلهتكم، لاعتقادهم أنها
تشهد لهم، أو ناسا يشهدون لكم.
24 - * (وقودها) * الوقود: الحطب، والوقود: التوقد. * (والحجارة) * من
كبريت أسود، فالحجارة وقود للنار مع الناس. هول أمرها بإحراقها الأحجار كما
تحرق الناس، أو أنهم يعذبون فيها بالحجارة مع النار التي وقودها الناس.
* (أعدت للكافرين) * إعدادها - مع اتحادها - لا ينفي أن تعد لغيرهم من أهل
الكبائر، أو هذه نار أعدت لهم خاصة، ولغيرهم نار أخرى.
* (وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار
كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها
ولهم فيهآ أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (25)) *
25 - * (وبشر) * البشارة: أول خبر يرد عليك بما يسر، أو هي أول خبر يسر
أو يغم، وإن كثر استعمالها فيما يسر، أخذت من البشرة، وهي ظاهر الجلد،
لتغيرها بأول خبر. * (جنات) * سمي البستان جنة لأن شجره يستره، المفضل:
109

الجنة: كل بستان فيه نخل وإن لم يكن فيه شجر غيره، فإن كان فيه كرم فهو
فردوس سواء كان فيه شجر غير الكرم، أو لم يكن. * (من تحتها) * من تحت
الأشجار، قيل تجري أنهارها في غير أخدود. * (رزقوا منها) * أي من ثمر
أشجارها. * (هذا الذي رزقنا) * أي الذي رزقنا من ثمار الجنة كالذي رزقنا من ثمار
الدنيا، أو إذا استخلف مكان جنى الجنة مثله فرأوه فاشتبه عليهم بالذي جنوه
قبله فقالوا هذا الذي رزقنا من قبل. * (متشابها) * بشبه بعضه بعضا في الجودة لا
رديء فيه، أو يشبه ثمار الدنيا في اللون دون الطعم، أو يشبه ثمار الدنيا في
اللون والطعم، أو يشبهها في الاسم دون اللون والطعم، وليس بشيء * (مطهرة) *
في الأبدان، والأخلاق، والأفعال، فلا حيض، ولا ولاد، ولا غائط، ولا
بول، إجماعا.
* (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين ءامنوا
فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله
بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا
الفاسقين (26) الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن
يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (27)) *
26 - * (لا يستحي) * لا يترك، أو لا يخشى، أو لا يمنع، أصل
الاستحياء: الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعه القبيح.
110

* (بعوضة) * صغار البق لأنها كبعض بقة كبيرة * (فما فوقها) * ما: صلة، أو بمعنى
الذي، أو ما بين بعوضة إلى ما فوقها * (فوقها) * في الكبر، أو في الصغر.
نزلت في المنافقين لما ضرب لهم المثل بالمستوقد والصيب قالوا: الله أعلى أن
يضرب هذه / الأمثال، أو ضربت مثلا للدنيا وأهلها فإن البقة تحيا ما جاعت [6 / ب]
فإذا شبعت ماتت، فكذا أهل الدنيا إذا امتلئوا منا أخذوا. أو نزلت في أهل
الضلالة لما ذكر الله تعالى العنكبوت والذباب قالوا ما بالهما يذكران فنزلت.
* (يضل به كثيرا) * بالمثل كثيرا * (ويهدي به كثيرا) * أو يضل بالتكذيب بالأمثال
المضروبة كثيرا، ويهدي بالتصديق بها كثيرا، أو حكاه عمن ضل منهم، ومن
هتدى.
27 - * (ينقضون عهد الله) * النقض: ضد الإبرام، والميثاق: ما وقع التوثق
به، والعهد: الوصية، أو الموثق، فعهده: ما أنزله في الكتب من الأمر والنهي،
ونقض ذلك، مخالفته، أو العهد: ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب، ونقضه:
جحودهم له بعد إعطائهم ميثاقهم * (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) * [آل عمران:
111

187]، أو العهد: ما جعل في العقول من حجج التوحيد، وتصديق الرسل -
صلوات الله تعالى عليهم وسلامه - بالمعجزات، أو العهد: الذي أخذ عليهم
يوم الذر إذ أخرجوا من صلب آدم - عليه الصلاة والسلام -، والضمير في ميثاقه
عائد على اسم الله تعالى، أو على العهد. عني بهؤلاء المنافقين، أو أهل
الكتاب، أو جميع الكفار. * (ما أمر الله به أن يوصل) * هو الرسول، قطعوه
بالتكذيب والعصيان، أو الرحم والقرابة، أو هو عام في كل ما أمر بوصله.
* (ويفسدون في الأرض) * بإخافة السبيل، وقطع الطريق، أو بدعائهم إلى الكفر.
* (الخاسرون) * الخسار: النقصان، نقصوا حظوظهم وشرفهم، أو الخسار:
الهلاك، أو كل ما نسب إلى غير المسلم من الخسار فالمراد به الكفر، وما
نسب إلى المسلم فالمراد به الذنب.
* (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم
إليه ترجعون (28) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء
فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم (29)) *
28 - * (كيف تكفرون) * توبيخ، أو تعجب، عجب المؤمنين من كفرهم
* (وكنتم أمواتا فأحياكم) * أمواتا: عدما، فأحياكم: خلقكم * (ثم يميتكم) * عند
الأجل * (ثم يحييكم) * في القيامة، أو أمواتا في القبور، فأحياكم فيها
للمساءلة، ثم يميتكم فيها، ثم يحييكم للبعث، لأن حقيقة الموت ما كان عن
حياة، أو أمواتا في الأصلاب، فأحياكم أخرجكم من بطون الأمهات، ثم
يميتكم في الأجل، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة، أو كنتم أمواتا بعد أخذ
الميثاق يوم الذر، فأحياكم خلقكم في بطون أمهاتكم، ثم يميتكم عند الأجل،
ثم يحييكم يوم القيامة، أو أمواتا نطفا، فأحياكم بنفخ الروح، ثم يميتكم في [7 / أ]
الأجل، ثم يحييكم يوم القيامة، أو كنتم أمواتا خاملي الذكر، فأحياكم / بالظهور
112

والذكر، ثم يميتكم في الأجل، ثم يحييكم يوم القيامة. * (ترجعون) * إلى
مجازاته على أعمالكم، أو إلى الموضع الذي يتولى الله تعالى فيه الحكم
بينكم.
29 - * (استوى إلى السماء) * أقبل عليها، أو قصد إلى خلقها، أو تحول
فعله إليها، أو استوى أمره وصنعه الذي صنع به الأشياء إليها، أو استوت به
السماء، أو علا عليها وارتفع، أو استوى الدخان الذي خلقت منه السماء
وارتفع.
* (وإذ قال ربك للملآئكة إني جاعل في الأرض
خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد
فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون (30)) *
30 - * (وإذ قال) * ' إذ ' صلة، أو أصلية مقصودة، لما ذكر نعمه لخلقه
بما خلق لهم في الأرض ذكرهم نعمه على أبيهم آدم صلى الله عليه وسلم أو أنه ذكر ابتداء
الخلق كأنه قال وابتدأ خلقكم إذ قال ربك. * (للملائكة) * الملك مأخوذ من ألك
113

يألك إذا أرسل [والألوك: الرسالة] سميت بذلك، لأنها تولك في الفم،
يقال: الفرس يألك اللجام ويعلكه، ألكني إليها: أرسلني إليها، والملك: أفضل
الحيوان، وأعقل الخلق، لا يأكل، ولا يشرب ولا ينكح، ولا ينسل، وهو
رسول لا يعصي الله - تعالى - في قليل ولا كثير، له جسم لطيف لا يرى إلا إذا
قوى الله - تعالى - أبصارنا. * (جاعل) * خالق، أو فاعل. * (في الأرض) * قيل إنها
مكة. * (خليفة) * الخليفة من قام مقام غيره، خليفة: يخلفني في الحكم بين
الخلق، هو آدم صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من ذريته، أو بنو آدم يخلفون آدم، ويخلف
بعضهم بعضا في العمل بالحق، وعمارة الأرض، أو آدم وذريته خلفاء من الذين
كانوا فيها فأفسدوا، وسفكوا الدماء. * (أتجعل) * استفهام لم يجبهم عنه، أو
إيجاب قالوه ظنا لما رأوا الجن قد أفسدوا في الأرض ألحقوا الإنس بهم في
114

ذلك، أو قالوه عن إخبار الله تعالى لهم بذلك، فذكروا ذلك استعظاما لفعلهم
مع إنعامه عليهم، أو قالوه تعجبا من استخلاقه لهم مع إفسادهم. * (ويسفك) *
السفك: صب الدم خاصة، والسفح: مثله إلا أنه يستعمل في كل مائع على وجه التضييع ولذلك قيل للزنا سفاح. * (نسح) * التسبيح: التنزيه من السوء على
وجه التعظيم، فلا يسبح غير الله - تعالى -، لأنه قد صار مستعملا في أعلى
مراتب التعظيم التي لا يستحقها سواه، نسبح لك نصلي لك، أو نعظمك، أو
التسبيح المعروف، أو هو رفع الصوت بالذكر. * (ونقدس لك) * التقديس:
التطهير، الأرض المقدسة: المطهرة. نقدس: نصلي لك، أو نطهرك من
الأدناس، أو التقديس المعروف. * (ما لا تعلمون) * / ما أضمره إبليس من [7 / ب]
المعصية، أو من ذرية آدم صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المصلحين، أو ما اختص بعلمه من
تدبير المصالح.
* (وعلم آدم الأسمآء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن
كنتم صادقين (31) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنآ إنك أنت العليم الحكيم (32)
قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب
السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (32)) *
31 - * (آدم) * سمي به، لأنه خلق من أديم الأرض: ' وهو وجهها
الظاهر '، أو أخذ من الأدمة. * (الأسماء) * أسماء الملائكة، أو أسماء ذريته
أو أسماء كل شيء، علم الأسماء وحدها، أو الأسماء والمسميات، وعلى
الأول علمها بلغته التي كان يتكلم بها، أو علمها بجميع اللغات، وعلمها
آدم صلى الله عليه وسلم ولده فلما تفرقوا تكلمت كل طائفة بلسان ألفوه منها، ثم نسوا الباقي
115

بتطاول الزمان، أو أصبحوا وقد تكلمت كل طائفة بلغة، ونسوا غيرها في ليلة
واحدة، وهذا خارق. * (عرضهم) * الأسماء، أو المسمين على الأصح،
وعرضهم بعد أن خلقهم، أو صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم قبل خلقهم.
* (أنبئوني) * أخبروني، مأخوذة من الإنباء، وهو الإخبار على الأظهر، أو
الإعلام. * (صادقين) * أني لا أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه، لأنه وقع لهم
ذلك، أو فيما زعمتم أن الخليفة يفسد في الأرض، أو أني إن استخلفتكم
سبحتم، وقدستم، وإن أستخلف غيركم عصى، أو أني لا أخلق خلقا إلا كنتم
أفضل منه، أو صادقين: عالمين.
32 - * (العليم) * العالم من غير تعليم * (الحكيم) * المحكم لأفعاله، أو
المصيب للحق، ومنه الحاكم لإصابته، أو المانع من الفساد، وحكمة اللجام
تمنع الفرس من شدة الجري. قال:
* أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
* إني أخاف عليكم أن أغضبا
*
33 - * (ما تبدون وما كنتم تكتمون) * ما تبدون من قولكم * (أتجعل فيها) *
والمكتوم: ما أسره إبليس من الكبر، والعصيان، أو ما أضمروه من أن الله -
تعالى - لا يخلق خلقا إلا كانوا أكرم عليه منهم.
* (وإذ قلنا للملآئكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من
الكافرين (34)) *
43 - * (اسجدوا) * أصل السجود: الخضوع، والتطامن، أمروا بذلك تكريما
لآدم صلى الله عليه وسلم وتعظيما لشأنه، أو جعل قبلة لهم، وأمروا بالسجود إليه. * (إلا
116

إبليس) * امتنع حسدا، وتكبرا، وكان أبا الجن كما آدم صلى الله عليه وسلم أبو البشر، أو كان
من الملائكة فيكون قوله تعالى * (كان من الجن) * [الكهف: 50] وهم حي من
الملائكة يسمون جنا، أو كان من خزان الجنة، فاشتق اسمه منها، أو لأنه جن
عن الطاعة، أو الجن اسم لكل مستتر مجتنن. قال:
* براه إلهي واصطفاه لدينه
* وملكه ما بين توما إلى مصر
*
* وسخر من جن الملائك تسعة
* قياما لديه يعملون بلا أجر
*
واشتق من الإبلاس، وهو اليأس من الخير، أو هو اسم أعجمي لا
اشتقاق له.
* (وكان من الكافرين) * / صار منهم، أو كان قبله كفار هو منهم، أو كان من [8 / أ]
الجن وإن لم يكن قبله جن، كما كان آدم صلى الله عليه وسلم من الإنس وليس قبله إنس.
* (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة
117

فتكونا من الظالمين (35) فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم
لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (36)) *
35 - * (اسكن أنت وزوجك) * خلقت حواء من ضلع آدم صلى الله عليه وسلم وهو نائم،
ولهذا يقال لها ضلع أعوج، وسميت امرأة لأنها خلقت من المرء، وسميت
حواء لأنها خلقت من حي، أو لأنها أم كل حي، وخلقت قبل دخوله الجنة، أو
بعد دخوله إليها. * (الجنة) * جنة الخلد، أو جنة أعدها الله - تعالى - لهما.
* (رغدا) * الرغد: العيش الهنيء، أو الواسع، أو الحلال الذي لا حساب فيه.
* (الشجرة) * البر، أو الكرم، أو التين، أو شجرة الخلد التي كانت الملائكة
تحنك منها. * (الظالمين) * لأنفسهما، أو المعتدين بأكل ما لم يبح، وأكلها
ناسيا فحكم عليه بالمعصية، لترك التحرز، لأنه يلزم الأنبياء - صلوات الله تعالى
عليهم وسلامه - من التحرز ما لا يلزم غيرهم أو أكل منها وهو سكران، قاله
ابن المسيب: أو أكل عالما متعمدا، أو تأول النهي على التنزيه دون التحريم،
أو على عين الشجرة دون جنسها، أو على قوله تعالى * (ما نهاكما ربكما عن
118

هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين) * [الأعراف: 20].
36 - * (فأزلهما) * أزالهما: نحاهما، وأزلهما: من الزلل وهو الزوال عن
الحق. والشيطان: إبليس، وسوس لهما من غير مشاهدة، ولا خلوص إليهما،
أو خلص إليهما وشافههما بالخطاب، وهو الأظهر، وقول الأكثر. * (فأخرجهما) *
نسب الخروج إليه، لأنه سببه. * (اهبطوا) * الهبوط: الزوال، والهبوط: موضع
الهبوط، المأمور به آدم، وحواء، وإبليس، والحية، أو آدم، وإبليس،
وذريتهما، أو آدم، وحواء والوسوسة. * (عدو) * بنو آدم وبنو إبليس أعداء، أو
الذين أمروا بالهبوط بعضهم لبعض أعداء. * (مستقر) * مقامهم عليها، أو قبورهم.
* (ومتاع) * كل ما انتفع به فهو متاع. * (إلى حين) * الموت، أو قيام الساعة، أو
أجل.
* (فتلقىءادم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37) قلنا اهبطوا منها جميعا فإما
119

يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (38) والذين كفروا
وكذبوا بئاياتنآ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (39)) *
37 - * (كلمات) * الكلام من التأثير، لتأثيره في النفس بما يدل عليه من
المعاني، والجرح كلم لتأثيره في الجسد. الكلمات قوله - تعالى -: * (ربنا
ظلمنا) * الآية [الأعراف: 23] أو قول آدم صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ' أرأيت إن تبت
وأصلحت ' فقال: إني راجعك إلى الجنة، أو قوله: ' لا إله إلا أنت سبحانك
وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين، اللهم [8 / ب] لا إله إلا
أنت سبحانك وبحمدك ربي إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين اللهم
لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب / إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت
التواب الرحيم ' * (فتاب عليه) * توبة العبد الرجوع عن المعصية، وتوبة الرب عليه
قبول ذلك، ورجوعه له إلى ما كان عليه، والتوبة واجبة عليه وعلى حواء،
وأفرد بالذكر، لقوله تعالى: * (فتلقى آدم) * أفرده بالذكر فرد الإضمار إليه، أو
استغنى بذكر أحدهما عن الآخر لاشتراكهما في حكم واحد * (والله ورسوله أحق
أن يرضوه) * [النور: 62] * (انفضوا إليها) * * (التواب) * الكثير القبول للتوبة.
* (الرحيم) * الذي لا يخلي عباده من نعمه. ولم يهبط عقوبة، لأن ذنبه صغير،
وهبوطه وقع بعد قبول توبته، وإنما أهبط تأديبا. أو تغليظا للمحنة. الحسن
' خلق آدم للأرض، فلو لم يعص لخرج على غير تلك الحال ' أو يجوز أن
يخلق لها إن عصى ولغيرها إن لم يعص.
120

* (يا بني إسرآءيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي
فارهبون (40) وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا
بئاياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون (41) ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم
تعلمون (42)) *
40 - * (إسرائيل) * يعقوب، إسرا - بالعبرانية - عبد، وإيل هو الله - تعالى -
فهو عبد الله /. * (اذكروا) * الذكر باللسان وبالقلب، والذكر بالشرف بصم الذال
وكسرها في القلب واللسان. أو بالضم في القلب وبالكسر في اللسان، ومراد
الآية ذكر القلب، يقول: لا تتناسوا نعمتي. * (نعمتي) * إنعامي العام على خلقي،
أو إنعامي على آبائكم بما ذكر في هذه السورة، فالإنعام على الآباء شرف
للأبناء. * (وأوفوا بعهدي) * أوفوا بما أمرتكم به * (أوف) * بما وعدتكم، أو أوفوا
بما أنزلته في كتابكم، ' أن تؤمنوا بي وبرسلي ' أوف لكم بالجنة، سماه عهدا،
لأنه عهد به إليهم في الكتب السالفة، أو جعل الأمر كالعهد الذي هو يمين
لاشتراكهما في لزوم الوفاء بهما.
41 - * (بما أنزلت) * على محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن * (مصدقا لما معكم) * من
التوراة في التوحيد ولزوم الطاعة، أو مصدقا لما فيها من أنها من عند الله، أو
لما فيها من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. * (أول كافر) * بالقرآن من أهل الكتاب، أو
محمد صلى الله عليه وسلم، أو بما في التوراة والإنجيل من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. * (ثمنا قليلا) * لا تأخذوا عليه أجرا، وفي كتابهم ' يا ابن آدم علم مجانا كما علمت
مجانا '، أو لا تأخذوا على تغييره وتبديله ثمنا، أو لا تأخذوا ثمنا على كتم ما
فيه من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
42 - * (ولا تلبسوا) * ولا تكتموا الصدق بالكذب، اللبس: الخلط، أو
اليهودية والنصرانية بالإسلام، أو التوراة المنزلة بما كتبوه بأيديهم
121

الحق) * نبوة محمد صلى الله عليه وسلم * (وأنتم تعلمون) * أنه في كتبكم.
* (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (43) أتأمرون الناس بالبر وتنسون
أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44) واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة
إلا على الخاشعين (45) الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون (46)) * [9 / أ]
43 - * (الزكاة) * من النماء والزيادة /، لأنها تثمر المال، أو من الطهارة
بأدائها يطهر المال فيصير حلالا، أو تطهر المالك من إثم المنع. * (الراكعين) *
الركوع من التطامن والانحناء، أو من الذل والخضوع، عبر عن الصلاة بالركوع،
أو أراد ركوعها إذ لا ركوع في صلاتهم.
44 - * (بالبر) * بالطاعة، أمروا بها وعصوا، أو أمروا بالتمسك بكتابهم،
وتركوه بجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو أمروا بالصدقة وضنوا بها.
45 - * (بالصبر) * على الطاعة، وعن المعصية، أو بالصوم، ويسمى صبرا
لأنه يحبس نفسه عن الطعام والشراب، والصبر: حبس النفس عما تنازع إليه.
' كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر استعان بالصلاة والصوم ' * (وإنها لكبيرة) * وإن
الصلاة لثقيلة إلا على المؤمنين، أو إن الصبر والصلاة - أرادهما وأعاد الضمير
إلى أحدهما، أو أن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم لشديدة * (إلا على الخاشعين) * الخشوع
122

والخضوع: التواضع، أو الخضوع في البدن، والخشوع في الصوت والبصر.
46 - * (يظنون أنهم ملاقو ربهم) * بذنوبهم لإشفاقهم منها أو يتيقنون عند
الجمهور. * (راجعون) * بالموت، أو بالإعادة، أو إلى أن لا يملك لهم أحد غيره
ضرا ولا نفعا كما كانوا في بدو الخلق.
* (يا بني إسرآءيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين (47) واتقوا يوما لا
تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (48)) *
48 - * (لا تجزي) * لا تغني، أو لا تقضي، جزاه الله خيرا: قضاه.
* (شفاعة) * لا يقدر على شفيع تقبل شفاعته، أو لا يجيبه الشفيع إلى الشفاعة،
وإن كان مشفعا لو شفع. * (عدل) * فدية، وعدل: مثل ' لا يقبل منه صرف ولا
عدل ' الصرف: العمل، والعدل: الفدية. أو الصرف: الدية، والعدل: رجل
123

مكانه. أو الصرف: التطوع، والعدل: الفرض أو الصرف: الحيلة، والعدل:
الفدية، قاله أبو عبيدة.
* (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنآءكم ويستحيون
نسآءكم وفي ذالكم بلاء من ربكم عظيم (49) وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم
وأغرقنآ آل فرعون وأنتم تنظرون (50)) *
49 - * (آل فرعون) * آل الرجل: هم الذين تؤول أمورهم إليه في نسب أو
صحبة، والآل والأهل سواء [أ] و الآل يضاف إلى المظهر دون المضمر
124

والأهل يضاف إليهما، أهل العلم وأهل البصرة ولا يقال آل العلم ولا آل
البصرة. * (فرعون) * اسم رجل معين، أو فرعون لملوك العمالقة، كقيصر للروم
وكسرى للفرس، واسم فرعون ' الوليد بن مصعب ' * (يسومونكم) * يولونكم
' سامه خطة خسف ': أولاه، أو يجشمونكم الأعمال الشاقة، أو يزيدونكم
على ذلك سوء العذاب ومساومة البيع: مزايدة كل واحد من العاقدين.
* (يستحيون نساءكم) * يبقونهم أحياء للاسترقاق والخدمة فلذلك كان من سوء [9 / ب]
العذاب. والنساء يقع على الكبار والصغار، أو تسمى به الصغار، اعتبارا بما
يصرن إليه * (وفي ذلكم) * إنجائكم، أو في سومهم إياكم سوء العذاب. والذبح
والإبقاء، والبلاء: يستعمل في الاختبار بالخير والشر. والأكثر في الخير: أبليته
أبليه إبلاء، وفي الشر: بلوته أبلوه بلاء.
50 - * (فرقنا) * فصلنا ' أو ميزنا ' وسمي البحر بحرا لسعته وانبساطه، تبحر
في العلم اتسع فيه. * (تنظرون) * إلى سلوكهم البحر، وانطباقه عليهم.
* (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (51) ثم عفونا
عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون (52) وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم
تهتدون (53)) *
51 - [* (وإذ واعدنا موسى) *] ووجد موسى [عليه السلام] في اليم بين
الماء والشجر فسمى لذلك موسى، مو: هو الماء، وسا: هو الشجر.
* (العجل) * قال الحسن: صار لحما ودما له خوار ومنع غيره ذلك لما فيه من
الخرق المختص بالأنبياء، وإنما جعل فيه خروقا تدخلها الريح فتصوت
كالخوار. وعلى طريق الحسن فالخرق يقع لغير الأنبياء في زمن الأنبياء، لأنهم
يبطلونه. وقد قال السامري: * (هذا إلهكم وإله موسى) * [طه: 88] فأبطل أن
يدعي بذلك إعجاز الأنبياء، وسمي عجلا، لأنه عجل بأن صار له خوار، أو
125

لأنهم عجلوا بعبادته قبل رجوع موسى.
53 - * (الكتاب والفرقان) * الكتاب: التوراة، وهي الفرقان، أو الفرقان
ما في التوراة من الفرق بين الحق والباطل، أو فرقه - سبحانه وتعالى - بين
موسى وفرعون بالنصر، أو انفراق البحر.
* (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى
بارئكم فاقتلوآ أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب
الرحيم (54)) *
54 - * (بارئكم) * خالقكم والبرية: الخلق متروك همزها من برأ الله
الخلق، أو من البري وهو التراب، أو من بريت العود، أو من تبرى شيء من
غيره إذا انفصل منه، كالبراءة من الدين والمرض. * (فاقتلوا أنفسكم) * مكنوا
من قتلها، أو ليقتل بعضكم بعضا. والقتل إماتة الحركة قتلت الخمر بالماء إذا
مزجتها به، فسكنت حركتها، ابن جريج، جعلت توبتهم بالقتل، لأن الذين
126

لم ينكروا خافوا القتل فجعلت توبتهم به.
* (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم
تنظرون (55) ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون (56) وظللنا عليكم
الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن
كانوآ أنفسهم يظلمون (57)) *
55 - * (جهرة) * علانية، أو عيانا، وأصل الجهر: الظهور، ومنه جهر
بالقراءة، وجاهر بالمعاصي. * (الصاعقة) * الموت.
56 - * (بعثناكم) * أحييناكم، أو سألوا أن يبعثوا بعد الإحياء أنبياء. والبعث
هو الإرسال، أو إثارة الشيء من محله، وهؤلاء هم السبعون المختارون
للميقات.
57 - * (الغمام) * ما غطى السماء من السحاب، غم الهلال: غطاه
السحاب، وكل مغطى مغموم. وهذا الغمام هو السحاب، أو الذي أتت فيه
الملائكة يوم بدر. * (المن) * ما سقط على الشجر فأكله الناس / أو صمغة، أو [10 / أ]
شراب كانوا يشربونه ممزوجا بالماء. أو عسل ينزل عليهم أو الخبز الرقاق، أو
الزنجبيل. أو الترنجبين. * (السلوى) * السماني أو طائر يشبهه. كانت تحشره
عليهم ريح الجنوب. * (طيبات) * اللذيذة، أو الحلال.
* (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا
حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58) فبدل الذين ظلموا قولا غير
127

* (الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون (59)) *
58 - * (القرية) * بيت المقدس، أو قرية بيت المقدس، أو أريحيا.
* (الباب) * باب القرية المأمور بدخولها، أو باب حطة، وهو الثامن من بيت
المقدس. * (سجدا) * ركعا، أو متواضعين خاضعين، أصل: السجود الانحناء
تعظيما وخضوعا. * (حطة) * لا إله إلا الله، أو أمروا بالاستغفار أو حط عنا
خطايانا، أو قولوا: هذا الأمر حق كما قيل لكم. [* (نغفر لكم خطاياكم) *]
نغفرها بسترها عليكم فلا نفضحكم، من الغفر وهو الستر، ومنه بيضة الحديد:
مغفر.
59 - * (فبدل) * دخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا حنطة في
شعيرة استهزاء منهم. * (رجزا) * عذاب، أو غضب أو طاعون أهلكهم كلهم،
وبقي الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه.
* (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا
عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في
الأرض مفسدين (60)) *
60 - * (استسقى) * طلب السقيا، سقيته وأسقيته، أو سقيته بسقي شفته،
وأسقيته دللته على الماء. * (فانفجرت) * الانفجار: الانشقاق، والانبجاس أضيق
منه. * (عينا) * شبهت بعين الحيوان، لخروج الماء منها كما يخرج الدمع. * (كل أناس) * لكل سبط عين عرفها لا يشرب من غيرها. * (تعثوا) * تطغوا، أو تسعوا
' العيث ': شدة الفساد..
128

* (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من
بقلها وقثآئها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى
بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة
والمسكنة وبآءو بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بئايات الله
ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (61)) *
61 - * (وفومها) * الحنطة، أو الخبز، أو الثوم. * (مصرا) * مبهما، أو مصر
فرعون، والمصر من القطع لانقطاعه بالعمارة، أو من الفصل، قال:
* ' وجاعل الشمس مصرا لاخفاء به
* بين النهار وبين الليل قد فصلا '
*)
* (الذلة) * الصغار، أو ضرب الجزية. * (والمسكنة) * الفقر، أو الفاقة.
* (وباءوا) * نزلوا من المنزلة، قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم: هذا قاتل أخي [قال]:
فهو بواء به: أي ينزل منزلته في القتل، أو أصله التسوية أي تساووا في
الغضب: عبادة بن الصامت: جعل الله - تعالى - الأنفال إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقسمها
129

بينهم على بواء: أي سواء، أو رجعوا. والبواء الرجوع لا يكون إلا بشر أو
خير. * (ويقتلون النبيين) * مكنهم من قتل الأنبياء - صلوات الله تعالى عليهم
وسلامه - ليرفع درجاتهم، أو كل نبي أمره بالحرب نصره، ولم يمكن من قتله
قال الحسن: والنبي من النبأ، وهو الخبر / لإنبائه عن الله - تعالى - أو من النبوة
المكان المرتفع، لارتفاع منزلته، أو من النبي وهو الطريق، لأنه طريق إلى الله -
تعالى -.
* (إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر
وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62)) *
62 - * (هادوا) * من هاد يهود هودا وهيادة إذا تاب. أو من قولهم * (هدنا إليك) * [الأعراف: 156] أو نسبوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب - عليه الصلاة
والسلام - فعربته العرب بالدال. * (والنصارى) * جمع نصراني، أو نصران عند
سيبويه وعند الخليل نصرى. لنصرة بعضهم لبعض، أو لقوله تعالى: * (من أنصاري إلى الله) * [آل عمران: 52] أو كان يقال لعيسى - عليه الصلاة والسلام -
الناصري لنزوله الناصرة فنسب إليه النصارى. * (والصابئين) * جمع صابئ، من
130

الطلوع والظهور، صبأ ناب البعير: طلع، أو من الخروج من شيء إلى آخر،
لخروجهم من اليهودية إلى النصرانية، أو من صبا يصبو إذا مال إلى شيء وأحبه
على قراءة نافع بغير الهمز، ثم هم قوم بين اليهود والمجوس، أو قوم
يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرؤون الزبور، أو دينهم شبيه بدين
النصارى، قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال منتصف النهار، يزعمون أنهم على
دين نوح - عليه الصلاة والسلام - * (من الأمن) * نزلت في سلمان، والذين نصروه
وأخبروه بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم أو هي منسوخة بقوله تعالى * (ومن يبتغ غير الإسلام) * [آل عمران: 85] والمراد بالنسخ التخصيص.
* (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما ءاتيناكم بقوة واذكروا ما فيه
131

لعلكم تتقون (63) ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم
من الخاسرين (64) ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة
خاسئين (65) فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين (66)) *
63 - * (الطور) * جبل التكليم، وإنزال التوراة، أو ما أنبت من الجبال دون
ما لم ينبت، أو اسم كل جبل بالسرياني، أو بالعربي، قال:
* داني جناحيه من الطور فمر
* تقضي البازي إذا البازي كسر
*
64 - * (بقوة) * بجد واجتهاد، أو بطاعة الله - تعالى -، أو بالعمل بما فيه.
65 - * (اعتدوا) * بأخذ الحيتان ا استحلالا، أو حبسوها يوم السبت، وأخذوها
يوم الأحد. * (السبت) * من القطع، فهو القطعة من الدهر، أو سبت فيه خلق كل
شيء: قطع وفرغ منه، أو تسبت فيه اليهود عن العمل، أو من الهدوء والسكون،
لأنهم يستريحون فيه * (نومكم سباتا) * [النبأ: 9] والنائم مسبوت. * (قردة) * صاروا
في صورها، أو لم يمسخوا بل مثلوا بالقردة، كقوله * (كمثل الحمار) * [الجمعة:
5] قاله مجاهد. * (خاسئين) * مطرودين مبعدين. أو أذلاء.
132

66 - * (فجعلناها) * العقوبة، أو القرية، أو الأمة، أو الحيتان، أو القردة
الممسوخ على صورهم.
* (نكالا) * عقوبة، أو عبرة ينكل بها من رآها، أو النكال / الاشتهار
بالفضيحة. * (لما بين يديها وما خلفها) * من القرى، أو ما بين يديها من يأتي
بعدهم، وما خلفها الذين عاصروهم. أو ما بين يديها من الذنوب، وما خلفها
عبرة لمن يأتي بعدهم. أو ما بين يديها ذنوبهم، وما خلفها للحيتان التي
أصابوها، أو ما بين يديها ما مضى من ذنوبهم، وما خلفها ذنوبهم التي أهلكوا
بها.
* (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله
أن أكون من الجاهلين (67) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا
فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون (68) قالوا ادع لنا ربك يبين
لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين (69)
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون (70) قال
إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الئان
جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون (71)) *
67 - * (هزوا) * اللعب والسخرية، قالوه استبعادا لما بين السؤال والجواب.
68 - * (بقرة) * من البقر وهو الشق، لأنها تشق الأرض، والذكر: ثور.
* (فارض) * ولدت بطونا كثيرة فاتسع جوفها، لأن الفارض في اللغة: الواسع، أو
الكبيرة الهرمة عند الجمهور. * (بكر) * صغيرة لم تحمل، البكر من البهائم
133

والناس: ما لم يفتحله الفحل، والبكر بفتح الباء: فتى الإبل. * (عوان) * النصف،
قد ولدت بطنا أو بطنين.
69 - * (صفراء) * اللون المعروف لقوله - تعالى - * (فاقع) * [يقال] أسود
حالك، وأحمر قاني، وأبيض ناصع، وأخضر ناضر، وأصفر فاقع، وقال الحسن
وحده: سوداء شديدة السواد، كما قالوا: ناقة صفراء أي سوداء، قال:
* تلك خيلي منه وتلك ركابي
* هن صفر أولادها كالزبيب
*
وأريد بالصفرة قرنها وظلفها، أو جميع لونها. * (فاقع) * شديد الصفرة، أو
خالصها، أو صافيها.
71 - * (ذلول) * أذلها العمل. * (تثير الأرض) * والإثارة تفريق الشيء
* (مسلمة) * من العيوب، أو من الشية: وهي لون يخالف لونها من سواد أو
بياض من وشي الثوب: وهو تحسين عيوبه بألوان مختلفة، الواشي: الذي
يحسن كذبة عند السلطان ليقبله. * (جئت بالحق) * بينت الحق، أو قالوا: هذه
بقرة فلان جئت بالحق فيها. * (وما كادوا يفعلون) * لغلاء ثمنها، لأنه كان بملء
134

مسكها ذهبا أو بوزنها عشر مرات، أو خوفا من الفضيحة بمعرفة القاتل، وكان
ثمنها ثلاثة دنانير.
* (وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون (72) فقلنا اضربوه ببعضها
كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون (73)) *
72 - * (فادارأتم) * تدافعتم واختلفتم. * (تكتمون) * تسرون من القتل.
73 - * (ببعضها) * بفخذها، أو ذنبها، أو عظم من عظامها، أو بعض
آرابها، أو البضعة التي بين الكتفين. فلما حيي القتيل قال: قتلني ابن
135

أخي، ثم مات فحلف بنو أخيه بالله ما قتلناه.
* (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر
منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منا الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله
وما الله بغافل عما تعملون (74)) *
74 - * (قست قلوبكم) * في ابن أخي الميت لما أنكر قتله بعد سماعه منه،
أو في جملة بني إسرائيل قست قلوبهم من بعد جميع الآيات التي أظهرها الله -
تعالى - على موسى. * (أو أشد قسوة) * أو ها هنا وفيما أشبهه للإبهام على
المخاطب. أبو الأسود الدؤلي:
* أحب محمدا حبا شديدا
* وعباسا وحمزة أو عليا
*
فلما قيل له في ذلك استشهد بقوله تعالى: * (وإنا أو إياكم لعلى هدى) *، أو تكون بمعنى ' الواو ' قال جرير:
136

* نال الخلافة أو كانت له قدرا
* كما أتى ربه موسى على قدر
*
أو تكون بمعنى ' بل '، أو تكون لإباحة التشبيه بكل واحد منهما. أو
هي كالحجارة أو أشد قسوة عندكم. * (يهبط) * هبوطه تفيؤ ظلاله أو هو
137

لجلالة الله سبحانه أو [يرى] كأنه هابط خاشع لعظم أمر الله تعالى
* لما أتى خبر الزبير تواضعت
* سور المدينة والجبال الخشع
*
أو كل حجر تردى من رأس جبل فمن خشية الله تعالى، أو يعطي بعض
الجبال المعرفة [فيعقل طاعة الله - تعالى -] وقد حن الجذع إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم، وسلم عليه حجر بمكة.
138

* (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه
من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (75) وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلا
بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحآجوكم به عند ربكم
أفلا تعقلون (76)) *
75 - * (يحرفون) * نزلت فيمن حرف التوراة فحرم حلالها وأحل حرامها.
أو في السبعين سمعوا كلام الله - تعالى - ثم حرفوه لقومهم.
76 - * (فتح الله) * ذكركم الله - تعالى - به، أو أنزله في التوراة من نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم أو قول بني قريظة للرسول صلى الله عليه وسلم لما قال لهم: ' يا إخوة القردة ' -
من حدثك بهذا، أو أسلم منهم ناس، ثم نافقوا وحدثوا العرب بما عذبوا به،
فقال بعضهم لبعض * (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) * أي بما قضى وحكم،
والفتح: القضاء والحكم.
* (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون (78) فويل للذين
يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل
لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (79)) *
78 - * (أميون) * قوم لم يصدقوا رسولا، ولا كتبا وكتبوا كتابا بأيديهم
وقالوا لجهالهم هذا من عند الله، والأظهر أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا
139

يكتب، نسب إلى أصل ما عليه الأمة من أنها لا تكتب ابتداء، أو أنه على ما
ولدته أمه، أو نسب إلى أمه، لأن المرأة لا تكتب غالبا. * (أماني) * تلاوة، أو
كذبا، أو أحاديث، أو يتمنون على الله - تعالى - ما ليس لهم.
79 - * (فويل) * عذاب، أو تقبيح، أو حزن، أو واد في النار، أو جبل
فيها، أو واد من صديد في أصلها. * (يكتبون) * يغيرون ما في التوراة من ذكر
محمد صلى الله عليه وسلم * (بأيديهم) * تحقيق للإضافة إليهم، أو من تلقاء أنفسهم. * (ثمنا قليلا) * حراما، أو * (متاع الدنيا قليل) * [النساء: 77].
* (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف
الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون (80) بلى من كسب سيئة وأحاطت
به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (81) والذين ءامنوا وعملوا
الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (82) وإذ أخذنا مثاق بني
إسرآءيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين
وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا
منكم وأنتم معرضون (83)) *
80 - * (معدودة) * سبعة أيام، زعموا أن عمر الدنيا سبعة آلاف وأنهم
يعذبون على كل ألف يوما واحدا من أيام الآخرة، وهو ألف سنة من أيام الدنيا،
أو أربعون يوما التي عبدوا فيها العجل، أو زعموا أن في التوراة أن مسيرة ما
بين طرفي [جهنم] أربعون سنة يسيرون كل سنة في يوم فإذا انقطع السير
140

هلكت النار وانقطع عذابهم فتلك أربعون.
81 - * (بلي) * إيجاب للنفي: إذا قال مالي عليك شيء فقال بلى [كان ردا
لقوله، وتقديره ' بلى لي عليك ']. * (سيئة) * شركا، أو ذنوبا وعد عليها بالنار.
* (وأحاطت به خطيئته) * مات عليها، أو سدت / عليه مسالك النجاة.
* (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمآءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم
وأنتم تشهدون (84) ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من
ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم
عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء
من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد
العذاب وما الله بغافل عما تعملون (85) أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة
فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون (86)) *
84 - [* (لا تسفكون دماءكم) *] لا تقتلون أنفسكم لا يقتل بعضكم بعضا
أو لا تقتلوا أحدا فيقتص منكم به، فتكونوا قاتلين لأنفسكم بالتسبب، والنفس
من النفاسة، لأنها أنفس ما في الإنسان. * (دياركم) * الخليل: كل موضع حله
قوم فهو دار وإن لم يكن فيه أبنية، أو الدار موضع فيه أبنية المقام.
141

85 - * (تظاهرون) * تتعاونون. * (الإثم) * الفعل الذي يستحق عليه الذم.
* (العدوان) * مجاوزة الحق، أو الإفراط في الظلم. * (أسارى) * أسري جمع أسير،
وأساري جمع أسرى، أو الأساري: الذين في الوثاق، والأسرى: الذين في اليد
وإن لم يكونوا في وثاق، قاله ابن العلاء:
* (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم
البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم
ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87) وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما
يؤمنون (88)) *
87 - * (وقفينا) * أتبعنا، التقفية: الاتباع. * (البينات) * الحجج، أو الإنجيل
أو إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأسقام. * (بروح القدس) * الاسم الذي
كان يحيي به الموتى، أو جبريل عليه السلام - على الأظهر - سمي به، لأنه
كالروح للبدن يحيا بما يأتي به من الوحي، أو لأن الغالب على جسده
الروحانية، أو لأنه وجد بقوله * (كن) * من غير ولادة، القدس: البركة، أو الطهر
لبراءته من الذنوب، والقدس والقدوس واحد.
88 - * (غلف) * في أغطية لا تفقه، أو هي أوعية للعلم. * (لعنهم) *
142

طردهم وأبعدهم. * (فقليلا ما يؤمنون) * قليلا من يؤمن منهم، لأن من آمن
من المشركين أكثر ممن آمن من أهل الكتاب، أو لا يؤمنون إلا بالقليل من
كتابهم، و ' ما ' صلة.
* (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على
الذين كفروا فما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (89)
بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله
على من يشاء من عباده فبآءو بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين (90)) *
89 - * (كتاب من عند الله) * القرآن. * (مصدق لما معهم) * من التوراة
والإنجيل أنه من عند الله تعالى، أو مصدق لما فيهما من الأخبار * (يستفتحون) *
يستنصرون.
90 - * (اشتروا) * باعوا * (بغيا) * حسدا، والبغي: شدة الطلب للتطاول،
أصله الطلب، الزانية بغي، لطلبها الزنا. * (بغضب على غضب) * الأول: كفرهم
بعيسى صلى الله عليه وسلم، والثاني: كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أو الأول: قولهم: عزير ابن الله،
ويد الله مغلولة، وتبديلهم الكتاب، والثاني: كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو عبر بذلك
عن لزوم الغضب لهم. * (مهين) * مذل، عذاب الكافر مهين، لأنه لا يمحص
دينه بخلاف عذاب المؤمن، لأنه ممحص لدينه.
* (وإذا قيل لهم ءامنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما
وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم
143

مؤمنين (91) ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده
وأنتم ظالمون (92)) *
91 - * (بما أنزل الله) * (القرآن) * (بما أنزل علينا) * (التوراة) * (بما وراءه) *
بما بعده. * (مصدقا لما معهم) * من التوراة، وكتب الله - تعالى - يصدق بعضها
بعضا. * (فلم تقتلون) * فلم قتلتم، أو فلم ترضون بقتلهم.
* (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما ءاتيناكم بقوة
واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل
بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (93)) *
93 - * (واسمعوا) * اعملوا بما سمعتم، أو اقبلوا ما سمعتم، سمع الله لمن
حمده قبل حمده. * (سمعنا) * (قولك) * (وعصينا) * أمرك، قالوه سرا، أو فعلوا ما
دل عليه، ولم يقولوه / فقام فعلهم مقام قولهم:
* امتلأ الحوض وقال: قطني
* مهلا رويدا قد ملأت بطني
*
* (وأشربوا في قلوبهم) * حب العجل. أو برده موسى - عليه الصلاة
والسلام - وألقاه في اليم فمن شرب ممن أحب العجل ظهرت سحالة الذهب
على شفتيه.
144

* (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن
كنتم صادقين (94) ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (95)
ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف
سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون (96)) *
94 - * (من دون الناس) * كلهم، أو محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضوان الله
تعالى عليهم -، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ' لو تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من
النار فلم يتمنوه علما منهم أنهم لو تمنوه لماتوا كما قال: أو صرفوا عن
إظهار تمنيه آية للرسول صلى الله عليه وسلم.
96 - * (ولتجدنهم) * اليهود. * (الذين أشركوا) * المجوس. * (يود) * أحد
المجوس * (لو يعمر ألف سنة) * * (بمزحزحه) * بمباعده.
* (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه
وهدى وبشرى للمؤمنين (97) من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل
وميكال فإن الله عدو للكافرين (98)) *
97 - * (عدوا لجبريل) * نزلت لما قال ابن صوريا للرسول صلى الله عليه وسلم: أي
145

ملك يأتيك بما يقول الله تعالى قال: جبريل - عليه السلام - قال: ذاك عدونا
ينزل بالقتال والشدة، وميكائيل يأتي باليسر والرخاء. فلو كان هو الذي يأتيك
آمنا بك فنزلت. وجبر: عبد، وميكا: عبيد، وإيل: هو الله - تعالى -، وهما
عبد الله وعبيد الله، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: ولم يخالف فيه
أحد، وخصا بالذكر وإن دخلا في عموم الملائكة تشريفا وتكريما، أو نص
عليهما لأنهم يزعمون أنهم ليسوا بأعداء لله - تعالى - ولملائكته أجمع بل هم
أعداء لجبريل وحده، فأبطل مثل هذا التأويل بذكر جبريل - عليه السلام -.
98 - * (عدو للكافرين) * لم يقل عدو لهم لجواز انتقالهم عن العداوة
بالإيمان.
* (ولقد أنزلنآ إليك آيات بينات وما يكفر بهآ إلا الفاسقون (99) أو كلما
عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون (100) ولما جاءهم رسول
من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء
146

ظهورهم كأنهم لا يعلمون (101) واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما
كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ومآ أنزل على
الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولآ إنما نحن فتنة فلا
تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضآرين به من
أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه
ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا
يعلمون (102) ولو أنهم ءامنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا
يعلمون (103)) *
102 - * (ما تتلوا الشياطين) * نزلت، لأن كاتب سليمان ' آصف بن
برخيا ' واطأ نفرا من الجن على أن دفنوا كتاب سحر تحت كرسي سليمان -
عليه الصلاة والسلام - ثم أخرجوه بعد موت سليمان - عليه الصلاة والسلام
- وقالوا: هذا سحر سليمان، فبرأه الله - تعالى - من ذلك، أو استرقت
الشياطين السمع، واستخرجت السحر، فاطلع عليه سليمان - عليه الصلاة
والسلام - فنزعه منهم ودفنه تحت كرسيه، فلم يقدر الشياطين أن يدنوا إلى
الكرسي في حياته، فلما مات قالت: للإنس: إن العلم الذي سخر به
سليمان الريح والجن تحت كرسيه فأخرجوه، وقالوا: كان ساحرا، ولم يكن
نبيا، فتعلموه وعلموه، فبرأه الله - تعالى - من ذلك. * (ولكن الشياطين
كفروا) * بنسبتهم سليمان - عليه الصلاة والسلام - إلى السحر ' أو بما
استخرجوه من السحر ' * (يعلمون الناس السحر) * بإلقائه في قلوبهم ' أو
147

بدلالتهم عليه حتى أخرجوه '. * (وما أنزل) * ' ما ' بمعنى الذي، أو نافيه.
* (الملكين) * بالكسر علجان من علوج بابل، والقراءة المشهورة بالفتح.
زعمت سحرة اليهود / أن جبريل وميكائيل أنزل السحر على لسانهما إلى
سليمان - عليه الصلاة والسلام - فأكذبهم الله، والتقدير: وما كفر سليمان وما
أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس * (ببابل هاروت وماروت) * وهما رجلان ببابل، أو هاروت وماروت ملكان أهبطا إلى الأرض
في زمن إدريس - عليه الصلاة والسلام - فلما عصيل لم يقدرا على الرقي
إلى السماء فكانا يعلمان السحر. * (السحر) * خدع ومان تحول الإنسان
حمارا وتقلب بها الأعيان وتنشأ بها الأجسام، أو هو تخييل ولا يقدر الساحر
على قلب الأعيان ولا إنشاء الأجسام، قال الله تعالى * (يخيل إليه من
148

سحرهم أنها تسعى) * [طه: 66]، ولما سحر الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخيل إليه أنه
يفعل الشيء ولم يكن فعله
قال الشافعي - رضي الله تعالى عنه -
' الساحر يوسوس ويمرض ويقتل '، إذ التخيل بدو الوسوسة، والوسوسة بدو
المرض، والمرض بدو التلف. * (ببابل) * الكوفة وسوادها، سميت بذلك
لتبلبل الألسن بها، أو من نصيبين إلى رأس عين، أو جبل نهاوند. * (وما
يعلمان من أحد) * على هاروت وماروت أن لا يعلما أحدا حتى يقولا إنما
نحن فتنة فلا تكفر بما تتعلمه من السحر. * (فيتعلمون منهما) * من هاروت
وماروت، أو من السحر والكفر أو من الشياطين والملكين - السحر من
الشياطين، وما يفرق بين الزوجين من الملكين. * (بإذن) * ما يضرون بالسحر
أحدا * (إلا بإذن الله) * بأمره، أو بعلمه. * (ما يضرهم) * (في الآخرة) * (ولا
ينفعهم) * (في الدنيا) * (من خلاق) * لا نصيب لمن اشترى السحر، أو لا جهة
له، أو الخلاق: الدين. * (شروا) * باعوا * (به أنفسهم) * من السحر والكفر
بفعله وتعليمه، أو من إضافتهم السحر إلى سليمان - عليه الصلاة والسلام -.
149

* (يا أيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين
عذاب أليم (104) ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل
عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل
العظيم (105)) *
104 - * (راعنا) * لا تقولوا: خلافا، أو أرعنا سمعك أي اسمع منا ونسمع
منك. كانت الأنصار تقولها في الجاهلية فنهوا عنها في الإسلام، أو قالتها
اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم على وجه الاستهزاء والسب، أو قالها رفاعة بن زيد وحده
- فنهي المسلمون عنها. * (انظرنا) * أفهمنا وبين لنا، أو أمهلنا، أو أقبل علينا
وانظر إلينا، * (واسمعوا) * ما تؤمرون به.
* (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء
قدير (106) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي
ولا نصير (107) أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن
يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل (108)) *
106 - * (ما ننسخ) * نسخها: قبضها، أو تبديلها، أو تبديل حكمها مع بقاء
رسمها. * (أو ننسها) * ننسكها، كان يقرأ الآية ثم ينسى وترفع، أو يريد به الترك:
أي ما نرفع من آية، أو نتركها فلا نرفعها
قاله ابن عباس - رضي الله تعالى
150

عنهما -، ' قلت: وفيه إشكال ظاهر '، أو يريد به نمحها / * (ننسأها) *
نؤخرها أنسأت أخرت، ومنه بيع النسيئة. * (بخير منها) * أنفع، وأرفق، وأخف،
فيكون الناسخ أكثر ثوابا آجلا، كنسخ صوم أيام معدودات برمضان، أو أخف
عاجلا، كنسخ قيام الليل. * (أو مثلها) * مثل حكمها في الخفة والثقل والثواب،
كنسخ التوجه إلى القدس بالتوجه إلى الكعبة، فإنه مثله في المشقة والثواب.
* (ألم تعلم) * بمعنى أما علمت، أو هو تقرير وليس باستفهام، أو خوطب به
والمراد أمته، ولذلك أردفه بقوله: * (وما لكم من دون الله) *) *.
* (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من
عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن
الله على كل شيء قدير (109) وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من
خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير (110) وقالوا لن يدخل الجنة إلا
151

من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم
صادقين (111) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف
عليهم ولا هم يحزنون (112) وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى
ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم
فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (113)) *
109 - * (ود كثير) * دعا فنحاص وزيد بن قيس - حذيفة وعمارا
إلى دينهما فأبيا عليهما فنزلت. * (تبين لهم الحق) * صحة الإسلام، ونبوة
152

محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. * (فاعفوا) * اتركوا اليهود، * (واصفحوا) * عن
قولهم. * (بأمره) * بإجلاء بني النضير. وقتل بني قريظة وسبيهم..
* (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابهآ أولئك ما كان
لهم أن يدخلوهآ إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب
عظيم (114) ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم (115)) *
114 - * (مساجد الله) * المساجد المعروفة، أو جميع الأرض التي تقام فيها
العبادة ' جعلت لي الأرض مسجدا '. أنزلت في بختنصر وأصحابه المجوس
خربوا بيت المقدس، أو في النصارى الذين أعانوا بختنصر على خرابه، أو
153

في قريش لصدهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكعبة عام الحديبية، أو عامة في كل مشرك
منع من مسجد. * (خرابها) * هدمها، أو منعها من ذكر الله - تعالى - فيها.
* (خائفين) * من الرعب إن قدر عليهم عوقبوا. * (خزي) * الجزية، أو فتح
مدائنهم، عمورية، وقسطنطينية، ورومية.
115 - * (ولله المشرق) * لما حولت [القبلة إلى] الكعبة تكلمت اليهود
فيها فنزلت، أو أذن لهم قبل فرض الاستقبال أن يتوجهوا حيث شاءوا من
نواحي المشرق والمغرب، أو في صلاة التطزوع في
154

السفر، وللخائف - أيضا -، أو في قوم من الصحابة خفيت عليهم القبلة
فصلوا على جهات مختلفة ثم أخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت، أو في النجاشي
فإنه كان يصلي إلى غير القبلة، أو قالوا لما نزل قوله تعالى: * (ادعوني
155

أستجب لكم) * [غافر: 60] قالوا: إلى أين؟ فنزلت، أو أين ما كنتم من شرق
أو غرب فلكم قبلة هي الكعبة. * (فثم) * إشارة إلى المكان البعيد.
* (وجه الله) * قبلته، أو فثم الله كقوله تعالى: * (ويبقى وجه ربك) * [الرحمن:
27].
* (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون (116)
بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (117) وقال الذين لا
يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينآ آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل
قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون (118)) *
116 - * (ولدا) * نزلت في النصارى، لقولهم في المسيح صلى الله عليه وسلم، أو في
العرب، قالوا: الملائكة بنات الله. * (قانتون) * مطيعون أو مقرون بالعبودية، أو
قائمون يوم القيامة، والقنوت: القيام.
156

117 - * (بديع) * منشئهما على غير مثال سبق، وكل منشئ ما لم يسبق
إليه فهو مبدع. * (قضى) * أحكم وفرغ.
* / وعليهما مسرودتان قضاهما
* داود أو صنع السوابغ تبع
*
* (كن) * هذا أمر للموجودات بالتحول من حال إلى أخرى كقوله - تعالى
: - * (كونوا قردة) * [65] وليس إنشاء للمعدوم، أو هو لإنشاء المعدوم، لأنه لما
علم بها جاز أن يقول لها: ' كن ' لتحققها في علمه، أو عبر عن نفوذ قدرته
وإرادته في كل شيء بالقول ولا قول.
* قد قالت الأنساع للبطن الحق
*
157

118 - * (الذين لا يعلمون) * اليهود، أو النصارى، أو مشركو العرب
* (الذين من قبلهم) * اليهود، أو اليهود والنصارى. * (تشابهت قلوبهم) * شابهت
قلوب النصارى قلوب اليهود، أو قلوب مشركي العرب لقلوب اليهود
والنصارى.
* (إنآ أرسلناك بالحق بشيرا ونديرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم (119) ولن ترضى عنك
اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد
الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير (120) الذين ءاتنياهم الكتاب يتلونه
حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون (121) يا بني إسرآءيل اذكروا
نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين (122) واتقوا يوما لا تجزي نفس عن
نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون (123)) *
119 - * (بشيرا) * لمن أطاع بالجنة، * (ونذيرا) * لمن عصى بالنار. * (ولا تسأل) * لا تؤاخذ بكفرهم * (ولا تسأل) * نزلت لما قال: ' ليت شعري ما فعل
أبواي '.
158

121 - * (الذين آتيناهم الكتاب) * المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب:
القرآن، أو علماء اليهود، والكتاب: التوراة، * (يتلونه) * يقرءونه حق قراءته، أو
يتبعونه حق اتباعه بإحلال حلاله، وتحريم حرامه، قاله الجمهور. * (يؤمنون به) *
بمحمد صلى الله عليه وسلم.
* (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا
ينال عهدي الظالمين (124)) *
124 - * (ابتلى إبراهيم) * بالسريانية أب رحيم. * (بكلمات) * شرائع
الإسلام، ما ابتلى أحد بهذا الدين فقام به كله سواه، فكتب الله - تعالى - له
البراءة، فقال - تعالى -: * (وإبراهيم الذي وفى) * [النجم: 37] وهي ثلاثون
سهما، عشر في براءة * (التائبون العابدون) * [112] وعشر في ' الأحزاب ' * (إن المسلمين والمسلمات) * [35] وعشر في المؤمنين [1 - 9]، * (وسأل سائل) *
[22 - 34] إلى قوله * (على صلاتهم يحافظون]، قاله ابن عباس - رضي الله
تعالى عنهما - أو هي عشر من سنن الإسلام: خمس في الرأس، قص
الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وفي الجسد،
تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر البول
والغائط بالماء، أو هي عشر: ست في الإنسان، حلق العانة، والختان،
ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، وغسل الجمعة، وأربع في
المشاعر الطواف والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة، أو
مناسك الحج خاصة، أو الكوكب، والقمر، والشمس؛ والنار والهجرة
والختان، ابتلي بهن فصبر،
أو ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم لم سمى الله
- تعالى - إبراهيم خليله * (الذي وفى) *؟ [النجم: 37] لأنه كان يقول كلما
أصبح وأمسى * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) * [الروم: 17] إلى
159

قوله تعالى * (تظهرون) *، أو قول الرسول / صلى الله عليه وسلم ' أتدرون ما * (وفي) *؟
قالوا الله ورسوله أعلم، قال: وفى عمل يومه أربع ركعات في النهار '، أو
قال له ربه: ' إني مبتليك، قال: أتجعلني للناس إماما، قال: نعم: قال:
ومن ذريتي قال: لا ينال عهدي الظالمين، قال: تجعل البيت مثابة للناس
قال: نعم، قال: وأمنا قال: نعم، قال: وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة
مسلمة لك. قال: وترينا مناسكنا وتتوب علينا قال: نعم، قال: وتجعل هذا
البيت آمنا، قال: نعم، قال: وترزق أهله من الثمرات، قال: نعم، فهذه
الكلمات التي ابتلى بها. * (إماما) * متبوعا. * (عهدي) * النبوة، أو الإمامة،
أو دين الله، أو الأمان، أو الثواب، أو لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في
ظلمه، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
160

* (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم
وإسماعيل أن طهرا بيتي للطآئفين والعاكفين والركع السجود (125) وإذ قال إبراهيم رب
اجعل هذا بلدا ءامنا وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر
فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير (126)) *
125 - * (مثابة) * مجمعا يجتمعون عليه في النسكين، أو مرجعا، ثابت
العلة: رجعت. أي يرجعون إليه مرة بعد أخرى، أو يرجعون إليه في كلا
النسكين من حل إلى حرم. * (وأمنا) * لأهله في الجاهلية، أو للجاني من إقامة
الحد عليه فيه. * (مقام إبراهيم) * عرفة ومزدلفة والجمار، أو الحرم كله، أو
الحج كله. أو الحجر الذي في المسجد على الأصح. * (مصلى) * مدعى
يدعى فيه، أو الصلاة المعروفة وهو أظهر * (وعهدنا) * أمرنا، أو أوحينا.
* (طهرا بيتي) * من الأصنام، أو الكفار، أو الأنجاس، أمرا ببنائه مطهرا، أو
يطهرا مكانه. * (للطائفين) * الغرباء الذين يأتونه من غربة، أو الذين يطوفون به.
* (والعاكفين) * أهل البلد الحرام، أو المصلون، أو المعتكفون، أو مجاورو
البيت بغير طواف ولا اعتكاف ولا صلاة. * (والركع السجود) * المصلون.
126 - * (من آمن) * إخبار من الله - تعالى -، أو من دعاء إبراهيم، ولم
تزل مكة حرما آمنا من الجبابرة والخوف والزلازل، فسأل إبراهيم أن يجعله آمنا
من الجدب والقحط، وأن يرزق أهله من الثمرات، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ' إن الله
حرم مكة يوم خلق الله السماوات والأرض '، أو كانت حلالا قبل دعوة
161

إبراهيم، وإنما حرمت بدعوة إبراهيم عليه - الصلاة والسلام -، كما حرم
الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة فقال: ' وإن إبراهيم قد حرم مكة وإني قد حرمت
المدينة '.
* (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع
العليم (127) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا
إنك أنت التواب الرحيم (128) ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك
ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم (129)) *
127 - * (القواعد) * جمع قاعدة وهي كالأساس لما فوقها. * (إسماعيل) *
معناه اسمع يا إيل أي اسمع يا الله، لما دعا بالولد فأجيب سمي الولد بما دعا
به.
128 - * (أمة مسلمة لك) * المسلم: الذي استسلم لأمر الله وخضع له.
* (وأرنا) * عرفنا * (مناسكنا) * مناسك الحج، أو الذبائح / والنسك: العبادة،
والناسك: العابد، أو من قولهم لفلان منسك أي مكان يعتاد التردد إليه بخير أو
162

شر، فسميت مناسك، لأنه يتردد إليها في الحج والعمرة.
129 - * (رسولا منهم) * محمدا صلى الله عليه وسلم * (آياتك) * الحجج، أو يبين لهم
دينك. * (الكتاب) * القرآن. * (والحكمة) * السنة، أو معرفة الدين، والتفقه فيه،
والعمل به. * (ويزكيهم) * يطهرهم من الشرك، أو يزكيهم بدينه إذا تابعوه،
فيكونون عند الله - تعالى - أزكياء.
* (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في
الآخرة لمن الصالحين (130) إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (131) ووصى
بهآ إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم
مسلمون (132) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من
بعدي قالوا نعبد إلهك وإلاه ءابآئك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن
له مسلمون (133) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما
كانوا يعملون (134)) *
130 - * (سفه نفسه) * فعل بها ما صار به سفيها، أو سفه في نفسه فحذف
الجار كقوله تعالى * (ولا تعزموا عقدة النكاح) * [235] أو أهلك نفسه وأوبقها،
163

