الكتاب: تفسير آيات من القرآن الكريم
المؤلف: محمد بن عبد الوهاب
الجزء:
الوفاة: ١٢٠٦
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: راجع أصوله وصححه ووضع هوامشه وأعده للطبع الدكتور محمد بلتاجي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع:
المطبعة: الرياض - مطابع الرياض
الناشر: مطابع الرياض
ردمك:
ملاحظات:

((تفسير آيات القرآن الكريم))
للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
راجع أصوله وصححه ووضع هوامشه وأعده للطبع الدكتور محمد بلتاجي، الأستاذ المشارك بكلية الشريعة بالرياض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
1

((سورة الفاتحة))
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ورضي عنه بمنه وكرمه:
اعلم أرشدك الله لطاعته، وأحاطك بحياطته، وتولاك في الدنيا والآخرة، أن مقصود الصلاة وروحها ولبها هو إقبال القلب على الله تعالى فيها، فإذا صليت بلا قلب فهي كالجسد الذي لا روح فيه، ويدل على هذا قوله تعالى: * (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) * ففسر السهو بالسهو عن وقتها - أي إضاعته - والسهو عن ما يجب فيها، والسهو عن حضور القلب، ويدل على ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا) فوصفه بإضاعة الوقت بقوله: ' يرقب
7

الشمس ' وبإضاعة الأركان بذكره النقر، وبإضاعة حضور القلب بقوله: ' لا يذكر الله فيها إلا قليلا '.
إذا فهمت ذلك فافهم نوعا واحدا من الصلاة، وهو قراءة الفاتحة لعل الله أن يجعل صلاتك في الصلوات المقبولة المضاعفة المكفرة للذنوب. ومن أحسن ما يفتح لك الباب في فهم الفاتحة حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: * (الحمد لله رب العالمين) * قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: * (الرحمن الرحيم) * قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: * (مالك يوم الدين) * قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال: * (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) انتهى الحديث.
فإذا تأمل العبد هذا، وعلم أنها نصفان: نصف لله وهو أولها إلى قوله: * (إياك نعبد) * ونصف للعبد دعاء يدعو به لنفسه، وتأمل أن الذي علمه هذا هو الله تعالى، وأمره أن يدعو به ويكرره في كل ركعة، وأنه سبحانه من فضله وكرمه ضمن إجابة هذا الدعاء إذا دعاه بإخلاص وحضور قلب تبين له ما أضاع أكثر الناس.
8

* قد هيئوك لأمر لو فطنت له
* فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
*
وها أنا أذكر لك بعض معاني هذه السورة العظيمة لعلك تصلي بحضور قلب، ويعلم قلبك ما نطق به لسانك، لأن ما نطق به اللسان ولم يعقد عليه القلب ليس بعمل صالح كما قال تعالى: * (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) * وأبدأ بمعنى الاستعاذة، ثم البسملة، على طريق الاختصار والإيجاز، فمعنى (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ألوذ بالله وأعتصم بالله وأستجير بجنابه من شر هذا العدو، أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، لأنه أحرص ما يكون على العبد إذا أراد عمل الخير من صلاة أو قراءة أو غير ذلك، وذلك أنه لا حيلة لك في دفعة إلا بالاستعاذة بالله لقوله تعالى: * (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) * فإذا طلبت من الله أن يعيذك منه، واعتصمت به كان هذا سببا في حضور القلب فاعرف معنى هذه الكلمة ولا تقلها باللسان فقط كما عليه أكثر الناس.
وأما البسملة فمعناها أدخل في هذا الأمر من قراءة أو دعاء أو غير ذلك (بسم الله) لا بحولي ولا بقوتي، بل أفعل هذا الأمر مستعينا بالله، متبركا باسمه تبارك وتعالى، هذا في كل أمر تسمى في أوله من أمر الدين أو أمر الدنيا، فإذا أحضرت في نفسك أن دخولك في القراءة بالله مستعينا به، متبرئا من الحول والقوة كان هذا أكبر الأسباب في حضور القلب، وطرد الموانع من كل خير.
9

* (الرحمن الرحيم) * اسمان مشتقان من الرحمة أحدهما أبلغ من الآخر، مثل العلام والعليم، قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر أي أكثر من الآخر رحمة. وأما الفاتحة فهي سبع آيات: ثلاث ونصف لله، وثلاث ونصف للعبد، فأولها * (الحمد لله رب العالمين) * فاعلم أن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، فأخرج بقوله الثناء باللسان الثناء بالفعل الذي يسمى لسان الحال فذلك من نوع الشكر، وقوله: على الجميل الاختياري أي الذي يفعله الإنسان بإرادته، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه مثل الجمال ونحوه فالثناء به يسمى مدحا لا حمدا، والفرق بين الحمد والشكر: أن الحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان إحسانا إلى الحامد أو لم يكن والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور، فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر، لأنه يكون على المحاسن والإحسان، فإن الله يحمد على ما له من الأسماء الحسنى؛ وما خلقه في الآخرة والأولى، ولهذا قال: * (الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا) * الآية وقال: * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض) * إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام؛ فهو أخص من الحمد من هذا الوجه؛ لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، ولهذا قال تعالى: * (اعملوا آل داود شكرا) * والحمد إنما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه، والحمد أعم من جهة أسبابه.
10

والألف واللام في قوله: * (الحمد) * للاستغراق أي جميع أنواع الحمد لله لا لغيره، فأما الذي لا صنع للخلق فيه مثل خلق الإنسان، وخلق السمع والبصر والسماء
والأرض والأرزاق وغير ذلك فواضح؛ وأما ما يحمد عليه المخلوق مثل ما يثنى به على الصالحين والأنبياء والمرسلين، وعلى من فعل معروفا خصوصا إن أسداه إليك، فهذا كله لله أيضا بمعنى أنه خلق ذلك الفاعل، وأعطاه ما فعل به ذلك، وحببه إليه وقواه عليه، وغير ذلك من أفضال الله الذي لو يختل بعضها لم يحمد ذلك المحمود فصار الحمد لله كله بهذا الاعتبار.
وأما قوله: * (لله رب العالمين) * فالله علم على ربنا تبارك وتعالى، ومعناه: الإله أي المعبود لقوله: * (وهو الله في السماوات وفي الأرض) * أي المعبود في السماوات والمعبود في الأرض * (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) * الآيتين، وأما الرب فمعناه المالك المتصرف وأما * (العالمين) * فهو اسم لكل ما سوى الله تبارك وتعالى فكل ما سواه من ملك ونبي وإنسي وجني وغير ذلك مربوب مقهور يتصرف فيه؛ فقير محتاج كلم صامدون إلى واحد لا شريك له في ذلك، وهو الغني الصمد، وذكر بعد ذلك * (مالك يوم الدين) * وفي قراءة أخرى * (ملك يوم الدين) * فذكر في أول هذه السورة التي هي أول المصحف الألوهية والربوبية والملك؛ كما ذكره في آخر سورة في المصحف * (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس) *.
11

فهذه ثلاثة أوصاف لربنا تبارك وتعالى ذكرها مجموعة في موضع واحد في أول القرآن؛ ثم ذكرها مجموعة في موضع واحد في آخر ما يطرق سمعك من القرآن. فينبغي لمن نصح نفسه أن يعتني بهذا الموضع، ويبذل جهده في البحث عنه، ويعلم أن العليم الخبير لم يجمع بينهما في أول القرآن ثم في آخره إلا لما يعلم من شدة حاجة العباد إلى معرفتها، ومعرفة الفرق بين هذه الصفات؛ فكل صفة لها معنى غير معنى الصفة الأخرى، كما يقال: محمد رسول الله، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم فكل وصف له معنى غير ذلك الوصف الآخر.
إذا عرفت أن معنى الله هو الإله؛ وعرفت أن الإله هو المعبود، ثم دعوت الله أو ذبحت له أو نذرت له فقد عرفت أنه الله. فإن دعوت مخلوقا طيبا أو خبيثا، أو ذبحت له أو نذرت له فقد زعمت أنه هو الله، فمن عرف أنه قد جعل شمسان أو تاجا برهة من عمره هو الله، عرف ما عرفت بنو إسرائيل لما عبدوا العجل، فلما تبين لهم ارتاعوا، وقالوا ما ذكر الله عنهم: * (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) *
وأما الرب فمعناه المالك المتصرف، فالله تعالى مالك كل شيء وهو
12

المتصرف فيه، وهذا حق، ولكن أقر به عباد الأصنام الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكر الله عنهم في القرآن في غير موضع كقوله تعالى: * (قل من يرزقكم من السماء والأرض) * إلى قوله * (فقل أفلا تتقون) *.
فمن دعا الله في تفريج كربته وقضاء حاجته، ثم دعا مخلوقا في ذلك خصوصا إن اقترن بدعائه نسبة نفسه إلى عبوديته مثل قوله في دعائه (فلان عبدك) أو قول (عبد علي) أو (عبد النبي أو الزبير) فقد أقر له بالربوبية وفي دعائه عليا أو الزبير بدعائه الله تبارك وتعالى وإقراره له بالعبودية، ليأتي له بخير أو ليصرف عنه شرا مع تسمية نفسه عبدا له، قد أقر له بالربوبية، ولم يقر لله بأنه رب العالمين كلهم بل جحد بعض ربوبيته، فرحم الله عبدا نصح نفسه، وتفطن لهذه المهمات، وسأل عن كلام أهل العلم، وهم أهل الصراط المستقيم، هل فسروا السورة بهذا أم لا؟
وأما الملك فيأتي الكلام عليه؛ وذلك أن قوله: * (مالك يوم الدين) * وفي القراءة الأخرى * (ملك يوم الدين) * فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله: * (وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) *.
13

فمن عرف تفسير هذه الآية وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم، مع أنه سبحانه مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره، عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، وبسبب الجهل بها دخل النار من دخلها. فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها، فأين هذا المعنى والإيمان بما صرح به القرآن، مع قوله صلى الله عليه وسلم: ' يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ' من قول صاحب البردة:
* ولن يضيق رسول الله جاهك بي
* إذا الكريم تحلى باسم منتقم
*
* فإن لي ذمة منه بتسميتي
* محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم
*
* إن لم تكن في معادي آخذا بيدي
* فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
*
فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها، ومن فتن بها من العباد، وممن يدعي أنه من العلماء، واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن:
14

هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: * (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) * وقوله: ' يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا '؟ لا والله، لا والله؛ لا والله إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق، وأن فرعون صادق وأن محمدا صادق على الحق وأن أبا جهل صادق على الحق. لا والله
ما استويا ولن يتلاقيا حتى تشيب مفارق الغربان.
فمن عرف هذه المسألة وعرف البردة، ومن فتن بها عرف غربة الإسلام، وعرف أن العداوة واستحلال دمائنا وأموالنا ونسائنا، ليس عند التكفير والقتال، بل هم الذين بدءونا بالتكفير والقتال، بل عند قوله: * (لا تدعوا مع الله أحدا) * وعند قوله: * (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) * وقوله: * (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) * فهذا بعض المعاني في قوله: * (مالك يوم الدين) * بإجماع المفسرين كلهم، وقد فسرها الله سبحانه في سورة * (إذا السماء انفطرت) * كما قدمت لك.
واعلم أرشدك الله أن الحق لا يتبين إلا بالباطل كما قيل:
* وبضدها تتبين الأشياء
*
فتأمل ما ذكرت لك ساعة بعد ساعة، ويوما بعد يوم وشهرا بعد شهر،
15

وسنة بعد سنة لعلك أن تعرف ملة أبيك إبراهيم ودين نبيك فتحشر معهما؛ ولا تصد عن الحوض يوم الدين، كما يصد عنه من صد عن طريقهما. ولعلك أن تمر على الصراط يوم القيامة، ولا تزل عنه كما زل عن صراطهما المستقيم في الدنيا من زل، فعليك بإدامة دعاء الفاتحة مع حضور قلب وخوف وتضرع.
وأما قوله: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * فالعبادة كمال المحبة وكمال الخضوع، والخوف والذل، وقدم المفعول وهو إياك، وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة؛ والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين، فالأول التبرؤ من الشرك، والثاني التبرؤ من الحول والقوة فقوله: * (إياك نعبد) * أي إياك نوحد، ومعناه أنك تعاهد ربك أن لا تشرك به في عبادته أحدا، لا ملكا ولا نبيا ولا غيرهما، كما قال للصحابة: * (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) * فتأمل هذه الآية واعرف ما ذكرت لك في الربوبية، أنها التي نسبت إلى تاج ومحمد بن شمسان؛ فإذا كان الصحابة لو يفعلونها مع الرسل كفروا بعد إسلامهم فكيف بمن فعلها في تاج وأمثاله؟
وقوله: * (وإياك نستعين) * هذا فيه أمران أحدهما سؤال الإعانة من الله وهو التوكل والتبري من الحول والقوة. وأيضا طلب الإعانة من الله كما مر أنها من نصف العبد.
وأما قوله: * (اهدنا الصراط المستقيم) * فهذا هو الدعاء الصريح الذي
16

هو حظ العبد من الله، وهو التضرع إليه والإلحاح عليه أن يرزقه هذا المطلب العظيم، الذي لم يعط أحد في الدنيا والآخرة أفضل منه، كما من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح بقوله: * (ويهديك صراطا مستقيما) * والهداية ها هنا التوفيق والإرشاد، وليتأمل العبد ضرورته إلى هذه المسألة، فإن الهداية إلى ذلك تتضمن العلم والعمل الصالح على وجه الاستقامة والكمال والثبات على ذلك إلى أن يلقى الله.
والصراط الطريق الواضح والمستقيم الذي لا عوج فيه، والمراد بذلك الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو * (صراط الذين أنعمت عليهم) * وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنت دائما في كل ركعة تسأل الله أن يهديك إلى طريقهم؛ وعليك من الفرائض أن تصدق الله أنه هو المستقيم، وكلما خالفه من طريق أو علم أو عبادة، فليس بمستقيم، بل معوج. وهذه أول الواجبات من هذه الآية، وهو اعتقاد ذلك بالقلب؛ وليحذر المؤمن من خدع الشيطان، وهو اعتقاد ذلك مجملا وتركه مفصلا، فإن أكفر الناس من المرتدين يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق وإنما خالفه باطل؛ فإذا جاء بما لا تهوى أنفسهم فكما قال تعالى: * (فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) *.
وأما قوله: * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * فالمغضوب عليهم هم
17

العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم، والضالون العاملون بلا علم، فالأول صفة اليهود، والثاني صفة النصارى. وكثير من الناس إذا رأى في التفسير أن اليهود مغضوب عليهم وأن النصارى ضالون، ظن الجاهل أن ذلك مخصوص بهم، وهو يقر أن ربه فارض عليه أن يدعو بهذا الدعاء، ويتعوذ من طريق أهل هذه الصفات، فيا سبحان الله كيف يعلمه الله ويختار له، ويفرض عليه أن يدعو به دائما مع ظنه أنه لا حذر عليه منه، ولا يتصور أنه يفعله، هذا من ظن السوء بالله. والله أعلم، هذا آخر الفاتحة.
أما آمين فليست من الفاتحة، ولكنها تأمين على الدعاء، معناها اللهم استجب، فالواجب تعليم الجاهل لئلا يظن أنها من كلام الله؛ والله أعلم.
وهذه مسائل مستنبطة من سورة الفاتحة؛ استنبطها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
الأولى: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * فيها التوحيد، الثانية: * (اهدنا الصراط المستقيم) * فيها المتابعة، الثالثة: أركان الدين الحب والرجاء والخوف، فالحب في الأولى والرجاء في الثانية والخوف في الثالثة.
الرابعة هلاك الأكثر في الجهل بالآية الأولى أعني استغراق الحمد واستغراق ربوبية العالمين، الخامسة أول المنعم عليهم وأول المغضوب عليهم والضالين، السادسة ظهور الكرم والحمد في ذكر المنعم عليهم، السابعة ظهور القدرة والمجد في ذكر المغضوب عليهم والضالين، الثامنة: دعاء الفاتحة مع قوله لا يستجاب الدعاء من قلب غافل. التاسعة: قوله: * (صراط الذين أنعمت عليهم) * فيه حجة الإجماع.
18

العاشرة ما في الجملة من هلاك الإنسان إذا وكل إلى نفسه؛ الحادية عشرة: ما فيه من النص على التوكل؛ الثانية عشرة: ما فيها من التنبيه على بطلان الشرك، الثالثة عشرة التنبيه على بطلان البدع، الرابعة عشرة آيات الفاتحة كل آية منها لو يعلمها الإنسان صار فقيها، وكل آية أفرد معناها بالتصانيف، والله سبحانه وتعالى أعلم.
19

* (سورة البقرة))
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
قوله تعالى: * (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) * - إلى قوله - * (ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون) * فيه مسائل:
الأولى: كون أناس من أهل الكتاب إذا وقعت المسألة وأرادوا إقامة الدليل عليها تركوا كتاب الله كأنهم لا يعلمون، واحتجوا بما في الكتب الباطلة.
الثانية: أن من العجب احتجاجهم بذلك على رسول من الرسل.
الثالثة: أن الكلام يدل على أنهم يعلمون لقوله: * (كأنهم لا يعلمون) *.
21

الرابعة: أن المسائل الباطلة قد تنسب إلى الأنبياء كذبا عليهم.
الخامسة: أن الكتب الباطلة قد تضاف إلى بعض الصديقين.
السادسة: أن ذلك مما تتلوا الشياطين على زمان الأنبياء، كما وقع أشياء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
السابعة: أن الشياطين مزجت به الحق في زمن سليمان.
الثامنة: بيان ضلال من ضل ممن يدعي العلم في شأن سليمان ممن نسب ذلك إليه واستحسنه؛ أو قدح في سليمان كما ضل أناس كثير في علي لما قتل عثمان.
التاسعة: أن من فعل السحر كفر ولو عرف أنه باطل.
العاشرة: أن الشياطين يعلمونه الناس.
الحادية عشرة: أن العبد لو بلغ ما بلغ في العلم فلا يأمن مكر الله.
الثانية عشرة: لا ينبغي له التعرض للفتن وثوقا بنفسه، بل يسأل الله العافية.
الثالثة عشرة: سعة علم الله ومغفرته ورحمته.
الرابعة عشرة: يجعل بعض نظره إلى القضاء والقدر.
الخامسة عشرة: أن النساء من أكبر الفتن.
السادسة عشرة: أن طاعة الهوى جماع الشر كما أن مخالفته جماع الخير.
السابعة عشرة: أن الشرك الأكبر مما يخطر بالبال.
22

الثامنة عشرة: أن التلفظ بالشرك بكلمة واحدة لا يشترط في كفر من تكلم بها عقيدة القلب ولا عدم الكراهة للشرك.
التاسعة عشرة: أن المتكلم لا يعذر ولو أراد أن يقضي به غرضا مهما.
العشرون: أن قتل النفس أعظم من الزنا.
الحادية والعشرون: أن المعاصي بريد الكفر.
الثانية والعشرون: أن بعضها يجر إلى بعض.
الثالثة والعشرون: أن عقوبة المعصية قد تكون أكبر مما يظن العالم.
الرابعة والعشرون: أن قبول التوبة بلا عذاب لا يحصل لكل أحد، بل هو فضل من الله.
الخامسة والعشرون: أن من النعم تعذيب العبد بذنبه في الدنيا.
السادسة والعشرون: حسن الظن بالله.
السابعة والعشرون: القاعدة التي هي خاصية العقل وهو ارتكاب أدنى الشرين لدفع أعلاهما. وتفويت أدنى الخيرين لتحصيل أعلاهما.
الثامنة والعشرون: أن السحر نوعان.
التاسعة والعشرون: أن له تأثيرا لقوله: * (يفرقون به بين المرء وزوجه) *.
الثلاثون: الإرشاد إلى التوكل بكونه لا يضر أحدا إلا بإذن الله.
الحادية والثلاثون: أن في من يدعي العلم من اختار كتب السحر على كتاب الله.
الثانية والثلاثون: أنهم يعارضون به كتاب الله.
23

الثالثة والثلاثون: أن اتباع كتاب غير كتاب الله ضلال.
الرابعة والثلاثون: لا تأمن الكتب ولا من ينتسب إلى العلم على دينك.
الخامسة والثلاثون: أن فساد العلماء يفسد الرعية.
السادسة والثلاثون: أن السحر وقع في زمن خلافة النبوة حتى أن عمر وغيره أمر بقتل الساحر ولم يستتبه كما استتاب المرتد.
السابعة والثلاثون: أن الحسد سبب لرد كتاب الله.
الثامنة والثلاثون: أن الحاسد قد يبغض الناصح ويسعى في قتله.
التاسعة والثلاثون: أن الحسد يحمله على رد حظه من الله في الدنيا والآخرة.
والأربعون: أنه من أخلاق اليهود.
الحادية والأربعون: أن المحسود يرفعه الله على الحاسد.
الثانية والأربعون: أن بالطاعة خير الدنيا والآخرة، وبالمعصية العكس.
الثالثة والأربعون: أن في من ينتسب إلى العلم من يختار الكفر على الإيمان مع علمه أن من اختاره لاحظ له في الآخرة.
الرابعة والأربعون: أن الإنسان يجتمع فيه الضدان يعلم ولا يعلم.
الخامسة والأربعون: بيان غبنهم والتسجيل على فرط جهلهم في هذا الشراء.
السادسة والأربعون: أن السبب في هذا الشرك اشتراء شيء خسيس تافه من الدنيا.
24

السابعة والأربعون: أنهم لمحبتهم ما هم عليه من الجاهلية وغرامهم به نبذوا كتاب الله الذي عندهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعرفونه.
الثامنة والأربعون: أن الذي حملهم على هذه العظائم أنه أتاهم أمر من الله موافق لدينهم لكن مخالف لعادتهم الجاهلية.
التاسعة والأربعون: الفرق بين المعجزات والكرامات؛ وبين ما يفعله الشياطين تشبها بذلك وتشبيها.
الخمسون: التنبيه على قول الصحابي: أو يأتي الخير بالشر؟ وجوابه صلى الله عليه وسلم.
الحادية والخمسون: أنه لا ينبغي للإنسان أن ينكر ما لم يحط به علمه؛ فقد ضل بالتكذيب بهذه القصة فئام من الناس لظنهم أنها تخالف ما علموه من الحق؛ وتكلم بسببها ناس في نبي الله سليمان بن داود عليه السلام.
25

وقوله تعالى: * (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير) * فيه مسائل:
الأولى: كون أناس ينتسبون إلى العلم والدين يجري منهم هذا عمدا جراءة على الله، وما أكثر من ينكر هذا.
الثانية: التنبيه على كثرة هذا الصنف.
الثالثة: كون المنتسب إلى العلم يقضي إضلال غيره إذا عجز عنه.
الرابعة: أن سبب هذا الأمر الغريب هو الحسد لا خوف مضرة ولا طلب مصلحة.
الخامسة: أن المنتسب إلى العقل والعلم قد يسعى فيما يعلم أنه مصلحة لدنياه ليزيله، وفيما يعلم أنه مضرة لدنياه ليأتي به، فإنهم يعلمون أن زوال المفاسد وحصول المصالح في هذا الدين، وكانوا يستفتحون به قبل مجيئه على من ظلمهم؛ فلما جاءهم حملهم الحسد على ما ذكر.
السادسة: أن الحسد قد يكون سببا للكفر كما وقع لهؤلاء ولإبليس.
السابعة: ذكر العفو الذي هو من أسباب العز وقهر الخصم، كما ورد في الحديث.
26

الثامنة: الرفق في الأمر وفعله بالتدريج كما فعل عمر بن عبد العزيز.
التاسعة: أنه سبحانه يمهل لا يهمل.
العاشرة: الإشعار بالنسخ قبل وقوعه.
الحادية عشرة: تسلية المظلوم المحسود.
الثانية عشرة: التنبيه على العلة.
الثالثة عشرة: أن الظالم الحاسد يذله الله كما جرى لهؤلاء إلى يوم القيامة.
وقوله: * (إن الله على كل شيء قدير) * فيه:
الرابعة عشرة: وهي الاستدلال بالصفات على الأفعال.
الخامسة عشرة: وهي الاستدلال بالقدرة على ما لا يظن وقوعه.
السادسة عشرة: وهي الاستدلال بها على جعل العفو سببا لعز العافي وذلة المعفو عنه، عكس ما يظن الأكثر، وأما الاستدلال بها على ما كذب به الجهال استبعادا مثل
عذاب القبر وغيره أو مثل الصراط والميزان وغيرهما، أو ما يجري في الدنيا من تبديل الأحوال من الغنى إلى الفقر وضده، ومن الذل إلى العز وضده، فأكثر من أن يحصر.
ولكن من أحسن ما فيها المسألة السابعة عشرة: وهي: تنبيه أعلم الناس على أشكل المسائل بقوله: * (إن الله على كل شيء قدير) * والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا؛ كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
27

وقال: ذكر بعض ما في قوله تعالى: * (قل أتحاجونا في الله وهو ربنا وربكم) * إلى قوله: * (يعلمون) * من بيان الحق وإبطال الباطل.
الأولى: إذا كانت المحاجة في الله سبحانه من أقرب ما يكون إليه من المختلفين في مسألة التوحيد، وبيان ذلك بمعرفة الله تعالى فيما اجتمعنا وإياكم عليه، ومعرفة حالنا وحالكم في المسألة، وذلك أنا مجمعون على استوائنا وإياكم في العبودية، بخلاف ملوك الدنيا، فإن بعض الناس يكون أقرب إليهم من بعض بالقرابة وغيرها، ونحن مجمعون أيضا أنه لا يظلم أحدا من عبيده، بل كل نفس * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) *، بخلاف ملوك الدنيا فإنهم يأخذون مال هذا ويعطونه هذا؛ فإذا كان الأمر كذلك فكيف تدعون أنكم أولى بالله منا، ونحن له مخلصون وأنتم به مشركون؟ وكيف يظن به أنه يساوي بين من قصده وحده لا شريك له، ومن قصد غيره وأعرض عنه؟ وهل يظن عاقل أو سفيه برجل من بني آدم خصوصا إذا كان كريما، أن من قصده وضاف عنده يكرهه ولا يضيفه، ويخص
28

بالرضا والكرامة والضيافة من أعرض عنه وضاف عند غيره، مع استواء الجميع في القرب منه والبعد؟ هذا لا يظن في الآدمي فكيف يظن برب العالمين؟ فتبين بقضية العقل أن ما جاءت به الرسل من الإخلاص هو الموافق للعقل، وما فعل المشركون هو العجاب المخالف للعقل، فيا لها من حجة ما أعظمها وأبينها، لكن لمن فهمها كما ينبغي.
29

وقال الشيخ رحمه الله: ذكر بعض ما في قوله تعالى: * (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) * إلى الجزء، ففي الآية الأولى مسائل:
الأولى: معرفة أنه تعالى حكيم لا يضع الأشياء إلا في مواضعها؛ لأنه ما جعله إماما إلا بعد ما أتم ما ابتلاه به. وسئل بعضهم أيما الابتلاء أو التمكين؟ فقال: الابتلاء ثم التمكين.
الثانية: إذا كان يبتلي الأنبياء هل يفعلونه أم لا؟ فكيف بغيرهم؟
الثالثة: الثناء على إبراهيم بأنه أتم الكلمات التي ابتلاه بها، وقيل: إن الله لم يبتل أحدا بهذا الدين فأتمه إلا إبراهيم، ولهذا قال: * (وإبراهيم الذي وفى) *.
الرابعة: أنه سبحانه جازاه على ذلك بأمور منها أنه جعله للناس إماما؛ ولما علم عليه السلام كبر هذه العطية سألها للذرية وهي الخامسة.
السادسة: أن الله أجابه أن هذه المرتبة لا ينالها ظالم ولو من ذرية الأنبياء.
السابعة: أن هذا يدل على الإمامة في الدين تحصل لغير الظالم فليست بمختصة.
الثامنة: معرفة قدر هذه المرتبة التي أكرم بها وهي الإمامة في الدين.
وأما الآية الثانية ففيها مسائل:
30

الأولى: كونه سبحانه جعل البيت الذي بناه إبراهيم مثابة مع المشاق العظيمة، وذلك من الآيات.
الثانية: أنه جعله أمنا عند الكفار، وذلك من أعجب الآيات.
الثالثة: أمره أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى، وهذا من الخصائص، فيتفطن المؤمن لشبهة المبتدعة؛ لأنه لا يجوز أن يتخذ من مقام غيره مصلى.
الرابعة: أن فيها الرد على أهل الكتاب الذين لا يعظمونه مع ما فيه من الآيات، ومع ما عندهم من العلم بذلك.
قال: وأما الآية الثالثة ففيها مسائل:
الأولى: ذكره أنه عهد إلى إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه لهذه الطائفة، ولذلك أنزل الله: * (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام) *.
الثانية: أن فيها الرد على أهل الكتاب والمشركين.
الثالثة: العجب العجاب معاكستهم هذا الأمر، فلا يردون عنه إلا الطائفة المأمور بتطهيره لهم.
الرابعة: أنه نعتهم بالطواف والركوع والسجود والعكوف، فدل على أن نفس العكوف فيه عبادة.
الخامسة: أن التقدم عند الله بالأعمال الصالحة لا بالنسب، فأمره بتطهيره لهم وإن لم يكونوا من ذريته وأمره بطرد ذريته عنه إذا لم يكونوا كذلك.
وأما الآية الرابعة ففيها مسائل:
31

الأولى: دعوة إبراهيم أن يجعله آمنا، ولا يناقض تحريمه يوم خلق الله السماوات والأرض.
الثانية: دعوة إبراهيم للبلد وأهله بالأمن والرزق.
الثالثة: الآية العظيمة في إجابة هذه الدعوة.
الرابعة: تخصيصه بها من آمن بالله واليوم والآخر.
الخامسة قوله: * (ومن كفر) * فلما دعا بأمر الدين منع الله الظالم من ذريته، ولما خص بالأمر الآخر من آمن قال الله: * (ومن كفر) * وذلك للفرق بين الدارين.
والسادسة: أنه لما أخبر أن ذلك للمؤمن وغيره فقد يتوهم منه كرامة الجميع، فأخبر أنه لو عم العاصي فيه بالأمن والرزق فإنه يضطره إلى عذاب النار.
السابعة: أن المجاورة عنده كما أنها تنفع المطيع فهي تضر العاصي لقوله: * (ثم أضطره إلى عذاب النار) * ولذلك انتقل ابن عباس منها إلى الطائف.
وأما الآية الخامسة ففيها مسائل:
الأولى: التصريح بأن الاثنين بنياه.
الثانية: جلال الله وعظمته في قلوب الذين يعرفونه لدعوتهما بالقبول، وكان بعض السلف لما قرأها جعل يبكي ويقول: ما بال خليل الله يرفع قواعد بيت الله ويخاف أن لا يقبله.
الثالثة: توسلهما بالصفات.
32

الرابعة: طلبهما أن يرزقهما الله الإسلام وهما هما؛ والغفلة عن هذه الكلمة من العجائب.
الخامسة: إشراكهما في الدعوة بعض الذرية ففيها رغوب المؤمن وحرصه على صلاح ذريته.
السادسة: طلبهما أن يعلمهما المناسك ففيهما حرصهما على العمل بالنص مع عصمتهما.
السابعة: طلبهما أن يتوب عليهما وهما هما؛ ففيهما خوفهما من الذنوب.
الثامنة: التوسل بالصفات.
التاسعة: التعليل بكونه * (التواب الرحيم) * ولولا ذلك لاستحقا العقوبة.
العاشرة: الرد على المشركين وأهل الكتاب.
الحادية عشرة: أن دعوتهما بهذه النعمة التي هي أعظم النعم للذرية جعلها الذرية من أعظم المصائب.
وأما الآية السادسة ففيها مسائل:
الأولى دعوتهما للذرية ببعثة الرسول، فكانت عندهم أعظم البلاء مع دعواهم أنهم على ملتهما.
33

الثانية: أنهما أرادا بذلك أن يعلمهم الكتاب والحكمة ويتلو عليهم الآيات ويزكيهم؛ قيل: إن استماع التلاوة والتزكي بها فرض عين؛ وأما علم الكتاب والحكمة ففرض كفاية.
الثالثة: أن نسبة الزكاة إلى السبب لا بأس بها مع أن المزكي في الحقيقة هو الله وحده.
الرابعة: التوسل بالصفات.
وأما الآية السابعة فهي من جوامع الكلم وأظهر البراهين فنذكر شيئا من ذلك:
الأولى: أنه بين أن ملة إبراهيم هي الإسلام؛ ومنه تعظيم البيت وحجه، ومع إقرار علماء أهل الكتاب لذلك يرغبون عنه؛ وهذه مسألة مهمة يدل عليه قوله: ' ومن رغب عن سنتي فليس مني '.
الثانية: أن أكثر الناس رغبوا عن اسم الإسلام، وعندهم لا فضيلة فيه، ولا بد عندهم من نسبة دين خاصة.
الثالثة: أعجب من ذلك أنهم لا يعرفون معنى الإسلام (وعندهم لا فضيلة فيه) بل هذا عندهم صورة لا معنى لها.
34

الرابعة: أعجب من الجميع أنهم إذا بين لهم معناه اشتد إنكارهم لذلك مع قراءة هذه الآية وأمثالها.
الخامسة: التي سيق الكلام لأجلها أنك إذا عرفت ملته فالواجب الاتباع لا مجرد الإقرار مع المرغوب عنها.
السادسة: أن من فعل ذلك لم يضر إلا نفسه.
السابعة: أن ذلك في غاية الجهل والسفه الواضح مع ادعائهم الكمال في العلم.
الثامنة: كيف يطلب أفضل من طريقة، والله سبحانه هو الذي اصطفاه، ووعده في الآخرة ما وعده بسبب طريقه.
وأما الآية الثامنة ففيها مسائل:
الأولى: أن مسألة الإسلام الذي هو سبب الكلام والخصومة أن الله سبحانه هو الذي أمره بذلك.
الثانية: أنه استجاب لله فيما أمره فقال: * (أسلمت لرب العالمين) *.
الثالثة: وصفه ربه سبحانه بما يوضح المسألة، وهو الربوبية للعالم كله، فانظر رحمك الله تعالى إلى هذا التقرير والثناء والتوضيح للإسلام؛ مع حقارته وإنكاره عند من يقرأ هذه الآيات وما بعدها.
35

وأما الآية التاسعة ففيها العجب العجاب.
الأولى: أن الله سبحانه ذكر أن إبراهيم وصى بالإسلام ابنيه وهما هما.
الثانية: أن يعقوب وصى بها بنيه وهم هم.
الثالثة: تحريضه الذرية على ذلك بأن الله الذي اختاره لهم فلا ترغبوا عن اختيار الله.
الرابعة: أن مع هذا التقرير الواضح عند من يدعي كمال العلم، ويدعي اتباع الملة أحقر الطرائق ولا مدح فيه، ولا يصير من المسكوت عنه إلا من رغب عنه إلى اسم غيره، وإلا من اقتصر عليه اتخذوه هزوا، فاعتقدوا غاية جهله، بل أفتوا بكفره وقتله.
والخامسة قوله: * (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * فحرضهم على لزوم ذلك إلى الممات، وعدم الزيادة عليه لما في طبع الإنسان من طلب الزيادة خصوصا مع طول الأمل.
وأما الآية العاشرة ففيها مسائل:
الأولى: وصية يعقوب عند الموت ولم يكتف بما تقدم.
الثانية: لبنيه وهم هم.
36

الثالثة: أنه لشدة التحريض وكبر الأمر عنده أخرجه مخرج السؤال.
الرابعة: أنه قال: * (من بعدي) * لأن الغالب أن الأتباع بعد موت كبيرهم ينقصون.
الخامسة: جوابهم * (نعبد إلهك) * الآية لأن في هذا معنى الحجة، وظهور الأمر أن من اتبع الصالحين يسلك طريقهم، وأما كونه يترك طريقهم بزعمه أنه اتباع لهم فهذا خلاف العقل.
السادسة: قوله: * (إله واحد) * يعنون للخلائق كلهم، لكن متبع مهتد وضال.
السابعة: إخبارهم له بلزومهم الإسلام بعد موته.
الثامنة: ذكرهم له أن ذلك الإسلام لله وحده لا شريك له؛ ليس لك ولا لآبائك منه شيء.
التاسعة: أن العم أب لأن إسماعيل عمه لكن مع التغليب.
العاشرة: أن ذلك من أوضح الحجج على ذريتهم مع إقرارهم بذلك، ومع هذا يزعمون أنهم على ملتهم مع تركها وشدة العداوة لمن اتبعها.
الحادية عشرة: أن فيها ردا عليهم في المسألة الخاصة، وهي اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا.
وأما الآية الحادية عشرة ففيها مسائل:
37

الأولى: المسألة التي ضل بها كثير وهي ظنهم أن صلاح آبائهم ينفعهم.
الثانية: البيان أن الذي ينفع الإنسان عمله.
الثالثة: أن الذي يضره عمله ولا يضره معصيته أبيه وابنه.
وأما الآية الثانية عشرة: ففيها مسائل وهي من جوامع الكلم أيضا:
الأولى: أن من دعا أي ملة كانت وهي من الملل الممدوحة السالم أهلها قيل له: بل ملة إبراهيم لأنها إن كانت باطلة فواضح؛ وإن كانت صحيحة فملة إبراهيم أفضل، كما قال صلى الله عليه وسلم: ' أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة '.
الثانية: وهي مما ينبغي التفطن لها أنه سبحانه وصفها بأن إبراهيم حنيفا بريئا من المشركين، وذلك لأن كلا يدعيها فمن صدق قوله بالفعل وإلا فهو كاذب.
الثالثة: أن الحنيف معناه المائل عن كل دين سوى دين الإسلام لله.
الرابعة: أن من الناس من يدعي أنه لا يشرك وأنه مخلص، ولكن لا يتبرأ من المشركين، وملة إبراهيم الجمع بين النوعين.
38

وأما الآية الثالثة عشرة ففيها مسائل:
الأولى: أمر الله سبحانه أن نقول: ما ذكر في الآية، وليس هذا من إظهار العمل الذي إخفاؤه أفضل.
الثانية: الإيمان بجميع المنزل.
الثالثة: عدم التفريق بينهم.
الرابعة: التصريح بالإسلام.
والخامسة: التصريح بإخلاص ذلك لله، وليس هذا من الثناء على النفس، بل من بيان الدين الذي أنت عليه، ولهذا قال بعض السلف: ينبغي لكل أحد أن يعلم هذه الآية أهل بيته وخدمه.
وأما الآية الرابعة عشرة ففيها مسائل:
الأولى قوله: * (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) * فيها التصريح أن الإيمان هو العمل.
39

الثانية: أن هذا الكلام في غاية إنصاف الخصم.
الثالثة: أن الذي لا ينقاد له ليس داؤه جهالة بل مشاقة.
الرابعة: أنك إذا أنصفته وأصر فهو سبب لانتقام الله منه.
الخامسة: الاستدلال بالصفات.
وأما الآية الخامسة عشرة، ففيها مسائل الأولى:
قوله: * (صبغة الله) * أي دين الله فدل على أن ذلك هو العمل.
الثانية: الدلالة الواضحة وهو أنه لا أحسن من الدين الذي تولى الله بيانه والأمر به.
الثالثة: أنكم أيها الخصوم إن افتخرتم بإسلامكم للأنبياء والصالحين فإسلامنا لله وحده، ومعنى ذلك لزوم هذا الدين الذي تولى الله بيانه.
وأما الآية السادسة عشرة ففيها مسائل:
الأولى: أمر الله لنا أن نحاجهم بهذه الحجة القاطعة: فإذا كان الله رب الجميع، وأيضا أنه بإقراركم (أنه) عدل لا يظلم بل كل عامل
40

فعمله له، وافترقنا في كوننا قاصدينه مخلصين له الدين وأنتم قصدتم غيره؛ فكيف يساوي بيننا وبينكم أو يخص بكرامته من أعرض عنه دون من قصده؟ هذا لا يدخل عقل عاقل.
الثانية: أن الخصوم محاجتهم في الله لا في غيره مع فعلهم هذا في هذه الخصومة.
وأما الآية السابعة عشرة ففيها مسائل:
الأولى: إن كانت الخصومة في الصالحين ودعواهم أنهم على طريقهم، فهم لا يقدرون أن يدعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على طريقتهم؛ بل يصرحون أنهم على غيرها ولكن يعتذرون أنهم لا يقدرون عليها فكيف هذا التناقض؟ يدعون أنهم تابعوهم مع تحريمهم اتباعهم، وزعمهم أن أحدا لا يقدر عليه!
الثانية: قوله: * (أنتم أعلم أم الله) * فهذه لا يقدر أحد أن يعارضها فإذا سلمها وسلم لك أن العلم الذي أنزله الله ليس هو لعدم القدرة فهذا الذي عليه غيره، وهذا إلزام لا محيد عنه.
الثالثة: أن منهم من يعرف الحق ويكتمه خوفا من الناس مع كونه لا ينكره، فلا أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله، فكيف بمن جمع مع الكتمان دفعها وسبها وتكفير من آمن بها؟
41

الرابعة: الوعيد بقوله: * (وما الله بغافل عما تعلمون) * والله أعلم.
وقال أيضا رحمه الله تعالى:
وأما قوله: * (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) * الآية فهذه حجة أخرى، وبيانها أنا إذا أجمعنا على الإمام والأئمة أنهم ومن اتبعهم على الحق، ومن خالفهم فهو على الباطل، فهذه أيضا مثل التي قبلها، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأئمة بعدهم قد أجمعنا أنهم ومن اتبعهم على الحق، ومن خالفهم فهو على الباطل. فنقول: هذه المسألة التي اختلفنا وإياكم فيها هل: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على قولنا أو على قولكم؟ فإذا أقروا أن دعاء أهل القبور والبناء عليها، وجعل الأوقاف والسدنة عليها من دين الجاهلية، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك كله، وهدم البناء الذي جعلته الجاهلية على القبور، ونهى عن دعاء الصالحين وعن التعلق عليهم، وأمر بإخلاص الدعوة لله، وأمر بإخلاص الاستعانة لله؛ وبلغنا عن الله أنه يقول: * (لا تدعوا مع الله أحدا) * ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون وأتباعهم، والأئمة وأصحابهم على ذلك؛ ولم يحدث هذا إلا بعد ذلك، أعني دعاء غير الله والبناء على القبور، وما يتبع ذلك من المنكرات؛ فكيف تقرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
42

وأصحابه والأئمة بعدهم على ما نحن عليه، ثم تنكرونه أعظم من إنكار دين اليهود والنصارى، مع إقراركم أنه الدين الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأئمة؟ أم كيف تنصرون الشرك وما يتبعه، وتبذلون في نصره النفس والمال مع إقراركم أنه دين الجاهلية المشركين؟ هذا هو الشيء العجاب، لا جعل الآلهة إلها واحدا، يا أعداء الله لو كنتم تعقلون!! وليس هذا في هذه المسألة وحدها بل كل مسألة اختلفنا وإياهم فيها، وأقروا أن ما نحن عليه هو الذين عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فهذه الخصومة فيها واقعة فاصلة لها.
فإن أقروا بذلك ولكن زعموا أن الناس أحدثوا أمورا تقتضي حسن ما هم عليه كقولهم: هذه بدعة حسنة فيها من المصالح كذا وكذا؛ وفي تركها من المفاسد كذا وكذا، فيجاوبون بالمسألة الثالثة، وهي قوله: * (أأنتم أعلم أم الله) * فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقراركم أوصانا بقوله: ' عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ' فقد أقررتم أنه أمر بلزوم ما أمرتم بتركه، وأنه نهى عما أمرتم بفعله؛ مع إقراركم أنه أوصى بهذه الوصية عند وقوع الاختلاف في أمته، مع إقراركم أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فالله سبحانه قد علم ما يحدث في خلقه إلى يوم القيامة، ومع هذا أمر بطاعة رسوله الذي أقررتم به وأنتم تشهدون أنه قاله؛ فإذا بان لك أن الأولى، في الأمر بالإخلاص والنهي عن الشرك، وأن الثانية في الأمر بلزوم
43

السنة والنهي عن البدعة، بان لك أن هذا هو تقرير القاعدتين اللتين عليهما مدار الدين، وهما: لا يعبد إلا الله، والثانية لا يعبد إلا بما شرع، فالأولى قوله: ' إنما الأعمال بالنيات ' والثانية قوله: ' من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد '.
فإن كان المحاج لا يقر ببعض ذلك بل أنكر شيئا من تفاصيل ما ذكرنا، فهي المسألة الرابعة وهو قوله: * (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) * فإذا كان هذا في
الكاتم مع المحبة وتمني ظهوره، ولكن أحب الدنيا عليه، فكيف بالكاتم المبغض؟ فإن كان يدعى أنه لم يفعل ذلك وأنه تابع لهذا الحق لكنه يكتم إيمانه كمؤمن آل فرعون مع معرفتك أنه كاذب فهي المسألة الخامسة، وهي أن تقول له * (وما الله بغافل عما تعملون) * فإن أقر بهذا كله ولكنه استروح إلى أنه من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنهم جيرانه أو غير ذلك من الأسباب مثل مدحه الإمام الذي ينتسب إليه، أو أصحابه فهي المسألة السادسة وهي قوله: * (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) *.
44

((سورة آل عمران))
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في قوله تعالى: * (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله) * الآيتين إذا عرفت أن سبب نزولها قول أهل الكتاب: نحن مسلمون نعبد الله إلا إن كنت تريد أن نعبدك، عرفت أنها من أوضح ما في القرآن من تقرير الإخلاص، والبراءة من الشرك، ومن أعظم ما يبين لك طريق الأئمة المهديين من الأئمة المضلين، وذلك أن الله وصف أئمة الهدى بالنفي والإثبات، فنفى عنهم أن يأمروا أتباعهم بالشرك بهم، أو بالشرك بالملائكة والأنبياء وهم أصلح المخلوقات، وأثبت أنهم يأمرون أتباعهم أن يصيروا ربانيين، فإذا كان من أنزله الله بهذه المنزلة لا يتصور أن يأمر أتباعه بالشرك به ولا بغيره من الأنبياء والملائكة، فغيرهم أظهر وأظهر.
وإذا كان الأمر الذي يأمرهم به كونهم ربانيين تبين طريقة الأنبياء وأتباعهم من طريقة أئمة الضلال وأتباعهم، ومعرفة الإخلاص والشرك،
45

ومعرفة أئمة الهدى وأئمة الضلال أفضل ما حصل المؤمن، لكن فيه من البيان قول اليهود: إلا إن كنت تريد أن نعبدك كما عبدت النصارى عيسى، وقول النصارى: تريد ذلك أي إلا إن كنت تريد أن نعبدك كما عبدت اليهود عزيرا! إن عبادة غير الله من أنكر المنكرات ببديهة العقل، ولكن الهوى يعمي ويصم.
وفيه معرفة الإنسان بعيب عدوه، ولا يعرف ما فيه من ذلك العيب بعينه ولو كان فيه أضعافا مضاعفة، وفيه ما على من قرأ القرآن من الحق من تعلم معانيه، وفيه أن عليه أن يعمل به؛ وفيه أن يكون ربانيا، وفيه أن ذلك بسبب درس الكتاب وعلمه وتعليمه، وفيه أن المسلم إذا أشرك بالأنبياء والصالحين كفر بعد إسلامه، وفيه معرفة أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو عليه من العدل والتواضع كيف يتفوهون له بهذا الكلام، وهم تحت يده محتاجون له، وفيه أن من أشرك بشيء فقد اتخذه ربا، وفيه أن قوله في القرآن: * (من دون الله) * ليس كما يقول الجاهلون لأن أهل الكتاب لا يتركون عبادة الله.
وقوله عز وجل: * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) * الآيتين فيه ما هو من أبين الآيات للخاص والعام. وكونه صلى الله عليه وسلم مذكورا مبشرا به في كتب الأنبياء، وفيه حجة على أن دعوته عامة
46

في الظاهر والباطن، وفيه أن الإيمان به لا يكفي عن نصرته، بل لا بد من هذا وهذا، وفيه أخذه تعالى الميثاق على الأنبياء بذلك دليل على شدته إلا على من يسره الله عليه، وفيه أن من آتاه الله الكتاب والحكمة أحق بالانقياد للحق إذا جاءه به من بعده، بخلاف ما عرف من حال الأكثر من ظنهم أنه لو اتبعه غيرهم فهو نقص في حقهم؛ وفيه مزيد التأكيد بقوله: * (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري) * وفيه إشهادهم معه شهادته سبحانه؛ وفيه أن من تولى بعد ذلك فجرمه أكبر، وفيه أن الآخر مصدق لما معهم لا مخالف له.
فإذا كان هذا في أهل الملل فكيف بأهل الملة الواحدة إذا ضلوا ثم جاءهم من يرشدهم إلى دينهم الذي أنزل الله عليهم، وهو الذي ينتحلونه؟ فإن تولوا بعد معرفته فأولئك هم الفاسقون. فإن جمعوا مع التولي تكذيبه، وإن جمعوا مع التكذيب الاستهزاء؛ فإن جمعوا مع ذلك عداوته الشديدة، فإن أضافوا إلى ذلك تكفير من صدق كتابهم ونبيهم واستحلال دمه وماله، فإن أضافوا إلى ذلك كله اتباع دين المشركين أعداء نبيهم؛ ونصروه بما قدروا عليه، وبذلوا النفوس والأموال في نصرته؛ وعداوة دين نبيهم وإزالته من الأرض، حتى لا يذكر فيها فالله المستعان.
و * (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق) *.
47

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: ومن قوله: * (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب) * - إلى قوله - * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * فيه مسائل: الأولى؛ معرفة سبب النزول يدل على شدة الحاجة لها فإذا احتاجوا فكيف بغيرهم.
الثانية: الخوف على مثلهم الردة بذلك، كيف بمن دونهم.
الثالثة: أن فيمن أوتي الكتاب من يدعو إلى الردة مثل ما أن فيهم من يدعو إلى الله.
48

الرابعة: التصريح بأن ذلك بعد الأيمان.
الخامسة: لطف الله تعالى بعبده بدعوتهم بهذا الوصف.
السادسة: استبعاد الكفر ممن تتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله، فإذا مضت الثانية فالأولى باقية.
السابعة: أن آيات الله لا نظير لها في دفع الشر في سائر الكلام، كما أن رسوله لا نظير له في الأشخاص في دفع ذلك.
الثامنة: الرد على أعداء الله الذين زعموا أن القرآن لا يفهم معناه.
التاسعة: أن الاعتصام بالله جامع.
العاشرة: أن الطرف فيها المعوج وفيها المستقيم.
الحادية عشرة: ذكر حق تقاته.
الثانية عشرة: لطافة الخطاب.
الثالثة عشرة: لزوم الإسلام إلى الممات.
الرابعة عشرة: فيه التنبيه على قوله: ' لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ' لأن ذلك سبب النزول.
49

الخامسة عشرة: كون الإسلام طاعة الرسول ومعصية أولئك.
السادسة عشرة: خوفك من الردة وإن كنت من الصالحين.
السابعة عشرة: ذكر الاعتصام بحبل الله وهو القرآن؛ ففيه دليل على أنه عصمة.
الثامنة عشرة: الأمر بالاجتماع على ذلك.
التاسعة عشرة: تأكيده ما تقدم بالنهي عن الافتراق، وفيه تذكيرهم بالنعمة التي هم فيها بعد تلك البلية.
العشرون: تذكيرهم بالنعمة العظمى وهي إنقاذهم من النار بعد أن كانوا على شفا حفرة منها.
الحادية والعشرون: ذكره هذا البيان الواضح في آياته.
الثانية والعشرون: أن الفائدة في تعليم العلم تذكر المتعلم واهتداؤه.
الثالثة والعشرون: ذكر الأمر بطائفة متجردة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الرابعة والعشرون: تخصيصها بالفلاح.
الخامسة والعشرون: نهيهم عن مشابهة الذين تفرقوا واختلفوا من بعد مجيء الآيات.
السادسة والعشرون: فيه دليل على أن الله ذكر لنا من البينات في دواء هذا الداء ما فيه الشفاء.
السابعة والعشرون: وعيد من ارتكب هذا المنهى عنه بالعذاب الأليم.
الثامنة والعشرون: بياض الوجوه وسوادها.
50

التاسعة والعشرون: أن الذين اسودت وجوههم الذين كفروا بعد إيمانهم ففيه أن الواقعة كفر بعد الإيمان أو تجر إليه.
الثلاثون: الوعد الجزيل لمن سلم من ذلك.
الحادية والثلاثون: التذكر أن هذه النصائح والمواعظ هي آيات الله.
الثانية والثلاثون: أنه سبحانه يتلوها على رسوله لأجلنا.
الثالثة والثلاثون: تذكرنا بأن تلك التلاوة بالحق.
الرابعة والثلاثون: الاعتذار بأنه لا يريد ظلم أحد من العالمين.
الخامسة والثلاثون: تذكيرنا بأن له ما في السماوات وما في الأرض.
السادسة والثلاثون: تذكيرنا بالرجوع إليه.
51

((سورة الأنعام))
وقال الشيخ محمد أيضا رحمه الله تعالى: وأما قوله تعالى: * (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) * فيها من المسائل:
الأولى: أمره سبحانه وتعالى بمحاجتهم بهذه الحجة الواضحة للجاهل والبليد، لكن بشرط التفكر والتأمل، فيا سبحان الله ما أقطعها من حجة؛ وكيف يخالف من أقر بها؟
الثانية: إذا تحققت معنى هذا الكلام مع ذكر الله تعالى له في مواضع من كتابه عرفت الشرك الأكبر وعبادة الأوثان.
وقول بعض أئمة المشركين: إن الذي يفعل في زماننا شرك لكنه شرك أصغر في غاية الفساد، فلو نقدر أن في هذا أصغر أو أكبر لكان فعل أهل مكة مع العزى؛ وفعل أهل الطائف مع اللات وفعل أهل المدينة مع
53

مناة هو الأصغر، وفعل هؤلاء هو الأكبر: ولا يستريب في هذا عاقل إلا أن طبع الله على قلبه.
الثالثة: أن إجابة دعاء مثل هؤلاء وكشف الضر عنهم لا يدل على محبته لهم، ولا أن ذلك كرامة؛ وأنت تفهم لو يجري شيء من هذا في زماننا على يدي بعض الناس ما يظن فيه من أن ما يدعي العلم مع قراءتهم هذا ليلا ونهارا.
الرابعة: معرفة العلم النافع والعلم الذي لا ينفع، فمع معرفتهم أن ما يكشفه إلا الله، ومع معرفتهم بعجز معبوداتهم ونسيانهم إياها ذلك الوقت يعادون الله هذه المعاداة، ويوالون آلهتهم تلك الموالاة، قال تعالى: * (أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون) *.
وأما قوله تعالى: * (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) * إلى قوله: * (والحمد لله رب العالمين) * ففيها مسائل:
54

الأولى: ذكر سنته سبحانه في خلقه.
الثانية: أن ذلك تسليط البأساء وهو القحط والمجاعة، والضراء وهي الأمراض.
الثالثة: أن الله سبحانه أخبرنا بمراده أنه سلط ذلك عليهم ليتوبوا فيحصلون سعادة الدنيا والآخرة، وليس مراده تعذيبهم على عظم جهالتهم وعتوهم كيف لم يتضرعوا لما جاءهم ذلك، يعرفك أن هذا من أعظم الجهالة والعتو.
الرابعة: ذكر السبب الذي منعهم من ذلك مع اقتضاء العقل والطبع له، وهو قسوة القلب، وكون عدوهم زين لهم ما أغضب الله عليهم فلم يعرفوا قبحها، بل استحسنوها.
الخامسة: أنهم لما فعلوا هذه العظيمة فتحت عليهم أبواب كل الدنيا فيالها من مسألة.
السادسة: أنهم استبشروا بعذابهم كما استبشر قوم لوط بمجيء أضيافه.
السابعة: أنه لم يأخذهم حتى وقع الفرح.
الثامنة: أن ذلك الأخذ بغتة.
التاسعة: أنهم بعد ذلك النعمة.
العاشرة: أنه سبحانه المحمود على إنعامه على أوليائه ونصرهم.
55

وأما قوله تعالى: * (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله) * إلى قوله: * (لتستبين سبيل المجرمين) * ففيها مسائل:
الأولى: أمر الله سبحانه رسوله أن يخبرهم بأنه بريء ممن ادعى خزائن الله.
الثانية: إخبارهم البراءة ممن ادعى علم الغيب.
الثالثة: إخبارهم بالبراءة من دعوى أنه ملك؛ وأنت ترى من ينتسب إلى العلم كيف اعتقاده في هذه المسائل المعاكسة.
الرابعة: اقتصاره على ما يوحى إليه، واليوم العلم عند أكثر الناس هو هو.
الخامسة: أن الذي يقتصر على الوحي هو البصير، وضده الأعمى.
56

ومن يدعي العلم بالعكس في هذه المسألة والتي قبلها، ولست أعني العمل بل عقيدة القلب.
السادسة: حثه سبحانه على التفكر الذي هو باب العلم كما حث عليه سبحانه في غير موضع.
السابعة: الإنذار الخاص لهذه الطائفة المنعوتة بهذين الوصفين.
الثامنة: أن من فقدهما لم تنفعه النذارة.
التاسعة: فائدة الإنذار وثمرته، واحتياج هذه الطائفة له.
العاشرة: النهي عن طرد المتصفين بما ذكر.
الحادية عشرة: عظم شأن صلاة العصر والصبح.
الثانية عشرة: عظمة الإخلاص.
الثالثة عشرة: كون الأمر اليسير كثيرا كبيرا مع الإخلاص.
الرابعة عشرة: ذكر القاعدة الكلية المأخوذة منها هذه الجزئية وهي: * (لا تزر وازرة وزر أخرى) *.
الخامسة عشرة: أن طردهم يخاف أن يوصل الرجل الصالح إلى درجة الظالمين، ففيه التحذير من إيذاء الصالحين.
السادسة عشرة: حسن النية في ذلك ليس عذرا.
57

السابعة عشرة: أن منعهم الجلوس مع العظماء في مجلس العلم هو الطرد المذكور.
الثامنة عشرة: ذكر فتنته سبحانه بعض خلقه ببعض.
التاسعة عشرة: ذكر بعض الحكمة في ذلك.
العشرون: أن من ذلك رفعة من لا يظن الناس فيه ذلك.
الحادية والعشرون: أن الدين إن صح فهو المنة العظيمة التي لا تساويها منن الدنيا.
الثانية والعشرون: أن من الفتنة حرمانه سبحانه من لا يظن الناس أنه يحرمه.
الثالثة والعشرون: المسألة العظيمة الكبيرة، وهي الاستدلال بصفات الله على ما أشكل عليك من القدرة، لأنه سبحانه رد عليهم ما وقع في أنفسهم من استبعاد كون الله حرمهم، وخص هؤلاء بالكرامة.
الرابعة والعشرون: جلالة هذه المسألة، وهي مسألة علم الله لأنه سبحانه رد بها على الملائكة لما قالوا: * (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) * الآية، ورد
بها على الكفار الجهال في هذه الآية كما ترى.
الخامسة والعشرون: أنه متقرر عند الكفار عبدة الأوثان منكري البعث أن الله سبحانه حكيم يضع الأشياء في مواضعها، والأشعرية يزعمون أنه لا يفعل شيئا لشيء.
58

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: قوله تعالى: * (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحابه يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين. وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون. وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق) * - إلى قوله - * (وهو الحكيم الخبير) * فيه مسائل تجاوب بها من أشار عليك بشيء تصير به مرتدا.
الأولى: * (أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا) * يعني كيف كيف تدبر عن هذا وتقبل على هذا؟
الثانية: * (ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) * كيف إذا تصور التائه في المهامة التي تهلك إذا هدى إلى الطريق، ورأى بلده ينحرف على أثره في المهلكة؟
59

الثالثة: مشابهة من استجاب إلى الغيلان إذا دعته مع علمه بأنها ستهلكه.
الرابعة: إذا زعم الداعي أنه ناصح مرشد للهدي مع علمك أنه مضاد لهدى الله قولك: * (إن هدى الله هو الهدى) *.
الخامسة: إجابتك إياه أني مأمور بالإسلام لرب العالمين، كيف أوافقك على التبرؤ من ذلك؟
السادسة: أني مأمور بإقام الصلاة ولا يمكنني إقامتها فيما تدعوني إليه.
السابعة: أني مأمور بمخافة الله واتقائه، وأنت تدعوني إلى ترك ذلك.
الثامنة: أنك تأمرني بمقاطعة ومعاداة من ليس لي عنه ملاذ.
التاسعة: أن المسألة التي تدعوني إلى تركها هي التي لأجل فعلها خلقت السماوات والأرض.
العاشرة: أن الذي تدعوني إلى التهاون بأمره والاستهزاء به لا بد من يوم يقول له فيه: كن فيكون، مع عظم شأن ذلك اليوم.
الحادية عشرة: أن * (قوله الحق) * لا خلاف فيه، وقد قال فيما تأمرني به من الوعيد ما قال، وفيما تنهاني عنه من الوعد ما قال.
الثانية عشرة: إن الملك كله له يوم ينفخ في الصور، فكيف تؤثر عليه مالا أو حالا أو جاها أو غير ذلك.
الثالثة عشرة: أنه عالم السر وأخفى فكيف لي بفعل ما تأمرني به وهو لا يخفى عليه.
60

الرابعة عشرة: أنه الحكيم الخبير فلا يتصور أنه يشتبه عليه من يعصيه بمن يطيعه، ولا يتصور أنه يجعل من أطاعه كمن عصاه، لأنه الحكيم الخبير يضع الأشياء في مواضعها، والله أعلم.
ونقل عنه أيضا: وأما قوله تعالى: * (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا) * - إلى قوله - * (وهو الحكيم الخبير) * ففيه أربعة عشر جوابا لمن أشار عليك بموافقة السواد الأعظم على الباطل؛ لما فيه من مصالح الدنيا والهرب من مضارها، ولكن ينبغي أن تعرف أولا أن الكلام مأمور به مؤمن فقيه، فالأول أن تجيبه بقوله: * (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا) * وهذا تصوره كاف في فساده.
الثاني: * (ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) * وهذا أيضا كذلك.
الثالث: هذا المثل الذي هو أبلغ ما يرغبك في الثبات ويبغض إليك موافقته.
الرابع: قولك له: إذا زعم أن الهدى في موافقة فلان وفلان بدليل الأكثر فتجيبه بقولك: * (إن هدى الله هو الهدى) *.
الخامس: أن تجيبه بقوله: * (وأمرنا لنسلم لرب العالمين) * فإذا أمرتني بالإسلام لفلان فالله أمرني بما لا أحس منه.
السادس: أن تقول وأمرنا بإقامة الصلوات، وهذه خصلة مسلمة لا جدال فيها، ولا يقيمها إلا الذي أمرتني بتركهم، والذين أمرتني بموافقتهم لا يقيمونها.
61

السابع: أنا مأمورون بتقوى الله وأنت تأمرني بتقوى الناس.
الثامن: أن هذا الذي أمرتني بترك أمره * (هو الذي إليه تحشرون) * كما قالوا لفرعون لما دعاهم إلى ذلك: * (إنا إلى ربنا منقلبون) *.
التاسع: أنه * (هو الذي خلق السماوات والأرض بالحق) * وهذا مقتضى ما نهيتني عنه، والذي أمرتني به يقتضي أنه خلقها باطلا.
العاشر: أن هذا الذي تأمرني بترك أمره حشر هذا الخلق العظيم ما دونه إلا قوله: * (كن فيكون) *.
الحادي عشر: أن هذا الذي أمرتني بترك أمره: * (قوله الحق) * وقد قال ما لا يخفى عليك؛ ووعد عليه بالخلود في النعيم، ونهى عما أمرتني به، وتوعد عليه بالخلود في الجحيم، وهو لا يقول إلا الحق فكيف مع هذا أطيعك.
الثاني عشر: أن * (له الملك يوم ينفخ في الصور) * فإذا أقررت بذلك اليوم وأن عذابه ونعيمه دائمان فما ترجوه من الشفاعات كلها باطلة ذلك اليوم، وقد بين تعالى معنى ملكه لذلك اليوم في آخر الانفطار.
الثالث عشر: أنه * (عالم الغيب والشهادة) * فلا يمكن التلبيس عليه، بخلاف المخلوق ولو أنه نبي.
الرابع عشر: أنه * (هو الحكيم الخبير) * فلا يجعل من اتبع أمره ولو فارق الناس كمن ضيع أمره موافقة للناس، حاشاه من ذلك، ولهذا يقول الموحدون
62

يوم القيامة: قد ذهب الناس فارقناهم في الدنيا أحوج ما كنا إليهم والله أعلم.
وقال الشيخ محمد رحمه الله ومن قوله تعالى: * (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) * - إلى قوله - * (إن هو إلا ذكرى للعالمين) *.
63

الأولى: قوله: * (أتتخذ أصناما آلهة) * السؤال عن معنى الآلهة فإنها جمع إله، وهو أعلى الغايات عند المسلم والكافر فكيف يتخذ جمادا، وهذا أعجب وأبعد عن العقل من جعل الحمار قاضيا، لأن الحيوان أكمل من الجماد فإذا كان هذا من خشب أو حجر لم يعص الله، فكيف بمن اتخذ فاسقا إلها مثل نمرود وفرعون؛ فإن كان اتخذه بعد موته فأعجب وأعجب.
الثانية: القدح في حجتهم لأن السواد الأعظم ليس لهم حجة إلا هي، فيدل على الرسوخ في مخالفتهم بالأدلة اليقينية لقوله: * (إني أراك وقومك في ضلال مبين) *.
الثالثة: قوله تعالى: * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) * فإن ذلك من أعظم الأدلة على المسألة ببديهة العقل، لأن من رأى نخلا كثيرا لا يتخالجه شك أن المدبر له ليس نخلة واحدة منه. فكيف بملكوت السماوات والأرض؟
الرابعة: أن هذا النفي إنما نفي لأجل الإثبات.
الخامسة: * (وليكون من الموقنين) * فلم يكمل غيره حتى كمل.
السادسة: عظم مرتبة اليقين عند الله لجعله التعليم علة لإيصاله إليه.
السابعة: براءته من شركهم نفى أو لا كونها لا تستحق، ونفى ثانيا عن نفسه الالتفات إليها.
الثامنة: نفي النقائص عن ربه.
64

التاسعة: ذكر توجهه الذي هو العمل.
العاشرة: ذكر الدليل الذي دله على النفي والإثبات.
الحادية عشرة: تحقيقه ذلك بكونه حنيفا، وهذه المسألة التي قال الله في ضدها: * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) *.
الثانية عشرة: تصريحه لهم بما ذكر ولم يدار مع كثرتهم ووحدته.
الثالثة عشرة: تصريحه بالبراءة منهم بقوله: * (وما أنا من المشركين) *.
الرابعة عشرة: قوله: * (وحاجه قومه) * ولم يذكر حجتهم، لأن كلامه كاف عن كل ما يقولون.
الخامسة عشرة: أنهم لما خصموا رجعوا إلى التخويف كفعل أمثالهم، فذكر أنه لا يخاف إلا الله، لتفرده بالضر والنفع بخلاف آلهتهم فذكر النفي والإثبات.
السادسة عشرة: سعة العلم وما قبله سعة القدرة؛ وهاتان هما اللتان خلق العالم العلوي والسفلي لأجل معرفتنا لهما.
السابعة عشرة: أن من ادعى معرفتهما وأشكل عليه التوحيد فعجب، ولذلك قال: * (أفلا تتذكرون) *.
الثامنة عشرة: قوله: * (وكيف أخاف ما أشركتم) * إلى آخره يدل على أنها حجة عقلية تعرفها عقولهم.
65

التاسعة عشرة: قوله: * (إن كنتم تعلمون) * يدل على أن من أشكلت عليه هذه الحجة فليس له علم.
العشرون: البشارة العظيمة، والخوف الكثير في فصل الله هذه الخصومة، إذا عرف ما جرى للصحابة، وما فسرها لهم به النبي صلى الله عليه وسلم.
الحادية والعشرون: تعظيمه سبحانه هذه الحجة بإضافتها إلى نفسه، وأنه الذي أعطاها إبراهيم عليه السلام عليهم.
الثانية والعشرون: أن العلم بدلائل التوحيد وبطلان الشبه فيه يرفع الله به المؤمن درجات.
الثالثة والعشرون: معرفة أن الرب تبارك وتعالى حكيم يضع الأشياء في مواضيعها.
الرابعة والعشرون: كونه عليم بمن هو أهل لها كما قال تعالى: * (وكانوا أحق بها وأهلها) *.
الخامسة والعشرون: ذكر نعمته على إبراهيم بذرية التي أنعم عليهم بالهداية.
السادسة والعشرون: أن العلم والهداية أفضل النعم لقوله: * (ونوحا هدينا من قبل) *.
السابعة والعشرون: هداية المذكورين أصولهم وفروعهم ومن في درجتهم.
66

الثامنة والعشرون: ذكره الذي هداهم الله إليه. وهو الصراط المستقيم، وهو المقصود من القصة.
التاسعة والعشرون: التنبيه على الاستقامة.
الثلاثون: القاعدة الكلية أن هذا الطريق هو هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ليس للجنة طريق إلا هو.
الحادية والثلاثون: التنبيه على أن الهداية إليه بمشيئته ليظهر العجب وتشكر النعمة.
الثانية والثلاثون: العظيمة التي لم يعرفها أكثر من يدعي الدين، وهي مسألة تكفير من أشرك وحبوط عمله؛ ولو كان من أعبد الناس وأزهدهم.
الثالثة والثلاثون: ذكره أنه أعطاهم ثلاثة أشياء: الكتاب، والحكم؛ والنبوة، فلا يرغب عن طريقهم إلا من سفه نفسه.
الرابعة والثلاثون: ما في قوله: * (فإن يكفر بها هؤلاء) * إلى آخره من العبر والتحريض على الحرص على طلب العلم من طريقهم وما فيه من النفور من الجهل وتقسيمه.
الخامسة والثلاثون: قوله: * (فبهداهم اقتده) * أن دينهم واحد وأن شرعهم شرع لنا.
السادسة والثلاثون: النهي عن البدع فإن في التحريض عليه نهي عن ضده.
67

السابعة والثلاثون: كون النذير البشير مع مقاساة الشدائد في ذلك لم يطلب منا أجرا عليه.
الثامنة والثلاثون: كونه ذكرى، ففيه الرد على من يقرأ بلا تدبر.
التاسعة والثلاثون: قوله: * (للعالمين) * فيه تكذيب من قال: لا يعرفه إلا المجتهد.
الأربعون: الحصر فيما ذكر، والله سبحانه أعلم.
68

((سورة الأعراف))
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: مسائل في سورة الأعراف:
الآية الأولى: فيها وصفه بأنه كتاب.
الثانية: كونه منزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: النهي عن الحرج.
الرابعة: فاء التفريع.
الخامسة: ذكر الحكمة في ذلك، وهي الإنذار العام والذكرى الخاصة.
الآية الثانية: فيها الأمر باتباعه.
الثانية: التحريض على ذلك بأنه منزل إلينا من ربنا.
الثالثة: النهي عن اتباع ما سواه.
الرابعة: أنه لا بد من هذا وهذا.
69

الخامسة: ذكر أن التذكر منا قليل.
الآية الثالثة: ذكر عقوبات من لم يفعل.
الثانية: أن ذلك كثير.
الثالثة: أن البأس جاءهم وقت الغفلة.
الآية الرابعة: فيها: ذكر إقرارهم بالظلم عند نزوله.
الثانية: أن ذلك الإقرار ليس لهم دعوى غيره.
الآية الخامسة: فيها: أنه لما ذكر عقوبة الدنيا توعد بالحساب.
الثانية: أن الحساب متوقف على الرسالة.
الثالثة: أنه عام حتى المرسلين.
وفي الآية السادسة: أنه يقص عليهم ما فعلوا بعلمه.
الثانية: أنه شهيد على الجزئيات.
70

وفي الآية السابعة والثامنة: الوعيد بالميزان.
الثانية: أنه الحق لتقطع الأطماع.
الثالثة: أن الفلاح بسبب ثقله.
الرابعة: أن الخسارة بسبب خفته، الخامسة ذكر سبب الخفة.
الآية التاسعة: فيها: ذكر نعمته بالتمكين في الأرض.
الثانية: ذكر نعمته بما فيها من المعايش.
الثالثة: ذكر قلة شكرهم.
وفي الآية العاشرة: ذكر نعمة الخلق.
الثانية: ذكر نعمة التصوير.
الثالثة: ذكر نعمة أمر الملائكة بالسجود لأبينا آدم.
الرابعة: أنهم امتثلوا كلهم.
الخامسة: إلا إبليس.
71

الحادية عشرة: فيها سؤال الله إياه عن علة الامتناع.
الثانية: تعظيم الفعل بقوله: * (إذ أمرتك) *.
الثالثة: أن الاستدلال بالعموم صحيح.
الرابعة: جواب إبليس أن ذلك لأجل كونه خيرا منه، لأن الفاضل لا يفعله مع المفضول.
الخامسة: الاستدلال على فضيلته عليه بالأصل.
السادسة: أن أصل الأبوين مما ذكر.
الآية الثانية عشرة فيها: أن كثيرا من شبه أهل الباطل لا يخاض معهم في حلها، بل جوابهم العقوبة.
الثانية قوله: * (فاهبط منها) *.
الثالثة: ذكر العلة.
الرابعة: ذكر فاء التفريع.
الخامسة: قوله: * (فأخرج إنك من الصاغرين) *.
السادسة: تغليظ شأن الكبر.
السابعة: معاقبة العاصي بضد قصده.
72

الثامنة: تغليظ رد النص بالرأي.
وفي الآية الثالثة عشرة والرابعة عشرة: سؤاله النظرة ولم ينزع إلى التوبة.
الثانية: ليزداد معصية.
الثالثة: النظر إلى عجيب القدر كيف صدر هذا منه مع علمه وعبادته.
الرابعة: علمه بالبعث وذكره في ذلك الموطن.
الخامسة: أن إجابة دعاء الداعي في بعض الأحيان لا يدل على الكرامة.
السادسة: أنه قد يكون نقمة.
السابعة: أن طول العمر قد يكون نقمة.
الآية الخامسة عشرة والسادسة عشرة: فيهما الإيمان بالقدر.
الثانية: أن الاحتجاج به على المعاصي من طريقة إبليس.
الثالثة: ذكر تجرده لهذا الأمر بذكر القعود.
الرابعة: أنه قاعد على صراط الله المستقيم.
الخامسة: تفصيله ما أراد فعله أنه يأتي من الجهات كلها.
السادسة: أن القوة على فعل القبيح والتمدح بذلك من فعله.
73

السابعة: أن الفاسق قد يعطي من الذكاء ما يصير به من أهل الفراسة.
الثامنة: ما في هذا السياق من تقبيح المعصية.
التاسعة: ما فيه من تقبيح ترك الشكر.
العاشرة: أن الاعتراض على الحكمة بمثل هذا من فعله.
الحادية عشرة: لو وقع المحذور فالاعتراض به على الحكمة من فعله.
وفي الآية السابعة عشرة: إجابته بهذا الجواب.
الثانية: أنه خرج في هذه الحال ضد ما طلب.
الثالثة: وعيد من اتبعه بالنار.
الرابعة: أنها لا تملأ إلا بهم، ففيه الرد على من زعم أن أطفال المشركين منهم.
الخامسة: امتلاؤها مع ما ذكر من عظمتها.
الثامنة عشرة: ما ذكر من إكرام آدم وزوجته.
الثانية: إباحته لهما جميع ما في الجنة إلا شجرة واحدة.
الثالثة: تأكيد النهي.
الرابعة: ظلم دون ظلم.
74

وفي التاسعة عشرة والعشرين والحادية والعشرين: ذكر وسوسته لهما.
الثانية: ذكر غرضه في ذلك.
الثالثة: ذكر تعليله النهي بضده.
الرابعة: ذكر حلفة الفاجر.
الخامسة: ذكر تدليله إياهما بالغرور.
السادسة: أنهما لما فعلا بانت لهما العاقبة.
السابعة: رحمة الله بعبده فيما حجره عليه، وأنه لم ينهه إلا عما يضره.
الثالثة: أن بدو العورة مستقبح شرعا وعقلا.
التاسعة: تكليم الله لهما.
العاشرة: أنه ذكر لهما أنه نصحهما عن الأمرين.
وفي الآية الثانية والعشرين: أن الاعتراف بالذنب هو الصواب، وهو من أسباب السلامة.
75

الثانية: الاستغفار.
الثالثة: المبالغة فيه.
الرابعة: أن العاصي لم يظلم إلا نفسه.
وفي الآية الثالثة والعشرين: أمره لهم بالهبوط.
الثانية: إخباره بعداوة بعضهم لبعض.
الثالثة: إخباره لهما بما لهم في الأرض.
الرابعة: مضرة المعصية ولو تاب فاعلها منها.
الخامسة: الرد على من قال: بالعصمة.
وفي الآية السادسة والعشرين: فيها تذكيره بما يواري السوءات.
الثانية: تذكيره بإنزال الريش.
الثالثة: تذكيره بإنزال لباس التقوى.
الرابعة: إخباره بخير اللباسين.
الخامسة: ذكره أن ذلك من آياته.
السادسة: ذكره الحكمة في ذلك.
76

وفي الآية السابعة والعشرين: إخباره وإنذاره عن فتنة الشيطان.
الثانية: تمثيله بما لا يستطيع أحد دفعه.
الثالثة: ذكر ما جرى في طاعته من التعب العاجل.
الرابعة: نزعه عنهما لباسهما.
الخامسة: مراده في ذلك.
السادسة: تنبيهه على هذا المهم وهو كونهم يروننا ولا نراهم.
السابعة: القاعدة الكلية، وهي من مسائل الصفات.
وفي الآية الثامنة والعشرين فيها: إنكاره عليهم الفاحشة.
الثانية: الرد على من أنكر التحسين والتقبيح العقلي.
الثالثة: إنكارهم حجتهم الأولى والثانية.
الرابعة: أمره بالتقوى الذي فيه تنزيه الله عن ذلك.
الخامسة: اشتمال هذا الكلام على ما لا يحصى من المسائل.
السادسة: أن معرفة الله نفي ما لا يجوز عليه.
السابعة: إنكاره عليهم القول عليه بلا علم.
77

وفي الآية التاسعة والعشرين والآية الثلاثين:
الأولى: أمره أن نقول هذا الإثبات.
الثانية: الاستدلال بالصفات على الأفعال.
الثالثة: الاستدلال بالعموم.
الرابعة: ذكره أمره بالعدل.
الخامسة: إقامة الوجه عند كل مسجد.
السادسة: دعوته بالإخلاص.
السابعة: ذكر المعاد.
الثامنة: الاستدلال عليه بالمبدأ.
التاسعة: ذكر الإيمان بالقدر بذكر الهداية والإضلال.
العاشرة: الإشارة إلى سبب الأمرين.
الحادية عشرة: ذكر تعظيم، وهو اتخاذهم الشياطين أولياء.
الثانية عشرة: ذكر حسبانهم أنهم مهتدون.
الثالثة عشرة: ذكر أن ذلك ليس عذرا.
78

وفي الآية الواحدة والثلاثين: ذكر الأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد.
الثانية: ذكر الأكل والشرب.
الثالثة: النهي عن السرف.
الرابعة: إخباره أنه لا يحب المسرفين.
وفي الآية الثانية والثلاثين:
الإنكار على من حرم الزينة.
الثانية: إضافتها إلى الله.
الثالثة: تنبيهه على العلة بقوله: * (من الرزق) *.
الرابعة: أمره أن تقول هذا القول.
الخامسة: ذكرت تفصيل الآيات.
السادسة: ذكر أهل التفصيل.
وفي الآية الثالثة والثلاثين: أمره أن نقول هذا القول.
79

الثانية: حصر المحرمات فيما ذكر.
الثالثة: تحريم الفواحش.
الرابعة: تحريم الإثم والبغي بغير الحق.
الخامسة: تحريم الشرك.
السادسة: ذكر هذا القيد العظيم.
السابعة: تحريم القول بلا علم. والله أعلم.
80

((قصة آدم وإبليس))
تكلم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ورضي عنه على قصة آدم وإبليس فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم: عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والحزن والخبيث والطيب) وقوله تعالى: * (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون) *.
قال ابن عباس في رواية الوالبي: الصلصال: الطين اليابس، وفي رواية الذي إذا نقر صوت. والحمأ: الطين الأسود المتغير اللون، والمسنون: المتغير الرائحة، يقال: سنى الماء فهو مسنون إذا تغير.
81

وقال سيبويه: المسنون المصور على صورة ومثال. وقوله تعالى: * (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) * قال ابن القيم: قال ابن عباس: * (ولقد خلقناكم) * يعني: آدم، * (ثم صورناكم) * للذرية، ومثال هذا ما قاله مجاهد: (خلقناكم) يعني آدم (وصورناكم) يعني في ظهر آدم، وفي الحديث المعروف أنه أخرجهم من ظهر آدم في صورة الذر، ونظيره * (فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة) * والله سبحانه يخاطب
82

الموجودين والمراد آباؤهم كقوله: * (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) * وغير ذلك من الآيات، وقد يستطرد سبحانه من الشخص إلى نوع كقوله: * (ولقد خلقنا الإنسان من سلاسة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) * إلى آخره، فالمخلوق من سلالة آدم، ومن نطفة ذريته، وقيل إن: * (صورناكم) * لآدم أيضا. وقوله تعالى: * (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) * فأضاف النفخ إلى نفسه، وفي الصحيح - في حديث الشفاعة - ' فيقولون أنت آدم خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء ' فذكروا له أربع خصائص فالمنفوخ منه الروح المضافة إلى الله إضافة تخصيص وتشريف، والله هو الذي نفخ في طينته من تلك الروح؛ وهذا الذي دل عليه النص.
وأما كون النفخة مباشرة منه سبحانه كما خلقه بيده أو أنها بأمره كقوله في مريم: * (فنفخنا فيها من روحنا) * مع قوله: * (فأرسلنا إليها روحنا) *
83

إلى آخره فهذا يحتاج إلى دليل، فإنه أضاف النفخ إلى مريم لكونه بأمره؛ وإلى الملك لكونه المباشر للنفخ.
وفي القصة فوائد عظيمة، وعبر لمن اعتبر بها منها أن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد، كما استدل عليه سبحانه في غير موضع، وعلى قدرته سبحانه وعظمته ورحمته وعقوبته؛ وإنعامه وكرمه وغير ذلك من صفاته.
ومنها أنها من أدلة الرسل عامة، ومن أدلة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، ومنها الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم، ومنها الدلالة على القدر خيره وشره فقد اشتملت على أصول الإيمان الستة في حديث جبريل، ومنها وهي أعظمها أنها تفيد الخوف العظيم الدائم في القلب؛ وأن المؤمن لا يأمن حتى تأتيه الملائكة عند الموت تبشره، وذلك من قصة إبليس وما كان فيه أولا من العبادة والطاعة، ففي ذلك شيء من تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: ' إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ' إلى آخره.
ومنها أن لا يأمن عاقبة الذنب، ولو كان قبله طاعات كثيرة، وهو ذنب واحد فكيف إذا كانت الذنوب بعدد رمل عالج، ومن هذا قول بعض السلف: نضحك ولعل الله اطلع على بعض أعمالنا، فقال: اذهبوا
84

فلا أقبل منكم عملا - أو كلاما هذا معناه - وأبلغ منه قوله صلى الله عليه وسلم: ' إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ' قال علقمة: كم من كلام منعنيه حديث بلال، يعني هذا.
ومنها أنها تخلع من القلب داء العجب الذي هو أشد من الكبائر.
ومنها وهي من أعظمها أنها تعرف المؤمن شيئا من كبرياء الله وعظمته وجبروته؛ ولا يدل عليه ولو بلغ في الطاعة ما بلغ، وقد وقع في هذه الورطة كثير من العباد فمستقل ومستكثر؛ ومنها التحذير من معارضة القدر بالرأي لقوله: (أرأيتك هذا الذي كرمت علي) وهذه بلية عظيمة لا يتخلص منها إلا من عصمه الله لكل مقل ومكثر.
ومنها وهي من أعظمها تأدب المؤمن من معارضة أمر الله ورسوله بالرأي كما استدل بها السلف على هذا الأمر، ولا يتخلص من هذا إلا من سبقت له من الله الحسنى.
ومنها عدم الاحتجاج بالقدر عند المعصية لقوله: * (رب بما أغويتني) * بل يقول كقول أبيه: * (ربنا ظلما أنفسنا) * الآية.
ومنها معرفة قدر المتكبر عند الله خصوصا مع قوله: * (اخرج منها
85

فما يكون لك أن تتكبر فيها) * ومنها الفخر بالأصل، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التشديد في ذلك؛ والفخر منهي عنه مطلقا، ولو كان بحق فكيف إذا كان بباطل؟
ومنها الشهادة لما كان عليه السلف أن البدعة أكبر من الكبائر، لأن معصية اللعين كانت بسبب الشبهة، ومعصية آدم بسبب الشهوة.
ومنها عدم الاغترار بالعلم؛ فإن اللعين كان من أعلم الخلق فكان من أمره ما كان.
ومنها عدم الاغترار بالرتبة والمنزلة فإنه كان له منزلة رفيعة؛ وكذلك بلعام وغيره ممن له علم ورتبة ثم سلب ذلك.
ومنها معرفة العداوة التي بين آدم وذريته، وبين إبليس وذريته، وأن هذا سببها لما طرد عدو الله، ولعن بسبب آدم لما لم يخضع، وهذه المعرفة مما يغرس في القلب محبة الرب جل جلاله، ويدعوه إلى طاعته وإلى شدة مخالفة الشيطان، لأنه سبحانه ما طرد إبليس ولعنه، وجعله بهذه المنزلة الوضيعة بعد تلك المنزلة الرفيعة إلا لأنه لم يخضع بالسجود لأبينا آدم، فليس
86

من الإنصاف والعدل موالاته، وعصيان المنعم جل جلاله كما ذكر هذه الفائدة بقوله: * (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) *.
ومنها معرفة شدة عداوة عدو الله لنا، وحرصه على إغوائنا بكل طريق، فيعتد المؤمن لهذا الحرب عدته، ويعلم قوة عدوه وضعفه عن محاربته إلا بمعونة الله، كما قال
قتادة: إن عدوا يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم إنه لشديد المؤونة إلا من عصمه الله، وقد ذكر الله عداوته في القرآن في غير موضع، وأمرنا باتخاذه عدوا.
ومنها وهي من أعظمها معرفة الطرق التي يأتينا منها عدو الله، كما ذكر الله تعالى عنه في القصة أنه قال: * (لأقعدهن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) * وإنما تعرف عظمة هذه الفائدة بمعرفة شيء من معاني هذا الكلام. قال جمهور المفسرين: انتصب صراط بحذف ' على ' التقدير لأقعدن لهم على صراطك قال ابن القيم: والظاهر أن الفعل مضمر فإن القاعد على الشيء ملازم له، فكأنه قال: لألزمنه ولأرصدنه ونحو ذلك، قال ابن عباس: دينك الواضح * (ومن بين أيديهم) * يعني الدنيا والآخرة * (ومن خلفهم) * يعني الآخرة والدنيا * (وعن
87

أيمانهم) * قال ابن عباس: أشبه عليهم أمر دينهم، وعنه أيضا من قبل الحسنات، وقوله: * (وعن شمائلهم) * الباطل أرغبهم فيه، قال الحسن: * (السيئات يحثهم عليها ويزينها في أعينهم) *.
قال ابن قتادة: أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه إلا أنه لم يأتك من وفقك، ولم يستطع أن يحول بينك وبين رحمه الله؛ وهو يوافق قول من ذكر هذه الأوجه للمبالغة في التوكيد أي أتصرف لهم في الإضلال من جميع جهاتهم؛ ولا يناقض ما ذكر السلف، فإن ذلك على جهة التمثيل، فالسبل التي للإنسان أربعة فقط؛ فإنه تارة يأخذ على جهة شماله، وتارة على يمينه، وتارة أمامه، وتارة يرجع خلفه، فأي سبيل من هذه سلكها وجد الشيطان عليها راصدا له، فإن سلكها في طاعة ثبطه؛ وإن سلكها بالمعصية حداه، وأنا أمثل لك مثالا واحدا لما ذكر السلف، وهو أن العدو الذي من بني آدم إذا أراد أن يمكر بك لم يستطع أن يمكر إلا في بعض الأشياء، وهي الأشياء الغامضة، والأشياء التي ليست بعالية، فلو أراد أن يمكر بك في أمر واضح بين مثل التردي من جبل أو بئر وأنت ترى ذلك لم يستطع، خصوصا إذا عرفت أنه قد مكر بك مرات متعددة، ولو أراد ليمكر بك لتتزوج عجوزا شوهاء وأنت تراها لم يستطع ذلك.
وأنت ترى اللعين أعاذنا الله منه يأتي الآدمي في أشياء واضحة بينة أنها مما حرم الله ورسوله فيحمله عليها حتى يفعله؛ ويزينها في عينه حتى يفرح بها، ويزعم أن فيها مصلحة ويذم من خالفه؛ كما قال تعالى: * (لا تحسبن
88

الذين يفرحوا بما أتوا) * الآية وقوله: * (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) * وقوله: * (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) * وهذا معنى قول من قال: * (من بين أيديهم) * من قبل الدنيا فإنهم يعرفونها وعيوبها ومجمعون على ذمها، ثم مع هذا لأجلها قطعوا أرحامهم وسفكوا دماءهم، وفعلوا ما فعلوا، وهذا معنى قول مجاهد * (من بين أيديهم) * من حيث يبصرون، فهو لم يقنع بإتيانه إياهم من الجهة التي يجهلون أنها معصية مثل ما فسر به مجاهد * (من خلفهم) * قال: من حيث لا يبصرون، ولا من جهة الغيب كما قال فيها بعضهم، الآخرة أشككهم فيها، لم يقنع بذلك عدو الله حتى أتاهم في الأمور التي يعرفونها عيانا أنها النافعة وضدها الضار، وفي الأمور التي يعرفون أنها سيئآت وضدها حسنات، ومع هذا أطاعوه في ذلك إلا من شاء الله منهم كما قال تعالى: * (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) *.
وقال تعالى حكاية عنه: * (وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن
89

خلق الله) * الآية. قال الضحاك مفروضا معلوما، وحقيقة الفرض التقدير، والمعنى أن من اتبعه فهو نصيبه المفروض، فالناس قسمان نصيب الشيطان ومفروضه، وحزب الله وأولياءه. قوله: * (ولأضلنهم) * يعني عن الحق * (ولأمنينهم) * قال ابن عباس: تسويف التوبة وتأخيرها، وقال الزجاج: أجمع لهم مع الإضلال أن أوهمهم أنهم يناولون مع ذلك حظهم من الآخرة وقوله: * (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) * البتك القطع وهو ههنا قطع آذان البحيرة وقوله: * (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * قال ابن عباس: دين الله، وقاله ابن المسيب والحسن وإبراهيم وغيرهم، ومعنى ذلك أن الله فطر عباده على الفطرة وهي الإسلام كما قال تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) * الآية؛ وفي الصحيح (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه) الحديث، فجمع صلى الله عليه وسلم
90