قال المبرد وثعلب: سفه بالكسر يتعدى وبالضم لا يتعدى. * (اصطفيناه) *
من الصفوة، اخترناه للرسالة.
132 - * (ووصى بها) * بالملة لتقدم ذكرها. * (إلا وأنتم مسلمون) * أي لا
تفارقوا الإسلام عند الموت.
* (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من
المشركين (135) قولوآ ءامنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
ويعقوب والأسباط ومآ أوتي موسى وعيسى ومآ أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين
أحد منهم ونحن له مسلمون (136) فإن ءامنوا بمثل ما ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا
فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم (137) صبغة الله ومن
أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون (138)) *
164

135 - * (كونوا هودا) * قالت اليهود: ' كونوا هودا '، وقالت النصارى:
كونوا نصارى. * (بل ملة) * بل نتبع ملة، أو نهتدي بملة. أو الملة من الإملال
يملونها من كتبهم. * (حنيفا) * مخلصا، أو متبعا، أو حاجا، أو مستقيما، أخذ
الحنيف، من الميل، رجل أحنف: مالت كل واحدة من قدميه إلى الأخرى،
سمى به إبراهيم، لأنه مال إلى الإسلام أو أخذ من الاستقامة، وقيل للرجل
أحنف تفاؤلا بالاستقامة، وتطيرا من الميل، كالسليم للديغ، والمفازة للمهلكة.
137 - * (بمثل ما آمنتم) * بما آمنتم به. * (شقاق) * عداوة من البعد، أخذ
فلان في شق، وفلان في شق تباعدا وشق فلان عصا المسلمين: خرج عليهم
وتباعد منهم.
138 - * (صبغة الله) * دين الله لظهوره كظهور الصبغ على الثوب، وكانت
النصارى يصبغون أولادهم في مائهم تطهيرا لهم كالختان، فرد الله - تعالى -
عليهم بأن الإسلام أحسن، أو صبغة الله - تعالى - خلقة الله لإحداثها كحدوث
اللون على الثوب.
* (قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنآ اعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له
مخلصون (139) أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط
كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من
الله وما الله بغافل عما تعملون (140) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم
ولا تسئلون عما كانوا يعملون (141)) *
140 - * (الأسباط) * الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد، من السبط
وهو الشجر الذي يرجع بعضه إلى بعض. * (شهادة عنده من الله) * هم اليهود
كتموا ما في التوراة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
* (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق
165

والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (142)) *
142 - * (السفهاء) * اليهود، أو المنافقون، أو كفار قريش. * (ولاهم) *
صرفهم، والقبلة التي كانوا عليها بيت المقدس ' صلى إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة
وبعد الهجرة ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا ' أو ثلاثة عشر، أو تسعة
166

أشهر، أو عشرة ' ثم نسخت بالكعبة والرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة قد صلى من الظهر
ركعتين فانصرف بوجهه إلى الكعبة '. وقال البراء: ' كان في صلاة العصر
بقباء، فمر رجل على أهل المسجد فقال: أشهد لقد صليت مع الرسول صلى الله عليه وسلم قبل
مكة فداروا كما هم قبل البيت ' وقبلة / كل شيء ما قابل وجهه، واستقبل بيت
المقدس بأمر الله - تعالى - ووحيه لقوله تعالى: * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) *، أو استقبله برأيه واجتهاده تأليفا لأهل الكتاب، أو أراد [الله تعالى]
أن يمتحن العرب بصرفهم عن البيت الذي ألفوه للحج - إلى بيت المقدس.
167

* (لله المشرق والمغرب) * فحيثما أمر باستقباله فهو له.
* (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم
شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليهآ إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على
عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن
الله بالناس لرءوف رحيم (143)) *
143 - * (وسطا) * خيارا، رجل واسط الحسب رفيعه قال:
* هم وسط يرضى الإله بحكمهم
* إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
*
أو لتوسطهم بين اليهود والنصارى في الدين، غلت النصارى في المسيح
وترهبوا، وقصرت اليهود بتبديل الكتاب، وقتل الأنبياء - صلوات الله تعالى
عليهم وسلامه - والكذب على الله تعالى، أو عدلا بين الزيادة والنقصان.
* (شهداء على الناس) * بتبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم الرسالة، أو تشهدون على الأمم
بتبليغ رسلهم إليهم الرسالة اعتمادا على إخبار الله - تعالى - وهذا مروي عن
168

الرسول صلى الله عليه وسلم أو محتجين فعبر عن الاحتجاج بالشهادة. * (شهيدا) * لكم
بالإيمان فتكون ' على ' بمعنى ' اللام '، أو يشهد أنه بلغكم الرسالة. أو محتجا.
* (لنعلم) * ليعلم رسولي وحزبي، والعرب تضيف فعل الأتباع إلى الرئيس
والسيد، فتح عمر - رضي الله تعالى عنه - سواد العراق، وجبى خراجها أي
أتباعه أو لنرى بوضع الرؤية موضع العلم وبالعكس، أو لنميز أهل اليقين من
أهل الشك، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو ليعلموا أننا نعلم.
* (ينقلب على عقبيه) * لما حولت ارتد جماعة من المسلمين. * (وإن كانت) *
التولية لكبيرة، أو القبلة التي هي بيت المقدس، أو الصلاة إلى بيت المقدس.
* (إيمانكم) * صلاتكم إلى بيت المقدس، سماها إيمانا، لاشتمالها على نية وقول
وعمل. نزلت لما سألوا عمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس * (لرءوف) *
169

الرأفة: أشد الرحمة، قال أبو عمرو بن العلا: الرأفة أكثر من الرحمة.
* (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر
المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون
أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون (144) ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل
آية ما تبعوا قبلتك ومآ أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن
اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين (145)) *
144 - * (تقلب وجهك) * تحول وجهك نحو السماء، أو تقلب عينيك في
النظر إليها. * (ترضاها) * تختارها وتحبها، لأنها قبلة إبراهيم، أو كراهة لموافقة
اليهود لما قالوا: ' يتبع قبلتنا ويخالفنا في ديننا ' * (شطر المسجد) * نحوه، والشطر
في الأضداد، شطر إلى كذا أقبل نحوه، وشطر عنه أعرض عنه وبعد، رجل
شاطر، لأخذه في نحو غير الاستواء. والمسجد الحرام: الكعبة، أمر بالتوجه
إلى حيال الميزاب، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - ' البيت كله قبلة،
وقبلة البيت الباب ' * (وحيث ما كنتم) * من الأرض، واجه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر
الأول وواجه الأمة / بالأمر الثاني، وكلاهما يعم. * (أوتوا الكتاب) * اليهود
والنصارى * (ليعلمون أنه) * تحويل القبلة إلى الكعبة.
145 - * (ولئن اتبعت أهواءهم) * خوطب به والمراد أمته، أو بين حكم
ذلك لو وقع وإن كان غير واقع.
* (الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم
170

يعلمون (146) الحق من ربك فلا تكونن من الممترين (147) ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا
الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير (148)) *
146 - * (الذين آتيناهم الكتاب) * (اليهود والنصارى) * (يعرفونه) * يعرفون
التحويل، أو يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة. * (فريقا) * علماءهم
وخواصهم. * (الحق) * استقبال الكعبة، أو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
147 - * (الحق من ربك) * استقبال الكعبة، لا ما ذكرته اليهود من قبلتهم
* (الممترين) * الشاكين، خوطب به والمراد أمته، امترى بكذا: اعترضه اليقين
تارة والشك أخرى يدافع أحدهما بالآخر.
148 - * (ولكل) * أهل ملة * (وجهة) * قبلة، أو صلاة * (هو موليها) * أي
المصلي، أو الله يوليه إليها، ويأمره باستقبالها. * (فاستبقوا الخيرات) * سارعوا
إلى الأعمال الصالحة، أو لا تغلبكم اليهود على قبلتكم بقولهم: ' إن اتبعتم
قبلتنا اتبعناكم '. * (يأت بكم) * يوم القيامة جميعا. * (إن الله على كل شيء قدير) *
من إعادتكم بعد الموت والبلى.
* (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله
بغافل عما تعملون (149) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما
كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم
فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون (150) كما أرسلنا
فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب
والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (151) فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا
تكفرون (152)) *
171

149 - * (ومن حيث) * لما حرضت اليهود وقالوا: ' ارجع إلى قبلتك التي
كنت عليها نتابعك، أكد الله - تعالى - الأمر باستقبالها بقوله: ثانيا * (ومن حيث خرجت) *، ثم أكده - ثالثا - ليخرج من قلوبهم ما أنكروه من التحويل فالأوامر
الثلاثة ملزمة للتوجه إلى الكعبة إلا أن الأول: أفاد النسخ، والثاني: أفاد
التحويل إلى الكعبة لا ينسخ بقوله: * (وإنه للحق من ربك) * والثالث: أفاد أنه لا
حجة لأحد عليهم.
150 - * (إلا الذين ظلموا) * فإنهم يحتجون بحجة باطلة كقوله - تعالى -
* (حجتهم داحضة عند ربهم) * [الشورى: 16] فسماها حجة، أو إلا بمعنى ' بعد '
كقوله: * (إلا الموتة الأولى) * [الدخان: 56] وكقوله: * (إلا ما قد سلف) *
[النساء: 22] بمعنى ' بعد فيهما '، والذين ظلموا: قريش واليهود، قالت قريش
بعد التحويل: ' قد علم أنا على الهدى '، وقالت اليهود: ' إن يرجع عنها
تابعناه '. * (فلا تخشوهم) * في المباينة، * (واخشوني) * في المخالفة.
151 - * (آياتنا) * القرآن. * (ويزكيكم) * يطهركم من الشرك، أو يأمركم بما
تصيرون به عند الله - تعالى - أزكياء. * (ويعلمكم الكتاب) * القرآن، أو ما في
الكتب السالفة من أخبار القرون. * (والحكمة) * السنة، أو مواعظ القرآن. * (ما لم تكونوا) * تعلمون من أمر الدين والدنيا.
152 - * (فاذكروني) * بالشكر. * (أذكركم) * بالنعمة، أو * (اذكروني) * بالقبول
* (أذكركم) * بالجزاء.
* (يا أيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (153) ولا تقولوا لمن
يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154) ولنبلونكم بشيء من الخوف
والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم
مصيبة قالوآ إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة
وأولئك هم المهتدون (157))
172

153 - * (بالصبر) * على أوامر الله تعالى ' أو الصوم '.
154 - * (أموات بل أحياء) * النفوس عند الله - تعالى - منعمو الأجسام وإن
كانت أجسامهم كأجسام الموتى أو ليسوا أمواتا بالضلال بل أحياء بالهدى.
نزلت لما قالوا في قتلى بدر / وأحد مات فلان وفلان.
155 - * (ولنبلونكم) * لما دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف -
عليه الصلاة والسلام - أجابه بقوله * (ولنبلونكم) * يا أهل مكة. * (الخوف) *
الفزع في القتال. * (والجوع) * والجدب، ونقص الأنفس: بالقتل والموت.
156 - * (وإذا أصابتهم مصيبة) * في نفس، أو أهل، أو مال. * (إنا لله) *
ملكه فلا يظلمنا بما يصنع بنا. * (راجعون) * بالبعث.
157 - * (صلوات) * يتلو بعضها بعضا، والصلاة من الله - تعالى - الرحمة،
ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء وعطف الرحمة على الصلوات
173

لاختلاف اللفظ.
* (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن
يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم (158)) *
158 - * (الصفا) * جمع صفاة، وهي الحجارة البيض. * (والمروة) * حجارة
سود، والأظهر أن الصفا: الحجارة الصلبة التي لا تنبت والمروة: الحجارة
الرخوة، وقد قيل ذكر الصفا باسم إساف، وأنثت المروة بنائلة. * (شعائر الله) *
التي جعلها لعبادته معلما، أو أنه أشعر عباده وأخبرهم بما عليهم من الطواف
بهما. * (حج) * الحج: القصد، أو العود مرة بعد أخرى، لأنهم يأتون البيت قبل
عرفة وبعدها للإفاضة، ثم يرجعون إلى منى، ثم يعودون إليه لطواف الصدر،
والعمرة: القصد، أو الزيارة. * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * لما كانوا
يطوفون بينهما في الجاهلية تعظيما لإساف ونائلة تحرجوا بعد الإسلام أن
يضاهوا ما كانوا يفعلونه في الجاهلية فنزلت. وقرأ ابن عباس - رضي الله
تعالى عنهما - وابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - * (فلا جناح عليه أن لا
174

يطوف بهما) * فلذلك أسقط أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - السعي، ولا
حجة في ذلك، لأن ' لا ' صلة مؤكدة ك * (ما منعك أن لا تسجد) * [الأعراف:
12] * (ومن تطوع) * بالسعي بينهما عند من لم يوجبه، أو من تطوع بالزيادة على
الواجب، أو من تطوع بالحج والعمرة بعد أدائهما.
* (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب
أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك
أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (160) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (161) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم
ينظرون (162)) *
159 - * (الذين يكتمون) * رؤساء اليهود: كعب بن الأشرف وابن
175

صوريا، وزيد بن التابوه. * (البينات) * الحجج الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
* (والهدى) * الأمر باتباعه، أو كلاهما واحد يراد بهما ما أبان نبوته وهدى إلى
اتباعه. * (بيناه للناس في الكتاب) * أي القرآن. * (الللاعنون) * ما في الأرض من
جماد وحيوان الا الثقلين، أو المتلاعنان إذا لم يستحق اللعنة واحد منهما
رجعت على اليهود، وإن استحقها أحدهما رجعت عليه، أو البهائم إذا يبست
الأرض قالوا: هذا بمعاصي بني آدم. أو المؤمنون من الثقلين والملائكة فإنهم
يلعنون الكفرة.
160 - * (تابوا) * أسلموا. * (وبينوا) * نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. * (أتوب عليهم) *
أقبل توبتهم.
161 - * (لعنة الله) * عذابه، واللعنة من العباد: الطرد. * (والناس أجمعين) *
أراد به / غالب الناس، لأن قومهم لا يلعنونهم، أو أراد يوم القيامة إذ يكفر
بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا.
* (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمان الرحيم (163) إن في خلق السماوات والأرض
واختلاف اليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ومآ أنزل الله من
السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دآبة وتصريف الرياح
والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (164)) *
163 - * (وإلهكم إله واحد) * لا ثاني له ولا نظير، أو إله جميع الخلق
واحد بخلاف ما فعلته عبدة الأصنام فإنهم جعلوا لكل قوم إلها غير إله الآخرين.
* (الرحمن الرحيم) * رغبهم بذكر ذلك في طاعته وعبادته.
164 - * (إن في خلق السماوات) * بغير عمد ولا علاقة، وشمسها وقمرها
176

ونجومها. * (والأرض) * بسهلها، وجبلها، وبحارها، وأنهارها، ومعادنها،
وأشجارها * (واختلاف الليل والنهار) * بإقبال أحدهما، وإدبار الأخر. * (والفلك) *
باستقلالها وبلوغها إلى مقصدها، وجمع الفلك ومفردها بلفظ واحد، ويذكر
ويؤنث. * (من ماء) * مطر يجيء [غالبا] عند الحاجة إليه، وينقطع إذا استغني
عنه. * (فأحيا به الأرض) * بإنبات أشجارها وزروعها، أو بإجراء أنهارها وعيونها،
فيحيا بذلك الحيوان الذي عليها. * (دابة) * سمي الحيوان بذلك لدبيبه على
وجهها، والآية - بعد القدرة على إنشائها - فيها تباين خلقها، واختلاف منافعها،
ومعرفتها بمصالحها. * (وتصريف الرياح) * جمع ريح أصلها ' أرواح '.
* إذا هبت الأرواح من نحو جانب
* به آل مي هاج شوقي هبوبها
*
وتصريفها: انتقال الشمال جنوبا، والصبا دبورا، أو ما فيها من الضر
والنفع، شريح: ما هاجت ريح قط إلا لسقم صحيح، أو شفاء سقيم.
* (المسخر) * المذلل. وآيته ابتداء نشوءه وتلاشيه، وثبوته بين السماء والأرض،
وسيره إلى حيث أراده منه.
* (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين ءامنوآ أشد
177

حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد
العذاب (165) إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم
الأسباب (166) وقال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك
يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار (167)) *
165 - * (* (أندادا) * أمثالا يراد بها الأصنام. * (يحبونهم) * مع عجزهم
كحبهم لله مع قدرته. * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * من حب أهل الأوثان
لأوثانهم.
166 - * (تبرأ الذين اتبعوا) * وهم السادة والرؤساء من تابعيهم على الكفر،
أو الذين اتبعوا: الشياطين، وتابعوهم الإنس، ورأى التابع والمتبوع العذاب.
* (الأسباب) * تواصلهم في الدنيا، أو الأرحام، أو الحلف الذي كان بينهم في
الدنيا، أو أعمالهم التي عملوها فيها، أو المنازل التي كانت لهم فيها.
176 - * (كرة) * رجعة إلى الدنيا. * (أعمالهم) * التي أحبطها كفرهم، أو ما
انقضت به أعمارهم من المعاصي أن لا يكون مصروفا إلى الطاعة. الحسرة:
شدة الندامة على فائت.
* (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم
عدو مبين (168) إنما يأمركم بالسوء والفحشآء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (169)) *
168 - * (كلوا) * نزلت في خزاعة وثقيف وبني مدلج لما حرموه من
الأنعام والحرث. * (خطوات) * جمع خطوة؛ أعماله، أو خطاياه، أو طاعته،
أو النذر في المعاصي.
169 - * (بالسوء) * بالمعاصي لمساءة عاقبتها. * (والفحشاء) * الزنا، أو
178

المعاصي، أو كل ما فيه حد لفحشه / وقبحه. * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * من تحريم ما لم يحرمه، أو أن له شريكا.
* (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءابآءنا أولو كان
ءابآؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون (170) ومثل الذين كفروا كمثل الذي
ينعق بما لا يسمع إلا دعآء وندآء صم بكم عمي فهم لا يعقلون (171)) *
170 - * (اتبعوا ما أنزل الله) * في تحليل ما حرمتموه * (قالوا بل نتبع) *
آباءنا في تحريمه.
171 - * (ومثل الذين كفروا) * فيما يوعظون به كمثل البهيمة التي تنقع فتسمع
الصوت ولا تفهم معناه، أو مثلهم في دعائهم آلهتهم كمثل راعي البهيمة تسمع صوته
ولا تفهمه. * (صم) * عن الوعظ. * (بكم) * عن الحق. * (عمي) * عن الرشد، والعرب
تسمي من سمع ما لم يعمل به أصم، قال:
* أصم عما ساءه سميع
*
* (يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه
تعبدون (172) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل به لغير
الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلآ إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)) *
173 - * (ولحم الخنزير) * قصر داود بن علي
179

التحريم على اللحم، وعداه الجمهور إلى سائر أجزائه. * (أهل به) * سمى
الذبح إهلالا، لأنهم كانوا يجهرون عليه بأسماء آلهتهم، فسمي كل ذبح
إهلالا، كما سمي الإحرام إهلالا للجهر للتلبية وإن لم يجهر بها * (لغير الله) *
ذبح لغيره من الأصنام. أو ذكر عليه اسم غيره. * (أضطر) * أكره، أو خاف
على نفسه لضرورة دعته إلى أكله قاله الجمهور. * (غير باغ) * على الإمام
* (ولا عاد) * على الناس بقطع الطريق، أو * (غير باغ) * بأكله فوق حاجته. أو
بأكله مع وجود غيره، أو * (غير باغ) * بأكله تلذذا * (ولا عاد) * بالشبع، وأصل
180

البغي طلب الفساد، ومنه البغي للزانية.
* (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما
يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم
عذاب أليم (174) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فمآ
أصبرهم على النار (175) ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في
الكتاب لفي شقاق بعيد (176)) *
174 - * (الذين يكتمون) * علماء اليهود، كتموا ما في التوراة من صفة
محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوته. * (ثمنا) * الرشا التي أخذوها على كتم رسالته، وتغيير
صفته، وسماه قليلا، لانقطاع مدته، وسوء عاقبته، أو لقلته في نفسه. * (إلا النار) * سمى مأكولهم نارا، لأنه سبب عذابهم بالنار، أو لأنه يصير يوم القيامة
في بطونهم نارا، فسماه بما يؤول إليه. * (ولا يكلمهم الله) * ولا يسمعهم
كلامه، أو لا يرسل إليهم بالتحية مع الملائكة، أو عبر بذلك عن غضبه عليهم،
فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه * (ولا يزكيهم) * لا يثني عليهم، أو لا يصلح
أعمالهم الخبيثة /.
175 - * (فما أصبرهم على النار) * فما أجرأهم عليها، أو على عمل يؤدي
إليها، أو أي شيء أصبرهم عليها، أو ما أبقاهم عليها، ما أصبر فلانا على
الحبس ما أبقاه فيه.
181

* (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الآخر
والملائكة والكتاب والنبيين وءاتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل والسآئلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وءاتى الزكاة
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177)) *
177 - * (ليس البر) * الصلاة وحدها، أو خاطب به اليهود والنصارى،
لصلاة اليهود إلى الغرب، والنصارى إلى الشرق. (ولكن البر) * إيمان من آمن،
أو بر من آمن بالله، فأقر بوحدانيته * (والملائكة) * بما أمروا به من كتب الأعمال.
* (والكتاب) * (القرآن) * (والنبيين) * فلا يكفر ببعضهم ويؤمن ببعض. * (على حبه) *
حب المال فيكون صحيحا شحيحا. ذهب الشعبي والسدي إلى وجوب
182

ذلك خارجا عن الزكاة، فروى الشعبي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ' إن في المال حقا
سوى الزكاة وتلا هذه الآية '، والجمهور / على أن الآية محمولة على
الزكاة، أو على التطوع، وأنه لا حق في المال سوى الزكاة * (ذوي القربى) * إن حمل على الزكاة شرط فيهم الأوصاف المعتبرة في الزكاة وإن حمل على
التطوع فلا. * (واليتامى) * كل صغير لا أب له، وفي اعتبار فقرهم قولان.
* (والمساكين) * من عدم قدر الكفاية. وفي اعتبار إسلامهم قولان. * (وابن
183

السبيل) * فقراء المسافرين. * (والسائلين) * الذين ألجأهم الفقر إلى السؤال.
* (وفي الرقاب) * المكاتبون أو عبيد يعتقون. * (وأقام الصلاة) * إلى الكعبة
بواجباتها في أوقاتها. * (وآتى الزكاة) * لمستحقها. * (بعهدهم) * بنذرهم لله
تعالى، أو العقود التي بينهم وبين الناس. * (البأساء) * (الفقر) * (والضراء) * السقم.
* (وحين البأس) * القتال. وهذه الأوصاف مخصوصة بالأنبياء لتعذرها فيمن
سواهم. أو هي عامة في الناس كلهم.
* (يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى
فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأدآء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم
ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (178) ولكم في القصاص حياة يا أولي
الألباب لعلكم تتقون (179)) *
178 - * (كتب) * فرض.
* يا بنت عمي كتاب الله أخرجني
* عنكم فهل أمنعن الله ما فعلا
*
* (القصاص) * مقابلة الفعل بمثله من قص الأثر. نزلت في قبيلة من العرب
أعزاء لا يقتلون بالعبد منهم إلا السيد، وبالمرأة إلا الرجل، أو في فريقين
اقتتلا فقتل منهما جماعة، فقاصص الرسول صلى الله عليه وسلم دية الرجل بدية الرجل، ودية
184

المرأة بدية المرأة، ودية العبد بدية العبد، أو فرض في ابتداء الإسلام قتل
الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، ثم نسخ بقوله تعالى: * (النفس بالنفس) *
[المائدة: 45] قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو هو أمر بمقاصة دية
الجاني من دية المجني عليه، فإذا قتل الحر عبدا فلسيده القصاص، ثم يقاصص
بقيمة العبد من دية الحر ويدفع إلى ولي الحر باقي ديته، وإن قتل العبد حرا
فقتل به قاصص ولي الحر بقيمة العبد وأخذ باقي دية الحر، وإن قتل الرجل
امرأة فلوليها قتله ويدفع نصف الدية إلى ولي الرجل، وإن قتلت المرأة رجلا
فقتلت به أخذ ولي الرجل نصف الدية قاله علي - رضي الله تعالى عنه - * (فاتباع بالمعروف) * هو أن يطلب الولي الدية بالمعروف، ويؤديها القاتل بإحسان * (فمن
عفى له من أخيه شيء) * أي فضل. إذا قلنا نزلت في فريقين اقتتلا، وتقاصا
ديات القتلى، فمن بقيت له بقية فليتبعها بمعروف وليؤد من عليه بإحسان،
وعلى قول علي - رضي الله تعالى عنه - يؤدي الفاضل بعد مقاصصة الديات
بمعروف، فالاتباع بمعروف عائد إلى ولي القتيل، والأداء بإحسان عائد إلى
الجاني، أو كلاهما عائد إلى الجاني يؤدي الدية بمعروف وإحسان. * (تخفيف) *
تخير ولي / الدم بين القود والدية والعفو، ولم يكن ذلك لأحد قبلنا، كان على
أهل التوراة القصاص أو العفو ولا أرش، وعلى أهل الإنجيل الأرش أو العفو
ولا قود. * (فمن اعتدى) * فقتل بعد أخذ الدية * (فله عذاب أليم) * بالقصاص، أو
يقتله الإمام حتما، أو يعاقبه السلطان، أو باسترجاع الدية منه ولا قود عليه.
179 - * (ولكم في القصاص حياة) * إذا ذكره الظالم كف عن القتل، أو
وجوب القصاص على القاتل وحده حياة له وللمعزوم على قتله فيحييان جميعا
وهذا أعم * (لعلكم تتقون) * أن تقتلوا فيقتص منكم.
* (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين
185

بالمعروف حقا على المتقين (180) فمن بدله بعد ما سمعه فإنمآ إثمه على الذين يبدلونه إن
الله سميع عليم (181) فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلآ إثم عليه إن الله
غفور رحيم (182)) *
180 - * (خيرا) * مالا اتفاقا ها هنا، قال مجاهد: ' الخير المال في جميع
القرآن * (إنه لحب الخير) * [العاديات: 8] * (أحببت حب الخير) * [ص: 32]
* (إن علمتم فيهم خيرا) * [النور: 33] أراد المال في ذلك * (إني أراكم بخير) *
[هود: 84] بغنى ومال '. كانت الوصية للوالدين والأقربين واجبة قبل نزول
المواريث، فلما نزلت المواريث نسخ وجوبها عند الجمهور، أو نسخ منها
الوصية لكل وارث وبقي الوجوب فيمن لا يرث من الأقارب. والمال الذي
يجب عليه أو أن يوصي منه ألف درهم، أو من ألف إلى خمسمائة، أو يجب في
كل قليل وكثير، فلو أوصى بثلثه لغير قرابته رد الثلث على قرابته، أو يرد ثلث
الثلث على القرابة وثلثا الثلث للموصى له، أو ثلثاه للقرابة وثلثه للموصى له.
* (على المتقين) * التقوى في أن يقدم الأحوج فالأحوج من أقاربه.
186

181 - * (فمن بدله) * غير الوصية بعد ما سمعها. إنما ذكر، لأن الوصية قول.
182 - * (جنفا أو إثما) * الجنف الخطأ، والإثم: العمد، أو الجنف:
الميل، والإثم: أثرة بعضهم على بعض، أصل الجنف الجور والعدول عن
الحق * (فمن خاف من موص) * فمن حضر موصيا يجور في وصيته خطأ أو عمدا
فأصلح بينه وبين ورثته بإرشاده إلى الحق فلا إثم عليه، أو خاف الوصي جنف
الموصي فأصلح بين ورثته وبين الموصى له برد الوصية إلى العدل، أو من
خاف من جنف الموصي على ورثته بإعطاء بعض ومنع بعض في مرض موته
فأصلح بين ورثته، أو من خاف جنفه فيما أوصى به لآبائه وأقاربه على بعضهم
لبعض فأصلح بين الآباء والقرابة، أو من خاف جنفه في وصيته لغير وارثه بما
يرجع نفعه إلى وارثه فأصلح بين ورثته فلا إثم.
* (يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم
لعلكم تتقون (183) أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من
أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له
وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون (184)) *
183 - * (الصيام) * الصوم عن كل شيء الإمساك عنه، ويقال عند الظهيرة
صام النهار، لإبطاء سير الشمس حتى كأنها أمسكت عنه. * (كما كتب) * شبه
صومنا بصومهم في حكمه وصفته دون قدره، كانوا يصومون من العتمة إلى
187

العتمة ولا يأكلون بعد النوم شيئا، وكذا / كان في الإسلام حتى نسخ، أو في
شبه عدده، فرض على النصارى شهر مثلنا فربما وقع في القيظ فأخروه إلى
الربيع وكفروه بعشرين يوما زائدة، أو شبه بعدد صوم اليهود ثلاثة أيام من كل
شهر وعاشوراء، فصامهن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة سبعة عشر شهرا ثم نسخن
برمضان. * (الذين من قبلكم) * جميع الناس، أو اليهود، أو أهل الكتاب.
* (لعلكم تتقون) * محظورات الصوم، أو الصوم سبب التقوى لكسره الشهوات.
184 - * (أياما معدودات) * هي شهر رمضان عند الجمهور، أو الأيام
البيض عند ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ثم نسخت برمضان، وهي
الثاني عشر وما يليه، أو الثالث عشر وما يليه على الأظهر. * (فعدة من أيام أخر) * يجب القضاء عند داود على المسافر والمريض سواء صاما أو أفطرا،
وعند الجمهور لا يجب القضاء إلا على من أفطر. * (يطيقونه) * كانوا مخيرين بين
الصوم والفطر مع الإطعام بدلا من الصوم، ثم نسخ بقوله تعالى * (فمن شهد منكم الشهر) *، أو بقوله تعالى * (وأن تصوموا خير لكم) * أو وعلى الذين كانوا
يطيقونه شبابا ثم عجزوا بالكبر أن يفطروا ويفتدوا، وقرأ ابن عباس - رضي الله
188

تعالى عنهما - * (يطوقونه) * يكلفونه فلا يقدرون عليه كالشيخ والشيخة والحامل
والمرضع - الفدية ولا قضاء عليهم لعجزهم. * (فمن تطوع خيرا) * بالصوم مع
الفدية، أو بالزيادة على مسكين واحد.
* (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة
ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (185)) *
185 - * (شهر رمضان) * الشهر من الشهرة، شهر سيفه أخرجه. * (رمضان) *
قيل أخذ من الرمضاء لما كان يوجد فيه من الحر حتى يرمض الفصال، وكره
مجاهد أن يقال ' رمضان '، قائلا لعله من أسماء الله - تعالى - * (أنزل فيه
189

القرآن) * في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل منجما بعد
ذلك، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ' نزلت صحف إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أول ليلة
من رمضان، والتوراة لست مضين منه والإنجيل لتسع عشرة خلت منه،
والفرقان لأربع وعشرين منه ' أو * (أنزل فيه) * في فرض صومه. * (هدى
للناس) * رشادا. * (وبينات من الهدى) * بينات من الحلال والحرام، وفرقان بين
الحق والباطل. * (فمن شهد) * أول الشهر مقيما لزمه صومه وليس له أن يفطر في
بقيته، أو فمن شهده مقيما فليصم ما شهد منه دون ما لم يشهده إلا في
السفر، أو فمن شهده / عاقلا مكلفا فليصمه ولا يسقط صوم بقيته بالجنون.
* (مريضا) * مرضا لا يطيق الصلاة معه قائما، أو ما يقع عليه اسم المرض، أو ما
يزيد بسبب الصوم زيادة غير متحملة * (أو على سفر) * يبلغ يوما وليلة، أو ثلاثة
أيام، أو ما يقع عليه الاسم، والفطر مباح عند الجمهور، وواجب عند ابن
عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال: ' اليسر الإفطار في السفر، والعسر الصوم
190

فيه ' * (ولتكملوا) * عدة ما أفطرتم منه بالقضاء من غيره. * (ولتكبروا الله) * تكبير
الفطر حين يهل شوال. * (على ما هداكم) * من صوم الشهر.
* (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا
لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (186)) *
186 - * (وإذا سألك عبادي) * قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: ' أقريب ربنا فنناجيه، أم
بعيد فنناديه ' أو سئل عن أي ساعة يدعون فيها، أو سئل كيف ندعوا، أو قال
قوم: لما نزل: * (ادعوني أستجب لكم) * [غافر: 60] إلى أين ندعوا فنزلت.
* (قريب) * الإجابة، أو من سماع الدعاء. * (أجيب دعوة الداعي) * أسمع فعبر
عن السماع بالإجابة، أو أجيبه إلى ما سأل إذا كان مصلحة مستكملا لشروط
الطلب، وتجب إجابته كثواب الأعمال، فالدعاء عبادة ثوابها الإجابة، أو لا
تجب. وإن قصر في شروط الطلب فلا تجب إجابته وفي جوازها قولان، وإن
كان سؤاله مفسدة لم تجز إجابته. * (فليستجيبوا) * فليجيبوني، أو الاستجابة
191

طلب الموافقة للإجابة، أو فليستجيبوا لي بالطاعة، أو فليدعوني.
* (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله
أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالئان باشروهن
وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى اليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في
المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم
يتقون (187)) *
187 - * (الرفث) * من فاحش القول،
* عن اللغا ورفث التكلم
*
عبر به عن الجماع اتفاقا لأن ذكره في غير موضعه فحش. * (هن لباس لكم) * بمنزلة اللباس لإفضاء كل واحد منهما ببشرته إلى صاحبه، أو لاستتار
أحدهما بالآخر، أو سكن * (الليل لباسا) * [النبأ: 10] سكنا. * (تختانون أنفسكم) * بالجماع والأكل والشرب، أبيحا قبل النوم وحرما بعده. فطلب عمر
زوجته فقالت: قد نمت فظنها تعتل فواقعها، وجاء قيس بن صرمة من عمله في
أرضه فطلب الأكل فقالت زوجته نسخن لك شيئا فغلبته عيناه، ثم قدمت إليه
الطعام فامتنع، فلما أصبح لاقى جهدا وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما جرى لهما
فنزلت.... * (فتاب عليكم) * لما كان في مخالفتكم. * (وعفا) * عن ذنوبكم،
أو عن تحريم ذلك بعد النوم. * (باشروهن) * جامعوهن. * (ما كتب الله لكم) *
192

الولد، أو ليلة القدر، أو ما رخص فيه. * (الخيط الأبيض) * قال علي -
رضي الله تعالى عنه -: ' الخيط الأبيض الشمس '. قال حذيفة ' كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر وأنا أرى مواقع النبل. فقيل لحذيفة بعد الصبح فقال: هو
الصبح إلا أنه لم تطلع / الشمس ' والإجماع على خلاف هذا، أو الأبيض
الفجر الثاني والأسود سواد الليل قبل الفجر الثاني، كان عدي يراعي خيطا
193

أبيض وخيطا أسود جعلهما تحت وسادته فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ' إنك
لعريض الوساد، إنما هو بياض النهار وسواد الليل، أو كان بعضهم يربط في
رجليه خيطا أبيض وخيطا أسود ولا يزال يأكل حتى يتبينا له فأنزل الله عز وجل
* (من الفجر) *، فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار ' * (الفجر) * لانبعاث ضوئه:
من فجر الماء يفجر فجرا: انبعث وجرى * (تباشروهن) * بالقبل واللمس، أو
بالجماع عند الأكثرين.
* (ولا تأكلوآ أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بهآ إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال
الناس بالإثم وأنتم تعلمون (188)) *
188 - * (بالباطل) * بالغصب والظلم، أو القمار والملاهي. * (وتدلوا) *
تصيروا، أدليت الدلو أرسلته. * (أموالكم) * أموال اليتامى، أو الأمانات والحقوق
194

التي إذا جحدها قبل قوله فيها.
* (يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا
البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا
الله لعلكم تفلحون (189)) *
189 - * (الأهلة) * من الاستهلال برفع الصوت عند رؤيته. ' وهو هلال إلى
ليلتين، أو إلى ثلاث، أو إلى أن يحجر بخطة دقيقة، أو إلى أن يبهر ضوءه
سواد الليل فيسمى حينئذ قمرا '.
* (مواقيت) * مقادير لأوقات الديون، والحج. * (تأتوا البيوت من ظهورها) *
كنى به عن إتيان النساء في أدبارهن، لأن المرأة يأوى إليها كما يأوى إلى
البيت، أو هو مثل لإتيان البيوت من وجهها ولا يأتونها من غير وجهها، أو
كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطا من بابه فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار رفاعة
الأنصاري فجاء فتسور الحائط على الرسول صلى الله عليه وسلم فلما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من
الباب خرج معه رفاعة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
' ما حملك على هذا ' فقال: ' رأيتك خرجت منه '، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
195

' إني رجل أحمس ' فقال رفاعة: ' إن تكن رجلا أحمس فإن ديننا واحد
فنزلت.... '، وقريش يسمون الحمس لتحمسهم في دينهم، والحماسة:
الشدة.
* (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب
المعتدين (190) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل
ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء
الكافرين (191) فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم (192) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله
فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193)) *
190 - * (الذين يقاتلونكم) * هذه أول آية نزلت بالمدينة في قتال من قاتل
خاصة * (ولا تعتدوا) * بقتال من لم يقاتل. ثم نسخت ب * (براءة) * أو نزلت في
قتال المشركين كافة * (ولا تعتدوا) * بقتل النساء والصبيان، أو لا تعتدوا بالقتال
على غير الدين.
191 - * (ثقفتموهم) * ظفرتم بهم. * (والفتنة) * الكفر ها هنا اتفاقا لأنه
يؤدي إلى الهلاك كالفتنة. * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) * نهوا عن قتال
196

أهل الحرم إلا أن يبدءوا بالقتال ثم نسخ بقوله تعالى: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * [193]، أو هي محكمة فلا يقاتل أهل الحرم ما لم يبدءوا بالقتال.
* (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194)) *
194 - * (الشهر الحرام بالشهر الحرام) * لما / اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ذي
القعدة فصد، فصالح على القضاء في العام المقبل، فقضى في ذي القعدة نزل
* (الشهر الحرام) * وهو ذي القعدة المقضي فيه * (بالشهر الحرام) * المصدود
فيه، أخذ ذو القعدة من قعودهم عن القتال فيه لحرمته. * (والحرمات قصاص) *
لما فخرت قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم حين صدته اقتص الله - تعالى - له، أو نزلت
لما قال المشركون: ' أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام، فقال: نعم. فأرادوا
قتاله في الشهر الحرام فقيل له: إن قاتلوك في الشهر الحرام فاستحل منهم ما
استحلوا منك.
* (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين
195 - * (سبيل الله) * الجهاد. * (ولا تلقوا بأيديكم) * الباء زائدة، أو غير
197

زائدة أي لا تلقوا أنفسكم بأيديكم. * (التهلكة) * الهلاك لا تتركوا النفقة في
الجهاد فتهلكوا بالإثم، أو لا تخرجوا بغير زاد فتهلكوا بالضعف، أو لا تيأسوا
من المغفرة عن المعصية فلا تتوبوا، ولا تتركوا الجهاد فتهلكوا، أو لا تقتحموا
القتال من غير نكاية في العدو، أو هو عام محمول على ذلك كله. * (وأحسنوا) *
الظن بالقدر، أو بأداء الفرائض أو عودوا بالإحسان على المعدم.
* (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي
محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا
أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة
إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله
واعلموا أن الله شديد العقاب (196)) *
196 - * (وأتموا الحج والعمرة) * أتموا كل واحد منهما بمناسكه وسننه، أو
الإحرام بهما إفراد من دويرة الأهل، أو أن يخرج من دويرة أهله لأجلهما لا
يريد غيرهما من كسب ولا تجارة، أو إتمامهما واجب بالدخول فيهما، أو إتمام
العمرة الإحرام بها في غير أشهر الحج، وإتمام الحج الإتيان بمناسكه بحيث لا
يلزمه دم جبران نقص. * (أحصرتم) * بالعدو دون المرض، أو كل حابس من
عدو أو مرض أو عذر * (فما استيسر) * بدنة صغيرة أو كبيرة، أو هو شاة عند
الأكثرين. * (الهدى) * من الهدية، أو من هديته إذا سقته إلى الرشاد. * (محله) *
محل الحصر حيث أحصر من حل أو حرم، أو الحرم، أو محله: تحلله بأداء
نسكه، فليس لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتحلل من إحرامه فإن كان إحرامه عمرة
لم يفت، وإن كان حجا ففاته قضاه بالفوات بعد تحلله منه. * (صيام أو صدقة) *
198

صيام ثلاثة أيام، صدقة: إطعام ستة مساكين، أو صيام عشرة أيام، والصدقة
إطعام عشرة، والنسك شاة. * (آمنتم) * من الخوف، أو المرض. * (تمتع) * بفسخ
الحج، أو فعل العمرة في أشهر الحج ثم حج في عامه، أو إذا تحلل الحاج
بالإحصار ثم عاد إلى بلده متمتعا ثم قضى الحج من قابل فقد صار متمتعا
بإحلاله بين الإحرامين. * (فما استيسر من الهدي) * شاة أو بدنة. * (ثلاثة أيام في الحج) * بعد الإحرام به وقبل يوم النحر، أو في أيام التشريق. ولا يجوز تقديمها
على الإحرام بالحج / أو يجوز في عشر ذي الحجة ولا يجوز قبله، أو يجوز في
أشهر الحج ولا يجوز قبلها. * (رجعتم) * من حجكم، أو إلى أهلكم في
أمصاركم. * (كاملة) * تأكيد، أو كاملة من الهدي، أو كملت أجره كمن أقام على
الإحرام فلم يتحلل منه ولم يتمتع، أو هو خبر بمعنى الأمر أي أكملوا صيامها.
* (حاضري المسجد الحرام) * أهل الحرم، أو من بين مكة والمواقيت، أو أهل
الحرم ومن قرب منه كأهل عرنة وعرفة والرجيع، أو من كان على مسافة لا
تقصر فيها الصلاة.
* (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في
الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون
يا أولي الألباب (197)) *
197 - * (الحج أشهر معلومات) * شوال وذو القعدة وذو الحجة، أو شوال
وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، أو شوال وذو القعدة وعشر ليالي من
ذي الحجة إلى طلوع الفجر يوم النحر. * (فرض) * أحرم، أو أهل بالتلبية.
* (رفث) * الجماع، أو الجماع والتعرض له بمواعدة ومداعبة أو الإفحاش بالكلام
كقوله: ' إذا حللت فعلت بك كذا من غير كناية '. * (ولا فسوق) * منهيات
الإحرام، أو السباب، أو الذبح للأصنام، أو التنابز بالألقاب أو المعاصي كلها.
* (ولا جدال) * السباب، أو المراء والاختلاف أيهم أتم حجا، أو أن يجادل
199

صاحبه حتى يغضبه، أو اختلاف كان يقع بينهم في اليوم الذي يكون فيه
حجهم، أو اختلافهم في موافق الحج أيهم أصاب موقف إبراهيم عليه الصلاة
والسلام، أو لا جدال في وقته لاستقراره وبطلان النسيء الذي كانوا ينسونه
فربما حجوا في صفر أو ذي القعدة. * (وتزودوا) * الأعمال الصالحة، أو نزلت
في قوم من أهل اليمن كانوا يحجون بغير زاد، ويقولون نحن المتوكلون، فنزل
* (وتزودوا) * الطعام فإن خيرا منه التقوى.
* (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من
عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم
وإن كنتم من قبله لمن الضالين (198) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (199)) *
198 - * (فضلا) * كانت ذو المجاز وعكاظ متجرا في الجاهلية فلما جاء
الإسلام تركوا ذلك حتى نزلت * (ليس عليكم جناح) *. * (أفضتم) * أسرعتم،
أو رجعتم من حيث بدأتم. * (عرفات) * جمع عرفة، أو اسم واحد وإن كان بلفظ
200

جمع، قاله الزجاج سميت به، لأن آدم - عليه الصلاة والسلام - عرف بها
حواء بعد هبوطهما، أو عرفها عند رؤيتها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لما
تقدم له من وصفها، أو لتعريف جبريل - عليه الصلاة والسلام - الأنبياء - عليهم
الصلاة والسلام - مناسكهم، أو لعلو الناس على جبالها، لأن ما علا عرفة
وعرفات، ومنه عرف الديك. * (المشعر الحرام) * سمي به لأن الدعاء فيه والمقام
من معالم الحج.
199 - * (أفاض الناس) * إبراهيم عليه الصلاة والسلام - عبر عن الواحد
بلفظ الجمع، كقوله * (الذين قال لهم الناس) * [آل عمران: 173] يعني نعيم بن
مسعود، أو أمر قريشا أن يفيضوا / من حيث أفاض الناس وهم العرب - كانوا
يقفون بعرفة، لأن قريشا كانوا يقفون بمزدلفة، ويقولون نحن أهل الحرم فلا
نخرج منه فنزلت * (واستغفروا الله) * من ذنوبكم، أو من مخالفتكم في الوقوف
والإفاضة.
201

* (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد
ذكرا فمن الناس من يقول ربنآ ءاتنا في الدنيا وما له في الآخرة من
خلاق (200) ومنهم من يقول ربنآ ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار (201) أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب (203)) *
200 - * (مناسككم) * الذبائح، أو ما أمرتم به في الحج، والمناسك
المتعبدات. * (فاذكروا الله) * بالتكبير أيام منى، أو بجميع ما سن من الأدعية
بمواطن الحج كلها. * (كذكركم آباءكم) * كانوا إذا فرغوا من الحج جلسوا بمنى
وافتخروا بمناقب آباءهم فنزلت، أو كذكر: الصغير لأبيه إذا قال: يا بابا، أو
كان أحدهم يقول: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال
فأعطني مثل ما أعطيته فلا يذكر غير أبيه.
201 - * (حسنة) * العافية في الدنيا والآخرة، أو نعيمهما قاله: الأكثر، أو
المال في الدنيا والجنة في الآخرة، أو العلم والعمل في الدنيا والجنة في
الآخرة.
* (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلآ إثم عليه ومن
تأخر فلآ إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموآ أنكم إليه تحشرون (203)) *
203 - * (معدودات) * أيام منى إجماعا وإن شرك بعضهم بين بعضا وبين
الأيام المعلومات. * (تعجل في يومين) * النفر الأول. * (ومن تأخر) * النفر الثاني.
* (فلا إثم عليه) * في تعجله ولا تأخره، أو يغفر لكل واحد منهما، أو لا إثم
عليه إن اتقى فيما بقي من عمره، أو لا إثم عليه إن اتقى قتل الصيد في الثالث
من أيام التشريق، أو إن اتقى ما نهي عنه غفر له ما تقدم من ذنبه.
202

* (واذكروا الله) * بالتكبير في الأيام المعدودات من صلاة الصبح يوم عرفة إلى
صلاة العصر آخر أيام التشريق، أو من الفجر يوم عرفة إلى العصر يوم النحر،
أو من الظهر يوم النحر إلى بعد العصر آخر أيام التشريق، أو بعد صلاة الصبح
من آخر التشريق.
* (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد
الخصام (204) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله
لا يحب الفساد (205) وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس
المهاد (206) ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف
بالعباد (207)) *
204 - * (يعجبك قوله) * من الجميل والخير، أو من حب الرسول صلى الله عليه وسلم
والرغبة في دينه. * (ويشهد الله على ما في قلبه) * يقول اللهم اشهد علي به، أو
في قلبه ما يشهد الله أنه بخلافه، أو يستشهد الله على صحة ما في قلبه والله
يعلم أنه بخلافة. * (الد) * الألد: الشديد الخصومة. * (الخصام) * مصدر، أو جمع
خصيم أي ذو جدال، أو كذاب، أو شديد القسوة في المعصية، أو غير مستقيم
الخصومة. نزلت في الأخنس بن شريق، أو هي صفة للمنافقين.
203

205 - * (تولي) * تصرف، أو غضب. * (ليفسد فيها) * بالكفر، أو الظلم.
* (ويهلك الحرث والنسل) * بالقتل والسبي، أو بالإضلال المفضي إلى القتل
والسبي.
206 - * (أخذته العزة) * دعته إلى فعل الإثم، أو يعز نفسه أن يقولها للإثم
المانع منها.
207 - * (يشري) * يبتع، نزلت فيمن أمر بمعروف ونهى عن منكر فقتل أو
في صهيب اشترى نفسه من المشركين بجميع ماله ولحق بالمسلمين،
وقال / الحسن: العمل الذي باع به نفسه الجهاد.
* (يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كآفة ولا تتبعوا خطوات الشيطان
إنه لكم عدو مبين (208) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا
أن الله عزيز حكيم (209) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام
والملآئكة وقضى الأمر وإلى الله ترجع الأمور (210)) *.
204

208 - * (السلم) * والسلم واحد أو بالكسر الإسلام، وبالفتح المسالمة.
ادخلوا في الإسلام، أو الطاعة. * (كافة) * عائد إلى الطاعة، أو إلى تأكد الداخل
فيها. * (مبين) * أبان عدواته بامتناعه من السجود، أو بقوله * (لأحتنكن ذريته) *
[الإسراء: 62] أمر بها المسلمون أن يدخلوا في شرائع الإسلام كلها، أو في
أهل الكتاب آمنوا بمن سلف من الأنبياء، فأمروا بالدخول في الإسلام، أو نزلت
في ابن سلام وجماعة من اليهود لما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم ' السبت يوم كنا نعظمه
ونسيت فيه، والتوراة كتاب الله - تعالى - فدعنا فلنقم بها بالليل '.
209 - * (زللتم) * عصيتم أو كفرتم، أو ضللتم. * (البينات) * القرآن أو
الحجج، أو محمد صلى الله عليه وسلم، أو الإسلام.
210 - * (في ظلل) * بظلل، أو أمر الله تعالى في ظلل.
* (سل بني إسرآءيل كم ءاتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جآءته فإن الله
شديد العقاب (211) زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين ءامنوا والذين
205

اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب (212)) *
211 - * (سل بني إسرائيل) * توبيخا لهم، أراد علماءهم، أو أنبياءهم، أو
جميعهم. * (آية بينة) * فلق البحر، وتظليل الغمام وغيرهما. * (نعمة الله) * العلم
/ برسوله صلى الله عليه وسلم.
212 - * (زين للذين كفروا الحياة الدنيا) * زينها الله بخلق الشهوات فيها،
أو زينها الشيطان، أو المغوي من الثقلين. * (ويسخرون) * من ضعفاء المسلمين،
يوهمونهم أنهم على حق، والمراد بذلك علماء اليهود، أو مشركو العرب.
* (والذين اتقوا) * فوق الكفار. * (بغير حساب) * عبر بذلك عن سعة ملكه الذي لا
يفنيه عطاء ولا يقدر بحساب، أو هو دائم لا يفنى، أو رزق الدنيا بغير حساب
لأنه يعم المؤمن والكافر، ولا يعطى المؤمن على قدر إيمانه، أو رزق المؤمن
في الآخرة لا يحاسب عليه، أو التفضل بغير حساب، والجزاء بالحساب، أو
كفايتهم بغير حساب ولا تضييق.
* (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب
بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوافيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما
جآءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (213) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم
مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسآء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين
ءامنوا معه متى نصر الله ألآ إن نصر الله قريب (214)) *
213 - * (أمة واحدة) * على الكفر، أو على الحق، أو آدم - عليه الصلاة
والسلام - كان إمام ذريته فبعث الله - تعالى - النبيين في ولده. أو يوم الذر لما
خرجوا من صلب آدم أقروا بالعبودية ثم اختلفوا، وهم عشرة قرون كانوا بين آدم
ونوح على الحق ثم اختلفوا.
206

* (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين
وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم (215)) *
215 - * (ماذا ينفقون) * سألوا عن أموالهم أين يضعونها فنزلت أو نزلت
في إيجاب نفقة الأهل والصدقة ثم نسخت بالزكاة.
* (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى
أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (216)) *
216 - * (كتب عليكم القتال) * أراد به الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -
خاصة، أو الناس عامة إلى حصول الكفاية، أو هو فرض متعين على كل مسلم
أبدا، قاله ابن المسيب. * (كره لكم) * الكره: إدخال المشقة على النفس من غير
إكراه أحد، والكره: إدخال المشقة بإكراه غيره، كره: ذو كره، أو مكروه لكم
فأقام المصدر مقامه. مكروه قبل الأمر به وأما بعده فلا، أو كره / في الطباع
قبل الأمر وبعده. * (وعسى) * بمعنى ' قد '، أو طمع المشفق مع دخول الشك،
* (وعسى أن تكرهوا شيئا) * من القتال، * (وهو خير لكم) * بالظفر والغنيمة والأجر
والثواب، * (وعسى أن تحبوا شيئا) * من [ترك] القتال، * (وهو شر لكم) *
بظهور عدوكم، ونقصان أجوركم، * (والله يعلم) * مصلحتكم، * (وأنتم لا تعلمون) *.
207

* (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر
به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا
يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن
دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون (217) إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجاهدوا
في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم (218)) *
217 - * (يسألونك عن الشهر الحرام) * خرج عبد الله بن جحش بأمر
الرسول صلى الله عليه وسلم في سبعة نفر فلقوا ابن الحضرمي في عير فقتل ابن الحضرمي
وأسروا آخر، وغنموا العير، وذلك أول ليلة من رجب، فلامه الرسول صلى الله عليه وسلم
والمسلمون فنزلت فسأله المشركون عن ذلك ليعيروه ويستحلوا قتاله فيه، قاله
الأكثرون. أو سأله المسلمون ليعرفوا حكمه، سألوا عن القتال في الشهر
208

الحرام، فأخبرهم أن الصد عن سبيله وإخراج أهل الحرم والفتنة أكبر من القتل
في الشهر، أو سألوا عن القتل في الحرم والشهر الحرام فأخبرهم بأن الصد
والإخراج والفتنة أكبر من القتل في الحرم والشهر الحرام. وتحريم ذلك محكم
عند عطاء، منسوخ على الأصح، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غزا هوازن وثقيفا،
وأرسل أبا عامر إلى أوطاس في بعض الأشهر الحرم، وبايع على قتال قريش
بيعة الرضوان في ذي القعدة. * (حبطت) * أصل الحبوط: الفساد، فإذا بطل
العمل قيل حبط لفساده.
209

218 - * (إن الذين آمنوا) * قال قوم من المسلمين في سرية ابن جحش:
' إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم في سفرهم أجر '، فنزلت * (هاجروا) *
دورهم كراهة المقام مع المشركين. * (وجاهدوا) * جهد فلانا كذا: إذا أكربه وشق
عليه * (سبيل الله) * طريقه وهي دينه. * (يرجون رحمة الله) * إنما رجوها لأنهم لا
يدرون الخواتيم، أو لأنهم لم يتيقنوا آداء كل ما وجب عليهم.
* (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهمآ إثم كبير ومنافع للناس وإثمهمآ
أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات
لعلكم تتفكرون (219) في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير
وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن
الله عزيز حكيم (220)) *
219 - * (يسألونك عن الخمر والميسر) * الخمر: ما خامر العقل فيستره،
والميسر: القمار. * (إثم كبير) * سكر الشارب وإيذاؤه الناس؛ وإثم الميسر
بالظلم ومنع الحق، أو إثم الخمر: زوال العقل حتى لا يعرف خالقه، وإثم
الميسر: صده عن ذكر الله وعن الصلاة، وإيقاع العداوة والبغضاء. * (ومنافع للناس) * منافع أثمانها، وربح تجارتها، والالتذاذ بشربها.
* ونشربها فتتركنا ملوكا
* وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
*
210

ومنافع الميسر: كسب المال بغير كد، أو ما كانوا يصيبون به من أنصباء
الجزور. * (وإثمهما) * بعد التحريم * (أكبر من نفعهما) * قبل التحريم، أو كلاهما
قبل التحريم. * (العفو) ما فضل عن الأهل، أو ما لا يبين على من أنفقه / أو
تصدق به، أو الوسط من غير إسراف ولا إقتار، أو أخذ ما آتوه من قليل أو
كثير، أو الصدقة عن ظهر غنى، أو الصدقة المفروضة، وهي محكمة، أو
نسخت بالزكاة، وحرمت الخمر بهذه الآية، أو بآية ' المائدة ' على قول
الأكثر.
220 - * (ويسألونك عن اليتامى) * لما نزل * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي
هي أحسن) * [الإسراء: 34] و * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * [النساء:
10] تحرجوا من خلط طعامهم بأطعمة اليتامى فعزلوا أطعمة اليتامى حتى ربما
فسدت عليهم، فنزلت * (وإن تخالطوهم) * في الطعام والشراب، والسكنى،
والدابة، واستخدام العبيد. * (والله يعلم المفسد) * الذي يخلط ماله بمال اليتيم،
ليفسد مال اليتيم. والمصلح: الذي يريد بذلك إصلاح مال اليتيم. * (لأعنتكم) *
لشدد عليكم، أو يجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا * (عزيز) * في سلطانه
قادر على الإعنات. * (حكيم) * في تدبيره بترك الإعنات.
* (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا
211

تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون
إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم
يتذكرون (221)) *
221 - * (ولا تنكحوا المشركات) * محكم في كل مشركة كتابية، أو غير
كتابية، أو خصص منه أهل الكتاب، أو كانت عامة في كل مشركة فنسخ منها
أهل الكتاب، ومراده التزويج، والنكاح: حقيقة في العقد مجاز في الوطء.
* (مؤمنة خير من) * (حرة) * (مشركة) * وإن شرف نسبها، أو نزلت في عبد الله
ابن رواحة، كانت له أمة، فخطب عليه حرة مشركة شريفة فلم يتزوجها فأعتق
212

أمته وتزوجها، فطعن عليه ناس من المسلمين فنزلت * (ولو أعجبتكم) *
بجمالها وحسبها ومالها. * (ولا تنكحوا المشركين) * هذا على عمومه إجماعا.
* (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى
يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب
المتطهرين (222) نسآؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله
واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين (223)) *
222 - * (ويسألونك عن المحيض) * كانوا يجتنبون مساكنة الحائض والأكل
والشرب معها، فسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت، أو سأله ثابت بن الدحداح
213

الأنصاري، أو كانوا يعتزلون الوطء في الفرج ويأتونهن في أدبارهن مدة
الحيض فنزلت، قاله مجاهد: * (أذى) * بنتنه وقذره ونجاسته. * (فاعتزلوا النساء) * فلا تباشروهن بشيء من أبدانكم، أو ما بين السرة والركبة، أو الفرج
وحده. * (يطهرن) * ينقطع دمهن. * (تطهرن) * اغتسلن بالماء: بالوضوء
وبالغسل، أو بغسل الفرج وحده. * (من حيث أمركم الله) * في القبل، أو بالنكاح
دون السفاح، أو من قبل الطهر لا من قبل الحيض، أو لا تقربوها صائمة ولا
214

محرمة ولا معتكفة * (المتطهرين) * بالماء، أو من أدبار النساء، أو من الذنوب
بالتوبة.
223 - * (حرث لكم) * مزدرع لنسلكم * (أنى شئتم) * زعمت اليهود أن من
أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأكذبهم الله / تعالى بقوله * (أنى شئتم) * أو كيف شئتم عازلين أو غير عازلين، أو حيث شئتم من قبل أو دبر
روي ذلك عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - وبه قال ابن أبي مليكة،
215

ويروى عن مالك - رحمه الله تعالى - وقد أنكرت هذه عن ابن عمر، أو
من أي وجه شئتم من دبرها في قبلها، أو من قبلها،
أو قال بعض الصحابة:
216

إني لآتي امرأتي مضطجعة، وقال آخر: إني لآتيها قائمة، وقال آخر: إني لآتيها
على جنبها، وقال آخر: إني لآتيها باركة، فقال يهودي بقربهم: ما أنتم إلا أمثال
البهائم، ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة فنزلت.... * (وقدموا لأنفسكم) *
الخير، أو ذكر الله - تعالى - عند الجماع قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
* (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله
سميع عليم (224) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله
غفور حليم (225)) *
224 - * (عرضه) * من القوة والشدة، فالعرضة أن يحلف في كل حق
وباطل فيبتذل اسم الله - تعالى - ويجعله عرضة، أو العرضة: علة يعتل بها
فيمتنع من فعل الخير، والإصلاح معتلا بأن حلفت، أو يحلف في الحال فيعتل
بيمينه في ترك الخير أو يحلف ليفعلن البر والخير فيقصد بفعله بر يمينه دون الرغبة في فعل الخير. * (أن تبروا) * في أيمانكم، أو تبروا أرحامكم * (وتصلحوا بين الناس) *. * (سميع) * لأيمانكم * (عليم) * باعتقادكم.
225 - * (باللغو) * كل كلام مذموم، لغا فلان: قال قبيحا، فلغو اليمين:
ما سبق إليه اللسان من غير قصد، كلا والله، وبلى والله، مر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوم
يتناضلون فرمى رجل فقال: أصبت والله، أخطأت والله، فقال رجل مع
الرسول صلى الله عليه وسلم حنث الرجل فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ' كلا إن أيمان الرماة [لغو] لا كفارة
ولا عقوبة ' أو الحلف على شيء ظانا ثم تبين بخلافه، أو الحلف في حال
217

الغضب من غير عقد ولا عزم بل صلة في الكلام وعن الرسول صلى الله عليه وسلم ' لا يمين
في غضب '، أو الحلف على معصية فلا يؤاخذ بترك المعصية ويكفر، وعن
الرسول صلى الله عليه وسلم ' من حلف على معصية فلا يمين له ' أو دعاء الحالف على
نفسه، كقوله ' إن لم أفعل فأعمى الله بصري، أو أخرجني من مالي، أو أنا كافر
بالله، قاله زيد بن أسلم ' أو اللغو: الأيمان المكفرة، أو ما حنث فيه ناسيا
* (كسبت قلوبكم) * عمدتم، أو الحلف كاذبا، أو على باطل، أو اعتقاد الشرك
بالله - تعالى - والكفر، عند زيد بن أسلم. * (غفور) * للغو * (حليم) * بترك
معاجلة العصاة.
218

* (للذين يؤلون من نسآءهم تربص أربعة أشهر فإن فآءو فإن الله غفور رحيم (226) وإن عزموا
الطلاق فإن الله سميع عليم (227)) *
226 - * (يؤلون) * يقسمون، والألية: القسم، يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم
فترك لدلالة الكلام عليه، ويختص باليمين بالله - تعالى -، أو يعم في كل ما
يلزم الحانث ما لم يكن يلزمه. يختص بالجماع وبحال الغضب وقصد الإضرار
ولا يجري / في حال الرضا وبغير قصد الإضرار، أو يعم الأحوال إذا حلف على
الجماع، أو يعم فيما يسوء به زوجته من جماع أو غيره، كقوله: لأسوأنك أو
لأغيظنك، قاله الشعبي وابن المسيب والحكم. * (فاءوا) * رجعوا إلى الجماع،
أو الجماع لغير المعذور، والفيئة باللسان للمعذور، أو الفيئة باللسان وحده عند
من جعله عاما في غير الجماع. * (غفور) * بإسقاط الكفارة، أو بإسقاط الإثم دون
الكفارة.
227 - * (وإن عزموا الطلاق) * بأن لا يطلقوا حتى تمضي الأشهر الأربعة
فتطلق بائنة، أو رجعية، أو يوقف بعد مضي الأشهر، فإن فاء وإلا طلق قاله:
اثنا عشر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، أو الإيلاء ليس
بشيء قاله ابن المسيب: * (سميع) * لإيلائه، أو لطلاقه، * (عليم) * بنيته، أو
بضره.
* (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في
219

أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم (228)) *
228 - * (والمطلقات) * الطلاق: التخلية، النعجة المهملة بغير راع طالق
وبه سميت المرأة. * (ثلاثة قروء) * مدة ثلاثة قروء، وهي الحيض، أو الأطهار،
أخذ من الاجتماع، لاجتماع الدم في الرحم عند من رآها الحيض، أو لاجتماعه
في البدن عند من رآها الأطهار، قرأ الطعام في شدقه والماء في حوضه
جمعهما، أو القرء: الوقت لمجيء ما يعتاد مجيئه، أو لإدباره، أقرأ النجم جاء
وقت طلوعه أو أفوله. قال:
* إذا ما الثريا وقد أقرأت
* أحس السما كان منها أفولا
*
*
* هبت لقارئها الرياح
*
فالقرء: وقت لخروج الدم، أو لاحتباسه. * (ما خلق الله في أرحامهن) *
الحيض أو الحمل، أو كلاهما، توعدها لأنها تمنع بالكتمان رجعة الزوج، أو
لإلحاق نسب الولد بغيره كفعل الجاهلية. * (بعولتهن) * سموا بذلك لعلوهم
عليهن، بعلا: ربا، لعلوه بالربوبية. * (بردهن) * برجعهن. * (ولهن) * من حسن
الصحبة مثل الذي للرجال عليهن من حسن الصحبة، أو لهن على الأزواج من
220

التصنع مثل ما لأزواجهن عليهن قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو
لهن من ترك المضارة مثل ما عليهن. * (وللرجال عليهن درجة) * بالميراث
والجهاد، أو بالإمرة والطاعة، أو إعطاء الصداق والملاعنة إذا قذفها، أو
بالإفضال عليها وأداء حقها والصفح عن حقوقه عليها، أو بأن جعل له لحية قاله
حميد.
* (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا ممآ
ءاتيتموهن شيئا إلا أن يخافآ ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح
عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم
الظالمون (229) فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح
عليهمآ أن يتراجعآ إن ظنآ أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون (230)) *
229 - * (الطلاق مرتان) * بيان لسنة الطلاق أن يوقع في كل قرء طلقة،
أو بيان لعدد ما ثبت فيه الرجعة، ولتقديره بالثلاث كان أحدهم يطلق ما شاء
ثم يراجع، فأراد رجل المضارة بزوجته / بطلاقها ثم ارتجاعها كلما قرب
انقضاء عدتها ولا يقربها فشكت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت.......
221

* (فإمساك بمعروف) * الرجعة بعد الثانية، والتسريح بالإحسان الطلقة الثالثة.
قيل للرسول صلى الله عليه وسلم الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ قال: ' إمساك بمعروف، أو تسريح
بإحسان '، أو التسريح بإحسان: ترك الرجعة حتى تنقضي العدة، والإحسان:
أداء حقها وكف الأذى عنها. * (يخافا) * يظنا. * (ألا يقيما حدود الله) * بظهور
نشوزها وسوء الخلق، أو لا تطيع أمره ولا تبر قسمه، أو تصرح بكراهتها له،
أو يكره كل واحد منهما صاحبه فلا يؤدي حقه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ' المختلعات
هن المنافقات ' وهي التي تختلع لميلها إلى غير زوجها. * (ما افتدت به) * من
222

الصداق من غير زيادة، أو يجوز أن تفتدي بالصداق وبجميع مالها. وجواز
الخلع محكم عند الجمهور، ومنسوخ عند بكر بن عبد الله. بقوله - تعالى -:
* (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) * [النساء: 20].
230 - * (فإن طلقها) * الثالثة، أو هو تفسير لقوله - تعالى - * (أو تسريح بإحسان) * * (تنكح زوجا غيره) * الدخول شرط عند الجمهور خلافا لابن المسيب.
* (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن
ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت
الله عليكم ومآ أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله
بكل شيء عليم (231)) *
231 - * (بلغن أجلهن) * قاربن انقضاء العدة، بلغ البلد إذا قاربه
* (فأمسكوهن) * ارتجعوهن. * (سرحوهن) * بتركهن حتى تنقضي العدة * (ولا
223

تمسكوهن ضرارا) * بالارتجاع كلما طلق ليطول العدة، * (ولا تتخذوا آيات الله
هزوا) * كان أحدهم يطلق، أو يعتق ثم يقول ' كنت لاعبا '
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم من
طلق لاعبا، أو أعتق لاعبا فقد جاز عليه '، ونزلت * (ولا تتخذوا) * () * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم
بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذالكم أزكى لكم وأطهر
والله يعلم وأنتم لا تعلمون (232)) *
232 - * (فبلغن أجلهن) * بانقضاء العدة. * (تعضلوهن) * العضل المنع، داء
عضال: ممتنع أن يداوي، فلان عضلة: داهية، لامتناعه بدهائه، أو العضل:
التضييق، أعضل بالجيش الفضاء،
وقال عمر - رضي الله تعالى عنه -: ' أعضل
رأيي في أهل العراق لا يرضون عن وال ولا يرضى عنهم وال '. نزلت في
معقل بن يسار لما طلقت أخته، رغب مطلقها في نكاحها فعضلها، أو
224

نزلت في جابر بن عبد الله طلقت بنت عم له ثم رغب زوجها في نكاحها
فعضلها، أو تعم كل ولي عاضل. * (تراضوا بينهم بالمعروف) * بالزوج
الكافي، أو بالمهر.
* (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له
رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود
له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما
وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما ءاتيتم بالمعروف واتقوا الله
واعلموآ أن الله بما تعملون بصير (233)) *
233 - * (حولين) * من حال الشيء إذا انقلب، لانقلابه عن الوقت الأول
واستحالة الكلام انقلابه عن الصواب، أو من التحول عن المكان، لانتقاله من
الزمن الأول. * (كاملين) * قيدهما بالكمال، لأنهم يطلقون الحولين / يريدون
225

أحدهما وبعض الآخر، ومنه * (فمن تعجل في يومين) * [203]، أمر بإكمالها
لمن كان حملها ستة أشهر لقوله تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) *
[الأحقاف: 15]، فإن كان حملها تسعا أرضعت إحدى وعشرين شهرا، قاله ابن
عباس - رضي الله تعالى عنهما -: أو هو عام في كل مولود طالت مدة حمله،
أو قصرت. * (المولود له) * الأب، عليه رزق الأم المطلقة إذا أرضعت ولدها
ومؤنتها * (بالمعروف) * بأجرة مثلها، أو رزق الأم المنكوحة وكسوتها بالمعروف
لمثلها على مثله من يسار، أو إعسار. * (لا تضار والدة) * لا تمتنع من الإرضاع
إضرارا بالأب عند الجمهور، أو الوالدة هي الظئر، ولا ينتزع الأب المولود له
الولد من أمه إضرارا * (وعلى الوارث) * وهو المولود، أو الباقي من أبويه بعد
موت الآخر، أو وارث الوالد، أو وارث الابن من عصبته كالعم وابنه، والأخ
وابنه دون الوارث من النساء، أو ذوي الرحم المحرم من الورثة، أو الأجداد ثم
الأمهات. * (مثل ذلك) * ما كان على الأب من أجرة رضاعه ونفقته، أو من أن لا
تضار والدة بولدها * (فصالا) * فطاما بفصل الولد من ثدي أمه، فاصلت: فلانا
فارقته [* (وتشاور) *] التشاور: استخراج الرأي بالمشاورة. والفصال بالتراضي قبل
الحولين، أو قبلهما وبعدهما. * (تسترضعوا) * لأولادكم بحذف [اللام اكتفاء بأن
الاسترضاع لا يكون إلا للولد] وهذا عند امتناع الأم من رضاعه * (سلمتم) *
إلى الأمهات أجر رضاعهن قبل امتناعهن، أو سلمتم الأولاد إلى المرضعة
يرضى الأبوين، أو سلمتم إلى الظئر أجرها.
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن
أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملونه خبير (234)) *
234 - * (أربعة أشهر وعشرا) * زيدت العشر لأن الروح تنفخ فيها قاله ابن
226

المسيب، وأبو العالية، وفي وجوب الإحداد فيها قولان: قال الرسول صلى الله عليه وسلم
لأسماء بنت عميس لما أصيب جعفر بن أبي طالب: ' تسلبي ثلاثا ثم
اصنعي ما شئت ' * (فلا جناح عليكم فيما فعلن) * أي في تزوجكم بهن، أو
227

سقط عنكم الإنكار عليهن إذا تزوجن بعد الأجل. * (بالمعروف) * بالنكاح
المباح، أو بالطيب والزينة والانتقال من المسكن نسخت هذه لقوله تعالى:
* (والذين يتوفون) * [240] وتقدم الناسخ على المنسوخ، لأن القارئ إذا
وصل إلى الناسخ واقتصر عليه أجزأه.
* (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله
أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا
عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموآ أن الله يعلم ما في أنفسكم
فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم (235)) *
235 - * (عرضتم) * الإشارة بالكلام إلى ما ليس له فيه ذكر، كقوله ما
عليك أيمة، ورغب راغب فيك، ولعل الله أن يسوق إليك خيرا * (خطبة) *
طلب النكاح، والخطبة: الكلام الذي يتضمن الوعظ الإبلاغ * (أكننتم) * سترتم.
228

* (سرا) * زنا، أو الجماع، أو قوله: ' لا تفوتيني نفسك ' / أو نكاحها في العدة
سرا، أو أخذه ميثاقها أن لا تنكح غيره. * (قولا معروفا) * هو التعريض. * (ولا تعزموا عقدة) * على عقدة يريد التصريح * (الكتاب أجله) * فرض الكتاب، أو أراد
بالكتاب الفرض تشبيها بكتاب الدين.
* (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على
الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين (236) وإن طلقتموهن
من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو
يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم
إن الله بما تعملون بصير (237)) *
236 - * (أو تفرضوا) * بمعنى ' ولم تفرضوا ' أو ' فرضتم أو لم تفرضوا '
فحذف فرضتم. * (فريضة) * صداقا، سمي بذلك، لأنه أوجبه على نفسه، وأصل
الفرض الواجب * (ومتعوهن) * بمال ينتفعن به بقدر نصف صداق المثل، أو
يقدرها الحاكم باجتهاده، أو خادم ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة وهي
229

واجبة لكل مطلقة، أو لغير المدخول بها إذا لم يسم لها صداقا، أو لكل مطلقة
إلا غير المدخول بها، أو هي مندوب إليها.
237 - * (فنصف ما فرضتم) * فلكم استرجاعه، أو فهو لهن ليس عليكم
غيره. * (إلا أن يعفون) * ليكون مرغبا للأزواج في خطبتها. * (الذي بيده عقدة النكاح) * الولي، أو الزوج، أو أبو البكر. * (وأن تعفوا) * أيها الأزواج أو
الأزواج والزوجات. * (للتقوى) * إلى اتقاء المعاصي، أو إلى أن يتقي كل واحد
منهما ظلم الآخر.
* (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (238) فإن خفتم فرجالا
أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون (239)) *
238 - * (حافظوا على الصلوات) * بذكرها، أو تعجيلها. * (الوسطى) *
خصت بالذكر لانفرادها بالفضل، وهي العصر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ' حبسونا عن
الصلاة الوسطى. صلاة العصر '، أو الظهر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصليها.
230

بالهاجرة فلم يكن على الصحابة أشد منها فنزلت، لأن قبلها صلاتين وبعدها
صلاتين، أو المغرب لتوسط عددها، وأنها لا تقصر، أو الصبح، لقوله - تعالى
- * (وقوموا لله قانتين) * ولا قنوت في غيرها، أو هي مبهمة في الخمس غير
معينة ليكون أبلغ في المحافظة على جميعها * (قانتين) * القنوت من الدوام على
أمر واحد، أو من الطاعة، أو من الدعاء يريد طائعين، أو ساكتين عن منهي
الكلام، أو خاشعين عن العبث والتلفت، أو داعين، أو طول القيام، أو القراءة.
239 - * (رجالا) * جمع راجل كقائم وقيام، ولا يغير الخوف عدد الصلاة
عند الجمهور، وقال الحسن: ' صلاة الخوف ركعة ' وفي وجوب قضائها مذهبان
* (فاذكروا الله) * فصلوا كما علمكم، أو فاذكروه بحمده، والثناء عليه * (كما علمكم) * من أمر دينكم * (ما لم تكونوا تعلمون) *.
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير
إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف
والله عزيز حكيم (240) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين (241)
كذلك بين الله لكم آياته لعلكم تعقلون (242)) *
240 - * (والذين يتوفون) * نسخت الوصية بآية المواريث، والحول بأربعة
231

أشهر وعشر.
241 - * (وللمطلقات متاع) * كل مطلقة، أو الثيب المجامعة، أو لما
نزل * (حقا على المحسنين) * [236] قال رجل: ' إن أحسنت فعلت / وإن لم أر
ذلك لم أفعل فنزل * (حقا على المتقين) * وخصوا بالذكر تشريفا.
* (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله
موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا
يشكرون (243) وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم (244) من ذا الذي
يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه
ترجعون (245)) *
243 - * (ألوف) * مؤتلفو القلوب، أو ألوف في عددهم أربعة آلاف أو
ثمانية آلاف أو بضعة وثلاثون ألفا، أو أربعون ألفا، والألوف تستعمل فيما زاد
على عشرة آلاف. * (حذر الموت) * فروا من الجهاد، أو من الطاعون إلى أرض
لا طاعون بها فلما خرجوا ماتوا، فمر بهم نبي فدعا أن يحيوا فأجيب. * (فقال لهم الله موتوا) * عبر عن الإماتة بالقول، كما يقال: قالت السماء فمطرت، أو
قال قولا سمعته الملائكة، وإحياؤهم معجزة لذلك النبي.
245 - * (قرضا حسنا) * في الجهاد، أو أبواب البر. * (أضعافا كثيرة) *
سبعمائة ضعف، أو ما لا يعلمه إلا الله. * (يقبض ويبسط) * في الرزق، أو
232

* (يقبض) * الصدقات * (ويبسط) * الجزاء.
* (ألم تر إلى الملإ من بني إسرآءيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا
نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا
قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنآئنا فلما كتب
عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين (246)) *
246 - * (الملا) * الأشراف. * (لنبي لهم) * سمويل، أو يوشع بن نون،
أو سمعون، سمته أمه بذلك لأن الله - تعالى - سمع دعاءها فيه، طلبوا ذلك
لقتال العمالقة، أو الجبارين الذين استذلوهم.
* (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له
الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله
اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من
233

يشاء والله واسع عليم (247)) *
247 - * (طالوت) * لم يكن من سبط النبوة ولا المملكة. * (بسطة) * زيادة
في العلم، وعظما في الجسم، كانا قبل الملك، أو زاده ذلك بعد الملك.
* (واسع) * الفضل، أو موسع على خلقه، أو ذو سعة.
* (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من
ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في
ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين (248)) *
248 - * (سكينة) * ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان، أو طست ذهب من
الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، أو روح من الله تتكلم، أو ما تعرفونه من
الآيات فتسكنون إليه، أو الرحمة، أو الوقار. * (وبقية) * عصا موسى عليه الصلاة
والسلام، ورضاض الألواح، أو العلم، أو التوراة، أو الجهاد في سبيل الله -
تعالى -، أو التوراة وشئ من ثياب موسى عليه الصلاة والسلام، كان قدر
234

التابوت ثلاثة أذرع في ذراعين * (تحمله الملائكة) * بين السماء والأرض يرونه
عيانا، ويقال نزل آدم - عليه الصلاة والسلام - بالتابوت والركن. وكان التابوت
بأيدي العمالقة غلبوا عليه بني إسرائيل، أو كان ببرية التيه خلفه بها يوشع بن
نون، وقيل إن التابوت وعصا موسى - عليه الصلاة والسلام - في بحيرة الطبرية،
وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة.
* (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس
مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا
منهم فلما جاوزه هو والذين ءامنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت
وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت
فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين (249)) *
249 - * (بنهر) * نهر بين الأردن وفلسطين، أو نهر فلسطين ابتلوا به لشكايتهم
قلة الماء وخوف العطش. * (مني) * من أهل ولايتي. * (غرفة) * الفعل والغرفة اسم
المغروف. * (قليلا) * ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر، ومن استكثر منه عطش.
* (جاوزه) * مع المؤمنين والكافرين ثم انخزلوا عن المؤمنين، وقالوا: لا طاقة لنا
اليوم بجالوت /، أو لم يجاوزه إلا مؤمن. * (قالوا لا طاقة) * قاله الكفار المنخزلون،
أو من قلت نصرته من المؤمنين. * (يظنون) * يوقنون، أو يتوقعون * (أنهم ملاقوا الله) *
235

بالقتل في تلك الواقعة. * (مع الصابرين) * بالنصر والمعونة.
* (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنآ أفرغ علينا صبرا وثبت
أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (250) فهزموهم بإذن الله وقتل
داود جالوت وءاتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا
دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو
فضل على العالمين (251) تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك
لمن المرسلين (252) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع
بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء
الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جآءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من
ءامن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد (253) يا أيها
الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة
والكافرون هم الظالمون (254)) *
251 - * (فهزموهم بإذن الله) * بنصر الله، أضاف الهزيمة إليهم تجوزا لأنهم
بالإلجاء إليها صاروا سببا لها. * (وقتل داود جالوت) * رماه بحجر بين عينيه
فخرج من قفاه فقتل جماعة من عسكره، وكان نبيا قبل قتله لوقوع هذا الخارق
على يديه، أو لم يكن نبيا، لأنه لا يجوز أن يولى على النبي من ليس بنبي.
* (الملك) * السلطان. * (والحكمة) * النبوة. * (وعلمه مما يشاء) * قيل صنعة
الدروع، والتقدير في السرد. * (دفع الله) * الهلاك عن البر بالفاجر، أو يدفع
236

باللطف للمؤمن وبالرعب في قلب الكافر. * (لفسدت الأرض) * لعم فسادها.
* (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض
من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء
من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي
العظيم (255)) *
255 - * (الحي) * ذو الحياة، أو تسمى به لتصريفه الأمور وتقديره الأشياء،
أو اسم تسمى به فيقبل تسليما لأمره. * (القيوم) * القائم بتدبير الخلق، أو القائم
على كل نفس بما كسبت فيجزيها بما علمه منها، أو القائم الموجود، أو العالم
بالأمور، قام فلان بالكتاب إذا كان عالما به، أو أخذ من الاستقامة. * (سنة) *
نعاس، والنعاس ما كان في العين، فإذا صار في القلب صار نوما. * (ما بين أيديهم) * الدنيا * (وما خلفهم) * الآخرة. * (كرسيه) * علمه، أو العرش، أو سرير
دون العرش، أو موضع القدمين، أو الملك، وأصل الكرسي: العلم ومنه
الكراسة، والعلماء كراس، لأنه يعتمد عليهم كما قيل: أوتاد الأرض. * (ولا يؤوده) * لا يثقله إجماعا، والضمير عائد إلى الله تعالى أو إلى الكرسي.
* (العلي) * بالاقتدار، ونفوذ السلطان، أو العلي: عن الأشباه والأمثال.
* (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله
فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم (256)) *
256 - * (لا إكراه في الدين) * في الكتابي إذا بذل الجزية، أو نسخت
237

بفرض القتال، أو كانت المقلاة - من الأنصار - تنذر إن عاش لها ولد أن تهوده
رجاء لطول عمره، وذلك قبل الإسلام، فلما أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم بني النضير
وفيهم أولاد الأنصار، قالت الأنصار كيف نصنع بأبنائنا فنزلت قاله ابن عباس
- رضي الله تعالى عنهما - * (بالطاغوت) * الشيطان، أو الساحر، أو الكاهن، أو
الأصنام، أو مردة الإنس والجن، أو كل ذي طغيان على الله - تعالى - عبده من
دونه بقهر منه أو بطا [عة] إنسانا كان أو صنما. * (بالعروة) * الإيمان بالله
تعالى. * (لا انفصام) * لا انقطاع، أو لا انكسار، أصل الفصم الكسر.
* (الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليآؤهم
الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون (257)) *
257 - * (من الظلمات) * الضلالة إلى الهدى. * (من النور إلى الظلمات) * /
نزلت في مرتدين، أو في كافر أصلي، لأنهم بمنعهم من الإيمان كأنهم
أخرجوهم منه.
* (ألم تر إلى الذي حآج إبراهيم في ربه أن ءاتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي
الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من
238

المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (258)) *
258 - * (الذي حاج إبراهيم) * - عليه الصلاة والسلام -: النمروذ بن كنعان أول من
تجبر في الأرض وادعى الربوبية. * (آتاه الله الملك) * الضمير لإبراهيم - عليه
الصلاة والسلام -، أو لنمروذ. * (أحيي وأميت) * أترك من لزمه القتل، وأقتل بغير
سبب يوجب القتل. عارض اللفظ بمثله، وعدل عن اختلاف الفعلين، فلذلك
عدل إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - إلى حجة أخرى لظهور فساد ما عارض
به، أو عدل عما شغب به إلى ما لا إشغاب فيه، استظهارا عليه. * (فأت بها من
المغرب) * لم يعارضه نمروذ بأن يأتي بها ربه، لأن [الله] خذله بالصرفة عن
ذلك، أو علم أنه لو طلب ذلك لفعل لما رآه من الآيات فخاف ازدياد
الفضيحة. * (فبهت) * تحير، أو انقطع.
* (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها
فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل
لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك
ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم
نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير (259)) *
259 - * (كالذي مر) * عزيز، أو أرميا، أو الخضر. * (قرية) * بيت المقدس
لما خربه بختنصر، أو القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت. * (خاوية) *
خراب، أو خالية من الخواء وهو الخلو، ومنه خوت الدار، والخواء الجوع
239

لخلو البطن. * (عروشها) * العروش البناء. * (يحيي هذه الله) * بالعمارة * (بعد موتها) * بالخراب. * (يوما أو بعض يوم) * قال ذلك، لأنه مات أول النهار،
وعاش بعد المائة آخر النهار فقال: يوما، ثم رأى بقية الشمس فقال: أو بعض
يوم. * (لم يتسنه) * لم يأت عليه السنون فيتغير، أو لم يتغير بالأسن.
* (ننشرها) * نحييها، من نشر الثوب، لأن الميت كالثوب المطوي، لانقباضه عن
التصرف فإذا عاش فقد انتشر بالتصرف. * (ننشزها) * نرفع بعضها إلى بعض،
النشز المكان المرتفع، نشزت المرأة لارتفاعها عن طاعة زوجها، قاله ملك،
أو نبي، أو بعض المعمرين ممن شاهد موته وحياته.
* (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن
قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم
أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله غزيز حكيم (260)) *
260 - * (وإذ قال إبراهيم رب أرني) * لما حاجه نمروذ في الإحياء، أو
رأى جيفة تمزقها السباع. * (أو لم تؤمن) * ألف إيجاب.
* ألستم خير من ركب المطايا
*
240

* (ليطمئه قلبي) * بعلم المشاهدة بعد علم الاستدلال من غير شك.
* (أربعة) * ديك، وطاووس، وغراب، وحمام. * (صرهن) * بالضم والكسر واحد
ضمهن إليك، أو قطعهن فيتعلق إليك بخذ. * (على كل جبل) * أربعة أجبال، أو
سبعة، أو كل جبل.
* (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل
سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم (261)) *
261 - * (في سبيل الله) * الجهاد، أو أبواب البر كلها، فالنفقة في الجهاد
بسبعمائة ضعف، وفي غيره بعشرة أمثاله، أو تجوز مضاعفتها / بسبعمائة.
* (واسع) * لا يضيق عن الزيادة * (عليم) * بمستحقها، أو * (واسع) * الرحمة لا
يضيق عن المضاعفة * (عليم) * بالنفقة.
* (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولآ أذى لهم أجرهم
عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (262) قول معروف ومغفرة خير من
صدقة يتبعهآ أذى والله غني حليم (263) يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم
بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئآء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله
كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما
كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين (264)) *
262 - * (منا) * كقوله: أحسنت إليك ونعشتك. * (أذى) * كقوله: من أبلاني
بك وأنت أبدا فقير. * (ولا خوف عليهم) * في ثواب الآخرة، أو من أهوالها.
241

263 - * (قول معروف) * حسن * (ومغفرة) * وعفو عن أذى السائل، أو سلامة
عن المعصية.
264 - * (لا تبطلوا) * فضل صدقاتكم دون ثوابها، بخلاف المرائي فإنه لا
ثواب له، لأنه لم يقصد وجه الله تعالى. * (صفوان) * جمع صفوانه وهي حجر
أملس. والوابل: المطر الشديد الواقع. والصلد: من الحجارة ما صلب، ومن
الأرض: ما لم ينبت تشبيها بالحجر. * (شيء مما كسبوا) * أنفقوا، لما طلبوا بها
الكسب سميت كسبا، وهو مثل المرائي في بطلان ثوابه، والمان في بطلان فضله.
* (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل
جنة بربوة أصابها وابل فئاتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله
بما تعملون بصير (265)) *
265 - * (وتثبيتا من أنفسهم) * أين يضعون الصدقة، أو توطينا لها بالثبوت
على الطاعة، أو بقوة اليقين، ونصرة الدين. * (بربوة) * مكان مرتفع، نبتها
أحسن، وريعها أكثر. * (أكلها) * الأكل للطعام. * (ضعفين) * مثلين، ضعف
الشيء: مثله زائدا عليه، وضعفاه: مثلاه زائدا عليه عند الجمهور، أو ضعف
الشيء: مثلاه.
* (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له
فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابهآ إعصار فيه نار
فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (266)) *
266 - * (إعصار) * ريح تهب من الأرض إلى السماء كالعمود، لأنها تلتف
كالتفاف الثوب المعصور، وتسميها العامة ' الزوبعة ' قال:
242

* إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
*
مثل لانقطاع أجر المرائي عند حاجته، أو مثل للمفرط في الطاعة بملاذ
الدنيا، أو للذي يختم عمله بفساد. قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
* (يا أيها الذين ءامنوآ أنفقوا من طيبات ما كسبتم وممآ أخرجنا لكم من الأرض ولا
تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بئاخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني
حميد (267) الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشآء والله يعدكم مغفرة
منه وفضلا والله واسع عليم (268) يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة
فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب (269)) *
267 - * (أنفقوا) * الزكاة المفروضة، أو التطوع. * (كسبتم) * من الذهب
والفضة، أو من التجارة. * (أخرجنا لكم من الأرض) * من الزروع والثمار * (ولا تيمموا) * الخليل: ' أممته: قصدت أمامه، ويممته: تعمدته من أي جهة كان '،
أو هما سواء. * (الخبيث) * حشف كانوا يجعلونه في تمر الصدقة، أو الحرام،
والخبيث: الرديء من كل شيء. * (تغمضوا) * تتساهلوا، أو تحطوا في الثمن أو
إلا أن يوكس.
269 - * (الحكمة) * الفقه في القرآن، أو العلم بالدين، أو الفهم أو النبوة،
243

أو الخشية، أو الإصابة، أو الكتابة.
* (ومآ أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من
أنصار (270) إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو
خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعلمون خبير (271)) *
271 - * (فنعما هي) * ليس في إبدائها كراهة. * (وإن تخفوا) * صدقة
التطوع، أو الفرض والتطوع. * (من سيئاتكم) * من ' زائدة ' أو للتبعيض، لأن
الطاعة بغير التوبة لا تكفر إلا الصغائر.
* (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير
فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف
إليكم وأنتم لا تظلمون (272) للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا
يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف
تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله
به عليم (273) الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم
أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (274)) *
273 - * (للفقراء) * فقراء المهاجرين. * (أحصروا) * امتنعوا من المعاش
خوف الكفار، أو منعهم الكفار بخوفهم منهم. * (ضربا) * تصرفا أو تجارة.
* (بسيماهم) * بخشوعهم، أو فقرهم، * (إلحافا) * / إلحاحا في السؤال.
244

274 - * (الذين ينفقون) * نزلت في علي - رضي الله تعالى عنه - كان معه
أربعة دنانير فأنفقها على هذا الوجه، أو في النفقة على خيل الجهاد، أو في
كل نفقة طاعة.
* (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
ذلك بأنهم قالوآ إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جآءه موعظة
من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون (275) يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم (276) إن
الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند
ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (277)) *
275 - * (يأكلون) * يأخذون، عبر به عن الأخذ، لأنه الأغلب والربا:
الزيادة على الدين لمكان الأجل، ربا السويق زاد. * (لا يقومون) * من قبورهم
يوم القيامة. * (يتخبطه) * يتخنقه الشيطان في الدنيا. * (من المس) * وهو الجنون،
وذلك لغلبة السوداء، فنسب إلى الشيطان تشبيها بما يفعله من إغوائه به، أو هو
فعل للشيطان، لجوازه عقلا، وهو ظاهر القرآن. * (إنما البيع) * قالته ثقيف،
وكانوا من أكثر العرب ربا. * (ما سلف) * ما أكل من الربا لا يلزمه رده.
276 - * (يمحق الله الربا) * ينقصه شيئا بعد شيء، من محاق الشهر،
245

لنقصان الهلال فيه. * (ويربي الصدقات) * يضاعف أجرها وعدا منه واجبا، أو
ينمي المال الذي أخرجت منه
* (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم
تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون
ولا تظلمون (279) وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم
إن كنتم تعلمون (280) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما
كسبت وهم لا يظلمون (281)) *
278 - * (وذروا ما بقي) * نزلت في بقية من الربا للعباس ومسعود وعبد يا ليل
وحبيب وربيعة. * (إن كنتم مؤمنين) * على ظاهره، أو من كان مؤمنا فهذا حكمه.
246

279 - * (لا تظلمون) * بأخذ زيادة على رأس المال. * (ولا تظلمون) *
بنقص رأس المال.
280 - * (فنظرة) * يجب الإنظار في دين الربا خاصة، أو في كل دين، أو الإنظار
في دين الربا بالنص وفي غيره بالقياس. * (ميسرة) * أن يوسر عند الأكثر، أو الموت -
عند إبراهيم * (وأن تصدقوا) * على المعسر بالإبراء خير من الإنظار.
281 - * (إلى الله) * إلى جزائه، أو ملكه. * (ما كسبت) * من الأعمال،
أو الثواب والعقاب. * (لا يظلمون) * بنقص ما يستحقونه من الثواب، ولا بالزيادة
على ما يستحقونه من العقاب، هذه آخر آية نزلت، وقال ابن جريج: ' مكث
الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها تسع ليال '.
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم
247

كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل
الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق
سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين
من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن
تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسئموآ أن
تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذالكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا
ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا
تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضآر كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه
فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم (282)) *
282 - * (تداينتم) * تجازيتم، أو تعاملتم، * (فاكتبوه) * ندب، أو فرض.
* (فليكتب) * فرض كفاية على الكاتب، أو واجب في حال فراغه، أو ندب، أو نسخ
بقوله - تعالى - * (ولا يضار كاتب) * * (ولا يبخس) * (لا ينقص) * (سفيها) * لا يعرف
الصواب في إملاء ما عليه، أو الطفل، أو المرأة والصبي، أو المبذر لماله المفسد
لدينه. * (ضعيفا) * أحمق، أو عاجزا عن الإملاء، لعي، أو خرس. * (لا يستطيع) *
لعيه وخرسه، أو لجنونه، أو لحبسه، أو غيبته. * (وليه) * ولي الحق، أو ولي من
عليه الدين. * (واستشهدوا) * ندب، أو فرض كفاية. * (ترضون) * الأحرار المسلمون
العدول، أو المسلمون العدول وإن كانوا أرقاء. * (فتذكر) * / من الذكر، أو بجعلها
كذكر من الرجال * (دعوا) * لتحملها وكتابتها، أو لأدائها، أولهما وذلك ندب، أو
248

فرض كفاية، أو فرض عين. * (ولا تسأموا) * لا تملوا * (صغيرا) * لا يراد به التافه
الحقير كالدانق لخروجه عن العرف. * (أقسط) * أعدل. * (وأقوم) * وأصح من
الاستقامة. * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * فرض، أو ندب. * (ولا يضار كاتب) * بأن يكتب
ما لم يمل عليه، ولا يشهد الشاهد بما لم يستشهد، أو يمنع الكاتب أن يكتب
والشاهد أن يشهد، أو يدعيان وهما مشغولان. * (فسوق) * معصية، أو كذب.
* (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد
الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه ءاثم
قلبه والله بما تعملون عليم (283)) *
283 - * (* (آثم قلبه) * فاجر، أو مكتسب لإثم الكتمان.
* (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به
الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير (284)) *
284 - * (لله ما في السماوات) * له تدبير ذلك، أو ملكه. * (وإن تبدوا ما في
أنفسكم أو تخفوه) * كتمان الشهادة، أو ما حدث به نفسه من سوء أو معصية،
فنسخت بقوله تعالى * (ربنا لا تؤاخذنا) * (إلي) * (الكافرين) *، أو هي محكمة
فيؤاخذ الإنسان بما أضمره إلا أن [الله] يغفره للمؤمن فيؤاخذ به الكافر، أو
هي عامة في المؤاخذة بما أضمره، أو هي عامة ومؤاخذة المسلم بمصائب الدنيا.
249

* (ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه
ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك
المصير (285) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا
تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على
الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت
مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (286)
285 - * (وكتابه) * القرآن، أو جنس الكتب. * (لا نفرق) * لا نؤمن ببعض
ونكفر ببعض. * (غفرانك) * نسألك غفرانك، وإلى جزائك المصير.
286 - * (وسعها) * طاقتها * (كسبت) * من الحسنات * (اكتسبت) * من
السيئات. * (نسينا) * أمرك أو تركناه * (أخطأنا) * أصبنا من المعاصي بالشبهات،
أو تعمدنا. * (إصرا) * عهدا نعجز عن القيام به، أو لا تمسخنا قردة وخنازير، أو
أو الذنب الذي لا توبة له ولا كفارة، أو الثقل العظيم. * (الذين من قبلنا) * بنو
إسرائيل فيما حملوه من قتل أنفسهم. * (لا طاقة لنا به) * من العذاب، أو مما
كلفته بنو إسرائيل. * (مولانا) * ولينا وناصرنا.
250

((سورة آل عمران))
((مدنية اتفاقا))
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ألم (1) الله لا إله إلا هو الحي القيوم (2) نزل عليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه
وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله
لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (4) إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في
السماء (5) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز
الحكيم (6)
3 - * (بالحق) * (بالصدق) * (مصدقا لما بين يديه) * يخبر عما قبله خبر صدق
دال على إعجازه، أو يخبر بصدق الأنبياء فيما أتوا به.
* (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين
في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله
والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب (7) ربنا لا
تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (8) ربنا إنك جامع
الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد (9)) *
37 - * (محكمات) * المحكم: الناسخ، والمتشابه: المنسوخ، أو
251

المحكم: ما أحكم بيان حلاله وحرامه فلم يشتبه، والمتشابه: ما اشتبهت
معانيه، أو المحكم: ما لا يحتمل إلا وجها واحدا والمتشابه: ما احتمل
أوجها، أو المحكم: ما لم يتكرر لفظه، المتشابه ما تكرر لفظه، أو المحكم: ما فهمه العلماء، والمتشابه ما لا طريق لهم إلى فهمه، كقيام
الساعة، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وطلوع الشمس من مغربها،
وجعله محكما ومتشابها استدعاء للنظر من غير اتكال على الخبر. / * (أم الكتاب) * آيات الفرائض والحدود، أو فواتح السور التي يستخرج منها
القرآن. * (زيغ) * ميل عن الحق، أو شك. * (ما تشابه منه) * الأجل الذي
أرادت اليهود [أن] تعرفه من حساب الجمل، أو معرفة عواقب القرآن
في العلم بورود النسخ قبل وقته، أو نزلت في وفد نجران حاجوا
الرسول صلى الله عليه وسلم في المسيح عليه الصلاة والسلام فقالوا للرسول: أليس هو
كلمة الله - تعالى - وروحه، فقال: بلى، فقالوا: حسبنا. * (الفتنة) *
الشرك، أو اللبس، أو الشبهة التي حاج بها وفد نجران. * (وما يعلم تأويله) *
تأويل جميع المتشابه، لأن في الناس من يعلم تأويل بعضه، أو يوم القيامة
لما فيه من الوعد والوعيد. * (الراسخون) * الثابتون العاملون.
* (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود
252

النار (10) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله
شديد العقاب (11)) *
11 - * (كدأب آل فرعون) * كعادتهم في تكذيب الحق، أو في العقوبة على
ذنوبهم.
* (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد (12) قد كان
لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم
مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي
الأبصار (13)) *
12 - * (ستغلبون) * نزلت في قريش قبل بدر بسنة فأنجز الله - تعالى -
وعده بمن قتل ببدر، أو في يهود بني قينقاع لما حذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما نزل
بأهل بدر، قالوا: لسنا بقريش الأغمار، أو نزلت في عامة الكفار. * (المهاد) *
ما مهدوه لأنفسهم، أو القرار.
13 - * (فئة تقاتل في سبيل الله) * المؤمنون ببدر. * (وأخرى كافرة) *
253

قريش. * (يرونهم) * كان المؤمنون ثلاثمائة وبضعة عشر، والكفار ألف، أو ما
بين تسعمائة إلى ألف، فرأى المؤمنون الكافرين مثلي عدد المؤمنين تقوية
من الله - لقلوبهم، أو رأى الكافرون المؤمنين مثلي عددهم إضعافا من الله -
تعالى - لقلوبهم.
* (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب
والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله
عنده حسن المئاب (14) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم
جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله
والله بصير بالعباد (15)) *
14 - * (زين للناس) * حسن. والشهوة: من خلق الله - تعالى -
ضرورية لا يقدر العبد على دفعها، زينها الشيطان، لأن الله - تعالى -
ذمها، أو زينها الرب بما جعله في الطبع من المنازعة إليها، أو زين الله
- تعالى - ما حسن وزين الشيطان ما قبح. * (القناطير) * القنطار: ألف
ومائتا أوقية وهو مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو ألف دينار ومائتا دينار،
عن
254

الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا، أو اثنا عشر ألف درهم، أو ألف دينار، أو ثمانون ألفا،
من الدراهم، أو مائة رطل من الذهب، أو سبعون ألفا، أو ملء مسك ثور
ذهبا، أو المال الكثير. * (المقنطرة) * المقنطرة: المضاعفة، أو تسعة قناطر، أو
المضروبة دراهم أو دنانير، أو المجعولة كذلك، لقولهم: ' دراهم مدرهمة '.
* (المسومة) * الراعية، أو الحسنة، أو المعلمة، أو المعدة للجهاد، أو من السيما
مقصور وممدود. * (والأنعام) * الإبل، والبقر / والغنم، ولا يفرد بعضها باسم النعم
إلا الإبل. * (والحرث) * الزرع.
* (الذين يقولون ربنآ إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (16) الصابرين
والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار (17)) *
17 - * (الصابرين) * عن المعاصي، أو الصائمين. * (والقانتين) * المطيعون،
أو القائمون على العبادة. * (والمنفقين) * في الجهاد، أو في جميع البر.
* (والمستغفرين) * المصلون، أو سائلو المغفرة بقولهم، أو الذين يشهدون الصبح
في جماعة، والسحر من الليل: قبل الفجر.
* (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قآئما بالقسط لا إله إلا هو العزيز
الحكيم (18) إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا
من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بئايات الله فإن الله سريع
255

الحساب (19) فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب
والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله
بصير بالعباد (20)) *
18 - * (شهد الله) * أخبر، أو فعل ما يقوم مقام الشهادة. وشهادة الملائكة،
وأولو العلم بما شاهدوه من دلائل الوحدانية * (بالقسط) * العدل.
19 - * (الدين) * هنا الطاعة أي طاعته هي الإسلام، من السلامة، لأنه يقود
إليها، أو من التسليم، لأمره في العمل بطاعته. * (الذين أوتوا الكتاب) * اليهود،
أو النصارى، أو أهل الكتب كلها. * (بغيا) * عدول عن الحق بغير عناد.
20 - * (أسلمت) * انقدت. * (وجهي) * نفسي، انقدت بإخلاص التوحيد.
* (الأميين) * الذين لا كتاب لهم، من الأمي الذي لا يكتب،
قال ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما - ' هم مشركو العرب '. * (أأسلمتم) * أمر ليس
باستفهام.
* (إن الذين يكفرون بئايات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين
يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم (21) أولئك الذين
حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين (22)) *
21 - * (يقتلون النبيين) *
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ' قتلت بنو إسرائيل ثلاثة
وأربعين نبيا أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا عشر رجلا من عبادهم
256

فأمروا القاتلين بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعا آخر ذلك
اليوم.
* (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى
فريق منهم وهم معرضون (23) ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في
دينهم ما كانوا يفترون (24) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل
نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (25)) *
23 - * (نصيبا) * حظا، لأنهم لم يعلموا الكل. * (إلى كتاب الله) * التوراة،
أو القرآن لموافقته التوراة. * (ليحكم بينهم) * في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو إن الإسلام
دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أو في حد من الحدود.
24 - * (أياما معدودات) * الأربعون التي عبدوا فيها العجل، أو سبعة أيام،
أو أيام منقطعة لانقضاء العذاب فيها. * (ما كانوا يفترون) * بقولهم: * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * [المائدة: 18] أو قولهم: * (لن تمسنا النار) *.
* (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشآء وتنزع الملك ممن تشآء وتعز من تشآء
257

وتذل من تشآء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير (26) تولج الليل في النهار وتولج النهار
في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشآء بغير
حساب (27) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس
من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله
المصير (28) قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما
في الأرض والله على كل شيء قدير (29) يوم تجد كل نفس ما عملت من خير
محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه
والله رؤوف بالعباد (30) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم
والله غفور رحيم (31) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (32)) *
26 - * (مالك) * مالك الدنيا والآخرة، أو مالك العباد وما ملكوه، أو مالك
النبوة * (تؤتي الملك) * النبوة، أو السلطان. دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يجعل الله -
تعالى - ملك فارس والروم في أمته فنزلت * (بيدك الخير) * خص بالذكر، لأنه
المعروف من فعله.
27 - * (تولج الليل في النهار) * تجعل كل واحد منهما بدلا من الآخر، أو
تدخل نقصان كل واحد منهما في زيادة الآخر. * (وتخرج الحي) * الحيوان من
النطفة، والنطفة من الحيوان، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، الميت
258

والميت واحد، أو الميت الذي مات وبالتشديد الذي لم يمت.
* (إن الله اصطفىءادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (33) ذرية بعضها من
بعض والله سميع عليم (34)) *
33 - * (آل عمران) * موسى وهارون، أو المسيح - عليهم الصلاة والسلام
لأن أمه بنت عمران، اصطفاهم بالنبوة، أو بتفضيلهم على أهل زمانهم، أو
باختيار دينهم لهم.
34 - * (بعضها من بعض) * بالتناصر دون النسب، أو بالنسب، لأنهم من
ذرية آدم ثم من ذرية نوح ثم من ذرية إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام -.
* (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع
العليم (35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتهآ أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر
كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (36)) *
35 - * (محررا) * مخلصا للعبادة، أو خادما للبيعة، أو عتيقا من أمر الدنيا
لطاعة الله - تعالى -.
36 - * (وضعتها أنثى) * اعتذرت بذلك لعدوله عن نذرها. * (وليس الذكر كالأنثى) * إذ لا تصلح لخدمة بيت المقدس، ولصيانتها عن التبرج. * (وإني أعيذها) * من طعن الشيطان الذي يستهل به المولود، أو من إغوائه * (الرجيم) *
المرجوم بالشهب.
* (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا
259

المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من
يشاء بغير حساب (37)) *
37 - * (فتقبلها) * رضيها في النذر. * (وأنبتها) * أنشأها إنشاء حسنا في
غذائها وحسن تربيتها. * (المحراب) * أكرم موضع في المجلس. * (رزقا) * فاكهة
الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، أو لم تلقم ثديا حتى تكلمت في
المهد، وكان يأتيها رزقها من الجنة، وكان ذلك بدعوة زكريا - عليه الصلاة
والسلام -. أو توطئة لنبوة المسيح عليه الصلاة والسلام * (من عند الله) *
يأتيها الله - تعالى - به أو بعض الأولياء، بتسخير الله تعالى * (إن الله يرزق من
يشاء) * من قول الله تعالى، أو من قول مريم - عليها السلام -.
* (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (38)
فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من
الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين (39) قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني
الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء (40) قال رب اجعل لي آية قال
ءايتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي
والإبكار (41)) *
38 - * (دعا زكريا ربه) * بإذنه له في ذلك، لأنه معجز فلا يطلب إلا بإذن،
أو لما رأى خرق العادة في رزق مريم طمع في الولد من عاقر فدعا * (طيبة) * (مباركة) * (سميع الدعاء) * مجيب الدعاء، لأن الإجابة بعد السماع.
39 - * (الملائكة) * جبريل - عليه السلام -، أو جماعة من الملائكة.
260

* (يحيي) * سماه الله - تعالى - ' يحيى ' قبل ولادته، قيل: لأنه حيا بالإيمان
* (بكلمة) * كتاب، أو بالمسيح، سمي بالكلمة، لأنه يهتدى به كما يهتدى
بكلام الله - تعالى -، أو لأنه خلق بالكلمة من غير أب. * (وسيدا) * حليما، أو
تقيا، أو شريفا، أو فقيها عالما، أو رئيسا على المؤمنين. * (وحصورا) * عنينا لا
ماء له، أو لا يأتي النساء، أو لم يكن له ما يأتي به النساء لأنه كان كالنواة.
40 - * (بلغني الكبر) *، لأنه بمنزلة الطالب له. * (عاقر) * لا تلد، وإنما قال
ذلك بعد البشارة تعجبا من قدرة الله - تعالى - وتعظيما لأمره، أو أراد [أن] يعلم
على أي حال يكون؟ بأن يردا إلى شبابهما، أو على حال الكبر.
41 - * (أيه) * علامة لوقت الحمل لتعجيل السرور به. * (رمزا) * تحريك
الشفتين، أو الإشارة أو الإيماء. * (واذكر ربك) * منع من الكلام ولم يمنع من
الذكر. * (بالعشي) * أصله الظلمة فسمي ما بعد الزوال عشيا لاتصاله بالظلام. /
والعشا: ضعف البصر. * (الإبكار) * من الفجر إلى الضحى أصله التعجيل، لأنه
تعجيل للضياء.
* (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء
العالمين (42) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين (43) ذلك من أنباء
الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما
كنت لديهم إذ يختصمون (44)) *
42 - * (اصطفاك) * لولادة المسيح، أو على عالمي زمانك. * (وطهرك) * من
الكفر، أو من أدناس الحيض والنفاس. * (واصطفاك) * تأكيد للاصطفاء [أو]
261

الأول للعبادة، والثاني لولادة المسيح عليه الصلاة والسلام.
43 - * (اقنتي) * أخلصي لربك، أو أديمي طاعته، أو أطيلي القيام في
الصلاة. * (واسجدي) * كان السجود في شرعهم مقدما على الركوع، أو ' الواو '
لا ترتيب فيها، فكلمتها الملائكة معجزة لزكريا عليه الصلاة والسلام، أو
توكيدا لنبوة المسيح - عليه الصلاة والسلام -، أصل السجود: الانخفاض
الشديد، والركوع: دونه. * (مع الراكعين) * افعلي كفعلهم، أو صلي في جماعة.
44 - * (أنباء الغيب) * البشارة بالمسيح - عليه الصلاة والسلام - أصل
الوحي: إلقاء المعنى إلى صاحبه، فيلقى إلى الرسل بالإنزال، وإلى النحل
بالإلهام، ومن بعض إلى بعض بالإشارة * (فأوحى إليهم) * [مريم: 11].
*..............
* أوحى لها القرار فاستقرت
*
* (يلقون أقلامهم) * قالوا نحن أحق بكفالتها، لأنها ابنة إمامنا وعالمنا وقال
زكريا: ' أنا أحق لأن خالتها عندي '، فاقترعوا على ذلك بأقلامهم وهي القداح -
فأصعد قلم زكريا في جرية الماء، وانحدرت أقلامهم مع الجرية، فقرعهم
فكفلها، أو كفلها زكريا بغير قرعة، ثم أصابتهم أزمة ضعف بها عن مؤنتها
فقال: ليأخذها أحدكم فتدافعوها فاقترعوا فقرعهم زكريا عليه الصلاة والسلام.
262

* (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها
في الدنيا والآخرة ومن المقربين (45) ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن
الصالحين (46) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما
يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (47) ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة
والإنجيل (48) ورسولا إلى بني إسرآءيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم
من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه
والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في
ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين (49) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل
لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون (50)
إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (51)) *
45 - * (المسيح) *، لأنه مسح بالبركة، أو مسح بالتطهير من الذنوب.
46 - * (المهد) * من التمهيد، تكلم فيه تبرئة لأمه، أو لظهور معجزته،
وكان في المهد نبيا، لظهور المعجزة، أو لم يكن حينئذ نبيا وكان كلامه تأسيسا
لنبوته. * (وكهلا) * حليما، أو كهلا في السن، والكهولة أربع وثلاثون سنة، أو
فوق حال الغلام ودون حال الشيخ، أخذ من القوة، اكتهل النبت إذا طال
وقوي، يريد يكلمهم كهلا بالوحي، أو يتكلم صغيرا بكلام الكهل في السن.
* (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن
أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52) ربنآ ءامنا بما أنزلت واتبعنا
الرسول فاكتبنا مع الشاهدين (53) ومكروا ومكر الله والله خير
263

الماكرين (54)) *
52 - * (أنصاري إلى الله) * مع الله، أو في السبيل إلى الله، أو من ينصرني
إلى نصر الله. * (الحواريون) * لبياض ثيابهم، أو كانوا قصارين يبيضون الثياب،
أو هم خواص الأنبياء، لنقاء قلوبهم من الحور، وهو شدة البياض، ومنه
الحواري من الطعام، استنصرهم ليمنعوه من قتل الذين أرادوا قتله، أو ليتمكن
من إقامة الحجة وإظهار الحق، أو ليميز المؤمن من الكافر.
53 - * (فاكتبنا مع الشاهدين) * ثبت أسماءنا مع أسمائهم لننال مثل
كرامتهم، أو صل ما بيننا وبينهم بالإخلاص على التقوى.
54 - * (ومكروا) * بالمسيح - عليه الصلاة والسلام -، ليقتلوه فمكر الله -
تعالى - بهم بالخيبة بإلقاء شبهه / على غيره، أو مكروا بإضمار الكفر ومكر الله
لمجازاتهم بالعقوبة، وذكر ذلك للازدواج، كقوله - تعالى - * (فاعتدوا عليه) *
[البقرة: 194] وأصل المكر الالتفاف، الشجر المتلف مكر، فالمكر احتيال
على الإنسان، لإلقاء المكروه به، والفرق بينه وبين الحيلة أنه لا يكون إلا
لقصد الإضرار، والحيلة قد تكون لإظهار ما يعسر من غير قصد إضرار.
* (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل
الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم
فيما كنتم فيه تختلفون (55) فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا
والآخرة وما لهم من ناصرين (56) وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات
فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين (57) ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر
الحكيم (58)) *
55 - * (متوفيك) * قابضك إلى السماء من غير وفاة بموت، أو وفاة نوم
264

للرفع إلى السماء، أو مميتك، أو فيه تقديم معناه: رافعك ومتوفيك بعد
ذلك. * (إلي) * إلى سمائي، أو كرامتي. * (ومطهرك) * بإخراجك من بينهم، أو
بمنعهم من قتلك. * (فوق الذين كفروا) * بالحجة، أو بالعز والغلبة.
* (الذين اتبعوك) * الذين آمنوا بك فوق الذين كذبوا عليك، أو النصارى
فوق، إذ النصارى أعز من اليهود فلا مملكة لليهود بخلاف الروم.
* (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (59) الحق
من ربك فلا تكن من الممترين (60) فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت
الله على الكاذبين (61) إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو
العزيز الحكيم (62) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين (63)) *
61 - * (فمن حاجك فيه) * الضمير لعيسى عليه الصلاة والسلام، أو للحق
[* (فقل تعالوا) *] المدعو للمباهلة نصارى نجران. * (نبتهل) * نلتعن، أو ندعو
بالهلاك.
*..............
* نظر الدهر إليهم فابتهل
*
أي دعا عليهم بالهلاك، لما نزلت أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بيد علي وفاطمة
وولديها - رضي الله تعالى عنهم - ثم دعاهم إلى المباهلة فقال بعضهم لبعض:
265

' إن باهلتموه اضطرم عليكم الوادي نارا فامتنعوا '.
* (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك
به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا
مسلمون (64)) *
64 - * (تعالوا) * خطاب لنصارى نجران، أو ليهود المدينة، * (أربابا) * هو
سجود بعضهم لبعض، أو طاعة الأتباع للرؤساء.
* (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم ومآ أنزلت التوراة والإنجيل إلا من
بعده أفلا تعقلون (65) هآأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما
266

ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (66) ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن
كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (67) إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه
وهذا النبي والذين ءامنوا والله ولي المؤمنين (68)) *
67 - * (ما كان إبراهيم) * لما اجتمعت اليهود والنصارى عند
الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت النصارى: لم يكن إبراهيم إلا نصرانيا، وقالت اليهود: لم
يكن إلا يهوديا فنزلت....
66 - * (حاججتم) * فيما وجدتموه في كتبكم، * (فلم تحاجون) * في شأن
إبراهيم * (والله يعلم) * شأنه وأنتم لا تعلمونه.
* (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما
يشعرون (69) يا أهل الكتاب لم تكفرون بئايات الله وأنتم تشهدون (70) يا أهل
الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون (71) وقالت طائفة من
أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم
يرجعون (72) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما
267

أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم (73)
يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم (74)) *
710 - * (وأنتم تشهدون) * بما يدل على صحة الآيات من كتابكم المبشر
بها، أو تشهدون بمثلها من آيات الآنبياء، أو تشهدون بما عليكم فيه الحجة.
71 - * (تلبسون الحق بالباطل) * الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد -
عليه الصلاة والسلام -، أو تحريف التوراة والإنجيل، أو الدعاء إلى إظهار
الإسلام أول النهار والكفر آخره، طلبا لتشكيك الناس فيه. * (وتكتمون) * صفة
محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعلمونها من كتبكم.
73 - * (ولا تؤمنوا إلا) * قاله اليهود بعضهم لبعض، أو قاله يهود خيبر
ليهود المدينة، نهوا عن ذلك لئلا يكون طريقا لعبدة الأوثان إلى تصديقه، أو
لئلا يعرفوا به فيلزمهم الدخول فيه. * (الهدى هدى الله) * أن لا يؤتى أحد
مثل ما أوتيتم أيها المسلمون فحذف: لا '، أو * (الهدى هدى الله) * / فلا
تجحدوا أ [ن] يؤتى * (أو يحاجوكم) * ولا تؤمنوا أن يحاجوكم إذ لا حجة
لهم، أو يكون ' أو ' بمعنى حتى تبعيدا كقولك ' لا يلقاه أو تقوم الساعة '
268

قاله الكسائي والفراء.
74 - * (برحمته) * النبوة، أو القرآن والإسلام، وهل تكون النبوة جزاء على
عمل، أو تفضلا؟ فيه مذهبان.
* (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا
يؤده إليك إلا ما دمت عليه قآئما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل
ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (75) بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب
المتقين (76)) *
75 - * (بقنطار) * ' الباء ' فيه، وفي الدينار لإلصاق الأمانة به، أو بمعنى
' على ' * (قائما) * بالاقتضاء، أو ملازما، أو قائما على رأسه. * (الأميين) * العرب،
قالوا لا سبيل علينا في أموالهم لإشراكهم، أو لتحولهم عن الدين الذي عاملناهم
عليه، ولما نزلت قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ' كذب أعداء الله ما شيء كان في الجاهلية
269

إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر '.
* (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا
يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (77)
وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من
الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب
وهم يعلمون (78)) *
77 - * (بعهد الله) * أمره ونهيه، أو ما جعل في العقل من الزجر عن الباطل
والانقياد إلى الحق. * (لا خلاق) * من الخلق وهو التقدير أي لا نصيب، أو
من الخلق أي لا نصيب لهم مما يوجبه الخلق الكريم. * (ولا يكلمهم) * بما
يسرهم بل بما يسوؤهم عند الحساب، لقوله تعالى: * (علينا حسابهم) *
[الغاشية: 26] أو لا يكلمهم أصلا بل يكل حسابهم إلى الملائكة. * (ولا ينظر إليهم) * لا يراهم، أو لا يمن عليهم. * (ولا يزكيهم) * لا يقضي بزكاتهم، نزلت
فيمن حلف يمينا فاجرة لينفق بيع سلعته، أو في
270

الأشعث نازع خصما في أرض فقام ليحلف فنزلت فنكل الأشعث واعترف
بالحق، أو في أربعة من أحبار اليهود، كتبوا كتابا وحلفوا أنه من عند الله فيما
ادعوا أنه ليس عليهم في الأميين سبيل.
271

* (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا
لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم
تدرسون (79) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم
مسلمون (80)) *
79 - * (ما كان لبشر) * قالت طائفة من اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم: أتدعونا إلى
عبادتك كما دعا المسيح النصارى؟ فنزلت * (ربانيين) * فقهاء علماء، أو
حكماء أتقياء، أو الولاة الذين يربون أمور الناس، أخذ الرباني ممن يرب الأمور
بتدبيره ولذلك قيل للعالم رباني، لأنه يدبر الأمور بعلمه، أو الرباني مضاف إلى
علم الرب.
* (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لمآ ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول
مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذالكم إصري قالوا
أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين (81) فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم
الفاسقون (82)) *
81 - * (ميثاق النبيين) * أن يؤمنوا بالآخرة، أو يأخذوا على قومهم تصديق
محمد صلى الله عليه وسلم * (ثم جاءكم رسول) * محمد صلى الله عليه وسلم * (مصدق لما معكم) * من التوراة
272

والإنجيل. * (وأخذتم على) * قبلتم عهدي، [أ] و وأخذتم على متبعكم عهدي
* (فاشهدوا) * على أممكم، وأنا من الشاهدين عليكم وعليهم.
* (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها
وإليه يرجعون (83) قل ءامنا بالله ومآ أنزل علينا ومآ أنزل على إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتي موسى وعيسى والنبيون من
ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (84) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن
يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد
إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجآءهم البينات والله لا يهدي القوم
الظالمين (86) أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (87)
خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) إلا الذين تابوا من بعد ذلك
وأصلحوا فإن الله غفور رحيم (89)) *
83 - * (وله أسلم) * أسلم المؤمن طوعا، والكافر عند الموت كرها، أو
أقروا بالعبودية وإن كان فيهم المشرك فيها، أو سجود المؤمن طوعا وسجود ظل
الكافر كرها، أو طوعا بالرغبة في الثواب، وكرها لخوف السيف، أو إسلام
الكاره يوم أخرج الذر من ظهر آدم، أو استسلم بالانقياد والذلة.
* (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم
273

الضآلون (90) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض
ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين (91)) *
90 - * (الذين كفروا) * اليهود كفروا بالمسيح. * (ثم ازدادوا كفرا) *
بمحمد صلى الله عليه وسلم /. * (لن تقبل توبتهم) * عند الموت، أو أهل الكتاب لا تقبل توبتهم
من ذنوبهم مع إصرارهم على كفرهم، أو هم مرتدون عزموا على إظهار التوبة
تورية فأطلع الله - تعالى - الرسول صلى الله عليه وسلم على سرهم أو اليهود والنصارى كفروا
بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم به قبل بعثه، ثم ازدادوا كفرا إلى حضور آجالهم.
* (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم (92)) *
92 - * (البر) * ثواب الله - تعالى -، أو فعل الخير الذي يستحق به الثواب،
أو الجنة. * (تنفقوا) * الصدقة المفروضة، أو الفرض والتطوع، أو الصدقة وغيرها
من وجوه البر.
* (كل الطعام كان حلا لبني إسرآءيل إلا ما حرم إسرآءيل على نفسه من قبل أن
تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (93) فمن افترى على الله
الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون (94) قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم
حنيفا وما كان من المشركين (95)) *
93 - * (كل الطعام كان حلا) * لما أنكرت اليهود تحليل النبي صلى الله عليه وسلم لحوم
الإبل أخبر الله - تعالى - أنه أحلها إلى أن حرمها إسرائيل على نفسه، لما
274