بين الأمرين تغيير الفطرة بالتهويد وغيره، وتغيير الخلقة بالجدع، وهما اللذان أخبر إبليس أنه لا بد أن يغيرهما، ثم قال تعالى: * (يعدهم ويمنيهم) * فوعده ما يصل إلى قلب الإنسان نحو سيطول عمرك وتنال من الدنيا وتعلو، والدنيا دول وستكون لك ويطول أمله، ويعده الحسنى على شركه ومعاصيه، ويمنيه الأماني الكاذبة على اختلاف وجوهها، فالوعد في الخير، والتمنية في الطب والإرادة.
ومنها أن معرفة هذه القصة تزرع في قلب المؤمن حب الله تعالى الذي هو أعظم النعم على الإطلاق، وذلك من صنعه سبحانه بالإنسان وتشريفه؛ وتفضيله إياه على الملائكة، وفعله بإبليس ما فعل لما أبى أن يسجد له، وخلقه إياه بيده ونفخه فيه من روحه؛ وإسكانه جنته، وقد خاطب الله سبحانه بني إسرائيل الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل مع آبائهم، وذكرهم بذلك واستدعاهم به، وذكرهم أنه فعله بهم كقوله: * (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) * وغير ذلك، وذكر النعم التي هي أصل الشكر الذي هو الدين، لأن شكرها مبني على معرفتها وذكرها؛ فمعرفة النعم من الشكر بل هي أم الشكر كما في الحديث ' من أسدي إليه معروف فذكره فقد شكره فإن كتم فقد كفره ' هذا في الأشياء التي تصدر من بني آدم فكيف بنعم المنعم على الحقيقة والكمال؟
91

واجتمع الصحابة يوما في دار يتذاكرون ما من الله عليهم به من بعثه محمد صلى الله عليه وسلم.
ومنها أن التأويل الفاسد في رد النصوص ليس عذرا لصاحبه، كما أنه سبحانه لم يعذر إبليس في شبهته التي أبداها كما لم يعذر من خالف النصوص متأولا مخطئا، بل كان ذلك التأويل زيادة في كفره.
ومنها أن مثل هذا التأويل ليس على أهل الحق أن يناظروا صاحبه، ويبينوا له الحق كما يفعلون مع المخطيء المتأول، بل يبادر إلى عقوبته بالعقوبة التي يستحقها بقدر
ذنبه؛ وإلا أعرض عنه إن لم يقدر عليه؛ كما كان السلف الصالح يفعلون هذا وهذا، فإنه سبحانه لما أبدى له إبليس شبهته فعل به ما فعل؛ ولما عتب على الملائكة في قيلهم أبدى لهم شيئا من حكمته وتابوا؛ وقد وقعت هذه الثلاث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته التي فتح الله فيها مكة، فإنه لما أعطى المؤلفة قلوبهم ووجدت عليه الأنصار عاتبهم واعتذروا وقبل عذرهم؛ وبين لهم شيئا من الحكمة، ولما قال له ذلك الرجل العابد (اعدل) قال له كلاما غليظا؛ واستأذنه بعض الصحابة في قتله ولم ينكر عليه؛ لكن ترك قتله لعذر ذكره، ولما فعل خالد بن الوليد ببني جذيمة ما فعل رد عليهم ما أخذ منهم ووداهم، ولا نعلم أنه عاتب خالدا ولا منعه ذلك من تأميره على الناس.
92

ومنها أن الشبهة إذا كانت واضحة البطلان لا عذر لصاحبها، فإن الخوض معه في إبطالها تضييع للزمان وإتعاب للحيوان، مع أن ذلك لا يردعه عن بدعته، وكان السلف لا يخرجون مع أهل الباطل في رد باطلهم كما عليه المتأخرون، بل يعاقبونهم إن قدروا وإلا أعرضوا عنهم. وقال أحمد لمن أراد أن يرد عليهم: اتق الله ولا تنصب نفسك لهذا، فإن جاءك مسترشدا فأرشده. وهو سبحانه لما قال اللعين: * (أنا خير منه) * قال: * (اخرج منها فإنك رجيم) * ولما قالت الملائكة ما قالت: * (قال إني أعلم ما لا تعلمون) * ثم بين لهم ما بين حتى أذعنوا.
ومنها معرفة قدر الإخلاص عند الله، وحماية لأهله لقول اللعين: * (إلا عبادك منهم المخلصين) * فعرف عدو الله أنه لا سبيل له على أهل الإخلاص.
ومنها أن كشف العورة مستقر قبحه في الفطر والعقول لقوله: * (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما) * وقد سماه الله فاحشة.
ومنها أنه لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بالفجرة، بل يكون على حذر منهم ولو قالوا ما قالوا، خصوصا أولياء الشيطان الذين تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته، فإن اللعين حلف * (إني لكما لمن الناصحين) *.
ومنها أن زخرفة القول قد تخرج الباطل في صورة الحق كما في الحديث ' إن من البيان لسحرا ' فإن اللعين زخرف قوله بأنواع منها تسمية
93

الشجرة شجرة الخلد؛ ومنها تأكيد قوله: * (إني لكما لمن الناصحين) * وغير ذلك مما ذكر في القصة؛ فينبغي للمؤمن أن يكون من زخرف القول على حذر، ولا يقنع بظاهره حتى يعجم العود.
ومنها أن في القصة شاهدا لما ذكر في الحديث ' إن من العلم جهلا ' أي من بعض العلم ما العلم به جهل والجهل به هو العلم، فإن اللعين من أعلم الخلق بأنواع الحيل التي لا يعرفها آدم، مع أن الله علمه الأسماء كلها فكان ذلك العلم من إبليس هو الجهل، وفي الحديث: (إن الفاجر خب لئيم وإن المؤمن غر كريم) وأبلغ من ذلك وأعم منه قول الملائكة: * (أتجعل فيها من يفسد فيها) * فقيل لهم ما قيل وعوتبوا، فكانت توبتهم أن قالوا: * (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) * فكان كما لهم ورجوعهم عن العتب وكمال علمهم أن أقروا على أنفسهم بالجهل إلا ما علمهم سبحانه، ففي هذه القصة شاهد للقاعدة الكبرى في الشريعة المنبه عليها في مواضع منها قوله صلى الله عليه وسلم: (وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها).
94

ومنها أنه لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بخوارق العادة إذا لم يكن مع صاحبها استقامة على أمر الله، فإن اللعين أنظره الله تعالى ولم يكن ذلك إلا إهانة له وشقاء له، وحكمة بالغة يعلمها الحكيم الخبير، فينبغي للمؤمن أن يميز بين الكرامات وغيرها، ويعلم أن الكرامة هي لزوم الاستقامة. ومنها أن الأمور التي يحرص عليها أهل الدنيا قد تكون عقوبة ومحنة، والجاهل يظنها نعمة مثل المال والجاه وطول العمر، فإن الله أعطى اللعين من النظرة ما أعطاه.
ومنها أن يعلم المؤمن أن الذنوب كثيرة ولا نجاة له منها إلا بمعونة الله وعفوه، وأن كثيرا منها قد لا يعلمه من نفسه، فإن أكثر الكبائر القلبية مثل الرياء والكبر والحسد؛ وترك التوكل والإخلاص وغير ذلك قد يتلطخ بها الرجل وهو لا يشعر، ولعله يتورع عن بعض الصغائر الظاهرة، وهو في غفلة عن هذه العظائم.
ومنها أن يعرف قدر معصية الحسد وكيف آل باللعين حسده إلى أن فعل به ما فعل.
ومنها وهو من أحسنها أن يعرف صحة ما ذكر عن بعض السلف أن من لم يجاهد في سبيل الله ابتلى بالجهاد في سبيل الشيطان؛ ومن بخل بإنفاقه المال في طاعة الله ابتلى بإنفاقه في المعاصي وفيما لا ينفعه، ومن لم يمش في طاعة الله خطوات، مشى في طاعة الشيطان أميالا وأشباه ذلك، والدليل من القصة أبلغ من هذا بكثير، فإن اللعين أبى أن يسجد لزعمه أن ذلك نقص في حقه، ثم صار بعد ذلك يكدح جهده في القيادة والدياثة وأنواع الرذائل.
95

ومنها أن في القصة معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ' كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ' إلى آخره. ومن ذلك قوله حكاية عن إبليس: * (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * فإنهم ذكروا في معناه أي آمرهم بتغيير خلق الله، وهي فطرته التي فطر عباده عليها، وهي الإسلام لله وحده لا شريك له.
ومنها أن فيها معنى القاعدة الكبرى في الشريعة المذكورة في مواضع: منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ' من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ' وهي من قوله: * (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) * فإنهم ذكروا أن معناه قطع آذان البحيرة تقربا إلى الله على عادات الجاهلية.
ومنها أنها تفيد المعنى العظيم المذكور في قوله تعالى: * (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) * وما في معناه من النصوص، وذلك مستفاد من صنع اللعين؛ فإنه مع علمه بجبروت الله وأليم عذابه، وأنه لا محيص له عنه؛ ويعرف من الأمور ما لا يعرفه كثير من أهل العلم، ومع ذلك لم يتب ولم يرجع، بل أصر وعاند، وطلب النظرة لأجل المعصية مع علمه بعقابه وعدم مصلحته من فعله، وهذا باب عظيم من معرفة الرب وقدرته، وتقليبه القلوب كيف يشاء، وتيسيره كل عبد لما خلق له فيفعله باختياره.
ومنها أن الله سبحانه قد يعاقب العبد إذا غضب عليه بعقوبات باطنة في دينه وقلبه لا يعرفها الناس، مع إمداده إياه في الدنيا كما قال تعالى:
96

* (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه) * كما فعل إبليس.
ومنها أن فيها شهادة لما ذكر عن بعض السلف أن من عقوبة السيئة السيئة بعدها. ومنها أنها تفيد القاعدة المعروفة أن الجزاء من جنس العمل، وذلك أنه قصد الترفع فقيل له: * (اخرج إنك من الصاغرين) * فقصد العز فأذله الله بأنواع من الذل.
ومنها الشهادة لصحة الكلام المذكور عن بعض السلف في قوله: والله إن معالجة التقي التقوى أهون من معالجة غير التقي الناس، وقول من قال: مصانعة وجه واحد أهون من مصانعة ألف وجه، وبيان ذلك أن اللعين لما تخيل أن عليه من أمر الله شيئا من النقص، فلو قدم طاعة الله وآثرها على هواه وسجد لآدم، فلو قدر أن ما تخيله صحيح وأن ذلك غضاضة عليه، لكان في جنب ما أتاه من الشر والهوان والصغار جزءا يسيرا فالله المستعان، فكيف ولو فعل ذلك لكان فيه شرفه وسعادته، كما هو عادة الله في خلقه أن من تواضع لله رفعه.
ومنها أن الفاجر قد يعطيه الله سبحانه كثيرا من القوى والإدراكات في العلوم والأعمال حتى في صحة الفراسة، كما ذكر عن اللعين حين تفرس فيهم أنه يغويهم إلا المخلصين فصدق الله فراسته في قوله: * (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) * فإن قيل في الحديث:
97

' اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ' فلا يناقض ما ذكرناه، بل يدل على أن المؤمن أتم في هذه الخصلة من غيره وأصدق، كما كان في العلم والإيمان والأعمال والحلم والصبر وغير ذلك، ولو كان للفجار شيء من ذلك.
ومنها الشهادة للقاعدة المعروفة في الشريعة أن كل عمل لا يقصد به وجه الله فهو باطل، لاستثنائه المخلصين.
ومنها الشهادة للقاعد الثانية وهي أن كل عمل على غير اتباع الرسول غير مقبول، لقوله في القصة: * (اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى) * الآية فقسم الناس إلى قسمين: إلى أهل الجنة، وهم الذين اتبعوا الهدى المنزل من الله، وأهل الشقاق والضلال، وهم من أعرض عنه فانتظمت هذه القصة لهاتين الآيتين العظيمتين اللتين هما أكبر قواعد الشريعة على الإطلاق، القاعدة الأولى فيها حديث عمر ' إنما الأعمال بالنيات ' والقاعدة الثانية حديث عائشة ' من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد '.
98

وقال أيضا: وقوله عز وجل: * (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) * إلى قوله: * (ويحسبون أنهم مهتدون) * هذه الآية ذكرها الله سبحانه بعدما رد على الكفار عبادات يتقربون بها إليه ولم يشرعها، منها أنهم إذا حجوا طافوا بالبيت عراة يقولون: الثياب التي عصينا الله فيها لا نطوف فيها، فقال الله ردا عليهم: * (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) *.
والفاحشة في هذا الموضع إخراج العورة للعبادة، مثل ما يفعل كثير من الناس يكشف عورته للاستنجاء وغيره ينظره، يريد بالاستنجاء في هذه الحالة التقرب إلى الله، فلما رد عليهم الباطل أخبرهم بالحق الذي شرعه فقال: * (قل أمر ربي بالقسط) * وهو العدل * (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) * وهو إقامة الصلاة بحقوقها * (وادعوه مخلصين له الدين) * يقول: ادعوه بهذا الشرط * (لا تدعوا مع الله أحدا) * يقول الأمور التي تعبدونني بها لم آمركم بها، والأمور التي أمرتكم بها لا تفعلونها؛ فالظلم والبغي
99

ضد القسط وهو جاهكم وسمتكم الذي تبذلون فيه الأعمار والأموال، وإقامة الوجه عند كل مسجد لا تفعلونها؛ إن فعلتم صليتم صلاة لا تجزيء والإخلاص منكر عندكم، ودينكم الذي ترجون به الثواب هو الشرك.
إذا فهمت هذا فتأمل أحوال من تعرف ونزل هذه الآية على أحوالهم ترى العجب. ثم قال: * (كما بدأكم تعودون) * أي لا بد أن يخلقكم للبعث كما بدأ خلقكم من نطفة. ثم قال: * (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) * فهذا القدر يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فجمع في هذه الآية الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالشرع والإيمان بالقدر؛ وذكر فيها تفصيل الشرع الذي أمر به، وذكر حال من عكس الأمر فجعل المنكر معروفا والمعروف منكرا؛ ثم ختم الآية بهذه المسألة العظيمة، وهي * (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) *، فلا أجهل ممن هرب عن طاعة الله واختار طاعة الشيطان، ومع هذا يحسب أنه مهتد مع هذا الضلال الذي لا ضلال فوقه والله أعلم.
100

وقال أيضا الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله تعالى: * (لقد أرسلنا نوحا) * الآية فيه مسائل:
الأولى: شيء من تفصيل قوله: * (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) *.
الثانية: معنى قوله: ' وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة '.
الثالثة: الملاطفة في الدعوة إلى الله لقوله: (يا قوم) أضافهم إلى نفسه.
الرابعة: التي أرسلت الرسل وخلقت الخلق لأجلها.
الخامسة: تفسير الآية.
السادسة: دعاؤهم بالرغبة.
السابعة: دعاؤهم بالتخويف.
101

الثامنة: جواب الملأ لهذا الكلام بهذه الجهالة.
التاسعة: كون أهل الباطل ينسبون أهل الحق إلى الجهالة؛ بل إلى السفاهة بل إلى السحر بل إلى الجنون.
العاشرة: حسن جوابه لهم، ومقابلة الإساءة بالتي هي أحسن.
الحادية عشرة: تعريفهم بأنهم إنما ردوا وعصوا رب العالمين.
الثانية عشرة: تعريفهم بما فيه من الخصال التي لا غناء لهم عنها.
الثالثة عشرة: تعريفهم أن تلك الخصال لا تقتضي الحسد بل تقتضي المحبة والانقياد.
الرابعة عشرة: لما عرفهم أن الرسالة التي أتتهم منه وعظهم بأنه رب العالمين.
الخامسة عشرة: تعريفهم أن هذا الذي استغربوا ونسبوا من قاله إلى الجهالة والجنون هو الواجب في العقل؛ وهو أيضا حظهم ونصيبهم من الله، لأنه سبب الرحمة ففي هذا الكلام من أوله إلى آخره من تحقيق الحق، وذكر أدلته العقلية على تحقيقه، وإبطال الباطل وذكر الأدلة العقلية على بطلانه ما لا يخفى على من له بصيرة.
السادسة عشرة: ذكر أنهم كذبوه مع هذا البيان ففصل الله الخصومة بما ذكر أنه فعل بالفريقين.
السابعة عشرة: ذكر أن ذلك السبب التكذيب بآياته، فدل على أنه أتاهم بآيات الله.
الثامنة عشرة: أن السبب في ذلك التكذيب هو العمى والجهالة فهي وصفهم لا وصف خصومهم.
102

وأما قصة عاد فنذكر ما فيها من الزوائد خاصة.
الأولى: تبيين أن أعظم التقوى اتقاء الشرك.
الثانية: وصفه الملأ منهم بالكفر.
الثالثة: وصفهم نبيهم بالسفاهة التي هي أبلغ من الجهل.
الرابعة: وصفهم إياه بالكذب.
الخامسة: استعطافه إياهم بأمانته.
السادسة: وعظه إياهم بتلك الآية الواضحة العظيمة.
السابعة: فيه ما يدل على أنهم يعلمون ذلك لقوله: * (واذكروا) *.
103

الثامنة: وعظه إياهم بتذكيرهم نعمة الله باستخلافهم في الأرض بعد قوم نوح.
التاسعة: وعظه بزيادة النعمة على أهل زمانهم بزيادتهم في الخلق بسطة.
العاشرة: ذكر أن ذلك لا يدل على الكرامة، بل قد يكون السبب للإهانة.
الحادية عشرة: ذكر أن هذا الذي كرهوه هذه الكراهة هو سبب فلاحهم.
الثانية عشرة: ذكر ما أجابوه به عن هذا الكلام الذي هو في غاية الحسن.
الثالثة عشرة: ذكر أن هذا الخلاف بينه وبينهم في توحيد العبادة لا في أصل العبادة.
الرابعة عشرة: ذكر عمدتهم اتباع السواد الأعظم.
الخامسة عشرة: زياد العتو بقوله: * (فأتنا بما تعدنا) *.
السادسة عشرة: ذكر أن الصدق ممدوح عندهم، وكذلك الكذب مذموم عندهم.
السابعة عشرة: ذكر المسألة المهمة، وهي إنكاره عليهم الاعتماد على ذلك الدليل مع كونه لم ينزل فيه نص من الله.
104

الثامنة عشرة: كونه بين لهم كبر جهالتهم كيف تجاسروا على الجدال بذلك.
التاسعة عشرة: معرفة الأشياء التي لا حقيقة لها من الحقائق.
العشرون: كون الشيء معمولا به قرنا بعد قرن من غير نكير لا يدل على صحته.
الحادية والعشرون: أمره إياهم بانتظار الوعيد.
الثانية والعشرون: إخباره بانتظارهم الوعد.
105

وأما قصة ثمود فنذكر ما فيها من الزوائد على القصتين أيضا:
الأولى: وعظه إياهم بالآية العظيمة.
الثانية: استعطافهم بذكر ربوبية من جاءت منه لهم.
الثالثة: ذكر إضافة الناقة إلى الله.
الرابعة: تفسير البينة بهذا.
الخامسة: تخصيص الله إياهم بناقته.
السادسة: العجب العجاب من كراهتهم الأمر المطلوب منهم وهو كف
106

الأذى عن ناقة الله التي فيها من نعم الدين والدنيا لمن قبلها ما لا يظنه الظانون.
السابعة: أنه مع هذا توعدهم بالوعيد الشديد إن لم يكفوا عنها الأذى.
الثامنة: تذكيرهم بنعمة الله عليهم بالقصور في السهل.
التاسعة: نعمة الله عليهم في هذه القوة العظيمة وهي قدرتهم على نحت الجبال بيوتا.
العاشرة: تذكيرهم بنعم الله فدل على أنهم يعرفون ذلك.
الحادية عشرة: وعظه إياهم أن الذي ينهاهم عنه هو الفساد في الأرض وهو قبيح بإجماع العقلاء.
الثانية عشرة: ذكر قبح جوابهم لهذه الموعظة البليغة التي جمعت لهم خير الدنيا والآخرة، وحذرتهم من عقوبة الدنيا والآخرة.
الثالثة عشرة: نعته الملأ منهم بالكبر.
الرابعة عشرة: إن الذين استجابوا للحق هم الضعفاء؛ وأما الملأ المستكبرون فهذا جوابهم وفعلهم.
الخامسة عشرة: جمعهم بين هذه الثلاث: عقر الناقة، والعتو عن أمر ربهم، وقولهم لرسولهم هذا.
السادسة عشرة: ذكر قولهم: * (إن كنت من المرسلين) * فلم يذكر إنكارهم الرسل من حيث الجملة.
107

السابعة عشرة: ذكر توليه عنهم لما وقع عليهم ما استعجلوا به.
الثامنة عشرة: ذكره أنه لم يبق من الحرص على دنياهم وعلى آخرتهم ممكنا.
التاسعة عشرة: ذكر أن العلة في عدم القبول عدم المحبة للناصح لا عدم البيان.
108

وأما قصة لوط فنذكر أيضا ما فيها من الزيادة على القصص الثلاث:
الأولى: التصريح أن هذا الفعل لم يفعل قبلهم.
الثانية: موعظة نبيهم بذلك؛ فدل على أنه متقرر عندهم أن أول من ابتدع القبيح ليس كغيره.
الثالثة: تعظيم هذه الفاحشة بمخاطبتهم بالاستفهام.
الرابعة: تغليظها بالألف واللام فدل على الفرق بينها وبين الزنا لقوله: * (إنه كان فاحشة) *.
الخامسة: تنبيههم على مخالفة العقول والشهوات لقوله: * (أتأتون الرجال شهوة من دون النساء) * فتتركون موضع الشهوة مع حسنه عقلا ونقلا، وتستبدلون به غير المشتهى مع قبحه عقلا ونقلا.
السادسة: تنبيههم على العلة أنها ليست للشهوة بل للسرف.
109

السابعة: هذا الجواب العجاب تلك النصيحة، والبيان بأدلة العقل والنقل.
الثامنة: إقرارهم أن آل لوط الطيبون، وأنهم الأخابث.
التاسعة: تصريحهم أن هذا هو الذي نقموا عليه، وجعلوه سببا لإخراجهم من البلد.
العاشرة: ما في إهلاك امرأته من الدلالة على التوحيد؛ والدلالة على أن من أحب قوما حشر معهم، وإن لم يعمل عملهم.
الحادية عشرة: ذكر الأمر بالنظر في عاقبة المجرمين.
110

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: وقوله عز وجل: * (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) * فيه مسائل:
الأولى: معرفة أن لا إله إلا الله، كما في قصة آدم وإبليس، ويعرف ذلك من عرف أسباب الشرك، وهو الغلو في الصالحين والجهل بعظمة الله.
الثانية: معرفة أن محمدا رسول الله يعرفه من عرف عداوة علماء أهل الكتاب له.
الثالثة: معرفة الدين الصحيح، والدين الباطل لأنها نزلت في إبطال دينهم الذي نصروا، وتأييد دينه الذي أنكروا.
الرابعة: معرفة عداوة الشيطان ومعرفة حيله.
الخامسة: أن من انسلخ من الآيات أدركه الشيطان ومن لم ينسلخ منها حمته منه، ثم صار أكثر من ينتسب إلى العلم يظن العكس.
السادسة: خوف الخاتمة كما في حديث ابن مسعود.
السابعة: عدم الاغترار بغزارة العلم.
الثامنة: عدم الاغترار بصلاح العمل.
التاسعة: عدم الاغترار بالكرامات وإجابة الدعاء.
111

العاشرة: أن الانسلاخ لا يشترط فيه الجهل بالحق أو بغضه.
الحادية عشرة: أن من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلو عرف الحق وأحبه وعرف الباطل وأبغضه.
الثانية عشرة: معرفة الفتنة وأنه لا بد منها، فليتأهب وليسأل الله العافية لقوله: * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * الآيتين.
الثالثة عشرة: عدم أمن مكر الله.
الرابعة عشرة: عقوبة العاصي في دينه ودنياه.
الخامسة عشرة: ذكر مشيئة الله وذكر السبب من العبد.
السادسة عشرة: أن محبة الدنيا تكون سببا لردة العالم عن الإسلام.
السابعة عشرة: تمثيل هذا العالم بالكلب في اللهث على كل حال.
الثامنة عشرة: أن هذا مثل لكل من كذب بآيات الله فليس مختصا.
التاسعة عشرة: ذكر كونه سبحانه أمر بقص القصص على عباده.
العشرون: ذكر الحكمة في الأمر به.
الحادية والعشرون: قوله: * (ساء مثلا) * كقوله * (بئس مثل القوم) * والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
112

((سورة يونس))
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
قوله تعالى: * (قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) * فيه ثمان حالات:
الأولى: ترك عبادة غير الله مطلقا ولو حاوله أبوه وأمه بالطمع الجليل والإخافة الثقيلة كما جرى لسعد مع أمه.
113

الحال الثانية: أن كثيرا من الناس إذا عرف الشرك وأبغضه وتركه لا يفطن لما يريد الله من قلبه من إجلاله وإعظامه وهيبته؛ فذكر هذه الحال * (ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم) *.
الحال الثالثة: إن قدرنا أنه ظن وجود الشرك والفعل منه فلا بد من تصريحه منه بأنه من هذه الطائفة؛ ولو لم يقض هذا الغرض إلا بالهرب عن بلاد كثير من الطواغيت الذين لا يبلغون الغاية في العداوة حتى يصرح بأنه من هذه الطائفة المحاربة لهم.
الحال الرابعة: إن قدرنا أنه ظن وجود هذه الثلاث فقد لا يبلغ الجد في العمل بالدين، والجد والصدق هو إقامة الوجه للدين.
الحال الخامسة: إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الأربع فلا بد له من مذهب ينتسب إليه، فأمر أن يكون مذهبه الحنيفية وترك كل مذهب سواها ولو كان صحيحا، ففي الحنيفية عنه غنية.
الحال السادسة: إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الخمس فلا بد أن يتبرأ من المشركين فلا يكثر سوادهم.
الحال السابعة: إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الست فقد يدعو من قلبه نبيا أو غيره لشيء من مقاصده، ولو كان دينا يظن أنه إن نطق بذلك من غير قلبه لأجل كذا وكذا خصوصا عند الخوف أنه لا يدخل في هذا الحال.
الحال الثامنة: إن ظن سلامته من ذلك كله ولكن غيره من إخوانه فعله خوفا أو لغرض من الأغراض، هل يصدق الله أن هذا ولو كان أصلح الناس قد صار من الظالمين؟ أو يقول: كيف أكفره وهو يحب الدين ويبغض الشرك وما أعز من يتخلص من هذا، بل ما أعز من يفهمه وإن لم يعمل به، بل ما أعز من لا يظنه جنونا والله أعلم.
114

((سورة هود))
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب:
ذكر ما في صدر سورة هود من العلوم:
الأول: علم معرفة الله:
115

ذكر أنه حكيم.
الثانية: أنه خبير.
الثالثة: أنه قدير.
الرابعة: أنه ذكر شيئا من تفصيل العلم في قوله: * (ألا إنهم يثنون صدورهم) * الآية.
الخامسة: ذكر شيئا من تفصيل القدرة في قوله: * (وما من دابة) * الآية
السادسة: خلق السماوات والأرض في ستة أيام.
السابعة: كون عرشه على الماء.
الثامنة: ذكر شيء من تفصيل الحكمة في قوله: * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) *.
التاسعة: كونه وكيلا على كل شيء.
الثاني الإيمان باليوم الآخر، وذكر أنه إليه المرجع.
الثانية: * (ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت) *.
الثالثة: ذكر الجنة والنار.
الرابعة: ذكر العرض عليه.
الخامسة: كلام الأشهاد.
السادسة: ضل عنهم افتراؤهم.
السابعة: كونهم الأخسرون في الآخرة.
116

الثالث: تقرير الرسالة.
ذكر أولا المسألة الكبرى.
الثانية: أنه نذير من الله وبشير لنا.
الثالثة: تقرير صحة رسالته باعتراضهم بقولهم: إنها * (سحر مبين) * مع موافقتها للعقل.
الرابعة: تقريرها بقولهم: * (لولا أنزل عليه كنز) *.
الخامسة: تقريرها بمعرفة العلماء بها.
السادسة: تقريرها بالتحدي.
السابعة: تقريرها بأنها الحق من الله.
الرابع: ذكر الوعد والوعيد.
وذكر المتاع الحسن لمن قبله.
الثانية: ذكر عذاب اليوم الكبير لمن أبي.
الثالثة: * (يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) *.
الرابعة: وعيد من أراد الدنيا.
الخامسة: ووعيد من افترى عليه.
السادسة: وعد المؤمنين المخبتين.
السابعة: وعيد من استهزأ بالقرآن.
الخامس: ذكر الأمر والنهي.
117

فذكر النهي عن الشرك والأمر بالإخلاص.
الثانية: الأمر بالاستغفار والتوبة.
الثالثة: الأمر بالمضي على أمر الله؛ وإن اعترضوا بالشبهة الفاسدة.
الرابعة: أمره بالتحدي.
الخامسة: نهيه عن الفرية فيه.
السادس: أمور مدحها لنفعها.
منها الصبر.
الثانية: عمل الصالحات.
الثالثة: مدح العلم الصادر عن اليقين.
الرابعة: مدح معرفة القرآن.
الخامسة: ذكر نتيجة الأمرين.
السادسة: الإيمان.
السابعة: الإخبات إلى الله.
السابع: أمور كرهها ذكرها لتترك.
منها التولي.
الثانية: ثني الصدر.
الثالثة: الاعتراض على الحق الصريح بالجهل الصريح.
الرابعة: استبطاء وعيد الله.
118

الخامسة: كون الإنسان يئوسا عند الضراء.
السادسة: كونه كفورا عندها.
السابعة: كونه فرحا عند النعماء.
الثامنة: فخورا عندها ولو كانت بعد ضراء والتي قبلها ولو كانت بعد سراء.
التاسعة: نتيجة معرفة الآية.
العاشرة: فائدة النتيجة.
الحادية عشرة: كونه يريد الدنيا.
الثانية عشرة: كونه يفتري على الله الكذب.
الثالثة عشرة: من المكروه الصد عن سبيل الله.
الرابعة عشرة: بغى العوج لها.
الثامن: المنثور.
ذكر أن الأكثر لا يؤمنون.
الثانية: ذكر مثل المؤمنين.
الثالثة: ذكر مثل الكافرين.
الرابعة: التنبيه على التذكير بالحالين.
الخامسة: كونهم لا يستطيعون السمع.
السادسة: الفرق بين العالم والجاهل.
السابعة: كون عرشه على الماء.
الثامنة: من الوعد * (أولئك لهم مغفرة وأجر كبير) *.
119

وقال أيضا الشيخ محمد رحمه الله تعالى: * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلى النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) *.
وقد ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعل الناس اليوم ولا يعرفون معناه.
الأول: من ذلك العمل الصالح الذي يفعل كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقة وصلاة وإحسان إلى الناس ونحو ذلك، وكذلك ترك ظلم أو كلام في عرض ونحو ذلك مما يفعله الإنسان أو يتركه خالصا لله، لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة إنما يريد أن الله يجازيه بحفظ ماله وتنميته، وحفظ أهله وعياله وإدامه النعمة عليهم ونحو ذلك، ولا همة له في طلب الجنة ولا الهرب من النار فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب؛ وهذا النوع ذكر عن ابن عباس في تفسير الآية.
وقد غلط بعض مشائخنا بسبب عبارة في شرح الإقناع في أول باب النية لما قسم الإخلاص مراتب وذكر هذا منها ظن أنه يسميه إخلاصا مدحا له وليس كذلك؛ وإنما أراد أنه لا يسمى رياء وإلا فهو عمل حابط في الآخرة.
والنوع الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف وهو الذي ذكر مجاهد أن
120

الآية نزلت فيه، وهو أن يعمل أعمالا صالحة ونيته رئاء الناس لا طلب ثواب الآخرة؛ وهو يظهر أنه أراد وجه الله وإنما صلى أو صام أو تصدق أو طلب العلم لأجل أن الناس يمدحونه ويجل في أعينهم، فإن الجاه من أعظم أنواع الدنيا؛ ولما ذكر لمعاوية حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار وهم: الذي تعلم العلم ليقال عالم حتى قيل، وتصدق ليقال جواد، وجاهد ليقال شجاع، بكى معاوية بكاء شديدا ثم قرأ هذه الآية.
النوع الثالث: أن يعمل الأعمال الصالحة ومقصده بها مالا مثل أن يحج لمال يأخذه لا لله، أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، أو يجاهد لأجل المغنم فقد ذكر هذا
النوع أيضا في تفسير هذه الآية كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة ' الخ. وكما يتعلم العلم لأجل مدرسة أهله أو مكسبهم أو رياستهم، أو يقرأ القرآن ويواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد كما هو واقع كثيرا؛ وهؤلاء أعقل من الذين قبلهم لأنهم عملوا لمصلحة يحصلونها، والذين قبلهم عملوا لأجل المدح والجلالة في أعين الناس ولا يحصل لهم طائل؛ والنوع الأول أعقل من هؤلاء كلهم لأنهم عملوا لله وحده لا شريك له، لكن لم يطلبوا منه الخير العظيم وهو الجنة، ولم يهربوا من الشر العظيم وهو العذاب في الآخرة.
121

النوع الرابع: أن يعمل الإنسان بطاعة الله مخلصا في ذلك لله وحده لا شريك له، لكنه على عمل يكفره كفرا يخرجه عن الإسلام مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا لله، وتصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم شرك أكبر أو كفر أكبر يخرجهم عن الإسلام بالكلية إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة، لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام؛ وتمنع قبول أعمالهم فهذا النوع أيضا قد ذكر في الآية عن أنس بن مالك وغيره، وكان السلف يخافون منه ما قال بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لتمنيت الموت لأن الله يقول: * (إنما يتقبل الله من المتقين) * فهذا قصد وجه الله والدار الآخرة، لكن فيه من حب الدنيا والرياسة والمال ما حمله على ترك كثير من أمر الله ورسوله أو أكثره فصارت الدنيا أكبر قصده؛ فلذلك قيل قصد الدنيا وصار ذلك القليل كأنه لم يكن كقوله صلى الله عليه وسلم: ' صل فإنك لم تصل ' والأول أطاع الله ابتغاء وجهه لكن أراد من الله الثواب في الدنيا؛ وخاف على الحظ والعيال مثل ما يقول الفسقة فصح أن يقال: قصد الدنيا والثاني والثالث واضح.
لكن بقي أن يقال: إذا عمل الرجل الصلوات الخمس والزكاة والصوم
122

والحج ابتغاء وجه الله طالبا ثواب الآخرة، ثم بعد ذلك عمل أعمالا كثيرة أو قليلة قاصدا بها الدنيا مثل أن يحج فرضه لله ثم يحج بعده لأجل الدنيا كما هو الواقع كثيرا فالجواب أن هذا عمل للدنيا والآخرة، ولا ندري ما يفعل الله في خلقه، والظاهر أن الحسنات والسيئات تدافعها وهو لما غلب عليه منهما، وقد قال بعضهم: أن القرآن كثيرا ما يذكر أهل الجنة الخلص وأهل النار الخلص، ويسكت عن صاحب الشائبتين، وهو هذا وأمثاله؛ ولهذا خاف السلف من حبوط الأعمال، وأما الفرق بين الحبوط والبطلان فلا أعلم بينهما فرقا بينا والله أعلم.
123

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في قوله عز وجل لما ذكر قصة نوح: * (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) * إذا تأمل الإنسان حاله أولا، وما تعلم من العلوم من أهله ثم تفكر في هذه القصة هل علم منها زيادة على ما عنده أولا عرف مسائل:
الأولى: عظمة الشرك عند الله ولو قصد صاحبه التقرب إلى الله، وذلك مما فعل الله بأهل الأرض لما عبدوا ودا، وسواعا؛ ويغوث، ويعوق، ونسرا.
الثانية: شدة بطش الله وعقوبته حيث أرسل الطوفان فأهلك الطيور والدواب وغير ذلك.
الثالثة: معرفة آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وافق ما قصه مع كونه لم يعلم ولم يأخذه عمن يعلم ما عند أهل الكتاب، فلم يستطيعوا أن يردوا عليه مع شدة العداوة.
الرابعة: التحقيق بكون المخلوق ليس له من الأمر شيء ولو كان نبيا مرسلا بسبب ما فيها من قصة ابن نوح.
الخامسة: تبيين الله الحجج الباطلة والتحذير منها؛ مع أنها عندنا أوهام وعند أكثر الناس حجج صحيحة.
السادسة: تبرؤ الرسل من دعوى أن عندهم خزائن الله وعلم الغيب مع أن الطواغيت في زمننا ادعوا ذلك؛ وصدقوا وعبدوا لأجل ذلك.
124

السابعة: التحذير من استحقار الفقراء والضعفاء لقوله: * (ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين) * مع أنه سائغ ممن يدعي العلم ويستحسنه الناس منهم.
الثامنة: وهي من أعظم الفوائد التحذير من الشبهة التي أدخلت أكثر الناس النار وهي السواد الأعظم والنفرة من القليل لقوله: * (وما آمن معه إلا قليل) *.
التاسعة: معرفة شيء من عظمة الله في تأديبه الرسل لما قال لنوح: * (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) *.
العاشرة: وهي من أهمها أن فيها شاهدا لقول الحسن: نضحك ولعل الله اطلع على بعض أعمالنا فقال: لا أغفر لكم وذلك من قوله: * (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) * مع سخريتهم منه.
الحادية عشرة: التحذير من اتباع رؤساء الدنيا وقبول حججهم لقوله: * (قال الملأ) * وهم الأشراف والرؤساء.
125

الثانية عشرة: بيان الله تعالى لتلك الحجج فقولهم: * (ما نراك إلا بشرا مثلنا) * فيه القياس الفاسد وقولهم: * (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) * احتجاج بما ليس حجة وقولهم: * (بادي الرأي) * أي ليسوا بأهل دقة نظر في أمور الدنيا احتاج بما ليس بحجة وقولهم: * (وما نرى لكم علينا من فضل) * احتجاج برؤيتهم وهو من أفسد الحجج وقولهم: * (بل نظنكم كاذبين) * احتجاج بالظن.
الثالثة عشرة: أنهم لم يصرحوا بأن هذا الذي عليه نوح وأتباعه أمر الله، ثم جاهروا بعصيانه، قالوا: * (بل نظنكم كاذبين) * وقالوا: * (ولو شاء الله لأنزل ملائكة) * وغير ذلك، وأنت ترى الذين يكونون من أهل العلم والعبادة كيف يقرون ويجاهرون بالكفر * (ويحسبون أنهم مهتدون) *.
126

((سورة يوسف))
ذكر ما ذكر الشيخ محمد رحمه الله على سورة يوسف من المسائل:
* (الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) * روى ابن جرير عن سعد بن أبي وقاص قال: أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فتلاه زمانا فقالوا يا رسول الله لو حدثتنا فنزل: * (الله نزل أحسن الحديث) * الآية وله عن عون بن عبد الله قال: مل الصحابة ملة فقالوا يا رسول الله: حدثنا فنزل * (الله نزل أحسن الحديث) * ثم ملوا ملة فقالوا يا رسول الله: حدثنا ما فوق الحديث ودن القرآن يعنون القصص فأنزل الله أول هذه السورة إلى قوله: * (لمن الغافلين) *.
ومما يدل على أن القرآن كاف عما سواه من الكتب أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فقرأ عليه فغضب فقال: ' أمتهوكون فيها
127

يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ' رواه أحمد، وفي لفظ أنه استكتب جوامع مع التوراة وقال: ألا أعرضها عليك، وفيه: ' لو أصبح فيكم موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين '.
وقد انتفع عمر بهذا فقال للذي نسخ كتاب دانيال امحه بالحميم والصوف الأبيض، وقرأ عليه أول هذه السورة وقال: ' لئن بلغني أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنك عقوبة '.
والمراد بأحسن القصص القرآن لا قصة يوسف وحدها وقوله: * (تلك) * أي هذه * (آيات الكتاب المبين) * الواضح الذي يوضح الأشياء المبهمة وقوله: * (لعلكم تعقلون) * أي تفهمون معانيه، والقصص مصدر قص الحديث يقصه قصصا أي بإيحائنا إليك هذا القرآن، وقوله: * (لمن الغافلين) * أي الجاهلين به.
وهذا مما يبين جلالة القرآن، لأن فيه دلالة على أن علمه صلى الله عليه وسلم من القرآن، وفيه دلالة على جلالة الله وقدرته، ودلالة على عظيم نعمته على نبيه صلى الله عليه وسلم، وفيه دلالة على كذب من ادعى أن غيره من الكتب أوضح منه.
128

قوله عز وجل: * (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين) * أبوه يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، والكواكب عبارة عن إخوته، والشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه، ووقع تفسيرها بعد أربعين سنة، وقيل: ثمانين حين رفع أبويه على العرش وخروا له سجدا، ولما كان تعبيرها خضوعهم له، خشي إن حدثهم أن يحسدوه فيبغون له الغوائل؛ وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من رأى ما يجب أن يحدث به ولا يحدث إلا من يحب؛ وإذا رأى ما يكره فليتحول إلى جنبه الآخر، ويتفل عن يساره ثلاثا، ويتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره، وفيها عدم الوثوق بنفسك وبغيرك؛ قيل للحسن: أيحسد المؤمن؟ قال: أنسيت إخوة يوسف؟ وفيها التنبيه على السبب وهو عداوة الشيطان للإنسان. وفيها كتمان النعمة ما لم يؤمر بإظهارها، وفيها كتمان السر.
قوله: * (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم) * أي كما اختارك لهذه الرؤيا كذلك يختارك لنبوته * (ويعلمك من تأويل الأحاديث) * قال مجاهد وغيره: عبارة الرؤيا * (ويتم نعمته عليك) * بإرسالك * (كما أتمها على أبويك من قبل) * وقوله: * (إن ربك عليم حكيم) * أي عليم بمن يصلح للاجتباء، حكيم يضع الأشياء في مواضعها،
129

وهذا من أنفع العلوم يعني معرفة الله تعالى، ولا يعتني به إلا من عرف قدره، وفيها البشارة بالخير، وإنه ليس من مدح الإنسان المنهي عنه، وفيها تولية النعمة مسديها سبحانه وتعالى، وفيها سؤال الله تعالى تمام النعمة، وأن علم التعبير علم صحيح يمن الله به على من يشاء من عباده.
وقوله عز وجل: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين) * يعني أن في ذلك عبرا وفوائد لمن يسأل؛ فإنه خبر يستحق السؤال * (إذ قالوا ليوسف وأخوه) * شقيقه أي * (ونحن عصبة) * جماعة وقوله: * (في ضلال مبين) * أي تقديمهما علينا، وقوله: * (اطرحوه أرضا) * أي ألقوه في أرض بعيدة * (يخل لكم) * وحدكم * (وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) * أي تتوبون وقوله: * (في غيابة الجب) * أي أسفله * (يلتقطه بعض السيارة) * أي المارة من المسافرين * (إن كنتم فاعلين) * أي إن كنتم عازمين على ما تقولون.
قال ابن إسحاق: لقد اجتمعوا على أمر عظيم يغفر الله لهم * (وهو أرحم الراحمين) *.
وفيها مسائل:
منها ما نبه الله تعالى عليه أن هذه القصة فيها عبر، قال بعضهم: فيها
130

أكثر من ألف مسألة، وفيها أن الذي ينتفع بالعلم هو الذي يهتم به ويسأل عنه؛ وأعظم ما فيها تقرير الشهادتين بالأدلة الواضحة.
وفيها: أن الوالد يعدل بين الأولاد لئلا تقع بينهم القطيعة، وأن ذلك ليس مختصا بالمال.
وفيها غلط العالم في الأمر الواضح؛ وتغليطه من لا ينبغي تغليطه لقولهم: * (ونحن عصبة) * الآية.
وفيها أن الإنسان لا يغتر بالشيطان إذا زين له المعصية ومناه التوبة.
وفيها شاهد للمثل المعروف بعض الشر أهون من بعض. وفيها شاهد لقوله: ' أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي الرجل على قدر دينه ' وسيأتي بعض ما فيها من المسائل في مواضعه إن شاء الله تعالى.
* (قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون. أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون) * قال ابن عباس وغيره: * (يرتع ويلعب) * يسعى وينبسط، وفي قراءة * (نرتع ونلعب) * فيه الرخصة في بعض اللعب خصوصا للصغار، وفيه التحفظ على الأولاد، وفيه إرسالهم مع الأمناء الناصحين، وفه عدم الاغترار بحسن الكلام.
131

* (قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون) * قال إنه ليشق علي مفارقته وقت ذهابكم به لفرط محبته * (وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) * أي تشتغلون عنه برميكم ورعيكم، فأخذوها منه وجعلوها عذرهم، ومن الأمثال: البلاء موكل بالمنطق.
وفيه أنه لم يتهمهم بما أرادوا ولكن خاف من التقصير في حفظه * (قالوا لئن أكله الذئب) * أي إن عدا عليه فأكله ونحن جماعة إنا إذا لعاجزون، فيه الذم لمن ترك الحزم، وفيه أن العجز هلكة.
* (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لننبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) * هذا فيه تعظيم لما فعلوا أنهم اتفقوا على إلقائه في أسفل الجب، وقد أخذوا من أبيه بذلك الكلام.
وقوله: * (وأوحينا إليه) * قيل: كان قد أدرك، وقيل: أوحي إليه كما أوحي إلى عيسى ويحيى. وقوله: * (وهم لا يشعرون) * أي لا يشعرون بأنك يوسف كذا روى عن ابن عباس، وقيل: لا يشعرون بإيحائنا ذلك إليه.
وفيه جواز الذنوب على الصالحين، وفيه رجاء رحمة الله، وفيه أن الله سبحانه وقت البلاء نعما عظيمة.
132