أصابه وجع النسا نذر تحريم العروق على نفسه وأحب الطعام إليه، وكانت
لحوم الإبل من أحب الطعام إليه، ونذر ذلك بإذن الله - تعالى -، أو باجتهاده،
فحرمت اليهود ذلك اتباعا لإسرائيل على الأصح، أو نزلت التوراة بتحريمها.
* (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (96) فيه آيات بينات مقام
إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن
كفر فإن الله غني عن العالمين (97)) *
96 - * (أول بيت) * اتفقوا أنه أول بيت وضع للعبادة، وهل كانت قبله
بيوت؟ أو لم تكن قبله؟ مذهبان. * (ببكة) * ومكة واحد، أو بكة المسجد،
ومكة الحرم كله، أو بكة بطن مكة، أخذت بكة من الزحمة، تباك القوم
ازدحموا، أو تبك أعناق الجبابرة، إذا ظلموا فيها لم يمهلوا. * (مباركا) *
بحصول الثواب لقاصده، أو يأمن داخله حتى الوحش.
97 - * (آيات بينات) * أثر قدمي إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - في
المقام: وهو حجر صلد وفي غير المقام أمن الخائف، وهيبة البيت، وتعجيل
عقوبة من عتا فيه وقصة أصحاب الفيل. * (ومن دخله) * في الجاهلية من الجناة
أمن، وفي الإسلام يأمن من النار، أو من القتال، فإنه محظور على داخليه،
ويقام الحد على من جنى [فيه] وإن دخله الجاني ففي إقامة الحد عليه
مذهبان؟ * (من استطاع) * بالزاد والراحلة، أو بالبدن وحده، أو بالمال والبدن.
* (ومن كفر) * بفرض الحج، أو لم ير حجه برا وتركه [إثما]، أو نزلت في
275

اليهود لما نزل قوله تعالى * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) * [85]
قالوا نحن مسلمون، فأمروا بالحج فامتنعوا فنزلت....
* (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون (98) قل يا أهل
الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله
بغافل عما تعملون (99)) *
99 - * (تصدون عن سبيل الله) * هم اليهود أغروا بين الأوس والخزرج
بتذكيرهم حروبا كانت بينهم في الجاهلية، ليفترقوا بذلك، أو هم اليهود
والنصارى صدوا الناس بإنكارهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم. * (شهداء) * على صدكم، أو
على عنادكم، أو عقلاء.
* (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم
كافرين (100) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم
بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم (101)) *
100 - * (يا أيها الذين آمنوا) * الأوس والخزرج. * (إن تطيعوا) * اليهود.
* (يردوكم) * إلى الكفر بإغرائهم بينكم.
* (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (102) واعتصموا بحبل
الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم.
276

فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله
لكم آياته لعلكم تهتدون (103)) *
102 - * (حق تقاته) * أن يطاع فلا يعصى، ويذكر ولا ينسى، ويشكر ولا
يكفر، أو اتقاء جميع المعاصي، أو الاعتراف بالحق في الأمن والخوف، أو
طاعته / فلا يتقى في تركها أحد سواه، وهي محكمة، أو منسوخة بقوله تعالى
* (فاتقوا الله ما استطعتم) * [التغابن: 16].
103 - * (بحبل الله) * القرآن، أو الإسلام، أو العهد، أو الإخلاص له
بالتوحيد، أو الجماعة، سمي ذلك حبلا؛ لنجاة المتمسك به كما ينجو
المتمسك بالحبل من بئر أو نحوها. * (ولا تفرقوا) * عن دين الله تعالى، أو عن
رسوله صلى الله عليه وسلم * (كنتم أعداء) * للأوس والخزرج لحروب تطاولت بهم مائة وعشرين
سنة إلى أن تألفوا بالإسلام، أو لمشركي العرب لما كان بينهم من الطوائل.
* (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم
المفلحون (104) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك
لهم عذاب عظيم (105) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم
أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) وأما الذين ابيضت وجوههم
ففي رحمة الله هم فيها خالدون (107) تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما
للعالمين (108) ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور (109)
277

106 - * (تبيض وجوه) * المؤمنين لإسفارها بالثواب. * (وتسود وجوه) * أهل
النار لانكسافها بالحزن. * (أكفرتم بعد) * إظهار الإيمان بالنفاق، أو الذين ارتدوا
بعد الإسلام، أو الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثه، وكانوا قبل
ذلك به مؤمنين، أو جميع من كفر بعد الإيمان يوم الذر.
* (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وتؤمنون بالله ولو ءامن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون
وأكثرهم الفاسقون (110) لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم
لا ينصرون (111) ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا
بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله
ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (112)) *
110 - * (كنتم خير أمة) * أي كنتم في اللوح المحفوظ أوخلقتم، أو
أراد التأكيد لأن المتقدم مستصحب بخلاف المستأنف، أو أشار إلى ما قدمه من البشارة بأنهم خير أمة,
* (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله ءاناء الليل وهم
يسجدون (113) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين (114) وما يفعلوا من خير فلن
يكفروه والله عليم بالمتقين (115) إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم
278

ولآ أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيه خالدون (116) مثل ما ينفقون
في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم
فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون (117)) *
113 - * (ليسوا سواء) * لما أسلم عبد الله بن سلام مع جماعة قالت أحبار
اليهود: ما آمن بمحمد إلا شرارنا فنزلت * (قائمة) * عادلة أو قائمة بطاعة الله،
أو ثابتة على أمره. * (آناء الليل) * ساعاته، أو جوفه، يريد صلاة العتمة، أو
الصلاة بين المغرب والعشاء. * (وهم يسجدون) * في الصلاة أو عبر عن الصلاة
بالسجود، أو أراد وهم مع ذلك يسجدون.
117 - * (مثل ما ينفقون) * نزلت في أبي سفيان وأصحابه يوم بدر، أو
في نفقة المنافقين في الجهاد رياء وسمعة. * (صر) * برد شديد، أو صوت لهيب
النار التي تكون في الريح قاله الزجاج، وأصل الصر: الصوت من الصرير.
* (ظلموا أنفسهم) * بزرعهم في غير موضع الزرع، وفي غير وقته، أو أهلك
ظلمهم زرعهم.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد
279

بدت البغضآء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم
تعقلون (118) هآ أنتم أولآء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا
آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات
الصدور (119) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا
وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط (120)) *
118 - * (بطانة) * نزلت في بعض المسلمين صافوا بعض اليهود والمنافقين
لصحبة كانت بينهم في الجاهلية، فنهوا عن ذلك، والبطانة: خاصتك الذين
يستبطنون أمرك من البطن، وبطانة الثوب، لأنها تلي البطن. * (لا يألونكم) * لا
يقصرون في أمركم. * (خبالا) * أصله الفساد، ومنه الخبل للجنون، * (ودوا ما
عنتم) * أي ضلالكم عن دينكم، أو أن تعنتوا في دينكم فتحملوا فيه على
المشقة، وأصل العنت: المشقة. * (من أفواههم) * بدا منها ما يدل على البغضاء.
* (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم (121) إذ همت
طآئفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون (122) ولقد نصركم
الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (123)) *
121 - * (وإذ غدوت) * يوم أحد، أو يوم الأحزاب. * (تبوىء) * تتخذ منزلا
ترتبهم في مواضعهم. * (سميع) * لقول المنافقين. * (عليم) * بما أضمروه من
280

التهديد أو * (سميع) * لقول المؤمنين * (عليم) * بإخلاص نياتهم، أو * (سميع) *
لقول المشيرين * (عليم) * بنصح المؤمن وغش الغاوي.
122 - * (طائفتان) * بنو سلمة، وبنو حارثة /، أو قوم من المهاجرين
والأنصار همتا بذلك، لأن ابن أبي دعاهما إلى الرجوع عن القتال، أو اختلفوا
في المقام والخروج إلى العدو حتى هموا بالفشل والجبن.
123 - * (ببدر) * اسم ماء سمي باسم صاحبه ((بدر بن مخلد بن
النضر بن كنانة))، أو سمي بذلك من غير إضافة إلى صاحب. * (أذلة) * ضعفاء
عن مقاومة العدو، أو قليل عددكم ضعيف حالكم، كان المهاجرون يومئذ سبعة
وسبعين، وكانت الأنصار مائتين وستة وثلاثين، والمشركون ما بين تسعمائة
وألف.
* (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين (124)
بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من
الملائكة مسومين (125) وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا
281

من عند الله العزيز الحكيم (126) ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا
خائبين (127) ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون (128) ولله
ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور
رحيم (129)
124 - * (إذ تقول للمؤمنين) * يوم بدر. * (ألن يكفيكم) * الكفاية: قدر سد
الخلة، والاكتفاء: الاقتصار عليه. * (يمدكم) * الإمداد: إعطاء الشيء حالا بعد
حال، من الإمداد: وهو الزيادة، ومنه مد الماء.
125 - * (فورهم) * وجههم، أو غضبهم من فور القدر وهو غليانها، ومنه
فور الغضب. * (مسومين) * بالفتح أرسلوا خيلهم في المرعى، وبالكسر
سوموها بعلائم في نواصيها وأذنابها، أو نزلوا على خير بلق وعليهم عمائم
صفر. وكانوا خمسة آلاف عند الحسن، وعند غيره ثمانية آلاف قال ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما - لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.
127 - * (ليقطع) * يوم بدر * (طرفا) * منهم بقتل صناديدهم وقادتهم إلى
الكفر، أو يوم أحد قتل منهم ثمانية عشر رجلا، وقال: * (طرفا) *، لأنهم كانوا
أقرب إلى المؤمنين من الوسط. * (يكبتهم) * يخزيهم، أو الكبت: الصرع على
الوجه قاله الخليل * (خائبين) * الخيبة لا تكون إلا بعد أمل، واليأس قد يكون
قبل الأمل.
128 - * (ليس لك من الأمر شيء) * في عقابهم واستصلاحهم، أو فيما
نفعله في أصحابك وفيهم، بل إلى الله - تعالى - التوبة عليهم، أو الانتقام
منهم، أو قال قوم بعد كسر رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يفلح من فعل هذا
282

بالرسول صلى الله عليه وسلم مع حرصه على هدايتهم فنزلت أو استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في
الدعاء عليهم فنزلت يمنعه، لأن في علمه - سبحانه وتعالى - أن فيهم من
يؤمن.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم
تفلحون (130) واتقوا النار التي أعدت للكافرين (131) وأطيعوا الله والرسول لعلكم
ترحمون (132) وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات
والأرض أعدت للمتقين (133) الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ
والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (134) والذين إذا فعلوا فاحشة أو
283

ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم
يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (135) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات
تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (136)
130 - * (أضعافا مضاعفة) * أن يقول عند الأجل (إما أن تعطي، وإما
أن تربي)) فإن لم يعطه ضاعف عليه، ثم يفعل ذلك عند حلول أجله من بعد
فيتضاعف بذلك.
131 - * (النار التي أعدت للكافرين) * نار آكل الربا كنار الكفرة عملا بالظاهر، أو نار الربا والفجرة أخف من نار الكفرة لتفاوتهم في المعاصي.
135 - * (فاحشة) * الكبائر، أو الزنا. * (ظلموا) * بالصغائر. * (ذكروا الله) *
بقلوبهم فحملهم ذكره على التوبة والا استغفار، أو ذكروه بقولهم. اللهم اغفر لنا
ذنوبنا. * (يصروا) * الثبوت على المعصية، أو مواقعتها إذا هم بها /، أو ترك
الاستغفار منها. * (وهم يعلمون) * أنهم قد أتوا معصيته، أو يعملون الحجة في
أنها معصية.
* (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (137)
هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين (138) ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم
284

الأعلون إن كنتم مؤمنين (139) إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله
وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء
والله لا يحب الظالمين (140) وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين (140) أم
حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين (142)
ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون (143)
137 - * (سنن) * من الله بإهلاك من سلف، أو أهل سنن في الخير والشر،
وأصل السنة: الطريقة المتبعة في الخير والشر، ومنه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
138 - * (هذا) * القرآن * (بيان) *، أو المذكور من قوله * (قد خلت من قبلكم سنن) * * (وهدى وموعظة) * نور وأدب.
140 - * (إن يمسسكم) * يوم أحد * (قرح) * فقد مسهم يوم بدر مثله،
واللمس: مباشرة وإحساس، والمس: مباشرة بغير إحساس. * (قرح) * وقرح:
واحد، أو بالفتح الجراح، وبالضم: ألم الجراح قاله الأكثر * (نداولها) * مرة
لقوم، ومرة لآخرين، والدولة: الكرة، أدال الله فلانا من فلان جعل له الكرة
عليه.
141 - * (وليمحص) * وليبتلي، أو يخلصهم من الذنوب، وأصل
التمحيص: التخليص، أو وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا * (ويمحق) *
ينتقص.
143 - * (تمنون الموت) * تمنى الجهاد من لم يحضر بدرا ثم أعرض كثير
285

منهم عنه يوم أحد فعوتبوا. (رأيتموه) * علمتموه، أو رأيتم أسبابه.
* (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (144)
وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته
منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين (145) وكأين من نبي قاتل
معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب
الصابرين (146) وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت
أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (147) فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب
الآخرة والله يحب المحسنين (148)) *
144 - * (وما محمد إلا سول) * لما شاع يوم أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل
قال أناس: لو كان نبيا ما قتل، وقال آخرون: نقاتل على ما قاتل عليه حتى
نلحق به. * (انقلبتم) * رجعتم كفارا.
145 - * (ومن يرد) * بجهاده * (ثواب الدنيا) * الغنيمة، أو من عمل للدنيا
لم نحرمه ما قسمنا له منها من غير حظ في الآخرة، أو من أراد ثواب الدنيا
بالتعرض لها بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي بها في الدنيا دون
الآخرة.
146 - * (ربيون) * يعبدون الرب واحدهم ربي، أو جماعات كثيرة، أو
286

علماء كثيرون، أو الربيون: الأتباع والرعية والربانيون: الولاة، قال الحسن:
ما قتل نبي قط في المعركة. * (فما وهنوا) * الوهن: الانكسار بالخوف،
والضعف: نقص القوة، والاستكانة: الخضوع ((لم يهنوا بقتل نبيهم، ولا ضعفوا
عن عدوهم، ولا استكانوا لما أصابهم))، قاله ابن إسحاق.
148 - * (ثواب الدنيا) * النصر على العدو، أو الغنيمة. * (ثواب الآخرة)
الجنة إجماعا.
* (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم
فتنقلبوا خاسرين (149) بل الله مولاكم وهو خير الناصرين (150) سنلقي في
قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا
ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين (151) ولقد صدقكم الله
وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر
وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم
من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله
ذو فضل على المؤمنين (152) إذ تصعدون ولا تلوون على أحد
والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا
تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون (153)
287

152 - * (تحسونهم) * تقتلونهم اتفاقا، حسه يحسه حسا: قتله لأنه أبطل
حسه. * (بإذنه) * بلطفه، أو بمعونته.
153 - * (تصعدون) * الإصعاد يكون في مستوى من الأرض، والصعود في
ارتفاع، وروي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنهم صعدوا إلى الجبل
فرارا. * (يدعوكم) * يقول يا عباد الله ارجعوا. * (غما بغم) * على غم، أو مع
غم، الغم الأول: القتل والجرح، والثاني: الإرجاف بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم أو غم
يوم أحد بغم يوم بدر. * (ما فاتكم) * من الغنيمة وما أصابكم من الهزيمة.
* (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطآئفة قد أهمتهم
أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل
إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر
شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم
وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات
الصدور (154) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان
ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم (155) يا أيها الذين آمنوا لا
تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا
ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون
288

بصير (156) ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما
يجمعون (157) ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون (158)) *
154 - * (أمنة / نعاسا) * لما توعد الكفار المؤمنين يوم أحد بالرجوع تأهب
للقتال أبو طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم تحت حجفهم
فناموا حتى أخذتهم الأمنة. * (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) * بالخوف فلم يناموا،
لظنهم * (ظن الجاهلية) * في التكذيب بوعد الله. * (لو كان لنا من الأمر شيء) * ما
خرجنا أي أخرجنا كرها، أو الأمر: النصر أي ليس لنا من الظفر شيء كما وعدنا
تكذيبا منهم بذلك. * (لبرز) * (لخرج) * (الذين كتب عليهم القتل) * منكم ولم ينجهم
قعودهم، أو لو تخلفتم لخرج المؤمنون ولم يتخلفوا بتخلفكم. * (وليبتلي الله) *
يعاملكم معاملة المبتلي، أو ليبتلي أولياؤه فأضافه إليه تفخيما.
289

155 - * (تولوا) * عن المشركين بأحد، أو من قرب من المدينة وقت
الهزيمة. * (ببعض ما كسبوا) * محبة الغنائم والحرص على الحياة، أو استزلهم
بذكر خطايا أسلفوها فكرهوا القتل قبل أن يتوبوا منها. * (عفا الله عنهم) * لم
يعاجلهم بالعقوبة، أو غفر خطيئتهم ليدل على إخلاصهم التوبة، وقيل الذين بقوا
مع الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهزموا ثلاثة عشر.
* (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم
واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159)
إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله
فليتوكل المؤمنون (160) وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم
توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (161) أفمن اتبع رضوان الله كمن باء
بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (162) هم درجات عند الله والله بصير بما
يعملون (163) لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم
آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي
ضلال مبين (164)) *
159 - * (فظا) * الفظ: الجافي، والغليظ: القاسي القلب، معناهما واحد،
فجمع بينهما تأكيدا. * (وشاورهم) * في الحرب، لتسفر عن الرأي الصحيح فيه،
أو أمر بالمشاورة تأليفا لقلوبهم، أو أمره بها لما علم فيها من الفضل، أو أمر
بها ليقتدي به المؤمنون، وكان غنيا عن المشاورة.
161 - * (يغل) * فقدت قطيفة حمراء يوم بدر فقال قوم: أخذها الرسول
290

فنزلت، أو وجه الرسول صلى الله عليه وسلم طلائع في جهة ثم غنم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يقسم
للطلائع فنزل ما كان لنبي أن يخون في القسم فيعطي فرقة ويدع أخرى، أو
ما كان لنبي أن يكتم الناس ما أرسل به لرغبة أو رهبة قاله ابن إسحاق.
* (يغل) * يتهمه أصحابه ويخونونه، أو أن يغله أصحابه ويخونونه، والغلول من
الغلل، وهو دخول الماء خلال الشجر فسميت الخيانة غلولا لوقوعها خفية،
والغل: الحقد، لجريانه في النفس مجرى الغلل.
164 - * (لقد من الله على المؤمنين) * بكون الرسول صلى الله عليه وسلم * (من أنفسهم) *
لما فيه من شرفهم، أو لتسهيل تعلم الحكمة عليهم لأنه بلسانهم، أو ليظهر لهم
علم أحواله بالصدق والأمانة والعفة والطهارة. * (ويزكيهم) * يشهد بأنهم أزكياء
291

في الدين، أو يدعوهم إلى ما يتزكون به، أو يأخذ زكاتهم التي تطهرهم.
* (أو لمآ أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله
على كل شيء قدير (165) ومآ أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين (166)
وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا
لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في
قلوبهم والله أعلم بما يكتمون (167) الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل
فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين (168)) *
165 - * (مصيبة) * التي أصابتهم يوم أحد، والتي أصابوها يوم بدر. * (هو من عند أنفسكم) * بخلافكم في الخروج يوم أحد ' لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن
يتحصنوا بالمدينة '، أو باختياركم / الفداء يوم بدر، وقد قيل لكم إن فعلتم
ذلك قتل منكم مثلهم، أو مخالفة الرماة للرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد في ملازمة
موضعهم.
166 - * (بإذن الله) * بتمكينه، أو بعلمه. * (وليعلم المؤمنين) * ليراهم، أو
ليميزهم من المنافقين.
167 - * (أو ادفعوا) * بتكثير السواد إن لم تقاتلوا، أو بالمرابطة على الخيل
إن لم تقاتلوا. * (لو نعلم قتالا) * قال عبد الله بن عمرو بن حرام علام نقتل
292

أنفسنا ارجعوا بنا لو نعلم قتالا لاتبعناكم. * (يقولون بأفواههم) * يظهرون من
الإسلام ما ليس في قلوبهم، * (بأفواههم) * تأكيد، أو لأن القول ينسب إلى
الساكت تجوزا إذا رضي به.
168 - * (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا) * لما انخذل ابن أبي وأصحابه -
وهم نحو من ثلاثمائة - وتخلف عنهم من قتل منهم قالوا لو أطاعونا وقعدوا
معنا ما قتلوا. * (صادقين) * في أنهم لو أطاعوكم ما قتلوا، أو محقين في
تثبيطكم عن الجهاد فرارا من القتل.
* (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما
آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا
هم يحزنون (170) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر
المؤمنين (171) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا
منهم واتقوا أجر عظيم (172) الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم
فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم
يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174) إنما ذالكم الشيطان يخوف
أوليآءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175)) *
196 - * (أمواتا بل أحياء) * أحياء في البرزخ، وأما في الجنة فإن حالهم
293

معلومة لجميع المؤمنين. * (عند ربهم) * بحيث لا يملك أحد لهم ضرا ولا نفعا
سوى ربهم، أو يعلم أنهم أحياء دون غيره.
170 - * (ويستبشرون) * يقولون إخواننا يقتلون كما قتلنا فيكرمون بما
أكرمنا، أو يؤتى الشهيد بكتاب يذكر فيه من يقدم عليه من إخوانه بشارة فيستبشر
كما يستبشر أهل الغائب بقدومه.
173 - * (الناس) * الأول: أعرابي جعل له على ذلك جعل، أو نعيم بن
مسعود الأشجعي، * (الناس) * الثاني: أبو سفيان وأصحابه أراد ذلك بعد
رجوعه من أحد سنة ثلاث فوقع في قلوبهم الرعب فكفوا، أو في بدر الصغرى
سنة أربع بعد أحد بسنة.
175 - * (يخوف أولياءه) * يخوف المؤمنين من أوليائه الكفار، أو يخوف
أولياءه المنافقين ليقعدوا عن الجهاد.
* (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم
حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم (176) إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله
شيئا ولهم عذاب أليم (177) ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما
نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين (178) ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم
عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من
رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم (179) ولا
يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون
294

ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير (180) لقد
سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم
الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق (181) ذلك بما قدمت أيديكم وأن
الله ليس بظلام للعبيد (182) الذين قالوا إن الله عهد إلينآ ألا نؤمن
لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات
وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين (183) فإن كذبوك فقد كذب
رسل من قبلك جآءو بالبينات والزبر والكتاب المنير (184)) *
176 - * (الذين يسارعون في الكفر) * المنافقون، أو قوم من العرب ارتدوا
عن الإسلام. * (يريد الله أن لا يجعل لهم حظا) * أي يحكم، أو سيريد في
الآخرة أن يحرمهم الثواب لكفرهم، أو يريد إحباط أعمالهم بذنوبهم.
179 - * (يميز الخبيث) * المنافق، أو الكافر، و * (الطيب) * المؤمن غير
المنافق بتكليف الجهاد، والكافر بالدلالات التي يستدل بها عليهم. * (وما
كان الله ليطلعكم على الغيب) * قال قوم من المشركين: إن كان محمد صادقا
فليخبرنا بمن يؤمن ومن يكفر فنزلت، السدي: ما أطلع الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم
على الغيب، ولكن اجتباه فجعله رسولا.
180 - * (الذين يبخلون) * ما نعو الزكاة، أو أهل الكتاب بخلوا ببيان صفة
محمد صلى الله عليه وسلم. * (سيطوقون) * بطوق من نار، أو شجاعا أقرع.
295

* (كل نفس ذآئفة الموت وإنما توفون إجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن
النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيآ إلا متاع الغرور (185)
لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتو الكتاب
من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن
ذلك من عزم الأمور (186)) *
186 - * (لتبلون في أموالكم) * بالزكاة والنفقة في الطاعة * (وأنفسكم) *
بالجهاد والقتل. * (أذى كثيرا) * الكفر كقولهم / عزير ابن الله، والمسيح ابن الله،
أو هجو كعب بن الأشرف للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وتحريضه عليهم
للمشركين، أو قول فنحاص اليهودي لما سئل الإمداد قال: احتاج ربكم إلى أن
نمده.
* (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء
ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون (187) لا تحسبن الذين يفرحون بما
أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب
أليم (188) ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير (189)) *
187 - * (ميثاق) * هو اليمين. * (الذين أوتوا الكتاب) * اليهود، أو اليهود
والنصارى، أو كل من أوتي علم شيء من الكتب، أخذ أنبياؤهم ميثاقهم لتبيننه
للناس. * (لتبيننه) * لتبين الكتاب الذي فيه ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، أو لتبينن نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم.
188 - * (يفرحون بما أتوا) * اليهود فرحوا باتفاقهم على تكذيب
محمد صلى الله عليه وسلم، وإخفاء أمره، وأحبوا * (أن يحمدوا) * بأنهم أهل علم ونسك، أو
296

المنافقون فرحوا بقعودهم عن الجهاد، وأحبوا * (أن يحمدوا) * بما ليس فيهم من
الإيمان به.
* (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190)
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات
والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191) ربنآ إنك من تدخل
النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار (192) ربنآ إننا سمعنا مناديا ينادي
للإيمان أن آمنوا بربكم فئامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع
الأبرار (193) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف
الميعاد (194)) *
193 - * (مناديا) * النبي صلى الله عليه وسلم، أو القرآن، لأن كل الناس لم يسمع
النبي صلى الله عليه وسلم * (للإيمان) * إلى الإيمان * (الحمد لله الذي هدانا لهذا) * [الأعراف: 43]
وقال:
* أوحى لها القرار فاستقرت
* وشدها بالراسيات الثبت
*
194 - * (وآتنا ما وعدتنا) * المقصود منه - مع العلم بأنه لا يخلف وعده -
الخضوع بالدعاء والطلب، أو طلبوا التمسك بالعمل الصالح، أو طلبوا تعجيل
النصر وإنجاز الوعد، أو معناه اجعلنا ممن وعدته ثوابك.
297

* (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض
فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم
سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده
حسن الثواب (195)) *
195 - * (من ذكر أو أنثى) * قالت أم سلمة: يا رسول الله ما بال الرجال
يذكرون في الهجرة دون النساء فنزلت * (بعضكم من بعض) * الإناث من
الذكور والذكور من الإناث.
* (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد (196) متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس
المهاد (197) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا
298

من عند الله وما عند الله خير للأبرار (198)) *
196 - * (لا يغرنك) * تأديبا له وتحذيرا، أو هو خطاب لكل من سمعه أي
لا يغرنك أيها السامع. * (تقلب) * تقلبهم في نعم البلاد، أو تقلبهم غير
مأخوذين.
* (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ومآ أنزل إليكم ومآ أنزل إليهم خاشعين لله
لا يشترون بئايات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله
سريع الحساب (199) يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله
لعلكم تفلحون (200)) *
199 - * (وإن من أهل) * عبد الله بن سلام ومسلمي أهل الكتاب أو نزلت
في النجاشي لما صلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي
على علج نصراني لم يره قط.
299

200 - * (اصبروا) * على طاعة الله تعالى * (وصابروا) * أعداءه * (ورابطوا) *
في سبيله، أو * (اصبروا) * على دينكم * (وصابروا) * الوعد الذي وعدتكم
* (ورابطوا) * عدوكم، أو * (اصبروا) * على الجهاد * (وصابروا) * العدو * (رابطوا) *
بملازمة الثغر، من ربط النفس، ومنه ربط الله على قلبه بالصبر، أو * (رابطوا) *
بانتظار الصلوات الخمس واحدة بعد واحدة
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ' ألا أدلكم على
ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال:
إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد
الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط '.
300

((سورة النساء))
مدنية إلا آية * (إن الله يأمركم أن تؤدوا) * [58] فإنها نزلت بمكة لما أراد
الرسول / صلى الله عليه وسلم أن يأخذ مفاتيح الكعبة من عثمان بن طلحة فيسلمها إلى العباس.
((بسم الله الرحمن الرحيم))
* (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا
ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (1)) *
1 - * (نفس واحدة) * آدم عليه الصلاة والسلام. * (زوجها) * حواء،
خلقت من ضلعه الأيسر، ولذا قيل للمرأة: ' ضلع أعوج '،
قال الرسول صلى الله عليه وسلم
لما نزلت: ' خلقت المرأة من الرجل فهمها الرجل، وخلق الرجل من التراب
فهمه في التراب '. * (تساءلون به والأرحام) * كقوله: أسألك بالله وبالرحم،
301

[أو] والأرحام صلوها ولا تقطعوها، أخبر أنه خلقهم من نفس واحدة
ليتواصلوا ويعلموا أنهم إخوة. * (رقيبا) * حفيظا، أو عليما.
* (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا
كبيرا (2) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3) وآتوا النساء
صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (4)) *
2 - * (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) * الحرام بالحلال، أو أن تجعل الزايف
بدل الجيد، والمهزول بدل السمين، وتقول: درهم بدرهم، وشاة بشاة، أو
استعجال أكل الحرام قبل مجيء الحلال، أو كانوا لا يورثون الصغار والنساء
ويأخذ الرجل الأكبر فيتبدل نصيبه الطيب من الميراث بأخذه الكل وهو خبيث. * (إلى أموالكم) * مع أموالكم، وهو أن يخلطوها بأموالهم فتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها. * (حوبا) * إثما، تحوب من كذا توقى إثمه.
3 - * (وإن خفتم) * أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى * (فانكحوا) * ما حل لكم من غيرهن، أو كانوا يخافون ألا يعدلوا في أموالهم، ولا يخافون أن لا يعدلوا
302

في النساء فقيل لهم: كما خفتم أن لا تعدلوا في أموال اليتامى فكذلك خافوا أن
لا تعدلوا في النساء، أو كانوا يتوقون أموال اليتامى ولا يتوقون الزنا فأمروا أن
يخافوا الزنا كخوف أموال اليتامى فيتركوا الزنا وينكحوا ما طاب، أو كانت
قريش في الجاهلية تكثر التزوج بلا حصر فإذا كثرت عليهم المؤن وقل ما
بأيديهم أكلوا ما عندهم من أموال اليتامى فقيل لهم: إن خفتم أن لا تقسطوا في
اليتامى فانكحوا إلى الأربع حصرا لعددهن. * (ما طاب) * من طاب، أو انكحوا
نكاحا طيبا. * (فإن خفتم أن لا تعدلوا) * في الأربع. * (تعولوا) * تكثر عيالكم، أو
تضلوا، أو تجوروا والعول: من الخروج عن الحق، عالت الفريضة لخروجها
عن السهام المسماة، وعابت أهل الكوفة عثمان - رضي الله تعالى عنه - في
شيء فكتب إليهم ' إني لست بميزان قسط لا أعول '.
4 - * (وآتوا النساء) * أيها الأزواج عند الأكثرين، أو أيها الأولياء، لأن
الولي في الجاهلية كان يتملك صداق المرأة. * (نحلة) * النحلة: العطية بغير
بدل، الدين نحلة، لأنه عطية من الله تعالى ومنه النحل لإعطائه العسل، أو
لأن الله - تعالى - نحله عباده، [الصداق] أي نحلة من الله - تعالى - لهن بعد أن
كان ملكا لآبائهن، أو فريضة مسماة، أو نهى عما كانوا عليه من خطبة الشغار
والنكاح بغير صداق، أو أراد طيب نفوسهم بدفعه / إليهم كما يطيبون نفسا
بالهبة. * (فإن طبن لكم) * أيها الأزواج عند من جعله للأزواج، أو أيها الأولياء
عند من رآه لهم. * (هنيئا) * الهني: ما أعقب نفعا وشفاء منه هنأ البعير لشفائه.
* (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا
303

معروقا (5) وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوآ إليهم أموالهم
ولا تأكلوهآ إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا قليأكل
بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا (6)) *
5 - * (السفهاء) * النساء، أو الصبيان، أو كل مستحق للحجر، أو الأولاد
المفسدين، نهى أن يقسم ماله بينهم ثم يصير عيالا عليهم، والسفه: خفة
الحلم، ولذا وصف به الناقص العقل، والمفسد للمال لنقصان تدبيره، والفاسق
لنقصانه عند أهل الدين. * (أموالكم) * أيها الأولياء، أو أموال السفهاء.
* (قيما) * و * (قياما) * قوام معايشكم. * (وارزقوهم) * أنفقوا من أموالكم على
سفهائكم، أو لينفق الولي مال السفيه عليه. * (قولا معروفا) * وعدا جميلا، أو
دعاء كقوله: ' بارك الله فيك '.
6 - * (وابتلوا اليتامى) * اختبروهم في عقولهم وتمييزهم وأديانهم.
* (النكاح) * الحلم اتفاقا. * (آنستم) * (علمتم) * (رشدا) * عقلا، أو عقلا وصلاحا في
الدين، أو صلاحا في الدين والمال، أو صلاحا وعلما بما يصلح. * (إسرافا) *
تجاوز المباح، فإن كان إفراطا قيل أسرف إسرافا، وإن كان تقصيرا قيل سرف
يسرف. * (وبدارا) * هو أن يأكله مبادرة أن يكبر فيحول بينه وبين ماله. * (فليأكل
بالمعروف) * قرضا ثم يرد بدله، أو سد جوعه وستر عورته ولا بدل عليه، أو
يأكل من ثمره ويشرب من رسل ماشيته ولا يتعرض لما سوى ذلك من
أمواله، أو يأخذ أجره بقدر خدمته، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم كل من مال يتيمك
304

غير مسرف ولا متأثل مالك بماله ' * (حسيبا) * شهيدا، أو كافيا من الشهود.
* (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنسآء نصيب مما ترك الوالدن والأقربون
مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (7) وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى
والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا (8) وليخش الذين لو تركوا
من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا (9) إن
الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون
سعيرا (10)) *
7 - * (للرجال نصيب) * نزلت بسبب أن الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون
الإناث.
8 - * (وإذا حضر القسمة) * منسوخة بآية المواريث، أو محمولة على وصية
الميت لمن ذكر في الآية وفيمن حضر، أو محكمة فلو كان الوارث صغيرا فهل
يجب على وليه الإخراج من نصيبه؟ فيه قولان: أحدهما: لا يجب، ويقول
الولي لهم قولا معروفا. * (وقولوا) * أمر الآخذ أن يدعو للدافع بالغنى والرزق،
أو أمر الوارث والولي أن يقول للآخذين عند إعطائهم المال قولا معروفا.
305

9 - * (وليخش الذين) * يحضرون الموصي أن يأمروه بالوصية بماله فيمن لا
يرثه بل يأمرونه بإبقاء ماله لورثته كما يؤثرون ذلك لأنفسهم، أو أمر بذلك
الأوصياء أن يحسنوا إلى الموصى عليه كما يؤثرون ذلك في أولادهم، أو من
خاف الأذى على ذريته بعده وأحب أن يكف الله - تعالى - عنهم الأذى
فليتق الله - تعالى - في قوله وفعله، أو أمر به الذين ينهون الموصي عن الوصية
لأقاربه ليبقى ماله لولده، وهم لو كانوا أقرباء الموصي لآثروا أن يوصي لهم.
10 - * (نارا) * / يصيرون به إلى النار، أو تمتلئ بها بطونهم عقابا يوجب
النار، وعبر عن الأخذ بالأكل، لأنه المقصود الأغلب منه، والصلا: لزوم النار.
* (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين
فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما
السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان
له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بهآ أو دين ءابآؤكم وأبنآؤكم لا
تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما (11)) *
11 - * (يوصيكم) * كانوا لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان،
ولا يورث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الله أخو حسان
الشاعر وترك خمس أخوات فأخذ ورثته ماله فشكت زوجته ذلك إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت. * (فوق اثنتين) * فرض الاثنتين الثلثان كالأختين، وخالف
306

فيه ابن عباس فجعل لهما النصف، * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس) *
نسخت كان [المال] للولد وكانت الوصية للوالدين والأقربين فنسخ من ذلك
فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكل واحد من الأبوين السدس، واتفقوا على أن
ثلاثة من الإخوة يحجبون الأم إلى السدس، والباقي للأب، وقال طاوس يأخذ
الإخوة ما حجبوها عنه وهو السدس، والأخوان يحجبانها إلى السدس خلافا لابن
عباس. وقدم الدين والوصية على الإرث، لأن الدين حق على الميت، والوصية
حق له فقدما، وقد قضى الرسول صلى الله عليه وسلم بتقديم الدين على الوصية إذ لا ترتيب
307

في ' أو ' * (لا تدرون أيهم) * أنفع لكم في الدين أو الدنيا.
* (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن
ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بهآ أو دين
ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد
فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بهآ أو دين وإن كان
رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن
كانوا أكثر من ذلك فهم شركآء في الثلث من بعد وصية يوصي بهآ أو
دين غير مضآر وصية من الله والله عليم حليم (12)) *
12 - * (كلالة) * الكلالة: من عدا الولد، أو من عدا الوالد، أو من
عداهما، والمسمى بالكلالة هو الميت، أو وارثه، أو كلاهما، والكلالة من
الإحاطة لإحاطتها بأصل النسب الذي هو الولد والوالد، ومنه الإكليل لإحاطته
بالرأس.
* (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من
تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم (13) ومن
308

يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب
مهين (14)) *
13 - * (حدود الله) * شروطه، أو طاعته، أو سننه وأمره، أو فرائضه التي
حدها للعباد، أو تفصيله لفرائضه.
* (والاتي يأتين الفاحشة من نسآئكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن
شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (15)
والذان يأتيانها منكم فئاذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهمآ إن الله
كان توابا رحيما (16)) *
15 - * (الفاحشة) * الزنا. * (فأمسكوهن) * إمساكهن في البيوت حد منسوخ
بآية النور، أو وعد بالحد لقوله تعالى * (أو يجعل الله لهن سبيلا) * وهو
الحد،
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ' خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر
بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ' فنسخ جلد
الثيب عند الجمهور خلافا لقتادة وداود.
309

16 - * (واللذان) * في الأبكار، أو في الثيب والأبكار، والمراد باللذين
الرجل والمرأة، أو البكران من الرجال والنساء. * (فآذوهما) * بالتعيير والتوبيخ،
أو بالتعيير والضرب بالنعال، وكلاهما منسوخ، أو الأذى مجمل فسره آية النور
في الأبكار، والسنة في الثيب. ونزلت هذه الآية قبل الأولى فيكون الأذى
أولا ثم الحبس ثم الجلد أو الرجم، أو الأذى للأبكار والحبس للثيب. * (تابا) *
من الفاحشة. * (وأصلحا) * دينهما. * (فأعرضوا عنهما) * بالصفح والكف عن
الأذى.
* (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك
يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما (17) وليست التوبة للذين يعملون
السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الئن ولا الذين يموتون
وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما (18)) *
17 - * (بجهالة) * كل عاص جاهل، أو الجهالة: العمد، أو عمل السوء
في / الدنيا * (قريب) * في صحته قبل مرضه، أو قبل موته، أو قبل معاينة ملك
الموت. والدنيا كلها قريب.
18 - * (للذين يعملون السيئات) * عصاة المسلمين عند الجمهور أو
المنافقون، سوى بين من لم يتب وبين التائب عند حضور الموت.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا
310

ببعض ما ءاتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن
كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (19) وإن أردتم
استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا
أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا (20) وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى
بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا (21) ولا تنكحوا ما نكح ءابآؤكم
من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وسآء سبيلا (22)) *
19 - * (ترثوا النساء كرها) * كان أهل المدينة في الجاهلية إذا مات
[أحدهم] عن زوجه كان ابنه وقريبه أولى بها من نفسها ومن غيرها، إن شاء
نكحها بالصداق الأول، وإن شاء زوجها وملك صداقها، وإن شاء عضلها عن
النكاح حتى تموت فيرثها، أو تفتدي منه بصداقها، فمات أبو القيس بن
الأسلت عن زوجته ' كبشة ' فأراد ابنه أن يتزوجها فأتت للرسول صلى الله عليه وسلم
فقالت: لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح فنزلت.... * (ولا
311

تعضلوهن) * نهى ورثة الزوج أن يمنعوهن من التزوج كما ذكرنا، أو نهى الأزواج
أن يعضلوهن بعد الظلاق كما كانت قريش تفعله في الجاهلية، أو نهى الأزواج
عن حبسهن كرها ليفتدين أو يمتن فيرثوهن، أو نهى الأولياء عن العضل.
* (بفاحشة) * بزنا، أو نشوز، أو أذى وبذاءة. * (خيرا كثيرا) * الولد الصالح.
20 - * (بهتانا) * ظلما بالبهتان، أو يبهتها أنه جعل ذلك لها ليستوجبه منها.
21 - * (أفضى) * بالجماع، أو الخلوة. * (ميثاقا) * عقد النكاح، أو إمساك
بمعروف، أو تسريح بإحسان، أو
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ' أخذتموهن بأمانة الله
تعالى -، واستحللتم فروجهن بكلمة الله '، وهي محكمة، أو منسوخة بآية
الخلع، أو محكمة إلا عند خوف النشوز.
312

22 - * (إلا ما قد سلف) * كانوا يخلفون الآباء على النساء فحرمه الإسلام،
وعفا عما كان منهم في الجاهلية إذا اجتنبوه في الإسلام، أو لا تنكحوا كنكاح آبائكم
في الجاهلية على الوجه الفاسد إلا ما سلف في الجاهلية فإنه معفو عنه إذا كان مما
يجوز تقريره، أو لا تنكحوا ما نكح آباؤكم بالنكاح الجائز إلا ما سلف منهم بالسفاح
فإنهن حلال لكم لأنهن غير حلائل وإنما كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا، أو إلا ما قد
سلف فاتركوه فإنكم مؤاخذون به، والاستثناء منقطع، أو بمعنى ' لكن ' * (مقتا) *
المقت شدة البغض لارتكاب قبيح، وكان يقال للولد من زوجة الأب ' المقتي '.
* (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات
الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة
وأمهات نسآئكم وربآئبكم اللاتي في حجوركم من نسآئكم اللاتي
دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلآئل
أبنآئكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد
سلف إن الله كان غفورا رحيما (23) والمحصنات من النساء إلا ما
ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذالكم أن تبتغوا بأموالكم
محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فئاتوهن أجورهن فريضة ولا
جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما (24)) *
24 - * (والمحصنات) * ذوات الأزواج. * (إلا ما ملكت أيمانكم) *
بالسبي، لما سبى الرسول صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس، قالوا: كيف نقع على نساء قد
عرفنا أزواجهن فنزلت أو * (المحصنات) * ذوات الأزواج * (إلا ما ملكت
313

أيمانكم) * إذا اشترى الأمة بطل نكاحها وحلت للمشتري قاله ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما - أو المحصنات العفائف، * (إلا ما ملكت أيمانكم) * بعقد نكاح، أوملك، أو نزلت في مهاجرات تزوجهن المسلمون،
ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهي المسلمون عن نكاحهن، والإحصان: من
المنع، حصن البلد لمنعه من العدو، ودرع حصينة: منيعة، وفرس حصان:
لامتناع راكبه من الهلاك، وامرأة حصان: لامتناعها عن الفاحشة.
* (كتاب الله) * الزموا كتاب الله، أو حرم ذلك كتابا من الله، أو كتاب الله قيم
عليكم فيما تحرمونه وتحلونه. * (ما وراء ذلكم) * ما دون الخمس، أو ما
دون ذوات المحارم، أو مما وراءه مما ملكت أيمانكم. * (أن تبتغوا) *
تلتمسوا بأموالكم بشراء، أو صداق. * (مسافحين) * زناة، السفح: من الصب،
سفح الدمع: صبه، وسفح الجبل: أسفله لانصباب الماء فيه. * (فما
314

استمتعتم) * قلت تكون ' ما ' ها هنا بمعنى ' من '، فما نكحتم منهن
فجامعتموهن، أو المتعة المؤجلة، كان أبي وابن عباس يقرآن * (فما استمتعتم
به منهن إلى أجل مسمى) *. * (أجورهن) * الصداق. * (فريضة) * أي معلومة.
* (فيما تراضيتم به) * من تنقيص أو إبراء عند إعسار الزوج، أو فيما زدتموه
في أجل المتعة بعد انقضاء مدتها وفي أجرتها قبل استبرائهن أرحامهن، أو لا
جناح عليكم فيما دفعتموه وتراضيتم به أن يعود إليكم تراضيا. * (كان عليما) *،
بالأشياء قبل خلقها. * (حكيما) * في تدبيره لها، قال سيبويه: ' لما شاهدوا علما
وحكمة قيل لهم: إنه كان كذلك لم يزل، أو الخبر عن الماضي يقوم مقام
الخبر عن المستقبل قاله الكوفيون.
* (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت
أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن
بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا
متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم
والله غفور رحيم (25)) *
25 - * (طولا) * سعة موصلة إلى نكاح الحرة، أو يكون تحته حرة، أو أن
315

يهوي أمة فيجوز له تزوجها إن كان ذا يسار وكان تحته حرة قاله جابر
وجماعة، والطول: من الطول، لأن الغنى ينال به معالي الأمور، ليس فيه طائل
أي لا ينال به شيء من الفوائد، وإيمان الأمة شرط، أو ندب. * (غير مسافحات) * محصنات عفائف، والمسافحات: المعلنات بالزنا، ومتخذات
الأخدان: أن تتخذ صديقا تزني به دون غيره، وكانوا يحرمون ما ظهر من الزنا
ويحلون ما بطن فنزل * (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * [الأنعام:
151]. * (أحصن) * أسلمن، و * (أحصن) * تزوجن، ونصف عذاب الحرة:
نصف حدها.
* (العنت) * الزنا، أو الإثم، أو الحد، أو الضرب الشديد في دين أو دنيا.
* (وإن تصبروا) * عن نكاح الأمة خير من إرقاق الولد.
* (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله
عليم حكيم (26) والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن
تميلوا ميلا عظيما (27) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا (28)) *
27 - * (الذين يتبعون الشهوات) * الزناة، أو اليهود والنصارى أو كل متبع
شهوة غير مباحة.
28 - * (يخفف عنكم) * في نكاح الإماء، * (وخلق الإنسان ضعيفا) * عن
الصبر عن الجماع.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون
316

تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29) ومن يفعل
ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا (30) إن
تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا
كريما (31)) *
29 - * (بالباطل) * القمار والربا والبخس والظلم، أو العقود الفاسدة، أو
نهوا عن أكل الطعام / قرى وأمروا بأكله شراء ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:
* (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) * ألآية [النور: 61] * (تراض) * تخاير
للعقد، أو تخاير بعد العقد. * (أنفسكم) * بعضكم بعضا، جعلوا كنفس واحدة
لاتحاد دينهم، أو نهوا عن قتل أنفسهم في حال الضجر والغضب.
30 - * (ومن يفعل ذلك) * أكل المال وقتل النفس، أو كل ما نهوا عنه من
أول هذه السورة، أو وراثتهم النساء كرها. * (عدوانا وظلما) * جمع بينهما تأكيدا
لتقارب معناهما، أو فعلا واستحلالا.
31 - * (كبائر) * ما نهيتم عنه من أول هذه السورة إلى رأس الثلاثين منها،
أو هي سبع: الإشراك بالله، وقتل النفس المحرمة، وقذف المحصنة، وأكل مال
اليتيم، وأكل الربا، والفرار يوم الزحف، والتعرب بعد الهجرة أو تسع:
317

الشرك، والقذف، وقتل المؤمن، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل الربا،
وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، وإلحاد بالبيت الحرام. أو السبعة
المذكورة مع العقوق والزنا والسرقة وسب أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى
عنهما - أو الإشراك بالله، والقنوط من رحمته، واليأس من روحه، والأمن من
مكره، أو كل ما وعد الله - تعالى - عليه النار، أو كل ما لا تصلح معه الأعمال.
* (سيئاتكم) * مكفرة إذا تركتم الكبائر فإن لم تتركوها أخذتم بالصغائر والكبائر.
* (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا
وللنسآء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء
عليما (32)) *
32 - * (ولا تتمنوا) * كقوله: ' ليت لي مال فلان '، نهوا عنه نهي تحريم،
أو كراهية، وله أن يقول: ' ليت لي مثله ' والأشهر أنها نزلت في نساء تمنين أن
يكن كالرجال في الفضل والمال، أو قالت أم سلمة: يا رسول الله يغزوا الرجال
ولا نغزوا وإنما لنا نصف الميراث فنزلت..... * (للرجال نصيب مما
318

اكتسبوا) * من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وكذلك النساء، الحسنة
لهما بعشر أمثالها، أو للرجال نصيب من الميراث وللنساء نصيب منه، لأنهم
كانوا لا يورثون النساء. * (فضله) * نعم الدنيا، أو العبادة المكسبة لثواب الآخرة.
* (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم
فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا (33)
33 - * (موالي) * عصبة، أو ورثه وهو أشبه كقوله تعالى * (خفت الموالي) *
[مريم: 5] * (عاقدت) * مفاعلة من عقد الحلف حلف الجاهلية توارثوا به في
الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض) * [الأنفال:
75]، أو الأخوة التي آخاها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار توارثوا بها ثم
نسخت بقوله: * (ولكل جعلنا موالي) *، أو نزلت في أهل العقد بالحلف
يؤتون نصيبهم من النصر والنصيحة دون الإرث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا حلف في
الإسلام وما كان من حلف الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة)) أو نزلت في
319

ابن التبني، أمروا أن يوصوا لهم عند الموت، أو فيمن أوصى لهم بشيء ثم
هلكوا فأمروا أن / يدفعوا نصيبهم إلى ورثتهم.
* (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من
أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون
نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا
تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا (34)) *
34 - * (قوامون) * عليهم بالتأديب، والأخذ على أيديهن فيما يجب
عليهن الله - تعالى - ولأزواجهن. * (بما فضل الله) * الرجال عليهن في العقل
والرأي. * (وبما أنفقوا) * من الصداق والقيام بالكفاية، أو لطم رجل امرأته فأتت
الرسول صلى الله عليه وسلم تطلب القصاص فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت * (ولا تعجل بالقرآن) *
[طه: 114] ونزلت هذه الآية، قال الزهري لا قصاص بين الزوجين فيما
دون النفس.
320

* (فالصالحات) * في دينهن * (قانتات) * مطيعات لربهن وأزواجهن
* (حافظات) * لأنفسهن في غيبة أزواجهن، ولحق الله عليهن * (بما حفظ الله) *
يحفظه إياهن صرن كذلك، أو بما أوجبه لهن من مهر ونفقة فصرن بذلك
محفوظات. * (تخافون) * تعلمون.
*............
* أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
*
أو تظنون.
* أتاني عن نصيب كلام يقوله
* وما خفت يا سلام أنك عائبي
*
يريد الاستدلال على النشوز بما تبديه من سوء فعلها، والنشوز من الارتفاع
لترفعها عن طاعة زوجها. * (فعظوهن) * بالأمر بالتقوى، والتخويف من الضرب الذي أذن الله - تعالى - فيه. * (واهجروهن) * بترك الجماع، أو لا يكملها ويوليها
ظهره في المضجع، أو يهجر مضاجعتها، أو يقول لها في المضجع هجرا وهو
الإغلاظ في القول، أو يربطها بالهجار - وهو حبل يربط به البعير - قاله
الطبري، أصل الهجر: الترك عن قلى، وقبيح الكلام هجر، لأنه مهجور،
321

فإذا خاف نشوزها وعظها وهجرها فإن أقامت عليه ضربها، أو إذا خافه
وعظها فإن أظهرته هجرها فإن أقامت عليه ضربها ضربا يزجرها عن النشوز غير
مبرح ولا منهك. * (سبيلا) * أذى، أو يقول لها: ' لست محبة لي وأنت تبغضني
فيضربها ' على ذلك مع طاعتها له.
* (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلهآ إن يريدآ
إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا (35)) *
35 - * (شقاق بينهما) * بنشوزها وترك حقه، وبعدوله عن إمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان، والشقاق: مصدر شاق فلان فلانا إذا أتى كل واحد منهما ما
يشق على الآخر، أو لأنه صار في شق بالعداوة والمباعدة. * (فابعثوا حكما) *
خطاب للسلطان إذا ترافعا إليه، أو خطاب للزوجين، أو لأحدهما. * (إن يريدا) *
الحكمان، فإن رأى الحكمان الفرقة بغير إذن الزوجين فهل لهما ذلك؟ فيه
قولان.
* (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى
والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن
السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا (36)) *
36 - * (وبذي القربى) * المناسب، * (واليتامى) * جمع يتيم وهو الذي مات
أبوه ولم يبلغ الحلم، والمسكين: الذي ركبه ذل الفاقة حتى سكن لذلك،
* (والجار ذي القربى) * المناسب، أو القريب في الدين أراد به المسلم * (والجار الجنب) * الأجنبي لا نسب بينك وبينه، أو البعيد في دينه، والجنب في
كلامهم: البعيد، ومنه الجنب لبعده عن الصلاة.
322

* (والصاحب بالجنب) * رفيق السفر، أو زوجة الرجل تكون إلى جنبه، أو
الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك. * (وابن السبيل) * / المسافر المجتاز، أو
الذي يريد السفر ولا يجد نفقة، أو
الضيف، والسبيل: الطريق فقيل لصاحب
الطريق: ابن السبيل كما قيل لطير الماء: ' ابن ماء '. * (مختالا) * من الخيلاء خال
يخول خالا وخولا. * (فخورا) * يفتخر على العباد بما أنعم الله به عليه من رزق
وغيره.
* (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من
فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (37) والذين ينفقون أموالهم رئآء
الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فسآء قرينا (38)
وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم
عليما (39)) *
37 - * (الذين يبخلون) * بالإنفاق في الطاعة * (ويأمرون الناس) * بمثل ذلك،
أو نزلت في اليهود بخلوا بما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتموها، وأمروا
الناس بذلك، والبخل: أن يبخل بما في يده، والشح: أن يشح بما في يد
غيره يحب أن يكون له.
38 - * (والذين ينفقون) * اليهود، أو المنافقون. * (قرينا) * والمراد به
الشيطان يقرن به في النار، أو يصاحبه في فعله، والقرين: الصاحب المؤالف من
الاقتران، القرن: المثل لاقترانه في الصفة، والقرن: أهل العصر، لاقترانهم في
الزمان، وقرن البهيم لاقترانه بمثله.
* (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما (40)) *.
323

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود
الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42)) *
40 - * (مثقال) * الشيء: مقداره في الثقل، والذرة: دودة حمراء قاله ابن
عباس - رضي الله عنهما -: ويقال: إن هذه الدودة لا وزن لها.
41 - * (بشهيد) * يشهد أنه بلغها ما تقوم به الحجة عليها، أو يشهد
بعملها.
42 - * (تسوى بهم الأرض) * يجعلون مثلها، كقوله تعالى * (ليتني كنت
ترابا) * [النبأ: 40] أو تمنوا أن يدخلوا فيها حتى تعلوهم.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا
إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من
الغآئط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا (43)) *
43 - * (سكارى) * من النوم، أو من الخمر، ' ثمل جماعة عند
عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - فقدموا من صلى بهم المغرب
فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما
عبدتم لكم دينكم ولي دين فنزلت ' والسكر يسد مجرى الماء فأخذ منه السكر
324

لسده طرق المعرفة، وخطابه للسكران نهي عن التعرض للسكر، لأن السكران لا
يفهم، أو قد يقع السكر بحيث لا يخرج عن الفهم. * (عابري سبيل) * أراد
المسافر الجنب لا يصلي حتى يتيمم، أو أراد مواضع الصلاة لا يقربها إلا مارا.
* (مرضى) * بما ينطلق عليه اسم مرض وإن لم يضر معه استعمال الماء، أو
بشرط أن يضر به استعمال الماء، أو ما خيف فيه من استعمال الماء التلف.
* (سفر) * ما وقع عليه الاسم، أو يوم وليلة، أو ثلاثة أيام, * (الغائط) * الموضع
المطمئن كني به عن الفضلة، لأنهم كانوا يأتونه لأجلها. الملامسة: الجماع، أو
باليد والإفضاء بالجسد، ولامستم أبلغ من لمستم، أو لامستم يوجب الوضوء
على اللامس والملموس ولمستم يوجبه على اللامس وحده. * (فتيمموا) * تعمدوا
وتحروا، أو اقصدوا، وقرأ ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - فأتوا صعيدا.
* (صعيدا) * أرض ملساء لا نبات بها / ولا غرس، أو أرض مستوية، أو التراب،
أو وجه الأرض ذات التراب والغبار. * (طيبا) * حلالا، أو طاهرا، أو تراب
الحرث، أو مكان جرد غير بطح. * (وأيديكم) * إلى الزندين، أو المرفقين، أو
الإبطين: ويجوز التيمم للجنابة عند الجمهور ومنعه عمر وابن مسعود والنخعي.
وسبب نزولها قوم من الصحابة أصابتهم جراح، أو نزلت في إعواز الماء في
325

السفر.
* (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا) *
326

السبيل (44) والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا (45) من الذين هادوا
يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا
بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم
ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (46)) *
44 - * (يشترون الضلالة) * كأنهم بكتمان صفة محمد صلى الله عليه وسلم اشتروا الضلالة
بالهدى، أو أعطوا أحبارهم [أموالهم] على ما صنعوا من التكذيب
بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو كانوا يأخذون الرشا.
46 - * (غير مسمع) * غير مقبول منك، أو اسمع لا سمعت. * (وراعنا) *
كانت سبا في لغتهم، أو أجروها مجرى الهزء. أو مجرى الكبر.
* (يا أيها الذين أوتو الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها
فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا (47) إن
الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما
عظيما (48)) *
47 - * (أوتوا الكتاب) * (اليهود والنصارى) * (نطمس وجوها) نمحو آثارها
فتصير كالأقفاء ونجعل أعينها في أقفائها فتمشى القهقرى، أو نطمسها عن الهدى
فنردها في الضلالة فلا تفلح أبدا * (نلعنهم) * نمسخهم قردة.
* (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا (49) انظر
كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا (50) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من
327

* (الكتب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من
الذين آمنوا سبيلا، أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) *
49 - * (يزكون أنفسهم) * اليهود قالوا: * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * [المائدة:
18]، أو قدموا أطفالهم
لإمامتهم زعما أنه لا ذنوب لهم، أو قالوا: آباؤنا
يستغفرون لنا ويزكوننا، أو زكى بعضهم بعضا، لينالوا شيئا من الدنيا. * (فتيلا) *
ما انفتل بين الأصابع من الوسخ، أو الفتيل الذي في شق النواة، والنقير ما في
ظهرها، والقطمير قشرها.
51 - * (بالجبت والطاغوت) * صنمان كان المشركون يعبدونهما، أو
الجبت: الأصنام والطاغوت ((تراجمة)) الأصنام، أو الجبت: السحر،
والطاغوت: الشيطان، أو الجبت: الساحر، والطاغوت: الكاهن، أو الجبت:
حيي بن أخطب والطاغوت: كعب بن الأشرف.
* (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا (53) أم يحسدون الناس على ما آتاهم
الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (54) فمنهم
من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا (55)
53 - * (نقيرا) * الذي في ظهر النواة، أو الخيط الذي يكون في وسط
النواة، أو نقرك الشيء بطرف إبهامك.
328

54 - * (يحسدون الناس) * اليهود حسدت العرب، أو محمدا صلى الله عليه وسلم عبر عنه
بالناس، أو محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضوان الله تعالى عليهم - أجمعين.
* (فضله) * النبوة كيف جعلت في العرب، أو ما أبيح للرسول صلى الله عليه وسلم من النكاح بغير
حصر ولا عد قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. * (ملكا عظيما) * ملك
سليمان عليه الصلاة والسلام، أو النبوة، أو ما أيدو به الملائكة. أو ما أبيح
لداود وسليمان عليهما الصلاة والسلام من النكاح، فنكح سليمان مائة، وداود
تسعا وتسعين.
* (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها
ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما (56) والذين آمنوا وعملوا الصالحات
سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة
وندخلهم ظلا ظليلا (57)) *
65 - * (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها)، لأن المقصود إيلام
الأرواح بواسطة الجلود واللحم فتحرق / الجلود لإيلام الأرواح واللحم والجلد
لا يألمان فإذا احترق الجلد فسواء أعيد بعينه أو أعيد غيره، أو تعاد تلك
الجلود الأول جديدة غير محترقة، أو الجلود المعادة هي سرابيل القطران سميت
جلودا لكونها لباسا لهم، لأنها لو فنيت ثم أعيدت لكان ذلك تخفيفا للعذاب
فيما بين فنائها وإعادتها، وقد قال [تعالى]: * (لا يخفف عنهم العذاب) * [البقرة:
329

162 وآل عمران: 88]
* (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58)) *
58 - * (إن الله يأمركم) * في ولاة أمور المسلمين، أو السطان أن يعظ
النساء أو للرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن طلحة، أو لكل
مؤتمن على شيء.
* (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى
الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)) *
59 - * (أطيعوا الله) * في أمره ونهيه. * (وأطيعوا الرسول) * في حياته، أو
330