وفيه أن الماكر يصير وبال مكره عليه، ولكن لا يشعر، ولو شعر لما فعل.
* (وجاءوا أباهم عشاء يبكون. قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين. وجاءوا على قميصه بدم كذب قال: بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) * لما رجعوا إليه باكين إظهارا للحزن على يوسف اعتذروا باستباقهم وهو الترامي * (وقالوا إنا ذهبنا نستبق) * وقوله: * (عند متاعنا) * أي ثيابنا وأمتعتنا وقوله: * (وما أنت بمؤمن لنا) * أي لست بمصدقنا ولو كنا صادقين عندك فكيف مع التهمة، وقوله * (بدم كذب) * نسوا أن يخرقوا القميص فعرف كذبهم؛ قوله * (سولت) * أي زينت أو سهلت، والصبر الجميل الذي لا شكوى معه، وقوله: * (تصفون) * أي تذكرون، وفيه من الفوائد عدم الاغترار ببكاء الخصم، وعدم الاغترار بزخرف القول؛ وما يجعل الله على الباطل من العلامات.
وفي الاستدلال بالقرائن، وفيه ما ينبغي استعماله عند المصائب وهو الصبر الجميل والاستعانة بالله، وأن التكلم بذلك حسن.
* (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) * السيارة الرفقة السائرون، والوارد الذي يرد
133

الماء يستسقى للقوم، وقوله: * (وأسروه بضاعة) * أي أظهروا أنهم أخذوه بضاعة من أهل الماء.
وقوله: * (وشروه بثمن بخس دراهم) * أي باعوه في مصر بثمن قليل، لأنهم لم يعلموا حاله، وفيه من الفوائد أن الله يبتلي أحب الناس إليه بمثل هذا البلاء العظيم عليه وعلى أبيه، ومن ذلك البلاء أنه سلط عليه من يبيعه بيع العبد.
وفيه أنه لا ينبغي للعاقل أن يستحقر أحدا فقد يكون زاهدا فيه وهو لا يعلم.
* (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حيث تفرس في يوسف، والمرأة حين قالت: يا أبت استأجره، وأبو بكر في عمر.
وقوله: * (وكذلك مكنا ليوسف) * أي كما أنجيناه من كيد إخوته ومن الجب وجعلناه عند من يكرمه مكنا له * (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) * أي إنما فعلنا ذلك لحكمة وهي إعطاؤنا إياه العلم والعمل؛ وقوله: * (والله غالب على أمره) * أي الذي يجري ما أراد لا ما أراد العباد كما لم يعمل كيدهم في يوسف، وقوله: * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * ما أعظمها من فائدة لمن فهمها.
134

* (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين) * تقول العرب: بلغ أشده أي منتهى شبابه قيل: الحلم، وقيل أكثر من ذلك، قوله: * (آتيناه حكما وعلما) * العلم معرفة الأشياء والحكم العمل به وإصابة الحق وقوله: * (وكذلك نجزي المحسنين) * يعني أن هذا ليس مختصا بيوسف، بل الله سبحانه يجازي المحسنين بخير الدنيا والآخرة، ومن ذلك أنه يجازي المحسنين بإعطائه العلم والحكمة.
* (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون) * فيه مسائل:
الأولى قوله: * (إنه ربي) * إن هذا جائز في شريعتهم بخلاف شريعتنا، لأنها لو كانت سمحة في العمل فهي حنيفية في التوحيد.
الثانية: مراعاة حق المخلوق.
الثالثة: شكر نعمة المخلوق لقوله: * (أحسن مثواي) *.
الرابعة: القاعدة الكلية * (إنه لا يفلح الظالمون) *.
الخامسة: التنبيه على عدم مخالطة الخدم للنساء خصوصا إذا كان في الخادم داعية.
السادسة: معرفة كمال يوسف عليه السلام فإن صبره لا يعرف له نظير.
135

السابعة: براءته عليه السلام من الحول والقوة لقوله: * (معاذ الله) * أعوذ بالله * (إنه ربي) * أي سيدي * (أحسن مثواي) * أي أكرمني.
الثامنة: أن الاعتذار بحق المخلوق لا بأس به؛ ولو كان في القضية حق الله، ومعنى * (هيت لك) * أي أقبل.
* (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) * فيه مسائل:
الأولى: أن الهم الذي لا يقترن به عمل ولا قول لا يعد ذنبا، كما في الحديث: ' إن الله تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل '.
الثانية: أن الذي صرفه عن ذلك فضل تفضل الله عليه به تلك الساعة غير إيمانه الأول، وهذه من أعظم ما يعرف الإنسان نفسه.
الثالثة: أن هذا الفضل سببه ما تقدم له من العمل الصالح فمن ثواب العمل حفظ الله للعبد كما في قوله: ' احفظ الله يحفظك '.
الرابعة: معرفة قدر الإخلاص حيث أثنى الله على يوسف أنه من أهله.
الخامسة: السابقة التي سبقت من الله، كما قال أبو عثمان: لأنا بأول هذا الأمر أفرح مني بآخره.
136

السادسة: أن العباد المضافين إليه غير الذين قال فيهم: * (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) *.
السابعة: صرف الله عنه السوء والفحشاء، فيه رد على ما ذكر بعض المفسرين.
الثامنة: أن الصارف له آية من آيات الله أراه إياها.
التاسعة: عطف الفحشاء على السوء قيل: إن السوء الذنوب كلها.
* (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) * تبادرا إلى الباب، إن سبق يوسف خرج وإن سبقته أغلقته لئلا يخرج، وقوله: * (من دبر) * أي من خلف * (ألفيا) * أي وجدا سيدها أي زوجها * (لدى الباب) * أي عنده، فيها مسائل:
الأولى: حرصه عليه السلام على البعد عن الذنب كما حرصت على الفعل.
الثانية: لطف الله تعالى في تيسيره شق القميص من دبر.
الثالثة: كشف الله ستر العاصي فيما يستبعد.
الرابعة: شدة مكر النساء كيف قويت على هذا في هذا الموضع.
الخامسة: التحرز من تظلم الشخص فربما أنه هو الظالم، والدواء التأني وعدم العجلة.
137

السادسة: تسمية الزوج سيدا في كتاب الله.
السابعة: ما عليه الكفار من استعظام الفاحشة.
الثامنة: الغيرة على الأهل.
* (قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) * قوله: * (من أهلها) * أي من أقاربها، وإن كان مع زوجها، فيه مسائل:
الأولى: القيام بالقسط في الشهادة قد يكون من الكفار؛ والعجب أنه في مثل هذه الحادثة.
الثانية: أن الشاهد إذا كان من قرابات الشهود عليه فهو أبلغ.
الثالثة: الحكم بالدلالات والقرائن.
الرابعة: ذكر الله تعالى ذلك على سبيل التصويب فيفيد قبول الحق ممن أتى به كائنا من كان.
الخامسة: أن مثل هذه القرينة يصح الحكم بها.
السادسة: ألطافه تبارك وتعالى في البلوى.
السابعة: أن ذكر الخصم مثل هذا عن صاحبه لا يذم بل يحمد.
* (فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم.
138

يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) * فيه مسائل:
الأولى: كون زوجها قبل الحق وصار مع يوسف عليها.
الثانية: قلة الغيرة على أهله.
الثالثة: أن قوله هذه القضية الجزئية خارجة عن قضايا كلية.
الرابعة: عظمة كيد النساء، وذكره تعالى ذلك غير منكر له مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: ' إنكن لأنتن صواحب يوسف '.
الخامسة: أنه لم يحكم عليها إلا بعد ما رأى القد.
السادسة: أمره ليوسف بكتمان السر مع ما أنزله الله في ذلك من التغليظ إلا أربعة شهداء.
السابعة: أمره لها بالاستغفار من الذنب مع عدم الإسلام.
الثامنة: حكمه عليها أنها صارت من هؤلاء المذمومين عندهم.
* (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) * (قوله) * (فتاها) * أي عبدها وقوله: * (شغفها) * الشغاف داخل القلب أي دخل حبه في داخل قلبها، فيه مسائل:
139

الأولى: أن هذا قبيح في عرفهن ولو لم يكن مسلمات.
الثانية: حب المرأة حبا عظيما من هو دون مرتبتها مما يعينه.
الثالثة: أنها لم تكتم بل سعت في طلب الفاحشة بالمراودة.
الرابعة: أن هذا من مثلها ضلال مبين عندهن.
* (فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت: اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم) * فيه مسائل:
الأولى: بيان كمال عقلها الذي ينقص عنه أكثر عقول الرجال.
الثانية: ما أعطى يوسف عليه السلام من جمال الصورة التي تبهر الناظر.
الثالثة: غيبة عقولهن وعدم إحساسهن بقطع أيديهن، وهذه من أعجب ما سمع.
الرابعة: معرفتهن بالملائكة.
الخامسة: جلالة الملائكة عندهن وأنهم أكمل من البشر.
السادسة: معنى حاش لله في هذا المقام.
السابعة: وصفهن الملك بالكرامة.
* (قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين) * فيه مسائل:
140

الأولى: إظهار عذرها لما أصابهن ما ذكر.
الثانية: إقرارها أنها ستعود.
الثالثة: كما أخبرتهن بجماله الظاهر بالحسن أخبرتهن بجماله الباطن بالعفة.
الرابعة: إخبارهن أنها لا صبر لها عنه، فإن لم يفعل سعت في سجنه ومهونته.
الخامسة: معنى (استعصم) امتنع وأبى.
* (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم) * فيه مسائل:
الأولى: فضيلة يوسف عليه السلام كيف اختار السجن على ما ذكر مع قوة الدواعي وصرف الموانع، ولا يعرف لأحد نظير هذا.
الثانية: التصريح بأن النسوة دعونه من غير امرأة العزيز.
الثالثة: معرفته عليه السلام بنفسه وبربه؛ وأن القوة التي فيه لا تنفع إلا أن أمده الله بمدد منه.
الرابعة: أن هذا الكلام دعاء ولو كان بهذه الصيغة.
الخامسة: أن الله سبحانه ذكر أنه استجاب دعاءه فدعاؤه عليه السلام سبب لصرف ذلك عنه.
141

السادسة: ختمه سبحانه ما ذكر بوصف نفسه بأنه السميع العليم.
السابعة: استفتاحه الدعاء بربه، وقوله تعالى: * (فاستجاب له ربه) *.
الثامنة: إثبات المكر أولا والكيد بعده لهن.
* (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) * الآية قيل: سبب ذلك أن الحديث شاع في الناس فأرادوا إظهار أنه المذنب (إلى حين) قيل: إلى أن تسكن القضية.
فيه مسائل: الأولى أنهم تمالؤا على ذلك ليس رأيا لزوجها خاصة.
الثانية: أن تلك الحيلة لم تنفع بل أظهر الله ما يكرهونه على الرغم منهم.
الثالثة: ابتلاء الله أحب الخلق إليه وهم الأنبياء بالسجن.
الرابعة: أن السبب الذي أظهروا أكبر بلية من السجن عند أهل المروءات.
الخامسة: أن رؤية الآيات والقطع على المسألة لا يستلزم اتباع الحق وترك الباطل.
* (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل منه الطير نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) * فيه مسائل ونذكر قصة قبل ذلك، قيل إن الملك بلغه أن الخباز يريد أن يسمه وأن صاحب شرابه مالأه على ذلك فحبسهما جميعا، وذلك قوله: * (ودخل معه السجن فتيان) * فقال الساقي:
142

* (إني أراني أعصر خمرا) * أي أعصر عنبا خمرا، وقال صاحب الطعام: * (إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا) * * (بتأويله) * بتفسيره * (إنا نراك من المحسنين) * تأتي الأفعال الجميلة، وقيل: ممن يحسن تعبير الرؤيا، فيه مسائل:
الأولى: عبارة الرؤيا علم صحيح ذكره الله في القرآن؛ ولأجل ذلك قيل: لا يعبر الرؤيا إلا من هو من أهل العلم بتأويلها لأنها من أقسام الوحي.
الثانية: تعبير أكل الطير من الخبز الذي فوق رأس الرجل بما ذكر.
الثالثة: تعبير عصر الخمر بسلامة الذي رآه ورجوعه إلى مرتبته.
الرابعة: فيه دلالة على قوله صلى الله عليه وسلم: ' إذا رأى أحدكم ما يكره فلا يذكرها ' وقوله: ' الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت '.
الخامسة: أن التأويل في كلام الله ولغة العرب غير التأويل في عرف المتأخرين، ومعناه ما يؤول الأمر إليه.
السادسة: أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل عن مسائل العلم إلا من رآه يحسن ذلك.
143

* (قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون. يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا سلله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * يقول عليه السلام إني عليم بتعبير الرؤيا هذه وغيرها (فلا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله) قبل إتيانه فكيف بغير ذلك؟ ففيه مسائل:
الأولى: ذكر العالم أنه من أهل العلم عند الحاجة، ولا يكون من تزكية النفس.
الثانية: إضافة هذه النعمة العظيمة إلى معطيها سبحانه وتعالى لا إلى فهم الإنسان واجتهاده.
الثالثة: ذكر سبب إكرام الله له بهذا الفضل وهو الترك والفعل، فترك الشرك الذي هو مسلك الجاهلين، واتبع التوحيد الذي هو سبيل أهل العلم من الأنبياء وأتباعهم.
الرابعة: ذكره أنه من هؤلاء الأكرمين فانتسب إلى البيت الذي هو أشرف بيوت أهل الأرض، وهذا جائز على غير سبيل الافتخار خصوصا عند الحاجة.
144

الخامسة: أنه صرح لهم بأنهم إبراهيم وإسحق ويعقوب.
السادسة: أن الجد يسمى أبا كما ذكر ابن عباس، واحتج بالآية على زيد بن ثابت.
السابعة: قوله: * (ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء) * قيل معناه: إن الله عصمنا، وهذه الفائدة من أكبر الفوائد وأنفعها لمن عقلها، والجهل بها أضر الأشياء وأخطرها.
الثامنة: قوله: * (من شيء) * عام كل ما سوى الله، وهذه المسألة هي التي غلط فيها أذكياء العالم وعقلاء بني آدم، كما قال تعالى: * (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) *.
التاسعة: ذكر سبب معرفتهم بالمسألة وعلمهم بها وثباتهم عليها؛ وهو مجرد فضل الله فقط عليهم.
العاشرة: أن فضله سبحانه ليس مخصوصا بنا، بل عام للناس كلهم لكن منهم من قبله، ومنهم من رده، وذلك أنه أعطى الفطر ثم العقول، ثم بعث الرسل وأنزل الكتب.
الحادية عشرة: إزالة الشبهة عن المسألة التي هي أكبر الشبهة، وذلك أن الله إذا تفضل بهذا كله خصوصا البيان فما بال الأكثر لم يفهم ولم يتبع فما أكثر الجاهلين بهذا وما أكثر الشاكين فيه، فقد ذكر تعالى أن السبب أن جمهور الناس لم يشكر فأما من عرف النعمة فلم يلتفت إليها
145

فلا إشكال فيه. وأما من لم يعرف فذلك لإعراضه، ومن أعرض فلم يطلب معرفة دينه فلم يشكر.
الثانية عشرة: دعوته إياهما عليه السلام إلى التوحيد في تلك الحال، فلم تشغله عن النصيحة والدعوة إلى الله فدعاهما أولا بالعقل، ثم بالنقل: وهي الثالثة عشرة.
الرابعة عشرة: قوله: * (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * فهذه حجة عقلية شرحها في قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا) * الآية.
الخامسة عشرة: أن الذي في الجانب الآخر هو الذي جبلت القلوب وأقرت الفطر أنه ليس له كفو.
السادسة عشرة: أنه هو القهار مع كونه واحدا، وما سواه لا يحصيهم إلا هو فهذه قوله؛ وهذا عجزهم فكيف يعدل به واحد منهم، أو عشرة أو مائة.
السابعة عشرة: بيان بطلان ما عبدوا من دونه بأنها أسماء لا حقيقة لها.
الثامنة عشرة: التنبيه على بطلانها بكونها بدعة ابتدعها من قبلكم فتبعتموهم.
التاسعة عشرة: بيان الواجب على العبد في الأديان السؤال عما أمر الله به
146

ونهى عنه، وهو السلطان المنزل من السماء، لا يعبد بالظن وما تهوى الأنفس.
العشرون: القاعدة الكلية التي تفرع عنها تلك الجزئية وهي أن أحكام الدنيا إلى الله لا إلى آراء الرجال كما قال تعالى: * (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) *.
الحادية والعشرون: إذا ثبت أن الحكم له وحده دون الظن وما تهوى الأنفس فإنه سبحانه حكم بأن العبادة كلها محصورة عليه ليس لأحد من أهل السماء وأهل الأرض منها شيء.
الثانية والعشرون: أن هذه المسألة هي الدين القيم وكلما خالفها أوليس منها فليس بقيم بل أعوج؛ فعلامة الحق أن العقول السليمة تعرف اعوجاجه بالفطرة؛ ومع هذا أنزل الله السلطان من السماء بتحقيق هذا والإلزام به، وتبطيل ذلك وتغليظ الوعيد عليه.
الثالثة والعشرون: المسألة الكبيرة العظيمة التي لو تجعلها نصب عينيك ليلا ونهارا لم يكن كثيرا، وأيضا تبين لك كثيرا من المسائل التي أشكلت على الناس وهي أن الله بين لنا بيانا واضحا أن الأكثر والجمهور الذين يضيقون الديار ويغلون الأسعار من أهل الكتاب والأميين لا يعلمون هذه المسألة: مع إيضاحها بالعقل والنقل والفطرة، والآيات النفسية والأفقية.
الرابعة والعشرون: أنه ينبغي للعالم إذا سأله العامي عما لا يحتاج إليه أو سأله عما غيره أهم منه أن يفتح له بابا إلى المهم.
147

الخامسة والعشرون: أنك لا تحقر عن التعليم من تظنه أبعد الناس عنه ولا تستبعد فضل الله، فإن الرجلين من خدام الملوك الكفرة، بخلاف من يقول: ليس هذا بأهل للعلم بل تعليمه إضاعة للعلم.
وقال رحمه الله تعالى قوله تعالى: * (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) * سبق ما في هذا من المسائل، لكن فيه ما لم يذكر:
منها أن المفتى يجوز له أو يستحب أن يفتي السائل بما لا يحتاج إليه.
ومنها أنه يجيب السائل بما يسوؤه إذا كانت الحال تقتضيه.
ومنها تأكيد الفتيا بما يسوء بما ذكر من قضاء الله على ذلك. * (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين) * يعني قال يوسف للساقي الذي ظن نجاته، قيل: الظن هنا هو اليقين، وقوله: * (اذكرني عند ربك) * أي الملك * (فأنساه الشيطان) * يوسف ذكر الله؛ والبضع ما بين الثلاث إلى التسع.
فيه مسائل:
الأولى: أن الرب كما يطلق على المالك يطلق على المخدوم.
الثانية: أن مثل هذا مما يعاقب به الأنبياء مع كونه جائزا لغيرهم.
148

الثالثة: أن المقرب قد يؤخذ بما لا يؤاخذ به من دونه.
الرابعة: أن الشيطان قد يتوصل إلى الأنبياء بمثل هذا.
الخامسة: أن ترك هذا القول والاستغناء بالله من التوكل.
السادسة: أن من المقامات ما يحسن من شخص ويلام في تركه ويذم من شخص آخر، كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد الاقتداء به في الوصال وقال: ' إني لست كهيئتكم '.
السابعة: أن هذا من أبين أدلة التوحيد لمن عرف أسباب الشرك بالمقربين، وهو أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم: ' يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا '، وتمامها بمعرفة الثامنة:
وهي أن الله عاقبه باللبث في السجن هذه المدة الطويلة مع أن لبث الإنسان فيه سنة واحدة من العذاب الأليم، فكيف بشاب ابن نعمة.
* (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون. قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون. يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر
149

يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون. قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون. ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون. ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) * فيه مسائل:
الأولى: تسمية الله ذلك الرجل بالملك.
الثانية: أن الذي سأله عنه هو البقر والسنابل.
الثالثة: أنه استفتى الملأ وهم الأشراف، ولكن بشرط إن كان عندهم علم.
الرابعة: جوابهم بقوله: * (أضغاث أحلام) * يدل على أن مما يراه النائم فيه رؤيا حق؛ وفيه أضغاث أحلام باطلة، وقد صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الخامسة: إقرارهم بعدم العلم بالتعبير ولم يأنفوا مع أنهم الملأ.
السادسة: كلام الساقي وحذقه كونه قطع أنها رؤيا وأن عند يوسف تعبيرها.
150

السابعة: قوله: * (ادكر بعد أمة) * أي دهر فيه أن الدهر يسمى أمة.
الثامنة: أنه لم يذهب مع تحققه ما طلب الملك إلا بعد الاستئذان.
التاسعة: قوله: * (يوسف أيها الصديق) * يدل على أنه يعرف معنى الصديقية؛ وأنه عرف اتصاف يوسف بذلك.
العشرة: أنه ذكر ليوسف العلة وهي علم الناس بما أشكل عليهم.
الحادية عشرة: أنه عبر البقر السمان بالسنين المخصبة، والبقر العجاف بالسنين المجدبة، وأكلها السمان كون غلة السنين المخصبة يأكلها الناس في السنين المجدبة، وكذلك السنابل الخضر واليابسات قيل: إنه رأى سبع سنابل خضر قد انعقد حبها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليهن.
الثانية عشرة: أنه أجاب السائل بأكثر مما سأله عنه خلافا لمن جعل هذا من عدم الأدب.
الثالثة عشرة: كرمه وطيب أخلاقه عليه السلام، كما قال بعض السلف لو كنت المسؤول ما أجبتهم إلا بكذا وكذا.
الرابعة عشرة: معرفته عليه السلام بأمور الدنيا، وأن الحب إذا كان في سنبلة لم تأته الآفة ولو لبث سنين.
الخامسة عشرة: أنه أمرهم بتدبير المعيشة لأجل السنين الجدب ولا يأكلون إلا قليلا.
السادسة عشرة: أنه فهم من الرؤيا أن الخصب يأتي بعد سبع سنين.
151

السابعة عشرة: إدخار الطعام للحاجة وأنه لا يصير من الاحتكار المذموم، وكان صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنة.
الثامنة عشرة: النصيحة ولو لغير المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: ' في كل كبد رطبة أجر ' وأما المسلم فنصحه من الفرائض.
التاسعة عشرة: أن الرؤيا الصحيحة قد تكون من كافر، كما استدل بها البخاري في صحيحه.
العشرون: الفرق بين الحلم والرؤيا، كما قال صلى الله عليه وسلم ' الرؤيا من الله والحلم من الشيطان '.
الحادية والعشرون: التعبير عن الماضي بالمضارع، والعجاف ضد السمان، والملأ كبار القوم ورؤساؤهم و * (أضغاث أحلام) * أخلاط وأباطيل * (وادكر) * تذكر شأن يوسف * (دأبا) * متوالية * (تحصدون) * تخزنون * (يعصرون) * قيل من العنب عصيرا، ومن الزيتون زيتا، ومن السمسم دهنا للخصب الذي أتاهم.
* (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم. قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه؟ قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين
152

ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم) * فيه مسائل:
الأولى: أمر الملك بالإتيان به ليأخذ عنه مشافهة، وكذلك يفعل العقلاء والسفهاء في الأمر الذي يهتمون به.
الثانية: أن طلب العلم الذي يزحزح عن النار ويدخل الجنة أحق بالحرص من جميع المهمات.
الثالثة: هذا الأمر العظيم الذي لم يسمح بمثله، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ' لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي '.
الرابعة: قوله: * (ارجع إلى ربك) *.
الخامسة: قوله: * (النسوة) * قيل: لم يفرد امرأة العزيز أدبا وحفظا لحق الصحبة.
السادسة: قوله في هذا الموطن: * (إن ربي بكيدهن عليم) *.
السابعة: قوله: * (حاش لله ما علمنا عليه من سوء) * فيه رد لبعض الأقوال التي قيلت في الهم.
153

الثامنة: قوله: * (الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه) *.
التاسعة: * (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) * هذا علة لما جرى سواء كان رد الرسول أو إقرارها؛ فإن كان الأول فالضمير للعزيز زوج المرأة، وإن كان الثاني فالضمير ليوسف.
العاشرة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي: * (أن الله لا يهدي كيد الخائنين) * أي لا يرشد كيد من خان أمانته قيل: يفتضح في العاقبة.
الحادية عشرة: قوله: * (وما أبرئ نفسي) * ما أجلها من مسألة وما أصعب فهمها؟ سواء كان هذا من كلام امرأة العزيز أو من كلام يوسف عليه السلام.
الثانية عشرة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي أن هذا حال النفس.
الثالثة عشرة: الاستثناء من ذلك وهو من رحمة الله، فأجاره من شر نفسه، كذلك ما أجلها من مسألة لمن فهمها!
الرابعة عشرة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي * (إن ربي غفور رحيم) *.
قوله: * (فاسأله ما بال النسوة) * قيل معناه: اسأله أن يكشف عن الخبر حتى يعلم الحقيقة ففيه المسألة.
154

الخامسة عشرة: وهي حرص المخلص لله على براءة عرضه عند الناس، وإن ذلك لا يناقض الإخلاص، بل قد يكون واجبا ولم يعتب عليه في هذا كما عتب عليه في قوله: * (اذكرني عند ربك) *.
قيل: إن * (ما) * في هذا الموضع بمعنى عن قوله: * (ما بال) * ما شأن النسوة (ما خطبكن) ما أمركن وقصتكن.
قوله: * (حصحص الحق) * ظهر وتبين * (الأن) * أي هذا الوقت.
* (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) * فيه مسائل:
الأولى: * (أستخلصه لنفسي) * أي أجعله خالصا لي دون غيري كما يقال: الرفيق قبل الطريق: وكما قال: ' لينظر أحدكم من يخالل '.
الثانية: وهي أعجب قوله: * (فلما كلمه) * وبيانه لما دخل بعض العلماء على بعض الملوك وكان دميما فضحك الملك من دمامته فذكر له هذه الآية واستحسن الملك جوابه، ومعنى هذا أن الملك لم يتمكن من قلبه لما رأى جمال صورته، بل لأجل علمه الذي تبين له لما كلمه.
الثالثة: قوله: * (إنك اليوم لدينا) * أي عندنا * (مكين) * أي مكنتك من ملكي تصرف فيه * (امين) * أي عرفت صحة أمانتك فأمنتك على ما تحت
155

يدي، وهذا معنى قول أبي العباس: الولاية لها ركنان القوة والأمانة كما في الآية الأخرى: * (إن خير من استأجرت القوي الأمين) *.
الرابعة: قوله: * (اجعلني على خزائن الأرض) * هذا فيه طلب الولاية كما قال عمر بن الخطاب لبعض الصحابة لما عرض عليه ولاية فأبى فقال: طلبها من هو خير منك يعني يوسف عليه السلام، ولا يخالف هذا ما ورد من النهي عن طلب الإمارة لأن هذا في غير شدة الحاجة، كما أن خالدا لما أخذ الراية يوم مؤتة من غير إمرة مدح على ذلك.
الخامسة: قوله: * (إني حفيظ عليم) * فليس هذا مما نهى عنه من تزكية النفس، بل يذكر الإنسان ما فيه من الفضائل عند الحاجة إذا لم يقصد التزكية كما ورد عن جماعة من الصحابة.
قوله: * (خزائن الأرض) * أي أرض مصر.
وقوله: * (إني حفيظ) * أي أحفظ ما وليتني عليه * (عليم) * بأمره وحسابه واستخراجه.
* (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب
156

برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين. ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون) *. فيه مسائل:
الأولى: قوله: * (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) * قيل معنى ذلك: كما أنعمنا عليه بنعم الدين أنعمنا عليه بنعم الدنيا.
الثانية: أن ذلك تمكينه في أرض مصر يحل وينزل منها ما أراد، بعد ذلك الحبس والضيق.
الثالثة: تسمية الله سبحانه ذلك رحمة في قوله: * (نصيب برحمتنا من نشاء) * وهذه من أشكل المسائل على أكثر الناس: بعضهم يظن أن هذا كله نقص أو مذموم؛ وأن التجرد من المال مطلقا هو الصواب، وبعض يظن أن عطاء الدنيا يدل على رضا الله وكلاهما على غير الصواب، وذلك أن من أنعم الله عليه بولاية أو مال فجعلها طريقا إلى طاعة الله فهو ممدوح، وهو أحد الرجلين الذين يغبطهم المؤمن؛ وإن كان غير هذا فلا.
الرابعة: أن هذه الأمور وإن جلت وصارت أعلى المراتب وأصعبها طريقا فتحصيلها مردود إلى محض المشيئة لا إلى الأسباب.
الخامسة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي: * (أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا) *.
157

السادسة: أن من عدم إضاعته أنه يعجل في الدنيا بعضه لمن أراد الله كما قال تعالى: * (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) *.
السابعة: الأجر الثاني لمن أحسن خير من ملك يوسف وسليمان بن داود.
الثامنة: قوله: * (للذين آمنوا وكانوا يتقون) * فالإيمان يدخل فيه الدين كله، وأيضا يدخل كله في التقوى، وأما إذا فرق بينهما كما هنا فالإيمان الأمور الباطنة، والتقوى الأمور الظاهرة.
وإذا قلت: الإيمان فعل الواجبات والتقوى ترك المحرمات فقد أصبت.
* (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون) * قيل: لما اطمأن يوسف في ملكه ومضت السنون المخصبة، ودخلت السنون المجدبة وأصاب الشام من القحط ما أصاب غيرهم؛ فأرسل يعقوب بنيه إلى مصر وأمسك بنيامين عنده (فلما دخلوا عليه عرفهم) قيل: كان بين دخولهم عليه وإلقائه في الجب أربعون
سنة فلذلك لم يعرفوه، فقال: أخبروني ما أمركم؟ فقالوا: نحن قوم من أرض
158

كنعان جئنا نمتار طعاما قال: كم أنتم؟ قالوا عشرة قال: أخبروني خبركم قالوا: إنا إخوة بنو رجل صديق وإنا كنا اثنى عشر فذهب أخ لنا معنا في البرية فهلك فيها وكان أحب إلى أبينا منا فقال: فإلى من يسكن أبوكم بعده؟ قالوا: أخ لنا أصغر منه فذلك قوله: * (ولما جهزهم بجهازهم) * يقال: جهزت القوم إذ هيأت لهم جهاز السفر. وحمل لكل رجل منهم بعيرا وقال: * (ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين) * المضيفين، قيل: إنه أحسن ضيافتهم ثم أوعدهم على ترك الإتيان بالأخ فقال: * (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون) *.
وقوله: * (لعلهم يرجعون) * والرحل كل ما يعد للرحيل من وعاء المتاع، ومركب للبعير، وحلس وغير ذلك، قيل: مراده أنهم يعرفون كرمه فيحملهم على العود، وقيل خاف أن لا يكون عندهم ما يرجعون به.
فيه مسائل: الأولى: كون القحط عم البلاد لم يكن على مصر خاصة.
الثانية: إنكارهم إياه ومعرفته لهم.
الثالثة: حيلته في التوصل إلى إتيان أخيه.
الرابعة: كونه ما فعل معهم حثهم على الإتيان به.
الخامسة: أن هذا ليس من تزكية النفس المذموم.
159

السادسة: أن هذا ليس من المن والأذى المذموم.
السابعة: أن قوله: * (فلا كيل لكم عندي ولا تقربون) * ليس من منع المضطر المذموم.
الثامنة: ما صنع الله له من إذلالهم بين يديه، وذلك أنهم وعدوه أنهم يراودون أباه، وأكدوا ذلك له بالعزم على الفعل.
التاسعة: أمره الفتيان بجعل بضاعتهم في رحالهم، والحكمة في ذلك أنهم إذا رجعوا إلى أهلهم وفتحوا المتاع ووجدوها ردت إليهم رجعوا.
* (فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون. قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) * فيه مسائل:
الأولى: أنهم وفوا ليوسف بما وعدوه.
الثانية: أنهم ذكروا لأبيهم ما يقتضي الإجابة وهو منع الكيل.
الثالثة: أن هذا مما يدل على أنهم لا غناء لهم عن التردد إلى الميرة.
الرابعة: أنهم وعدوه حفظه وأكدوه، بأن، واللام.
الخامسة: جوابه عليه السلام لهم فيدل على قوله: ' لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين '.
160

السادسة: أن من أساء فعله ساء الظن فيه ولو لم يكن كذلك.
السابعة: أنهم لما ذكروا له أنهم يحفظونه وأكدوا أجابهم بقوله: * (فالله خير حافظا) *.
الثامنة: أنه أجابهم أيضا بكون الله أرحم الراحمين.
التاسعة: ذكرك للممنوع سبب منعك إياه.
العاشرة: أنه فعلكم كقوله: * (قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) *.
* (ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا) * قوله: * (والله على ما نقول وكيل) * فيه مسائل:
الأولى: استعطاف الممتنع بالخصال التي توجب إجابته.
الثانية: أنهم لم يعلموا أنها ردت إليهم حتى وصلوا إلى أهلهم وفتحوا المتاع.
161

الثالثة: ذكرهم له حاجة الضعفاء والذرية إلى الكيل.
الرابعة: أنهم يزدادون حملا آخر على ما أتوا به.
الخامسة: ذكرهم الثناء على يوسف بأن الحمل عليه يسير لكرمه مع شدة حاجتنا إليه وغلاء ثمنه.
السادسة: أنه عليه السلام لما ذكروا له ذلك رجع عن رأيه الأول ورأى إجابتهم.
السابعة: أنه شرط عليهم هذا الشرط الثقيل.
الثامنة: أنهم أعطوه إياه على ثقله.
التاسعة: أنهم لما أتوه الموثق وعظهم وأكده عليهم بقوله: * (والله على ما نقول وكيل) *.
العاشرة: أن هذا يدل على أنهم في جوع وضراء عظيمة، وهم أكرم أهل الأرض على الله، وابتلاهم بذلك لا لهوانهم عليه.
* (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) * إلى قوله: * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * فيه مسائل:
162

الأولى: خوفه عليهم من العين.
الثانية: أمره لهم بالسبب الذي يمنع ونهيهم عما قد يكون سببا لوقوعها.
الثالثة: أنه مع فعل السبب تبرأ من الالتفات إليه.
الرابعة: أنه دلهم على عدم الالتفات إلى التهمة.
الخامسة: أنه دلهم على التوكل على الله.
السادسة: أنه أخبرهم أنه توكل عليه وحده لا شريك له، لا على علمه وفطنته؛ ولا على السبب الذي أمرهم به.
السابعة: أنه أخبرهم أن توكل المتوكلين كلهم على الله، فمن توكل على غيره فليس منهم.
الثامنة: خبره تعالى أنهم قبلوا وصية أبيهم وعملوا بها، فتفرقوا على الأبواب لما أرادوا دخول البلد.
التاسعة: أن ذلك لا يغني عنهم شيئا من الله لو يريد بهم شيئا.
العاشرة: الاستثناء وهو أن ذلك التعليم من الرجل الحكيم المصيب وقبول المنصوح وعمله بالنصيحة التي هي سبب لو أراد الله أن العين تصيبهم أصابتهم، ولو تفرقوا على الأبواب، حضا للعباد على الاعتماد عليه لأعلى الأسباب.
الحادية عشرة: ثناؤه على يعقوب بأنه ذو علم لما علمناه، قيل معناه عامل بما علمه؛ وهو يدل على أن العلم الذي لا يثمر العمل لا يسمى علما.
163

الثانية عشرة: ذكره (أن أكثر الناس لا يعلمون).
* (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) * قيل: إنه قال لهم: يصير كل اثنين جميعا فبقي أخاه وحده فآواه إليه فقال له: * (إني أنا أخوك) *.
قيل: أنه أخبره الخبر، وقيل: المراد أخوة المحبة.
وقوله: * (ما نبغي) * قيل: أي شيء نريد وقد ردت بضاعتنا * (ونمير أهلنا) * أي نأتي لهم بالطعام؛ يقال: مار أهله إذا أتاهم بطعام.
قوله: * (إلا أن يحاط بكم) * أي يأتيكم أمر يهلككم كلكم.
* (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه) * إلى قوله: * (كذلك نجزي الظالمين) * فيه مسائل:
الأولى: كونه عليه السلام احتال بهذه الحيلة، ولا حجة في هذا لأهل الحيل الربوية لأن ذلك مما أذن الله فيه ليوسف عليه السلام؛ وإلا لو يفعل ذلك الآن رجل مع أبيه وإخوته حرم إجماعا.
164

الثانية: قوله: * (ثم أذن مؤذن) * المنادي بصوت رفيع يسمى موذنا، قوله: * (إنكم لسارقون) * قيل: فيه جواز المعاريض إن أراد بذلك أنهم سرقوه من أبيه، فإنه لم يقل سرقتم الصواع.
الثالثة: قوله: * (ولمن جاء به حمل بعير) * فيه جواز بذل الأجرة لمن جاء بالسرقة.
قوله: * (وأنا به زعيم) * استدل به على صحة الضمان ولزومه وهي الرابعة.
الخامسة: قوله: * (تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) * فيه جواز الحلف على مثل هذا مع أن العلم في القلب، لكن بعض ما في القلب يعرف بالقرائن، أي ما جئنا بهذا، وما هذا بفعلنا؛ وما يصلح منا، ولسنا أهلا له.
السادسة: أن السرقة ونحوها من الفساد في الأرض، قوله * (فما جزاؤه إن كنتم كاذبين) * قيل كان في شرعهم: استعباد السارق هو لهم كالقطع في شرعنا فلهذا * (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) *.
السابعة: بداءته بأوعيتهم إبعادا عن تهمته، وذلك من كيد الله له.
الثامنة: قوله * (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) * أي حكمه على السارق
165

غير ذلك، ولكن الله دبر ما جرى نصرة ليوسف، لأنهم ظلموه فكاد له كما كادوا أباهم.
التاسعة: قوله * (إلا أن يشاء الله) * أي ما جرى على ألسنتهم من ذلك القول الذي حكموا به على أنفسهم فأخذه بفتياهم، وذلك من مشيئة الله.
العاشرة: كونه سبحانه فاوت بين عباده تفاوتا عظيما حتى الأنبياء ورفع بعضهم فوق بعضهم درجات.
الحادية عشرة: التنبيه على أن ذلك لا يكون إلا بمشية الله.
الثانية عشرة: إن رفع الدرجات الذي ينافس فيه هو رفعها بالعلم.
الثالثة عشرة: أنه ذكر أن كل عالم فوقه أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى الله سبحانه.
* (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه) * إلى قوله: * (تصفون) * فيه مسائل:
الأولى: إبطال قياس الشبه.
الثانية: أن تعيير غيرك بذنب قد فعلت أكبر منه غير صواب كما في قوله: * (يسألونك عن الشهر الحرام) * الآية.
166

الثالثة: كون المظلوم المرمي بشيء خفي يتعزى بعلم الله تعالى.
* (قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه) * إلى قوله: * (إنا إذا لظالمون) * فيه مسائل:
الأولى: بيان مبالغتهم في حفظ أخيهم.
الثانية: جواب يوسف يدل على أن السرقة تثبت بوجود المسروق عند الرجل.
الثالثة: أن من وجب عليه الحد لو بذل غيره نفسه عنه لم يحل.
الرابعة: أن الرجل يثبت أنه ظالم بفعلة واحدة.
الخامسة: أنهم عرفوا فيه من العدل والإحسان ما فهموا أنه من المحسنين.
السادسة: استشفاعك على غيرك بما فيه من الخصال الحميدة.
السابعة: المعاريض فإنه عليه السلام لم يقل إنه سارق.
الثامنة: إبطال استدلال أهل الحيل المحرمة، فإن هذا يدل على أنه إنما أخذه برضاه أو بوحي خاص.
التاسعة: أن المظلوم يجوز له أن يعامل من ظلمه بما لا يحل أن يعامل به غيره.
167

العاشرة: أن هذا يدل على أن أهل مصر لم يعرفوا يعقوب معرفة تامة.
* (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله) * إلى قوله: * (إنه هو العليم الحكيم) * فيه مسائل:
الأولى: أنهم بالغوا حتى استيأسوا منه.
الثانية: ثقل الأمر عليهم كما فعل كبيرهم.
الثالثة: أنه ذكر أنه على هذه الحال إلى أن يأذن له أبوه، أو يحكم الله له؛ فإنه سبحانه يحكم لك أو عليك.
الرابعة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي معرفة أن الله خير الحاكمين.
الخامسة: الشهادة على الرجل بالسرقة إذا وجد المسروق عنده.
السادسة: أن هذه شهادة بعلم مع كونهم ما علموا إلا القرينة.
السابعة: الاعتذار بعدم علم الغيب.
الثامنة: الرجوع إلى الجيران وأهل الخبرة في الأمور الخفية.
168

التاسعة: تسميته المدينة قرية.
العاشرة: اتهام المتهمين كما ذكر النعمان بن بشير.
الحادية عشرة: التعزي بالعزم على الصبر الجميل عند توالي المصائب.
الثانية عشرة: الرجوع إلى الله في تفريج الكرب.
الثالثة عشرة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي قوله: * (إنه هو العليم الحكيم) *.
* (وتولى عنهم وقال يا أسفا على يوسف) * إلى قوله: * (وأعلم من الله ما لا تعلمون) * فيه مسائل.
الأولى: التولي عن مثل هؤلاء كما قال: * (فتول عنهم حتى حين) *.
الثانية: قوله: * (يا أسفى على يوسف) * أن الكلام إذا لم يكن فيه جزع لم يناف الشكوى.
الثالثة: ذكر الله تعالى كبر مصيبته أنه ابيضت عيناه من البكاء، وابتلى بسنين كثيرة.
الرابعة: العبرة فيما ذكر كما قال الحسن: لقد ابتلى بهذه المدة الطويلة؛ وأنه لأكرم أهل الأرض على الله.
169

الخامسة: تسمية البكاء حزنا لأنه نشأ عنه.
السادسة: وصفه بأنه كظيم أي أنه كاظم لحرارة المصيبة لا يشكو.
السابعة: معاتبتهم له على الحزن مع مصيبة طال العهد بها.
الثامنة: جوابه لهم عليه السلام، وهو يدل على أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، بل هي ممدوحة كما ذكر عن أيوب.
التاسعة: إخبار الرجل بنيته الصالحة إذا احتاج أو انتفع السمع ولا محذور في ذلك.
العاشرة: قوله: * (وأعلم من الله ما لا تعلمون) * كيف صار هذا جوابا لهم.
الحادية عشرة: قيل معناه: أعلم من صفات الله ورحمته ولطفه ما لا تعلمون، وقيل: إن يوسف لم يمت.
الثانية عشرة: أن هذا في مثل هذا المقام ليس من الفخر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أنا سيد ولد آدم ولا فخر '.
* (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) * الآية فيه مسائل:
170

الأولى: أمره لهم بالتحسس عن يوسف مع استبعادهم ذلك، والتحسس البحث والطلب.
الثانية: نهيهم عن اليأس من روح الله.
الثالثة: وهي العظيمة أنه قد يقع اليأس من روح الله في مثل هذه القضية.
الرابعة: إخباره بقدر هذا الذنب بأنه لا يصدر من مسلم، بل لا يكون إلا من كافر، وروح الله رحمة الله.
* (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) * إلى قوله: * (وائتوني بأهلكم أجمعين) * فيه مسائل:
الأولى: قولهم * (مسنا وأهلنا الضر) * أن الإخبار بالحال من غير شكوى لا يذم.
الثانية: ما ابتلى الله به أهل هذا البيت من الجوع المضر، وهم أكرم أهل الأرض على الله.
171

الثالثة: ذكرهم قدر السلعة التي معهم أنها ناقصة رديئة، وليس هذا من ازدراء النعمة المذموم.
الرابعة: سؤالهم عند الحاجة؛ فيدل على أن مثل هذه الحال لا يذم.
الخامسة: سؤالهم الصدقة فيدل على أنها غير محرمة عليهم.
السادسة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي السابعة:
* (إن الله يجزي المتصدقين) *.
الثامنة قوله: * (هل علمتم) * الآية يدل على أن مثل هذا التقريع ليس بمذموم.
التاسعة: أنه عليه السلام ذكر في التقريع ما يهون عليهم.
العاشرة: استثباتهم أنه يوسف مع رؤيتهم له، وذلك لاستبعادهم ذلك.
الحادية عشرة: قوله: * (أنا يوسف وهذا أخي) * يدل على أنهم فعلوا مع أخيه ما لا يحسن قوله.
* (قد من الله علينا) * إسناد النعمة إلى مسديها في مثل هذا الموطن وهي الثانية عشرة.
الثالثة عشرة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي قوله: * (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) *.
الرابعة عشرة: الجمع بين التقوى والإيمان، ومعرفة الإيمان ومعرفة الفرق بينهما.
الخامسة عشرة: أن من جمع بينهما فهو من المحسنين.
172

السادسة عشرة: قوله: * (تالله لقد آثرك الله علينا) * الآية أقروا باثنتين: بفعل الله مع يوسف، وفعلهم مع أنفسهم.
السابعة عشرة: انتصار الله له هذا الانتصار العظيم.
الثامنة عشرة: إذلاله إياهم هذا الإذلال العجيب.
التاسعة عشرة: قوله: * (لا تثريب عليكم اليوم) * أي لا تعيير عليكم يعني أني عفوت ومن عفوي أني لا أذكر لكم ذنبكم بعد اليوم.
العشرون: استغفاره لهم لما غفر لهم حقه سأل الله لهم المغفرة.
الحادية والعشرون: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي الثانية والعشرون.
الثالثة والعشرون: تصديق القلب بأن الله أرحم الراحمين.
الرابعة والعشرون: أن الذي خافوا منه واشتد عليهم حتى فعلوا بأخيهم وأبيهم ما فعلوا وظنوا أنه عليهم مضرة كبيرة، وهو كون يوسف أرفع منهم صار أكبر المصالح لهم في دنياهم وفي دينهم يبينه.
الخامسة والعشرون: وهي قوله: * (اذهبوا بقميصي هذا) * الآية ذكر أنه قميص هبط به جبريل على إبراهيم حين ألقي في النار، فلما ولد إسحق جعله عليه، فجعله إسحق على يعقوب، وجعله يعقوب على يوسف، ونسيه إخوته لما ألقوه في الجب فأمرهم أن يذهبوا به فيلقونه على وجه يعقوب ليرتد إليه بصره.
173

السادسة والعشرون: ما جعله الله من الأسباب الباطنة في بعض مخلوقاته.
السابعة والعشرون: إن التبرك بذلك وإمساكه والتداوي به ليس من الشرك كما كانوا يفعلون بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل ذلك حسن مطلوب.
الثامنة والعشرون: أنه أمرهم بالإتيان بأهلهم كلهم والانتقال عنده، فأعطاهم الله هذا الخير والفرج من الشدة بسبب ارتفاعه الذي كرهوه كراهية شديدة.
* (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) * إلى قوله: * (إنه هو الغفور الرحيم) * فيه مسائل:
الأولى: كونه أدرك الريح من مكان بعيد.
الثانية: أنه عرف أنه ريح يوسف قيل: إنه عرف ريح القميص، وأنه ليس إلا مع يوسف.
الثالثة قوله: * (لولا أن تفندون) * والفند ذهاب العقل، ففيه الإخبار بما تعلم أن المخبر يكذبك إذا كان في ذلك مصلحة.
174

الرابعة: قولهم: * (تالله إنك لفي ضلالك القديم) * لا ينبغي لمن حدث بغريب أن يغضب إذا كذب أو شتم.
الخامسة: الآية في رد بصره بسبب إلقاء القميص.
السادسة: تقريره لهم ما أنكروا من تفاصيل القاعدة الكلية.
السابعة: طلبهم الاستغفار من المظلوم.
الثامنة: عفو المظلوم، ودعاؤه لمن طلب ذلك منه.
التاسعة: الاعتراف منهم بالذنب.
العاشرة: رد المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية.
* (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) * إلى قوله: * (وألحقني بالصالحين) * فيه مسائل:
الأولى: أنهم لما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه كما آوى إليه أخاه يدل على أنه لم يفعل ذلك بأخوته.
الثانية: قوله لهم: * (ادخلوا مصر) * الآية.
175

الثالثة: تعليقه ذلك بالمشيئة.
الرابعة: رفع أبويه على العرش.
الخامسة: سجودهم كلهم له.
السادسة: قوله لأبيه: * (هذا تأويل رؤياي من قبل) *.
السابعة: شكر نعمة الله عليه حيث جعلها حقا.
الثامنة: شكر نعمة الله في إخراجه من السجن.
التاسعة: شكر نعمة الله في إتيانه بأهله من البدو.
العاشرة: شكر نعمة الله أنه بعد ما نزغ الشيطان بينهم صير الله العاقبة إلى الخير، ولم يضرهم نزغ الشيطان.
الحادية عشرة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي أن ربه تبارك وتعالى لطيف لما يشاء، فلذلك أجرى ما أجرى.
الثانية عشرة والثالثة عشرة: رد ذلك إلى القاعدة الكلية أيضا وهي * (إنه هو العليم الحكيم) * وهي الرابعة عشرة.
الخامسة عشرة: كرمه عليه السلام في قوله: * (أخرجني من السجن) * ولم يقل من الجب.
السادسة عشرة: كرمه في قوله: * (نزغ) * ولم يقل: بعدما ظلموني.
السابعة عشرة: أن إخراج الله الآدمي من البدو نعمة تشكر؛ ففيه فضل الحاضرة على البادية.
الثامنة عشرة: دعاؤه بهذا الدعاء، وهو في غاية نعيم الدنيا.
التاسعة عشرة: شكره نعمة الملك.
176

العشرون: شكر نعمة التعبير.
الحادية والعشرون: ثناؤه على ربه بأنه فاطر السماوات والأرض.
الثانية والعشرون: إقراره لله بكونه وليه في الدنيا والآخرة.
الثالثة والعشرون: توسله بذلك كله إلى هذه الحاجة وهي وفاته على الإسلام؛ وإلحاقه بالصالحين.
قوله: * (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) * إلى قوله: * (وهم لا يشعرون) * فيه مسائل:
الأولى: تنبيه الله على آية الرسالة بأن هذه القضية غيب لا يتوصل إليه الرسول إلا بالوحي لكونه لا يقرأ أو لا يخط، ولا أخذ عن عالم.
الثانية: تقريره هذه الحجة بقوله: * (وما كنت لديهم) * لأن هذا لا سبيل إلى العلم به إلا بالوحي أو بحضوره.
الثالثة: أن مكرهم خفي لو حضرهم أحد لخفي عليه.
الرابعة: ذكره سبحانه حقيقة الحال أن الأكثر لا يقبلون الحق ولو تبين لهم بالأدلة.
177

الخامسة: ذكر حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان الناس.
السادسة: أنه لا مانع مع هذا البيان مثل سؤال الأجر.
السابعة: أنه ذكر لهم مع شدة كراهتهم له كما كره الإخوة ارتفاع يوسف.
الثامنة: أن الذي أتاهم من الآيات ليست هذه وحدها بل كم وكم من آية من الآيات السماوية والأرضية يمرون عليها ويعرضون عن الانتفاع بها، وليس هذا قصورا في
البيان فإنه مشاهد بل القلوب غير قابلة.
التاسعة: المسألة العظيمة وهي إخباره تبارك وتعالى أن أكثر هذا الخلق لو آمن أفسد إيمانه بالشرك فهذه فساد القوة العملية والتي قبلها فساد القوة العلمية.
العاشرة: التنبيه على الاحتراز من اجتماع الإيمان مع الشرك المفسد له خصوصا لما ذكر أن هذا حال الجمهور.
الحادية عشرة: احتقارهم هذا العصيان العظيم كيف أمنوا عقوبة الدنيا، وهو يدل على جهالة من أمن ذلك.
الثانية عشرة: كيف أمنوا أن تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون.
* (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) * إلى قوله: * (أفلا تعقلون) * فيه مسائل:
178

الأولى: أمره سبحانه نبيه بإخبار الناس بدينه مجملا.
الثانية: أن هذا أيضا سبيل من اتبعه.
الثالثة: أن ذلك هو الدعوة إلى الله وحده لا شريك له.
الرابعة: أن ذلك هو الدعوة إلى الله على بصيرة خلافا لمن اتبع الحق ودعا إلى الله على غير بصيرة.
الخامسة: أن دينه الذي أنكره الأكثر هو تنزيه الله من السوء والإنكار في ذلك.
السادسة: أن الذي حملهم على إنكاره كونه غريبا مخالفا لما عليه السواد الأعظم، وذلك لا يوجب رده لأن اتباع الحق إذا ظهر هو الحق، وإذا ظهر الباطل لم يزينه فعل الأكثر له مثل الربا والكذب والخيانة.
السابعة: رد شبهتهم في كونه بشرا، وذلك واضح لأنهم إن كانوا ممن يقر بالرسالة في الجملة كأهل الكتاب والمشركين فواضح؛ وإن أنكروها كالمجوس فالنكال الذي أوقع الله بمن خالف الرسل الذي سمعوه وشاهدوه حجة عليهم.
الثامنة: الرد عليهم في قولهم: * (لولا يكلمنا الله) * أو نحو ذلك، لأن الرسل ما أتوا الأمم إلا بالوحي.
التاسعة: أنهم كلهم رجال، ففيه الرد على من يزعم أن في الجن رسلا أو في النساء.
العاشرة: قوله: * (من أهل القرى) * ففيه الرد على من انتقص أهل القرى، أو فضل البدو أو واساهم بهم.
179

الحادية عشرة: استجهال الله إياهم حيث لم يسيروا في الأرض فيعتبروا بمن قبلهم، فدل على أن فهم ذلك مقدور لهم.
الثانية عشرة: إخباره أن ما يعطي الله من أطاع الرسل خير مما أعطى يوسف وسليمان وأيوب وغيرهم من حسن عاقبة الطاعة.
الثالثة عشرة: أن سنة الله في الرسل ومن اتبعهم وسنته فيمن خالفهم في الدنيا قبل الآخرة من أظهر البينات للكفار الجهال فمن لم يفهمها يقال له: كيف زال عقلك؟
* (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) * إلى آخر السورة فيه مسائل:
الأولى: تأخير النصر على الرسل حتى استبطئوا لا يعجل الله لعجلة أحد.
الثانية: إذا عرف أن هذه سنة فكيف يستعجل من يزعم أنه متبع لهم كما قال صلى الله عليه وسلم: ' يستجاب لأحدكم ما لم يعجل '.
الثالثة: أن ما يقع في القلب من خواطر الشيطان لا يضر، بل هو صريح الإيمان إذا كان مع الكراهة.
180

الرابعة: أن العادة أن الشدة إذا تمت وتضايقت جدا فهو من علامات حضور الفرج.
الخامسة: أنه سبحانه ينجي من يشاء ولو كان مع المهلكين في المكان.
السادسة: أنه إذا جاء أمر الله لم يقدر على رفعه أحد من السماء ولا من أهل الأرض.
السابعة: أنه سبحانه لا يظلم أحدا وأن ذلك بسبب إجرامهم.
الثامنة: الثناء على قصص الرسل وأن فيه عبرة.
التاسعة: أن ما يفهم هذه العبرة مع وضوحها إلا أولوا الألباب.
العاشرة: تعريضه سبحانه بالأحاديث المفتراة، وإقبال الأكثر عليها، واشتراء الكتب المصنفة بغالي الأثمان، وتكبر من اشتغل بها، وظنه أنه أفضل ممن لم يشتغل بها، وزعمه أنها من العلوم الجليلة، ومع هذا معرض عن قصص الأنبياء مستحقر له، زاعم أنه علم العوام الجهال.
الحادية عشرة: أن من أكبر آياته تصديقه لما بين يديه من العلوم التي جاءت بها الرسل التي هي العلم النافع في الحقيقة.
الثانية عشرة: أن هذا فيه تفصيل كل شيء يحتاج إليه ففيه العلم النافع، وفيه الإحاطة بالعلوم الكثيرة، ومع هذا يفصلها أي يبينها.
الثالثة عشرة: أنه هدى يعتصم به من الضلالة.
الرابعة عشرة: أنه رحمة يعتصم به من الهلكة فلا يضل من اتبعه ولا يشقى.
181

الخامسة عشرة: أن هذا ليس لكل أحد بلى لقوم مخصوصين.
السادسة عشرة: أن سبب ذلك الإيمان، ففيه شاهد لقوله: ' من عمل بما علم أورثه الله علم ما لا يعلم '.
والحمد لله رب العالمين.
182

((سورة الحجر))
وقال أيضا الشيخ محمد رحمه الله: هذه مسائل مستنبطة من سورة الحجر:
الآية الأولى: فيها الترغيب في القرآن بجمعه بين الوصفين.
الثانية: وصفه بالبيان.
الثالثة: معنى الكتاب المعرف بالألف واللام.
الرابعة: معنى القرآن.
الآية الثانية: فيها الرد على الخوارج.
الثانية: الرد على المعتزلة.
الثالثة: النظر في العواقب.
الرابعة: عدم الاغترار بالحال الحاضرة.
الخامسة: إثبات عذاب القبر.
الآية الثالثة: تعزية المؤمن عما هم فيه من النعيم.
183

الثانية: أن الاغترار بذلك من وصف الكفار.
الثالثة: أن الأمل سبب ترك الخير.
الرابعة: أن ذلك من وصفهم.
الخامسة: الوعيد الشديد.
الآية الرابعة: فيها الآية العظيمة الباهرة وهي إهلاك القرى المكذبة.
الثانية: أن ذلك لأجل لا يتقدم، ولا يستعجل الله لعجلة أحد.
الثالثة: التعزية.
الرابعة: أنه إذا جاء لا يؤخر لحظة ففيه الوعيد.
الآية الخامسة والآيتان بعدها: فيها أن الذكر هو القرآن.
الثانية: كلامهم على سبيل الاستهزاء.
الثالثة: وصفهم أكمل الناس عقلا عندهم بالجنون.
الرابعة: أن الذي دلهم على جنونه عدم إتيانه بالملائكة.
الخامسة: عدم تصريحهم بالمعاتبة بل تعللوا بتكذيبه.
السادسة: أنه سبحانه لا ينزل الملائكة لمثل ذلك.
184

السابعة: أنه لا ينزلهم إلا بالحق.
الثامنة: أنهم سألوه شيئا لو أجابهم إليه هلكوا.
التاسعة: فيها تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل.
العاشرة: أن الذكر هو القرآن.
الحادية عشرة: حفظ الله إياه عن شياطين الجن والإنس.
الثانية عشرة: كون ذلك الحفظ آية كافية عن إنزال الملائكة.
الآية الثامنة وثلاث بعدها فيها أن الرسالة عمت بني آدم.
الثانية: هذا الخبر العجب مع انقيادهم للكذابين.
الثالثة: لم يكفهم الامتناع والتكذيب حتى استهزوا.
الرابعة: أن ذلك بسبب إجرامهم.
الخامسة: الإيمان بالقدر.
السادسة: أن العقوبة بالذنب تكون بذنب أكبر منه.
185

السابعة: ذكر الآية الكبرى وهي إهلاك أمم لا يحصيهم إلا الله.
الثامنة: أن مع هذا الأمر القاطع لم ينتفع به أمة واحدة.
التاسعة: خبر الصادق أنهم لو جاءتهم آية ملجئة لم يؤمنوا.
العاشرة: مع هذا العتو العظيم يعتذرون تسكيرا وسحرا؛ ولم يصرحوا بأنه الحق ولكنه باطل.
الآية الثانية عشرة وأربع: بعدها فيها ما جعل الله في البروج من الآيات، سواء قيل: إنها النجوم أو الكبار منها.
الثانية: تزيين السماء.
الثالثة: حفظها من الشياطين.
الرابعة: ذكر الاستراق.
الخامسة: ذكر عقوبته.
السادسة: مد الأرض.
السابعة: الرواسي.
الثامنة: إنبات النبات.
التاسعة: كثرته وكونه من كل شيء.
العاشرة: كونه موزونا.
186

الحادية عشرة: ذكر المعايش.
الثانية عشرة: ذكر الأنعام.
الثالثة عشرة: كوننا لا نرزقهم مع كونهم لنا.
السابعة عشرة: فيها أن كل شيء خزائنه عنده.
الثانية: إنزاله بقدر معلوم.
الثامنة عشرة: وثلاث بعدها فيها ذكر إنعامه بإرسال الرياح.
الثانية: أنها تلقح السحاب والشجر.
الثالثة: إنزال الماء من السماء.
الرابعة: تسهيل تناوله.
الخامسة: عجزهم عن خزانته.
السادسة: تفرده بالإحياء والإماتة.
السابعة: أنه الوارث.
الثامنة: علمه بالمستقدم والمستأخر في الزمان وفي الطاعة.
التاسعة: تفرده بحشر الجميع.
العاشرة: ذكر حكمه وعلمه مع ذلك.
187

الثانية والعشرون وتسع عشرة آية بعدها فيها ذكر المادة التي خلق منها آدم.
الثانية: ذكر المادة التي خلق منها إبليس.
الثالثة: إخبار الله للملائكة بمادته وأنه بشر.
الرابعة: أنه سواه.
الخامسة: أنه نفخ فيه من روحه.
السادسة: أن السجدة لآدم.
السابعة: أنها سجدة وقوع.
الثامنة: أنهم سجدوا كلهم لم يستثن إلا إبليس.
188

التاسعة: الدليل على شدة عيبه أنه لم يدخل مع هذا الجمع ولم يتخلف إلا هو.
العاشرة: أن اسمه إبليس من ذلك الوقت.
الحادية عشرة: تخلف الإنسان عن العمل الصالح وحده أكبر لقوله: * (مالك ألا تكون مع الساجدين) *.
الثانية عشرة: تعذره بأصله وبكونه بشر.
الثالثة عشرة: علم الملائكة بالبعث قبل خلق بني آدم.
الرابعة عشرة: لا يسمى المسلم من أتباعه ولو عصى لقوله: * (إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين) *.
الخامسة عشرة: كل من اتبعه فهو غاو.
السادسة عشرة: التنويه بآدم قبل خلقه.
السابعة عشرة: وقوع ما أخبر الله به من قوله: * (إلى يوم الدين) * لأنه لم ينب.
الثامنة عشرة: كونه رجيم.
التاسعة عشرة: كونه من ساكني الجنة.
العشرون: خلق الجنة والنار قبل ذلك الوقت.
189

الثامنة والأربعون: وخمس بعدها فيها وعد أهل التقوى.
والثانية: ما يقال لهم عند دخولها.
الثالثة: أن الغل الذي بينهم لا يخرج من التقوى.
الرابعة: أن من نعيم أهل الجنة الأخوة الصافية.
الخامسة: التنبيه على أكبر عيوب الدنيا وهو النصب والإخراج.
السادسة: أمره رسوله بتعليم عباده بهذه المسألة.
السابعة: أنه صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن المؤمن لو يعلم ما عنده من العقوبة إلى آخره.
الثامنة: أن المغفرة والرحمة وصف بها نفسه، وأما العذاب الأليم فوصف به عذابه.
التاسعة: تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل وتعريف العذاب.
العاشرة: وجوب تعلم هذه المسألة على المؤمن.
190

الثامنة والأربعون: واحد وثلاثون آية بعدها فيها أمره رسوله بتعليم عباده بالقصة، فدل على شدة حاجتهم إليها.
الثانية: تسمية الملائكة أضيافا.
الثالثة: تشريف إبراهيم عليه السلام بضيافتهم.
الرابعة: قولهم: * (سلاما) * استدل به على إجزائه في السلام.
191

الخامسة: جواز مخاطبة الأضياف بمثل هذا عند الحاجة.
السادسة: أن مثل هذا الخوف لا يذم.
السابعة: البشارة بالغلام، وبكونه عليم.
الثامنة: أن استبعاد مثل هذا ليس من القنوط.
التاسعة: أنه مظنة القنوط لقولهم: * (فلا تكن من القانطين) *.
العاشرة: مثل هذا لا يخرج من التوكل.
الحادية عشرة: لا يخرج من معرفة قدرة الله.
الثانية عشرة: معرفة كبر القنوط.
الثالثة عشرة: معرفته عليه السلام أن البشارة ليست حاجتهم وحدها.
الرابعة عشرة: معرفة نقمة الله لمن خالف الرسل.
الخامسة عشرة: معرفة التوحيد من قصة امرأة لوط.
السادسة عشرة: لم يعرفهم لوط أول مرة.
السابعة عشرة: معرفة جواز قول مثل هذا للأضياف عند الحاجة.
الثامنة عشرة: معرفة أنه خوفهم عقوبة الدنيا لقوله: * (بما كانوا فيه يمترون) *.
التاسعة عشرة: معرفة أن التأكيد وتكرير المسألة على الطالب ليس نقصا في حقه لقوله بعده: * (وأتيناك بالحق وإنا لصادقون) *.
العشرون: أن اليقين يتفاضل حتى في حق الأنبياء يوضحه ما تقدم من قولهم: * (بشرناك بالحق) * الآية.
192

الحادية والعشرون: معرفة الأمر بالهجرة.
الثانية والعشرون: تفضيله عليه السلام بالهجرة مرتين.
الثالثة والعشرون: معرفة أنهم أمروا بها إلى مكان معين.
الرابعة والعشرون: معرفة قدر كونه آخر الرفقة في السفر، كما كان صلى الله عليه وسلم يتخلف في آخرهم.
الخامسة والعشرون: عدم الرأفة على أعداء الله لقوله: * (ولا يلتفت منكم أحد) *.
السادسة والعشرون: معرفة أخباره أن هذا قضي فلا مراجعة فيه، كما أخبر إبراهيم عليه السلام.
السابعة والعشرون: معرفة قرب وقته.
الثامنة والعشرون: معرفة الأمر العظيم وهو فرح الإنسان بما لعله هلاكه.
التاسعة والعشرون: قوله: * (إن هؤلاء ضيفي) * الخ يدل على توقيرهم إياه يوضحه قولهم: * (وأولم ننهك عن العالمين) *.
الثلاثون: أن طلب الستر وخوف الفضيحة من أعمال الأنبياء.
الحادية والثلاثون: كونك تأمر بالتقوى ولو أفجر الناس.
الثانية والثلاثون: خوف الخزي.
الثالثة والثلاثون: شدة مدافعته عن ضيفه بعرض بناته.
الرابعة والثلاثون: كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسم بحياته.
193

الخامسة والثلاثون: تأمل ما أخبر الله به من سكر الشهوة.
السادسة والثلاثون: الجمع بين قلبها وإمطار الحجارة.
السابعة والثلاثون: معرفة تنبيه الله على هذه الآية.
الثامنة والثلاثون: تخصيص المتوسمين.
التاسعة والثلاثون: توضيح الآية بكونها على الطريق.
الأربعون: إقامتها.
الحادية والأربعون: تخصيص المؤمنين بالآية.
الثانية والأربعون: توضيح الآية بكونها على الطريق الواضح.
الثالثة والأربعون: الآية في أصحاب الأيكة.
الرابعة والأربعون: ذكر السبب وأنه ظلمهم.
الخامسة والأربعون: ذنب أصحاب الحجر.
السادسة والأربعون: أن من كذب رسولا فقد كذب الرسل.
السابعة والأربعون: ذكر إنعامه عليهم بالآيات.
الثامنة والأربعون: ذكر ما عاملوها به من الإعراض.
التاسعة والأربعون: ما أعطوا من القوى حتى نحتوا الجبال بيوتا.
الخمسون: أمنهم.
الحادية والخمسون: ذكر عقوبتهم وهي أخذ الصيحة صباحا.
الثانية والخمسون: ذكر أن ذلك العطاء الذي غرهم ما أغنى عنهم وقت البلاء كما أغنت الأعمال الصالحة عن أهلها.
194

التاسعة والسبعون: وسبع بعدها فيها التنبيه على تنزيهه عن مضاد الحكمة.
الثانية: كونه ما خلق ذلك إلا بالحق؛ ففيه إثبات الحكمة.
الثالثة: أن من الحكمة في ذلك الإيمان به وتوحيده.
الرابعة: الإيمان بإتيان الساعة.
الخامسة: أن العلم بإتيانها فيه تعزية للمظلوم.
السادسة: أن العلم بكونه الخلاق العليم فيه تعزية أيضا.
السابعة: أن فيه الوعيد للظالم.
الثامنة: المنة بإيتاء السبع المثاني والقرآن العظيم، وفيه التعزية عما أصابه به وعما صرف عنه.
التاسعة: نهيه عن مد العين إلى دنياهم.
العاشرة: كون ذلك من نتائج ذلك الإيتاء.
الحادية عشرة: نهيه عن الحزن عليهم ولو كانوا الملأ.
195

الثانية عشرة: أمره بخفض الجناح لمن آمن، ولو كان عندهم حقيرا.
الثالثة عشرة: قوله لهم: * (إني أنا النذير المبين) * وما في هذه الكلمة من التأكيد.
الرابعة عشرة: ذكر آياته في انتقامه منهم.
الخامسة عشرة: رجاء المؤمن إذا نظر إلى ذلك.
السادسة عشرة: وصفهم بالاقتسام ففيه جدهم في الباطل.
السابعة عشرة: وصفهم القرآن بهذه الصفة، ففيه شدة الجراءة، وفيه وضوح ضلالهم.
الثامنة عشرة: الإقسام على هذا الأمر العظيم.
التاسعة عشرة: معرفة أن لا إله إلا الله عمل.
العشرون: أن ذلك شرع للكل.
الثمانون وأربع بعدها إلى آخر السورة فيها أن الصدع فيه زيادة على الإنذار.
الثانية: أنها ناسخة.
الثالثة: جمعه بين ذلك وبين الإعراض عنهم.
196

الرابعة: ذكر الآية في تلك الكفاية.
الخامسة: في ذلك تشجيع على الصدع والتوكل.
السادسة: وصفهم بالاستهزاء بما لا يستهزأ به.
السابعة: وصفهم بالشرك.
الثامنة: ذكر أنهم يجعلون مع الله إلها فلم يتركوا.
التاسعة: تقبيح ذلك في جعلهم معه ذلك كائنا من كان.
العاشرة: الوعيد.
الحادية عشرة: لا يناقضه الإمهال لقوله: * (فسوف يعلمون) *.
الثانية عشرة: تعزيته بعلم الله.
الثالثة عشرة: تنبيهه على الدواء.
الرابعة عشرة: أن ذلك بالجمع بين التسبيح والحمد.
الخامسة عشرة: تنبيهه على السجود أنه مع ما تقدم هو الدواء.
السادسة عشرة: التحريض على ذلك بتذكر عباد الله الساجدين، وكونه منهم.
السابعة عشرة: ختم السورة بهذه المسألة الكبيرة.
197

.....
198

((سورة النحل))
وقال أيضا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: * (أتى أمر الله) * أي الذي يفصل بين المؤمنين والمشركين، فسر بالنصر في الدنيا وبالقيامة، ففيها إتيانه سبحانه بصيغة الماضي للتحقيق والبشارة والنذارة.
الثانية: النهي عن الاستعجال به.
الثالثة: تسبيحه نفسه وتعاليه عن شركهم، ففيه التنبيه على عظمة قبحه لكونه مسبة له.
الثانية: فيها تنزيله الملائكة.
الثانية: تسمية المنزل روحا لكونه يحي القلوب.
الثالثة: أن ذلك الروح من أمره.
199

الرابعة: أن التخصيص بمن ينزل عليه بمشيئة لا بالاقتراح.
الخامسة: أن المخصوص بذلك من جملة عباده.
السادسة: ذكر الحكمة في هذا وهو إنذار الخلق عن الشرك.
السابعة: أنه إذا ثبت ذلك فخصوه بالتقوى لكونه المتفرد بالضر والنفع.
الثالثة: فيها الاستدلال بخلق السماوات والأرض.
الثانية: أنه بالحق.
الثالثة: ذكر تعاليه عن شركهم، ذكره عند بدء الخلق وعند الوعد بالفصل.
الرابعة: فيها الاستدلال بخلق الإنسان؛ ذكر أولا الخلق العام ثم الخاص.
الثانية: كونه من نطفة.
الثالثة: صيرورته إلى هذا الحال بعد تلك الحال وهو تفضيله بالعقل والبيان.
الرابعة: على تفسير مجاهد ذكر هذا الكفر بعد ما أعطاه من النعمة وبين له من القدرة.
200

الخامسة: والآيتان بعدها فيها الاستدلال بخلق الأنعام على اختلافها.
الثانية: أن ذلك لنا.
الثالثة: التنبيه على ما فيها من المصالح منها الدفء والأكل والجمال، وحمل الأثقال إلى ما ذكره وغير ذلك من المنافع.
الرابعة: التنبيه على رأفته ورحمته بنا.
الثامنة: ذكر الخيل والبغال والحمير في الاستدلال.
الثانية: ذكر نعمته أن الحكمة في ذلك لركوبنا.
الثالثة: زينة لنا.
الرابعة: التنبيه على خلق ما لا نعلم.
التاسعة: فيها أن السبيل منها قاصد.
201

الثانية: أنه يوصل إلى الله.
الثالثة: أن منها جائر فيدل على الطلب والنظر.
الرابعة: ذكر القدرة بعدما ذكر الشرع.
العاشرة: فيها الاستدلال بإنزال المطر.
الثانية: على أن غيره لا يقدر عليه.
الثالثة: التنبيه على النعمة بقوله: * (لكم) *.
الرابعة: ما يحصل به من الشراب والمرعى.
الخامسة: إنبات الزرع والأشجار الخاصة.
السادسة: من كل الثمرات.
السابعة: أن ذلك الإنبات لنا.
الثامنة: ذكره أن في هذا لآيات.
التاسعة: كونها مخصوصة بالمتفكرين.
الحادية عشرة: الاستدلال بخلق الليل والنهار والعلويات.
الثانية: أن تسخيرها لنا.
الثالثة: قوله: * (مسخرات بأمره) *.
202

الرابعة: ذكر الآيات في ذلك.
الخامسة: أنها مخصوصة بالذين يعقلون.
الثانية عشرة: الاستدلال بخلق ما في الأرض لنا على اختلافه وكثرته.
الثانية: ذكر النعمة في كونه لنا.
الثالثة: ذكر الآيات في ذلك.
الرابعة: تخصيص المتفكرين بفهمها.
الثالثة عشرة: تسخير البحر.
الثانية: أنه الذي فعله لا غيره.
الثالثة: التنبيه على ما فيه من مصالحنا من أكل اللحم الطري، واستخراج الحلية ولبسها؛ وجريان الفلك فيه والابتغاء من فضله.
الرابعة: أن الحكمة في ذلك ليستخرج منكم الشكر في هذه الأمور التي فيها الآيات والنعم.
الرابعة عشرة: الاستدلال بخلق الجبال.
203

الثانية: ذكر الحكمة.
الثالثة: ذكر الأنهار.
الرابعة: ذكر السبل.
الخامسة: ذكر الحكمة وهي الاهتداء.
السادسة: ذكر الحكمة الثانية وهي العلامات فالجبال علامات النهار؛ ثم ذكر حكمة ثالثة وهي الاهتداء بالنجم في الليل.
الخامسة عشرة: ذكر الدليل القاطع البديهي الفطري الضروري.
الثانية: دعاؤهم إلى التذكر.
الثالثة: أتى باستفهام الإنكار ولكن نتأمل التذكر ما هو لقوله: * (وما يتذكر إلا من ينيب) *.
الرابعة: دعاؤهم إلى الطاعة بذكر نعمه على الإجمال، وأنها لا تحصى.
الخامسة: ختمه الآية بالإسمين.
السادسة عشرة: ذكر سعة علمه وإحاطته بالسر والجهر.
204

الثانية: أن الذين يدعون غيره ليس لهم قدرة ولا لهم علم، فلا يخلقون شيئا ولا يدري متى يبعثون.
الثالثة: أنهم أموات غير أحياء.
السابعة عشرة: ذكر توحيد الإلهية.
الثانية: أنه مع تكاثر هذه الأدلة ووضوحها أنكرته قلوب هؤلاء.
الثالثة: أن سببه عدم الإيمان بالآخرة لإخفاء الأدلة.
الرابعة: أن الشرك وعدم الإيمان بالآخرة متلازمان.
الخامسة: أنهم مع هذا الجهل العظيم الذي لا أخس منه متكبرون.
السادسة: جمعوا بين الإنكار والاستكبار.
السابعة: ذكر علمه سرهم وعلانيتهم، وهو صريح في الوعيد.
الثامنة: كونه لا يحب المستكبرين.
الثامنة عشرة: ذكر وصفهم أعظم نعمة جاءتهم من الله.
الثانية: إقرارهم بالربوبية.
الثالثة: ذكر عاقبة ذلك.
205

الرابعة: ذكر حملهم أوزار من أضلوا.
الخامسة: أنهم جهال ولو ظن الأتباع غيره.
السادسة: تهويل ذكر الجزاء.
التاسعة عشرة: وأربع آيات بعدها ذكر ما فعل بمن قبلهم لما مكروا.
الثانية: أنه أتاه من القواعد.
الثالثة: أنهم خر عليهم الذين بنوا.
الرابعة: أن الخرور من فوقهم.
الخامسة: إتيان العذاب من طريق لم يعلموا بها.
السادسة: الخزي يوم القيامة.
السابعة: هذا العتاب الشديد.
الثامنة: ما فيه من قبح الشرك.
التاسعة: ما فيه من فتنة المشرك بالشرك.
العاشرة: مشاقتهم الله وأولياءه.
الحادية عشرة: ذكره أن ذلك لأجل الشركاء.
206

الثانية عشرة: ما فيه من تعزية المؤمن وتبشيره.
الثالثة عشرة: شرف العلم في الآخرة.
الرابعة عشرة: جمعه بين الخزي والسوء.
الخامسة عشرة: كونه على من كفر.
السادسة عشرة: ذكره موتهم على هذه الحال.
السابعة عشرة: كونهم ما ظلموا إلا أنفسهم.
الثامنة عشرة: كون ملك الموت له أعوان يتوفون.
التاسعة عشرة: كونهم ألقوا السلم حين لا ينفعهم.
العشرون: تفسير ذلك بقولهم: * (ما كنا نعمل من سوء) *.
الحادية والعشرون: جوابهم.
الثانية والعشرون: عقابهم.
الثالثة والعشرون: هؤلاء أهل الأبواب.
الرابعة والعشرون: عظمة الكبر عند الله.
الرابعة والعشرون: وآيتان بعدها قول المتقين في المنزل.
207

الثانية: الوعد بحسنة الدنيا.
الثالثة: أن حسنة الآخرة خير.
الرابعة: أنها دار المتقين.
الخامسة: وصفها بهذه الصفات العظيمة.
السادسة: أن الجزاء بهذا مما يوصف الله به في حق المتقين.
السابعة: وصفهم بحالهم عند الوفاة وما يقال لهم.
السابعة والعشرون: وآية بعدها: الأولى الموعظة عن التسويف.
الثانية: الفرق بين إتيان الملائكة وأمر الله.
الثالثة: أن هذا كفعل من قبلهم.
الرابعة: تنزيهه سبحانه عن الظلم.
الخامسة: إثبات ظلمهم لأنفسهم.
السادسة: أن علمهم هو الذي أصابهم.
السابعة: كون الذي استهزءوا به حاق بهم.
الثامنة والعشرون: أن الاحتجاج بالقدر من كلام الكفار.
208

الثانية: اعترافهم أنهم يعبدون من دونه مع قولهم هؤلاء شفعاؤنا عنده.
الثالثة: اعترافهم أنهم يحرمون من دونه مع زعمهم أنهم يتقربون به إليه.
الرابعة: ذكره سبحانه أن هذا كفعل المتقدمين.
الخامسة: ذكره الواجب على الرسل.
التاسعة والعشرون: عموم الرسالة لكل أمة.
الثانية: أن كل أمة لها رسول يخصها.
الثالثة: أن بعثة الكل لأجل هاتين الكلمتين.
الرابعة: أنه لا بد من الإثبات مع النفي.
الخامسة: ذكر حسن الأولى بالإضافة إليه.
السادسة: ذكر قبح الشرك وحسن النهي عنه.
السابعة: أنهم افترقوا.
الثامنة: أن من أعطى خيرا فالله أعطاه.
209

التاسعة: أن الضلالة حقت على الضالين.
العاشرة: ذكر الأمر بالسير في الأرض لأجل النظر في عاقبتهم.
الحادية عشرة: ذكر أن حرص الرسول لا يجدي على من أضل الله.
الثانية عشرة: ما لهم من ناصرين.
الحادية والثلاثون: كونهم يقسمون بالله.
الثانية: أن القسم بالله عندهم أجل من القسم بالآلهة.
الثالثة: اجتهادهم في اليمين على ما لا يعلمون.
الرابعة: كون هذا على نفي ما قامت الأدلة الواضحة على ثبوته.
الخامسة: تأليهم على الله أن لا يفعل.
السادسة: رده عليهم بقوله: * (بلي) *.
السابعة: أنه لا يخلف الميعاد.
الثامنة: أنه جعل ذلك حقا عليه.
210

التاسعة: إخباره أن السواد الأعظم لا يعلمون.
العاشرة: ذكره الحكمة في ذلك وهي تبيينه لهم ما اختلفوا فيه، ومعرفة الكافرين أنهم أهل الكذب لا خصومهم.
الحادية عشرة: ذكره عظيم قدرته وأنها على غير القياس، وهم نفوا لما نظروا إلى عظمة الأمر، ولم يعرفوا عظمة الله.
السادسة والثلاثون: ذكر الهجرة.
الثانية: ذكر نية أهلها.
الثالثة: ذكر الظلم الذي أصابهم وصبروا.
الرابعة: الوعيد بحسنة الدنيا.
الخامسة: أن أجر الآخرة أعظم.
السادسة: أن هذا الخير العظيم لا يعلمه الأكثر، ولو علموه لاستبقوا إليه.
السابعة: وصفهم بالصبر.
الثامنة: وصفهم بالتوكل.
السابعة والثلاثون: ذكر الحجة الدامغة لإنكارهم لإرسال البشر مع تسليمهم بنبوة المتقدمين.
211

الثانية: أن الإرسال بالوحي.
الثالثة: أن هذا مسلم عند كل من عرف العلم النازل من الله.
الرابعة: تنبيه الجاهل أنه لا يعذر لأنه يمكنه السؤال.
الخامسة: أن كل الرسل رجال لا جني فيهم ولا أنثى.
السادسة: أن كل رسول لا يرسل إلا ببينات.
السابعة: لا يرسل إلا ومعه كتاب.
الثامنة: ذكر الحكمة في إنزال القرآن على محمد، وأنها لبيان المنزل ولتفكرهم.
التاسعة: تسميته الذكر.
الثامنة والثلاثون: ذكر مكر السيئات.
الثانية: أنهم مستحقون لتعجيل العقوبة.
الثالثة: كيف أمنوا ذلك.
الرابعة: ذكر أنواع العذاب الأربعة.
الخامسة: أنهم لا يعجزون بعد ذكر الثالث.
السادسة: ذكر الرأفة والرحمة بعد الرابع.
212

التاسعة والثلاثون: والآيتان بعدها فيها ذكر الآية التي في المخلوقات.
الثانية: تقرير عدم رؤيتهم ذلك مع وضوحه.
الثالثة: تفيء الظلال يمينا وشمالا.
الرابعة: سجودهم لله.
الخامسة: حال الدخول.
السادسة: ذكر جميع دواب السماء والأرض.
السابعة: سجود جميع الملائكة.
الثامنة: عدم استكبراهم مع شرفهم.
التاسعة: مع ذلك خوفهم منه.
العاشرة: ذكر الفوقية.
الحادية عشرة: ذكر كونهم مع ذلك الخوف كاملي الانقياد فيما أمروا.
الثانية والأربعون: النهي عن اتخاذ إلهين.
الثانية: بيان أن الإله واحد.
213

الثالثة: بيان أن من لوازم ذلك إفراده بالرهبة.
الرابعة: الاستدلال على ذلك بملك السماوات والأرض.
الخامسة: الاستدلال بأن دينه واصب.
السادسة: الإنكار عليهم في تقوى غيره مع هذه الأدلة.
الثالثة والأربعون: فيها التذكير بأن كل ما بنا من نعمة فهو المتفرد بها.
الثانية: اللجأ إليه وحده إذا نزل الضر بالجؤور.
الثالثة: فعلهم القبيح بعد كشفه وبعد الإخلاص.
الرابعة: ذكر عاقبة فعلهم أنه الكفر بالنعم.
الخامسة: ذكر العاقبة الثانية وهي التمتع.
السادسة: الوعيد.
السابعة والأربعون: جعلهم حقا من الذي أعطاهم الله لغيره.
الثانية: أنهم لا يعلمون.
214

الثالثة: الوعيد.
الرابعة: أنه بالقسم.
الثامنة والأربعون: جعلهم الله الأوكس.
الثانية: جعلهم لأنفسهم الأعلى.
الثالثة: إذا بشروا بما جعلوا لله جرى منهما ما ذكر.
الرابعة: أنه لشدته يتوارى.
الخامسة: أنه يتردد: هل يمسكه على هون أم يدسه؟
السادسة: التسجيل على سوء هذا الحكم.
الخمسون: ذكر مثل السوء لمن لا يؤمن بالآخرة.
الثانية: إثبات المثل الأعلى لله سبحانه.
الثالثة: ذكر عزته.
الرابعة: ذكر حكمته.
215

الحادية والخمسون: ذكر حلمه.
الثانية: ذكر استحقاقهم.
الثالثة: إهلاك من لا ذنب له بسبب كبر الجريمة.
الرابعة: ذكر أنه مع ذلك لا يهمل.
الخامسة: أن التأخير إلى أجل مسمى.
السادسة: أنه إذا جاء لا يستأخرون ساعة.
السابعة: أنهم لا يستقدمون قبله.
الثانية والخمسون: ذكر فعلهم العجيب.
الثانية: ذكر اغترارهم مع ذلك.
الثالثة: ذكر الصواب فيما يستحقون.
الرابعة: أنهم مفرطون.
الثالثة والخمسون: القسم.
الثانية: ذكر أنه أرشدهم إلى ما ينفعهم.
216

الثالثة: ذكر السبب الذي صدهم.
الرابعة: ذكر الثمرة اليوم.
الخامسة: الوعيد بغيره.
الرابعة والخمسون: ذكر الحكم في إنزال الكتاب عليه.
الثانية: الحصر في ذلك.
الثالثة: أنها ثلاثة أنواع الأول عام، والثاني والثالث خاص.
الرابعة: ذكر سبب الخصوص.
الخامسة والخمسون: ذكر الآية الشهيرة.
الثانية: أن فيها آية.
الثالثة: لقوم مخصوصين.
الرابعة: أنهم أهل السمع.
السادسة والخمسون: ذكر الآية في الإنعام باللبن.
الثانية: تفصيل الأنعام.
217

السابعة والخمسون: ذكر ثمرات النوعين.
الثانية: اتخاذ النوعين منها.
الثالثة: ذكر الآية التي في ذلك.
الرابعة: أنها لأهل العقل خاصة.
الثامنة والخمسون: ذكر أن الإلهام من أقسام الوحي.
الثانية: إلهامها اتخاذ تلك البيوت من تلك الأمكنة.
الثالثة: إلهامها مأكولها.
الرابعة: سلوك سبل ربها.
الخامسة: كونها ذللا.
السادسة: خروج تلك الشراب من بطونها.
السابعة: اختلاف ألوانه.
الثامنة: ما فيه من الشفاء.
التاسعة: الآية التي فيه.
العاشرة: كونها للمتفكرين.
218

التاسعة والخمسون: الآية في خلقهم.
الثانية: توفيهم.
الثالثة: رد من شاء إلى أرذل العمر.
الرابعة: لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.
الخامسة: علمه.
السادسة: قدرته.
الستون: تفضيلهم في الرزق.
الثانية: أن المفضلين لا يرضون لأنفسهم بهذا خصوصا مع التساوي.
الثالثة: استفهام الإنكار.
الحادية والستون: جعل الأزواج من الأنفس.
الثانية: جعل منها بنين.
الثالثة: حفدة.
219

الرابعة: الرزق من الطيبات.
الخامسة: استفهام الإنكار في هذا الأمر الباهر.
الثانية والستون: عبادة من لا يملك نفعا.
الثانية: أنهم لا يستطيعون.
الثالثة: النهي عن ضرب المثل له.
الرابعة: التنبيه على علمه وجهلهم.
الثالثة والستون: والتي بعدها فيهما المثلان العظيمان القاطعان.
الخامسة والستون: ذكرت تفرده بعلم الغيب.
الثانية: ذكر أمره الآخرة.
الثالثة: ذكر قدرته على كل شيء فلا تستبعد شيئا.
السادسة والستون: ذكر إخراجنا من البطون هكذا.
220

الثانية: وهب الآلات.
الثالثة: ذكر مراده في ذلك.
السابعة والستون: ذكر آيات الطير.
الثانية: كيف لم يفهموها!
الثالثة: إن فيها آيات.
الرابعة: لقوم مخصوصين.
الثامنة والستون: ذكر السكن من البيوت.
الثانية: جعل البيوت من جلود الأنعام.
الثالثة: استخفافها ظعنا وإقامة.
الرابعة: من الأصواف والأوبار والأشعار أثاثا.
الخامسة: المتاع إلى حين.
التاسعة والستون: ذكر الظلال مما خلق.
221

الثانية: الأكنان من الجبال.
الثالثة: سرابيل الحر.
الرابعة: سرابيل البأس.
الخامسة: إتمام النعمة.
السادسة: الحكمة في ذلك.
السبعون: والتي بعدها ذكر الوعيد.
الثانية: التعزية.
الثالثة: التعليم أن ذلك ليس عليه.
الرابعة: ذكر ما عليه.
الخامسة: نعمته بالبيان.
السادسة: العجب العجاب وهو جمعهم بين الضدين.
السابعة: أن أكثرهم عدم القوة العملية.
الحادية والسبعون: وآيتان بعدها ذكر بعثة الشهداء.
الثانية: أنه من كل أمة شهيدا.
222

الثالثة: تخلف أسباب النجاة في الدنيا وهو الإذن والاستعتاب.
الرابعة: تخلف التخفيف والإنظار.
الرابعة والسبعون: قول المشركين لشركائهم.
الثانية: معرفة أنهم يدعون من دونه.
الثالثة: تكذيب المعبودين لهم.
الرابعة: إلقاء السلم إلى الله حينئذ.
الخامسة: زوال الافتراء.
الخامسة والسبعون: من جمع الكفر والصد جمع له ما ذكر.
الثانية: ذكر الحكمة.
السادسة والسبعون: ذكر بعث الشهيد في كل أمة من أنفسهم.
الثانية: بعثته صلى الله عليه وسلم على أمته.
الثالثة: تنزيل الكتاب عليه.
223

الرابعة: بيانه لكل شيء.
الخامسة: كونه هدى.
السادسة: كونه رحمة.
السابعة: كونه بشرى لقوم مخصوصين.
الثامنة: الثناء على الإسلام.
السابعة والسبعون: الأمر بالعدل.
الثانية: الأمر بالإحسان.
الثالثة: الأمر بإيتاء ذي القربى.
الرابعة: النهي عن الفحشاء.
الخامسة: النهي عن المنكر.
السادسة: النهي عن البغي.
السابعة: ذكر أن الأمر والنهي موعظة.
الثامنة: ذكر الحكمة في ذلك.
التاسعة: أن التذكير مستلزم العمل.
الثامنة والسبعون: الأمر بالوفاء بالعهد.
224