باتباع سنته. * (وأولي الأمر) * نزلت في الأمراء بسبب عبد الله بن حذافة بعثه
الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية أو في عمار بن ياسر بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية، أو
نزلت في العلماء والفقهاء، أو في الصحابة، أو في أبي بكر وعمر - رضي الله
تعالى عنهما - وإنما طاعة الولاة في المعروف. * (إلى الله) * كتاب الله - تعالى -
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم * (تأويلا) * أحمد عاقبة، أو أبين صوابا، وأظهر حقا، أو أحسن
من تأويلكم الذي لا يرجع إلى أصل، ولا يفضي إلى حق.
* (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن
يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلال
بعيدا (60), إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين
يصدون عنك صدودا (61) فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت
أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا (62) أولئك
الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في
331

أنفسهم قولا بليغا) *
260 - * (الذين يزعمون أنهم) * نزلت في يهودي وأنصاري منافق اختصما
فطلب اليهودي المحاكمة إلى أهل الإسلام، لعلمه أنهم لا يرتشون وطلب
المنافق المحاكمة إلى اليهود لعلمه أنهم يرتشون، فاصطلحا أن يتحاكما إلى
كاهن من جهينة * (يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك) * أي المنافق، * (وما أنزل
من قبلك) * اليهودي. أو نزلت في اليهود، تحاكموا إلى أبي بردة الأسلمي الكاهن. * (آمنوا بما أنزل إليك) * في الحال * (وما أنزل من قبلك) * حين كانوا
يهودا * (والطاغوت) * الكاهن.
62 - * (مصيبة بما قدمت أيديهم) * لما قتل عمر - رضي الله تعالى عنه -
منافقا لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إخوانه المنافقون يطلبون دمه، يقولون ما
أردنا بطلب دمه إلا إحسانا إلينا، وما يوافق الحق في أمرنا، فنزلت، أو
332

اعتذروا في عدولهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم أرادوا التوفيق بين الخصوم بتقريب
في الحكم دون الحمل على مر الحق. فنزلت...
63 = * (يعلم الله ما في قلوبهم) * من النفاق * (فأعرض عنهم) * بالعداوة
* (وعظم) * فيما أبدوه، أو * (أعرض) * عن عقابهم * (وعظهم) * أو * (أعرض) * عن
قبول عذرهم * (وعظهم) *. * (قولا بليغا) * ازجرهم أبلغ زجر، أو قل إن أظهرتم
ما في قلوبهم قتلتكم، فإنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ.
* (وما أرسلنا من رسول إلى ليطاع بإذن الله لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم
جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما (64)
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في
أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) *
333

65 - * (شجر بينهم) * المشاجرة: المنازعة، والاختلاف لتداخل الكلام
بعضه في بعض كتداخل الشجر بالتفافها. * (حرجا) * شكا، أو إثما. نزلت في
المنافق واليهودي / اللذين
احتكما إلى الطاغوت، أو في الزبير والأنصاري
لما اختصما في شراج الحرة.
* (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلا منهم
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (66) وإذا لآتيناهم من لدنا
أجرا عظيما (67) ولهديناهم صراطا مستقيما (68) ومن يطع الله والرسول فأولائك مع
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا (69) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (7)) *
334

69 - * (الصديقين) * أتباع الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه،
[والصديق] ((فعيل)) من الصدق، أو من الصدقة، والشهيد لقيامه بشهادة الحق
حتى قتل أو لأنه من شهيد الآخرة، والصالح: من صلح عمله، أو من
صلحته سريرته وعلانيته، والرفيق: من الرفق في العمل أو من الرفق في
السير. توهم قوم أنهم لا يرون الأنبياء في الجنة، لأنهم في أعلى عليين فحزنوا
وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت.
* (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا (71) وإن منكم لمن
ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أن أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا (72) ولئن
أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم
فأفوز فوزا عظيما (73) فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة
الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا
عظيما (74)
71 - * (حذركم) * احذروا عدوكم، أو خذوا سلاحكم، سماه حذرا لأنه
يتقى به الحذر * (ثبات) * جمع ثبة، وهي العصبة، قال:
335

* لقد أغدو على ثبة كرام
* نشاوى واجدين لما نشاء
*
* (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان الذين يقولون
ربنآ أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك
نصيرا (75) الذين ءامنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت
فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا (76)) *
75 - * (القرية الظالم أهلها) * مكة إجماعا.
* (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوآ أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا
فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولآ
أخرتنآ إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا (77)
أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من
عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا
يكادون يفقهون حديثا (78) ما أصابك من حسنة فمن الله ومآ أصابك من سيئة فمن نفسك
وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا (79)) *
77 - * (فلما كتب عليهم القتال) * نزلت في قوم من الصحابة، سألوا
الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة أن يأذن لهم في القتال فيقاتلون فلما فرض القتال بالمدينة
336

قالوا ما ذكر الله في هذه الآية، أو في اليهود أو المنافقين، أو هي صفة
المؤمنين لما طبع عليه البشر من الخوف.
78 - * (بروج) * قصور في السماء معينة، أو القصور [أو] البيوت التي
في الحصون، أخذ البروج من الظهور، تبرجت المرأة: أظهرت نفسها.
* (مشيدة) * مجصصة، والشيد: الجص، أو مطولة، شاد بناءه وأشاده
رفعه، أشدت بذكر الرجل: رفعت منه، أو المشيد ' بالتشديد ' المطول،
((وبالتخفيف)) المجصص. * (وإن تصبهم حسنة) * أراد اليهود، أو المنافقين،
والحسنة والسيئة: البؤس، والرخاء، أو الخصب والجدب، أو النصر
والهزيمة. * (من عندك) * بسوء تدبيرك، أو قالوه على جهة التطير به، كقوله
[تعالى] * (وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) * [الأعراف: 132].
79 - * (ما أصابك) * أيها الإنسان، أو أيها النبي، أو خوطب به
الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد غيره. الحسنة النعمة في الدين والدنيا. والسيئة المصيبة
فيهما، أو الحسنة ما أصابه يوم بدر والسيئة ما أصابه بأحد من شج وجهه،
وكسر رباعيته، أو الحسنة: الطاعة والسيئة: المعصية قاله أبو العالية ز * (فمن نفسك) * فبذنبك، أو بفعلك.
* (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (80) ويقولون
337

طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما
يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا (81)) *
80 - * (حفيظا) * حافظا لهم من المعاصي، أو حافظا لأعمالهم التي يجازون بها.
81 - * (طاعة) * أمرنا لطاعة. * (بيت) * التبييت: كل عمل دبر بليل لأن
الليل وقت المبيت، أو وقت البيوت وتبييتهم إضمارهم مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في
أمره ونهيه، أو تقديرهم غير ما قال على جهة التكذيب. * (يكتب ما يبيتون) * في
اللوح المحفوظ ليجازيهم عليه، أو يكتبه بأن ينزله عليك / في الكتاب.
* (أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (82) وإذا
جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر
منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم
الشيطان إلا قليلا (83)) *
82 - * (يتدبرون) * من الدبور لأنه النظر في عواقب الأمور. * (اختلافا) *
تناقضا من جهة حق وباطل، أو من جهة بليغ ومرذول. أو اختلافا في تخبر
الأخبار عما يسرون.
83 - * (وإذا جاءهم) * أراد المنافقين، أو ضعفة المسلمين. * (أولي الأمر) *
العلماء، أو الأمراء، أو أمراء السرايا. * (الذين يستنبطونه منهم) * أولو الأمر، أو
المنافقون، أو ضعفه المسلمين. * (يستنبطونه) * يستخرجونه من استنباط الماء،
338

والنبط، لاستنباطهم العيون. * (فضل الله) * الرسول صلى الله عليه وسلم، أو القرآن العزيز، أو
اللطف. * (إلا قليلا) * من الأتباع، أو لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا، أو أذاعوا
به إلا قليلا قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -،
* (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين
كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا (84) من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب
منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا (85) وإذا
حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا (86) الله لا
إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا (87)
85 - * (شفاعة حسنة) * الدعاء للمؤمنين والسيئة: الدعاء عليهم كانت
اليهود تفعله فتوعدهم الله - تعالى - عليه، أو هو سؤال الرجل لأخيه أن ينال
خيرا أو شرا بمسألته. * (كفل) * وزر وإثم، أو نصيب * (يؤتكم كفلين من
رحمته) * [الحديد: 28] * (مقيتا) * مقتدرا، أو حفيظا، أو شهيدا، أو حسيبا، أو
مجازيا أخذ المقيت من القوت فسمي به المقتدر لقدرته على إعطاء القوت
وصار لكل قادر على قوت أو غيره. وقال:
* وذي ضغن كففت النفس عنه
* وكنت على مساءته مقيتا
*
86 - * (بتحية) * الدعاء بطول الحياة، أو السلام، ورده فرض عام المسلم
339

والكافر، أو يختص به المسلم. * (بأحسن منها) * الزيادة في الدعاء * (أو ردوها) *
بمثلها، أو * (بأحسن) * منها على المسلم، وبمثلها على الكافر قاله ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما - * (حسيبا) * حفيظا، أو محاسبا على العمل ليجزي
عليه، أو كافيا.
87 - * (يوم القيامة) * لقيام الناس فيه من قبورهم، أو لقيامهم فيه للحساب.
* (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل
الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (8) ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء
فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث
وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا (89) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم
وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله
لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله
لكم عليهم سبيلا (90) ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما
ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم
فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولائكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا (91)
88 - * (فما لكم في المنافقين فئتين) * نزلت فيمن تخلف بأحد وقال:
* (لو نعلم قتالا لاتبعناكم) *، أو في قوم قدموا المدينة فأظهروا الإسلام ثم
340

رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك، أو فيمن أظهر الإسلام بمكة، وأعان المشركين
على المسلمين، أو في قوم من أهل المدينة، أرادوا الخروج عنها نفاقا، أو في
قوم من أهل الأفك. * (أركسهم) * ردهم، أو أوقعهم، أو أهلكهم، أو
أضلهم، أو نكسهم. * (أتريدون أن تهدوا) * تريدون أن تسموهم بالهدى، وقد
سماهم الله - تعالى - بالضلال أو تهدوهم إلى الثواب بمدحهم، وقد
أضلهم الله - تعالى - بذمهم.
90 - * (يصلون) * يدخلون في قوم بينكم وبينهم أمان، نزلت في بني
مدلج كان بينهم وبين قريش عقد فحرم الله - تعالى - من بني مدلج ما حرم من
قريش. * (حصرت) * ضاقت، وحصر العدو، تضييقه، وهو خبر، أو دعاء.
341

* (لسلطهم) * بتقوية قلوبهم، أو أذن لهم في القتال ليدفعوا عن أنفسهم.
* (السلم) * الصلح، أو الإسلام، نسختها آية السيف.
91 - * (يريدون أن يأمنوكم) * قوم أظهروا الإسلام، ليأمنوا المسلمين
وأظهروا موافقة قومهم، ليأمنوهم، وهم من أهل مكة، أو من أهل تهامة، أو
من المنافقين، أو نعيم بن مسعود الأشجعي * (الفتنة) * كلما ردوا إلى المحنة في
إظهار الكفر رجعوا فيه.
* (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة
مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم
وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم
ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما (92)
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله
عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93)) *
92 - * (وما كان لمؤمن) * نزلت في عياش بن أبي ربيعة قتل
342

الحارث بن يزيد وكان يعذب عياشا ثم أسلم الحارث وهاجر فقتله عياش
بالحرة وهو لا يعلم بإسلامه، أو قتله يوم الفتح خارج مكة، وهو لا يعلم
إسلامه * (وما كان لمؤمن) * أي ما أذن الله له لمؤمن * (إلا خطأ) * استثناء
منقطع. * (رقبة مؤمنة) * بالغة قد صلت وصامت، لا يجزي غيرها، أو تجزى
الصغيرة المتولدة من مسلمين. * (ودية) * كانت معلومة معهودة، أو هي مجملة
أخذ بيانها من السنة. * (من قوم عدو لكم) * كان قومه كفارا فلا دية فيه، أو كان
في أهل الحرب فقتله من لا يعلم إيمانه فلا دية فيه مسلما كان وارثه أو كافرا
فيكون ' من ' بمعنى ' في ' قاله الشافعي - رضي الله تعالى عنه - * (بينكم وبينهم ميثاق) * أهل الذمة من أهل الكتاب، فيهم الدية والكفارة، أو أهل عهد
الرسول صلى الله عليه وسلم من العرب خاصة، أو كل من له أمان بذمة أو عهد ففيه الدية
والكفارة. * (فمن لم يجد) * الرقبة، صام بدلا من الرقبة وحدها عند الجمهور،
أو الصوم عند العدم بدل من الدية والرقبة قاله مسروق.
343

93 - * (ومن يقتل مؤمنا) * نزلت في مقيس بن صبابة قتل أخاه رجل فهري
فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم ديته، وضربها على بني النجار، فقبلها مقيس ثم أرسله
النبي صلى الله عليه وسلم مع الفهري لحاجة فاحتمل الفهري وضرب به الأرض، ورضخ رأسه بين
حجرين، فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه، فقتل عام الفتح، قال زيد بن ثابت: نزلت
الشديدة بعد الهينة بستة أشهر، الشديدة * (ومن يقتل مؤمنا) *، والهينة: * (والذين لا يدعون) * [الفرقان: 68]، وقيل للرسول في الشديدة: ' وإن تاب وآمن
وعمل
صالحا ' فقال: وأنى له التوبة، رواه ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
344

صفحة فارغة.
345

* (يا أيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم
السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم
كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله
كان بما تعملون خبيرا (94) لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر
والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على
القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (95)
درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما (96)) *
94 - * (إذا ضربتم) * لقيت سرية للرسول صلى الله عليه وسلم رجلا معه غنيمات، فسلم
عليهم، وأتى بالشهادتين، فقتله أحدهم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لم قتلته،
وقد أسلم؟ فقال: إنما قالها متعوذا، قال: هلا شققت عن قلبه؟ ثم وداه
الرسول صلى الله عليه وسلم ورد على أهله غنمه، قتله أسامة بن زيد، أو المقداد، أو
346

أبو الدرداء / أو عامر بن الأضبط، أو محلم بن جثامة، ويقال:
لفظت الأرض قاتله ثلاث مرات، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم إن الأرض لتقبل من هو
شر منه، ولكن الله - تعالى - جعله لكم عبرة، وأمر أن تلقى عليه
الحجارة * (كذلك كنتم) * كفارا فمن الله - تعالى - عليكم بالإسلام.
* (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا
ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا (97) إلا
347

المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (98)
فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا (99) ومن يهاجر في سبيل الله يجد
في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد
وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما (100)) *
100 - * (مراغما) * متحولا من أرض إلى أرض، أو مطلبا للمعيشة، أو
مهاجرا، أو مندوحة عما يكره، أو ما يرغم به قومه، لأن من هاجر راغبا عن
قومه، فقد راغمهم، أخذ ذلك من الرغم وهو الذل، والتراب رغام لذلته،
والرغام ما يسيل من الأنف.
* (وسعة) * في الرزق، أو في إظهار الدين، أو من الضلالة إلى الهدي،
ومن العيلة إلى الغنى.
* (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين
كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا (101)) *
348

101 - * (وإذا ضربتم) * سرتم، لضربهم الأرض بأرجلهم في السير. * (أن تقصروا) * الأركان بالإيماء عند التحام القتال مع بقاء عدد الصلاة، أو تقصروا من
أربع إلى اثنتين في الخوف دون الأمن، أو تقصروا في الخوف إلى ركعة وفي
الأمن إلى ركعتين، أو في الأمن والخوف إلى ركعتين لا غير.
* (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم
فإذا سجدوا فليكونوا من ورآئكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا
معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم
وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من
مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد
للكافرين عذابا مهينا (102)) *
102 - * (وإذا كنت فيهم) * أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصلاة الخوف، وهي خاصة
به أو عامة لأمته عند الجمهور. * (وليأخذوا أسلحتهم) * يعني المصلين، قاله
الشافعي - رضي الله تعالى عنه - أو الحارسين. * (فإذا سجدوا) * المصلون ركعة
واحدة عند من رأى صلاة ركعة فليكن المصلون من ورائكم بإزاء العدو، أو إذا
صلوا بعد مفارقة الإمام ركعة أخرى فليكونوا من ورائكم، أو لا يتمون الركعة
الثانية إلا بعد وقوفهم بإزاء العدو، * (ولتأت طائفة أخرى) * وهم الذين كانوا بإزاء
العدو فيصلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الباقية عليه، ثم يسلمون معه عند من
جعلها ركعة، أو تتم الركعتين وتفارقه قبل التشهد، أو بعده وتركع الركعة الثانية
قبل وقوفها بإزاء العدو، أو تقف بإزائه وتنصرف الطائفة الأولى، فتأتي بركعة ثم
ترجع إلى مواجهة العدو، ثم تخرج الثانية فتكمل صلاتها، وهذه الصلاة نحو
349

صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع.
* (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم
فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (103) ولا تهنوا في
ابتغاء القوم إن تكونوا تالمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا
يرجون وكان الله عليما حكيما (104)) *
103 - * (فإذا قضيتم الصلاة) * في خوف، أو أمن * (فاذكروا الله) * تعالى
عقبها بالتعظيم والتسبيح والتقديس. * (فإذا اطمأننتم) * أقمتم فأتموها من غير
قصر، وإذا أمنتم من الخوف فأتموا الركوع والسجود بغير إيماء. * (موقوتا) *
فرضا واجبا، أو مؤقتة بنجومها كلما مضى نجم جاء نجم.
104 - * (ولا تهنوا) * لا تضعفوا في طلبهم للحرب. * (وترجون) * من
نصر الله ما لا يرجون، أو من ثوابه ما لا يرجون، أو تخافون منه ما لا يخافون
* (ما لكم لا ترجون لله وقارا) * [نوح: 13].
350

* (إنا أنزلنآ إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخآئنين
خصيما (105) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما (106) ولا تجادل عن الذين
يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما (107)، يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون
محيطا، هاأنتم هؤلاء جادلتهم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم
يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) *
105 - * (إنا أنزلنا إليك) * نزلت في طعمة بن أبيرق / أودع درعا
وطعاما فجحد ولم تقم عليه بينة، فهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالدفع عنه، فبين الله -
تعالى - أمره، أو سرق درعا وطعاما، فأنكره واتهم به أنصاريا، أو يهوديا،
وألقاه في منزله.
* (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما (110) ومن
يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما (111) ومن يكسب خطيئة
أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا (112) ولولا فضل الله عليك ورحمته
351

لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من
شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل
الله عليك عظيما (113) لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو
معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه
أجرا عظيما (114) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل
المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرا (115)) *
112 - * (ثم يرم به بريئا) * أراد الذي اتهمه طعمة فلما نزلت فيه الآية،
ارتد طعمة، ولحق بمشركي مكة، فنزلت، * (ومن يشاقق الرسول) * [115].
* (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل
352

ضلالا بعيدا (116) إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا
مريدا (117) لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا (118) ولأضلنهم
ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن ءاذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق
الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا
مبينا (119) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (120) أولئك مأواهم
جهنم ولا يجدون عنها محيصا (121) والذين ءامنوا وعملوا الصالحات
سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا وعد الله حقا ومن
أصدق من الله قيلا (122)) *
117 - * (إناثا) * اللات والعزى ومناة، أو الأوثان، وفي مصحف
عائشة - رضي الله تعالى عنها وعن أبيها - ' إلا أوثانا '، أو الملائكة، لزعمهم
أنهم بنات الله تعالى، أو موات لا روح فيه، لأن إناث كل شيء أرذله، قاله ابن
عباس - رضي الله تعالى عنهما -,
119 - * (ولأضلنهم) * عن الإيمان، * (ولأمنينهم) * بطول الأمل، ليؤثروا
الدنيا على الآخرة. * (فليبتكن آذان الأنعام) * ليقطعنها نسكا لآلهتهم كالبحيرة
والسائبة. * (خلق الله) * دينه، أو أراد خصاء البهائم، أو الوشم.
353

* (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من
دون الله وليا ولا نصيرا (123) ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو
مؤمن فأولائك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (124) ومن أحسن دينا ممن أسلم
وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا (125) ولله ما
في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا (126)
123 - * (ليس) * (الثواب) * (بأمانيكم) * يا أهل الإسلام، أو يا عبدة الأوثان،
* (ولا أماني أهل الكتاب) * لا يستحق بالأماني بل بالأعمال الصالحة. * (سوءا) *
شركا، أو الكبائر، أو ما ينال المسلم من الأحزان والمصائب في الدنيا فهو
جزاء عن سيئاته، ولما نزلت شقت على المسلمين فشكوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
فقال: ((قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها
والشوكة يشاكها)) وقال أبو بكر - رضي الله تعالى عنه -: ما أشد هذه،
354

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكر إن المصيبة في الدنيا جزاء)).
* (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في
يتامى النساء اللاتي التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين
من الوالدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما (127)) *
127 - * (ويستفتونك في النساء) * كانوا لا يورثون النساء ولا الأطفال فلما
نزلت المواريث شق عليهم فسألوا فنزلت * (ولا تؤتونهن ما كتب لهن) * من
الميراث، أو كانوا لا يأتون النساء صدقاتهن بل يتملكه الأولياء فلما نزل * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * [4] سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت فقوله * (
لا تؤتونهن ما كتب لهن) * أراد به ((الصداق)) * (وترغبون) * عن نكاحهن لقبحهن وتمسكوهن رغبة
في أموالهن، أو * (ترغبون) * في نكاحهن رغبة في أموالهن، أو جمالهن.
355

* (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا
والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما
تعملون خبيرا (128) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا
تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان
غفورا رحيما (129) وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا
حكيما (130)) *
128 - * (نشوزا) * ترفعا عنها لبغضها * (أو إعراضا) * انصرافا عن الميل إليها
لموجدة أو أثرة، لما هم الرسول صلى الله عليه وسلم بطلاق سودة جعلت يومها لعائشة -
رضي الله تعالى عنها وعن أبيها - على أن لا يطلقها، فنزلت، أو هي عامة
في كل امرأة خافت النشوز أو الإعراض. * (صلحا) * بترك مهر، أو إسقاط قسم.
356

* (والصلح خير) * من الفرقة، أومن النشوز / والإعراض. * (وأحضرت الأنفس الشح) * أنفس النساء عن حقوقهن على الأزواج وعن أموالهن، أو نفس كل واحد
من الزوجين بحقه على صاحبه.
129 - * (تعدلوا بين النساء) * في المحبة. * (ولو حرصتم) * أن تعدلوا في
المحبة، أو لو حرصتم في الجماع، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -
* (كل الميل) * أن يميل بفعله كما مال بقلبه. * (كالمعلقة) * لا أيما ولا ذات بعل.
* (ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتو الكتاب من قبلكم
وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا
حميدا (131) ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا (132) إن يشأ
يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا (133) من كان يريد
ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا (134)
133 - * (ويأت بآخرين) * لما نزلت ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بيده على ظهر
سلمان، فقال ((قوم هذا)) يعني عجم الفرس.
134 - * (ثواب الدنيا) * الغنيمة، وثواب * (الآخرة) * (الجنة) * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين
357

والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن
تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (135)
135 - * (قوامين بالقسط) * بالعدل. * (شهداء لله) * بالحق * (ولو على أنفسكم) * بالإقرار. * (فلا تتبعوا الهوى) اختصم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم غني وفقير
فكان ضلعه مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني، فنزلت، أو نزلت في
الشهادة لهم وعليهم.
* (وإن تلوا) * أمور الناس، أو تتركوا، خطاب للولاة والحكام. * (تلووا) *
كم لي اللسان بالشهادة، فيكون الخطاب للشهود قاله ابن عباس - رضي الله
عنهما -.
* (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله
والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا (136)) *
1360 * (يا أيها الذين آمنوا) * بمن تقدم من الأنبياء. * (آمنوا بالله ورسوله) *
خطاب لليهود، أو المنافقين، يا أيها الذين آمنوا بأفواههم آمنوا بقلوبكم، أو
للمؤمنين يا أيها الذين آمنوا دوموا على إيمانكم.
358

* (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم
ولا ليهديهم سبيلا (137) بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما (138) الذين يتخذون الكافرين
أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا (139) وقد نزل
عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى
يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم
جميعا (140)
137 - * (آمنوا) * (بموسى) * (ثم كفروا) * بعبادة العجل * (ثم آمنوا) * بموسى
بعد عوده * (ثم كفروا) * (بعيسى) * (ثم ازدادوا كفرا) * بمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين -
أو المنافقون آمنوا ثم ارتدوا ثم آمنوا، ثم ارتدوا ثم ماتوا على كفرهم، أو قوم
من أهل الكتاب قصدوا تشكيك المؤمنين فأظهروا الإيمان ثم الكفر ثم ازدادوا
كفرا بثبوتهم عليه فيستتاب المرتد ثلاث مرات فإن عاد قتل بغير استتابة، لأجل
هذه الآية قاله علي - رضي الله تعالى عنه -، أو يستتاب كلما ارتد عند
الجمهور.
* (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين
نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم
القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (141)) *
141 - * (ألم نكن معكم) * فأعطونا من الغنيمة. * (نستحوذ) * نستولي
عليكم بالنصر والمعونة. * (ونمنعكم من المؤمنين) * بالتخذيل عنكم، أو ألم
نبين لكم أنا على دينكم، أو ألم نغلب عليكم، أصل الاستحواذ: الغلبة.
* (على المؤمنين سبيلا) * في الآخرة، أو حجة.
359

* (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون
الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا (142) مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء
ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (143) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء
من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا (144) إن المنافقين في
الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (145) إلا الذين تابوا وأصلحوا
واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله
المؤمنين أجرا عظيما (146) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم وكان
الله شاكرا عليما (147)) *
142 - * (يخادعون الله) * جعل خداعهم للرسول صلى الله عليه وسلم بما أظهروه من
الإيمان خداعا له * (خادعهم) * يجزيهم على خداعهم، سمي الجزاء باسم الذنب،
أو أمر فيهم كعمل الخادع؛ بأمره بقبول إيمانهم، أو ما يعطيهم في الآخرة من
نور يمشون به مع المؤمنين ثم يطفأ عند الصراط فذلك خدعه إياهم. * (إلا قليلا) * أي ذكر الرياء حقيرا يسيرا /، لاقتصارهم على ما يظهر من التكبير دون
ما يخفى من القراءة والتسبيح.
* (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما (148) إن تبدوا
خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا (149) إن الذين يكفرون بالله
ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض
360

ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150) أولئك هم الكافرون
حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (151) والذين ءامنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين
أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما (152)) *
148 - * (إلا من ظلم) * فيدعو على ظالمه، أو يخبر بظلمه إياه، أو
فينتصر منه، أو ينزل برجل فلا يحسن ضيافته فله أن يجهر بذمه.
149 - * (إن تبدوا خيرا) * بدلا من السوء، أو تخفوا السوء وإن لم تبدوا
خيرا * (عفوا) * عن السوء، كان أولى، وإن كان ترك العفو جائزا.
- * (يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من
ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما
جاءتهم البينات فعفونا ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا (153)، ورفعنا فوقهم الطور
بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعتدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا
غليظا (154)) *
153 - * (كتابا من السماء) * سأله اليهود أن ينزل كتابا مكتوبا، كما نزلت الألواح
على موسى صلى الله عليه وسلم، أو سألوه نزول ذلك عليهم خاصا تحكما في طلب الآيات، أو
361

سألوه أن ينزل على طائفة من رؤسائهم كتابا بتصديقه * (جهرة) * معاينة، أو قالوا
جهرة أرنا الله، قاله ابن عباس - رضى الله تعالى عنهما -، * (بظلمهم) * لأنفسهم، أو
بظلمهم في سؤالهم.
154 - * (الباب) * باب الموضع الذي عبدوا فيه العجل، وهو باب من
أبواب بيت المقدس، أو باب حطة. * (لا تعدوا) * بارتكاب المحظورات، * (لا تعدوا) * الواجب. * (ميثاقا غليظا) * هو ميثاق آخر غير الميثاق الأول، * (غليظا) *
العهد بعد اليمين، أو بعض العهد ميثاق غليظ.
* (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بئايات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف
بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (155) وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا
عظيما (156) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه
ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما
قتلوه يقينا (157) بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما (158) وإن من أهل الكتاب إلا
ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا (159) فبظلم من الذين هادوا
حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (160) وأخذهم الربا وقد
نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما (161) لكن
362

الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك والمقيمين
الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا
عظيما (162) إنآ أوحينآ إليك كما أوحينآ إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينآ إلى
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون
وسليمان وآتينا داوود زبورا (163) ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم
نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما (164) رسلا مبشرين ومنذرين لئلا
يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (165) لكن الله يشهد بما
أنزل إليك أنزله بعلمه والملآئكة يشهدون وكفى بالله شهيدا (166) إن الذين
كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا (167) إن الذين كفروا وظلموا
لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168) إلا طريق جهنم خالدين فيهآ أبدا
وكان ذلك على الله يسيرا (169) يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم
فئامنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما (170)) *
155 - * (غلف) * أوعية للعلم، ومع ذلك فلا تفهم حجتك ولا إعجازك،
أو محجوبة عن فهم دلائل صدقك كالمحجوب في غلافه. * (طبع الله عليها) *
ذمهم بأن قلوبهم كالمطبوع عليها فلا تفهم أبدا، أو جعل عليها علامة تدل
الملائكة على كفرهم كعلامة المطبوع. * (إلا قليلا) * منهم، أو إلا بقليل وهو
363

إيمانهم ببعض الأنبياء دون بعض.
157 - * (رسول الله) * في زعمه، من قول اليهود، أو هو من قول الله -
تعالى - لا على جهة الحكاية. * (شبه لهم) * كانوا يعرفونه، فألقي شبهه على
غيره فقتلوه، أو لم يكونوا يعرفونه بعينه، وإن كان مشهورا بينهم بالذكر فارتشى
منهم مرتشي ثلاثين درهما ودلهم على غيره، أو كانوا يعرفونه فخاف الرؤساء
فتنة العوام بأن الله منعهم فقتلوا غيره إيهاما أنه المسيح ليزول افتتانهم به. * (وإن الذين اختلفوا) * قبل القتل فقال بعضهم: هو إله، وقال آخرون: هو ولد وقال آخرون: ساحر. * (إلا اتباع الظن) * الشك الذي حدث فيهم بالاختلاف، أو ما
لهم بحاله من علم هل كان رسولا، أو غير رسول؟ إلا اتباع الظن. * (يقينا) *
وما قتلوا ظنهم يقينا كقولك: ما قتلته علما، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى
عنهما - أو ما قتلوا أمره يقينا، إن الرجل هو المسيح أو غيره، أو ما قتلوه حقا.
158 - * (رفعه الله إليه) * إلى سمائه /، أو إلى موضع لا يجري فيه حكم أحد من العباد.
159 - * (إلا ليؤمنن به) * بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي، أو بالمسيح قبل موت المسيح إذا نزل من السماء، أو قبل موت الكتابي يؤمن بما نزل من الحق
وبالمسيح. * (شهيدا) * على نفسه بالعبودية وتبليغ الرسالة، أو بتكذيب المكذب
وتصديق المصدق من أهل عصره.
* (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح
عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم ورح منه فآمنوا بالله
ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن
يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا (171) لن
يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن
عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا (172) فأما الذين آمنوا وعملوا
364

الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا
واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا (173)
171 - * (لا تغلوا) * لليهود أو لليهود والنصارى غلوا في المسيح، فقالت
النصارى هو الرب، وقالت اليهود لغير رشدة، والغلو: مجاوزة الحد، غلا
السعر: جاوز الحد في الزيادة، وغلا في الدين: أفرط في مجاوزة الحق. * (إلا الحق) * لا تقولوا المسيح إلاه ولا لغير رشدة. * (وكلمته) *، لأن الله - تعالى -
كلمه حين قال له: ((كن))، أو لأنه بشارة بشر الله بها، أو لأنه يهتدي به كما يهتدي بكلام الله. * (وروح منه) * أضافه إليه تشريفا، أو لأن الناس يحيون به كما
يحيون بالأرواح، أو لأن جبريل - عليه السلام - نفخ فيه الروح بإذن الله -
تعالى - والنفخ في اللغة: يسمى روحا. * (ثلاثة) * أب وابن وروح القدس، أو
قول من قال: آلهتنا ثلاثة.
يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174) فأما الذين
آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا
مستقيما (175)
174 - * (برهان) * النبي صلى الله عليه وسلم لما معه من المعجز. * (نورا) * القرآن،
لإظهاره للحق كما تظهر المرئيات بالنور.
175 - * (واعتصموا به) * بالقرآن، أو بالله تعالى. * (ويهديهم) * يعطيهم في
الدنيا ما يؤديهم إلى نعيم الآخرة، أو يأخذ بهم في الآخرة إلى طريق الجنة.
365

* (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها
نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك
وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا
والله بكل شيء عليم (176)) *
176 - * (يستفتونك) * آخر سورة أنزلت كاملة سورة براءة،, وآخر آية نزلت
* (يستفتونك) * ولما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم جابرا - رضي الله تعالى عنه - في
مرضه، سأله كيف يصنع بماله، وكان له تسع أخوات فنزلت.
366

((سورة المائدة))
((مدنية))
((بسم الله الرحمن الرحيم))
* (يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي
الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد (1) يا أيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعآئر الله ولا
الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولآ ءآمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم
ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد
الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله
إن الله شديد العقاب (2)) *
1 - * (بالعقود) * عهود الله التي أخذ بها الإيمان على عباده فيما أحل وحرم،
أو ما أخذ على أهل الكتاب أن يعملوا بما في التوراة والإنجيل من [تصديق] صفة
محمد صلى الله عليه وسلم أو العهد والحلف الذي كان في الجاهلية أو عهود الدين كلها، أو عقود
الناس كالبيع والإجارة وما يعقده على نفسه من نذر أو يمين. * (بهيمة الأنعام
367

الإبل والبقر والغنم، أو أجنة الأنعام إذا ذكيت فوجد الجنين ميتا، أو بهيمة الأنعام
وحشيها كالظباء وبقر الوحش ولا يدخل فيها الحافر لأنه مأخوذ من نعمة الوطء.
2 - * (شعائر الله) * معالم الله من الإشعار وهو الإعلام: مناسك الحج، أو
محرمات الإحرام، أو حرم الله، أو حدوده في الحلال والحرام والمباح، أو
دينه كله * (ومن يعظم شعائر الله) * [الحج: 32] أي دين الله. * (الشهر الحرام) * لا
تقاتلوا فيه وهو رجب أو ذو القعدة أو الأشهر الحرم. * (الهدى) * كل ما يهدى
إلى البيت من شيء، أو ما لم يقلد من النعم وقد / جعل على نفسه أن يهديه
ويقلده. * (القلائد) * قلائد الهدي، أو كانوا إذا حجوا تقلدوا من لحاء الشجر ليأمنوا في ذهابهم وإيابهم، أو كانوا يأخذون لحاء شجر الحرم إذا خرجوا منه
فيتقلدون ليأمنوا فنهوا عن نزع شجر الحرم. * (امين) *: قاصدين أممت كذا
قصدته. * (فضلا) * أجرا، أو ربح تجارة * (رضوانا) * من الله تعالى عنهم بنسكهم. * (يجرمنكم) *: يحملنكم، جرمني فلان على بغضك حملني، أو
يكسبنكم، جرمت على أهلي: كسبت لهم. * (شنآن) *: بغض، أو عداوة.
أتى الحطم بن هند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إلام تدعو؟ فأخبره، فخرج فمر
بسرح من سرح المدينة فاستاقه، ثم أقبل من العام المقبل حاجا مقلدا الهدي
فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه فنزلت فقال ناس من الصحابة - يا رسول الله
خل بيننا وبينه فإنه صاحبنا فنزلت. ثم نسخ جميعها، أو نسخ منها ولا الشهر
368

الحرام، ولا آمين البيت الحرام، أو نسخ التقلد بلحاء الشجر فاتفقوا على نسخ
بعضها.
* (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة
والمتردية والنطيحة ومآ أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا
بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في
مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم (3)) *
3 - * (الميت) * كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره، أوكل ما
فارقته الحياة من دواب البر وطيره. * (والدم) * محرم إذا كان مسفوحا، فلا
يحرم دم السمك، [أو] المسفوح وغيره حرام إلا ما خصته السنة من الكبد
369

والطحال فحرم دم السمك. * (لحم الخنزير) * يخصه التحريم عند داود ويعم
باقي أجزائه عند الجمهور، ولا فرق بين الأهلي والوحشي. * (وما أهل) * ذبح
لغير الله من صنم أو وثن، استهل الصبي صاح، ومنه إهلال الحج.
* (المنخنقة) * بحبل الصائد وغيره حتى تموت، أو التي توثق فيقتلها خناقها.
* (والموقوذة) * المضروبة بالخشب حتى تموت. وقذه وقذا: ضربه حتى أشفى
على الهلاك. * (المتردية) * من رأس جبل أو بئر. * (النطيحة) * التي تنطحها أخرى
فتموت. * (إلا ما ذكيتم) * من المنخنقة، وما بعدها عند الجمهور أو مما أكل
السبع خاصة، والأكيلة التي تحلها الذكاة هي التي فيها حياة قوية لا كحركة
المذبوح، أو يكون لها عين تطرف وذنب يتحرك. * (تستقسموا) * تطلبوا علم ما
قسم لكم من رزق أو حاجة. * (بالأزلام) * قداح مكتوب على أحدها أمرني ربي،
وعلى الآخر نهاني ربي، والآخر غفل، كانوا إذا أرادوا أمرا ضربوا بها، فإن
خرج أمرني ربي فعلوه، وإن خرج نهاني تركوه، وإن خرج الغفل أعادوه، سمي
ذلك استقساما لطلبهم علم ما قسم لهم، أخذ من قسم اليمين لأنهم التزموا
بالقداح ما يلتزمونه باليمين. * (ذلكم) * الذي نهيتم عنه فسق وخروج عن الطاعة.
* (يئس الذين كفروا) * من دينكم أن ترتدوا عنه، أو أن يبطلوه أو يقدحوا في
صحته، وكان ذلك يوم عرفة في حجة الوداع بعد دخول العرب في الإسلام
حين لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم مشركا * (فلا تخشوهم) * أن يظهروا عليكم واخشوا
مخالفتي * (اليوم أكملت) * يوم عرفة في حجة الوداع، ولم يعش بعد ذلك إلا
إحدى وثمانين ليلة، أو زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كله إلى أن نزل ذلك يوم عرفة
وإكماله بإكمال فرائضه
وحلاله وحرامه فلم ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها شيء
من الفرائض من تحليل ولا تحريم، أو بإكمال الحج فلا يحج معكم مشرك.
* (وأتممت عليكم نعمتي) * بإكمال الدين * (ورضيت لكم) * الاستسلام لأمري
* (دينا) * أي طاعة. * (فمن اضطر) * أصابه ضر من الجوع. * (مخمصة) * مفعلة
كمبخلة ومجبنة ومجهلة ومحزنة، من الخمص وهو اضطمار البطن من الجوع
* (متجانف) * متعمد أو مائل. جنف القوم مالوا، وكل أعوج فهو أجنف. نزلت
370

هذه السورة والرسول صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة، أو في مسير له من حجة الوداع،
أو يوم الاثنين بالمدينة.
* (يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما
علمكم الله فكلوا ممآ أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع
الحساب (4)) *
4 - * (الطيبات) *: الحلال وإن لم يكن مستلذا تشبيها بالمستلذ، قلت وهو
بعيد إذ لا جواب فيه. * (وما علمتم) * وصيد ما علمتم * (الجوارح) *
الكواسب، فلان جارحة أهله أي كاسبهم * (مكلبين) * بالكلاب وحدها فلا يحل
إلا صيد الكلب، أو بالكلاب وغيرها أي مضرين على الصيد كما تضرى
الكلاب، أو التكليب من صفة الجارح المعلم * (تعلمونهن) * من طلب الصيد
* (مما علمكم الله) * من تأديبه فإن أكل الجارحة من الصيد فيحل، أو لا يحل،
أو يحل في جوارح الطير دون السباع. لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب قالوا
371

يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فسكت فنزلت، أو
سأله زيد الخير فقال يا رسول الله فينا رجلان يقال لأحدهما ذريح والآخر
يكنى أبا دجانة لهما أكلب خمسة تصيد الظباء فما ترى في صيدها؟ فنزلت.
* (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا ءاتيتموهن
أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط
عمله وهو في الآخرة من الخاسرين (5)) *
372

5 - * (طعام الذين أوتوا الكتاب) * ذبائحهم وطعامهم. * (والمحصنات) *
حرائر الفريقين عفيفات أو فاجرات، أو العفائف من الحرائر والإماء، ومحصنات
أهل الكتاب المعاهدات دون الحربيات، أو المعاهدات والحربيات عند
الجمهور. * (محصنين) * أعفاء * (مسافحين) * زناة * (متخذي أخدان) *: ذات خليل
تقيم معه على السفاح.
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا
وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغآئط أو لامستم النساء فلم
تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد
الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم
لعلكم تشكرون (6)) *
6 - * (إذا قمتم) * إذا أردتم القيام إلى الصلاة محدثين، أو يجب على كل
قائم إلى الصلاة أن يتوضأ ولا يجوز أن يجمع فريضتين بوضوء واحد يروى عن
عمر وعلي رضي الله - تعالى - عنهما، أو كان واجبا على كل قائم إلى الصلاة
فنسخ إلا عن المحدث ' وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة ثم جمع الصلوات
يوم الفتح بوضوء واحد '. وكان قد أمر بالوضوء لكل صلاة فلما شق عليه
373

أمر بالسواك ورفع الوضوء.
* (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا
واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور (7) يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله
شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب
للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8) وعد الله الذين ءامنوا
وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم (9) والذين كفروا وكذبوا
بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (10) يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمت
الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم
واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (11)) *
8 - * (بالقسط) * بالعدل شهداء لحقوق الناس / أو بما يكون من معاصيهم،
أو شهداء لأمر الله بأنه حق.
11 - * (إذ هم قوم) * بعثت قريش رجلا ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله -
تعالى - على ذلك فنزلت هاتان الآيتان أو خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير
374

يستعين بهم في دية فهموا بقتله فنزلت تذكرهم نعمته عليهم بخلاص
نبيهم صلى الله عليه وسلم.
* (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرآءيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا
وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وءاتيتم الزكاة وءامنتم برسلي
وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم
ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك
منكم فقد ضل سواء السبيل (12) فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا
قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به
ولا تزال تطلع على خآئنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب
المحسنين (13) ومن الذين قالوآ إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا
375

حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القيامة
وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون (14)) *
12 - * (ميثاق بني إسرائيل) *: بإخلاص العبادة ولزوم الطاعة * (نقيبا) *
أخذ من كل سبط منهم نقيب وهو الضمين، أو الأمين، أو الشهيد على قومه،
والنقب في اللغة الواسع. فنقيب القوم هو الذي ينقب عن أحوالهم، بعثوا
ضمناء لقومهم بما أخذ به ميثاقهم، أو بعثوا إلى الجبارين ليقفوا على أحوالهم،
فرجعوا ينهون عن قتالهم لما رأوا من شدة بأسهم وعظم خلقهم إلا اثنين
منهم. * (وعزرتموهم) * نصرتموهم، أو عظمتموهم، مأخوذ من المنع عزرته عزرا
رددته عن الظلم.
13 - * (قاسية) * من القسوة وهو الصلابة و * (قسية) * أبلغ من قاسية، أو
بمعنى فاسدة * (يحرفون الكلم) * بالتغيير والتبديل وسوء التأويل * (حظا) * نصيبهم
من الميثاق المأخوذ عليهم. * (خائنة) * خيانة، أو فرقة خائنة * (فاعف عنهم
واصفح) * (نسختها) * (قاتلوا الذين لا يؤمنون) * [التوبة: 29] أو * (وإما تخافن من
قوم خيانة) * [الأنفال: 58] أو هي محكمة في العفو والصفح إذا رآه.
* (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم
تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور
وكتاب مبين (15) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام
376

ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط
مستقيم (16)) *
15 - * (تخفون) * من نبوة - محمد صلى الله عليه وسلم ورجم الزانيين. * (نور) *
محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن العزيز.
16 - * (السلام) *: هو الله، أو السلامة من المخاوف * (الظلمات) * (الكفر و) * (النور) * (الإيمان) * (صراط مستقيم) * طريق الحق ودين الحق،
أو طريق الجنة
في الآخرة.
* (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من
الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض
جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل
شيء قدير (17) وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم
بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك
السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير (18) يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا
يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جآءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير
ونذير والله على كل شيء قدير (19)) *
18 - * (أبناء الله) * خوف الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود فقالوا: لا تخوفنا
نحن أبناء الله وأحباؤه ' أو قالوا ذلك على معنى قرب الولد من الوالد، أو
377

زعمت اليهود أن الله - تعالى - أوحى إلى إسرائيل [أن ولدك بكري من الولد]
فقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه. وقالته النصارى لما رأوا في الإنجيل من قوله:
' أذهب إلى أبي وأبيكم ' أو لأجل قولهم: ' المسيح ابن الله ' وهم يرجعون إليه
فجعلوا أنفسهم أبناء الله وأحباءه، فرد عليهم بقوله * (فلم يعذبكم بذنوبكم) * لأن
الأب المشفق لا يعذب ولده ولا المحب حبيبه.
* (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء
وجعلكم ملوكا وءاتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين (20) يا قوم ادخلوا الأرض
المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين (21) قالوا يا موسى
إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا
داخلون (22) قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم
الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوآ إن كنتم مؤمنين (23) قالوا
يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلآ إنا هاهنا
قاعدون (24) قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم
الفاسقين (25) قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس
على القوم الفاسقين (26)) *
20 - * (أنبياء) * الذين جاءوا بعد موسى صلى الله عليه وسلم أو السبعون الذين اختارهم
378

موسى صلى الله عليه وسلم. * (ملوكا) * لأنفسكم بالتخليص من استعباد القبط، أو كل واحد ملك
لنفسه وأهله وماله، أو كانوا أول من ملك الخدم من بني آدم، أو جعلوا ملوكا
بالمن والسلوى والحجر، أو كل من ملك دارا وزوجة وخادما فهو ملك من
سائر الناس. * (ما لم يؤت أحدا) * / المن والسلوى والغمام والحجر، أو كثرة
الأنبياء والآيات التي جاءتهم.
21 - * (الأرض المقدسة) * بيت المقدس، أو الشام، أو دمشق وفلسطين
وبعض الأردن. المقدسة: المطهرة. * (كتب الله لكم) * هبة منه ثم حرمها
عليهم بعصيانهم * (ولا ترتدوا) * عن طاعة الله - تعالى - أو عن الأرض التي أمرتم
بدخولها.
22 - * (جبارين) * الجبار الذي يجبر الناس على ما يريد، وجبر العظم لأنه
كالإكراه له على الصلاح، نخلة جبارة: فاتت اليد طولا لامتناعها كامتناع الجبار
من الناس.
23 - * (الذين يخافون) * الله، أو يخافون الجبارين فلم يمنعهم خوفهم من
قول الحق. * (أنعم الله عليهما) * بالإسلام، أو بالتوفيق للطاعة، كانا من الجبارين
فأسلما قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو كانا في مدينة الجبارين
على دين موسى صلى الله عليه وسلم، أو كانا من النقباء يوشع بن نون وكلاب بن يوقنا.
* (فإنكم غالبون) * قالوا ذلك لعلمهم أن الله - تعالى - كتبها لهم، أو لعلمهم أن
الله - تعالى - ينصرهم على أعدائه.
* (واتل عليهم نبأ ابنىءادم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من
الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني
ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (28) إني أريد أن تبوأ
379

بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (29) فطوعت له نفسه
قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه
كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري
سوءة أخي فأصبح من النادمين (31)) *
27 - * (ابني آدم) * رجلان من بني إسرائيل قاله الحسن، أو قابيل وهابيل
ابنا آدم - عليه الصلاة والسلام - لصلبه. * (قربانا) * برا يقصد به التقرب من
رحمة الله - تعالى - قرباه لغير سبب، أو لسبب على الأشهر، كانت حواء تضع
في كل عام غلاما وجارية فيتزوج الغلام بالجارية من البطن الآخر، ولم يزل
بنو آدم في نكاح الأخوات حتى مضت أربعة آباء فنكح ابنة عمه وذهب نكاح
الأخوات، فلما أراد هابيل أن يتزج بتوأمه قابيل منعه لأنه وتوأمته أحسن من
هابيل وتوأمته، أو لأنهما من ولادة الجنة وهابيل وتوأمته من ولادة الأرض،
فكان هابيل راعيا فقرب سخلة سمينه من خيار ماله، وكان قابيل حراثا فقرب
جرزه سنبل من شر ماله فنزلت نار بيضاء فرفعت قربان هابيل علامة لقبوله
وتركت قربان قابيل ولم يكن
لهم مسكين يتصدق عليه وتقبل قربان هابيل
لتقربه بخيار ماله قاله الأكثرون، أو لأنه أتقى من قابيل ولذلك قال * (إنما
يتقبل الله من المتقين) * والتقوى ها هنا الصلاة وكانت السخلة المذكورة ترعى
في الجنة حتى فدي بها إسحق أو إسماعيل، وقربا ذلك بأمر آدم - عليه
الصلاة والسلام - لما اختصما إليه، أو من قبل أنفسهما، وكان آدم - عليه
الصلاة والسلام - قد توجه إلى مكة - بإذن ربه - زائرا، فلما رجع وجده قد
380

قتله، وكان عند قتله كافرا، أو فاسقا.
28 - * (ما أنا بباسط يدي إليك) * كان قادرا على دفعه مع إباحته له، أو
لم يكن له الامتناع ممن أراد قتله.
29 - * (تبوء) * ترجع * (بإثمي وإثمك) * بإثم قتلي، وإثم ذنوبك التي
عليك، أو بإثمي بخطاياي وإثمك قتلك لي.
30 - * (فطوعت) * فعلت من الطاعة فزينت، أو فشجعت، أو فساعدت،
ولم يدر كيف يقتله فظهر له / إبليس فعلمه فقتله غيلة، فألقى عليه وهو نائم
صخرة فشدخه بها، فكان أول قتيل في الأرض.
31 - * (غرابا يبحث في الأرض) * على غراب آخر، أو ملكا على صورة
غراب يبحث على سوأة أخيه ليعرف كيف يدفنه. * (سوأة أخيه) * عورته أو جيفته
لأنه تركه حتى أنتن * (ويلتي) * الويل: الهلكة * (النادمين) * قيل: لو ندم على
الوجه المعتبر لقبلت توبته لكنه ندم على غير الوجه.
* (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرآءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في
الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس
جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض
لمسرفون (32)) *
* (من أجل) * قتله أخاه كتبنا * (بغير نفس) * بغير قود * (أو فساد) * كحرب لله
ورسوله وإخافة للسبيل. * (قتل الناس جميعا) * من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما
قتل الناس، ومن شد على يد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس قاله ابن عباس
- رضي الله تعالى عنهما -، أو كأنما قتل الناس عند المقتول. ومن استنقذها من
381

هلكة فكأنما أحيا الناس عند المستنقذ، أو يصلى النار بقتل الواحد كما يصلاها
بقتل الكل، وإن سلم من قتلها فقد سلم من قتل الناس جميعا، أو يجب بقتل
الواحد من القصاص ما يجب بقتل الكل. ومن أحيا القاتل بالعفو عنه فله مثل
أجر من أحيا الناس جميعا، أو على الناس ذم القاتل كما لو قتلهم جميعا ومن
أحياها بإنجائها من سبب مهلك فعليهم شكره كما لو أحياهم جميعا، أو عظم
الله - تعالى - أجرها ووزرها فأحيها بمالك أو بعفوك.
* (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوآ أو
يصلبوآ أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك
لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33) إلا الذين تابوا من قبل
أن تقدروا عليهم فاعلموآ أن الله غفور رحيم (34) يا أيها الذين ءامنوا اتقوا
الله وابتغوآ إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون (35) إن الذين
كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم
القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم (36) يريدون أن يخرجوا من النار وما هم
بخارجين منها ولهم عذاب مقيم (37)) *
33 - * (الذين يحاربون الله) * نزلت في قوم من أهل الكتاب نقضوا عهدا
كان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم فأفسدوا في الأرض، أو في العرنيين
المرتدين، أو فيمن حارب وسعى بالفساد. والمحاربة: الزنا والقتل والسرقة،
382

أو المجاهرة بقطع الطريق. والمكابرة باللصوصية في المصر وغيره، أو المجاهرة
بقطع الطريق دون المكابر في المصر فيتخير الإمام فيهم بين القتل والصلب
والقطع والنفي، أو يعاقبهم على قدر جناياتهم، فيقتل إن قتلوا، أو يصلب إن
383

قتلوا وأخذوا المال، ويقطع من خلاف إذا اقتصروا على أخذ المال قاله ابن
عباس - رضي الله تعالى عنهما - وعن الرسول صلى الله عليه وسلم ' إنه سأل جبريل - عليه
السلام - عن قصاص المحارب فقال: من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده لسرقته
ورجله لإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج
الحرام فاصلبه ' * (أو ينفوا) * من بلاد الإسلام إلى أرض الشرك أو من مدينة
إلى مدينة، أو بالحبس، أو بطلبهم لإقامة الحد حتى يبعدوا.
34 - * (تابوا) * من الشرك والفساد بإسلامهم، ولا يسقط حد المسلم
بالتوبة قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - أو التائب من المسلمين من المحاربين
بأمان الإمام دون التائب بغير أمان، أو من لحق بدار الحرب وإن كان مسلما ثم
جاء تائبا قبل القدرة عليه / أو من كان في دار الإسلام في منعة وله فئة يلجأ إليها
قبلت توبته قبل القدرة وإن لم يكن له فئة فلا تضع توبته شيئا من عقوبته، أو
تسقط عنه حدود الله - تعالى - دون حقوق العباد، أو تسقط عنه سائر الحدود
والحقوق سوى الدماء.
* (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز
حكيم (38) فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور
رحيم (39) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن
384

يشاء والله على كل شيء قدير (40)
38 - * (والسارق) * قدم السارق على السارقة والزانية على الزاني لأن الرجل
أحرص على المال من المرأة والمرأة أحرص على الاستمتاع منه، وقطعت يد
السارق لوقوع السرقة بها، ولم يقطع الذكر وإن وقعت الخيانة به لأن في قطعه
فوات النسل، أو لأن الزجر لا يحصل به لخفائه بخلاف اليد فإنها ظاهرة، أو لأن
السارق إذ ا انزجر بقي له مثل يده بخلاف الزاني إذا انزجر فإنه لا يبقى له ذكر
آخر. قيل نزلت في طعمة بن أبيرق وفي وجوب الغرم مع القطع مذهبان
39 - * (فمن تاب) * التوبة الشرعية أو بقطع اليد
40 - * (يعذب) * من مات كافرا * (ويغفر) * لمن تاب من كفره، أو يعذب
في الدنيا على الذنوب بالقتل والآلام
والخسف وغير ذلك من العذاب، ويغفر
لمن شاء في الدنيا بالتوبة.
* (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوآ
ءامنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب
سماعون لقوم ءاخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن
أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له
من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي
ولهم في الآخرة عذاب عظيم (41) سماعون للكذب أكالون للسحت فإن
385

جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن
حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين (42) وكيف يحكمونك
وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك ومآ أولئك
بالمؤمنين (43)) *
41 - * (الذين يسارعون) * (المنافقون) * (سماعون للكذب) * يسمعون كلامك
ليكذبوا عليك * (سماعون لقوم آخرين) * ليكذبوا عليك عندهم إذا أتوا بعدهم، أو
قابلون الكذب عليك * (سماعون لقوم آخرين) * في قصة الزاني المحصن من
اليهود، حكم الرسول صلى الله عليه وسلم برجمه فأنكروه. * (يحرفون) * كلام محمد صلى الله عليه وسلم إذا
سمعوه غيروه أو تغيير حكم الزاني وإسقاط القود عند وجوبه. * (إن أوتيتم
هذا) * أي الجلد، أرسلت اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بزانيين منهم، وقالوا: إن
حكم بالجلد فاقبلوه، وإن حكم بالرجم فلا تقبلوه. فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ابن
صوريا هل في التوراة الرجم؟ فأمسك فلم يزل به حتى اعترف، فرجمهما
الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أنكر ابن صوريا بعد ذلك فنزلت فيه هذه الآية، أو إن أوتيتم
386

الدية، قتلت بنو النضير رجلا من قريظة وكانوا يمتنعون من القود بالدية إذا جنى
النضيري، وإذا جنى القرظي لم يقنع النضيري إلا بالقود، فقالت النضير: إن
أفتاكم الرسول بالدية فاقبلوها وإن أفتى بالقود فردوه * (فتنته) * عذابه، أو
ضلاله، أو فضيحته. * (يطهر قلوبهم) * من الكفر، أو من الضيق والحرج عقوبة
لهم.
42 - * (للسحت) * الرشوة، أو رشوة الحكم، أو الاستعجال على
المعاصي، أو ما فيه العار من الأثمان المحرمة كثمن الكلب والخنزير والخمر
وعسب الفحل وحلوان الكاهن. والسحت من الاستئصال /، لأنه
387

يستأصل الدين والمروءة. * (فإن جاءوك) * اليهوديان الزانيان، خير الرسول صلى الله عليه وسلم
بين أن يحكم بينهما بالرجم، أو يدع، أو قرظي ونضيري قتل أحدهما الآخر
فخير في الحكم بينهما بالقود والتخيير محكم، أو منسوخ بقوله - تعالى -:
* (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * [49] قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما.
43 - * (فيها حكم الله) * بالرجم، أو بالقود. * (من بعد ذلك) * بعد حكم
التوراة، أو بعد حكمك. * (وما أولئك بالمؤمنين) * في تحكيمك أنه من عند الله
- تعالى - مع جحدهم نبوتك، أو في توليهم عن حكم الله غير راضين به.
* (إنآ أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا
تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بئاياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل
الله فأولئك هم الكافرون (44) وكتبنا عليهم فيهآ أن النفس بالنفس والعين
بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن
تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الظالمون (45) وقفينا علىءاثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه
الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين (46)
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الفاسقون (47)) *
44 - * (هدى) * دليل) *. * (ونور) * (بيان) * (النبيون) * جماعة أنبياء منهم
محمد، أو محمد وحده صلى الله عليه وسلم وإن ذكر بلفظ الجمع، والذي حكم به رجم
الزاني، أو القود، أو الحكم بكل ما فيها ما لم يرد نسخ، أو تخصيص.
388

* (للذين هادوا) * اللام بمعنى ' على '، وفي الحكم بها على غير اليهود خلاف.
* (الأحبار) * العلماء واحدهم، ' حبر ' بالكسر والفتح من التحبير وهو التحسين،
لأن العالم يحسن الحسن، ويقبح القبيح، أو يحسن العلم. * (استحفظوا) *
استودعوا، أو حفظوا. * (وكانوا عليه شهداء) * على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة.
فلا تخشوهم في كتمان ما أنزلت أو في الحكم به. * (ثمنا قليلا) * أجرا على
كتمانها، أو أجرا على تعليمها. * (ومن لم يحكم) * نزلت والآيتان التي بعدها في
اليهود دون المسلمين، أو نزلت في أهل الكتاب، وهي عامة في سائر
الناس، أو أراد بالكافرين المسلمين، وبالظالمين: اليهود، وبالفاسقين:
النصارى، أو من لم يحكم به جاحدا كفر، وإن كان غير جاحد ظلم وفسق.
45 - * (النفس بالنفس) * نزلت في القرظي والنضيري قتل أحدهما
الآخر. * (كفارة) * للمجروح، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ' من جرح في جسده جراحة
فتصدق بها كفر عنه من ذنوبه بمثل ما تصدق به ' أو للجارح لقيامه مقام أخذ
الحق، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
389

* (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه
فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا
منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم
فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون (48)
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما
أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون (49) أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (50)) *
48 - * (وأنزلنا إليك الكتاب) * القرآن. * (مصدقا) * بما قبله من الكتب، أو موافقا لها. * (ومهيمنا) * أمينا، أو شاهدا، أو حفيظا. * (فاحكم بينهم بما أنزل الله) *
فيه دليل على وجوب الحكم بالقرآن دون التوراة والإنجيل. * (لكل جعلنا منكم) * يا أمة محمد، أو جميع الأمم * (شرعة) * طريقة ظاهرة، ومنه شريعة
الماء، لأنها أظهر طرقه إليه وأشرعت الأسنة أظهرت، والمنهاج الطريق الواضح
فمعنى قوله - تعالى - * (شرعة ومنهاجا) * سنة وسبيلا. * (أمة واحدة) * جمعكم
على ملة واحدة، أو على حق.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه
390

منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (51) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم
يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما
أسروا في أنفسهم نادمين (52) ويقول الذين آمنوا أهاؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم
إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) *
51 - * (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * لما ظهرت عداوة اليهود تبرأ
عبادة بن الصامت من حلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله، وقال عبد الله بن
أبي: لا أتبرأ من حلفهم / أخاف الدوائر، وأنزلت في أبي لبابة [بن] عبد
المنذر لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، وقد نزلوا على حكم سعد
391

فنصح لهم، وأشار إلى أنه الذبح، أو في أنصاريين خافا من وقعة أحد فأراد
أحدهما التهود، والآخر التنصر ليكون لهما أمانا، حذرا من إدالة الكفار.
* (فإنه منهم) * مثلهم في الكفر، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما.
52 - * (مرض) * شك، أو نفاق، نزلت في ابن أبي، وعبادة، أو في
قوم منافقين. * (فيهم) * في موالاتهم. * (دائرة) * هي الدولة ترجع عمن انتقلت
إليه إلى من كانت له سميت بذلك، لأنها تدور إليه إلى بعد زوالها عنه.
* (بالفتح) * فتح مكة، أو فتح بلاد المشركين، أو الحكم والقضاء. * (أو امر) *
دون الفتح الأعظم، أو موت من تقدم ذكره من المنافقين أو إظهار نفاقهم،
والأمر بقتلهم، أو الجزية.
* (يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على
المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لآئم ذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء والله واسع عليم (54) إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون (55) ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم
الغالبون (56) يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب
من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين (57) وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا
392

ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون (58)) *
54 - * (بقوم يحبهم) * أبو بكر وأصحابه، الذين قاتلوا أهل الردة، أو قوم
أبي موسى الأشعري من أهل اليمن فكان لهم في نصرة الإسلام أثر حسن،
ولما نزلت ((أومأ الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء في يده إلى أبي موسى، وقال: هم قوم
هذا))، أو هم الأنصار. * (أذلة) * ذوي رقة. * (أعزة) ذوي غلظة.
55 - * (إنما وليكم) * نزلت في عبادة لما تبرأ من حلف اليهود أو في
عبد الله بن سلام ومن أسلم معه شكوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما أظهرته اليهود من
عداوتهم. * (وهم راكعون) * نزلت في علي - رضي الله تعالى عنه - تصدق،
393

وهو راكع، أو عامة في المؤمنين * (وهم راكعون) * نزلت فيهم، وهم ركوع،
أو فعلوا ذلك في ركوعهم، أو أراد بالركوع النافلة / وبإقامة الصلاة الفريضة.
* (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم
394

فاسقون (59) قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل
منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل (60) وإذا
جآءوكم قالوآ ءامنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون (61) وترى
كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون (62) لولا
ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا
يصنعون (63)) *
62 - * (في الإثم) * معصية الله. * (والعدوان) * (ظلم الناس) * (السحت) *
الرشا، أو الربا.
63 - * (لولا) * هلا * (الربانيون) * علماء الإنجيل * (والأحبار) * علماء التوراة
* (لبئس) * ما كان العلماء يصنعون من ترك النكير، ابن عباس - رضي الله تعالى
عنهما - ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية.
* (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء
وليزيدن كثيرا منهم ما انزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضآء
إلى يوم القيامة كلمآ أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا
يحب المفسدين (64) ولو أن أهل الكتاب ءامنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم
ولأدخلناهم جنات النعيم (65) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ومآ أنزل إليهم من ربهم
لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما
يعملون (66)) *
395

64 - * (مغلولة) * عن عذابهم، أو مقبوضة عن العطاء على جهة البخل.
* (غلت أيديهم) * الزموا البخل ليتطابق الكلام، أو * (غلت أيديهم) * في النار
حقيقة. * (ولعنوا) * بتعذيبهم بالجزية قاله الكلبي. * (يداه مبسوطتان) * نعمة
الدنيا ونعمة الدين، لفلان عندي يد أي نعمة، أو قوتاه بالثواب والعقاب، واليد
القوة * (أولي الأيدي والأبصار) * [ص: 45] أو ملك الدنيا والآخرة، واليد
الملك، من قولهم عنده ملك يمينه، أو التثنية للمبالغة في صفة النعمة، كلبيك
وسعديك، قال:
* يداك يدا مجد وكف مفيدة
*............
*
* (طغيانا وكفرا) * بحسدهم وعنادهم. * (وألقينا بينهم) * يريد ما بين اليهود
من الخلاف، أو ما بين اليهود والنصارى /، لتباين قولهم في المسيح.
66 - * (أقاموا التوراة والإنجيل) * بالعمل بما فيهما من غير تحريف ولا
تبديل، أو أقاموهما نصب أعينهم حتى إذا نظروا ما فيها من حكم الله - تعالى -
لم يزلوا. * (من فوقهم) * بالمطر، ومن تحتهم بإنبات الثمر، أو عبر به عن
التوسعة كما يقال: فلان في الخير من قرنه إلى قدمه. * (مقتصدة) * على أمر الله
- تعالى - أو عادلة.
* (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله
396

يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين (67) قل يا أهل الكتاب لستم على
شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل ومآ أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم
ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين (68) إن الذين ءامنوا
والذين هادوا والصابئون والنصارى من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا
خوف عليهم ولا هم يحزنون (69)) *
67 - * (بلغ ما أنزل) * ألزمه أن يبلغ ما أنزل من القرآن أحكامه وجدله،
وقصصه، ولا يلزمه تبليغ غيره من الوحي إلا ما تعلق بالأحكام. * (وإن لم
تفعل) * إن كتمت آية * (فما بلغت رسالته) *. * (يعصمك) * استظل الرسول صلى الله عليه وسلم
بشجرة في سفره، فأتاه أعرابي، فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني، فقال:
الله، فرعدت يده وسقط السيف وضرب برأسة الشجرة حتى انتثر دماغه
فنزلت، أو ' كان يهاب قريشا فنزلت، وكان يحرس فلما نزلت أخرج رأسه
من القبة، وقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله - تعالى ' * (لا يهدي
397

القوم الكافرين) * إلى بلوغ غرضهم، أو إلى الجنة.
* (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنآ إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا
تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون (70) وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا
وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما
يعملون (71)) *
70 - * (ميثاق) * أيمان أخذها عليهم أنبياؤهم أن يعملوا بها، وأمروا بتصديق
الرسل، أو آيات ظاهرة تقرر بها علم ذلك عندهم. * (وأرسلنا إليهم) * بعد أخذ
الميثاق * (رسلا) *. * (تهوى) * أخذ الهوى من هواء الجو لاستمتاع النفس بكل
واحد منهما. * (فريقا كذبوا) * اقتصروا على تكذيبه. * (وفريقا) * كذبوه وقتلوه.
71 - * (فتنة) * عقوبة من السماء، أو ما ابتلوا به من قتل الأنبياء وتكذيبهم، أو ما
ابتلوا به ممن تغلب عليهم من الكفار. * (فعموا) * عن الرشد * (وصموا) * عن الوعظ
حتى قتلوا الأنبياء ظنا أن لا تكون فتنة. * (ثم تاب الله) * - تعالى - عليهم بعد معاينة
الفتنة. * (ثم عموا) * عادوا إلى ما كانوا عليه قبل التوبة وكان العود من أكثرهم.
* (لقد كفر الذين قالوآ إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني
398

إسرآءيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة
ومأواه النار وما للظالمين من أنصار (72) لقد كفر الذين قالوا إن الله
ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين
كفروا منهم عذاب أليم (73) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور
رحيم (74) ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه
صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم
انظر أنى يؤفكون (75) قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا
ولا نفعا والله هو السميع العليم (76) قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير
الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن
سواء السبيل (77) لعن الذين كفروا من بني إسرآءيل على لسان داود وعيسى
ابن مريم ذلك بما عصوا ووكانوا يعتدون (78) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79) ترى كثيرا منهم
يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي
العذاب هم خالدون (80) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي ومآ أنزل إليه ما
اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون (81)) *
75 - * (إلا رسول) * رد على اليهود قولهم إنه لغير رشدة وتكذيبهم إياه،
399

وعلى النصارى قولهم إنه ابن الله. * (وأمه صديقة) * رد على اليهود نسبتها إلى
الفاحشة * (صديقة) * مبالغة في صدقها ونفي الفاحشة عنها، أو مصدقة بآيات
ربها. * (يأكلان الطعام) * لحاجتهما إليه، والإله غير محتاج، أو كنى بذلك عن
الغائط فإنه لا يليق بالإله. * (الآيات) * الحجج والبراهين. * (يؤفكون) * يصرفون،
أفكت الأرض صرف عنها المطر، أو يقلبون المؤتفكات: المنقلبات، أو يكذبون
من الإفك.
* (لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن
أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم
قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون (82) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول
ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنآ ءامنا فاكتبنا مع
الشاهدين (83) وما لنا لا نؤمن بالله وما جآءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع
القوم الصالحين (84) فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
وذلك جزاء المحسنين (85) والذين كفروا وكذبوا بئاياتنآ أولئك أصحاب
الجحيم (86)) *
82 - * (الذين قالوا إنا نصارى) * خاص بالنجاشي وأصحابه الذين أسلموا، أو
بقوم كانوا على دين عيسى - عليه الصلاة والسلام - فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا به.
83 - * (الشاهدين) * الذين يشهدون بالإيمان، أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم * (لتكونوا شهداء على الناس) * [البقرة: 143].
* (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب
المعتدين (87)، وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به
400

مؤمنون (88)) *.
87 - * (لا تحرموا) * الأموال بالغصب فتصير حراما، أو نزلت.
401

* (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن
لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوآ أيمانكم كذلك
يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون (89)) *
89 - قوله عز وجل * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * قد ذكرنا خلاف المفسرين
والفقهاء في لغو اليمين * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) * اختلف في سبب نزولها
على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في عثمان بن مظعون حين حرم على نفسه الطعام والنساء بيمين حلفها
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالحنث فيها قاله السدي،
والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن رواحة
وكان عنده ضيف فأخرت زوجته قراه فحلف لا يأكل من الطعام شيئا، وحلفت الزوجة لا
تأكل منه إن لم يأكل، وحلف الضيف لا يأكل منه إن لم يأكلا، فأكل عبد الله وأكلا معه
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: أحسنت ونزلت فيه هذه الآية قاله ابن زيد.
402

.....................
قوله * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) * وعقدها هو لفظ باللسان وقصد بالقلب لأن
ما لم يقصده من أيمانه فهو لغو لا يؤاخذ به ثم في عقدها قولان:
أحدهما: أن /
تكون على فعل مستقبل ولا تكون على خبر ماض، والفعل المستقبل نوعان: نفي
وإثبات، فالنفي أن يقول: ' والله لا فعلت كذا ' والإثبات أن يقول: ' والله لأفعلن ' أما
الخبر الماضي فهو أن يقول: ' والله ما فعلت ' وقد فعل ويقول: ' والله لقد فعلت كذا '
وما فعل فينعقد يمينه بالفعل المستقبل في نوعي إثباته ونفيه. وفي انعقادها بالخبر
الماضي قولان أحدهما: أنها لا تنعقد بالخبر الماضي قاله أبو حنيفة وأهل العراق،
والقول الثاني: أنها تنعقد على فعل مستقبل وخبر ماض يتعلق الحنث بهما قاله الشافعي
وأهل الحجاز.
ثم قال * (فكفارته إطعام عشرة مساكين) * فيه قولان:
أحدهما: أنها كفارة ما عقدوه
من الأيمان قالته عائشة والحسن والشعبي وقتادة،
والثاني: أنها كفارة الحنث فيما
عقدوه منها وهذا أشبه أن يكون قول ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم.
والأصح من إطلاق هذين القولين أن يعتبر حال اليمين في عقدها وحلها فإنها لا تخلو
من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون عقدها طاعة وحلها معصية كقوله: ' والله لا قتلت
نفسا ولا شربت خمرا ' فإذا حنث بقتل النفس وشرب الخمر كانت الكفارة لتكفير مأثم
الحنث دون عقد اليمين،
الحال الثاني: أن يكون عقدها معصية وحلها طاعة كقوله
' والله لا صليت ولا صمت ' فإذا حنث بالصلاة والصوم كانت الكفارة لتكفير مأثم العقد
دون الحنث
والحال الثالث: أن يكون عقدها مباحا وحلها مباحا كقوله: ' والله لا
لبست هذا الثوب ' فالكفارة تتعلق بهما وهي بالحنث أخص.
ثم قال * (من أوسط ما تطعمون أهليكم) * فيه قولان، أحدهما: من أوسط أجناس الطعام
قاله ابن عمر والحسن وابن سيرين...........
403

.......................
(والأسود / وعبيدة السلماني، والثاني / من أوسطه في القدر قاله علي وعمر وابن
عباس) ومجاهد، وقرأ سعيد بن جبير (من وسط ما تطعمون أهليكم) ثم اختلفوا
في القدر على خمسة أقاويل: أحدها: أنه نصف صاع من سائر الأجناس قاله ((علي
وعمر وهو مذهب أبي حنيفة، والثاني: مد واحد من سائر الأجناس قاله)) ابن عمر
وزيد بن ثابت وعطاء وقتادة وهو مذهب الشافعي، والثالث: أنه غداء وعشاء قاله
404

.......................
علي في رواية الحارث عنه وقول محمد بن كعب القرظي والحسن البصري،
والرابع: أنه على ما جرت به عادة المكفر في عياله إن كان يشبعهم أشبع المساكين، وإن
كان لا يشبعهم فعلى قدر ذلك قاله ابن عباس وسعيد بن جبير، والخامس: أنه أحد
الأمرين من غداء وعشاء قاله بعض البصريين.
ثم قال * (أو كسوتهم) * وفيها خمسة أقاويل: أحدها: كسوة ثوب واحد قاله ابن عباس
ومجاهد وطاووس وعطاء [الخراساني] والشافعي. والثاني: كسوة ثوبين قاله أبو
موسى الأشعري وابن المسيب والحسن وابن سيرين، والثالث: كسوة ثوب جامع
كالملحفة والكساء قاله إبراهيم، والرابع: كسوة إزار ورداء وقميص قاله ابن عمر
((والخامس)): كسوة ما تجزئ فيه الصلاة قاله بعض البصريين.
ثم قال * (أو تحرير رقبة) * يعني أو فك رقبة من أسر العبودية إلى حال الحرية والتحرير
405

.......................
والفك: العتق، قال الفرزدق:
* أبني غدانة إنني حررتكم
* فوهبتكم لعطية بن جعال
*
وتجزىء صغيرها وكبيرها وذكرها وأنثاها وفي استحقاق إيمانها قولان:
أحدهما: أنه
مستحق ولا تجزىء الكافرة قاله الشافعي،
والثاني: أنه غير مستحق قاله أبو حينفة.
ثم قال * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) * فجعل الله الصوم [له] بدلا من المال عند
العجز عنه وجعله مع اليسار / مخيرا بين التكفير بالإطعام والكسوة والعتق، وفيها
قولان:
أحدهما: أن الواجب منها أحدها لا بعينه عند جمهور الفقهاء
والثاني: أن
جميعها واجب وله الاقتصار على أحدها قاله بعض المتكلمين وشاذ من الفقهاء وهذا
إذا حقق خلف في العبارة دون المعنى واختلف فيما إذا لم يجده صام على خمسة
أقاويل:
أحدها: إذا لم يجد قوته وقوت من يقوت [صام] قاله الشافعي،
والثاني: إذا
لم يجد ثلاثة دراهم صام قاله سعيد بن جبير،
والثالث: إذا لم يجد درهمين صام قاله
الحسن،
والرابع: إذا لم يجد مائتي درهم صام قاله أبو حنيفة،
والخامس: إذا لم يجد
ذلك فاضلا عن رأس ماله الذي يتصرف به لمعاشه صام. وفي تتابع صيامه قولان:
أحدهما: يلزمه قاله مجاهد وإبراهيم وكان أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود
406

.......................
يقرءان فصيام ثلاثة أيام متتابعات،
والثاني: إن صامها متفرقا جاز. قاله مالك وأحد
قولي الشافعي * (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) * يعني وحنثتم، فإن قيل: فلم لم يذكر
مع الكفارة التوبة؟ قيل: لأنه ليس كل يمين حنث فيها كانت مأثما توجب التوبة، فإن
اقترن بها المأثم لزمت التوبة بالندم وترك العزم [على المعاودة] * (واحفظوا أيمانكم) *
يحتمل وجهين:
أحدهما: يعني احفظوها أن تحلفوا
والثاني: احفظوها أن تحنثوا.
* (يا أيها الذين ءامنوآ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه
لعلكم تفلحون (90) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضآء في الخمر والميسر
ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون (91) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا
فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين (92) ليس على الذين ءامنوا وعملوا
الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا
وأحسنوا والله يحب المحسنين (93)) *
90 - قوله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * الآية اختلف في سبب
نزولها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما روى ابن إسحاق عن أبي ميسرة قال: قال عمر بن
الخطاب: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة * (يسألونك عن الخمر والميسر) * [219] فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا
شافيا فنزلت الآية التي في سورة النساء * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * [43] وكان
منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة ينادي لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر
فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في المائدة * (إنما
407

.......................
الخمر والميسر) * الآية إلى قوله * (فهل أنتم منتهون) * فقال عمر: انتهينا انتهينا
والثاني: أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص وقد لاحى رجلا على شراب فضربه
الرجل بلحي جمل ففزر أنفه قاله مصعب بن سعد والثالث: أنها نزلت في قبيلتين
408

.......................
من الأنصار ثملوا من الشراب فعبث بعضهم ببعض فأنزل الله فيهم هذه الآية قاله ابن
عباس فلما حرمت الخمر قال المسلمون ((يا رسول الله كيف بإخواننا الذين شربوها
وماتوا قبل تحريمها فأنزل الله - تعالى - * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات
جناح فيما طمعوا) * [93] يعني من الخمر قبل التحريم * (إذا ما اتقوا) * يعني في أداء
409

.......................
الفرائض * (وآمنوا) * يعني بالله ورسوله، * (وعملوا الصالحات) * يعني البر والمعروف،
* (ثم اتقوا وأحسنوا) * يعني بعمل النوافل فالتقوى الأول عمل الفرائض، والتقوى الثاني
عمل النوافل، فأما الميسر: فهو القمار، وأما الأنصاب ففيها وجهان:
أحدهما: أنها
الأصنام تعبد قاله الجمهور،
والثاني: أنها أحجار [حول] الكعبة يذبحون لها قاله
مقاتل وأما الأزلام فهي قداح من خشب يستقسم بها على ما قدمناه وقوله
* (رجس) * يعني حراما، وأصل الرجس: المستقذر الممنوع منه فعبر به عن الحرام
لكونه ممنوعا منه ثم قال * (من عمل الشيطان) * أي مما يدعو إليه الشيطان ويأمر به لأنه
[لا] يأمر إلا بالمعاصي ولا ينهى إلا عن الطاعات.
* (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه
بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (94) يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم
حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزآء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف
ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام
410

.......................
94 - قوله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد) * في قوله
ليبلونكم تأويلان:
أحدهما: معناه ليكلفنكم،
والثاني: ليختبرنكم قاله قطرب
والكلبي. وقي قوله * (من الصيد) * قولان:
أحدهما: أن ' من ' للتبعيض في هذا الموضع
لأن الحكم يتعلق بصيد / البر دون البحر، وبصيد الحرم والإحرام دون الحل والإحلال،
والثاني: أن ' من ' في هذا الموضع داخلة للتجنيس نحو قوله: * (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) * [الحج: 30] قاله الزجاج.
* (تناله أيديكم ورماحكم) * فيه تأويلان،
أحدهما: ما تناله [أيدينا] البيض، ورماحنا
الصيد قاله مجاهد،
والثاني: ما تناله أيدينا الصغار ورماحنا الكبار قاله ابن عباس.
* (ليعلم الله من يخافه بالغيب) * فيه أربعة تأويلات
أحدها: أن معنى ليعلم ليرى فعبر
عن الرؤية بالعلم لأنها تؤول إليه قاله الكلبي،
والثاني: معناه ليعلم أولياء الله من
يخافه بالغيب، ' والثالث: معناه ليعلموا أن الله يعلم من يخافه بالغيب '
والرابع: معناه
ليخافوا الله بالغيب والعلم مجاز.
وقوله * (بالغيب) * يعني في السر كما يخافونه في العلانية، * (فمن اعتدى بعد ذلك) *
يعنى فمن اعتدى في قتل الصيد بعد ورود النهي * (فله عذاب أليم) * أي مؤلم قال
الكلبي نزلت يوم الحديبية وقد غشى الصيد الناس وهم محرمون بعمرة.
95 - قوله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * فيه ثلاثة أقاويل
أحدها: يعني الإحرام بحج أو عمرة قاله الأكثرون،
والثاني: بالمحرم الداخل إلى
411

الحرم، يقال أحرم إذا دخل الحرم، (وأتهم إذا دخل تهامة، وأنجد إذا دخل نجدا،
ويقال أحرم لمن دخل في الأشهر الحرم قاله بعض أهل البصرة،
والثالث: أن اسم
المحرم يتناول الأمرين معا على وجه الحقيقة دون المجاز من أحرم بحج أو عمرة أو دخل الحرم وحكم قتل الصيد فيهما على [حد] سواء بظاهر الآية قاله
أبو علي بن أبي هريرة
* (ومن قتله منكم متعمدا) * فيه قولان: أحدهما: متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه قال مجاهد
وإبراهيم وابن جريج، والثاني: متعمدا لقتله ذاكرا لإحرامه قاله ابن عباس وعطاء
والزهري واختلفوا في الخاطىء في قتله / الناسي لإحرامه على قولين:
أحدهما: لا جزاء
عليه قاله داود،
والثاني: عليه الجزاء قاله [مالك و] أبو حنيفة والشافعي.
* (فجزاء مثل ما قتل من النعم) * يعني أن جزاء القتل في الحرم أو الإحرام مثل ما قتل
من النعم، وفي مثله قولان:
أحدهما: أن قيمة الصيد مصروفة في مثله من النعم قاله
أبو حنيفة
والثاني: أن عليه مثل الصيد من النعم في الصورة والشبه قاله الشافعي.
* (يحكم به ذوا عدل منكم) * يعني بالمثل من النعم لا يستقر المثل فيه إلا بحكم عدلين
فقيهين، ويجوز أن يكون القاتل أحدهما * (هديا بالغ الكعبة) * يريد أي مثل الصيد من
النعم يلزمه إيصاله إلى الكعبة وعني بالكعبة جميع الحرم لأنها في الحرم، واختلفوا هل
يجوز أن يهدي في الجزاء ما لا يجوز في الأضحية من صغار الغنم على قولين:
أحدهما: لا يجوز قاله أبو حنيفة،
والثاني: يجوز قاله الشافعي.
* (أو كفارة طعام مساكين) * فيه قولان:
أحدهما: أنه يقوم المثل من النعم ويشتري
بالقيمة طعاما قاله عطاء والشافعي،
والثاني: يقوم الصيد ويشتري بقيمة الصيد طعاما قاله
قتادة وأبو حنيفة.
* (أو عدل ذلك صياما) * يعني عدل الطعام صياما، وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه يصوم
عن كل مد يوما قاله عطاء والشافعي،
والثاني: يصوم عن كل مد ثلاثة أيام [إلى عشرة
412

.......................
أيام] قاله سعيد بن جبير
والثالث: يصوم عن كل صاع يومين قاله ابن عباس.
واختلفوا في التكفير بهذه الثلاثة هل هو على الترتيب أو التخيير على قولين:
أحدهما:
أنه على الترتيب إن لم يجد المثل فالإطعام فإن لم يجد الطعام فالصيام قاله ابن عباس
ومجاهد وعامر وإبراهيم والسدي،
والثاني: أنه على التخيير في التكفير بأي الثلاثة شاء
قاله عطاء وأحد قولي ابن عباس وهو مذهب الشافعي.
* (ليذوق وبال أمره) * يعني في التزام الكفارة / ووجوب التوبة * (عفا الله عما سلف) * يعني
قبل نزول التحريم.
* (ومن عاد فينتقم الله منه) * فيه قولان:
أحدهما: يعني ومن عاد بعد التحريم فينتقم الله
منه بالجزاء عاجلا وعقوبة [المعصية] آجلا،
والثاني: ومن عاد بعد التحريم في قتل الصيد ثانية بعد أوله.
* (فينتقم الله منه) * ' فيه على هذا التأويل قولان، أحدهما: فينتقم الله منه ' بالعقوبة في الآخرة دون الجزاء قاله ابن عباس وداود، والثاني بالجزاء مع العقوبة قاله الشافعي
والجمهور.
* (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما
واتقوا الله الذي إليه تحشرون (96)) *
96 - قوله عز وجل * (أحل لكم صيد البحر) * يعني صيد الماء سواء كان من بحر أو نهر
أو عين أو بئر فصيده حلال للمحرم والحلال في الحرم والحل. * (وطعامه متاعا لكم وللسيارة) * في طعامه قولان:
أحدهما: طافيه وما لفظه البحر قاله أبو بكر وقتادة،
والثاني: مملوحه قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وقوله * (متاعا لكم
413

.......................
وللسيارة) * يعني منفعة المسافر والمقيم وحكى الكلبي: أن هذه الآية نزلت في بني
مدلج وكانوا ينزلون بأسياف البحر سألوا عما نضب عنه الماء من السمك فنزلت هذه
الآية فيهم.
* (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلآئد ذلك
لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم (97)
اعلموآ أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم (98) ما على الرسول إلا البلاغ
والله يعلم ما تبدون وما تكتمون (99)) *
97 - قوله عز وجل * (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) * في تسميتها كعبة
قولان:
أحدهما: سميت بذلك لتربيعها قاله مجاهد،
والثاني: سميت بذلك لعلوها
ونتوئها من قولهم قد كعب ثدي المرأة إذا علا ونتأ وهو قول الجمهور، وسميت بذلك لعلوها
ونتوئها من قولهم قد كعب ثدي المرآة إذا علا ونتأ وهو قول الجمهور، وسميت الكعبة
حراما لتحريم الله - تعالى - لها أن يصاد صيدها أو يختلى خلاها أو يعضد شجرها.
وفي قوله * (قياما للناس) * ثلاثة تأويلات،
أحدها: يعني صلاحا لهم قاله سعيد بن جبير
والثاني: تقوم به أبدانهم لأمنهم به في التصرف لمعايشهم،
والثالث: قياما في مناسكهم
ومتعبداتهم.
* (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب
لعلكم تفلحون (100)) *
100 - قوله عز وجل * (قل لا يستوي الخبيث والطيب) * / فيه ثلاثة تأويلات
أحدها:
يعني الحلال والحرام قاله الحسن،
والثاني: المؤمن والكافر قاله السدي،
والثالث:
الرديء والجيد
414

/ أو المؤمن والكافر...
100 - * (ولو أعجبك) * الحلال والجيد مع القلة خير من الحرام والرديء
مع الكثرة قيل لما هم المسلمون بأخذ حجاج اليمامة نزلت.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين
ينزل القرءان تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم (101) قد سألها قوم من
قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين (102)) *
101 - * (لا تسألوا عن أشياء) * لما أحفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسألة صعد
المنبر يوما فقال: لا تسألوني عن شيء إلا بينته فلف كل إنسان منهم ثوبه
في رأسه يبكي، فقال رجل كان يدعى إذا لاحى لغير أبيه: يا رسول الله من
أبي قال: أبوك حذافة فأنزل الله * (لا تسألوا) *، أو لما قال: كتب الله
415

عليكم الحج فقيل له أفي كل عام؟ فقال: لو قلت نعم لوجبت، اسكتوا عني ما
سكت عنكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على
أنبيائهم، أو في قوم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة، والوصيلة
والحامي. * (وإن تسألوا) * نزول القرآن عند السؤال موجب لتعجيل الجواب
416

* (عفا الله عنها) * المسألة، أو الأشياء التي سألوا عنها.
102 - * (قوم من قبلكم) * قوم عيسى - عليه الصلاة والسلام - سألوا المائدة ثم
كفروا بها، أو قوم صالح - عليه الصلاة والسلام - سألوا الناقة ثم عقروها وكفروا
بها، أو قريش سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحول لهم الصفا ذهبا، أو الذين سألوا
الرسول صلى الله عليه وسلم من أبي ونحوه فلما أخبرهم به أنكروه وكفروا به.
417

* (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله
الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول
قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءابآءنا أولو كان ءابآؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون (104)
يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم
جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون (105)) *
103 - * (ما جعل الله من بحيرة) * ما بحر، ولا سيب ولا وصل، ولا
حمى حاميا. * (بحيرة) * الناقة تلد خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا ذبحوه
وأكلوه وإن كان ربعة بتكوا أذنيها فلم يشرب لبنها ولم يوقر ظهرها، أو إذا
ولدت خمسة أبطن، وكان آخرها ذكرا شقوا أذن الناقة وخلوها فلا تحلب ولا
تركب، أو البحيرة: بنت السائبة. * (سائبة) * مسيبة، كعيشة راضية أي مرضية،
كانت تفعله العرب ببعض مواشيها فتحرم الانتفاع بها تقربا إلى الله - تعالى -،
وكان بعض أهل الإسلام يعتق العبد سائبة لا ينتفع به ولا بولائه، كان أبو العالية
سائبة فمات فلم يأخذ مولاه ميراثه، وقال: هو سائبة، فإذا تابعت الناقة عشرة
أبطن كلهن إناث سيبت فلم تركب، ولم يجز وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف،
فما نتجت بعد ذلك من أنثى بحرت أذنها وسميت بحيرة وسيبت مع أمها، أو
كانوا ينذرون السائبة عند المرض فيسيب البعير فلا يركب ولا يجلأ عن ماء.
* (وصيلة) * الوصيلة من الغنم اتفاقا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن فإن كان السابع
ذكرا ذبحوه وأحلوه للرجال دون النساء، وإن كان عناقا سرحت في غنم الحي،
وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فسميت وصيلة، أو كانت الشاة إذا
418

أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن لا ذكر فيهن جعلت وصيلة / وكان
ما تلده بعد ذلك للذكور دون الإناث. أو كانت الشاة إذا ولدت ذكرا ذبحوه
لآلهتهم قربانا، وإن ولدت أنثى قالوا: هذه لنا، وإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا
وصلت أخاها فلم يذبحوه لأجلها. * (ولا حام) * إذا نتج البعير من ظهره عشرة
أبطن قالوا: حمى ظهره ويخلى، أجمعوا على هذا.
* (يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل
منكم أو ءاخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت
تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى
ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الأثمين (106) فإن عثر على أنهما استحقآ إثما فئاخران
يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من
شهادتهما وما اعتدينآ إنآ إذا لمن الظالمين (107) ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها
أو يخافوآ أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين (108)) *
106 - * (شهادة بينكم) * الشهادة بالحقوق عند الحكام، أو شهادة الحضور
للوصية، أوأيمان عبر عنها بلفظ الشهادة كما في اللعان * (عدل منكم) * أيها
المسلمون، أو من حي الموصي، وهما وصيان أو شاهدان يشهدان على وصيته.
* (من غيركم) * من غير أهل ملتكم من أهل الكتاب، أو من غير قبيلتكم. * (أو آخران) * ' أو ' هنا للتخيير في المسلم والكتابي، أو الكتابي مرتب على [عدم]
419

المسلم، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. * (تحبسونهما) * توقفونها
للأيمان، خطاب للورثة. * (فأصابتكم مصيبة الموت) * تقديره فأصابتكم مصيبة وقد
أوصيتم إليهما. * (الصلاة) * العصر، أو الظهر، والعصر، أو صلاة أهل دينهما من أهل
الذمة قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - * (إن ارتبتم) * بالوصيين في الخيانة،
أحلفهما الورثة، أو إن ارتبتم بعدالة الشاهدين أحلفهما الحاكم لتزول ريبته، وهذا إنما
يجوز في السفر دون الحضر. * (ثمنا) * رشوة أو لا نعتاض عليه بحقير.
107 - * (عثر) * اطلع على أنهما كذبا وخانا، عبر عنهما بالإثم لحدوثه
عنهما. * (استحقا) * الشاهدان، أو الوصيان. * (فآخران) * من الورثة. * (يقومان مقامهما) * في اليمين. * (الأوليان) * بالميت من الورثة، أو الأوليان بالشهادة من
المسلمين. نزلت بسبب خروج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن
بداء فمات السهمي بأرض لا مسلم بها فلما قدما تركته فقدوا جام فضة
مخوص بالذهب، فأحلفهما الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم وجد الجام بمكة فقالوا: اشتريناه
من تميم وعدي بن بداء، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من
شهادتهما وأن الجام لصاحبهم، وفيهم نزلت الآيتان، وهما منسوختان عند ابن
420

عباس - رضي الله تعالى عنهما -، قال ابن زيد: لم يكن الإسلام إلا بالمدينة
فجازت شهادة أهل الكتاب واليوم طبق الإسلام الأرض، أو محكمة عند
الحسن.
* (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب (109)) *
109 - * (لا علم لنا) * ذهلوا عن الجواب للهول ثم أجابوا لما ثابت
عقولهم، أو لا علم لنا إلا ما علمتنا، أو لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا،
أو لا علم لنا ببواطن أممنا فإن الجزاء على ذلك يقع قاله الحسن، أو * (ماذا أجبتم) * بمعنى ماذا عملوا بعدكم. * (علام الغيوب) * للمبالغة، أو لتكثير
المعلوم، وسؤاله بذلك مع علمه إنما كان ليعلمهم ما لم يعلموه من كفر
أممهم، ونفاقهم، وكذبهم / عليهم من بعدهم أو ليفضحهم بذلك على رؤوس
الأشهاد
* (إذا قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح
القدس تكلم الناس في المهد وكهل وإذ علمتك الكتاب والحكمة
والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طير
بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت
بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات
فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر
مبين (110) وإذ أوحيت إلى الحوارين أن ءامنوا بي وبرسولي قالوا ءامنا واشهد بأننا
مسلمون (111)) *
421

110 - * (اذكر نعمتي) * ذكره بها وإن كان لها ذاكرا ليتلو على الأمم ما
خصه به من الكرامات والمعجزات، أو ليؤكد حجته، ويرد به جاحده.
* (أيدتك) * قويتك من الأيد، ليدفع عنه ظلم اليهود والكافرين به، أو قواه على
أمر دينه. * (روح القدس) * جبريل - عليه السلام - والقدس هو الله - تعالى -
* (تكلم الناس في المهد) * تعرفهم بنبوتك، ولم يتكلم في المهد من الأنبياء
غيره، وبعث إليهم لما ولد وكان كلامه معجزة له، وكلمهم كهلا بالدعاء
إلى الله - تعالى - وإلى الصلاة، والزكاة، وذلك لما صار ابن ثلاثين سنة ثم
رفع. * (الكتاب) * الخط، أو جنس الكتب. * (والحكمة) * العلم بما في تلك
الكتب، أو جميع ما يحتاج إليه في دينه ودنياه * (تخلق) * تصور. * (فتنفخ فيها) *
الروح، والروح: جسم تولى نفخها في الجسم المسيح، أو جبريل - عليهما
السلام - * (فتكون طيرا) * تصير بعد النفخ لحما ودما، ويحيا بإذن الله لا بفعل
المسيح. * (وتبرؤء الأكمه والأبرص) * تدعو بإبرائهما، وبإحياء الموتى فأجيب
دعاءك، نسبه إليه لحصوله بدعائه، ويجوز أن يكون إخراجهم من قبورهم فعلا
للمسيح - عليه الصلاة والسلام - بعد إحياء الله - تعالى - لهم، قال ابن الكلبي:
والذين أحياهم رجلان وامرأة.
111 - * (أوحيت إلى الحواريين) * ألهمتهم كالوحي إلى النحل، أو ألقيت
إليهم بما أريتهم من آياتي أن يؤمنوا بي وبك فكان إيمانهم إنعاما عليهم وعليه
لكونهم أنصاره.
* (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مآئدة من
السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (112) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن
422

قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين (113) قال عيسى ابن مريم
اللهم ربنآ أنزل علينا مآئدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وءاخرنا وآية منك
وارزقنا وأنت خير الرازقين (114) قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه
عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين (115)) *
112 - * (يستطيع ربك) * هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله أو هل
تستطيع سؤال ربك * (يستطيع) * يقدر، أو يفعل، أو يجيبك ويطيعك. المائدة:
ما عليها طعام فإن لم يكن فهي خوان سميت مائدة، لأنها تميد ما عليها أي
تعطيه. * (اتقوا الله) * معاصيه، أو أن تسألوا الأنبياء الآيات عنتا، أو طلبا
لاستزادتها. * (إن كنتم مؤمنين) * أي مصدقين بهم أغناكم دلائل صدقهم عن
آيات أخر.
113 - * (نريد أن نأكل منها) * لعلهم طلبوا ذلك لحاجة بهم، أو لأجل
البركة. * (وتطمئن قلوبنا) * تحتمل بإرسالك، أو بأنه قد جعلنا من أعوانك.
* (ونعلم) * علما لم يكن لنا بناء على أن سؤالهم كان قبل استحكام معرفتهم، أو
نزداد علما ويقينا إلى علمنا ويقيننا.
114 - * (اللهم ربنا أنزل) * سأل ذلك لإظهار صدقه عند من جعله قبل
استحكام المعرفة، أو تفضل بالسؤال بعد معرفتهم. * (عيدا) * نتخذ يوم إنزالها
عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا، أو عائدة من الله - تعالى - علينا وبرهانا لنا ولمن
بعدنا، أو نأكل منها أولنا وآخرنا / * (وآية منك) * على صدق أنبيائك، أو على
توحيدك. * (وارزقنا) * ذلك من عندك، أو الشكر على إجابة دعوتنا.
115 - * (إني منزلها عليكم) * لما شرط عليهم العذاب إن كفروا بها
423

استعفوا منها فلم تنزل، قاله الحسن - أو نزلت تحقيقا للوعد، وكان عليها
ثمار الجنة، أو خبز ولحم، أو سبعة أرغفة، وسبع جفان، أو سمكة فيها طعم
كل طعام، أو كل طعام إلا اللحم، أمروا أن يأكلوا ولا يخونوا ولا يدخروا
فخانوا وادهروا فرفعت، قال مجاهد: ضربت مثلا للناس لئلا يقترحوا الآيات
على الأنبياء. * (عذابا) * بالمسخ، أو عذابا لا يعذب به غيرهم، لأنهم رأوا من
الآيات ما لم يره غيرهم، وذلك العذاب في الدنيا، أو في الآخرة. * (العالمين) *
عالمي زمانهم، أو جميع الخلق، فيعذبون بجنس لا يعذب به غيرهم.
* (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلاهين من دون الله قال
سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في
نفسي ولآ أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب (116) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن
اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب
عليهم وأنت على كل شيء شهيد (117) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت
العزيز الحكيم (118) قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها
الأنهار حالدين فيهآ أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم (119) لله ملك السماوات
والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير (120)) *
424

116 - * (وإذ قال الله يا عيسى) * قاله لما رفعه إلى السماء في الدنيا، أو
يقوله يوم القيامة فيكون * (إذ) * بمعنى * (إذا) * وهذا أصح لقوله: * (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * [119] * (أأنت قلت) * سؤال توبيخ لقومه، أو ليعرف
المسيح - عليه الصلاة والسلام - أنهم غيروا وقالوا عليه ما لم يقل. * (إلهين) *
لما قالوا إنها ولدت الإله لزمهم أن يقولوا بإلاهيتها للبعضية فصاروا بمثابة القائل
بإلاهيتها.
425

((سورة الأنعام))
مكية إلا ثلاث آيات * (قل تعالوا) * [151] إلى آخر الثلاث، أو مكية إلا
آيتين * (وما قدروا الله حق قدره) * [91] نزلت في كعب بن الأشرف، ومالك بن
الصيف والأخرى * (وهو الذي أنشأ جنات) * [141] نزلت في معاذ بن
جبل، أو ثابت بن قيس، قاله ابن عباس - رضي الله - تعالى عنهما - أو
426

كلها مكية نزلت جملة واحدة معها سبعون ألف ملك، قال
427

وهب: ' فاتحة التوراة فاتحة الأنعام، وخاتمتها خاتمة هود '.
((بسم الله الرحمن الرحيم) * () * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم
يعدلون (1) هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم
تمترون (2) وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون (3)
وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين (4) فقد كذبوا بالحق لما
جاءهم فسوف يأتيهم أنبآء ما كانوا به يستهزءون (5) ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن
مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري
من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين (6)) *
1 - * (الحمد لله) * خبر بمعنى الأمر، وهو أولى من قوله * (احمدوا) * لما
فيه من تعليم اللفظ، ولأن البرهان يشهد للخبر دون الأمر. * (السماوات) * جمعها
تفخيما لها، لن الجمع يقتضي التفخيم * (إنا نحن نزلنا الذكر) * [الحجر: 9]
قدم السماوات والظلمات في الذكر لتقدم خلقهما على خلق الأرض والنور.
428

* (يعدلون) * به الأصنام، أو إلها لم يخلق كخلقه.
2 - * (من طين) * لما كانوا فرعا لما خلق من الطين جاز أن يقول:
* (خلقكم من طين) * * (أجلا) * للحياة إلى الموت، والمسمى: أجل الموت إلى
البعث، أو الأول أجل الدنيا، والمسمى: ابتداء ألاخرة، قاله ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما -، أو الأول: الذي قضاه يوم الذر، والمسمى: حياة
الدنيا. * (تمترون) * تشكون.
3 - * (وهو الله) * المدبر في السماوات، أو هو يعلم سركم وجهركم في
السماوات وفي الأرض لأن الملائكة في السماء، والثقلين في الأرض.
* (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروآ إن هذا إلا سحر
مبين (7) وقالوا لولآ أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون (8) ولو
جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون (9) ولقد استهزىء برسل
من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون (10) قل سيروا في
الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين (11)) *
8 - * (لقضي الأمر) * لقامت الساعة، أو لاستؤصلوا بالعذاب، / لأن من
مضى كانوا إذا اقترحوا آية فجاءت فلم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب.
9 - * (ولو جعلناه ملكا) * لصورناه بصورة رجل، لأنهم لا يقدرون على
رؤية الملك على صورته. * (ما يلبسون) * ما يخلطون، أو يشبهون، قال الزجاج:
كما يشبهون على ضعفائهم.
429

* (قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى
يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون (12) وله ما
سكن في اليل والنهار وهو السميع العليم (13) قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات
والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من
المشركين (14) قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم (15) من يصرف عنه
يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين (16)) *
13 - * (سكن) * من السكنى، أو السكون خص السكون لأن الإنعام به أبلغ
من الإنعام بالحركة.
14 - * (فاطر) * خالق ومبتدىء، ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -
' كنت لا أدري ما فاطر حتى اختصم إلي أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا
فطرتها أي ابتدأتها ' أصل الفطر: الشق، * (من فطور) * [الملك: 3] شقوق.
* (يطعم) * يرزق ولا يرزق. * (أول من أسلم) * من هذه الأمة.
* (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء
قدير (17) وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير (18) قل أي شيء أكبر شهادة قل الله
شهيد بيني وبينكم وأوحى إلي هذا القرءان لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله
ءالهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون (19) الذين ءاتيناهم
430

الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم الذين خسروآ أنفسهم فهم لا يؤمنون (20) ومن أظلم
ممن افترى على الله كذبا أو كذب بئاياته إنه لا يفلح الظالمون (21)) *
18 - * (فوق عباده) * أي القاهر لعباده، وفوق: صلة، أو علا على عباده
بقهره لهم * (يد الله فوق أيديهم) * [الفتح: 10] أعلى من أيديهم قوة.
19 - * (أي شيء) * نزلت لما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم من يشهد لك بالنبوة فشهد
الله - تعالى - له بالنبوة، أو أمره أن يشهد عليهم بتبليغ الرسالة، فقال لهم
ذلك ليشهده عليهم.
20 - * (الذين آتيناهم الكتاب) * القرآن، أو التوراة، والإنجيل * (يعرفونه) *
محمدا صلى الله عليه وسلم بصفته في كتبهم، أو يعرفون القرآن الدال على صحة نبوته.
* (خسروا أنفسهم) * غبنوها وأهلكوها بالكفر، أو خسروا منازلهم وأزواجهم في
الجنة، إذ لكل منازل وأزواج في الجنة، فإن آمن فهي له، وإن كفر فهي لمن
آمن من أهلهم، وهذا معنى * (الذين يرثون الفردوس) * [المؤمنون: 11].
* (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركآؤكم الذين كنتم تزعمون (22) ثم لم تكن
فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين (23) انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم
ما كانوا يفترون (24) ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قولهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم
وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروآ إن هذا إلا
أساطير الأولين (25) وهم ينهون عنه وينئون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون
431

23 - * (فتنتهم) * معذرتهم سماها بذلك لحدوثها عن الفتنة، أو عاقبة فتنتهم
وهي الشرك، أو بليتهم التي ألزمتهم الحجة وزادتهم لائمة.
وزادتهم لائمة.
25 - [* (ومنهم من يستمع إليك) * يستمعون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في
صلاته ليلا، ليعرفوا مكانه فيؤذوه، فصرفوا عنه بالنوم وإلقاء الوقر، والأكنة:
الأغطية، واحدها كنان، كننت الشيء غطيته، وأكننته في نفسي أخفيته،
والوقر: الثقل. * (كل آية) * كل علامة معجزة لا يؤمنوا بها لحسدهم.
وبغضهم. * (يجادلونك) * بقولهم أساطير الأولين التي سطروها في كتبهم، أو
قالوا: كيف تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربكم، قاله ابن عباس،
رضي الله تعالى عنهما.
26 - * (ينهون) * عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ويتباعدون فرارا منه، أو ينهون عن
العمل بالقرآن ويتباعدون عن سماعه لئلا يسبق إلى قلوبهم العلم بصحته، أو
ينهون عن أذى الرسول صلى الله عليه وسلم ويتباعدون عن اتباعه، قال ابن عباس - رضي الله -
تعالى - عنهما - نزلت في أبي طالب نهى عن
432

أذى الرسول صلى الله عليه وسلم ويتباعد عن الإيمان به مع علمه بصحته، قال:
* ودعوتني وزعمت أنك ناصحي
* فلقد صدقت وكنت ثم أمينا
*
* وعرضت دينا قد علمت بأنه
* من خير أديان البرية دينا
*
* لولا الذمامة أو أحاذر سبة
* لوجدتني سمحا بذاك مبينا
*
433

* (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بئايات ربنا ونكن من المؤمنين (27) بل
بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون (28) وقالوآ إن هي
إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين (29) ولو ترى إذ قفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق
قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (30)) *
27 - * (وقفوا على النار) * عاينوها ومن عاين الشيء وقف عليه، أو وقفوا
فوقها، أو عرفوها بدخولها ومن عرف شيءا وقف عليه، أو حبسوا عليها.
28 - * (ما كانوا يخفون) * وبال ما أخفوه، أو ما أخفاه بعضهم من بعض،
أو بدا للأتباع ما أخفاه الرؤساء. * (لكاذبون) * فيما أخبروا به من الإيمان لو
ردوا، أو خبر مستأنف يعود إلى ما تقدم.
* (قد خسر الذين كذبوا بلقآء اله حتى إذا جآءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا
فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31) وما الحياة الدنيآ إلا لعب
ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (32)) *
32 - * (لعب ولهو) * ما أمر الدنيا والعمل لها إلا لعب ولهو بخلاف العمل
للآخرة، أو ما أهل الدنيا إلا أهل لعب ولهو لاشتغالهم بها عما هو أولى منها،
أو هم كأهل اللعب لانقطاع لذتهم وفنائها بخلاف الآخرة فإن لذاتها دائمة.
* (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بئايات الله
434

يجحدون (33) ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا
ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإى المرسلين (34) وإن كان كبر عليك
إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو
شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين (35) إنما يستجيب الذين
يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون (36)) *
33 - * (ليحزنك الذي يقولون) * من تكذيبك والكفر بي. * (لا يكذبونك) *
بحجة بل بهتا وعنادا لا يضرك، [أو] لا يكذبونك لعلمهم بصدقك ولكن
يكذبون ما جئت به، أو لا يكذبونك سرا بل علانية لعداوتهم لك، أو لا
يكذبونك لأنك مبلغ وإنما يكذبون ما جئت به.
34 - * (نبأ المرسلين) * في صبرهم ونصرهم.
35 - * (إعراضهم) * عن سماع القرآن، أو عن اتباعك. * (نفقا) * سربا، وهو
المسلك النافذ مأخوذ من نافقاء اليربوع * (سلما) * مصعدا، أو درجا، أو سببا.
* (فتأتيهم بآية) * أفضل من آيتك فافعل فحذف الجواب. * (من الجاهلين) * لا
تجزع في مواطن الصبر فتشبه الجاهلين.
36 - * (الذين يسمعون) * طلبا للحق، أو يعقلون، والاستجابة القبول
والجواب يكون قبولا وغير قبول. * (والموتى) * الكفار، أو الذين فقدوا الحياة.
* (وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا
435

يعلمون (37) وما من دآبة في الأرض ولا طآئر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في
الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون (38) والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في
الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم (39)) *
38 - * (أمم) * جماعات، أو أجناس. * (أمثالكم) * في أنها مخلوقة لا تظلم،
ومرزوقة لا تحرم. * (ما فرطنا في الكتاب من شيء) * من أمور الدين مفصلا، أو
مجملا جعل إلى بيانه سبيلا. * (يحشرون) * يموتون، أو يجمون لبعث الساعة.
* (قل أرءيتكم إن أتاكم عذاب الله أو اتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم
صادقين (40) بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون (41)
ولقد أرسلنآ إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأسآء والضراء لعلهم يتضرعون (42) فلولآ إذ
جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا
يعملون (43) فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا
فرحوا بما أوتوآ أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (44) فعطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله
رب العالمين (45)) *
44 - * (أبواب كل شيء) * من الرزق والنعم. * (مبلسون) * هو الإياس، أو
الحزن والندم، أو الخشوع، أو الخذلان، أو السكوت وانقطاع الحجة.
* (قل لا أقول لكم عندي خزآئن الله ولآ أعلم الغيب ولآ أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا
ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون (50) وأنذر به الذين
يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون (51) ولا
436

تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من
شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين (52)
وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلآء من الله عليهم من بيننآ أليس الله
بأعلم بالشاكرين (53) وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب
ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده
وأصلح فإنه غفور رحيم (54)) *
50 - * (خزائن الله) * من الرزق فلا أقدر على إغناء ولا إفقار، أو خزائن
العذاب، أنه لما خوفهم به استعجلوه استهزاء. * (ولا أعلم الغيب) * في نزول العذاب أو جميع الغيوب. * (إني ملك) * تفضيل للملك، أي لا أدعي منزلة
ليست لي، أو لست ملكا في السماء فأعلم الغيب الذي تشاهده الملائكة ولا
يعلمه البشر، فلا تفضيل فيه للملك على النبي.
52 - * (ولا تطرد) * نزلت لما جاء الملآ من قريش فوجدوا عند
الرسول صلى الله عليه وسلم عمارا وصهيبا وخبابا وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم
أجمعين - فقالوا اطرد عنا موالينا وحلفاءنا، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك،
437

فقال عمر - رضي الله تعالى عنه -: لو فعلت ذلك حتى ننظر ما يصيرون، فهم
الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، ونزل في الملأ * (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) * [53] فاعتذر
عمر - رضي الله تعالى عنه - عن مقالته، فأنزل * (وإذا جاءك الذين يؤمنون) *
[54]. * (يدعون) * الصلوات الخمس، أو ذكر الله - تعالى - أو عبادته، أو تعلم
القرآن. * (يريدون وجهه) * يريدون طاعته بقصدهم الوجه الذي وجههم إليه، أو
يريدونه بدعائهم، وقد يعبر عن الشيء بالوجه كقولهم: ' هذا وجه الصواب '.
* (حسابهم) * حساب عملهم بالثواب والعقاب، وما من حساب عملك عليهم
شيء، كل مؤاخذ بحساب عمله دون غيره، أو ما عليك من حساب رزقهم
وفقرهم من شيء.
53 - * (فتنا) * اختبرناهم باختلاف في الأرزاق والأخلاق، أو بتكليف ما
فيه مشقة على النفس مع قدرتها عليه. * (من الله عليهم) * باللطف في أيمانهم، أو
بما ذكره من شكرهم على طاعته.
54 - * (الذين يؤمنون) * ضعفاء المسلمين، وما كان من شأن عمر -
رضي الله تعالى عنه - * (فقل سلام عليكم) * مني، أو من الله - تعالى - قاله
الحسن والسلام: جمع السلامة، أو هو الله ذو السلام. * (كتب) * أوجب، أو
438

كتب في اللوح المحفوظ. * (بجهالة) * بخطيئة، أو ما جهل كراهة عاقبته.
* (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين (55) قل إني نهيت أن أعبد الذين
تدعون من دون الله قل لا اتبع أهوآءكم قد ضللت إذا ومآ أنا من المهتدين (56) قل
إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا
لله يقص الحق وهو خير الفاصلين (57) قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر
بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين (58) وعنده مفاتح الغيب لا يعلمهآ
إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في
ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (59)) *
57 - * (بينة من ربي) * معجز القرآن، أو الحق الذي بان له. * (وكذبتم به) *
بربكم، أو بالبينة. * (تستعجلون به) * من العذاب، أو من اقتراح الآيات، لأنه
طلب الشيء في غير وقته. * (الحكم) * في الثواب والعقاب، أو في تمييز الحق
من الباطل. * (يقضي الحق) * يتممه. * (يقص) * يخبر.
* (وهو الذي يتوفاكم باليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل
مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون (60) وهو القاهر فوق عباده
ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهو لا يفرطون (61) ثم
439

ردوا إلى مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين (62)) *
60 - * (يتوفاكم) * بالنوم. * (جرحتم) * كسبتم بجواركم، جوارح الطير:
كواسبها. * (يبعثكم) * في النهار باليقظة. * (أجل مسمى) * استكمال العمر.
* (مرجعكم) * بالبعث.
61 - * (القاهر) * الأقدر، فوقهم: في القهر كما يقال فوقه في العلم إذا
كان أعلم، أو علا بقهره. * (حفظة) * (الملائكة) * (لا يفرطون) * لا يؤخرون، أو لا
يضيعون.
62 - * (ردوا) * ردتهم الملائكة الذين يتوفونهم، أو ردهم الله بالبعث
والنشور، أي ردهم إلى تدبيره وحده، لأنه دبرهم عند النشأة وحده، ثم مكنهم
من التصرف فدبروا أنفسهم، ثم ردهم إلى تدبيره وحده بموتهم، فكان ذلك ردا
إلى الحالة الأولى، أو ردوا إلى الموضع الذي لا يملك الحكم عليهم فيه
إلا الله. * (ألا له الحكم) * بين عباده يوم القيامة وحده، أو له الحكم مطلقا
لأن من سواه يحكم بأمره فصار حكما له.
* (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من
الشاكرين (63) قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون (64) قل هو القادر على أن
يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض
انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون (65)) *
440

65 - * (من فوقكم) * أئمة السوء * (أو من تحت أرجلكم) * عبيد السوء قاله
ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أو من فوقهم: الرجم، ومن تحتهم:
الخسف، أو من فوقهم: الطوفان، ومن تحتهم: الريح. * (يلبسكم شيعا) *
الأهواء المختلفة، أو الفتن والاختلاف. * (بأس بعض) * بالحروب والقتل، نزلت
في المشركين، أو في المسلمين وشق نزولها على الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إني
سألت ربي أن يجيرني من أربع فأجارني من خصلتين، ولم يجرني من
خصلتين، / سألته أن لا يهلك أمتي بعذاب من فوقهم كما فعل بقوم نوح - عليه
الصلاة والسلام - وبقوم لوط، فأجابني، وسألته أن لا يهلك أمتي بعذاب من
تحت أرجلهم كما فعل بقارون فأجابني، وسألته أن لا يفرقهم شيعا فلم يجبني،
وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يجبني، ونزل * (ألم أحسب الناس أن يتركوا) * [العنكبوت / 1، 2].
* (وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل (66) لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون (67)
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك
الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (68) وما على الذين يتقون من
441

حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون) *
66 - * (وكذب به) * بالقرآن، أو بتصريف الآيات. * (وهو الحق) * أي ما
كذبوا به، والفرق بينه وبين الصواب: أن الصواب لا يدرك إلا بطلب، والحق
قد يدرك بغير طلب. * (بوكيل) * بحفيظ أمنعكم من الكفر، أو بحفيظ لأعمالكم
حتى أجازيكم عليها، أو لا آخذكم بالإيمان، إجبارا كما يأخذ الوكيل بالشيء.
67 - * (لكل نبأ) * أخبر الله - تعالى - به من وعد أو وعيد مستقر في
المستقبل أو الماضي أو الحاضر، أو مستقر في الدنيا أو الآخرة، أو هو وعيد
للكفار بما ينزل بهم في الآخرة، أو وعيد بما يحل بهم في الدنيا.
69 - * (وما على الذين يتقون) * الله في أمره ونهيه من حساب استهزاء
الكفار وتكذيبهم مأثم لكن عليهم تذكرهم بالله وآياته لعلهم يتقون الاستهزاء
والتكذيب، أو ما على الذين يتقون من تشديد الحساب والغلظة ما على الكفار،
لأن محاسبتهم ذكرى وتخفيف، ومحاسبة الكفار غلظة وتشديد، لعلهم يتقون إذا
علموا ذلك، أو ما على الذين يتقون فيما فعلوه من رد وصد حساب ولكن
اعدلوا إلى تذكيرهم بالقول قبل الفعل لعلهم يتقون.
* (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن
تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل
عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب
أليم بما كانوا يكفرون (70)
70 - * (وذر الذين) * منسوخة، أو محكمة على جهة التهديد، كقوله
* (ذرني ومن خلقت) * [المدثر: 11]. * (دينهم لعبا ولهوا] استهزاؤهم بالقرآن إذا
سمعوه، أو لكل قوم عيد يلهون فيه إلا المسلمون فإن أعيادهم صلاة وتكبير
442

وبر وخير. * (أن تبسل) * تسلم، أو تحبس، أو تفضح، أو تؤخذ بما كسبت أو
تجزى، أو ترتهن، أسد باسل: يرتهن الفريسة بحيث لا تفلت، وأصل الإبسال:
التحريم، شراب بسيل: حرام. قال:
* بكرت تلومك بعد وهن في الندى
* بسل عليك ملامتي وعتابي
*
* (وإن تعدل) * تفتد بكل مال، أو بالإسلام والتوبة.
* (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله
كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل
إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين (71) وأن أقيموا الصلاة
واتقوه وهو الذي إليه تحشرون (72) وهو الذي خلق السماوات والأرض
بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم
الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير (73)) *
71 - * (أندعوا) * أنطلب النجاح، أو أنعبد., * (استهوته) * دعته إلى قصدها
واتباعها، كقوله * (تهوي إليهم) * [إبراهيم: 37] أي تقصدهم وتتبعهم، أو تأمره
بالهوى، قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - نزلت في أبي بكر وامرأته
443

لما دعوا ابنهما ' عبد الرحمن ' أن يأتيهما إلى الإسلام.
73 - * (خلق السماوات والأرض بالحق) * بالحكمة، أو الإحسان إلى
العباد، أو بكلمة الحق، أو نفس خلقهما حق. * (كن فيكون) * يقول ليوم القيامة
كن فيكون لا يثني إليه القول مرة أخرى، أو يقول للسماوات كوني قرنا ينفخ
فيه لقيام الساعة فتكون صورا كالقرن وتبدل سماء أخرى. * (الصور) * قرن ينفخ
فيه للإفناء والإعادة، أو جمع صورة ينفخ فيها أرواحها. * (عالم الغيب والشهادة) * / أي الذي خلق السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أو الذي
ينفخ في الصور عالم الغيب.
* (وإذ قال إبراهيم لأبيه ءازر أتتخذ أصناما ءالهة إني أراك وقومك في ضلال
مبين (74) وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين (75)) *
444

فلما جن عليه اليل رءا كوكبا قال هذا ربي فلما أقل قال لا أحب الأفلين (76) فلما
رءا القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئي لم يهدني ربي لأكونن من القوم
الضالين (77) فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم
إني بريء مما تشركون (78) إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفا ومآ أنا من المشركين (79)) *
74 - * (آزر) * اسم أبي إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - كان من أهل
' كوثى ' قرية من سواد الكوفة، أو آزر ليس باسم بل سب وعيب معناه:
' معوج '، كأنه عابه باعوجاجه عن الحق، وضاع حق أبوته بتضييعه حق الله -
تعالى -، أو آزر اسم صنم وكان اسم أبيه ' تارح '.
445

75 - * (وكذلك) * ' ذا ' إشارة لما قرب، و ' ذاك ' لما بعد، و ' ذلك ' لتفخيم
شأن ما بعد. * (ملكوت السماوات والأرض) * آياتهما، أو خلقهما، أو ملكها،
والملكوت: الملك نبطي، أو عربي، ملك وملكوت: كرهبة ورهبوت، ورحمة
ورحموت، وقالوا: رهبوت خير من رحموت أي ترهب خير من أن ترحم، أو
الشمس والقمر والنجوم، أو * (ملكوت السماوات) * الشمس والقمر والنجوم،
وملكوت الأرض الجبال والثمار والشجر.
76 - * (جن عليه الليل) * ستره، الجن والجنين لاستتارهما، والجنة
والجنون والمجن لسترها. * (رأى كوكبا) * قيل هو الزهرة طلعت عشاء. * (هذا ربي) * في ظني، قاله حال استدلاله، أو اعتقد أنه ربه، أو قال ذلك وهو طفل،
لأن أمه جعلته في غار حذرا عليه من نمروذ فلما خرج قال: ذلك قبل قيام
الحجة عليه، لأنه في حال لا يصح منه كفر ولا إيمان، ولا يجوز أن يقع من
الأنبياء - صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين - شرك بعد البلوغ، أو قاله
على وجه التوبيخ والإنكار الذي يكون مع ألف الاستفهام أو أنكر بذلك
عبادته [الأصنام] إذ كانت الكواكب لم تضعها يد بشر ولم تعبد لزوالها
446

فالأصنام التي هي دونها أجدر. * (لا أحب الآفلين) * حب الرب المعبود، أفل:
غاب.
77 - * (بازغا) * طالعا بزغ: طلع.
* (وحآجه قومه قال أتحآجوني في الله وقد هدان ولآ أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء
ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون (80) وكيف أخاف ما
أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي
الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون (81) الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم
أولئك لهم الأمن وهم مهتدون (82) وتلك حجتنآ ءاتيناهآ إبراهيم على قومه نرفع
درجات من نشآء إن ربك حكيم عليم (83)) *
82 - * (الذين آمنوا ولم يلبسوا) * من قول الله - تعالى -، أو من قول
إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، أو من قول قومه قامت به الحجة عليهم
* (بظلم) بشرك لما نزلت شق على المسلمين، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه، فقال
الرسول صلى الله عليه وسلم: ' ليس كما تظنون، وإنما هو كقول ' لقمان ' لابنه * (لا تشرك بالله
إن الشرك لظلم عظيم) * [لقمان: 13] أو المراد جميع أنواع الظلم فعلى هذا
هي عامة، أو خاصة بإبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وحده، قاله علي - رضي
447