الثانية: نسبته إلى الله.
الثالثة: النهي عن نقض الأيمان بعد توكيدها.
الرابعة: التنبيه على قبح ذلك بجعلهم الله كفيلا عليهم.
الخامسة: الوعظ بعلمه بأعمالهم.
التاسعة والسبعون: وأربع بعدها: نهيهم عن مشابهة الخرقاء.
الثانية: تبيين ذلك باتخاذ الأيمان دخلا بينهم.
الثالثة: أنه لأجل كون أمة أربى من أمة.
الرابعة: ذكر أن ذلك اختبار منه سبحانه.
الخامسة: وعظهم بالبيان للاختلاف ذلك اليوم.
السادسة: أنه لو شاء لجعلهم أمة واحدة.
السابعة: بيان المشيئة.
الثامنة: الرد على القدرية.
225

التاسعة: الرد على الجبرية.
العاشرة: توعده بسؤالهم.
الحادية عشرة: نهيه عن اتخاذها دخلا.
الثانية عشرة: ذكر العقوبة.
الثالثة عشرة: أنها نوعان.
الرابعة عشرة: أن ذلك بما صدوا عن سبيله.
الخامسة عشرة: ذكر العذاب المهين.
السادسة عشرة: نهيهم عن الاشتراء بالعهد ثمنا قليلا.
السابعة عشرة: ذكر أن ما عنده على الوفا خير.
الثامنة عشرة: ذكر أن من آثر هذا فلجهله.
التاسعة عشرة: ذكره بعض الخيرية وهو نفاد هذا وبقاء هذا.
العشرون: وعد الصابرين.
الحادية والعشرون: أن ذلك بأحسن أعمالهم.
الرابعة والثمانون: إلزام العمل الإيمان وبالعكس.
الثانية: ذكر الجزاء بالحياة الطيبة، وما بعدها أكبر هو جزاؤهم بأحسن أعمالهم.
الثالثة: أنه عام لمن فعل ذكرا كان أو أنثى.
226

الرابعة: التنبيه على طيب الحياة.
الخامسة والثمانون: والتي بعدها الأمر بالاستعاذة من الشيطان عند القراءة.
الثانية: أن القراءة غير المقروء.
الثالثة: التنبيه على التوحيد.
الرابعة: الإخبار أنه لا سلطان له على هؤلاء.
الخامسة: عطف التوكل على الإيمان مع أنه منه.
السادسة: أن نفي سلطانه عنهم لا ينافي فعلهم الأسباب مثل الاستعاذة.
السابعة: إثبات سلطانه على هؤلاء.
الثامنة: عطف توليهم على شركهم.
الثامنة والثمانون: ذكر النسخ.
الثانية: ذكر الفتنة به.
الثالثة: جوابهم.
227

الرابعة: سببه عدم العلم.
الخامسة: أن روح القدس جبرائيل.
السادسة: أنه من ربك.
السابعة: أنه لا ينافي كون الله نزله.
الثامنة: أنه الحق.
التاسعة: ذكر الحكمة وهي تثبيت هؤلاء.
العاشرة: ذكر الحكمة الأخرى أنه هدى لهؤلاء.
الحادية عشرة: ذكر الحكمة الأخرى أنه بشرى لهم.
الثانية عشرة: مدح الإسلام.
التاسعة والثمانون: ذكر إفكهم.
الثانية: ذكر علمه به.
الثالثة: بيان فساد إفكهم بأوضح حجة.
الرابعة: الرد على الأشعرية.
الخامسة: الرد على من زعم أنه لا يمكن معرفته.
التسعون: ذكر عقوبة من لم يؤمن بآيات الله.
228

الثانية: أن ذلك منعهم الخير الذي هو الهداية وإيصال الشر وهو العذاب.
الثالثة: أن الهداية نعمة منه.
الحادية والتسعون: تعظيم أمر الكذب بكونه ينافي الإيمان.
الثانية: أن الإيمان بآيات الله يستلزم العمل ومنه ترك الكذب.
الثالثة: حصر الكذب فيمن لم يؤمن بآيات الله.
الثانية والتسعون: وأربع بعدها ذكر تعظيم الكفر بعد الإيمان.
الثانية: استثناء المكره المطمئن.
الثالثة: أن الرخصة لمن جمع بينهما خلاف المكره فقط.
الرابعة: أن الردة المذكورة كلام أو فعل من غير اعتقاد.
الخامسة: أنها تكون مع شدة المعرفة بالدين.
229

السادسة: أنها تكون مع شدة المعرفة بالباطل.
السابعة: أنها تكون مع محبة الدين.
الثامنة: أنها تكون مع بغض الباطل.
التاسعة: أنها تكون مع شدة الخوف.
العاشرة: تكون أيضا مع شدة حاجته لما بذل له أو لما يرجوه.
الحادية عشرة: كون من فعل ذلك كفر ولو هو أفضل الأولياء.
الثانية عشرة: يكفر بذلك ولو كان في بلد المشركين تحت أيديهم.
الثالثة عشرة: من فعل ذلك فقد شرح بالكفر صدرا ولو كره ذلك، لأنه لم يستثن إلا من ذكر.
الرابعة عشرة: فيه أنه يتصور أنه مؤمن ولم يطمئن.
الخامسة عشرة: ذكر العقوبة وهي نوعان.
السادسة عشرة: ذكر سبب تلك العقوبة وهي استحباب الدنيا على الآخرة، لا مجرد الاعتقاد أو الشك.
السابعة عشرة: ذكر السبب الآخر وهو من الصفات.
الثامنة عشرة: ذكر أن سبب فعلهم للطبع المذكور.
التاسعة عشرة: ذكر حصر الغفلة فيهم.
العشرون: حصر الخسران في الآخرة فيهم.
الحادية والعشرون: ذكر قبول توبة هؤلاء.
الثانية والعشرون: ذكر صفة توبتهم وهي الهجرة والجهاد والصبر.
230

الثالثة والعشرون: ذكر أن المغفرة لما صدر منهم من الأعمال المذكورة.
السابعة والتسعون: تعظيم ذلك اليوم.
الثانية: ذكر الأمر الهائل في كل نفس.
الثالثة: كشف الشبهة بقوله * (عن نفسها) *.
الرابعة: توفية كل نفس عملها.
الخامسة: نفي الظلم ولو عن الأشرار.
الثامنة والتسعون: والتي بعدها ذكر ما أعطى القرية.
الثانية: الفرق بين الأمان والطمأنينة.
الثالثة: إتيان الرزق لها رغدا.
الرابعة: من كل مكان.
الخامسة: أن النعمة بما خرق العادة أظهر.
السادسة: أن ترك الشكر له عقوبة عاجلة.
السابعة: أن العقوبة تأتي من حيث لا يحتسب.
الثامنة: ذكر الجمع بين هاتين العقوبتين.
231

التاسعة: أن ذلك لباس.
العاشرة: كونه بصنيعهم.
الحادية عشرة: كون النعمة أتتهم ولم يطلبوها.
الثانية عشرة: كونه منهم.
الثالثة عشرة: تكذيبه مع هذا.
الرابعة عشرة: كون العذاب أخذهم بهذا السبب.
الخامسة عشرة: كونهم في تلك الحالة الظالمين.
المائة: ذكر قاعدة الشريعة وهي أن الأصل الحل.
الثانية: أمره بالشكر.
الثالثة: تنبيهه على ترك الغلو.
الرابعة: أن كل حلال فهو طيب.
الخامسة: الشكر للنعمة من الفرائض، لكونه من شروط العبادة الخاصة.
الحادية بعد المائة: ذكر تحريم الأربع.
232

الثانية: ذكر إنما التي تفيد الحصر.
الثالثة: الرخصة للمضطر.
الرابعة: شروط ذلك.
الخامسة: ختم الحكم بالصفتين.
الثانية بعد المائة: نهيه عن التحليل والتحريم بلا علم.
الثانية: أن ذلك وصف الألسنة بالكذب.
الثالثة: لام كي في قوله: * (لتفتروا) *.
الرابعة: وعيد الفاعل.
الخامسة: إزالة الشبهة بقوله * (متاع قليل) *.
الثالثة بعد المائة: ذكر تحريمه على اليهود ما ذكر.
الثانية: أنه بسبب ظلمهم.
الثالثة: تسمية ما حرم عليهم طيبات.
الرابعة: تنزيهه نفسه عن الظلم.
الخامسة: إثبات الظلم على من ظلم.
233

الرابعة بعد المائة: ذكر توبته على العاصين.
الثانية: قوله * (بجهالة) *.
الثالثة: ذكره الإصلاح مع التوبة.
الرابعة: ذكر الربوبية له في أول الكلمة وآخره.
الخامسة: ختم الحكم بالصفتين.
الخامسة بعد المائة: ذكر تعظيمه إبراهيم بما لا يعلم له نظير.
الثانية: كون أمة.
الثالثة: قنوته لله.
الرابعة: كونه حنيفا.
الخامسة: تنزيهه عن هذه الطائفة.
السادسة: كونه شاكرا.
السابعة: كونه اجتباه.
الثامنة: هداه إلى صراط مستقيم.
التاسعة: أعطاه في الدنيا حسنة.
234

العاشرة: كونه في الآخرة مع هذه الطائفة.
الحادية عشرة: كون سيد المرسلين مأمورا باتباع ملته.
التاسعة بعد المائة: ذكر فرض السبت عليهم.
الثانية: ذكر الحصر بإنما.
الثالثة: ذكر اختلافهم فيه.
الرابعة: ذكر الوعيد.
الخامسة: ذكر فصل جميع الاختلاف ذلك اليوم.
العاشرة بعد المائة: كونه مأمورا بالدعوة إلى سبيل ربه لا غير.
الثانية: كونه بالحكمة.
الثالثة: كونه بالموعظة الحسنة.
الرابعة: المجادلة بالتي هي أحسن.
الخامسة: تعزية المؤمن بعمله سبحانه بالمهتدي والضال.
الحادية عشرة بعد المائة: ذكر العدل حتى في حق الكفار.
235

الثانية: ذكر أن الصبر أفضل ولو على الكفار.
الثانية عشرة بعد المائة: والتي بعدها الأمر بالصبر.
الثانية: لا يكون إلا بالله.
الثالثة: نهيه عن الحزن عليهم.
الرابعة: نهيه عن الضيق من مكرهم.
الخامسة: تنبيه على أن الله مع الذين جمعوا بين الوصفين.
آخره والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
236

وتكلم رحمه الله على آخر هذه السورة أيضا فقال:
* (إن إبراهيم كان أمة) * لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين * (قانتا لله) * لا للملوك ولا للتجار المترفين * (حنيفا) * لا يميل يمينا ولا شمالا كفعل العلماء المفتونين * (ولم يك من المشركين) * خلافا لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين * (شاكرا لأنعمه) * ليس كمن نسي النعم ونسبها إلى نفسه فصار من المتكبرين * (اجتباه) * ليعلم أنه المتفرد بالفضل والتمكين * (وهداه إلى صراط مستقيم) * لتعرف الاستقامة من الاعوجاج عن الحق المبين * (وآتيناه في الدنيا حسنة) * لنعلم أن الدنيا مع الآخرة في اتباع الدين * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * ترغيبا في زمرة الصالحين.
ثم ختم هذا الثناء العظيم بالأمر الكبير والعصمة والقاعدة الكلية فقال: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) * تبيينا للناجين من الهالكين، وفرقانا بين المحقين والمبطلين؛ وبيانا للموحدين من المشركين.
337

....
238

((سورة الكهف))
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
ومن أول سورة الكهف ذكر ابن عباس أن سبب نزولها أن قريشا بعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار المدينة فقالوا: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته فإنهم أهل الكتاب الأول، ففعلوا فقالوا: سلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإلا فهو متقول: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما أمرهم فإن لهم حديثا عجيبا، وسلوه عن طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وسلوه عن الروح، فأقبلا فقالا جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد فسألوه عن الثلاث فقال: أخبركم ولم يستثن،
239

فمكث خمس عشرة ليلة لا يأتيه جبرائيل فشق ذلك عليه، حتى جاءه بالسورة فيها المعاتبة على حزنه عليهم وخبر مسائلهم.
ففي الآية الأولى مسائل:
الأولى: حمده نفسه على إنزال الكتاب الذي هو أكره شيء أتاهم في أنفسهم؛ مع كونه أجل ما أعطاهم من النعم.
الثانية: أن الإنزال على عبده؛ ففيه بطلان مذهب النصارى والمشركين، وفيه نعمته عليهم حيث أنزل على رجل منهم.
الثالثة: أنه أنزله معتدلا لا عوج فيه، ففيه معنى قوله: * (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض) *.
الرابعة: أن الأعداء والمشبهين لا يجدون فيه مغمزا بل ليس فيه إلا ما يكسرهم.
وقوله: * (لينذر بأسا شديدا من لدنه) * ذكر الفائدة في إنزاله فذكر ثلاثا:
الأولى: لينذر عذاب الله فيصير سببا للسلامة منه.
الثانية: بشارة من انقاد له بالحظ المذكور.
الثالثة: الإنذار على الكلمة العظمى التي تفوه بها من تفوه تقربا إلى الله بتعظيم الصالحين.
240

الرابعة: الدليل على أن كلامهم لم يصدر عن علم لا منهم ولا ممن قبلهم.
الخامسة: تعظيم الكلمة كما قال تعالى: * (تكاد السماوات يتفطرن منه) *.
السادسة: أن الكذب يسمى كذبا، ويسمى صاحبه كاذبا ولو ظن أنه صادق، ويصير من أكبر الكذابين المفترين.
وقوله: * (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) * أي قاتلها أسفا على هلكتهم، ففيه ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشفقة عليهم، وتسلية الله سبحانه له.
وقوله: * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) * فيه مسائل:
الأولى: التسلية للمؤمن عمن أدبر.
الثانية: أن حكمة التزيين ليبين الأحسن عملا من غيره.
الثالثة: أن جميعها يصير * (صعيدا جرزا) * أي لا نبت فيه.
وقوله: * (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) * يعني أن قصتهم مع كونها عجيبة فيها مسائل جليلة أعظمها الدلالة على التوحيد وبطلان الشرك
، والدلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم ومن قبله، والدلالة على اليوم الآخر، ففي الآيات المشاهدة من خلق السماوات والأرض وغير ذلك مما هو أعجب وأدل على المراد من قصتهم مع إعراضهم عن ذلك، فأما دلالتها على التوحيد وبطلان الشرك فظاهر، وأما دلالتها على النبوات فكذلك كما جعلها أحبار يهود آية لنبوته، وأما دلالتها على اليوم
241

الآخر فمن طول لبثهم لم يتغيروا كما قال تعالى: * (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) *.
وقوله: * (إذ أوى الفتية إلى الكهف) * الآية فيه مسائل:
الأولى: كونهم فعلوا ذلك عند الفتنة، وهذا هو الصواب عند وقوع الفتن الفرار منها.
الثانية: قولهم: * (ربنا آتنا من لدنك رحمة) * لا نحصلها بأعمالنا ولا بحيلتنا.
الثالثة: قولهم: * (وهيء لنا من أمرنا رشدا) * طلبوا من الله أن يجعل لهم من ذلك العمل رشدا مع كونه عملا صالحا، فما أكثر ما يقصر الإنسان فيه أو يرجع على عقبيه، أو يثمر له العجب والكبر؛ وفي الحديث (وما قضيت لنا من قضاء فاجعل عاقبته رشدا).
وقوله تعالى: * (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) * إلى قوله: * (من أمركم مرفقا) * فيه مسائل:
242

الأولى: من آيات النبوة وإليه الإشارة بقوله: * (بالحق) *.
الثانية: * (إنهم فتية) * وهم الشبان وهم أقبل للحق من الشيوخ عكس ما يظن الأكثر.
الثالثة: قوله: * (آمنوا بربهم) * فلم يسبقوا إلا بالإيمان بالله.
الرابعة: ما في الإضافة إلى ربهم من تقرير التوحيد.
الخامسة: في قوله: * (وزدناهم هدى) * إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عمل بما يعلم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم.
السادسة: أن المؤمن أحوج شيء إلى أن يربط الله على قلبه، ولولا ذلك الربط افتتنوا.
السابعة: قولهم: * (ربنا رب السماوات والأرض) * هذه الربوبية هي الألوهية.
الثامنة: المسألة الكبرى أن من ذبح لغير الله أو دعا غيره فقد كذب بقول: لا إله إلا الله، وقد دعا إلهين اثنين واتخذ ربين.
التاسعة: المسألة العظيمة المشكلة على أكثر الناس أنه إذا وافقهم بلسانه مع كونه مؤمنا حقا كارها لموافقتهم فقد كذب في قوله لا إله إلا الله، واتخذ إلهين اثنين، وما أكثر الجهل بهذه والتي قبلها!
العاشرة: أن ذلك لو يصدر منهم أعني موافقة الحاكم فيما أراد من ظاهرهم مع كراهتهم لذلك فهو قوله: * (شططا) * والشطط الكفر.
243

الحادية عشرة: قوله: * (لولا يأتون عليهم بسلطان بين) * فهذه المسألة مفتاح العلم وما أكبر فائدتها لمن فهمها.
الثانية عشرة قوله: * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * ففيه أن مثل هذا من افتراء الكذب على الله، وأنه أعظم أنواع الظلم ولو كان صاحبه لا يدري بل قصد رضا الله.
الثالثة عشرة: قوله: * (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) * فيه اعتزال أهل الشرك واعتزال معبوديهم، وأن ذلك لا يحرك إلى ترك ما معهم من الحق كما قال تعالى: * (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا) *.
الرابعة عشرة: قوله: * (فأووا إلى الكهف) * فيه شدة صلابتهم في دينهم حيث عزموا على ترك الرياسة العظيمة، والنعمة العظيمة، واستبدلوا بها كهفا في رأس جبل.
الخامسة عشرة: حسن ظنهم بالله ومعرفتهم ثمرة الطاعة، ولو كان مباديها ذهاب الدنيا حيث قالوا: * (ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيء لكم من أمركم مرفقا) *.
السادسة عشرة: الدليل على الكلام المشهور أن التعب يثمر الراحة، والراحة تثمر التعب.
السابعة عشرة: عدم الاغترار بصورة العمل الصالح فرب عمل صالح في الظاهر لا يثمر خيرا؛ أو عمل صالح يهيء لصاحبه منه مرفقا.
244

وقوله تعالى: * (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم) * فيه مسائل:
الأولى: كما أماتهم لحكمة بعثهم لحكمة.
الثانية: أن الصواب في المسائل المشكلة عدم الجزم بشيء، بل قول (الله أعلم) فالجهل بها هو العلم.
الثالثة: التورع في المأكل.
الرابعة: كتمان السر.
الخامسة: المسألة العظيمة وهي قوله: * (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) * عرفوا أنه لا بد من أحد الأمرين: إما الرجم، وإما الإعادة في الملة، فإن وافقوا على الثانية لم يفلحوا أبدا؛ ولو كان في قلوبهم محبة الدين وبغض الكفر.
وقوله تعالى: * (وكذلك أعثرنا عليهم) * فيه مسائل:
الأولى: أن الإعثار عليهم لحكمة.
245

الثانية: معرفة المؤمن إذا أعثر عليهم * (أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) * كما رد سبحانه موسى إلى أمه لتعلم أن وعد الله حق، فتأمل هذا العلم ما هو.
الثالثة: أن الساعة لا ريب فيها لما وقع بينهم النزاع؛ وذلك أن بعض الناس زعم أن البعث للأرواح خاصة، فأعثر عليهم ليكون دليلا على بعث الأجساد.
الرابعة: أن الذين غلبوا على أمرهم قالوا لنتخذ عليهم مسجدا، فإذا تأملت ما قالوا، وأن الذي حملهم عليه محبة الصالحين ثم ذكرت قوله صلى الله عليه وسلم: ' أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ' عرفت الأمر.
وقوله: * (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم) * الآية فيه مسائل:
246

الأولى: الإخبار بالغيب.
الثانية: بيان الجهل والباطل بالتناقض.
الثالثة: الإنكار على المتكلم بلا علم.
الرابعة: إسناد الأمر في مثل هذه المسائل إلى علم الله سبحانه.
الخامسة: الرد على أهل الباطل بالإسناد إليه.
السادسة: أن من العلماء من يعرف عدتهم، لكنهم قليل.
السابعة: النهي عن المراء في شأنهم.
الثامنة: الاستثناء.
التاسعة: النهي عن استفتاء أحد من هؤلاء فيهم.
وقوله: * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا. إلا أن يشاء الله) * فيه مسائل:
الأولى: النهي عن مثل هذا الكلام.
الثانية: الرخصة مع الاستثناء.
الثالثة: الأمر بذكر الله عند النسيان.
الرابعة: أن الاستثناء ينفع في مثل هذا.
الخامسة: هذا الدعاء عند النسيان إن صح التفسير بذلك.
247

وقوله: * (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين) * إلى آخر الكلام فيه مسائل:
الأولى: النص على مدة لبثهم.
الثانية: الرد على المخالف بقوله: * (الله أعلم بما لبثوا) *.
الثالثة: الرد عليه بقوله: * (له غيب السماوات والأرض) *.
الرابعة: الرد عليه بقوله: * (أبصر به وأسمع) *.
الخامسة: قوله: * (ما لهم من دونه من ولي) *.
السادسة: كونه: * (لا يشرك في حكمه أحدا) *.
السابعة: النهي عن إشراك مخلوق في حكم الله على قراءة الجزم.
الثامنة: الحث على تلاوة الوحي وإن عارضه شبهة أو شهوة.
التاسعة: تقريره ذلك بقوله: * (لا مبدل لكلماته) *.
العاشرة تقرير ذلك بقوله: * (ولن تجد من دونه ملتحدا) *.
248

الحادية عشرة: الكبيرة وهي أمره نبيه أن يصبر نفسه مع من ذكر.
الثانية عشرة: أنه لا يضر المؤمن كراهة نفسه لذلك إذا جاهدها.
الثالثة عشرة: أن بلوغهم هذه المرتبة بسبب فعلهم ما ذكر.
الرابعة عشرة: أن صلاة البردين بالإخلاص توصل إلى المراتب العالية.
الخامسة عشرة: فيه قوله: ' رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره '.
السادسة عشرة: النهي عن طلوع العين عنهم إرادة لمجالسة الأجلاء.
السابعة عشرة: المسألة الكبرى وهي اختلاف أمر الدنيا والآخرة عند الله.
الثامنة عشرة: أنه لما ذكر المحثوث على مجالستهم ذكر ضدهم.
التاسعة عشرة: نهيه عن طاعة الضد.
249

العشرون: سبب ذلك.
الحادية والعشرون: ذكر الخصال الثلاث: إغفال القلب عن ذكر الله، واتباع الهوى، وانفراط الأمر.
الثانية والعشرون: إثبات القدر وهو الإغفال.
الثالثة والعشرون: لا يخرجه من الذم أن قلبه يفهم غير ذلك فهما جيدا.
الرابعة والعشرون: قوله: * (وقل الحق من ربكم) * الآية.
وقال في قوله: * (ولا يظلم ربك أحدا) * تنزيهه عن الفقر والحاجة والجهل والخساسة، ولكونه الغني القوي.
الثانية: كونه سبحانه هو الحكيم لنزاهته عن الجهل والنقص ولكونه القدوس السلام.
250

((قصة موسى والخضر))
وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام مسائل:
251

فالأولى: ما يتعلق بجلال الله وعظمته، وفيه مسائل:
الأولى: معرفة سعة العلم لقوله: * (ما نقص علمي وعلمك) * وهذا من أعظم ما سمعنا من عظمة الله.
الثانية: الأدب مع الله لقوله: * (فعتب الله عليه) *.
الثالثة: الأدب مع أيضا في قوله: * (فأردت أن أعيبها) * وقوله: * (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) *.
الرابعة: معرفة أنواع سعة جود الله تعالى، ومن ذلك العلم اللدني.
الخامسة: الأدب معه تعالى بمعرفة أن له أسرارا في خلقه تخفى على الأنبياء، فلا ينبغي الغفلة عن هذه المهمة.
السادسة: الأدب معه في تعليق الوعد بمشيئة الله مع العزم.
السابعة: معرفة شيء من عظيم قدرة الله من إحياء الموتى، وجعله سبيل الحوت في الماء طريقا وغير ذلك؛ ومعرفة هذه مع الأولى هما اللتان خلق العالم العلوي والسفلي لأجل معرفتنا بهما.
الثاني: ما يتعلق بأحوال الأنبياء وفيه مسائل:
252

الأولى: أن النبي يجوز عليه الخطأ.
الثانية: أنه يجوز عليه النسيان.
الثالثة: فضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم بعموم الدعوة لقوله: ' موسى نبي إسرائيل '.
الرابعة: ما جبل عليه موسى عليه السلام من الشدة في أمر الله.
الخامسة: أنه لا ينكر إصابة الشيطان للأنبياء بما لا يقدح في النبوة لقوله: * (نسيا حوتهما) * مع قوله: * (وما أنسانيه إلا الشيطان) *.
السادسة: ما عليه الإنسان من البشرية ولو كان نبيا. وذلك من أدلة التوحيد، وذلك من وجوه منها قوله: * (فاستطعما أهلها) *.
الثالث: مسائل الأصول وفيه مسائل:
أعظمها التوحيد، ولكن سبق آنفا فنقول:
الأولى: الدليل على اليوم الآخر، لأن من أعظم الأدلة إحياء الموتى في دار الدنيا.
الثانية: إثبات كرامات الأولياء على القول بعدم نبوة الخضر.
الثالثة: أنه قد يكون عند غير النبي من العلم ما ليس عند النبي.
الرابعة: إذا احتمل اللفظ معاني فأظهرها أولاها كما قال الشافعي.
الخامسة: إثبات الصفات كما هو مذهب السلف.
الرابع: ما فيها من التفسير:
253

الأولى: أن المذكور هو الخضر لا كما قال الحر بن قيس.
الثانية: أن موسى هو المشهور عليه السلام خلافا لنوف.
الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر لهم ألفاظ القرآن كما بلغها.
254

الرابعة: أن قوله: * (ألم أقل لك) * أبلغ من قوله: (ألم أقل).
الخامسة: أن قوله: * (يأخذ كل سفينة غصبا) * المراد سفينة سالمة من العيب.
السادسة: أن غداهما هو الحوت.
السابعة: أن قوله * (عجبا) * أي لموسى وفتاه.
الثامنة: أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات، وإن وقع فيه من وقع.
التاسعة: أن السلف يشددون في ذلك تشديدا عظيما، لقوله كذب عدو الله.
العاشرة: أن الوعد على العمل الصالح ليس مختصا بالآخرة، بل يدخل فيه أمور الدنيا حتى في الذرية بعد موت العامل.
الخامس: آداب العالم والمتعلم.
ففيه مسائل؛ الأولى:
تسمية التلميذ الخادم فتى.
الثانية: أن تلك الخدمة مما يرفع الله بها كما رفع يوشع.
الثالثة: تعلم العالم ممن دونه.
الرابعة: اتخاذ ذلك نعمة يبادر إليها لا نقمة يبغضها.
الخامسة: التعلم بعد الرياسة.
255

السادسة: الرحلة في طلب العلم.
السابعة: رحلة الفاضل إلى المفضول.
الثامنة: ركوب البحر لطلب العلم.
التاسعة: شروط الشيخ على المتعلم.
العاشرة: التزام المتعلم للشروط.
الحادية عشرة: الاعتذار بالنسيان.
الثانية عشرة: قبول الاعتذار.
الثالثة عشرة: أدب المتعلم لقوله: * (هل أتبعك) * إلى آخره.
الرابعة عشرة: قبول نصيحة الشيخ لعلمه منك ما لا تعلمه من نفسك، وإن كنت أفضل منه.
الخامسة عشرة: أن من المسائل ما لا يجوز السؤال عنه.
السادسة عشرة: أن من المسائل ما لا ينبغي للمسئول أن يجيب فيها.
السابعة عشرة: إعفاء المعلم مما يكره.
الثامنة عشرة: مفارقة المتعلم إذا خالف الشرط.
التاسعة عشرة: احتمال المشاق في طلب العلم لقوله: * (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) *.
السادس: ما فيها من مسائل الفقه.
فالأولى: عمل الإنسان في مال الغير بغير إذنه إذا خاف عليه الهلاك.
الثانية: ليس من شروط الجواز خوف الهلاك، بل قد يجوز للإصلاح لقصة الجدار.
256

الثالثة: أنه ليس من شروط المسكين في الزكاة أنه لا مال له.
الرابعة: أنه استدل بها على أنه أحسن حالا من الفقير.
الخامسة: أنه لا بأس بالسؤال في بعض الأحوال، لقوله: * (استطعما أهلها) *.
السادسة: أن من لم يعط يتعز بهذه القصة. وكم ممن هان على الناس وهو جليل عند الله، وقد قيل:
* وإن رددت فما في الرد منقصة
* عليك قد رد موسى قبل والخضر
*
السابعة: أن الإجارة تجوز بغير بعض الشروط التي شرط بعض الفقهاء.
الثامنة: أنه يجوز أخذ الأجرة على العمل الذي لا يكلف، خلاف ما توهمه بعضهم.
التاسعة: الترحم على الأنبياء وأنه لا يغض من قدرهم بل هو من السنة.
العاشرة: أن تمني العلم ليس من التمني المذموم.
257

الحادية عشرة: أن السلام ليس من خصائص هذه الأمة.
الثانية عشرة: كيف الجواب إذا سئل: أي الناس أعلم؟
الثالثة عشرة: خطأ من قال بخلو الأرض من مجتهد.
الرابعة عشرة: التعزي باختيار الله وحسن الظن به فيما تكره النفوس.
الخامسة عشرة: الخوف من مكر الله عند النعم.
السادسة عشرة: أن قوله: * (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) * لا يعد من الشكوى.
السابعة عشرة: الفرق بين المسألة المأمور بها والمنهي عنها؛ وإن كان فاعلها معذورا بل مأجورا.
الثامنة عشرة: سفر الاثنين من غير ثالث للحاجة.
التاسعة عشرة: أن الخضر معروف في ذلك الزمان لقوله: لما عرفوه حملوه بغير نول.
العشرون: أن احتمال المنة في مثل هذا لا بأس به.
الحادية والعشرون: شكره نعمة الخلق.
السابع: المنثور والجامع.
الأولى: القصة بجملتها من أعجب ما سمع؛ ولا يعرف في نوعها مثلها.
الثانية: عين الحياة وما لله من الأسرار في بعض المخلوقات.
258

الثالثة: ما ابتلى به موسى عليه السلام مما لا يحتمل مع وعده الصبر وتعليقه بالمشيئة.
الرابعة: نسيان الفتى الحوت في ذلك اليوم وتلك الليلة وبعض اليوم الثاني، مع أنه لم يكلف إلا ذلك ومع أنه زادهما يحمل على الظهر.
الخامسة: الآية العظيمة في الماء لما صار طاقا حتى قيل إن هذا لم يقع إلا له منذ خلقت الدنيا.
السادسة: أن الشيطان يتسلط سلطانا لا يعرف لكونه تسلط على يوشع بالنسيان العجيب.
السابعة: الفرق بين العبودية الخاصة والعبودية العامة.
الثامنة: الرد على منكري الأسباب لأنه سبحانه قادر على إنجاء السفينة، وتثبيت أبوي الغلام، وإخراج أهل الكنز له بدون ما جرى.
التاسعة: الرد على من قال: إن موسى لا يجوز له السكوت لأنه اعتذر بالنسيان، ولأنه لا يعد من نفسه ترك واجب.
العاشرة: الحكم بالظاهر لقوله عليه السلام: * (نفسا زكية) *.
الحادية عشرة: تسمية المدينة قرية.
الثانية عشرة: التأويل في كلام الله وكلام العرب غير ما يريد المتأخرون.
259

الثالثة عشرة: أن المال قد يكون رحمة من الله وإن كان مكنوزا.
الرابعة عشرة: أن فائدة طلب العلم للرشد.
الخامسة عشرة: نصيحة المعلم للمتعلم إذا أراد السؤال عن ما لا يحتمله.
السادسة عشرة: أن ذلك الممنوع قد يكون أفضل ممن يعرف ذلك.
السابعة عشرة: أن الكلام قد يقتصر فيه على المتبوع لقوله: * (فانطلقا) * كما قيل في قوله: * (اهبطوا منها جميعا) *.
وقوله عز وجل: * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * فيها خمس مسائل:
الأولى: كون الله فرض على نبيه أن يخبرنا عن نفسه الخبر الذي تصديقه في قوله * (ليس لك من الأمر شيء) *.
الثانية: فرض عليه إخبارنا بتوحيد الألوهية، وإلا فتوحيد الربوبية لم ينكره الكفار الذين كذبوه وقاتلوه.
الثالثة: تعظيمه بقوله * (فمن كان يرجو لقاء ربه) * كما تقول لمن خالفك: كلامي مع من يدعي أنه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الرابعة: أن من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر أن لا يشرك بعبادة
260

ربه أحدا، ففيه التصريح بأن الشرك في العبادة ليس في الربوبية، وفيه الرد على من قال: أولئك يستشفعون بالأصنام ونحن نستشفع بالصالحين لأنه قال: * (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * فليس بعد هذا بيان.
وافتتح الآية بذكر براءة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أقرب الخلق إلى الله وسيلة، وختمها بقوله: * (أحدا) *.
واعلم رحمك الله أنه لا يعرف هذه الآية المعرفة التي تنفعه إلا من يميز بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية تمييزا تاما، وأيضا يعرف ما عليه غالب الناس إما طواغيت ينازعون الله في توحيد الربوبية الذي لم يصل شرك المشركين إليه، وإما مصدق لهم تابع لهم، وإما رجل شاك لا يدري ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولا يميز بين دين الرسول ودين النصارى، والله أعلم.
261

.......
262

((سورة طه))
سئل رحمه الله عن معنى هذه الآية: * (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) * الآية.
فأجاب: اعلم رحمك الله أن الله سبحانه عالم بكل شيء يعلم ما يقع على خلقه، وأنزل هذا الكتاب المبارك الذي جعله تبيانا لكل شيء وتفصيلا لكل شيء، وجعله هدى لأهل القرن الثاني عشر، ومن بعدهم، كما جعله هدى لأهل القرن الأول ومن بعدهم.
ومن أعظم البيان الذي فيه بيان جواب الحجج الصحيحة، والجواب عما يعارضها، وبيان الحجج الفاسدة، ونفيها فلا إله إلا الله ماذا حرمه المعرضون عن كتاب الله من الهدى والعلم، ولكن لا معطي لما منع الله،
263

وهذه التي سئلت عنها فيها بيان بطلان شبه يحتج بها بعض أهل النفاق والريب في زماننا؛ وهذا في قضيتنا هذه، وبيان ذلك أن هذه في آخر قصة آدم وإبليس، وفيها من العبر والفوائد العظيمة لذريتهما ما يجل عن الوصف، فمن ذلك أن الله أمر إبليس بالسجود لآدم ولو فعل لكان فيه طاعة لربه وشرف له؛ ولكن سولت له نفسه أن ذلك نقص في حقه إذا خضع لواحد دونه في السن ودونه في الأصل على زعمه، فلم يطع الأمر واحتج على فعله بحجة؛ وهي أن الله خلقه من أصل خير من أصل آدم ولا ينبغي أن الشريف يخضع لمن دونه، بل العكس، فعارض النص الصريح بفعل الله الذي هو الخلق فكان في هذا عبرة عظيمة لمن رد شيئا من أمر الله ورسوله، واحتج بما لا يجدي، فلما فعل لم يعذره الله بهذا التأويل؛ بل طرده ورفع آدم وأسكنه الجنة، وكان مع عدو الله من الحذق والفطنة ودقة المعرفة ما يجل عن الوصف؛ فتحيل على آدم حتى ترك شيئا من أمر الله، وذلك بالأكل من الشجرة، واحتج لآدم بحجج، فلما أكل لم يعذره الله بتلك الحجج، بل أهبطه إلى الأرض وأجلاه عن وطنه.
ثم قال: * (اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى) * يقول تعالى: لما أجليتكم عن وطنكم فإن بعد هذا الكلام وهو
264

أني مرسل إليكم هدى من عندي، لا أكلكم إلى رأيكم ولا رأي علمائكم، بل أنزل إليكم العلم الواضح الذي يبين الحق من الباطل؛ والصحيح من الفاسد والنافع من الضار * (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) *.
ومعلوم أن الهدى هو هذا القرآن، فمن زعم أن القرآن لا يقدر على الهدى منه إلا من بلغ رتبة الاجتهاد فقد كذب الله في خبره أنه هدى، فإنه على هذا القول الباطل لا يكون هدى إلا في حق الواحد من الآلاف المؤلفة، وأما أكثر الناس فليس هدى في حقهم، بل الهدى في حقهم أن كل فرقة تتبع ما وجدت عليه الآباء فما أبطل هذا من قول! وكيف يصح لمن يدعي الإسلام أن يظن في الله وكتابه هذا الظن؟
ولما عرف الله سبحانه أن هذه الأمة سيجري عليها ما جرى على من قبلها من اختلاف على أكثر من سبعين فرقة، وأن الفرق كلها تترك هدى الله إلا فرقة واحدة، وأن الفرق كلها يقرون بأن كتاب الله هو الحق، لكن يعتذرون بالعجز، وأنهم لو يتعلمون كتاب الله ويعملون به لم يفهموه لغموضه قال: * (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) * وهذا تكذيب لهؤلاء الذين ظنوا في القرآن ظن السوء.
قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل
265

في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وبيان هذا أن هؤلاء يزعمون أنهم لو تركوا طريقة الآباء ويقتصرون على الوحي لم يهتدوا بسبب أنهم لا يفهمون، كما قالوا: * (قلوبنا غلف) * فرد الله عليهم بقوله: * (بل لعنهم بكفرهم) * فضمن لمن اتبع القرآن أنه لا يضل كما يضل من اتبع الرأي؛ فتجدهم في المسألة الواحدة يحكون سبعة أقوال أو ستة ليس منها قول صحيح، والذي ذكر الله في كتابه في تلك المسألة بعينها لا يعرفونه.
والحاصل أنهم يقولون: لم نترك القرآن إلا خوفا من الخطأ، ولم نقبل على ما نحن فيه إلا للعصمة. فعكس الله كلامهم، وبين أن العصمة في اتباع القرآن إلى يوم القيامة.
وأما قوله تعالى: * (ولا يشقى) * فهم يزعمون أنه الله يرضى بفعلهم ويثيبهم عليه في الآخرة ولو تركوه واتبعوا القرآن لغلطوا أو عوقبوا، فذكر الله أن من اتبع القرآن أمن من المحذور الذي هو الخطأ عن الطريق، وهو الضلال، وأمن من عاقبته وهو الشقاء في الآخرة.
ثم ذكر الفريق الآخر الذي أعرض عن القرآن فقال: * (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) * وذكر الله هو القرآن الذي بين الله فيه لخلقه ما يحب ويكره، كما قال تعالى: * (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) * الآيتين، فذكر الله لمن أعرض عن القرآن، وأراد الفقه من غيره عقوبتين:
266

إحداهما: المعيشة الضنك؛ وفسرها السلف بنوعين:
الأول: ضنك الدنيا: وهو أنه كان إن غنيا سلط الله عليه خوف الفقر، وتعب القلب والبدن في جمع الدنيا حتى يأتيه الموت ولم يتهن بعيش.
والثاني: الضنك في البرزخ وعذاب القبر.
وفسر الضنك في الدنيا أيضا بالجهل؛ فإن الشك والحيرة لها من القلق وضيق الصدر ما لها. فصار في هذا مصداق قوله في الحديث عن القرآن: ' من ابتغى الهدى من غيره أضله الله ' عاقبهم بضد قصدهم، فإنهم قصدوا معرفة الفقه فجازاهم الله بأن أضلهم، وكدر عليهم معيشتهم بعذاب قلوبهم بخوف الفقر وقلة غناء أنفسهم؛ وعذاب أبدانهم بأن سلط عليهم الظلمة والحيرة، وأغرى بينهم العداوة والبغضاء فإن أعظم الناس تعاديا هؤلاء الذين ينتسبون إلى المعرفة.
ثم قال: * (ونحشره يوم القيامة أعمى) * والعمى نوعان:
267

عمى القلب، وعمى البصر، فهذا المعرض عن القرآن لما عميت بصيرته في الدنيا عن القرآن جازاه الله بأن حشره يوم القيامة أعمى. قال بعض السلف: أعمى عن الحجة لا يقدر على المجادلة بالباطل كما كان يصنع في الدنيا.
* (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) * فذكر الله أنه يقال له: هذا بسبب إعراضك عن القرآن في الدنيا، وطلبك العلم من غيره.
قال ابن كثير في الآية: * (ومن أعرض عن ذكري) * أي خالف أمري وما أنزلته على رسوله، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه * (فإن له معيشة ضنكا) * أي في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح ولا تنعم.
ظاهره أن قوما أعرضوا عن الحق وكانوا في سعة من الدنيا فكانت معيشتهم ضنكا وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفا لهم معاشهم مع سوء ظنهم بالله، ثم ذكر كلاما طويلا وذكر ما ذكرته من أنواع الضنك والله أعلم.
268

((سورة المؤمنون))
قال الشيخ محمد رحمه الله تعالى: قوله عز وجل: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) * الآيتين فيه مسائل:
الأولى: أن الله أمر الرسل بهذا مع اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم فيدل على أنه من عظيم الأمور.
الثانية: أن الرسل إذا أمروا بذلك فغيرهم أولى بالحاجة إلى ذلك فأفاد أن هذا يحتاج إليه أعلم الناس حاجة شديدة.
الثالثة: إذا فرض هذا على الرسل مع اختلاف الأزمنة والأمكنة فكيف بأمة واحدة نبيها واحد وكتابها واحد؟
الرابعة: أن الخطاب للرسل عامة للأمم بدليل قوله: * (فتقطعوا أمرهم) *.
269

الخامسة: الأمر بالأكل من الطيبات، ففيه رد على الغلاة الذين يمتنعون عنها، وفيه رد على الجفاة الذين لا يقتصرون عليها.
السادسة: الأمر بإصلاح العمل مع الأكل من الطيبات، ففيه رد على ثلاث طوائف:
أولهم: الآكلون الطيبات بلا شكر، والشكر هو العمل المرضي.
وثانيهم: من يعمل العمل غير الخالص مثل المرائي وقاصد الدنيا.
وثالثهم: الذي يعمل مخلصا لكنه على غير الأمر.
السابعة: المسألة العظيمة التي سيق الكلام لأجلها، وهي فرض الاجتماع في المذهب، وتحريم الافتراق: فإذا فرضه على الأنبياء مع اختلاف الأزمنة والأمكنة فكيف بأمة واحدة، ونبيها واحد، وكتابها ودينها واحد؟
الثامنة: ذكره سبحانه فعلهم الذي صدر عنهم بعد ما عرفوا الوصية العظيمة بالاجتماع والنهي عن الافتراق، وأنهم تقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون، فذكر أنهم قابلوا الوصية بعد ما سمعوها بما يضادها غاية المضادة، وهو أنهم تركوا الاجتماع وتفرقوا، ثم بعد ذلك كل فرقة صنفت لها كتبها غير كتب الآخرين، ثم كل فرقة فرحت بما تركت من الهدى، وفرحت بما ابتدعته من الضلال كما قال الشاعر:
* حلفت لنا أن لا تخون عهودها
* فكأنها حلفت لنا أن لا تفي
*
270

((سورة النور))
ومن كلامه رحمه الله على سورة النور:
271

فيه مسائل الأولى: حد الزانية.
الثانية: النهي عن الرأفة.
الثالثة: قوله: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) *.
الرابعة: تحريم نكاح الزانية.
الخامسة: ما ذكر الله في رمي المحصنات ما لم يأتوا بالبينة.
272

السادسة: رد شهادتهم.
السابعة: كون الله سبحانه استثنى التوبة والإصلاح.
الثامنة: ما ذكر الله في رمي الإنسان زوجته، وفيه من الأحكام أنها إذا لم تلاعن ترجم.
التاسعة: قوله: * (لا تحسبوه شرا لكم) * أن ما يبتلى به الإنسان قد يكون خيرا له.
العاشرة: أن هذه المسألة قد تشكل على أعلم الناس حتى يبين له ذلك؛ كما أشكل على أبي بكر. وقوله * (والذي تولى كبره) * إلى آخره، لأن الإنسان يفرح بالشيء وهو شر له.
الحادية عشرة: حسن الظن بالمسلم إذا سمع فيه مثل هذا الكلام، وأن يقول السامع: هذا إفك مبين، ولو من تورى الإنسان.
الثانية عشرة: ما ذكر الله من الشرط؛ وهي من أجل المسائل أن لا بد من أربعة شهداء.
الثالثة عشرة: أنهم إن لم يأتوا بهذا الشرط أنهم عند الله هم الكاذبون.
الرابعة عشرة: تعظيم هذا النوع ولو لم يكن فيه إلا التلقي بالألسن.
الخامسة عشرة: أنه من القول بما ليس له به علم.
273

السادسة عشرة: أن الذنب قد يكون عند الله عظيما ويخفي على أكثر الناس.
السابعة عشرة: أن الواجب عليهم أن يقولوا: * (ما يكون لنا أن نتكلم بهذا) *.
الثامنة عشرة: أن الله عظم هذه وشرط فيها الإيمان وخفى على أولئك.
التاسعة عشرة: أن الله توعد من أحب تشييع الفاحشة في الذين آمنوا وإن لم يعلموا.
العشرون: أنه توعده بعذاب الدنيا قبل الآخرة.
الحادية والعشرون: أنه نهى عن اتباع خطوات الشيطان فيدل على أن المحذور الذي وقعوا فيه من خطوات الشيطان.
الثانية والعشرون: * (أن لا يأتل) * أن لا يعمل معروفا في الظالم إذا كان من أهل هذه الخصال.
الثالثة والعشرون: الأمر بالعفو والصفح.
الرابعة والعشرون: النهي عن رمي المحصنات وعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات.
274

الخامسة والعشرون: قوله: * (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) * الآية، إن فسرت الخبيثات بالكلمات كان هذا من أعظم الخوف.
السادسة والعشرون: النهي عن دخول بيت الغير إلا بهذا الشرط وهو الإذن.
السابعة والعشرون: إذا كان البيت خاليا لم يدخل.
الثامنة والعشرون: إذا قيل له ارجع فليرجع، وهو أزكى؛ فلا يجوز له أن يغضب أو يظنه منقصة.
التاسعة والعشرون: الرخصة في دخول البيت إذا كان فيه متاع للمسافر.
275

الثلاثون: الأمر بغض البصر.
الحادية والثلاثون: الأمر بحفظ الفرج.
الثانية والثلاثون: أمر النساء بغض البصر.
الثالثة والثلاثون: أمرهن بحفظ الفرج.
الرابعة والثلاثون: النهي عن إبداء الزينة إلا للأصناف المذكورة.
الخامسة والثلاثون: النهي عن الضرب بالأرجل ليسمع صوت الخلخال.
السادسة والثلاثون: الأمر بالتوبة وإن كانت عامة فهي في هذا الموضع خاصة.
السابعة والثلاثون: الأمر بإنكاح الأيامى.
276

الثامنة والثلاثون: الأمر بإنكاح الصالحين من العبيد والإماء.
التاسعة والثلاثون: الأمر بموافقة العبيد في المكاتبة إذا علمت فيه خيرا.
الأربعون: الأمر بمعاونتهم ببعض المال.
الحادية والأربعون: النهي عن إكراه الفتيات على البغاء.
الثانية والأربعون: إخباره سبحانه أنه غفور رحيم من بعد إكراههن.
الثالثة والأربعون: مثل النور الذي أنزله الله في قلوب العبيد بهذا المثل العظيم.
277

الرابعة والأربعون: قوله: * (في بيوت أذن الله أن ترفع) * تعظيما.
الخامسة والأربعون: * (ويذكر فيها اسمه) *.
السادسة والأربعون قوله: * (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) * يبيعون ويشترون، لكن إذا جاء أمر الله قدموه.
السابعة والأربعون: تمثيل أعمال الكافر بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء.
الثامنة والأربعون: ذكر المثل الثاني * (أو كظلمات) * الآية.
التاسعة والأربعون: قولهم: * (آمنا بالله وبالرسول وأطعنا) * ولم يأتوا بشروطه.
278

الخمسون: ذكره أنهم إذا دعوا إلى الله ورسوله أعرضوا، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين.
الحادية والخمسون: ذكر الشرط في قوله: * (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله) * الآية.
الثانية والخمسون: ذكره النهي عن القسم لقوله: * (قل لا تقسموا طاعة معروفة) *.
الثالثة والخمسون: الأمر بطاعته وطاعة رسوله، ومن تولى فإنما على رسوله ما حمل وعليك ما حملتم.
الرابعة والخمسون: قوله: * (وإن تطيعوه تهتدوا) * وذكر أن الهدى في طاعته إلى قوله: * (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) *.
279

......
280

((سورة القصص))
وقال أيضا الشيخ محمد رحمه الله تعالى:
* (طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون) * فيه مسائل:
الأولى: التنبيه على جلالة القرآن وعظمته.
الثانية: التنبيه على وضوحه، وقوله: * (بالحق) * فيه علامة النبوة.
الثالثة: أن العلم بين يعرفه أهل الإيمان وإن جهله غيرهم. وقوله * (إن فرعون علا في الأرض) * إلى آخره فيه ذم العلو في الأرض.
الثانية: ذم جعل الرعية شيعا.
الثالثة: التنبيه على كبر هذا الظلم.
الرابعة: التسجيل عليه أنه من هذه الطائفة، فمن أراد من الرؤساء أن يكون مثله فهذا فعله، ومن أراد اتباع الخلفاء الراشدين فقد بان فعلهم.
281

وقوله: * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) * إلى آخره هذه الإرادة القدرية بخلاف قوله: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) * وأمثالها فهي إرادة شرعية.
الثانية: أن ابتلاءهم بالاستضعاف سبب للمنة عليهم، وكونهم أئمة وكونهم الوارثين، والتمكين لهم في الأرض، وتعريف عدوهم بما يحذره. فهذه خمس فوائد نتيجة تلك البلوى.
الثالثة: تبيين قدرته العظيمة لعباده.
الرابعة: أن الحذر لا يفك من القدر.
وقوله: * (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) * إلى آخره هذا وحي إلهام، ففيه إثبات كرامات الأولياء.
282

الثانية: أنها أمرت بإلقائه في اليم، وبشرت بأربع.
وقوله: * (فالتقطه آل فرعون) * فيه حكمة هذا الالتقاط.
الثانية: أن اللام لام العاقبة.
الثالثة: أن الإنسان قد يختار ما يكون هلاكه فيه.
الرابعة: أن ذلك القدر بسبب خطايا سابقة.
وقوله: * (وقالت امرأة فرعون) * إلى آخره فيه أن المرأة الصالحة قد يتزوجها رجل سوء.
الثانية: قولها: * (قرة عين لي ولك) * فيه محبة الفأل.
الثالثة: ذكر الترجي.
الرابعة: عدم الشعور.
وقوله: * (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) * الآية فيه ما ابتليت به.
الثانية: لولا منة الله عليها بالربط.
الثالثة: لتكون من المؤمنين.
الرابعة: أن الإيمان يزيد وينقص.
وقوله: * (وقالت لأخته قصيه) * الآية، فيه أن التوكل واليقين لا ينافي السبب.
الثانية: تسبب الأخت أيضا.
الثالثة: عدم شعورهم مع ذكائهم وظهور العلامات.
283

وقوله: * (وحرمنا عليه المراضع) * الآية هذا التحريم قدري.
وأما قوله: * (حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) * وأمثالها فتحريم شرعي.
الثانية: هذه العلامة الظاهرة في كلامها ولم يفهموا مع فطنتهم.
وقوله: * (فرددناه إلى أمه) * إلى آخره فيه الرد لثلاث فوائد.
الثانية: تفاوت مراتب العلم لقوله: * (ولتعلم) *.
الثالثة: أن بعض المعرفة لا يسمى علما فيصح نفيه من وجه وإثباته من وجه.
الرابعة: المسألة العظيمة الكبيرة تسجيل الله تبارك وتعالى على الأكثر أنهم لا يعلمون أن وعده حق.
وقوله: * (ولما بلغ أشده واستوى) * فيه أن ذلك الإيتاء بعد بلوغ الأشد والاستواء.
الثانية: الفرق بين العلم والحكم.
284

الثالثة: ذكره أنه يفعل ذلك بالمحسنين، كما فعل ضده مع الذين كانوا خاطئين.
الرابعة: ترغيب عباده في الإحسان.
الخامسة: أن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها.
السادسة: فيه سر من أسرار القدر.
وقوله: * (ودخل المدينة) * إلى آخره فيه أن الرجل الصالح قد يسخر للفاجر وينشأ في حجره.
الثانية: أنه قد ييسر الله الكمال العظيم بسبب أعظم المكروهات.
الثالثة: أن قتل الرجل صار ذنبا.
الرابعة: نسبة ذلك إلى عمل الشيطان.
الخامسة قوله: * (إنه عدو مضل مبين) *.
السادسة: ذكر توبته عليه السلام.
285

السابعة: ذكر مغفرة الله له.
الثامنة: ذكر سبب المغفرة.
التاسعة: شكر نعمة الخلق.
العاشرة: كون شكرها عدم مظاهرة المجرمين.
وقوله: * (فأصبح في المدينة) * إلى آخره فيه أن هذا الخوف غير المذموم في قوله: * (ولا يخشون أحدا إلا الله) *.
الثانية: أن ذلك الترقب لا يذم.
الثالثة: ما جبل عليه صلى الله عليه وسلم من الشدة.
الرابعة: قوله لذلك الرجل: * (إنك لغوي مبين) * أن مثل ذلك لا يذم.
الخامسة: العمل بالقرائن.
السادسة: الفرق بين إرادة الصلاح بالقوة وبين إرادة الفساد في الأرض بالتجبر.
286

وقوله: * (وجاء رجل) * إلى آخره فيه قوة ملكهم.
الثانية: ما عليه الرجل من محبة الحق وأهله.
الثالثة: تأكيده عليه بالأمر بالخروج، وذكره له أنه له من الناصحين بعد النذارة.
وقوله: * (فخرج منها خائفا يترقب) * فيه أن ذلك الخوف والترقب لا يذم.
الثانية: استغاثته بالله مع فعله السبب.
الثالثة: أن كراهة الموت لا تذم.
الرابعة: أن الظالم يوصف بالظلم، وإن كان في تلك القضية غير ظالم.
وقوله: * (ولما توجه) * إلى آخره فيه أنه توجه من غير سبب.
الثانية: سؤاله الله أن يدله الطريق.
الثالثة: أن * (عسى) * في هذا الموضع سؤال.
287

وقوله: * (ولما ورد ماء مدين) * إلى آخره فيه ما أعطى عليه السلام من القوة.
الثانية: إحسانه إليهما في هذه الحال.
الثالثة: مخاطبة النساء لمثله.
الرابعة: ظهور النساء في خدمة أموالهن للحاجة.
الخامسة: تأدبهما في عدم مزاحمة الرجال.
السادسة: ذكرهما السبب.
السابعة: أن المانع له عدم القوة لا الترتيب.
الثامنة: سؤاله ربه القوت.
التاسعة: تأدبه في السؤال بذكر حاله للاستعطاف.
العاشرة: أن الشكوى إلى الله لا تذم.
وقوله: * (فجاءته إحداهما) * إلى آخره فيه التنبيه على الحياء.
الثانية: الثناء على المرأة.
288

الثالثة: إرسالها إلى الرجل المجهول للحاجة.
الرابعة: عدم إنكاره للأجرة على العمل الصالح.
الخامسة: قوله: * (لا تخف) * لأنه ليس لهم سلطان عليهم.
السادسة: كونهم معروفين بالظلم عندهم. وقوله: * (قالت إحداهما) * إلى آخره فيه أن المرأة قد تصيب وجه الرأي.
الثانية: ما أعطيت من الذكاء.
الثالثة: أن طاعتها في مثل هذا لا تذم.
الرابعة: الولاية لها ركنان القوة والأمانة، فالأمانة ترجع إلى خشية الله، والقوة ترجع إلى تنفيذ الحق.
الخامسة: أن الاحتياط للمال لا يذم.
وقوله: * (قال إني أريد) * إلى آخره فيه أن هذه الإجارة صحيحة بخلاف قول كثير من الفقهاء: من منعهم الإجارة بالطعام والكسوة للجهالة.
الثانية: أن المنفعة يصح جعلها مهرا للمرأة خلافا لمن منع ذلك.
289

الثالثة: أن هذه المهنة لا نقص فيها، كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم '.
الرابعة: أنها صفة كمال لا يكمل الإنسان إلا بها.
الخامسة: أن ذكر مثل هذا في الإجارة وهي قوله: (أيما الأجلين قضيت) لا يبطل الإجارة.
السادسة: المسألة الكبيرة الدقيقة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: ' قضى أطيب الأجلين ' أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل.
السابعة: تأكيد العقد بقوله: * (والله على ما نقول وكيل) *.
وقوله: * (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله) * فيه أنه أقام هذه المدة أجرته فيها طعام بطنه وعفة فرجه.
290

الثانية: تسمية ذلك النور نارا.
الثالثة: هذا الفرج بعد الشدة الذي أفرد بالتصنيف، ولم يذكروا لهذه نظيرا ولا ما يقاربها.
الرابعة: أنهم مع هذه الشدة بالبرد ولا نار معهم.
الخامسة: أنهم ضلوا الطريق.
السادسة: جواز مثل هذا السفر للحاجة.
السابعة: ذكر الموضع الذي ناداه الله منه.
الثامنة: إثبات الصفات.
التاسعة: الرد الواضح على الجهمية في قولهم: هذا عبارة.
العاشرة: تقريبه نجيا فذكر النداء والمناجاة.
291

الحادية عشرة: اختصاص موسى بهذه المرتبة ولذلك ذكرها إبراهيم عليه السلام إذا طلبت منه الشفاعة.
الثانية عشرة: كونه أمر بإلقاء العصا فصارت آية.
الثالثة عشرة: كونه أمر بإدخال اليد فتكون آية أخرى.
الرابعة عشرة: كونه * (ولى مدبرا ولم يعقب) *.
الخامسة عشرة: قوله * (أقبل ولا تخف) *.
السادسة عشرة: تبشيره أنه من الآمنين.
السابعة عشرة: كونه أمر بضم جناحه من الرهب.
الثامنة عشرة: تسميتهما برهانان.
التاسعة عشرة: كونه من ربك.
العشرون: كونهما إلى فرعون وملائه.
الحادية والعشرون: التعليل بأنهم قوم ظالمون.
الثانية والعشرون: هذه العطية العظيمة في تلك الشدة العظيمة.
الثالثة والعشرون: اعتذاره بقتل النفس والخوف منهم.
الرابعة والعشرون: اعتذاره برثاثة لسانه.
الخامسة والعشرون: طلب الاعتضاد بأخيه.
السادسة والعشرون: طلبه الرسالة.
292

السابعة والعشرون: تعليله بخوف تكذيبهم.
الثامنة والعشرون: إجابة الله إياه.
التاسعة والعشرون: تبشيره أنه يجعل لهما سلطانا فلا يصلون إليهما.
الثلاثون: تبشيره بغلبته وغلبة أتباعه.
وقوله: * (فلما جاءهم موسى بآياتنا) * إلى آخره فيه أنه أتاهم بآيات منسوبة إلى الله وأنها بينات.
الثانية: أنهم قابلوها بما ذكر.
الثالثة: أنهم احتجوا لقولهم فيها: بعدم سماعهم هذا في آبائهم.
الرابعة: جواب موسى عليه السلام.
وقوله: * (قال فرعون يا أيها الملأ) * إلى آخره فيه هذا الإنكار الذي هو غاية الكفر.
الثانية: قوله: * (يا هامان أوقد لي) * كيف تصرف الله في عقول العاصين.
الثالثة: استدل بها الأئمة على الجهمية.
293

وقوله: * (واستكبر هو وجنوده في الأرض) * وصفهم بأن فيهم المهلك وأنهم عدموا المنجي ولذلك أخذهم بما ذكر.
الثانية: أمر المؤمن بالنظر في عاقبتهم.
الثالثة: أنه أتى بلفظ الظالمين ليبين أن ذلك ليس مختصا بهم.
وقوله: * (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) * هذا الجعل القدري، وأما قوله: * (ما جعل الله من بحيرة) * وأمثاله فهذا الجعل الشرعي.
الثانية: أن معرفة هذا مما يوجب الحرص على النظر في الأئمة إذا كان منهم من جعله الله يدعو إلى النار، ومنهم من قال فيه: * (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) *.
الثالثة: ذكر ما لهم في القيامة.
الرابعة: ما أبقى لهم على ألسنة الناس في الدنيا.
الخامسة: ما لهم في الآخرة.
294

((قصة موسى وفرعون في السور الأخرى))
وأما الزيادة التي في سورة (طه) فالأولى: استفهام التقرير الدال على عظمة القصة؛ والتحريض على فهمها.
الثانية: (أو أجد على النار هدى) دليل على أنه ضل الطريق.
الثالثة: أمره بخلع النعلين.
الرابعة: إخباره أنه في ذلك الوادي.
الخامسة: الإخبار بأنه مطهر.
السادسة: تبشيره بأن الله اختاره.
السابعة: أمره بالاستماع.
الثامنة: أن أول ذلك أكبر المسائل على الإطلاق وهو تفرده بالإلهية.
التاسعة: أمره بلازم التوحيد وهو إفراده بالعبادة.
العاشرة: أمره بإقامة الصلاة.
295

الحادية عشرة: تعليل ذلك.
الثانية عشرة: وقت الإقامة.
الثالثة عشرة قوله: * (إن الساعة آتية) * إلى آخره: لما ذكر الإيمان بالله ذكر الإيمان باليوم الآخر.
الرابعة عشرة: أنه علة الإيمان بالله.
الخامسة عشرة: مبالغته سبحانه في إخفائها.
السادسة عشرة: ذكر الحكمة في إقامتها.
السابعة عشرة: تحذيره من صاحب السوء.
وقوله: * (وما تلك بيمينك يا موسى) * إلى آخره فيه سؤاله عنها وهو أعلم.
296

الثانية: جوابه عليه السلام.
الثالثة: أمره بأخذها ولا يخاف فإنه سيعيدها.
الرابعة: أن ذلك من الآيات الكبرى.
الخامسة: تعليله الذهاب إلى فرعون بطغيانه.
السادسة: سؤاله عليه السلام.
السابعة: أنه لم يسأل حل لسانه بل عقدة منه.
الثامنة: أن مراده ليفقهوا كلامه.
التاسعة: أنه علل ما سأله لأجل يسبحانه كثيرا أو يذكرانه كثيرا.
العاشرة: تعليله بقوله: * (إنك كنت بنا بصيرا) *.
الحادية عشرة: إجابة سؤاله.
الثانية عشرة: ذكره منته عليه من قبل بثمانية أمور.
الثالثة عشرة: نهيهما أن ينيا في ذكره.
الرابعة عشرة: رفقه سبحانه ومحبته للرفق.
الخامسة عشرة: تعليل الرفق.
السادسة عشرة: الفرق بين التذكر والخشية.
السابعة عشرة: شكواهما إلى الله.
الثامنة عشرة: جواب الله لشكواهما.
297

وقوله: * (فأتياه فقولا إنا رسولا ربك) * إلى آخره فيه من الرفق والتلطف أمور:
أحدهما: * (إنا رسولا ربك) * فإن أطعت ما أطعت إلا هو.
الثاني: * (فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم) * فالمطلوب أن يرسل جيرانه ورعيته ولا يعذبهم.
الثالث: * (قد جئناك بآية من ربك) * فربك قد قطع عذرك.
الرابع: إضافته إلى الله.
الخامس: * (والسلام على من اتبع الهدى) * أي هذا هو الذي فيه السلامة التي هي مطلوبة لكل أحد خصوصا الملوك.
السادس: * (إنا قد أوحي إلينا) * أي كما دللناك على السلامة، بينا لك طريق الهلاك.
السابع: لم يقولا إن العذاب لك إذا توليت بل كلام عام.
الثامن: ذكر سبب العذاب.
التاسع: الفرق بين التكذيب والتولي.
وقوله: * (قال فمن ربكما يا موسى) * إلى آخره هذا جواب اللعين لهذا الكلام اللين.
298

الثانية: جواب موسى عليه السلام الجواب الباهر.
الثالثة: التفكر في الخلق والهداية.
الرابعة: جواب اللعين عن هذا.
الخامسة: جواب موسى عليه السلام عن شبهته، وهي من أجل الفوائد عند المناظرة.
السادسة: ذكر العلم والكتاب.
السابعة: أن ذلك الكتاب ليس لخوف نسيان أو خطأ.
الثامنة: الاستدلال بالآيات الأرضية والسماوية.
التاسعة: ذكر إسباغ نعمته.
العاشرة: ذكر أن في ذلك لآيات لهذه الطائفة.
الحادية عشرة: لما ذكر الأرض ذكر ما جرى لنا وما يجري لنا فيها.
وقوله: * (ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى) * فيه الفرق بين التكذيب والإباء.
229

الثانية: ما أكثر الله له ولقومه من الآيات.
الثالثة: مكابرته في تسميته ذلك سحرا.
الرابعة: رميه موسى بنية طلب الملك.
الخامسة: معارضته آيات الله بالسحر.
السادسة: اهتمامه بذلك الموعد.
السابعة: ادعاء الإنصاف بقوله: * (سوى) *.
300

الثامنة: إجابة موسى إياه.
التاسعة: ذكر جمع كيده قبل إتيانه.
العاشرة: وعظ موسى إياهم.
الحادية عشرة: كونه يقول: * (لا تفتروا على الله كذبا) *.
الثانية عشرة: قوله: * (وقد خاب من افترى) * كلمة جامعة.
الثالثة عشرة: سرهم بينهم بما ظنوه في موسى وأخيه.
الرابعة عشرة: اغترارهم بطريقتهم.
الخامسة عشرة: ذكرهم الاجتماع والإتيان صفا.
السادسة عشرة: قولهم: * (وقد أفلح اليوم من استعلى) *.
السابعة عشرة: ادعاؤهم الإنصاف في الخصومة.
الثامنة عشرة: كونه اختار لقاءهم أولا.
التاسعة عشرة: هذا السحر العظيم.
العشرون: إيجاس الخيفة في مثل هذا غير مذموم.
الحادية والعشرون: بشارة الله إياه.
الثانية والعشرون: أمره له بإلقاء العصا.
الثالثة والعشرون: ما فعلت العصا.
الرابعة والعشرون: القاعدة الكلية * (إنما فعلوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) *.
301

الخامسة والعشرون: ما فعل السحرة من سرعة انقيادهم لما عرفوا وفعلهم وقولهم.
السادسة والعشرون: كون الإيمان برب هارون وموسى.
السابعة والعشرون: قوله لهم وما ذكر أنه يفعل بهم.
الثامنة والعشرون: جوابهم لهذا الطاغي القادر وهي سبع جمل كل جملة مستقلة.
وفي سورة الأعراف من الزيادة قوله عليه السلام: * (حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق) *.
الثانية: استعظام الله سحرهم.
الثالثة: قوله: * (فوقع الحق) * الآيتين.
الرابعة: قوله لهم: * (إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة) * لهذا.
302

الخامسة: قولهم: * (إنا إلى ربنا لمنقلبون) *.
السادسة: قولهم: * (وما تنقم منا) * إلى آخره.
السابعة: سؤالهم الله هذه المسألة.
الثامنة: كلام الملأ له.
التاسعة: جوابه لهم.
303

العاشرة: نصيحة موسى لقومه فيها أمران، وثلاثة أخبار.
الحادية عشرة: ردهم على موسى.
الثانية عشرة: جوابه لهم.
الثالثة عشرة: إخبار الله أنه أخذهم بالسنين ونقص الثمرات.
الرابعة عشرة: ذكر الحكمة في ذلك.
الخامسة عشرة: إنهم لم يفهموا مراد الله بالحسنة والسيئة التي تأتيهم، بل عكسوا الأمر.
السادسة عشرة: قوله: * (ألا إنما طائرهم عند الله) *.
السابعة عشرة: كون الأكثر لا يعلمون هذه المسألة.
الثامنة عشرة: شدة عنادهم.
التاسعة عشرة: ذكره إرسال الآيات عليهم.
العشرون: كونهم مع ذلك استكبروا.
الحادية والعشرون: قوله: * (وكانوا قوما مجرمين) *.
الثانية والعشرون: كلامهم لموسى لما وقع عليهم الرجز.
الثالثة والعشرون: نكثهم ما قالوا.
الرابعة والعشرون: قوله: * (فانتقمنا منهم) * بالفاء.
الخامسة والعشرون: ذكره السبب.
السادسة والعشرون: ذكر فضله على الضعفاء.
السابعة والعشرون: أن ذلك سبب صبرهم.
الثامنة والعشرون: تدمير ما صنعوا وما كانوا يعرشون.
304

وأما ما في سورة الشعراء من الزيادة قوله: * (ألم نربك فينا وليدا) *.
الثانية: جواب موسى عليه السلام.
الثالثة: قوله: * (وما رب العالمين) *.
الرابعة: جواب موسى عليه السلام.
الخامسة: قوله: * (لمن حوله) *.
السادسة: جواب موسى عليه السلام.
السابعة: قوله: * (إن رسولكم) * إلى آخره.
الثامنة: جواب موسى عليه السلام.
التاسعة: كونه فزع إلى القدرة لما بهرته الحجة.
305

العاشرة: جواب موسى عليه السلام.
الحادية عشرة: جوابه لموسى.
الثانية عشرة: عناده لما أتته الآيات.
الثالثة عشرة: قوله: * (هل أنتم مجتمعون) *.
الثالثة عشرة: توسلهم بعزة فرعون.
الرابعة عشرة: قولهم: * (لا ضير) *.
306

الخامسة عشرة: قولهم: * (إنا نطمع) * الآية.
السادسة عشرة: كونه أمره أن يسري بهم.
السابعة عشرة: كونه ذكر لهم أنهم متبعون.
الثامنة عشرة: إرساله في المدائن حاشرين.
التاسعة عشرة: ذكره لرعيته لما حشرهم.
العشرون: ذكره المقام والنعيم والكنوز والجنات التي سلبوا.
الحادية والعشرون: كونه أورث الجميع بني إسرائيل.
الثانية والعشرون: اتباعهم إياهم مشرقين.
الثالثة والعشرون: قولهم: * (لما تراءا الجمعان) *.
الرابعة والعشرون: جواب موسى عليه السلام لهم.
الخامسة والعشرون: ذكره أنه أمره أن يضربه بعصاه فكان ما كان.
السابعة والعشرون: ذكره صفة نجاة هؤلاء وهلاك هؤلاء.
الثامنة والعشرون: تنبيه العباد على فائدة القصة.
التاسعة والعشرون: هذا العجب العجاب عدم إيمان الأكثر مع ذلك.
الثلاثون: ذكره: * (إنه هو العزيز الرحيم) *.
وأما ما في سورة النمل من الزيادة فقوله: * (أن بورك من في النار ومن حولها) *.
الثانية: تسبيحه نفسه في هذا المقام.
الثالثة: قوله: * (إني لا يخاف لدي المرسلون) *.
307

الرابعة: الاستثناء.
الخامسة: ذكره أن اليد في جملة تسع آيات.
السادسة: جحدهم الآيات مع اليقين.
السابعة: أن سببه الظلم والعلو.
وأما ما في سورة يونس من الزيادة قول موسى: * (أتقولون للحق لما جاءكم) * إلى آخره.
308

الثانية قولهم: * (لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا) *.
الثالثة: * (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) *.
الرابعة: قوله: * (ما جئتم به السحر) *.
الخامسة: القاعدة الكلية: * (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) *.
السادسة: كونه * (يحق الحق بكلماته) *.
السابعة: * (ولو كره المجرمون) *.
الثامنة: ما آمن لموسى إلا من ذكر.
التاسعة: أنه على خوف من فرعون وملائهم.
العاشرة: وصف فرعون بالعلو والإسراف.
الحادية عشرة: نصيحة موسى لقومه.
الثانية عشرة: كون التوكل من لوازم الإسلام والإيمان.
الثالثة عشرة: جوابهم وقبولهم النصح.
309

الرابعة عشرة: دعاؤهم وما فيه من الفوائد.
الخامسة عشرة: قوله: * (أن تبوءا لقومكما) * إلى آخره.
السادسة عشرة: دعاء موسى وما فيه من الفوائد.
السابعة عشرة: كون المؤمن داعي.
الثامنة عشرة: قوله في هذا المقام * (فاستقيما) * إلى آخره.
التاسعة عشرة: كلام فرعون عند الغرق.
العشرون: ما أجيب به.
الحادية والعشرون: ذكر غفلة الكثير عن آياته.
وفي سورة هود قوله: * (وما أمر فرعون برشيد) *.
الثانية: كونه يوم القيامة مقدمهم وموردهم.
وفي سورة الإسراء ذكر أن التسع كلها بينات.
310

الثانية: أمره نبيه عليه السلام بسؤال بني إسرائيل.
الثالثة: قول فرعون له.
الرابعة: جوابه له.
الخامسة: أنه عوقب بنقيض قصده.
السادسة: قوله: * (وقلنا من بعده لبني إسرائيل) *، إلى آخره.
وفي سورة الحج: * (وكذب موسى فأمليت الكافرين) * إلى آخره.
وفي سورة الصافات كون فعل فرعون معهم كرب عظيم. وفي سورة المؤمن قوله: * (بآياتنا وسلطان مبين) *.
الثانية: إلى الثلاثة.
311

الثالثة: جوابهم له.
الرابعة: ما قالوه: * (لما جاءهم الحق من عند الله) *.
الخامسة: أن ذلك الكيد في ضلال مبين.
السادسة: قوله: * (ذروني أقتل موسى) * الآية.
السابعة: قول موسى.
الثامنة: كلام المؤمن وما فيه من الفوائد.
312

التاسعة: جواب فرعون.
العاشرة: قول المؤمن الثاني وما فيه من الأصول؛ ووصف القيامة وتذكيرهم برسالة يوسف وما فعلوا.
الحادية عشرة: قوله: * (لعلي أبلغ الأسباب) * إلى آخره.
الثانية عشرة: كون كيده في تباب.
الثالثة عشرة: قول المؤمن الثالث وما فيه من المعارف.
الرابعة عشرة: وقاية الله له مكرهم.
الخامسة عشرة: كونهم يعرضون على النار.
السادسة عشرة: استدلال العلماء بها على عذاب القبر.
313

وفي سورة الزخرف مقابلتهم آيات الله بالضحك منها.
الثانية قوله: * (وما نريهم من آية) * إلى آخره.
الثالثة قوله: * (لعلهم يرجعون) *.
الرابعة: خطبة فرعون وما فيها من استدلاله على النفي والإثبات.
الخامسة: قوله: * (فاستخف قومه فأطاعوه) * الخ.
السادسة قوله: * (فجعلناهم سلفا) * الخ.
وفي سورة الدخان * (أن أدوا إلي عباد الله) *.
314

الثانية: وصفه نفسه بالأمانة لله.
الثالثة: نهيه إياهم عن العلو على الله.
الرابعة قوله: * (إني عذت بربي وربكم) * إلى آخره.
الخامسة: قوله: * (واترك البحر رهوا) *.
السادسة: ذكر العلة في تركه رهوا.
السابعة: * (ما بكت عليهم السماء والأرض) *.
الثامنة: عدم الإنظار.
التاسعة: ذكر أن فعله بهم عذاب مهين.
وفي سورة المؤمنين كونهم كلهم قوما عالين.
الثانية: حجتهم على عدم الإيمان لهما.
الثالثة: التنبيه على أنهم من جملة من أهلك ليس مختصا بهم.
وفي سورة الذاريات * (فتولى بركنه) *.
315

الثانية قوله: * (ساحر أو مجنون) *.
وفي سورة القمر تكذيبهم بالآيات كلها.
الثانية: تكذيبهم بالنذر.
الثالثة: ذكر العبرة لهذه الأمة فيهم.
وفي سورة المزمل المسألة الكبيرة لهذه الأمة.
وفي النازعات قوله: * (هل لك إلى أن تزكى) * إلى آخره.
الثانية قوله: * (ثم أدبر يسعى فحشر فنادى) *.
الثالثة: الكلمة العظيمة.
الرابعة: الجمع بين نكال الآخرة والأولى.
الخامسة: * (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) *.
316

((سورة الزمر))
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: هذه مسائل مستنبطة من سورة الزمر.
الآية الأولى: فيها منته بالكتاب.
الثانية: إنزاله من السماء.
الثالثة: منه سبحانه.
الرابعة: ذكر عزته في هذا الموضع.
الخامسة: ذكر حكمته فيه.
الثانية: فيها الأولى والثانية.
الثالثة: إنزاله بالحق، فيفيد الرد على أكثر الناس في مسائل كثيرة.
الرابعة: تخصيصه الرسول بإنزاله فالنعمة عليه أكبر؛ وعليه من الشكر أكثر، وكذلك من خص بما يشابه ذلك.
317

الخامسة: نتيجة إنزاله بالحق ونتيجة الإنعام وهو عبادة الله بالإخلاص، وهذه الخامسة هي الدين كله، وجعلها بين الرابعة والسادسة:
وهي أن الدين الخالص لله، وغير الخالص ليس له، وهما قاعدتان عظيمتان.
الثالثة: فيها إبطال اتخاذ الأولياء من دونه.
الثانية: إبطال ما غرهم به الشيطان أن قصدهم وجه الله لا غير؛ وما أجلها من مسألة.
الثالثة: الوعيد الشديد على ذلك.
الرابعة: ذكره تكفير من فعل ذلك.
الخامسة: تكذيبه.
السادسة: ذكره أنه لا يهدي هذا، وهي من مسائل الصفات.
الرابعة: فيها نفي اتخاذ الولد على سبيل الاصطفاء.
الثانية: ذكر خطئهم في القياس لأنه لو يفعله لم يكن مما قالوا.
الثالثة: أنه مسبة لله بقوله: * (سبحانه) *.
318

الرابعة: ذكره الوحدانية في هذا.
الخامسة: ذكره القهر فيه.
السادسة: الاستدلال بالأسماء والصفات على النفي والإثبات، وهي مسألة كبيرة عظيمة.
الخامسة: ذكر البراهين على ما تقدم من الدين الحق وضده:
الأولى: خلق السماوات والأرض.
الثانية: أنه بالحق.
الثالثة: تكوير المكورين.
الرابعة: تسخير النيرين.
الخامسة: ذكر عزته في هذا.
السادسة: ذكر مغفرته.
السادسة: في البراهين أيضا.
319

الأولى: خلقنا من نفس واحدة مع هذه الكثرة.
الثانية: خلقه منها زوجها.
الثالثة: إنزاله لنا من الأنعام هذه النعم العظيمة.
الرابعة: خلقنا في البطون.
الخامسة: أنه خلق من بعد خلق.
السادسة: أنه في الظلمات الثلاث.
السابعة: كلمة الإخلاص.
الثامنة: التعجب من الغلط في هذا مع كثرة هذه البراهين ووضوحها.
السابعة: فيها سبع جمل كل واحدة مستقلة.
الثامنة: فيها ذكر حال الإنسان مع ربه.
الثانية: هذه المسألة العجيبة من حاله.
الثالثة: برهان التوحيد.
الرابعة: حلمه سبحانه.
الخامسة: أن الكافر مقر بتوحيد الربوبية.
320

السادسة: أنه يخلص لله وينيب في الضر.
السابعة: أن الإجابة في هذا لا تدل على المحبة.
الثامنة: تدل على أن الحق عليه أكبر.
التاسعة: أن الذنب بعده أكبر.
العاشرة: ومعرفة قدر الدنيا.
الحادية عشرة: شدة الوعيد على هذا.
الثانية عشرة: أن الحجة عليه أكبر.
الثالثة عشرة: ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع عنهم من السنة مثلها.
الرابعة عشرة: ما كفاه النسيان حتى جعل الشكر جعل الأنداد.
الخامسة عشرة: أمر المؤمن يعظ الفاعل.
التاسعة: الأولى: الفرق الظاهر بين النائم واليقظان.
الثانية: الفرق بين العالم والجاهل، والسؤال عن المسألتين سؤال تقرير.
الثالثة: أن مع شدة الوضوح لا يفطن له إلا من له لب.
الرابعة: أن القنوت هو الطاعة ليس مخصوصا بالدعاء قائما.
الخامسة: أن آناء الليل ساعاته.
321

السادسة: أحب العمل إلى الله أدومه.
السابعة: الرد على من قال ما عبدتك خوفا وطمعا.
الثامنة: لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله.
التاسعة: أشرف أحوال الصلاة.
العاشرة: النظر في العواقب.
الحادية عشرة: الرجاء لقوله: * (رحمة ربه) *.
الثانية عشرة: أمر المؤمن أن يقول هذه الخصومة الواضحة.
الثالثة عشرة: مدح التذكر كالتفكر.
الرابعة عشرة: ليس هو التذكر في لغتنا.
الخامسة عشرة: أنه مقام الخاصة.
العاشرة: الأولى: وعد المحسنين بتعجيل ثواب الدنيا.
الثانية: بيان سهولة ما يظن صعوبته.
الثالثة: ما في إضافة الأرض إلى الله من الفائدة.
322

الرابعة: ما في ذكر سعتها.
الخامسة: لا عذر للعاصي في التعلل بالوطن.
السادسة: هذا الثواب الجزيل للصبر.
السابعة: أن هذا من التقوى.
الثامنة: أن إضافة العباد إليه الإضافة الخاصة لا العامة.
التاسعة: أن هذا من مقتضيات تلك العبودية.
العاشرة: أنه من مقتضى الإيمان.
الحادية عشرة: الأمر بوعظهم بهذا.
الحادية عشرة: الأولى قوله للخصم أو اللائم إني أمرت بهذا.
الثانية: قوله لهما وأمرت بهذا.
الثالثة: قوله لهما: إني أخاف هذا.
الرابعة: قوله لهما: * (الله أعبد) * هكذا فافعلوا ما شئتم من دونه.
الخامسة: قوله لهما: * (إن الخاسرين) * الخ.
323

الثانية عشرة: الأولى: تبشير الذين جمعوا بين الترك والفعل.
الثانية: التنبيه على أن من شروطه أن يكون إلى الله وحده.
الثالثة: الأمر بتبشير هؤلاء ففيه قوله: ' بشروا ولا تنفروا '.
الرابعة: الاستماع ثم الاتباع.
الخامسة: صفة الاتباع ففيه قوله: ' يسروا ولا تعسروا '.
السادسة: أن فيه حسن وأحسن خلافا لمن منعه.
السابعة: الرد على طريقة الذين في قلوبهم زيغ.
الثامنة: التحذير من فتنة جدال منافق بالقرآن.
التاسعة: التحذير من طريقة المعرضين.
العاشرة: تخصيص هؤلاء بالهداية.
الحادية عشرة: التحذير من العجب لإضافة الهداية إليه.
324

الثانية عشرة: أن أتباع النقل هم أهل العقل لا غيرهم.
الثالثة عشرة: الأولى: فيها الإيمان بالقدر.
الثانية: صفة الكلام.
الثالثة: تعريف الفرق بين الطائفتين بالعقل.
الرابعة: تقرير التوحيد بقوله: * (أفأنت تنقذ من في النار) *؟
الخامسة: تعزية المؤمن.
السادسة: الوعد الذي لا نظير له في القرآن.
السابعة: إضافة الوعد إلى الله.
الثامنة: وصف نفسه بأنه لا يخلف الميعاد.
الرابعة عشرة: الدلالة الواضحة على التوحيد.
الثانية: الدلالة على سعة الجود.
الثالثة: إحاطة العلم.
الرابعة: القدرة التامة.
الخامسة: استفهام التقرير.
325

السادسة: مع هذا الوضوح البين فمحجوب إلا عن أولي الألباب.
الخامسة عشرة: استفهام التقرير.
الثانية: أنه سبحانه هو الذي يشرحه للإسلام.
الثالثة: التنبيه على الأدلة العقلية بالفرق بين العالم والجاهل، والحب والبغض.
الرابعة: أن ذلك بالنور المضاف إلى ربه.
الخامسة: ذكر الضد وهم القاسية قلوبهم عن ذكر الله.
السادسة: أنهم أصحاب الجهل الواضح.
السادسة عشرة: أنه أحسن الحديث فمن طلب الحديث دل عليه.
الثانية: أن هذا الحديث كتابا.
الثالثة: أن ذلك الكتاب متشابها.
الرابعة: أنه مثاني.
الخامسة: تأثيره هذا الأثر في قلوب هؤلاء وجلودهم.
326

السادسة: الجمع بين الخوف والرجاء.
السابعة: حصر الهدى فيه.
الثامنة: أن ذلك الهدى مضاف إلى الله.
التاسعة: أن الله سبحانه هو الذي ينفع به بمشيئته وإحسانه لا بقوة الفهم.
العاشرة: إثبات القدر.
الحادية عشرة: فيه إشارة إلى قوله: ' ألقى عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل ' ولو كان أفهم الناس وأحرصهم.
السابعة عشرة: والآيتان بعدها: اتقاء سوء العذاب بالوجه.
الثانية: استفهام التقرير مع الحذف.
الثالثة: أن عقوبة الشيء تسمى باسمه.
الرابعة: الإخبار بعذابهم من حيث لا يشعرون بضد من يرزقه من حيث لا يحتسب.
327

الخامسة: التصريح بالعقوبة في الدارين.
السادسة: أن العقوبة الأولى ليست من جنس عقوبة المسلم التي لا تعاد عليه.
السابعة: نفي العلم عنهم.
العشرون: والتي بعدها: الأول ما ذكر الله أنه ضرب فيه من كل مثل.
الثانية: أن ذلك للناس كلهم لا يستثنى أحد.
الثالثة: أن الحكمة تذكرهم.
الرابعة: أنه قرآن.
الخامسة: أنه عربي.
السادسة: نفي العوج عنه.
السابعة: أن الحكمة حصول التقوى منهم.
الثانية والعشرون: والتي بعدها فيها ضرب المثل الجلي في بيان التوحيد.
الثانية: بيان الشرك.
الثالثة: حمده نفسه على هذا البيان.
الرابعة: أن الأكثر جهال مع وضوح هذا الدليل.
328

الرابعة والعشرون والتي بعدها:
الأولى: تسلية المحق.
الثانية: وعظ المبطل.
الثالثة: الاختصام فيما وقع من الاختلاف.
الرابعة: أن ذلك عنده تبارك وتعالى.
السادسة والعشرون: الأولى: أن الظلم يتفاوت.
الثانية: أن أعظمه الكذب على الله؛ والتكذيب بالصدق.
الثالثة: معرفة الفرق بين النوعين وأنهما يجتمعان ويفترقان.
الرابعة: أن ذلك كفر.
السابعة والعشرون: الأولى: تفسير التقوى وهذا أحسن ما فسرت به.
الثانية: الإتيان بالصدق إن كان مخبرا.
الثالثة: التصديق به إن كان سامعا.
الثامنة والعشرون: بيان أن التقوى هي الإحسان.
329

الثانية: أن الربوبية عامة وخاصة.
الثالثة: الرد على الجبرية.
الرابعة: الرد على منكري الأسباب.
التاسعة والعشرون: الأولى: بيان مذهب أهل السنة.
الثانية: الرد على الرافضة.
الثالثة: الرد على من جعلها خاصة.
الرابعة: الرد على الوعيدية من الخوارج والمعتزلة.
الثلاثون: استفهام التقرير.
الثانية: العبودية الخاصة هي التي معها الكفاية.
الثالثة: التخويف لمن دونه من صفات هؤلاء.
الرابعة: التفرد بالهداية والإضلال.
الخامسة: ذكر العزة في هذا المقام.
السادسة: الوصف بالانتقام فيه.
330

الحادية والثلاثون: الأولى: بيان أن عندهم من العلم ما تقوم به الحجة.
الثانية: أن المجمع عليه يدل على المختلف فيه.
الثالثة: مجادلة المبطل بالحق الذي يسلمه.
الرابعة: أنه تسليم لا يجحدونه بل يقرون به للخصم.
الخامسة: التعجب من الإنكار مع هذا الإقرار.
السادسة: الإلزام الذي لا محيد عنه.
السابعة: أنه كاشف لشبهتهم.
الثامنة: قوله لهم * (حسبي الله) *.
التاسعة: الإخبار بأنه حقيق أن يتوكل عليه كل عاقل.
العاشرة: كون التوكل لا يستقيم إلا خالصا.
الثانية والثلاثون: الأولى: كونه مأمورا بقوله لهم: * (اعملوا) *.
331

الثانية: مخاطبتهم يا قوم.
الثالثة: إخبارهم بأنه عامل بما كرهوا.
الرابعة: آية النبوة وهي إخبارهم حينئذ بهذا ثم وقع.
الخامسة: ما فيه من الموعظة.
السادسة: الفرق بين العذاب المخزي والعذاب المقيم.
الثالثة والثلاثون: الأولى: ذكر إنزال الكتاب عليه.
الثانية: أن ذلك للناس.
الثالثة: أن ذلك بالحق.
الرابعة: أن من اهتدى فلنفسه.
الخامسة: أن ضلاله عليها.
السادسة: تعزيته أن الهدى ليس عليه.
الرابعة والثلاثون: الأولى: ذكر الآيات في التوفي.
الثانية: أن النوم وفاة.
الثالثة: ما في الإمساك والإرسال.
الرابعة: أن فيه آيات متعددة.
332

الخامسة: أن تلك الآيات للمتفكرين.
الخامسة والثلاثون: استفهام الإنكار.
الثانية: الاتخاذ.
الثالثة: من دونه.
الرابعة: شفعاء.
الخامسة: الأمر له بتبليغهم هذا الجدل.
السادسة: أن ذلك تفعلون هذا مع كونهم هكذا.
السادسة والثلاثون: أن الشفاعة كلها له، ومعرفة هذه بمعرفة صفة الشفاعتين.
الثانية: الأمر بتبليغهم هذه الحجة.
الثالثة: الاحتجاج على ذلك بملك السماوات والأرض.
الرابعة: ما لرجوع إليه.
السابعة والثلاثون: هذه العجيبة وهي الاشمئزاز من هذا والاستبشار بذلك.
الثانية: أن الشرك وعدم الإيمان بالآخرة متلازمان.
الثالثة: أن الثاني أصل الأول.
333

الثامنة والثلاثون: الأمر بهذا الدعاء.
الثانية: ما فيه من التسلية للمحق.
الثالثة: الموعظة للمبطل.
الرابعة: أن كمال الملك وكمال العلم يقتضي ذلك.
التاسعة والثلاثون: والتي بعدها ذكر هذا الخبر المزعج.
الثانية: الإخبار بما بدا لهم، وهذه التي أبكت ابن المنكدر عند الموت.
الثالثة: أنهم لا يعرفون قبح أعمالهم الآن بل لعلهم يستحسنونها.
الرابعة: الإخبار بأن ما احتقروه واستهزءوا به صار هكذا.
الخامسة: تسمية العذاب باسم سببه.
السادسة: أن هذه أربع جمل كل جملة مستقلة.
334

الحادية والأربعون: وصف الإنسان بهذه العجيبة.
الثانية: أن هذا من أبطل الباطل.
الثالثة: أن الحق أن ذلك فتنة.
الرابعة: التسجيل على السواد الأعظم بالجهل.
الخامسة: أن الدعاء في الضرورة لا مدح فيه.
السادسة: أن الإجابة فيه لا تدل على الإكرام.
السابعة: أن عطاء نعمة الدنيا كذلك.
الثانية والأربعون: وآيتان بعدها كون القلوب إذا اشتبهت فالأعمال كذلك.
الثانية: الاعتبار بمن تقدم.
الثالثة: أن كسب غير الطاعات لا يغني من الله شيئا.
الرابعة: أن ذلك الكسب قد يكون عند الناس من أعظم الفخار.
الخامسة: التصريح بالقياس الجلي أن هؤلاء كمن قبلهم.
السادسة: التذكير بضعفك وقوة الطالب.
السابعة: الاستدلال بالعموم.
335