الله تعالى عنه -، أو خاصة فيمن هاجر إلى المدينة.
83 - * (حجتنا) * قوله فأي الفريقين أحق بالأمن؟ عبادة إله واحد أو آلهة
شتى، فقالوا: عبادة إله واحد فأقروا على أنفسهم، أو قالوا له: [ألا] تخاف
[أن] تخبلك آلهتنا؟ فقال: أما تخافون أن تخبلكم بجمعكم الصغير مع الكبير
في العبادة؟ أو قال لهم: أتعبدون ما لا يملك لكم ضرا لا نفعا أم من يملك
الضر والنفع؟، فقالوا: ما لك الضر والنفع أحق. وهذه الحجة استنبطها بفكره،
أو أمره / بها ربه.
* (* (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته
داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84)
وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين (85) وإسماعيل واليسع ويونس
ولوطا وكلا فضلنا على العالمين (86) ومن ءابآئهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم
وهديناهم إلى صراط مستقيم (87) ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو
أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون (88) أولئك الذين ءاتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن
يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين (89) أولئك الذين هدى الله
فبهداهم اقتده قل لا أسئلكم عليه اجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين (90)) *
89 - * (فإن يكفر بها) * (قريش) * (فقد وكلنا بها) * الأنصار، أو إن يكفر بها
أهل مكة فقد وكلنا أهل المدينة، أو إن يكفر بها قريش فقد وكلنا بها الملائكة،
أو الأنبياء الثمانية عشر المذكورين من قبل * (ووهبنا له إسحاق) * [84]، أو
جميع المؤمنين. * (وكلنا بها) * أقمنا لحفظها ونصرها يعني الكتب والشرائع.
448

* (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي
جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم
تعلموا أنتم ولآ ءابآؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون (91) وهذا كتاب أنزلناه
مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة
يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون (92)) *
91 - * (وما قدروا الله حق قدره) * ما عظموه حق عظمته، أو ما عرفوه حق
معرفته، أو ما آمنوا أنه على كل شيء قدير. * (إذ قالوا) * قريش، أو اليهود فرد
عليهم بقول * (من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى) * لاعترافهم به. * (وتخفون كثيرا) * نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
92 - * (مصدق الذي بين يديه) * من الكتب، أو من البعث. * (أم القرى) *
أهل أم القرى - مكة - لاجتماع الناس إليها كاجتماع الأولاد إلى الأم، أو لأنها
أول بيت وضع فكأن القرى نشأت عنها، أو لأنها معظمة كالأم قاله الزجاج.
* (ومن حولها) * أهل الأرض كلها قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -
* (يؤمنون به) * بالكتاب، أو بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن لا يؤمن به من أهل الكتاب فلا
يعتد بإيمانه بالآخرة.
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل
مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملآئكة باسطوا أيديهم
أخرجوآ أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق
وكنتم عن آياته تستكبرون (93) ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما
خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعآءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد
449

تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون (94)) *
93 - * (ممن افترى) * نزلت في مسيلمة، أو فيه وفي العنسي * (ومن
قال سأنزل) * مسيلمة، أو مسيلمة والعنسي، أو عبد الله بن سعد بن أبي
السرح كان يكتب للرسول صلى الله عليه وسلم فإذا قال له: غفور رحيم، كتب سميع عليم،
أو عزيز حليم، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم هما سواء حتى أملى عليه * (ولقد خلقنا
الإنسان من سلالة) * إلى قوله * (خلقا آخر) * [المؤمنون: 12 - 14]، فقال ابن
أبي السرح: * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * تعجبا من تفصيل خلق الإنسان،
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت، فشك وارتد. * (باسطوا أيديهم) * بالعذاب، أو
450

لقبض الرواح. * (أخرجوا أنفسكم) * من العذاب، أو من الأجساد * (الهون) *
الهوان، والهون: الرفق.
94 - * (خولناكم) * التخويل: تمليك المال. * (شفعاءكم) * آلهتكم، أو
الملائكة الذين اعتقدتم شفاعتهم. * (فيكم شركاء) * شفعاء، أو يتحملون عنكم
تحمل الشريك عن شريكه.
* (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذالكم الله فأنى
تؤفكون (95) فالق الإصباح وجعل اليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير
العزيز العليم (96) وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد
فصلنا الآيات لقوم يعلمون (97)) *
95 - * (فالق) * الحبة عن السنبلة، والنواة عن النخلة، أو خالق أو هو
الشقاق الدائر فيها. * (يخرج الحي) * السنبلة الحية من الحبة الميتة والنخلة الحية
من النواة الميتة، والحبة والنواة الميتتين من السنبلة والنخلة الحيتين، أو الإنسان
من النطفة والنطفة من الإنسان، قاله ابن عباس - رضي الله - تعالى - عنهما - أو
المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن. * (تؤفكون) * تصرفون عن الحق.
451

96 - * (الإصباح) * الصبح، أو إضاءة الفجر، أو خالق نور النهار، أو ضوء
الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - /
* (سكنا) * يسكن فيه كل متحرك بالنهار، أو لأن كل حي يأوي إلى مسكنه
* (حسبانا) * يجريان بحساب أدوار يرجعان بها إلى زيادة ونقصان، أو جعلهما
ضياء قاله قتادة، كأنه أخذه من قوله - تعالى - * (حسبانا من السماء) *
[الكهف: 40] قال: نارا.
* (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم
يفقهون (98) وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا
منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من
أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في
ذالكم لآيات لقوم يؤمنون (99)) *
98 - * (فمستقر) * في الأرض، * (ومستودع) * في الأصلاب، أو مستقر في
الرحم، ومستودع في القبر، أو مستقر في الرحم، ومستودع في صلب الرجل،
أو مستقر في الدنيا ومستودع في الأخرة، أو مستقر في الأرض ومستودع في
الذر، أو المستقر ما خلق، والمستودع ما لم يخلق، قاله ابن عباس - رضي الله
تعالى عنهما -.
99 - * (نبات كل شيء) * رزق كل شيء من الحيوان، أو نبات كل شيء
من الثمار. * (خضرا) * زرعا خضرا. * (متراكبا) * سنبلا تراكب حبه. * (قنوان) *
جمع قنو وهو الطلع، أو العذق. * (دانية) * من مجتنيها لقصرها، أو قرب بعضها
من بعض. * (مشتبها) * ورقه مختلفا ثمره، أو * (مشتبها) * لونه، مختلفا طعمه.
* (ثمرة) * الثمر جمع ثمار، والثمر جمع ثمرة، أو الثمر المال، والثمر ثمر
452

النخل، قرىء بهما. * (وينعه) * نضجه وبلوغه.
* (وجعلوا لله شركآء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما
يصفون (100) بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل
شيء وهو بكل شيء عليم (101)) *
100 - * (شركاء الجن) * قولهم: ' الملائكة بنات الله ' سماهم الله جنا،
لاستتارهم، أو أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان حتى جعلوهم شركاء لله في
العبادة. * (خرقوا) * كذبوا، أو خلقوا، الخرق والخلق واحد. * (بنين) * المسيح
وعزير. * (وبنات) * الملائكة جعلهم مشركو العرب بنات الله.
* (ذكلم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء
وكيل (102) لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (103) قد
جاءكم بصآئر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها ومآ أنا عليكم
بحفيظ (104) وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون (105)) *
103 - * (لا تدركه الأبصار) * لا تحيط به، أو لا تراه، أو لا تدركه في
الدنيا وتدركه في الآخرة، أو لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة وتدركه
أبصار المؤمنين، أو لا تدركه بهذه الأبصار بل لا بد من خلق حاسة سادسة
لأوليائه يدركونه بها.
453

105 - * (نصرف الآيات) * بتصريف الآية في معان متغايرة مبالغة في
الإعجاز ومباينة لكلام البشر، أو بأن يتلو بعضها بعضا فلا ينقطع التنزيل، أو
اختلاف ما نضمنها من الوعد والوعيد والأمر والنهي. * (وليقولوا) * ولئلا يقولوا
* (درست) * قرأت وتعلمت، قالته قريش، ودارست: ذاكرت وقارأت، ودرست:
انمحت وتقادمت، ودرست تليت، وقرئت ودرس محمد صلى الله عليه وسلم وتلا، فهذه خمس
قراءات.
* (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين (106) ولو شاء الله ما
أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا ومآ أنت عليهم بوكيل (107) ولا تسبوا الذين
يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم
مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون (108)) *
108 - * (ولا تسبوا) * الأصنام فيسبوا من أمركم بسبها، أو يحملهم الغيظ
على سب معبودكم كما سببتم معبودهم. * (كذلك زينا) * كما زينا لكم الطاعة
كذلك زينا لمن تقدمكم من المؤمنين الطاعة، أو كما أوضحنا لكم الحجج
454

كذلك أوضحناها لمن تقدم، أو شبهنا لأهل كل دين عملهم بالشبهات ابتلاء
حين عموا عن الرشد.
* (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جآءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما
يشعركم أنهآ إذا جاءت لا يؤمنون (109) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به
أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون (110) ولو أننا نزلنآ إليهم الملائكة
وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن
أكثرهم يجهلون (111)) *
109 - * (لئن جاءتهم) * لما نزل * (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية) *
[الشعراء: 4] قالوا: / للرسول صلى الله عليه وسلم أنزلها حتى نؤمن بها إن كنت من الصادقين،
فقال المؤمنون: أنزلها عليهم يا رسول الله ليؤمنوا، فنزلت هذه، أو اقسم
المستهزئون إن جاءتهم آية اقترحوها ليؤمنن بها وهي أن يحول الصفا ذهبا،
أو قولهم * (لن نؤمن لك حتى تفجر) * إلى قوله: * (نقرؤه) * [الإسراء: 90 - 93]
ولا يجب على الله إجابتهم إلى اقتراحهم إذا علم أنهم لا يؤمنون، وإن علم
ففي الوجوب قولان.
455

110 - * (ونقلب أفئدتهم) * في النار في الآخرة، أو في الدنيا بالحيرة
* (أول مرة) * جاءتهم الآيات، أو أول أحوالهم في الدنيا كلها.
111 - * (قبلا) * جهرة ومعاينة، * (قبلا) *: جمع قبيل وهو الكفيل أي
كفلاء، أو قبيلة قبيلة وصنفا صنفا، أو مقابلة. * (إلا أن يشاء الله) * أن يعينهم،
أو يجبرهم. * (يجهلون) * في اقتراحهم الآيات، أو يجهلون أن المقترح لو جاء
لم يؤمنوا به.
* (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف
القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون (112) ولتصغى إليه أفئدة
الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون (113)) *
112 - * (وكذلك جعلنا) * لمن قبلك من الأنبياء أعداء كما جعلنا لك
أعداء، أو جعلنا للأنبياء أعداء كما جعلنا لغيرهم من الناس أعداء، جعلنا:
حكمنا بأنهم أعداء، أو مكناهم من العداوة فلم نمنعهم منها. * (شياطين
456

الإنس والجن) * مردتهم، أو شياطين الإنس الذين مع الإنس وشياطين الجن
الذين مع الجن، أو شياطين الإنس كفارهم، وشياطين الجن كفارهم. * (يوحي
بعضهم) * يوسوس، أو يشر، * (فأوحى إليهم أن سبحوا) * [مريم: 11] أشار
* (زخرف القول) * ما زينوه من شبه الكفر، وارتكاب المعاصي.
@ 113 - * (ولتصغى) * تميل تقديره ' ليغروهم غرورا ولتصغى '، أو اللام
للأمر، ومعناها الخبر، قلت للتهديد أحسن.
* (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين ءاتيناهم
الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين (114) وتمت كلمت
ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115) وإن تطع أكثر من
في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون (116) إن
ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (117)) *
114 - * (أبتغي حكما) * لا يجوز لأحد أن يعدل عن حكمه حتى أعدل
عنه، أو لا يجوز لأحد أن يحكم مع الله حتى أحاكم إليه، والحكم من له أهلية
الحكم ولا يحكم إلا بالحق، والحاكم قد يكون من غير أهله فيحكم بغير
الحق. * (مفصلا) * تفصيل آياته لتمتاز معانيه، أو تفصيل الصادق من الكاذب، أو
تفصيل الحق من الباطل والهدى من الضلال، أو تفصيل الأمر من النهي، أو
المستحب من المحظور والحلال من الحرام.
457

115 - * (وتمت كلمات ربك) * القرآن تمت حججه ودلائله، أو تمام
أحكامه وأوامره، أو تمام إنذاره بالوعد والوعيد، أو تمام كلامه واستكمال
سوره. * (صدقا) * فيما أخبر به * (وعدلا) * فيما قضاه.
* (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين (118) وما لكم ألا تأكلوا مما
ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون
بأهوآئهم بغيرعلم إن ربك هو أعلم بالمعتدين (119) وذروا ظاهر الإثم وباطنه
إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون (120) ولا تأكلوا مما لم يذكر
اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليآئهم ليجادلوكم وإن
أطعتموهم إنكم لمشركون (121)) *
120 - * (ظاهر الإثم وباطنه) * سره وعلانيته، أو ظاهره: ما حرم من نكاح
ذوات المحارم، وباطنه: الزنا، أو ظاهره: ذوات الرايات من الزواني، وباطنه:
ذوات الأخذان، كانوا يستحلون الزنا سرا، أو ظاهره: الطواف بالبيت عراة،
وباطنه: الزنا.
121 - * (مما لم يذكر اسم الله عليه) * الميتة، قاله ابن عباس - رضي الله
تعالى عنهما -، أو ذبائح كانوا يذبحونها لأوثانهم، أو ما لم يسم الله عليه / عند
ذبحه، ولا يحرم أكله بتركها، أو يحرم، أو إن تركها عامدا حرم وإن تركها ناسيا
فلا يحرم. * (لفسق) * معصية، أو كفر. * (وإن الشياطين) * قوم من أهل فارس
بعثوا إلى قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - يزعمون أنهم
يتبعون أمر الله - تعالى - ولا يأكلون ما ذبح الله يعنون الميتة ويأكلون ما ذبحوه
458

لأنفسهم، أو الشياطين قالوا ذلك لقريش، أو اليهود قالوا ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم.
* (وإن أطعتموهم) * في استحلال الميتة * (إنكم لمشركون) *.
* (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في
الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون (122)) *
122 - * (ميتا) * كافرا * (فأحييناه) * بالإيمان. * (نورا يمشي به) *
القرآن، أو العلم الهادي إلى الرشد. * (الظلمات) * الكفر، أو الجهل شبه
بالظلمة لتحير الجاهل كتحير ذي الظلمة، وهي عامة في كل مؤمن
وكافر، أو نزلت في عمر وأبي جهل، أو في عمار
459

وأبي جهل.
* (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون
إلا بأنفسهم وما يشعرون (123) وإذا جآءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي
رسل الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله
وعذاب شديد بما كانوا يمكرون (124)) *
124 - * (صغار) * ذل، لأنه يصغر إلى الإنسان نفسه عند الله في الآخرة
فحذف أو أنفتهم من الحق صغار عند الله وإن كان عندهم عزا وتكبرا.
* (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره
ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين
لا يؤمنون (125)) *
125 - * (أن يهديه) * إلى أدلة الحق، أو إلى نيل الثواب والكرامة
* (يشرح) * يوسع. * (ضيقا) * لا يتسع لدخول الإسلام إليه * (حرجا) * شديدا لا
يثبت فيه. * (أن يضله) * عن أدلة الحق، أو عن نيل الثواب والكرامة. * (يصعد) *
كأنما كلف صعود السماء لامتناعه عليه وبعده منه أو لا يجد مسلكا لضيق
460

المسالك عليه إلا صعودا إلى السماء يعجز عنه، أو كأن قلبه يصعد إلى السماء
لمشقته عليه وصعوبته، أو كأن قلبه بالنفور عنه صاعدا إلى السماء. * (الرجس) *
العذاب، أو الشيطان، أو ما لا خير فيه، أو النجس.
* (وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون (126) لهم دار السلام عند
ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون (127).
126 - * (صراط ربك) * الإسلام، أو بيان القرآن.
127 - * (دار السلام) * الجنة دار السلامة من الآفات، أو السلام اسم الله -
تعالى - فالجنة داره. * (عند ربهم) * في الآخرة، لأنها أخص به، أو لهم عنده أن
ينزلهم دار السلام.
* (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أوليآؤهم من
الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم
خالدين فيهآ إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم (128) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا
بما كانوا يكسبون (129)) *
128 - * (استكثرتم من الإنس) * بإغوائكم لهم، أو استكثرتم من إغواء
الإنس. * (استمتع بعضنا ببعض) * في التعاون والتعاضد، أو فيما زينوه من اتباع
الهوى وارتكاب المعاصي، أو التعوذ بهم * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون) *
[الجن: 6] * (أجلنا) * الموت، أو الحشر. * (مثواكم) * منزل إقامتكم. * (إلا ما
شاء الله) * من بعثهم في القبور إلى مصيرهم إلى النار، أو إلا ما شاء الله من
تجديد جلودهم وتصريفهم في أنواع العذاب وتركهم على حالهم الأول فيكون
استثناء في صفة العذاب لا في الخلود، أو جعل مدة عذابهم إلى مشيئته ولا
ينبغي لأحد أن يحكم على الله - تعالى - في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا قاله
ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
461

129 - * (نولي) * نكل بعضهم إلى بعض فلا نعينهم فيهلكوا، أو يتولى
بعضهم بعضا على الكفر، أو يتولى بعضهم عذاب بعض في النار، أو يتبع
بعضهم بعضا في النار من الموالاة / بمعنى المتابعة، أو تسلط بعضهم على بعض
بالظلم والتعدي.
* (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم
لقآء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم
أنهم كانوا كافرين (130)) *
130 - * (رسل) * الجن من الجن، قاله الضحاك، أو لم يبعث رسول
من الجن وإنما جاءهم رسل الإنس، فقوله * (منكم) * كقوله: * (يخرج منهما) *
[الرحمن: 22] يريد من أحدهما، أو رسل الجن هم الذين لما سمعوا القرآن
ولوا إلى قومهم منذرين.
* (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون (131) ولكل درجات مما
عملوا وما ربك بغافل عما يعملون (132)) *
131 - * (بظلم) * في إهلاكهم، أو لا يهلكهم بظلمهم إلا أن يخرجهم عن
الغفلة بالإنذار.
132 - * (ولكل) * لكل عامل بطاعة أو معصية منازل سميت * (درجات) *
لتفاضلها كتفاضل الدرج في الارتفاع يريد به الأعمال المتفاضلة، أو الجزاء
المتفاضل.
462

* (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما
يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين (133) إن ما توعدون لآت
ومآ أنتم بمعجزين (134) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف
تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون (135)) *
135 - * (مكانتكم) * طريقتكم، أو حالتكم، أو ناحيتكم، أو تمكنكم، أو
منازلكم.
* (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله
بزعمهم وهذا لشركآئنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله
وما كان لله فهو يصل إلى شركآئهم ساء ما يحكمون (136)) *
136 - * (ذرأ) * خلق، من الظهور، ملح ذرآني لبياضه، وظهور الشيب
ذرأة. * (الحرث) * الزرع * (الأنعام) * الإبل والبقر والغنم من نعمة الوطء. كان
كفار قريش ومتابعوهم يجعلون لله - تعالى - في زرعهم ومواشيهم نصيبا،
ولأوثانهم نصيبا، يصرفون نصيبها من الزرع إلى خدامها وفي الإنفاق عليها،
وكذلك نصيبهم من الأنعام، أو يتقربون بذبح الأنعام للأوثان، أو البحيرة
والسائبة والوصيلة والحامي. * (فما كان لشركائهم) * سماهم شركاءهم، لأنهم
أشركوهم في أموالهم، كان إذا اختلط بأموالهم شيء مما للأوثان ردوه، وإن
اختلط بها ما جعلوه لله لم يردوه، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو
إذا هلك ما لأوثانهم غرموه وإذا هلك ما لله - تعالى - لم يغرموه، أو صرفوا
بعض ما لله - تعالى - على أوثانهم ولا عكس، أو ما جعلوه لله - تعالى - من
ذبائحهم لا يأكلونه حتى يذكروا عليه اسم الأوثان ولا عكس.
463

* (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم
شركآؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه
فذرهم وما يفترون (137)) *
137 - * (شركاؤهم) * الشياطين، أو خدام الأوثان، أو شركاؤهم في
الشرك، أو غواة الناس، * (قتل أولادهم) * وأد البنات، أو كان أحدهم يحلف إن
ولد له كذا وكذا غلاما أن ينحر أحدهم كما حلف عبد المطلب في نحر ابنه
عبد الله. * (ليردوهم) * لامها لام ' كي '، لأنهم قصدوا إرداءهم وهو الهلاك أو
لام ' العاقبة ' لأنهم لم يقصدوه.
* (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمهآ إلا من نشآء بزعمهم وأنعام حرمت
ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افترآء عليه سيجزيهم بما كانوا
يفترون (138) وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على
464

أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركآء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم
عليم (139) قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله
افترآء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين (140)) *
138 - * (هذه أنعام) * ذبائح الأوثان، أو البحيرة، والحام خاصة.
* (وحرث) * ما جعلوه لأوثانهم. * (حجر) * حرام، قال:
* فبت مرتفقا والعين ساهرة
* كأن نومي على الليل محجور
*
* (حرمت ظهورها) * السائبة، أو التي لا يحجون عليها. * (لا يذكرون
اسم الله عليها) * قربان أوثانهم. * (افتراء عليه) * بإضافة تحريمها إليه، أو بذكر
أسمائها عند الذبح بدلا من اسمه.
139 - * (ما في بطون [هذه] الأنعام) * الأجنة، أو الألبان، أو الأجنة
والألبان. خصوا به الذكور، لأنهم خدم الأوثان، أو لفضلهم على الإناث،
والذكر مأخوذ من الشرف، لأنه أشرف من الأنثى، أو من الذكر، لأنه أذكر
وأبين في الناس.
* (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله
والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا
حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (141) ومن الأنعام
حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو
مبين (142)) *
465

141 - / * (معروشات) * تعريش الكروم وغيرها برفع أغصانها أو برفع
حظارها وحيطانها، أو المرتفعة لعلو شجرها فلا يقع ثمرها على الأرض مأخوذ
من الارتفاع، السرير: عرش لارتفاعه * (على عروشها) * [البقرة: 259] على
أعاليها. * (كلوا) * قدم الأكل تغليبا لحقهم وافتتاحا لنفعهم بأموالهم، أو تسهيلا
لإيتاء حقه. * (حقه) * الزكاة المفروضة عند الجمهور، أو صدقة غير الزكاة،
إطعام من حضر، وترك ما تساقط من الزرع والثمر، أو كان هذا فرضا ثم
نسخ بالزكاة، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. * (ولا تسرفوا) *
بإخراج زيادة على المفروض تجحف بكم، أو لا تدفعوا دون الواجب، أو أن
يأخذ السلطان فوق الواجب، أو يراد به ما أشركوا آلهتهم فيه من الحرث
والأنعام.
142 - * (حمولة وفرشا) * الحمولة: ما حمل عليه من الإبل، والفرش: ما
لم يحمل عليه من الإبل لصغره لافتراش الأرض بها على استواء كالفرش، أو
الفرش: الغنم، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. * (خطوات الشيطان) *
طريقه في الكفر، أو في تحليل الحرام وتحريم الحلال. * (مبين) * يريد ما بان
من عداوته لآدم - عليه الصلاة والسلام -، أو لأوليائه من الشياطين.
* (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل ءالذكرين حرم أم
الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين (143)
ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين أما
اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي
466

القوم الظالمين (144)) *
143 - * (من الضأن اثنين) * (ذكر وأنثى) * (ءالذكرين) * إبطال لما حرموه من
البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وما اشتملت عليه أرحام الأنثيين قولهم: * (ما
في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا) * [139] لما جاء عوف بن مالك فقال
للرسول صلى الله عليه وسلم أحللت ما حرمه آباؤنا - يعني - البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي
فنزلت، فسكت عوف لظهور الحجة عليه.
* (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما
مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ
ولا عاد فإن ربك غفور رحيم (145)) *
145 - * (ميتة) * زهقت نفسها بغير ذكاة فتدخل فيها الموقوذة والمتردية
وغيرها. * (مسفوحا) * مهراقا مصبوبا، وأما غير المسفوح فإن كان ذا عروق
يجمد عليها كالكبد والطحال فهو حلال، وإن لم يكن له عروق يجمد عليها
وإنما هو مع اللحم فلا يحرم لتخصيص التحريم بالمسفوح. قالته عائشة وقتادة،
قال عكرمة لولا هذه الآية لتتبع المسلمون عروق اللحم كما تتبعها اليهود،
467

وقيل يحرم لأنه بعض من المسفوح وإنما ذكر المسفوح لاستثناء الكبد والطحال
منه. * (رجس) * نجس * (أو فسقا) * ما ذبح للأوثان سماه فسقا لخروجه عن
أمر الله - تعالى -.
* (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم
شحومهمآ إلا ما حملت ظهورهمآ أو الحوايآ أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم
ببغيهم وإنا لصادقون (146) فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد
بأسه عن القوم المجرمين (147) سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولآ
ءابآؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل
هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون (148)
قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين (149) قل هلم شهدآءكم الذين
يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين
كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون (150)) *
146 - * (كل ذي ظفر) * ما ليس بمنفرج الأصابع كالنعام والإوز والبط قاله
ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أو كل ما يصطاد بظفره من الطير.
* (شحومهما) * الثروب خاصة، أو كل شحم لم يختلط بعظم ولا على عظم أو
الثروب وشحم الكلى. * (ما حملت ظهورهما) * شحم الجنب وما علق بالظهر /
* (الحوايا) * المباعر، أو بنات اللبن، أو الأمعاء التي عليها الشحم من داخلها،
أو كل ما تحوي في البطن فاجتمع واستدار. * (ما اختلط بعظم) * شحم الجنب،
468

أو شحم الجنب والآلية، لأنها على العصعص.
* (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين
إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا
الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق
ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (151)) *
151 - * (وبالوالدين إحسانا) * أداء الحقوق وترك العقوق * (إملاق) * الفقر
أو الفلس من الملق، لأن المفلس يتملق للغني طمعا في نائله. * (الفواحش) *
عموما، أو خاص بالزنا فما ظهر ذوات الحوانيت وما بطن ذوات الاستسرار،
قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو ما ظهر نكاح المحرمات وما بطن
الزنا، أو ما ظهر الخمر وما بطن الزنا. * (التي حرم الله) * المسلم، أو المعاهد.
* (بالحق) * كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس.
* (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) *
152 - * (بالتي هي أحسن) * حفظه ماله [إلى] أن يكبر فيسلم إليه، أو
التجارة به، أو لا يأخذ من ربح التجارة به شيئا، أو الأكل إذا كان فقيرا
والترك إن كان غنيا ولا يتعدى من الأكل إلى لباس ولا غيره، وخص مال اليتيم
بالذكر وإن كان غيره محرما لوقوع الطمع فيه إذ لا حافظ له ولا مراعي.
* (أشده) * الأشد: استحكام قوة الشباب عند نشوئه وحده بالاحتلام، أو بثلاثين
469

سنة، ثم أنزل بعده * (حتى إذا بلغوا النكاح) * [النساء: 6]، أو لثماني عشرة سنة.
* (لا نكلف نفسا إلا وسعها) * عفا عما لا يدخل تحت الوسع من إيفاء الكيل
والوزن، و * (بعهد الله) * كل ما ألزمه الإنسان نفسه لله من نذر أو غيره، أو الحلف
بالله - تعالى - يجب الوفاء به إلا في المعاصي.
* (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) *
153 - * (صراطي) * شرعي سماه صراطا، لأنه طريق يؤدي إلى الجنة.
* (السبل) * البدع والشبهات. * (عن سبيله) * عن طريق دينه.
* (ثم أتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة
لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون، وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوا واتقوا لعلكم
ترحمون، أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم
لغافلين) *
154 - * (تماما على الذي أحسن) * تماما على إحسان موسى - عليه الصلاة
والسلام - بطاعته، أو تماما على المحسنين، أو تماما على إحسان الله - تعالى -
إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، أو تماما لكرامته في الجنة على إحسانه في
الدنيا.
* (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض
آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا) *
470

إنا منتظرون (158)) *
158 - * (تأتيهم الملائكة) * لقبض أرواحهم، أو تأتيهم رسلا لأنهم لم
يؤمنوا مع ظهور الدلائل. * (يأتي ربك) * أمره بالعذاب، أو قضاؤه في القيامة.
* (بعض آيات ربك) * طلوع الشمس من مغربها، أو طلوعها والدجال والدابة.
* (أو كسبت) * يعتد بالإيمان قبل هذه الآيات، وأما بعدها فإن لم تكسب فيه خيرا
فلا يعتد به وإن كسبت فيه خيرا ففي الاعتداد به قولان، وظاهر الآية أنه يعتد
به، ومن قال: لا يعتد به كان المعنى لم تكن آمنت وكسبت قاله السدي.
* (خيرا) * أداء الفروض على أكمل الأحوال، أو التنفل بعد الفروض.
* (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما
كانوا يفعلون (159) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا
مثلها وهم لا يظلمون (160)) *
159 - * (الذين فرقوا دينهم) * اليهود، أو النصارى واليهود / أو جميع
المشركين، أو أهل الضلالة من هذه الأمة. * (دينهم) * الذي أمروا به فرقوه
بالاختلاف، أو الكفر الذي اعتقدوه دينا. * (شيعا) * فرقا يتمالؤون على أمر واحد
مع اختلافهم في غيره من الظهور، شاع الخبر: ظهر، أو من الاتباع، شايعه
على الأمر: تابعه عليه. * (لست منهم) * من قتالهم ثم نسخ بآية السيف، أو
لست من مخالطتهم، أمره بالتباعد منهم.
160 - * (بالحسنة) * بالإيمان، والسيئة: الكفر، أو عامة في الحسنات
471

والسيئات. * (فله عشر أمثالها) * عام في جميع الناس، أو خاص بالإعراب لهم
عشر ولغيرهم من المهاجرين سبعمائة، قاله ابن عمر، وأبو سعيد الخدري -
رضي الله تعالى عنهما -، ولما فرض عشر أموالهم، وكانوا يصومون ثلاثة أيام
من كل شهر كان العشر كأخذ جميع المال، والثلاثة كصوم الشهر، والسبعمائة
من سنبلة أنبتت سبع سنابل.
* (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من
المشركين (161) قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له
وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين (163) قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب
كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه
تختلفون (164)) *
162 - * (صلاتي) * ذات الركوع لله - تعالى - دون غيره من وثن أو بشر.
* (ونسكي) * ذبح الحج والعمرة، أو ديني، أو عبادتي، والناسك: العابد.
164 - * (ولا تزر وازرة) * لا يحمل أحد ذنب غيره، أخذ الوزر من الثقل،
وزير الملك يتحمل الثقل، أو من الملجأ * (كل لا وزر) * [القيامة: 11]،
472

وزير الملك لإلجاء أموره إليه.
* (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما
آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم (165)) *
165 - * (خلائف الأرض) * أهل كل عصر يخلفون من تقدمهم (ورفع
بعضكم) * بالغنى والشرف في النسب وقوة الأجساد. (سريع العقاب) * كل آت
قريب، أو لمن استحق تعجيل العقاب في الدنيا.
473

((سورة الأعراف))
مكية كلها، أو مكية إلا خمس آيات * (واسئلهم عن القرية) * إلى آخر
الخمس [163 - 167].
((بسم الله الرحمن الرحيم))
* (المص (1) كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى
للمؤمنين (2) اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما
تذكرون (3)
1 - * (المص) * أنا الله أفصل، أو هجاء ((المصور))، أو اسم للقرآن، أو
للسورة أو اختصار كلام يفهمه الرسول صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس - رضي الله تعالى
عنهما -، أو حروف الاسم الأعظم، أو حروف هجاء مقطعة، أو من حساب
الجمل، أو حروف تحوي معاني كثيرة دل الله - تعالى - خلقه بها على مراده
من كل ذلك.
2 - * (حرج) * ضيق، أو شك، أو لا يضيق صدرك بتكذيبهم.
474

* (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قاءلون (4) فما كان دعواهم إذ جاءهم
بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين (5) فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن
المرسلين (6) فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين (7)
4 - * ((أهلكناها) * حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا، أو أهلكناها بإرسال
ملائكة العذاب إليها فجاءها بأسنا بوقوع العذاب بهم، أو أهلكناها بالخذلان عن
الطاعة فجاءتهم العقوبة، أو وقوع الهلاك والبأس معا فتكون الفاء بمعنى ((الواو))
كقوله: ((أعطيت فأحسنت)) وكان الإحسان مع العطاء لا بعده. البأس: شدة
العذاب، والبؤس: شدة الفقر. * (بياتا) * في نوم الليل. * (قائلون) * نوم النهار
ووقت القائلة لأن وقوع العذاب في وقت الراحة أفظع.
* (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولائك هم المفلحون (8) ومن خفت
موازينه فأولائك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (9)) *
8 - / * (والوزن) * القضاء بالعدل، أو موازنة الحسنات والسيئات بميزان له
كفتان توضع الحسنات في إحداهما والسيئات في الأخرى أو توزن صحائف
الأعمال إذ لا يمكن وزن الأعمال وهي أعراض قاله ابن عمر - رضي الله
تعالى عنهما -، أو يوزن الإنسان فيؤتى بالرجل العظيم الجثة فلا يزن جناح
475

بعوضة قاله عبيد بن عمير - رضي الله تعالى عنهما - * (فمن ثقلت موازينه) *
قضي له بالطاعة، أو زادت حسناته على سيئاته، أو ثقلت كفة حسناته.
* (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون (10) ولقد
خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن
من الساجدين (11)) *
11 - * (ولقد خلقناكم) * في أصلاب الرجال * (ثم صورناكم) * في أرحام
النساء، أو خلقناكم ((آدم)) ثم صورناكم في ظهره، أو خلقناكم نطفا في أصلاب
الرجال وترائب النساء ثم صورناكم في أرحام، أو خلقناكم في الأرحام ثم
صورناكم فيها بعد الخلق بشق السمع والبصر. * (ثم قلنا) * صورناكم في صلبه
ثم قلنا، أو صورناكم ثم أخبرناكم بأنا قلنا، أو فيه تقديم وتأخير تقديره ثم
قلنا للملائكة اسجدوا ثم صورناكم أو يكون ثم بمعنى ((الواو)) قاله
476

الأخفش، وأنكره بعض النحويين.
* (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (12) قال فاهبط
منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين (13) قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14)
قال إنك من المنظرين (15)
13 - * (فاهبط منها) * من السماء، أو من ا لجنة، قاله ربه له على لسان
بعض الملائكة أو أراه آية دلته على ذلك.
14 - * (أنظرني) * طلب الإنظار بالعقوبة إلى يوم القيامة فانظر بها إلى يوم
القيامة، أو طلب الإنظار بالحياة إلى القيامة فأنظره إلى النفخة الأولى ليذوق
الموت بين النفختين، وهوأربعون سنة، ولا يصح إجابة العصاة لأنها تكرمة ولا
يستحقونها فقوله: * (إنك من المنظرين) * [15] ابتداء عطاء جعل عقيب سؤاله،
أو يصح إجابتهم ابتلاء وتأكيدا للحجة.
* (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم
وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17) قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن
تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين (18)
16 - * (فبما أغويتني) * الباء للقسم، أو للمجازاة، أو التسبب.
* (أغويتيني) * أضللتني، أو خيبتني من جنتك، أو أهلكتني باللعن، غوى الفصيل:
اشفى على الهلاك. * (لأقعدن لهم) * على صراطك: طريق الحق / ليصدهم عنه،
أو طريق مكة ليمنع من الحج والعمرة.
17 - * (من بين أيديهم) * من بين أيديهم: اشككهم في الآخرة * (ومن خلفهم) * أرغبهم في الدنيا * (وعن أيمانهم) * حسناتهم، * (وعن شمائلهم) *
477

سيئاتهم قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: أو ((من بين أيديهم)) الدنيا
((وخلفهم)) الآخرة، ((وأيمانهم)): الحق يشككهم فيه، وشمائلهم ((الباطل يرغبهم
فيه، أو ((بين أيديهم وعن أيمانهم)) من حيث يبصرون، ((ومن خلفهم وعن
شمائلهم)) من حيث لا يبصرون، أو أراد من كل جهة يمكن الاحتيال عليهم
منها * (شاكرين) * ظن أنهم لا يشكرون فصدق ظنه، أو يمكن أن علمه من
بعض الملائكة بإخبار الله - تعالى -.
18 - * (مذءوما) * مذموما، أو أسوأ حالا من المذموم، أو لئيما، أومقيتا /
، أو منفيا. * (مدحورا) * مدفوعا، أو مطرودا.
* (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من
الظالمين (19) فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وروي عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما
ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20) وقاسمهما إني لكما لمن
الناصحين (21)) *
20 - * (فوسوس) الوسوسة: إخفاء الصوت بالدعاء، وسوس له: أوهمه
النصح، ووسوس إليه: ألقى إليه المعنى، كان في الأرض وهما في الجنة في
السماء فوصلت وسوسته إليهما بقوة أعطيها قاله الحسن، أوكان في السماء،
وكانا يخرجان إليه فيلقاهما هناك أو خاطبهما من باب الجنة وهما فيها. * (ما
نهاكما) * هذه وسوسته: رغبهما في الخلود وشرف المنزلة، وأوهمهما أنهما
يتحولان في صور الملائكة، أو أنهما يصيران بمنزلة الملك في علو منزلته مع
علمهما أن صورهما لا تتحول.
* (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة
وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشطان لكما عدو مبين (22)
قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (23)) *
478

22 - * (فدلاهما) * حطهما من منزلة الطاعة إلى منزلة المعصية. * (وطفقا) *
جعلا * (يخصفان) * يطعان من ورق التين.
* (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (24) قال فيها
تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون (25)) *
24 - * (اهبطوا) * آدم وحواء وإبليس، أخبر أنه أمرهم وإن وقع أمره في
زمانين لأن إبليس أخرج قبلهما. * (مستقر) * استقرار، أو موضع استقرار
* (ومتاع) * ما انتفع به من عروض الدنيا. (حين) انقضاء الدنيا.
* (يا يني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكما وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من
آيات الله لعلهم يذكرون (26) يايني آدم لا يفتتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من
الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا
جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) *
26 - * (قد أنزلنا) * لما كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرونه أبلغ في التعظيم
بنزع ثياب عصوا فيها، أو للتفاؤل بالتعري من من الذنوب نزلت وجعل اللباس
479

منزلا، لنباته بالمطر المنزل، أو لأنه من بركات الله - تعالى - والبركة تنسب إلى
النزول من السماء * (وأنزلنا الحديد) * [الحديد: 25] * (سوآتكم) * عوراتكم، لأنه
يسوء صاحبها انكشافها. * (وريشا) * المعاش، أو اللباس والعيش والنعيم، أو
الجمال، أو المال.
* فريشي منكم وهواي معكم
* وإن كانت زيارتكم لماما
*
* (ولباس التقوى) * الإيمان، أو الحياء، أو العمل الصالح، أو السمت
الحسن، أو خشية الله - تعالى - أو ستر العورة. * (ذلك خير) * لباس التقوى خير
من الرياش واللباس، أويريد أن ما ذكره من اللباس والرياش ولباس التقوى
ذلك خير كله فلا يكون خير للتفضيل.
27 - * (لباسهما) * من التقوى والطاعة، أو كان لباسهما نورا، أو أظفارا
تستر البدن فنزعت عنهما وتركت زينة وتذكرة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما.
* (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليهآ ءابآءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشآء
أتقولون على الله ما لا تعلمون (28) قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل
مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودودن (29) فريقا هدى وفريقا حق عليهم
480

الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون (30)) *
28 - * (وأقيموا وجوهكم) * توجهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة، أو
اجعلوا سجودكم خالصا لله - تعالى - دون الأصنام. * (كما بدأكم) * شقيا وسعيدا
كذلك تبعثون يوم القيامة، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو كما
قدر على الابتداء يقدر على الإعادة، أو كما بدأكم لا تملكون شيئا كذلك
تبعثون، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ' يحشر الناس حفاة عراة غرلا ' ثم قرأ * (كما بدأنا
أول خلق نعيده) * [الأنبياء: 104].
* (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب
المسرفين (31) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين
ءامنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون (32) قل إنما
حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل
به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (33) ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا
يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (34) يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم
481

آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (35) والذين كذبوا بآياتنا
واستكبروا عنهآ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (36)) *
31 - * (خذوا زينتكم) * ستر العورة في الطواف، أو في الصلاة أو التزين
بأجمل اللباس في الجمع والأعياد، أو أراد المشط لتسريح اللحية وهو شاذ.
* (وكلوا واشربوا) * ما أحل لكم * (ولا تسرفوا) * في التحريم، أو لا تأكلوا حراما،
أو لا تأكلوا ما زاد على الشبع.
32 - * (زينة الله) * ستر العورة في الطواف. * (الطيبات) * الحلال، أو
المستلذ كانوا يحرمون السمن والألبان في الإحرام، أو البحيرة والسائبة.
* (خالصة) * لهم دون الكفر، أو خالصة من مأثم أو مضرة.
* (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب
حتى إذا جآءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا
وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين (37) قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من
الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت
أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فئاتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن
لا تعلمون (38) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب
بما كنتم تكسبون (39)) *
37 - * (نصيبهم) * العذاب، أو الشقاء والسعادة، أو ما كتب عليهم مما
عملوه في الدنيا، أو ما وعدوا في الكتاب من خير أو شر، أو ما كتب لهم من
الأجل والرزق والعمل. * (يتوفونهم) * بالموت، أو بالحشر إلى النار.
* (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى
482

يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين (40) لهم من جهنم مهاد ومن
فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين (41)) *
40 - * (لا تفتح) * لأرواحهم، وتفتح لأرواح المؤمنين، أو لدعائهم
وأعمالهم أو لا تفتح لهم لدخول الجنة لأنها في السماء. * (الجمل) * البعير،
وسم الخياط: ثقب الإبرة، أو السم القاتل الداخل في مسام الجسد الخفية.
41 - * (مهاد) * المهاد: الوطاء، ومنه مهد الصبي. * (غواش) * لحف، أو
لباس، أو ظلل.
* (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعهآ أولئك أصحاب
الجنة هم فيها جالدون (42) ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق
ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)) *
43 - * (ونزعنا) * الحقد من صدورهم لطفا بهم أو انتزاعه من لوازم
الإيمان الذي هدوا إليه، وهو أحقاد الجاهلية، أو لا تحاقد ولا عداوة بعد
الإيمان.
* (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا
قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين (44) الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها
عوجا وهم بالآخرى كافرون (45) وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا
أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون (46) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء
483

أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين (47)) *
46 - * (الأعراف) * جمع ((عرف))، وهو سور بين الجنة والنار، مأخوذ
من الارتفاع، منه عرف الديك، وأصحابه فضلاء المؤمنين، قاله الحسن
ومجاهد، أو ملائكة في صورة الرجال، أو قوم بطأت بهم صغائرهم إلى
آخر الناس، أو قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فجعلوا هنالك حتى يقضي الله
- تعالى - فيهم ما شاء الله ثم يدخلون الجنة، قاله ابن مسعود - رضي الله تعالى
عنه - أو قوم قتلوا في سبيل الله - تعالى - عصاة لآبائهم، سئل الرسول صلى الله عليه وسلم
عن أصحاب الأعراف فقال ((قوم قتلوا في سبيل الله - تعالى - بمعصية آبائهم أن
يدخلوا الجنة)). * (بسيماهم) * علامات في وجوههم وأعينهم، سواد الوجه
484

وزرقة العين لأهل النار، وبياضه وحسن العين لأهل الجنة.
ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم
تستكبرون (48) أهؤلآء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لاخوف عليكم
ولآ أنتم تحزنون (49) ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو
مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين (50) الذين اتخذوا
دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقآء
يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون (51)) *
48 - * (ونادى) * وينادي، أو تقديره: إذا كان يوم القيامة نادى.
* (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون (52) هل ينظرون إلا
تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا
من شفعآء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروآ أنفسهم وضل
عنهم ما كانوا يفترون (53)) *
53 - * (تأويله) * تأويل القرآن: عاقبته من الجزاء، أو البعث والحساب.
* (نسوه) * أعرضوا عنه فصار كالمنسي، أو تركوا العمل به.
* (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش
يغشى اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق
والأمر تبارك الله رب العالمين (54)) *
54 - * (ستة أيام) * من الأحد إلى الجمعة. * (استوى) * أمره على العرش
485

قاله الحسن، أو استولى. * (العرش) * عبر به عن الملك لعادة الملوك
الجلوس على الأسرة، أو السماوات كلها، لأنها سقف / وكل سقف عرش
* (خاوية على عروشها) * [البقرة: 259، الكهف: 42] سقوفها أو موضع هو
أعلى ما في السماء وأشرفه محجوب عن الملائكة. * (يغشى) * ظلمة الليل ضوء
النهار. * (يطلبه) * عبر عن سرعة التعاقب بالطلب.
* (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين (55) ولا تفسدوا في الأرض
بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين (56)) *
55 - * (تضرعا وخفية) * رغبة ورهبة، أو التضرع: التذلل، والخفية:
الإسرار. * (لا يحب المعتدين) * في الدعاء برفع الصوت، أو بطلب ما لا
يستحقه من منازل الأنبياء، أو باللعنة والهلاك على من لا يستحقهما.
56 - * (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) * [لا تفسدوها بالكفر بعد
إصلاحها] بالإيمان، أو بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة، أو بتكذيب الرسل
بعد إصلاحها بالوحي، أو بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه. * (رحمة الله) * أتت
على المعنى لأنها ' إنعام '، أو ' مكان رحمة الله '.
* (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا
486

سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى
لعلكم تذكرون (57) والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا
نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون (58)) *
58 - * (والبلد الطيب) * القلب النقي * (يخرج نباته) * من الإيمان والطاعات
* (بإذن ربه) * بما أمر به ذلك * (والذي خبث) * من القلوب * (لا يخرج إلا
نكدا) * بالكفر والمعاصي، قاله بعض أرباب القلوب، والجمهور على أنه من بلاد
الأرض الطيب التربة والرخيص السعر، أو الكثير العلماء، أو العادل سلطانه.
ضرب الله - تعالى - الأرض الطيبة مثلا للمؤمن والخبيثة السبخة مثلا للكافر
* (يخرج نباته) * زرعه وثماره * (بإذن ربه) * بلا كد على قول التربة، أو صلاح أهله
على قول الطيب بالعلماء * (بإذن ربه) * بدين ربه أو كثرة أمواله وحسن أحواله
على قول عدل السلطان * (بإذن ربه) * (بأمر ربه) * (والذي خبث) * في تربته، أو
بغلاء أسعاره. أو بجور سلطانه، أو قلة علمائه. * (نكدا) * بالكد والتعب، أو
قليلا لا ينتفع به، أو عسرا لشدته مانعا من خيره.
* (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم
عذاب يوم عظيم (59) قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين (60) قال يا قوم
ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين (61) أبلغكم رسالات ربي وأنصح
لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون (62) أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل
منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون (63) فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك
487

وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنآ إنهم كانوا قوما عمين (64) وإلى عاد أخاهم هودا
قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون (65) قال الملآ الذين كفروا من
قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين (66) قال يا قوم ليس بي
سفاهة ولكني رسول من رب العالمين (67) أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح
أمين (68) أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا
إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا ءالآء الله
لعلكم تفلحون (69) قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا
فأتنا بما تعدنآ إن كنت من الصادقين (70) قال قد وقع عليكم من ربكم
رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموهآ أنتم وءابآؤكم ما نزل الله بها
من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين (71) فأنجيناه والذين معه
برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين (72)) *
69 - * (بسطة) * قوة، أو بسط اليدين وطول الجسد، كان أقصرهم طوله
اثنا عشر دراعا. * (آلاء الله) * نعمه، أو عهوده.
* أبيض لا يرهب الهزال
* ولا يقطع رحما ولا يخون إلا
*
488

71 - * (رجس) * عذاب، أو سخط، أو هو الرجز أبدلت زايه سينا.
* (سميتموها) * آلهة، أو سموا بعضا بأن يسقيهم المطر والآخر أن يأتيهم بالرزق
والآخر أن يشفي المرضى والآخر أن يصحبهم في السفر، قيل ما أمرهم هود إلا
بالتوحيد والكف عن ظلم الناس فأبوا * (وقالوا من أشد منا قوة) * [فصلت: 15].
* (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد
جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في
أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم (73) واذكروا إذ جعلكم خلفاء
من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون
الجبال بيوتا فاذكروا ءالآء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين (74) قال الملأ
الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن ءامن منهم أتعلمون
أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون (75) قال الذين
استكبروا إنا بالذي ءامنتم به كافرون (76) فعقروا الناقة وعتوا عن أمر
ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنآ إن كنت من المرسلين (77) فأخذتهم
الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (78) قتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم
489

رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين (79)) *
73 - * (آية) * (فريضة) * (وأنزلنا فيها آيات بينات) * [النور: 1] فروضا،
فرض عليهم أن لا يعقروها ولا يمسوها بسوء، أو علامة على قدرته، لأنها
تمخضت بها صخرة ملساء كما تتمخض المرأة فانفلقت عنها على الصفة التي
طلبوها، وكانت تشرب في يومها ماء الوادي كله وتسقيهم اللبن بدله، ولهم يوم
يخصهم لا تقرب فيه ماءهم.
74 - * (بوأكم) * أنزلكم، أو مكنكم فيها من منازل تأوون إليها.
* (الأرض) * / أرض الحجر بين الشام والمدينة. * (قصورا) * تصيفون فيها،
وتشتون في بيوت الجبال لأنها أحصن وأبقى وأدفأ، وكانوا طوال الأعمار
والآمال، والقصر: ما شيد وعلا من المنازل. * (آلاء الله) * تعالى نعمه، أو
عهوده. * (تعثوا) * العيث: السعي في الباطل، أو الفعل المؤذي لغير فاعله.
* (مفسدين) * بالمعاصي، أو بالدعاء أو عبادة غير الله - تعالى -.
78 - * (الرجفة) * زلزلة الأرض، أو الصيحة، قال السدي: ' كل ما في
القرآن من دارهم فالمراد به مدينتهم، وكل ما فيه من ديارهم فالمراد به
عساكرهم '. * (جاثمين) * أصبحوا كالرماد الجاثم، لاحتراقهم بالصاعقة أو
الجاثم: البارك على ركبتيه، قيل: كان ذلك بعد العصر.
79 - * (فتولى عنهم) * خرج عن أرضهم بمن آمن معه وهم مائة وعشرة،
قيل خرج [إلى] فلسطين، وقيل: لم تهلك أمة ونبيهم بين أظهرهم.
* (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين (80)
490

إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون (81) وما
كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس
يتطهرون (82) فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين (83) وأمطرنا عليهم
مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين (84)) *
82 - * (يتطهرون) * من إتيان الأدبار، أو بإتيان النساء في الأطهار.
83 - * (فأنجيناه) * خلصناه، أو أبعدناه على نجوة من الأرض. * (وأهله) *
ابنتيه ريثا ورعثا. * (الغابرين) * الباقين في الهلاك، أو الغائبين عن النجاة، غبر عنا
فلان زمانا: إذا غاب، أو الغابرين في العمر لأنها لقيت هلاك قومها.
* (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد
جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا
الناس أشيآءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذالكم خير
لكم إن كنتم مؤمنين (85) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون
عن سبيل الله من ءامن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا
فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين (86) وإن كان طائفة
منكم ءامنوا بالذي أرسلت به وطآئفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا
وهو خير الحاكمين (87)) *
86 - * (ولا تقعدوا) * كانوا يقعدون على طريق شعيب يؤذون من قصده
للإيمان ويخوفونه بالقتل، أو نهاهم عن قطع الطريق، أو عن تعشير أموال
الناس. * (عوجا) * يبغون السبيل عوجا عن الحق، العوج في الدين وما لا
491

يرى والعوج في العود وما يرى. * (فكثركم) * بالغنى بعد الفقر، أو بالقوة بعد
الضعف، أو بطول الأعمار بعد قصرها، أو كثرة عددهم لأن مدين بن إبراهيم -
عليه الصلاة والسلام - تزوج ريثا بنت لوط فولدت آل مدين منها.
* (قال الملآ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءامنوا معك من قريتنآ أو
لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين (88) قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم
بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيهآ إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء
علما على الله توكلنآ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين (89)) *
89 - * (نعود فيها) * حكاية عن أتباع شعيب الذين كانوا قبل اتباعه على
الكفر، أو قاله تنزلا لو كان عليها لم يعد إليها، إأو يطلق لفظ العود على منشىء
الفعل وإن لم يسبق منه فعل مثله * (فيها) * في القرية، أو ملة الكفر عند
الجمهور. * (إلا أن يشاء الله) * علق العود على المشيئة تبعيدا كقوله: * (حتى يلج الجمل) * [40]، أو لو شاء الله - تعالى - عبادة الوثن كانت طاعة لأنه شاءها
كتعظيم الحجر الأسود. * (افتح) * اكشف؛ أو احكم، وأهل عمان يسمون
الحاكم، ' الفاتح ' و ' الفتاح ' ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: ' كنت لا أدري ما معنى قوله: * (ربنا افتح) * حتى سمعت بنت ذي يزن تقول: تعال
أفاتحك، تعني أقاضيك. وسمي بذلك، لأنه يفتح باب العلم المنغلق على
غيره، وحكم الله - تعالى - لا يكون إلا بالحق، فقوله بالحق أخرجه مخرج
الصفة / لا أنه طلبه، أو طلب أن يكشف الله - تعالى - لمخالفة أنه على الحق،
أو طلب الحكم في الدنيا بنصر المحق /.
* (وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون (90) فأخذتهم
492

الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (91) الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين
كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين (92) فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم
رسالات ربي ونصحت لكم فكيف ءاسى على قوم كافرين (93)) *
92 - * (يغنوا) * يقيموا، أو يعيشوا، أو ينعموا، أو يعمرو، * (هم
الخاسرين) * بالكفر، أو بالهلاك.
* (وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون (94)
ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس ءاباءنا الضراء والسراء
فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون (95)) *
94 - * (بالبأساء) * بالقحط * (والضراء) * الأمراض والشدائد، أو البأساء:
الجوع، والضراء: الفقر، أو البأساء: البلاء، والضراء: الزمانة، قاله ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما - أو البأساء: الشدائد في أنفسهم، والضراء / الشدائد في
أموالهم.
95 - * (بالبأساء) * بالقحط * (والضراء) * الأمراض والشدائد، أو البأساء:
الجوع، والضراء: الفقر، أو البأساء: البلاء، والضراء: الزمانة، قاله ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما - أو البأساء: الشدائد في أنفسهم، والضراء: الشدائد في
أموالهم.
95 - * (السيئة) * الشدة و * (الحسنة) * الرخاء، أو السيبئة: الشر والحسنة:
الخير * (عفوا) * كثروا، أو أعرضوا، أو سمنوا، أو سروا. * (مس آباءنا الضراء
والسراء) يريدون ليس عقوبة على التكذيب بل ذلك عادة الله - تعالى - في
خلقه.
* (ولو أن أهل القرىءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن
كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96) أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا
وهم نائمون (97) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون (98)
أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون (99)) *
493

96 - * (لفتحنا) * لرزقنا أو لوسعنا. * (بركات) * السماء القطر، وبركات
الأرض النبات والثمار.
* (أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم
ونطبع عل قلوبهم فهم لا يسمعون (100) تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد
جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع
الله على قلوب الكافرين (101) وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم
لفاسقين (102)) *
100 - * (لا يسمعون) * لا يقبلون / ومنه سمع الله لمن حمده.
101 - * (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) * وقت أخذ الميثاق يوم الذر
أو لم يؤمنوا عند مجيء الرسل بما سبق عليهم أنهم يكذبون به يوم الذر، أو لو
أحييناهم بعد هلاكهم لم يؤمنوا بما كذبوا قبل هلاكهم كقوله - تعالى - * (ولو ردوا لعادوا) * [الأنعام: 28].
102 - * (من عهد) * من طاعة للأنبياء، أو من وفاء بعهد عهده إليهم مع
الرسل أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أو عهد يوم الذر، أو ما ركز في عقولهم
من معرفته ووجوب شكره. * (لفاسقين) * الفسق: الخروج عن الطاعة، أو خيانة
العهد.
* (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنآ إلى فرعون ملإئه فظلموا بها فانظر كيف كان
عاقبة المفسدين (103) وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين (104) حقيق
494

على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني
إسرآءيل (105) قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين (106) فألقى
عصاه فإذا هي ثعبان مبين (107) ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين (108) قال الملأ من قوم
فرعون إن هذا لساحر عليم (109) يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون (110) قالوا
أرجه وأخاه وأرسل في المدآئن حاشرين (111) يأتوك بكل ساحر عليم (112)) *
105 - * (حقيق) * حريص، أو واجب، أخذ من وجوب الحق. * (إلا
الحق) * الصدق، أو ما فرضه علي من الرسالة.
111 - * (أرجه) * أخره، أو احبسه. * (حاشرين) * أصحاب الشرط، قاله ابن
عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
* (وجآء السحرة فرعو قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين (113) قال نعم
وإنكم لمن المقربين (114) قالوا يا موسى إمآ أن تلقي وإمآ أن نكون نحن الملقين (115)
قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجآءو بسحر عظيم (116)
وأوحينآ إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون (117) فوقع الحق وبطل ما
كانوا يعملون (118) فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين (119) وألقي السحرة ساجدين (120) قالوا
ءامنا برب العالمين (121) رب موسى وهارون (122)) *
117 - * (عصاك) * هي أول آيات موسى - عليه الصلاة والسلام - من آس
الجنة، طولها عشرة أذرع بطول موسى عليه الصلاة والسلام، فضرب بها باب
فرعون ففزع فشاب فخضب بالسواد حياء من قومه، وكان أول خضب
بالسواد قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. * (تلقف) * التلقف: التناول
495

بسرعة، يريد ابتلاعها بسرعة. * (يأفكون) * يقلبون، المؤتفكات: المنقلبات، أو
يكذبون من الإفك.
* (ألقوا) * تقديره ' إن كنتم محقين '، أو ألقوا على ما يصح ويجوز دون
ما لا يصح.
118 - * (فوقع الحق) * ظهرت العصا على حبال السحرة، أو ظهرت نبوة
موسى - عليه الصلاة والسلام - على ربوبية فرعون.
120 - * (ساجدين) * لله إيمانا بربوبيته، أو لموسى - عليه الصلاة
والسلام - تسليما له وإيمانا بنبوته، الهموا السجود لله - تعالى - أو رأوا موسى
عليه الصلاة والسلام - وهارون سجدا / شكرا عند الغلبة فاقتتدوا بهما.
* (قال فرعون ءامنتم به قبل أن ءاذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها
أهلها فسوف تعلمون (123) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين (124)
قالوا إنآ إلى ربنا منقلبون (125) وما تنقم منآ إلا أن ءامنا بآيات ربنا لما جآءتنا ربنآ أفرغ
علينا صبرا وتوفنا مسلمين (126) وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في
الأرض ويذرك وءالهتك قال سنقتل أبنآءهم ونستحي نسآءهم وإنا فوقهم
قاهرون (127) قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها
من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (128) قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن
بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض
496

فينظر كيف تعملون (129)) *
127 - * (الملأ) * الأشراف، أو الرؤساء، أو الرهط، والنفر: ' الرجال
الذين لا نساء معهم '، والرهط أقوى من النفر وأكبر، والملأ: المليئون بما
يراد منهم، أو تملأ النفوس هيبتهم، أو يملؤون صدور المجالس، وإنما أنكروا
على فرعون، لأنهم رأوا منه خلاف عادة الملوك في السطوة بمن أظهر
مخالفتهم، وكان ذلك لطفا من الله - تعالى - بموسى - عليه الصلاة والسلام -.
* (ليفسدوا في الأرض) * بعبادة غيرك، أو بالغلبة عليها وأخذ قومه منها.
* (وآلهتك) * كان يعبد الأصنام وقومه يعبدونه، أو كان يعبد ما يستحسن من البقر
ولذلك أخرج السامري العجل وكان معبودا في قومه، أو أصنام كان يعبدها قومه
تقربا إليه، قاله الزجاج، قرأ ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - * (وإلهتك) *
أي وعبادتك وقال: كان فرعون يعبد ولا يعبد. * (سنقتل أبناءهم) * عدل عن قتل
موسى إلى قتلهم، لأنه علم أنه لا يقدر على قتل موسى - عليه الصلاة والسلام
- إما لقوته، أو لأنه مصروف عن قتله فأراد استئصال بني إسرائيل ليضعف عنه
موسى. * (ونستحي نساءهم) * نفتش حياءهن عن الولد، والحياء: الفرج والأظهر
أنه نبقهن أحياء لضعفهن عن المنازعة والمحاربة.
128 - * (يورثها من يشاء) * أعلمهم أن الله - تعالى - يورثهم أرض
فرعون، أو سلاهم بأن الأرض لا تبقى على أحد حتى تبقى لفرعون.
129 - * (أوذينا من قبل أن تأتينا) * بالاستعباد وقتل الأبناء * (ومن بعد) *
بالوعيد بإعادة ذلك عليهم أو بالجزية من قبل مجيئه وبعده، أو كانوا يضربون
اللبن ويعطون التبن فلما جاء صاروا يضربون اللبن وعليهم التبن أو كانوا
497