الثامنة: ذكر جهل من لم يفعل هذا الاستدلال.
التاسعة: تذكيرك الخصم بالقاعدة المسلمة إذا لم.
العاشرة: ذكر تناقض الخصم.
الحادية عشرة: في قبضه وبسطه آيات متعددة.
الثانية عشرة: أن تلك الآيات لأهل العلم.
الخامسة والأربعون: قيل أنها أرجى ما في القرآن.
الثانية: فيها الرد على من استثنى بعض الكبائر.
الثالثة: تعليل ذلك بالأسماء والصفات.
الرابعة: النهي عن القنوط.
الخامسة: أن إسراف العبد وباله على نفسه.
السادسة: الفرق بين المغفرة والرحمة.
السادسة والأربعون: وخمس آيات بعدها الأمر بالإنابة.
336

الثانية: الأمر بالإسلام.
الثالثة: الفرق بينهما.
الرابعة: كون الأولى بإلى والثانية باللام.
الخامسة: تفسير الآيات قبلها.
السادسة: التنبيه على انتهاز الفرصة.
السابعة: الوعيد الشديد.
الثامنة: الأمر باتباع المنزل خاصة.
التاسعة: الأمر باتباع الأحسن.
العاشرة: فيه الرد على من أنكر تفاضل كلام الله.
الحادية عشرة: إغراء العبد بأن ذلك المنزل منزل إليه.
الثانية عشرة: كونه من ربه.
الثالثة عشرة: فيه الإنذار عن البغتة.
الرابعة عشرة: فيه بيان أنهم لا يشعرون بذلك.
الخامسة عشرة: ذكر تحسر النفس على ما كرهت الآن.
السادسة عشرة: معرفتها أنه تفريط في جنب الله.
السابعة عشرة: معرفتها بأنها سخرت مما لا يسخر منه.
الثامنة عشرة: عرفت أنها من هذه الطائفة.
337

التاسعة عشرة: تحسرها أن لا تكون من هذه الطائفة التي كرهتها وسخرت منها.
العشرون: ذكر تمني الكرة.
الثانية والعشرون: رؤية العذاب حينئذ.
الثالثة والعشرون: تمني الكرة لكونها من أولئك.
الرابعة والعشرون: أن الإحسان هو التقوى.
الخامسة والعشرون: التكذيب بالآيات.
السادسة والعشرون: الاستكبار.
السابعة والعشرون: الكفران وكونه من هذه الطائفة.
الثامنة والعشرون: أن المعاصي بريد الكفر والتكذيب والاستكبار.
الثانية والخمسون: كبر التكذب على الله.
الثانية: أن أصل ذلك الكبر.
الثالثة: الوعيد بهذا الاستفهام.
الثالثة والخمسون: وآيتان بعدها سبب النجاة.
الثانية: الفرق بين الحزن ومس السوء.
338

الثالثة: الاستدلال بالقاعدة الكلية وهي خلق كل شيء على المسائل الجزئية.
الرابعة: كذلك استدل بوكالته على كل شيء.
الخامسة: كذلك بأن مقاليدهما له.
السادسة: انحصار الخسارة في هؤلاء.
السادسة والخمسون: وأربع بعدها فيها أنواع من بطلان الشرك وتقبيحه:
الأول: استفهام الإنكار.
الثاني: كيف يؤمر بهذا لغير الله.
الثالث: التسجيل عليهم بالجهل.
الرابع: ما جاء من السمعيات أنه أوحى إليك بهذا الأمر العظيم.
الخامس: أنه أوحاه إلى من قبلك.
السادس: أن أقرب الخلائق منزلة لو يفعله لم يسامح.
السابع: أن الحسنات وإن كثرت إذا وجد لم يبق منها شيء.
الثامن: كون ذلك المقرب لو يفعله لم يكف بطلان عمله بل صار من أولئك.
339

التاسع: الأمر بإخلاص هذا النوع لمن لا يستحقه إلا هو.
العاشر: أن كون العبد من الشاكرين مستحسن عقلا وشرعا ولا يصل إليه إلا بذلك.
الحادي عشر: كون ذلك جرى لكونهم لم يعرفوا الله.
الثاني عشر: تعريف عباده بعظمته بما ذكر في الأرضين السبع.
الثالث عشر: تعريفهم ذلك بما ذكر في السماوات.
الرابع عشر: تسبيحه نفسه عما تقربوا به إليه.
الخامس عشر: تعاليه عن ذلك.
السادس عشر: نسبته إليهم.
الستون: وما بعدها إلى آخرها فيها النفخة الأولى.
340

الثانية: صعق أهل السماوات والأرض.
الثالثة: المستثنون.
الرابعة: النفخة الثانية.
الخامسة: إذا الفجائية.
السادسة: إتيان الرب سبحانه.
السابعة: إشراق الأرض بنوره.
الثامنة: إضافتها إليه.
التاسعة: وضع الكتاب.
العاشرة: الإتيان بالنبيين.
الحادية عشرة: الإتيان بالشهداء.
الثانية عشرة: قضى بينهم بالحق.
الثالثة عشرة: توفية كل نفس عملها.
الرابعة عشرة: بيان أنه لا يقع في الخصومات شيء مما يقع في الدنيا لكونه أعلم.
الخامسة عشرة: سياقه الكفار.
السادسة عشرة: كونهم زمرا.
341

السابعة عشرة: فتح أبوابها وقت مجيئهم.
الثامنة عشرة: تقريع الخزنة لهم.
التاسعة عشرة: كون كل رسول يتلو الآيات.
العشرون: كونه ينذر بذلك اليوم.
الحادية والعشرون: كون الرسالة عمت.
الثانية والعشرون: اعترافهم بقرب الفهم، وأن الذي منعهم كون كلمة العذاب حقت على من كفر.
الثالثة والعشرون: قول الخزنة أدخلوها خالدين.
الرابعة والعشرون: بيان أن التكبر سبب الكفر.
الخامسة والعشرون: سوق أهل الجنة.
السادسة والعشرون: كونهم زمرا.
السابعة والعشرون: حذف الجواب.
الثامنة والعشرون: فتح الأبواب.
التاسعة والعشرون: تسليم الملائكة.
الثلاثون: قولهم: * (طبتم فادخلوها) *.
الحادية والثلاثون: الخلود.
الثانية والثلاثون: قولهم * (الحمد لله) * الخ حمدوا على صدق الوعد.
الثالثة والثلاثون: حمدوه على أنه أورثهم الأرض.
342

الرابعة والثلاثون: التبوء منها حيث شاءوا.
الخامسة والثلاثون: إثبات دخولها بالعمل.
السادسة والثلاثون: أنها أجر العاملين.
السابعة والثلاثون: رؤية الملائكة حافين من حول العرش.
الثامنة والثلاثون: القضاء بالحق.
التاسعة والثلاثون: قول الخلائق كلهم: * (الحمد لله رب العالمين) *.
343

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى قوله تعالى: * (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون. ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحطبن عملك ولتكونن من الخاسرين) * إلى قوله تعالى * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * فيه مسائل:
الأولى: الجواب عن قول المشركين: هذا في الأصنام وأما الصالحون فلا.
قوله: * (قل أفغير الله) * عام فيما سوى الله.
الثانية: أن المسلم إذا أطاع من أشار عليه في الظاهر كفر، ولو كان باطنه يعتقد الإيمان، فإنهم لم يريدوا من النبي صلى الله عليه وسلم تغيير عقيدته، ففيه بيان لما يكثر وقوعه ممن ينتسب إلى الإسلام في إظهار الموافقة للمشركين خوفا منهم، ويظن أنه لا يكفر إذا كان قلبه كارها له.
الثالثة: أن الجهل وسخافة العقل هو موافقتهم في الظاهر؛ وأن العقل والفهم والذكاء هو التصريح بمخالفتهم ولو ذهب مالك، خلافا لما عليه أهل الجهل من اعتقاد أن بذل دينك لأجل مالك هو العقل، وذلك في آخر الآية: * (أيها الجاهلون) *.
344

أما الآية الثانية ففيها مسائل أيضا:
الأولى: شدة الحاجة إلى تعلم التوحيد، فإذا كان الأنبياء يحتاجون إلى ذلك ويحرصون عليه فكيف بغيرهم؟ ففيها رد على الجهال الذين يعتقدون أنهم عرفوه فلا يحتاجون إلى تعلمه.
الثانية: المسألة الكبرى وهي كشف شبهة علماء المشركين الذين يقولون:
هذا شرك ولكن لا يكفر من فعله لكونه يؤدي الأركان الخمسة، فإذا كان الأنبياء لو يفعلونه كفروا فكيف بغيرهم؟!
الثالثة: أن الذي يكفر به المسلم ليس هو عقيدة القلب خاصة، فإن هذا الذي ذكرهم الله لم يريدوا منه صلى الله عليه وسلم تغيير العقيدة كما تقدم، بل إذا أطاع المسلم من أشار عليه بموافقتهم لأجل ماله أو بلده أو أهله مع كونه يعرف كفرهم ويبغضهم فهذا كافر إلا من أكره.
وأما الآية الثالثة ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها على المنبر وقال ' إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السماوات بيمينه '
345

ثم ذكر تمجيد الرب تبارك وتعالى نفسه وأنه يقول: ' أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم ' قال ابن عمر فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قلنا ليخرن به، وفيها ثلاث مسائل:
الأولى التنبيه على سبب الشرك؛ وهو أن المشرك بان له شيء من جلالة الأنبياء والصالحين، ولم يعرف الله سبحانه وتعالى؛ وإلا لو عرفه لكفاه وشفاه عن المخلوق، وهذا معنى قوله: * (وما قدروا الله حق قدره) * الآية.
المسألة الثانية: ما ذكر الله تبارك وتعالى من عظمته وجلاله أنه يوم القيامة يفعل هذا، وهذا قدر ما تحتمله العقول، وإلا فعظمة الله وجلاله أجل من أن يحيط بها عقل كما قال ' ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في كف أحدكم ' فمن هذا بعض عظمته وجلاله كيف يجعل في رتبته مخلوق لا يملك لنفسه
نفعا ولا ضرا؟ هذا هو
346

أظلم الظلم وأقبح الجهل، كما قال العبد الصالح لابنه * (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) *.
الثالثة: أن آخر الآية وهو قوله: * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * ينبهك على الحكمة في كونه سبحانه يغفر الكبائر ولا يغفر الشرك، وتزرع بغض الشرك وأهله ومعاداتهم في قلبك. وذلك أن أكبر مسبة بعض الصحابة مثل أبي بكر وعمر لو يجعل في منزلته بعض ملوك زماننا مثل سليمان أو غيره مع كون الكل منهم آدمي، والكل ينتسب إلى دين محمد؛ والكل يأتي بالشهادتين، والكل يصلي ويصوم رمضان.
فإذا كان من أقبح المسبة لأبي بكر أن يسوى بينه وبين بعض الملوك في زماننا فكيف يجعل للمخلوق من الماء المهين ولو كان نبيا بعض حقوق من
347

هذا بعض عظمته وجلاله، من كونه يدعى كما يدعي، ويخاف كما يخاف، ويعتمد عليه كما يعتمد عليه، هذا أعظم الظلم، وأقبح المسبة لرب العالمين، وذلك معنى قوله في آخر الآية: * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * ولكن رحم الله تعالى من تنبه لسر الكلام، وهو المعنى الذي نزلت فيه هذه الآيات من كون المسلم يوافقهم في شيء من دينهم الظاهر مع كون القلب بخلاف ذلك، فإن هذا هو الذي أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم فافهمه فهما حسنا لعلك تعرف شيئا من دين إبراهيم عليه السلام الذي بادر أباه وقومه بالعداوة عنده والله أعلم.
348

((سورة الحجرات))
هذه مسائل من سورة الحجرات للشيخ رحمه الله:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) * الآية لما قدم وفد بني تميم قال أبو بكر: يا رسول الله أمر فلانا وقال عمر بل فلانا قال ما أردت إلا خلافي، قال ما أردته فتجادلا حتى ارتفعت أصواتهما ففيه مسائل:
الأولى: الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيم حرمته.
الثانية: إذا كان هذا التغليظ في الشيخين فكيف بغيرهم.
الثالثة: اختلاف كلام المفسرين والمعنى واحد، لكن كل رجل يصف نوعا من التقدم.
349

الرابعة: الأمر بالتقوى في هذا الموضع.
الخامسة: الاستدلال بالأسماء الحسنى على المسألة.
السادسة: مسألة الإحباط وتقريره.
السابعة: وجوب طلب العلم بسبب أن هذا مع كونه سببا للإحباط لا يفطن له فكيف بما هو أغلظ منه بكثير؟
الثامنة: قوله: * (وأنتم لا تشعرون) * أي لا تدرون فإذا كان هذا فيمن لا يدري دل على وجوب التعلم والتحرز، وإن الإنسان لا يعذر بالجهل في كثير من الأمور.
التاسعة: ما ترجم عليه البخاري بقوله باب خوف المؤمن الخ.
قوله: * (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن قلوبهم للتقوى) * الآية فيه مسائل:
الأولى: ثناء الله على أهل العمل.
الثانية: أن معنى امتحانها هيأها، فقد تبتلى بما تكره ويكون نعمة من الله يريد امتحان قلبك للتقوى.
الثالثة: استدل بها على أن من يكف عن المعصية مع منازعة النفس أفضل ممن لا يشتهيها.
350

الرابعة: وعد الله لأهل هذه الخصلة بالمغفرة والأجر العظيم فيزيل ما يكرهون ويعطيهم ما يحبون.
قوله: * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) * إلى قوله: * (غفور رحيم) * فيه مسائل:
الأولى: ذمه لمن أساء الأدب.
الثانية: ذكره أن أكثرهم لا يعقلون مع كونهم من أعقل الناس في ظنهم.
الثالثة: ذم العجلة ومدح التأني.
الرابعة: رأفة الله ورحمته بالعباد ولو عصوه لختمه الأدب بهذين الاسمين.
* (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * الآية نزلت في
351

رجل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض المسلمين أنهم منعوا الزكاة فهم بغزوهم، وكان كاذبا، فيه مسائل:
الأولى: كبر بهتان المسلم عند الله كيف فضح الله هذا بهذه الفضيحة الباقية إلى يوم القيامة مع كونه من الصحابة.
الثانية: معنى التبين وهو التثبت.
الثالثة: الأمر الذي نزلت فيه الآية وهو أمر المسلمين بعدم العجلة.
الرابعة: ذكر علة الحكم وهو الندم إذا أصابوا قوما بجهالة.
الخامسة: أن الله لم يأمر بتكذيب الفاسق ولكن أمر بالتثبت.
السادسة: استدل بها على أنه إذا عرف صدقه عمل به لانتفاء العلة.
السابعة: استدل بها على أن الخبر إذا أتى به أكثر من واحد فليس في الآية الأمر بالتبيين فيه.
الثامنة: أن المؤمن يندم إذا تبين له خطؤه.
التاسعة: قتال ما نعي الزكاة كما في آية السيف.
العاشرة: جباية النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة، ولم يجعلها لأهل الأموال.
352

* (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) * إلى قوله: * (عليم حكيم) * فيه مسائل:
الأولى: كيف أمرهم بالعلم بأنه رسول الله وهم الصحابة فما أجلها من مسألة وأدلها على مسائل كثيرة.
الثانية: أنه لو يطيعهم في كثير من الأمر جرى ما جرى وهم الصحابة، ففيها التسليم لأمر الله، ومعرفة أنه هو المصلحة وتقديم الرأي عليه هو المضرة.
الثالثة: معنى العنت الضيق، أي رأيكم يجر إلى الضيق عليكم.
الرابعة: أن ما بكم من الخير والصواب فليس ذلك من أنفسكم؛ ولو وكلتم إليها جرى ما جرى فهو الذي حبب إليكم الإيمان وكره إليكم ضده.
الخامسة: فيه أن الأعمال من الإيمان ففيه الرد على الأشعرية.
السادسة: أن تزيينه في القلوب نوع آخر غير المحبة.
السابعة: أن الكفر نوع والفسوق نوع، والعصيان عام في جميع المعاصي، فمن الكفر شيء لا يخرج عن الملة كقوله: ' سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ' ومنه الفسوق بالكبائر، فعلمت أن ما أطلق عليه الكفر أكبر من الكبائر ولو لم يخرج من الملة.
353

الثامنة: قوله: * (أولئك هم الراشدون) * ففيه أمران: أحدهما أن الرشد فعل ما ذكر وترك ما ذكر.
الثانية: أن الرشد من غير حول منهم ولا قوة.
التاسعة: ذكره تعالى أن ذلك فضل منه ونعمة، فكرر الأمر لأجل كبر المسألة.
العاشرة: الفرق بين الفضل والنعمة.
الحادية عشرة: ختم الآية بالاسمين الشريفين.
الثانية عشرة: قرنه سبحانه بين العلم والحكمة، ويوضحه المثل: (ما قرن شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم، وما قرن شيء إلى شيء أقبح من جهل إلى خرق).
الثالثة عشرة: أن نتيجة هذا الدلالة على التمسك بالوحي والتحذير من الرأي المخالف ولو من أعلم الناس.
الرابعة عشرة: التنبيه على لطفه بنا وأنه أرحم بنا من أنفسنا.
* (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) * إلى قوله: * (لعلكم ترحمون) *.
354

((سورة الجن))
روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا مالكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهناك حين رجعوا إلى قومهم * (فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا) * الآية فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم * (قل أوحي إلي أنه استمع
355

نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا. يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) * يعني أنهم لما رجعوا إلى قومهم قالوا لهم هذا.
وقوله: * (عجبا) * أي بليغا في لفظه ومعناه * (أنه استمع) * بالفتح لأنه نائب فاعل أوحى * (إنا سمعنا) * بالكسر لأنه محكي بعد القول؛ وقوله: * (يهدي إلى الرشد) * أي إلى الصواب وقيل: إلى التوحيد.
* (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) * يقول: تعالى جل جلاله وعظمته وغناه عن اتخاذ الصاحبة والولد؛ وذلك أنهم لما سمعوا القرآن فهموا التوحيد وتنبهوا على الخطأ في عدم تنزيه الله عما لا يليق به فاستعظموا ذلك ونزهوه عنه.
وقوله: * (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) * سفيههم إبليس قاله مجاهد، وقيل هو أو غيره من مردة الجن، والشطط مجاوزة الحد في الظلم أو غيره.
وقوله: * (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) * يعني أن في ظننا أن أحدا من الثقلين لن يفتري على الله ما ليس بحق فلسنا نصدقهم فيما أضافوا إليه من ذلك (فلما سمعنا) القرآن تبين لنا افتراؤهم.
356

* (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) * ومعنى هذا أن الرجل من العرب كان إذا أمسى في واد قفر وخاف قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه؛ يريد الجن وكبيرهم فلما سمع ذلك الجن استكبروا وقالوا: سدنا الجن والإنس؛ فذلك الرهق، والرهق في كلام العرب غشيان المحارم.
* (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا) * قيل: إنه مما حكى الله عن الجن أي أن الإنس ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا، وقيل من كلام الله.
والضمير في * (وأنهم ظنوا) * للجن، والخطاب في * (ظننتم) * للإنس.
* (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) * يؤخذ من قوله: * (ملئت حرسا شديدا وشهبا) * أن الحادث الملأ والكثرة وكذلك * (مقاعد) * أي كنا نجد بعض المقاعد خالية من الحرس، والآن ملئت المقاعد كلها، ومعنى هذا أنهم يذكرون سبب ضربهم في البلاد حتى عثروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلموا أن الله أراد بهم رشدا.
357

* (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا) * يقولون: منا الصالحون، ومنا قوم دون ذلك الآية، والقدة من قد كالقطعة من قطع، وصفت الطرائق بذلك لدلالتها على التقطع والتفرق، قال الحسن: أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة.
قال ابن كيسان: لكل فرقة هوى كأهواء الناس.
* (وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا) * الظن هنا بمعنى اليقين، وهذه صفة أحوال الجن وعقائدهم منهم أخيار وأشرار، وأنهم يعتقدون أن الله عزيز غالب لا يفوته مطلب ولا ينجى عنه مهرب.
* (وأن لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا) * يقولون: لما سمعنا القرآن آمنا به، وهذا يدل على أن
358

الإيمان بالله هو والإيمان بالقرآن متلازمان، والبخس أن يبخس من حسناته، والرهق أن يحمل عليه ذنب غيره.
* (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) *. القاسطون: الكافرون يقال: قسط فهو قاسط إذا ظلم وأقسط فهو مقسط إذا عدل؛ وروى أن الحجاج قال لسعيد بن جبير: ما تقول في؟ قال: قاسط عادل. فقال القوم: ما أحسن ما قال، قال الحجاج: يا جهلة إنه سماني ظالما مشركا؛ وتلا هذه الآية. وقوله: * (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) *.
* (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا) * يقول لو استقاموا على طريقة الإسلام لوسعنا عليهم في الدنيا، وذكر الماء الغدق وهو الكثير لأنه سبب لسعة الرزق * (لنفتنهم فيه) * أي لنختبرهم كيف شكرهم.
قال الحسن: والله إن كان أصحاب محمد لكذلك كانوا سامعين لله مطيعين لله فلما فتحت كنوز كسرى وقيصر وثبوا على إمامهم وقتلوه، وأخرج ابن جرير عن عمر (حيث كان الماء كان المال، وحيث ما كان المال كانت الفتنة).
وقوله: * (يسلكه عذابا صعدا) * قال ابن عباس: شاقا، وأصله أن الصعود فيه مشقة على الإنسان.
359

* (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) * قال قتادة: كان اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بالله فأمرنا أن نخلص لله الدعوة إذا دخلنا المساجد، وقيل: المساجد أعضاء السجود السبعة.
* (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) * معناه: قام عبد الله يعبده كادوا يزدحمون عليه متراكمين تعجبا مما رأوا من عبادته، وإعجابا بما تلا من القرآن لأنهم رأوا منه ما لم يروا مثله، وعبادة عبد الله ليس بأمر مستبعد عن العقل، ولا مستنكر حتى يكونوا عليه لبدا، وقيل: لما قام عبد الله وحده مخالفا للمشركين كادوا لتظاهرهم على عدوانه يزدحمون عليه متراكمين.
وعن قتادة قال: لما قام عبد الله للدعوة تلبدت الإنس والجن وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاءهم به ويطفئوا نور الله إلا أن يتم هذا الأمر وينصره على من ناوأه.
* (قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا) * أي قال للمتظاهرين عليه: * (إنما أدعو ربي) * أي ما أتيتكم بأمر منكر، ولا ما يوجب إطباقكم على عداوتي إنما التعجب ممن يدعو غير الله، ويجعل له شريكا.
* (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) * المعنى: لا أستطيع أن أضركم أو أن أنفعكم إنما الضار النافع الله عز وجل.
360

* (قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) * ومعنى الاستثناء قيل إنه من لا أملك أي لا أملك * (إلا بلاغا من الله) * وقل إني لن يجيرني: جملة معترضة لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه على معنى أن الله إن أراد به سوءا من مرض أو موت أو غيرهما لم يصح أن يجيره منه أحد أو يجد من دونه ملاذا يأوي إليه، والملتحد الملتجأ وقيل: * (بلاغا) * بدلا من * (ملتحدا) * أي لن أجد من دونه منجى إلا أن أبلغ ما أرسلني به.
* (حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا) * كان الكفار يستضعفونه ويستقلون أتباعه؛ وتغرهم قوتهم وكثرتهم حتى إذا رأوا ما يوعدون علموا كيف الحال فقال المشركون: متى يكون هذا الموعود؟ إنكارا له فقال: قل إنه كائن لا ريب فيه، وأما وقته فلا أدري متى يكون لأن الله لم يبينه لما له فيه من الحكمة.
* (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل
361

شيء عددا) * أي ليعلم الله أن الأنبياء بلغوا الرسالات كقوله: * (حتى نعلم المجاهدين منكم) * * (وأحاط بما لديهم) * بما عند الرسل من الحكم والشرائع * (
وأحصى كل شيء عددا) * من القطر والرمل وورق الأشجار وغير ذلك فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه؟ والله أعلم.
وقال أيضا الشيخ محمد رحمه الله تعالى على قوله تعالى: * (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) * وبعد فهذه عشر درجات:
الأولى: تصديق القلب أن دعوة غير الله باطلة، وقد خالف فيها من خالف.
الثانية: أنها منكر يجب فيها البغض؛ وقد خالف فيها من خالف.
الثالثة: أنها من الكبائر والعظائم المستحقة للمقت والمفارقة، وقد خالف فيها من خالف.
الرابعة: أن هذا هو الشرك بالله الذي لا يغفره، وقد خالف فيها من خالف.
الخامسة: أن المسلم إذا اعتقده أو دان به كفر. وقد خالف فيها من خالف.
362

السادسة: أن المسلم الصادق إذا تكلم به هازلا أو خائفا أو طامعا كفر بذلك، وأنى ينزل القلب هذه الدرجات ويصدقه بها.
السابعة: أنك تعمل معه عملك مع الكفار من عداوة الأب والابن وغير ذلك.
الثامنة: أن هذا معنى لا إله إلا الله، والإله المألوه والإلهية عمل من الأعمال، وكونه منفيا عن غير الله ترك من التروك.
التاسعة: القتال على ذلك حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
العاشرة: أن الفاعل للدعوة لغير الله لا تقبل منه الجزية كما تقبل من اليهود، ولا تنكح نساؤهم كما تنكح نساء اليهود لأنه أغلظ من اليهود كفرا. وكل درجة من هذه الدرجات إذا نزلتها تخلف عنك بعض من كان معك والله أعلم.
363

........
364

((سورة المدثر))
وأما قوله: * (يا أيها المدثر) * الآيات ففيه مسائل:
الأولى: الدعوة إلى الله لا يقتصر على نفسه.
الثانية: خطابه بالمدثر.
الثالثة: أن الداعي يبدأ بنفسه فيصلح عيوبها.
الرابعة: تعظيم الله سبحانه علما وعملا.
الخامسة: هجران الرجز.
السادسة: قوله: * (ولا تمنن تستكثر) *.
السابعة: قوله: * (ولربك فاصبر) * فأمره بالطريق إلى القوة على ما تقدم فهو الصبر خالصا.
ففيها آداب الداعي لأن الخلل يدخل على رؤساء الدين من ترك هذه الوصايا أو بعضها: ففيها الحرص على الدنيا فنهى عنه بقوله: * (ولا تمنن تستكثر) *.
ومنها عدم الجد فنبه عليه بقوله: * (يا أيها المدثر) *.
365

ومنها رؤية الناس فيه العيوب المنفرة لهم عن الدين كما هو الواقع.
ومنها التقصير في تعظيم العلم الذي هو من التقصير في تعظيم الله.
ومنها عدم الصبر على مشاق الدعوة.
ومنها عدم الإخلاص.
ومنها عدم هجران الرجز والتقصير في ذلك وهو من أضرها على الناس، وهو من تطهير الثياب لكن أفردت بالذكر كنظائره.
فأول: (اقرأ) فيه الأمر بطلب العلم، وأول (المدثر) فيه الأمر بالعمل به.
الثانية: أول اقرأ فيه معرفة الله وأول المدثر فيه الأدب معه.
الثالثة أول (اقرأ) فيه الاستعانة، وأول (المدثر) فيه الصبر.
الرابعة: أول (اقرأ) فيه إخلاص الاستعانة، وأول (المدثر) فيه العبادة.
الخامسة: أول اقرأ فيه الاستعانة وأول المدثر فيه العبادة.
السادسة: أول اقرأ فيه فضله عليك وأول المدثر فيه حقه عليك.
السابعة: أول اقرأ فيه أدب المتعلم وأول المدثر فيه أدب العالم.
الثامنة: أول اقرأ فيه معرفة الله ومعرفة النفس وأول المدثر فيه الأمر والنهي.
التاسعة: أول اقرأ فيه معرفتك بنفسك وبربك، وأول المدثر فيه العمل المختص والمتعدي.
366

العاشرة: أول اقرأ فيه أصل الأسماء والصفات وهما العلم والقدرة، وأول المدثر فيه أصل الأمر والنهي وهو الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك.
الحادية عشرة: في أول اقرأ ذكر القلم الذي لا يستقيم العلم إلا به، وأول المدثر فيه ذكر الصبر الذي لا يستقيم العمل إلا به.
الثانية عشرة: في أول اقرأ ذكر التوكل وأنه يفتح المغلق، وأول المدثر فيه الصبر الذي يفتحه.
الثالثة عشرة: في أول اقرأ العمل المختص، وأول المدثر فيه العمل المتعدي.
الرابعة عشرة: في اقرأ ست مسائل من الخبر، وأول المدثر ست مسائل من الإنشاء.
الخامسة عشرة: في أول اقرأ ذكر بدء الخلق، وأول المدثر ذكر الحكمة فيه.
السادسة عشرة: في أول اقرأ ذكر أصل الإنسان، وأول المدثر فيه كماله.
السابعة عشرة: في أول اقرأ الربوبية العامة، وأول المدثر الربوبية الخاصة.
الثامنة عشرة: في أول اقرأ شاهد لقوله: ' اعقلها واتكل ' وفي أول المدثر الصبر الذي هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
التاسعة عشرة: في أول اقرأ ابتداء النبوة وأول المدثر ابتداء الرسالة.
العشرون: في السورتين شاهد لقوله: ' العلم قبل القول والعمل '
367

.......
368

((سورة العلق))
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: هذه مسائل مستنبطة من سورة اقرأ.
الأولى: الأمر بالقراءة.
الثانية: الجمع بين التوكل والسبب، خلافا لغلاة المتفقهة وغلاة المتصوفة.
الثالثة: السر الذي في الإضافة في قوله: * (باسم ربك) * المقتضي للتوكل.
الرابعة: وصفه سبحانه بالخلق الذي هو أظهر آياته.
الخامسة: ذكر خلقه للإنسان خاصة.
السادسة: كونه من علق.
السابعة: تكرير الأمر بالقراءة.
الثامنة: الوصف بأنه الأكرم.
التاسعة: ذكر التعليم بالقلم الذي هو في المرتبة الرابعة.
369

العاشرة: تعليم الإنسان خاصة ما لم يعلم.
الحادية عشرة: أن الذكر بالقلب واللسان أفضل من الذكر بالقلب وحده.
الثانية عشرة: الحث على التواضع لقوله: * (من علق) *.
الثالثة عشرة: فيه معنى: اعرف نفسك تعرف ربك.
الرابعة عشرة: معنى أن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما إلى يوم القيامة.
الخامسة عشرة: رجاء فضله لأجل ما تقدم من فضله.
السادسة عشرة: لصفاته لكونه الأكرم.
السابعة عشرة: الجمع بين الخلق والتعليم.
الثامنة عشرة: الدلالة على التوحيد.
التاسعة عشرة: الدلالة على النبوة.
العشرون: الرد على الجهمية.
الحادية والعشرون: أن الاستحالة تطهر.
الثانية والعشرون: الرد على القدرية.
الثالثة والعشرون: الرد على الجبرية.
الرابعة والعشرون: أن العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية.
الخامسة والعشرون: ذكر شرف العلم.
370

وآما آخرها ففيه مسائل:
الأولى: أن الغنى من أسباب الطغيان.
الثانية: أنه ينشأ عن رؤية الغنى لا عن الغنى.
الثالثة: التنبيه على الفرق بين طلب العلم وطلب المال.
الرابعة: أن هذا وصف للإنسان، فإن خرج عن طبعه فبفضل الله وبرحمته.
الخامسة: الإيمان باليوم الآخر.
السادسة: الوعظ بذلك اليوم عن الطغيان.
السابعة: تسلية المطغي عليه بذلك.
الثامنة: كونه إلى رب محمد ففيه الجزاء على الأعمال.
التاسعة: تقرير الشرع بالعقل لقوله: * (أرأيت) *.
العاشرة: كون ذلك النهي من آثار الطغيان.
الحادية عشرة: تقرير ذلك بتصوير الحادثة أنها نهي عبد صلى لربه.
الثانية عشرة: التوقف عما لا يعلم العبد وإلا فلا يلوم إلا نفسه.
الثالثة عشرة: أن ذلك عام فيمن تنكر عليه فيما يفعله وفيما يأمر به غيره.
371

الرابعة عشرة: الاستدلال على الناهي واستجهاله بقوله: * (ألم يعلم بأن الله يرى) *.
الخامسة عشرة: الاستدلال بالقاعدة الكلية على المسائل الجزئية.
السادسة عشرة: أن العلم بذلك ليس هو الإقرار.
السابعة عشرة: أن العلم بالأسماء والصفات أصل العلوم.
الثامنة عشرة: الدلالة على التوحيد.
التاسعة عشرة: الدلالة على النبوة.
العشرون: أن السورة فيها ذكر الإيمان بالأصول الخمسة.
الحادية والعشرون: كون العقوبة قد تعجل في الدنيا.
الثانية والعشرون: ما يرجو المحق من نصر الله للضعفاء على الأقوياء.
الثالثة والعشرون: أن المال والقوة قد يكون سببا لشر الدنيا والآخرة.
الرابعة والعشرون: إن بعض أعداء الله قد يكشف له فيرى بعينه من الآيات مالا يراه المؤمن كالسامري.
الخامسة والعشرون: الجمع بين قوله: * (كاذبة خاطئة) * فوصفه بفساد القول والعمل.
372

السادسة والعشرون: أنه لو دعا ناديه أو دنا من النبي صلى الله عليه وسلم لعوجل، ولكن دفع عنه ذلك لكونه ترك ما في نفسه.
السابعة والعشرون: النهي عن طاعة مثل هذا.
الثامنة والعشرون: أنه ختمها بالسجود الذي هو أشرف أفعال الصلاة، وافتتحها بالقراءة التي هي أشرف أقوالها.
التاسعة والعشرون: الأمر بالاقتراب من الله ففيه معنى ' أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد '.
الثلاثون: تسلية المحق إذا سلط عليه مثل هذا، وأمره بالصلاة.
373

......
374

((تفسير آيات من السور القصار))
ومن اقرأ إلى آخره:
الأولى: أن قريشا صريح آل إبراهيم، وأيضا ولاة البيت الحرام وأيضا خصوا بنعم مثل الرحلتين ودفع الفيل.
وأما أهل الكتاب فأهل العلم وذرية الأنبياء وجرى من الكل على رسالة الله ما جرى.
الثانية: أن هذين الرئيسين أبي لهب وأبي جهل ذكر عنهما ما ذكر.
375

الثالثة: أن أهل الكتاب لم يتفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.
الرابعة: أنهم لم يؤمروا إلا بما تعرفه العقول، وبما ينبغي للعاقل أن يلتزمه ولا ينبغي به بدلا لحسنه وسهولته.
الخامسة: أن الذي استدلوا به من أشق الأشياء وأكثرها عذابا؛ وينبغي للعاقل البعد عنه لقبحه وصعوبته.
السادسة: أن مع سهولة الذي تركوا وحسنه وقبح الذي انتقلوا إليه ومشقته أشربوه في قلوبهم فلم ينتقلوا عنه إلا بعد كذا وكذا.
السابعة: أنه سبحانه توعد بالنار الذين كفروا من أهل الكتاب ومن العامة وقدم أهل الكتاب في الذكر.
الثامنة: أن العامة أشربوا حب دينهم وصبروا على المشقة فيه مع أنهم لا يعرفون جنة ولا نارا وهذا من العجائب.
التاسعة: التنبيه على كبر النعمة بإنزال الكتاب بذكر الليلة التي أنزل فيها.
العاشرة: أن له سبحانه خصائص من الأزمنة كما له من الأمكنة.
376

الحادية عشرة: أن الأعمال تتضاعف وإن تساوت في الظاهر بما يجل عن الوصف.
الثانية عشرة: عطف الروح على الملائكة.
الثالثة عشرة: أن خشية الله جامعة للدين كله.
الرابعة عشرة: النص على العبادة بالإخلاص.
الخامسة عشرة: ذكر الحنفاء.
السادسة عشرة: عطف العبادتين على ذلك.
السابعة عشرة: نصه أنه دين القيمة.
الثامنة عشرة: بيان أن من ساء عمله شر من الجعلان ولو علم.
التاسعة عشرة: كون الضد خير البرية.
العشرون: الآية الجامعة الفاذة.
الحادية والعشرون: ذكر شيء من تفاصيل القيمة من شهادة الأرض وغير ذلك.
الثانية والعشرون: معاملة الإنسان ربه لقوله: * (لكنود) *.
الثالثة والعشرون: كونه شاهدا بذلك.
377

الرابعة والعشرون: نعته بشدة حب المال.
الخامسة والعشرون: ما فيها من ذكر الحساب والحوض والميزان ورؤية النار في الموقف.
السادسة والعشرون: إخلاص الصلاة.
السابعة والعشرون: إخلاص النحر.
الثامنة والعشرون: الأمر بختم العمل بالتسبيح والاستغفار.
التاسعة والعشرون: الأمر بالتصريح للكفار بالبراءة من معبوديهم.
الثلاثون: التصريح لهم ببراءتهم من عبادة الله.
الحادية والثلاثون: التصريح لهم بالبراءة من معبوديهم.
الثانية والثلاثون: التصريح لهم بالرضا بالله وبالإسلام دينا ومحمد نبيا.
الثالثة والثلاثون: بيان العقيدة السلفية.
الرابعة والثلاثون: البراءة من عقيدة المتكلمين.
الخامسة والثلاثون: الأمر بالاستعاذة مما ذكر في سورة الفلق.
السادسة والثلاثون: الأمر بالاستعاذة من الشيطان.
378

السابعة والثلاثون: التنبيه على شدة الحاجة إلى ذلك لكونه أفرد له سورة وختم بها المصحف.
التاسعة والثلاثون: النهي عن الهمز واللمز.
الأربعون: النهي عن الاغترار بالمال.
الحادية والأربعون: النهي عن دع اليتيم.
الثانية والأربعون: النهي عن عدم الحض على طعام المسكين.
الثالثة والأربعون: النهي عن السهو عن الصلاة.
الرابعة والأربعون: النهي عن الرياء.
الخامسة والأربعون: النهي عن البخل.
السادسة والأربعون: النهي عن شنآنه صلى الله عليه وسلم.
السابعة والأربعون: الاعتبار بأبي لهب في كون المال والولد وشرف البيت والسيادة يعطاه من هو من أكفر الناس.
الثامنة والأربعون: النهي عن حمل الحطب.
التاسعة والأربعون: النهي عن النميمة.
الخمسون: النهي عن الحسد.
379

الحادية والخمسون: النهي عن النفث في العقد.
الثانية والخمسون: النهي عن الوسوسة في صدور الناس.
الثالثة والخمسون: الإخبار برؤية الجحيم ثم رؤيتها.
الرابعة والخمسون: السؤال عن النعيم.
الخامسة والخمسون: خسران الإنسان إلا المستثنى، وفيها ذكر النار ذات اللهب وصليها واطلاعها على الأفئدة وكونها مؤصدة.
وفيها من الأعمال الممدوحة: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والحث على الشكر بذكر الرحلتين.
وفيها أن النعم إذا كانت خاصة فلها شكر خاص، والحث على الاعتبار بأيام الله بقصة الفيل.
وفيها من القصص قصة الفيل والرحلتين.
وقصة أبي لهب وقصة سحر اليهود.
وفيها من الوعظ العجب العجاب؛ وأما أدلة التوحيد ففي مواضع وأما أدلة النبوة ففي مواضع.
380

((قصة سبب نزول ' تبت ' إلى آخرها))
وقال الشيخ محمد رحمه الله تعالى: قصة سبب نزول (تبت) إلى آخرها فيها مسائل:
الأولى: ما فيها من دلائل الإلهية.
الثانية: ما فيها من دلائل النبوة.
الثالثة: ما فيها من فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله الحق الذي لا يقدر غيره يقوله.
الرابعة: أن هذا هو العقل والصواب أعني صعود الجبل والصياح في هذه المسألة ولو عده أكبر الناس سفها بل جنونا.
الخامسة: شدة الخطر العظيم فيمن عذل من فعل ذلك.
السادسة: لعل الكلمة التي لا يلقي لها بالا يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه، ولعله يعتقدها نصيحة أو صلة رحم.
381

السابعة: مراقبة العواقب في إعطاء الله نعم الدنيا من المال والولد والبيت الرفيع والرياسة.
الثامنة: تعظيم أمر النميمة.
التاسعة: أن الولد من الكسب، ففيه دليل على أن أطيب ما أكلتم من كسبكم وأن أولادكم من كسبكم.
العاشرة: أن الله سبحانه لم ينزل هذا إلا مصلحة للأمة إلى يوم القيامة والله أعلم.
382

((سورة الإخلاص))
وقال أيضا رحمه الله تعالى تفسير سورة الإخلاص عن عبد الله بن حبيب قال: خرجنا في ليلة ممطرة وظلمة فطلبت النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا فأدركناه فقال: قل فلم أقل شيئا قال: قلت يا رسول الله ما أقول؟ قال: * (قل هو الله أحد) * المعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء '، قال الترمذي حديث حسن صحيح.
والأحد الذي لا نظير له، والصمد الذي تصمد الخلائق كلها إليه في جميع الحاجات، وهو الكامل في صفات السؤدد؛ فقوله: * (أحد) * نفي النظير والأمثال وقوله: * (الصمد) * إثبات صفات الكمال وقوله: * (لم يلد ولم يولد) * نفي الصاحبة والعيال * (ولم يكن له كفوا أحد) * نفى الشركاء لذي الجلال.
383

......
384

((سورة الفلق))
وقال أيضا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى تفسير سورة الفلق:
بسم الله الرحمن الرحيم
* (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد) * فمعنى أعوذ أعتصم والتجيء وأتحرز؛
وتضمنت هذه الكلمة مستعاذا به ومستعاذا منه ومستعيذا.
فأما المستعاذ به فهو الله وحده رب الفلق الذي لا يستعاذ إلا به، وقد أخبر الله عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته رهقا، وهو الطغيان فقال: * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) *.
والفلق هو بياض الصبح إذا انفلق من الليل وهو من أعظم آيات الله الدالة على وحدانيته.
وأما المستعيذ فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه إلى يوم القيامة.
385

وأما المستعاذ منه فهو أربعة أنواع:
الأول: قوله: * (من شر ما خلق) * وهذا يعم شرور الأولى والآخرة، وشرور الدين والدنيا.
الثاني: قوله: * (من شر غاسق إذا وقب) * والغاسق الليل إذا وقب أي أظلم ودخل في كل شيء، وهو محل تسلط الأرواح الخبيثة.
الثالث: * (شر النفاثات في العقد) * وهذا من شر السحر فإن النفاثات السواحر التي يعقدن الخيوط؛ وينفثن على كل عقدة حتى ينعقد ما يردن من السحر، والنفاثات مؤنث أي الأرواح والأنفس لأن تأثير السحر إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة.
الرابع: * (شر حاسد إذا حسد) * وهذا يعم إبليس وذريته لأنهم أعظم الحساد لبني آدم أيضا.
وقوله: * (إذا حسد) * لأن الحاسد إذا أخفى الحسد ولم يعامل أخاه إلا بما يحبه الله لم يضره ولم يضر المحسود.
386

((تفسير سورة الناس))
وقال أيضا الشيخ محمد رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
وأما قوله: * (قل أعوذ برب الناس) * فقد تضمنت أيضا ذكر ثلاثة:
الأول: الاستعاذة وقد تقدمت.
الثاني: المستعاذ به.
والثالث: المستعاذ منه.
فأما المستعاذ به فهو الله وحده لا شريك له رب الناس الذي خلقهم ورزقهم ودبرهم، وأوصل إليهم مصالحهم ومنع عنهم مضارهم.
* (ملك الناس) * أي المتصرف فيهم وهم عبيده ومماليكه، المدبر لهم كما يشاء الذي له القدرة والسلطان عليهم، فليس لهم ملك يهربون إليه إذا دهمهم أمر؛ يخفض ويرفع ويصل ويقطع ويعطي ويمنع.
* (إله الناس) * أي معبودهم الذي لا معبود لهم غيره فلا يدعى ولا يرجى ولا يخلق إلا هو، فخلقهم وصورهم وأنعم عليهم وحماهم
387

مما يضرهم بربوبيته، وقهرهم وأمرهم ونهاهم، وصرفهم كما يشاء بملكه، واستعبدهم بالهيبة الجامعة لصفات الكمال كلها.
وأما المستعاذ منه فهو الوسواس؛ وهو الخفي الإلقاء في النفس؛ إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من ألقي إليه، وإما بصوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد.
وأما الخناس فهو الذي يخنس ويتأخر ويختفي: وأصل الخنوس الرجوع إلى وراء، وهذان وصفان لموصوف محذوف وهو الشيطان، وذلك أن العبد إذا غفل جثم على قلبه وبذل فيه الوساوس التي هي أصل الشر؛ فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به خنس.
قال قتادة: الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال: رأسه كرأس الحية يضعه على ثمرة القلب يمنيه ويحدثه، فإذا ذكر الله خنس؛ وجاء بناؤه على الفعال الذي يتكرر منه فإنه كلما ذكر الله انخنس، وإذا غفل عاد.
وقوله: * (من الجنة والناس) * يعني أن الوسواس نوعان إنس وجن، فإن الوسوسة الإلقاء الخفي لكن إلقاء الإنس بواسطة الأذن والجني لا يحتاج إليها، ونظير اشتراكهما في الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشيطاني
388

في قوله: * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) * والله أعلم.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
آخر ما وجدنا من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ورضي عنه وكرمه آمين. 11
389