يسخرون في الأعمال نصف النهار ويكسبون لأنفسهم في النصف الآخر فلما
جاء سخرهم جميع النهار بغير طعام ولا شراب * (من قبل أن تأتينا) * بالرسالة
* (ومن بعد ما جئتنا) * بها، أو من قبل أن تأتينا بعهد الله - تعالى - أنه يخلصنا،
ومن بعد ما جئتنا به شكوا ذلك استغاثة منهم بموسى - عليه الصلاة والسلام - أو
استبطاء لوعده. * (عسى) * في اللغة طمع وإشفاق. وهي من الله - تعالى - إيجاب
ويقين ويحتمل أن يكون رجاهم ذلك. * (ويستخلفكم) * يجعلكم خلفا من
فرعون، أو يجعلكم خلفا لنفسه لأنكم أولياؤه. * (الأرض) * أرض مصر، أو
الشام. * (فينظر) * فيرى، أو فيعلم أولياؤه. وعدهم بالنصر، أو حذرهم من
الفساد، لأن الله - تعالى - ينظر كيف تعملون في طاعته أو خلافته.
* (ولقد أخذنآ آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون (130) فإذا
جآءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألآ إنما
طآئرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون (131)) *
130 - * (بالسنين) * الجوع، أو الجدوب، أخذتهم السنة: قحطوا، قال
الفراء: بالسنين: القحط عاما بعد عام، قيل قحطوا سبع سنين.
131 - * (الحسنة) * / الخصب، والسيئة: الجدب، أو الحسنة: السلامة
والأمن، والسيئة: الأمراض والخوف. * (لنا هذه) * أي كانت هذه حالنا في
أوطاننا قبل اتباعنا لك. * (يطيروا) * يتشاءموا، يقولون: هذه بطاعتنا لك.
* (طائرهم) * حظهم من العقاب، أو طائر البركة، والشؤم من الخير والشر والنفع
والضر من عند الله - تعالى - لا صنع فيه لمخلوق.
* (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132) فأرسلنا عليهم
498

الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما
مجرمين (133) ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك
لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل (134) فلما
كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون (135)) *
133 - * (الطوفان) * الغرق بالماء الزائد، أو الطاعون، أو الموت، وقال
الرسول صلى الله عليه وسلم ((الطوفان: الموت)) أو أمر من الله - تعالى - طاف بهم، أو
المطر والريح، أو عذاب، ((قيل: دام بهم ثمانية أيام من السبت إلى السبت،
قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -: فما زال الطوفان حتى خرج زرعهم
حسنا، فقالوا: هذه نعمة فأرسل الله - تعالى - عليهم الجراد بعد شهر فأكل
جميع نبات الأرض وبقي من السبت إلى السبت، ثم طلع بهد الشهر من الزرع
ما قالوا هذا يكفينا فأرسل الله - تعالى - عليهم القمل فسحقها))، وهو الدبا
صغار الجراد لا أجنحة له، أو سوس الحنطة، أو البراغيث، أو القردان، أو
ذوات سود صغار. * (والدم) * الرعاف، أو صار ماء شربهم دما عبيطا.
* (مفصلات) * مبينات لنبوة موسى - عليه الصلاة والسلام - أو انفصل بعضها عن
بعض فكان بين كل آيتين شهر. * (فاستكبروا) * عن الإيمان بموسى - عليه الصلاة
واسلام -، أو عن الاتعاظ بالآيات.
134 - * (الرجز) * العذاب، أوطاعون أهلك من القبط سبعين ألفا * (بما
499

عهد عندك) * الباء للقسم، أو بما أوصاك أن تفعله في قومك، أو بما عهده إليك
أن تدعوه به فيجيبك.
* (فانتقمنا منهم فأعرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (136)
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا
فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرآءيل بما صبروا ودمرنا ما كان
يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون (137)) *
137 - * (مشارق الأرض) * الشرق والغرب، أو أرض الشام ومصر، أو
الشام وحدها شرقها وغربها. * (باركنا فيها) * بالخصب، أو بكثرة الثمار
والأشجار والأنهار. * (وتمت كلمة ربك) * بإهلاك عدوهم واستخلافهم أو بما
وعدهم به بقوله - تعالى - * (ونريد أن نمن) * الآيتين [القصص: 5، 6]
* (الحسنى) * لأنها وعد بما يحيون. * (بما صبروا) * على طاعة الله - تعالى - أو
على أذى فرعون.
* (وجاوزنا ببني إسرآءيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى
اجعل لنا إلها كما لهم ءالهة قال إنكم قوم تجهلون (138) إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل
ما كانوا يعملون (139) قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على
العالمين (140) وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب
يقتلون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (141)) *
139 - * (متبر) * باطل، أو ضلال، أو مهلك، والتبر: الذهب، لأن معدنه مهلك، أو لكسره، وكل إناء مكسور متبر، قاله الزجاج.
500

141 - * (بلاء) * في خلاصكم، أو فيما فعلوه بكم، والبلاء: الاختبار
بالنعم، أو النقم.
* (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة
وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين (142)) *
142 - * (ثلاثين ليلة) * أمر بصيامها، والعشر بعدها أجل المناجاة، أو
الأربعون كلها أجل الميقات للمناجاة، قيل ذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
تأخر عنه قومه في الأجل الأول فزادهم الله - تعالى - العشر ليحضروه، أو لأنهم عبدوا العجل بعده فزاد الله - تعالى - العشر عقوبة لهم، * (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) * تأكيد /، أو لبيان أن العشر ليالي وليست بساعات، أو لبيان أن العشر
زائد على الثلاثين غير داخل فيها، لأن تمام الشيء يكون بعضه.
* (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر
إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا
وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين (143)) *
143 - * (أرني) * سأل الرؤية ليجاب بما يحتج به على قومه إذ قالوا
* (أرنا الله جهرة) * [النساء: 153] مع علمه أنه لا يجوز أن يراه في الدنيا، أو
501

كان يعلمه باستدلال فأحب أن يعلمه ضرورة، أو كان يظن ذلك حتى ظهر له ما
ينفيه., * (تجلى) * ظهر بآياته التي أحدثها في الجبل لحاضري الجبل، أو ظهر
من ملكوته للجبل ما تدكدك به، لأن الدنيا لا تقوم لما يظهر من ملكوت
السماء، أو ظهر قدر الخنصر من العرش، أو أظهر أمره للجبل، والتجلي:
الظهور، ومنه جلاء المرآة وجلاء العروس. * (دكا) * مستويا بالأرض، ناقة دكاء
لا سنام لها، أو ساخ في الأرض أو صار ترابا قاله ابن عباس - رضي الله تعالى
عنهما - أو صار قطعا. * (صعقا) * ميتا، أو مغشيا عليه، قال ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما - أخذته الغشية عشية الخميس يوم عرفة فأفاق عشية
الجمعة يوم النحر وفيه نزلت عليه التوراة، فيها عشر آيات نزلت في القرآن في
ثماني عشرة آية من بني إسرائيل. * (تبت) * من السؤال قبل الإذن، أو من تجويز
الرؤية في الدنيا، أو ذكر ذلك على جهة التسبيح، لأن المؤمن يسبح عند ظهور
الآيات. * (أول المؤمنين) * أنه لا يراك شيء من خلقك في الدنيا، أو باستعظام
سؤال الرؤية.
* (قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما ءاتيتك وكن من
الشاكرين (144) وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء
فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين (145)) *
145 - * (وكتبنا) * فرضنا ك * (كتب عليكم الصيام) * [البقرة: 183] أو
خططنا بالقلم. * (اللواح) * زمرد أخضر، أو ياقوت، أو برد، أو خشب، أخذ
اللوح من أن المعاني تلوح بالكتابة فيه. * (من كل شيء) * يحتاج إليه في الدين
من حرام، أو حلال، أو مباح، أو واجب، أو غير واجب، أو كل شيء من
502

الحكم والعبر. * (موعظة) * بالنواهي * (وتفصيلا) * بالأوامر، أو موعظة: بالزواجر
وتفصيلا: بالأحكام، وكانت سبعة ألواح. * (بقوة) * بجد واجتهاد، أو بطاعة، أو
بصحة عزيمة، أو بشكر. / * (بأحسنها) * الفرائض أحسن من المباح، أو بناسخها
دون منسوخها أو المأمور أحسن من ترك المنهي وإن كانا طاعة. * (دار الفاسقين) * جهنم، أو منازل الهلكى ليعتبروا بنكالهم، أو مساكن الجبابرة
والعمالقة بالشام، أو مصر دار فرعون.
* (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا
يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه
سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146) والذين كذبوا بآياتنا
ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (147)
واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم
ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين (148) ولما سقط في أيديهم ورأوا
أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من
الخاسرين (149)) *
146 - * (سأصرف عن آياتي) * أمنع عن فهم القرآن، أو أجزيهم على
كفرهم بإضلالهم عما جاء به من الحق، أو أصرفهم عن دفع الانتقام عنهم
* (يتكبرون) * عن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم أو يحقرون الناس ويرون لهم عليهم
فضلا. * (الرشد) * الإيمان، والغي: الكفر، أو الرشد: الهدى، والغي:
الضلال. / * (غافلين) * عن الإيمان، أو عن الجزاء.
* (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم
وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا
503

يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين (150) قال رب اغفر
لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين (151) إن الذين اتخذوا العجل
سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين (152) والذين
عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم (153)) *
150 - * (أسفا) * حزينا، أو شديد الغضب، أو مغتاظا، أو نادما.
والأسف: المتأسف على فوت ما سلف، غضب عليهم لعبادة العجل أسفا على
ما فاته من المناجاة، أو غضب على نفسه من تركهم حتى ضلوا أسفا على ما
رآهم عليه من المعصية، قال بعض المتصوفة: أعضبه الرجوع عن مناجاة الحق
إلى مخاطبة الخلق. * (أمر ربكم) * وعده بالأربعين، ظنوا موت موسى - عليه
الصلاة والسلام - لما لم يأتهم على رأس الثلاثين، أو وعده بالثواب على عبادته
فعدلتم إلى عبادة غيره، والعجلة: التقدم بالشيء قبل وقته، والسرعة: عمله في
أول أوقاته. * (وألقى الألواح) * غضبأ لما رأى عبادة العجل، قاله ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما - أو لما رأى فيها أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت
لناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، قال: رب اجعلهم
أمتي، قال: تلك أمة أحمد فاشتد عليه فألقاها، قاله قتادة. فلما ألقاها
تكسرت ورفعت إلا سبعها، وكان في المرفوع تفصيل كل شيء، وبقي الهدى
504

والرحمة في الباقي ف * (أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة) * [154] وقال
ابن عباس - رضي الله عنهما - تكسرت الألواح ورفعت إلا سدسها.
* (برأس أخيه) * بإذنه، أو شعر رأسه، كما يقبض الرجل منا على لحيته ويعض
على شفته، أو يجوز أن يكون ذلك في ذلك الزمان بخلاف ما هو عليه الآن من
الهوان. * (ابن أم) * كان أخاه لأبويه، أو استعطفه بالرحمة كما في عادة العرب
قال:
* يا ابن أمي ويا شقيق نفسي
*............................
*
* (مع القوم الظالمين) * لا تغضب علي كما غضبت عليهم، فرق له،
ف * (قال ربي اغفر لي ولأخي) * [151].
* (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم
لربهم يرهبون (154) واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال
505

رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك
تضل بها من تشآء وتهدي من تشآء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين (155)
واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنآ إليك قال عذابي أصيب
به من أشآء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون
الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون (156)) *
155 - * (لميقاتنا) * الميقات الأول الذي سأل فيه الرؤية أو ميقات آخر للتوبة من عبادة العجل. * (أخذتهم الرجفة) * لسؤالهم الرؤية أو لأنهم لم ينهوا
عن عبادة العجل، والرجفة: زلزلة، أو موت أحيوا بعده، أو نار أحرقتهم فظن
موسى - عليه الصلاة والسلام - أنهم هلكوا ولم يهلكوا. * (أتهلكنا) * نفى أن
يعذب إلا من ظلم، أو الاستفهام على بابه، خاف من عموم العقوبة، كقوله * (لا
تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * [الأنفال: 25] * (فتنتك) * عذابك، أو
اختبارك.
156 - * (حسنة) * نعمة، سميت بذلك لحسن وقعها في النفوس، أو ثناء
صالحا، أو مستحقات الطاعة. * (هدنا) * تبنا، أو رجعنا بالتوبة إليك هاد يهود:
رجع، أو تقربنا بالتوبة إليك، ما له عندي هوادة سبب يقربه * (من أشاء) * من
خلقي، أو من أشاء في التعجيل والتأخير. * (ورحمتي) * توبتي، أو الرحمة
خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أو تسع رحمته
في الدنيا البر والفاجر وتختص / في الآخرة بالمتقين قاله الحسن - رضي الله
تعالى عنه - * (يتقون) * الشرك، أو المعاصي. * (الزكاة) * من أموالهم عند
الجمهور، أو يتطهرون بالطاعة، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -
* (فسأكتبها) * لما انطلق موسى - عليه الصلاة والسلام - بوفد من بني إسرائيل،
506

قال الله - تعالى -: قد جعلت لهم الأرض طهورا ومساجد يصلون ومساجد يصلون حيث أدركتهم
الصلاة إلا عند مرحاض، أوقبر أو حمام، وجعلت السكينة في قلوبهم،
وجعلتهم يقرءون التوراة عن ظهر قلب، فذكره موسى عليه الصلاة والسلام لهم
فقالوا: لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا فاجعلها في تابوت، ولا نقرأ التوراة
إلا نظرا، ولا نصلي إلا في الكنيسة، فقال الله - تعالى - فسأكتبها - يعني السكينة
والقراءة والصلاة لمتبعي محمد صلى الله عليه وسلم.
* (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة
والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات
ويرحم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم
فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النورالذي أنزل معه أولئك هم
المفلحون (157) قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك
السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي
الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون (158)
157 - * (الأمي) * لأنه لا يكتب، أو لأنه من أم القرى - مكة - أو لأنه من أمة
أمية هي العرب. * (بالمعروف) * بالحق، لأن العقول تعرف صحته. * (المنكر) *
الباطل لإنكارها صحته. * (الطيبات) * الشحوم المحرمة عليهم، أو ما حرمته
الجاهلية من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. * (الخبائث) * لحم الخنزير
والدماء. * (إصرهم) * العهد على العمل بما في التوراة، أو تشديدات دينهم
كتحريم السبت والشحوم والعروق وغير ذلك. * (والأغلال) * (قوله) * (غلت أيديهم) *
507

[المائدة: 64] أو عهده فيما حرمه عليهم سماه غلا للزومه. * (وعزروه) * عظموه،
أو منعوه من عدوه. * (النور) * القرآن، يسمون ما ظهر ووضح نورا. * (أنزل معه) *
عليه، أو في زمانه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ' أي الخلق أعجب إليكم
إيمانا، قالوا: الملائكة، فقال: هم عند ربهم فما لهم لا يؤمنون، فقالوا:
النبيون، فقال: النبيون يوحى إليهم فما لهم لا يؤمنون، قالوا: نحن، فقال: أنا
فيكم فما لكم لا تؤمنون، قالوا: فمن، قال: قوم يكونون بعدكم فيجدون كتابا
في ورق فيؤمنون به ' هذا معنى قوله * (واتبعوا النور الذي أنزل معه) *.
* (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (159) وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا
أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر
فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم
الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما
ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (160) وإذ قيل لهم اسكنوا هذه
القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر
لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين (161) فبدل الذين ظلموا منهم قولا
غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا
يظلمون (162)) *
508

159 - * (ومن قوم موسى أمة) * الذين صدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم كابن سلام وابن
صوريا، أو قوم وراء الصين لم تبلغهم دعوة الإسلام، قاله ابن عباس -
رضي الله تعالى عنهما -، أو الذين تمسكوا بالحق لما قتلت الأنبياء - عليهم
الصلاة والسلام -.
161 - * (القرية) * لاجتماع الناس إليها، أو الماء، قرى الماء في حوضه
جمعه، بيت المقدس، أو الشام.
* (وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم
كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163)) *
163 - * (حاضرة البحر) * أيلة، أو ساحل مدين، أو مدين، قرية بين أيلة
والطور، أو مقنا بين مدين وعينونا، أو طبرية * (واسألهم) * توبيخا على ما
سلف من الذنوب. * (شرعا) * طافية على الماء ظاهرة، شوارع البلد لظهورها، أو
تشرع على أبوابهم كأنهم الكباش البيض رافعة رؤوسها، أو تأتيهم من كل
مكان / فتعدوا بأخذها في السبت.
* (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى
ربكم ولعلهم يتقون (164) فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء
وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون (165) فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا
لهم كونوا قردة خاسئين (166)) *
165 - * (نسوا) * تركوا * (ما ذكروا به) * أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن
المنكر. * (ظلموا) * بترك المعروف وإتيان المنكر. * (بئيس) * شديد، أو رديء، أو
509

عذاب مقترن بالبؤس وهو الفقر، هلك المعتدون، ونجا المنكرون، ونجت التي
لم تعتد ولم تنكر، وقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: لا أدري ما
فعلت.
* (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك
لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم (167)) *
167 - * (تأذن) * أعلم، أو أقسم، قاله الزجاج. * (ليبعثن) * على اليهود
العرب، و * (سوء العذاب) * الصغار والجزية، قيل أول من وضع الخراج من
الأنبياء موسى - عليه الصلاة والسلام - جباه سبع سنين، أو ثلاث عشرة سنة ثم
أمسك.
* (وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم
بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون (168) فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب
يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم
ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين
يتقون أفلا تعقلون (169) والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر
المصلحين (170)) *
168 - * (وقطعناهم) * فرقناهم ليذهب تعاونهم، أو ليتميز الصالح من
المفسد، أو انتقاما منهم. * (بالحسنات والسيئات) * الثواب والعقاب، أو النعم
والنقم، أو الخصب والجدب.
169 - * (خلف) * وخلف واحد، أو بالسكون للذم، وبالفتح للحمد، وهو
510

الأظهر، والخلف: القرن، أو جمع خالف، وهم أبناء اليهود ورثوا التوراة عن
آبائهم، أو النصارى خلفوا اليهود وورثوا الإنجيل لحصوله معهم. * (عرض هذا الأدنى) * الرشوة على الحكم إجماعا، سمي عرضا لقلة بقائه، الأدنى: لأنه من
المحرمات الدنية، أو لأخذه في الدنيا الدانية. * (وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه) *
عبر به عن إصرارهم على الذنوب، أو أراد لا يشبعهم شيء فهم لا يأخذونه
لحاجة، قاله الحسن، - رضي الله تعالى عنه - * (ودرسوا ما فيه) * تركوه، أو تلوه
وخالفوه على علم.
* (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا
ما فيه لعلكم تتقون (171)) *
171 - * (نتقنا) * زحزحنا، أو جذبنا، النتق: الجذب، والمرأة الولود ناتق
لاجتذابها ماء الفحل، أو لأن ولادها كالجذب، أو رفعناه عليهم من أصله لما
أبوا قبول فرائض التوراة لمشقتها، وعظهم موسى - عليه الصلاة والسلام - فلم
يقبلوا فرفع الجبل فوقهم، وقيل: إن أخذتموه بجد واجتهاد وإلا ألقي عليكم،
فأخذوه بجد ثم نكثوا بعده، وكان نتقه نقمة بما دخل عليهم من رعبه وخوفه،
أو نعمة لإقلاعهم عن المعصية. * (وظنوا) * على بابه، أو أيقنوا * (ما آتيناكم) *
التوراة.
* (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا
بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا أنما أشرك
آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهكلنا بما فعل المبطلون (173) وكذلك نفصل
الآيات ولعلهم يرجعون (174)) *
172 - * (أخذ ربك) * أخرج الأرواح قبل الأجساد في الجنة، أو بعد هبوط
آدم إلى الأرض، وخلق فيها المعرفة فعرفت من خاطبها، أو خلق الأرواح
511

والأجساد معا في الأرض - مكة والطائف - فأخرجهم كالذر في الدور الأول
مسح ظهره، فخرج من صفحة ظهره اليمنى أصحاب الميمنة بيضا كالذر، وخرج
أصحاب المشأمة من اليسرى سودا كالذر وألهمهم ذلك، فلما شهدوا على
أنفسهم مؤمنهم وكافرهم أعادهم، أو أخرج الذرية قرنا بعد قرن وعصرا بعد
عصر. * (وأشهدهم) * بما شهدوه من دلائل قدرته، أو بما اعترفوا به من ربوبيته،
فقال للذرية لما أخرجهم على لسان الأنبياء * (ألست بربكم) * بعد كمال عقولهم.
قاله الأكثر، أو جعل للهم عقولا علموا بها ذلك فشهدوا به، أو قال للآباء بعد
512

إخراج ذريتهم كما خلقت ذريتكم فكذلك خلقتكم فاعترفوا بعد قيام الحجة،
والذرية من ذرأ الله - تعالى - الخلق أحدثهم وأظهرهم، أو لخروجهم من
الأصلاب كالذر.
* (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من
الغاوين (175) ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله
كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم
الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون (176) ساء مثلا القوم الذين
كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون (177) من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل
فأولئك هم الخاسرون (178)) *
175 - * (الذي آتيناه آياتنا) * بلعم بن باعورا من أهل اليمن، أو من
الكنعانيين، أو من بني صاب بن لوط، أو أمية بن أبي الصلت الثقفي، أو
513

من أسلم من اليهود والنصارى ونافق. * (آياتنا) * الاسم الأعظم الذي تجاب به
الدعوات، أو كتاب من كتب الله - تعالى - قاله ابن عباس - رضي الله تعالى
عنهما - أو أوتي النبوة فرشاه قومه على أن يسكت عنهم ففعل ولا يصح هذا.
* (فانسلخ) * سلب المعرفة بها لأجل عصيانه، أو انسلخ من الطاعة مع بقاء علمه
بالآيات، حكي أن بلعم رشي على أن يدعو على قوم موسى - عليه الصلاة
والسلام - بالهلاك فسها فدعا على قوم نفسه فهلكوا. * (فأتبعه الشيطان) * صيره
لنفسه تابعا لما دعاه فأجابه، أو الشيطان متبعه من الإنس على كفره، أو لحقه
الشيطان فأغواه، اتبعت القوم: لحقتهم وتبعتهم: سرت خلفهم. * (الغاوين) *
الهالكين، أو الضالين.
176 - * (لرفعناه) * لأمتناه ولم يكفر، أو لحلنا بينه وبين الكفر فارتفعت
بذاك منزلته. * (أخلد إلى الأرض) * ركن إلى أهلها في خدعهم إياه، أو ركن إلى
شهواتها فشغلته عن الطاعة. * (كالكلب) * اللاهث في ذلته ومهانته، أو لأن لهثه
لا ينفعه.
* (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا
يبصرون بها ولهم ءاذان لا يسمعون بهآ أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم
الغافلون (179)) *
179 - * (كثيرا من الجن والإنس) * عام، أو يراد به أولاد الزنا،
514

لمسارعتهم إلى الكفر لخبث نطفهم. * (لا يفقهون) * الحق بقلوبهم و * (لا يبصرون) * الرشد بأعينهم، و * (لا يسمعون) * الوعظ بآذانهم. * (كالأنعام) * همهم
الأكل والشرب، أو لا يعقلون الوعظ. * (هم أضل) * لعصيانهم، أو لتوجه الأمر
إليهم دونها.
* (ولله الأسمآء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمآئه سيجزون ما كانوا
يعملون (180)) *
180 - * (الأسماء الحسنى) * كل أسمائه حسنى والحسنى ها هنا ما مالت
إليه القلوب من وصفه بالعفو والرحمة دون الغضب والنقمة، أو أسماؤه التي
يستحقها لذاته وأفعاله. * (فادعوه بها) * عظموه بها تعبدا له بذكرها، أو اطلبوا بها
وسائلكم * (يلحدون) * بتسمية الأوثان آلهة والله أبا المسيح، أو اشتقاقهم اللات
من الله، والعزى من العزيز، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -
ويلحدون: يكذبون، أو يشركون، أو يجورون.
* (وممن خلقنآ أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (181) والذين كذبوا بآياتنا
سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (182) وأملي لهم إن كيدي متين (183)) *
181 - * (أمة يهدون) * الأنبياء والعلماء، أو هذه الأمة مروي عن
515

الرسول صلى الله عليه وسلم يهدون إلى الإسلام بالدعاء إليه ثم بالجهاد عليه.
182 - / * (سنستدرجهم) * الاستدراج: أن يأتي الشيء من حيث لا يعلم،
أو أن ينطوي منزلة بعد منزلة من الدرج لانطوائه على شيء بعد شيء، أو من
الدرجة لانحطاطه عن منزلة بعد منزلة، يستدرجون إلى الكفر، أو إلى الهلكة
بالإمداد بالنعم ونسيان الشكر، أو كلما أحدثوا خطيئة جدد لهم نعمة،
والاستدراج بالنعم الظاهرة، والمكر بالباطنة. * (لا يعلمون) * بالاستدارج، أو
الهلكة.
* (أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين (184) أولم ينظروا في ملكوت
السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث
بعده يؤمنون (185) من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون (186)) *
186 - * (من يضلل الله) * يحكم بضلاله في الدين، أو يضله عن طريق
الجنة إلى النار. * (طغيانهم) * الطغيان: إفراط العدوان. * (يعمهون) * يتحيرون،
العمة في القلب كالعمى في العين، أو يترددون.
* (يسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتهآ إلا هو ثقلت في
السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسئلون كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله
ولكن أكثر الناس لا يعلمون (187) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو
كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير
لقوم يؤمنون (188)) *
187 - * (يسألونك عن الساعة) * اليهود، أو قريش. * (أيان مرساها) *:
متى، * (مرساها) *: قيامها، أو منتهاها، أو ظهورها. * (حفي عنها) * عالم بها، أو
تقديره: يسألونك عنها كأنك حفي بهم.
516

188 - * (ولو كنت أعلم الغيب) * لو علمت متى أموت لاستكثرت من
العمل الصالح، أو لو علمت سنة الجدب لادخرت لها من سنة الخصب أو لو
علمت الكتب المنزلة لاستكثرت من الوحي، أو لاشتريت في الرخص وبعت
في الغلاء، وهو شاذ، أو لو علمت أسراركم وما في قلوبكم لأكثرت لكم من
دفع الأذى واجتلاب النفع. * (وما مسني السوء) * ما بي جنون، أو ما مسني
الفقر لاستكثاري من الخير، أو ما دخلت على شبهة.
* (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها
حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن ءاتيتنا صالحا لنكونن من
الشاكرين (189) فلما ءاتاهما صالحا جعلا له شركآء فيمآ ءاتاهما فتعالى الله عما
يشركون (190)) *
189 - * (نفس واحدة) * آدم * (زوجها) * حواء * (ليسكن) * ليأوي، أو ليألفها
ويعطف عليها. * (خفيفا) * النطفة. * (فمرت به) * استمرت إلى حال الثقل، أو
شكت هل حملت أم لا؟ قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. * (دعوا) *
آدم وحواء. * (صالحا) * غلاما سويا، أو بشرا سويا، لأن إبليس أوهمها أنه
بهيمة، * (جعلا له شركاء) * كان اسم إبليس في السماء ' الحارث ' فلما ولدت
حواء، قال: سميه ' عبد الحارث ' فسمته ' عبد الله ' فمات فلما ولدت ثانيا قال
لها ذلك فأبت، فلما حملت ثالثا قال لها ولآدم - عليه الصلاة والسلام _ أتظنان
أن الله - تعالى - يترك عبده عندكما لا والله ليذهبن به كما ذهب بالأخوين،
فسمياه بذلك فعاش فكان إشراكهما في الاسم دون
517

العبادة، أو جعل ابن آدم وزوجته لله شركاء من الأصنام فيما آتاهما، قاله الحسن.
* (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون (191) ولا يستطيعون لهم نصرا ولآ أنفسهم
ينصرون (192) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم
صامتون (193) إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم
518

فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين (194) ألهم أرجل يمشون بهآ أم لهم أيد
يبطشون بهآ أم لهم أعين يبصرون بهآ أم لهم ءاذان يسمعون بها قل ادعوا شركآءكم
ثم كيدون فلا تنظرون (195) إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين (196)
والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولآ أنفسهم ينصرون (197) وإن
تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (198)) *
195 - * (أرجل يمشون بها) * في مصالحهم * (أيد يبطشون بها) * في الدفاع
عنكم * (أعين يبصرون بها) * منافعكم ومضاركم * (آذان يسمعون بها) * دعاءكم.
فكيف تعبدون من أنتم أفضل منه وأقدر؟.
* (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ
فاستعذ بالله إنه سميع عليم (200) إن الذين اتقوا إذا مسهم طآئف من الشيطان
تذكروا فإذا هم مبصرون (201) وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون (2025) *
199 - * (العفو) * من أخلاق الناس وأعمالهم، أو من أموال المسلمين، ثم
نسخ بالزكاة، أو العفو عن المشركين ثم نسخ / بالجهاد * (بالعرف) * بالمعروف،
أو لما نزلت
قال الرسول صلى الله عليه وسلم ' يا جبريل ما هذا؟ قال: لا أدري حتى أسأل
العالم، ثم عاد فقال: يا محمد إن الله - تعالى - يأمرك أن تصل من قطعك
وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك '.
519

200 - * (نزغ) * انزعاج، أو غضب، أو فتنة، أو إغواء، أو عجلة
* (فاستعذ) * فاستجر. * (سميع) * لجهل الجاهل * (عليم) * بما يزيل النزغ.
201 - * (طيف) * و * (طائف) * واحد وهو لمم كالخيال يلم بالإنسان، أو
وسوسة، أو غضب، أو نزغ، أو الطيف: الجنون، والطائف: الغضب، أو
الطيف اللمم، والطائف كل شيء طاف بالإنسان. * (تذكروا فإذا هم مبصرون) *
علموا فانتهوا، أو اعتبروا فاهتدوا.
* (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصآئر
من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (203)) *
203 - * (اجتبيتها) * أتيت بها من قبلك، أو اخترتها لنفسك، [أو]
تقبلتها من ربك، أو طلبتها لنا قبل مسألتك.
* (وإذا قرىء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (204)) *
204 - * (فاستمعوا له) * لا تقابلوه بكلام ولا اعتراض، نزلت في
المأموم ينصت ولا يقرأ، أو في الإنصات لخطبة الجمعة، أو نسخت
520

جواز الكلام في الصلاة.
* (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والأصال ولا
تكن من الغافلين (205) إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله
يسجدون (206)) *
205 - * (واذكر ربك) * خلف الإمام بالقراءة سرا، أو عند سماع الخطبة،
أو في عموم الأحوال اذكره بقلبك أو بلسانك في دعائك وثنائك * (تضرعا) *
الخشوع والتواضع. * (ودون الجهر) * إسرار القول بالقلب، أو اللسان. * (بالغدو والآصال) * بالبكر والعشيات، أو الغدو: آخر الفجر صلاة الصبح والآصال: آخر
العشي صلاة العصر.
206 - * (عبادته) * الصلاة والخضوع فيها، أو امتثال الأوامر واجتناب
النواهي، قاله الجمهور * (وله يسجدون) * نزلت لما قالوا أنسجد لما تأمرنا، إذا
كانت الملائكة مع شرفها تسجد فأنتم أولى.
521

((سورة الأنفال))
مدنية، أو مدنية إلا سبع آيات * (وإذ يمكر بك) * إلى آخر السبع [30 -
36] لما سألوا عن الأنفال يوم بدر نزلت.
((بسم الله الرحمن الرحيم))
* (يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم
وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين (1)) *
1 - * (الأنفال) * الغنائم، أو [أنفال] السرايا التي تتقدم أمير الجيش، أو ما
شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو دابة، أو خمس الفيء
والغنائم الذي لأهل الخمس، أو الزيادة يزيدها الإمام لبعض الجيش لما يراه من
الصلاح، والنفل: العطية، والنوفل: الكثير العطايا، أو النفل: الزيادة من الخير
ومنه صلاة النافلة، سألوا عن الأنفال لجهلهم بحلها لأنها كانت حراما على الأمم
فنزلت، أو نزلت فيمن شهد بدرا من المهاجرين والأنصار [واختلفوا] وكانوا
522

أثلاثا فملكها الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم فقسمها كما أراه، أو لما قتل سعد بن
أبي وقاص سعيد بن أبي العاص يوم بدر وأخذ سيفه وقال: / للرسول صلى الله عليه وسلم هبه
لي فقال: اطرحه في القبض فشق عليه فنزلت، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهب فخذ
سيفك، أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر من صنع كذا فله كذا وكذا فسارع الشبان
523

وبقي الشيوخ تحت الرايات فلما فتح عليهم طلبوا ما جعل لهم، فقال الشيوخ: لا
تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم، فنزلت، وهي محكمة، أو منسوخة بقوله -
تعالى - * (واعلموا أن ما غنمتم) * [41] * (الأنفال لله) * مع الدنيا والآخرة
وللرسول صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أمر. * (وأصلحوا ذات بينكم) * برد أهل القوة على أهل
الضعف، أو بالتسليم لله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم ليحكما في الغنيمة بما شاءا.
* (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا
وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك
هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (4)) *
2 - * (وجلت) * خافت، أو رقت. * (إيمانا) * تصديقا، أو خشية.
* (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في
الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (6) وإذ يعدكم الله إحدى
الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن
يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين (7) ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره
المجرمون (8)) *
5 - * (كما أخرجك ربك من بيتك) * بمكة إلى المدينة مع كراهية فريق
524

من المؤمنين، كذلك ينجز نصرك، أو من بيتك بالمدينة إلى بدر كذلك جعل
لك غنيمة بدر، * (بالحق) * ومعك الحق، أو بالحق الذي وجب عليك.
* (لكارهون) * خروجك، أو صرف الغنيمة عنهم، لأنهم لم يعلموا أن الله - تعالى
- جعله لرسوله صلى الله عليه وسلم دونهم.
6 - * (يجادلونك) * بعض المؤمنين خرجوا لطلب العيرففاتهم فأمروا
بالقتال فقالوا: ما تأهبنا للقاء العدو، فجادلوا بذلك طلبا للرخصة، أو المجادل
المشركون قاله ابن زيد. * (في الحق) * القتال يوم بدر.
7 - * (إحدى الطائفتين) * عير أبي سفيان أو قريش الذين خرجوا لمنعها.
* (الشوكة) * كنى بها عن الحرب، وهي الشدة لما في الحرب من الشدة، أو
الشوكة من قولهم: رجل شاك في السلاح. * (يحق الحق بكلماته) * يظهر الحق
بإعزاز الدين بما تقدم من وعده، أو يحق الحق في امره بالجهاد، نزلت هذه
الآية قبل قوله * (كما أخرجك ربك من بيتك) * [5] قاله الحسن - رضي الله
تعالى عنه - ((فقيل للرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء فقال:
العباس وهو أسير - ليس لك ذلك، قال / لم؟ قال: لأن الله - تعالى - وعدك
إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك)).
* (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين (9)
وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله
525

عزيز حكيم (10)) *
9 - * (تستغيثون) * تستنصرون، أو تستجيرون، فالمستجير: طالب
الخلاص، والمستنصر: طالب الظفر، والمستغيث: المسلوب القدرة،
والمستعين: الضعيف القدرة. * (فاستجاب لكم) * أغاثكم، الاستجابة ماتقدمها
امتناع، والإجابة مالم يتقدمها امتناع وكلاهما بعد السؤال. * (مردفين) * مع كل
ملك ملك فهم ألفان، أو متتابعين، أو ممدين للمسلمين، والإرداف: الإمداد.
10 - / * (إلا بشرى) * الإمداد هو البشرى، أوبشرتهم الملائكة بالنصر
فكانت هي البشرى المذكورة، وقاتلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم أو نزلوا بالبشرى ولم
يقاتلوا، * (وما النصر إلا من عند الله) * لا من الملائكة.
* (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب
عنكم رجز الشيكان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام (11) إذ يوحي ربك إلى
الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب
فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان (12) ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله
ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب (13) ذالكم فذوقوه وأن
للكافرين عذاب النار (14)) *
11 - * (النعاس) * غشيهم النعاس ببدر فهوم الرسول صلى الله عليه وسلم وكثير من
أصحابه - رضي الله تعالى عنهم - فناموا، فبشر جبريل - عليه السلام -
الرسول صلى الله عليه وسلم بالنصر، فأخبر به أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - من عليهم به
لما فيه من زوال رعبهم، والأمن منيم والخوف مسهر، أو من به لما فيه
526

من الاستراحة للقتال من الغد. والنعاس محل الرأس مع حياة القلب، والنوم
يحل القلب بعد نزوله من الرأس قاله سهل بن عبد الله التستري. * (أمنة)
من ا لعدو، أومن الله تعالى، والأمنة: الدعة وسكون النفس. * (وينزل عليكم
من السماء ماء) * لتلبيد الرمل ويطهرهم من وساوس الشيطان التي ارعبهم
بها أو من الأحداث والأنجاس التي أصابتهم قاله الجمهور، أنزل ماء طهر
به ظواهرهم، ورحمة نور بها سرائرهم قاله ابن عطاء، ووصفه بالتطهير،
لأنها أخص أوصافه وألزمها. * (رجز الشيطان) * [قوله]: إن المشركين قد
غلبوهم على الماء، أو قوله: ليس لكم بهؤلاء طاقة. * (ويثبت به الأقدام) *
لتلبيده الرمل الذي لا يثبت عليه قدم، أو بالنصر الذي أفرغه عليهم حتى
يثبتوا لعدوهم.
12 - * (إني معكم) * معينكم. * (فثبتوا الذين آمنوا) * بحضوركم الحرب، أو
بقتالكم يوم بدر، أو بقولكم لا بأس عليكم من عدوكم. * (سألقي في قلوب
الذين كفروا الرعب) * قال ذلك للملائكة إعانة لهم، أو ليثبتوا به المؤمنين.
* (فوق الأعناق) * فوق صلة، أو الرؤوس التي فوق الأعناق أو على الأعناق، أو أعلى الأعناق، أو جلدة الأعناق. * (بنان) * مفاصل أطراف الأيدي والأرجل،
والبنان أطراف أصابع اليدين والرجلين.
* (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (15) ومن يولهم
527

يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله
ومأواه جهنم وبئس المصير (16)) *
15 - * (زحفا) * الدنو قليلا قليلا. * (فلا تولوهم) * ولا تنهزموا، عام في
كل مسلم لاقى العدو، أو خاص بأهل بدر، ولزمهم في أول الإسلام أن لا
ينهزم المسلم عن عشرة بقوله - تعالى - * (إن يكن منكم عشرون) * إلى قوله -
تعالى - * (لا يفقهون) * [65] ما فرض الله - تعالى - عليهم من الإسلام، أو لا
يعلمون ما فرض عليهم من القتال، فلما كثروا واشتدت شوكتهم نسخ ذلك
بقوله - تعال -: * (الآن خفف الله عنكم [وعلم أن فيكم] ضعفا) * [66]
و * (ضعفا) * واحد، أو بالفتح في الأموال وبالضم في الأحوال، أو بالضم في
النيات وبالفتح في الأبدان، أو بالعكس فيهما. * (مع الصابرين) * على القتال
بإعانتهم على أعدائهم / أو الصابرين على الطاعة بإجزال ثوابهم.
16 - * (باء بغضب) * بالمكان الذي استحق به الغضب، من المبوأ وهو
المكان.
* (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي
المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم (17) ذالكم وأن الله موهن كيد
الكافرين (18)) *
17 - * (وما رميت) * أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب يوم بدر فرماهم
بها، وقال شاهت الوجوه، فألقى الله - تعالى - القبضة في أبصارهم فشغلوا
بأنفسهم وأظهر الله - تعالى - المسلمين عليهم فذلك قوله - تعالى -: * (وما
528

رميت) *، أو ما ظفرت إذ رميت ولكن الله - تعالى - أظفرك، أو * (وما
رميت) * قلوبهم بالرعب إذ رميت وجوههم بالتراب ولكن الله - تعالى - ملأ
قلوبهم رعبا، أو وما رمي أصحابك بالسهام ولكن الله رمى بإعانة الريح لسهامهم
حتى تسددت وأصابت أضاف رميهم إليه لأنهم رموا عنه * (بلاء حسنا) * الإنعام
بالظفر والغنيمة. * (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن
تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين (19)) *
19 - * (إن تستفتحوا) أيها المشركون تستقضوا * (فقد جاءكم) * قضاؤنا
بنصر الرسول صلى الله عليه وسلم عليكم. أو الفتح: النصر، فقد جاء نصر الرسول صلى الله عليه وسلم
عليكم، قالوا يوم بدر: اللهم أقطعنا للرحم وأظلمنا لصاحبه فانصر عليه فنصر
المسلمون. * (وإن تعودوا) * إلى الاستفتاح * (نعد) * إلى نصر الرسول صلى الله عليه وسلم أو إن
تعودوا إلى التكذيب نعد إلى مثل هذا التصديق. أو إن تستفتحوا أيها المسلمون
فقد جاءكم النصر لأنهم استنصروا فنصروا. * (وإن تنتهوا) * عما فعلتموه في
الأسرى والغنيمة، * (وإن تعودوا) * إلى الطمع * (نعد) إلى المؤاخذة، أو إن
تعودوا إلى ما كان منكم في الأسرى والغنيمة نعد إلى الإنكار عليكم.
* (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون (20) ولا تكونوا
كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون (21) إن شر الدواب عند الله الصم البكم
529

الذين لا يعقلون (22) ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم
معرضون (23)) *
22، 23 - * (شر الدواب) * نزلت في بني عبد الدار. * (ولو علم الله
فيهم خيرا لأسمعهم) * الحجج والمواعظ سماع تفهيم، أو لأسمعهم كلام الذي
طلبوا إحياءه من قصي بن كلاب وغيره يشهدون بنبوتك، أو لأسمعهم جواب
كل ما يسألون عنه.
* (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن
الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون (24) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين
ظلموا منكم خآصة واعلموا أن الله شديد العقاب (25) واذكروا إذ أنتم قليل
مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فئاواكم وأيدكم بنصره ورزقكم
من الطيبات لعلكم تشكرون (26)) *
24 - * (استجيبوا لله) * بطاعته لما كانت في مقابلة الدعاء سماها إجابة
* (لما يحييكم) * الإيمان، أو الحق، أو ما في القرآن، أو الحرب وجهاد العدو،
أو ما فيه دوام حياة الآخرة، أو كل مأمور * (يحول بين) * الكافر والإيمان وبين
530

المؤمن والكفر قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أو بين المرء وعقله فلا
يدري ما يعمل، أو بين المرء وقلبه أن يقدر على إيمان أو كفر إلا بإذنه، أو هو
قريب من قلبه يحول بينه وبين أن يخفي عليه سره أو جهره. فهو * (أقرب إليه من حبل الوريد) * [ق: 16] وهذا تحذير شديد قاله قتادة، أو يفرق بينه وبين
قلبه بالموت فلا يقدر على استدراك فائت، أو بينه وبين ما يتمنى بقلبه من البقاء
وطول العمر والظفر والنصر، أو بينه وبين ما في قلبه من رعب وخوف وقوة
وأمن، فيأمن المؤمن بعد خوفه ويخاف الكافر بعد أمنه.
25 - * (واتقوا فتنة) * أمروا أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم / فيعمهم
العذاب، قاله ' ع '، أو الفتنة: ما يبتلى به الإنسان، أو الأموال والأولاد، أو نزلت
في النكاح بلا ولي، قاله بشر بن الحارث * (لا تصيبن) * الفتنة، أو عقابها،
أو دعاء للمؤمن ألا تصيبه فتنة قاله الأخفش.
26 - * (قليل) * بمكة تستضعفكم قريش، ذكرهم نعمه، أو أخبرهم بصدق
وعده. * (يتخطفكم الناس) * كفار قريش، أو فارس والروم. * (فآواكم) * إلى
المدينة، أو جعل لكم مأوى تسكنونه آمنين * (وأيدكم) * قواكم بنصره يوم بدر.
* (الطيبات) * الحلال من الغنائم، أو ما مكنوا فيه من الخيرات، قيل نزلت في
531

المهاجرين خاصة بعد بدر.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (27) واعلموا
أنمآ أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم (28) يا أيها الذين
ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو
الفضل العظيم (29)) *
27 - * (لا تخونوا الله والرسول) * كما صنع المنافقون، قاله الحسن -
رضي الله تعالى عنه -، أو لا تخونوا فيما جعله لعباده في أموالكم.
* (أماناتكم) * ما أخذتموه من الغنيمة أن تحضروه إلى المغنم، أو ما ائتمنكم الله عليه من الفرائض والأحكام [أن] تؤدوها بحقها، ولا تخونوا بتركها، أو عام في كل أمانة * (وأنتم تعلمون) * أنها أمانة بغير شبهة، أو ما
في الخيانة من المأثم. قيل نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر لما أرسل
إلى بني قريظة لينزلوا على حكم سعد فاستشاروه، وكان أحرز أمواله وأولاده
عندهم، فأشار بأن لا يفعلوا، وأومأ بيده إلى حلقه إنه الذبح فنزلت إلى
قوله: * (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) * [28].
29 - * (فرقانا) * هداية في القلوب تفرقون بها بين الحق والباطل، أو
مخرجا من الدنيا والآخرة، أو نجاة، أو فتحا ونصرا.
532

* (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله
خير الماكرين (30)) *
30 - * (وإذ يمكر بك) * لما تآمرت قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم في دار
الندوة، فقال عمرو بن هشام: قيدوه واحبسوه في بيت نتربص به ريب
المنون، وقال أبو البختري أخرجوه عنكم على بعير مطرودا تستريحون من
أذاه، فقال أبو جهل، ما هذا برأي، ولكن ليجتمع عليه من كل قبيلة رجل
فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد فيرضى حينئذ بنو هاشم بالدية، فأعلم الله -
تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك فخرج إلى الغار ثم هاجر منه إلى المدينة.
533

* (ليثبتوك) * في الوثاق ' ع ' أو في الحبس، أو يجرحوك، أثبته في الحرب:
جرحه. * (أو يخرجوك) * نفيا إلى طرف من الأطراف، أو على بعير مطرودا
حتى تهلك، أو يأخذك بعض العرب فيريحهم منك.
* (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشآء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا
أساطير الأولين (31) وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر
علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (32) وما كان الله ليعذبهم
وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (33)) *
31 - * (لو نشاء لقلنا) * نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة، ونزلت
فيه * (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا) * [32] و * (سأل سائل) * [المعارج: 1]
و * (ربنا عجل لنا قطنا) * [ص: 16] قال عطاء: نزل فيه بضع عشرة آية.
534

32 - * (فأمطر علينا) * قاله عنادا وبغضا للرسول صلى الله عليه وسلم أو اعتقادا أنه ليس
بحق.
33 - * (وما كان الله معذبهم) * وقد بقي فيهم من المسلمين من يستغفر،
أو لا يعذبهم / في الدنيا وهم يقولون غفرانك في طوافهم، أو الاستغفار
: الإسلام، أو هو دعاء إلى الاستغفار معناه لو استغفروا لم يعذبوا، أو ما
كان الله مهلكهم وقد علم أن لهم ذرية يؤمنون ويستغفرون.
* (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أوليآءه
إن أوليآؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون (34) وما كان صلاتهم عند
البيت إلا مكآء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (35)) *
35 - * (مكاء) * إدخال أصابعهم في أفواههم، أو أن يشبك بين أصابعه
ويصفر في كفه بفمه، والمكاء الصفير، قال:
*.......................
* تمكو فريصته كشدق الأعلم
*
* (وتصدية) * التصفيق، أو الصد عن البيت الحرام، أو تصدي بعضهم
لبعض ليفعل مثل فعله ويصفر له إن غفل عنه، أو من صد يصد إذا ضج، أو
الصدى الذي يجيب الصائح فيرد عليه مثل قوله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا صلى
في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبدار عن يمينه يصفران صفير المكاء
535

- وهو طائر - ورجلان عن يساره يصفقان بأيديهما ليخلطوا على الرسول صلى الله عليه وسلم
- القراءة والصلاة، فنزلت، وسماها صلاة لأنهم أقاموها مقام الدعاء والتسبيح،
أو كانوا يعملون كعمل الصلاة. * (فذوقوا) * فالقوا، أو فجربوا عذاب السيف
ببدر، أو يقال لهم ذلك في عذاب الآخرة.
* (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون
عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون (36) ليميز الله
الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في
جهنم أولئك هم الخاسرون (37)) *
36 - * (ينفقون أموالهم) * نفقة قريش في القتال ببدر، أو استأجر أبو سفيان
يوم أحد ألفين من الأحابيش من كنانة.
37 - * (الخبيث) * الحرام، والطيب: الحلال، أو الخبيث: ما لم تخرج
منه حقوق الله - تعالى - والطيب: ما أخرجت منه حقوقه. * (بعضه على بعض) *
يجمعه في الآخرة وإن تفرقا في الدنيا. * (فيركمه) * يجعل بعضه فوق بعض.
* (فيجعله في جهنم) * يعذبون به * (يوم يحمى عليها في نار جهنم) * [التوبة: 35]
أو يجعلها معهم في النار ذلا وهوانا كما كانت في الدنيا نعيما وعزا.
* (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت
سنت الأولين (38) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله
لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير (39) وإن تولوا فاعلموا أن الله
536

مولاكم نعم المولى ونعم النصير (40)) *
38 - * (وإن يعودوا) * إلى الحرب * (فقد مضت سنة) * قتلى بدر وأسراهم،
أو إن يعودوا إلى الكفر فقد مضت سنة الله - تعالى - بإهلاك الكفرة، ابن عباس
- رضي الله تعالى عنهما - نزلت لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح فقال: ما
في ظنكم وما ترون أني صانع بكم، فقالوا: ابن عم كريم فإن تعف فذاك الظن
بك، وإن تنتقم فقد أسأنا، فقال: بل أقول كما قال يوسف لإخوته: * (لا تثريب
عليكم اليوم) * الآية ' [يوسف: 92] فنزلت، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ' اللهم كما
أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرهم نوالا '.
* (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل إن كنتم ءامنتم بالله ومآ أنزلنا على عبدنا يوم
الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير (41)) *
41 - * (غنمتم) * ذكر الغنيمة ها هنا والفيء في الحشر وهما واحد،
ونسخت آية الحشر بهذه، أو الغنيمة ما أخذ عنوة، والفيء ما أخذ صلحا،
537

أو الغنيمة ما ظهر عليه المسلمون من الأموال، والفيء ما ظهر عليه من
الأرضين. * (لله خمسه) * افتتاح كلام، وله الدنيا والآخرة، المعنى للرسول /
خمسه أو الخمس لله ورسوله يصرف سهم الله في بيته، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ
الخمس فيضرب فيه بيده فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو
سهم الله. * (وللرسول) * افتتاح كلام - أيضا - ولا شيء له من ذلك فيقسم
الخمس على أربعة ' ع '، أو للرسول الخمس عند الجمهور، ويكون سهمه
للخليفة بعده، أو يورث عنه، أو يرد على السهام الباقية فيقسم الخمس على
أربعة، أو يصرف إلى الكراع والسلاح فعله أبو بكر وعمر - رضي الله تعالى
عنهما -، أو إلى المصالح العامة. * (ولذي القربى) * بنو هاشم، أو قريش، أو بنو
هاشم وبنو المطلب، وهو باق لهم أبدا، أو لقرابة الخليفة القائم بأمور الأمة،
أو للإمام وضعه حيث شاء، أو يرد سهمهم وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم على باقي السهام
فتكون ثلاثة. * (اليتامى) * من مات أبوه من الأطفال بخلاف البهائم فإنه من ماتت
أمه، ويشترط الإسلام والحاجة، ويختص بأيتام أهل الفيء أو يعم * (وابن السبيل) * المسافر المسلم المحتاج من أهل الفيء، أو يعم. * (الفرقان) * يوم بدر
فرق فيه بين الحق والباطل.
* (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو
538

تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك
من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم (42)) *
42 - * (العدوة الدنيا) * شفير الوادي الأدنى إلى المدينة.
* (والقصوى) * الأقصى منها إلى مكة. * (والركب) * عير أبي سفيان أسفل
الوادي على شط البحر بثلاثة أميال * (ولو تواعدتم) * ثم بلغكم كثرتهم لتأخرتم
ونقضتم الميعاد، [أ] و لو تواعدتم من غير معونة من الله - تعالى - لاختلفتم
في الميعاد بالقواطع والعوائق، أو لو تواعدتم أن تتفقوا مجتمعين لاختلفتم
بالتقدم والتأخر والزيادة والنقصان من غير قصد لذلك. * (ليهلك) * ليقتل منهم
ببدر من قتل عن حجة، وليبقى منهم من بقي عن قدره، أو ليكفر من قريش
بعد الحجة من كفر ببيان ما وعدوا، ويؤمن من آمن بعد العلم بصحة إيمانهم.
* (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في
الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور (43) وإذ يريكموهم إذ التقيتم
في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى
الله ترجع الأمور (44)) *
43 - * (في منامك) * موضع النوم - وهي العين - فرأى قلتهم عيانا، أو
ألقى عليه النوم فرأى قلتهم في نومه، قاله الجمهور: وكان ذلك لطفا بهم.
* (لفشلتم) * لجبنتم وانهزمتم، أو لاختلفتم في لقائهم، أو الكف عنهم.
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم
539

تفلحون (45) وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن
الله مع الصابرين (46)) *
46 - * (فتفشلوا) * هو التقاعد عن القتال جبنا. * (ريحكم) * قوتكم، أو
دولتكم، أو الريح المرسلة لنصر أولياء الله وخذلان أعدائه، قاله قتادة.
* (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل
الله والله بما يعملون محيط (47) وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم
اليوم من الناس وإني جار لكم فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال
إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب (48) إذ
يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله
فإن الله عزيز حكيم (49)) *
47 - * (كالذين خرجوا) * قريش لحماية العير فنجا بها أبو سفيان، فقال أبو
جهل لا نرجع حتى نرد بدرا وننحر جزورا ونشرب خمرا وتعزف علينا القينات
فكان من أمرهم ما كان.
48 - * (زين لهم الشيطان) * ظهر لهم في صورة سراقة بن جعشم من بني
كنانة. * (نكص) * هرب ذليلا خازيا. * (ما لا ترون) * من إمداد الملائكة.
540

49 - * (والذين في قلوبهم مرض) * المشركون، أو قوم تكلموا بالإسلام /
وهم بمكة، أو قوم مرتابون لم يظهروا عداوة النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف المنافقين،
والمرض في القلب: هو الشك.
* (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا
عذاب الحريق (50) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد (51)
كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله
قوي شديد العقاب (52) ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم وأن الله سميع عليم (53) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا
بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنآ آل فرعون وكل كانوا ظالمين (54)) *
50 - * (يتوفى الذين كفروا) * عند قبض أرواحهم. * (يضربون وجوههم) *
يوم القيامة، أو القتل ببدر.
* (إن شر الدوآب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون (55) الذين عاهدت منهم ثم
ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون (56) فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم
من خلفهم لعلهم يذكرون (57)) *
57 - * (تثقفنهم) * تصادفهم، أو تظفر بهم. * (فشرد) * أنذر، أو نكل، أو
بدد.
* (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين (58) *
58 - * (خيانة) * في نقض العهد. * (فانبذ إليهم) * ألق إليهم عهدهم كي لا
ينسبوك إلى الغدر بهم، والنبذ: الإلقاء. * (على سواء) * مهل، أو مجاهرة بما
تفعل بهم، أو على استواء في العلم به حتى لا يسبقوك إلى فعل ما يريدونه
541

بك، أو عدل من غير تحيف، أو وسط. قيل نزلت في بني قريظة.
* (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون (59) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
ومن رباط الخير ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا
تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا
تظلمون (60)) *
60 - * (قوة) * السلاح، أو التظافر واتفاق الكلمة، أو الثقة بالله - تعالى -
والرغبة إليه، أو الرمي مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو ذكور الخيل. * (ورباط
الخيل) * إناثها، أو رباطها: الذكور والإناث عند الجمهور * (عدو الله) * بالكفر
542

* (وعدوكم) * بالمباينة، أو عدو الله: هو عدوكم، لأن عدو الله - تعالى - عدو
لأوليائه. * (لا تعلمونهم) * بنو قريظة، أو المنافقون، أو أهل فارس، أو الشياطين
أو من لا تعرفون عداوته على العموم.
* (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (62) وإن يريدوا أن
يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (62) وألف بين قلوبهم
لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه
عزيز حكيم (63)) *
61 - * (للسلم) * الموادعة، أو إن توقفوا عن الحرب مسالمة فتوقف عنها
مسالمة، أو إن أظهروا الإسلام فاقبله وإن لم تعلم بواطنهم، عامة في كل من
سأل الموادعة ثم نسختها آية السيف أو خاصة بالكتابيين يبذلون الجزية، أو
في معينين سألوا الموادعة فأمر بإجابتهم.
* (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين (64) يا أيها النبي حرض المؤمنين
على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة
يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوما لا يفقهون (65) الآن خفف الله عنكم
543

* (وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم
ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين (66)) *
64 - * (حسبك الله) * أن تتوكل عليه، والمؤمنون: أن تقاتل بهم، أو
حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين الله، قيل نزلت بالبيداء في غزوة
بدر قبل القتال.
65 - * (عشرون) * أمروا يوم بدر أن لا يفر أحدهم عن عشرة فشق عليهم
فنسخ بقوله - تعالى - * (الآن خفف الله عنكم) * [66]، أو وعدوا أن ينصر كل
رجل على عشرة.
* (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله
يريد الآخرة والله عزيز حكيم (67) لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب
عظيم (68) فلكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم (69)) *
67 - * (ما كان لنبي) * أن يفادي، نزلت لما استقر رأي الرسول صلى الله عليه وسلم بعد
مشاورة أصحابه على أخذ الفداء بالمال عن كل أسير من أسرى بدر أربعة آلاف
درهم، فنزلت إنكارا لما فعلوه. * (يثخن) * بالغلبة والاستيلاء، أو بكثرة القتل
ليعز به المسلمون ويذل الكفرة. * (عرض الدنيا) * سماه بذلك لقلة بقائه. * (يريد الآخرة) * العمل بما يوجب ثوابها.
68 - * (أخذتم) من الفداء * (لولا كتاب) * سبق لأهل بدر أن لا يعذبوا
لمسهم في أخذ الفداء عذاب عظيم، أو سبق في إحلال الغنائم لمسهم في
تعجلها من أهل بدر عذاب عظيم، أو سبق بأن لا يعذب من أتى عملا على
544

جهالة، أو الكتاب القرآن المقتضي لغفران الصغائر، ولما شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أبا
بكر - رضي الله تعالى عنه - / قال: قومك وعشيرتك فاستبقهم لعل الله - تعالى -
أن يهديهم، وقال عمر - رضي الله تعالى عنه -: أعداء الله - تعالى - ورسوله
كذبوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم، فمال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قول أبي بكر -
رضي الله تعالى عنه -، وأخذ الفداء ليقوي به المسلمون، وقال: أنتم عالة
يعني للمهاجرين، فلما نزلت هذه الآية قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لعمر - رضي الله
تعالى عنه - لو عذبنا في هذا الأمر - يا عمر - لما نجا غيرك ثم، أحل
الغنائم، بقوله - تعالى - * (فكلوا مما غنمتم) * [69].
* (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا
مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم (70) وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله
من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم (71)) *
70 - * (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) * لما أسر العباس يوم بدر أخذ منه
الرسول صلى الله عليه وسلم فداء نفسه وابني أخيه عقيل
545

ونوفل، قال: يا رسول الله كنت مسلما وأخرجت مكرها ولقد تركتني فقيرا
أتكفف الناس، فقال: فأين الأواقي التي دفعتها سرا لأم الفضل عند خروجك
فقال: إن الله - تعالى - ليزيدنا ثقة بنبوتك، قال العباس: فصدق الله - تعالى -
وعده فيما أتاني، وإن لي لعشرين مملوكا يضرب كل مملوك منهم بعشرين ألفا
في التجارة، فقد أعطاني الله - تعالى - خيرامما أخذ مني يوم بدر.
* (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا
ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء
حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم
ميثاق والله بما تعملون بصير) *
546

72 - * (آمنوا) * بالله * (وهاجروا) * من ديارهم في طاعته * (وجاهدوا بأموالهم) * بإنفاقها * (وأنفسهم) * بالقتال أراد المهاجرين مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة * (والذين آووا) * المهاجرين في منازلهم * (ونصروا) * النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين
معه، يريد الأنصار. * (أولياء بعض) * أعوان بعض عند الجمهور [أو] أولى
بميراث بعض، جعل الله - تعالى - المريراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام.
* (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم) * من ميراثهم من شيء * (حتى يهاجروا) *.
فعملوا بذلك حتى نسخت بقوله - تعالى - * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
في كتاب الله) * [75] يعني في الميراث، فصار الميراث لذوي الأرحام.
* (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد
كبير (73) والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا
اولائك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم (74)) *
73 - * (والذين كفروا بعضهم) * أنصار بعض، أو بعضهم وارث بعض ((ع))
* (إلا تفعلوه) * إلا تتناصروا - أيها المؤمنون - * (تكن فتنة في الأرض) * بغلبة
الكفرة * (وفساد كبير) * بضعف الإيمان، أو إلا تتوارثوا بالإسلام والهجرة
* (تكن فتنة في الأرض) * باختلاف الكلمة * (وفساد كبير) * بتقوية الخارج عن
الجماعة (ع).
547